كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

من الولد أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك دارا بعد هذا اليوم، ثم نفض رداءه ثم خرج.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ قال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي " ؟ إسناده على شرطهما ولم يخرجاه.
وهكذا رواه أبو عوانة عن الاعمش عن الحكم بن مصعب عن أبيه ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة عن عاصم (1) عن مصعب عن أبيه فالله أعلم.
وقال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا سليمان بن بلال، حدثنا الجعد بن عبد الرحمن الجعفي، عن عائشة بنت سعد عن أبيها: أن عليا خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول: تخلفني مع الخوالف ؟ فقال: " أو ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة " (2) ؟ وهذا إسناد صحيح أيضا ولم يخرجوه.
وقد رواه غير واحد عن عائشة بنت سعد عن أبيها، قال الحافظ ابن عساكر: وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وابن عباس وعبد الله ه بن جعفر ومعاوية وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وأبو سعيد والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وزيد بن أبي أوفى ونبيط بن شريط وحبشي بن جنادة ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبو الفضل، وأم سلمة وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة.
وقد تقصى الحافظ ابن عساكر هذه الاحاديث في ترجمة علي في تاريخه فأجاد وأفاد وبرز على النظراء والاشباه والانداد.
رحمه رب العباد يوم التناد.
رواية عمر رضي الله عنه في ذلك قال أبو يعلى: حدثنا عبد الله بن عمر ثنا عبد الله بن جعفر أخبرني سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال عمر: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم قيل وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.
وقد روي عن عمر من غير وجه.
رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقد رواه الامام أحمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن عمر بن أسيد عن ابن عمر قال: " كنا نقول في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس أبو بكر ثم عمر ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاثا لان أكون أعطيتهن أحب إلي من حمر النعم ".
فذكر هذه الثلاث.
وقد روى أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
__________
(1) في رواية البيهقي في الدلائل عن أبي داود قال: حدثنا شعبة عن الحكم عن مصعب...الدلائل 5 / 220
ورواه مسلم عن شعبة عن الحكم عن مصعب بنحوه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ص (1870).
(2) مسند أحمد ج 1 / 170، 177.

لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي (1) " ورواه أحمد من حديث عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (2) ".
ورواه الطبراني من طريق عبد العزيز بن حكيم عن ابن عمر مرفوعا ورواه سلمة بن كهيل، عن عامر بن سعد، عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله قال لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " قال سلمة وسمعت مولى لبني موهب يقول: سمعت ابن عباس يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
تزويجه فاطمة الزهاء رضي الله عنها.
قال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن أبيه سمع رجل عليا على منبر الكوفة يقول: " أردت أن أخطب إلى رسول الله ابنته ثم ذكرت أن لا شئ لي ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها، فقال: هل عندك شئ ؟ قلت: لا ! قال فأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا ؟ قلت: عندي، قال: فأعطها فأعطيتها فزوجني فلما كان ليلة دخلت عليها قال لا تحدثا شيئا حتى آتيكما، قال: فأتانا وعلينا قطيفة أو كساء فتحثثنا فقال مكانكما، ثم دعا بقدح من ماء فدعا فيه ثم رشه علي وعليها، فقلت: يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي ؟ قال: هي أحب إلي وأنت أعز علي منها ".
وقد روى النسائي من طريق عبد الكريم بن سليط عن ابن بريدة عن أبيه فذكره بأبسط من هذا السياق، وفيه أنه أولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من الذرة من عند جماعة من الانصار، وأنه دعا لهما بعدما صب عليهما الماء، فقال: " اللهم بارك لهما في شملهما " - يعني الجماع - وقال محمد بن كثير عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما خطب علي فاطمة دخل عليها رسول الله فقال لها: " أي بنية ! إن ابن عمك عليا قد خطبك فماذا تقولين ؟ فبكت ثم قالت: كأنك يا أبت إنما دخرتني لفقير قريش ؟ فقال: والذي بعثني بالحق ما تكلمت فيه حتى أذن الله لي فيه من
السموات، فقالت فاطمة: رضيت بما رضي الله ورسوله.
فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه ثم قال: يا علي أخطب لنفسك فقال علي الحمد لله الذي لا يموت وهذا محمد رسول الله زوجني ابنته على صداق مبلغه أربعمائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا، قالوا: ما تقول يا رسول الله ؟ قال: أشهدكم إني قد زوجته ".
رواه ابن عساكر وهو منكر وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة ضربنا عنها لئلا يطول الكتاب بها.
وقد أورد منها طرفا جيدا الحافظ ابن عساكر في تاريخه.
وقال وكيع عن أبي خالد عن الشعبي قال قال علي: " ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته وتعجن فاطمة على ناحيته " وفي رواية مجالد عن الشعبي " ونعلف عليه الناضح بالنهار وما لي خادم عليها غيرها "
__________
(1) أخرجه الترمذي في المناقب - ح 3730 ص 5 / 640.
(2) مسند أحمد ج 3 / 32.

حديث آخر قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد قال فقال يوما: " سدوا هذه الابواب إلا باب علي " قال فتكلم في ذلك أناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد فإني أمرت بسد هذه الابواب غير باب علي فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشئ فاتبعته (1) " وقد رواه أبو الاشهب عن عوف عن ميمون عن البراء بن عازب فذكره.
وقد تقدم ما رواه أحمد والنسائي من حديث أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس الحديث الطويل وفيه سد الابواب غير باب علي.
وكذا رواه شعبة عن أبي بلج.
ورواه سعد بن أبي وقاص قال أبو يعلى ثنا موسى بن محمد بن حسان ثنا محمد بن إسماعيل بن جعفر الطحان ثنا غسان بن بسر الكاهلي عن مسلم عن خيثمة عن سعد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبواب المسجد وفتح باب علي فقال الناس في ذلك فقال: ما أنا فتحته ولكن الله فتحه " وهذا لا ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من أمره عليه السلام في مرض الموت بسد الابواب
الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق لان نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها، فجعل هذا رفقا بها، وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق لاجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه السلام وفيه إشارة إلى خلافته.
وقال الترمذي: ثنا علي بن المنذر، ثنا ابن الفضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن عطية عن أبي سعيد.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " يا علي لا يحل لاحد يجنب في المسجد غيري وغيرك " قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث ؟ قال: لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك.
ثم قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (2).
وقد سمع محمد بن إسماعيل هذا الحديث.
وقد رواه ابن عساكر من طريق كثير النواء عن عطية عن أبي سعيد به، ثم أورده من طريق أبي نعيم ثنا عبد الملك بن أبي عيينة عن أبي الخطاب عمر الهروي عن محدوج عن جسرة بنت دجاجة أخبرتني أم سلمة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه حتى انتهى إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته: " إنه لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمد ألا هل بينت لكم الاسماء أن تضلوا " وهذا إسناد غريب وفيه ضعف، ثم ساقه من حديث أبي رافع بنحوه وفي إسناده غرابة أيضا.
حديث آخر قال الحاكم وغير واحد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة بن الحصيب: قال غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال: " يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ؟ فقلت بلى يا رسول الله فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وقال الامام أحمد: حدثنا ابن نمير
__________
(1) مسند أحمد ج 4 / 369.
(2) أخرجه الترمذي في المناقب ح 3727 ص 5 / 640.

ثنا الاجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثتين إلى اليمن على إحداهما علي بن أبي طالب وعلى الاخرى خالد بن الوليد وقال إذا التقيتما فعلي على
الناس وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده، قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، فلما أتيت رسول الله دفعت إليه الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه فبلغت ما أرسلت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي (1) " هذه اللفظة منكرة والاجلح شيعي ومثله لا يقبل إذا تفرد بمثلها، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه والله أعلم.
والمحفوظ في هذا رواية أحمد عن وكيع، عن الاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي وليه ".
ورواه أحمد أيضا والحسن بن عرفة عن الاعمش به.
ورواه النسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية به.
وقال أحمد: حدثنا روح بن علي بن سويد بن منجوف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " بعث رسول الله عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس قال فأصبح ورأسه تقطر، فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما يصنع هذا ؟ قال: فلما رجعت إلى رسول الله أخبرته ما صنع علي، قال: - وكنت أبغض عليا - فقال: يا بريدة أتبغض عليا ؟ فقلت: نعم ! قال: لا تبغضه وأحبه فإن له في الخمس أكثر من ذلك " (2) وقد رواه البخاري في الصحيح عن بندار عن روح به مطولا.
وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الجليل قال انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابنا بريدة فقال عبد الله بن بريدة: حدثني أبي بريدة قال " أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا، قال وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا، قال فبعث ذلك الرجل على خيل قال فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا فأصبنا سبيا فكتبنا إلى رسول الله أن أبعث إلينا من يخمسه، فبعث إلينا عليا قال وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي - فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا ؟ قال: ألم ترو إلى الوصيفة التي كانت في السبي ؟ فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي فوقعت بها، قال وكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابعثني ؟ فبعثني مصدقا، قال:
فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق، قال: فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيدي والكتاب قال: أتبغض عليا ؟ قال: قلت نعم ! قال: فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل
__________
(1) مسند أحمد ج 5 / 356 وروى الترمذي عن أبي اسحق عن البراء.
وفيه: قال ما ترى في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله في المناقب ح 3725 ص 5 / 638.
(2) رواه أحمد في مسنده ج 5 / 359.
ورواه البخاري عن محمد بن بشار في كتاب المغازي (61) باب بعث علي إلى اليمن ح (4350) فتح الباري 8 / 66.

علي في الخمس أفضل من وصيفة، قال: فما كان في الناس أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي قال عبد الله: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة (1) " تفرد به أحمد وقد روى غير واحد هذا الحديث عن أبي الجواب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن البراء بن عازب نحو رواية بريدة بن الحصيب وهذا غريب.
وقد رواه الترمذي عن عبد الله بن أبي زياد عن أبي الجواب الاحوص بن جواب به وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا جعفر بن سليمان، حدثني يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله بن عمران بن حصين قال: " بعث رسول الله سرية وأمر عليها علي بن أبي طالب فأحدث شيئا في سفره فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمران.
وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا، فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا، قال: فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه وقال: دعوا عليا، دعوا عليا، دعوا عليا إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " (2).
وقد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان وسياق الترمذي مطول وفيه " أنه أصاب جارية من السبي " ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن
سليمان.
ورواه أبو يعلى الموصلي عن عبد الله بن عمر القواريري والحسن بن عمر بن شقيق الحرمي والمعلى بن مهدي كلهم عن جعفر بن سليمان به.
وقال خيثمة بن سليمان حدثنا أحمد بن حازم أخبرنا عبيد الله بن موسى بن يوسف بن صهيب عن دكين عن وهب بن حمزة قال " سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة فقلت: لئن رجعت فلقيت رسول الله لانالن منه، قال: فرجعت فلقيت رسول الله فذكرت عليا فنلت منه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولن هذا لعلي فإن عليا وليكم بعدي ": وقال أبو داود الطيالسي: عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت ولي كل مؤمن بعدي ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي عن أبي إسحاق، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قالت: اشتكى عليا الناس فقام رسول الله فينا خطيبا فسمعته يقول: " أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لاجيش في ذات الله - أو في سبيل الله " (3).
تفرد به
__________
(1) مسند أحمد ج 5 / 351، 359، ورواه الترمذي عن البراء ح 3725 ص 5 / 638.
(2) مسند أحمد ج 4 / 438 وأخرجه الترمذي في المناقب، وفيه: ما تريدون م علي، ما تريدون من علي ح 3712 ص 5 / 632.
(3) أخرجه أحمد في مسنده ج 3 / 86.

أحمد.
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا أبو سهل بن زياد القطان، ثنا أبو إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي إدريس (1)، حدثني أخي عن سليمان بن بلال، عن سعيد (2) بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه فلما أحضر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا - وكنا قد رأينا في إبلنا خللا - فأبى علينا وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين، قال: فلما فرغ علي وانصرف من اليمن
راجعا، أمر علينا إنسانا فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم.
قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء علي عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت - رأى أثر المراكب - فذم الذي أمره ولامه، فقلت أما إن لله علي إن قدمت المدينة وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاذكرن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولاخبرته ما لقينا من الغلظة والتضييق، قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أذكر له ما كنت حلفت عليه فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني وقف معي ورحب بي وسألني وساءلته وقال: متى قدمت ؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد، قال: ائذن له، فدخلت فحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياني وسلمت عليه وسألني عن نفسي وعن أهلي فأخفى المسألة فقلت: يا رسول الله لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فابتدر رسول الله وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذي - وكنت منه قريبا - وقال: سعد بن مالك بن الشهيد مه بعض قولك لاخيك علي، فوالله لقد علمت أنه جيش (3) في سبيل الله، قال فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية " (4): وقال يونس بن بكير: عن محمد بن إسحاق، حدثني أبان بن صالح عن عبد الله بن دينار الاسلمي، عن خاله عمرو بن شاش الاسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال: كنت مع علي في خيله التي بعثه فيها رسول الله إلى اليمن، فجفاني علي بعض الجفاء فوجدت عليه في نفسي، فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته فأقبلت يوما ورسول الله جالس في المسجد فلما رآني أنظر إلى عينيه نظر إلي حتى جلست إليه فلما جلست إليه قال: أما إنه والله يا عمرو لقد آذيتني، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون أعوذ بالله والاسلام أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من آذى عليا
__________
(1) في الدلائل: أويس.
(2) في الدلائل: سعيد.
(3) في الدلائل: أخشن.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 5 / 398 - 399 وأخرجه الامام أحمد مختصرا في مسنده 3 / 86.

فقد آذاني (1) " وقد رواه الامام أحمد عن يعقوب عن أبيه إبراهيم بن سعد عن محمد بن اسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل، عن عبد الله بن دينار، عن خاله عمرو بن شاش فذكره.
وكذا رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق عن أبان بن الفضل، وكذلك رواه سيف بن عمر عن عبد الله بن سعيد عن أبان بن صالح به ولفظه: " فقال رسول الله من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ".
وروى عباد بن يعقوب الرواجني، عن موسى بن عمير، عن عقيل بن نجدة بن هبيرة، عن عمرو بن شاش قال قال رسول الله: " يا عمرو إن من آذى عليا فقد آذاني " وقال أبو يعلى: ثنا محمود بن خداش، ثنا مروان بن معاوية، ثنا فنان بن عبد الله النهمي، ثنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: كنت جالسا في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي فأقبل رسول الله يعرف في وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه فقال: " ما لكم ومالي ؟ من آذى عليا فقد آذاني ".
حديث غدير خم (2) قال الامام أحمد: حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى قالا: ثنا فطر عن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام كثير من الناس.
قال أبو نعيم ! - فقام ناس كثير - فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا نعم يا رسول الله قال: من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (3).
قال فخرجت كأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا: قال.
فما تنكر ؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
ورواه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عنه أتم من ذلك، وقال أبو بكر الشافعي: ثنا محمد بن سليمان بن الحارث، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو إسرائيل الملائي، عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن عن
زيد بن أرقم أن عليا انتشد الناس: من سمع رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فقام ستة عشر رجلا فشهدوا بذلك وكنت فيهم.
وقال أبو يعلى وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه: حدثنا القواريري ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس: أنشد بالله من سمع رسول الله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه لما قام فشهد قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدريا كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
__________
(1) أخرجه ابن هشام في السيرة 4 / 212 والامام أحمد في مسنده ج 3 / 483 وفيه: عبد الله بن نيار الاسلمي عن خاله عمرو بن شاس.
(2) خم: اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة فيقال: غدير خم.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 370.

يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم ؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (1).
ثم رواه عبد الله بن أحمد عن أحمد بن عمر الوكيعي، عن زيد بن الحباب، عن الوليد بن عقبة بن نيار عن سماك بن عبيد ابن الوليد العبسي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره، قال: " فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حين أخذ بيدك يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ".
وهكذا رواه أبو داود الطهوي - واسمه عيسى بن مسلم - عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي وعبد الاعلى بن عامر التغلبي كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره بنحوه، قال الدارقطني غريب تفرد به عنهما أبو داود الطهوي.
قال الطبراني: ثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن كيسان المديني سنة تسعين ومائتين.
حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا مسعر، عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد قال: شهدت عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله من سمع الله يوم غدير خم يقول ما قال ؟ فقام اثنا عشر رجلا
منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وا من والاه وعاد من عداه " ورواه أبو العباس بن عقدة الحافظ الشيعي عن الحسن بن علي بن عفان العامري، عن عبد الله بن موسى، عن قطن، عن عمرو بن مرة، وسعيد بن وهب وعن زيد بن نتيع قالوا: سمعنا عليا يقول في الرحبة فذكر نحوه فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أن رسول الله قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وابغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله " قال أبو إسحاق حين فرغ من هذا الحديث: يا أبا بكر أي أشياخ هم ؟.
وكذلك رواه عبد الله بن أحمد عن علي بن حكيم الاودي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق فذكر نحوه.
وقال عبد الرزاق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب وعبد خير قالا سمعنا عليا برحبة الكوفة يقول: أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقام عدة من أصحاب رسول الله فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول ذلك.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمعت سعيد بن وهب قال: نشد علي الناس فقام خمسة أو ستة من أصحاب رسول الله فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (2) وقال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا حسين بن الحرث بن لقيط الاشجعي، عن رباح بن الحرث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا: فقال، كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب ؟ قالوا: سمعنا رسول الله يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فإن هذا علي
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 119، 4 / 372، 5 / 347.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 1 / 84، 118، 119، 152، 4 / 281، 368، 372، 5 / 347، 366.

مولاه " قال رباح فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا: نفر من الانصار فيهم أبو أيوب الانصاري (1).
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا شريك عن حنش عن رباح بن الحرث قال: بينا
نحن جلوس في الرحبة مع علي إذا جاء رجل عليه أثر السفر فقال: السلام عليك يا مولاي قالوا: من هذا ؟ فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " وقال أحمد: ثنا محمد بن عبد الله ثنا الربيع - يعني ابن أبي صالح الاسلمي - حدثني زياد بن أبي زياد الاسلمي، سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال أنشد الله رجلا مسلما سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر رجلا بدريا فشهدوا.
وقال أحمد: حدثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك، عن أبي عبد الرحمن الكندي، عن زاذان، أن ابن عمر قال: سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس: من شهد رسول الله يوم غدير خم وهو يقول ما قال ؟ فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " وقال أحمد: ثنا حجاج بن الشاعر ثنا شبابة ثنا نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " قال يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " قال فزاد الناس بعد " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وقد روي هذا من طرق متعددة عن علي رضي الله عنه، وله طرق متعددة عن زيد بن أرقم.
وقال غندر عن شعبة، عن سلمة عن كهيل، سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي مريم أو زيد بن أرقم - شعبة الشاك - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " قال سعيد بن جبير: وأنا قد سمعته قبل هذا من ابن عباس.
رواه الترمذي عن بندار، عن غندر وقال حسن غريب.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون بن أبي عبد الله قال قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله بواد يقال له واد خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال: فخطبنا وظلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب على شجرة سمر من الشمس فقال: " ألستم تعلمون - أو ألستم تشهدون - أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا: بلى ! قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه " (2).
وكذا رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن ميمون بن أبي عبد الله عن زيد بن أرقم.
وقد رواه عن زيد بن أرقم جماعة منهم أبو إسحاق السبيعي، وحبيب الاساف وعطية العوفي وأبو عبد الله الشامي، وأبو الطفيل عامر بن
واثلة.
وقد رواه معروف بن حربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال: لما قفل رسول الله من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن فصلى تحتهن ثم قام فقال: " أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني لاظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 5 / 419.
(2) مسند أحمد ج 4 / 372.

قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم أشهد.
ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه آنية عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؟ الثقل الاكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".
رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا.
وقال عبد الرزاق: أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله حتى نزلنا غدير خم بعث مناديا ينادي، فلما اجتمعا قال: " ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قلنا: بلى يا رسول الله ! قال: ألست أولى بكم من أمهاتكم ؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: ألست أولى بكم من آبائكم ؟ قلنا: بلى يا رسول الله ! قال: ألست ألست ألست ؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فقال عمر بن الخطاب: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت
اليوم ولي كل مؤمن.
وكذا رواه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي عن عدي بن ثابت عن البراء به.
وهكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي عن أبي إسحاق عن البراء به.
وقد روي هذا الحديث عن سعد وطلحة بن عبيد الله وجابر بن عبد الله وله طرق عنه وأبي سعيد الخدري وحبشي بن جنادة وجرير بن عبد الله وعمر بن الخطاب وأبي هريرة، وله عنه طرق منها - وهي أغربها - الطريق الذي قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: ثنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنا علي بن عمر الحافظ، أنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، ثنا علي بن سعيد الرملي، ثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: " من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست ولي المؤمنين ؟ قالوا: بلى يا رسول الله ! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فأنزل الله عز وجل * (اليوم أكملت لكم دينكم) * ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرا وهو أول يوم نزل جبريل بالرسالة.
قال الخطيب: اشتهر هذا الحديث برواية حبشون وكان يقال إنه تفرد به، وقد تابعه عليه أحمد بن عبيد الله بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النبري، عن علي بن سعيد الشامي، قلت وفيه نكارة من وجوه منها قوله نزل فيه * (اليوم أكملت لكم دينكم) * وقد ورد مثله من طريق ابن هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري ولا يصح أيضا، وإنما نزل ذلك

يوم عرفة كما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وقد تقدم.
وقد روي عن جماعة من الصحابة غير من ذكرنا في قوله عليه السلام " من كنت مولاه " والاسانيد إليهم ضعيفة.
حديث الطير وهذا الحديث قد صنف الناس فيه وله طرق متعددة وفي كل منها نظر ونحن نشير إلى شئ من ذلك قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، ثنا عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر عن السدي عن أنس قال: " كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل
معي من هذا الطير " فجاء علي فأكل معه، ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه (1)، قال: وقد روي من غير وجه عن أنس وقد رواه أبو يعلى عن الحسين بن حماد عن شهر بن عبد الملك عن عيسى بن عمر به.
وقال أبو يعلى: ثنا قطن بن بشير ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا عبد الله بن مثنى ثنا عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي بخبزه وضيافه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام " فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي، وقال أنس: وقلت: اللهم اجعله سعد بن عبادة، قال أنس: فسمعت حركة بالباب فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة فانصرف ثم سمعت حركة بالباب فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة فانصرف ثم سمعت حركة بالباب فسلم علي فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال: انظر من هذا ؟ فخرجت فإذا هو علي فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " ائذن له يدخل علي فأذنت له فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وال من والاه ".
والى ورواه الحاكم في مستدركه عن أبي علي الحافظ عن محمد بن أحمد الصفار وحميد بن يونس الزيات كلاهما عن محمد بن أحمد بن عياض عن أبي غسان أحمد بن عياض عن أبي ظبية عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس فذكره، وهذا إسناد غريب.
ثم قال الحاكم: هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم وهذا فيه نظر، فإن أبا علاثة محمد بن أحمد بن عياض هذا معروف لكن روى هذا الحديث عنه جماعة عن أبيه، وممن رواه عنه 5 أبو القاسم الطبراني ثم قال: تفرد به عن أبيه والله أعلم.
قال الحاكم وقد رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا قال شيخنا الحافظ الكبير أبو عبد الله الذهبي فصلهم بثقة يصح الاسناد إليه ثم قال الحاكم: وصحت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة، قال شيخنا أبو عبد الله لا والله ما صح شئ من ذلك، ورواه الحاكم من طريق إبراهيم بن ثابت القصار وهو مجهول عن ثابت البناني عن أنس قال: دخل محمد بن الحجاج فجعل يسب عليا فقال أنس: اسكت عن سب علي فذكر الحديث مطولا وهو منكر سندا ومتنا، لم يورد الحاكم في مستدركه غير هذين الحديثين وقد رواه
ابن أبي حاتم عن عمار بن خالد الواسطي، عن إسحاق الازرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان
__________
(1) أخرجه الترمذي في المناقب.
مناقب علي بن أبي طالب - ح 3721 ص 5 / 636 - 637.

عن أنس، وهذا أجود من إسناد الحاكم.
ورواه عبد الله بن زياد، أبو العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس ببن مالك.
فقال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير مشوي فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير " فذكر نحوه، ورواه محمد بن مصفى، عن حفص بن عمر، عن موسى بن سعد، عن الحسن عن أنس فذكره، ورواه علي بن الحسن الشامي، عن خليل بن دعلج، عن قتادة عن أنس بنحوه، ورواه أحمد بن يزيد الورتنيس، عن زهير، عن عثمان الطويل، عن أنس فذكره، ورواه عبيد الله بن موسى، عن مسكين بن عبد العزيز، عن ميمون أبي خلف حدثني أنس بن مالك فذكره، قال الدارقطني: من حديث ميمون أبي خلف تفرد به مسكين بن عبد العزيز، ورواه الحجاج بن يوسف بن قتيبة عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس.
ورواه ابن يعقوب إسحاق بن الفيض، ثنا المضاء بن الجارود، عن عبد العزيز بن زياد، أن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة فسأله عن علي بن أبي طالب فقال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم طائرا فأمر به فطبخ وصنع فقال: " اللهم ائتني بأحب الخلق إلي يأكل معي ".
فذكره.
وقال الخطيب البغدادي: أنا الحسن بن أبي بكير، أنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح، ثنا محمد بن القاسم النحوي، أبو عبد الله، ثنا أبو عاصم عن أبي الهندي عن أنس فذكره.
ورواه الحاكم بن محمد، عن محمد بن سليم، عن أنس بن مالك فذكره.
وقال أبو يعلى: حدثنا الحسن بن حماد الوراق، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع ثقة ثنا عيسى بن عمر عن إسماعيل السدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر فرده ثم جاء عثمان فرده ثم جاء علي فأذن له ".
وقال أبو القاسم بن عقدة، ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حماد بن المختار الكوفي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن أنس بن
مالك قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طائر فوضع بين يديه فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي قال: فجاء علي فدق الباب فقلت من ذا ؟ فقال: أنا علي، فقلت إن رسول الله على حاجة حتى فعل ذلك ثلاثا، فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
ما حبسك ؟ فقال: قد جئت ثلاث مرات فيحبسني أنس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ذلك ؟ قال قلت: كنت أحب أن يكون رجلا من قومي " وقد رواه الحاكم النيسابوري عن عبدان بن يزيد، عن يعقوب الدقاق، عن إبراهيم بن الحسين الشامي، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن حسين بن سليمان بن عبد الملك بن عمير عن أنس فذكره، ثم قال الحاكم: لم نكتبه إلا بهذا الاسناد، وساقه ابن عساكر من حديث الحرث بن نبهان عن إسماعيل - رجل من أهل الكوفة - عن أنس بن مالك فذكره.
ومن حديث حفص بن عمر المهرقاني عن الحكم بن شبير بن إسماعيل.
أبي سليمان أخي إسحاق بن سليمان الرازي، عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس فذكره.
ومن حديث سليمان بن قرم عن محمد بن علي السلمي، عن أبي حذيفة العقيلي عن أنس فذكره.
وقال

أبو يعلى: ثنا أبو هشام ثنا ابن فضيل ثنا مسلم الملائي عن أنس قال: أهدت أم أيمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طيرا مشويا فقال: " اللهم ائتني بمن تحبه يأكل معي من هذا الطير، قال أنس فجاء علي فاستأذن فقلت: هو على حاجته، فرجع ثم عاد فاستأذن فقلت: هو على حاجته فرجع، ثم عاد فاستأذن فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فقال: ائذن له فدخل وهو موضوع بين يديه فأكل منه وحمد الله " فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك وكل منها فيه ضعف ومقال.
وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي - في جزء جمعه في هذا الحديث بعد ما أورد طرقا متعددة نحوا مما ذكرنا - ويروي هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة عن حجاج بن يوسف وأبي عصام خالد بن عبيد ودينار أبي كيسان وزياد بن محمد الثقفي وزياد العبسي وزياد بن المنذر وسعد بن ميسرة البكري وسليمان التيمي وسليمان بن علي الامير وسلمة بن وردان وصباح بن محارب وطلحة بن مصرف وأبي الزناد وعبد الاعلى بن عامر وعمر بن راشد وعمر بن أبي حفص الثقفي الضرير وعمر بن سليم البجلي
وعمر بن يحيى الثقفي وعثمان الطويل وعلي بن أبي رافع وعيسى بن طهمان وعطية العوفي وعباد بن عبد الصمد وعمار الذهبي (1) وعباس بن علي وفضيل بن غزوان وقاسم بن جندب وكلثوم بن جبر ومحمد بن علي الباقر والزهري ومحمد بن عمرو بن علقمة ومحمد بن مالك الثقفي ومحمد بن جحادة وميمون بن مهران وموسى الطويل وميمون بن جابر السلمي ومنصور بن عبد الحميد ومعلى بن أنس وميمون أبي خلف الجراف وقيل أبو خالد ومطر بن خالد ومعاوية بن عبد الله بن جعفر وموسى بن عبد الله الجهني ونافع مولى ابن عمر والنضر بن أنس بن مالك ويوسف بن إبراهيم ويونس بن حيان ويزيد بن سفيان ويزيد بن أبي حبيب وأبي المليح وأبي الحكم وأبي داود السبيعي وأبي حمزة الواسطي وأبي حذيفة العقيلي وإبراهيم بن هدبة ثم قال بعد أن ذكر الجميع: الجميع بضعة وتسعون نفسا أقر بها غرائب ضعيفة وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة وغالبها طرق واهية.
وقد روى من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو القاسم البغوي وأبو يعلى الموصلي قالا: حدثنا القواريري ثنا يونس بن أرقم ثنا مطير بن أبي خالد عن ثابت البجلي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهدت امرأة من الانصار طائرين بين رغيفين - ولم يكن في البيت غيري وغير أنس - فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بغدائه.
فقلت: يا رسول الله قد اهدت لك امرأة من الانصار هدية، فقدمت الطائرين إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك، فجاء علي بن أبي طالب فضرب الباب خفيا فقلت: من هذا ؟ قال أبو الحسن، ثم ضرب الباب ورفع صوته فقال رسول الله من هذا: قلت علي بن أبي طالب، قال: افتح له، ففتحت له فأكل معه رسول الله من الطيرين حتى فنيا ".
وروى عن ابن عباس فقال أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد: ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمد، ثنا سليمان بن قرم، عن محمد بن شعيب، عن داود بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بطائر
__________
(1) وهو عمار الدهني وقد تقدمت الاشارة إليه.

فقال: " اللهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله فجاء علي فقال: اللهم وإلى " وروى عن علي نفسه
فقال عباد بن يعقوب: ثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، حدثني أبي، عن أبيه عن جده عن علي قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير يقال له الحبارى فوضعت بين يديه - وكان أنس بن مالك يحجبه - فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى الله ثم قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير.
قال فجاء علي فاستأذن فقال له أنس: إن رسول الله يعني على حاجته.
فرجع ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء فرجع ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله قال: اللهم والى.
فأكل معه فلما أكل رسول الله وخرج علي قال أنس: سمعت عليا فقلت يا أبا الحسن استغفر لي فإن لي إليك ذنب وإن عندي بشارة، فأخبرته بما كان من النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله واستغفر لي ورضي عني أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه " ومن حديث جابر بن عبد الله الانصاري أورده ابن عساكر من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره بطوله.
وقد روي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه الحاكم ولكن إسناده مظلم وفيه ضعفاء.
وروي من حديث حبشي بن جنادة ولا يصح أيضا ومن حديث يعلى بن مره والاسناد إليه مظلم، ومن حديث أبي رافع نحوه وليس بصحيح.
وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة منهم أبو بكر بن مردويه والحافظ أبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي ورأيت فيه مجلدا في جمع طرقه وألفاظه لابي جعفر بن جرير الطبري المفسر صاحب التاريخ، ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سندا ومتنا للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم.
وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه والله أعلم.
حديث آخر في فضل علي قال أبو بكر الشافعي: ثنا بشر بن موسى الاسدي، ثنا زكريا بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الانصار في نخل لها يقال له الاسراف ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت صور لها مرشوش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة، فجاءه أبو بكر، ثم قال: الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة، فجاء عمر، ثم قال: الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة، قال: فلقد رأيته مطاطيا رأسه تحت الصور ثم يقول: اللهم إن شئت جعلته عليا، فجاء
علي، ثم إن الانصارية ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة وصنعتها فأكل وأكلنا فلما حضرت الظهر قام يصلي وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا ".
حديث آخر: قال أبو يعلى: حدثنا الحسن بن حماد الكوفي، ثنا ابن أبي عتبة عن أبيه عن الشيباني عن جميع بن عمير قال: " دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي فقالت: ما رأيت رجلا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا أمرأة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته " وقد رواه غير واحد من الشيعة عن جميع بن عمير به.

