كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن
كثير الدمشقي
كبير قومي.
فجلست فقلت إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة تنبت (1) قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورا أزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين
ضعفا.
ورأيت العرب والعجم ساجدين لها وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا ساعة تخفى وساعة تزهر، ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها.
فإذا دنوا منها أخرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها ولا أطيب منه ريحا فيكسر أظهرهم، ويقلع أعينهم.
فرفعت يدي لا تناول منها نصيبا، فمنعني الشاب فقلت لمن النصيب ؟ فقال النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها.
فانتبهت مذعورا فزعا فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس ثم قال - يعني عبد المطلب - لابي طالب، لعلك تكون هذا المولود قال فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث بعدما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعدما بعث.
ثم قال كانت الشجرة والله أعلم أبا القاسم الامين، فيقال لابي طالب ألا تؤمن ؟ فيقول السبة والعار وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن زكرياء الغلابي حدثنا العباس بن بكار الضبي حدثنا أبو بكر الذهلي عن عكرمة عن ابن عباس.
قال قال العباس: خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب - منهم أبو سفيان بن حرب، فقدمت اليمن فكنت أصنع يوما طعاما وانصرف بأبي سفيان وبالنفر ويصنع أبو سفيان يوما، ويفعل مثل ذلك، فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه، هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إلي غداءك ؟ فقلت نعم.
فانصرفت أنا والنفر إلى بيته وأرسلت إلى الغداء فلما تغدى القوم قاموا واحتبسني فقال هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول الله فقلت أي بني أخي ؟ فقال أبو سفيان إياي تكتم ؟ وأي بني أخيك ينبغي أن يقول هذا إلا رجل واحد ؟ قلت وأيهم على ذلك ؟ قال: هو محمد بن عبد الله، فقلت قد فعل ؟ قال بلى قد فعل.
وأخرج كتابا باسمه من ابنه حنظلة بن أبي سفيان فيه: أخبرك أن محمدا قام بالابطح فقال: " أنا رسول أدعوكم إلى الله عزوجل " فقال العباس قلت: جده يا أبا حنظلة صادق.
فقال مهلا يا أبا الفضل فوالله ما أحب أن يقول مثل هذا، إني لا أخشى أن يكون على ضير من هذا الحديث يا بني عبد المطلب، إنه والله ما برحت قريش تزعم أن لكم هنة وهنة، كل واحدة منهما غاية.
لنشدتك يا أبا الفضل هل سمعت ذلك ؟ قلت نعم قد سمعت.
قال فهذه والله شؤمتكم.
قلت فلعلها يمنتنا، قال فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد الله بن حذافة بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس اليمن، وكان أبو سفيان يجلس مجلسا باليمن يتحدث فيه حبر من أحبار اليهود، فقال له اليهودي ما هذا الخبر ؟ بلغني أن فيكم عم هذا الرجل الذي قال ما قال ؟ قال أبو سفيان صدقوا وأنا عمه، فقال اليهودي أخو أبيه ؟ قال نعم ! قال
__________
(1) في الدلائل والخصائص: نبتت.
فحدثني عنه قال لا تسألني ما أحب أن يدعى هذا الامر أبدا، وما أحب أن أعيبه وغيره خير منه، فرأى اليهودي أنه لا يغمس عليه ولا يحب أن يعيبه.
فقال اليهودي ليس به بأس على اليهود، وتوراة موسى.
قال العباس فناداني الحبر، فجئت فخرجت حتى جلست ذلك المجلس من الغد، وفيه أبو سفيان بن حرب والحبر، فقلت للحبر بلغني أنك سألت ابن عمي عن رجل منا زعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرك أنه عمه، وليس بعمه.
ولكن ابن عمه وأنا عمه وأخو أبيه.
قال أخو أبيه ؟ قلت أخو أبيه، فأقبل على أبي سفيان فقال صدق ؟ قال نعم صدق، فقلت: سلني فإن كذبت فليرد علي، فأقبل علي فقال نشدتك هل كان لابن أخيك صبوة أو سفهة ؟ قلت لا وإله عبد المطلب ولا كذب ولا خان، وإنه كان اسمه عند قريش الامين.
قال فهل كتب بيده ؟ قال العباس فظننت أنه خير له أن يكتب بيده فأردت أن أقولها ثم ذكرت مكان أبي سفيان يكذبني ويرد علي فقلت لا يكتب فوثب الحبر ونزل رداؤه وقال ذبحت يهود، وقتلت يهود.
قال العباس فلما رجعنا إلى منزلنا، قال أبو سفيان يا أبا الفضل إن اليهود تفزع من ابن أخيك، قلت قد رأيت ما رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقا كنت قد سبقت وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك ؟ قال لا أؤمن به حتى أرى الخيل في كداء (1)، قلت ما تقول ؟ قال كلمة جاءت على فمي إلا أني أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع من كداء.
قال العباس فلما استفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونظرنا إلى الخيل وقد طلعت من كداء، قلت يا أبا سفيان تذكر الكلمة ؟ قال: إي والله إني لذاكرها فالحمد لله الذي هداني للاسلام.
وهذا سياق حسن عليه البهاء والنور
وضياء الصدق وان كان في رجاله من هو متكلم فيه والله أعلم.
وقد تقدم ما ذكرناه في قصة أبي سفيان مع أمية بن أبي الصلت، وهو شبيه بهذا الباب وهو من أغرب الاخبار وأحسن السياقات وعليه النور.
وسيأتي أيضا قصة أبي سفيان مع هرقل ملك الروم حين سأله عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله، واستدلاله بذلك على صدقه ونبوته ورسالته.
وقال له: كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظن أنه فيكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقيه.
ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
ولئن كان ما تقول حقا ليملكن موضع قدمي هاتين.
وكذلك وقع ولله الحمد والمنة.
وقد أكثر الحافظ أبو نعيم من إيراد الآثار والاخبار عن الرهبان والاحبار العرب.
فأكثر وأطنب وأحسن وأطيب رحمه الله ورضي عنه.
قصة عمرو بن مرة الجهني قال الطبراني: حدثنا علي بن إبراهيم الخزاعي الاهوازي حدثنا عبد الله بن داود بن دلهاث
__________
(1) كداء: ثنية بأعلى مكة عند المحصب.
ابن اسماعيل بن عبد الله بن شريح بن ياسر بن سويد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أبي عن أبيه دلهاث عن أبيه اسماعيل أن أباه عبد الله حدثه عن أبيه أن أباه ياسر بن سويد حدثه عن عمرو بن مرة الجهني قال: خرجت حاجا في جماعة من قومي في الجاهلية، فرأيت في نومي وأنا بمكة، نورا ساطعا من الكعبة حتى وصل إلى جبل يثرب.
وأشعر جهينة.
فسمعت صوتا بين النور وهو يقول: انقشعت الظلماء، وسطع الضياء، وبعث خاتم الانبياء (1).
ثم أضاء إضاءة أخرى، حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن (2)، وسمعت صوتا من النور وهو يقول: ظهر الاسلام، وكسرت الاصنام، ووصلت الارحام، فانتبهت فزعا فقلت لقومي: والله ليحدثن لهذا الحي من قريش حدث - وأخبرتهم بما رأيت فلما انتهينا إلى بلادنا جاءني [ الخبر أن رجلا ] (3) يقال له أحمد قد بعث فأتيته فأخبرته (4) بما رأيت.
فقال [ لي ]: " يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى
العباد كافة.
أدعوهم إلى الاسلام، وآمرهم بحقن الدماء وصلة الارحام، وعبادة الله ورفض الاصنام، وحج البيت وصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا.
فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار.
فآمن يا عمرو يؤمنك الله من هول جهنم " فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله آمنت بما جئت من حلال وحرام، وإن رغم ذلك كثيرا من الاقوام، ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به.
وكان لنا صنم.
وكان أبي سادنا له فقمت إليه فكسرته.
ثم لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: شهدت بأن الله حق وإنني * لآلهة الاحجار أول تارك وشمرت عن ساق الازار مهاجرا * إليك أجوب القفر بعد الدكادك (5) لاصحب خير الناس نفسا ووالدا * رسول مليك الناس فوق الحبائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مرحبا بك يا عمرو بن مرة " فقلت يا رسول الله ابعثني إلى قومي.
لعل الله يمن عليهم بي كما من علي بك، فبعثني إليهم.
وقال: " عليك بالرفق والقول السديد.
ولا
__________
(1) ورد في دلائل النبوة للبيهقي: ومنها حديث عمرو بن مرة الغطفاني فيما رأى من النور الساطع في الكعبة في نومه ثم ما سمع من الصوت: أقبل حق فسطع * ودمر باطل فانقمع (2) أبيض المدائن: قصر كسرى.
(3) في الاصل جاءني رجل ; وهو تصحيف والزيادة من الوفا.
فالسياق ما أورده ابن سعد في الطبقات، يقتضي ذلك.
(4) في طبقات ابن سعد: قال عمرو بن مرة: كان لنا صنم وكنا نعظمه، وكنت سادنه، فلما سمعت بالنبي صلى الله عليه وسلم كسرته وخرجت حتى أقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وشهدت شهادة الحق وآمنت بما جاء به من حلال وحرام.
(5) في الطبقات: الوعث بدل القفر.
ج 1 / 333.
تكن فظا.
ولا متكبرا ولا حسودا " فذكر أنه أتى قومه، فدعاهم إلى ما دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا كلهم.
إلا رجلا واحدا منهم (1)، وإنه وفد بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرحب بهم وحياهم.
وكتب لهم كتابا هذه نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من الله [ العزيز ] على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكتاب صادق، وحق ناطق مع عمرو بن مرة الجهني لجهينة بن زيد: إن لكم بطون الارض وسهولها، وتلاع الاودية وظهورها، تزرعون نباته وتشربون صافيه، على أن تقروا بالخمس، وتصلوا صلاة الخمس وفي التبيعة والصريمة ان اجتمعتا وان تفرقتا شاة شاة، ليس على أهل الميرة صدقة، ليس الوردة اللبقة وشهد على نبينا صلى الله عليه وسلم من حضر من المسلمين بكتاب قيس بن شماس " (2).
وذكر شعرا قاله عمرو بن مرة في ذلك كما هو مبسوط في المسند الكبير وبالله الثقة وعليه التكلان.
وقال الله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) [ الاحزاب: 7 ] قال كثيرون من السلف: لما أخذ الله ميثاق بني آدم يوم (ألست بربكم ؟) أخذ من النبيين ميثاقا خاصا ; وأكد مع هؤلاء الخمسة أولي
__________
(1) زاد في الطبقات 1 / 334: فدعا عليه عمرو بن مرة، فسقط فوه، فما كان يقدر على الكلام وعمي واحتاج.
(2) نص الكتاب كما ورد في جمع الجوامع للسيوطي وابن عساكر: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز على لسان رسوله بحق صادق وكتاب ناطق، مع عمرو بن مرة، لجهينة بن زيد: إن لكم بطون الارض وسهولها وتلاع الاودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها على أن تؤدوا الخمس.
وفي التيعة والصريمة شاتان إذا اجتمعتا ; فإن فرقتا فشاة فشاة، ليس على أهل المثير صدقة، ولا على الواردة لبقة، والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين كتاب (كذا) قيس بن شماس.
شرحه: يقال لكل غامض بطن، ولكل ظاهر ظهر.
سهولها: سهل الارض ضد الحزن ; فسهل الارض غير الخشن منها القابل للحرث والغرس تلاع الاودية: ما انحدر من الاودية وما اتسع من فوهة الوادي.
التيعة: الاربعون من الغنم الصدقة.
وقيل الاربعون من الغنم من غير أن يخص بصدقة أو غيرها.
الصريمة: تصغير الصرمة، وهي القطيع من الابل قيل من العشرين إلى الثلاثين إلى الاربعين والمراد بها من مائة وإحدى وعشرين إلى المائتين، إذا اجتمعت ففيها شاتان فإن كانت لرجلين وفرق بينهما فعلى كل واحد منهما شاة.
المثيرة: بقر الحرث لانها تثير الارض وذلك ارفاقا بهم ومداراة لهم.
الواردة لبقة: الوارد الذي يتقدم القوم فيسقي لهم.
اللبقة: أي ليس عليهم أن يعطوا لمن يرد مياههم من المسلمين الظروف، يعني لعل المراد أنه لا يجب عليهم قرى عساكر المسلمين واعانتهم حتى لبقة للماء التي لا كلفة في إعطائها.
العزم أصحاب الشرائع الكبار الذين أولهم نوح وآخرهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد روى الحافظ أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " من طرق عن الوليد بن مسلم حدثنا الاوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة: سئل النبي صلى الله عليه وسلم متى وجبت لك النبوة ؟ قال: " بين خلق آدم ونفخ الروح فيه " وهكذا رواه الترمذي من طريق الوليد بن مسلم.
وقال حسن غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا يعقوب بن إسحاق بن الزبير الحلبي حدثنا أبو جعفر النفيلي حدثنا عمرو بن واقد عن عروة بن رويم عن الصنابحي (1).
قال قال عمر: يا رسول الله، متى جعلت نبيا ؟ قال: " وآدم منجدل في الطين " ثم رواه من حديث نصر بن مزاحم عن قيس بن الربيع عن جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن عباس قال: قيل يارسول الله متى كنت نبيا ؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد " وفي الحديث الذي أوردناه في قصة آدم حين استخرج الله من صلبه ذريته خص الانبياء بنور بين أعينهم.
والظاهر - والله أعلم - أنه كان على قدر منازلهم
ورتبهم عند الله.
وإذا كان الامر كذلك فنور محمد صلى الله عليه وسلم كان أظهر وأكبر وأعظم منهم كلهم.
وهذا تنويه عظيم وتنبيه ظاهر على شرفه وعلو قدره.
وفي هذا المعنى الحديث الذي قال الامام أحمد.
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الاعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني عند (2) الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت.
وكذلك أمهات المؤمنين يرين " ورواه الليث وابن وهب عن عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح وزاد " إنه أمه رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام " وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا منصور بن سعيد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال قلت يارسول الله متى كنت نبيا ؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد "، إسناده جيد أيضا وهكذا رواه إبراهيم بن طهمان وحماد بن زيد وخالد الحذاء عن بديل بن ميسرة به.
ورواه أبو نعيم عن محمد بن عمر بن أسلم عن محمد بن بكر بن عمرو الباهلي عن شيبان عن الحسن بن دينار عن عبد الله بن سفيان عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ".
__________
(1) نسبة إلى صنابح بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن يحابر (اللباب).
قال في التقريب: ابن أعسر الاحمسي صحابي سكن الكوفة، ومن قال فيه الصنابحي فقد وهم 1 / 370.
(2) كذا في الاصل.
وفي مسند أحمد ج 4 / 127 عبد الله ; وفي السيوطي فكالاصل عند الله.
أمهات المؤمنين: كذا في الاصل وفي مسند أحمد ودلائل البيهقي: أمهات النبيين.
وقال الحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة (1): حدثنا أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم عن خليد بن دعلج وسعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) قال: " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث " ثم رواه من طريق هشام بن عمار عن بقيع عن
سعيد بن نسير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا مثله.
وقد رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة وشيبان عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثله.
وهذا أثبت وأصح والله أعلم.
وهذا إخبار عن التنويه يذكره في الملا الاعلى وأنه معروف بذلك بينهم بأنه خاتم النبيين وآده لم ينفخ فيه الروح، لان علم الله تعالى بذلك سابق قبل خلق السموات والارض لا محالة فلم يبق إلا هذا الذي ذكرناه من الاعلام به في الملا الاعلى والله أعلم.
وقد أورد أبو نعيم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة الحديث المتفق عليه " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، المقضى لهم قبل الخلائق بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم " وزاد أبو نعيم في آخره: فكان صلى الله عليه وسلم آخرهم في البعث وبه ختمت النبوة.
وهو السابق يوم القيامة.
لانه أول مكتوب في النبوة والعهد.
ثم قال: ففي هذا الحديث الفضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوجب الله له النبوة قبل تمام خلق آدم.
ويحتمل أن يكون هذا الايجاب هو ما أعلم الله ملائكته ما سبق في علمه وقضائه من بعثته له في آخر الزمان وهذا الكلام يوافق ما ذكرناه ولله الحمد.
وروى الحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم - وفيه كلام - عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمد ولم أخلقه بعد ؟ فقال يا رب لانك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك.
فقال الله صدقت يا آدم إنه لاحب الخلق إلي وإذ قد سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك " قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف والله أعلم (2).
وقد قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم
__________
(1) الحديث لم يرد في دلائل النبوة لابي نعيم المطبوع، رواه السيوطي في الخصائص ج 1 / 7 عن أبي نعيم من طرق عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 5 / 489.
وعبد الرحمن ضعفه يحيى بن معين، والامام أحمد والنسائي.
وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير (2 / 331) الميزان (2 / 564).
رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ؟ قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) [ آل عمران: 81 - 82 ] قال علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الانبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وهذا تنويه وتنبيه على شرفه وعظمته في سائر الملل وعلى ألسنة الانبياء وإعلام لهم ومنهم برسالته في آخر الزمان.
وإنه أكرم المرسلين وخاتم النبيين.
وقد أوضح أمره وكشف خبره وبين سره، وجلى مجده ومولده وبلده إبراهيم الخليل في قوله عليه السلام حين فرغ من بناء البيت (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) [ البقرة: 129 ] فكان أول بيان أمره على الجلية والوضوح بين أهل الارض على لسان ابراهيم الخليل أكرم الانبياء على الله بعد محمد صلوات الله عليه وسلامه عليهما وعلى سائر الانبياء.
ولهذا قال الامام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا الفرج - يعني ابن فضالة - حدثنا لقمان بن عامر سمعت أبا أمامة قال قلت يا نبي الله ما كان بدء أمرك ؟ قال: " دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام " (1) تفرد به الامام أحمد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
وروى الحافظ أبو بكبر بن أبي عاصم في كتاب المولد من طريق بقية عن صفوان بن عمرو عن حجر بن حجر عن أبي مريق أن إعرابيا قال يارسول الله أي شئ كان أول أمر نبوتك ؟ فقال: " أخذ الله مني الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم.
ورأت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام ".
وقال الامام محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني ثور بن يزيد عن
خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يارسول الله، أخبرنا عن نفسك.
قال: " دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى.
ورأت أمي حين حبلت كأنه خرج منها نور أضاءت له بصرى من أرض الشام " (2) إسناده جيد أيضا.
وفيه بشارة لاهل محلتنا أرض بصرى وإنها أول بقعة من أرض الشام خلص إليها نور النبوة، ولله الحمد والمنة ولهذا كانت أول مدينة فتحت من أرض الشام وكان فتحها صلحا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، كما سيأتي بيانه.
وقد قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين في صحبة عمه أبي طالب وهو ابن اثنتي عشرة سنة وكانت عندها قصة بحيرى الراهب كما بيناه.
والثانية ومعه ميسرة مولى خديجة في تجارة لها.
وبها مبرك الناقة التي يقال لها ناقة
__________
(1) مسند أحمد ج 4 / 127 - 128 و 5 / 262 والحاكم في المستدرك 2 / 600 وقال هذا حديث صحيح الاسناد ; وأقره الذهبي.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 222 و 223 وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.
(2) سيرة ابن هشام 1 / 170 ورواه ابن سعد في الطبقات 1 / 102.
وصححه الحاكم في المستدرك 2 / 600 وأقره الذهبي.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بركت عليه فأثر ذلك فيها فيما يذكر.
ثم نقل وبنى عليه مسجد مشهور اليوم.
وهي المدينة التي أضاءت أعناق الابل عندها من نور النار التي خرجت من أرض الحجاز سنة أربع وخمسين وستمائة وفق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " تخرج نار من أرض الحجاز تضئ لها أعناق الابل ببصرى " وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
وقال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم.
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [ الاعراف: 157 ] الآية.
قال الامام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري، عن أبي صخر العقيلي، حدثني رجل من الاعراب قال: جلبت جلوبة إلى المدينة في
حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما فرغت من بيعي قلت لالقين هذا الرجل فلاسمعن منه.
قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرأها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجملهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنشدك بالذي أنزل التوراة، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي ؟ " فقال برأسه هكذا - أي لا - فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وأشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول الله.
فقال: " أقيموا اليهودي عن أخيكم " ثم ولى كفنه والصلاة عليه.
هذا إسناد جيد وله شواهد في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه (1).
وقال أبو القاسم البغوي حدثنا عبد الواحد بن غياث - أبو بحر - حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عصام بن كليب عن أبيه عن الصلتان بن عاصم وذكر أن خاله قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ شخص بصره إلى رجل فإذا يهودي عليه قميص وسراويل ونعلان.
قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه وهو يقول: يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشهد أني رسول الله ؟ " قال لا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتقرأ التوراة ؟ " قال نعم قال: " أتقرأ الانجيل ؟ " قال نعم.
قال: " والقرآن ؟ " قال لا.
ولو تشاء قرأته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فبم تقرأ التوراة والانجيل، أتجدني نبيا ؟ " قال إنا نجد نعتك ومخرجك.
فلما خرجت رجونا أن تكون فينا.
فلما رأيناك عرفناك أنك لست به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولم يا يهودي ؟ " قال: إنا نجده مكتوبا، يدخل من أمته الجنة سبعون ألفا بغير حساب، ولا نرى معك إلا نفرا يسيرا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أمتي لاكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا ".
هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه.
وقال محمد بن إسحاق عن سالم مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقال: " أخرجوا أعلمكم " فقالوا عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناشده بدينه، وما أنعم الله به عليهم، وأطعمهم من المن
__________
(1) أخرج البيهقي من طريق حماد عن ثابت عن أنس: عن غلام يهودي كان يخدم النبي...دلائل النبوة ج 6 / 272.
وأخرجه أحمد في مسنده ج 5 / 411.
والسلوى، وظللهم به من الغمام " أتعلمني رسول الله ؟ قال اللهم نعم.
وان القوم ليعرفون ما أعرف، وأن صفتك ونعتك لمبين في التوراة.
ولكنهم حسدوك.
قال: " فما يمنعك أنت ؟ " قال أكره خلاف قومي.
وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم (1).
وقال سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صاحب موسى، وأخيه، والمصدق بما جاء به موسى، ألا إن الله قال لكم يا معشر يهود وأهل التوراة، إنكم تجدن ذلك في كتابكم: إن محمدا: (رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود.
ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار.
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).
وإني أنشدكم بالله وبالذي أنزل عليكم، وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسلافكم وأسباطكم المن والسلوى، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاكم من فرعون وعمله إلا أخبرتمونا هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد ؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم، قد تبين الرشد من الغي.
وأدعوكم إلى الله وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم " (2).
وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب " المبتدأ " عن سعيد بن بشير عن قتادة عن كعب الاحبار، وروى غيره عن وهب بن منبه أن بختنصر بعد أن خرب بيت المقدس واستذل بني إسرائيل بسبع سنين، رأى في المنام رؤيا عظيمة هالته فجمع الكهنة والحزار، وسألهم عن رؤياه تلك.
فقالوا ليقصها الملك حتى نخبره بتأويلها.
فقال: إني نسيتها، وإن لم تخبروني بها إلى ثلاثة أيام قتلتكم عن آخركم.
فذهبوا خائفين وجلين من وعيده.
فسمع بذلك دانيال عليه السلام وهو في سجنه.
فقال للسجان: اذهب إليه فقل له إن هاهنا رجلا عنده علم رؤياك وتأويلها.
فذهب إليه فأعلمه فطلبه، فلما دخل عليه لم يسجد له.
فقال له ما منعك من السجود لي ؟ فقال: إن الله
آتاني علما وعلمني وأمرني أن لا أسجد لغيره.
فقال له بختنصر إني أحب الذين يوفون لاربابهم بالعهود.
فأخبرني عن رؤياي.
قال له دانيال: رأيت صنما عظيما رجلاه في الارض ورأسه في السماء، أعلاه من ذهب ووسطه من فضة، وأسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من
__________
(1) اخرجه البيهقي عن أبي هريرة في حديث طويل، في جزء منه ما أورده ابن إسحاق.
دلائل ج 6 / 269 - 270.
(2) الكتاب مصدره: كنز العمال ج 5 / 385 عن ابن إسحاق، وأبي نعيم عن ابن عباس ; ومجموعة الوثائق السياسية ص 37 عن سيرة ابن هشام طبع أوروبا ص 376 و 377 واعلام السائلين، ونصب الراية للزيلعي رقم 7 عن أبي نعيم.
فخار، فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته قذفه الله بحجر من السماء.
فوقع على قمة رأسه حتى طحنه واختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخاره حتى تخيل لك أنه لو اجتمع الانس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك.
ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملا الارض كلها فصرت لا ترى إلا الحجر والسماء.
فقال له بختنصر صدقت هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها ؟ فقال دانيال أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره ; وأما الحجر الذي قذف به الصنم فدين يقذف الله به هذه الامم في آخر الزمان فيظهره عليها فيبعث الله نبيا أميا من العرب فيدوخ به الامم والاديان كما رأيت الحجر دوخ أصناف الصنم ويظهر على الاديان والامم كما رأيت الحجر ظهر على الارض كلها، فيمحص الله به الحق ويزهق به الباطل ويهدي به أهل الضلالة ويعلم به الامين ويقوى به الضعفة ويعز به الاذلة وينصر به المستضعفين.
وذكر تمام القصة في اطلاق بختنصر بني إسرائيل على يدي دانيال عليه السلام، وذكر الواقدي بأسانيده عن المغيرة بن شعبة في قصة وفوده على المقوقس ملك الاسكندرية وسؤاله له عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من سؤال هرقل لابي سفيان صخر بن حرب وذكر أنه سأل أساقفة النصارى في الكنائس عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه عن ذلك وهي قصة طويلة ذكرها الحافظ أبو نعيم في الدلائل.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
بمدارس (1) اليهود فقال لهم: " يا معشر اليهود اسلموا فوالذي نفسي بيده إنكم لتجدون صفتي في كتبكم " الحديث.
وقال الامام أحمد: حدثنا موسى بن داود حدثنا فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للاميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيموا الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.
ورواه البخاري عن محمد بن سنان العوفي (2) عن فليح به.
ورواه أيضا عن عبد الله - قيل ابن رجاء، وقيل ابن صالح (3) - عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال بن علوية ولفظه قريب من هذا وفيه زيادة.
ورواه ابن جرير من حديث فليح عن هلال عن عطاء وزاد قال عطاء.
فلقيت كعبا فسألته عن
__________
(1) كذا في الاصل، والصواب مدارس وهو عند اليهود البيت الذي يقرأون فيه كتبهم.
(2) كذا في الاصل العوفي ; والصواب العوقي وهو محمد بن سنان الباهلي العوقي أبو بكر البصري ثقة ثبت (تقريب التهذيب 2 / 167).
(3) هكذا ورد في رواية البخاري، وفي رواية أبي ذر وابن السكن " عبد الله بن مسلمة " وتردد أبو مسعود بين أن يكون ابن رجاء أو ابن صالح كاتب الليث.
وقال أبو علي الجياني: عندي أنه ابن صالح.
ورجحه المزي في تحفة الاشراف.
وقال ابن حجر في النكت: حدثنا عبد الله بن مسلمة - يعني القعنبي.
ذلك فما اختلف حرفا، وقال (1) في " البيوع ": وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرناه أبو الحسين بن المفضل (2) القطان حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن ابن سلام (3) أنه كان يقول: إنا لنجد صفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين، أنت عبدي ورسولي، سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا يجزئ السيئة بمثلها ولكن يعفو [ ويغفر ] ويتجاوز ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله يفتح به أعينا عميا وأذانا صما وقلوبا غلفا.
وقال عطاء بن يسار: وأخبرني الليثي (4) أنه سمع كعب الاحبار يقول مثل ما قال ابن سلام.
قلت: وهذا عن عبد الله بن سلام أشبه ولكن الرواية عن عبد الله بن عمرو أكثر، مع أنه كان قد وجد يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب وكان يحدث عنهما كثيرا، وليعلم أن كثيرا من السلف كانوا يطلقون التوراة على كتب أهل الكتاب فهي عندهم أعم من التي أنزلها الله على موسى وقد ثبت شاهد ذلك من الحديث.
وقال يونس عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن ابن أبي أوفى عن أم الدرداء قالت قلت لكعب الاحبار كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال نجده محمد رسول الله اسمه المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب (5) في الاسواق وأعطي المفاتيح فيبصر الله به أعينا عورا ويسمع آذانا وقرأ ويقيم به ألسنا معوجة حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله واحد لا شريك له يعين به المظلوم ويمنعه.
وقد روي عن كعب من غير هذا الوجه (6).
وروى البيهقي (7) عن الحاكم عن أبي الوليد الفقيه عن الحسن بن
__________
(1) قال: أي البخاري في كتاب البيوع.
(2) في دلائل البيهقي ج 1 / 376: الفضل.
(3) هو عبد الله بن سلام بن الحارث الامام الحبر المشهود له بالجنة أبو الحارث الاسرائيلي حليف الانصار من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
حدث عنه الصحابة، وله إسلام قديم بعد أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو من أحبار اليهود.
له ترجمة في طبقات ابن سعد (2 / 352) الاصابة (2 / 320) تهذيب التهذيب (5 / 249) العبر (1 / 51).
(4) هو أبو واقد الليثي من الصحابة، له ترجمة في الاصابة.
(5) رواه البيهقي في الدلائل ج 1 / 376 وابن عساكر في التاريخ 1 / 343 وأسقط البيهقي ابن أبي أوفى.
وفيه: ولا سخاب بدل صخاب.
(6) رواه البيهقي ج 1 / 377 وابن سعد في الطبقات 1 / 360.
سفيان حدثنا عتبة (1) بن مكرم حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم حدثنا حمزة بن الزيات عن سليمان الاعمش عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن أبي هريرة (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) قال: نودوا: يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني.
وذكر وهب بن منبه أن الله تعالى أوحى إلى داود في الزبور يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقا سيدا لا أغضب عليه أبدا، ولا يغضبني أبدا وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الانبياء، وفرضت عليهم الفرائض التي افترضت على الانبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الانبياء.
إلى أن قال: يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الامم كلها (2).
والعلم بأنه موجود في كتب أهل الكتاب معلوم من الدين ضرورة وقد دل على ذلك آيات كثيرة في الكتاب العزيز تكلمنا عليها في مواضعها ولله الحمد.
فمن ذلك قوله [ تعالى ]: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم فقالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) (3) وقال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وأن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) (4) وقال تعالى: (إن الذين أتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) (5) أي أن كان وعدنا ربنا بوجود محمد وإرساله لكائن لا محالة فسبحان القدير على ما يشاء لا يعجزه شئ.
وقال تعالى إخبارا عن القسيسين والرهبان (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين) (6) وفي قصة النجاشي وسلمان وعبد الله بن سلام وغيرهم كما سيأتي شواهد كثيرة لهذا المعنى ولله الحمد والمنة.
وذكرنا في تضاعيف قصص الانبياء ما تقدم الاشارة إليه من وصفهم لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونعته وبلد مولده ودار مهاجره ونعت أمته في قصة موسى وشعيا وأرمياء ودانيال وغيرهم وقد أخبر الله تعالى عن آخر أنبياء بني إسرائيل وخاتمهم عيسى بن مريم أنه قام في بني إسرائيل خطيبا قائلا لهم: (إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه
__________
(7) دلائل النبوة ج 1 / 381، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2 / 408) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".
(1) في الدلائل: عقبة بن مكرم الضبي.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 1 / 380 - 381.
(3) سورة القصص الآيتان 52 و 53.
(4) سورة البقرة الآية 146.
(5) سورة الاسراء الايتان 107 و 108.
(6) سورة المائدة الآية 83.
أحمد) (1).
