كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر قال: بينما أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي " يا عقبة ألا تركب ؟ " قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله وركبت هنيهة، ثم ركب ثم قال " يا عقب ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأقرأني قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما.
ثم مر بي فقال " إقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت ".
وهكذا رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم، وعبد الله بن المبارك، عن ابن جابر، ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم أبي عبد
الرحمن عن عقبة به.
ومنهم رضي الله عنهم قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي.
روى البخاري عن أنس قال: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الامير، وقد كان قيس هذا رضي الله عنه من أطول الرجال، وكان كوسجا ويقال إن سراويله كان يضعه على أنفه من يكون من أطول الرجال فتصل رجلاه الارض، وقد بعث سراويله معاوية إلى ملك الروم يقول له: هل عندكم رجل يجئ هذه السراويل على طوله ؟ فتعجب صاحب الروم من ذلك.
وذكروا أنه كان كريما ممدحا ذا رأي ودهاء، وكان مع علي بن أبي طالب أيام صفين.
وقال مسعر عن معبد بن خالد: كان قيس بن سعد لا يزال رافعا أصبعه المسبحة يدعو رضى الله عنه وأرضاه.
وقال الواقدي وخليفة بن خياط وغيرهما: توفي بالمدينة في آخر أيام معاوية.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا عمر بن الخطاب السجستاني، ثنا علي بن يزيد الحنفي، ثنا سعيد بن الصلت، عن الاعمش عن أبي سفيان، عن أنس قال: كان عشرون شابا من الانصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوائجه، فإذا أراد أمرا بعثهم فيه.
ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه.
كان بمنزلة السلحدار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان رافعا السيف في يده وهو واقف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، في الخيمة يوم الحديبية: فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفي حين قدم في الرسيلة إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم - على ما جرت به عادة العرب في مخاطباتها - يقرع يده بقائمة السيف ويقول: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك.
الحديث كما قدمناه.
قال محمد بن سعد وغيره: شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاه مع أبي سفيان الامرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف، وهي المدعوة بالربة، وهي اللات، وكان داهية من دهاة العرب.
قال الشعبي: سمعته يقول ما غلبني أحد قط.
وقال الشعبي سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها.
وقال الشعبي: القضاة أربعة، أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى، والدهاة أربعة، معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة
وزياد.
وقال الزهري: الدهاة خمسة، معاوية وعمر والمغيرة واثنان مع علي وهما قيس بن سعد بن

عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء.
وقال الامام مالك: كان المغيرة بن شعبة رجلا نكاحا للنساء، وكان يقول صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض معها، وصاحب الثنايا ؟ ؟ بين نارين يشتعلان قال: فكان ينكح أربعا ويطلقهن جميعا.
وقال غيره: تزوج ثمانين امرأة، وقيل ثلاث مائة امرأة، وقيل أحصن بألف امرأة.
وقد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها وهو الذي حكى عليه الخطيب البغدادي الاجماع أنه توفي سنة خمسين.
ومنهم رضي الله عنهم المقداد بن الاسود أبو معبد الكندي حليف بني زهرة.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد بن الاسود قال: قدمت المدينة أنا وصاحبان، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد، فأتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له، فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز، فقال " احلبهن يا مقداد، وجزئهن أربعة جزاء، واعط كل إنسان جزءا " فكنت أفعل ذلك فرفعت للنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فاحتبس واضطجعت على فراشي فقالت لي نفسي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى أهل بيت من الانصار، فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزأه، فلما دخل في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث.
فقلت يجئ الآن النبي صلى الله عليه وسلم جائعا ظمآنا فلا يرى في القدح شيئا فسجيت ثوبا على وجهي.
وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم، فكشف عنه فلم ير شيئا.
فرفع رأسه إلى السماء فقال " اللهم اسق من سقاني، وأطعم من أطعمني " فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الاعنز فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لاذبحها، فوقعت يدي على ضرع إحداهن فإذا هي حافل، ونظرت إلى الاخرى فإذا هي حافل، فنظرت فإذا هن كلهن حفل، فحلبت في الاناء فأتيته به فقلت اشرب، فقال " ما الخبر يا مقداد ؟ " فقلت اشرب ثم الخبر ؟، فقال " بعض ؟ وتك يا مقداد " فشرب ثم قال " اشرب " فقلت اشرب يا نبي الله، فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته، ثم أخبرته الخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هيه " فقلت كان كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هذه بركة منزلة من
السماء أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك ؟ " فقلت إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت.
وقد رواه الامام أحمد أيضا: عن أبي النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد فذكر ما تقدم، وفيه أنه حلب في الاناء الذي كانوا لا يطيقون أن يحلبوا فيه، فحلب حتى علته الرغوة.
ولما جاء به قال بله رسول الله " أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ " فقلت اشرب يا رسول الله، فشرب ثم ناولني فقلت اشرب يا رسول الله، فشرب ثم ناولني فأخذت ما بقي ثم شربت.
فلما عرفت أن رسول الله قد روى فأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الارض، فقال رسول الله " إحدى سوأتك يا مقداد " فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا، صنعت كذا.
فقال " ما كانت هذه إلا رحمة الله، ألا كنت أذنتني توقظ صاحبيك هذين فيصيبان منها ؟ " قال قلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس.
وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به.

ومنهم رضي الله عنهم مهاجر (1) مولى أم سلمة.
قال الطبراني: حدثنا أبو الزنباع، روح بن الفرج، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني إبراهيم بن عبد الله سمعت بكيرا يقول سمعت مهاجرا مولى أم سلمة قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين فلم يقل لي لشئ صنعته لم صنعته، ولا لشئ تركته لم تركته.
وفي رواية خدمته عشر سنين أو خمس سنين.
ومنهم رضي الله عنهم أبو السمح (2).
قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي: ثنا مجاهد بن موسى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا يحيى بن الوليد، حدثني محل بن خليفة، حدثني أبو السمح قال: كنت أخدم رسول الله، قال كان إذا أراد أن يغتسل قال: ناولني أداوتي، قال: فأناوله وأستتره، فأتى بحسن أو حسين فبال على صدره، فجئت لاغسله فقال " يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام " وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن مجاهد بن موسى.
ومنهم رضي الله عنهم أفضل الصحابة على الاطلاق أبو بكر الصديق رضي الله عنه، تولى خدمته بنفسه في سفرة الهجرة لا سيما في الغار وبعد خروجهم منه حتى وصلوا إلى المدينة كما تقدم
ذلك مبسوطا ولله الحمد والمنة.
فصل اما كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنهم أجمعين فمنهم الخلفاء الاربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وسيأتي ترجمة كل واحد منهم في أيام خلافته إن شاء الله وبه الثقة.
ومنهم رضي الله عنهم أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الاموي.
أسلم بعد أخويه خالد وعمرو، وكان إسلامه بعد الحديبية لانه هو الذي أجار عثمان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يوم الحديبية، وقيل خيبر لان له ذكر في الصحيح من حديث أبي هريرة في قسمة غنائم خيبر، وكان سبب إسلامه أنه اجتمع براهب وهو في تجارة بالشام فذكر له أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الراهب ما اسمه ؟ قال: محمد، قال: فأنا أنعته لك، فوصفه بصفته سواء وقال: إذا رجعت إلى أهلك فاقرئه السلام.
فأسلم (3) بعد مرجعه وهو أخو عمرو بن سعيد الاشدق الذي قتله عبد الملك بن مروان.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان أول من كتب
__________
(1) مهاجر يكنى أبا حذيفة شهد مصر واختط بها ثم تحول إلى طحا فسكنها إلى أن مات.
(الاصابة 3 / 466).
(2) أبو السمح: قال في الاصابة اسمه أبو ذر، وفي أسد الغابة: زياد.
قال أبو زرعة: لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير حديث واحد - وهو ما أثبتناه - وقال أبو عمر بن عبد البر: يقال انه قتل ولا يدرى أين مات.
قال ابن الاثير في أسد الغابة: أسلم بين الحديبية وخيبر، وهو الصحيح وشهد خيبر.

الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، فإذا لم يحضر كتب زيد بن ثابت، وكتب له عثمان وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد.
هكذا قال - يعني بالمدينة - وإلا فالسور المكية لم يكن أبي بن كعب حال نزولها، وقد كتبها الصحابة بمكة رضي اللهه عنهم.
وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير والزبير بن بكار وأكثر أهل النسب قتل يوم أجنادين، يعني في
جمادى الاولى سنة ثنتي عشرة.
وقال آخرون قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة.
وقال محمد بن إسحاق قتل هو وأخوه عمرو يوم اليرموك لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة.
وقيل إنه تأخر إلى أيام عثمان وكان يملي (1) المصحف الامام على زيد بن ثابت ثم توفي سنة تسع وعشرين.
فالله.
أعلم.
ومنهم أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الانصاري.
أبو المنذر، ويقال أبو الطفيل، سيد القراء شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها.
وكان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه.
قال أنس: جمع القرآن أربعة - يعني من الانصار - أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، ورجل من الانصار يقال له أبو يزيد أخرجاه.
وفي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " قال وسماني لك يا رسول الله ؟ قال " نعم " قال فذرفت عيناه.
ومعنى أن أقرأ عليك قراءة إبلاغ وإسماع لا قراءة تعلم منه، هذا لا يفهمه أحد من أهل العلم، وإنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه.
وقد ذكرنا في موضع آخر سبب القراءة عليه وأنه قرأ عليه سورة * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) * وذلك أن أبي بن كعب كان قد أنكر على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبي، فرفعه أبي إلى رسول الله فقال: " اقرأ يا أبي " فقرأ فقال: " هكذا أنزلت " ثم قال لذلك الرجل " اقرأ " فقرأ فقال " هكذا أنزلت " قال أبي: فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية، قال فضرب رسول الله في صدري ففضضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا، فبعد ذلك تلا عليه رسول الله هذه السورة كالتثبيت له والبيان له إن هذا القرآن حق وصدق.
وإنه أنزل على أحرف كثيرة رحمة ولطفا بالعباد.
وقال ابن أبي خيثمة: هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف في وفاته فقيل في سنة تسع عشرة، وقيل سنة عشرين، وقيل ثلاث وعشرين، وقيل قبل (2) مقتل عثمان بجمعة.
فالله أعلم.
__________
(1) قال ابن حجر في الاصابة: تفرد بهذه الرواية نعيم بن حماد عن الدراوردي، والمعروف أن المأمور بذلك سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص وهو ابن أخي أبان بن سعيد.
(1 / 14).
(2) قال الواقدي: وأثبت الاقاويل عندنا أنه مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين وذلك أن عثمان رضي الله عنه أمره أن يجمع القرآن في جملة اثني عشر رجلا - وهذا ما قال به في أسد الغابة وأبو نعيم واحتجا: أن زر بن حبيش لقيه في خلافة عثمان.

ومنهم رضي الله عنهم أرقم بن أبي الارقم، واسمه عبد مناف بن أسد بن جندب (1) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي.
أسلم قديما وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا في داره عند الصفا وتعرف تلك الدار بعد ذلك بالخيزران.
وهاجر وشهد بدرا وما بعدها، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن أنيس (2) وهو الذي كتب أقطاع عظيم بن الحارث المحاربي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفخ وغيره، وذلك فيما رواه الحافظ ابن عساكر: من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري، حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده عمرو بن حزم.
وقد توفي في سنة ثلاث وقيل خمس وخمسين وله خمس وثمانون سنة، وقد روى الامام أحمد له حديثين، الاول: قال أحمد والحسن بن عرفة - واللفظ لاحمد - حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن هشام بن زياد، عن عمار بن سعد، عن عثمان بن أرقم بن أبي الارقم عن أبيه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله قال: " إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الامام كالجار قصبه في النار " والثاني: قال أحمد: حدثنا عصام بن خالد، ثنا العطاف بن خالد، ثنا يحيى بن عمران، عن عبد الله بن عثمان بن الارقم، عن جده الارقم أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أين تريد ؟ " قال أردت يا رسول الله ها هنا وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس، قال: " ما يخرجك إليه أتجارة ؟ " قال: لا ولكن أردت الصلاة فيه، قال " الصلاة ها هنا " وأومأ بيده إلى مكة " خير من ألف صلاة " وأومأ بيده إلى الشام.
تفرد بهما أحمد.
ومنهم رضي الله عنهم ثابت بن قيس بن شماس الانصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن، ويقال أبو محمد المدني خطيب الانصار، ويقال له خطيب النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن سعد: أنبأنا علي بن محمد المدايني بأسانيده عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله، قالوا: قدم عبد الله بن
عبس اليماني ومسلمة بن هاران الحدابي على رسول الله في رهط من قومهما بعد فتح مكة فأسلموا وبايعوا على قومهم، وكتب لهم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شماس وشهد فيه سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم.
وهذا الرجل ممن ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة.
وروى الترمذي في جامعه بإسناد على شرط مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله قال " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر.
نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ".
وقد قتل رضي الله عنه شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في أيام أبي بكر الصديق، وله قصة سنوردها إن شاء الله إذا انتهينا إلى ذلك بحول الله وقوته وعونه ومعونته.
__________
(1) سقط جندب من ابن سعد والاصابة، قال ابن سعد: وأسد يكنى أبا جندب.
(2) قال الواقدي: آخى بينه وبين طلحة زيد بن سهل.