حديث آخر: قال الامام أحمد: ثنا يحيى بن أبي بكر، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله البجلي البجلي قال: دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟ فقلت معاذ الله - أو سبحان الله أو كلمة نحوها.
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سب عليا فقد سبني " وقد رواه أبو يعلى عن عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عبد الرحمن البجلي، من بجيلة من سليم عن السدي عن أبي عبد الله البجلي قال: " قلت لي أم سلمة أيسب رسول الله فيكم على المنابر ؟ قال: قلت وأنى ذلك ؟ قالت: أليس يسب علي ومن أحبه ؟ فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبه " وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة.
وقد ورد من حديثها وحديث جابر وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك " ولكن أسانيدها كلها ضعيفة لا يحتج بها.
حديث آخر: قال عبد الرزاق " أنا الثوري عن الاعمش عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش قال: سمعت عليا يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " ورواه أحمد عن ابن عمير ووكيع عن الاعمش.
وكذلك رواه أبو معاوية ومحمد بن فضيل وعبد الله بن داود الحربي وعبيد الله بن موسى، ومحاضر بن المورع، ويحيى بن عيسى الرملي، عن الاعمش به وأخرجه مسلم في صحيحه عن (1)...ورواه غسان بن حسان، عن شعبة عن عدي بن ثابت عن علي فذكره.
وقد روي من غير وجه عن
علي.
وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك والله أعلم.
وقال الامام أحمد: ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، أبي نصر، حدثني مساور الحميري عن أبيه قال: سمعت أم سلمة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق " (2) وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة بلفظ آخر ولا يصح وروى ابن عقدة عن الحسن بن علي بن بزيغ، ثنا عمرو بن إبراهيم، ثنا سوار بن مصعب، عن الحكم، عن يحيى الخراز عن عبد الله بن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن " وهذا بهذا الاسناد مختلق لا يثبت والله أعلم.
وقال الحسن بن عرفة: حدثني سعيد بن محمد الوراق، عن علي بن الحراز، سمعت أبا مريم الثقفي، سمعت عمار بن ياسر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك " وقد روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة موضوعة لا أصل لها.
وقال غير واحد عن أبي الازهر أحمد بن الازهر: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري عن عبد الله بن عبيد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى علي.
فقال: " أنت سيد في
__________
(1) بياض بالاصل، وفي صحيح مسلم عن زر عن علي.
وأخرجه في الايمان باب (33) ح 131 ض 1 / 86.
(2) رواه أحمد في المسند 6 / 292 وأخرجه الترمذي في المناقب ح 3717 ص 5 / 635.

الدنيا سيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك قد أبغضني وبغيضك بغيض الله، وويل لمن أبغضك من بعدي " وروى غير واحد أيضا عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي قال: دعاني رسول الله فقال: " إن فيك من عيسى ابن مريم مثلا أبغضته يهود حتى بهتوا أمه، وأحبوه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس هو له " قال علي: ألا وإنه يهلك في اثنان محب مطري مفرط يقرظني بما ليس في.
ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، إلا وإني لست بنبي ولا يوحي إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله حق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم (1)، لفظ عبد الله بن
أحمد.
قال يعقوب بن سفيان: ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا علي بن مسهر، عن الاعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية عن علي قال: أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة قلت هذا لك وهذا لي.
قال يعقوب: وموسى بن طريف ضعيف يحتاج إلى من يعدله، وعباية أقل منه ليس بشئ حديثه.
وذكر أن أبا معاوية لام الاعمش على تحديثه بهذا، فقال له الاعمش: إذا نسيت فذكروني، ويقال إن الاعمش إنما رواه على سبيل الاستهزاء بالروافض والتنقيص لهم في تصديقهم ذلك.
قلت ! وما يتوهمه بعض العوام بل هو مشهور بين كثير منهمم، أن عليا هو الساقي على الحوض فليس له أصل ولم يجئ من طريق مرضي يعتمد عليه، والذي ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يسقي الناس.
وهكذا الحديث الوارد في أنه ليس أحد يأتي يوم القيامة راكبا إلا أربعة رسول الله على البراق، وصالح على ناقته، وحمزة على العضباء، وعلي على ناقة من نوق الجنة رافعا صوته بالتهليل، وكذلك ما في أفواه الناس من اليمين بعلي يقول أحدهم: خذ بعلي، اعطني بعلي، ونحو ذلك كل ذلك لا أصل له بل ذلك من نزعات الروافض ومقالاتهم ولا يصح من شئ من الوجوه، وهو من وضع الرافضة ويخشى على من اعتاد ذلك سلب الايمان عند الموت، ومن حلف بغير الله فقد أشرك.
حديث آخر: قال الامام أحمد: حدثني يحيى، عن شعبة، ثنا عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان آجلا فارفع عني، وإن كان بلاء فصبرني.
قال: ما قلت: " فأعدت عليه فضربني برجله وقال: ما قلت ؟ فأعدت عليه فقال ؟ اللهم عافه أو اشفه " فما اشتكيت ذلك الوجع بعد (2).
حديث آخر: قال محمد بن مسلم بن دارة: ثنا عبيد الله بن موسى ثنا أبو عمر الازدي، عن أبي راشد الحراني، عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن ينظر إلى آدم في
__________
(1) رواه أحمد في مسنده ج 1 / 160.
(2) أخرجه أحمد في مسند 1 / 83، 84.

علمه وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده وإلى موسى في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب " وهذا منكر جدا ولا يصح إسناده.
حديث آخر في رد الشمس قد ذكرناه في دلائل النبوة بأسانيده وألفاظه فأغنى له عن إعادته.
حديثه آخر: قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا علي بن المنذر الكوفي، ثنا محمد بن فضيل، عن الاجلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال: " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه، فقال رسول الله ما انتجيته ولكن الله انتجاه " (1) ثم قال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الاجلح وقد رواه غير ابن فضيل عن الاجلح ومعنى قوله " ولكن الله انتجاه " أن الله أمرني أن انتجي معه.
حديث آخر: قال الترمذي: ثنا محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم وغير واحد ثنا أبو عاصم، عن أبي الجراح، عن جابر بن صبيح، حدثتني أمي أم شراحيل حدثتني أم عطية قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم علي قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يقول: " اللهم لا تمتني حتى ترني عليا " (2) ثم قال هذا حديث حسن.
حديث آخر: قال الامام أحمد: حدثنا علي بن عاصم قال حصين أنا علي بن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني قال: لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال فأقام خطباء يقعون في علي، قال وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: فغضب فقام وأخذ بيدي وتبعته فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الكوفة (3) وأشهد على التسعة أنهم من أهل الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، قال قلت: وما ذاك ؟ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اثبت حراء، فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " قال قلت: من هم ؟ فقال: رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك.
قال قلت: ومن العاشر ؟ قال قال أنا (3).
وينبغي أن يكتب ها هنا حديث أم سلمة المتقدم قريبا أنها قالت لابي عبد الله الجدلي: " أيسب رسول الله فيكم على المنابر " ؟ الحديث
رواه أحمد.
حديث آخر: قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، وابن أبي بكير قالا ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة السلولي - وكان قد شهد حجة الوداع - قال قال رسول الله
__________
(1) أخرجه الترمذي في المناقب - في باب مناقب علي.
ح 3726 ص 5 / 639.
(2) المصدر السابق ح 3737 ص 5 / 643.
(3) في المسند: أهل الجنة.
وأخرجه أحمد في 1 / 189، 5 / 346.

صلى الله عليه وسلم: " علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي " (1) ثم رواه أحمد عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل.
حديث آخر: قال أحمد: حدثنا وكيع قال: قال إسرائيل: قال أبو إسحاق عن زيد بن بثيغ عن أبي بكر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، من كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلى مدته والله برئ من المشركين ورسوله.
قال فسار بها ثلاثا ثم قال لعلي: الحقة ورد علي أبا بكر وبلغها أنت، قال فلما قدم أبو بكر على رسول الله بكى وقال يا رسول الله حدث في شئ ؟ قال ما حدث فيك إلا خير ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل من أهل بيتي (2) " وقال عبد الله بن أحمد: حدثني محمد بن سليمان لوين، ثنا محمد بن جابر، عن سماك، عن حبشي عن علي قال: " لما نزلت عشر آيات من براءة دعا رسول الله أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيث لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر فقال: يا رسول الله نزل في شئ ؟ قال: لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من بيتك " (3) وقد رواه كثير النواء عن جميع بن عمير عن ابن عمر بنحوه وفيه نكارة من جهة أمره برد الصديق، فإن الصديق لم يرجع بل كان هو أمير الحج في سنة تسع وكان علي هو وجماعة معه بعثهم الصديق يطوفون برحاب منى في يوم
النحر وأيام التشريق ينادون ببراءة ؟ وقد قررنا ذلك في حجة الصديق وفي أول تفسير سورة براءة.
حديث آخر روي من حديث أبي بكر الصديق وعمر وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمران بن حصين وأنس وثوبان وعائشة وأبي ذر وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " النظر إلى وجه علي عبادة " وفي حديث عن عائشة " ذكر علي عبادة " ولكن لا يصح شئ منها فإنه لا يخلو كل سند منها عن كذاب أو مجهول لا يعرف حاله وهو شيعي.
حديث الصدقة بالخاتم وهو راكع: قال الطبراني: ثنا عبد الرحمن بن مسلم الرازي ثنا محمد بن يحيى، عن ضريس العبدي، ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه عن جده عن علي قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * [ المائدة: 55 ] فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم وإذا سائل
__________
(1) مسند أحمد ج 4 / 164، 165 وأخرجه الترمذي في المناقب ح 3719 ص 5 / 636 وقال: هذا حديث حسن غريب.
(2) أخرجه أحمد في المسند 1 / 3.
(3) مسند أحمد 1 / 151.

فقال: يا سائل هل أعطاك أحد شيئا فقال: لا ! إلا هاذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه.
وقال الحافظ ابن عساكر: أنا خالي أبو المعالي القاضي أنا أبو الحسن الخلعي أنا أبو العباس أحمد بن محمد الشاهد، ثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث الرملي، ثنا القاضي جملة بن محمد، ثنا أبو سعيد الاشج، ثنا أبو نعيم الاحول، عن موسى بن قيس، عن سلمة قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * وهذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده ولم ينزل في علي شئ من القرآن بخصوصيته وكل ما يريدونه في قوله تعالى * (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) *
[ الرعد: 7 ] وقوله * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * [ الانسان: 8 ] وقوله * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) * [ التوبة: 19 ] وغير ذلك من الآيات والاحاديث الواردة في أنها نزلت في علي لا يصح شئ منها، وأما قوله تعالى * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * [ الحج: 19 ] فثبت في الصحيح أنه نزل في علي وحمزة وعبيدة من المؤمنين، وفي عتبة وشيبة والوليد بن عتبة من الكافرين.
وما روي عن ابن عباس أنه قال: ما نزل في أحد من الناس ما نزل في علي.
وفي رواية عنه أنه قال: نزل فيه ثلثمائة آية فلا يصح ذلك عنه لا هذا ولا هذا.
حديث آخر: قال أبو سعيد بن الاعرابي: ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا العباس بن بكار، أبو الوليد، ثنا عبد الله بن المثنى الانصاري عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا بالمسجد وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل علي فسلم ثم وقف فنظر مكانا يجلس فيه فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجوه أصحابه أيهم يوسع له - وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا - فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال: ها هنا يا أبا الحسن، فجلس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر فرأينا السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل على أبي بكر فقال: يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لاهل الفضل " فأما الحديث الوارد عن علي وحذيفة مرفوعا " علي خير البشر، من أبي فقد فكر ومن رضي فقد شكر " فهو موضوع من الطريقين معا قبح الله من وضعه واختلقه.
حديث آخر: قال أبو عيسى الترمذي: ثنا إسماعيل بن موسى (1) بن عمر الرومي، ثنا شريك، عن كهيل (2)، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا دار الحكمة وعلي بابها " ثم قال هذا الحديث غريب قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن ابن عباس قلت: رواه سويد بن سعيد، عن شريك، عن سلمة عن الصنابحي عن علي مرفوعا: " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت باب المدينة " وأما حديث ابن عباس
__________
(1) في جامع الترمذي 5 / 637: ثنا اسماعيل بن موسى حدثنا محمد بن عمر بن الرومي.
(2) في الترمذي: عن سلمة بن كهيل.
ح 3723 ص 5 / 637.

فرواه ابن عدي من طريق أحمد بن سلمة أبي عمرو الجرحاني ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها " ثم قال ابن عدي: وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي عن أبي معاوية سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء، هكذا قال رحمه الله.
وقد روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين أنه قال: أخبرني ابن أيمن أن أبا معاوية حدث بهذا الحديث قديما ثم كف عنه، قال: وكان أبو الصلت رجلا موسرا يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الاحاديث وساقه ابن عساكر باسناد مظلم عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن جابر بن عبد الله، فذكره مرفوعا، ومن طريق أخرى عن جابر: قال ابن عدي وهو موضوع أيضا.
وقال أبو الفتح الاودي: لا يصح في هذا الباب شئ.
حديث آخر: يقرب مما قبله، قال ابن عدي: ثنا أحمد بن حبرون النيسابوري ثنا ابن أيوب أبو أسامة - هو جعفر بن هذيل - ثنا ضرار بن صرد، ثنا يحيى بن عيسى الرملي عن الاعمش عن ابن عباية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " على عيينة علي ".
حديث آخر: في معنى ما تقدم قال ابن عدي: ثنا أبو يعلى ثنا كامل بن طلحة ثنا ابن لهيعة ثنا يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الجيلي، عن عبد الله بن عمرو بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: " ادعوا لي أخي فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه ثم قال ادعوا لي أخي فدعوا له عمر فأعرض عنه ثم قال ادعوا لي أخي فدعوا له عثمان فأعرض عنه، ثم قال ادعوا لي أخي فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له: ما قال ؟ قال: علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب " قال ابن عدي هذا حديث منكر ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه شديد الافراط في التشيع وقد تكلم فيه الائمة ونسبوه إلى الضعف.
حديث آخر: قال ابن عساكر: أنبأنا أبو يعلى ثنا المقري أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو أحمد
الغطريفي، ثنا أبو الحسين بن أبي مقاتل، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة، ثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي، ثنا أحمد بن عمران بن سلمة - وكان ثقة عدلا مرضيا - ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي فقال: " قسمت الحكمة عشرة أجزاء أعطي علي تسعة والناس جزءا واحدا " وسكت الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث ولم ينبه على أمره وهو منكر بل موضوع مركب سفيان الثوري باسناده قبح الله واضعه ومن افتراه واختلقه.
حديث آخر: قال أبو يعلى ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يحيى، عن الاعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري عن علي.
قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء قال: فضرب في صدري وقال: إن الله سيهدي قلبك ويثبت

لسانك قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد " وقد ثبت عن عمر أنه كان يقول: علي أقضانا وأبي أقرؤنا للقرآن.
وكان عمر يقول أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها.
حديث آخر: قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن أم موسى عن أم سلمة قالت والذي أحلف به إن كان علي بن أبي طالب لاقرب الناس عهدا برسول الله عدنا رسول الله غداة يقول: " جاء علي ؟ مرارا - وأظنه كان بعثه في حاجة - قالت فجاء بعد فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت عند الباب فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه علي فجعل يساره ويناجيه ثم قبض من يومه ذلك فكأن أقرب الناس به عهدا " (1) وهكذا رواه عبد الله بن أحمد وأبو يعلى عن أبي بكر بن أبي شيبة به.
حديث آخر: في معناه قال أبو يعلى: ثنا عبد الرحمن بن صالح، ثنا أبو بكر بن عياش عن صدقة عن جميع بن عمير أن أمه وخالته دخلتا على عائشة فقالتا: يا أم المؤمنين أخبرينا عن علي، قالت: أي شئ تسألن عن رجل وضع يده من رسول الله موضعا فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ثم اختلفوا في دفنه فقال: إن أحب الاماكن إلى الله مكان قبض فيه نبيه صلى الله عليه وسلم ؟ قالتا: فلم
خرجت عليه ؟ قالت أمر قضي لوددت أني أفديه بما على الارض " وهذا منكر جدا وفي الصحيح ما يرد هذا والله أعلم.
حديث آخر: قال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر - يعني الفراء - عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ عن علي قال: قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك ؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم " وقد روي هذا الحديث من طريق عبد الرزاق عن النعمان بن أبي شيبة، وعن يحيى بن العلاء، عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيغ، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
ورواه أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن ابن نمير عن الثوري عن شريك عن أبي إسحاق عن زيد يثيغ عن حذيفة به.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: أنا أبو عبد الله محمد بن علي الآدمي، بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، أنا عبد الرزاق بن همام، عن أبيه، عن ابن ميناء، عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن قال: فتنفس فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟ قال " نعيت إلي نفسي.
قلت: فاستخلف.
قال من ؟ قلت: أبا بكر قال: فسكت، ثم مضى ثم تنفس قلت: ما شأنك يا رسول الله ؟ قال نعيت إلي نفسي يا بن مسعود، قلت: فاستخلف قال: من ؟ قلت: عمر.
قال:
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 6 / 300.

فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس قال: فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟ قال: نعيت إلي نفسي، يا بن مسعود، قلت: فاستخلف قال من ؟ قلت: علي بن أبي طالب قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين " قال ابن عساكر همام وابن ميناء مجهولان.
حديث آخر: قال أبو يعلى: ثنا أبو موسى - يعني محمد بن المثنى - ثنا سهيل بن حماد، أبو غياث الدلال، ثنا مختار بن نافع الفهمي، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه عن علي قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة واعتق بلالا من ماله، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا تركه الحق وماله من صديق، رحم الله عثمان تستحييه الملائكة رحم الله عليا دار الحق معه حيث دار " وقد ورد عن أبي سعيد وأم سلمة أن الحق مع علي رضي الله عنه وفي كل منهما نظر، الله أعلم.
حديث آخر: قال أبو يعلى: ثنا عثمان بن جرير، عن الاعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا ! فقال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا ! ولكنه خاصف النعل - وكان قد أعطى عليا نعله يخصفه " - ورواه الامام البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الاعمش به.
ورواه الامام أحمد عن وكيع وحسين بن محمد، عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء به.
ورواه البيهقي أيضا من حديث أبي نعيم عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه عن أبي سعيد به.
ورواه فضيل بن مرزوق عن عطية، عن أبي سعيد.
وروى من حديث علي نفسه.
وقد قدمنا هذا الحديث في موضعه في قتال علي أهل البغي والخوارج ولله الحمد، وقدمنا أيضا حديث علي للزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لك: إنك تقاتلني وأنت ظالم.
فرجع الزبير وذلك يوم الجمل ثم قتل بعد مرجعه في وادي السباع.
وقدمنا صبره وصرامته وشجاعته في يومي الجمل وصفين، وبسالته وفضله في يوم النهروان، وما ورد في فضل طائفته الذين قتلوا الخوارج من الاحاديث وذكرنا الحديث الوارد من غير طريق عن علي وأبي سعيد وأبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بقتال المارقين والقاسطين والناكثين وفسروا الناكثين بأصحاب الجمل والقاسطين بأهل الشام والمارقين بالخوارج والحديث ضعيف.
* * * تم الجزء السابع من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الثامن
الله عمر يقول الحق وإن كان مرا تركه الحق وماله من صديق، رحم الله عثمان تستحييه الملائكة رحم الله عليا دار الحق معه حيث دار " وقد ورد عن أبي سعيد وأم سلمة أن الحق مع علي رضي الله عنه وفي كل منهما نظر، الله أعلم.
حديث آخر: قال أبو يعلى: ثنا عثمان بن جرير، عن الاعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا ! فقال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا ! ولكنه خاصف النعل - وكان قد أعطى عليا نعله يخصفه " - ورواه الامام البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية عن الاعمش به.
ورواه الامام أحمد عن وكيع وحسين بن محمد، عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء به.
ورواه البيهقي أيضا من حديث أبي نعيم عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه عن أبي سعيد به.
ورواه فضيل بن مرزوق عن عطية، عن أبي سعيد.
وروى من حديث علي نفسه.
وقد قدمنا هذا الحديث في موضعه في قتال علي أهل البغي والخوارج ولله الحمد، وقدمنا أيضا حديث علي للزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لك: إنك تقاتلني وأنت ظالم.
فرجع الزبير وذلك يوم الجمل ثم قتل بعد مرجعه في وادي السباع.
وقدمنا صبره وصرامته وشجاعته في يومي الجمل وصفين، وبسالته وفضله في يوم النهروان، وما ورد في فضل طائفته الذين قتلوا الخوارج من الاحاديث وذكرنا الحديث الوارد من غير طريق عن علي وأبي سعيد وأبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بقتال المارقين والقاسطين والناكثين وفسروا الناكثين بأصحاب الجمل والقاسطين بأهل الشام والمارقين بالخوارج والحديث ضعيف.
* * * تم الجزء السابع من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الثامن وأوله فصل في ذكر شئ من سيرته العادلة وسريرته الفاضلة وخطبه الكاملة

البداية والنهاية - ابن كثير ج 8
البداية والنهاية
ابن كثير ج 8

البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه حققه ودقق اصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء الثامن دار احياء التراث العربي

بسم الله الرحمن الرحيم فصل في ذكر شئ من سيرته الفاضلة ومواعظه وقضاياه الفاصلة وخطبه وحكمه التي هي إلى القلوب واصلة قال عبد الوارث: عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه قال: خطب علي الناس فقال: أيها الناس ! والله الذي لا إله إلا هو ما زريت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه - وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب -.
فقال: أهداها إلي الدهقان، - وفي رواية بضم الدال -، وقال: ثم أتى بيت المال فقال: خذوا وأنشأ يقول: أفلح من كانت له قوصرة * يأكل منها كل يوم تمرة وفي رواية: مرة.
وفي رواية طوبى لمن كانت له قوصرة (1).
وقال حرملة: عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة عن عبد الله بن أبي رزين الغافقي قال: دخلنا مع علي يوم الاضحى فقرب إلينا خزيرة فقلنا: أصلحك الله لو قدمت إلينا هذا البط والاوز، فإن الله قد أكثر الخير فقال: يا بن رزين إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يطعمها بين الناس ".
وقال الامام أحمد: حدثنا حسن وأبو
سعيد مولى بني هاشم قالا: ثنا ابن لهيعة، ثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن رزين أنه قال: دخلت على علي بن أبي طالب، قال حسن يوم الاضحى: فقرب إلينا خزيرة، فقلنا: أصلحك الله لو أطعمتنا هذا البط ؟ - يعني الاوز - فإن الله قد أكثر الخير، قال: يا بن رزين إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله،
__________
(1) قوصرة: وعاء للتمر، وقد تخفف (قاموس) وتقوصر: دخل بعضه في بعض.

وقصعة يضعها بين يدي الناس " (1) وقال أبو عبيد: ثنا عباد بن العوام، عن مروان بن عنترة، عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وعليه قطيفة وهو يرعد من البرد فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولاهل بيتك نصيبا في هذا المال وأنت ترعد من البرد ؟ فقال: إني والله لا أرزأ من مالكم شيئا، وهذه القطيفة هي التي خرجت بها من بيتي - أو قال من المدينة - وقال أبو نعيم: سمعت سفيان الثوري يقول: ما بنى علي لبنة ولا قصبة على لبنة، وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر الحميدي ثنا سفيان أبو حسان عن مجمع بن سمعان التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق فقال: من يشتري مني سيفي هذا ؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته.
وقال الزبير بن بكار: حدثني سفيان عن جعفر قال - أظنه عن أبيه - إن عليا كان إذا لبس قميصا مد يده في كمه فما فضل من الكم عن أصابعه قطعه وقال: ليس للكم فضل عن الاصابع.
وقال أبو بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم عن ابن عباس قال: اشترى علي قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرسغين، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.
وروى الامام أحمد في الزهد: عن عباد بن العوام، عن هلال بن حبان، عن مولى لابي غصين قال: رأيت عليا خرج فأتى رجلا من أصحاب الكرابيس فقال له: عندك قميص سنبلاني ؟ قال: فأخرج إليه قميصا فلبسه فإذا هو إلى نصف ساقيه، فنظر عن يمينه وعن شماله فقال: ما أرى إلا قدرا حسنا، بكم هذا ؟ قال: بأربعة دراهم يا أمير المؤمنين، قال: فحلها من إزاره فدفعها إليه ثم انطلق.
وقال
محمد بن سعد: أنا الفضل بن دكين أنا الحسن (2) بن جرموز عن أبيه قال: رأيت عليا وهو يخرج من القصر وعليه قبطيتان (3) إزار إلى نصف الساق ورداء مشمر قريب منه، ومعه درة له يمشي بها في الاسواق ويأمر الناس بتقوى الله وحسن البيع ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول: لا تنفخوا اللحم.
وقال عبد الله بن المبارك في الزهد: أنا رجل حدثني صالح بن ميثم، ثنا يزيد بن وهب الجهني قال: خرج علينا علي بن أبي طالب ذات يوم وعليه بردان متزر بأحدهما مرتد بالآخر قد أرخى جانب إزاره ورفع جانبا، قد رفع إزاره بخرقة فمر به أعرابي فقال: أيها الانسان البس من هذه الثياب فإنك ميت أو مقتول.
فقال: أيها الاعرابي إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو، وخيرا لي في صلاتي، وسنة للمؤمن.
قال عبد بن حميد: ثنا محمد بن عبيد، ثنا المختار بن نافع، عن أبي مطر قال: خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: إرفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت خلفه وهو مؤتزر بإزار
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 1 / 78.
(2) في ابن سعد 3 / 28: الحر.
(3) في ابن سعد: قطريتان، وثياب قطرية بالكسر: على غير قياس (قاموس).

ومرتد برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت: من هذا ؟ فقال لي رجل: أراك غريبا بهذا البلد.
فقلت: أجل أنا رجل من أهل البصرة، فقال: هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حتى انتهى إلى دار بني أبي معيط وهو يسوق الابل، فقال: بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة، ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادم تبكي فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده موالي فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك واعطها درهما فإنها ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا ؟ فقال: لا فقلت: هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فصبت تمره وأعطاها درهما.
ثم قال الرجل: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم، ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال: يا أصحاب التمر
اطعموا المساكين يرب كسبكم.
ثم مر مجتازا ومعه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طافي.
ثم أتى دار فرات - وهي سوق الكرابيس - فأتى شيخا فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم وكمه ما بين الرسغين إلى الكعبين يقول في لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي.
فقيل له: يا أمير المؤمنين هذا شئ ترويه عن نفسك أو شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: لا ! بل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكسوة.
فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل له: يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين ؟ فأخذ منه أبوه درهما ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرحبة فقال: امسك هذا الدرهم.
فقال: ما شأن هذا الدرهم ؟ فقال إنما ثمن القميص درهمين، فقال: باعني رضاي وأخذ رضاه.
وقال عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي عن الشعبي قال: وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني فأقبل به إلى شريح يخاصمه، قال: فجاء علي حتى جلس جنب شريح وقال: يا شريح لو كان خصمي مسلما ما جلست إلا معه، ولكنه نصراني وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كنتم وإياهم في طريق فاضطروهم إلى مضايقه، وصغروا بهم كما صغر الله بهم من غير أن تطغوا " ثم قال: هذا الدرع درعي ولم أبع ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين هل من بينة ؟ فضحك علي وقال أصاب شريح، مالي بينة، فقضى بها شريح للنصراني، قال فأخذه النصراني ومشى خطأ ثم رجع فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الانبياء، أمير المؤمنين يدنيني إلى قاضيه يقضي عليه، أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين اتبعت الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرجت من بعيرك الاورق.
فقال: أما إذ أسلمت فهي لك، وحمله على فرس.
قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج يوم النهروان.
وقال سعيد بن عبيد عن
علي بن ربيعة: جاء جعدة بن هبيرة إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين يأتيك الرجلان أنت أحب إلى

أحدهما من أهله وماله، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا ؟ قال: فلهزه علي وقال: إن هذا شئ لو كان لي فعلت، ولكن إنما ذا شئ لله.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثني جدي ثنا علي بن هاشم عن صالح بياع الاكسية عن جدته قالت: رأيت عليا اشترى تمرا بدرهم فحمله في محلفته فقال رجل: يا أمير المؤمنين ألا تحمله عنك ؟ فقال: أبو العيال أحق بحمله.
وعن أبي هاشم عن زاذان قال: كان علي يمشي في الاسواق وحده وهو خليفة يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا) * [ القصص: 83 ]، ثم يقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وعن عبادة بن زياد، عن صالح بن أبي الاسود، عمن حدثه أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.
وقال يحيى بن معين: عن علي بن الجعد عن الحسن بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون: فلان، وقال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.
وقال هشام بن حسان: بينا نحن عند الحسن البصري إذ أقبل رجل من الازارقة فقال: يا أبا سعيد ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال: فاحمرت وجنتا الحسن وقال: رحم الله عليا، إن عليا كان سهما لله صائبا في أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها وأقربها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رهباني هذه الامة، لم يكن لمال الله بالسروقة، ولا في أمر الله بالنومة، أعطى القرآن عزائمه وعمله وعلمه، فكان منه في رياض مونقة، وأعلام بينة، ذاك علي بن أبي طالب يالكع.
وقال هشيم عن يسار عن عمار.
قال: حدث رجل علي بن أبي طالب بحديث فكذبه فما قام حتى عمي: وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني شريح بن يونس، ثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن زاذان، أبي عمر: أن رجلا حدث عليا بحديث فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل قال: أدعو
عليك إن كنت كذبت، قال: ادع ! فدعا فما برح حتى عمي.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خلف بن سالم، ثنا محمد بن بشر، عن أبي مكين قال: مررت أنا وخالي أبو أمية على دار في محل حي من مراد، قال: ترى هذه الدار ؟ قلت: نعم ! قال: فإن عليا مر عليها وهم يبنونها فسقطت عليه قطعة فشجته فدعا الله أن لا يكمل بناؤها، قال: فما وضعت عليها لبنة، قال: فكنت فيمن يمر عليها لا تشبه الدور.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عبد الله بن يونس بن بكر الشيباني، عن أبيه، عن عبد الغفار بن القاسم الانصاري، عن أبي بشير الشيباني.
قال شهدت الجمل مع مولاي فما رأيت يوما قط أكثر ساعدا نادرا وقدما نادرة من يومئذ، ولا مرر ؟ بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل قال: فحدثني الحكم بن عيينة أن عليا دعا يوم الجمل فقال اللهم خذ أيديهم وأقدامهم.
ومن كلامه الحسن رضي الله عنه.
قال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعد، أنا عمرو

شمر، حدثني إسماعيل السدي، سمعت أبا أراكة يقول: صليت مع علي صلاة الفجر فلما انفتل عن يمينه مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين ثم قلب يده فقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفرا شعثا غبرا بين أعينهم كأمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تنبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين، ثم نهض فما رئي بعد ذلك مفترا يضحك حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق.
وقال وكيع: عن عمرو بن منبه، عن أوفى بن دلهم، عن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه من الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو منه إلا كل أواب منيب، أولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم ليسوا بالعجل المذابيع البذر، ثم قال: ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد أتت مقبلة، ولكل واحدة بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا
من أبناء الدنيا، ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الارض بساطا، والتراب فراشا، والماء طيبا، ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن طلب الجنة سارع إلى الطاعات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة لعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدمهم، تجري دموعهم على خدودهم، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم.
وأما النهار فظماء حلماء بررة أتقياء، كأنهم القداح ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض، وخولطوا ولقد خالط القوم أمر عظيم.
وعن الاصبغ بن نباتة قال: صعد علي ذات يوم المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر الموت فقال: عباد الله الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، فالنجا النجا، والوحا الوحا، إن وراءكم طالب حثيث القبر فاحذورا ضغطته وظلمته ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة، ألا وإن وراء ذلك يوم يشيب فيه الصغير ويسكر فيه الكبير، * (وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) * [ الحج: 2 ] ألا وإن وراء ذلك ما هو أشد منه، نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وحليها ومقامعها حديد، وماؤها صديد، وخازنها مالك ليس لله فيه رحمة.
قال: ثم بكى وبكى المسلمون حوله، ثم قال: ألا وإن وراء ذلك جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم من العذاب الاليم.
ورواه ليث بن أبي سليم عن مجاهد: حدثني من سمع عليا فذكر نحوه.
وقال وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفى بن دلهم قال: خطب علي فقال: أما بعد فإن الدنيا

قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإن المضمار اليوم وغدا السباق، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل (1)، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد
خاب عمله، ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة، ألا وإنه لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها (2)، وإنه من لم ينفعه الحق ضره بالباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاد به الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن، وذللتم على الزاد، ألا أيها الناس إنما الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، ألا إن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم.
أيها الناس: أحسنوا في أعماركم تحفظوا في أعقابكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه.
إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا يفك أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل.
وفي رواية فإن اتباع الهوى يصد عن الحق، وإن طول الامل ينسي الآخرة.
وعن عاصم بن ضمرة قال: ذم رجل الدنيا عند علي فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنا وزاد لمن تزود منها، ومهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت بغيلها، ونادت بفراقها، وشابت بشرورها السرور، وببلائها الرغبة فيها والحرص عليها ترغيبا وترهيبا، فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه بالامالي متى خدعتك الدنيا أو متى اشتدمت إليك ؟ أبمصارع آبائك في البلا ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك، ممن تطلب له الشفاء، وتستوصف له الاطباء، لا يغني عنه دواؤك، ولا ينفعه بكاؤك.
وقال سفيان الثوري والاعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري.
قال: جاء رجل إلى علي فأطراه - وكان يبغض عليا - فقال له: لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.
وروى ابن عساكر أن رجلا قال لعلي: ثبتك الله قال: على صدرك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، قال قال علي: إن الامر ينزل إلى السماء كقطر المطر لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال، فمن رأى نقصا في نفسه أو أهله أو ماله، ورأى لغيره عثرة فلا يكونن ذلك له فتنة، فإن المسلم ما لم يعش دناه يظهر تخشعا لها
إذا ذكرت، ويغرى به لئام الناس، كالبائس العالم ينتظر أول فورة من قداحه توجب له المغنم، وتدفع عنه المغرم فكذلك المسلم البرئ من الخيانة بين إحدى الحسنيين، إذا ما دعا الله، فما عند
__________
(1) بعدها في النهج شرح محمد عبده ص 125: فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله.
ولم يضرره أجله.
(2) قال شارح النهج محمد عبده: من العجائب الذي لم ير له مثيل أن ينام طالب الجنة في عظمها واستكمال أسباب السعادة فيها، وأن ينام الهارب من النار في هولها واستجماعها أسباب الشقاء.