وفي الانجيل البشارة بالفار قليط والمراد محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى البيهقي عن الحاكم عن الاصم (2) عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حرب (3) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مكتوب في الانجيل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها بل يعفو ويصفخ " وقال يعقوب بن سفيان حدثنا فيض البجلي حدثنا سلام بن مسكين عن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله عزوجل إلى عيسى بن مريم جد في أمري واسمع واطع يابن الطاهرة البكر البتول - أنا خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمين فإياي فاعبد [ وعلي فتوكل ] فبين لاهل سوران بالسريانية، وبلغ من بين يديك: إني أنا الحق القائم (4) الذي لا أزول صدقوا بالنبي الامي العربي صاحب الجمل والمدرعة والعمامة - وهي التاج - والنعلين والهراوة - وهي القضيب - الجعد الرأس الصلت (5) الجبين المقرون الحاجبين الانجل العينين الاهدب الاشفار الادعج العينين الاقنى الانف الواضح الخدين الكث اللحية عرقه
في وجهه كاللؤلؤ ريح المسك ينضح منه كأن عنقه ابريق فضة وكأن الذهب يجري في تراقيه له شعرات من لبته إلى سرته تجري كالقضيب ليس في بطنه شعر غيره (6) شثن (7) الكف والقدم إذا جاء مع الناس غمرهم وإذا مشى كأنما ينقلع (8) من الصخر ويتحدر من صبب ذو النسل القليل - وكأنه أراد الذكور من صلبه - هكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان.
وروى البيهقي عن عثمان (9) بن الحكم بن رافع بن سنان حدثني بعض عمومتي وآبائي أنهم كانت عندهم ورقة يتوار ثونها في الجاهلية حتى جاء الله بالاسلام وبقيت عندهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذكر وهاله وأتوه بها مكتوب فيها: بسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تباب.
هذا الذكر لامة تأتي في آخر الزمان ليبلون (10) أطرافهم ويوترون على أوساطهم ويخوضون البحور إلى أعدائهم فيهم صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، وفي عاد ما أهلكوا بالريح، وفي ثمود ما
__________
(1) سورة الصف الآية 6.
(2) دلائل النبوة ج 1 / 377: أبو العباس محمد بن يعقوب.
(3) في الدلائل: ابن حريث.
(4) في الدلائل: الله الحي القيوم.
(5) الصلت الجبين: الواضح، وفي رواية آخرى: أسيل الجبين والمفروق الحاجبين بدل المقرون.
(6) العبارة في الدلائل: ليس على صدره ولا على بطنه شعر غيره.
(7) ششن: الغليظ الاصابع من الكفين والقدمين.
(8) ينقلع: المشي بقوة.
وينحدر من صبب: الصبب: الحدور، وتقول انحدرتا في صبوب وصبب.
(9) في الدلائل ج 1 / 382 عن عمرو بن الحكم..عم عبد الحميد بن جعفر.
قال فيه أبو حاتم: حديث مرسل وهو منكر (علل الحديث 2 / 401).
(10) روى الخبر ابن الجوزي في الوفا عن عمر بن حفص: وفيه: يغسلون أطرافهم ويأتزرون على أوساطهم.
وفي الدلائل: يسبلون أطرافهم ويأتزرون على أوساطهم...
أهلكوا بالصيحة: بسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تباب.
ثم ذكر قصة أخرى.
قال فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأت عليه فيها.
وذكرنا عند قوله تعالى في سورة الاعراف: (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل) قصة هشام بن العاص الاموي حين بعثه الصديق في سرية إلى هرقل يدعوه إلى الله عز وجل.
فذكر أنه أخرج لهم صور الانبياء في رقعة من آدم إلى محمد صلوات الله عليه وسلامه عليهم أجمعين على النعت والشكل الذي كانوا عليه.
ثم ذكر أنه لما أخرج صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قائما إكراما له.
ثم جلس وجعل ينظر إليها ويتأملها.
قال فقلنا له من أين لك هذه الصورة ؟ فقال: إن آدم سأل ربه أن يريه جميع الانبياء من ذلك (1)، فأنزل عليه صورهم، فكان في خزانة ادم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين، فدفعها إلى دانيال.
ثم قال: أما والله إن نفسي قد طابت بالخروج من ملكي وأني كنت عبدا لاشركم ملكة حتى أموت (2).
ثم أجازتا فأحسن جائزتنا وسرحنا.
فلما أتينا أبا بكر الصديق فحدثناه بما رأينا وما أجازنا وما قال لنا، قال فبكى وقال: مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل، ثم قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد عندهم.
رواه الحاكم بطوله فليكتب هاهنا من التفسير.
ورواه البيهقي في دلائل النبوة (3).
وقال الاموي: حدثنا عبد الله بن زياد عن ابن اسحاق.
قال وحدثني يعقوب بن عبد الله بن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عن جده عمرو بن أمية قال: قدمت برقيق من عند النجاشي أعطانيهم فقالوا لي يا عمرو لو رأينا رسول الله لعرفناه من غير أن تخبرنا، فمر أبو بكر فقلت أهو هذا ؟ قالوا لا، فمر عمر فقلت أهو هذا ؟ قالوا لا فدخلنا الدار فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوني يا عمرو هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هو هو من غير أن يخبرهم به أحد، عرفوه بما كانوا يجدونه مكتوبا عندهم.
وقد تقدم إنذار سبأ لقومه وبشارته لهم بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعر أسلفناه في ترجمته فأغنى عن إعادته، وتقدم قول الحبرين من اليهود لتبع اليماني حين حاصر أهل المدينة إنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان فرجع عنها ونظم شعرا يتضمن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
قصة سيف بن ذي يزن وبشارته بالنبي وقال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرئطي في كتابه " هواتف الجان ": حدثنا علي بن حرب حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عمرو بن بكر - هو ابن بكار القعنبي - عن
__________
(1) كذا في الاصل، وفي الدلائل: من ولده.
(2) في دلائل البيهقي العبارة: وإن كنت عبدا لا يترك ملكه حتى أموت.
(3) دلائل النبوة ج 1 / 389 - 390.
أحمد بن القاسم عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس.
قال: لما ظهر سيف بن ذي يزن قال ابن المنذر - واسمه النعمان بن قيس - على الحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وشعراؤها تهنئه وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه، وأتاه فيمن أتاه وفود قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس أبي عبد الله (1) وعبد الله بن جدعان، وخويلد بن أسد في أناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء، فإذا هو في رأس غمدان الذي ذكره أمية أبي الصلت: واشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دارا منك محلالا فدخل عليه الآذن، فأخبره بمكانهم فأذن لهم، فدنا عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال له: إن كنت ممن يتكلم بين يدي [ الملوك ] فقد أذنا لك، فقال له عبد المطلب: إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا، شامخا باذخا، وأنبتك منبتا طابت أرومته، وعذيت جرثومته، وثبت أصله، ويسق فرعه في أكرم موطن وأطيب معدن (2).
فأنت - أبيت اللعن - ملك العرب وربيعها الذي تخصب به البلاد، ورأس العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد.
وسلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف.
فلن يخمد من هم سلفه ولن يهلك من أنت خلفه، ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجك من كشف الكرب الذي قد فدحنا، وفد التهنئة لا وفد المرزئة.
قال [ له الملك ]:
وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال أنا عبد المطلب بن هاشم.
قال ابن أختنا ؟ قال نعم، قال ادن فأدناه، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا وناقة ورحلا، ومستناخا سهلا، وملكا ربحلا (3) يعطي عطاء جزلا.
قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم، ثم نهضوا إلى دار الكرامة والوفود، فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه ثم قال: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي ما لو يكون غيرك لم أبح به.
ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك طليعه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره، إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لانفسنا واجتجناه (4) دون
__________
(1) كلمة أبي عبد الله غير موجودة في دلائل أبي نعيم 52 - 60 ولا في خبر البيهقي في الدلائل ج 2 / 9 عن أبي عفير عن أبي زرعة بن سيف بن ذي يزن: وزاد فيه: وأسد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف وقصي بن عبد الدار.
(2) في دلائل البيهقي: في أطيب موضع وأكرم معدن.
(3) ربحلا: الكثير العطاء.
(4) في دلائل البيهقي: الذي ادخرناه لانفسنا واحتجبناه.
غيرنا خبرا عظيما، وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة.
فقال عبد المطلب: أيها الملك مثلك سر وبر، فما هو فداؤك أهل الوبر زمرا بعد زمر ؟ قال إذا ولد بتهامة، غلام به علامة، بين كتفيه شامة كانت له الامامة، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة.
قال عبد المطلب - أبيت اللعن - لقد أبت بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله واعظامه لسألته من بشارته إياي ما ازداد به سرورا.
قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أوقد ولد، واسمه محمد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه.
ولدناه مرارا والله باعثه جهارا، وجاعل له منا انصارا يعزبهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح
بهم كرائم [ أهل ] الارض، يكسر الاوثان ويخمد النيران، يعبد الرحمن ويدحر الشيطان، قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهي عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلب أيها الملك - عز جدك وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك.
فهذا نجارى فهل الملك سار لي (1) بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح.
فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النقب إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب، فخر عبد المطلب ساجدا فقال: ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك.
فقال أيها الملك: كان لي ابن وكنت به معجبا وعليه رفيقا فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا فمات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه.
قال ابن ذي يزن إن الذي قلت لك كما قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخل لهم النفاسة من أن تكون لكم الرياسة فيطلبون له الغوائل وينصبون له الحبائل فهم فاعلون أو ابناؤهم ولولا أني اعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار مملكته فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا أني أقيه الآفات واحذر عليه العاهات لاعلنت على حداثة سنه أمره، ولاوطأت أسنان العرب عقبه، ولكني صارف ذلك إليك عن غير تقصير بمن معك.
قال ثم أمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد وعشرة اماء وبمائة من الابل وحلتين من البرود وبخمسة ارطال من الذهب وعشرة ارطال فضة وكرش مملوء عنبرا وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال له: إذا حال الحول فأتني.
فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول، فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول: [ يا معشر قريش ] لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك [ وإن كثر ] (2) فإنه إلى نفاد ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه، فإذا قيل له متى ذلك قال سيعلم ولو بعد حين قال وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس: جلبنا النصح تحقبه المطايا * على أكوار أجمال ونوق
__________
(1) عند البيهقي: سارني.
(2) ما بين المعكوفين من دلائل البيهقي.
مقلفة مراتعها تعالى * إلى صنعاء من فج عميق تؤم بنا ابن ذي يزن وتغري * بذات بطونها ذم الطريق وترعى من مخائله بروقا * مواصلة الوميض إلى بروق فلما واصلت صنعاء حلت * بدار الملك والحسب العريق وهكذا رواه الحافظ أبو نعيم في الدلائل من طريق عمرو بن بكير بن بكار القعنبي.
ثم قال أبو نعيم (1) أخبرت عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن عبد ربه بن محمد بن عبد العزيز بن عفير بن عبد العزيز بن السفر بن عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن حدثني أبي أبو يزن إبراهيم حدثنا عمي أحمد بن محمد أبو رجاء به حدثنا عمي محمد بن عبد العزيز حدثني عبد العزيز بن عفير عن أبيه عن زرعة بن سيف بن ذي يزن الحميري قال لما ظهر جدي سيف بن ذي يزن على الحبشة.
وذكره بطوله.
وقال أبو بكر الخرائطي حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق القلوسي حدثنا العلاء بن الفضل بن أبي سوية أخبرني أبي عن أبيه عبد الملك بن أبي سوية عن جده أبي سوية عن أبيه خليفة قال سألت محمد بن عثمان بن ربيعة بن سواة بن خثعم بن سعد فقلت كيف سماك أبوك محمدا ؟ فقال سألت أبي عما سألتني عنه، فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا منهم، وسفيان بن مجاشع بن دارم، وأسامة بن مالك بن جندب بن العقيد، ويزيد بن ربيعة بن كنانة بن حربوص بن مازن، ونحن نريد ابن جفنة ملك غسان فلما شارفنا الشام نزلنا على غدير عليه شجرات فتحدثنا فسمع كلامنا راهب، فأشرف علينا فقال إن هذه لغة ما هي بلغة هذه البلاد فقلنا نعم نحن قوم من مضر، قال من أي المضرين ؟ قلنا من خندف قال أما إنه سيبعث وشيكا نبي خاتم النبيين، فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا.
فقلنا له ما اسمه ؟ قال: اسمه محمد.
قال فرجعنا من عند ابن جفنة فولد لكل واحد منا ابن فسماه محمدا.
يعني أن كل واحد
منهم طمع في أن يكون هذا النبي المبشر به ولده.
وقال الحافظ أبو بكر الخرائطي: حدثنا عبد الله بن أبي سعد حدثنا حازم بن عقال بن الزهر بن حبيب بن المنذر بن أبي الحصين بن السموأل بن عاديا حدثني جابر بن جدان بن جميع بن عثمان بن سماك بن الحصين بن السموأل بن عاديا.
قال لما حضرت الاوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة اجتمع إليه قومه من غسان فقالوا إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى وكنا نأمرك بالتزوج في شبابك فتأبى وهذا أخوك الخزرج له خمسة بنين، وليس لك ولد غير مالك
__________
(1) الخبر ليس في دلائل النبوة لابي نعيم المطبوعة.
ونقل الخبر عن أبي زرعة البيهقي في دلائله بأسانيد مختلفة عما أورده أبو نعيم راجع البيهقي ج 2 / 9.
فقال: لن يهلك هالك ترك مثل مالك إن الذي يخرج النار من الوثيمة (1) قادر أن يجعل لمالك نسلا ورجالا بسلا وكل إلى الموت ثم أقبل على مالك وقال: أي بني المنية ولا الدنية، العقاب ولا العتاب، التجلد ولا التلدد القبر خير من الفقر، إنه من قل ذل، ومن كر فر، من كرم الكريم الدفع عن الحريم.
ولدهر يومان فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر، وكلاهما سينحسر، ليس يثبت منهما الملك المتوج، ولا اللئيم المعلهج (2)، سلم ليومك حياك ربك، ثم أنشأ يقول: شهدت السبايا يوم آل محرق * وأدرك أمري صيحة الله في الحجر (3) فلم أر ذا ملك من الناس واحدا * ولا سوقة إلا إلى الموت والقبر فعل الذي أردى ثمودا وجرهما * سيعقب لي نسلا على آخر الدهر تقربهم من آل عمرو بن عامر * عيون لدى الداعي إلى طلب الوتر فإن لم تك الايام أبلين جدتي * وشيبن رأسي والمشيب مع العمر فإن لنا ربا علا فوق عرشه * عليما بما يأتي من الخير والشر ألم يأت قومي أن لله دعوة * يفوز بها أهل السعادة والبر
إذا بعث المبعوث من آل غالب * بمكة فيما بين مكة والحجر هنالك فابغوا نصره ببلادكم * بني عامر إن السعادة في النصر قال ثم قضى من ساعته.
باب في هواتف الجان وقد تقدم كلام شق وسطيح لربيعة بن نصر ملك اليمن في البشارة بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول ذكي يأتي إليه الوحي من قبل العلي.
وسيأتي في المولد قول سطيح لعبد المسيح: إذا كثرت التلاوة وغاضت بحيرة ساوة وجاء صاحب الهراوة يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بيانه مفصلا.
وقال البخاري (4) حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثني ابن وهب حدثني عمرو - هو محمد بن زيد - أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر يقول لشئ قط إني لاظنه إلا كان كما يظن.
بينما عمر بن الخطاب جالس إذ مر به رجل جميل، فقال لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل، فدعي به فقال له ذلك فقال: ما
__________
(1) الوثيمة: الحجارة.
(2) المعلهج: الرجل الاحمق الهذر اللئيم (اللسان).
(3) في الخصائص: عمري بدل أمري.
وهو مناسب أكثر.
(4) صحيح البخاري، فتح الباري (7 / 177) كتاب مناقب الانصار (63).
(35) باب إسلام عمر بن الخطاب.
رأيت كاليوم استقبل به رجلا مسلما.
قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية، قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك ؟ قال بينما أنا في السوق يوما جاءتني أعرف فيها الفزع.
فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها * ويلسها من بعد أنكاسها ؟ ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
قال عمر صدق بينا أنا نائم عند آلهتهم جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا الله فوثب القوم، فقلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا.
ثم نادى يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح يقول لا إله إلا الله، فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي.
تفرد به البخاري (1).
وهذا الرجل هو سواد بن قارب الازدي.
ويقال السدوسي من أهل السراة من جبال البلقاء له صحبة ووفادة.
قال أبو حاتم وابن منده روى عنه سعيد بن جبير، وأبو جعفر محمد بن علي، وقال البخاري له صحبة.
وهكذا ذكره في أسماء الصحابة أحمد بن روح البرذعي الحافظ، والدارقطني، وغيرهما وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري سواد بن قارب بالتخفيف.
وقال عثمان الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي كان من أشراف أهل اليمن ذكره أبو نعيم في الدلائل (1)، وقد روى حديثه من وجوه أخر مطولة بالبسط من رواية البخاري.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان أنه حدث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما هو جالس في الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من العرب داخل المسجد يريد عمر بن الخطاب.
فلما نظر إليه عمر قال أن الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد، أو لقد كان كاهنا في الجاهلية فسلم عليه الرجل ثم جلس، فقال له عمر: هل أسلمت ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين.
قال: فهل كنت كاهنا في الجاهلية ؟ فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين، لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لاحد من رعيتك منذ وليت ما وليت.
فقال عمر: اللهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من هذا نعبد الاصنام ونعتنق الاوثان حتى أكرمنا الله برسوله وبالاسلام.
قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية قال فأخبرني ما جاء به صاحبك.
قال جاءني قبل الاسلام بشهر أو شيعه (2) فقال: ألم تر إلى الجن
__________
(1) سواد بن قارب الدوسي على ما رواه ابن أبي خيثمة ; من بني سدوس.
كان يتكهن في الجاهلية ; وكان شاعرا.
ذكره ابن حجر في الاستيعاب، والذهبي في تجريد أسماء الصحابة.
وذكره ابن حجر في الاصابة.
وذكره ابن الاثير في أسد الغابة.
قال ابن الكلبي وسعيد بن جبير: الازدي الدوسي.
(2) شيعه: أي دونه بقليل.
وابلاسها، واياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص واحلاسها.
قال ابن إسحاق (1): هذا الكلام سجع ليس بشعر.
قال عبد الله بن كعب: فقال عمر عند ذلك يحدث الناس: والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا، فنحن ننتظر قسمه أن يقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أشد منه، وذلك قبل الاسلام بشهر أو شيعه يقول: يا ذريح أمر نجيح رجل يصيح يقول لا إله إلا الله.
قال ابن هشام ويقال رجل يصيح بلسان فصيح يقول لا إله إلا الله قال وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر: عجبت للجن وابلاسها * وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة، تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن كأنجاسها وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا يحيى بن حجر بن النعمان الشامي حدثنا علي بن منصور الانباري عن محمد (2) بن عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي.
قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالس إذ مر به رجل.
فقيل يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المار ؟ قال ومن هذا ؟ قالوا هذا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأرسل إليه عمر.
فقال له أنت سواد بن قارب قال نعم.
قال فأنت على ما كنت عليه من كهانتك ؟ قال فغضب.
وقال ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين، فقال عمر يا سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، فأخبرني ما أنبأك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم يا أمير المؤمنين بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني رئيي فضربني برجله وقال قم يا سواد بن قارب، واسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس قدامها كأذنابها قال قلت دعني أنام فإني أمسيت ناعسا.
قال فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال قم يا سواد بن قارب واسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:
__________
(1) في سيرة ابن هشام: قال ابن هشام.
(2) في دلائل البيهقي: أبو عبد الرحمن الوقاصي ; ولم أجد ترجمة لمحمد، إنما ذكر عثمان في التقريب، والوقاصي نسبة لسعد بن أبي وقاص.
وفي نسخة للدلائل: ابن عبد الرحمن الوقاصي دون ذكر اسمه.
وفي رواية أخرى للبيهقي: عثمان بن عبد الرحمن.
عجبت للجن وتحيارها (1) * وشدها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن ككفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها قال قلت دعني أنام، فإني أمسيت ناعسا، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله.
وقال: قم يا سواد بن قارب، فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وتحساسها * وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما خير الجن كأنجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى راسها قال فقمت وقلت: قد امتحن الله قلبي،، فرحلت ناقتي ثم أتيت المدينة - يعني مكة - فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فدنوت فقلت: اسمع مقالتي يارسول الله.
قال هات فأنشأت أقول: أتاني نجيي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد تلوث بكاذب (2)
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب فشمرت عن ذيلي الازار ووسطت * بي الدعلب الوجناء غبر السباسب (3) فأشهد أن الله لا شئ غيره * وأنك مأمون على كل غالب (4) وأنك أدني المرسلين وسيلة * إلى الله يا بن الاكرمين الاطايب فمرنا بما يأتيك ياخير من مشى * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب (5) قال ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمقالتي فرحا شديدا، حتى رئي الفرح في وجوههم.
قال فوثب إليه عمر بن الخطاب فالتزمه وقال قد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك فهل يأتيك رئيك اليوم ؟ قال أما منذ قرأت القرآن فلا، ونعم العوض كتاب الله من الجن.
ثم قال
__________
(1) في دلائل البيهقي: وتخبارها.
(2) في الدلائل ورد البيت: أتاني رئي بعد ليل وهجعة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب (3) في البيهقي: فشمرت عن ذيلي الازار ووسطت * بي الدعلب الوجناء غبر السباسب (4) في البيهقي: على كل غايب.
(5) ورد في سبل الهدى: وكن لي شفيعا حين لا ذو قرابة * بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
عمر: كنا يوما في حي من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا لهم والجزار يعالجه، إذ سمعنا صوتا من جوف العجل - ولا نرى شيئا - قال يا آل ذريح، أمر نجيح (1) صائح يصيح بلسان فصيح يشهد أن لا إله إلا الله، وهذا منقطع من هذا الوجه ويشهد له رواية البخاري.
وقد تساعدوا على أن السامع الصوت من العجل هو عمر بن الخطاب والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتابه الذي جمعه في هواتف الجان: حدثنا أبو موسى عمران بن موسى المؤدب حدثنا محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثنا سعيد بن عبيدالله الوصابي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي.
قال: دخل سواد بن قارب السدوسي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: نشدتك بالله يا سواد بن قارب، هل تحسن اليوم من كهانتك شيئا ؟ فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين، ما استقبلت أحدا من جلسائك بمثل ما استقبلتني به قال سبحان الله يا سواد ما كنا عليه من شركنا أعظم مما كنت عليه من كهانتك، والله يا سواد لقد بلغني عنك حديث إنه لعجيب من العجب، قال إي والله يا أمير المؤمنين إنه لعجب من العجب.
قال فحدثنيه قال: كنت كاهنا في الجاهلية، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني نجيي فضربني برجله.
ثم قال يا سواد اسمع أقل لك، قلت هات.
قال: عجبت للجن وأنجاسها (2) * ورحلها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنوها مثل أرجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى رأسها قال فنمت ولم أحفل بقوله شيئا، فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله ثم قال لي قم يا سواد بن قارب اسمع أقل لك، قلت هات قال: عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس المقاديم كأذنابها قال فحرك قوله مني شيئا ونمت فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله ثم قال يا سواد بن قارب أتعقل أم لا تعقل ؟ قلت وما ذاك ؟ قال ظهر بمكة نبي يدعو إلى عبادة ربه فالحق به، اسمع أقل لك.
قلت هات قال: عجبت للجن وتنفارها * ورحلها العيس بأكوارها
__________
(1) يا آل ذريح: لعله نداء للعجل المذبوح.
جليح: لغة ما تطاير من رؤوس النبات وخف.
الواحدة: جليحة.
ويقال: جليح اسم شيطان.
(2) في ابن هشام: وإبلاسها.
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن ككفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها قال فعلت أن الله قد أراد بي خير.
فقمت إلى بردة لي ففتقتها ولبستها ووضعت رجلي في غرز ركاب الناقة.
وأقبلت حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علي الاسلام فأسلمت، وأخبرته الخبر فقال " إذا اجتمع المسلمون فأخبرهم " فلما اجتمع المسلمون قمت فقلت: أتاني نجيي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب فشمرت عن ذيلي الازار ووسطت * بي الذعلب الوجناء غبر السباسب (1) وأعلم أن الله لا رب غيره * وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يابن الاكرمين الاطايب فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب قال فسر المسلمون بذلك، فقال عمر هل نحس اليوم منها بشئ ؟ قال أما إذ علمني الله القرآن فلا وقد رواه محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن عمر بن حفص.
قال لما ورد سواد بن قارب على عمر قال: يا سواد بن قارب ما بقي من كهانتك ؟ فغضب وقال: ما أظنك يا أمير المؤمنين استقبلت أحدا من العرب بمثل هذا، فلما رأى ما في وجهه من الغضب، قال: انظر سواد للذي كنا عليه قبل اليوم من الشرك أعظم.
ثم قال يا سواد حدثني حديثا كنت أشتهي أسمعه منك، قال نعم، بين أنا في إبل لي بالسراة (2) ليلا وأنا نائم وكان لي نجي من الجن أتاني فضربني برجله فقال لي قم يا سواد بن قارب فقد ظهر بتهامة نبي يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فذكر
القصة كما تقدم وزاد في آخر الشعر: وكن لي شفيعا يوم لا ذو قرابة * سواك بمغن عن سواد بن قارب (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سر في قومك وقل هذا الشعر فيهم ".
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق سليمان بن عبد الرحمن عن الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي عن عباد بن عبد المصد عن سعيد بن جبير قال أخبرني سواد بن قارب الازدي.
قال: كنت نائما على جبل من جبال السراة (4) فأتاني آت فضربني برجله - وذكر القصة أيضا.
__________
(1) الذعلب: الناقة السريعة، والوجناء: الشابة.
(2) في البخاري: التاريخ الكبير: الشراة.
(3) تقدم الشعر في سبل الهدى: بمغن فتيلا عن سواد بن قارب.
(4) في التاريخ الكبير وفيه الشراة.
وهي الرواية التي ذكرها البخاري في التاريخ الكبير (2: 2 / 202) وعقب بقوله: ولا يصح الحكم بن يعلى.
ورواه أيضا من طريق محمد بن البراء (1) عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء.
قال قال سواد بن قارب: كنت نازلا بالهند فجاءني رئيي ذات ليلة فذكر القصة.
وقال بعد انشاد الشعر الاخير فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: " أفلحت يا سواد ".
وقال أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا عبد الرحمن بن الحسن (2) حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبد الله العماني.
قال كان منا رجل يقال له مازن بن العضوب (3) يسدن صنما بقرية يقال لها سمايا (4)، من عمان، وكانت تعظمه بنو الصامت وبنو حطامة ومهرة وهم أخوال مازن.
أمه زينب بنت عبد الله بن ربيعة بن خويص أحد بني نمران قال مازن: فعترنا يوما عند الصنم عتيرة - وهي الذبيحة (5) - فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن اسمع تسر، ظهر خير وبطن شر، بعث نبي من مضر، بدين الله الاكبر، فدع نحيتا من حجر.
تسلم من حر سقر.
ففزعت لذلك
فزعا شديدا.
ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى، فسمعت صوتا من الصنم يقول: أقبل إلي أقبل، تسمع مالا تجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل عن حر نار تشعل وقودها الجندل.
قال مازن: فقلت إن هذا لعجب وإن هذا لخير يراد بي وقدم علينا رجل من الحجاز فقلت ما الخبر وراءك ؟ فقال ظهر رجل يقال له أحمد، يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله، فقلت هذا نبأ ما سمعت، فثرت إلى الصنم فكسرته جذاذا وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرح الله صدري للاسلام فأسلمت، وقلت: كسرت باجر أجذاذا وكان لنا * ربا نطيف به ضلا بتضلال فالهاشمي هدانا من ضلالتنا * ولم يكن دينه مني على بال يا راكبا بلغن عمرا وإخوتها * إني لمن قال ربي باجر قالي (6)
__________
(1) أخرج الحديث البيهقي في الدلائل ج 2 / 249 وفيه عن محمد بن تراس الكوفي.
(2) في دلائل البيهقي ج 2 / 258: أبو أحمد بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن محمد الحنظلي.
(3) في رواية البيهقي: مازن بن الغضوبة، وهو مازن بن الغضوبة بن غراب بن بشر الطائي ذكره ابن السكن في الصحابة وقال ابن حبان: يقال له صحبة، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وابن حجر في الاصابة 3 / 336.
(4) في رواية البيهقي: السمال وفى رواية أخرى السمايل.
لم أجد لسمايا في معاجم البلدان.
وردت في معجم البلدان سمال بفتح أوله وآخره وهو اسم موضع.
وفي معجم ما استعجم سمويل بلد كثير الطير.
(5) الذبيحة: شاة تذبح في رجب أو ذبيحة تذبح للاصنام فيصب دمها على رأسها.
عن النهاية لابن الاثير.
(6) في الدلائل للبيهقي: يا راكبا بلغا عمرا واخوته * أني لمن قال ديني ناجر قالي
يعني يعمرو الصامت وأخوتها حطامة (1).
فقلت يا رسول الله إني امرؤ مولع بالطرب وبالهلوك من النساء وشرب الخمر.
وألحت علينا السنون فأذهبن الاموال وأهزلن السراري (2)
وليس لي ولد، فأدعو الله أن يذهب عني ما أجد ويأتينا بالحيا، ويهب لي ولدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أبدله بالطرف قراءة القرآن، وبالحرام الحلال وبالاثم وبالعهر عفة وآته بالحيا وهب له ولدا " قال فاذهب الله عني ما أجد واخصبت عمان وتزوجت أربع حرائر وحفظت شطر القرآن، ووهب لي حيان بن مازن وأنشأ يقول: اليك رسول الله خبت مطيتي * تجوب الفيافي من عمان إلى العرج لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى * فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج إلى معشر خالفت في الله دينهم * فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي وكنت امرءا بالخمر والعهر مولعا * شبابي حتى آذن الجسم بالنهج فبدلني بالخمر خوفا وخشية * وبالعهر إحصانا فحصن لي فرجي فأصبحت همي في الجهاد ونيتي (3) * فلله ما صومي ولله ما حجي قال فلما أتيت قومي أنبوني وشتموني، وأمروا شاعرا لهم فهجاني، فقلت إن رددت عليه فإنما أهجو نفسي.
فرحلت عنهم فأتتني منهم زلفة عظيمة وكنت القيم بأمورهم فقالوا يابن عم: عبنا عليك أمرا وكرهنا ذلك فإن أبيت ذلك فارجع وقم بأمورنا وشأنك وما تدين به.
فرجعت معهم وقلت: لبغضكم عندنا مر مذاقته * وبغضنا عندكم يا قومنا لبن لا يفطن الدهر إن بثت معائبكم * وكلكم حين يثني عيبنا فطن شاعرنا مفحم عنكم وشاعركم * في حدبنا مبلغ في شتمنا لسن ما في القلوب عليكم فاعلموا وغر * وفي قلوبكم البغضاء والاحن (4) قال مازن: فهداهم الله بعد إلى الاسلام جميعا.
وروى الحافظ أبو نعيم (5) من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال إن أول خبر كان بالمدينة بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة بالمدينة كان لها تابع من الجن، فجاء في صورة طائر أبيض فوقع على حائط لهم، فقالت له لم لا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا
__________
(1) عبارة البيهقي: يعني بعمرو واخوته: بني خطامة.
(2) عبارة البيهقي: واهزلن الذراري والرجال.
(3) في البيهقي: فأصبحت همي في جهاد ونية..(4) وردت الابيات في دلائل البيهقي بتغيير في الالفاظ.
ج 2 / 257 - 258 (5) دلائل النبوة ص 29.
وأخرجه أحمد والطبراني في الاوسط ورجاله وثقوا - كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8 / 243) وأخرجه ابن سعد بنحوه 1 / 190.
ونخبرك ؟ فقال لها إنه قد بعث نبي بمكة حرم الزنا ومنع منا القرار (1).
وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن علي بن الحسين.
قال: إن أول خبر قدم المدينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة تدعى فاطمة كان لها تابع، فجاءها ذات يوم، فقام على الجدار فقالت ألا تنزل ؟ فقال: لا إنه قد بعث الرسول الذي حرم الزنا.
وأرسله بعض التابعين أيضا وسماه بابن لوذان وذكر أنه كان قد غاب عنها مدة، ثم لما قدم عاتبته فقال إني جئت الرسول فسمعته يحرم الزنا فعليك السلام.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة.