ومنهم رضي الله عنهم حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم التميمي الاسيدي الكاتب، وأخوه رباح صحابي أيضا، وعمه أكثم بن صيفي كان حكيم العرب.
قال الواقدي: كتب للنبي صلى الله عليه وسلم كتابا.
وقال غيره بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطوائف في الصلح، وشهد مع خالد حروبه بالعراق وغيرها وقد أدرك أيام علي وتخلف على القتال معه في الجمل وغيره، ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان، ومات بعد أيام علي وقد ذكر ابن الاثير في [ أسد ] الغابة، أن امرأته لما مات جزعت عليه فلامها جاراتها في ذلك فقالت: تعجبت دعد لمحزونة * تبكي على ذي شيبة شاحب إن تسألينني اليوم ما شفنى * أخبرك قولا ليس بالكاذب إن سواد العين أودى به * حزن على حنظلة الكاتب
قال أحمد بن عبد الله بن الرقي.
كان معتزلا للفتنة حتى مات بعد علي، جاء عنه حديثان.
قلت: بل ثلاثة، قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: ثنا همام، ثنا قتادة، عن حنظلة الكاتب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حافظ على الصلوات الخمس بركوعهن وسجودهن ووضوئهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة " أو قال " وجبت له " تفرد به أحمد وهو منقطع بين قتادة وحنظلة والله أعلم.
والحديث الثاني رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه: من حديث سعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة " لو تدومون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم، ولكن ساعة وساعة " وقد رواه أحمد والترمذي أيضا من حديث عمران بن داود القطان، عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن حنظلة.
والثالث رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري، عن أبي الزناد، عن المرقع بن صيفي بن حنظلة عن جده في النهي عن قتل النساء في الحرب.
لكن رواه الامام أحمد عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال أخبرت عن أبي الزناد، عن مرقع بن صيفي بن رياح بن ربيع، عن جده رباح بن ربيع أخي حنظلة الكاتب فذكره.
وكذلك رواه أحمد أيضا عن حسين بن محمد، وإبراهيم بن أبي العباس كلاهما عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه.
وعن سعيد بن منصور وأبي عامر العقدي كلاهما عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن مرقع عن جده رباح.
ومن طريق المغيرة رواه النسائي وابن ماجه كذلك.
وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر بن مرقع عن أبيه عن جده رباح فذكر.
فالحديث عن رباح لا عن حنظلة ولذا قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان سفيان الثوري يخطئ في هذا الحديث.
قلت: وصح قول ابن الرقي أنه لم يرو سوى حديثين.
والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبدشمس بن عبدمناف، أبو

سعيد الاموي.
أسلم قديما يقال بعد الصديق بثلاثة أو أربعة، وأكثر ما قيل خمسة (1).
وذكروا أن سبب إسلامه أنه رأى في النوم كأن واقفا على شفير جهنم فذكر من سعتها ما الله به عليم.
قال
وكأن أباه يدفعه فيها، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيده ليمنعه من الوقوع، فقص هذه الرؤيا على أبي بكر الصديق فقال له: لقد أريد بك خير، هذا رسول الله فاتبعه تنج مما خفته.
فجاء رسول الله فأسلم، فلما بلغ أباه إسلامه غضب عليه وضربه بعصاة في يده حتى كسرها على رأسه وأخرجه من منزله ومنعه القوت، ونهى بقية إخوته أن يكلموه، فلزم خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا، ثم أسلم أخوه عمرو، فلما هاجر الناس إلى أرض الحبشة هاجرا معهم ثم كان هو الذي ولي العقد في تزويج أم حبيبة من رسول الله كما قدمنا.
ثم هاجرا من أرض الحبشة صحبة جعفر فقدما على رسول الله بخيبر وقد افتتحها، فأسهم لهما عن مشورة المسلمين، وجاء أخوهما أبان بن سعيد فشهد فتح خيبر كما قدمنا، ثم كان رسول الله يوليهم الاعمال.
فلما كانت خلافة الصديق خرجوا إلى الشام للغزو فقتل خالد بأجنادين، ويقال بمرج الصفر.
والله أعلم (2).
قال عتيق بن يعقوب: حدثني عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمرو بن حزم، يعني أن خالد بن سعيد كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله راشد بن عبد رب السلمي أعطاه غلوتين [ بسهم ] (3) وغلوة بحجر برهاط [ لا يحاقه فيها أحد ] (4)، فمن حاقه فلا حق له وحقه حق.
وكتب خالد بن سعيد.
وقال محمد بن سعد، عن الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال: أقام خالد بن سعيد بعد أن قدم من أرض الحبشة بالمدينة، وكان يكتب لرسول الله، وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف وسعى في الصلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم رضي الله عنهم خالد بن الوليد (5) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سليمان المخزومي وهو أمير الجيوش المنصورة الاسلامية، والعساكر المحمدية، والمواقف المشهودة، والايام
__________
(1) ذكر الواقدي عن أم خالد بنت خالد بنت سعيد قالت: كان أبي خامسا في الاسلام، تقدمه: ابن أبي طالب وابن أبي قحافة وزيد بن حارثة وسعد بن أبي وقاص.
هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة وأقام بها بضع عشرة سنة.
(2) كذا قاله الواقدي، في المحرم سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب.
(3) من ابن سعد، وفي الاصل: وأعطاه علوتين وعلوة تحريف.
وقوله غلوتين: تحديد لما أعطاه راشدا أي مسير السهمين أو مسير الحجر.
وفي أعلام السائلين: غلوتين بسعجن، ولم أعثر عليه.
ورهاط: موضع على ثلاث ليال من مكة، وقيل قرية بواد هذيل، وقيل واد يقال له غران.
المراصد.
(4) سقطت من الاصل واستدركت من ابن سعد 1 / 274 لا يحاقه: أي لا يخاصمه، ومن حاقه: أي ومن خاصمه فليس له حق.
(5) في الاصابة: خالد بن الوليد بن المغيرة...

المحمودة.
ذو الرأي السديد، والبأس الشديد، والطريق الحميد، أبو سليمان خالد بن الوليد.
ويقال إنه لم يكن في جيش فكسر لا في جاهلية ولا إسلام.
قال الزبير بن بكار: كانت إليه في قريش القبة وأعنة الخيل، أسلم هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة بعد الحديبية وقيل خيبر، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيما يبعثه أميرا.
ثم كان المقدم على العساكر كلها في أيام الصديق، فلما ولي عمر بن الخطاب عزله وولي أبو عبيدة أمين الامة على أن لا يخرج عن رأي أبي سليمان.
ثم مات خالد في أيام عمر وذلك في سنة إحدى وعشرين وقيل اثنتين وعشرين - والاول أصح - بقرية على ميل من حمص.
وقال الواقدي: سألت عنها فقيل لي دثرت.
وقال دحيم: مات بالمدينة.
والاول أصح.
وقد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها.
قال عتيق بن يعقوب: حدثني عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، عن عمرو بن حزم أن هذه قطايع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المؤمنين: أن صيدوح (1) وصيده لا يعضد صيده ولا يقتل، فمن وجد يفعل من ذلك شيئا فإنه يجلد وينزع ثيابه، وإن تعدى ذلك أحد فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا من محمد النبي وكتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد.
ومنهم رضي الله عنهم الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أبو
عبد الله الاسدي أحد العشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب وزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه، روى عتيق بن يعقوب بسنده المتقدم أن الزبير بن العوام هو الذي كتب لبني معاوية بن جرول الكتاب الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم.
وروى ابن عساكر بإسناد عن عتيق به.
أسلم الزبير قديما رضي الله عنه وهو ابن ست عشرة سنة، ويقال ابن ثمان سنين، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها وهو أول من سل سيفا في سبيل الله.
وقد شهد اليرموك وكان أفضل من شهدها، واخترق يومئذ صفوف الروم من أولهم إلى آخرهم مرتين، ويخرج من الجانب الآخر سالما، لكن جرح في قفاه بضربتين رضي الله عنه.
وقد جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أبويه (2) وقال " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " وله فضائل ومناقب كثيرة وكانت وفاته يوم الجمل، وذلك أنه كر راجعا عن القتال فلحقه عمرو بن جرموز، وفضالة بن حابس ورجل ثالث يقال له نفيع (3) التميميون بمكان يقال له وادي السباع (4)، فبدر إليه عمرو بن جرموز وهو نائم فقتله، وذلك في يوم
__________
(1) صيدوح: قرية بشرقي المدينة تشرب من شراج الحرة، والشراج: مجاري المياه من الحرار إلى السهل واحدها شرج (معجم البلدان).
(2) أي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ارم فداك أبي وأمي.
(3) نفيع أو نفيل بن حابس التميمي - قاله ابن سعد.
(4) وادي السباع: موضع في طريق مكة بينه وبين الزبيدية ثلاثة أميال.
(معجم البلدان).

الخميس لعشر خلون من جمادى الاولى (1) سنة ست وثلاثين، وله من العمر يومئذ سبع وستون سنة، وقد خلف رضي الله عنه بعده تركة عظيمة فأوصى من ذلك بالثلث بعد إخراج ألفي ألف ومائتي ألف دينارا، فلما قضى دينه، وأخرى ثلث ماله قسم الباقي على ورثته فنال كل امرأة من نسائه - وكن أربعا - ألف ألف ومائتا ألف، فمجموع ما ذكرناه مما تركه رضي الله عنه تسعة وخمسين ألف ألف وثمان مائة ألف (2) وهذا كله من وجوه حل نالها في حياته مما كان يصيبه من الفئ والمغانم،
ووجوه متاجر الحلال وذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها، والصلاة البارعة الكثيرة لاربابها في أوقات حاجاتها رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس مثواه - وقد فعل - فإنه قد شهد له سيد الاولين والآخرين ورسول رب العالمين بالجنة، ولله الحمد والمنة.
وذكر ابن الاثير في الغابة أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، وأنه كان يتصدق بذلك كله.
وقال فيه حسان بن ثابت يمدحه ويفضله بذلك: أقام على عهد النبي وهديه * حواريه والقول بالفضل يعدل أقام على منهاجه وطريقه * يوالي ولي الحق والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذي * يصول إذا ما كان يوم محجل وإن امرأ كانت صفية أمه * ومن أسد في بيته لمرسل (3) له من رسول الله قربى قريبة * ومن نصرة الاسلام مجد مؤثل فكم كربة ذب الزبير بسيفه * عن المصطفى والله يعطي ويجزل إذا كشفت عن ساقها الحزب حشها * بأبيض [ سباق ] (4) إلى الموت يرفل فما مثل فيهم ولا كان قبله * وليس يكون الدهر ما دام يذبل قد تقدم أنه قتله عمرو بن جرموز التميم بوادي السباع وهو نائم، ويقال بل قام من آثار النوم وهو دهش فركب وبارزه ابن جرموز، فلما صمم عليه الزبير أنجده صاحباه فضالة والنعر فقتلوه، وأخذ عمرو بن جرموز رأسه وسيفه.
فلما دخل بهما على علي قال علي رضي الله عنه لما رأى سيف الزبير: إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال علي فيما قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه.
والصحيح أنه عمر بعد علي حتى كانت أيام ابن الزبير فاستناب أخاه مصعبا على العراق، فاختفى عمرو بن جرموز خوفا
__________
(1) ابن سعد عن الواقدي: جمادى الآخرة.
(2) ذكر ابن سعد أن ثروته بلغت خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف.
وبلغ دينه ألفي ألف ومائتي ألف.
قسم المبلغ المتبقي على ورثته، فكانت كل امرأة من نسائه - وكن أربع - ألف ألف ومائة ألف.
وذلك عدا الاراضي
والخطط والدور في مصر والكوفة والبصرة والمدينة.
(الطبقات 3 / 109 - 110).
(3) في أسد الغابة: لمرقل، أي المعظم والمسود.
(4) من أسد الغابة 2 / 198 وابن عساكر 5 / 364.