الله خير له، وإما أن يرزقه الله مالا فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه، وإما أن يعطيه الله في الآخرة فالآخرة خير وأبقى، الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والتقوى، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات، وقد يجمعهما الله تعالى لاقوام.
قال سفيان الثوري: ومن يحسن أن يتكلم بهذا الكلام إلا علي ؟ وقال عن زبيد اليامي عن مهاجر العامري قال: كتب علي بن أبي طالب عهدا لبعض أصحابه (1) على بلد فيه: أما بعد فلا تطولن حجابك (2) على رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة الضيق، وقلة علم بالامور، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيضعف عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل، وإنما الوالي بشر لا يعرف ما يواري عنه الناس به من الامور، وليس على القوم (3) سمات يعرف بها ضروب الصدق من الكذب، فتحصن من الادخال في الحقوق بلين الحجاب، فإنما أنت أحد الرجلين، إما امرؤ شحت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من حق واجب عليك أن تعطيه ؟ وخلق كريم تسديه ؟ وإما مبتلى بالمنع والشح فما أسرع زوال نعمتك، وما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا يئسوا من ذلك (4)، مع أن أكثر حاجات الناس إليك مالا مؤنة فيه عليك من شكاية مظلمة أو طلب انصاف، فانتفع بما وصفت لك واقتصر على حظك ورشدك إن شاء الله.
وقال المدائني: كتب علي إلى بعض عماله: رويدا فكأن قد بلغت المدى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المضيع التوبة، والظالم الرجعة.
وقال
هشيم: أنا عمر بن أبي زائدة عن الشعبي قال: كان أبو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة.
ورواه هشام بن عمار عن إبراهيم بن أعين عن عمر بن أبي زائدة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي فذكره.
وقال أبو بكر بن دريد قال: وأخبرنا عن دماد عن أبي عبيدة قال: كتب معاوية إلى علي: يا أبا الحسن إن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيدا في الجاهلية، وصرت ملكا في الاسلام، وأنا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي.
فقال علي: ابا الفضائل يفخر علي ابن آكلة الاكباد ؟ ثم قال: اكتب يا غلام: محمد النبي أخي وصهري * وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يمسي ويضحي * يطير مع الملائكة ابن أمي
__________
(1) العهد الذي كتبه للاشتر النخعي لما ولاه - رضي الله عنه - على مصر وأعمالها وهو أطول عهد وأجمع كتبه.
انظر نصه في نهج البلاغة شرح محمد عبده ص 599 وما بعدها.
(2) في النهج: احتجابك.
(3) في النهج: الحق.
وسمات جمع سمة.
أي ليس للحق علامات ظاهرة يتميز بها الصدق من الكذب وإنما يعرف ذلك بالامتحان ولا يكون إلا بالمحافظة.
(4) في النهج: بذلك، والبذل: العطاء.

وبنت محمد سكني وعرسي * مسوط لحمها بدمي ولحمي (1) وسبطا أحمد ولداي منها * فأيكم له سهم كسهمي سبقتكم إلى الاسلام طرا * صغيرا ما بلغت أوان حلمي (2) قال فقال معاوية: اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلون إلى ابن أبي طالب.
وهذا منقطع بين أبي عبيدة وزمان علي ومعاوية.
وقال الزبير بن بكار وغيره: حدثني بكر بن حارثة عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال: سمعت عليا ينشد
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي * معه ربيت وسبطاه هما ولدي جدي وجد رسول الله منفرد * وفاطم زوجتي لا قول ذي فند صدقته وجميع الناس في بهم * من الضلالة والاشراك والنكد فالحمد لله شكرا لا شريك له * البر بالعبد والباقى بلا أمد قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " صدقت يا علي " وهذا بهذا الاسناد منكر والشعر فيه ركاكة، وبكر هذا لا يقبل منه تفرده بهذا السند والمتن والله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبي زكريا الرملي: ثنا يزيد بن هارون، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي عن الاصبغ ابن نباتة عن علي أنه جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فرفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك.
فقال علي: اكتب حاجتك على الارض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك، فكتب: إني محتاج، فقال علي: علي بحلة، فأتي بها فأخذها الرجل فلبسها، ثم أنشأ يقول: كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست أبغي بما قد قلته بدلا إن الثناء ليحيى ذكر صاحبه * كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا لا تزهد الدهر في خير تواقعه * فكل عبد سيجزي بالذي عملا فقال علي: علي بالدنانير فأتي بمائة دينار فدفعها إليه، قال الاصبغ: فقلت يا أمير المؤمنين حلة ومائة دينار ؟ قال: نعم ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنزلوا الناس منازلهم " وهذه منزلة هذا الرجل عندي.
وروى الخطيب البغدادي من طريق أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن
__________
(1) مسوط: مختلط.
(2) طرا: طلوع الشارب.

نبيط بن شريط عن أبيه عن جده قال: قال علي بن أبي طالب: إذا اشتملت على الناس القلوب * وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت * وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجها * ولا أغنى بحيلته الاريب أتاك على قنوط منك غوث * يمن به القريب المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت * فموصول بها الفرج القريب ومما أنشده أبو بكر محمد بن يحيى الصولي لامير المؤمنين علي بن أبي طالب: ألا فاصبر على الحدث الجليل * وداو جواك بالصبر الجميل ولا تجزع فإن أعسرت يوما * فقد أيسرت في الدهر الطويل ولا تظنن بربك ظن سوء * فإن الله أولى بالجميل فإن العسر يتبعه يسار * وقول الله أصدق كل قبل فلو أن العقول تجر رزقا * لكان الرزق عند ذوي العقول فكم من مؤمن قد جاع يوما * سيروى من رحيق السلسبيل فمن هوان الدنيا على الله أنه سبحانه يجيع المؤمن مع نفاسته، ويشبع الكلب مع خساسته، والكافر يأكل ويشرب، ويلبس ويتمتع، والمؤمن يجوع ويعرى، وذلك لحكمة اقتضتها حكمة أحكم الحاكمين.
ومما أنشده علي بن جعفر الوراق لامير المؤمنين علي بن أبي طالب: أجد الثياب إذا اكتسيت فإنها * زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التواضع في الثياب تخشعا * فالله يعلم ما تجن وتكتم فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة * عند الاله وأنت عبد مجرم وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن * تخشى الاله وتتقي ما يحرم وهذا كما جاء في الحديث: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ثيابكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " وقال الثوري: ليس الزهد في الدنيا بلبس العبا ولا بأكل الخشن، إنما الزهد
في الدنيا قصر الامل.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الاكبر المبرد: كان مكتوبا على سيف علي: للناس حرص على الدنيا وتدبير * وفي مراد الهوى عقل وتشمير وإن أتوا طاعة لله ربهم * فالعقل منهم عن الطاعات مأسور لاجل هذا وذاك الحرص قد مزجت * صفاء عيشاتها هم وتكدير لم يرزقوها بعقل عند ما قسمت * لكنهم رزقوها بالمقادير

كمن من أديب لبيب لا تساعده * ومائق نال دنياه بتقصير لو كان عن قوة أو عن مغالبة * طار البزاة بأرزاق العصافير وقال الاصمعي: ثنا سلمة بن بلال، عن مجالد، عن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب لرجل كره له صحبة رجل: فلا تصحب أخا الجه * - ل وإياك وإياه فكم من جاهل جاهل * أودى حليما حين آخاه يقاس المرء بالمر * ء وإذا ما المرء ماشه وللشئ على الشي * مقاييس وأشباه وللقلب على القل * - ب دليل حين يلقاه وعن عمرو بن العلاء عن أبيه قال: وقف علي على قبر فاطمة وأنشأ يقول: ذكرت أبا أروى فبت كأنني * برد الهموم الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي قبل الممات قليل وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي * ويحدث بعدي للخليل خليل إذا انقطعت يوما من العيش مدتي * فإن غناء الباكيات قليل
وأنشد بعضهم لعلي رضي الله عنه: حقيق بالتواضع من يموت * ويكفي المرء من دنياه قوت فما للمرء يصبح ذا هموم * وحرص ليس تدركه النعوت صنيع مليكنا حسن جميل * وما أرزاقه عنا تفوت فيا هذا سترحل عن قليل * إلى قوم كلامهم السكوت وهذا الفصل يطول استقصاؤه وقد ذكرنا منه ما فيه مقنع لمن أراده ولله الحمد والمنة.
وقال حماد بن سلمة عن أيوب السختياني أنه قال: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.
غريبة من الغرائب وآبدة من الاوابد قال ابن أبي خيثمة: ثنا أحمد بن منصور ثنا سيار ثنا عبد الرزاق قال: قال معمر مرة وأنا مستقبله وتبسم وليس معنا أحد فقلت له: ما شأنك ؟ قال: عجبت من أهل الكوفة كأن الكوفة

إنما بنيت على حب علي، ما كلمت أحدا منهم إلا وجدت المقتصد منهم الذي يفضل عليا على أبي بكر وعمر، منهم سفيان الثوري، قال: فقلت لمعمر ورأيته ؟ - كأني أعظمت ذاك - فقال معمر: وما ذاك ؟ لو أن رجلا قال: علي أفضل عندي منهما ما عبته إذا ذكر فضلهما ولو أن رجلا قال: عمر عندي أفضل من علي وأبي بكر ما عنفته.
قال عبد الرزاق: فذكرت ذلك لوكيع بن الجراح ونحن خاليين فاستهالها من سفيان وضحك وقال: لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحد، ولكنه أفضى إلى معمر بما لم يفض إلينا، وكنت أقول لسفيان: يا أبا عبد الله أرأيت إن فضلنا عليا على أبي بكر وعمر ما تقول في ذلك ؟ فيسكت ساعة ثم يقول: أخشى أن يكون ذلك طعنا على أبي بكر وعمر ولكنا نقف.
قال عبد الرزاق: وأما ابن التيمي - يعني معتمرا - فقال: سمعت أبي يقول: فضل علي بن أبي طالب بمائة منقبة وشاركهم في مناقبهم، وعثمان أحب إلي منه.
هكذا رواه ابن عساكر
في تاريخه بسنده عن ابن أبي خيثمة به.
وهذا الكلام فيه تخبيط كثير ولعله اشتبه على معمر فإن المشهور عن بعض الكوفيين تقديم علي على عثمان، فأما على الشيخين فلا، ولا يخفى فضل الشيخين على سائر الصحابة إلا على غبي، فكيف يخفى على هؤلاء الائمة ؟ بل قد قال غير واحد من العلماء - كأيوب والدار قطني - من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والانصار.
وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح.
وقال يعقوب بن أبي سفيان: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الاريسي ثنا إبراهيم بن سعيد، عن شعبة عن أبي عون - محمد بن عبد الله الثقفي - عن أبي صالح الحنفي قال: رأيت علي بن أبي طالب أخذ المصحف فوضعه على رأسه حتى أني لارى ورقه يتقعقع قال ثم قال: اللهم إنهم منعوني أن أقوم في الامة بما فيه فأعطني ثواب ما فيه، ثم قال: اللهم إني قد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني، اللهم أمت قلوبهم موت الملح في الماء.
قال إبراهيم: - يعني أهل الكوفة - وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عبد الرحمن بن صالح، ثنا عمرو بن هشام الخبي، عن أبي خباب عن أبي عوف الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي.
قال: قال لي الحسن بن علي، قال لي علي: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنح لي الليلة في منامي فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الاود واللد ؟ قال: ادع عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني، فخرج فضربه الرجل - الاود العوج واللد الخصومة - وقد قدمنا الحديث الوارد بالاخبار بقتله وأنه يخضب لحيته من قرن رأسه، فوقع كما أخبر صلوات الله وسلامه على رسوله، وروى أبو داود في كتاب القدر: أنه لما كان أيام الخوارج كان أصحاب علي يحرسونه كل ليلة عشرة - يبيتون في المسجد بالسلاح - فرآهم علي فقال: ما يجلسكم ؟ فقالوا: نحرسك، فقال: من أهل السماء ؟ ثم قال: إنه لا يكون في الارض شئ حتى يقضى في السماء، وإن علي من الله جنة حصينة.
وفي رواية: وإن الرجل جنة محصونة، وإنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملك فلا تريده دابة ولا شئ إلا قال: اتقه اتقه، فإذا جاء

لقدر خلا عنه، وفي رواية: ملكان يدفعان عنه فإذا جاء القدر خليا عنه، وإنه لا يجد عبد حلاوة الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وكان علي يدخل المسجد كل ليلة فيصلي فيه، فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قلق تلك الليلة وجمع أهله فلما خرج إلى المسجد صرخ الاوز في وجهه فسكتوهن عنه فقال: ذروهن فإنهن نوائح، فلما خرج إلى المسجد ضربه ابن ملجم فكان ما ذكرنا قبل.
فقال الناس: يا أمير المؤمنين ألا نقتل مرادا كلها ؟ فقال: لا ولكن احبسوه وأحسنوا إساره، فإن مت فاقتلوه وإن عشت فالجروح قصاص.
وجعلت أم كلثوم بنت علي تقول: مالي ولصلاة الغداة، قتل زوجي عمر أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي أمير المؤمنين صلاة الغداة، رضي الله عنها.
وقيل لعلي: ألا تستخلف ؟ فقال: لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله، فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا اعتراف منه في آخر وقت الدنيا بفضل الصديق.
وقد ثبت عنه بالتواتر أن خطب بالكوفة في أيام خلافته ودار إمارته، فقال: أيها الناس إن خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر ولو شئت أن أسمي الثالث لسميت.
وعنه أنه قال وهو نازل من المنبر: ثم عثمان ثم عثمان.
ولما مات علي ولي غسله ودفنه أهله، وصلى عليه ابنه الحسن وكبر أربعا، وقيل أكثر من ذلك.
ودفن علي بدار الخلافة بالكوفة وقيل تجاه الجامع من القبلة في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة، بحذاء باب الوراقين وقيل بظاهر الكوفة، وقيل بالكناسة، وقيل دفن بالبرية.
وقال شريك القاضي وأبو نعيم الفضل بن دكين: نقله الحسن بن علي بعد صلحه مع معاوية من الكوفة فدفنه بالمدينة بالبقيع إلى جانب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عيسى بن دآب: بل لما تحملوا به حملوه في صندق على بعير، فلما مروا به ببلاد طئ أضلوا ذلك البعير فأخذته طئ تحسب فيه مالا، فلما وجدوا بالصندوق ميتا دفنوه في بلادهم فلا يعرف قبره إلى الآن، والمشهور أن قبره إلى الآن بالكوفة كما ذكر عبد الملك بن عمران أن خالد بن عبد الله القسري - نائب بني أمية في زمان هشام - لما هدم دورا ليبنيها وجد قبرا فيه شيخ أبيض الرأس واللحية فإذا هو علي، فأراد أن يحرقه بالنار فقيل له: أيها الامير إن بني أمية لا يريدون منك هذا كله، فلفه في قباطي ودفنه
هناك.
قالوا: فلا يقدر أحد أن يسكن تلك الدار التي هو فيها إلا ارتحل منها.
رواه ابن عساكر.
ثم إن الحسن بن علي استحضر عبد الرحمن بن ملجم من السجن، فأحضر الناس النفط والبواري ليحرقوه، فقالوا لهم أولاد علي: دعونا نشتفي منه، فقطعت يداه ورجلاه فلم يجزع ولا فتر عن الذكر، ثم كحلت عيناه وهو في ذلك يذكر الله وقرأ سورة اقرأ باسم ربك إلى آخرها، وإن عينيه لتسيلان على خديه، ثم حاولوا لسانه ليقطعوه فجزع من ذلك جزعا شديدا، فقيل له في ذلك فقال: إني أخاف أن أمكث في الدنيا فواقا لا أذكر الله فيه.
فقتل عند ذلك وحرق بالنار، قبحه الله.
قال محمد بن سعد: كان ابن ملجم رجلا أسمر حسن الوجه أبلج، شعره مع شحمة أذنه، في جبهته أثر السجود.
قال العلماء: ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس بن علي فإنه كان صغيرا

يوم قتل أبوه، قالوا: لانه كان قتل محاربة لا قصاصا والله أعلم.
وكان طعن علي يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين بلا خلاف فقيل مات من يومه وقيل يوم الاحد التاسع عشر منه، قال الفلاس: وقيل ضرب ليلة إحدى وعشرين ومات ليلة أربع وعشرين عن بضع أو ثمان وخمسين سنة، وقيل عن ثلاث وستين سنة وهو المشهور، قاله محمد بن الحنفية، وأبو جعفر الباقر، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش.
وقال بعضهم: عن ثلاث أو أربع وستين سنة، وعن أبي جعفر الباقر خمس وستين سنة.
وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، وقيل أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما، رضي الله عنه.
وقال جرير عن مغيرة قال: لما جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرطة في يوم صائف، جلس وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وجعل يبكي فقالت له فاختة: أنت بالامس تطعن عليه واليوم تبكي عليه، فقال: ويحك إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره.
وذكر ابن أبي الدنيا - في كتاب مكائد الشيطان - أن رجلا من أهل الشام من أمراء معاوية غضب ذات ليلة على ابنه فأخرجه من منزله، فخرج الغلام لا يدري أين يذهب، فجلس وراء الباب من خارج فنام ساعة ثم استيقظ وبابه يخمشه هر أسود بري، فخرج إليه الهر الذي في
منزلهم فقال له البري: ويحك ! افتح فقال: لا أستطيع، فقال: ويحكم ائتني بشئ أتبلغ به فإني جائع وأنا تعبان، هذا أوان مجيئي من الكوفة، وقد حدث الليلة حدث عظيم، قتل علي بن أبي طالب، قال: فقال له الهر الاهلي: والله إنه ليس ها هنا شئ إلا وقد ذكروا اسم الله عليه، غير سفود كانوا يشوون عليه اللحم، فقال: ائتني به، فجاء به فجعل يلحسه حتى أخذ حاجته وانصرف، وذلك بمرأى من الغلام ومسمع، فقام إلى الباب فطرقه فخرج إليه أبوه فقال: من ؟ فقال له: افتح، فقال: ويحك مالك ؟ فقال: افتح، ففتح فقص عليه خبر ما رأى، فقال له: ويحك أمنام هذا ؟ قال: لا والله، قال: ويحك ! أفأصابك جنون بعدي ؟ قال لا والله، ولكن الامر كما وصفت لك، فاذهب إلى معاوية الآن فاتخذ عنده بما قلت لك، فذهب الرجل فاستأذن على معاوية فأخبره خبر ما ذكر له ولده.
فأرخوا ذلك عندهم قبل مجئ البرد، ولما جاءت البرد وجدوا ما أخبروهم به مطابقا لما كان أخبر به أبو الغلام، هذا ملخص ما ذكره.
وقال أبو القاسم: ثنا علي بن الجعد ثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عمرو بن الاصم قال: قلت للحسين بن علي: إن هذه الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله.
ورواه أسباط بن محمد عن مطرف عن إسحاق عن عمرو بن الاصم عن الحسن بن علي بنحوه.
خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه قد ذكرنا أن عليا رضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم قالوا له: استخلف يا أمير المؤمنين فقال لا ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني بغير استخلاف - فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم

على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي وصلى عليه ابنه الحسن - لانه أكبر بنيه رضي الله عنهم - ودفن كما ذكرنا بدار الامارة على الصحيح من أقوال الناس، فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي رضي الله عنه قيس بن سعد بن عبادة فقال له.
ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده، وكان
ذلك يوم مات علي، وكان موته يوم ضرب على قول وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وقيل إنما مات بعد الطعنة بيومين، وقيل مات في العشر الاخير من رمضان، ومن يومئذ ولي الحسن بن علي، وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان، تحت يده أربعون ألف مقاتل، قد بايعوا عليا على الموت، فلما مات علي ألح قيس بن سعد على الحسن في النفير لقتال أهل الشام، فعزل قيسا عن إمرة أذربيجان، وولى عبيد الله بن عباس عليها، ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحدا، ولكن غلبوه على رأيه، فاجتمعوا اجتماعا عظيما لم يسمع بمثله، فأمر الحسن بن علي قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفا (1) بين يديه، وسار هو بالجيوش في أثره قاصدا بلاد الشام، ليقاتل معاوية وأهل الشام فلما اجتاز بالمدائن (2) نزلها وقدم المقدمة بين يديه، فبينما هو في المدائن معسكرا بظاهرها، إذ صرخ في الناس صارخ: ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل، فثار الناس فانتهبوا أمتعة بعضهم بعضا حتى انتهبوا سرادق الحسن، حتى نازعوه بساطا كان جالسا عليه، وطعنه (3) بعضهم حين ركب طعنة أثبتوه وأشوته فكرههم الحسن كراهية شديدة، وركب فدخل القصر الابيض من المدائن فنزله وهو جريح، وكان عامله على المدائن سعد (4) بن مسعود الثقفي - أخو أبي عبيد صاحب يوم الجسر - فلما استقر الجيش بالقصر قال المختار بن أبي عبيد قبحه الله لعمه سعد (5) بن مسعود: هل لك في الشرف والغنى ؟ قال: ماذا ؟ قال: تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعثه إلى معاوية، فقال له عمه: قبحكم الله وقبح ما جئت به، أغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولما رأى الحسن بن علي تفرق جيشه عليه مقتهم وكتب عند ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان - وكان قد ركب في أهل الشام فنزل مسكن - يراوضه على الصلح بينهما، فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما
__________
(1) في فتوح ابن الاعثم 4 / 154: في ألف رجل.
(2) المدائن: كانت رأس الجسر صوب فارس والبلاد المتاخمة لها، وهي بموقعها الجغرافي النقطة الوحيدة التي تحمي الخطوط الثلاث التي تصل كلا من الكوفة والبصرة وفارس بالاخرى، وتقف بقيمتها العسكرية درءا في وجه الاحداث التي تنذر بها ظروف الحرب، واتخذها الحسن مقرا لقيادته العليا ليستقبل عندها نجدات الجيوش
من الاقطار القريبة منه.
(3) في فتوح ابن الاعثم 4 / 155: سنان بن جراح من بني أسد.
وفي الاخبار الطوال ص 217: الجراح بن قبيصة من بني أسد.
(4) كذا بالاصل والطبري 6 / 92 وجمهرة انساب العرب ص 257، وفي الاخبار الطوال: سعيد.

أراد من الاموال، فاشترط أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف درهم، وأن يكون خراج دار أبجرد له، وأن لا يسب علي وهو يسمع، فإذا فعل ذلك نزل عن الامرة لمعاوية، ويحقن الدماء بين المسلمين.
فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية على ما سيأتي بيانه وتفصيله، وقد لام الحسين لاخيه الحسن على هذا الرأي فلم يقبل منه، والصواب مع الحسن رضي الله عنه كما سنذكر دليله قريبا.
وبعث الحسن بن علي إلى أمير المقدمة قيس بن سعد أن يسمع ويطيع، فأبى قيس بن سعد من قبول ذلك، وخرج عن طاعتهما جميعا، واعتزل بمن أطاعه ثم راجع الامر فبايع معاوية بعد قريب كما سنذكره.
ثم المشهور أن مبايعة الحسن لمعاوية كانت في سنة أربعين، ولهذا يقال له عام الجماعة، لاجتماع الكلمة فيه على معاوية، والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين كما سنذكره إن شاء الله، وحج بالناس في هذه السنة - أعني سنة أربعين - المغيرة بن شعبة، وزعم ابن جرير فيما رواه عن إسماعيل بن راشد أن المغيرة بن شعبة افتعل كتابا على لسان معاوية ليلي إمرة الحج عامئذ، وبادر إلى ذلك عتبة بن أبي سفيان، وكان معه كتاب من أخيه بأمرة الحج، فتعجل المغيرة فوقف بالناس يوم الثامن ليسبق عتبة إلى الامرة.
وهذا الذي نقله ابن جرير لا يقبل، ولا يظن بالمغيرة رضي الله عنه ذلك، وإنما نبهنا على ذلك ليعلم أنه باطل، فإن الصحابة أجل قدرا من هذا، ولكن هذه نزعة شيعية.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة بويع لمعاوية بايلياء - يعني لما مات علي - قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لانه لم يبق له عندهم منازع، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي رضي الله عنه ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه، وإنما كان
خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لامرائهم، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد المسلمين، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.
والدليل على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديث الذي أوردناه في دلائل النبوة من طريق سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا " (1) وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الاول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه توفي في ربيع الاول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما.
وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا وهو تركه الدنيا الفانية، ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الامة، فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد.
وهذا المدح قد ذكرناه وسنورده في حديث أبي بكرة الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوما وجلس الحسن بن علي إلى جانبه، فجعل ينظر إلى الناس مرة وإليه أخرى ثم قال:
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده 5 / 220، ومن طريق أبي بكرة رواه أبو داود في السنة 4 / 211 والترمذي في الفتن 4 / 503 والامام أحمد 4 / 273.

" أيها الناس إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " (1) رواه البخاري.
سنة إحدى وأربعين قال ابن جرير: فيها سلم الحسن بن علي الامر لمعاوية بن أبي سفيان.
ثم روى عن الزهري أنه قال: لما بايع أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون [ من سالمت ] محاربون [ من حاربت ] فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب ؟ فما كان عن قريب حتى طعنوه فأشووه فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا (2)، فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه وكتب إلى معاوية يسالمه ويراسله في الصلح بينه وبينه على ما يختاران.
وقال
البخاري في كتاب الصلح: حدثنا عبد الله بن محمد ثنا سفيان عن أبي موسى.
قال: سمعت الحسن يقول: " استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص: إني لارى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال معاوية - وكان والله خير الرجلين -: إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس ؟ من لي بضعفتهم ؟ من لي بنسائهم، فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس - عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر - قال: اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الامة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسالمك.
قال: فمن لي بهذا ؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه " (3)،
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده 5 / 49.
والبخاري في كتاب الصلح.
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد...3 / 244 الطبعة الاميرية.
وأعاده في علامات النبوة في كتاب المناقب.
ورواه المسعودي في مروج الذهب 2 / 478.
(2) ما بين معكوفتين من الطبري 6 / 93.
وقال غيره ان خطبته كانت بعد وصوله إلى المدائن فتوح ابن الاعثم 4 / 154.
والاخبار الطوال ص 216.
(3) صورة معاهدة الصلح التي وقعها الفريقان.
وقد أخذناها من مصادرها حرفيا: المادة الاولى: تسليم الامر إلى معاوية، على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله [ المدائني فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 / 8 ] وبسيرة الخلفاء الصالحين [ فتح الباري فيما رواه ابن عقيل في النصائح الكافية ص 156 ط 1 ].
المادة الثانية: أن يكون الامر للحسن من بعده [ تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 194 والاصابة 2 / 12 و 13 الامامة والسياسة ص 150 دائرة معارف وجدي 3 / 443 ] وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد [ المدائني فيما يرويه عنه ابن أبي الحديد ج 4 / 8 والفصول المهمة لابن الصباغ وغيرهما ].
المادة الثالثة: أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر عليا إلا بخير [ الاصفهاني مقاتل =

قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ".
قال البخاري: قال لي علي بن المديني: إنما ثبت عندنا سماع الحسن بن أبي بكرة بهذا الحديث (1).
قلت: وقد روى هذا الحديث البخاري في كتاب الفتن عن علي بن عبد الله - وهو ابن المديني - وفي فضائل الحسن عن صدقة بن الفضل ثلاثتهم عن سفيان.
ورواه أحمد عن سفيان - وهو ابن عيينة - عن إسرائيل بن موسى البصري به.
ورواه أيضا في دلائل النبوة عن عبد الله بن محمد - وهو ابن أبي شيبة - ويحيى بن آدم كلاهما عن حسين بن علي الجعفي عن إسرائيل عن الحسن وهو البصري به.
وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث حماد بن زيد عن علي بن زيد عن الحسن البصري به.
ورواه أبو داود أيضا والترمذي من طريق أشعث عن الحسن به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد رواه النسائي من طريق عرف الاعرابي وغيره عن الحسن البصري مرسلا.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق أنا معمر أخبرني من سمع الحسن يحدث عن أبي بكرة قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا يوما والحسن بن علي في حجره فيقبل على أصحابه فيحدثهم ثم يقبل عل الحسن فيقبله ثم قال: " إن ابني هذا سيد إن يعش يصلح بين طائفتين من المسلمين " قال الحافظ ابن عساكر: كذا رواه معمر ولم يسم الذي حدثه به عن الحسن، وقد رواه جماعة عن الحسن منهم أبو موسى إسرائيل، ويونس بن عبيد، ومنصور بن زاذان، وعلي بن زيد، وهشام بن حسان، وأشعث بن سوار، والمبارك بن فضالة، وعمرو بن عبيد القدري.
ثم شرع ابن عساكر في تطريق هذه الروايات كلها فأفاد وأجاد قلت: والظاهر أن معمرا رواه عن عمرو بن عبيد فلم يفصح باسمه.
وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار عنه وسماه، ورواه أحمد بن هاشم عن مبارك بن فضالة عن الحسن بن أبي بكرة فذكر الحديث قال الحسن: فوالله والله بعد أن يولى لم يهراق في خلافته ملء محجمة بدم، قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه: وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أم سلمة.
وقد روي هذا الحديث من طريق
__________
= الطالبيين ص 26 شرح النهج ص 4 / 15 وقال آخرون أنه أجابه على أن لا يشتم عليا وهو يسمع، وقال ابن الاثير: ثم لم يف به أيضا ].
المادة الرابعة: يسلم ما في بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف للحسن، وله خراج دار ابجرد [ الطبري 6 / 92 الامامة والسياسة ص 200 وفي الاخبار الطوال ص 218: أن يحمل لاخيه الحسين في كل عام ألفي ألف، ويفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس ].
المادة الخامسة: أن لا يأخذ أحدا من أهل العراق بإجنة، وأن يؤمن الاسود والاحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم [ الدينوري في الاخبار الطوال ص 218 ] وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم [ فتوح ابن الاعثم 4 / 160 ].
(1) انظر حاشية 1 ص 18.