قال قال عثمان بن عفان: خرجنا في عير إلى الشام - قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلما كنا بأفواه الشام - وبها كاهنة - فتعرضتنا، فقالت أتاني صاحبي فوقف على بابي، فقلت ألا تدخل فقال لا سبيل إلى ذلك، خرج أحمد وجاء أمر لا يطاق، ثم انصرفت فرجعت إلى مكة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة يدعو إلى الله عزوجل (2) وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله الزهري.
قال: كان الوحي يسمع فلما كان الاسلام منعوا وكانت امرأة من بني أسد يقال لها سعيرة لها تابع من الجن، فلما رأى الوحي لا يستطاع أتاها فدخل في صدرها فضج في صدرها فذهب عقلها فجعل يقول من صدرها: وضع العناق ومنع الرفاق وجاء أمر لا يطاق وأحمد حرم الزنا.
وقال الحافظ أبو بكر الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي (3) - بمصر - حدثنا عمارة بن زيد حدثنا عيسى بن يزيد عن صالح بن كيسان عمن حدثه عن مرداس بن قيس السدوسي قال حضرت النبي صلى الله عليه وسلم - وقد ذكرت عنده الكهانة وما كان من تغييرها عند مخرجه - فقلت يا رسول الله قد كان عندنا في ذلك شئ أخبرك أن جارية منا يقال لها الخلصة لم يعلم عليها إلا خيرا، إذ جاءتنا فقالت يا معشر دوس العجب العجب لما أصابني، هل علمتم إلا خيرا ؟ قلنا وما ذاك ؟ قالت إني لفي غنمي إذ غشيتني ظلمة ووجدت كحس الرجل مع المرأة فقد خشيت أن أكون قد حبلت.
حتى إذا دنت ولادتها وضعت غلاما أغضف (4) له أذنان كأذني الكلب فمكث فينا حتى إنه ليلعب مع الغلمان إذ وثب وثبة وألقى إزاره وصاح بأعلى صوته وجعل يقول: يا ويلة يا ويلة، يا عولة يا عولة، يا ويل غنم، يا ويل فهم، من قابس النار.
الخيل والله وراء العقبة، فيهن فتيان حسان نجبة.
قال فركبنا وأخذنا للاداة وقلنا يا ويلك ما ترى فقال هل من جارية
__________
(1) منع منا القرار: أي الاستقرار في الارض.
(2) أخرجه أبو نعيم في الدلائل ص 29 من طريق الواقدي نحوه.
(3) نسبة إلى بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، اللباب 1 / 144.
(4) أغضف: المتثني والمسترخي الاذنين.
طامث فقلنا ومن لنا بها ؟ فقال شيخ منا هي والله عندي عفيفة الام فقلنا فعجلها فأتى بالجارية وطلع الجبل وقال للجارية اطرحي ثوبك واخرجي في وجوههم، وقال للقوم اتبعوا أثرها، وقال لرجل منا يقال له أحمد بن حابس يا أحمد بن حابس عليك أول فارس.
فحمل أحمد فطعن أول فارس فصرعه وانهزموا فغنمناهم.
قال فابتنينا عليهم بيتا وسميناه ذا الخلصة، وكان لا يقول لنا شيئا إلا كان كما يقول حتى إذا كان مبعثك يا رسول الله قال لنا يوما يا معشر دوس نزلت بنوا الحارث بن كعب فركبنا فقال لنا أكدسوا الخيل كدسا، أحشوا القوم رمسا، أنفوهم غدية واشربوا الخمر عشية.
قال فلقيناهم فهزمونا وغلبونا فرجعنا إليه فقلنا ما حالك وما الذي صنعت
بنا فنظرنا إليه وقد احمرت عيناه وانتصبت أذناه وانبرم غضبانا حتى كاد أن ينفطر وقام فركبنا واغتفرنا هذه له ومكثنا بعد ذلك حينا ثم دعانا فقال هل لكم في غزوة تهب لكم عزا وتجعل لكم حرزا ويكون في أيديكم كنزا ؟ فقلنا ما أحوجنا إلى ذلك فقال اركبوا فركبنا فقلنا ما نقول فقال بنو الحارث بن مسلمة، ثم قال قفوا فوقفنا ثم قال عليكم بفهم، ثم قال ليس لكم فيهم دم، عليكم بمضرهم أرباب خيل ونعم ثم قال لا، رهط دريد بن الصمة قليل العدد وفي الذمة ثم قال لا، ولكن عليكم بكعب بن ربيعة وأسكنوها ضيعة عامر بن صعصعة فليكن بهم الوقيعة قال فلقيناهم فهزمونا وفضحونا فرجعنا وقلنا ويلك ماذا تصنع بنا قال: ما أدري كذبني الذي كان يصدقني.
أسجنوني في بيتي ثلاثا ثم ائتوني ففعلنا به ذلك ثم أتيناه بعد ثالثة ففتحنا عنه فإذا هو كأنه حجرة نار، فقال يا معشر دوس حرست السماء وخرج خير الانبياء قلنا أين ؟ قال بمكة وأنا ميت فادفنوني في رأس جبل فإني سوف أضطرم نارا، وإن تركتموني كنت عليكم عارا فإذا رأيتم اضطرامي وتلهبي فاقذفوني بثلاثة أحجار ثم قولوا مع كل حجر بسمك اللهم فإني أهدي وأطفي.
قال وإنه مات فاشتعل نارا ففعلنا به ما أمر وقد قذفناه بثلاثة أحجار نقول مع كل حجر بسمك اللهم فخمد وطفى وأقمنا حتى قدم علينا الحاج فأخبرونا بمبعثك يا رسول الله، غريب جدا.
وروى الواقدي، عن أبيه، عن ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب، عن النضر بن سفيان الهذلي، عن أبيه.
قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام فلما كنا بين الزرقا ومعان قد (1) عرسنا من الليل فإذا بفارس يقول وهو بين السماء والارض: أيها النيام هبوا فليس هذا بحين رقاد قد خرج أحمد فطردت (2) الجن كل مطرد ففزعنا ونحن رفقة حزورة (3) كلهم قد سمع بهذا فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش في نبي قد خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد.
ذكره أبو نعيم.
__________
(1) في الوفاء: وقد (2) في الوفاء: وطردت.
(3) في دلائل أبي نعيم: الحزاورة جمع حزور وهو الرجل القوي.
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي - بمصر - حدثنا عمارة بن زيد حدثني عبد الله بن العلاء حدثني يحيى بن عروة عن أبيه أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي (1)، وزيد بن عمرو بن نفيل (2) وعبد الله (3) بن جحش بن رئاب وعثمان بن الحويرث (4) كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه، قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيدا كانوا يعظمونه وينحرون له الجزور، ثم يأكلون ويشربون الخمر، ويعكفون عليه فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوبا على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله، فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا، فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب الثالثة فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك.
فقال عثمان بن الحويرث ماله قد أكثر التنكس إن هذا الامر قد حدث وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عثمان يقول: أبا صنم العيد الذي صف حوله * صناديد وفد من بعيد ومن قرب تنكست مغلوبا فما ذاك قل لنا * أذاك سفيه أم تنكست للعتب فإن كان من ذنب أتينا فإننا * نبوء بإقرار ونلوي عن الذنب وإن كنت مغلوبا ونكست صاغرا * فما أنت في الاوثان بالسيد الرب قال فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله فلما استوى هتف بهم هاتف من الصنم بصوت جهير وهو يقول: تردى لمولود أنارت بنوره * جميع فجاج الارض في الشرق والغرب وخرت له الاوثان طرا وأرعدت * قلوب ملوك الارض طرا من الرعب
__________
(1) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى.
من حكماء قريش في الجاهلية، اعتزل عبادة الاصنام قبل الاسلام، ثم تنصر، وأدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة، وهو ابن عم خديجة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعض المؤرخين يعده في الصحابة.
قال البخاري في وفاته بعد بدء الوحي بقليل ; وقال عروة بن الزبير أنه أدرك اسلام بلال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عنه: يبعث يوم القيامة أمة وحده.
(2) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، من حكماء قريش في الجاهلية، وهو ابن عم عمر بن الخطاب.
لم يدرك الاسلام.
ترك عبادة الاوثان والاصنام ; ولم يستمله لا اليهودية ولا النصرانية ; عبد الله على دين إبراهيم وجاهر بمكة بدينه وعدائه للاوثان.
توفي قبل المبعث بخمس سنين ; سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يبعث يوم القيامة أمة وحده.
(3) في سيرة ابن هشام عبيدالله بن جحش، وهو ابن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة.
وفي بلوغ الارب للالوسي: عبيد.
(4) وهو عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
ونار جميع الفرس باخت وأظلمت * وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب وصدت عن الكهان بالغيب جنها * فلا مخبر عنهم بحق ولا كذب فيا لقصي ارجعوا عن ضلالكم * وهبوا إلى الاسلام والمنزل الرحب قال فلما سمعوا ذلك خلصوا نجيا (1) فقال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقالوا أجل، فقال لهم ورقة بن نوفل تعلمون والله ما قومكم على دين ولقد اخطئوا الحجة وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطيفون به لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر يا قوم التمسوا لانفسكم الدين [ فإنكم والله ما أنتم على شئ ].
قال فخرجوا عند ذلك يضربون في الارض ويسألون عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام فأما ورقة بن نوفل فتنصر وقرأ الكتب حتى علم علما، وأما عثمان بن الحويرث فسار إلى قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده.
وأما زيد بن عمرو بن نفيل فأراد الخروج فحبس (2) ثم إنه خرج بعد ذلك فضرب في الارض حتى بلغ الرقة (3) من أرض الجزيرة فلقي (4) بها راهبا عالما فأخبره بالذي يطلب فقال له الراهب إنك لتطلب دينا ما تجد من يحملك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلدك يبعث بدين الحنيفية فلما قال له ذلك رجع
يريد مكة فغارت عليه لخم فقتلوه، وأما عبد الله بن جحش فأقام بمكة حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة، فلما صار بها تنصر وفارق الاسلام فكان بها حتى هلك هنالك نصرانيا.
تقدم في ترجمة زيد بن عمر بن نفيل له شاهد (5) وقد قال الخرائطي: حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح أبو بكر الوراق، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثني أبي حدثنا عبد الله بن عبد العزيز (6) حدثني محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أنس السلمي، عن العباس بن مرداس أنه كان يعر (7) في لقاح له نصف النهار إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بياض مثل اللبن فقال: يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء قد كفت أحراسها، وأن الحرب تجرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الذي نزل بالبر والتقوى، يوم الاثنين ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصوى.
قال: فرجعت
__________
(1) نجيا: من النجى، الجماعة يتحدثون سرا عن غيرهم، ويقع للاثنين والجماعة بلفظ واحد.
(2) كان الخطاب عمه قد أوكل بن صغبة بنت الحضرمي تراقبه فيما يهم به من أمور فتأذن الخطاب به، حتى أن الخطاب آذاه كثيرا وكرهه وقومه كراهية شديدة.
(راجع ابن هشام).
(3) في سيرة ابن هشام: الموصل والجزيرة كلها.
(4) في سيرة ابن هشام: في ميفعة من أرض البلقاء.
(5) الخبر في سيرة ابن هشام ج 1 / 238 ; وما بين معكوفين من السيرة.
ونقله الالوسي في بلوغ الارب.
2 / 250.
(6) عبد الله بن عبد العزيز - أبو عبد العزيز - الليثي ضعفه الجمهور ووثقه سعيد بن منصور وقال: كان مالك يرضاه ; وضعفه أبو حاتم الكاشف 2 / 94.
(7) يعر: يتغوط من العرة وهي عذرة الناس.
وفي مجمع الزوائد: بعمرة.
مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت حتى جئت وثنا لنا يدعى الضماد (1) وكنا نعبده ونكلم من جوفه فكنست ما حوله ثم تمسحت به وقبلته فإذا صائح من جوفه يقول: قل للقبائل من سليم كلها * هلك الضماد وفاز أهل المسجد (2)
هلك الضماد وكان يعبد مرة * قبل الصلاة مع النبي محمد (3) إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد قال فخرجت مرعوبا حتى أتيت قومي فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر وخرجت في ثلاثمائة من قومي بني حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة فدخلنا المسجد فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: " يا عباس كيف كان إسلامك ؟ " فقصصت عليه القصة.
قال فسر بذلك وأسلمت أنا وقومي (4).
ورواه الحافظ أبو نعيم في الدلائل (5) من حديث أبي بكر بن أبي عاصم عن عمرو بن عثمان به.
ثم رواه أيضا من طريق الاصمعي حدثني الوصافي (6) عن منصور بن المعتمر عن قبيصة بن عمرو بن اسحاق الخزاعي عن العباس بن مرداس السلمي.
قال: أول إسلامي أن مرداسا أبي لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال [ له ] ضماذ فجعلته في بيت وجعلت آتيه كل يوم مرة فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم سمعت صوتا مرسلا في جوف الليل راعني فوثبت إلى ضماد مستغيثا وإذا بالصوت من جوفه وهو يقول: قل للقبيلة من سليم كلها * هلك الانيس وعاش أهل المسجد أودى ضماد وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد قال فكتمته الناس فلما رجع الناس من الاحزاب بينا أنا في إبلي بطرف العقيق من ذات عرق راقدا سمعت صوتا وإذا برجل على جناح نعامة وهو يقول: النور الذي وقع ليلة الثلاثاء مع
__________
(1) في سيرة ابن هشام: ضمار بالبناء على الكسر كحذام ورقاش.
(2) في ابن هشام: وعجزه: أودى ضمار وعاش أهل المسجد.
(3) في ابن هشام: أودى ضمار وكان يعبد مرة قبل الكتاب إلى النبي محمد أودى: هلك، والمسجد هنا: مسجد مكة أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 / 247 وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الله بن عبد العزيز الليثي ضعفه
الجمهور.
وبقية رجاله وثقوا.
(5) دلائل النبوة ص 34.
(6) نسبة إلى وصاف، وهو اسم جماعة منهم وصاف بن عامر العجلي، وينسب إليه عبيد الله بن الوليد بن عبد الرحمن بن قيس الوصافي ; روى عن عطية وعطاء وسمع منه وكيع ويعلى بن عبيد اللباب 3 / 275.
صاحب الناقة العضباء (1) في ديار إخوان بني العنقاء، فأجابه هاتف من شماله وهو يقول: بشر الجن وابلاسها * أن وضعت المطي أحلاسها وكلات السماء أحراسها قال فوثبت مذعورا وعلمت أن محمدا مرسل، فركبت فرسي واحتثثت (2) السير حتى انتهيت إليه فبايعته ثم انصرفت إلى ضماد فأحرقته بالنار ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته شعرا أقول فيه: لعمرك إني يوم أجعل جاهلا * ضمادا لرب العالمين مشاركا وتركي رسول الله والاوس حوله * أولئك أنصار له ما أولئكا كتارك سهل الارض والحزن يبتغي * ليسلك في وعث الامور المسالكا (3) فآمنت بالله الذي أنا عبده * وخالفت من أمسى يريد المهالكا (4) ووجهت وجهي نحو مكة قاصدا * أبايع نبي الاكرمين المباركا نبي أتانا بعد عيسى بناطق * من الحق فيه الفصل فيه كذلكا أمين على القرآن أول شافع * وأول مبعوث يجيب الملائكا تلافى عرى الاسلام بعد انتقاضها * فأحكمها حتى أقام المناسكا عنيتك يا خير البرية كلها * توسطت في الفرعين والمجد مالكا وانت المصفى من قريش إذا سمت * على ضمرها تبقى القرون المباركا إذا انتسب الحيان كعب ومالك * وجدناك محضا والنساء العواركا (5)
قال الخرائطي: وحدثنا عبد الله بن محمد البلوي بمصر، حدثنا عمارة بن زيد، حدثنا إسحاق بن بشر، وسلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، حدثني شيخ من الانصار يقال له:
__________
(1) هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) في الدلائل: وأجشمت: أي أسرعت (3) الحزن: الارض الصعبة.
(4) خالفت من أمسى: أي تركت عبادة الاصنام، والحجر الذي أوصاه أبوه بعبادته، يعني ضمار.
(5) قال في هامش سيرة ابن كثير ج 1 / 360: على ذلك الشعر - مع ما فيه من ركاكة - علامات الصنعة والافتراء منها: - لم يخص الاوس بالذكر مع أنهم بعد الاسلام لم يعد لهم ذكر مستقل بل هم والخزرج الانصار.
- قوله ووجهت وجهي نحو مكة..مع أنه تحدث عن النبي والاوس حوله وذلك في المدينة، ومع أنه ذكر في حديثه أنه كان بعد رجوع الناس من الاحزاب.
- كيف علم ابن مرداس - وهو حديث الاسلام - أن رسول الله أول شافع.
عبد الله بن محمود من آل محمد بن مسلمة قال بلغني أن رجالا من خثعم كانوا يقولون: إن مما دعانا إلى الاسلام أنا كنا قوما نعبد الاوثان فبينا نحن ذات يوم عند وثن لنا إذ أقبل نفر يتقاضون إليه يرجون الفرج من عنده لشئ شجر بينهم إذ هتف بهم هاتف يقول: يا أيها الناس ذوو الاجسام * من بين أشياخ إلى غلام ما أنتم وطائش الاحلام * ومسند الحكم إلى الاصنام أكلكم في حيرة نيام * أم لا ترون ما الذي أمامي من ساطع يجلو دجى الظلام * قد لاح للناظر من تهام ذاك نبي سيد الانام * قد جاء بعد الكفر بالاسلام أكرمه الرحمن من امام * ومن رسول صادق الكلام
أعدل ذي حكم من الاحكام * يأمر بالصلاة والصيام والبر والصلات للارحام * ويزجر الناس عن الآثام والرجس والاوثان والحرام * من هاشم في ذروة السنام مستعلنا في البلد الحرام قال فلما سمعنا ذلك تفرقنا عنه وآتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمنا (1).
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله البلوي، حدثنا عمارة، حدثني عبيد الله بن العلاء، حدثنا محمد بن عكبر، عن سعيد بن جبير، أن رجلا من بني تميم يقال له رافع بن عمير - وكان أهدى الناس للطريق وأسراهم بليل، وأهجمهم على هول، وكانت العرب تسميه لذلك دعموص العرب لهدايته وجراوته على السير - فذكر عن بدء إسلامه قال: إني لاسير برمل عالج (2) ذات ليلة إذ غلبني النوم، فنزلت عن راحلتي ونختها وتوسدت ذراعها، ونمت وقد تعوذت قبل نومي فقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي (3) من الجن من أن أوذى أو أهاج فرأيت في منامي رجلا شايا يرصد ناقتي وبيده حربة يريد أن يضعها في نحرها، فانتبهت لذلك فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا، فقلت هذا حلم ثم عدت فغفوت فرأيت في منامي مثل رؤياي الاولى فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئا وإذا ناقتي ترعد، ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيت في المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها وهو يقول: يا مالك بن مهلل بن دثار * مهلا فدى لك مئزري وإزاري
__________
(1) الخبر نقله أبو نعيم في الدلائل ص 33 عن رجل من خثعم مختصرا.
(2) رمل عالج: رمل مرتفع.
(3) وهو قول أهل الجاهلية.
عن ناقة الانسي لا تعرض لها * واختر بها ما شئت من أثواري
ولقد بدا لي منك ما لم أحتسب * ألا رعيت قرابتي وذماري (1) تسمو إليه بحربة مسمومة * تبا لفعلك يا أبا الغفار لولا الحياء وأن أهلك جيرة * لعلمت ما كشفت من أخباري قال فأجابه الشاب وهو يقول: أأردت أن تعلو وتخفض ذكرنا * في غير مزرية أبا العيزار ما كان فيهم سيد فيما مضى * إن الخيار همو بنو الاخيار فاقصد لقصدك يا معكبر أنما * كان المجير مهلهل بن دثار قال فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أنوار من الوحش فقال الشيخ للفتى قم يا ابن أخت فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الانسي، فقام الفتي فأخذ منها ثورا وانصرف.
ثم التفت إلى الشيخ فقال يا هذا إذا نزلت واديا من الاودية فخفت هوله فقل أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها، قال فقلت له: ومن محمد هذا ؟ قال نبي عربي، لا شرقي ولا غربي بعث يوم الاثنين.
قلت وأين مسكنه ؟ قال: يثرب ذات النخل.
قال: فركبت راحلتي حين برق لي الصبح، وجددت السير حتى تقحمت المدينة فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه شيئا ودعاني إلى الاسلام فأسلمت.
قال سعيد بن جبير وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه: (وإنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) [ الجن: 6 ] وروى الخرائطي من طريق إبراهيم بن اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن داود بن الحسين، عن عكرمة، عن ابن عباس عن علي ; قال: إذا كنت بواد تخاف السبع فقل: أعوذ بدانيال والجب، من شر الاسد.
وروى البلوي عن عمارة بن زيد، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه، عن ابن عباس قصة قتال علي الجن بالبئر ذات العلم التي بالجحفة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي لهم الماء فأرادوا منعه وقطعوا الدلو فنزل إليهم، وهي قصة مطولة منكرة جدا.
والله أعلم.
وقال الخرائطي: حدثني أبو الحارث: محمد بن مصعب الدمشقي وغيره، حدثنا
سليمان بن بنت شرحبيل الدمشقي، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج، حدثنا خالد بن سعيد، عن الشعبي، عن رجل قال: كنت في مجلس عمر بن الخطاب وعنده جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتذاكرون فضائل القرآن فقال بعضهم خواتيم سورة النحل، وقال بعضهم سورة يس، وقال علي فأين أنتم عن فضيلة آية الكرسي أما إنها سبعون كلمة في كل كلمة بركة.
قال وفي القوم عمرو بن معدي كرب لا يحير جوابا، فقال أين أنتم عن بسم الله الرحمن الرحيم ؟ فقال عمر
__________
(1) الذمار: ما يلزم حفظه ورعايته.
حدثنا يا أبا ثور.
قال بينا أنا في الجاهلية إذ جهدني الجوع فأقحمت فرسي في البرية فما أصبت الابيض النعام، فبينا أنا أسير إذا أنا بشيخ عربي في خيمة، وإلى جانبه جارية كأنها شمس طالعة ومعه غنيمات له، فقلت له استأسر ثكلتك أمك.
فرفع رأسه إلي وقال: يا فتى إن أردت قرى فانزل ؟ وإن أردت معونة اعناك ؟ فقلت له استأسر فقال: عرضنا عليك النزل منا تكرما * فلم ترعوي جهلا كفعل الاشائم (1) وجئت ببهتان وزور ودون ما * تمنيته بالبيض حز الغلاصم (2) قال ووثب إلي وثبة وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
فكأني مثلت تحته.
ثم قال اقتلك أم أخلي عنك ؟ قلت بل خل عني قال فخلي عني.
ثم إن نفسي جاذبتني بالمعاودة.
فقلت استأسر ثكلتك أمك فقال: ببسم الله والرحمن فزنا * هنالك والرحيم به قهرنا وما تغني جلادة ذي حفاظ * إذا يوما لمعركة برزنا ثم وثب لي وثبة كأني مثلت تحته.
فقال أقتلك أم أخلي عنك ؟ قال: قلت: بل خل عني.
فخلى عني فانطلقت غير بعيد.
ثم قلت في نفسي يا عمرو أيقهرك هذا الشيخ.
والله للموت خير لك من الحياة، فرجعت إليه فقلت له استأسر ثكلتك أمك.
فوثب إلي وثبة وهو يقول بسم الله الرحمن الرحيم، فكأني مثلت تحته، فقال أقتلك أم أخلي عنك ؟ قلت بل خل عني
فقال: هيهات، يا جارية إئتيني بالمدية فأتته بالمدية فجز ناصيتي، وكانت العرب إذا ظفرت برجل فجزت ناصيته استعبدته، فكنت معه أخدمه مدة.
ثم إنه قال يا عمرو أريد أن تركب معي البرية وليس بي منك وجل، فإني ببسم الله الرحمن الرحيم لواثق، قال: فسرنا حتى أتينا واديا أشبا مهولا مغولا.
فنادى بأعلى صوته: بسم الله الرحمن الرحيم.
فلم يبق طير في وكره إلا طار.
ثم أعاد القول فلم يبق سبع في مربضه إلا هرب، ثم أعاد الصوت فإذا نحن بحبشي قد خرج علينا من الوادي كالنخلة السحوق، فقال لي: يا عمرو إذا رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم.
قال فلما رأيتهما قد اتحدا قلت غلبه صاحبي باللات والعزى فلم يصنع الشيخ شيئا، فرجع إلي وقال: قد علمت أنك قد خالفت قولي.
قلت أجل ولست بعائد، فقال إذا رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي: ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت أجل فلما رأيتهما قد اتحدا قلت غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم، فاتكأ عليه الشيخ فبعجه بسيفه باشتق بطنه فاستخرج منه شيئا كهيئة القنديل الاسود ثم قال يا عمرو هذا غشه وغله (3).
ثم قال أتدري من
__________
(1) ارعوى: اهتدى بعد ضلال.
(2) الغلاصم: اللحم بين الرأس والعنق.
والبيض: المراد هنا: ابنته وحريمه.
(3) الغل: الحقد ; والغش.
تلك الجارية ؟ قلت لا، قال تلك الفارعة بنت السليل الجرهمي من خيار الجن.
وهؤلاء أهلها بنو عمها يغزونني منهم كل عام رجل ينصرني الله عليه ببسم الله الرحمن الرحيم.
ثم قال قد رأيت ما كان مني إلى الحبشي.
وقد غلب علي الجوع فائتني بشئ آكله، فأقحمت فرسي البرية فما أصبت الابيض النعام، فأتيته به فوجدته نائما، وإذا تحت رأسه شئ كهيئة الحشبة، فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعة أشبار، فضربت ساقيه ضربة أبنت الساقين مع القدمين، فاستوى على قفا ظهره وهو يقول قاتلك الله ما اغدرك يا غدار.
قال عمر: ثم ماذا صنعت ؟ قلت فلم أزل أضربه بسيفي حتى قطعته إربا إربا.
قال فوجم لذلك ثم أنشأ يقول:
بالغدر نلت أخا الاسلام عن كثب * ما إن سمعت كذا بي سالف العرب والعجم تأنف مما جئته كرما * تبا لما جئته في السيد الارب (1) إني لاعجب أني نلت قتلته * أم كيف جازاك عند الذنب لم تنب ؟ قرم عفا عنك مرات وقد علقت * بالجسم منك يداه موضع العطب لو كنت آخذ في الاسلام ما فعلوا * في الجاهلية أهل الشرك والصلب إذ لنالتك من عدلي مشطبة * تدعو لذائقها بالويل والحرب (2) قال ثم ما كان من حال الجارية ؟ قلت ثم إني أتيت الجارية.
فلما رأتني قالت: ما فعل الشيخ ؟ قلت: قتله الحبشي، فقالت كذبت بل قتلته أنت بغدرك ثم أنشأت تقول: يا عين جودي للفارس المغوار * ثم جودي بواكفات غزار (3) لا تملي البكاء إذ خانك الد * هر بواف حقيقة صبار وتقي وذي وقار وحلم * وعديل الفخار يوم الفخار لهف نفسي على بقائك عمرو * أسلمتك الاعمار للاقدار ولعمري لو لم ترمه بغدر * رمت ليثا كصارم بتار (4) قال فأحفظني قولها فاستللت سيفي ودخلت الخيمة لاقتلها فلم أر في الخيمة أحدا فاستقت الماشية وجئت إلى أهلي.
وهذا أثر عجيب.
والظاهر أن الشيخ كان من الجان وكان ممن أسلم وتعلم القرآن، وفيما تعلمه بسم الله الرحمن الرحيم.
وكان يتعوذ بها.
__________
(1) الارب: العاقل.
(2) مشطبة: أي مهلكة.
والعدل: الجزاء.
(3) واكفات: الدموع المنسكبة.
(4) أقول: بل هو أسطورة لا سبيل إلى تصديقها ; وإن كان الاقدمون لا يجدون غضاضة في نقل هذه الاخبار وروايتها، فنحن لسنا ملزمين بتصديقها ; إلا بعد نقدها وتمحيصها فمثل هذه الاخبار والاشعار لا تثبت أمام النقد العقلي والعلمي.
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي حدثنا عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل يذكران انهما أتيا النجاشي بعد رجوع أبرهة من مكة، قالا فلما دخلنا عليه قال لنا أصدقائي أيها القرشيان هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه فضرب عليه بالقداح فسلم ونحرت عنه إبل كثيرة ؟ قلنا نعم.
قال فهل لكما علم به ما فعل ؟ قلنا تزوج امرأة يقال لها آمنة بنت وهب تركها حاملا وخرج، قال فهل تعلمان ولد أم لا ؟ قال ورقة بن نوفل أخبرك أيها الملك أني ليلة قد بث عند وثن لنا كنا نطيف به، ونعبده إذ سمعت من جوفه هاتفا يقول: ولد النبي فدلت الاملاك * ونأى الضلال وأدبر الاشراك ثم انتكس الصنم على وجهه.
فقال زيد بن عمرو بن نفيل عندي كخبره أيها الملك.
قال هات قال أتا في مثل هذه الليلة التي ذكر فيها حديثه خرجت من عند أهلي وهم يذكرون حمل آمنة حتى أتيت جبل أبي قيس أريد الخلو فيه لامر رابني إذ رأيت رجلا نزل من السماء له جناحان أخضران، فوقف على أبي قبيس ثم أشرف على مكة فقال: ذل الشيطان وبطلت الاوثان ولد الامين.
ثم نشر ثوبا معه وأهوى به نحو المشرق والمغرب فرأيته قد جلل ما تحت السماء وسطع نور كاد أن يختطف بصري وهالني ما رأيت.
وخفق الهاتف بجناحيه حتى سقط على الكعبة.
فسطع له نور أشرقت له تهامة.
وقال: ذكت الارض وأدت ربيعها.
وأومأ إلى الاصنام التي كانت على الكعبة فسقطت كلها.
قال النجاشي ويحكما أخبر كما عما أصابني، إني لنائم في الليلة التي ذكرتما في قبة وقت خلوتي، إذ خرج على من الارض عنق ورأس، وهو يقول حل الويل بأصحاب الفيل، رمتهم طير أبابيل، بحجارة من سجيل هلك الاشرم المعتدي المجرم، وولد النبي الامي، المكي الحرمي، من أجابه سعد، ومن أباه عتد.
ثم دخل الارض فغاب فذهبت أصيح فلم أطق الكلام، ورمت القيام فلم أطق القيام، فصرعت القبة بيدي ؟ فسمع بذلك أهلي فجاؤوني فقلت
احجبوا عني الحبشة فحجبوهم عني ثم أطلق عن لساني ورجلي.
وسيأتي (1) إن شاء الله تعالي في قصة المورد رؤيا كسرى في سقوط أربع عشرة شرافة من إيوانه، وخمود نيرانه ورؤياه مومذانة، وتفسيره سطيح لذلك على يدي عبد المسيح.
وروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه في ترجمة الحارث بن هانئ بن المدلج بن المقداد بن زمل بن عمرو العذري عن أبيه عن جده عن أبيه عن زمل بن عمرو العذري قال: كان لبني عذرة صنم يقال له حمام وكانوا يعظمونه وكان في بني هند بن حرام بن ضبة بن عبد بن كثير (2) بن عذرة وكان سادنه
__________
(1) قد تقدم ذلك، فليراجع في مكانه.
(2) كذا في الاصول والصواب: كبير كما في أسد الغابة 1 / 205 والاصابة ج 1 /
رجلا يقال له طارق وكانوا يعترون عنده.
فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا يقول يا بني هند بن حرام.
ظهر الحق وأودى صمام ودفع الشرك الاسلام.
قال ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا أياما.
ثم سمعنا صوتا وهو يقول: يا طارق يا طارق.
بعث النبي الصادق، يوحى ناطق، صدع صادع بأرض تهامة، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة.
قال زمل فوقع الصنم لوجهه.
قال فابتعت راحلة ورحلت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومي وأنشدته شعرا قلته: اليك رسول الله أعملت نصها * وكلفتها حزنا وغورا من الرمل لانصر خير الناس نصرا مؤزرا * وأعقد حبلا من حبالك في حبلي وأشهد أن الله لا شئ غيره * أدين به ما أثقلت قدمي نعلي قال فأسلمت وبايعته.