من سطوته أن يقتله بأبيه.
فقال مصعب: أبلغوه أنه آمن، أيحسب أني أقتله بأبي عبد الله ؟ كلا والله ليسا سواء، وهذا من حلم مصعب وعقله ورياسته.
وقد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يطول ذكرها ولما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع كما تقدم قالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه رضي الله عنها وعنه: غدر ابن جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته * لا طائشا رعش الجنان ولا اليد كم غمرة قد خاضها لم يثنه * عنها طراد يا بن فقع القردد (1) ثكلتك أمك إن (2) ظفرت بمثله * فيمن مضى فيمن يروح ويغتدي والله ربك (3) إن قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة المتعمد ومنهم رضي الله عنهم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبيد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الانصاري النجاري، أبو سعيد، ويقال أبو خارجة ويقال أبو عبد الرحمن المدني قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة فلهذا لم يشهد بدرا لصغره، قيل ولا أحدا وأول مشاهده الخندق، ثم شهد ما بعدها.
وكان حافظا لبيبا عالما عاقلا، ثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ليقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه.
فتعلمه في خمسة عشر يوما.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، ثنا عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله المدينة قال زيد: ذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال " يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهود
على كتابي ".
قال زيد: فتعلمت لهم كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.
ثم رواه أحمد: عن شريح بن النعمان، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه عن خارجة عن أبيه فذكر نحوه.
وقد علقه البخاري في الاحكام عن خارجة بن زيد بن ثابت بصيغة الجزم فقال: وقال خارجة بن زيد فذكره.
ورواه أبو داود: عن أحمد بن يونس والترمذي عن علي بن حجر كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن خارجة عن أبيه به نحوه.
وقال الترمذي حسن صحيح.
وهذا ذكاء مفرط جدا.
وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس.
وروى أحمد والنسائي من حديث أبي قلابة، عن أنس بن رسول الله أنه قال " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل،
__________
(1) في ابن سعد: طرادك، والقردد: الجبل.
والفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة.
(2) في ابن سعد: هل.
(3) في ابن سعد: ثكلتك أمك.

وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح " ومن الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبي عبيدة، ففي صحيح البخاري من هذا الوجه.
وقد كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما موطن، ومن أوضح ذلك ما ثبت في الصحيح عنه أنه قال: لما نزل قوله تعالى * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) * الآية [ النساء: 95 ].
دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " فجاء ابن أم مكتوم فجعل يشكو ضرارته، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت ترضها، فنزل * (غير أول الضرر) * فأمرني فألحقتها، فقال زيد: فإني لاعرف موضع ملحقها عند صدع في ذلك اللوح - يعني من عظام - الحديث.
وقد شهد زيد اليمامة وأصابه سهم فلم يضره، وهو الذي أمره الصديق بعد هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه، وقال له إنك
شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، ففعل ما أمره به الصديق، فكان في ذلك خير كثير ولله الحمد والمنة.
وقد استنابه عمر مرتين في حجتين على المدينة، واستنابه لما خرج إلى الشام، وكذلك كان عثمان يستنيبه على المدينة أيضا، وكان علي يحبه، وكان يعظم عليا ويعرف له قدره، ولم يشهد معه شيئا من حروبه.
وتأخر بعده حتى توفي سنة خمس وأربعين، وقيل سنة إحدى وقيل خمس وخمسين، وهو ممن كان يكتب المصاحف الائمة التي نفذ بها عثمان بن عفان إلى سائر الآفاق اللائي وقع على التلاوة طبق رسمهن الاجماع والاتفاق كما قررنا ذلك في كتاب فضائل القرآن الذي كتبناه مقدمة في أول كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة.
ومنهم السجل، كما ورد به الحديث المروي في ذلك عن ابن عباس - إن صح - وفيه نظر.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا نوح بن قيس، عن يزيد بن كعب، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه النسائي عن قتيبة به عن ابن عباس أنه كان يقول: في هذه الآية * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * [ الانبياء: 104 ] السجل الرجل.
هذا لفظه ورواه أبو جعفر بن جرير في تفسيره عند قوله تعالى * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * ! عن نصر بن علي، عن نوح بن قيس وهو ثقة من رجال مسلم.
وقد ضعفه ابن معين في رواية عنه.
وأما شيخه يزيد بن كعب العوفي البصري فلم يرو عنه سوى نوح بن قيس، وقد ذكره مع ذلك ابن حبان في الثقات.
وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع، وإن كان في سنن أبي داود.
فقال شيخنا المزي: وأنا أقوله.
قلت: وقد رواه الحافظ ابن عدي في كامله من حديث محمد بن سليمان الملقب ببومة عن يحيى بن عمرو عن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له السحل، وهو قوله تعالى: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * قال

كما يطوي السجل للكتاب كذلك تطوى السماء.
وهكذا رواه البيهقي: عن أبي نصر بن قتادة، عن
أبي علي الرفا، عن علي بن عبد العزيز، عن مسلم بن إبراهيم، عن يحيى بن عمرو بن مالك به.
ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة.
والله أعلم.
وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن منده من حديث أحمد بن سعيد البغدادي المعروف بحمدان: عن بهز، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له سجل، فأنزل الله: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * قال ابن منده: غريب تفرد به حمدان.
وقال البرقاني: قال أبو الفتح الازدي تفرد به ابن نمير - إن صح -.
قلت: وهذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس، وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر خلاف ذلك، فقد روى الوالبي والعوفي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: قال كطي الصحيفة على الكتاب.
وكذلك قال مجاهد، وقال ابن جرير هذا هو المعروف في اللغة أن السجل هو الصحيفة.
قال ولا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وأنكر أن يكون السجل اسم ملك من الملائكة كما رواه عن أبي كريب عن ابن يمان: ثنا أبو الوفا الاشجعي، عن أبيه عن ابن عمر في قوله: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * قال: السجل ملك فإذا صعد بالاستغفار قال الله اكتبها نورا.
وحدثنا بندار: عن مؤمل، عن سفيان سمعت السدي يقول، فذكر مثله.
وهكذا قال أبو جعفر الباقر: فيما رواه أبو كريب، عن المبارك عن معروف بن خربوذ، عمن سمع أبا جعفر يقول: السجل الملك، وهذا الذي أنكره ابن جرير من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوي جدا، والحديث في ذلك منكر جدا.
ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن منده وأبي نعيم الاصبهاني وابن الاثير في الغابة إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث، أو تعليقا على صحته والله أعلم.
ومنهم سعد بن أبي سرح.
فيما قاله خليفة بن خياط (1) وقد وهم إنما هو ابنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح كما سيأتي قريبا إن شاء الله.
ومنهم عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر الصديق.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال قال الزهري: أخبرني عبد الملك بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول، فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: فقلت له إن قومك جعلوا
فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزؤني منه شيئا ولم يسألوني إلا أن أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى.
قلت: وقد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة.
وقد روى أن أبا بكر هو الذي كتب لسراقة هذا الكتاب فالله أعلم.
وقد كان عامر بن فهيرة - ويكنى أبا عمرو - من مولدي الازاد أسود اللون،
__________
(1) يبدو أن ابن كثير غلط في النقل عن خليفة وتبعه ابن حجر في الاصابة.
فقد ذكر خليفة: " عبد الله " تاريخه ص 99.

وكان أولا مولى للطفيل بن الحارث أخي عائشة لامها أم رومان، فأسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن أبي الارقم التي عند الصفا مستخفيا، فكان عامر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه فيأبى، فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه، فكان يرعى له غنما بظاهر مكة.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر كان معهما رديفا لابي بكر ومعهم الدليل الدئلي فقط كما تقدم مبسوطا، ولما وردوا المدينة نزل عامر بن فهيرة على سعد بن خيثمة، وآخى رسول الله بينه وبين أوس بن معاذ وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة كما تقدم وذلك سنة أربع من الهجرة، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة.
فالله أعلم.
وقد ذكر عروة وابن إسحاق والواقدي وغير واحد، أن عامرا قتله يوم بئر معونة رجل يقال له جبار بن سلمى من بني كلاب، فلما طعنه بالرمح قال: فزت ورب الكعبة، ورفع عامر حتى غاب عن الابصار حتى قال عامر بن الطفيل: لقد رفع حتى رأيت السماء دونه، وسئل عمرو بن أمية عنه فقال: كان من أفضلنا ومن أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم قال جبار: فسألت الضحاك بن سفيان عما قال ما يعني به ؟ فقال يعني الجنة.
ودعاني الضحاك إلى الاسلام فأسلمت لما رأيت من قتل عامر بن فهيرة، فكتب الضحاك إلى رسول الله يخبره بإسلامي وما كان من أمر عامر، فقال " وارته الملائكة وأنزل عليين " وفي الصحيحين عن أنس أنه قال قرأنا فيهم قرآنا أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، وقد تقدم ذلك وبيانه في موضعه عند غزوة بئر
معونة.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل كان يقول: من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء دونه ؟ قالوا عامر بن فهيرة.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة عن عائشة قال: رفع عامر بن فهيرة إلى السماء فلم توجد جثته، يرون أن الملائكة وارته.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن أرقم بن أبي الارقم المخزومي.
أسلم عام الفتح وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال الامام مالك: وكان ينفذ ما يفعله ويشكره ويستجيده.
وقال سلمة عن محمد بن إسحاق بن يسار، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله استكتب عبد الله بن الارقم بن عبد يغوث، وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويختم على ما يقرأه لامانته عنده.
وكتب لابي بكر وجعل إلى بيت المال، وأقره عليهما عمر بن الخطاب، فلما كان عثمان عزله عنهما.
قلت: وذلك بعدما استعفاه عبد الله بن أرقم، ويقال إن عثمان عرض عليه ثلاثمائة ألف درهم عن أجرة عمالته فأبى أن يقبلها وقال: إنما عملت لله فأجري على الله عز وجل.
قال ابن إسحاق: وكتب لرسول الله زيد بن ثابت، فإذا لم يحضر ابن الارقم وزيد بن ثابت كتب من حضر من الناس وقد كتب عمر وعلي وزيد والمغيرة بن شعبة ومعاوية وخالد بن سعيد بن العاص وغيرهم ممن سمي من العرب.
وقال الاعمش: قلت لشقيق بن سلمة من كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال عبد الله بن الارقم، وقد جاءنا كتاب عمر بالقادسية وفي أسفله، وكتب عبد الله بن

الارقم.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا الفضل بن محمد البيهقي، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل، فقال لعبد الله بن الارقم " أجب عني " فكتب جوابه ثم قرأه عليه، فقال " أصبت وأحسنت، اللهم وفقه " قال فلما ولي عمر كان يشاوره.
وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما رأيت أخشى لله منه
- يعني في العمال - أضر رضي الله عنه قبل وفاته.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الخزرجي، صاحب الاذان، أسلم قديما فشهد عقبة السبعين، وحضر بدرا وما بعدها، ومن أكبر مناقبه رؤيته الاذان والاقامة في النوم، وعرضه ذلك على رسول الله وتقريره عليه، وقوله له " إنها لرؤيا حق فألقه على بلال، فإنه أندى صوتا منك " وقد قدمنا الحديث بذلك في موضعه.
وقد روى الواقدي بأسانيده عن ابن عباس أنه كتب كتابا لمن أسلم من جرش فيه، الامر لهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإعطاء خمس المغنم.
وقد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين عن أربع وستين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، القرشي العامري، أخو عثمان لامه من الرضاعة.
أرضعته أم عثمان.
وكتب الوحي ثم ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء - فجاء إلى عثمان بن عفان فاستأمن له، فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا في غزوة الفتح، ثم حسن إسلام عبد الله بن سعد جدا.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد المروزي، ثنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله أن يقتل، فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه النسائي من حديث علي بن الحسين بن واقد به.
قلت: وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح عمرو مصر سنة عشرين في الدولة العمرية فاستناب عمر بن الخطاب عمرا عليها، فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عنها عمرو بن العاص وولي عليها عبد الله بن سعد سنة خمس وعشرين، وأمره بغزو بلاد أفريقية فغزاها ففتحها، وحصل للجيش منها مال عظيم كان قسم الغنيمة لكل فارس من الجيش ثلاثة آلاف مثقال من ذهب، وللراجل ألف مثقال.
وكان معه في جيشه هذا ثلاثة من العبادلة، عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، ثم غزا عبد الله بن سعد بعد أفريقية الاساود من أرض النوبة
فهادنهم فهي إلى اليوم، وذلك سنة إحدى وثلاثين.
ثم غزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم وهي غزوة عظيمة كما سيأتي بيانها في موضعها إن شاء الله.
فلما اختلف الناس على عثمان خرج من مصر واستناب عليها ليذهب إلى عثمان لينصره.
فلما قتل عثمان أقام بعسقلان - وقيل بالرملة -