جابر بن عبد الله الانصاري رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن: " إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ".
وكذا رواه عبد الرحمن بن معمر عن الاعمش به.
وقال أبو يعلى: ثنا أبو بكر ثنا زيد بن الحباب، ثنا محمد بن صالح التمار المدني، ثنا محمد بن مسلم بن أبي مريم، عن سعيد بن أبي سعيد المدني قال: كنا مع أبي هريرة إذ جاء الحسن بن علي قد سلم علينا قال: فتبعه [ فلحقه ] وقال: وعليك السلام يا سيدي، وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه سيد " وقال أبو الحسن علي بن المديني: كان تسليم الحسن الامر لمعاوية في الخامس من ربيع الاول سنة إحدى وأربعين، وقال غيره: في ربيع الآخر.
ويقال في غرة جمادى الاولى فالله أعلم.
قال: وحينئذ دخل معاوية إلى الكوفة فخطب الناس بها بعد البيعة.
وذكر ابن جرير أن عمرو بن العاص أشار على معاوية أن يأمر الحسن بن علي أن يخطب الناس ويعلمهم بنزوله عن الامر لمعاوية، فأمر معاوية الحسن فقام في الناس خطيبا فقال في خطبته بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم: أما بعد أيها الناس ! فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الامر مدة، والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع
إلى حين) * (1)، فلما قالها غضب معاوية وأمره بالجلوس، وعتب على عمرو بن العاص في إشارته بذلك، ولم يزل في نفسه لذلك والله أعلم.
فأما الحديث الذي قال أبو عيسى الترمذي في جامعه: حدثنا محمد بن غيلان، ثنا أبو داود الطيالسي ثنا القاسم بن الفضل الحداني، عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين - أو يا مسود وجوه المؤمنين - فقال: لا تؤنبني رحمك الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأي بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت: * (إنا أعطيناك الكوثر) * [ الكوثر: 1 ] يا محمد - يعني نهرا في الجنة - ونزلت: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) * [ القدر: 1 - 3 ] يملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال الفضل (2): فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص (3).
ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو ثقة وثقه يحيى القطان وابن مهدي، قال: وشيخه يوسف بن سعد، ويقال يوسف بن ماذن - رجل مجهول - قال: ولا يعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه، فإنه حديث غريب بل منكر جدا، وقد تكلمنا عليه في كتاب التفسير بما فيه كفاية وبينا
__________
(1) سورة الانبياء الآية 111 وفي فتوح ابن الاعثم 4 / 163 باختلاف يسير.
وانظر الخطبة في الطبري 6 / 93 الكامل 3 / 407 الامامة والسياسة ص 163.
(2) في الترمذي: قال القاسم.
(3) أخرجه الترمذي في التفسير - 86 باب ح 3350 ص 5 / 444 وروى جزءا منه ابن الاثير في الكامل: 3 / 407.
قال الالوسي في تفسير روح المعاني 9 / 422: وقد سمعت ما يدل على أن الالف إشارة إلى ملك بني أمية وكان على ما قال القاسم بن الفضل ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص يوم.

وجه نكارته، وناقشنا القاسم بن الفضل فيما ذكره، فمن أراد ذلك فليراجع التفسير والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: ثنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر، ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكمي، ثنا عباس بن محمد، ثنا أسود بن عامر، ثنا زهير بن معاوية، ثنا أبو روق
الهمداني، ثنا أبو العريف قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفا بمسكن (1)، مستميتين من الجد على قتال أهل الشام، وعلينا أبو الغمر طه فلما جاءنا بصلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، فلما قدم الحسن بن علي الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سعيد بن النتل (2): السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال: لا تقل هذا يا عامر ! لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك.
ولما تسلم معاوية البلاد ودخل الكوفة وخطب بها واجتمعت عليه الكلمة في سائر الاقاليم والآفاق، ورجع إليه قيس بن سعد أحد دهاة العرب - وقد كان عزم على الشقاق - وحصل على بيعة معاوية عامئذ الاجماع والاتفاق، ترحل الحسن بن علي ومعه أخوه الحسين وبقية إخوتهم وابن عمهم عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وجعل كلما مر بحي من شيعتهم يبكتونه على ما صنع من نزوله عن الامر لمعاوية، وهو في ذلك هو البار الراشد الممدوح، وليس يجد في صدره حرجا ولا تلوما ولا ندما، بل هو راض بذلك مستبشر به، وإن كان قد ساء هذا خلقا من ذويه وأهله وشيعتهم، ولا سيما بعد ذلك بمدد وهلم جرا إلى يومنا هذا.
والحق في ذلك اتباع السنة ومدحه فيما حقن به دماء الامة، كما مدحه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الحديث الصحيح ولله الحمد والمنة.
وسيأتي فضائل الحسن عند ذكر وفاته رضي الله عنه وأرضاه، وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه، وقد فعل.
وقال محمد بن سعد: أنا أبو نعيم ثنا شريك عن عاصم عن أبي رزين.
قال: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة فقرأ سورة إبراهيم على المنبر حتى ختمها.
وروى ابن عساكر عن الحسن أنه كان يقرأ كل ليلة سورة الكهف في لوح مكتوب يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو في الفراش رضي الله عنه.
معاوية بن أبي سفيان وملكه قد تقدم في الحديث أن الخلافة بعده عليه السلام ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا، وقد انقضت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي، فأيام معاوية أول الملك، فهو أول ملوك الاسلام وخيارهم.
قال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا الفضيل بن
__________
(1) مسكن: بفتح أوله واسكان ثانيه وكسر ثالثه، الموضع الذي التقى الجمعان به، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ كان في أراضيها مواطن معمورة بالمزارع والسكان وقرى مشهورة كثيرة منها أوانا وعكبرا والعلث، وموقعها اليوم لا يعدو هذه السهول الواقعة بين قرية سميكة وقرية بلد دون سامراء.
(2) في الاخبار الطوال ص 220: سفيان بن ليلى، وفي فتوح ابن الاعثم: 4 / 166: سفيان بن الليل البهمي.

عياض.
عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة الخشني، عن معاذ بن جبل وأبي عبيدة قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الامر بدا رحمة ونبوة، ثم يكون رحمة وخلافة، ثم كائن ملكا عضوضا، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الارض، يستحلون الحرير والفروج والخمور ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عزوجل " (1) إسناده جيد.
وقد ذكرنا في دلائل النبوة الحديث الوارد من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وفيه ضعف عن عبد الملك بن عمير قال قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: " يا معاوية إن ملكت فأحسن ".
رواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن العباس بن محمد عن محمد بن سابق، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسماعيل، ثم قال البيهقي: وله شواهد من وجوه أخر، منها حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص، عن جده سعيد أن معاوية أخذ الاداوة فتبع رسول الله فنظر إليه فقال له: " يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل " قال معاوية: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ومنها حديث راشد بن سعد عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم " (3) قال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفعه الله بها.
ثم روى البيهقي من طريق هشيم عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الخلافة بالمدينة، والملك بالشام " غريب جدا، وروي من طريق أبي إدريس، عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا نائم رأيت الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري فعمد به إلى الشام، وإن الايمان حين تقع الفتنة بالشام ".
وقد رواه سعيد بن
عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن يونس بن ميسرة عن عبد الله بن عمرو.
ورواه الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان، عن سليمان (4) عن عامر بن أبي أمامة.
وروى يعقوب بن سفيان، عن نصر بن محمد بن سليمان السلمي الحمصي، عن أبيه عن عبد الله بن قيس، سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام ".
وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن عبد الله بن صفوان قال قال رجل يوم صفين: اللهم العن أهل الشام، فقال له علي: لا تسب أهل الشام فإن بها الابدال فإن بها الابدال فإن بها الابدال.
وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مرفوعا (5).
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل عن أبي داود الطيالسي عن جرير بن حازم عن ليث.
6 / 340.
(2) أخرجه الامام أحمد في المسند 4 / 101.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الادب ح 4888 ص 4 / 272.
(4) في الدلائل 6 / 448: سليم بن عامر.
(5) انظر دلائل البيهقي - باب ما جاء في إخباره بملك معاوية بن أبي سفيان ج 6 / 446 - 447 قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: في مسند أحمد جملة من الاحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها ولا يجب الاحتجاج بها وقد شغلت

فضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أبو عبد الرحمن القرشي الاموي، خال المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين، أسلم هو وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح.
وقد روي عن معاوية أنه قال: أسلمت يوم عمرة القضاء ولكني كتمت إسلامي من أبي إلى يوم الفتح، وقد كان أبوه من سادات قريش في الجاهلية، وآلت إليه رياسة قريش بعد يوم بدر، فكان هو أمير الحروب من ذلك الجانب، وكان رئيسا مطاعا ذا مال جزيل، ولما أسلم قال: يا رسول الله مرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.
قال: " نعم، قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم " ثم سأل أن يزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته، وهي عزة بنت أبي سفيان واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، فلم يقع ذلك، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يحل له.
وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير موضع، وأفردنا له مصنفا على حدة ولله الحمد والمنة.
والمقصود أن معاوية كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من كتاب الوحي رضي الله عنهم.
ولما فتحت الشام ولاه عمر نيابة دمشق بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان، وأقره على ذلك عثمان بن عفان وزاده بلادا أخرى، وهو الذي بنى القبة الخضراء بدمشق وسكنها أربعين سنة، قاله الحافظ ابن عساكر.
ولما ولي علي بن أبي طالب الخلافة أشار عليه كثير من أمرائه ممن باشر قتل عثمان أن يعزل معاوية عن الشام ويولي عليها سهل بن حنيف فعزله فلم ينتظم عزله والتف عليه جماعة من أهل الشام ومانع عليا عنها وقد قال: لا أبايعه حتى يسلمني قتلة عثمان فإنه قتل مظلوما، وقد قال الله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * [ الاسراء: 33 ].
وروى الطبراني عن ابن عباس أنه قال: ما زلت موقنا أن معاوية يلي الملك من هذه الآية.
أوردنا سنده ومتنه عند تفسير هذه الآية.
فلما امتنع معاوية من البيعة لعلي حتى يسلمه القتلة، كان من صفين ما قدمنا ذكره، ثم آل الامر إلى التحكيم، فكان من أمر عمرو بن العاص وأبي موسى ما أسلفناه من قوة جانب أهل الشام في الصعدة الظاهرة، واستفحل أمر معاوية، ولم يزل أمر علي في اختلاف مع أصحابه حتى قتله ابن ملجم كما تقدم، فعند ذلك بايع أهل العراق الحسن بن علي، وبايع أهل الشام لمعاوية بن أبي سفيان.
ثم ركب الحسن في جنود العراق عن غير إرادة منه، وركب معاوية في أهل الشام.
فلما تواجه الجيشان وتقابل الفريقان سعى الناس بينهما في الصلح فانتهى الحال إلى أن خلع الحسن نفسه من الخلافة وسلم الملك إلى معاوية بن أبي سفيان، وكان ذلك في ربيع الاول من هذه السنة - أعني سنة إحدى وأربعين - ودخل معاوية إلى الكوفة فخطب الناس بها خطبة بليغة بعد ما بايعه الناس - واستوثقت
__________
= مسألة الابدال كثيرا من العلماء وللتوسع انظر المقاصد الحسنة للسخاوي.
والحاوي للفتاوى للسيوطي، واللالئ المصنوعة.

له الممالك شرقا وغربا، وبعدا وقربا، وسمي هذا العام عام الجامعة لاجتماع الكلمة فيه على أمير واحد بعد الفرقة، فولى معاوية قضاء الشام لفضالة بن عبيد (1)، ثم بعده لابي إدريس الخولاني.
وكان على شرطته قيس بن حمزة، وكان كاتبه وصاحب أمره سرحون بن منصور الرومي، ويقال إنه أول من اتخذ الحرس وأول من حزم الكتب وختمها، وكان أول الاحداث في دولته رضي الله عنه.
خروج طائفة من الخوارج عليه وكان سبب ذلك أن معاوية لما دخل الكوفة وخرج الحسن وأهله منها قاصدين إلى الحجاز، قالت فرقة من الخوارج - نحو من خمسمائة -: جاء مالا يشك فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه، فساروا حتى قربوا من الكوفة وعليهم فروة بن نوفل، فبعث إليهم معاوية خيلا من أهل الشام فطردوا الشاميين، فقال معاوية: لا أمان لكم عندي حتى تكفوا بوائقكم، فخرجوا إلى الخوارج فقالت لهم الخوارج: ويلكم ما تبغون ؟ أليس معاوية عدوكم وعدونا ؟ فدعونا حتى نقاتله فإن أصبناه كنا قد كفيناكموه، وإن أصبنا كنتم قد كفيتمونا.
فقالوا: لا والله حتى نقاتلكم، فقالت الخوارج: يرحم الله إخواننا من أهل النهروان كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة، فاقتتلوا فهزمهم أهل الكوفة وطردوهم، ثم إن معاوية أراد أن يستخلف على الكوفة عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له المغيرة بن شعبة: توليه الكوفة وأباه مصر وتبقى أنت بين لحيي (2) الاسد ؟ فثناه عن ذلك وولى عليها المغيرة بن شعبة، فاجتمع عمرو بن العاص بمعاوية فقال: اتجعل المغيرة على الخراج ؟ هلا وليت الخراج رجلا آخر ؟ فعزله عن الخراج وولاه على الصلاة، فقال المغيرة لعمرو في ذلك، فقال له: ألست المشير على أمير المؤمنين في عبد الله بن عمرو ؟ قال: بلى ! قال: فهذه بتلك.
وفي هذه السنة وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وتغلب عليها، فبعث معاوية جيشا ليقتلوه ومن معه (3)، فجاء أبو بكرة الثقفي إلى معاوية فسأله في الصفح والعفو، فعفى عنهم وأطلقهم وولى على البصرة بسر بن أبي أرطاة، فتسلط على أولاد رياد يريد قتلهم، وذلك أن معاوية كتب إلى أبيهم ليحضر إليه فلبث، فكتب إليه بسر: لئن لم تسرع إلى أمير المؤمنين وإلا قتلت بنيك (4)،
فبعث أبو بكرة إلى معاوية في ذلك.
وقد قال معاوية لابي بكرة: هل من عهد تعهده إلينا ؟ قال:
__________
(1) قال في الاستيعاب 3 / 197 هامش الاصابة: ولاه على قضاء دمشق يوم خروجه إلى صفين.
(2) كذا بالاصل والطبري، وفي الكامل 3 / 412: نابي الاسد.
(3) في الطبري 6 / 96 والكامل 3 / 414: بعث بسر بن أبي أرطأة، وفي فتوح ابن الاعثم 4 / 168: عمرو بن أبي أرطأة.
(4) وقد أخذ بسر الاكابر منهم: عبد الرحمن وعبيد الله وعباد.
وقال في مروج الذهب 3 / 7: أخذ ولديه عبيد الله وسالما.

نعم ! أعهد إليك يا أمير المؤمنين أن تنظر لنفسك ورعيتك وتعمل صالحا فإنك قد تقلدت عظيما، خلافة الله في خلقه، فاتق الله فإن لك غاية لا تعدوها، ومن ورائك طالب حثيث وأوشك أن يبلغ المدى فيلحق الطالب، فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه، وهو أعلم به منك، وإنما هي محاسبة وتوقيف، فلا تؤثرن على رضا الله شيئا.
ثم ولى معاوية في آخر هذه السنة البصرة لعبد الله بن عامر، وذلك أن معاوية أراد أن يوليها لعتبة بن أبي سفيان فقال له ابن عامر: إن لي بها أموالا وودائع، وإن لم تولينها هلكت، فولاه إياها وأجابه إلى سؤاله في ذلك.
قال أبو معشر: وحج بالناس في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان، وقال الواقدي: إنما حج بهم عنبسة بن أبي سفيان فالله أعلم.
من أعيان من توفي هذا العام رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان شهد العقبة وبدرا وما بعد ذلك.
ركانة بن عبد العزيز ابن هشام بن عبد المطلب القرشي، وهو الذي صارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه، وكان هذا من أشد الرجال، وكان غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم له من المعجزات كما قدمنا في دلائل النبوة، أسلم عام الفتح، وقيل قبل ذلك بمكة فالله أعلم.
صفوان بن أمية ابن خلف بن وهب بن حذافة بن (1) وهب القرشي، أحد الرؤساء تقدم أنه هرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، ثم جاء فأسلم وحسن إسلامه، وكان الذي استأمن له عمير بن وهب الجمحي.
وكان صاحبه وصديقه في الجاهلية كما تقدم، وقدم به في وقت صلاة العصر فاستأمن له فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر، واستعار منه أدرعا وسلاحا ومالا.
وحضر صفوان حنينا مشركا، ثم أسلم ودخل الايمان قلبه، فكان من سادات المسلمين كما كان من سادات الجاهلية.
قال الواقدي: ثم لم يزل مقيما بمكة حتى توفي بها في أول خلافة معاوية (2).
عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار العبدري الحجبي، أسلم هو وخالد بن الوليد
__________
(1) في الاصابة 2 / 187: ابن جمح أبو وهب جمحي.
وكذلك في الاستيعاب 2 / 183 هامش الاصابة.
(2) في الاستيعاب: مات سنة اثنتين وأربعين وهو ما قاله ابن الاثير في الكامل، 3 / 424، وقال في الاصابة: مات بمكة في آخر خلافة عثمان.

وعمرو بن العاص في أول سنة ثمان قبل الفتح.
وقد روى الواقدي حديثا طويلا عنه في صفة إسلامه، وهو الذي أخذ منه رسول الله مفتاح الكعبة عام الفتح ثم رده إليه وهو يتلو قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) * [ النساء: 58 ] وقال له: " خذها يا عثمان خالدة تالدة لا ينتزعها منكم إلا ظالم ".
وكان علي قد طلبها فمنعه من ذلك.
قال الواقدي: نزل المدينة حياة رسول الله، فلما مات نزل بمكة فلم يزل بها حتى مات في أول خلافة معاوية.
عمرو بن الاسود السكوني كان من العباد الزهاد، وكانت له حلة بمائتي درهم يلبسها إذا قام إلى صلاة الليل، وكان إذا خرج إلى المسجد وضع يمينه على شماله مخافة الخيلاء، روى عن معاذ، وعبادة بن الصامت، والعرباض بن سارية وغيرهم، وقال أحمد في الزهد: ثنا أبو اليمان ثنا ابن بكر عن حكيم بن
عمير، وضمرة بن حبيب: قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدى عمرو بن الاسود.
عاتكة بنت زيد ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، وهي أخت سعيد بن زيد أحد العشرة، أسلمت وهاجرت وكانت من حسان النساء وعبادهن، تزوجها عبيد الله بن أبي بكر فتتيم بها، فلما قتل في غزوة الطائف آلت أن لا تزوج بعده، فبعث إليها عمر بن الخطاب - وهو ابن عمها - فتزوجها، فلما قتل عنها خلف بعده عليها الزبير بن العوام، فقتل بوادي السباع، فبعث إليها علي بن أبي طالب يخطبها فقالت: إني أخشى عليك أن تقتل، فأبت أن تتزوجه ولو تزوجته لقتل عنها أيضا، فإنها لم تزل حتى ماتت في أول خلافة معاوية في هذه السنة رحمها الله.
سنة ثنتين وأربعين فيها غزا المسلمون اللان والروم فقتلوا من أمرائهم وبطارقتهم خلقا كثيرا، وغنموا وسلموا، وفيها ولي معاوية مروان بن الحكم نيابة المدينة، وعلى مكة خالد بن العاص بن هشام، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى قضائها شريح القاضي، وعلى البصرة عبد الله بن عامر، وعلى خراسان قيس بن الهيثم من قبل عبد الله بن عامر.
وفي هذه السنة تحركت الخوارج الذين كانوا قد عفى عنهم علي يوم النهروان، وقد عوفي جرحاهم وثابت إليهم قواهم، فلما بلغهم مقتل علي ترحموا على قاتله ابن ملجم وقال قائلهم: لا يقطع الله يدا علت قذال (1) علي بالسيف، وجعلوا يحمدون الله على قتل علي، ثم عزموا على الخروج على الناس وتوافقوا على الامر بالمعروف
__________
(1) القذال: جماع مؤخر الرأس، والخارجي القائل هو سالم بن ربيعة العبسي.

والنهي عن المنكر فيما يزعمون.
وفي هذه السنة قدم زياد بن أبيه على معاوية - وكان قد امتنع عليه قريبا من سنة في قلعة عرفت به يقال لها قلعة زياد - فكتب إليه معاوية: ما يحملك على أن تهلك نفسك ؟ أقدم علي فأخبرني بما صار إليك من أموال فارس وما صرفت منها وما بقي عندك فائتني به
وأنت آمن، فان شئت أن تقيم عندنا فعلت وإلا ذهبت حيث ما شئت من الارض فأنت آمن.
فعند ذلك أزمع زياد السير إلى معاوية، فبلغ المغيرة قدمه فخشي أن يجتمع بمعاوية قبله، فسار نحو دمشق إلى معاوية فسبقه زياد إلى معاوية بشهر فقال معاوية للمغيرة: ما هذا وهو أبعد منك وأنت جئدت بعده بشهر ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه ينتظر الزيادة وأنا أنتظر النقصان، فأكرم معاوية زيادا وقبض ما كان معه من الاموال وصدقه فيما صرفه.
سنة ثلاث وأربعين فيها غزا بسر بن أبي أرطاة بلاد الروم فتوغل فيها حتى بلغ مدينة قسطنطينية، وشتى ببلادهم فيما زعمه الواقدي، وأنكر غيره ذلك وقالوا: لم يكن بها مشتى لاحد قط فالله أعلم.
قال ابن جرير: وفيها مات عمرو بن العاص بمصر، ومحمد بن مسلمة، قلت: وسنذكر ترجمة كل منهما في آخرها، فولى معاوية بعد عمرو بن العاص على ديار مصر ولده عبد الله بن عمرو، قال الواقدي: فعمل له عليها سنتين.
وقد كانت في هذه السنة - أعين سنة ثلاث وأربعين - وقعة عظيمة بين الخوارج وجند الكوفة، وذلك أنهم صمموا - كما قدمنا - على الخروج على الناس في هذا الحين، فاجتمعوا في قريب من ثلثمائة عليهم المستورد بن علقمة (1)، فجهز عليهم المغيرة بن شعبة جندا عليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، فصار إليهم وقدم بين يديه أبا الرواع (2) في طليعة هي ثلثمائة على عدة الخوارج، فلقيهم أبو الرواع (2) بمكان يقال له المذار (3): فاقتتلوا معهم فهزمهم الخوارج ثم كروا عليهم فهزمتهم الخوارج، ولكن لم يقتل أحد منهم، فلزموا مكانهم في مقاتلتهم ينتظرون قدوم أمير الجيش معقل بن قيس عليهم، فما قدم عليهم إلا في آخر نهار غربت فيه الشمس، فنزل وصلى بأصحابه، ثم شرع في مدح أبي الرواع فقال له: أيها الامير إن لهم شدات منكرة، فكن أنت ردأ الناس، ومر الفرسان فليقاتلوا بين يديك، فقال معقل بن قيس: نعم ما رأيت، فما كان إلا ريثما قال له ذلك حتى حملت الخوارج على معقل وأصحابه، فانجفل عنه عامة أصحابه، فترجل عند ذلك معقل بن قيس وقال: يا معشر المسلمين الارض الارض، فترجل
__________
(1) في ابن الاثير 3 / 421 علفة وفي سائر المراجع علفة بفتح اللام المشددة.
التيمي من تيم الرباب تاريخ الطبري
6 / 100.
(2) في الكامل والطبري: أبو الرواغ الشاكري.
(3) المذار: في ميسان بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام.

معه جماعة من الفرسان والشجعان قريب من مائتي فارس، منهم أبو الرواع الشاكري، فحمل عليهم المستورد بن علقمة (1) بأصحابه فاستقبلوهم بالرماح والسيوف، ولحق بقية الجيش بعض الفرسان فدمرهم وعيرهم وأنبهم على الفرار فرجع الناس إلى معقل وهو يقاتل الخوارج بمن معه من الانصار قتالا شديدا، والناس يتراجعون في أثناء الليل، فصفهم معقل بن قيس ميمنة وميسرة ورتبهم وقال: لا تبرحوا على مصافكم حتى نصبح فنحمل عليهم، فما أصبحوا حتى هزمت الخوارج فرجعوا من حيث أتوا، فسار معقل في طلبهم وقدم بين يديه أبا الرواع في ستمائة فالتقوا بهم عند طلوع الشمس فثار إليهم الخوارج فتبارزوا ساعة، ثم حملوا حملة رجل واحد فصبر لهم أبو الرواع بمن معه، وجعل يدمرهم ويعيرهم ويؤنبهم على الفرار ويحثهم على الصبر فصبروا وصدقوا في الثبات حتى ردوا الخوارج إلى أماكنهم، فلما رأت الخوارج ذلك خافوا من هجوم معقل عليهم فما يكون دون قتلهم شئ، فهربوا بين أيديهم حتى قطعوا دجلة ووقعوا في أرض نهر شير (2)، وتبعهم أبو الرواع ولحقه معقل بن قيس، ووصلت الخوارج إلى المدينة العتيقة فركب إليهم شريك بن عبيد (3) - نائب المدائن - ولحقهم أبو الرواع بمن معه من المقدمة.
وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة.
وممن توفي بها عمرو بن العاص ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما.
أما عمرو بن العاص [ فهو عمرو بن العاص ] بن وائل بن هشام بن سعد (4) بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي، أبو عبد الله، ويقال أبو محمد، أحد رؤساء قريش في الجاهلية، وهو الذي أرسلوه إلى النجاشي ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده فلم يجبهم إلى ذلك لعدله، ووعظ عمرو بن العاص في ذلك، فيقال إنه أسلم على يديه والصحيح أنه إنما
أسلم قبل الفتح بستة أشهر هو وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبدري.
وكان أحد أمراء الاسلام، وهو أمير ذات السلاسل، وأمده رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدد عليهم أبو عبيدة ومعه الصديق وعمر الفاروق، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمان فلم يزل عليها مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره عليها الصديق، وقد قال الترمذي: ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، ثنا مشرح بن عاهان، عن عقبة بن عامر.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص " (5) وقال
__________
(1) انظر حاشية 1 ص 27.
(2) في الطبري 6 / 111 والكامل 3 / 430: بهر سير.
(3) في الطبري والكامل: سماك بن عبيد.
(4) في الاصابة 3 / 2 والاستيعاب على هامش الاصابة 2 / 508: ابن هاشم بن سعيد، وفي مروج المسعودي 3 / 28: ابن وائل بن سهم بن سعيد بن سعد.
(5) أخرجه الترمذي في المناقب ح 3844 ص 5 / 687.

أيضا: ثنا إسحاق بن منصور ثنا أبو أسامة عن نافع عن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة.
قال: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله يقول: " إن عمرو بن العاص من صالحي قريش " (1) وفي الحديث الآخر: " ابنا العاص مؤمنان " وفي الحديث الآخر: " نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله ".
رووه في فضائل عمرو بن العاص.
ثم إن الصديق بعثه في جملة من بعث من أمراء الجيش إلى الشام فكان ممن شهد تلك الحروب، وكانت له الآراء السديدة، والمواقف الحميدة، والاحوال السعيدة.
ثم بعثه عمر إلى مصر فافتتحها واستنابه عليها، وأقره فيها عثمان بن عفان أربع سنين ثم عزله كما قدمناه، وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فاعتزل عمرو بفلسطين وبقي في نفسه من عثمان رضي الله عنهما.
فلما قتل سار إلى معاوية فشهد مواقفه كلها بصفين وغيرها، وكان هو أحد الحكمين.
ثم لما أن استرجع معاوية مصر وانتزعها من يد محمد بن أبي بكر، استعمل عمرو بن العاص عليها فلم يزل نائبها إلى أن
مات في هذه السنة على المشهور، وقيل إنه توفي سنة سبع وأربعين، وقيل سنة ثمان وأربعين.
وقيل سنة إحدى وخمسين رحمه الله.
وقد كان معدودا من دعاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم.
وله أمثال حسنة وأشعار جيدة.
وقد روي عنه أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل، ومن شعره: إذا المرء لم يترك طعاما يحبه * ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضى وطرا منه وغادر سبة * إذا ذكرت أمثالها تملا الفما وقال الامام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله: لم تبكي ؟ أجزعا على الموت ؟ فقال: لا والله ولكن مما بعد الموت، فقال له: قد كنت على خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاثة أطباق ليس فيها طبق إلا عرفت نفسي فيه، كنت أول قريش كافرا، وكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو مت حينئذ وجبت لي النار، فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس حياء منه، فما ملات عيني من رسول الله ولا راجعته فيما أريد حتى لحق بالله حياء، فلو مت يومئذ قال الناس: هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير فمات عليه نرجو له الجنة.
ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان.
وأشياء فلا أدري علي أم لي، فإذا مت فلا تبكين علي باكية، ولا يتبعني مادح ولا نار، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، وشنوا علي التراب شنا (2)، فإن جنبي الايمن ليس أحق بالتراب من جنبي الايسر، ولا تجعلن في قبري خشبة
__________
(1) المصدر السابق ح 3845.
(2) في المسند 4 / 199: وسنوا علي التراب سنا، وكذا قال القاضي: بالمعجمة والمهملة قال: وهو الصب، وبالمهملة: الصب بسهولة، وبالمعجمة التفريق.

ولا حجرا، وإذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور أستأنس بكم.
وقد روى مسلم هذا
الحديث في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب باسناده نحوه وفيه زيادات على هذا السياق، فمنها قوله: كي أستأنس بكم لانظر ماذا أراجع رسل ربي عز وجل (1).
وفي رواية أنه بعد هذا حول وجهه إلى الجدار وجعل يقول: اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك.
وفي رواية أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا قوي فانتصر، ولا برئ فأعتذر، ولا مستنكر بل مستغفر، لا إله إلا أنت، فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه.
وأما محمد بن مسلمة الانصاري [ فقد ] أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، شهد بدرا وما بعدها إلا تبوك فإنه استخلفه رسول الله على المدينة في قوله، وقيل استخلفه في قرقرة الكدر، وكان فيمن قتل كعب بن الاشرف اليهودي، وقيل إنه الذي قتل مرحبا اليهودي يوم خيبر أيضا.
وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من خمس عشرة سرية، وكان ممن اعتزل تلك الحروب بالجمل وصفين ونحو ذلك، واتخذ سيفا من خشب.
وقد ورد في حديث قدمناه أنه أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وخرج إلى الربذة.
وكان من سادات الصحابة، وكان هو رسول عمر إلى عماله وهو الذي شاطرهم عن أمره (2)، وله وقائع عظيمة وصيانة وأمانة بليغة، رضي الله عنه، واستعمله على صدقات جهينة، وقيل إنه توفي سنة ست أو سبع وأربعين، وقيل غير ذلك.
وقد جاوز السبعين، وترك بعده عشرة ذكور وست بنات، وكان أسمر شديد السمرة طويلا أصلع رضي الله عنه.
وممن توفي فيها عبد الله بن سلام أبو يوسف الاسرائيلي أحد أحبار اليهود، أسلم حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل إليه، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب، فكان أول ما سمعته يقول: " أيها الناس افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الارحام تدخلوا الجنة بسلام ".
وقد ذكرنا صفة إسلامه أول الهجرة، وماذا سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاسئلة النافعة الحسنة، رضي الله عنه.
وهو ممن شهد له رسول الله بالجنة، وهو ممن يقطع له بدخولها.
سنة أربع وأربعين فيها غزا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بلاد الروم ومعه المسلمون وشتوا هنالك، وفيها غزا
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 199 ومسلم في صحيحه في الايمان (54) باب.
ح 192 ص 1 / 112.
(2) تقدم أن عمر أرسله إلى سعد بن أبي وقاص لما بلغه أنه بنى قصرا في الكوفة وجعل عليه بابا وقال انقطع الصوت.

بسر بن أبي أرطاة في البحر، وفيها عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة، وذلك أنه ظهر فيها الفساد وكان لين العريكة سهلا، يقال إنه كان لا يقطع لصا ويريد أن يتألف الناس، فذهب عبد الله بن أبي أوفى المعروف بابن الكوا فشكاه إلى معاوية، فعزل معاوية ابن عامر عن البصرة وبعث إليه الحرث بن عبد الله الازدي، ويقال إن معاوية استدعاه إليه ليزوره فقدم ابن عامر على معاوية دمشق فأكرمه ورده على عمله، فلما ودعه قال له معاوية: ثلاث أسألكهن فقل هي لك وأنا ابن أم حكيم، ترد علي عملي ولا تغضب، قال ابن عامر: قد فعلت، قال معاوية: وتهب لي مالك بعرفة، قال: قد فعلت.
قال: وتهب لي دورك بمكة، قال: قد فعلت.
فقال له معاوية: وصلتك رحما، فقال ابن عامر: يا أمير المؤمنين وإني سائلك ثلاثا فقل هي لك وأنا ابن هند، قال: ترد علي مالي بعرفة، قال: قد فعلت قال ولا تحاسب لي عاملا ولا أميرا، قال: قد فعلت، قال: وتنكحني ابنتك هندا، قال: قد فعلت.
ويقال إن معاوية خيره بين هذه الثلاث وبين الولاية على البصرة فاختار هذه الثلاث واعتزل عن البصرة.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة استلحق معاوية زياد بن أبيه فألحقه بأبي سفيان، وذلك أن رجلا (1) شهد على إقرار أبي سفيان أنه عاهر بسمية أم زياد في الجاهلية، وأنها حملت بزياد هذا منه، فلما استلحقه معاوية قيل له زياد بن أبي سفيان، وقد كان الحسن البصري ينكر هذا الاستلحاق ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " (2).
وقال أحمد: ثا هشيم، ثنا خالد عن أبي عثمان قال: لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت: ما هذا الذي صنعتم ؟ سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت
أذني رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ادعى أبا في الاسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " (3) فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجاه من حديث أبي عثمان عنهما.
قلت: أبو بكرة واسمه نفيع وأمه سمية أيضا.
وحج بالناس في هذه السنة معاوية، وفيها عمل معاوية المقصورة بالشام، ومروان مثلها بالمدينة.
وفي هذه السنة توفيت أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين، واسمها رملة أخت معاوية، أسلمت قديما وهاجرت هي وزوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر هناك زوجها، ثبتت على دينها رضي الله عنها، وحبيبة هي أكبر أولادها منه، ولدتها بالحبشة وقيل بمكة قبل الهجرة، ومات زوجها هنالك لعنه الله وقبحه.
ولما تأيمت من زوجها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن
__________
(1) في الاخبار الطوال ص 219: شهد أبو مريم السلولي وكان في الجاهلية خمارا بالطائف أن أبا سفيان وقع على سمية بعدما كان الحارث قد أعتقها، وشهد رجل آخر من بني المصطلق اسمه يزيد أنه سمع أبا سفيان يقول: أن زياد من نطفة أقرها في رحم أمه سمية.
(2) أخرجه البخاري في المغازي ح 4303 فتح الباري 8 / 24.
(3) أخرجه أحمد في المسند ج 1 / 169، 5 / 46.