وأخبرناه بما سمعنا فقال: " ذاك من كلام الجن ".
ثم قال: " يا معشر العرب إني رسول الله إليكم وإلى الانام كافة، أدعوهم إلى عبادة الله وحده، وإني رسوله وعبده، وأن تحجوا البيت وتصوموا شهرا من إثني عشر شهرا وهو شهر رمضان، فمن أجابني فله الجنة نزلا، ومن عصاني كانت النار له منقلبا ".
قال فأسلمنا وعقد لنا لواء.
وكتب لنا كتابا
نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لزمل بن عمرو ومن أسلم معه خاصة إني بعثته إلى قومه عامدا (1) فمن أسلم ففي حزب الله ورسوله.
ومن أبى فله أمان شهرين.
شهد علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة الانصاري " (2) ثم قال ابن عساكر: غريب جدا.
وقال سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي في مغازيه: حدثني محمد بن سعيد - يعني عمه -.
قال قال محمد بن المنكدر إنه ذكر لي عن ابن عباس قال هتف هاتف من الجن على أبي قبيس فقال: قبح الله رأيكم آل فهر * ما أدق العقول والافهام (3) حين تعصى لمن يعيب عليها * دين آبائها الحماة الكرام حالف الجن جن بصرى عليكم * ورجال النخيل والآطام (4) توشك الخيل أن تردها تهادى * تقتل القوم في حرام بهام (5)
__________
(1) في مكاتيب الرسول: عامة.
(2) في ترجمته في أسد الغابة والاصابة: ذكرا أنه صلى الله عليه وسلم عقد له لواء على قومه وكتب له كتابا ولم يزل معه ذلك اللواء حتى شهد به صفين مع معاوية ; وذكر الكتاب في زاد المعاد وذكرت الكتاب في مجموعة الوثائق منقولا عن رسالات نبوية.
لابن القيم.
(3) في دلائل أبي نعيم ص (30): قبح الله رأي كعب بن فهر * ما أرق العقول والاحلام (4) أي رجال الانصار، والمراد هنا أهل المدينة.
(5) في الدلائل: في بلاد التهام ; أي تهامة.
هل كريم منكم له نفس حر * ماجد الوالدين والاعمام ضارب ضربة تكون نكالا * ورواحا من كربة واغتمام قال ابن عباس فأصبح هذا الشعر حديثا لاهل مكة يتناشدونه بينهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا شيطان يكلم الناس في الاوثان يقال له مسعر، والله مخزيه " فمكثوا ثلاثة
أيام فإذا هاتف يهتف على الجبل يقول: نحن قتلنا في ثلاث مسعرا * إذ سفه الجن وسن المنكرا قنعته سيفا حساما مشهرا * بشتمه نبينا المطهرا (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا عفريت من الجن اسمه سمج (2) آمن بي سميته عبد الله أخبرني أنه في طلبه ثلاثة أيام " فقال علي جزاه الله خيرا يا رسول الله.
وقد روى الحافظ أبو نعيم في الدلائل قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن أبي حرب الصفار.
حدثنا عباس بن الفرج الرياشي، حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن أبيه، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس عن سعد بن عبادة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرموت في حاجة قبل الهجرة، حتى إذا كنت في بعض الطريق ساعة من الليل فسمعت هاتفا يقول: أبا عمرو تناوبني (3) السهود * وراح النوم وامتنع الهجود لذكر عصابة سلفوا وبادوا * وكل الخلق قصرهم يبيد تولوا واردين إلى المنايا * حياضا ليس منهلها الورود مضوا لسبيلهم وبقيت خلفا * وحيدا ليس يسعفني وحيد سدى لا أستطيع علاج أمر * إذا ما عالج الطفل الوليد فلايا ما بقيت إلى أناس * وقد باتت بمهلكها ثمود وعاد والقرون بذي شعوب * سواء كلهم إرم حصيد قال ثم صاح به آخر: يا خرعب ذهب بك العجب إن العجب كل العجب بين زهرة
__________
(1) في الاصابة ج 2 / 78 عن الفاكهي في كتاب مكة ورد البيتان: نحن قتلنا مسعرا * لما طغى واستكبرا وصغر الحق وسن المنكرا * بشتمه نبينا المطهرا (2) في الاصابة: سمحج.
والخبر في دلائل النبوة لابي نعيم ص 30 وأخرجه الفاكهي في كتاب مكة عن ابن عباس عن عامر بن ربيعة ومن طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه بنحوه كما في الاصابة ج 2 / 78.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: ناوبني، والصواب ما أثبتناه.
ويثرب.
قال وما ذاك يا شاحب ؟ قال نبي السلام، بعث بخير الكلام إلى جميع الانام، فاخرج من البلد الحرام إلى نخيل وآطام.
قال ما هذا النبي المرسل والكتاب المنزل، والامي المفضل ؟ قال رجل من ولد لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
قال هيهات فات عن هذا سني، وذهب عنه زمني لقد رأيتني والنضر بن كنانة نرمي غرضا واحدا، ونشرب حلبا باردا، ولقد خرجت به من دوحة في غداة شبمة (1) وطلع مع الشمس وغرب معها، يروى ما يسمع ويثبت ما يبصر.
ولئن كان هذا من ولده لقد سل السيف وذهب الخوف، ودحض الزنا، وهلك الربا.
قال فاخبرني ما يكون ؟ قال ذهبت الضراء والبؤس والمجاعة، والشدة والشجاعة، إلا بقية في خزاعة.
وذهبت الضراء والبؤس، والخلق المنفوس إلا بقية من الخزرج والاوس.
وذهبت الخيلاء والفخر، والنميمة والغدر، إلا بقية في بني بكر.
يعني ابن هوازن.
وذهب الفعل المندم والعمل المؤثم، إلا بقية في خثعم.
قال أخبرني ما يكون ؟ قال إذا غلبت البرة، وكظمت الحرة، فاخرج من بلاد الهجرة، وإذا كف السلام، وقطعت الارحام فاخرج من البلد الحرام.
قال أخبرني ما يكون ؟ قال لولا أذن تسمع، وعين تلمع لاخبرتك بما تفزع.
ثم قال: لا منام هدأته بنعيم * يا ابن غوط ولا صباح أتانا قال ثم صرصر صرصرة كأنها صرصرة حبلى، فذهب الفجر فذهبت لانظر فإذا عظاية (2) وثعبان ميتان.
قال فما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة إلا بهذا الحديث.
ثم رواه عن محمد بن جعفر عن إبراهيم بن علي عن النضر بن سلمة عن حسان بن عبادة بن موسى عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر عن ابن عباس عن سعد بن عبادة.
قال: لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة خرجت إلى حضرموت لبعض الحاج، قال فقضيت حاجتي ثم أقبلت حتى إذا كنت
ببعض الطريق نمت، ففزعت من الليل بصائح يقول: أبا عمرو تناوبني السهود * وراح النوم وانقطع الهجود وذكر مثله بطوله.
وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن علي حدثنا النضر بن سلمة حدثنا أبو غزية محمد بن موسى عن العطاف بن خالد الوصابي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال سمعت تميما الداري يقول: كنت بالشام حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت لبعض حاجتي فأدركني الليل.
فقلت أنا في جواز عظيم هذا الوادي الليلة.
قال فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي - لا أراه - عذبا لله فإن الجن لا تجير أحدا على الله فقلت أيم الله تقول ؟ فقال قد خرج رسول الاميين رسول الله وصلينا خلفه بالحجون (3).
فأسلمنا واتبعناه وذهب كيد الجن ورميت بالشهب.
فانطلق
__________
(1) شبحة: باردة.
(2) عظاية: دويبة ملساء تمشي مشيا سريعا ثم تقف.
(3) الحجون: جبل بأعلى مكة.
وقال السكري: مكان من البيت على ميل ونصف.
ياقوت 2 / 225.
إلى محمد رسول رب العالمين فأسلم.
قال تميم فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب (1) فسألت راهبا وأخبرته الخبر.
فقال الراهب: قد صدقوك يخرج من الحرم مهاجره الحرم وهو خير الانبياء فلا تسبق إليه.
قال تميم فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
وقال حاتم بن إسماعيل عن عبد الله بن يزيد الهذلي عن عبد الله بن ساعدة الهذلي، عن أبيه قال: كنا عند صنمنا سواع، وقد جلبنا إليه غنما لنا مائتي شاة قد أصابها حرب، فأدنيناها منه لنطلب بركته فسمعت مناديا من جوف الصنم ينادي قد ذهب كيد الجن، ورمينا بالشهب لنبي اسمه أحمد.
قال فقلت غويت والله.
فصدقت وجه غنمي منجدا إلى أهلي فرأيت رجلا.
فخبرني بظهور النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره أبو نعيم هكذا معلقا ثم قال: حدثنا عمر بن محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن السندي حدثنا النضر بن سلمة حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي حدثنا يحيى بن
سليمان عن حكيم بن عطاء الظفري - من بني سليم من ولد راشد بن عبد ربه - عن أبيه عن جده عن راشد بن عبد ربه قال كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلاة من رهط تدين له هذيل وبنو ظفر بن سليم فأرسلت بنو ظفر راشد بن عبد ربه بهدية من سليم إلى سواع قال راشد فألقيت مع الفجر إلى صنم قبل صنم سواع، فإذا صارخ يصرخ من جوفه: العجب كل العجب من خروج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا والربا والذبح للاصنام.
وحرست السماء ورمينا بالشهب العجب كل العجب.
ثم هتف صنم آخر من جوفه ترك الضمار وكان يعبد، خرج النبي أحمد، يصلى الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام، والبر والصلات للارحام.
ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف يقول: إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد نبي أتى يخبر بما سبق * وبما يكون اليوم حقا أو غد (2) قال راشد: فألفيت سواعا مع الفجر وثعلبان يلحسان ما حوله، ويأكلان ما يهدي له، ثم يعوجان عليه ببولهما، فعند ذلك يقول راشد بن عبد ربه: أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب وذلك عند مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومهاجره إلى المدينة وتسامع الناس به فخرج راشد حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومعه كلب له، واسم راشد يومئذ ظالم، واسم كلبه راشد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما اسمك " قال ظالم.
قال: " فما اسم كلبك ؟ " قال راشد، قال: " اسمك راشد، واسم
__________
(1) دير أيوب: قرية بحوران بنواحي دمشق وبها قبر أيوب عليه السلام.
ياقوب 2 / 499.
(2) البيت الثاني لم يرد في سبل الهدى والرشاد ولا في سيرة ابن هشام وورد قبل البيت الاول بيتان تقدما: قل للقبائل من سليم كلها..أو دى ضماد وكان يعبد مرة.
كلبك ظالم " وضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وبايع النبي صلى الله عليه وسلم وأقام بمكة معه ثم طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قطيعة برهاط - ووصفها له - فاقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعلاة (1) من رهاط (2) شأو الفرس، ورميته ثلاث مرات بحجر، وأعطاه إداوة مملوءة من ماء وتفل فيها وقال له " فرغها في أعلا القطيعة ولا تمنع الناس فضلها " ففعل فجعل الماء معينا يجري إلى اليوم فغرس عليها النخل.
ويقال إن رهاط كلها تشرب منه فسماها الناس ماء الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأهل رهاط يغتسلون بها وبلغت رمية راشد الركب الذي يقال له ركب الحجر، وغدا راشد على سواع فكسره.
وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا علي بن إبراهيم الخزاعي الاهوازي حدثنا أبو محمد عبد الله بن داود بن دلهاث بن اسماعيل بن مسرع بن ياسر بن سويد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أبي عن أبيه دلهاث عن أبيه اسماعيل أن أباه عبد الله حدثه عن أبيه مسرع بن ياسر أن أباه ياسر حدثه عن عمرو بن مرة الجهني أنه كان يحدث قال: خرجت حاجا في جماعة من قومي في الجاهلية.
فرأيت في المنام وأنا بمكة نورا ساطعا من الكعبة حتى أضاء في جبل يثرب وأشعر (3) جهينة.
فسمعت صوتا في النور وهو يقول: انقشعت الظلماء، وسطح الضياء، وبعث خاتم الانبياء ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن.
فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الاسلام وكسرت الاصنام، ووصلت الارحام فانتبهت فزعا، فقلت لقومي والله ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث، وأخبرتهم بما رأيت.
فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا رجل فأخبرنا أن رجلا يقال له أحمد قد بعث فأتيته فأخبرته بما رأيت فقال " يا عمرو بن مرة إني (4) المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الاسلام، وآمرهم بحقن الدماء وصلة الارحام، وعبادة الله [ وحده ] ورفض الاصنام، وحج البيت.
وصيام شهر من اثني عشر شهرا وهو شهر رمضان، فمن أجاب فله الجنة.
ومن عصى فله النار، فآمن يا عمرو بن مرة يؤمنك من نار (5) جهنم " فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
آمنت بكل ما جئت
__________
(1) المصلاة: موضع بين مكة وبدر بينه وبين بدر الاثيل.
(2) في نسخ البداية المطبوعة وهاط وهو تحريف، والصواب رهاط: قال ابن الكلبي اتخذت هذيل سواعا ربا برهاط من أرض ينبع، وينبع عرض من أعراض المدينة.
وقال عرام رهاط: قرية بقرب مكة على طريق المدينة ياقوت 3 / 107.
(3) أشعر جهينة: في مجمع الزوائد: أسعر.
وهو جبل جهينة بين المدينة والشام ينحدر على ينبع.
ياقوت 1 / 198.
(4) عند الروياني وابن عساكر ومجمع الزوائد: أنا النبي المرسل.
(5) في المصادر السابقة: هول.
به من حلال وحرام، وإن أرغم ذلك كثيرا من الاقوام، ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به وكان لنا صنم وكان أبي سادنا له فقمت إليه فكسرته ثم لحقت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: شهدت بأن الله حق وأنني * لآلهة الاحجار أول تارك فشمرت عن ساقي إزار مهاجر * اليك أدب الغور بعد الدكادك (1) لاصحب خير الناس نفسا ووالدا * رسول مليك الناس فوق الحبائك (2) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مرحبا بك يا عمرو بن مرة ".
فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي إبعث بي إلى قومي، لعل الله أن يمن بي عليهم كما من بك علي، فبعثني إليهم وقال: " عليك بالقول السديد ولا تكن فظا ولا متكبرا ولا حسودا " فأتيت قومي فقلت لهم: يا بني رفاعة ثم يا بني جهينة إني رسول من رسول الله إليكم أدعوكم إلى الجنة، وأحذركم النار، وآمركم بحقن الدماء، وصلة الارحام، وعبادة الله، ورفض الاصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، شهر من إثني عشر شهرا.
فمن أجاب فله الجنة.
ومن عصى فله النار.
يا معشر جهينة إن الله - وله الحمد - جعلكم خيار من أنتم منه (3) وبغض اليكم في جاهليتكم ما حبب إلى غيركم من الرفث، لانهم كانوا يجمعون بين الاختين، ويخلف الرجل [ منهم ] على امرأة أبيه، والترات (4) في الشهر الحرام.
فأجيبوا هذا النبي المرسل صلى الله عليه وسلم من بني لؤي بن غالب.
تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة، سارعوا
سارعوا في ذلك يكون لكم فضيلة عند الله.
فأجابوا إلا رجلا منهم قام فقال: يا عمرو بن مرة أمر الله عليك عيشك، أتأمرنا أن نرفض آلهتنا ونفرق جماعتنا بمخالفة دين آبائنا إلى ما يدعو هذا القرشي من أهل تهامة ؟ لا ولا مرحبا ولا كرامة، ثم أنشأ [ الخبيث ] يقول: إن ابن مرة قد أتى بمقالة * ليست مقالة من يريد صلاحا إني لاحسب قوله وفعاله * يوما وإن طال الزمان رياحا أتسفه الاشياخ ممن قد مضى * من رام ذلك لا أصاب فلاحا فقال عمرو بن مرة: الكاذب مني ومنك أمر الله عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه بصره.
قال عمرو بن مرة والله ما مات حتى سقط فوه وكان لا يجد طعم الطعام، وعمي وخرس.
وخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فرحب بهم وحباهم وكتب لهم كتابا هذه نسخته:
__________
(1) في مجمع الزوائد: وشمرت عن ساق الازار مهاجرا * إليك أحوز الفوز بعد الدكادك (2) الحبائك: جمع حبيكة ؟ وهي الطريقة بين النجوم ; والمراد: السماوات.
(3) أي من العرب.
(4) في ابن عساكر ومجمع الزوائد: والغزاة.
" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله على لسان رسول الله بكتاب صادق، وحق ناطق، مع عمرو بن مرة الجهني لجهينة بن زيد إن لكم بطون الارض وسهولها، وتلاع الاودية وظهورها، ترعون نباته وتشربون صافيه.
على أن تقروا بالخمس، وتصلوا الصلوات الخمس، وفي التبعة والصريمة شاتان إن اجتمعتا، وإن تفرقتا فشاة شاة.
ليس على أهل الميرة صدقة، ليس الوردة اللبقة " (1).
وشهد من حضرنا من المسلمين بكتاب، قيس بن شماس رضي الله عنهم.
وذلك حين يقول عمرو بن مرة:
ألم تر أن الله أظهر دينه * وبين برهان القرآن لعامر (2) كتاب من الرحمن نور لجمعنا * وإحلافنا في كل باد وحاضر (3)
__________
(1) نص الكتاب كما ورد عن ابن عساكر في جمع الجوامع للسيوطي ورسالات نبوية لعبد المنعم خان ومجمع الزوائد 8 / 245.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من الله عزيز على لسان رسول بحق صادق وكتاب ناطق مع عمرو بن مرة، لجهينة بن زيد: إن لكم بطون الارض وسهولها، وتلاع الاودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها.
على أن تؤدوا الخمس.
وتصلوا الخمس.
وفي التبعة والصريمة شاتان إذا اجتمعتا، فإن تفرقتا فشاة شاة.
ليس على أهل المثيرة صدقة ولا على الواردة لبقة ".
والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين كتاب قيس بن شماس ".
المعاني: - بطون الارض: البطون خلاف الظهر في كل شئ، ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر.
ويقال لكل غامض بطن ولكل ظاهر ظهر.
والمراد أن لكم الوهدة من الارض.
- تلاع الاودية: مسائل الماء من العلو إلى السفل.
فتلاعها ما انحدر من الاودية.
- التيعة: بكسر التاء وسكون الياء، وهي أدنى ما يجب فيه الزكاة ; من الحيوان الحيوان كالخمس في الابل.
- الصريمة: تصغير الصرمة، وهي القطيع من الابل والغنم، قيل من العشرين إلى الثلاثين إلى الاربعين كأنها إذا بلغت هذا القدر تستقل بنفسها، فيقطعها صاحبها عن معظم إبله وغنمه.
والمراد: عن مائة وإحدى وعشرين إلى المائتين إذا اجتمعت ففيها شاتان وإن كانت لرجلين وفرق بينهما فعلى كل واحد منهما شاة.
- المثيرة: لانها تثير الارض وذلك إرفاقا بهم ومداراة.
- ولا على الواردة لبقة: الوارد: الذي يتقدم القوم فيسقي لهم.
واللبقة: بفتح اللام وسكون الباء الظرف أي ليس عليهم أن يعطوا لمن يرد مياههم من المسلمين الظروف ; ولعل المراد: أنه لا يجب عليهم قرى العساكر المسلمين وإعانتهم حتى لبقة للماء التي لا كلفة في إعطائها.
(2) في رسالة من يسمى عمرا من الشعراء لابن الجراح: فرقان الفرقان.
(3) في مجمع الزوائد: كتاب من الرحمن يجعلنا معا * وأخلافنا في كل باد وحاضر
إلى خير من يمشي على الارض كلها * وأفضلها عن اعتكار الصرائر (1) أطعنا رسول الله لما تقطعت * بطون الاعادي بالظبي والخواطر (2) فنحن قبيل قد بني المجد حولنا * إذا اجتلبت في الحرب هام الاكابر بنو الحرب نفريها بأيد طويلة * وبيض تلالا في أكف المغاور ترى حوله الانصار تحمي أميرهم * بسمر العوالي والصفاح البواتر (3) إذا الحرب دارت عند كل عظيمة * ودارت رحاها بالليوث الهواصر تبلج منه اللون وازداد وجهه * كمثل ضياء البدر بين الزواهر (4) وقال أبو عثمان سعيد بن يحيى الاموي في مغازيه: حدثنا عبد الله حدثنا أبو عبد الله حدثنا المجالد بن سعيد والاجلح عن الشعبي، حدثني شيخ من جهينة قال: مرض منا رجل مرضا شديدا فنقل حتى حفرنا له قبره وهيأنا أمره فأغمي عليه ثم فتح عينيه وأفاق فقال أحفرتم لي ؟ قالوا نعم، قال فما فعل الفصل - وهو ابن عم له - قلنا صالح مر آنفا يسأل عنك، قال أما إنه يوشك أن يجعل في حفرتي إنه أتاني آت حين أغمي علي فقال ابك هبل ؟ أما ترى حفرتك تنتثل، وأمك قد كادت تثكل ؟ أرأيتك أن حولناها عنك بالمحول، ثم ملاناها بالجندل، وقذفنا فيها الفصل، الذي مضى فأجزأك، وظن أن لن يفعل.
أتشكر لربك، تصل وتدع دين من أشرك وضل ؟ قال قلت نعم.
قال قم قد برئت.
قال فبرئ الرجل.
ومات الفصل فجعل في حفرته.
قال الجهيني: فرأيت الجهيني بعد ذلك يصلي ويسب الاوثان ويقع فيها.
وقال الاموي: حدثنا عبد الله قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجلس يتحدثون عن الجن، فقال خريم بن فاتك الاسدي [ لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين ]: ألا أحدثك
كيف كان اسلامي ؟ قال بلى، قال إني يوما في طلب ذود (5) لي أنا منها على أثر تنصب وتصعد، حتى إذا كنت بأبرق العراق (6) انخت راحلتي وقلت أعوذ بعظيم (7) هذه البلدة أعوذ برئيس هذا
__________
(1) الضرائر ; في الوفا ومجمع الزوائد.
واعتكار الصرائر: تمازج الاصول ; والمراد هنا أنه صلى الله عليه وسلم أصفى الناس أصلا وأشرفهم نسبا.
(2) في مجمع الزوائد: بالظباء الخواطر.
(3) في مجمع الزوائد: والسيوف البواتر.
وفي الوفا: يحمون سربه بدل تحمي أميرهم.
(4) في مجمع الزوائد: وازدان بدل وازداد.
(5) في مجمع الزوائد في رواية ابن عباس: في بغاء إبل لي - وفي رواية أبي هريرة: نعم لي.
(6) كذا في الاصل: أبرق العراق وهو تحريف والصواب أبرق العزاف وهو رمل لبني سعد بجبيل هناك (من جبال الدهناء) وإنما سمي العزاف لانهم يسمعون به عزيف الجن وهو صوتهم.
وعن السكري: العزاف على اثني عشر ميلا من المدينة قال حسان: لمن الديار والرسوم العوافي * بين سلع فأبرق العزاف
الوادي [ من سفهاء قومه ]، فإذا بهاتف يهتف بي: ويحك، عذ بالله ذي الجلال * والمجد والعلياء والافضال (1) ثم اتل آيات من الانفال * ووحد الله ولا تبالي (2) قال فذعرت ذعرا شديدا ثم رجعت إلى نفسي فقلت: يا أيها الهاتف ما تقول * أرشد عندك أم تضليل ؟ (3) * بين هداك الله ما الحويل * قال: فقال: هذا رسول الله ذو الخيرات * بيثرب يدعو إلى النجاة يأمر بالبر وبالصلاة * ويزع الناس عن الهنات (4)
قال: قلت له: والله لا أبرح حتى آتيه.
وأومن به، فنصبت رجلي في غرز راحلتي وقلت أرشدني أرشدني هديتا (5) * لا جعت ما عشت ولا عريتا ولا برحت سيدا مقيتا * لا تؤثر الخير الذي أتيتا (6)
__________
= مععم البلدان 4 / 118 معجم ما استعجم 3 / 94.
(7) في رواية ابن عباس: بعظيم هذا الوادي ; وهو قول أهل الجاهلية.
(1) في ابن عساكر: والنعماء والافضال.
وفي الاصابة ومجمع الزوائد: منزل الحلال والحرام.
(2) الابيات في مجمع الزوائد: ووحد الله ولا تبالي * ما هول ذي الجن من الاهوال إذ يذكر الله على الاميال * وفي سهول الارض والجبال وصار كبد الجن في سفال * إلا التقى وصالح الاعمال (3) في الاصابة ومجمع الزوائد: يا أيها الداعي ما تحيل.
(4) في رواية ابن عباس: هذا رسول الله ذو الخيرات * جاء بياسمين وحاميمات وسور بعده مفصلات * محرمات ومحللات يأمر بالصوم وبالصلاة * ويزجر الناس عن الهنات قد كن في الايام منكرات في الاصابة جاء البيت الثاني: محرمات محلالات * يأمرنا بالصوم وبالصلاة (5) في دلائل أبي نعيم، أرشدني بها هديتا..(6) في دلائل أبي نعيم:
* على جميع الجن ما بقيتا * فقال (1): صاحبك الله وأدى رحلكا * وعظم الاجر وعافا نفسكا آمن به أفلج ربي حقكا * وانصره نصرا عزيزا نصركا قال قلت من أنت عافاك الله، حتى أخبره إذا قدمت عليه ؟ فقال أنا ملك بن ملك (2)، وأنا نقيبه على جن نصيبين.
وكفيت إبلك حتى أضمها إلى أهلك إن شاء الله.
قال فخرجت حتى أتيت المدينة يوم الجمعة والناس أرسال إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر كأنه البدر يخطب الناس، فقلت انيخ على باب المسجد حتى يصلى وأدخل عليه فأسلم وأخبره عن إسلامي، فلما انخت خرج إلي أبو ذر فقال مرحبا وأهلا وسهلا قد بلغنا إسلامك، فادخل فصل، ففعلت ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني باسلامي قلت: الحمد لله.
قال: " أما إن صاحبك قد وفى لك وهو أهل ذلك، وأدى ابلك إلى أهلك " (3).
وقد رواه الطبراني في ترجمة خريم بن فاتك من معجمة الكبير قائلا حدثنا الحسين بن إسحاق اليسيري، حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي، حدثنا عبد الله بن موسى الاسكندري، حدثنا محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي، قال بلى ! فذكره غير أنه قال فخرج إلي أبو بكر الصديق فقال أدخل، فقد بلغنا إسلامك، فقلت لا أحسن الطهور، فعلمني فدخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه البدر وهو يقول: " ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يحفظها ويعقلها إلا دخل الجنة " فقال لي عمر لتأتيني على هذا ببينة أو لانكلن بك، فشهد لي شيخ قريش عثمان بن عفان فأجاز شهادته.
ثم رواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن
__________
= ولا صحبت صاحبا مقيتا * لا يثوين الخير إن ثويتا وفي مجمع الزوائد: ولا برحت سعيدا ما بقيت * ولا تؤثرن على الخير الذي أوتيت
(1) في رواية أبي هريرة: قال فاتبعني وهو يقول: سلمك الله وسلم نفسك * وبلغ الاهل وأدى رحلكا أمر به أفلح ربي حقك * وانصره أعز ربي نصركا (2) عند ابن عساكر: أنا عمرو بن أثال.
وأنا عامله على جن نجد المسلمين.
(3) رواه في مجمع الزوائد 8 / 250 - 251 عن ابن عباس.
وقال رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.
وأخرجه الحاكم 3 / 621 من طريق الحسن بن محمد بن علي عن أبيه.
قال الذهبي: لم يصح.
وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه وأبو القاسم بن بسران كما في الاصابة ج 3 / 353.
تيم عن محمد بن خليفة عن محمد بن الحسن عن أبيه قال عمر بن الخطاب بن فاتك حدثني بحديث يعجبني فذكر مثل السياق الاول سواء.
وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن الديلمي، قال أتى رجل ابن عباس فقال بلغنا أنك تذكر سطيحا تزعم أن الله خلقه، لم يخلق من بني آدم شيئا يشبهه ؟ قال: قال: نعم إن الله خلق سطيحا الغساني لحما على وضم (1) ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة، والكفان.
وكان يطوي من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شئ يتحرك إلا لسانه.
فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمة فأتي به مكة، فخرج إليه أربعة من قريش عبد شمس، وهاشم ابنا عبد مناف بن قصي، والاحوص بن فهر، وعقيل بن أبي وقاص فانتموا إلى غير نسبهم وقالوا نحن أناس من جمح أتيناك بلغنا قدومك، فرأينا أن إتياننا إياك حق لك واجب علينا وأهدى إليه عقيل صفيحة هندية، وصعدة ردينية، فوضعت على باب البيت الحرام لينظروا، أهل يراها سطيح أم لا.
فقال: يا عقيل ناولني يدك فناوله يده فقال: يا عقيل والعالم الخفية، والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية، إنك للجائي بالهدية، الصفيحة الهندية، والصعدة
الردينية.
قالوا صدقت يا سطيح، فقال والآتي بالفرح، وقوس قزح، وسائر الفرح، واللطيم المنبطح، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث مر سنح، فأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وإن نسبهم من قريش ذي البطح.
قالوا صدقت يا سطيح نحن أهل البيت الحرام، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك.
فأخبرنا عما يكون في زماننا هذا وما يكون بعده فلعل أن يكون عندك في ذلك علم قال: الآن صدقتم، خذوا مني ومن إلهام الله إياي، أنتم يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشو من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم، فيكسرون الصنم، ويبلغون الروم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم، قالو ا يا سطيح فمن يكون أولئك ؟ فقال لهم: والبيت ذي الاركان، والامن والسكان لينشؤون من عقبكم ولدان يكسرون الاوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، وينشرون دين الديان، يشرفون البنيان، ويستفتون الفتيان، قالوا ياسطيح من نسل من يكون أولئك ؟ قال: وأشرف الاشراف، والمفضي للاشراف، والمزعزع الاحقاف، والمضعف الاضعاف، لينشؤون الالاف من عبد شمس وعبد مناف، نشوءا يكون فيه إختلاف.
قالوا يا سوأتاه يا سطيح مما تخبرنا من العلم بأمرهم ومن أي بلد يخرج أولئك ؟ فقال والباقي الابد، والبالغ الامد، ليخرجن من ذا البلد، فتى يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرأ من عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم
__________
(1) الوضم: شرائح من جريد النخل.
يتوفاه الله محمودا، من الارض مفقودا، وفي السماء مشهودا.
ثم يلي أمره الصديق إذا قضي صدق، في رد الحقوق لا خرق ولا نزق ثم يلي أمره الحنيف، مجرب غطريف، ويترك قول العنيف.
قد ضاف المضيف.
وأحكم التحنيف.
ثم يلي أمره داعيا لامره مجربا، فتجتمع له جموعا وعصبا، فيقتلونه نقمة عليه وغضبا، فيؤخذ الشيخ فيذبح أربا فيقوم به رجال خطبا.
ثم يلي أمره الناصر، يخلط الرأي برأي المناكر، يظهر في الارض العساكر، ثم يلي بعده ابنه يأخذ جمعه ويقل حمده.
ويأخذ المال ويأكل وحده، ويكثر المال بعقبه من بعده، ثم يلي من بعده عدة
ملوك، لا شك الدم فيهم مسفوك، ثم بعدهم الصعلوك يطويهم كطي الدرنوك (1).
ثم يلي من بعده عظهور (2) يقضي الحق ويدني مصر، يفتتح الارض افتتاحا منكرا، ثم يلي قصير القامة، بظهره علامة يموت موتا وسلامة.
ثم يلي قليلا باكر، يترك الملك بائر يلي أخوه بسنته سابر (3)، يختص بالاموال والمنابر ثم يلي من بعده أهوج، صاحب دنيا ونعيم مخلج، يتشاوره معاشره وذووه، ينهضون إليه يخلعونه بأخذ الملك ويقتلونه، ثم يلي أمره من بعده السابع، يترك الملك محلا ضائع، بنوه في ملكه كالمشوه جامع، عند ذلك يطمع في الملك كل عريان، ويلي أمره اللهفان.