ودعا الله أن يقبضه في الصلاة، فصلى يوما الفجر وقرأ في الاولى منها بفاتحة الكتاب والعاديات، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورة، ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الاولى، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه، وذلك في سنة ست وثلاثين، وقيل سنة سبع، وقيل إنه تأخر إلى سنة تسع وخمسين، والصحيح الاول.
قلت: ولم يقع له رواية في الكتب الستة ولا في المسند للامام أحمد.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن عثمان، أبو بكر الصديق.
وقد تقدم الوعد بأن ترجمته ستأتي في أيام خلافته إن شاء الله عز وجل وبه الثقة.
وقد جمعت مجلدا في سيرته وما رواه من الاحاديث وما روي عنه من الآثار، والدليل على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه عن سراقة بن مالك، في حديثه حين اتبع رسول الله حين خرج هو وأبو بكر من الغار فمروا على أرضهم، فلما غشيهم - وكان من أمر فرسه ما كان - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان، فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ثم ألقاه إليه.
وقد روى الامام أحمد من طريق الزهري بهذا السند أن عامر بن فهيرة كتبه، فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقيه والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم عثمان بن عفان أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في أيام خلافته وكتابته بين يديه عليه السلام مشهورة.
وقد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الاسلام.
ومنهم رضي الله عنهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في خلافته، وقد تقدم أنه كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية أن يأمن الناس، وأنه لا إسلال ولا
إغلال، وعلى وضع الحرب عشر سنين.
وقد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يدعيه طائفة من يهود خيبر أن بأيديهم كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم وفي آخره وكتب علي بن أبي طالب، وفيه شهادة جماعة من الصحابة منهم سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان فهو كذب وبهتان مختلق موضوع مصنوع، وقد بين جماعة من العلماء بطلانه، واغتر بعض الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم وهذا ضعيف جدا.
وقد جمعف في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه وأنه موضوع، اختلقوه وصنعوه وهم أهل لذلك، وبينته وجمعت مفرق كلام الائمة فيه ولله الحمد والمنة.
ومن الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وستأتي ترجمته في موضعها.
وقد أفردت له مجلدا على حدة، ومجلدا ضخما في الاحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والاثار والاحكام المروية عنه رضي الله عنه، وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبد الله بن الارقم.

ومنهم رضي الله عنهم العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد، ويقال عبد الله بن عباد (1) بن أكبر بن ربيعة بن عريقة (2) بن مالك بن الخزرج بن أياد بن الصدق بن زيد بن مقنع بن حضرموت بن قحطان، وقيل غير ذلك في نسبه وهو من حلفاء بني أمية.
وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة أبان بن سعيد بن العاص، وكان له من الاخوة عشرة غيره فمنهم، عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش، وهي أول سرية كما تقدم، ومنهم عامر بن الحضرمي الذي أمره أبو جهل لعنه الله فكشف عن عورته وناداه واعمراه حين اصطف المسلمون والمشركون يوم بدر فهاجت الحرب وقامت على ساق وكان ما كان مما قدمناه مبسوطا في موضعه.
ومنهم شريح بن الحضرمي، وكان من خيار الصحابة.
قال فيه رسول الله " ذاك رجل لا يتوسد القرآن " يعني لا ينام ويتركه، بل يقوم به آناء الليل والنهار ولهم كلهم أخت واحدة وهي الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، ثم ولاه عليها أميرا حين افتتحها.
وأقره عليها الصديق، ثم
عمر بن الخطاب، ولم يزل بها (3) حتى عزله عنها عمر بن الخطاب وولاه البصرة.
فلما كان في أثناء الطريق توفي وذلك في سنة إحدى وعشرين، وقد روى البيهقي عنه وغيره كرامات كثيرة منها أنه سار بجيشه على وجه البحر ما يصل إلى ركب خيولهم، وقيل إنه ما بل أسافل نعال خيولهم، وأمرهم كلهم فجعلوا يقولون يا حليم يا عظيم، وأنه كان في جيشه فاحتاجوا إلى ماء فدعا الله فأمطرهم قدر كفايتهم، وأنه لما دفن لم ير له أثر بالكلية، وكان قد سأل الله ذلك، وسيأتي هذا في كتاب دلائل النبوة قريبا إن شاء الله عز وجل.
وله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث الاول، قال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن السائب بن يزيد، عن العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا " وقد أخرجه الجماعة من حديثه.
والثاني: قال أحمد: حدثنا هشيم ثنا منصور، عن ابن سيرين، عن ابن العلاء بن الحضرمي أن أباه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه، وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل.
والحديث الثالث: رواه أحمد وابن ماجه من طريق محمد بن زيد عن حبان الاعرج عنه.
أنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين في الحائط - يعني البستان - يكون بين الاخوة فيسلم أحدهم ؟ فأمره أن يأخذ العشر ممن أسلم.
والخراج - يعني ممن لم يسلم -.
__________
(1) في ابن سعد: ضماد بن سلمى.
(2) عريقة سقط من الاصابة وأسد الغابة وفيه: ابن مالك بن أكبر بن عويف بن مالك بن الخزرج بن أبي بن الصدف.
(3) يرى الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله عزله عن البحرين وبعث أبان بن سعيد بن العاص عاملا عليها.
حتى ولي أبو بكر فأعاده إليها.
في حين قال في أسد الغابة انه أقام عليها حتى وفاته - بعد أن اقره عليها أبو بكر وعمر - سنة احدى وعشرين.
وذكره الطبري على البحرين سنة 14 و 16 ولم يأت على ذكره بعد ذلك.

ومنهم العلاء بن عقبة، قال الحافظ ابن عساكر: كان كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجد أحدا ذكره إلا فيما أخبرنا.
ثم ذكر إسناده إلى عتيق بن يعقوب حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم فذكرها، وذكر فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النبي محمد عباس بن مرداس السلمي أعطاء مدمورا (1) فمن خافه فيها فلا حق له، وحقه حق، وكتب العلاء بن عقبة وشهد.
ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله عوسجة بن حرملة الجهني، من ذي المروة وما بين بلكثه إلى الظبية إلى الجعلات إلى جبل القبلية (2) فمن خافه فلا حق له وحقه حق، وكتبه العلاء بن عقبة.
وروى الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبني سيح من جهينة وكتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة، وشهد.
وقد ذكر ابن الاثير في الغابة هذا الرجل مختصرا فقال: العلاء بن عقبة كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكره في حديث عمرو بن حزم، ذكره جعفر أخرجه أبو موسى - يعني المديني - في كتابه.
ومنهم رضي الله عنهم محمد بن مسلمة (3) بن جريس بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الانصاري الحارثي أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو سعيد المدني حليف بني عبد الاشهل.
أسلم على يدي مصعب بن عمير، وقيل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وآخى رسول الله حين قدم المدينة بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، واستخلفه رسول الله على المدينة عام تبوك.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب:
__________
(1) في الطبقات: مدفوا ومن حاقه فلاحق له، وفي أعلام السائلين مذمورا.
وفي الاصل غير منقوطة.
لم اعثر عليهما.
وجدت في معجم البلدان مدفار موضع في بلاد بني سليم أو هذيل.
ونص الكتاب.
(2) في الاصل إلى بلنكثة إلى الطيبة إلى الجعلات إلى جبل القبلة، والتصحيح من المعجم، ونص الكتاب في الطبقات: 1 / 271: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أعطى الرسول عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة، أعطاه ما بين بلكئة إلى المصنعة إلى الجفلات إلى الجد جبل القبلة لا يحاقه أحد.
ومن حاقه فلا حق له وحق حق وكتب [ العلاء بن ] عقبة وشهد.
وانظر النص في معجم البلدان (ظبيه) واعلام السائلين ص 48 ووفاء الوفاء ج 2 / 340.
- بلكئة: في القاموس: قارة عظيمة فهي وبلاكث اسمان لقارة عظيمة فوق ذي المروة، بينه وبين ذي خشب
ببطن أضم بجانب برمة، بين خيبر ووادي القرى، وهي عيون ونخل لقريش.
- الظبية، وهي موضع بديار جهينة، أما المصنعة - تصحيف - فهي في نواحي ذمار باليمن.
- الجفلات أو الجعلات لم أعثر عليها، ولعلها موضع بذي موضع مروة.
- جبل القبلية: ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام (النهاية) وقال الزمخشري القبلية سراة فيما بين المدينة وينبع.
(3) في الاصابة: سلمة.
وسقط جريس من نسبه.

كان شديد السمرة طويلا أصلع ذا جثة (1) وكان من فضلاء الصحابة، وكان ممن اعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب.
ومات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على المشهور عند الجمهور، وصلى عليه مروان بن الحكم.
وقد روى حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر محمد بن سعد: عن علي بن محمد المدايني بأسانيده أن محمد بن مسلمة هو الذي كتب لوفد مرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم رضي الله عنهم معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الاموي وستأتي ترجمته في أيام إمارته إن شاء الله.
وقد ذكره مسلم بن الحجاج في كتابه عليه السلام.
وقد روى مسلم في صحيحه: من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك بن الوليد، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ؟ قال " نعم " ؟ قال تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال " نعم " ؟ قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال " نعم " ؟ الحديث.
وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة بسبب ما وقع فيه من ذكر طلبه تزويج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن فيه من المحفوظ تأمير أبي سفيان وتوليته معاوية منصب الكتابة بين يديه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة، فأما الحديث قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية ها هنا أخبرنا أبو غالب بن البنا، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله العطشي، حدثنا أحمد بن محمد البوراني، ثنا السري بن عاصم، ثنا الحسن بن زياد، عن القاسم بن بهرام، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال: استكتبه فإنه أمين، فإنه حديث غريب بل منكر.
والسري بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذاني وكان يؤدب المعتز بالله، كذبه في الحديث ابن خراش.
وقال ابن حبان وابن عدي: كان يسرق الحديث.
زاد ابن حبان ويرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به.
وقال الدارقطني كان ضعيف الحديث وشيخه الحسن بن زياد - إن كان اللؤلؤي - فقد تركه غير واحد من الائمة، وصرح كثير منهم بكذبه، وإن كان غيره فهو مجهول العين والحال.
وأما القاسم بن بهرام فاثنان، أحدهما يقال له القاسم بن بهرام الاسدي الواسطي الاعرج أصله من أصبهان، روى له النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديث القنوت بطوله، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان.
والثاني القاسم بن بهرام أبو حمدان قاضي هيت.
قال ابن معين كان كذابا.
وبالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت ولا يغتر به، والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره - بل ومن تقدمه بدهر - كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها، ولا يشير إلى شئ من ذلك إشارة لا ظاهرة ولا خفية، ومثل هذا الصنيع فيه نظر والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي، وقد قدمت ترجمته فيمن كان يخدمه عليه
__________
(1) من الاستيعاب، وفي الاصل ذا جنة.

السلام من بين أصحابه من غير مواليه، وأنه كان سيافا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن عساكر بسنده عن عتيق بن يعقوب بإسناده المتقدم غير مرة أن المغيرة بن شعبة هو الذي كتب اقطاع حصين بن نضلة الاسدي الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره (1)، فهؤلاء كتابه الذين كانوا يكتبون بأمره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه.
فصل وقد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري أحد العشرة رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف الزهري.
أما أبو عبيدة فقد روى البخاري من
حديث أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح " وفي لفظ أن رسول الله قال لوفد عبد القيس نجران " لابعثن معكم أمينا حق أمين " فبعث معهم أبا عبيدة.
قال ومنهم معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي مولى بني عبد الشمس، كان على خاتمه، ويقال كان خادمه، وقال غيره أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة في الناس، ثم إلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها، وكان على الخاتم واستعمله الشيخان على بيت المال، قالوا وكان قد أصابه الجذام فأمر عمر بن الخطاب فدووي بالحنظل فتوقف المرض.
وكانت وفاته في خلافة عثمان وقيل سنة أربعين.
فالله أعلم.
قال الامام أحمد: ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير (2) عن أبي سلمة حدثني معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال " إن كنت لا بد فاعلا فواحدة " وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان النحوي، زاد مسلم وهشام، الدستوائي.
زاده الترمذي والنسائي وابن ماجه والاوزاعي ثلاثتهم عن يحيى بن أبي كثير به، وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا خلف بن الوليد، ثنا أيوب، عن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن معيقيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل للاعقاب من النار " وتفرد به الامام أحمد.
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عتاب سهل بن حماد الدلال، عن أبي مكين نوح بن ربيعة عن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده - وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، قال فربما كان في يدي.
قلت: أما خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان من فضة فصه منه كما سيأتي في الصحيحين وكان قد اتخذ قبله خاتم ذهب فلبسه حينا ثم رمى به وقال " والله لا ألبسه " ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة فصه منه ونقشه محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، فكان في يده عليه
__________
(1) ذكره ابن سعد في الطبقات 1 / 274 وفيه: وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله لحصين بن نضلة الاسدي أن له أراما وكسه لا يحاقه فيها أحد.
وكتب المغيرة بن شعبة.
(3) من المسند، وفي الاصل " بكير " تحريف.