أمية الضمري إلى النجاشي فزوجها منه، وولى العقد خالد بن سعيد بن العاص، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار وحملها إليه في سنة سبع، ولما جاء أبوها عام الفتح ليشهد العقد دخل عليها فثنت عنه فراش رسول الله فقال لها: والله يا بنية ما أدري أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك، فقال لها: والله يا بنية لقد لقيت بعدي شرا.
وقد كانت من سيدات أمهات المؤمنين ومن العابدات الورعات رضي الله عنها.
قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عوف بن الحارث قال: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها فقالت: قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر.
فقلت: يغفر الله لي ولك، ما كان من ذلك كله وتجاوزت وحاللتك،
فقالت: سررتيني سرك الله.
وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك.
سنة خمس وأربعين فيها ولى معاوية البصرة للحارث بن عبد الله الازدي، ثم عزله بعد أربعة أشهر، وولى زيادا فقدم زياد الكوفة، وعليها المغيرة فأقام بها ليأتيه رسول معاوية بولاية البصرة، فظن المغيرة أنه قد جاء على إمرة الكوفة فبعث إليه وائل بن حجر ليعلم خبره فاجتمع به فلم يقدر منه على شئ، فجاء البريد إلى زياد أن يسير إلى البصرة، واستعمله على خراسان وسجستان ثم جمع له الهند والبحرين وعمان.
ودخل زياد البصرة في مستهل جمادى الاول فقام في أول خطبة خطبها - وقد وجد الفسق ظاهرا - فقال فيها: أيها الناس كأنكم لم تسمعوا ما أعد الله من الثواب لاهل الطاعة، والعذاب لاهل المعصية تكونون كمن طرقت جبينه الدنيا وفسدت مسامعه الشهوات (1)، فاختار الفانية على الباقية.
ثم ما زال يقيم أمر السلطان ويجرد السيف حتى خافه الناس خوفا عظيما، وتركوا ما كانوا فيه من المعاصي الظاهرة، واستعان بجماعة من الصحابة، وولى عمران بن حصين القضاء بالبصرة، وولى الحكم بن عمرو الغفاري نيابة خراسان، وولى سمرة بن جندب وعبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك، وكان حازم الرأي ذا هيبة داهية، وكان مفوها فصيحا بليغا.
قال الشعبي: ما سمعت متكلما قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا من أن يسئ إلا زيادا فإنه كان كلما أكثر كان أجود كلاما، وقد كانت له وجاهة عند عمر بن الخطاب.
وفي هذه السنة غزا الحكم بن عمر ونائب زياد على خراسان جبل الاسل عن أمر زياد فقتل منهم خلقا كثيرا وغنم أموالا جمة، فكتب إليه زياد: إن أمير المؤمنين قد جاء كتابه أن يصطفى له كل صفراء
__________
(1) في الطبري 6 / 124 والكامل 3 / 448: كمن طرفت عينه الدنيا، وسدت مسامعه الشهوات.
وانظر فيهما الخطبة كاملة - وهي الخطبة البتراء - وفي البيان والتبيين للجاحظ 2 / 71 - 72.
والعقد الفريد 4 / 172 - 174، (طبع القاهرة 1953) وفي تهذيب ابن عساكر 5 / 412 وفتوح ابن الاعثم 4 / 176 - 177.

وبيضاء - يعني الذهب والفضة - يجمع كله من هذه الغنيمة لبيت المال.
فكتب الحكم بن عمرو:
إن كتاب الله مقدم على كتاب أمير المؤمنين، وإنه والله لو كانت السموات والارض على عدو فاتقى الله يجعل له مخرجا، ثم نادى في الناس: أن اغدوا على قسم غنيمتكم، فقسمها بينهم وخالف زيادا فيما كتب إليه عن معاوية: وعز الخمس كما أمر الله ورسوله، ثم قال الحكم: إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك، فمات بمرو من خراسان رضي الله عنه (1).
قال ابن جرير: وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم وكان نائب المدينة.
وفي هذه السنة توفي زيد بن ثابت الانصاري أحد كتاب الوحي، وقد ذكرنا ترجمته فيهم في أواخر السيرة، وهو الذي كتب هذا المصحف الامام الذي بالشام عن أمر عثمان بن عفان، وهو خط جيد قوي جدا فيما رأيته، وقد كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاءا تعلم لسان يهود وكتابهم في خمسة عشر يوما، قال أبو الحسن بن البراء: تعلم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما، وتعلم الحبشية والرومية والقبطية من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الواقدي: وأول مشاهده الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة.
وفي الحديث الذي رواه أحمد والنسائي: " وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت ".
وقد استعمله عمر بن الخطاب على القضاء، وقال مسروق: كان زيد بن ثابت من الراسخين، وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عباس أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال له: تنح يا بن عم رسول الله، فقال: لا ! هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا.
وقال الاعمش عن ثابت عن عبيد قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته ومن أذمها إذا خرج إلى الرجال.
وقال محمد بن سيرين: خرج زيد بن ثابت إلى الصلاة فوجد الناس راجعين منها فتوارى عنهم، وقال: من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله.
مات في هذه السنة وقيل في سنة خمس وخمسين، والصحيح الاول، وقد قارب الستين وصلى عليه مروان، وقال ابن عباس: لقد مات اليوم عالم كبير.
وقال أبو هريرة: مات حبر هذه الامة.
وفيها مات سلمة بن سلامة بن وقش عن سبعين، وقد شهد بدرا وما بعدها ولا عقب له.
وعاصم بن عدي، وقد استخلفه رسول الله حين خرج إلى بدر على قبا وأهل العالية، وشهد أحدا وما بعدها، وتوفي عن خمس وعشرين ومائة (2)، وقد بعثه رسول الله هو ومالك بن الدخشم إلى
مسجد الضرار فحرقاه.
وفيها توفيت حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي، وهاجرت معه إلى المدينة فتوفي عنها بعد بدر، فلما انقضت عدتها
__________
(1) انظر الخبر في صفوة الصفوة 1 / 279 وفتوح ابن الاعثم 4 / 200 - 201.
(2) في الكامل 3 / 452: مائة وعشرين سنة وفي الاصابة 2 / 246: مائة وخمس عشرة وقيل مائة وعشرين سنة.

عرضها أبوها على عثمان بعد وفاة زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يتزوجها، فعرضها على أبي بكر فلم يرد عليه شيئا، فما كان عن قريب حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها، فعاتب عمر أبا بكر بعد ذلك في ذلك فقال له أبو بكر: إن رسول الله كان قد ذكرها فما كنت لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها.
وقد روينا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها.
وفي رواية أن جبريل أمره بمراجعتها، وقال: إنها صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة.
وقد أجمع الجمهور أنها توفيت في شعبان من هذه السنة عن ستين سنة، وقيل إنها توفيت أيام عثمان والاول أصح.
سنة ست وأربعين فيها شتى المسلمون ببلاد الروم مع أميرهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وقيل كان أميرهم غيره والله أعلم.
وحج بالناس فيها عتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، والعمال على البلاد هم المتقدم ذكرهم.
وممن توفي في هذه السنة سالم بن عمير أحد البكائين المذكورين في القرآن، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد كلها.
سراقة بن كعب شهد بدرا وما بعدها (1) عبد الرحمن بن خالد بن الوليد القرشي المخزومي، وكان من الشجعان المعروفين والابطال المشهورين كأبيه، وكان قد
عظم ببلاد الشام لذلك حتى خاف منه معاوية، ومات وهو مسموم رحمه الله وأكرم مثواه، قال ابن منده وأبو نعيم الاصبهاني: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن عساكر من طريق أبي عمر أن عمرو بن قيس روى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة ببين الكتفين قال البخاري: وهو منقطع - يعني مرسلا - وكان كعب بن جعيل مداحا له ولاخويه مهاجر وعبد الله.
وقال الزبير بن بكار: كان عظيم القدر في أهل الشام، شهد صفين مع معاوية.
وقال ابن سميع: كان يلي الصوائف زمن معاوية، وقد حفظ عن معاوية.
وقد ذكر ابن جرير وغيره أن رجلا يقال له ابن أثال - وكان رئيس الذمة بأرض حمص - (2) سقاه شربة فيها سم فمات، وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في
__________
(1) قال ابن الكلبي استشهد باليمامة، وفي الاستيعاب هامش الاصابة 2 / 119: توفي في خلافة معاوية.
(2) في الاصابة 3 / 68 والاستيعاب على هامش الاصابة 2 / 409 ان ابن أثال كان طبيبا، وقد مرض عبد الرحمن، فأمره معاوية أن يسقيه شرابا مسموما فسقاه فمات، وفي الاصابة كان نصرانيا أما ابن عبد البر فقال: يهوديا، في الشام.

ذلك ولا يصح.
ورثاه بعضهم فقال: أبوك الذي قاد الجيوش مغريا * إلى الروم لما أعطت الخرج فارس وكم من فتى نبهته بعد هجعة * بقرع لجام وهو أكتع ناعس وما يستوي الصفان صف لخالد * وصف عليه من دمشق البرانس وقد ذكروا أن خالد (1) بن عبد الرحمن بن خالد قدم المدينة فقال له عروة بن الزبير: ما فعل ابن أثال ؟ فسكت، ثم رجع إلى حمص فثار على ابن أثال فقتله، فقال: قد كفيتك إياه ولكن ما فعل ابن جرموز ؟ فسكت عروة ومحمد بن مسلمة في قول، وقد تقدم (هرم بن حبان العبدي) وهو أحد عمال عمر بن الخطاب، ولقي أويسا القرني وكان من عقلاء الناس وعلمائهم، ويقال إنه لما دفن جاءت سحابة فروت قبره وحده، ونبت العشب عليه من وقته والله أعلم.
سنة سبع وأربعين
فيها شتى المسلمون ببلاد الروم، وفيها عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص عن ديار مصر وولى عليها معاوية بن خديج، وحج بالناس عتبة، وقيل أخوه عنبسة بن أبي سفيان فالله أعلم.
وممن توفى فيها قيس بن عاصم المنقري، كان من سادات الناس في الجاهلية والاسلام، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية والاسلام، وذلك أنه سكر يوما فعبث بذات محرم منه فهربت منه، فلما أصبح قيل له في ذلك فقال في ذلك: رأيت الخمر منقصة وفيها * مقابح تفضح الرجل الكريما (2) فلا والله أشربها حياتي * ولا أشفى بها أبدا سقيما وكان إسلامه مع وفد بني تميم، وفي بعض الاحاديث أن رسول الله قال: " هذا سيد أهل الوبر " وكان جوادا ممدحا كريما وهو الذي يقول فيه الشاعر: وما كان قيس هلكه هلك واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما (3) وقال الاصمعي: سمعت أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان بن العلاء يقولان: قيل
__________
(1) في الاصابة والاستيعاب: قتله بدمشق المهاجر بن خالد بن الوليد - أخو عبد الرحمن -.
(2) في الاستيعاب هامش الاصابة 3 / 233: رأيت الخمر صالحة وفيها * خصال تفسد الرجل الحليما (3) نسبه ابن عبد البر إلى عبدة بن الطبيب، وذكر قبله بيتين.
وهو قول ابن حجر في الاصابة.

للاحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم ؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، لقد اختلفنا إليه في الحكم كما يختلف إلى الفقهاء، فبينا نحن عنده يوما وهو قاعد بفنائه محتب بكسائه أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف فقالوا: هذا ابنك قتله ابن أخيك، قال: فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ابن له في المسجد فقال: اطلق عن ابن عمك، ووار أخاك واحمل إلى أمه مائة من الابل فإنها غريبة، ويقال إنه لما حضرته الوفاة جلس حوله بنوه - وكانوا اثنين وثلاثين
ذكرا - فقال لهم: يا بني سودوا عليكم أكبركم تخلفوا أباكم، ولا تسودوا أصغركم فيزدري بكم أكفاؤكم، وعليكم بالمال واصطناعه فإنه نعم ما يهبه الكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها من أخس مكسبة الرجل، ولا تنوحوا علي فإن رسول الله لم ينح عليه (1)، ولا تدفنوني حيث يشعر بكر بن وائل، فإني كنت أعاديهم في الجاهلية.
وفيه يقول الشاعر: عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ما شاء أن يترحما تحية من أوليته منك منة * إذا ذكرت مثلتها تملا الفما (2) فما كان قيس هلكه هلك واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما ثم دخلت سنة ثمان وأربعين فيها شتى أبو عبد الرحمن القتبي (3) بالمسلمين ببلاد انطاكية، وفيها غزا عقبة بن عامر بأهل مصر البحر، وحج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم نائب المدينة.
سنة تسع وأربعين فيها غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم حتى بلغ قسطنطينية ومعه جماعات من سادات الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الانصاري.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " فكان هذا الجيش أول من غزاها، وما وصلوا إليها حتى بلغوا الجهد.
وفيها توفى أبو أيوب خالد بن زيد الانصاري، وقيل لم يمت في هذه الغزوة بل بعدها سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وخمسين كما سيأتي.
وفيها عزل معاوية مروان عن المدينة وولى عليها سعيد بن العاص، فاستقضى سعيد عليها أبا سلمة بن عبد الرحمن.
وفيها شتى مالك بن هبيرة الفزاري بأرض الروم، وفيها كانت غزوة فضالة بن
__________
(1) انظر وصيته في الاصابة 3 / 253 والاستيعاب / على هامش الاصابة 3 / 234 ومسند أحمد 5 / 61.
(2) في الاستيعاب: تحية...نعمة * إذا زار عن شحط بلادك سلما (3) في الطبري 6 / 130 والكامل 3 / 457: القيني.

عبيد (1)، وشتى هنالك، ففتح البلد وغنم شيئا كثيرا.
وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز.
وفيها وقع الطاعون بالكوفة فخرج منها المغيرة فارا، فلما ارتفع الطاعون رجع إليها فأصابه الطاعون فمات، والصحيح أنه مات سنة خمسين كما سيأتي، فجمع معاوية لزياد الكوفة إلى البصرة، فكان أول من جمع له بينهما، فكان يقيم في هذه ستة أشهر وهذه ستة أشهر، وكان يستخلف على البصرة سمرة بن جندب.
وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص.
ذكر من توفي في هذه السنة من الاعيان الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد القرشي الهاشمي، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ابنته فاطمة الزهراء، وريحانته، وأشبه خلق الله به في وجهه، ولد للنصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة، فحنكه رسول الله بريقه وسماه حسنا، وهو أكبر ولد أبويه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا شديدا حتى كان يقبل ذبيبته وهو صغير، وربما مص لسانه واعتنقه وداعبه، وربما جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد في الصلاة فيركب على ظهره فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله، وربما صعد معه إلى المنبر، وقد ثبت في الحديث أنه عليه السلام بينما هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين مقبلين فنزل إليهما فاحتضنهما وأخذهما معه إلى المنبر وقال: " صدق الله * (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) * [ التغابن: 15 ] إني رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أملك أن نزلت إليهما " ثم قال: " إنكم لمن روح الله وإنكم لتبجلون وتحببون ".
وقد ثبت في صحيح البخاري: عن أبي عاصم، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث أن أبا بكر صلى بهم العصر بعد وفاة رسول الله بليال ثم خرج هو وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان فاحتمله على عنقه وجعل يقول: " يا بابي شبه النبي، ليس شبيها بعلي ".
قال: وعلي يضحك (2).
وروى سفيان الثوري وغير واحد قالوا: ثنا وكيع، ثنا إسماعيل بن أبي خالد سمعت أبا جحيفة يقول: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه ".
ورواه البخاري ومسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد
قال وكيع: لم يسمع إسماعيل من أبي جحيفة إلا هذا الحديث.
وقال أحمد: ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا زمعة، عن ابن أبي مليكة قالت: كانت فاطمة تنقر للحسن بن علي وتقول: يا بابي شبه النبي ليس شبيها بعلي.
وقال عبد الرزاق وغيره: عن معمر، عن الزهري، عن أنس قال: كان الحسن بن علي أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه أحمد عن عبد الرزاق بنحوه، وقال
__________
(1) في الطبري 6 / 130: غزا جربة.
وفي الكامل 3 / 458: جربة.
(2) رواه البخاري في المناقب (23) باب.
فتح الباري 6 / 563 وأخرجه في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب الحسن والحسين.
وأخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 8.

أحمد: ثنا حجاج ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن هانئ عن علي قال: " الحسن أشبه برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله ما أسفل من ذلك " (1).
ورواه الترمذي من حديث إسرائيل وقال حسن غريب.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قيس عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي قال: كان الحسن أشبه الناس برسول الله من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.
وقد روي عن ابن عباس وابن الزبير أن الحسن بن علي كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد: ثنا حازم بن الفضيل، ثنا معتمر عن أبيه قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان النهدي يحدثه أبو عثمان عن أسامة بن زيد قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الاخرى ثم يضمنا ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما " (2).
وكذا رواه البخاري عن النهدي عن محمد بن الفضيل أخو حازم به، وعن علي بن المديني عن يحيى القطان، عن سليمان التيمي، عن أبي تميمة، عن أبي عثمان عن أسامة، وأخرجه أيضا عن موسى بن إسماعيل ومسدد عن معتمر عن أبيه عن أبي عثمان عن أسامة فلم يذكر أبا تميمة والله أعلم.
وفي رواية: " اللهم إني أحبهما فأحبهما ".
وقال شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي عاتقه وهو يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه " (3).
أخرجاه من حديثه شعبة.
ورواه علي بن الجعد عن فضيل بن
مرزوق عن عدي عن البراء، فزاد " وأحب من أحبه " وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال أحمد: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي: " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " (5).
ورواه مسلم عن أحمد وأخرجاه من حديث شعبة.
وقال أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا ورقاء، عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة.
قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سوق من أسواق المدينة فانصرف وانصرفت معه، فجاء إلى فناء فاطمة فقال أي لكع أي لكع أي لكع فلم يجبه أحد، فانصرف وانصرفت معه إلى فناء فقعد، قال: فجاء الحسن بن علي - قال أبو هريرة: ظننا أن أمه حبسته لتجعل في عنقه السخاب - فلما دخل التزمه رسول الله والتزم هو رسول الله، ثم قال: إني أحبه وأحب من يحبه " (5) ثلاث مرات.
وأخرجاه من حديث سفيان بن
__________
(1) أخرجه الترمذي في المناقب (31) باب.
ح 3779 ص 5 / 660 والامام أحمد في مسنده 1 / 90.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده 5 / 205 وأخرجه البخاري في فضائل الصحابة ح 3747 فتح الباري 7 / 94.
(3) فتح الباري 7 / 94 ح 3749.
ومسلم في فضائل الصحابة ح 56 ص 4 / 1882.
والترمذي في المناقب ح 3783 ص 5 / 661.
(4) أخرجه أحمد في المسند 2 / 249، 331 ومسلم في فضائل الصحابة ح (56) ص 4 / 1882.
(5) مسند أحمد 4 / 284.
ومسلم ح 57.
- لكع: المراد هنا الصغير.

عيينة عن عبد الله به.
وقال أحمد: ثنا حماد الخياط، ثنا هشام بن سعد، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن أبي هريرة.
قال: " خرج رسول الله إلى سوق بني قينقاع متكئا على يدي فطاف فيها، ثم رجع فاحتبى في المسجد وقال: أين لكاع ؟ ادعوا لي لكاع، فجاء الحسن فاشتد حتى وثب في حبوته فأدخل فمه في فمه ثم قال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " (1) ثلاثا، قال أبو هريرة: ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني، أو قال: دمعت عيني أو بكيت - وهذا على شرط
مسلم ولم يخرجوه.
وقد رواه الثوري عن نعيم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكر مثله أو نحوه.
ورواه معاوية بن أبي برود، عن أبيه، عن أبي هريرة بنحوه وفيه زيادة.
وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي نحوا من هذا.
ورواه عثمان بن أبي اللباب عن ابن أبي مليكة، عن عائشة بنحوه وفيه زيادة.
وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي نحوا من هذا السياق.
وقال سفيان الثوري وغيره عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي حازم عن أبي هريرة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني " غريب من هذا الوجه.
وقال أحمد: ثنا ابن نمير ثنا الحجاج - يعني ابن دينار - عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال: " خرج علينا رسول الله ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك لتحبهما، فقال: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني " (2).
تفرد به أحمد.
وقال أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر عن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد، فأراد الناس زجرهما فلما سلم قال للناس: هذان ابناي، من أحبهما فقد أحبني ".
ورواه النسائي من حديث عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح عن عاصم به.
وقد ورد عن عائشة وأم سلمة أمي المؤمنين أن رسول الله اشتمل على الحسن والحسين وأمهما وأبيهما فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " وقال محمد بن سعد: ثنا محمد بن عبد الله الاسدي ثنا شريك عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله.
قال قال رسول الله: " من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي " وقد رواه وكيع عن الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر فذكر مثله، وإسناده لا بأس به، ولم يخرجوه.
وجاء من حديث علي وأبي سعيد وبريدة أن رسول الله قال: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ".
وقال أبو القاسم البغوي: ثنا داود بن عمر ثنا إسماعيل بن عياش حدثني عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعد بن راشد عن
__________
= سخاب: جمع سخب، وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونموها يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة
للصبيان والجواري، وقيل هو خيط فيه خرز، سمي سخابا لصوت خرزه عند حركته.
(1) مسند أحمد 4 / 249، 331.
(2) مسند أحمد ج 2 / 288، 440، 531.

يعلى بن مرة.
قال: " جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل يده تحت رقبته ثم ضمه إلى إبطه، ثم جاء الآخر فجعل يده إلى الاخرى في رقبته ثم ضمه إلى إبطه، وقبل هذا ثم قبل هذا ثم قال: اللهم إني أحبهما فأحبهما، ثم قال: أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة " وقد رواه عبد الرزاق عن معمر، عن ابن أبي خيثم، عن محمد بن الاسود بن خلف عن أبيه " أن رسول الله أخذ حسنا فقبله ثم أقبل عليهم فقال: إن الولد مبخلة مجبنة " وقال ابن خزيمة: ثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ثنا زيد بن الحباب ح وقال أبو يعلى أبو خيثمة: ثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء (1) الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذهما فوضعهما في حجره (2) على المنبر، ثم قال: صدق الله ! إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين الصبيين فلم أصبر، ثم أخذ في خطبته " (3).
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الحسين بن واقد، وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وقد رواه محمد الضمري عن زيد بن أرقم فذكر القصة للحسن وحده: وفي حديث عبد الله بن شداد عن أبيه " أن رسول الله صلى بهم إحدى صلاتي العشي فسجد سجدة أطال فيها السجود، فلما سلم قال الناس له في ذلك، قال: إن ابني هذا - يعني الحسن - ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ".
وقال الترمذي عن أبي الزبير عن جابر قال: " دخلت على رسول الله وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما على أربع، فقلت: نعم الحمل حملكما فقال: ونعم العدلان هما " على شرط مسلم ولم يخرجوه، وقال أبو يعلى: ثنا أبو هاشم ثنا أبو عامر ثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: " خرج
رسول الله وهو حامل الحسن على عاتقه فقال له رجل: يا غلام نعم المركب ركبت، فقال رسول الله: ونعم الراكب هو " (4).
وقال أحمد: حدثنا تليد بن سليمان، ثنا أبو الحجاف، عن أبي حازم عن أبي هريرة.
قال: " نظر رسول الله إلى علي وحسن وحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم " (5).
وقد رواه النسائي من حديث أبي نعيم، وابن ماجه من حديث وكيع كلاهما عن سفيان الثوري عن أبي الحجاف داود بن أبي عوف، قال وكيع: وكان مريضا - عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله قال عن الحسن والحسين: " من أحبهما فقد أحبني،
__________
(1) في صحيح ابن خزيمة: فأقبل.
(2) في ابن خزيمة والترمذي: بين يديه.
(3) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه أبواب الاذان والخطبة (65) باب ح (1801) ص 3 / 152 والترمذي في المناقب ح 3774 ص 5 / 658.
(4) صحيح الترمذي - المناقب ح 3784 ص 5 / 661.
(5) مسند أحمد ج 2 / 442.

ومن أبغضهما فقد أبغضني " وقد رواه أسباط عن السدي عن صبيح مولي أم سلمة عن زيد بن أرقم فذكره.
وقال بقية عن بجير بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله يقول: " الحسن مني والحسين من علي " فيه نكارة لفظا ومعنى.
وقال أحمد: ثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عوف عن عمير بن إسحاق.
قال: " كنت مع الحسن بن علي فلقينا أبو هريرة فقال: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبل، فقال: بقميصه، قال: فقيل سرته " تفرد به أحمد، ثم رواه عن إسماعيل بن علية عن ابن عوف.
وقال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم، عن جرير، عن عبد الرحمن أبي عوف الجرشي، عن معاوية.
قال: " رأيت رسول الله يمص لسانه - أو قال شفته يعني الحسن بن علي - وإنه لن يعذب لسان أو شفتان يمصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
تفرد به أحمد، وقد ثبت في الصحيح عن أبي بكرة.
وروى أحمد عن جابر بن
عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ".
وقد تقدم هذا الحديث في دلائل النبوة، وتقدم قريبا عند نزول الحسن لمعاوية عن الخلافة، ووقع ذلك تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم.
هذا، وكذلك ذكرناه في كتاب دلائل النبوة ولله الحمد والمنة.
وقد كان الصديق يجله ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه، وكذلك عمر بن الخطاب، فروى الواقدي عن موسى بن محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه، عمر لما عمل الديوان فرض للحسن والحسين مع أهل بدر في خمسة آلاف خمسة آلاف، وكذلك كان عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما.
وقد كان الحسن بن علي يوم الدار - وعثمان بن عفان محصور - عنده ومعه السيف متقلدا به يحاجف عن عثمان فخشي عثمان عليه فأقسم عليه ليرجعن إلى منزلهم تطييبا لقلب علي، وخوفا عليه رضي الله عنهم.
وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا، ويعظمه ويبجله وقد قال له يوما: يا بني ألا تخطب حتى أسمعك ؟ فقال: إني أستحي أن أخطب وأنا أراك، فذهب علي فجلس حيث لا يراه الحسن ثم قام الحسن في الناس خطيبا وعلي يسمع، فأدى خطبة بليغة فصيحة فلما انصرف جعل علي يقول: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
وقد كان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا، ويرى هذا من النعم عليه.
وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما، رضي الله عنهما وأرضاهما.
وكان ابن الزبير يقول: والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي.
وقال غيره: كان الحسن إذا صلى الغداة في مسجد رسول الله يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن وربما أتحفنه ثم ينصرف إلى منزله.
ولما نزل لمعاوية عن الخلافة من ورعه صيانة لدماء المسلمين، كان له على معاوية في كل عام جائزة، وكان يفد إليه، فربما أجازه بأربعمائة ألف درهم، وراتبه في كل سنة مائة ألف، فانقطع سنة عن الذهاب وجاء وقت الجائزة فاحتاج الحسن إليها - وكان من أكرم الناس - فأراد أن يكتب إلى معاوية ليبعث بها إليه، فلما نام تلك الليلة رأى رسول الله في المنام فقال له: يا بني أتكتب إلى مخلوق بحاجتك ؟ وعلمه دعاء يدعو به " فترك الحسن ما كان هم به من الكتابة، فذكره معاوية

وافتقده، وقال: ابعثوا إليه بمائتي ألف فلعل له ضرورة في تركه القدوم علينا، فحملت إليه من غير سؤال.
قال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول: الحسن بن علي مدني ثقة.
حكاه ابن عساكر في تاريخه، قالوا: وقاسم الله ماله ثلاث مرات، وخرج من ماله مرتين، وحج خمسا وعشرين مرة ماشيا وإن الجنائب لتقاد بين يديه.
وروى ذلك البيهقي من طريق عبيد الله بن عمير عن ابن عباس.
وقال علي بن زيد بن جدعان: وقد علق البخاري في صحيحه أنه حج ماشيا والجنائب تقاد بين يديه، وروى داود بن رشيد، عن حفص، عن جعفر بن محمد عن أبيه.
قال: حج الحسن بن علي ماشيا والجنائب تقاد بين يديه ونجائبه تقاد إلى جنبه.
وقال العباس بن الفضل، عن القاسم، عن محمد بن علي قال: قال الحسن بن علي: إني لاستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة إلى المدينة على رجليه، قالوا: وكان يقرأ في بعض خطبه سورة إبراهيم، وكان يقرأ كل ليلة سورة الكهف قبل أن ينام، يقرأها من لوح كان يدور معه حيث كان من بيوت نسائه، فيقرأه بعدما يدخل في الفراش قبل أن ينام رضي الله عنه.
وقد كان من الكرم على جانب عظيم، قال محمد بن سيرين: ربما أجاز الحسن بن علي الرجل الواحد بمائة ألف.
وقال سعيد بن عبد العزيز: سمع الحسن رجلا إلى جانبه يدعو الله أن يملكه عشرة آلاف درهم، فقام إلى منزله فبعث بها إليه.
وذكروا أن الحسن رأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة ويطعم كلبا هناك لقمة، فقال له: ما حملك على هذا ؟ فقال: إني أستحي منه أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح من مكانك حتى آتيك، فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه، فأعتقه وملكه الحائط، فقال الغلام: يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له.
قالوا: وكان كثير التزوج، وكان لا يفارقه أربع حرائر، وكان مطلاقا مصداقا، يقال إنه أحصن سبعين امرأة، وذكروا أنه طلق امرأتين في يوم، واحدة من بني أسد وأخرى من بني فزارة - فزارية - وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف وبزقاق من عسل، وقال للغلام: اسمع ما تقول كل واحدة منهما، فأما الفزارية فقالت: جزاه الله خيرا، ودعت له، وأما الاسدية
فقالت.
متاع قليل من حبيب مفارق.
فرجع الغلام إليه بذلك، فارتجع الاسدية وترك الفزارية.
وقد كان علي يقول لاهل الكوفة: لا تزوجوه فإنه مطلاق، فيقولون والله يا أمير المؤمنين لو خطب إلينا كل يوم لزوجناه منا من شاء ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكروا أنه نام مع امرأته خولة بنت منظور الفزاري - وقيل هند بنت سهيل - فوق إجار فعمدت المرأة فربطت رجله بخمارها إلى خلخالها، فلما استيقظ قال لها: ما هذا ؟ فقالت: خشيت أن تقوم من وسن النوم فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب.
فأعجبه ذلك منها، واستمر بها سبعة أيام بعد ذلك.
وقال أبو جعفر الباقر: جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به في حاجة فوجده معتكفا فاعتذر إليه، فذهب إلى الحسن فاستعان به فقضى حاجته، وقال: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر.
وقال هشيم: عن منصور، عن ابن سيرين قال: كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه

أحدا يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.
وقال أبو جعفر: قال علي يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه مطلاق، فقال رجل من همذان: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك وما كره طلق.
وقال أبو بكر الخرائطي - في كتاب مكارم الاخلاق -: ثنا ابن المنذر - هو إبراهيم - ثنا القواريري ثنا عبد الاعلى، عن هشام، عن محمد بن سيرين قال: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم.
وقال عبد الرزاق: عن الثوري، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، عن الحسن بن سعد عن أبيه قال: متع الحسن بن علي امرأتين بعشرين ألفا وزقاق من عسل، فقالت إحداهما - وأراها الحنفية - متاع قليل من حبيب مفارق.
وقال الواقدي: حدثني علي بن عمر، عن أبيه، عن علي بن الحسين قال: كان الحسن بن علي مطلاقا للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه.
وقال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن بكى عليه مروان في جنازته، فقال له الحسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه ؟ فقال: إني كنت أفعل إلى أحلم من هذا، وأشار هو إلى الجبل.
وقال محمد بن سعد: أنا إسماعيل بن إبراهيم الاسدي، عن ابن عون، عن محمد بن إسحاق قال: ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا
تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة فقال: ليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
قال محمد بن سعد: وأنا الفضل بن دكين أنا مساور الجصاص عن رزين بن سوار.
قال: كان بين الحسن ومروان خصومة فجعل مروان يغلظ للحسن وحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال له الحسن: ويحك ! أما علمت أن اليمنى للوجه، والشمال للفرج ؟ أف لك، فسكت مروان.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد قيل للحسن بن علي: إن أبا زر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا زر أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أن يكون في غير الحالة التي اختار الله له.
وهذا أحد الوقوف على الرضا بما تعرف به القضاء.
وقال أبو بكر محمد بن كيسان الاصم: قال الحسن ذات يوم لاصحابه: إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني، وكان عظيم ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا عن سلطان بطنه فلا يشتهي مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد، وكان خارجا عن سلطان فرجه، فلا يستخف له عقله ولا رأيه، وكان خارجا عن سلطان جهله فلا يمد يدا إلا على ثقة المنفعة، ولا يخطو خطاة إلا لحسنة، وكان لا يسخط ولا يتبرم، وكان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت، كان أكثر دهره صامتا، فإذا قال يذر القائلين، وكان لا يشارك في دعوى، ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة، حتى يرى قاضيا يقول مالا يفعل، ويفعل مالا يقول، تفضلا وتكرما، كان لا يغفل عن إخوانه، ولا يستخص بشئ دونهم.
كان لا يكرم أحدا فيما يقع العذر بمثله، كان إذا ابتداه أمران لا يرى أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
رواه ابن عساكر والخطيب.
وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الحريري: ثنا بدر بن الهيثم

الحضرمي، ثنا علي بن المنذر الطريفي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا محمد بن عبد الله أبو رجاء - من أهل تستر - ثنا شعبة بن الحجاج الواسطي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الحارث
الاعور أن عليا سأل ابنه - يعني الحسن - عن أشياء من المروءة فقال: يا بني ما السداد ؟ قال: يا أبة السداد دفع المنكر بالمعروف، قال: فما الشرف ؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قال: فما المروءة ؟ قال: العفاف واصلاح المرء ماله.
قال: فما الدنيئة ؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير.
قال: فما اللوم ؟ قال: احتراز المرء نفسه وبذله عرسه.
قال: فما السماحة ؟ قال: البذل في العسر واليسر.
قال: فما الشح ؟ قال: أن ترى ما في يديك سرفا وما أنفقته تلفا.
قال: فما الاخاء ؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء.
قال: فما الجبن ؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
قال: فما الغنيمة ؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.
قال: فما الحلم ؟ قال كظم الغيظ وملك النفس.
قال: فما الغنى ؟ قال: رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس.
قال: فما الفقر ؟ قال: شره النفس في كل شئ.
قال: فما المنعة ؟ قال: شدة البأس ومقارعة أشد الناس.
قال: فما الذل ؟ قال: الفزع عند المصدوقية ؟ قال: فما الجرأة ؟ قال: موافقة الاقران.
قال: فما الكلفة ؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قال: فما المجد ؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قال: فما العقل ؟ قال: حفظ القلب كل ما استرعيته.
قال: فما الخرق ؟ قال: معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
قال: فما الثناء ؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قال: فما الحزم ؟ قال: طول الاناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم قال: فما الشرف ؟ قال: موافقة الاخوان، وحفظ الجيران.
قال فما السفه ؟ قال: اتباع الدناة، ومصاحبة الغواة.
قال: فما الغفلة ؟ قال: تركك المسجد وطاعتك المفسد.
قال: فما الحرمان ؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك.
قال: فمن السيد ؟ قال: الاحمق في المال المتهاون بعرضه، يشتم فلا يجيب المتحرن بأمر العشيرة هو السيد.
قال ثم قال علي: يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أفضل من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء، ورأس الايمان الصبر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم
السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الطرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحب الفخر " ثم قال علي: يا بني لا تستخفن برجل تراه أبدا، فإن كان أكبر منك فعده أباك، وإن كان مثلك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك.
فهذا ما سأل علي ابنه عن أشياء من المرؤة.
قال القاضي أبو الفرج: ففي هذا الخبر من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه، وحفظه ووعاه، وعمل به وأدب نفسه بالعمل عليه، وهذبها بالرجوع إليه، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده.
وفيما رواه أمير المؤمنين وأضعافه عن النبي صلى الله عليه وسلم

مالا غنى لكل لبيب عليم، وقدرة حكيم، عن حفظه وتأمله، والمسعود من هدي لتلقيه، والمجدود من وفق لامتثاله وتقبله.
قلت: ولكن إسناد هذا الاثر وما فيه من الحديث المرفوع ضعيف، ومثل هذه الالفاظ في عبارتها ما يدل ما في بعضها من النكارة على أنه ليس بمحفوظ والله أعلم.
وقد ذكر الاصمعي والعتبي والمدائني وغيرهم: أن معاوية سأل الحسن عن أشياء تشبه هذا فأجابه بنحو ما تقدم، لكن هذا السياق أطول بكثير مما تقدم فالله أعلم.
وقال علي بن العباس الطبراني: كان على خاتم الحسن بن علي مكتوبا: قدم لنفسك ما استطعت من التقى * إن المنية نازلة بك يا فتى أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى * أحباب قلبك في المقابر والبلى قال الامام أحمد: حدثنا مطلب بن زياد بن محمد، ثنا محمد بن أبان، قال: قال الحسن بن علي لبنيه وبني أخيه: " تعلموا فإنكم صغار قوم اليوم وتكونوا كبارهم غدا، فمن لم يحفظ منكم فليكتب ".
رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن أحمد عن أبيه.
وقال محمد بن سعد: ثنا الحسن بن موسى وأحمد بن يونس قالا: ثنا زهير بن معاوية، ثنا أبو إسحاق، عن عمرو الاصم، قال قلت للحسن بن علي: إن هذه الشيعة تزعم أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، قال: كذبوا والله ! ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني أبو علي سويد الطحان، ثنا علي بن عاصم، ثنا أبو ريحانة، عن
سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " فقال رجل كان حاضرا في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية.
فقال: من ها هنا أتيت تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفا أو اثنان وأربعون ألفا.
وقال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول: بايع الحسن تسعون ألفا فزهد في الخلافة وصالح معاوية ولم يسل في أيامه محجمة من دم.
وقال ابن أبي خيثمة: وحدثنا أبي، ثنا وهب بن جرير قال: قال أبي: فلما قتل علي بايع أهل الكوفة الحسن بن علي وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لابيه.
وقال ابن أبي خيثمة: ثنا هارون بن معروف، ثنا ضمرة عن ابن شوذب.
قال: لما قتل علي سار الحسن في أهل العراق وسار معاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده.
قال: فكان أصحاب الحسن يقولون: يا عار المؤمنين، قال: فيقول لهم: العار خير من النار.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا العباس بن هشام، عن أبيه قال: لما قتل علي بايع الناس الحسن بن علي فوليها سبعة وأحد عشر يوما.
وقال غير عباس: بايع الحسن أهل الكوفة، وبايع أهل الشام معاوية بايلياء بعد قتل علي، وبويع بيعة العامة ببيت المقدس يوم الجمعة من آخر سنة أربعين، ثم لقي الحسن معاوية بمسكن - من سواد الكوفة - في سنة إحدى وأربعين فاصطلحا، وبايع الحسن معاوية.
وقال غيره: كان صلحهما ودخول معاوية الكوفة في ربيع الاول من سنة إحدى وأربعين.
وقد تكلمنا على تفصيل ذلك فيما تقدم بما أغنى عن إعادته ها هنا.

وحاصل ذلك أنه اصطلح مع معاوية على أن يأخذ ما في بيت المال الذي بالكوفة، فوفى له معاوية بذلك فإذا فيه خمسة آلاف ألف، وقيل سبعة آلاف ألف، وعلى أن يكون خراج، وقيل دار ابجرد له في كل عام، فامتنع أهل تلك الناحية عن أداء الخراج إليه، فعوضه معاوية عن كل ستة آلاف ألف درهم في كل عام، فلم يزل يتناولها مع ماله في كل زيارة من الجوائز والتحف والهدايا، إلى أن توفي في هذا العام.
وقال محمد بن سعد عن هودة بن خليفة، عن عوف، عن محمد بن سيرين قال: لما دخل معاوية الكوفة وبايعه الحسن بن علي قال أصحاب معاوية لمعاوية:
مر الحسن بن علي أن يخطب، فإنه حديث السن عيي، فلعله يتلعثم فيتضع في قلوب الناس.
فأمره فقام فاختطب فقال في خطبته: " أيها الناس لو اتبعتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها، والله ما أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " - وأشار إلى معاوية - فغضب من ذلك وقال: ما أردت من هذه ؟ قال: أردت منها ما أراد الله منها.
فصعد معاوية وخطب بعده.
وقد رواه غير واحد وقدمنا أن معاوية عتب على أصحابه.
وقال محمد بن سعد: ثنا أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة عن يزيد قال: سمعت جبير بن نفير الحضرمي يحدث عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة ؟ فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها ثانيا من أهل الحجاز.
وقال محمد بن سعد: أنا علي بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم قال: دخل رجل على الحسن بن علي وهو بالمدينة وفي يده صحيفة فقال: ما هذه ؟ فقال: ابن معاوية يعدنيها ويتوعد، قال: قد كنت على النصف منه، قال: أجل ولكن خشيت أن يجئ يوم القيامة سبعون ألفا، أو ثمانون ألفا، أو أكثر أو أقل، تنضح أوداجهم دما، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه.
وقال الاصمعي عن سلام بن مسكين عن عمران بن عبد الله.
قال: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه، * (قل هو الله أحد) * ففرح بذلك فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله.
قال: فلم يلبث الحسن بن علي بعد ذلك إلا أياما حتى مات.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا عبد الرحمن بن صالح العتكي ومحمد ؟ ؟ عثمان العجلي قالا: ثنا أبو أسامة عن ابن عون عن عمير بن إسحاق.
قال: دخلت أنا ورجل آخر من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا وما سقيت مرة هي أشد من هذه.
قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني، فقال ما أسألك شيئا يعافيك الله، قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من الغد.
وقد أخذ في السوق فجاء حسين حتى قعد عند رأسه، فقال: أي
أخي ! من صاحبك ؟ قال: تريد قتله، قال: نعم ! قال لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد نقمة.
وفي رواية: فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئا.
ورواه

محمد بن سعد عن ابن علية عن ابن عون.
وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور.
قالت: الحسن سقي مرارا كل ذلك يفلت منه، حتى كانت المرة الآخرة التي مات فيها فإنه كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا.
وقال الواقدي: وحدثنا عبدة بنت نائل عن عائشة قالت: حد نساء بني هاشم على الحسن بن علي سنة.
قال الواقدي: وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن حسن قال: كان الحسن بن علي كثير نكاح النساء، وكان قل ما يحظين عنده، وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به، فيقال إنه كان سقي سما، ثم أفلت، ثم سقي فأفلت ثم كانت الآخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قطع السم إمعاءه، فقال الحسين: يا أبا محمد أخبرني من سقاك ؟ قال: ولم يا أخي ؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك ولا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه.
فقال: يا أخي إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى التقي أنا وهو عند الله، وأبى أن يسميه.
وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما.
قال محمد بن سعد: وأنا يحيى بن حمال أنا أبو عوانة عن المغيرة عن أم موسى أن جعدة بنت الاشعث بن قيس سقت الحسن السم فاشتكى منه شكاة، قال فكان يوضع تحت طشت ويرفع آخر نحوا من أربعين يوما.
وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الاشعث أن سمي الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لانفسنا ؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الاولى والاحرى، وقد قال كثير نمرة في ذلك: يا جعد بكيه ولا تسأمي * بكاء حق ليس بالباطل لن تستري البيت على مثله * في الناس من حاف ولا ناعل
أعني الذي أسلمه أهله * للزمن المستخرج الماحل كان إذا شبت له ناره * يرفعها بالنسب الماثل كيما يراها بائس مرمل * أو فرد قوم ليس بالآهل تغلي بني اللحم حتى إذا * أنضج لم تغل على آكل قال سفيان بن عيينة عن رقبة بن مصقلة قال: لما احتضر الحسن بن علي قال: أخرجوني إلى الصحن أنظر في ملكوت السموات.
فأخرجوا فراشه فرفع رأسه فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الانفس علي، قال: فكان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه عنده.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: لما اشتد بسفيان الثوري المرض جزع جزعا شديدا فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز فقال: ما هذا الجزع يا أبا عبد الله ؟ تقدم على رب عبدته ستين سنة، صمت له، صليت له، حججت له، قال فسري عن الثوري.
وقال أبو نعيم: لما اشتد

بالحسن بن علي الوجع جزع فدخل عليه رجل فقال له: يا أبا محمد ما هذا الجزع ؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب، قال: فسرى عنه.
وفي رواية أن القائل له ذلك الحسين، وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط قال: فبكى الحسين رضي الله عنهما.
رواه عباس الدوري عن ابن معين، ورواه بعضهم عن جعفر بن محمد عن أبيه فذكر نحوهما.
وقال الواقدي: ثنا إبراهيم بن الفضل، عن أبي عتيق قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: شهدنا حسن بن علي يوم مات وكادت الفتنة تقع بين الحسين بن علي ومروان بن الحكم، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله، فإن خاف أن يكون في ذلك قتال أو شر فليدفن بالبقيع، فأبى مروان أن يدعه - ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية - ولم يزل مروان عدوا لبني هاشم حتى مات، قال جابر: فكلمت يومئذ حسين بن
علي فقلت: يا أبا عبد الله اتق الله ولا تثر فتنة فإن أخاك كان لا يحب ما ترى، فادفنه بالبقيع مع أمه ففعل.
ثم روى الواقدي: حدثني عبد الله بن نانع، عن أبيه، عن عمر قال حضرت موت الحسن بن علي فقلت للحسين بن علي اتق الله ولا تثر فتنة ولا تسفك الدماء: وادفن أخاك إلى جانب أمه، فإن أخاك قد عهد بذلك إليك، قال ففعل الحسين.
وقد روى الواقدي عن أبي هريرة نحوا من هذا، وفي رواية أن الحسن بعث يستأذن عائشة في ذلك فأذنت له، فلما مات لبس الحسين السلاح وتسلح بنو أمية وقالوا: لا ندعه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن الحسن بن علي في الحجرة ؟ فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وجابر وابن عمر على الحسين أن لا يقاتل فامتثل ودفن أخاه قريبا من قبر أمه بالبقيع، رضي الله عنه.
وقال سفيان الثوري عن سالم بن أبي حفصة عن أبي حازم قال: رأيت الحسين بن علي قدم يومئذ سعيد بن العاص فصلى على الحسن وقال: لولا أنها سنة ما قدمته.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني مساور مولى بني سعد بن بكر قال: رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله يوم مات الحسن بن علي وهو ينادي بأعلا صوته: يا أيها الناس مات اليوم حب رسول الله فابكوا.
وقد اجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحدا من الزحام.
وقد بكاه الرجال والنساء سبعا، واستمر نساء بني هاشم ينحن عليه شهرا، وحدت نساء بني هاشم عليه سنة.
قال يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن يحيى ثنا سفيان عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ومات لها حسن، وقتل لها الحسين رضي الله عنهم.
وقال شعبة عن أبي بكر بن حفص قال: توفي سعد والحسن بن علي في أيام بعدما مضى من إمارة معاوية عشر سنين.
وقال علية، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: توفي الحسن وهو ابن سبع وأربعين، وكذا قال غير واحد وهو أصح.
والمشهور أنه مات سنة تسع وأربعين كما ذكرنا، وقال آخرون:

مات سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين.
سنة خمسين من الهجرة
ففي هذه السنة توفي أبو موسى الاشعري في قول، والصحيح سنة ثنتين وخمسين كما سيأتي.
فيها حج بالناس معاوية، وقيل ابنه يزيد، وكان نائب المدينة في هذه السنة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة والبصرة والمشرق وسجستان وفارس والسند والهند زياد.
وفي هذه السنة اشتكى بنو نهشل على الفرزدق إلى زياد فهرب منه إلى المدينة، وكان سبب ذلك أنه عرض بمعاوية في قصيدة له فتطلبه زياد أشد الطلب ففر منه إلى المدينة، فاستجار بسعيد بن العاص، وقال في ذلك أشعارا، ولم يزل فيما بين مكة والمدينة حتى توفي زياد فرجع إلى بلاده، وقد طول ابن جرير هذه القصة.
وقد ذكر ابن جرير في هذه السنة من الحوادث ما رواه من طريق الواقدي: حدثني يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه أن معاوية كان قد عزم على تحويل المنبر النبوي من المدينة إلى دمشق وأن يأخذ العصاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسكها في يده إذا خطب فيقف على المنبر وهو ممسكها، حتى قال أبو هريرة وجابر بن عبد الله: يا أمير المؤمنين نذكرك الله أن تفعل هذا فإن هذا، لا يصلح أن يخرج المنبر من موضع وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يخرج عصاه من المدينة.
فترك ذلك معاوية ولكن زاد في المنبر ست درجات واعتذر إلى الناس.
ثم روى الواقدي أن عبد الملك بن مروان في أيامه عزم على ذلك أيضا فقيل له: إن معاوية كان قد عزم على هذا ثم ترك، وأنه لما حرك المنبر خسفت الشمس فترك.
ثم لما حج الوليد بن عبد الملك أراد ذلك أيضا فقيل له: إن معاوية وأباك أرادا ذلك ثم تركاه، وكان السبب في تركه أن سعيد بن المسيب كلم عمر بن عبد العزيز أن يكلمه في ذلك ويعظه فترك.
ثم لما حج سليمان أخبره عمر بن عبد العزيز بما كان عزم عليه الوليد، وأن سعيد بن المسيب نهاه عن ذلك، فقال: ما أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد، وما يكون لنا أن نفعل هذا، مالنا وله، وقد أخذنا الدنيا فهي في أيدينا فنريد أن نعمد إلى علم من أعلام الاسلام يفد إليه الناس فنحمله إلى ما قبلنا.
هذا ما لا يصلح رحمه الله.
وفي هذه السنة عزل معاوية عن مصر معاوية بن خديج وولى عليها من إفريقية مسلمة بن مخلد، وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري عن أمر معاوية بلاد إفريقية، واختط القيروان - وكان غيضة تأوي إليها السباع والوحوش والحيات العظام، فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شئ من ذلك
حتى أن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها، والحيات يخرجن من أجحارهن هوارب - فأسلم خلق كثير من البربر فبنى في مكانها القيروان.
وفيها غزا بسر بن أبي أرطاة وسفيان بن عوف أرض الروم، وفيها غزا فضالة بن عبيد البحر، وفيها توفي مدلاج بن عمرو السلمي صحابي جليل شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر له ذكرا في الصحابة.

صفية بنت حيي بن أخطب ابن شعبة (1) بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج (2) بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم، أم المؤمنين النضرية من سلالة هارون عليه السلام، وكانت مع أبيها وابن عمها أخطب بالمدينة، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، وقتل أبوها مع بني قريظة صبرا كما قدمنا فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر كانت في جملة السبي فوقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فذكر لها جمالها وأنها بنت ملكهم، فاصطفاها لنفسه وعوضه منها وأسلمت وأعتقها وتزوجها، فلما حلت بالصهباء (3) بنى بها، وكانت ماشطتها أم سليم، وقد كانت تحت ابن عمها كنانة بن أبي الحقيق فقتل في المعركة، ووجد رسول الله بخدها لطمة فقال: ما هذه ؟ فقالت: إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب فسقط في حجري فقصيت المنام على ابن عمي فلطمني وقال: تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب ؟ فهذه من لطمته.
وكانت من سيدات النساء عبادة وورعا وزهادة وبرا وصدقة، رضي الله عنها وأرضاها.
قال الواقدي: توفيت سنة خمسين وقال غيره سنة ست وثلاثين، والاول أصح.
وأما أم شريك الانصارية ويقال العامرية فهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقيل قبلها وقيل لم يقبلها، ولم تتزوج حتى مات (4) رضي الله عنها وهي التي سقيت بدلو من السماء لما منعها المشركون الماء فأسلموا عند ذلك، واسمها غزية، وقيل عزيلة بني عامر على الصحيح، قال ابن الجوزي: ماتت سنة خمسين ولم أره لغيره.
وأما عمرو بن أمية الضمري فصحابي جليل أسلم بعد أحد، وأول مشاهده بئر معونة، وكان ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى النجاشي في تزويج أم حبيبة وأن يأتي بمن بقي من المسلمين، وله أفعال حسنة، وآثار محمودة، رضي الله عنه توفي في خلافة معاوية.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي - في كتابه المنتظم - أن في هذه السنة توفي جبير بن مطعم وحسان بن ثابت، والحكم بن عمرو الغفاري، ودحية بن خليفة الكلبي، وعقيل بن أبي
__________
(1) في ابن سعد 8 / 120: سعية، وفي الاصابة والاستيعاب 4 / 346: سعنة.
(2) سقط من عامود النسب في الاصابة.
(3) الصهباء: وهي على بريد من خيبر.
(4) في ابن سعد 8 / 154 والاصابة 4 / 466: ماتت.

طالب، وعمرو بن أمية الضمري بدري، وكعب بن مالك، والمغيرة بن شعبة، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وأم شريك الانصارية.
رضي الله عنهم أجمعين.
أما جبير بن مطعم ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبو محمد وقيل أبو عدي المدني، فإنه قدم وهو مشرك في فداء أسارى بدر، فلما سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الطور * (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون) * [ الطور: 35 ] دخل في قلبه الاسلام، ثم أسلم عام خيبر، وقيل زمن الفتح، والاول أصح، وكان من سادات قريش وأعلمها بالانساب، أخذ ذلك عن الصديق والمشهور أنه توفي سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة تسع وخمسين.
وأما حسان بن ثابت شاعر الاسلام فالصحيح أنه توفي سنة أربع وخمسين كما سيأتي.
وأما الحكم بن عمرو بن مجدع الغفاري
أخو رافع بن عمرو، ويقال له الحكم بن الاقرع، فصحابي جليل له عند البخاري حديث واحد في النهي عن لحوم الحمر الانسية، استنابه زياد بن أبيه على غزو جبل الاشل (1) فغنم شيئا كثيرا، فجاء كتاب زياد إليه على لسان معاوية أن يصطفي من الغنيمة لمعاوية ما فيها من الذهب والفضة لبيت ماله فرد عليه: إن كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، أو لم يسمع لقوله عليه السلام: " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " ؟ وقسم في الناس غنائمهم، فيقال إنه حبس إلى أن مات بمرو في هذه السنة وقيل في سنة إحدى وخمسين رحمه الله.
وأما دحية بن خليفة الكلبي فصحابي جليل، كان جميل الصورة، فلهذا كان جبريل يأتي كثيرا في صورته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قيصر، أسلم قديما ولكن لم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها، ثم شهد اليرموك وأقام بالمزة - غربي دمشق - إلى أن مات في خلافة معاوية.
وفيها توفي عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي أبو سعيد العبشمي، أسلم يوم الفتح، وقيل شهد مؤتة، وغزا خراسان، وافتتح سجستان وكابل وغيرها، وكانت له
__________
(1) في صفة الصفوة 1 / 279 وفتوح ابن الاعثم 4 / 200 ولاه بلاد خراسان، فخرج فلم يزل من مدينة إلى مدينة يتقدم حتى نزل مرو.

دار بدمشق وأقام بالبصرة، وقيل بمرو، قال محمد بن سعد وغير واحد: مات بالبصرة سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وخمسين، وصلى عليه زياد، وترك عدة من الذكور، وكان اسمه في الجاهلية عبد كلال، وقيل عبد كلوب (1)، وقيل عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.
وهو كان أحد السفيرين بين معاوية والحسن رضي الله عنهما، وفيها توفي عثمان بن أبي العاص الثقفي، أبو عبد الله الطائفي، له ولاخيه الحكم صحبة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فاستعمله رسول الله على الطائف، وأمره عليها أبو بكر وعمر، فكان أميرهم وإمامهم مدة طويلة حتى مات سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين رضي الله عنه.
وأما عقيل بن أبي طالب أخو علي فكان أكبر من جعفر بعشر سنين وجعفر أكبر من علي بعشر سنين كما أن طالب أكبر من عقيل بعشر، وكلهم أسلم إلا طالبا، أسلم عقيل قبل (2) الحديبية وشهد مؤتة، وكان من أنسب قريش، وكان قد ورث أقرباءه الذين هاجروا وتركوا أموالهم بمكة، ومات في خلافة معاوية.
وفيها كانت وفاة عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي، أسلم قبل الفتح، وهاجر، وقيل: إنه إنما أسلم عام حجة الوداع، وورد في حديث أن رسول الله دعا له أن يمتعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة لا يرى في لحيته شعرة بيضاء، ومع هذا كان أحد الاربعة الذين دخلوا على عثمان، ثم صار بعد ذلك من شيعة علي، فشهد معه الجمل وصفين، وكان من جملة من أعان حجر بن عدي فتطلبه زياد فهرب إلى الموصل، فبعث معاوية إلى نائبها فوجدوه قد اختفى في غار فنهشته حية فمات فقطع رأسه فبعث به إلى معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف به.
ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد - وكانت في سجنه - فألقي في حجرها، فوضعت كفها على جبينه ولثمت فمه وقالت: غيبتموه عني طويلا، ثم أهديتموه إلي قتيلا فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقيلة.
وأما كعب بن مالك الانصاري السلمي شاعر الاسلام فأسلم قديما وشهد العقبة ولم يشهد بدرا كما ثبت في الصحيحين في سياق توبة الله عليه فإنه كان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم من تخلفهم عن غزوة تبوك كما ذكرنا ذلك مفصلا في التفسير، وكما تقدم في غزوة تبوك.
وغلط ابن الكلبي في قوله إنه شهد بدرا، وفي قوله إنه توفي
__________
(1) في الاصابة 2 / 401: عبد كلول.
(2) في الاصابة 2 / 494 والاستيعاب على هامش الاصابة 3 / 157: أسلم قبل الحديبية.

قبل إحدى وأربعين، فإن الواقدي - وهو أعلم منه - قال توفي سنة خمسين، وقال القاسم بن عدي
سنة إحدى وخمسين رضي الله عنه.
المغيرة بن شعبة ابن أبي عامر بن مسعود أبو عيسي ويقال أبو عبد الله الثقفي، وعروة بن مسعود الثقفي عم أبيه، كان المغيرة من دهاة العرب، وذوي آرائها، أسلم عام الخندق بعد ما قتل ثلاثة عشر من ثقيف، مرجعهم من عند المقوقس وأخذ أموالهم فغرم دياتهم عروة بن مسعود، وشهد الحديبية، وكان واقفا يوم الصلح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف صلتا، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلام أهل الطائف هو وأبو سفيان بن حرب فهدما اللات، وقدمنا كيفية هدمهما إياها، وبعثه الصديق إلى البحرين، وشهد اليمامة واليرموك فأصيبت عينه يومئذ، وقيل بل نظر إلى الشمس وهي كاسفة فذهب ضوء عينه، وشهد القادسية، وولاه عمر فتوحا كثيرة، منها همدان وميسان، وهو الذي كان رسول سعد إلى رستم فكلمه بذلك الكلام البليغ فاستنابه عمر على البصرة، فلما شهد عليه بالزنا ولم يثبت عزله عنها وولاه الكوفة، واستمر به عثمان حينا ثم عزله، فبقي معتزلا حتى كان أمر الحكمين فلحق بمعاوية، فلما قتل علي وصالح معاوية الحسن ودخل الكوفة ولاه عليها فلم يزل أميرها حتى مات في هذه السنة على المشهور.
قاله محمد بن سعد وغيره.
وقال الخطيب: أجمع الناس على ذلك، وذلك في رمضان منها عن سبعين سنة، وقال أبو عبيد: مات سنة تسع وأربعين، وقال: ابن عبد البر: سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة ست وثلاثين وهو غلط.
قال محمد بن سعد: وكان أصهب الشعر جدا، أكشف، مقلص الشفتين، أهتم ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، وكان يفرق رأسه أربعة قرون.
وقال الشعبي: القضاة أربعة أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبو موسى.
والدهاة أربعة، معاوية، وعمرو، والمغيرة، وزياد، وقال الزهري: الدهاة في الفتنة خمسة، معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وكان معتزلا، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء، وكانا مع علي.
قلت: والشيعة يقولون: الاشباح خمسة.
رسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والاضداد خمسة أبو بكر، وعمر، ومعاوية، وعمرو بن العاص،
والمغيرة بن شعبة.
وقال الشعبي: سمعت المغيرة يقول: ما غلبني أحد إلا فتى مرة أردت أن أتزوج امرأة فاستشرته فيها فقال: أيها الامير ! لا أرى لك أن تتزوجها، فقلت له: لم ؟ فقال: إني رأيت رجلا يقبلها.
ثم بلغني عنه أنه تزوجها، فقلت له: ألم تزعم أنك رأيت رجلا يقبلها ؟ فقال: نعم ! ورأيت أباها يقبلها وهي صغيرة.
وقال أيضا: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها.
وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: كان المغيرة بن شعبة يقول: صاحب

المرأة الواحدة يحيض معها ويمرض معها، وصاحب المرأتين بين نارين يشتعلان، وصاحب الاربعة قرير العين، وكان يتزوج أربعة معا ويطلقهن معا، وقال عبد الله بن نافع الصائغ أحصن المغيرة ثلثمائة امرأة.
وقال غيره: ألف امرأة وقيل مائة امرأة.
وقيل ثمانين امرأة.
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية وكان سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، وهي غزوة المصطلق، وكان أبوها ملكهم فأسلمت فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وكانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وكاتبها فأتت رسول الله تستعينه في كتابتها فقال: " أو خير من ذلك " ؟ قالت: وما هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: " أشتريك وأعتقك وأتزوجك " فأعتقها فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بأيديهم من سبي بني المصطلق نحوا من مائة أهل بيت، فقالت عائشة: لا أعلم امرأة أعظم بركة على أهلها منها.
وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية.
وكانت امرأة ملاحة - أي حلوة الكلام - توفيت في هذا العام سنة خمسين كما ذكره ابن الجوزي وغيره عن خمس وستين سنة، وقال الواقدي: سنة ست وخمسين رضي الله عنها وأرضاها، والله أعلم.
سنة إحدى وخمسين فيها كان مقتل حجر بن عدي بن جبل بن عدي بن ربيعة بن معاوية الاكبر (1) بن الحارث بن معاوية (2) بن ثور بن بزيغ بن كندي الكوفي، ويقال له حجر الخير، ويقال له حجر بن
الادبر، لان أباه عديا طعن موليا فسمي الادبر، وهو من كندة من رؤساء أهل الكوفة، قال ابن عساكر: وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع عليا وعمارا وشراحيل بن مرة، ويقال شرحبيل بن مرة.
وروى عنه أبو ليلى مولاه، وعبد الرحمن بن عباس، وأبو البختري الطائي.
وغزا الشام في الجيش الذين افتتحوا عذراء (3)، وشهد صفين مع علي أميرا، وقيل بعذراء من قرا دمشق، ومسجد قبره بها معروف.
ثم ساق ابن عساكر بأسانيده إلى حجر يذكر طرفا صالحا من روايته عن علي وغيره، وقد ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من الصحابة، وذكر له وفادة، ثم ذكره في الاول من تابعي أهل الكوفة.
قال: وكان ثقة معروفا، ولم يرو عن غير علي شيئا.
قال ابن عساكر: بل قد روى عن عمار وشراحيل بن مرة، وقال أبو أحمد العسكري: أكثر المحدثين لا يصححون له صحبة، شهد القادسية وافتتح برج عذراء، وشهد الجمل وصفين، وكان مع علي حجر الخير وهو حجر بن عدي هذا - وحجر الشرف - وهو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة - وقال المرزباني:
__________
(1) في ابن سعد 6 / 217 والاصابة 1 / 314: الاكرمين.
(2) في ابن سعد: معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندي...(3) في ابن سعد 6 / 217 مرج عذرى.