يرضى نزارا جمع قحطان، إذا التقيا بدمشق جمعان بين بنيان ولبنان، يصنف اليمن يومئذ صنفان.
صنف المشورة، وصنف المخذول.
لا ترى الاحباء محلول.
وأسيرا مغلول.
بين القراب والخيول.
عند ذلك تخرب المنازل وتسلب الارامل، وتسقط الحوامل وتظهر الزلازل، وتطلب الخلافة وائل، فتغضب نزار فتدني العبيد والاشرار، وتقصي الامثال والاخيار.
وتغلو الاسعار في صفر الاصفار يقتل كل حيا منه، ثم يسيرون إلى خنادق وإنها ذات أشعار وأشجار تصد له الانهار ويهزمهم أول النهار، تظهر الاخيار فلا ينفعهم نوم ولا قرار.
حتى يدخل مصرا من الامصار، فيدركه القضاء والاقدار.
ثم يجئ الرماة تلف مشاة، لقتل الكماة، وأسر الحماة.
وتهلك الغواة هنالك يدرك في أعلى المياه.
ثم يبور الدين، وتقلب الامور، وتكفر الزبور، وتقطع الجسور، فلا يفلت إلا من كان في جزائر البحور، ثم تبور الحبوب، وتظهر الاعاريب ليس فيهم معيب على أهل الفسوق والريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني المنى.
قالوا ثم ماذا يا سطيح ؟ قال ثم يظهر رجل من أهل اليمن كالشطن (4)، يذهب الله على رأسه الفتن.
وهذا أثر غريب كتباه لغرابته وما تضمن من الفتن والملاحم.
وقد تقدم قصة شق وسطيح مع ربيعة بن نصر ملك اليمن، وكيف بشر بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تقدم قصة سطيح مع ابن
__________
(1) الدرنوك: نوع من البسط أو الثياب له خمل.
(2) عظهور: في المعاجم: عظير كإردب، وهو القوي الغليظ.
(3) سابر: واضح.
يومئذ صنفان.
صنف المشورة، وصنف المخذول.
لا ترى الاحباء محلول.
وأسيرا مغلول.
بين القراب والخيول.
عند ذلك تخرب المنازل وتسلب الارامل، وتسقط الحوامل وتظهر الزلازل، وتطلب الخلافة وائل، فتغضب نزار فتدني العبيد والاشرار، وتقصي الامثال والاخيار.
وتغلو الاسعار في صفر الاصفار يقتل كل حيا منه، ثم يسيرون إلى خنادق وإنها ذات أشعار وأشجار تصد له الانهار ويهزمهم أول النهار، تظهر الاخيار فلا ينفعهم نوم ولا قرار.
حتى يدخل مصرا من الامصار، فيدركه القضاء والاقدار.
ثم يجئ الرماة تلف مشاة، لقتل الكماة، وأسر الحماة.
وتهلك الغواة هنالك يدرك في أعلى المياه.
ثم يبور الدين، وتقلب الامور، وتكفر الزبور، وتقطع الجسور، فلا يفلت إلا من كان في جزائر البحور، ثم تبور الحبوب، وتظهر الاعاريب ليس فيهم معيب على أهل الفسوق والريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني المنى.
قالوا ثم ماذا يا سطيح ؟ قال ثم يظهر رجل من أهل اليمن كالشطن (4)، يذهب الله على رأسه الفتن.
وهذا أثر غريب كتباه لغرابته وما تضمن من الفتن والملاحم.
وقد تقدم قصة شق وسطيح مع ربيعة بن نصر ملك اليمن، وكيف بشر بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تقدم قصة سطيح مع ابن
__________
(1) الدرنوك: نوع من البسط أو الثياب له خمل.
(2) عظهور: في المعاجم: عظير كإردب، وهو القوي الغليظ.
(3) سابر: واضح.
(4) الشطن: الحبل الطويل، والمراد هنا: الرجل الطويل.
أخته عبد المسيح حين أرسله ملك بني ساسان، لارتجاس الايوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان.
وذلك ليلة مولد الذي نسخ بشريعته سائر الاديان.
* * * تم الجزء الثاني من البداية والنهاية ويليه الجزء الثالث وأوله باب كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
البداية والنهاية - ابن كثير ج 3
البداية والنهاية
ابن كثير ج 3
البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه.
حققه ودقق أصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء الثالث دار إحياء التراث العربي
الطبعة الاولى 1408 ه.
1988 م
بسم الله الرحمن الرحيم باب كيف بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وذكر أول شئ أنزل عليه من القرآن العظيم كان ذلك وله صلى الله عليه وآله من العمر أربعون سنة.
وحكى ابن جرير (1) عن ابن عباس وسعيد بن المسيب: أنه كان عمره إذ ذاك ثلاثا وأربعين سنة.
قال البخاري (2): حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها.
أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله من الوحي الرؤيا الصالحة (3) في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.
فجاءه الملك
فقال: اقرأ.
فقال: ما أنا بقارئ.
قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني.
فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني.
فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد.
ثم أرسلني فقال: (اقرأ بسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) [ أول سورة العلق ] فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وآله يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد.
فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
فقال لخديجة وأخبرها الخبر - لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا.
إنك
__________
(1) تاريخ لطبري ج 2 / 202.
(2) صحيح البخاري - باب كيف كان بدء الوحي - ح 3 صفحة 1 / 3.
(3) من البخاري - وفي الاصول: الصادقة.
(4) يتحنث: قال ابن حجر في فتح الباري: هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم.
لتصل الرحم وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق (1)، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة.
وكان أمرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب.
وكان شيخا كبيرا قد عمي.
فقالت له خديجة: يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما أري.
فقال له ورقة: هذا الناموس (2) الذي كان ينزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا (3)، ليتني أكون حيا، إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو مخرجي هم ؟ " فقال: نعم.
لم يأت رجل (4) بمثل ما جئت به إلا عودي.
وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي (5) فترة.
حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن
لذلك جأشه، وتقر نفسه.
فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا كمثل ذلك.
قال فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له: مثل ذلك.
هكذا وقع مطولا في باب التعبير من البخاري.
قال ابن شهاب (6): وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الانصاري قال - وهو يحدث عن فترة الوحي - فقال في حديثه: " بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والارض.
فرعبت منه.
فرجعت فقلت: زملوني، زملوني فأنزل الله: (يا أيها المدثر، قم فانذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر) [ سورة المدثر: 1 ] فحمي الوحي وتتابع " ثم قال البخاري تابعه عبد الله بن يوسف، وأبو صالح، يعني عن الليث، وتابعه هلال بن رداد (7) عن الزهري.
وقال يونس ومعمر: بوادره (8).
وهذا الحديث قد رواه الامام البخاري رحمه الله في كتابه في مواضع
__________
(1) نوائب: جمع نائبة وهي الحادثة خيرا أو شرا وإنما قال نوائب الحق لانها تكون في الحق والباطل.
(2) الناموس: صاحب السر، وهو ما جزم به البخاري في أحاديث الانبياء، يقال: نمست السر: كتمته، والمراد هنا جبريل عليه السلام - لان الله خصه بالغيب والوحي.
(3) جذعا: قال ابن حجر في فتح الباري: الجذع: هو الصغير من البهائم: كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الاسلام شابا ليكون أمكن لنصره.
(4) من صحيح البخاري، وفي الاصول أحد.
(5) هنا تنتهي رواية الصحيح.
(6) تتمة حديث البخاري المتقدم.
(7) من البخاري، وفي الاصول ونسخ البداية المطبوعة داود وهو تحريف.
وهو هلال بن رداد الطائي، أو الكناني الشامي الكاتب مقبول من السابعة.
(تقريب التهذيب) 2 / 130 / 323.
(8) أي ترجف بوادره بدل رواية يرجف فؤاده.
والبوادر جمع بادرة وهي ما بين العنق والمنكب.
منه، وتكلمنا عليه مطولا في أول شرح البخاري في كتاب بدء الوحي اسنادا ومتنا ولله الحمد والمنة.
وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث الليث به، ومن طريق يونس ومعمر عن الزهري كما علقه البخاري عنهما (1)، وقد رمزنا في الحواشي على زيادات مسلم ورواياته ولله الحمد وانتهى سياقه إلى قول ورقة: أنصرك نصرا مؤزرا.
فقول أم المؤمنين عائشة.
أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، يقوي ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار عن عبيد بن عمر الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فجاءني جبريل، وأنا نائم، بنمط (2) من ديباج فيه كتاب (3).
فقال: اقرأ، فقلت ما اقرأ ؟ فغتني (4)، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني " وذكر نحو حديث عائشة سواء، فكان هذا كالتوطئة لما يأتي بعده من اليقظة، وقد جاء مصرحا بهذا في مغازي موسى بن عقبة عن الزهري أنه رأى ذلك في المنام ثم جاءه الملك في اليقظة.
وقد قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: في كتابه دلائل النبوة حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا جناب بن الحارث حدثنا عبد الله بن الاجلح عن إبراهيم عن علقمة بن قيس.
قال: إن أول ما يؤتى به الانبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم، ثم ينزل الوحي بعد، وهذا من قبل علقمة بن قيس نفسه وهو كلام حسن يؤيده ما قبله ويؤيده ما بعده.
عمره صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشئ، ولم ينزل القرآن، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة عشرا بمكة وعشرا بالمدينة.
فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
فهذا إسناد
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التعبير، وفي التفسير وفي كتاب الايمان عن عبد الرزاق وأخرجه مسلم في (1) - كتاب الايمان (73) باب بدء الوحي - والترمذي والنسائي في التفسير والامام أحمد في مسنده 26 - 232، 233 وابن حبان
في صحيحه، كتاب الوحي حديث 34 / 1 / 115.
(2) نمط: وعاء كالسفط.
(3) قال بعض المفسرين: في قوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) إنها إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حين قال له: اقرأ (الروض الانف).
(4) كذا في الاصول والطبري، ومعنى غتني: حبس نفسي.
قال ابن الاثير في النهاية: الغت والغط سواء، كأنه أراد عصرني عصرا شديدا، حتى وجدت منه المشقة، كما يجد من يغمس في الماء قهرا.
صحيح إلى الشعبي وهو يقتضي أن اسرافيل قرن معه بعد الاربعين ثلاث سنين ثم جاءه جبريل (1) وأما الشيخ شهاب الدين أبو شامة فإنه قد قال: وحديث عائشة لا ينافي هذا فإنه يجوز أن يكون أول أمره الرؤيا.
ثم وكل به إسرافيل في تلك المدة التي كان يخلو فيها بحراء فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة ولا يقيم معه تدريجا له وتمرينا إلى أن جاءه جبريل.
فعلمه بعدما غطه ثلاث مرات، فحكت عائشة ما جرى له مع جبريل ولم تحك ما جرى له مع إسرافيل اختصارا للحديث، أو لم تكن وقفت على قصة إسرافيل.
وقال الامام أحمد حدثنا يحيى بن هشام عن عكرمة عن ابن عباس أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين فمكث بمكة عشرا وبالمدينة عشرا.
ومات وهو ابن ثلاث وستين، وهكذا روى يحيى بن سعيد وسعيد بن المسيب (2) ثم روى أحمد عن غندر ويزيد بن هارون كلاهما عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وهو ابن أربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشر سنين.
ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت وثماني سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشر سنين.
قال أبو شامة: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى عجائب قبل بعثته فمن ذلك ما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لاعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لاعرفه الآن " (3) انتهى كلامه.
وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الخلاء والانفراد عن قومه، لما يراهم عليه من الضلال المبين من عبادة الاوثان والسجود للاصنام، وقويت محبته للخلوة عند مقاربة إيحاء الله إليه صلوات الله
__________
(1) الخبر نقله السيوطي في الخصائص الكبرى 1 / 221 وابن سعد في الطبقات 1 / 191 وقال ابن سعد بعد إيراده الخبر: " فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر - الواقدي - فقال: ليس يعرف أهل العلم ببلدتنا أن اسرافيل قرن بالنبي صلى الله عليه وسلم..لم يقرن به غير جبريل وقد حكى ابن التين القصة لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل.
(2) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 15 / 99 الصواب أنه صلى الله عليه وسلم بعث على راس الاربعين سنة هذا هو المشهور الذي أطبق عليه العلماء.
وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد.
بعثه الله - تعالى - على رأس أربعين وهي رأس الكمال، قيل ولها تبعث الرسل 1 / 33.
وقال السهيلي - معلقا - في الروض الانف: إنه الصحيح عند أهل السير، والعلم بالاثر " 1 / 161.
وقال البلقيني: كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل في غار حراء أربعين سنة على المشهور.
(3) كتاب الفضائل حديث رقم 2 ص 1782.
وأخرجه الترمذي في المناقب 5 / 593 والدارمي في المقدمة.
=
وسلامه عليه.
وقد ذكر محمد بن إسحاق عن عبد الملك بن عبد الله (1) بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة (2) - قال: وكان واعية (3) - عن بعض أهل العلم قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة يتنسك فيه.
وكان من نسك قريش في الجاهلية، يطعم من جاءه من المساكين حتى إذا انصرف من مجاورته [ وقضائه ] (4) لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة.
وهكذا روى عن وهب بن كيسان أنه سمع عبيد بن عمير يحدث عبد الله بن الزبير مثل ذلك، وهذا يدل على أن هذا كان من عادة المتعبدين في قريش أنهم يجاورون في حراء للعبادة ولهذا قال أبو طالب في قصيدته
المشهورة: وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازل هكذا صوبه على رواية هذا في البيت كما ذكره السهيلي وأبو شامة وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمهم الله، وقد تصحف على بعض الرواة فقال فيه: وراق ليرقى في حر ونازل - وهذا ركيك ومخالف للصواب والله أعلم.
وحراء يقصر ويمد ويصرف ويمنع، وهو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها عن يسار المار إلى منى، له قلة مشرفة على الكعبة منحنية والغار في تلك الحنية وما أحسن ما قال رؤبة بن العجاج: فلا ورب الامنات القطن * ورب ركن من حراء منحني وقوله في الحديث: والتحنث التعبد، تفسير بالمعنى، وإلا فحقيقة التحنث من حيث البنية (5) فيما قاله السهيلي الدخول في الحنث ولكن سمعت ألفاظ قليلة في اللغة معناها الخروج من ذلك الشئ كحنث أي خرج من الحنث وتحوب وتحرج وتأنم وتهجد هو ترك الهجود وهو النوم للصلاة وتنجس وتقذر أوردها أبو شامة.
وقد سئل ابن الاعرابي عن قوله يتحنث أي يتعبد.
فقال: لا أعرف هذا إنما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام.
قال ابن هشام: والعرب تقول التحنث والتحنف يبدلون الفاء من الثاء، كما قالوا جدف وجذف كما قال رؤبة [ بن العجاج ]: (هامش 9) = والامام أحمد في مسنده 5 / 89.
(1) في سيرة ابن هشام: عبيدالله.
(2) في سيرة ابن هشام ودلائل البيهقي: جارية وهو الصواب.
(3) واعية: التاء فيه للمبالغة: أي حافظا.
من قولهم وعى العلم يعيه إذا حفظه.
(4) زيادة من دلائل البيهقي.
وفي ابن هشام: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف..(5) في الاصول ونسخ البداية المطبوعة: من حنث البنية وهو تحريف والصواب ما أثبتناه.
* لو كان أحجاري مع الاحذاف (1) * يريد الاجداث.
قال [ ابن هشام ]: وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول فم في موضع ثم.
قلت: ومن ذلك قول بعض المفسرين وفومها أن المراد ثومها.
وقد اختلف العلماء في تعبده عليه السلام قبل البعثة هل كان على شرع أم لا ؟ وما ذلك الشرع فقيل شرع نوح وقيل شرع إبراهيم.
وهو الاشبه الاقوى.
وقيل موسى، وقيل عيسى، وقيل كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به، ولبسط هذه الاقوال ومنا سباتها مواضع أخر في أصول الفقه والله أعلم.
وقوله حتى فجئه الحق وهو بغار حراء أي جاء بغتة على غير موعد كما قال تعالى: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك) [ النمل: 86 ] الآية.
وقد كان نزول صدر هذه السورة الكريمة وهي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) (2) وهي أول ما نزل من القرآن كما قررنا ذلك في التفسير وكما سيأتي أيضا في يوم الاثنين كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سئل عن صوم يوم الاثنين ؟ فقال: " ذاك يوم ولدت فيه، ويوم أنزل علي فيه " (3) وقال ابن عباس: ولد نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين (4).
وهكذا قال عبيد بن عمير وأبو جعفر الباقر وغير واحد من العلماء: إنه عليه الصلاة والسلام أوحى إليه يوم الاثنين، وهذا ما لا خلاف فيه بينهم.
__________
(1) في سيرة ابن هشام: الاجداف.
وزعم ابن جني أن جدف بالفاء لا يجمع على أجداف (أنظر الروض الآنف).
(2) أول سورة العلق.
قال صاحب الظلال: مطلع هذه السورة هو أول ما نزل من القرآن باتفاق، والروايات التي تذكر نزول غيرها ابتداء ليست وثيقة.
هذه البداية حادث ضخم بحقيقته وضخم بدلالته.
فدلالته: في أنه تعالى ذو الفضل الواسع بفيض من عطائه
ورحمته بلا سبب ولا علة.
ودلالته أن الله تعالى أكرم الانسان كرامة لا يكاد يتصورها.
وآثاره في حياة البشرية قد بدأت منذ اللحظة الاولى، في تحويل خط التاريخ، فقد تحددت الجهة التي يتطلع إليها الانسان ويتلقى عنها تصوراته وقيمه وموازينه.
هذه الحقيقة القرآنية الاولى التي تلقاها قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللحظة الاولى هي التي ظلت تصرف شعوره، ولسانه وعمله بعد ذلك طوال حياته بوصفها قاعدة الايمان الاولى.
8 / 618 باختصار.
(3) صحيح مسلم في 13 كتاب الصيام (36) باب حديث رقم 197 ومسند أحمد 5 / 297 - 299 السنن الكبرى للبيهقي 4 / 293.
(4) مسند أحمد ج 1 / 277 وهو في مجمع الزوائد 1 / 196 ونسبه لاحمد والطبراني في الكبير وقال: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح ".
ثم قيل: كان ذلك في شهر ربيع الاول، كما تقدم عن ابن عباس وجابر أنه ولد عليه السلام، وفي الثاني عشر من ربيع الاول يوم الاثنين وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء، والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان، كما نص على ذلك عبيد بن عمير، ومحمد بن إسحاق وغيرهما.
قال ابن إسحاق مستدلا على ذلك بما قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) [ البقرة: 185 ] فقيل في عشره.
وروى الواقدي بسنده عن أبي جعفر الباقر أنه قال: كان ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل في الرابع والعشرين منه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عمران، أبو العوام، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الاسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوارة لست مضين من رمضان، والانجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لاربع وعشرين خلت من رمضان " (1) وروى ابن مردويه في تفسيره عن جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه، ولهذا ذهب جماعة من الصحابة
والتابعين، إلى أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين.
وأما قول جبريل (اقرأ) فقال: " ما أنا بقارئ " فالصحيح أن قوله " ما أنا بقارئ " نفي أي لست ممن يحسن القراءة.
وممن رجحه النووي وقبله الشيخ أبو شامة.
ومن قال إنها استفهامية فقوله بعيد لان الباء لا تزاد في الاثبات (2).
ويؤيد الاول رواية أبي نعيم من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو خائف يرعد - " ما قرأت كتابا قط ولا أحسنه وما أكتب وما أقرأ " فأخذه جبريل فغته غتا شديدا.
ثم تركه فقال له: اقرأ.
فقال محمد صلى الله عليه وسلم: " ما أرى شيئا أقرأه، وما أقرأ، وما أكتب " يروى فغطني كما في الصحيحين وغتني ويروى قد غتني أي خنقني " حتى بلغ مني الجهد " يروى بضم الجيم وفتحها وبالنصب وبالرفع.
وفعل به ذلك ثلاثا.
قال أبو سليمان الخطابي: وإنما فعل ذلك به ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة، ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم وتأخذه الرحضاء أي البهر والعرق.
وقال غيره: إنما فعل ذلك لامور: منها أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إليه بعد هذا الصنيع المشق على النفوس.
كما قال تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) [ سورة المزمل: 5 ] ولهذا
__________
(1) مسند أحمد ج 4 / 107.
(2) قال الطيبي أنه إنما يفيد التقوية والتأكيد، والتقدير لست بقارئ البتة فإن قيل لم كرر ذلك أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا ما أنا بقارئ على الامتناع وثانيا على الاخبار بالنفي المحض وثالثا على الاستفهام ويؤيده قول أبي الاسود في مغازيه عن عروة أنه قال: كيف اقرأ وفي رواية ابن إسحاق ماذا أقرأ وفي دلائل البيهقي: كيف أقرأ.
وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية.
وحكى الاخفش جواز دخول الباء بداية - وهو شاذ -.
كان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الوحي يحمر وجهه ويغط كما يغط البكر من الابل ويتفصد جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد.
وقوله فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده.
وفي رواية: بوادره، جمع بادرة قال أبو عبيدة: وهي لحمة بين المنكب والعنق.
وقال غيره: هو عروق تضطرب عند الفزع وفي
بعض الروايات ترجف بآدله واحدتها بادلة.
وقيل بادل، وهو ما بين العنق والترقوة وقيل أصل الثدي.
وقيل لحم الثديين وقيل غير ذلك.
فقال: " زملوني زملوني " فلما ذهب عنه الروع قال لخديجة: " مالي ؟ أي شئ عرض لي ؟ " وأخبرها ما كان من الامر.
ثم قال: " لقد خشيت على نفسي " (1) وذلك لانه شاهد أمرا لم يهده قبل ذلك، ولا كان في خلده.
ولهذا قالت خديجة: ابشر، كلا والله لا يخزيك الله أبدا.
قيل من الخزي، وقيل من الحزن، وهذا لعلمها بما أجرى الله به جميل العوائد في خلقه أن من كان متصفا بصفات الخير لا يخزى في الدنيا ولا في الآخرة ثم ذكرت له من صفاته الجليلة ما كان من سجاياه الحسنة.
فقالت: إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث - وقد كان مشهورا بذلك صلوات الله وسلامه عليه عند الموافق والمفارق - وتحمل الكل.
أي عن غيرك تعطي صاحب العيلة ما يريحه من ثقل مؤنة عياله - وتكسب المعدوم أي تسبق إلى فعل الخير فتبادر إلى إعطاء الفقير فتكسب حسنته قبل غيرك.
ويسمى الفقير معدوما لان حياته ناقصة.
فوجوده وعدمه سواء كما قال بعضهم: ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الاحياء وقال أبو الحسن التهامي، فيما نقله عنه القاضي عياض في شرح مسلم: عد ذا الفقر ميتا وكساه * كفنا باليا ومأواه قبرا وقال الخطابي: الصواب (وتكسب المعدم) أي تبذل إليه أو يكون تكسب المعدم بعطيته (2)
__________
(1) قال القاضي عياض: ليس معناه الشك في أن ما أتاه من الله لكنه كأنه خشي أن لا يقوى على مقاومة هذا الامر.
وقال الحافظ ابن حجر: اختلف العلماء في المراد بالخشية على اثنى عشر قولا: الجنون - وهو باطل - الهاجس - وهو باطل أيضا.
الموت من شدة الرعب - المرض - دوام المرض - العجز عن حمل أعباء النبوة - العجز عن النظر إلى الملك من الرعب - عدم الصبر على أذى قومه - أن يقتلوه - مفارقة الوطن - تكذيبهم إياه - تعييرهم إياه.
قال: وأولى الاقوال وأسلمها من الارتياب الثالث واللذان بعده.
(2) في الاصول: أو يكون تلبس العدم بعطية: وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه من سيرة ابن كثير.
مالا يعيش به (1).
واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن المراد بالمعدوم ههنا المال المعطى، أي يعطى المال لمن هو عادمه.
ومن قال إن المراد أنك تكسب باتجارك المال المعدوم، أو النفيس القليل النظير، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما ليس له به علم، فإن مثل هذا لا يمدح به غالبا، وقد ضعف هذا القول عياض والنووي وغيرهما والله أعلم.
وتقري الضيف - أي تكرمه في تقديم قراه، وإحسان مأواه.
وتعين على نوائب الحق ويروى الخير، أي إذا وقعت نائبة لاحد في خير أعنت فيها، وقمت مع صاحبها حتى يجد سدادا من عيش أو قواما من عيش، وقوله: ثم أخذته فانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل.
وكان شيخا كبيرا قد عمي.
وقد قدمنا طرفا من خبره مع ذكر زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله.
وأنه كان ممن تنصر في الجاهلية ففارقهم وارتحل إلى الشام، هو وزيد بن عمرو وعثمان بن الحويرث، وعبيد الله بن جحش فتنصروا كلهم، لانهم وجدوه أقرب الاديان إذ ذاك إلى الحق، إلا زيد بن عمرو بن نفيل فإنه رأى فيه دخلا وتخبيطا وتبديلا وتحريفا وتأويلا.
فأبت فطرته الدخول فيه أيضا، وبشروه الاحبار والرهبان بوجود نبي قد أزف زمانه واقترب أوانه، فرجع يتطلب ذلك، واستمر على فطرته وتوحيده.
لكن اخترمته المنية قبل البعثة المحمدية (2).
وأدركها ورقة بن نوفل وكان يتوسمها في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا بما كانت خديجة تنعته له وتصفه له، وما هو منطو عليه من الصفات الطاهرة الجميلة وما ظهر عليه من الدلائل والآيات، ولهذا لما وقع ما وقع أخذت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت به إليه فوقفت به عليه.
وقالت: ابن عم اسمع من ابن أخيك، فلما قص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى قال ورقة: سبوح سبوح (3)، هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ولم يذكر عيسى وإن كان متأخرا بعد موسى، لانه كانت شريعته متممة ومكملة لشريعة موسى عليهما السلام، ونسخت بعضها على الصحيح من قول العلماء.
كما قال: (ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم) [ آل عمران: 50 ].
وقول ورقة هذا كما قالت الجن: (يا قومنا إنا
سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق إلى طريق مستقيم) [ الاحقاف: 30 ].
ثم قال ورقة: يا ليتني فيها جذعا.
أي يا ليتني أكون اليوم شابا متمكنا من الايمان والعلم النافع والعمل الصالح، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك يعني حتى أخرج معك وأنصرك ؟ فعندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو مخرجي هم ؟ " قال السهيلي وإنما قال ذلك، لان فراق الوطن شديد على النفوس، فقال: نعم ! إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي،
__________
(1) قال التيمي في شرح الكرماني: لم يصب الخطابي إذ حكم على اللفظة الصحيحة بالخطأ فإن الصواب ما اشتهر بين أصحاب الحديث ورواه الرواة.
1 / 37.
(2) تقدم أن زيد بن عمرو بن نفيل قد عادت عليه لخم فقتلوه وكان ذلك قبل المبعث.
راجع سيرة ابن هشام 1 / 244 وما بعدها.
(3) في سيرة ابن هشام: قدوس قدوس، أي طاهر طاهر.
وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا أي أنصرك نصرا عزيزا أبدا.
وقوله: " ثم لم ينشب ورقة أن توفي " أي توفي بعد هذه القصة بقليل (1) رحمه الله ورضي عنه، فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وجد وإيمان بما حصل من الوحي ونية صالحة للمستقبل.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا حسن، عن ابن لهيعة، حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة.
أن خديجة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل فقال: " قد رأيته فرأيت عليه ثياب بياض فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بياض ".
وهذا إسناد حسن لكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلا فالله أعلم وروى الحافظ أبو يعلى عن شريح بن يونس عن إسماعيل عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال: " قد رأيته فرأيت عليه ثياب بياض أبصرته في بطنان الجنة وعليه السندس ".
وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال: " يبعث يوم القيامة أمة وحده ".
وسئل عن أبي طالب فقال: " أخرجته من غمرة من جهنم إلى ضحضاح منها " وسئل عن خديجة لانها ماتت قبل الفرائض
وأحكام القرآن فقال: " أبصرتها على نهر في الجنة في بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب " (2) إسناد حسن ولبعضه شواهد في الصحيح والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين " (3) وكذا رواه ابن عساكر من حديث أبي سعيد الاشج عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة وهذا إسناد جيد.
وروي مرسلا وهو أشبه.
وروى الحافظان البيهقي وأبو نعيم في كتابيهما دلائل النبوة من حديث يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: " إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر ".
قالت: معاذ الله ما كان ليفعل ذلك بك فوالله إنك لتؤدي الامانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث.
فلما دخل أبو بكر وليس
__________
(1) قال ابن اسحاق في السيرة عن هشام بن عروة عن أبيه: 1 / 340 أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب وهو يقول: أحد أحد..وهذا يقتضي أن ورقة تأخر إلى زمن الدعوة وإلى أن دخل بعض الناس في الاسلام.
وعلق ابن حجر قال: فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح.
(2) روى الاحاديث عن جابر الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 416 وقال: رواه أبو يعلى وفيه مجالد وهذا مما مدح من حديث مجالد وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرج الحاكم جزءا منه وصححه في المستدرك 3 / 439 - 440.
(3) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 416 وقال: رواه البزار متصلا ومرسلا.
ورجال المسند والمرسل رجال الصحيح.
وروى عن اسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة فقال يبعث يوم القيامة أمة وحده.
قال: ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت له خديجة [ حديثه له ] فقالت: يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده أبو بكر.
فقال: انطلق بنا إلى ورقة قال: " ومن أخبرك ؟ " قال
خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد فانطلق هاربا في الارض ".
فقال له لا تفعل.
إذا أتاك فاثبت، حتى تسمع ما يقول لك ثم ائتني فأخبرني.
فلما خلا ناداه يا محمد قل: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين) حتى بلغ: " ولا الضالين) قل لا إله إلا الله.
فأتى ورقة فذكر له ذلك، فقال له ورقة: ابشر ثم ابشر.
فأنا أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وأنك على مثل ؟ موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا.
ولئن أدركني ذلك لاجاهدن معك.
فلما توفي [ ورقة ].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير، لانه آمن بي وصدقني " يعني ورقة.
هذا لفظ البيهقي (1) وهو مرسل وفيه غرابة وهو كون الفاتحة أول ما نزل وقد قدمنا من شعره ما يدل على إضماره الايمان وعقده عليه وتأكده عنده، وذلك حين أخبرته خديجة ما كان من أمره مع غلامها ميسرة وكيف كانت الغمامة تظلله في هجير القيظ.
فقال ورقة في ذلك أشعارا قدمناها قبل هذا، منها قوله: لججت وكنت في الذكرى لجوجا * لامر طالما بعث النشيجا (2) ووصف من خديجة بعد وصف * فقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين على رجائي * حديثك أن أرى منه خروجا بما خبرتنا من قول قس * من الرهبان أكره أن يعوجا بأن محمدا سيسود قوما * ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياء نور * يقيم به البرية أن تعوجا (3) فيلقى من يحاربه خسارا * ويلقى من يسالمه فلوجا فيا ليتي إذا ما كان ذاكم * شهدت وكنت أولهم ولوجا ولو كان الذي كرهت قريش * ولو عجت بمكتها عجيجا (4) أرجي بالذي كرهوا جميعا * إلى ذي العرش إذ سفلوا عروجا فإن يبقوا وأبق تكن أمور * يضج الكافرون لها ضجيجا (5)
__________
(1) الحديث في دلائل النبوة للبيهقي ج 1 / 158 - 159 وما بين معكوفين في الحديث من الدلائل.
وعلق البيهقي في آخر الحديث قال: فهذا منقطع، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها - أي سورة الفاتحة - بعدما نزلت عليه، اقرأ باسم ربك ويا أيها المدثر والله أعلم.
(2) في سيرة ابن هشام: لهم بدل لامر.
(3) في السيرة: إن تموجا بدل أن تعوجا.
(4) في السيرة: ولوجا في الذي كرهت قريش.
(5) في نسخ البداية المطبوعة يكن أمورا وهو تحريف والصواب اثبتناه من السيرة لابن هشام.