السلام ثم كان في يد أبي بكر من بعده ثم في يد عمر ثم كان في يد عثمان فلبث في يده ست سنين، ثم سقط منه في بئر أريس فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه، وقد صنف أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده، وسنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه وبالله المستعان.
وأما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام، كما ذكره ابن عبد البر وغيره، لكنه مشهور فلعله أصابه ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان به وكان مما لا يعدى منه، أو كان ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
لقوة توكله كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة - " كل ثقة بالله، وتوكلا عليه " رواه أبو داود.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فر من المجذوم فرارك من الاسد " والله أعلم.
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على أسمائهم ولله الحمد والمنة.
وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألف، وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء عن ستين ألف، وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي.
قلت: والذي روى عنهم الامام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا.
ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا.
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم وذكر أيامهم ووفياتهم، من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه الاستيعاب، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، وأبو موسى المديني، ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الصحابية، صنف كتابه (1) الغابة في ذلك فأجاد وفاد، وجمع وحصل، ونال ما رام وأمل، فرحمه الله وأثابه وجمعه والصحابة آمين يا رب
ثم سقط منه في بئر أريس فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه، وقد صنف أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده، وسنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه وبالله المستعان.
وأما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام، كما ذكره ابن عبد البر وغيره، لكنه مشهور فلعله أصابه ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان به وكان مما لا يعدى منه، أو كان ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
لقوة توكله كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة - " كل ثقة بالله، وتوكلا عليه " رواه أبو داود.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فر من المجذوم فرارك من الاسد " والله أعلم.
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على أسمائهم ولله الحمد والمنة.
وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألف، وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء عن ستين ألف، وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي.
قلت: والذي روى عنهم الامام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا.
ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا.
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم وذكر أيامهم ووفياتهم، من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه الاستيعاب، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، وأبو موسى المديني، ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الصحابية، صنف كتابه (1) الغابة في ذلك فأجاد وفاد، وجمع وحصل، ونال ما رام وأمل، فرحمه الله وأثابه وجمعه والصحابة آمين يا رب العالمين
__________
(1) اسمه: أسد الغابة وهو مطبوع.

البداية والنهاية - ابن كثير ج 6
البداية والنهاية
ابن كثير ج 6

البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه.
حققه ودقق أصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء السادس دار إحياء التراث العربي

بسم الله الرحمن الرحيم باب آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام وقد أفرد له أبو داود في كتابه السنن كتابا على حدة (1)، ولنذكر عيون ما ذكره في ذلك مع ما نضيفه إليه، والمعول في أصل ما نذكره عليه.
قال أبو داود (2): حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي، حدثنا عيسى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى بعض الاعاجم فقيل له: إنهم لا يقرؤن كتابا إلا بخاتم، فاتخذ خاتما من فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا رواه البخاري عن عبد الاعلى بن حماد عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به (3)، ثم قال أبو داود (4): حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن سعيد، عن قتادة عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس، زاد: فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر حتى قبض، وفي يد عمر حتى قبض، وفي يد عثمان، فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت، فلم يقدر
عليه.
تفرد به أبو داود من هذا الوجه، ثم قال أبو داود رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا: أنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال حدثني أنس قال: كان خاتم
__________
(1) سنن أبي داود - كتاب الخاتم ج 4 / 88 وما بعدها.
(2) في باب ما جاء في اتخاذ الخاتم ج 4 / 88 حديث 4214.
(3) ذكر ابن سعد في سبب اتخاذ النبي خاتما ان معاذ بن جبل قدم من اليمن وفي يده خاتم من ورق فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ما هذا الخاتم ؟ قال: اكتب إلى الناس فأخاف أن يزاد فيها وينقض فاتخذت خاتما أختم به ونقشه: محمد رسول الله.
(4) المصدر السابق: حديث 4215.

النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي (1)، وقد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث، ومسلم من حديث ابن وهب، وطلحة عن يحيى الانصاري، وسليمان بن بلال، زاد النسائي وابن ماجة وعثمان عن عمر خمستهم عن يونس بن يزيد الايلي به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله فصه منه، وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز بن صهيب.
عن أنس بن مالك قال: اصطنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما، فقال: إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد، قال: فإني أرى بريقه في خنصره.
ثم قال أبو داود: حدثنا نصير بن الفرج، ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر [ قال ] (2): اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي بطن كفه، ونقش فيه " محمد رسول الله "، فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه: " محمد رسول الله "، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر، ثم لبسه بعد أبي بكر عمر، ثم لبسه بعده
عثمان حتى وقع في بئر أريس، وقد رواه البخاري عن يوسف بن موسى، عن أبي أسامة حماد بن أسامة به، ثم قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقش فيه " محمد رسول الله "، وقال: لا ينقش أحد على [ نقش ] (3) خاتمي هذا، وساق الحديث، وقد رواه مسلم وأهل السنن الاربعة من حديث سفيان بن عيينة به نحوه، ثم قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا أبو عاصم، عن المغيرة بن زياد، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ عثمان خاتما ونقش فيه " محمد رسول الله "، قال: فكان يختم به أو يتختم به، ورواه النسائي عن محمد بن معمر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل به، ثم قال أبو داود: باب ما جاء (4) في ترك الخاتم حدثنا محمد بن سليمان لوين، عن ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك
__________
(1) فصه هنا فعل ماض أي صنعه رجل حبشي.
المصدر السابق حديث 4216.
(2) من سنن أبي داود.
(3) من سنن أبي داود.
(4) من سنن أبي داود.

أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس، ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال من ورق (1)، قلت: وقد رواه البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال حدثني أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم، ثم علقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني وشعيب بن أبي حمزة،
وزياد بن سعد الخراساني، وأخرجه مسلم من حديثه، وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلهم عن الزهري كما قال أبو داود: خاتما من ورق، والصحيح أن الذي لبسه يوما واحدا ثم رمى به، إنما هو خاتم الذهب، لا خاتم الورق، لما ثبت في الصحيحين عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله يلبس خاتما من ذهب، فنبذه وقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم، وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا، ولم يزل في يده حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه، وكان فصه منه يعني ليس فيه فص ينفصل عنه، ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد وأخطأ، بل كان فضة كله وفصه منه، ونقشه محمد رسول الله ثلاثة أسطر: محمد سطر.
رسول سطر، الله سطر، وكأنه والله أعلم كان منقوشا وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا، وقد قيل: إن كتابته كانت مستقيمة، وتطبع كذلك، وفي صحة هذا نظر، ولست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا ولا ضعيفا، وهذه الاحاديث التي أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة، ترد الاحاديث التي قدمناها في سنني أبي داود والنسائي من طريق أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن معيقيب بن أبي فاطمة عن جده قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، ومما يزيده ضعفا الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم السلمي المروزي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه (2) فقال: مالي أجد منك ريح الاصنام ؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليك حلية أهل النار ؟ فطرحه، ثم قال: يا رسول الله من أي شئ أتخذه ؟ قال: إتخذه من ورق، ولا تنمه مثقالا، وقد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى كما رواه أبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي من حديث شريك، وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن القاضي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله.
قال شريك: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن رسول الله كان بتختم في يمينه، وروى في اليسرى، رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي داود، عن نافع
__________
(1) ورق: أي فضة.
(2) الشبه: النحاس الاصفر.

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره، وكان فصه في باطن كفه، قال أبو داود: رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه، وحدثنا هناد، عن عبدة، عن عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى، ثم قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى، فقلت: ما هذا ؟ فقال رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا وجعل نصه على ظهرها، قال: ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه كذلك، وهكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن إسحاق به، ثم قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري: حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن، وقد روى الترمذي في الشمائل: عن أنس، وعن جابر، وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمين، وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري، ثنا أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالك أن أبا بكر لما استخلف كتب له وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر.
ورسول سطر.
والله سطر، قال أبو عبد الله: وزاد أبو أحمد: ثنا الانصاري حدثني أبي ثنا ثمامة، عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر، وفي يد عمر بعد أبي بكر، قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده، فأما الحديث الذي رواه الترمذي في الشمائل، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن أبي يسر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه، فإنه حديث غريب جدا.
وفي السنن من حديث ابن جريج عن الزهري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه.
ذكر سيفه عليه السلام
قال الامام أحمد: ثنا شريح، ثثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الاعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر (1)، وهو الذي رأى الرؤيا يوم أحد، قال: رأيت في سيفي ذا الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير فبقر والله خير، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الترمذي وابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه به.
وقد ذكر أهل السنن أنه سمع قائل يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، وروى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعيد، عن جده مزيدة بن جابر العبدي العصري رضي الله عنه، قال: دخل
__________
(1) ذو الفقار كان سيف منبه بن الحجاج السهمي.

رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعلى سيفه ذهب وفضة، الحديث، ثم قال: هذا حديث غريب، وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا محمد بن بشار، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كانت قبيعة (1) سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، وروى أيضا من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفيا (2) وقد صار إلى آل علي سيف من سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء عند الطف كان معه فأخذه علي بن الحسين بن زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية، ثم رجع معه إلى المدينة، فثبت في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أنه تلقاه إلى الطريق، فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ قال فقال: لا، فقال: هل أنت معطى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخشى أن يغلبك عليه القوم، وأيم الله إن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي.
وقد ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك من السلاح، من ذلك الدروع (3) كما روى غير واحد منهم السائب بن يزيد، وعبد الله بن الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين (4)، وفي
الصحيحين من حديث مالك، عن الزهري عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه قيل له: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه، وعند مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، وقال وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وعليه عمامة دسماء، ذكرهما الترمذي في الشمائل، وله من حديث الدراوردي، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدلها بين كتفيه، وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن محمد، ثنا مخول بن إبراهيم، ثنا إسرائيل، عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك أنه كانت عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه، ثم قال البزار: لا نعلم رواه إلا مخول بن راشد، وهو صدوق فيه شيعية.
واحتمل على ذلك، وقال
__________
(1) القبيعة: ما على مقبض السيف من حديث أو فضة.
(2) في ابن سعد: خيفيا له قرن.
وذكر ابن الاثير سفيا للنبي ص اسمه: الخيف.
وذكروا أن النبي قدم من المدينة يوم بدر وسيفه العضب، وغنم يوم بني قينقاع: سيفا قلعيا وسيف البتار وسيف الخيف (الحتف في ابن سعد والطبري) وأصاب من القلس: المخذم ورسوب.
(الكامل لابن الاثير - الطبري - ابن سعد).
(3) كان له درع يقال لها الصعيدية (في ابن سعد والطبري: السعدية) ودرع يقال لها: فضة غنمها من بني قينقاع.
وكان له درع: ذات الفضول كانت عليه يوم أحد.
(4) هما: ذات الفضول وفضة.

الحافظ البيهقي بعد روايته هذا الحديث من طريق مخول هذا قال: وهو من الشعية يأتي بأفراد عن إسرائيل لا يأتي بها غيره، والضعف على رواياته بين ظاهر.
ذكر نعله التي كان يمشي فيها
ثبت في الصحيح عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية (1)، وهي التي لا شعر عليها، وقد قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد هو ابن مقاتل، حدثنا عبد الله، يعني ابن المبارك، أنا عيسى بن طهمان، قال: خرج إلينا أنس بن مالك بنعلين لهما قبالان، فقال ثابت البناني: هذه نعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه في كتاب الخمس: عن عبد الله بن محمد، عن أبي أحمد الزبيري، عن عيسى بن طهمان عن أنس، قال: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الترمذي في الشمائل: عن أحمد بن منيع، عن أبي أحمد الزبيري به، وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا أبو كريب، ثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثني شراكهما (2)، وقال أيضا: ثنا إسحاق بن منصور، أنا عبد الرزاق عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان، وقال الترمذي: ثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله: ثنا عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية، ثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان وأبي بكر وعمر وأول من عقد عقدا واحدا عثمان.
قال الجوهري: قبال النعل بالكسر: الزمام الذي يكون بين الاصبع الوسطى والتي تليها.
قلت: واشتهر في حدود سنة ستمائة وما بعدها عند رجل من التجار يقال له: ابن أبي الحدرد، نعل مفردة ذكر أنها نعل النبي صلى الله عليه وسلم فسامها الملك الاشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب منه بمال جزيل فأبى أن يبيعها، فاتفق موته بعد حين، فصارت إلى الملك الاشرف المذكور، فأخذها إليه وعظمها، ثم لما بنى دار الحديث الاشرفية إلى جانب القلعة، جعلها في خزانة منها، وجعل لها خادما، وقرر له من المعلوم كل شهرا أربعون درهما، وهي موجودة إلى الآن في الدار المذكورة، وقال الترمذي في الشمائل: ثنا محمد بن رافع وغير واحد قالوا: نثا أبو أحمد الزبيري، ثنا شيبان، عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سلة (3) يتطيب منها.
__________
(1) النعال السبتية: المتخذة من جلود البقر.
(2) في رواية ابن سعد عن الحارث: لها زمان شراكهما مثني في العقدة.
(3) السلة: الجونة.

صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك، عن عاصم قال: رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضبة من فضة، وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله، أخبرني أحمد بن محمد النسوي، ثنا حماد بن شاكر، ثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري، ثنا الحسن بن مدرك، حدثني يحيى بن حماد أنا أبو عوانة، عن عاصم الاحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار (1)، قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا، قال: وقال ابن سيرين إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه، وقال الامام أحمد: حدثنا روح بن عبادة، ثنا حجاج بن حسان قال: كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضبات حديد وحلقة من حديد، فأخرج من غلاف أسود وهو دون الربع وفوق نصف الربع، وأمر أنس بن مالك فجعل لنا فيه ماء فأتينا به فشربنا وصببنا على رؤوسنا ووجوهنا وصلينا على النبي صلى الله عليه وسلم انفرد به أحمد المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها قال الامام أحمد: ثنا يزيد، أنا عبد الله بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين (2)، وقد رواه الترمذي وابن ماجة من حديث يزيد بن هارون، قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لعباد بن مصور: سمعت هذا الحديث من عكرمة، فقال: أخبرنيه ابن أبي يحيى، عن داود بن الحصين عنه، قلت: وقد بلغني أن بالديار المصرية مزارا فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين، فمن ذلك مكحلة وقيل ومشط وغير ذلك.
فالله أعلم.
البردة قال الحافظ البيهقي: وأما البرد الذي عند الخلفاء فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلمائة دينار - يعني بذلك أول خلفاء بني العباس وهو السفاح رحمه
__________
(1) النضار: الخشب والاثل.
وذكر ابن سعد عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال: أن المقوقس اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قدح زجاج كان يشرب فيه.
وبه قال عطاء ولم يذكر المقوقس.
1 / 485.
(2) ذكر ابن سعد في رواية له عن عمران بن أبي أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين.
1 / 484.

الله - وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه، ويأخذ القضيب المنسوب إليه (صلوات الله وسلامه عليه) في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب، ويبهر به الابصار، ويلبسون السواد في أيام الجمع والاعياد، وذلك إقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر، ممن يسكن الوبر والمدر، لما أخرجه البخاري ومسلم إماما أهل الاثر، من حديث عن مالك عن الزهري، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر، وفي رواية وعليه عمامة سوداء، وفي رواية قد أرخى طرفها بين كتفيه، صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال البخاري: ثنا مسدد، ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن محمد، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت: قبض روح النبي صلى الله عليه وسلم في هذين، وللبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا أغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا، قلت: وهذه الابواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا، وقد تقدم أنه عليه
السلام طرحت تحته في قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلي عليها، ولو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل وموضعه كتاب اللباس من كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام قال ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب، عن مرثد بن عبد الله المزني، عن عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له المرتجز، وحمار يقال له عفير، وبغلة يقال لها دلدل، وسيفه ذو الفقار، ودرعه ذو الفضول.
ورواه البيهقي من حديث الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي نحوه، قال البيهقي: وروينا في كتاب السنن أسماء أفراسه التي كانت عند الساعدبين، لزاز واللحيف وقيل اللخيف والظرب (1)، والذي ركبه لابي طلحة يقال له المندوب، وناقته القصواء والعضباء والجدعاء (2)، وبغلته الشهباء (3)، والبيضاء.
قال البيهقى: وليس في شئ
__________
(1) في ذكر افراسه قيل: السكب اشتراه من أعرابي وكان اسمه الضرس.
والسكب الكثير الجري.
المرتجز كان صاحبه من بني مرة.
لزاز أهداه له المقوقس وسمي لزاز لشدة تلززه والظرب أهداه له فروة بن عمرو الجذامي سمي الظرب لشدة خلقه واللحيف أهداه له ربيعة بن أبي البراء ويقال اللخيف.
سمي اللحيف لطول ذنبه والورد أهداه له تميم الداري، وسيحة.
ويعسوب سمي به لانه أجود خيله.
(2) أسماء لناقة واحدة وهي من نعم بني الحريش.
(الطبري - ابن سعد - الكامل في التاريخ).
(3) الشهباء اسم بغلته دلدل.
وكان عنده بغلة يقال لها فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي فوهبها إلى أبي بكر.

من الروايات أنه مات عنهن إلا ما روينا في بغلته البيضاء، وسلاحه وأرض جعلها صدقة، ومن ثيابه، وبغلته، وخاتمه ما روينا في هذا الباب.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا زمعة بن صالح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة، وهذا إسناد جيد، وقد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا مجاهد، عن موسى، ثنا علي بن ثابت،
ثنا غالب الجزري عن أنس قال: لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لينسج له كساء من صوف، وهذا شاهد لما تقدم.
وقال أبو سعيد بن الاعرابي: حدثنا سعدان بن نصير، ثنا سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن حسين، عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وله بردان في الجف يعملان، وهذا مرسل.
وقال أبو القاسم الطبراني: ثنا الحسن بن إسحاق التستري، ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني، ثنا عثمان بن عبد الرحمن بن علي بن عروة، عن عبد الله بن أبي سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته، وكان يسميه ذا الفقار، وكان له قوس تسمى السداد (1) وكانت له كنانة تسمى الجمع وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى السغاء، وكان له مجن يسمى الذقن، وكان له ترس أبيض يسمى الموجز (2)، وكان له فرس أدهم يسمى السكب وكان له سرج يسمى الداج، وكان له بغلة شهباء يقال لها دلدل، وكانت له ناقة تسمى القصواء، وكان له حمار يقال له: يعفور، وكان له بساط يسمى الكرة، وكان له نمرة تسمى النمر، وكانت له ركوة تسمى الصادر، وكانت له مرآة تسمى المرآة، وكان له مقراض يسمى الجاح، وكان له قضيب شوحط (3) يسمى الممشوق، قلت: قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة سوى بغلة وأرض - جعلها صدقة، وهذا يقتضي أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد، والاماء، والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح، والحيوانات، والاثاث، والمتاع مما أوردناه وما لم نورده، وأما بغلته فهي الشهباء، وهي البيضاء أيضا والله أعلم، وهي التي أهداها له المقوقس، صاحب الاسكندرية وإسمه، جريج بن ميناء فيما أهدى من التحف، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه بإسمه الكريم شجاعة وتوكلا على الله عز وجل، فقد قيل إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام خلافته وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر، فكان يحبش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك، وأما حماره يعفور، ويصغر فيقال له عفير، فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الاحايين، وقد روى أحمد:
من حديث محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن عبد الله العوفي، عن
__________
(1) ذكر الطبري للنبي ثلاث قسي: الروحاء، والبيضاء - والصفراء.
(ابن سعد - الكامل).
(2) في ابن سعد: كان له ترس فيه تمثال رأس كبش.
(3) الشوحط: شجر تتخذ منه القسي.

عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حمارا يقال له عفير (1)، ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود، وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار، وفي الصحيحين أنه عليه السلام مر وهو راكب حمارا بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وأخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل، ذلك قبل وقعة بدر، وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة، فقال له عبد الله: لا أحسن مما تقول أيها المرء فإن كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا، وذلك قبل أن يظهر الاسلام، ويقال إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة وقال: لا تؤذنا بنتن حمارك، فقال له عبد الله ابن رواحة: والله لريح حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب من ريحك.
وقال عبد الله: بل يا رسول الله اغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فتثاور الحيان وهموا أن يقتتلوا فسكنهم رسول الله، ثم ذهب إلى سعد بن عبادة فشكى إليه عبد الله بن أبي.
فقال: ارفق به يا رسول الله، فوالذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق، وإنا لننظم له الخدر لنملكه علينا، فلما جاء الله بالحق شرق بريقه، وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر، وجاء أنه أردف معاذا على حمار، ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل والله أعلم، فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه الشفا، وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب وأن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجئ إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه، وأنه ذكر للني صلى الله عليه وسلم أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبي، وأنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات، فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية، وقد أنكره غير
واحد من الحفاظ منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم وأبوه رحمهما الله، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا، وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة: ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا إبراهيم ابن سويد الجذوعي، حدثني عبد الله بن أذين الطائي، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه، فقال: من أنت ؟ قال: أنا عمرو بن فلان كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الانبياء وأنا أصغرهم، وكنت لك فملكني رجل من اليهود، فكنت إذا ذكرتك به فيوجعني ضربا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت يعفور، هذا الحديث غريب جدا.
فصل وهذا أوان ما بقى علينا من متعلقات السيرة الشريفة، وذلك أربعة كتب: الاول في
__________
(1) عفير وقيل يعفور.
عفير تصغير ترخيم الاعفر، وهو الابيض بياضا غير خالص.
ومنه يعفور، كأخضر، ويخضور.

الشمائل.
الثاني في الدلائل.
الثالث في الفضائل.
الرابع في الخصائص، وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
كتاب الشمائل شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان خلقه الطاهر قد صنف الناس في هذا قديما وحديثا، كتبا كثيرة مفردة وغير مفردة، ومن أحس من جمع في ذلك فأجاد وأفاد الامام (أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي) رحمه الله، أفرد في هذا المعنى كتابه المشهور بالشمائل، ولنا به سماع متصل إليه، ونحن نورد عيون ما أورده فيه، ونزيد عليه أشياء مهمة لا يستغني عنها المحدث والفقيه، ولنذكر أولا بيان حسنه الباهر الجميل، ثم نشرع بعد ذلك في إيراد الجمل والتفاصيل، فنقول الله حسبنا ونعم الوكيل.
باب ما ورد في حسنه الباهر قال البخاري: ثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق: قال سمعت البراء بن عازب يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير (1).
وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب عن إسحاق بن منصور، وقال البخاري: حدثنا جعفر بن عمر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء ابن عازب.
قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه (2).
قال يوسف بن أبي إسحاق: عن أبيه إلى منكبيه.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق: عن البراء قال: ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير، وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث وكيع به.
وقال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، أنا أبو إسحاق، ح وحدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: ما رأيت أحدا من خلق الله أحس في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن جمته لتضرب إلى منكبيه، قال ابن أبي بكير، لتضرب قريبا من منكبيه.
قال - يعني ابن إسحاق - وقد سمعته يحدث به مرارا ما
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب 23 باب فتح الباري 6 / 564.
ومسلم في كتاب الفضائل (25) باب حديث 93 صفحة (1819).
(3) المصدر السابق فتح الباري 6 / 565 ومسلم ص (1818).

حدث به قط إلا ضحك.
وقد رواه البخاري في اللباس، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة من حديث إسرائيل به.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، ثنا زهير، عن أبي إسحاق قال: سئل البراء بن عازب أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف ؟ قال: لا بل مثل القمر (1)، ورواه الترمذي من حديث زهير بن معاوية الجعفي الكوفي عن أبي إسحاق السبيعي وإسمه
عمرو بن عبد الله الكوفي عن البراء بن عازب به وقال: حسن صحيح.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان ببغداد، أنا عبد الله بن جعفر بن درستوية، ثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان، ثنا أبو نعيم وعبد الله (2)، عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه مثل السيف ؟ قال: لا، بل مثل الشمس والقمر مستديرا، وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى به، وقد رواه الامام أحمد مطولا فقال: ثنا عبد الرزاق، أنا إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا أدهن ومشطهن لم ينبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير الشعر واللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف ؟ قال: لا، بل مثل الشمس والقمر مستديرا، قال: ورأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده.
وقال الحافظ البيهقي: أنا أبو طاهر الفقيه (3)، أنا أبو حامد بن بلال، ثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي، ثنا المحاربي، عن أشعث، عن أبي إسحاق، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان (4) وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر، هكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا عن هناد بن اليسري عن عيثر بن القاسم، عن أشعث بن سوار، قال النسائي: وهو ضعيف، وقد أخطأ والصواب أبو إسحاق عن البراء، وقال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث أشعث بن سوار، وسألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - قلت: حديث أبي إسحاق عن البراء أصح أم حديثه عن جابر ؟ فرأى كلا الحديثين صحيحا، وثبت في صحيح البخاري عن كعب بن مالك في حديث التوبة قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وقد تقدم الحديث بتمامه، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا سعيد، ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي (5)، عن ابن إسحاق
__________
(1) فتح الباري 6 / 565.
والترمذي في المناقب حديث 3636 والدارمي في المقدمة.
والامام أحمد في مسنده 4 / 281 و 5 / 104.
(2) في الدلائل: 1 / 195: عبيد الله، وهو عبيد الله بن موسى.
والحديث في صحيح مسلم 4 / 1823.
(3) أبو طاهر هو محمد بن محمد بن محمش الفقيه.
وأبو حامد: أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز.
(4) اضحيان: مقمرة مضيئة لا غيم فيها.
والحديث في دلائل النبوة 1 / 196.
وأخرجه الترمذي في الادب حديث رقم 2811.
والدارمي في المقدمة.
(5) العبدي: ضعفه أحمد وابن معين والنسائي الميزان 4 / 485.
والحديث رواه البيهقي في الدلائل 1 / 199.