قد روي أن حجر بن عدي وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه هانئ بن عدي، وكان هذا الرجل من عباد الناس وزهادهم، وكان بارا بأمه، وكان كثير الصلاة والصيام، قال أبو معشر: ما أحدث قط إلا توضأ، ولا توضأ إلا صلى ركعتين.
هكذا قال غير واحد من الناس.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا يعلى بن عبيد، حدثني الاعمش عن أبي إسحاق.
قال: قال سلمان لحجر: يا بن أم حجر لو تقطعت أعضاؤك ما بلغت الايمان، وكان إذ كان المغيرة بن شعبة على الكوفة إذا ذكر عليا في خطبته يتنقصه بعد مدح عثمان وشيعته فيغضب حجر هذا ويظهر الانكار عليه، ولكن كان المغيرة فيه حلم وإناة فكان يصفح عنه ويعظه فيما بينه وبينه، ويحذره غب هذا الصنيع، فإن معارضة السلطان شديد وبالها، فلم يرجع حجر عن ذلك.
فلما كان في آخر أيام المغيرة قام حجر
يوما، فأنكر عليه في الخطبة وصاح به وذمه بتأخيره العطاء عن الناس، وقام معه فئام الناس لقيامه، يصدقونه ويشنعون على المغيرة، ودخل المغيرة بعد الصلاة قصر الامارة ودخل معه جمهور الامراء، فأشاروا عليه بردع حجر هذا عما تعاطاه من شق العصى والقيام على الامير، وذمروه وحثوه على التنكيل فصفح عنه وحلم به.
وذكر يونس بن عبيد أن معاوية كتب إلى المغيرة يستمده بمال يبعثه من بيت المال، فبعث عيرا تحمل مالا فاعترض لها حجر، فأمسك بزمام أولها وقال: لا والله حتى يوفى كل ذي حق حقه.
فقال شباب ثقيف للمغيرة: ألا نأتيك برأسه ؟ فقال: ما كنت لافعلن ذلك بحجر، فتركه، فلما بلغ معاوية ذلك عزل المغيرة وولى زيادا، والصحيح أنه لم يعزل المغيرة حتى مات، فلما توفي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وجمعت الكوفة مع البصرة لزياد دخلها وقد التف على حجر جماعات من شيعة علي يقولون أمره ويشدون على يده، ويسبون معاوية ويتبرأون منه، فلما كان أول خطبة خطبها زياد بالكوفة، ذكر في آخرها فضل عثمان وذم من قتله أو أعان على قتله.
فقام حجر كما كان يقوم في أيام المغيرة، وتكلم بنحو مما قال المغيرة، فلم يعرض له زياد، ثم ركب زياد إلى البصرة، وأراد أن يأخذ حجرا معه إلى البصرة لئلا يحدث حدثا، فقال: إني مريض، فقال: والله إنك لمريض الدين والقلب والعقل، والله لئن أحدثت شيئا لاسعين في قتلك، ثم سار زياد إلى البصرة فبلغه أن حجرا وأصحابه أنكروا على نائبه بالكوفة - وهو عمرو بن حريث - وحصبوه وهو على المنبر يوم الجمعة، فركب زياد إلى الكوفة فنزل في القصر ثم خرج إلى المنبر وعليه قباء سندس، ومطرف خز أحمر، قد فرق شعره، وحجر جالس وحوله أصحابه أكثر ما كانوا يومئذ، وكان من لبس من أصحابه يومئذ نحو من ثلاثة آلاف، وجلسوا حوله في المسجد في الحديد والسلاح، فخطب زياد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن غب البغي والغي وخيم، وإن هؤلاء أمنوني فاجترأوا علي، وايم الله لئن لم تستقيموا لادواينكم بدوائكم، ثم قال: ما أنا بشئ إن لم أمنع ساحة الكوفة من حجر وأصحابه وأدعه نكالا لمن بعده، ويل أمك يا حجر، سقط بك العشاء على سرحان.
ثم قال: أبلغ نصيحة أن راعي إبلها * سقط العشاء به على سرحان

وجعل زياد يقول في خطبته: إن من حق أمير المؤمنين - يعني كذا وكذا - فأخذ حجر كفا حصباء فحصبه وقال: كذبت ! عليك لعنة الله.
فانحدر زياد فصلى، ثم دخل القصر واستحضر حجرا، ويقال إن زيادا لما خطب طول الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر: الصلاة، فمضى في خطبته، فلما خشي فوت الصلاة عمد إلى كف من حصباء ونادى الصلاة، وثار الناس معه، فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس، فلما انصرف من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثر عليه، فكتب إليه معاوية: أن شده في الحديد واحمله إلي، فبعث إليه زياد وإلى الشرطة - وهو شداد بن الهيثم - ومعه أعوانه فقال له: أن الامير يطلبك، فامتنع من الحضور إلى زياد، وقام دونه أصحابه، فرجع الوالي إلى زياد فأعلمه، فاستنهض زياد جماعات من القبائل فركبوا مع الوالي إلى حجر وأصحابه فكان بينهم قتال بالحجارة والعصي، فعجزوا عنه، فندب محمد بن الاشعث وأمهله ثلاثا وجهز معه جيشا، فركبوا في طلبه ولم يزالوا حتى أحضروه إلى زياد (1)، وما أغنى عنه قومه ولا من كان يظن أن ينصره فعند ذلك قيده زياد وسجنه عشرة أيام وبعث به إلى معاوية، وبعث معه جماعة يشهدون عليه أنه سب الخليفة، وأنه حارب الامير، وأنه يقول: إن هذا الامر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي طالب.
وكان من جملة الشهود عليه (2) أبو بردة بن أبي موسى، ووائل بن حجر، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وإسحاق، وإسماعيل، وموسى بنو طلحة بن عبيد الله، والمنذر بن الزبير، وكثير بن شهاب، وثابت بن ربعي، في سبعين ويقال: إنه كتبت شهادة شريح القاضي فيهم، وإنه أنكر ذلك وقال: إنما قلت لزياد: إنه كان صواما قواما (3)، ثم بعث زياد حجرا وأصحابه مع وائل بن حجر، وكثير بن شهاب إلى الشام.
وكان مع حجر بن عدي بن جبلة الكندي، من أصحابه جماعة، قيل عشرون وقيل أربعة عشر رجلا (4)، منهم الارقم بن عبد الله الكندي وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العريان (5) - من بني تميم - ومحرز بن شهاب التميمي،
وعبيد الله بن حوية السعدي التميمي أيضا.
فهؤلاء أصحابه الذين وصلوا معه، فساروا بهم إلى
__________
(1) أما الطبري 6 / 143 ان حجر بن عدي لم يقاوم، وحاول قوم منعه، فقال: لا ولكن سمع وطاعة، وفي الاخبار الطوال ص 223: أن جرير بن عبد الله جاء بحجر إلى زياد بعد أن أعطاه أمانه وأن يبعث به إلى معاوية حتى يرى فيه رأيه.
(2) في الاخبار الطوال ص 224: بعث زياد بثلاثة نفر من الشهود: أبو بردة بن أبي موسى، وشريح بن هانئ الحارثي وأبو هنيدة القيني.
وانظر في أسماء الشهود.
الطبري 6 / 150 - 151.
(3) انظر الطبري: 6 / 151.
(4) في الطبري 6 / 150 جمع من أصحاب حجر اثنى عشر رجلا والمسعودي 3 / 3: حمله ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة، وأربعة من غيرها.
(5) في الكامل 3 / 483: العنزيين وفي الطبري 6 / 152: العنزيان.

الشام.
ثم إن زيادا أتبعهم برجلين آخرين، عتبة بن الاخنس من بني سعد، وسعد بن عمران (1) الهمداني، فكملوا أربعة عشر رجلا، فيقال: إن حجرا لما دخل على معاوية قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فغضب معاوية غضبا شديدا وأمر بضرب عنقه هو ومن معه، ويقال إن معاوية ركب فتلقاهم في مرج عذراء، ويقال: بل بعث إليهم من تلقاهم إلى عذراء تحت الثنية - ثنية العقاب - فقتلوا هناك.
وكان الذين بعث إليهم ثلاثة وهم هدبة بن فياض القضاعي، وحضير بن عبد الله الكلابي، وأبو شريف البدوي فجاؤوا إليهم فبات حجر وأصحابه يصلون طول الليل، فلما صلوا الصبح قتلوهم، وهذا هو الاشهر.
والله أعلم.
وذكر محمد بن سعد أنهم دخلوا عليه ثم ردهم فقتلوا بعذراء، وكان معاوية قد استشار الناس فيهم حتى وصل بهم إلى برج عذراء فمن مشير بقتلهم، ومن مشير بتفريقهم في البلاد، فكتب معاوية إلى زياد كتابا آخر في أمرهم، فأشار عليه بقتلهم إن كان له حاجة في ملك العراق، فعند ذلك أمر بقتلهم، فاستوهب منه الامراء واحدا بعد واحد حتى استوهبوا منه ستة، وقتل منهم ستة أولهم حجر بن عدي، ورجع آخر فعفى
عنه معاوية، وبعث بآخر نال من عثمان وزعم أنه أول من جار في الكلم ومدح عليا، فبعث به معاوية إلى زياد وقال له: لم تبعث إلي فيهم أردى من هذا.
فلما وصل إلى زياد ألقاه في الناطف حيا - وهو عبد الرحمن بن حسان الفري.
وهذه تسمية الذين قتلوا بعذراء: حجر بن عدي، وشريك بن شداد، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة، ومحرز بن شهاب المنقري، وكدام بن حيان.
ومن الناس من يزعم أنهم مدفونون بمسجد القصب في عرفة، والصحيح بعذراء، ويذكر أن حجرا لما أرادوا قتله قال: دعوني حتى أتوضأ، فقالوا: توضأ، فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين فصلاهما وخفف فيهما، ثم قال: لولا أن يقولوا ما بي جزع من الموت لطولتهما.
ثم قال: قد تقدم لهما صلوات كثيرة.
ثم قدموه للقتل وقد حفرت قبورهم ونشرت أكفانهم، فلما تقدم إليه السياف ارتعدت فرائصه فقيل له: إنك قلت لست بجازع، فقال: ومالي لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا.
فأرسلها مثلا.
ثم تقدم إليه السياف.
وهو أبو شريف البدوي، وقيل تقدم إليه رجل أعور فقال له: امدد عنقك، فقال: لا أعين على قتل نفسي، فضربه فقتله.
وكان قد أوصى أن يدفن في قيوده، ففعل به ذلك، وقيل: بل صلوا عليه وغسلوه.
وروي أن الحسن بن علي.
قال: أصلوا عليه ودفنوه في قيوده، قالوا: نعم ! قال: حجهم والله.
والظاهر أن الحسين قائل هذا، فإن حجرا قتل في سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة ثلاث وخمسين، وعلى كل تقدير فالحسن قد مات قبله والله أعلم.
فقتلوه رحمه الله وسامحه.
وروينا أن معاوية لما دخل على أم المؤمنين عائشة فسلم عليها من وراء الحجاب - وذلك بعد مقتله حجرا وأصحابه - قالت له: أين ذهب عنك حلمك يا معاوية حين قتلت حجرا وأصحابه ؟ فقال لها: فقدته حين غاب عني من قومي مثلك يا أماه.
ثم قال لها: فكيف بري بك يا أمه ؟
__________
(1) في الكامل والطبري: نمران.

فقالت: إنك بي لبار، فقال: يكفيني هذا عند الله، وغدا لي ولحجر موقف بين يدي الله عز وجل.
وفي رواية أنه قال: إنما قتله الذين شهدوا عليه.
وروى ابن جرير: أن معاوية جعل
يغرغر بالموت وهو يقول: إن يومي بك يا حجر بن عدي لطويل، قالها ثلاثا.
فالله أعلم.
وقال محمد بن سعد في الطبقات: ذكر بعض أهل العلم أن حجرا وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه هانئ بن عدي، - وكان من أصحاب علي - فلما قدم زياد بن أبي سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي فقال: تعلم أني أعرفك وقد كنت أنا وأباك (1) على أمر قد علمت - يعني من حب علي - وأنه قد جاء غير ذلك، وإني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله، املك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي، فاكفني نفسك فإني أعرف عجلتك، فأنشدك الله في نفسك، وإياك (2) وهذه السقطة وهؤلاء السفهاء أن يستنزلوك عن رأيك.
فقال حجر: قد فهمت، ثم انصرف إلى منزله، فأتاه الشيعة فقالوا: ما قال لك ؟ قال: قال لي كذا وكذا.
وسار زياد إلى البصرة ثم جعلوا يترددون إليه يقولون له: أنت شيخنا، وإذا جاء المسجد مشوا معه، فأرسل إليه عمرو بن حريث - نائب زياد على الكوفة - يقول: ما هذه الجماعة وقد أعطيت الامير ما قد علمت ؟ فقال للرسول: إنهم ينكرون ما أنتم عليه، إليك وراءك أوسع لك.
فكتب عمرو بن حريث إلى زياد: إن كان لك حاجة بالكوفة فالعجل العجل، فأعجل زياد السير إلى الكوفة، فلما وصل بعث إليه عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن عرفطة في جماعة من أشراف الكوفة لينهوه عن هذه الجماعة، فأتوه فجعلوا يحدثونه ولا يرد عليهم شيئا، بل جعل يقول: يا غلام أعلفت البكر ؟ لبكر مربوط في الدار - فقال له عدي بن حاتم: أمجنون أنت ؟ نكلمك وأنت تقول: أعلفت البكر، ثم قال عدي لاصحابه: ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى.
ثم نهضوا فأخبروا زيادا ببعض الخبر وكتموه بعضا، وحسنوا أمره وسألوه الرفق به فلم يقبل، بل بعث إليه الشرط والمحاربة فأتي به وبأصحابه، فقال له: مالك ويلك ؟ قال: إني على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين من أهل الكوفة فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ففعلوا، ثم أوفدهم إلى معاوية، وبلغ الخبر عائشة فأرسلت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فلما دخلوا على معاوية قرأ كتاب زياد فقال معاوية: اخرجوا بهم إلى عذراء فاقتلوهم
هناك، فذهبوا بهم ثم قتلوا منهم سبعة، ثم جاء رسول معاوية بالتخلية عنهم، وأن يطلقوهم كلهم، فوجدوا قد قتلوا منهم سبعة وأطلقوا السبعة الباقين، ولكن كان حجر فيمن قتل في السبعة
__________
(1) في ابن سعد 6 / 218: وإياك على ما قد علمت.
(2) العبارة في الطبقات: وإياك وهذه السفلة وهؤلاء السفهاء أن يستزلوك عن رأيك فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك لم أخصك بهذا من نفسي.

الاول، وكان قد سألهم أن يصلي ركعتين قبل أن يقتلوه، فصلى ركعتين فطول فيهما، وقال إنهما لاخف صلاة صليتها.
وجاء رسول عائشة بعد ما فرغ من شأنهم.
فلما حج معاوية قالت له عائشة: أين عزب عنك حلمك حين قتلت حجرا ؟ فقال: حين غاب عني مثلك من قومي.
ويروى أن عبد الرحمن بن الحارث قال لمعاوية: أقتلت حجر بن الادبر ؟ فقال معاوية: قتله أحب إلي من أن أقتل معه مائة ألف.
وقد ذكر ابن جرير وغيره عن حجر بن عدي وأصحابه أنهم كانوا ينالون من عثمان ويطلقون فيه مقالة الجور، وينتقدون على الامراء، ويسارعون في الانكار عليهم، ويبالغون في ذلك، ويتولون شيعة علي، ويتشددون في الدين.
ويروى أنه لما أخذ في قيوده سائرا من الكوفة إلى الشام تلقته بناته في الطريق وهن يبكين، فمال نحوهن: فقال إن الذي يطعمكم ويكسوكم هو الله وهو باق لكن بعدي، فعليكن بتقوى الله وعبادته، وإني أما أن أقتل في وجهي وهي شهادة، أو أن أرجع إليكن مكرما، والله خليفتي عليكم.
ثم انصرف مع أصحابه في قيوده، ويقال إنه أوصى أن يدفن في قيوده ففعل ذلك به، ولكن صلوا عليهم ودفنوهم مستقبل القبلة رحمهم الله وسامحهم.
وقد قالت امرأة من المتشيعات ترثي حجرا - وهي هند بنت زيد بن مخرمة الانصارية - ويقال إنها لهند أخت حجر (1).
فالله أعلم.
ترفع أيها القمر المنير * تبصر هل ترى حجرا يسير يسير إلى معاوية بن حرب * ليقتله كما زعم الامير (2) يرى قتل الخيار عليه حقا * له من شر أمته وزير
ألا يا ليت حجرا مات يوما * ولم ينحر كما نحر البعير (3) تجبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير وأصبحت البلاد له محولا * كأن لم يحيها مزن مطير (4) ألا يا حجر حجر بن (5) عدي * تلقتك السلامة والسرور أخاف عليك ما أردى عديا * وشيخا في دمشق له زبير (6) فإن تهلك فكل زعيم (7) قوم * من الدنيا إلى هلك يصير فرضوا أن الآله عليك ميتا * وجنات بها نعم وحور
__________
(11) وفي الاخبار الطوال ص 223: فأنشأت أم حجر تقول: (2) كذا في الاصل والطبري والكامل والمسعودي، وفي ابن سعد 6 / 220: الخبير.
(3) سقط والبيت الذي قبله من الطبقات والكامل، وأثبته المسعودي في المروج والطبري في تاريخه.
(4) في ابن سعد: يوما، وسقط البيت من المسعودي.
(5) في الطبري والكامل والمسعودي وابن سعد: بني.
(6) في المصادر السابقة: زئير.
(7) كذا بالاصل والطبري والكامل.
وفي الطبقات والمسعودي: عميد.

وذكر ابن عساكر له مراث كثيرة.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني حرملة أنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الاسود قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء، حجرا وأصحابه ؟ فقال: يا أم المؤمنين إني رأيت في قتلهم صلاحا للامة، وفي مقامهم فسادا للامة، فقالت: سمعت رسول الله يقول: " سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء " (1).
وهذا إسناد ضعيف منقطع.
وقد رواه عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن أبي الاسود أن عائشة قالت: بلغني أنه سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء.
وقال يعقوب: حدثني ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد عن عبد الله بن رزين (2) الغافقي.
قال:
سمعت عليا يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود، قال: يقتل حجر وأصحابه (3) - ابن لهيعة ضعيف -.
وروى الامام أحمد: عن ابن علية عن ابن عون عن نافع قال: كان ابن عمر في السوق فنعي له حجر فأطلق حبوته وقام وغلب عليه النحيب.
وروى أحمد: عن عفان، عن ابن علية عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة - أو غيره - قال لما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة فقالت: أقتلت حجرا ؟ فقال: يا أم المؤمنين إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم.
وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن مروان.
قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة فقالت: يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبأ لك رجلا يقتلك ؟ فقال: لا، إني في بيت الامان، سمعت رسول الله يقول: " الايمان ضد الفتك لا يفتك مؤمن " (4).
يا أم المؤمنين كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك ؟ قالت: صالح.
قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل (4).
وفي رواية أنها حجبته وقالت: لا يدخل علي أبدا، فلم يزل يتلطف حتى دخل فلامته في قتله حجرا، فلم يزل يعتذر حتى عذرته.
وفي رواية: أنها كانت تتوعده وتقول: لولا يغلبنا سفهاؤنا لكان لي ولمعاوية في قتله حجرا شأن، فلما اعتذر إليها عذرته.
وذكر ابن الجوزي في المنتظم أنه توفي في هذه السنة من الاكابر جرير بن عبد الله البجلي، وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث، وحارثة بن النعمان، وحجر بن عدي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن أنيس، وأبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، رضي الله عنهم.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 456 والفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 421.
(2) في البيهقي والفسوي زرير، الغافقي المصري ثقة متشيع من الثانية مات سنة ثمانين أو بعدها (تقريب التهذيب 1 / 307 / 415).
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 456 والفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 431.
وقال البيهقي معقبا: " علي لا يقول مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن عائشة باسناد مرسل مرفوعا ".
(4) المصدر السابق.

فأما جرير بن عبد الله البجلي فأسلم بعد نزول المائدة، وكان إسلامه في رمضان سنة عشر، وكان قدومه ورسول الله يخطب، وكان قد قال في خطبته: " إنه يقدم عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، وإن على وجهه مسحة ملك " (1)، فلما دخل نظر الناس إليه فكان كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بذلك فحمد الله تعالى.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جالسه بسط له رداءه وقال: " إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه " (2) وبعثه رسول الله إلى ذي الخلصة - وكان بيتا تعظمه دوس في الجاهلية - فذكر أنه لا يثبت على الخيل، فضرب في صدره وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا " (3) فذهب فهدمه.
وفي الصحيحين أنه قال: ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم.
وكان عمر بن الخطاب يقول: جرير يوسف هذه الامة.
وقال عبد الملك بن عمير: رأيت جريرا كأن وجهه شقة قمر.
وقال الشعبي: كان جرير هو وجماعة مع عمر في بيت.
فاشتم عمر من بعضهم ريحا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: أو نقوم كلنا فنتوضأ يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر: نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الاسلام.
وقد كان عاملا لعثمان على همدان، يقال إنه أصيبت عينه هناك، فلما قتل عثمان اعتزل عليا ومعاوية، ولم يزل مقيما بالجزيرة حتى توفي بالسراة، سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي، وقيل سنة أربع، وقيل سنة ست وخمسين.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة ولي زياد على خراسان بعد موت الحكم بن عمرو الربيع بن زياد الحارثي ففتح بلخ صلحا، وكانوا قد غلقوها بعدما صالحهم الاحنف، وفتح قوهستان عنوة، وكان عندها أتراك فقتلهم ولم يبق منهم إلا ترك طرخان، فقتله قتيبة بن مسلم بعد ذلك كما سيأتي.
وفي هذه السنة غزا الربيع ما وراء النهر فغنم وسلم، وكان قد قطع ما وراء النهر قبله الحكم بن عمرو، وكان أول من شرب من النهر غلام للحكم، فسقى سيده وتوضأ
الحكم وصلى وراء النهر ركعتين ثم رجع، فلما كان الربيع هذا غزا ما وراء النهر فغنم وسلم.
وفي هذه السنة حج بالناس يزيد بن معاوية فيما قاله أبو معشر والواقدي.
وأما جعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب فأسلم مع أبيه حين تلقياه بين مكة والمدينة عام الفتح، فلما ردهما قال أبو سفيان: والله لئن لم يأذن لي عليه لآخذن بيد هذا فأذهبن في الارض فلا يدري أين أذهب، فلما بلغ ذلك رسول الله
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 360 - 364.
(2) رواه الطبراني وابن سعد عن جرير، والبيهقي في الدلائل 5 / 347.
(3) الحديث أخرجه البخاري في الجهاد (154) باب ح (3020) فتح الباري 6 / 154 وفي المغازي (62) باب.
ح (4355) فتح الباري 8 / 70 ومسلم في فضائل الصحابة (29) باب.
ح (137) ص (4 / 1926).

رق له وأذن له وقبل إسلامهما فأسلما إسلاما حسنا، بعد ما كان أبو سفيان يؤذي رسول الله أذى كثيرا، وشهد حنينا، وكان ممن ثبت يومئذ رضي الله عنهما.
وأما حارثة بن النعمان الانصاري النجاري فشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد، وكان من فضلاء الصحابة، وروى أنه رأى جبريل مع رسول الله بالمقاعد يتحدثان بعد خيبر، وأنه رآه يوم بني قريظة في صورة دحية.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قراءته في الجنة.
قال محمد بن سعد: حدثنا عبد الرحمن بن يونس ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ثنا محمد بن عثمان عن أبيه أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره فجعل خيطا من مصلاه إلى باب حجرته، فإذا جاءه المسكين أخذ من ذلك التمر ثم أخذ يمسك بذلك الخيط حتى يضع ذلك في يد المسكين، وكان أهله يقولون له: نحن نكفيك ذلك، فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مناولة المسكين تقي ميتة السوء ".
وأما حجر بن عدي فقد تقدمت قصته مبسوطة.
وأما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي
فهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، وأخته عاتكة زوجة عمر، وأخت عمر فاطمة زوجة سعيد، أسلم قبل عمر وزوجته فاطمة، وهاجرا، وكان من سادات الصحابة قال عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والواقدي وغير واحد: لم يشهد بدرا لانه قد كان بعثه رسول الله هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش فلم يرجعا حتى فرغ من بدر، فضرب لهما رسول الله بسهمهما وأجرهما، ولم يذكره عمر في أهل الشورى لئلا يحابى بسبب قرابته من عمر فيولى فتركه لذلك، وإلا فهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في جملة العشرة، كما صحت بذلك الاحاديث المتعددة الصحيحة، ولم يتول بعده ولاية، وما زال كذلك حتى مات بالكوفة، وقيل بالمدينة وهو الاصح، قال الفلاس وغيره، سنة إحدى وخمسين وقيل سنة ثنتين وخمسين والله أعلم.
وكان رجلا طوالا أشعر، وقد غسله سعد، وحمل من العقيق على رقاب الرجال إلى المدينة، وكان عمره يومئذ بضعا وسبعين سنة.
وأما عبد الله أنيس بن الجهني أبو يحيى المدني فصحابي جليل شهد العقبة ولم يشهد بدرا.
وشهد ما بعدها، وكان هو ومعاذ يكسران أصنام الانصار، له في الصحيح حديث أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، وهو الذي بعثه رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلي فقتله بعرنة (1) وأعطاه رسول الله مخصره وقال: " هذه آية ما
__________
(1) عرنة: بوزن همزة، واد بحذاء عرفات (معجم البلدان).

بيني وبينك يوم القيامة " فأمر بها فدفنت معه في أكفانه.
وقد ذكر ابن الجوزي أنه توفي سنة إحدى وخمسين، وقال غيره سنة أربع وخمسين وقيل سنة ثمانين.
وأما أبو بكرة نفيع بن الحارث ابن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة الثقفي فصحابي جليل كبير القدر، ويقال كان اسمه مسروح وإنما قيل له أبو بكرة لانه تدلى في بكرة يوم الطائف فأعتقه رسول الله وكل مولى فر إليهم يومئذ.
وأمه سمية هي أم زياد، وكانا ممن شهد على المغيرة بالزنا هو وأخوه زياد ومعهما
سهل بن معبد، ونافع بن الحارث فلما تلكأ زياد في الشهادة جلد عمر الثلاثة الباقين ثم استتابهم فتابوا إلا أبا بكرة فإنه صمم على الشهادة، وقال المغيرة: يا أمير المؤمنين اشفني من هذا العبد، فنهره عمر وقال له: اسكت ! لو كملت الشهادة لرجمتك بأحجارك، وكان أبو بكرة خير هؤلاء الشهود وكان ممن اعتزل الفتن فلم يكن في خيرهما، ومات في هذه السنة، وقيل قبلها بسنة، وقيل بعدها بسنة وصلى عليه أبو برزة الاسلمي، وكان قد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء سنة سبع، قال ابن عباس - وكان ابن أختها أم الفضل لبابة بنت الحارث -: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وثبت في صحيح مسلم عنها أنهما كانا حلالين، وقولهما مقدم عند الاكثرين على قوله.
وروى الترمذي عن أبي رافع - وكان السفير بينهما - أنهما كانا حلالين.
ويقال كان اسمها برة فسماها رسول الله ميمونة، وتوفيت بسرف بين مكة والمدينة حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة، وقيل في سنة ثلاث وستين، وقيل سنة ست وستين، والمشهور الاول، وصلى عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين ففيها غزا بلاد الروم وشتى بها سفيان بن عوف الازدي فمات هنالك، واستخلف على الجند بعده عبد الله بن مسعدة الفزاري، وقيل إن الذي كان أمير الغزو ببلاد الروم هذه السنة بسر بن أبي أرطاة ومعه سفيان بن عوف.
وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص نائب المدينة، قاله أبو معشر والواقدي وغيرهما.
وغزا الصائفة محمد بن عبد الله الثقفي.
وعمال الامصار في هذه السنة عمالها في السنة الماضية.
ذكر من توفي فيها من الاعيان خالد بن زيد بن كليب أبو أيوب الانصاري الخزرجي شهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها، وشهد مع علي قتال

الحرورية، وفي داره كان نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فأقام عنده شهرا حتى بنى المسجد ومساكنه حوله، ثم تحول إليها، وقد كان أبو أيوب أنزل رسول الله في اسفل داره ثم تحرج من أن يعلو فوقه، فسأل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصعد إلى العلو ويكون هو وأم أيوب في السفل فأجابه.
وقد روينا عن ابن عباس أنه قدم عليه أبو أيوب البصرة وهو نائبها فخرج له عن داره وأنزله بها، فلما أراد الانصراف خرج له عن كل شئ بها، وزاده تحفا وخدما كثيرا أربعين ألفا، وأربعين عبدا إكراما له لما كان أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره، وقد كان من أكبر الشرف له.
وهو القائل لزوجته أم أيوب - حين قالت له: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة - ؟ فقال: أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟ فقالت: لا والله فقال: والله لهي خير منك، فأنزل الله: * (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) * الآية [ النور: 12 ].
وكانت وفاته ببلاد الروم قريبا من سور قسطنطينية من هذه السنة، وقيل في التي قبلها، وقيل في التي بعدها.
وكان في جيش يزيد بن معاوية، وإليه أوصى، وهو الذي صلى عليه.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عثمان، ثنا همام، ثنا أبو عاصم، عن رجل من أهل مكة أن يزيد بن معاوية كان أميرا على الجيش الذي غزا فيه أبو أيوب، فدخل عليه عند الموت فقال له: إذا أنا مت فاقرأوا على الناس مني السلام وأخبروهم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات لا يشرك بالله شيئا جعله الله في الجنة " (1).
ولينطلقوا فيبعدوا بي في أرض الروم ما استطاعوا.
قال: فحدث الناس لما مات أبو أيوب فأسلم الناس وانطلقوا بجنازته.
وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الاعمش، عن أبي ظبيان قال: غزا أبو أيوب مع يزيد بن معاوية قال: فقال إذا مت فأدخلوني في أرض العدو فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو.
قال: ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ".
ورواه أحمد عن ابن نمير ويعلى بن عبيد عن الاعمش سمعت أبا ظبيان فذكره، وقال فيه: سأحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حالي هذا ما حدثتكموه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ": وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى حدثني محمد بن قيس - قاضي عمر بن عبد العزيز -
عن أبي صرمة عن أبي أيوب الانصاري أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: " لولا أنكم تذنبون لخلق الله قوما يذنبون فيغفر لهم " (2).
وعندي أن هذا الحديث والذي قبله هو الذي حمل يزيد بن معاوية على طرف من الارجاء، وركب بسببه أفعالا كثيرة أنكرت عليه كما سنذكره في ترجمته والله تعالى أعلم.
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده: 1 / 382، 425، 3 / 79، 391، 4 / 322، 346، 404، 5 / 166، 241، 416، 419، 423، 6 / 450.
(2) مسند الامام أحمد ج 5 / 414.

قال الواقدي: مات أبو أيوب بأرض الروم سنة ثنتين وخمسين ودفن عند القسطنطينية وقبره هنالك يستسقي به الروم إذا قحطوا، وقيل: إنه مدفون في حائط القسطنطينية وعلى قبره مزار ومسجد وهم يعظمونه، وقال أبو زرعة الدمشقي: توفي سنة خمس وخمسين، والاول أثبت والله أعلم.
وقال أبو بكر بن خلاد: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا داود بن المحبر، ثنا ميسرة بن عبد ربه، عن موسى بن عبيدة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب الانصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " إن الرجلين ليتوجهان إلى المسجد فيصليان فينصرف أحدهما وصلاته أوزن من صلاة الآخر، وينصرف الآخر وما تعدل صلاته مثقال ذرة، إذا كان أورعهما عن محارم الله وأحرصهما على المسارعة إلى الخير ".
وعن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل سأله أن يعلمه ويوجز فقال له: " إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع، ولا تكلمن بكلام تعتذر منه، واجمع اليأس مما في أيدي الناس ".
وفيها كانت وفاة أبي موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن غز (1) بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن جماهر بن الاشعر الاشعري، أسلم ببلاده وقدم مع جعفر وأصحابه عام خيبر، وذكر محمد بن إسحاق أنه هاجر أولا إلى مكة ثم هاجر إلى اليمن، وليس هذا بالمشهور، وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع معاذ على اليمن، واستنابه عمر
على البصرة، وفتح تستر، وشهد خطبة عمر بالجابية، وولاه عثمان الكوفة، وكان أحد الحكمين بين علي ومعاوية، فلما اجتمعا خدع عمر وأبا موسى، وكان من قراء الصحابة وفقهائهم، وكان أحسن الصحابة صوتا في زمانه، قال أبو عثمان النهدي: ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار أطيب من صوت أبي موسى وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " (2).
وكان عمر يقول له: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ وهم يسمعون.
وقال الشعبي: كتب عمر في وصيته أن لا يقر لي عامل أكثر من سنة إلا أبا موسى فليقر أربع سنين.
وذكر ابن الجوزي في المنتظم أنه توفي في هذه السنة، وهو قول بعضهم، وقيل إنه توفي قبلها بسنة، وقيل في سنة ثنتين وأربعين، وقيل غير ذلك والله أعلم.
وكانت وفاته بمكة لما اعتزل الناس بعد التحكيم، وقيل بمكان يقال له: الثوية على ميلين من الكوفة.
وكان قصيرا نحيف الجسم أسبط، أي لا لحية له، رضي الله عنه.
وذكر ابن الجوزي أنه توفي في هذه السنة أيضا من الصحابة.
عبد الله بن المغفل المزني وكان أحد البكائين، وأحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة ليفقهوا الناس، وهو أول
__________
(1) في ابن سعد 4 / 105: عنز.
(2) روى الحديث ابن سعد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعاده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق عروة عن عائشة عن النبي انظر الطبقات 4 / 107.