وقال أيضا في قصيدته الاخرى: وأخبار صدق خبرت عن محمد * يخبرها عنه إذا غاب ناصح (1) بأن ابن عبد الله أحمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الاباطح وظني به أن سوف يبعث صادقا * كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى له * بهاء ومنشور من الحق واضح (2) ويتبعه حيا لؤي بن غالب * شبابهم والاشيبون الجحاجح (3) فإن ابق حتى يدرك الناس دهره * فاني به مستبشر الود فارح وإلا فاني يا خديجة فاعلمي * عن أرضك في الارض العريضة سائح وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال ورقة: فان بك حقا يا خديجة فاعلمي * حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه وميكال معهما * من الله وحي يشرح الصدر منزل يفوز به من فاز فيها بتوبة * ويشقى به العاني الغرير المضلل (4) فريقان منهم فرقة في جنانه * وأخرى بأحواز الجحيم تعلل (5) إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت * مقامع في هاماتهم ثم تشعل (6)
فسبحان من يهوي الرياح بأمره * ومن هو في الايام ما شاء يفعل ومن عرشه فوق السموات كلها * واقضاؤه في خلقه لا تبدل
__________
(1) القصيدة في دلائل النبوة للبيهقي 1 / 127 وذكرها السهيلي في الروض الانف 1 / 127 وقال إنهما: من رواية يونس عن ابن اسحاق وقبله بيتان: أتبكر أم أنت العشية رائح * وفي الصدر من اضمارك الحزن فادح لغرقة قوم لا أحب فراقهم * كأنك عنهم بعد يومين نازح وبعده: بفتاك الذي وجهت يا خير حرة * بغور وبالنجدين حيث الصحاصح إلى سوق بصرى والركاب التي غدت * وهن من الاحمال مقص دوالح يخبرنا عن كل حبر بعلمه * وللحق أبواب لهن مفاتح (2) في الدلائل: من الذكر واضح.
(3) في الدلائل: لؤي جماعة.
(4) في دلائل البيهقي: ويشقى به العاني الغوي المضلل.
(5) في دلائل البيهقي: وأخرى بإخوان الجحيم تغلل وما أثبتناه مناسب أگثر.
(6) في دلائل البيهقي: في هاماتها بدل هاماتهم.
وقال ورقة أيضا: يا للرجال وصرف الدهر والقدر * وما لشئ قضاه الله من غير حتى خديجة تدعوني لاخبرها * أمرا أراه سيأتي الناس من أخر (1) وخبرتني بأمر قد سمعت به * فيما مضى من قديم الدهر والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره * جبريل انك مبعوث إلى البشر فقلت عل الذي ترجين ينجزه * لك الاله فرجي الخير وانتظري
وأرسليه إلينا كي نسائله * عن أمره ما يرى في النوم والسهر فقال حين أتانا منطقا عجبا * يقف منه أعالي الجلد والشعر إني رأيت أمين الله واجهني * في صورة أكملت من أعظم الصور (2) ثم استمر فكاد الخوف يذعرني * مما يسلم من حولي من الشجر فقلت ظني وما أدري أيصدقني * ان سوف يبعث يتلو منزل السور وسوف يبليك إن اعلنت دعوتهم * من الجهاد بلا من ولا كدر هكذا أورد ذلك الحافظ البيهقي من الدلائل وعندي في صحتها عن ورقة نظر والله أعلم (3).
وقال ابن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبيدالله (4) بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي - وكان واعية (5) - عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسر عنه البيوت (6) ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله (7).
قال فيلتفت حوله عن
__________
(1) في البيهقي: حتى خديجة تدعوني لاخبرها * وما لها بخفي الغيب من خبر جاءت لتسألني عنه لاخبرها * أمرا أراه سيأتي الناس من أخر (2) في الدلائل: أهيب بدل أعظم.
(3) قال البيهقي في إيراده الابيات: يزعمون أن ورقة قال، وفيه تشكيك لدى البيهقي في نسبتها لورقة.
(4) في نسخ البداية المطبوعة: عبد الله، وما أثبتنا - صوابا من سيرة ابن هشام.
(5) في نسخ البداية: داعية، والصواب اثبتناه في ابن هشام.
(6) في نسخة البداية المطبوعة: لحاجة أبعد حتى يحسر الثوب عنه، وهو تحريف واثبتنا الصواب من سيرة ابن هشام.
(7) قال السهيلي: الاظهر في هذا التسليم أن يكون حقيقة، وأن يكون الله أنطقه انطاقا كما خلق الحنين في
الجذع..إلى أن قال - ولو قدرت صفة قائمة بنفس الحجر والشجر والصوت عبارة عنه لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام والله أعلم أي ذلك كان: أكان كلاما مقرونا بحياة وعلم، فيكون الحجر به مؤمنا، أو =
يمينه وعن شماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة.
فمكث [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] كذلك يرى ويسمع، ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في [ شهر ] رمضان قال ابن إسحاق: وحدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد، كيف كان بدو ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين جاءه جبريل قال: فقال عبيد وأنا حاضر - يحدث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس -: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء في كل سنة شهرا بتحنث قال وكان ذلك مما يحبب به قريش في الجاهلية.
والتحنث التبرز.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره ذلك، كان أول ما يبدأ به، إذا انصرف من جواره، الكعبة، قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله [ تعالى ] به فيه ما أراد من كرامته، من السنة التي بعثه فيها وذلك الشهر [ شهر ] رمضان، خرج [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد به، جاءه جبريل بأمر الله تعالى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فجاءني [ جبريل ] وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب.
فقال اقرأ ؟ قلت ما أقرأ ؟ قال فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، [ قال ]: قلت ما أقرأ ؟ قال فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال اقرأ، قلت ما أقرأ ؟ قال فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني.
فقال اقرأ قلت: ماذا اقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتدا منه أن يعود لي بمثل ما صنع (1) بي فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم).
قال فقرأتها ثم انتهى وانصرف عني وهببت من نومي فكأنما كتب في قلبي كتابا (2).
قال فخرجت حتى
إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل.
فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فما أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا [ أعلى ] مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني.
وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة
__________
= كان صوتا مجردا غير مقترن بحياة، وفي كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوة.
(1) العبارة في الدلائل البيهقي: وما أقرأ وما أقولها إلا تنجيا أن يعود لي بمثل الذي صنع، وفي نسخ البداية المطبوعة: اقتداء وهو تحريف.
(2) زاد البيهقي: ولم يكن في خلق الله أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون فكنت لا أطيق أنظر إليهما..راجع دلائل النبوة ج 2 / 147 - 148.
فجلست إلى فخذها مضيفا (1) إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إلي.
ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت أبشر يا ابن العم وأثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لارجو أن تكون نبي هذه الامة.
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى، وأنه لنبي هذه الامة، وقولي له: فليثبت.
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الامة، ولقد جاءك الناموس الاكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لانصرن الله نصرا
يعلمه.
ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله " (2).
وهذا الذي ذكره عبيد بن عمير كما ذكرناه كالتوطئة لما جاء بعده من اليقظة كما تقدم من قول عائشة رضي الله عنها فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
ويحتمل أن هذا المنام كان بعد ما رآه في اليقظة صبيحة ليلتئذ ويحتمل أنه كان بعده بمدة والله أعلم.
وقال موسى بن عقبة: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: وكان فيما بلغنا أول ما رأى - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى أراه رؤيا في المنام، فشق ذلك عليه فذكرها لامرأته خديجة فعصمها الله عن التكذيب، وشرح صدرها للتصديق، فقالت: أبشر فإن الله لم يصنع بك إلا خيرا، ثم إنه خرج من عندها ثم رجع إليها فأخبرها أنه رأى بطنه شق ثم غسل وطهر، ثم أعيد كما كان، قالت: هذا والله خير فابشر، ثم استعلن له جبريل وهو بأعلى مكة فأجلسه على مجلس كريم معجب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك (3) فيه الياقوت واللؤلؤ فبشره برسالة الله عزوجل حتى اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل اقرأ فقال كيف اقرأ فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم).
قال: ويزعم ناس أن " يا أيها المدثر " أول سورة نزلت عليه والله أعلم.
قال فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه واتبع ما جاءه به جبريل من عند الله فلما انصرف منقلبا إلى بيته جعل لا يمر على شجر ولا حجر إلا سلم عليه فرجع إلى أهله مسرورا موقنا أنه قد رأى أمرا
__________
(1) مضيفا: أي ملتصقا، يقال أضفت إلى الرجل: إذا ملت نحوه ولصقت به.
(2) الخبر بطوله رواه ابن إسحاق في السيرة ج 1 / 250 وما بعدها.
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 2 / 146 وما بعدها.
وابن سعد في الطبقات 1 / 157 والذهبي في تاريخ الاسلام 2 / 71 والترمذي في المناقب 5 / 593 والدارمي في المقدمة، وأحمد في مسنده 5 / 89.
(3) الدرنوك: ستر له حمل وجمعه درانك .
عظيما فلما دخل على خديجة قال أرأيتك التي (1) كنت حدثتك أني رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن
إلي، أرسله إلي ربي عزوجل وأخبرها بالذي جاءه من الله وما سمع منه، فقالت: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا، وأقبل الذي جاءك من أمر الله فإنه حق وأبشر فإنك رسول الله حقا.
ثم انطلقت من مكانها فأتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس نصرانيا من أهل نينوى يقال له عداس، فقالت له: يا عداس أذكرك بالله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل فقال: قدوس قدوس، ما شأن جبريل يذكر بهذه الارض التي أهلها أهل الاوثان.
فقالت: أخبرني بعلمك فيه.
قال فإنه أمين الله بينه وبين النبيين وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام.
فرجعت خديجة من عنده فجاءت ورقة بن نوفل فذكرت له ما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما ألقاه إليه جبريل.
فقال لها ورقة: يا بنية أخي (2) ما أدري لعل صاحبك النبي الذي ينتظر أهل الكتاب الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل، وأقسم بالله لان كان إياه ثم أظهر دعواه وأنا حي لا بلين الله في طاعه رسوله وحسن مؤازرته للصبر والنصر.
فمات ورقة رحمه الله.
قال الزهري فكانت خديجة أول من آمن بالله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ البيهقي (3) بعد إيراده ما ذكرناه والذي ذكر فيه من شق بطنه، يحتمل أن يكون حكاية منه لما صنع به في صباه، يعني شق بطنه عند حليمة، ويحتمل أن يكون شق مرة أخرى ثم ثالثة حين عرج به إلى السماء والله أعلم.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة ورقة بإسناده إلى سليمان بن طرخان التيمي.
قال: بلغنا أن الله تعالى بعث محمدا رسولا على رأس خمسين سنة من بناء الكعبة وكان أول شئ اختصه به من النبوة والكرامة رؤيا كان يراها فقص ذلك على زوجته خديجة بنت خويلد فقالت له: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فبينما هو ذات يوم في حراء وكان يفر إليه من قومه إذ نزل عليه جبريل فدنا منه فخافه رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة شديدة فوضع جبريل يده على صدره ومن خلفه بين كتفيه.
فقال: اللهم احطط وزره، واشرح صدره، وطهر قلبه، يا محمد أبشر ! فإنك نبي هذه الامة.
اقرأ فقال له نبي الله: وهو خائف يرعد - ما قرأت كتابا قط، ولا أحسنه وما أكتب وما أقرأ فأخذه جبريل فغته غتا شديدا ثم تركه، ثم قال له اقرأ فأعاد عليه مثله فأجلسه على بساط كهيئة الدرنوك فرأى فيه من صفائه وحسنه كهيئة اللؤلؤ والياقوت وقال له: (إقرأ باسم ربك
الذي خلق) الآيات ثم قال له لا تخف يا محمد إنك رسول الله ثم انصرف وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم همه فقال كيف أصنع وكيف أقول لقومي ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خائف فأتاه
__________
(1) في دلائل البيهقي: الذي، وهو مناسب أكثر.
(2) الثابت أن خديجة ابنة عم ورقة، فهي بنت خويلد بن أسد وورقة بن نوفل بن أسد.
وما قوله: يا بنية أخي إلا دليلا على مدى احترامها وتقديرها له، والمكانة التي له في نفسها.
(3) دلائل النبوة ج 2 / 146.
جبريل من أمامه وهو في صعرته (1) فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا عظيما ملا صدره فقال له جبريل لا تخف يا محمد: جبريل رسول الله جبريل رسول الله إلى أنبيائه ورسله فأيقن بكرامة الله فإنك رسول الله فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمر على شجر ولا حجر إلا هو ساجد يقول السلام عليك يا رسول الله.
فاطمأنت نفسه وعرف كرامة الله إياه فلما انتهى إلى زوجته خديجة أبصرت ما بوجهه من تغير لونه فأفزعها ذلك، فقامت إليه فلما دنت منه جعلت تمسح عن وجهه وتقول لعلك لبعض ما كنت ترى وتسمع قبل اليوم، فقال يا خديجة: أرأيت الذي كنت أرى في المنام، والصوت الذي كنت أسمع في اليقظة وأهال منه فإنه جبريل قد استعلن لي وكلمني واقرأني كلاما فزعت منه ثم عاد إلي فأخبرني أني نبي هذه الامة، فأقبلت راجعا فأقبلت على شجر وحجارة فقلن السلام عليك يا رسول الله.
فقالت خديجة: أبشر فوالله لقد كنت أعلم أن الله لن يفعل بك إلا خيرا وأشهد أنك نبي هذه الامة الذي تنتظره اليهود، قد أخبرني به ناصح غلامي وبحيري الراهب، وأمرني أن أتزوجك منذ أكثر من عشرين سنة.
فلم تزل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طعم وشرب وضحك ثم خرجت إلى الراهب وكان قريبا من مكة فلما دنت منه وعرفها.
قال: مالك يا سيدة نساء قريش ؟ فقالت: أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل ؟ فقال: سبحان الله ربنا القدوس ما بال جبريل يذكر في هذه البلاد التي يعبد أهلها الاوثان جبريل أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله وهو صاحب موسى وعيسى، فعرفت كرامة الله لمحمد ثم أتت عبدا لعتبة بن ربيعة يقال له عداس
فسألته فأخبرها بمثل ما أخبرها به الراهب وأزيد.
قال: جبريل كان مع موسى حين أغرق الله فرعون وقومه، وكان معه حين كلمه الله على الطور، وهو صاحب عيسى بن مريم الذي أيده الله به.
ثم قامت من عنده فاتت ورقة بن نوفل فسألته عن جبريل فقال لها مثل ذلك ثم سألها ما الخبر فأحلفته أن يكتم ما تقول له فحلف لها فقالت له إن ابن عبد الله ذكر لي وهو صادق أحلف بالله ما كذب، ولا كذب أنه نزل عليه جبريل بحراء، وأنه أخبره أنه نبي هذه الامة، وأقرأه آيات أرسل بها.
قال: فذعر ورقة لذلك وقال لئن كان جبريل قد استقرت قدماه على الارض لقد نزل على خير أهل الارض، وما نزل إلا على نبي وهو صاحب الانبياء والرسل، يرسله الله إليهم وقد صدقتك عنه، فارسلي إلي ابن عبد الله أسأله وأسمع من قوله وأحدثه فإني أخاف أن يكون غير جبريل فإن بعض الشياطين يتشبه به ليضل به بعض بني آدم ويفسدهم حتى يصير الرجل بعد العقل الرضي مدلها مجنونا.
فقامت من عنده وهي واثقة بالله أن لا يفعل بصاحبها إلا خيرا فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال ورقة فأنزل الله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون) الآيات.
فقال لها: كلا والله إنه لجبريل فقالت له أحب أن تأتيه فتخبره لعل الله أن يهديه فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة هذا الذي جاءك جاءك في نور أو ظلمة ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة جبريل وما رآه من عظمته وما أوحاه إليه.
فقال ورقة:
__________
(1) صعرته: أي عظمته.
أشهد أن هذا جبريل وأن هذا كلام الله فقد أمرك بشئ تبلغه قومك وإنه لامر نبوة فإن أدرك زمانك أتبعك ثم قال أبشر أبن عبد المطلب بما بشرك الله به.
قال: وذاع قول ورقة وتصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على الملا من قومه قال وفتر الوحي.
فقالوا: لو كان من عند الله لتتابع ولكن الله قلاه فأنزل الله والضحى وألم نشرح بكمالهما.
وقال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس عن ابن إسحاق [ قال ]: حدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حدثه عن
خديجة بنت خويلد أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينه (1) مما أكرمه الله به من نبوته: يا ابن عم تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك.
فقال نعم ! فقالت: إذا جاءك فأخبرني.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها إذ جاء جبريل فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: يا خديجة ! هذا جبريل فقالت: أتراه الآن ؟ قال: نعم ! قالت: فاجلس إلى شقي الايمن، فتحول فجلس، فقالت أتراه الآن ؟ قال: نعم ! قالت فتحول فاجلس في حجري فتحول [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فجلس في حجرها فقالت هل تراه الآن ؟ قال: نعم ! فتحسرت رأسها فشالت (2) خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها فقالت هل تراه الآن ؟ قال: لا.
قالت ما هذا بشيطان إن هذا لملك يا ابن عم فاثبت وأبشر، ثم آمنت به وشهدت أن ما جاء به هو الحق.
قال ابن إسحاق: فحدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث، فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها فذهب عندك ذلك جبريل عليه السلام.
قال البيهقي: وهذا شئ كان من خديجة تصنعه (3) تستثبت به الامر احتياطا لدينها وتصديقا.
فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان [ قد ] وثق بما قال له جبريل وأراه من الآيات التي ذكرناها مرة بعد أخرى، وما كان من تسليم الشجر والحجر عليه صلى الله عليه وسلم (4) تسليما.
وقد قال مسلم في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني
__________
(1) في دلائل البيهقي: تثبته.
(2) في البيهقي: فألقت.
(3) في البيهقي: كانت خديجة - رضي الله عنها - تصنعه.
(4) زاد البيهقي: وما كان من إجابة الشجر لدعائه وذلك بعدما كذبه قومه وشكاهم إلى جبريل عليه السلام فأراد أن يطيب قلبه.
الحديث أخرجه أبو نعيم في الدلائل ص 172 و 174.
والبيهقي في دلائله ج 2 / 151 - 152.
لاعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لاعرفه الآن " (1).
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت.
إني لاعرفه إذا مررت عليه " (2).
وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، عن عباد بن عبد الله، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله (3).
وفي رواية لقد رأيتني أدخل معه [ يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ] الوادي فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليكم يا رسول الله.
وأنا أسمعه.
فصل قال البخاري في روايته المتقدمة ثم فتر الوحي حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.
وفي الصحيحين (4) من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: سمعت أبا سلمة عبد الرحمن، يحدث عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء [ والارض ] فجثيت منه فرقا حتى هويت إلى الارض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني فأنزل الله: (يا أيها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) [ المدثر: 1 - 5 ] قال ثم حمي الوحي وتتابع فهذا كان أول ما نزل من القرآن بعد فترة
__________
(1) تقدم تخريجه فليراجع.
(2) رواه الترمذي في المناقب (5 / 593) والدارمي في المقدمة وأحمد في مسند 5 / 89 وابن سعد في الطبقات 1 / 157، وابن هشام في السيرة 1 / 252 - 253.
(3) دلائل النبوة للبيهقي ج 2 / 153 - 154 وأخرجه الترمذي في 50 كتاب المناقب حديث 3626 وفيه: " عباد بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب " وقال: هذا حديث غريب.
(4) البخاري في 65 كتاب التفسير (4) باب فتح الباري 8 / 678 و (5) باب.
ومسلم في 1 كتاب الايمان (73) باب بدء الوحي حديث 253 وحديث 255.
صحيح مسلم 1 / 143.
وأخرجه الترمذي في تفسير سورة المدثر.
وأحمد في مسنده 3 / 325.
- فترة الوحي: يعني احتباسه وعدم تتابعه وتواليه في النزول.
فجثيت، هكذا بالاصول وفي الطبري: فجثثت وفي رواية: فجثثت.
وفي البخاري فرعبت، وفي مسلم فجثثت: أي فزعت وخفت كما في نهاية غريب الحديث.
الوحي لا مطلقا (1)، ذاك قوله: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وقد ثبت عن جابر أن أول ما نزل (يا أيها المدثر) واللائق حمل كلامه ما أمكن على ما قلناه فإن في سياق كلامه ما يدل على تقدم مجئ الملك الذي عرفه ثانيا بما عرفه به أولا إليه.
ثم قوله: يحدث عن فترة الوحي دليل على تقدم الوحي على هذا الايحاء والله أعلم.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث علي بن المبارك وعند مسلم والاوزاعي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن أي القرآن أنزل قبل ؟ فقال: (يا أيها المدثر) فقلت (واقرأ باسم ربك) فقال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل فقال (يا أيها المدثر) فقلت (واقرأ باسم ربك) فقال [ أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت، فنظرت بين يدي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فلم أر شيئا ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء فأخذتني رعدة - أو قال وحشة - فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني فأنزل الله: (يا أيها المدثر) حتى بلغ (وثيابك فطهر) (2) - وقال في رواية - فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والارض فجثيت منه " وهذا صريح في تقدم إتيانه إليه وإنزاله الوحي من الله عليه كما ذكرناه والله أعلم.
ومنهم زعم أن أول ما نزل بعد
فترة الوحي سورة: (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) إلى آخرها.
قاله محمد بن إسحاق.
وقال بعض القراء: ولهذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولها فرحا وهو قول بعيد يرده ما تقدم من رواية صاحبي الصحيح من أن أول القرآن نزولا بعد فترة الوحي: (يا أيها المدثر قم فأنذر) ولكن نزلت سورة والضحى بعد فترة أخرى كانت ليالي يسيرة كما ثبت في الصحيحين (3) وغيرهما من حديث الاسود بن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي، قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثا فقالت امرأة ما أرى شيطانك إلا تركك فأنزل الله: (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) وبهذا الامر حصل الارسال إلى الناس وبالاول حصلت النبوة.
وقد قال بعضهم كانت مدة الفترة قريبا من سنتين أو سنتين ونصفا، والظاهر والله أعلم أنها المدة التي اقترن معه ميكائيل كما قال الشعبي وغيره، ولا ينفي هذا تقدم إيحاء جبريل إليه أولا: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) ثم اقترن به جبريل بعد نزول: (يا أيها المدثر قم فأنذر
__________
(1) أي أن أول ما نزل مطلقا هو اقرأ.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه 1 كتاب الايمان حديث 257 / 1 / 144.
وفيه: أخذتني رجفة شديدة: قال القاضي: ورواه، السمرقندي وجفة، والمعنى الاضطراب.
وأخرجه البخاري في 65 كتاب التفسير (74) باب حديث 4922 وأعاده في تفسير سورة العلق عن سعيد بن مروان في قصة فتور الوحي.
وفي كتاب بدء الخلق.
ورواه الطبري في تاريخه 2 / 20 8 دار القاموس الحديث.
(3) أخرجه البخاري في أبواب التهجد الحديث 1125 فتح الباري 3 / 8 وفي 65 كتاب التفسير الحديث 4950 فتح الباري 8 / 710 وأخرجه مسلم في الصحيح 1 / 143.
وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) وثم حمي الوحي بعد هذا وتتابع - أي تدارك شيئا بعد شئ - وقام حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة أتم القيام وشمر عن ساق العزم ودعا إلى الله القريب والبعيد، والاحرار والعبيد، فآمن به حينئذ كل لبيب نجيب سعيد، واستمر على مخالفته وعصيانه كل جبار عنيد، فكان أول من بادر إلى التصديق من الرجال الاحرار أبو بكر الصديق، ومن
الغلمان علي بن أبي طالب، ومن النساء خديجة بنت خويلد زوجته عليه السلام، ومن الموالي مولاه زيد بن حارثه الكلبي رضي الله عنهم وأرضاهم (1).
وتقدم الكلام على إيمان ورقة بن نوفل بما وجد من الوحي ومات في الفترة رضي الله عنه.
فصل في منع الجان ومردة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن لئلا يختطف أحدهم منه ولو حرفا واحدا فيلقيه على لسان وليه فيلتبس الامر ويختلط الحق فكان من رحمة الله وفضله ولطفه بخلقه أن حجبهم عن السماء كما قال الله تعالى إخبارا عنهم في قوله: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا.
وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا، وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا) [ الجن: 8 - 10 ].
وقال تعالى: (وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون) [ الشعراء: 210 - 211 ].
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد - وهو الطبراني - حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعا فأما الكلمة فتكون حقا وأما ما زادوا فتكون باطلا، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لابليس ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك فقال لهم إبليس هذا لامر قد حدث في الارض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي بين جبلين فأتوه فأخبروه فقال: هذا الامر الذي قد حدث في
__________
(1) قال الطبري: اختلف السلف فيمن اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدقه.
بعد زوجته خديجة، فقال بعضهم كان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام.
2 / 210 ونقل عن الواقدي قال: اجتمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة أيهم أسلم أول.
2 / 215.
وقال ابن إسحاق: أسلم علي وكتم إسلامه ولم يظهره قريبا من شهر
وقال القرظي أول من أظهر الاسلام أبو بكر وكان علي يكتم إسلامه..(أنظر الطبري 2 / 210 وما بعدها ودلائل سيرة ابن هشام 1 / 262 - البيهقي 2 / 160 وما بعدها).
الارض (1).
وقال أبو عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: [ ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم ] (2) انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا ما لكم ؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما ذاك إلا من شئ حدث (3) فاضربوا مشارق الارض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا: (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) [ الجن: 2 ] فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: (قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن) [ أول سورة الجن ] الآية.
أخرجاه في الصحيحين (4) وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قال: إنه لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقاعد للسمع فإذا نزل الوحي سمعت الملائكة صوتا كصوت الحديدة ألقيتها على الصفا (5)، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجدا فلم يرفعوا رؤسهم حتى ينزل، فإذا نزل قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم ؟ فإن كان مما يكون في السماء قالوا الحق وهو العلي الكبير، وإن كان مما يكون في الارض من أمر الغيب أو موت أو شئ مما يكون في الارض تكلموا به فقالوا يكون كذا وكذا فتسمعه الشياطين فينزلونه على أوليائهم فلما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم دحروا بالنجوم فكان أول من علم بها ثقيف فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه فيذبح كل يوم شاة، وذا الابل فينحر كل يوم بعيرا فأسرع الناس في أموالهم فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا فإن كانت النجوم التي يهتدون بها وإلا فإنه لامر حدث فنظروا فإذا النجوم التي يهتدى بها كما هي لم يزل منها شئ فكفوا وصرف الله الجن فسمعوا القرآن فلما حضروه قالوا:
انصتوا وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه.
فقال: هذا حدث حدث في الارض فأتوني من كل أرض بتربة فأتوه بتربة تهامة (6) فقال ههنا الحدث.
ورواه البيهقي والحاكم من طريق حماد بن (هامش 26) (1) أخرجه أحمد في مسنده.
(2) من صحيح مسلم.
ولم ترد العبارة في البحاري.
(3) العبارة في دلائل البيهقي: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شئ حدث.
(4) صحيح البخاري: 65 كتاب التفسير تفسير سورة الجن فتح الباري 8 / 669.
صحيح مسلم في 4 كتاب الصلاة 33 باب ح 149 ص: 1 / 3331.
وأخرجه الترمذي في تفسير سورة الجن وقال: حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في سننه في كتاب التفسير.
(5) في البيهقي: صوت كإمرار السلسلة على الصفوان.
(6) في البيهقي: بتربة مكة رواه البيهقي بتغيير في التعابير والالفاظ في الدلائل ج 2 / 240 - 241.
سلمة عن عطاء بن السائب.
وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن عمر بن عبدان العبسي، عن كعب قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بها فرأت قريش أمرا لم تكن تراه فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم يظنون أنه الفناء، فبلغ ذلك من فعلهم أهل الطائف ففعلت ثقيف مثل ذلك فبلغ عبد ياليل بن عمرو ما صنعت ثقيف.
قال: ولم فعلتم ما أرى ؟ قالوا رمى بالنجوم فرأيناها تهافت من السماء فقال: إن إفادة المال بعد ذهابه شديد فلا تعجلوا وانظروا: فإن تكن نجوما تعرف فهو عندنا من فناء الناس وإن كانت نجوما لا تعرف فهو لامر قد حدث فنظروا فإذا هي لا تعرف فأخبروه فقال الامر فيه مهلة بعد هذا عند ظهور نبي.
فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم عليهم أبو سفيان بن حرب إلى أمواله فجاء عبد ياليل فذاكره أمر النجوم فقال أبو سفيان: ظهر محمد بن عبد الله يدعي أنه نبي مرسل، فقال عبد
ياليل فعند ذلك رمى بها.
وقال سعيد بن منصور عن خالد عن (1) حصين عن عامر الشعبي.
قال: كانت النجوم لا يرمى بها حتى بعث [ الله ] (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فرمي بها ] (2) صلى الله عليه وسلم فسيبوا أنعامهم وأعتقوا رقيقهم.
فقال عبد ياليل: أنظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي (3) عند فناء الناس وإن كانت لا تعرف فهو لامر قد حدث فنظروا فإذا هي لا تعرف.
قال: فأمسكوا فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاءهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى البيهقي والحاكم من طريق العوفي (4) عن ابن عباس قال: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه.
فلعل مراد من نفى ذلك أنها لم تكن تحرس حراسة شديدة ويجب حمل ذلك على هذا لما ثبت في الحديث من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس [ في نفر من أصحابه ] (5) إذ رمى بنجم فاستنار فقال: " ما كنتم تقولون (6) إذا رمى بهذا ؟ " قال كنا نقول مات عظيم، وولد عظيم فقال: " لا ولكن ".
فذكر الحديث كما تقدم عند خلق السماء وما فيها من الكواكب في أول بدء الخلق ولله الحمد (7).
وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة قصة رمي النجوم وذكر عن كبير ثقيف أنه قال لهم في النظر
__________
(1) في نسخ البداية المطبوعة " بن " وهو تحريف وما أثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي حيث نقل الخبر.
(ج 2 / 241).
(2) من دلائل النبوة.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: " فهو " وهو تحريف، وأثبتنا ما في الدلائل.
(4) في دلائل البيهقي 2 / 241: قال أخبرنا محمد بن سعد بن محمد العوفي، قال حدثني أبي، قال: حدثني عمر الحسين بن الحسن بن عطية قال: حدثني أبي عن أبيه عطية بن سعد عن ابن عباس.
(5) ما بين معكوفين استدركت من الدلائل.
(6) أي ما كنتم تقولون في الجاهلية ؟ (7) راجع الحديث في سيرة ابن هشام ج 1 / 220.
وتفسير قوله (لا ولكن).
في النجوم: إن كانت أعلام السماء أو غيرها ولكن سماه عمرو بن أمية (1) فالله أعلم.
وقال السدي لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الارض نبي أو دين لله ظاهر وكانت الشياطين قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في سماء الدنيا يستمعون ما يحدث في السماء من أمر فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا رجموا ليلة من الليالي، ففزع لذلك أهل الطائف.
فقالوا: هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب فجعلوا يعتقون أرقاءهم، ويسيبون مواشيهم.
فقال لهم عبد ياليل بن عمرو بن عمير: ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء وإنما هو من ابن أبي كبشة، وإن أنتم لم تروها فقد أهلك أهل السماء فنظروا فرأوها فكفوا عن أموالهم وفزعت الشياطين في تلك الليلة فأتوا إبليس فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب فأتوه فشم فقال صاحبكم بمكة فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا مكة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام (2) يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصا على القرآن حتى كادت كلا كلهم تصيبه ثم أسلموا فأنزل الله أمرهم على نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح عن ابن أبي حكيم - يعني إسحاق - عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح كل صنم منكسا فأتت الشياطين فقالوا له ما على الارض من صنم إلا وقد أصبح منكسا، قال هذا نبي قد بعث فالتمسوه في قرى الارياف فالتمسوه فقالوا: لم نجده، فقال: أنا صاحبه فخرج يلتمسه فنودي عليك بجنبة الباب - يعني مكة - فالتمسه بها فوجده بها عند قرن الثعالب فخرج إلى الشياطين فقال: إني قد وجدته معه جبريل فما عندكم ؟ قالوا: نزين الشهوات في عين أصحابه ونحبها إليهم قال: فلا آسى إذا.