الهمداني، عن إمرأة من همدان سماها.
قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة بيده محجن عليه بردان أحمران يكان يمس منكبه، إذا مر بالحجر استلمه بالمحجن ثم يرفعه إليه فيقبله، قال أبو إسحاق: فقلت لها: شبهته ؟ قالت: كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا عبد الله بن موسى التيمي، ثنا أسامة بن زيد، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلت للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة، ورواه البيهقي من حديث يعقوب بن محمد الزهري، عن عبد الله بن موسى التيمي بسنده فقالت: لو رأيته لقلت الشمس طالعة (1)، وثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه.
الحديث (2).
صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن خالد هو ابن يزيد، عن سعيد - يعني ابن أبي هلال - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال: سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا بآدم، ليس بجعد قطط ولا سبط رجل، أنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه وبالمدينة عشر سنين وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، قال ربيعة: فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر، فسألت فقيل: أحمر من الطيب (3)، ثم قال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالابيض الامهق ولا بالآدم، وليس بالجعد القطط، ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، فتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، وكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواه أيضا عن قتيبة ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر، وعن القاسم بن زكريا، عن خالد بن مخلد، عن سليمان بن
__________
(1) دلائل النبوة 1 / 200 ونقله الهيثمي في الزوائد 8 / 280 وعزاه للطبراني في الكبير والاوسط.
(2) فتح الباري 6 / 565 و 12 / 56 ومسلم في كتاب الرضاع صفحة (1081) وأبو داود في الطلاق حديث 2267.
والترمذي في الولاء والهبة حديث 2129 والنسائي في الطلاق.
باب القافة وأحمد في مسنده 6 / 82، 226.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، فتح الباري 6 / 564 وفي 10 / 356.
ومسلم في الفضائل ص (1824) صفحة (1825).
ومالك في الموطأ صفحة 919.
والترمذي في المناقب حديث 3623.
شرح المفردات: الربعة: المتوسط الطول.
الامهق: الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه شئ من الحمرة، ولا آدم: ليس شديد السمرة أي يخالط بياضه الحمرة.
السبط: المنبسط المسترسل..

؟ لال ثلاثتهم عن ربيعة به، ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن مالك به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال الحافظ البيهقي: ورواه ثابت عن أنس فقال: كان أزهر اللون، قال: ورواه حميد كما أخبرنا، ثم ساق بإسناده عن يعقوب بن سفيان، حدثني عمرو بن عون وسعيد بن منصور قالا: حدثنا خالد بن عبد الله، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمر اللون، وهكذا روى هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار عن علي عن خالد بن عبد الله عن حميد عن أنس، قال: وحدثناه محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا حميد عن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، وكان إذا مشى تكفأ وكان أسمر اللون، ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن حميد إلا خالد
وعبد الوهاب، ثم قال البيهقي رحمه الله: وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو جعفر البزار (1)، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا علي بن عاصم، ثنا حميد سمعت أنس بن مالك يقول فذكر الحديث في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: قال: كان أبيض بياضه إلى السمرة، قلت: وهذا السياق أحس من الذي قبله، وهو يقتضي أن السمرة التي كانت تعلو وجهه عليه السلام من كثرة أسفاره وبروزه للشمس والله أعلم، فقد قال يعقوب بن سفيان الفسوي أيضا: حدثني عمرو بن عون وسعيد بن منصور قالا: ثنا خالد بن عبد الله، عن (2) الجريري، عن أبي الطفيل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد رآه غيري، فقلنا له: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبيض مليح الوجه.
ورواه مسلم عن سعيد بن منصور به.
ورواه أيضا أبو داود من حديث سعيد بن أياس الجريري.
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مليحا، إذا مشى كأنما ينحط في صبوب، لفظ أبي داود، وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون [ حدثنا ] (3) الجريري، قال: كنت أطوف مع أبي الطفيل فقال: ما بقي أحد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري.
قلت: ورأيته ؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف كانت صفته ؟ قال: كان أبيض مليحا مقصدا (4)، وقد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع ومحمد بن بشار كلاهما عن يزيد بن هارون به.
وقال البيهقي (5): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، أو أبو الفضل محمد بن
__________
(1) في الدلائل 1 / 204: الرزاز.
(2) في نسخ البداية المطبوعة " بن " تحريف.
(3) من المسند.
5 / 454.
وفي النسخ المطبوعة زيد بن هارون الجريري تحريف.
مقصدا: المقصد من الرجال ليس بجسيم ولا طويل.
والحديث من طرقه عن أبي الطفيل مات سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قاله مسلم في كتاب الفضائل صفحة (1820) وأخرجه أبو داود في الادب حديث (4864).
(5) دلائل النبوة 1 / 205 وأخرجه الترمذي في الادب حديث (2826) وفي المناقب حديث 3777 وقال: حديث حسن صحيح.
وأحمد في مسنده (4 / 307) ومسلم في الفضائل صفحة 1822.
والبخاري في المناقب.
باب
صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

إبراهيم، ثنا أحمد ابن سلمة، ثنا واصل بن عبد الاعلى الاسدي، ثنا محمد بن فضيل، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه، ثم قال: رواه مسلم عن واصل بن عبد الاعلى، ورواه البخاري عن عمرو بن علي عن محمد بن فضيل، وأصل الحديث كما ذكر في الصحيحين، ولكن بلفظ آخر كما سيأتي، وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه أن سراقة بن مالك قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دنوت منه وهو على ناقته، جعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة، وفي رواية يونس عن ابن إسحاق: والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة، قلت: يعني من شدة بياضها كأنها جمارة طلع النخل، وقال الامام أحمد: ثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن مولى لهم - مزاحم بن أبي مزاحم - عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، عن رجل من خزاعة يقال له: محرش أو مخرش، لم يكن سفيان يقف على اسمه، وربما قال مخرش ولم أسمعه أنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر ثم رجع فأصبح بها كبائت فنظرت إلى ظهره كأنها سبيكة فضة، تفرد به أحمد (1)، وهكذا رواه يعقوب بن سفيان، عن الحميدي عن سفيان بن عيينة، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، حدثني عمرو بن الحارث، حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيري، أخبرني محمد بن مسلم، عن سعيد بن المسيب: أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان شديد البياض، وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه، وقال الامام أحمد: ثنا حسن، ثنا عبد الله بن لهيعة، ثنا أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقول: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان كأن الشمس تجري في جبهته، وما رأيت أحدا أسرع في في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الارض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث (2)، ورواه الترمذي عن قتيبة عن ابن لهيعة به وقال: كأن الشمس تجري في وجهه وقال: غريب، ورواه
البيهقي من حديث عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد المصري، عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة، وقال: كأنما الشمس تجري في وجهه، وكذلك رواه ابن عساكر من حديث حرملة عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة فذكره وقال: كأنما الشمس تجري في وجهه، وقال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا حجاج، ثنا حماد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي - يعني ابن الحنفية - عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي، عن عثمان بن عبد الله بن هرمز، عن نافع بن جبير، عن علي بن أبي طالب
__________
(1) مسند أحمد 3 / 426 و 4 / 69 و 5 / 380 وأخرجه النسائي في كتاب الحج باب (104).
(2) مسند أحمد 2 / 258 و 295، 350، 380.
وأخرجه الترمذي في المناقب حديث (3648).
والبيهقي في الدلائل: 1 / 206 ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ونقله السيوطي في الخصائص 1 / 72.

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشربا وجهه حمرة، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا ابن الاصبهاني، ثنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن جبير، قال: وصف لنا علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان أبيض مشرب الحمرة، وقد رواه الترمذي بنحوه من حديث المسعودي عن عثمان بن مسلم عن هرمز، وقال: هذا حديث صحيح، قال البيهقي: وقد روي هكذا عن علي من وجه آخر، قلت: رواه ابن جريج عن صالح بن سعيد عن نافع بن جبير، عن علي، قال البيهقي: ويقال: إن المشرب فيه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، وما تحت الثياب فهو الابيض الازهر (1).
صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر محاسنه: فرقه وجبينه وحاجبيه وعينيه وأنفه وقد تقدم قول أبي الطفيل كان أبيض مليح الوجه، وقول أنس كان أزهر اللون، وقول البراء وقد قيل له: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف ؟ - يعني في صقاله - فقال: لا، بل مثل القمر، وقول جابر بن سمرة وقد قيل له مثل ذلك، فقال: لا، بل مثل الشمس والقمر مستديرا، وقول الربيع بنت معوذ: لو رأيته لقلت الشمس طالعة، وفي رواية لرأيت الشمس
طالعة، وقال أبو إسحاق السبيعي عن إمرأة من همدان حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عنه فقالت: كان كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله، وقال أبو هريرة: كأن الشمس تجري في وجهه، وفي رواية في جبهته، وقال الامام أحمد: حدثنا عفان وحسن بن موسى قالا: ثنا حماد وهو ابن سلمة، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس، عظيم العينين، أهدب الاشفار، مشرب العينين بحمرة، كث اللحية أزهر اللون، شثن (2) الكفين والقدمين، إذا مشى كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعا.
تفرد به أحمد، وقال أبو يعلى: حدثنا زكريا ويحيى الواسطي، ثنا عباد بن العوام، ثنا الحجاج، عن سالم المكي، عن ابن الحنفية، عن علي أنه سئل عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لا قصيرا ولا طويلا، حسن الشعر رجله مشربا وجهه حمرة، ضخم الكراديس (3)، شثن الكعبين والقدمين، عظيم الرأس، طويل المسربة (4)، لم أر قبله ولا بعده مثله، إذا مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب (5).
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فإني
__________
(1) دلائل البيهقي 2 / 206 ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ونقله السيوطي في الخصائص 1 / 72.
(2) أهدب الاشفار: طويل الاشفار، شثن: الغليظ الاصابع من الكفين والقدمين.
(3) الكراديس: عظام المنكبين والمرفقين والوركين والركبتين.
(4) المسربة: الشعر المستدق (الدقيق) ما بين اللبة إلى السرة.
(5) ينحدر من صبب: الصبب الحدور.