من دخل تستر من المسلمين حين فتحها.
لكن الصحيح ما حكاه البخاري عن مسدد أنه توفي سنة سبع وخمسين.
وقال ابن عبد البر: توفي سنة ستين، وقال غيره: سنة إحدى وستين فالله أعلم.
ويروى عنه أنه رأى في منامه كأن القيامة قد قامت وكان هناك مكان من وصل إليه نجا، فجعل يحاول الوصول إليه فقيل له: أتريد أن تصل إليه وعندك ما عندك من الدنيا ؟ فاستيقظ فعمد إلى عيبة عنده فيها ذهب كثير فلم يصبح عليه الصباح إلا وقد فرقها في المساكين والمحاويج والاقارب
رضي الله عنه.
وفيها توفي عمران بن حصين بن عبيد ابن خلف أبو نجيد الخزاعي، أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر وشهد غزوات، وكان من سادات الصحابة، استقضاه عبد الله بن عامر على البصرة فحكم له بها، ثم استعفاه فأعفاه، ولم يزل بها حتى مات في هذه السنة، قال الحسن: وابن سيرين البصري: ما قدم البصرة راكب خير منه، وقد كانت الملائكة تسلم عليه فلما اكتوى انقطع عنه سلامهم ثم عادوا قبل موته بقليل فكانوا يسلمون عليه رضي الله عنه وعن أبيه.
كعب بن عجزة الانصاري أبو محمد المدني صحابي جليل وهو الذي نزلت فيه آية الفدية في الحج.
مات في هذه السنة، وقيل قبلها بسنة عن خمس أو سبع وسبعين سنة.
معاوية بن خديج ابن جفنة بن قتيرة الكندي الخولاني المصري، صحابي على قول الاكثرين، وذكره ابن حبان في التابعين من الثقاة، والصحيح الاول، شهد فتح مصر، وهو الذي وفد إلى عمر بفتح الاسكندرية، وشهد مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح قتال البربر، وذهبت عينه يومئذ، وولي حروبا كثيرة في بلاد المغرب، وكان عثمانيا في أيام علي ببلاد مصر، ولم يبايع عليا بالكلية، فلما أخذ معاوية بن أبي سفيان مصر أكرمه ثم استنابه بها عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه ناب بها بعد أبيه سنتين ثم عزله معاوية وولى معاوية بن خديج هذا، فلم يزل بمصر حتى مات بها في هذه السنة.
هانئ بن نيار أبو بردة البلوي المخصوص بذبح العناق وإجزائها عن غيرها من الاضاحي، وشهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها وكانت راية بني حارثة معه يوم الفتح رضي الله عنه.

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ففيها غزا عبد الرحمن بن أم الحكم بلاد الروم وشتى بها، وفيها افتتح المسلمون وعليهم جنادة بن أبي أمية جزيرة رودس فأقام بها طائفة من المسلمين كانوة أشد شئ على الكفار، يعترضون لهم في البحر ويقطعون سبيلهم، وكان معاوية يدر عليهم الارزاق والاعطيات الجزيلة، وكانوا على حذر شديد من الفرنج، يبيتون في حصن عظيم عنده فيه حوائجهم ودوابهم وحواصلهم، ولهم نواطير على البحر ينذرونهم إن قدم عدو أو كادهم أحد، وما زالوا كذلك حتى كانت إمرة يزيد بن معاوية بعد أبيه، فحولهم من تلك الجزيرة، وقد كانت للمسلمين بها أموال كثيرة وزراعات غزيرة.
وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص والي المدينة أيضا، قاله أبو معشر والواقدي.
وفي هذه السنة توفي جبلة بن الايهم الغساني كما ستأتي ترجمته في آخر هذه التراجم.
وفيها توفي الربيع بن زياد الحارثي، اختلف في صحبته وكان نائب زياد على خراسان، وكان قد ذكر حجر بن عدي فأسف عليه، وقال: والله لو ثارت العرب له لما قتل صبرا ولكن أقرت العرب فذلت، ثم لما كان يوم الجمعة دعا الله على المنبر أن يقبضه إليه فما عاش إلى الجمعة الاخرى، واستخلف على عمله ابنه عبد الله بن الربيع فأقره زياد على ذلك، فمات بعد ذلك بشهرين، واستخلف على عملهم بخراسان خليد بن عبد الله الحنفي فأقره زياد.
رويفع بن ثابت صحابي جليل شهد فتح مصر، وله آثار جيدة في فتح بلاد المغرب، ومات ببرقة واليا من جهة مسلمة بن مخلد نائب مصر.
وفي هذه السنة أيضا توفي زياد بن أبي سفيان ويقال له: زياد بن أبيه وزياد بن سمية - وهي أمه - في رمضان من هذه السنة مطعونا (1)، وكان سبب ذلك أنه كتب إلى معاوية يقول له: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي ويميني فارغة، فارع لي ذلك، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضا، فلما بلغ أهل الحجاز جاؤوا إلى عبد الله بن عمر فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي
عليهم زياد، فيعسفهم كما عسف أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة فدعا على زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق في يده فضاق ذرعا بذلك، واستشار شريحا القاضي في قطع
__________
(1) في مروج الذهب 3 / 32: خرجت في كفه بثرة ثم حكها ثم سرت واسودت فصارت أكلة سوداء فهلك لذلك.
وفي فتوح ابن الاعثم 4 / 203: فخرج به خراج في إبهام يده وفشا ذلك الخراج في يده اليمنى حتى ثقلت يده...واشتد به الامر ولقي جهدا شديدا ثم مات بعد ذلك.

يده، فقال له شريح: إني لا أرى ذلك، فإنه إن لم يكن في الاجل فسحة لقيت الله أجذم قد قطعت يدك خوفا من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيعير ولدك بذلك.
فصرفه عن ذلك، فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس: وقالوا: هلا تركته فقطع يده ؟ ! فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المستشار مؤتمن ".
ويقال إن زيادا جعل يقول: أأنام أنا والطاعون في فراش واحد ؟ فعزم على قطع يده، فلما جئ بالمكاوي والحديد خاف من ذلك فترك ذلك، وذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبا ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم والامر المحموم، فمات في ثالث شهر رمضان في هذه السنة، وقد قام في إمرة العراق خمس سنين.
ودفن بالثوية خارج الكوفة، وقد كان برز منها قاصدا إلى الحجاز أميرا عليها، فلما بلغ خبر موته عبد الله بن عمر قال: اذهب إليك يا بن سمية، فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني أبي عن هشام بن محمد حدثني يحيى بن ثعلبة أبو المقدم الانصاري عن أمه عن عائشة عن أبيها عبد الرحمن بن السائب الانصاري.
قال: جمع زياد أهل الكوفة فملا منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرض عليهم البراءة من علي بن أبي طالب، قال عبد الرحمن: فإني لمع نفر من أصحابي من الانصار، والناس في أمر عظيم من ذلك وفي حصر، قال: فهومت تهويمة - أي نعست نعسة - فرأيت شيئا أقبل طويل العنق، له عنق مثل عنق البعير، أهدب أهدل فقلت: ما أنت ؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة، بعثت إلى صاحب هذا القصر، فاستيقظت فزعا فقلت لاصحابي: هل
رأيتم ما رأيت ؟ قالوا: لا ! فأخبرتهم، وخرج علينا خارج من القصر فقال: إن الامير يقول لكم: انصرفوا عني: فإني عنكم مشغول.
وإذا الطاعون قد أصابه.
وروى ابن أبي الدنيا أن زيادا لما ولي الكوفة سأل عن أعبدها فدل على رجل يقال له أبو المغيرة الحميري، فجاء به فقال له: الزم بيتك ولا تخرج منه وأنا أعطيك من المال ما شئت، فقال: لو أعطيتني ملك الارض ما تركت خروجي لصلاة الجماعة.
فقال الزم الجماعة ولا تتكلم بشئ.
فقال: لا أستطيع ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأمر به فضربت عنقه.
ولما احتضر قال له ابنه: يا أبة قد هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فيها، فقال يا بني قد دنا من أبيك أمر إما لباس خير من لباسه وإما سلب سريع.
وهذا غريب جدا.
صعصعة بن ناجية ابن عفان (1) بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، كان سيدا في الجاهلية وفي الاسلام، يقال إنه أحيى في الجاهلية ثلثمائة وستين موءودة، وقيل أربعمائة، وقيل ستا وتسعين موءودة، فلما
__________
(1) في الاصابة 2 / 186 والاستيعاب على هامش الاصابة 2 / 194: عقال.

أسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لك أجر ذلك إذ من الله عليكم بالاسلام ".
ويروى عنه أنه أول ما أحيى المؤودة أنه ذهب في طلب ناقتين شردتا له، قال: فبينما أنا في الليل أسير، إذ أنا بنار تضئ مرة وتخبو أخرى.
فجعلت لا أهتدي إليها، فقلت: اللهم لك علي إن أوصلتني إليها أن أدفع عن أهلها ضيما إن وجدته بهم، قال فوصلت إليها وإذا شيخ كبير يوقد نارا وعنده نسوة مجتمعات، فقلت: ما أنتن ؟ فقلن: إن هذه امرأة قد حبستنا منذ ثلاث، تطلق ولم تخلص، فقال الشيخ صاحب المنزل: وما خبرك ؟ فقلت: إني في طلب ناقتين ندتا لي، فقال: قد وجدتهما، إنهما لفي إبلنا، قال فنزلت عنده ؟ قال: فما هو إلا أن نزلت إذ قلن: وضعت، فقال الشيخ: إن كان ذكرا فارتحلوا، وإن كان أنثى فلا تسمعنني صوتها، فقلت: علام تقتل ولدك ورزقه على الله ؟ فقال: لا حاجة لي بها، فقلت: أنا أفتديها منك وأتركها عندك حتى تبين عنك
أو تموت.
قال: بكم ؟ قلت.
بإحدى ناقتي، قال: لا ! قلت فبهما، قال: لا: إلا أن تزيدني بعيرك هذا فإني أراه شابا حسن اللون، قلت: نعم على أن تردني إلى أهلي، قال: نعم، فلما خرجت من عندهم رأيت أن الذي صنعته نعمة من الله من بها علي هداني إليها، فجعلت لله علي أن لا أجد موءودة إلا افتديتها كما افتديت هذه، قال: فما جاء الاسلام حتى أحييت مائة موءودة إلا أربعا (1)، ونزل القرآن بتحريم ذلك على المسلمين.
وممن توفي في هذه السنة من المشاهير المذكورين جبلة بن الايهم الغساني ملك نصارى العرب وهو جبلة بن الايهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر، واسمه المنذر بن الحارث، وهو ابن مارية ذات القرطين، وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، واسمه كعب أبو عامر بن حارثة بن امرئ القيس، ومارية بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ويقال غير ذلك في نسبه، وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني، وكان ملك غسان، وهم نصارى العرب أيام هرقل، وغسان أولاد عم الانصار أوسها وخزرجها، وكان جبلة آخر ملوك غسان، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب مع شجاع بن وهب يدعوه إلى الاسلام فأسلم وكتب باسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عساكر: إنه لم يسلم قط، وهكذا صرح به الواحدي وسعيد بن عبد العزيز.
وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر، فاتفق أنه وطئ رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني، فدفعه أصحاب جبلة إلى أبي عبيدة فقالوا: هذا لطم جبلة، قال أبو عبيدة: فيلطمه جبلة: فقالوا: أو ما يقتل ؟ قال
__________
(1) في الاصل: أربعة، وهو خطأ.

لا ! قالوا: فما تقطع يده ؟ قال لا، إنما أمر الله بالقود، فقال جبلة: أترون أني جاعل وجهي (1) بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة ؟ بئس الدين هذا، ثم ارتد نصرانيا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان: إن صديقك جبلة ارتد عن الاسلام،
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: ولم ؟ قال لطمه رجل من مزينة فقال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه.
ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وساق ذلك بأسانيده إلى جماعة من الصحابة.
وهذا القول هو أشهر الاقوال.
وقد روى ابن الكلبي وغيره: أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه، ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة، وقيل بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثير من قومه، قيل مائة وخمسين راكبا، وقيل خمسمائة، وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلى المدينة بمراحل، وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة، ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلي والجواهر، وفيه قرطا مارية جدته، وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه، فلما سلم على عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطئ إزاره رجل من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل، ومن الناس من يقول: إنه قلع عينه، فاستعدى عليه الفزاري إلى عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة، فاستحضره عمر فاعترف جبلة، فقال له عمر: أقدته منك.
فقال: كيف وأنا ملك وهو سوقة ؟ فقال: إن الاسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى، فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الاسلام أعز مني في الجاهلية، فقال عمر: دع ذا عنك، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك، فقال إذا أتنصر، فقال إن تنصرت ضربت عنقك، فلما رأى الحد: قال سأنظر في أمري هذه الليلة، فانصرف من عند عمر، فلما ادلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم ودخل على هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة، وأجرى عليه أرزاقا جزيلة، وأهدى إليه هدايا جميلة، وجعله من سماره، فمكث عنده دهرا.
ثم إن عمر كتب كتابا إلى هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكناني، فلما بلغ هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة ؟ قال: لا ! قال فالقه، فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي، في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه، حواليه الحسان من الخدم والقيان، ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الاسلام، وذكر
أنه دعاه إلى الاسلام والعود إلى الشام فقال: أبعد ما كان مني من الارتداد ؟ فقال: نعم ! إن الاشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف، ثم لما رجع إلى الحق قبله منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة، قال: فالتهى عنه بالطعام والشراب، وعرض عليه الخمر فأبى عليه، وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان يمدح بني عمه
__________
(1) في ابن سعد 1 / 265: إني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق.

من غسان والشعر في والد جبلة هذا الحيوان: لله در عصابة نادمتهم * يوما بجلق في الزمان الاول أولاد جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية الكريم المفضل يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفق بالرحيق السلسل بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شم الانوف من الطراز الاول يغشون حتى ما تهر كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبل قال: فأعجبه قولهن ذلك، ثم قال: هذا شعر حسان بن ثابت الانصاري فينا وفي ملكنا، ثم قال لي: كيف حاله ؟ قلت: تركته ضريرا شيخا كبيرا، ثم قال لهن: أطربنني فاندفعن يغنين لحسان أيضا: لمن الديار أوحشت بمغان * بين أعلا اليرموك فالصمان فالقريات من بلامس فداري * ا فكساء لقصور الدواني (1) فقفا جاسم فأودية الص * - فر مغنى قبائل وهجان تلك دار العزيز بعد أنيس * وحلوك عظيمة الاركان صلوات المسيح في ذلك الدي * - ر دعاء القسيس والرهبان ذاك مغنى لآهل جفنة في الده * - ر محاه تعاقب الازمان (2) قد أراني هناك حق مكين * عند ذي التاج مجلسي ومكاني
ثكلت أمهم وقد ثكلتهم * يوم حلوا بحارث الحولاني وقددنا الفصح فالولائد ينظم * - ن سراعا أكلة المرجان ثم قال: هذا لابن الفريعة حسان بن ثابت فينا وفي ملكنا وفي منازلنا بأكناف غوطة دمشق، قال: ثم سكت طويلا، ثم قال لهن: بكينني، فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن: تنصرت الاشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني فيها اللجاج ونخوة * وبعت بها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قاله عمر ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة * وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر أدين بما دانوا به من شريعة * وقد يصبر العود الكبير على الدبر
__________
(1) في الديوان: والاعرج خير الآنام.
(2) في مروج الذهب 2 / 118...الدهر وحقا تصرف الازمان.

قال: فوضع يده على وجهه فبكى حتى بل لحيته بدموعه وبكيت معه، ثم استدعى بخمسمائة دينار هرقلية فقال: خذ هذه فأوصلها إلى حسان بن ثابت، وجاء بأخرى فقال: خذ هذه لك، فقلت: لا حاجة لي فيها ولا أقبل منك شيئا وقد ارتددت عن الاسلام، فيقال: إنه أضافها إلى التي لحسان، فبعث بألف دينار هرقلية، ثم قال له: أبلغ عمر بن الخطاب مني السلام وسائر المسلمين، فلما قدمت على عمر أخبرته خبره فقال: ورأيته يشرب الخمر ؟ قلت: نعم ! وقال: أبعده الله، تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته.
ثم قال: وما الذي وجه به لحسان ؟ قلت: خمسمائة دينار هرقلية، فدعا حسانا فدفعها إليه، فأخذها وهو يقول: إن ابن جفنة من بقية معشر * لم يغرهم آباؤهم باللوم لم ينسني بالشام إذ هو ربها * كلا ولا متنصرا بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده * إلا كبعض عطية المحروم وأتيته يوما فقرب مجلسي * وسقا فرواني من المذموم ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري رسولا إلى ملك الروم، فاجتمع بجبلة بن الايهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والاموال من الخدم والحشم والذهب والخيول، فقال له جبلة: لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنها منازلنا، وعشرين قرينة من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا، ويحسن جوائزنا، لرجعت إلى الشام.
فأخبر عبد الله بن مسعدة معاوية بقوله، فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك، وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك، فما أدركه البريد إلا وقد مات في هذه السنة قبحه الله.
وذكر أكثر هذه الاخبار الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم، وأرخ وفاته هذه السنة، - أعني سنة ثلاث وخمسين - وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأطال الترجمة وأفاد، ثم قال في آخرها: بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة.
سنة أربع وخمسين ففيها كان شتى محمد بن مالك بأرض الروم، وغزا الصائفة معن بن يزيد السلمي، وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن إمرة المدينة ورد إليها مروان بن الحكم، وكتب إليه أن يهدم دار سعيد بن العاص، ويصطفي أمواله التي بأرض الحجاز، فجاء مروان إلى دار سعيد ليهدمها فقال سعيد: ما كنت لتفعل ذلك، فقال: إن أمير المؤمنين كتب إلي بذلك، ولو كتب إليك في داري لفعلته.
فقام سعيد فأخرج إليه كتاب معاوية إليه حين ولاه المدينة أن يهدم دار مروان ويصطفي ماله، وذكر أنه لم يزل بحاجف دونه حتى صرف ذلك عنه، فلما رأى مروان الكتاب إلى سعيد بذلك، ثناه ذلك عن سعيد، ولم يزل يدافع عنه حتى تركه معاوية في داره وأقر عليه أمواله.
وفيها عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة، وكان زياد استخلفه عليها فأقره معاوية ستة أشهر،

وولى عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان.
وروى ابن جرير وغيره عن سمرة أنه قال لما عزله
معاوية: لعن الله معاوية لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا.
وهذا لا يصح عنه.
وأقر عبد الله بن خالد بن أسيد على نيابة الكوفة، وكان زياد قد استخلفه عليها فأبقاه معاوية.
وقدم في هذه السنة عبيد الله بن زياد على معاوية فأكرمه وسأله عن نواب أبيه على البلاد فأخبره عنهم، ثم ولاه إمرة خراسان وهو ابن خمس وعشرين سنة، فسار إلى مقاطعته وتجهز من فوره غاديا إليها، فقطع النهر إلى جبال بخارا، ففتح (1) رامس ونصف بيكند - وهما من معامة بخارا - ولقي الترك هناك فقاتلهم قتالا شديدا وهزمهم هزيمة فظيعة بحيث إن المسلمين أعجلوا امرأة الملك أن تلبس خفيها، فلبست واحدة وتركت أخرى، فأخذها المسلمون فقوموا جواهرها (2) بمائتي ألف درهم، وغنموا مع ذلك غنائم كثيرة، وأقام عبيد الله بخراسان سنتين.
وفي هذه السنة حج بالناس مروان بن الحكم نائب المدينة.
وكان على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، وقيل: بل كان عليها الضحاك بن قيس، وكان على البصرة عبد الله بن غيلان.
ذكر من توفي فيها من الاعيان أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو محمد المدني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه، وحبه وابن حبه، وأمه بركة أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته، ولاه رسول الله الامرة بعد مقتل أبيه فطعن بعض الناس في إمرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمرة أبيه من قبله، وايم الله إن كان لخليقا بالامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي بعده ".
وثبت في صحيح البخاري عنه: " أن رسول الله كان يجلس الحسن على فخذه ويجلس أسامة على فخذه الاخرى ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما ".
وفضائله كثيرة.
توفي رسول الله وعمره تسع عشرة سنة، وكان عمر إذا لقيه يقول: السلام عليك أيها الامير.
وصحح أبو عمر بن عبد البر أنه توفي في هذه السنة، وقال غيره سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل توفي بعد مقتل عثمان.
فالله أعلم.
ثوبان بن مجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدمت ترجمته في مواليه ومن كان يخدمه عليه السلام، أصله من العرب
__________
(1) في الطبري 6 / 167: فتح راميثن ونصف بيكند، وفي الكامل 3 / 499 فتح رامني ونسف وبيكند وهي من بخارى.
قال الاصطخري: ونسف فإنها مدينة ولها قهندز وربض ولها أبواب أربعة وهي على مدرج بخارى وبلخ.
(معجم البلدان).
(2) في الطبري: فقوم الجورب، وفي الكامل: لبست أحد خفيها وبقي الآخر فأخذه المسلمون فقوم بمائتي ألف درهم.

فأصابه سبي فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، فلزم رسول الله سفرا وحضرا، فلما مات أقام بالرملة ثم انتقل إلى حمص فابتنى بها دارا ولم يزل بها حتى مات في هذه السنة على الصحيح، وقيل سنة أربع وأربعين وهو غلط، ويقال إنه توفي بمصر، والصحيح بحمص.
جبير بن مطعم تقدم أنه توفي سنة خمسين.
الحارث بن ربعي أبو قتادة الانصاري، وقال الواقدي: اسمه النعمان بن ربعي، وقال غيره: عمرو بن ربعي وهو أبو قتادة الانصاري السلمي المدني فارس الاسلام، شهد أحدا وما بعدها، وكان له يوم ذي قرد سعي مشكور كما قدمنا هناك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الاكوع ".
وزعم أبو أحمد الحاكم أنه شهد بدرا وليس بمعروف، وقال أبو سعيد الخدري: أخبرني من هو خير مني أبو قتادة الانصاري أن رسول الله قال لعمار: " تقتلك الفئة الباغية ".
قال الواقدي وغير واحد: توفي في هذه السنة - يعني سنة أربع وخمسين - بالمدينة عن سبعين سنة، وزعم الهيثم بن عدي وغيره أنه توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي بن أبي طالب.
وهذا غريب.
حكيم بن حزام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الاسدي أبو خالد المكي، أمه
فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وعمته خديجة بن خويلد، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأم أولاده سوى إبراهيم.
ولدته أمه في جوف الكعبة قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، وذلك أنها دخلت تزور فضربها الطلق وهي في الكعبة فوضعته على نطع، وكان شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب لا يبايعوا ولا يناكحوا، كان حكيم يقبل بالعير يقدم من الشام فيشتريها بكمالها، ثم يذهب بها فيضرب أدبارها حتى يلج الشعب يحمل الطعام والكسوة تكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعمته خديجة بنت خويلد.
وهو الذي اشترى زيد بن حارثة فابتاعته منه عمته خديجة فوهبته لرسول الله فأعتقه، وكان اشترى حلة ذي يزن فأهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسها، قال: فما رأيت شيئا أحسن منه فيها.
ومع هذا ما أسلم إلا يوم الفتح هو وأولاده كلهم، قال البخاري وغيره: عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الاسلام ستين سنة، وكان من سادات قريش وكرمائهم وأعلمهم بالنسب، وكان كثير الصدقة والبر والعتاقة، فلما أسلم سأل عن ذلك رسول الله فقال: " أسلمت على ما أسلمت من خير ".
وقد كان حكيم

شهد مع المشركين بدرا وتقدم إلى الحوض فكاد حمزة أن يقتله، فما سحب إلا سحبا بين يديه، فلهذا كان إذا اجتهد في اليمين يقول: لا والذي نجاني يوم بدر.
ولما ركب رسول الله إلى فتح مكة ومعه الجنود بمر الظهران خرج حكيم وأبو سفيان يتجسسان الاخبار، فلقيهما العباس، فأخذ أبا سفيان فأجاره وأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم أبو سفيان ليلتئذ كرها، ومن صبيحة ذلك اليوم أسلم حكيم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، وأعطاه مائة من الابل ثم سأله فأعطاه، ثم قال: " يا حكيم إن هذه المال حلوة خضرة، وإنه من أخذه بسخاوة بورك له فيه، ومن أخذه باسراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع ".
فقال حكيم: والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أبدا، فلم يرزأ أحد بعده، وكان أبو بكر يعرض عليه العطاء فيأبى، وكان عمر يعرض عليه العطاء فيأبى فيشهد عليه المسلمين، ومع هذا كان من أغنى الناس، مات الزبير يوم مات ولحكيم عليه مائة ألف، وقد كان بيده حين أسلم الرفادة ودار الندوة فباعها بعد من معاوية
بمائة ألف، وفي رواية بأربعين ألف دينار، فقال له ابن الزبير: بعت مكرمة قريش ؟ فقال له حكيم: ابن أخي ذهبت المكارم فلا كرم إلا التقوى، يا بن أخي إني اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، ولاشترين بها دارا في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله، وهذه الدار كانت لقريش بمنزلة دار العدل، وكان لا يدخلها أحد إلا وقد صار سنة أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة، ذكره الزبير بن بكار، وذكر الزبير أن حكيما حج عاما فأهدى مائة بدنة مجللة، وألف شاة، وأوقف معه بعرفات مائة وصيف في أعناقهم أطوقة الفضة، وقد نقش فيها: هؤلاء عتقاء الله عن حكيم بن حزام، فأعتقهم وأهدى جميع تلك الانعام رضي الله عنه.
توفي حكيم في هذه السنة على الصحيح، وقيل غير ذلك وله مائة وعشرون سنة.
حويطب بن عبد العزى العامري صحابي جليل، أسلم عام الفتح، وكان قد عمر دهرا طويلا، ولهذا جعله عمر في النفر الذين جددوا أنصاب الحرم، وقد شهد بدرا مع المشركين، ورأى الملائكة يومئذ بين السماء والارض، وشهد الحديبية وسعى في الصلح، فلما كان عمرة القضاء كان هو وسهيل هما اللذان امرا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج من مكة، فأمر بلالا أن لا تغرب الشمس وبمكة أحد من أصحابه، قال: وفي كل هذه المواطن أهم بالاسلام ويأبى الله إلا ما يريد، فلما كان زمن الفتح خفت خوفا شديدا وهربت فلحقني أبو ذر - وكان لي خليلا في الجاهلية -.
فقال: يا حويطب مالك ؟ فقلت: خائف، فقال: لا تخف فإنه أبر الناس: وأوصل الناس، وأنا لك جار فاقدم معي، فرجعت معه فوقف بي على رسول الله وهو بالبطحاء ومعه أبو بكر وعمر، وقد علمني أبو ذر أن أقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فلما قلت ذلك قال: " حويطب " ؟ قلت: نعم ! شهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: " الحمد لله الذي هداك " وسر بذلك

واستقرضني مالا فأقرضته أربعين ألفا، وشهدت معه حنينا والطائف، وأعطاني من غنائم حنين مائة بعير.
ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار، ولما ولى عليها مروان بن الحكم
جاءه حويطب وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل، فسلموا عليه وجعلوا يتحدثون عنده ثم تفرقوا، ثم اجتمع حويطب بمروان يوما آخر فسأله مروان عن عمره فأخبره، فقال له: تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الاحداث.
فقال حويطب: الله المستعان، والله لقد هممت بالاسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك يقول تضع شرفك وتدع دين آبائك لدين محدث ؟ وتصير تابعا ؟ قال: فاسكت مروان وندم على ما كان قال له، ثم قال حويطب: أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم ؟ قال: فازداد مروان غما.
وكان حويطب ممن شهد دفن عثمان، واشترى منه معاوية داره بمكة بأربعين ألف دينار فاستكثرها الناس، فقال: وما هي في رجل له خمسة من العيال ؟ قال الشافعي: كان حويطب جيد الاسلام، وكان أكثر قريش ريعا جاهليا.
وقال الواقدي: عاش حويطب في الجاهلية ستين سنة، وفي الاسلام ستين سنة، ومات حويطب في هذه السنة بالمدينة وله مائة وعشرون سنة.
وقال غيره: توفي بالشام.
له حديث واحد رواه البخاري ومسلم والنسائي من حديث السائب بن يزيد عنه عن عبد الله بن السعدي عن عمر في العمالة، وهو من عزيز الحديث لانه اجتمع فيه أربعة من الصحابة رضي الله عنهم.
معبد (1) بن يربوع بن عنكثة ابن عامر بن مخزوم، أسلم عام الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه رسول الله خمسين من الابل، وكان اسمه صرما، وفي رواية أصرم، فسماه معبدا، وكان في جملة النفر الذين أمرهم عمر بتجديد أنصاب الحرم، وقد أصيب بصره بعد ذلك فأتاه عمر يعزيه فيه، رواه البخاري.
قال الواقدي وخليفة وغير واحد: مات في هذه السنة بالمدينة، وقيل بمكة وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقيل أكثر من ذلك.
مرة بن شراحيل الهمذاني يقال له مرة الطيب، ومرة الخير، روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فلما كبر صلى أربعمائة ركعة، ويقال إنه سجد حتى أكل التراب جبهته، فلما مات رئي في المنام - وقد صار ذلك المكان نورا - فقيل له: أين منزلك ؟ فقال: بدار
لا يظعن أهلها ولا يموتون.
النعيمان بن عمرو ابن رفاعة بن الحر، شهد بدرا وما بعدها، ويقال إنه الذي كان يؤتى به في الشراب، فقال
__________
(1) في الاصابة والاستيعاب 2 / 51: سعيد.

رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ".
سودة بن زمعة القرشية العامرية أم المؤمنين، تزوجها رسول الله بعد خديجة، وكانت قبله عند السكران بن عمر وأخي سهيل بن عمرو، فلما كبرت هم رسول الله بطلاقها، ويقال إنه طلقها، فسألته أن يبقيها في نسائه وتهب يومها لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * الآية [ النساء: 128 ]، وكانت ذات عبادة وورع وزهادة، قالت عائشة: ما من امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها غير أن فيها حدة تسرع منها الفيئة.
ذكر ابن الجوزي وفاتها في هذه السنة، وقال ابن أبي خيثمة: توفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب.
فالله أعلم.
ثم دخلت سنة خمس وخمسين فيها عزل معاوية عبد الله بن غيلان عن البصرة وولى عليها عبيد الله بن زياد (1)، وكان سبب عزل معاوية بن غيلان عن البصرة أنه كان يخطب الناس فحصبه رجل من بني ضبة فأمر بقطع يده، فجاء قومه إليه فقالوا له: إنه متى بلغ أمير المؤمنين أنك قطعت يده في هذا الصنع فعل به وبقومه نظير ما فعل بحجر بن عدي، فاكتب لنا كتابا أنك قطعت يده في شبهة، فكتب لهم فتركوه عندهم حينا ثم جاؤوا معاوية فقالوا له: إن نائبك قطع يد صاحبنا في شبهة فأقدنا منه، قال: لا سبيل إلى القود من نوابي ولكن الدية، فأعطاهم الدية وعزل ابن غيلان، وقال لهم: اختاروا من تريدون، فذكروا رجالا فقال: لا ! ولكن أولي عليكم ابن أخي عبيد الله بن زياد،
فولاه فاستخلف ابن زياد على خراسان أسلم بن زرعة (2)، فلم يغز ولم يفتح شيئا، وولى قضاء البصرة لزرارة بن أوفى ثم عزله وولى ابن أذينة، وولى شرطتها عبد الله بن الحصين.
وحج بالناس في السنة مروان بن الحكم نائب المدينة.
وفيها عزل معاوية عبد الله بن خالد بن أسيد عن الكوفة وولى عليها الضحاك بن قيس رضي الله عنه.
ذكر من توفي من الاعيان في هذه السنة أرقم بن أبي الارقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أسلم قديما، يقال سابع سبعة، وكانت
__________
(1) قال في فتوح ابن الاعثم 4 / 204: ولى عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أمية على البصرة وبعده ولى عبيد الله البصرة، وقد تقدم أن عبد الله بن خالد بن أسيد كان على الكوفة.
(2) في فتوح ابن الاعثم 4 / 205: واستخلف عليها رجلا يقال له خويلد بن طريف بن قرة الحنفي.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55