وقال الواقدي حدثني طلحة بن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين من السماء ورموا بالشهب فجاؤا إلى إبليس فذكروا ذلك له فقال: أمر قد حدث هذا نبي قد خرج عليكم بالارض المقدسة مخرج بني إسرائيل، قال: فذهبوا إلى الشام ثم رجعوا إليه فقالوا ليس بها أحد فقال إبليس أنا صاحبه فخرج في طلبه بمكة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء منحدرا معه جبريل فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه
جبريل فما عندكم ؟ قالوا: الدنيا نحببها إلى الناس قال فذاك إذا.
قال الواقدي: وحدثني طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس.
قال: كانت الشياطين يستمعون الوحي فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعوا فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: لقد حدث أمر فرقي فوق أبي قبيس - وهو أول جبل وضع على وجه الارض - فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي خلف المقام.
فقال: اذهب فاكسر عنقه.
فجاء يخطر وجبريل عنده، فركضه جبريل ركضة طرحه في كذا وكذا فولى الشيطان هاربا.
ثم
__________
(1) نقل الخبر ابن سعد في الطبقات 1 / 163 عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الاخنس، وفيه عمرو بن أمية.
(2) في دلائل البيهقي من رواية عطية بن سعد عن ابن عباس: ببطن نخلة.
والخبر في سبل الهدى والرشاد 2 / 267.
رواه الواقدي وأبو أحمد الزبيري كلاهما عن رباح بن أبي معروف، عن قيس بن سعد، عن مجاهد فذكر مثل هذا وقال فركضه برجله فرماه بعدن.
فصل في كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقدم كيفية ما جاءه جبريل في أول مرة، وثاني مرة أيضا وقال مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال: " أحيانا يأتيني مثل صلصلة (1) الجرس - وهو أشده علي - - فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا يكلمني فأعي ما يقول ".
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وأن جبينه ليتفصد عرقا أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك به (2) ؟ ورواه الامام أحمد عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة به نحوه.
وكذا رواه عبدة بن سليمان وأنس بن عياض عن هشام بن عروة، وقد رواه أيوب السختياني عن هشام عن أبيه عن الحارث بن هشام أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كيف يأتيك الوحي ؟ فذكره، ولم يذكر عائشة.
وفي حديث الافك قالت
عائشة: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه.
فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه كان يتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات من ثقل الوحي الذي نزل عليه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرني يونس بن سليم، قال: أملى علي يونس بن يزيد، عن ابن شهاب عن عروة عن (3) عبد الرحمن بن عبدالقاري سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل،
__________
(1) في نسخة البداية المطبوعة صلصلة وهو تحريف، وما أثبتنا من صحيح البخاري.
(2) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي 2 باب حديث 2 فتح الباري 1 / 14.
ومسلم في 43 كتاب الفضائل 23 باب ح 87 ص 1817.
ومالك في الموطأ في 15 كتاب القرآن 4 باب.
- صلصلة الجرس: في الاصل: صوت وقوع الحديد بعضه على بعض.
وقال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.
وقيل هو صوت حفيف أجنحة الملك.
- فيفصم عني، وعند مسلم: ثم يفصم عني.
قال الخطابي: " قال العلماء: الفصم هو القطع من غير إبانة.
وأما القصم فهو القطع مع الابانة والانفصال.
ومعنى الحديث: ان الملك يفارقة على أن يعود، ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود ".
(3) في نسخ البداية المطبوعة: عروة بن عبد الرحمن وهو تحريف، وفي دلائل البيهقي: عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن.
وذكر تمام الحديث (1) في نزول: (قد أفلح المؤمنون) وكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرزاق، ثم قال النسائي: منكر لا نعرف أحدا رواه غير يونس بن سليم، ولا نعرفه (2).
وفي صحيح مسلم وغيره من حديث الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كربه ذلك وتربد وجهه - وفي رواية وغمض عينيه - وكنا نعرف ذلك منه (3).
وفي الصحيحين حديث زيد بن ثابت حين نزلت: (لا
يستوى القاعدون من المؤمنين) فلما شكى ابن أم مكتوم ضرارته نزلت: (غير أولى الضرر) (4).
قال وكانت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي وأنا أكتب فلما نزل الوحي كادت فخذه ترض فخذي.
وفي صحيح مسلم من حديث همام بن يحيى، عن عطاء، عن يعلى بن أمية.
قال: قال لي عمر: أيسرك أن تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يوحى إليه ؟ فرفع طرف الثوب عن وجهه وهو يوحى إليه بالجعرانة، فإذا هو محمر الوجه.
وهو يغط كما يغط البكر.
وثبت في الصحيحين من حديث عائشة لما نزل الحجاب، وأن سودة خرجت بعد ذلك إلى المناصع ليلا، فقال عمر: قد عرفناك يا سودة.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته وهو جالس يتعشى والعرق في يده، فأوحى الله إليه والعرق في يده، ثم رفع رأسه فقال: " إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن ".
فدل هذا على أنه لم يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية، بدليل أنه جالس ولم يسقط العرق أيضا من يده صلوات الله وسلامه دائما عليه.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا عباد بن منصور، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي تربد لذلك جسده ووجهه وأمسك عن أصحابه ولم يكلمه أحد منهم.
وفي مسند أحمد وغيره من حديث ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو قلت: يا
__________
(1) تمام الحديث في مسند أحمد ج 1 / 34.
(2) عبارة النسائي: لا أعرفه، والمعنى هنا يقتضي إدخال الترمذي فيه، والحديث رواه الترمذي في جامعه 4 / 151 - 152 وقال: من سمع عبد الرزاق قديما فإنهم يذكرون فيه عن يونس بن يزيد وبعضهم لا يذكر فيه عن يزيد بن يونس ومن ذكر فيه يونس بن يزيد فهو أصح ".
ويونس " الصنعاني " ذكره ابن حبان في الثقات، قال في التهذيب عن النسائي: ثقة.
وصحح الحديث الحاكم ووافقه الذهبي وهذا دليل على توثيق يونس بن سليم الذي روى عن يونس بن يزيد.
(3) صحيح مسلم في 43 كتاب الفضائل 23 باب ح 88 ص 4 / 1817، وأعاده مسلم في 29 كتاب الحدود 3 باب ح 13 ص 3 / 1316.
وأخرجه أحمد في مسنده 5 / 317 - 318 - 331 - 337.
- تريد وجهه: يعني تغير وعلته غبرة وإنما حصل ذلك لعظم موقع الوحي وشدته.
(4) رواه الهيثمي عن زيد بن أرقم في مجمع الزوائد 7 / 9 وقال رواه الطبراني ورجاله ثقات.
ورواه أيضا عن ابن عباس وفيه: أنها في قوم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغزون معه لاسقام وأمراض وأوجاع وآخرون أصحاء..فكان المرضى في عذر من الاصحاء وقال: رواه الطبراني من طريقين ورجال أحدهما ثقات.
رسول الله هل تحس بالوحي ؟ قال: " نعم اسمع صلاصل ثم أثبت عند ذلك، وما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيظ منه ".
وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب، حدثنا أبي عن خاله العليان بن عاصم.
قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه، وكان إذا أنزل عليه دام بصره وعيناه مفتوحة، وفرغ سمعه وقلبه، لما يأتيه من الله عزوجل (1).
وروى أبو نعيم من حديث قتيبة، حدثنا علي بن غراب، عن الاحوص بن حكيم، عن أبي عوانة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صدع وغلف رأسه بالحناء.
هذا حديث غريب جدا.
وقال الامام أحمد حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو معاوية سنان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد.
قالت: إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة (2).
وقد رواه أبو نعيم من حديث الثوري عن ليث بن أبي سليم به.
وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني جبر بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو قال: أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها (3).
وروى ابن مردويه من حديث صباح بن سهل عن عاصم الاحول: حدثتني أم عمرو عن عمها أنه كان في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه سورة المائدة، فاندق عنق الراحلة من ثقلها.
وهذا غريب من هذا الوجه.
ثم قد ثبت في الصحيحين نزول سورة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية، وهو على راحلته، فكان يكون تارة وتارة بحسب الحال والله أعلم (4).
وقد ذكرنا أنواع
الوحي إليه صلى الله عليه وسلم في أول شرح البخاري وما ذكره الحليمي وغيره من الائمة رضي الله عنهم.
فصل قال الله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه) [ القيامة: 16 - 19 ] وقال تعالى: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علما) [ طه: 114 ] وكان هذا في الابتداء، كان عليه السلام من شدة حرصه على أخذه من الملك ما يوحى إليه عن الله عزوجل ليساوقه في التلاوة، فأمره الله
__________
(1) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 9 عن الغلبان بن عاصم.
وقال رواه أبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني بنحوه، ورجال أبي يعلى ثقات.
(2) رواه ؟ الهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 13 وقال: وفي رواية رواه أحمد والطبراني وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد ولق.
(3) رواه الهيثمي وقال: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة والاكثر على ضعفه وقد يحسن حديثه، وبقية رجاله ثقات.
(4) أخرج الحديث البخاري في صحيحه في 65 كتاب التفسير، الحديث 4833 فتح الباري 8 / 582 عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه مسلم عن أنس في 32 كتاب الجهاد والسير 34 باب حديث 97 ص 1413.
تعالى أن ينصت لذلك حتى يفرغ من الوحي، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسر عليه تلاوته وتبليغه، وأن يبينه له، ويفسره ويوضحه ويوقفه على المراد منه.
ولهذا قال: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما) وقال: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه) أي في صدرك (وقرآنه) أي وأن تقرأه (فإذا قرأناه) أي تلاه عليك الملك (فاتبع قرآنه) أي فاستمع له وتدبره (ثم إن علينا بيانه) وهو نظير قوله (وقل رب زدني علما).
وفي الصحيحين من حديث موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه، فأنزل الله (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه: (فإذا قرأناه فاتبع
قرآنه) فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) قال فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عزوجل (1).
فصل قال ابن إسحاق: ثم تتابع الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو [ مؤمن بالله ] مصدق بما جاءه منه، قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله - على رضا العباد وسخطهم - وللنبوة أثقال ومؤنة، لا يحملها ولا يستضلع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل، بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس، وما يرد عليهم مما جاؤا به عن الله عزوجل فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أمر الله، على ما يلقى من قومه من الخلاف والاذى.
قال ابن إسحاق: وآمنت خديجة بنت خويلد وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدقت بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن رسوله [ صلى الله عليه وسلم ]، لا يسمع شيئا [ مما ] يكرهه من رد عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها وأرضاها.
قال ابن إسحاق: وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر [ بن أبي طالب رضي الله عنه ].
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نضب ".
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث هشام (2).
قال ابن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي 1 / 4 وفي كتاب التوحيد 9 / 187 من طريق قتيبة بن سعيد.
وأخرجه مسلم في 4 كتاب الصلاة 32 باب ح 148 ص 1 / 330.
والترمذي مختصرا في كتاب التفسير 5 / 430 وقال حسن صحيح.
والنسائي في الافتتاح 2 / 149.
وابن حبان في صحيحه في (2) كتاب الوحي ح (39).
- (ثم إن علينا بيانه): أي تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام قاله قتادة.
كما جاء في تفسير القرطبي 19 / 106.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام ج 1 / 257.
وما بين معكوفتين في الخبر زيادة من السيرة.
والحديث هنا مرسل، وقد =
هشام: القصب هاهنا اللؤلؤ المجوف.
قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر جميع ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله.
وقال موسى بن عقبة عن الزهري: كانت خديجة أول من آمن بالله وصدق رسوله، قبل أن تفرض الصلاة.
قلت: يعني الصلوات الخمس ليلة الاسراء.
فأما أصل الصلاة فقد وجب في حياة خديجة رضي الله عنها كما سنبينه.
وقال ابن إسحاق: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به.
ثم أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وهو بأعلى مكة ] (1) حين افترضت عليه الصلاة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت له عين من ماء زمزم (2)، فتوضأ جبريل ومحمد عليهما السلام، ثم صلى (3) ركعتين وسجد أربع سجدات، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله، فأخذ يد خديجة حتى أتى بها إلى العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، ثم كان هو وخديجة يصليان سرا (4).
قلت: صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبين له أوقات الصلوات الخمس، أولها وآخرها، فإن ذلك كان بعد فرضيها ليلة الاسراء، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله وبه الثقة، وعليه التكلان.
__________
(1) = أخرجاه عن هشام عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكره لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين، ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب.
أخرجه البخاري في 63 كتاب المناقب 20 باب حديث 3817 وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 71، 72، 73.
والامام أحمد في مسنده 6 / 58، 202، 279).
(1) ما بين معكوفين سقطت من نسخ البداية المطبوعة ومن دلائل البيهقي واستدركت من سيرة ابن هشام.
ج 1 / 263 من طريق يونس بن بكير.
(2) في دلائل البيهقي: مزن.
(3) في دلائل البيهقي: صليا.
وسجدا.
(4) الخبر في سيرة ابن هشام بألفاظ وتعابير مختلفة، حافظت على سياق معنى ما أثبتناه.
وقال السهيلي: هذا الحديث مقطوع في السيرة، ومثله لا يكون أصلا في الاحكام الشرعية، ولكنه قد روي مسندا إلى زيد بن حارثة يرفعه، غير أن هذا الحديث المسند يدور على ابن لهيعة، وقد ضعفه ولم يخرجا عنه (البخاري ومسلم).
وقال السهيلي: " وذكر المزني أن الصلاة قبل الاسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها ويشهد لهذا القول قوله سبحانه (وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار) وقد قال بهذا طائفة من السلف منهم ابن عباس.
فصل أول من أسلم من متقدمي الاسلام والصحابة وغيرهم قال ابن إسحاق: ثم إن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - جاء بعد ذلك بيوم وهما يصليان.
فقال علي يا محمد ما هذا ؟ قال دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وإلى عبادته.
وأن تكفر باللات والعزى.
فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب.
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره.
فقال له: يا علي إذا لم تسلم فاكتم.
فمكث علي تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب علي الاسلام، فأصبح غاديا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال ماذا عرضت علي يا محمد ؟ فقال.
له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر بالات والعزى، وتبرأ من الانداد " ففعل علي وأسلم، ومكث يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم علي إسلامه ولم يظهره، وأسلم ابن حارثة - يعني زيدا - فمكثا قريبا من شهر يختلف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مما أنعم الله به على علي أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام (1).
قال ابن إسحاق: حدثني ابن أبي نجيح عن مجاهد (2).
قال: وكان مما أنعم الله به على علي [ ومما صنع الله له، وأراده به من الخير ] أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس - وكان من أيسر بني هاشم - " يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة (3)، فانطلق [ بنا إليه ] حتى نخفف عنه من عياله "...فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه، فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فاتبعه علي وآمن به وصدقه (4).
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني
__________
(1) نقل الخبر عن ابن اسحاق البيهقي في دلائله 2 / 161 وقال محققه في هامشه " في سيرة ابن هشام " ولم أجده في ابن هشام بنصه.
(2) وهو مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي المقري مولى السائب بن أبي السائب روى عن علي وسعد بن أبي وقاص والعبادلة الاربعة.
مولده سنة 21 ه ووفاته سنة 104 ه.
وورد في دلائل البيهقي: مجاهد بن مجاهد بن جبر.
وهو خطأ.
وفي الطبري: مجاهد بن جبر أبي الحجاج (تهذيب التهديب - كاشف الذهبي ج 3).
(3) الازمة: الشدة.
هنا سنة القحط.
(4) الخبر في الطبري 2 / 213 دار القاموس - وسيرة ابن هشام 1 / 264.
وما بين معكوفين زيادة استدركت من الطبري وابن هشام.
يحيى بن أبي الاشعث الكندي - من أهل الكوفة - حدثني إسماعيل بن أبي إياس (1) بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف - وكان عفيف أخا الاشعث بن قيس لامه - أنه قال: كنت امرءا تاجرا فقدمت منى أيام الحج، وكان العباس بن عبد المطلب امرءا تاجرا، فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال فبينا نحن [ عنده ] إذ خرج رجل من خباء فقام يصلي تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت [ معه ] تصلي، وخرج غلام فقام يصلي معه.
فقلت: يا عباس ما هذا الدين ؟ إن هذا الدين ما ندري ما هو فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله [ به ]، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه،
وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به.
قال عفيف: فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون ثانيا (2).
وتابعه إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق، وقال: في الحديث: إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر إلى السماء فلما رآها قد مالت قام يصلي.
ثم ذكر قيام خديجة وراءه.
وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا سعيد بن خثيم عن أسد بن عبدة البجلي عن يحيى بن عفيف [ عن عفيف ] قال: جئت زمن الجاهلية إلى مكة، فنزلت على العباس بن عبد المطلب، فلما طلعت الشمس وحلقت في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة، أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه، فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فخر الشاب ساجدا فسجدا معه، فقلت يا عباس أمر عظيم ! فقال أمر عظيم.
فقال أتدري من هذا ؟ فقلت لا، فقال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، أتدري من الغلام ؟ قلت لا.
قال هذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أتدري من هذه المرأة التي خلفهما ؟ قلت لا، قال هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي.
وهذا حدثني أن ربك رب السماء والارض أمره بهذا الذي تراهم عليه، وايم الله ما أعلم على ظهر الارض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.
وقال ابن جرير حدثني ابن حميد حدثنا عيسى بن سوادة بن أبي الجعد (3) حدثنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو حازم والكلبي.
قالوا: علي أول من أسلم.
قال الكلبي: أسلم وهو ابن تسع سنين.
وحدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق.
قال: أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدقه علي بن
__________
(1) في الطبري والبيهقي بن إياس.
(2) في الطبري ودلائل البيهقي: ثالثا.
وهو مناسب أكثر، وفي رواية أخرى في الطبري: رابعا.
والخبر نقله الطبري في تاريخه 2 / 212 والبيهقي في دلائلة 2 / 163 وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير عن علي بن المديني، والحاكم في المستدرك وقال: " هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي.
ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد، وأبو يعلى بنحوه، والطبراني بأسانيده ورجال أحمد
ثقات 9 / 103.
وما بين معكوفتين في الحديث زيادة من الطبري.
(3) في الطبري: بن الجعد، بدل ابن أبي الجعد، وكلاهما صواب كما في تقريب التهذيب 1 / 339.
أبي طالب، وهو ابن عشر سنين وكان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام (1).
قال الواقدي أخبرنا إبراهيم عن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
قال: أسلم علي وهو ابن عشر سنين قال الواقدي: وأجمع أصحابنا على أن عليا أسلم بعد ما تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة (2).
وقال محمد بن كعب: أول من أسلم من هذه الامة خديجة وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وأسلم علي قبل أبي بكر، وكان علي يكتم إيمانه خوفا من أبيه، حتى لقيه أبوه قال اسلمت ؟ قال: نعم ! قال وازر ابن عمك وانصره.
قال: وكان أبو بكر الصديق أول من أظهر الاسلام (3).
وروى ابن جرير في تاريخه من حديث شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس.
قال: أول من صلى علي.
وحدثنا عبد الحميد بن يحيى (4) حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر.
قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء وروى من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة - رجل من الانصار - سمعت زيد بن أرقم يقول: أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب قال فذكرته للنخعي فأنكره.
وقال: أبو بكر أول من أسلم.
ثم قال: حدثنا عبيدالله بن موسى حدثنا العلاء بن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله سمعت عليا يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الاكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت قبل الناس بسبع سنين وهكذا رواه ابن ماجه عن محمد بن إسماعيل الرازي عن عبيدالله بن موسى الفهمي - وهو شيعي من رجال الصحيح - عن العلاء بن صالح الازدي الكوفي - وثقوه، ولكن قال أبو حاتم: كان من عتق الشيعة - وقال علي بن المديني روى أحاديث مناكير والمنهال بن عمرو ثقة.
وأما شيخه عباد بن عبد الله - وهو الاسدي الكوفي - فقد قال فيه علي بن المديني هو ضعيف الحديث، وقال البخاري فيه نظر.
وذكره ابن حبان في الثقات، وهذا الحديث منكر بكل حال، ولا يقوله علي رضي الله عنه، وكيف يمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين ؟ هذا لا يتصور أصلا
والله أعلم.
وقال آخرون: أول من أسلم من هذه الامة أبو بكر الصديق، والجمع بين الاقوال كلها أن خديجة أول من أسلم من النساء وظاهر السباقات - وقيل الرجال أيضا - وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة، وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب.
فإنه كان صغيرا دون البلوغ على المشهور، وهؤلاء كانوا إذ ذاك أهل البيت.
وأول من أسلم من الرجال الاحرار أبو بكر الصديق، وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدم ذكرهم إذ كان صدرا معظما، ورئيسا في قريش
__________
(1) الخبر في الطبري 1 / 213 وسيرة ابن هشام 1 / 262.
(2) الطبري 2 / 214.
(3) نقل الخبر البيهقي في الدلائل 2 / 163.
(4) في الطبري: ابن بحر.
أبو بلج: بفتح أوله وسكون اللام بعدها جيم، الفزاري، الكوفي ثم الواسطي الكبير اسمه يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم أو ابن أبي الاسود، صدوق.
تقريب التهذيب 2 / 401.
مكرما، وصاحب مال، وداعية إلى الاسلام.
وكان محببا متألفا (1) يبذل المال في طاعة الله ورسوله كما سيأتي تفصيله.
قال يونس عن ابن إسحاق ثم إن أبا بكر الصديق لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد ؟ من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آبائنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى إني رسول الله ونبيه، بعثني لابلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته " وقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر.
فأسلم وكفر بالاصنام، وخلع الانداد وأقر بحق الاسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما دعوت أحدا إلى الاسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه (2) حين ذكرته، ولا تردد فيه " (3) عكم - أي تلبث - وهذا الذي ذكره ابن إسحاق في
قوله فلم يقر ولم ينكر، منكر فإن ابن إسحاق وغيره ذكروا أنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وكان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه، ما يمنعه من الكذب على الخلق.
فكيف يكذب على الله ؟ ولهذا بمجرد ما ذكر له إن الله أرسله بادر إلى تصديقه ولم يتلعثم، ولا عكم وقد ذكرنا كيفية إسلامه في كتابنا الذي أفردناه في سيرته وأوردنا فضائله وشمائله واتبعنا ذلك بسيرة الفاروق أيضا وأوردنا ما رواه كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاحاديث، وما روي عنه من الآثار والاحكام والفتاوى، فبلغ ذلك ثلاث مجلدات ولله الحمد والمنة.
وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي الدرداء في حديث ما كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الخصومة وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق.
وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " مرتين.
فما أوذي بعدها، وهذا كالنص على أنه أول من أسلم رضي الله عنه وقد روى الترمذي وابن حبان من حديث شعبة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن ابي سعيد.
قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الست أحق الناس بها، ألست أول من أسلم، ألست صاحب كذا (4) ؟ وروى ابن عساكر من طريق بهلول بن عبيد حدثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث سمعت عليا يقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق، وأول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب.
وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق.
رواه أحمد والترمذي والنسائي
__________
(1) في ابن هشام: مألفا، والمألف الذي يألفه الانسان.
(2) في دلائل البيهقي: عتم منه.
(3) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي 2 / 163 - 164 عن ابن اسحق، ولم أجد نص الحديث في سيرة ابن هشام، إنما الجزء الاخير منه، قال: وكان رسول الله يقول فيما بلغني.
(4) في جامع الترمذي 50 كتاب المناقب 16 باب ح 3667.
من حديث شعبة وقال الترمذي حسن صحيح وقد تقدم رواية ابن جرير لهذا الحديث من طريق
شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: أول من أسلم علي بن أبي طالب.
قال عمرو بن مرة فذكرته لابراهيم النخعي فأنكره وقال أول من أسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وروى الواقدي بأسانيده عن أبي أروى الدوسي وأبي مسلم بن عبد الرحمن في جماعة من السلف أول من أسلم أبو بكر الصديق.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو بكر الحميدي حدثنا سفيان بن عيينة عن مالك بن مغول عن رجل قال سئل ابن عباس من أول من آمن ؟ فقال: أبو بكر الصديق، أما سمعت قول حسان: إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فأذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أوفاها وأعدلها * بعد النبي وأولاها بما حملا والتالي الثاني المحمود مشهده * وأول الناس منهم صدق الرسلا عاش حميدا لامر الله متبعا * بأمر صاحبه الماضي وما انتقلا وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شيخ لنا عن مجالد عن عامر قال سألت ابن عباس - أو - سئل ابن عباس - أي الناس أول إسلاما ؟ قال: أما سمعت قول حسان بن ثابت فذكره وهكذا رواه الهيثم بن عدي عن مجالد عن عامر الشعبي سألت ابن عباس فذكره (1).
وقال أبو القاسم البغوي حدثني سريج بن يونس حدثنا يوسف بن الماجشون قال أدركت مشيختنا منهم محمد بن المنكدر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وصالح بن كيسان، وعثمان بن محمد، لا يشكون أن أول القوم إسلاما أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قلت: وهكذا قال إبراهيم النخعي ومحمد بن كعب ومحمد بن سيرين وسعد بن إبراهيم وهو المشهور عن جمهور أهل السنة.
وروى ابن عساكر عن سعد بن أبي وقاص ومحمد بن الحنفية أنهما قالا: لم يكن أولهم إسلاما، ولكن كان أفضلهم إسلاما.
قال سعد: وقد آمن قبله خمسة.
وثبت في صحيح البخاري من حديث همام بن الحارث عن عمار بن ياسر.
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد، وامرأتان، وأبو بكر (2).
وروى الامام أحمد وابن ماجه من حديث عاصم بن أبي النجود عن زر عن ابن مسعود (3) قال: أول من أظهر الاسلام سبعة
__________
(1) نقل الخبر الطبري في تاريخه 2 / 214، وذكر الابيات ما عدا البيت الرابع ورواه الهيثمي في زوائده 9 / 43 وقال: رواه الطبراني وفيه الهيثم بن عدي وهو متروك (2) رواه البخاري في كتاب المناقب باب في فضل أبي بكر، وفي باب إسلام أبي بكر.
ورواه البيهقي في الدلائل من طريقين عن عمار 2 / 167.
(3) الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من وجه فيه زيادة وبنفس الاسناد 3 / 384 وقال: صحيح الاسناد، ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (11) باب في فضائل أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد.
وهكذا رواه الثوري عن منصور عن مجاهد مرسلا.
فأما ما رواه ابن جرير قائلا: أخبرنا ابن حميد حدثنا كنانة بن حبلة (1) عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص.
قال: قلت لابي: أكان أبو بكر أولكم إسلاما قال: لا ! ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ولكن كان أفضلنا إسلاما.
فإنه حديث منكر إسنادا ومتنا.
قال ابن جرير وقال آخرون: كان أول من أسلم زيد بن حارثة، ثم روى من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب، سألت الزهري من أول من أسلم من النساء ؟ قال خديجة، قلت فمن الرجال ؟ قال زيد بن حارثة.
وكذا قال عروة وسليمان بن يسار وغير واحد أول من أسلم من الرجال زيد بن حارثة.
وقد أجاب أبو حنيفة رضي الله عنه بالجمع بين هذه الاقوال بأن أول من أسلم من الرجال الاحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
قال محمد بن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه دعا إلى الله عزوجل، وكان أبو
بكر رجلا مألفا لقومه محببا (2) سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر.
وكان رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الامر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
فجعل يدعو إلى الاسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم على يديه - فيما بلغني - الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر.
فعرض عليهم الاسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الاسلام فآمنوا (3)، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا [ الناس ] (4) في الاسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله.
وقال محمد بن عمر الواقدي حدثني الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان الوالبي، عن إبراهيم بن محمد بن أبي طلحة (5)، قال: قال طلحة بن
__________
= رسول الله صلى الله عليه وسلم ح 150.
وأحمد في مسنده 1 / 440.
وذكره الهيثمي في زوائده وقال: " إسناده ثقات ".
(1) في الطبري: ابن جبلة.
والخبر في تاريخه 2 / 215.
(2) من سيرة ابن هشام والطبري، وفي نسخ البداية المطبوعة والاصول: محبا.
(3) العبارة في الطبري وسيرة ابن هشام: فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا.
(4) سقطت من الاصل والطبري، واستدركت من سيرة ابن هشام.
(5) في دلائل البيهقي وابن سعد: ابن طلحة.
عبيدالله: حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل [ هذا ] الموسم أفيهم رجل من أهل الحرم ؟ قال طلحة: قلت: نعم أنا، فقال هل ظهر أحمد بعد ؟ قلت ومن أحمد ؟ قال ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الانبياء مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه.
قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعا حتى قدمت مكة فقلت هل كان من حديث (1) ؟ قالوا: نعم محمد بن عبد الله الامين قد تنبأ، وقد اتبعه أبو بكر بن أبي قحافة.
قال فخرجت حتى قدمت على أبي بكر،
فقلت اتبعت هذا الرجل ؟ قال نعم فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق، فأخبره طلحة بما قال الراهب.
فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول صلى الله عليه وسلم فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب فسر [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] بذلك.
فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية - وكان يدعى أسد قريش - فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم اكفنا شر ابن العدوية " رواه البيهقي (2) وقال الحافظ أبو الحسن خيثمة بن سليمان الاطرابلسي حدثنا عبيدالله بن محمد بن عبد العزيز العمري قاضي المصيصة حدثنا أبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن إسحاق بن محمد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيدالله حدثني أبي عبيد الله حدثني عبد الله [ بن محمد ] بن عمران بن ابراهيم بن محمد بن طلحة قال حدثني أبي محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج أبو بكر يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له صديقا في الجاهلية، فلقيه فقال يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني رسول الله ادعوك إلى الله " فلما فرغ كلامه أسلم أبو بكر فانطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الاخشبين أحد أكثر سرورا منه بإسلام أبي بكر، ومضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص فأسلموا، ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة بن عبد الاسد والارقم بن أبي الارقم فأسلموا رضي الله عنهم.
قال عبد الله بن محمد فحدثني أبي، محمد بن عمران، عن القاسم بن محمد عن عائشة، قالت: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال: " يا أبا بكر إنا قليل " فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما
__________
(1) في البيهقي وابن سعد: حدت.
وهو مناسب أكثر.
(2) الخبر في ابن سعد ج 3 / 215 - 216 ودلائل البيهقي ج 2 / 166 - 167.
لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه وجاء بنو تيم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب.
فتكلم آخر النهار فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لامه أم الخير (1) أنظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت والله مالي علم بصاحبك.
فقال إذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟ فقالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك قالت نعم.
فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا (2)، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت والله إن قوما نالوا هذا منك لاهل فسق وكفر، وإني لارجو أن ينتقم الله لك منهم.
قال فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت هذه أمك تسمع، قال فلا شئ عليك منها، قالت سالم صالح.
قال أين هو ؟ قالت في دار ابن الارقم، قال فإن لله على أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فامهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة.
فقال أبو بكر بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار.
قال فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت، وأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا (3)، وقد كان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر (4)، ودعا رسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب - أو لابي جهل بن
هشام - فأصبح عمر وكانت الدعوة يوم الاربعاء فأسلم عمر يوم الخميس (5)، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أم الخير: أم أبي بكر، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.
(2) رواه ابن عساكر في تهذيبه عن عائشة.
وروى ابن هشام في السيرة عن عبد الله بن عمرو بن العاص يذكر الاذى الذي لحق النبي صلى الله عليه وسلم من قومه إلى أن قال: وحدثني بعض إلى أم كلثوم بنت أبي بكر أنها قالت: لقد رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه مما حبذوه بلحيته، وكان رجلا كثير الشعر.
1 / 310.
(3) ذكر أسماءهم ابن إسحاق في السيرة 1 / 269 - 280 وكانوا 54 ما بين ذكر وأنثى.
(4) قال ابن سعد في الطبقات: نال أبو جهل وعدي بن الحمراء وابن الاصداء من النبي صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك حمزة، فدخل المسجد فضرب رأس أبي جهل بالقوس وأسلم حمزة فعز به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وذلك بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أرقم في السنة السادسة من النبوة.
(5) في طبقات ابن سعد: كانت الدعوة ليلة الاثنين، فجاء عمر من الغد بكرة فأسلم في دار الارقم.
3 / 242 وعن سعيد بن المسيب قال: أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة.
وقال ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشرة امرأة.
وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلا مكة، وخرج أبو الأرقم - وهو أعمى كافر - وهو يقول: اللهم اغفر لبني عبيد الارقم فإنه كفر، فقام عمر فقال يا رسول الله على ما نخفي ديننا ونحن على الحق ويظهر دينهم وهم على الباطل ؟ قال: " يا عمر إنا قليل قد رأيت ما لقينا " فقال عمر: فوالذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الايمان، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهي تنتظره، فقال أبو جهل بن هشام: يزعم فلان أنك صبوت ؟ فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله.
فوثب المشركون إليه، ووثب على عتبة فبرك عليه وجعل يضربه، وأدخل إصبعه في عينيه، فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ بشريف ممن دنا منه، حتى أعجز الناس.
واتبع المجالس التي كان يجالس فيها فيظهر الايمان، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم.
قال ما
عليك بأبي وأمي والله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الايمان غير هائب ولا خائف، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر مؤمنا، ثم انصرف إلى دار الارقم ومعه عمر، ثم انصرف عمر وحده، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أن عمر إنما أسلم بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة وذلك في السنة السادسة من البعثة كما سيأتي في موضعه إن شاء الله.
وقد استقصينا كيفية إسلام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتاب سيرتهما على انفرادها، وبسطنا القول هنالك ولله الحمد.
وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي (1) رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة، وهو حينئذ مستخف، فقلت ما أنت ؟ قال أنا نبي، فقلت وما النبي ؟ قال رسول الله، قلت الله أرسلك ؟ قال: نعم قلت بما أرسلك ؟ قال بأن تعبد الله وحده لا شريك له وتكسر الاصنام، وتوصل الارحام.
قال: قلت: نعم ما أرسلك به، فمن تبعك على هذا ؟ قال حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا - قال: فكان عمرو يقول: لقد رأيتني وأنا ربع الاسلام.
قال فأسلمت، قلت: فأتبعك يا رسول الله ؟، قال لا ولكن إلحق بقومك، فإذا أخبرت أني قد خرجت فاتبعني " (2)، ويقال إن معنى قوله عليه السلام حر وعبد اسم جنس وتفسير ذلك بأبي بكر وبلال فقط فيه نظر، فإنه قد كان جماعة قد أسلموا قبل عمرو بن عبسة وقد كان زيد بن حارثة أسلم قبل بلال أيضا فلعله أخبر أنه ربع الاسلام بحسب علمه فإن المؤمنين كانوا إذا ذاك يستسرون بإسلامهم لا يطلع على أمرهم كثير أحد من قراباتهم دع الاجانب دع أهل البادية من الاعراب والله أعلم.
وفي صحيح البخاري من طريق أبي أسامة عن هاشم بن هاشم (هامش 42) (1) عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة الامام الامير أبو نجيح السلمي البجلي، أحد السابقين كان يقال هو ربع الاسلام وكان من امراء الجيش يوم اليرموك ترجمته في الاصابة، طبقات ابن سعد 4 / 214 تهذيب التهذيب 8 / 69.
(2) أخرجه مسلم في 6 كتاب صلاة المسافرين وقصرها (52) باب.
ح 294 ص 569.
عن سعيد بن المسيب قال سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الاسلام " (1).
أما قوله ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه فسهل، ويروي إلا في اليوم الذي أسلمت فيه وهو مشكل، إذ يقتضي أنه لم يسبقه أحد بالاسلام.
وقد علم أن الصديق وعليا وخديجة وزيد بن حارثة أسلموا قبله، كما قد حكى الاجماع على تقدم إسلام هؤلاء غير واحد، منهم ابن الاثير.
ونص أبو حنيفة رضي الله عنه على أن كلا من هؤلاء أسلم قبل أبناء جنسه والله أعلم.
وأما قوله ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الاسلام فمشكل وما أدري على ماذا يوضع عليه إلا أن يكون أخبر بحسب ما علمه والله أعلم (2).
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله - وهو ابن مسعود - قال: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة.
فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين - فقال - أو فقالا - عندك يا غلام لبن تسقينا ؟ قلت إني مؤتمن، ولست بساقيكما فقال هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد ؟ قلت نعم ! فأتيتهما بها فأعتقلها أبو بكر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة متقعرة، فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني، ثم قال للضرع أقلص فقلص، فلما كان بعد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت علمني من هذا القول (3) الطيب - يعني القرآن - فقال: " إنك غلام معلم " فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد.
وهكذا رواه الامام أحمد عن عفان عن حماد بن سلمة به.
ورواه الحسن بن عرفة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجودبه (4).
وقال
__________
(1) أخرجه البخاري في 62 كتاب فضائل الصحابة (15) باب فتح الباري 7 / 73.
(2) قال الصالحي في السيرة الشامية 2 / 411: قال الحافظ: قال ذلك سعد بحسب إطلاعه والسبب فيه أنه من كان أسلم في ابتداء الامر كان يخفي اسلامه ولعله أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر أو النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقد كانت خديجة أسلمت قطعا فلعله خص الرجال.
ويحتمل قول سعد على الاحرار البالغين ليخرج الاعبد المذكورون (في حديث عمار) وعلي رضي الله عنه أو لم يكن اطلع على أولئك.
ويدل على هذا الاخير أنه وقع عند الاسماعيلي من رواية يحيى بن سعيد الاموي عن هاشم بلفظ: ما أسلم أحد قبلي.
وهذا مقتضى رواية الاصيلي وهي مشكلة لانه قد أسلم قبله جماعة لكن يحتمل ذلك على مقتضى ما كان اتصل بعلمه حينئذ.
وفي المعرفة لابن منده: ما أسلم أحد في اليوم الذي اسلمت فيه، وهذا لا إشكال فيه إذ لا مانع أن يشاركه أحد في الاسلام يوم أسلم.
ورواه الخطيب مثل رواية ابن منده فأثبت فيه (إلا) كبقية الروايات فتعين الحمل على ما قلته.
راجع فتح الباري ج 7 / 67 - 68 دار إحياء التراث العربي بيروت.
(3) في دلائل البيهقي: المقول.
(4) نقل الخبر من طريقيه البيهقي في دلائل النبوة ج 2 / 171 - 172 وأحمد في مسنده ج 1 / 379 والفسوي في المعرفة والتاريخ ج 2 / 537.
البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله بن بطة الاصبهاني، حدثنا الحسن بن الجهم [ قال ]: حدثنا الحسين بن الفرج [ قال ] حدثنا محمد بن عمر [ قال ] حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن أبيه - أو عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان -.
قال: كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديما وكان أول إخوته أسلم.
وكان بدء إسلامه أنه رأى في المنام أنه وقف به على شفير النار، فذكر من سعتها ما الله أعلم به.
ويرى في النوم كأن آت (1) أتاه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بحقويه لا يقع، ففزع من نومه، فقال أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق، فلقي أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له، فقال [ أبو بكر ] أريد بك خيرا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه فإنك ستتبعه وتدخل معه في الاسلام، والاسلام يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها.
فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد، فقال يا رسول الله يا محمد إلى ما تدعو ؟ قال: " أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع، ولا يضر، ولا يبصر، ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لا يعبده ".
قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وتغيب خالد وعلم
أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه فأتى به.
فأنبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه.
وقال: والله لامنعنك القوت: فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكرمه ويكون معه (2).
إسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني رجل (3) ممن أسلم - وكان واعية - أن أبا جهل اعترض (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه [ والتضعيف لامره ]، فذكر ذلك لحمزة بن عبد المطلب، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها ضربة شجه منها شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، وقالوا ما نراك يا حمزة إلا قد صبوت ؟ قال حمزة ومن يمنعني وقد استبان لي منه ما أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين.
فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع فكفوا عما كانوا يتناولون منه.
وقال حمزة في ذلك شعرا (5).
__________
(1) في الدلائل: أباه.
(2) الخبر في دلائل النبوة ج 2 / 172 و 173 وما بين معكوفين من الدلائل.
(3) من سيرة ابن هشام ودلائل البيهقي، وفي نسخ البداية المطبوعة: ممن وهو تحريف.
(4) في سيرة ابن هشام: مر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيهقي فكالاصل.
(5) لم يذكره ابن هشام ولا ابن سعد، وذكر السهيلي في الروض الآنف قطعة له منها:
قال ابن إسحاق: ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان فقال: أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك، للموت خير لك مما صنعت.
فأقبل حمزة على نفسه وقال: ما صنعت اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان، حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: يا ابن أخي إني قد
وقعت في أمر ولا أعرف المخرج منه، وأقامة مثلي على ما لا أدري ما هو أرشد أم هو غي شديد ؟ فحدثني حديثا فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ووعظه، وخوفه وبشره، فألقى الله في قلبه الايمان بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: أشهد أنك الصادق شهادة الصدق، فأظهر يا ابن أخي دينك فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء، وأني على ديني الاول.
فكان حمزة ممن أعز الله به الدين.
وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير به (1).
ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [ قال ]: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، [ قال ]: حدثنا الحسين بن محمد بن زياد [ قال ]: حدثنا عبد الله بن الرومي، حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك بن الوليد، عن مالك (2) بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر.
قال: كنت ربع الاسلام، أسلم قبلي ثلاثة نفر وأنا الرابع، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (3)، فرأيت الاستبشار في وجه الله صلى الله عليه وسلم.
هذا سياق مختصر (4).
وقال البخاري
__________
= حمدت الله حين هدى فؤادي * إلى الاسلام والدين الحنيف لدين جاء من رب عزيز * خبير بالعباد بهم لطيف إذا تليت رسائله علينا * تحدر دمع ذي اللب الحصيف رسائل جاء أحمد من هداها * بآيات مبينة الحروف وأحمد مصطفى فينا مطاع * فلا تغسوه بالقول الضعيف فلا والله نسلمه لقوم * ولما نقض فيهم بالسيوف (1) قصة اسلام حمزة في سيرة ابن هشام 1 / 311 - 312 ببعض تغيير، ودلائل البيهقي ج 2 / 213 وطبقات ابن سعد ج 3 / 9.
(2) في دلائل البيهقي: ملك، وهو تحريف والصواب ما أثبتناه، وهو مالك بن مرثد ذكره العجلي في الثقات.
(كاشف الذهبي 3 / 102).
(3) في دلائل البيهقي: عبده ورسوله، بدلا من رسول الله.
(4) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي 2 / 212.
وما بين معكوفين من الدلائل.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 3 / 341 والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 327.
إسلام أبي ذر: حدثنا عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن المثنى عن أبي حمزة عن ابن عباس.
قال لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء.
فاسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الآخر حتى قدمه وسمع من كلامه، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الاخلاق وكلاما ما هو بالشعر.
فقال ما شفيتني مما أردت.
فتزود وحمل شنة فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل اضطجع فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه فمر به علي فقال أما آن للرجل يعلم منزله فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى إذا كان يوم الثالث فعاد على مثل ذلك فأقام معه فقال ألا تحدثني بالذي أقدمك ؟ قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت.
ففعل فأخبره.
قال فإنه حق وانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، وإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري " فقال والذي بعثك بالحق لاصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلا صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم قام فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس فأكب عليه فقال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام.
فأنقذه منهم.
ثم عاد من الغد بمثلها فضربوه وثاروا
إليه فأكب العباس عليه هذا لفظ البخاري.
وقد جاء إسلامه مبسوطا في صحيح مسلم وغيره فقال الامام أحمد حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت [ قال ]: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار - وكان يحلون الشهر الحرام - أنا وأخي أنيس وأمنا فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا له: إنك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس.
فجاء خالنا فنثى ما قيل له (1) فقلت له: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لنا فيما بعد.
قال: فقربنا صرمتنا (2) فاحتملنا عليها وتغطى خالنا بثوبه وجعل يبكي، قال: فانطلقنا حتى نزلنا حضرة مكة، قال: فنافر أنيس من صرمتنا وعن مثلها (3)، فاتيا الكاهن فخير أنيسا.
فأتانا بصرمتنا
__________
(1) في دلائل البيهقي: فنثا علينا ما قيل له: معناه - كما في النهاية - أظهره إلينا وحدثنا به.
(2) الصرمة هي القطعة من الابل وتطلق أيضا على القطعة من الغنم.
(3) نافر: من المنافرة وهي المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر ثم يتحاكما إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا - وفي الشعر - أيهما أشعر.
هنا تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك فالافضل أخذ الصرمتين.
وكان الحكم:
ومثلها [ معها، قال ]: وقد صليت يابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، قال: قلت: لمن ؟ قال لله، قلت: فأين توجه ؟ قال حيث وجهني الله.
قال وأصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل الفيت كأني خفاء (1) حتى تعلوني الشمس قال فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فألقني حتى آتيك قال فانطلق فراث (2) علي، ثم أتاني فقلت ما حبسك ؟ قال: لقيت رجلا يزعم أن الله أرسله على دينك، قال فقلت ما يقول الناس له ؟ قال يقولون (3) إنه شاعر وساحر، وكان أنيس شاعرا.
قال فقال لقد سمعت الكهان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على إقراء الشعر فوالله ما يلتئم لسان أحد أنه شعر، ووالله إنه لصادق وإنهم لكاذبون.
قال: فقلت له هل أنت كافي حتى انطلق ؟ قال نعم ! وكن من أهل مكة على حذر فانهم قد شنعوا له وتجهموا له.
قال فانطلقت حتى
قدمت مكة فتضعفت (4) رجلا منهم فقلت أين هذا الرجل الذي يدعونه الصابئ ؟ قال: فأشار إلى [ الصابئ ] (5) فمال أهل الوادي علي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي، ثم ارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم فشربت من مائها، وغسلت عني الدم، ودخلت بين الكعبة وأستارها، فلبثت به يابن أخي ثلاثين من يوم وليلة، مالي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني (6) وما وجدت على كبدي سخفة (7) جوع قال فبينا أهل مكة في ليلة قمراء أضحيان وضرب الله على أشحمة (8) أهل مكة فما يطوف بالبيت غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إساف ونائلة.
فقلت: انكحوا أحدهما الآخر فما ثناهما ذلك، فقلت وهن مثل الخشبة (9) غير أني لم أركن (10).
قال: فانطلقتا يولولان ويقولان لو كان ههنا أحد من أنفارنا، قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل فقال مالكما ؟ فقالتا الصابئ بين الكعبة وأستارها قالا: ما قال لكما ؟ قالتا: قال لنا كلمة تملا الفم، قال وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه حتى استلم الحجر وطاف بالبيت، ثم صلى.
قال فأتيته فكنت أول من حياه بتحية أهل الاسلام.
فقال: " عليك السلام ورحمة الله من أنت ؟ " قال قلت من غفار، قال: فأهوى بيده
__________
= كاهنا فحكم لانيس بأنه الافضل - وهو معنى قوله - فخير أنيسا، أي جعله الخيار والافضل.
(1) الخفاء هو الكساء وجمع أخفية ككساء وأكسية، وفي رواية المقرئ في البيهقي: يعني الثوب.
(2) راث: أي أبطأ علي.
(3) في نسخة البداية المطبوعة: يقولوا وهو تحريف.
(4) أي نظرت إلى أضعفهم فسألته.
(5) من دلائل البيهقي، والمعنى هنا: أي انظروا وخذوا هذا الصابئ.
(6) عكن: جمع عكنة، وهو الطي في البطن من السمن، والمعنى: انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه.
(7) سخفة: بفتح السين وضمها.
وهي رقة الجوع وضعفه وهزاله.
(8) في الدلائل: أصمخة وهي هنا الآذان، أي ناموا.
(9) المراد هنا سب وإهانة اساف ونائلة، الصنمان، وإغاظة الكفار.
(10) في مسلم: لا أكني.
فوضعها على جبهته، قال: فقلت في نفسي كره أن أنتميت إلى غفار، قال: فاردت أن آخذ بيده فقذفني صاحبه وكان أعلم به مني، قال متى كنت ههنا ؟ قال: قلت كنت ههنا منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم.
قال: فمن كان يطعمك ؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها مباركة، إنها طعام طعم " قال: فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة، قال: ففعل قال فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب.
الطائف، قال فكان ذلك أول طعام أكلته بها.
فلبثت ما لبثت (1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني قد وجهت إلي أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك ؟ لعل الله ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ ".
قال فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا، قال فقال لي ما صنعت ؟ قال قلت صنعت أني أسلمت وصدقت، قال فما بي رغبة عن دينك.
فاني قد أسلمت وصدقت، ثم أتينا أمنا فقالت ما بي رغبة عن دينكما.
فإني قد أسلمت وصدقت، فتحملنا حتى أتينا قومنا غفار، قال فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان يؤمهم خفاف بن إيما بن رخصة الغفاري (2) وكان سيدهم يومئذ.
وقال: بقيتهم إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا، قال فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم بقيتهم قال: وجاءت أسلم فقالوا يا رسول الله إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله ".
ورواه مسلم عن هدية (3) بن خالد عن سليمان بن المغيرة به نحوه.
وقد روى قصة إسلامه على وجه آخر وفيه زيادات غريبة فالله أعلم.
وتقدم ذكر إسلام سلمان الفارسي في كتاب البشارات بمبعثه عليه الصلاة والسلام.
ذكر إسلام ضماد روى مسلم والبيهقي من حديث داود بن أبي هند، عن عمرو بن سعيد، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس.
قال: قدم ضماد مكة وهو رجل من أزدشنوءة، وكان يرقي من هذه الرياح (4)، فسمع سفهاء من سفه مكة (5) يقولون: إن محمدا مجنون.
فقال: أين هذا الرجل
__________
(1) العبارة في البيهقي ومسلم: فغيرت ما غبرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) في مسلم: وكان يؤمهم: إيماء بن رحضة الغفاري، وفي البيهقي فكالاصل: خفاف.
(3) في مسلم: هداب بن خالد الازدي.
والحديث أخرجه في 44 كتاب الفضائل (28) ح 132 ص 1919 - 1920 والامام أحمد في مسنده ج 5 / 174.
(4) في مسلم: الريح، والمراد بها: الجنون، ومس الجن.
(5) في البيهقي: سفهاء من سفهاء الناس يقولون:
لعل الله أن يشفيه على يدي ؟ [ قال ]: فلقيت محمدا، فقلت: إني أرقي من هذه الرياح، وأن الله يشفى على يدي من شاء فهلم (1).
فقال محمد: " إن الحمد لله نحمده وتستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات ".
فقال والله لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة.
وقول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات فهلم يدك أبايعك على الاسلام.
فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له وعلى قومك ؟ فقال: وعلى قومي فبعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا فمروا بقوم ضماد.
فقال صاحب الجيش للسرية هل أصبتم من هؤلاء القوم شيئا ؟ فقال رجل منهم أصبت منهم مطهرة.
فقال ردها عليهم فانهم قوم ضماد.
وفي رواية فقال له ضماد: أعد علي كلماتك هؤلاء فلقد بلغن قاموس (2) البحر (3).
وقد ذكر أبو نعيم في دلائل النبوة إسلام من أسلم من الاعيان فصلا طويلا، واستقصى ذلك استقصاء حسنا رحمه الله وأثابه.
وقد سرد ابن إسحاق أسماء من أسلم قديما من الصحابة رضي الله عنهم.
قال: ثم أسلم أبو عبيدة [ بن الجراح ]، وأبو سلمة [ عبد الله بن عبد الاسد ]، والارقم بن أبي الارقم، وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر - وهي صغيرة - وقدامة بن
مظعون، وعبد الله بن مظعون، وخباب بن الارت، وعمير بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، ومسعود بن القارى، وسليط بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة (4)، وامرأته أسماء بنت سلمة (5) بن مخرمة التيمي، وخنيس بن حذاقة، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وأبو أحمد بن جحش، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فكيهة ابنة يسار (6)، [ وحطاب بن الحارث وامرأته فكيهة بنت يسار ] (7) ومعمر بن الحارث بن معمر الجمحي، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد مناف (8).
وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سهم (9)، والنحام واسمه
__________
(1) في مسلم: فهل لك، أي فهل لك رغبة.
(2) في البيهقي ناعوس: أي وسطه ولجته وقعره الاقصى.
(3) الخبر في دلائل البيهقي ج 2 / 224 ومسلم في صحيحه: في 7 كتاب الجمعة 13 باب ح 46.
(4) في نسخة من سيرة ابن هشام زاد: وأخوه حاطب بن عمرو.
(5) في ابن هشام والبيهقي: سلامة بن مخرمة التميمية.
(6) في السيرة لابن هشام فاطمة بنت المجلل، وفي البيهقي: أسماء.
(7) ما بين معقوفتين في النص، سقطت من الاصول واستدركت من السيرة والدلائل.
(8) في السيرة والدلائل: بن عبد عوف.
(9) بن سعيد بن سعد بن سهم: وسعيد بن سعد هذا هو ابن سعد أخو سعيد، وهو جد المطلب بن أبي وداعة.
قاله السهيلي.
نعيم بن عبد الله بن أسيد، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخالد بن سعيد، وأمينة ابنة خلف بن سعد (1) بن عامر بن بياضة بن (2) خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وواقد بن عبد الله [ بن عبد مناف ] بن عرين بن ثعلبة التميمي حليف بني عدي، وخالد بن البكير، وعامر بن البكير، وعاقل بن البكير، وإياس بن البكير بن عبد
ياليل بن ناشب بن غيرة من بني (3) سعد بن ليث، وكان اسم عاقل غافلا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقلا، وهما حلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان.
ثم دخل الناس [ في الاسلام ] أرسالا من الرجال والنساء حتى فشا أمر الاسلام بمكة وتحدث به.
قال ابن إسحاق: ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع (4) بما أمر، وأن يصبر على أذى المشركين.
قال وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم.
فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر يصلون بشعاب مكة إذ ظهر عليهم بعض المشركين فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد رجلا من المشركين بلحي (5) جمل فشجه، فكان أول دم أهريق في الاسلام.
وروى الاموي في مغازيه من طريق الوقاصي عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه.
فذكر القصة بطولها وفيه أن المشجوج هو عبد الله بن خطل لعنه الله.
باب الامر بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام، وأمره له بالصبر والاحتمال، والاعراض عن الجاهلين المعاندين المكذبين بعد قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسول الاعظم إليهم، وذكر ما لقي من الاذية منهم هو وأصحابه رضي الله عنهم.
قال الله تعالى: " وأنذر عشيرتك الاقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم) [ الشعراء: 66 - 67 ].
__________
(1) في السيرة والدلائل: أسعد.
(2) في السيرة والدلائل: من.
(3) في الاستيعاب: غيرة بن سعد.
(4) قال السهيلي: قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين.
إما أن يكون معناه بالذي
تؤمر به من التبليغ، وأما أن يكون معناه أصدع بالامر الذي تؤمره.
(5) اللحي: العظيم الذي على الفخذ، وهو في الانسان: الذي تنبت عليه اللحية.
وقال تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) [ الزخرف: 44 ].
وقال تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) [ القصص: 88 ].
أي إن الذي فرض عليك وأوجب عليك بتبليغ القرآن لرادك إلى دار الآخرة وهي المعاد، فيسألك عن ذلك.
كما قال تعالى: (فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) والآيات والاحاديث في هذا كثيرة جدا.
وقد تقصينا الكلام على ذلك في كتابنا التفسير، وبسطنا من القول في ذلك عند قوله تعالى في سورة الشعراء: (وأنذر عشيرتك الاقربين).
وأوردنا أحاديث جمة في ذلك، فمن ذلك: قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله: (وأنذر عشيرتك الاقربين) أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى " يا صباحاه " فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد المطلب يا بني فهر، يا بني كعب أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني ؟ " قالوا نعم ! قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب - لعنه الله - تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا ؟ وأنزل الله عزوجل: (تبت يدا أبي لهب وتب) [ المسد: 1 ] وأخرجاه من حديث الاعمش به نحوه (1).
وقال أحمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة حدثنا عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة.
قال: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الاقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص.
فقال: " يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن لكم رحما سأبلها ببلائها " (2) ورواه مسلم من حديث عبد الملك بن عمير، وأخرجاه في الصحيحين من
حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة، وله طرق أخر عن أبي هريرة في مسند أحمد وغيره.
وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع بن هشام عن أبيه
__________
(1) أخرجه مسلم في 1 كتاب الايمان 89 باب حديث 355.
والبخاري في 65 كتاب التفسير (111) باب فتح الباري 8 / 736.
وأحمد في مسنده 1 / 281 و 307.
يا صباحاه: كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لانهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح.
فكأن القائل: يا صباحاه قد غشينا العدو.
وقيل إن المتقاتلين كانوا إذا جاؤوا الليل يرجعون عن القتال فإذا عاد النهار عاودوه.
فكأنه يريد بقوله يا صباحاه: قد جاء وقت الصباح فتأهبوا للقتال.
(2) مسلم: المصدر السابق حديث 348 و 351 و 353.
والبخاري في كتاب الوصايا حديث 2753 و 62 كتاب المناقب ح 3527 وأحمد في مسنده 1 / 206 والنسائي في الوصايا - والدارمي في الرقاق كلهم بأسانيد وطرائق متعددة.
- سأبلها ببلائها: وفي البيهقي ببلالها: معناه سأصلها.
شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها باطفاء الحرارة ببرودة.
ومنه بلوا أرحامكم: أي صلوها.
عن عائشة رضي الله عنها.
قالت: لما نزل: (وأنذر عشيرتك الاقربين).
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم " (1) ورواه مسلم أيضا.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أخبرنا محمد بن عبد [ الله ] الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال فحدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل - واستكتمني اسمه - عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب.
قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الاقربين، وأخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) [ الشعراء: 214 - 215 ].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت.
فجاءني جبريل عليه السلام فقال [ لي ]: يا محمد إن لم تفعل ما أمرك به ربك
عذبك بالنار ".
قال [ علي ] فدعاني فقال: " يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الاقربين [ فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره فصمت عن ذلك ثم جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد: إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك ] فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام، وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب " ففعلت فاجتمعوا له يومئذ وهم أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث.
فقدمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: " كلوا بسم الله " فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسقهم يا علي " فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعا وايم الله إن كان الرجل ليشرب مثله.
فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال لهد ما سحركم صاحبكم، فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عدلنا مثل الذي كنت صنعت لنا بالامس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدر إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم " ففعلت ثم جمعتهم له وصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنع بالامس، فأكلوا حتى نهلوا عنه وايم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقهم يا علي، فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعا وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله أن يكلمهم، بدره أبو لهب لعنه الله إلى الكلام فقال: لهد ما سحركم صاحبكم ؟ فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ] (2).
فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي عدلنا بمثل الذي كنت صنعت بالامس من الطعام والشراب فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم " ففعلت ثم جمعتهم له.
فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) مسند أحمد ج 1 / 307.
(2) ما بين معقوفتين سقطت من دلائل البيهقي، وهي على حال تكرار لا طائل من ورائه ولعل التكرار سهوا من الناسخ
كما صنع بالامس فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا، وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل من ما جئتكم به.
إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة " (1).
هكذا رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن شيخ أبهم اسمه (2) عن عبد الله بن الحارث به.
وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن محمد بن حميد الرازي عن سلمة بن الفضل الابرش عن محمد بن إسحاق عن عبد الغفار أبو مريم بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن علي فذكر مثله.
وزاد بعد قوله: " وإني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي " وكذا وكذا.
قال فاحجم القوم عنها جميعا، وقلت ولاني لاحدثهم سنا وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأخمشهم ساقا، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي فقال: " إن هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا ".
قال فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! تفرد به عبد الغفار بن القاسم أبو مريم وهو كذاب شيعي اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث وضعفه الباقون.
ولكن روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه، عن الحسن بن عيسى بن ميسرة الحارثي، عن عبد الله بن عبد القدوس، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث.
قال: قال علي: لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الاقربين).
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وإنا لبنا، وأدع لي بني هاشم فدعوتهم وإنهم يومئذ لاربعون غير رجل، أو أربعون ورجل فذكر القصة نحو ما تقدم إلى أن قال: وبدرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام.
فقال: " أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي ؟ " قال فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله، قال وسكت أنا لسن العباس.
ثم قالها مرة أخرى فسكت العباس، فلما رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله، قال أنت ؟ قال وإني يومئذ لاسوأهم هيئة، وإني لاعمش العينين، ضخم البطن، خمش الساقين.
وهذه الطريق فيها شاهد لما تقدم إلا
أنه لم يذكر ابن عباس فيها فالله أعلم.
وقد روى الامام أحمد في مسنده من حديث عباد بن عبد الله
__________
(1) رواه ابن سعد في الطبقات مختصرا 1 / 187 والوفا لابن الجوزي 1 / 184 وتكملة الخبر: ثم قال من يوازرني على ما أنا عليه ؟ قال علي: أنا يا رسول الله وإني أحدثهم سنا، وسكت القوم ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك ؟ قال: دعوه، فلن يألوا بابن عمه خيرا.
وما ورد في الخبر بين معكوفتين سقط من الاصل ونسخ البداية المطبوعة واستدرك لمقتضى السياق من دلائل البيهقي.
2 / 179 - 180.
(2) في دلائل البيهقي 2 / 180: قال أبو عمر أحمد بن عبد الجبار بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار بن القاسم بن مريم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث.
قال ابن إسحاق: وكان ما أخفى النبي صلى الله عليه وسلم أمره واستسره به إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه.
الاسدي وربيعة بن ناجذ عن علي نحو ما تقدم - أو كالشاهد له - والله أعلم.
ومعنى قوله في هذا لحديث ؟: من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يعني إذا مت، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشى إذا قام بابلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه، فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله، ويقضي عنه، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) [ المائدة: 67 ] الآية والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر يدعو إلى الله تعالى ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، لا يصرفه عن ذلك صارف ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عنه ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم، ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم، ومواقف الحج.
يدعو من لقيه من حر وعبد وضعيف وقوي، وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء.
وتسلط عليه وعلى من اتبعه من آحاد الناس من ضعفائهم الاشداء الاقوياء من مشركي قريش بالاذية القولية والفعلية، وكان من أشد الناس عليه عمه أبو لهب - واسمه عبد العزى بن عبد المطلب - وامرأته أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان وخالفه في ذلك عمه أبو طالب بن عبد المطلب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب خلق الله إليه طبعا وكان يحنو عليه
ويحسن إليه، ويدافع عنه ويحامي، ويخالف قومه في ذلك مع أنه على دينهم وعلى خلتهم، إلا أن الله تعالى قد امتحن قلبه بحبه حبا طبعيا لا شرعيا.
وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه.
ولاجترؤا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربك يخلق ما يشاء ويختار (1).
وقد قسم خلقه أنواعا وأجناسا، فهذان العمان كافران أبو طالب وأبو لهب.
ولكن هذا يكون في القيامة في ضحضاح من نار، وذلك في الدرك الاسفل من النار، وأنزل الله فيه سورة في كتابه تتلى على المنابر، وتقرأ في المواعظ والخطب.
تتضمن أنه يصلى نارا ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب.
قال الامام أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه.
قال: أخبر رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل - وكان جاهليا فأسلم - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز [ يمشي بين ظهراني الناس ] (2) وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضئ الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب ثم رواه هو والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد بنحوه (3).
وقال البيهقي أيضا حدثنا أبو طاهر (4) الفقيه حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن (5)
__________
(1) يفهم من كلام ابن كثير أن أبا طالب، قضى كافرا، وأن الله تعالى قضى بذلك لحكمة عنده حماية لرسوله وذودا للاسلام..أقول هذا تعليل غير سائغ وغير مقبول.
(2) ما بين معقوفتين زيادة من دلائل البيهقي.
(3) مسند أحمد ج 3 (492) ودلائل البيهقي ج 2 / 186.