لاخطب يوما على الناس وحبر من أحبار يهود واقف في يد سفر ينظر فيه، فلما رآني قال: صف لنا أبا القاسم، فقال علي: رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل البائن، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، هو رجل الشعر أسوده، ضخم الرأس، مشربا لونه حمرة، عظيم الكراديس، شثن الكفين والقدمين، طويل المسربة، وهو الشعر الذي يكون من النحر إلى السرة، أهدب
الاشفار، مقرون (1) الحاجبين، صلت الجبين، بعيد ما بين المنكبين إذا مشى تكفأ كأنما ينزل من صبب، لم أر قبله مثله، ولا بعده مثله، قال: علي: ثم سكت فقال لي الحبر: وماذا ؟ قال علي: هذا ما يحضرني، قال الحبر في عينيه حمرة، حسن اللحية، حسن الفم تام الاذنين، يقبل جميعا ويدبر جميعا، فقال علي: والله هذه صفته، قال الحبر: [ وشئ آخر ] (2) قال علي: وما هو ؟ قال الحبر وفيه جناء، قال علي: هو الذي قلت لك كأنما ينزل من صبب، قال الحبر: فإني أجد هذه الصفة في سفر آبائي (3) ونجده يبعث في حرم الله وأمنه وموضع بيته، ثم يهاجر إلى حرم يحرمه هو ويكون له حرمة كحرمة الحرم الذي حرم الله، ونجد أنصاره الذين هاجر إليهم قوما من ولد عمرو بن عامر أهل نخل وأهل الارض قبلهم يهود، قال علي: هو هو، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحبر: فإني أشهد أنه نبي وأنه رسول الله إلى الناس كافة، فعلى ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله.
قال: فكان يأتي عليا فيعلمه القرآن ويخبره بشرائع الاسلام، ثم خرج علي والحبر من هنالك، حتى مات في خلافة أبي بكر وهو مؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدق به، وهذه الصفة قد وردت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من طرق متعددة سيأتي ذكرها، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده قال: سئل أو قيل لعلي: انعت لنا رسول الله، فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وكان أسود الحدقة أهدب الاشفار، قال يعقوب: وحدثنا عبد الله بن سلمة وسعيد بن مصور قالا: ثنا عيسى بن يونس، ثنا عمر بن عبد الله مولى عفرة، عن إبراهيم بن محمد عن ولد علي قال: كان علي إذا نعت رسول الله قال: كان في الوجه تدوير أبيض أدعج العينين أهدب الاشفار.
قال الجوهري: الدعج شدة سواد العينين مع سعتها، وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، أخبرني سماك، سمعت جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهل العينين منهوس العقب ضليع الفم (4).
كذا رواه في رواية أبي
__________
(1) مقرون الحاجبين: القرن أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما.
صلت الجبين: الصلت: الواضح المستوي البارز.
(2) من ابن سعد، 1 / 412 - 413.
(3) من ابن سعد، وفي الاصل إياي تحريف.
(4) أخرجه مسلم في الفضائل ص (1820).
والترمذي في المناقب حديث (3647) شرح المفردات: - ضليع الفم: عظيم الفم، قالوا والعرب تمدح بذلك، وتذم بصغر الفم وهو معنى قول ثعلب في ضليع =

داود عن شعبة أشهل العينين، قال أبو عبيد: والشهلة حمرة في سواد العين، والشكلة حمرة في بياض العين، قلت: وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه عن أبي موسى وبندار كلاهما عن أحمد بن منيع عن أبي قطن عن شعبه به.
وقال أشكل العينين، وقال حسن صحيح، ووقع في صحيح مسلم تفسير الشكلة بطول أشفار العينين، وهو من بعض الرواة، وقول أبي عبيد: حمرة في بياض العين أشهر وأصح وذلك يدل على القوة والشجاعة والله تعالى أعلم، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني عمرو بن الحرث، حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي حدثني الزهري، عن سعد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله فقال: كان مفاض (1) الجبين أهدب الاشفار، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو غسان، ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، حدثني رجل بمكة عن ابن لابي هالة التميمي، عن الحسن بن علي، عن خاله قال: كان رسول الله واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، سهل الخدين، ضليع الفم أشنب، مفلج الاسنان.
وقال يعقوب، ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، عن كريب عن ابن عباس قال: كان رسول الله أفلج الثنيتين، وكان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه (2).
ورواه الترمذي: عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن المنذر به.
قال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عباد بن حجاج، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كنت إذا نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أكحل العينين وليس بأكحل، وكان في ساقي رسول الله حموشة وكان لا يضحك إلا تبسما، وقال الامام أحمد: ثنا وكيع، حدثني مجمع بن يحيى، عن عبد الله بن
عمران الانصاري، عن علي، والمسعودي عن عثمان بن عبد الله، عن هرمز، عن نافع بن جبير عن علي قال: كان رسول الله ليس بالقصير ولا بالطويل ضخم الرأس واللحية شثن الكفين
__________
= الفم: واسع الفم.
وقال شمر: عظيم الفم.
- منهوس العقب: قليل لحم العقب.
(1) مفاض الجبين: واسع الجبين.
الحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه 1 / 336.
(2) انظر شرح الشمائل للترمذي 1 / 43 والهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 279 وعزاه للطبراني وقال: عبد العزيز بن أبي ثابت: ضعيف.
شرح المفردات: - أزج الحواجب: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد (النهاية) وقيل: الزجج: دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس.
وسوابغ: الحواجب التامة الطويلة.
- يدره الغضب: أي يحركه ويظهره، كان النبي صلى الله عليه وآله إذا غضب امتلا ذلك العرق دما.
- اقنى العرنين: طويل الانف.

والقدمين والكراديس مشربا وجهه حمرة طويل المسربة إذا مشى تكفأ كأنما يقلع من صخر لم أر قبله ولا بعده مثله.
قال ابن عساكر: وقد رواه عبد الله بن داود الخريبي عن مجمع فأدخل بين ابن عمران وبين علي رجلا غير مسمى ثم أسند من طريق عمرو بن علي الفلاس، عن عبد الله بن داود، نثا مجمع بن يحيى الانصاري، عن عبد الله بن عمران عن رجل من الانصار قال: سألت علي بن أبي طالب وهو محتب بحمالة سيفه في مسجد الكوفة عن نعت رسول الله فقال: كان أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العينين، سبط الشعر، دقيق المسربة، سهل الخد، كث اللحية، ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره شثن الكفين والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنما يقتلع من صخر وإذا التفت التفت جميعا ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالعاجز ولا اللام (1) كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ ولريح
عرقه أطيب من المسك الاذفر لم أر قبله ولا بعده * وقال يعقوب بن سفيان، ثنا سعيد بن منصور: ثنا نوح بن قيس الحراني، ثنا خالد بن خالد التميمي، عن يوسف بن مازن المازني أن رجلا قال لعلي: يا أمير المؤمنين أنعت لنا رسول الله، قال: كان أبيض مشربا حمرة ضخم الهامة أغر أبلج أهدب الاشفار * وقال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا شريك، عن ابن عمير قال شريك: قلت له عمن يا أبا عمير (عمن حدثه) قال: عن نافع بن جبير عن أبيه عن علي قال: كان رسول الله ضخم الهامة مشربا حمرة، شثن الكفين والقدمين، ضخم اللحية، طويل لم أر قبله مثله ولا بعده، وقد روى لهذا شواهد كثيرة عن علي، وروى عن عمر نحوه * وقال الواقدي، ثنا بكير بن مسمار عن زياد بن سعد (2) قال: سألت سعد بن أبي وقاص هل خضب رسول الله ؟ قال: لا ولا هم به، كان شيبة في عنفقته وناصيته لو أشاء أن أعدها لعددتها * قلت: فما صفته ؟ قال: كان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بالابيض الامهق، ولا بالادم ولا بالسبط ولا بالقطط، وكانت لحيته حسنة وجبينه صلتا، مشربا بحمرة، شثن الاصابع، شديد سواد الرأس واللحية * وقال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: ثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا يحيى بن حاتم العسكري، ثنا بسر بن مهران، ثنا شريك، عن عثمان بن المغير، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: إن أول شئ علمته من رسول الله قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا إلى العباس بن المطلب فانتهينا إليه، وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة، له وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه، أقنى الانف، براق الثنايا أدعج العينين، كث اللحية، دقيق المسربة، شثن الكفين والقدمين، عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة بدر.
وذكر تمام الحديث وطوافه عليه السلام
__________
(1) اللام: الشديد، وفي رواية البيهقي اللئيم وهي في موقع غير مناسب.
والحديث في تهذيب تاريخ دمشق 1 / 316.
(2) في ابن سعد: عن زياد مولى سعد 1 / 433.

بالبيت وصلاته عنده هو وخديجة وعلي بن أبي طالب، وأنهم سألوا العباس عنه فقال: هذا هو ابن أخي محمد بن عبد الله وهو يزعم أن الله أرسله إلى الناس * وقال الامام أحمد: ثنا جعفر، ثنا عوف بن أبي جميلة، عن يزيد الفارسي قال: رأيت رسول الله في النوم في زمن ابن عباس قال: وكان يزيد يكتب المصاحف، قال: فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله في النوم، قال ابن عباس: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني فقد رآني " هل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت ؟ قال: قلت: نعم:، رأيت رجلا بين الرجلين جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، حسن الضحك، أكحل العينين، جميل دوائر الوجه، قد ملات لحميته من هذه إلى هذه، حتى كادت تملا نحره * قال عوف: لا أدري ما كان مع هذا من النعت، قال: فقال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا * وقال محمد بن يحيى الذهلي: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، قال: سئل أبو هريرة عن صفة رسول الله فقال: أحسن الصفة وأجملها كان ربعة إلى الطول، ما هو بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العين، أهدب الاشفار، إذ وطئ بقدمه وطئ بكلها، ليس لها أخمص إذا وضع رداءه على منكبيه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك كاد يتلالا في الجدر، لم أر قبله ولا بعده مثله (1) * وقد رواه محمد بن يحيى من وجه آخر متصل فقال: ثنا إسحاق بن إبراهيم - يعني الزبيدي - حدثني عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكر نحو ما تقدم * ورواه الذهلي عن إسحاق ابن راهوية، عن النضر بن شميل، عن صالح، عن أبي الاخضر، عن الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر، مفاض البطن، عظيم مشاش المنكبين، يطأ بقدمه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا * ورواه الواقدي: حدثني عبد الملك عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله شثن القدمين والكفين، ضخم الساقين عظيم الساعدين، ضخم العضدين والمنكبين بعيد ما بينهما، رحب الصدر، رجل الرأس، أهدب العينين، حسن الفم، حسن اللحية، تام الاذنين، ربعة من
القوم، لا طويل ولا قصير، أحسن الناس لونا، يقبل معا ويدبر معا، لم أر مثله ولم أسمع بمثله (1) * وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، ثنا أبو الحسن المحمودي المروزي، ثنا أبو عبد الله محم بن علي الحافظ، ثنا محمد بن المثنى، ثنا عثمان بن عمر (3)، ثنا حرب بن سريج، صاحب الحلواني، حدثني رجل بلعدويه حدثني جدي قال: انطلقت إلى
__________
(1) الخبر في تهذيب تاريخ دمشق الكبير 1 / 319.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات 1 / 415.
(3) في دلائل البيهقي 1 / 248 بعده: حدثنا حرب بن شريح، صاحب الخلقان، قال: حدثني رجل من بلعدوية قال حدثني جدي.

المدينة أذكر الحديث في رؤية رسول الله قال: فإذا رجل حسن الجسم، عظيم الجمة (1)، دقيق الانف، دقيق الحاجبين، وإذا من لدن نحره إلى سرته كالخيط المدود، شعره ورأسه من طمرين فدنا مني وقال: السلام عليك.
ذكر شعره عليه السلام قد ثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشئ، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم.
فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فرق بعده (2)، وقال الامام أحمد: ثنا حماد بن خالد، ثنا مالك، ثنا زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته ما شاء أن يسدل ثم فرق بعد (3)، تفرد به من هذا الوجه، وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة عن عائشة قالت: أنا فرقت لرسول الله رأسه، صدعت فرقة عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه * قال ابن إسحاق: وقد قال محمد بن جعفر بن الزبير وكان فقيها مسلما: ما هي إلا سيما من سيما النصارى تمسكت بها النصارى من الناس (4) * وثبت في الصحيحين: عن البراء أن رسول الله كان يضرب شعره إلى
منكبيه، وجاء في الصحيح عنه وعن غيره إلى أنصاف أذنيه، ولا منافاة بين الحالين، فإن الشعر تارة يطول وتارة يقصر منه فكل حكى بحسب ما رأى، وقال أبو داود: ثنا ابن نفيل ثنا [ عبد الرحمن بن أبي الزناد ] (5)، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة (6) * وقد ثبت أنه عليه السلام حلق جميع رأسه في حجة الوداع وقد مات بعد ذلك بأحد وثمانين يوما صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبد الله بن مسلم ويحيى بن عبد الحميد قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قدمة وله أربع غدائر - تعني ضفائر - وروى الترمذي من حديث سفيان بن عيينة * وثبت في الصحيحين من حديث ربيعة،
__________
(1) في البيهقي: عظيم الجبهة.
(2) أخرجه البخاري فتح الباري 10 / 361 ومسلم في الفضائل ص (1817).
وأبو داود في الترجل حديث (4188) وابن ماجة في اللباس حديث (3632).
(3) مسند أحمد 3 / 215.
(4) رواه أبو داود في كتاب الترجل حديث رقم (4189).
(5) من سنن أبي داود حديث (4187)، وفي الاصل: ابن الرواد تحريف.
(6) الشعر إذا كان يصل إلى المنكبين فهو الجمة، وإن كان يصل إلى شحمة الاذن فهو الوفرة، وإن طال الشعر الاذن ولم يبلغ الكتفين فهو اللمة.

عن أنس قال بعد ذكره شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليس بالسبط ولا بالقطط قال: وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وفي صحيح البخاري من حديث أيوب عن ابن سيرين أنه قال: قلت لانس أخضب رسول الله ؟ قال: إنه لم ير من الشيب إلا قليلا * وكذا روى هو ومسلم من طريق حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس وقال حماد بن سلمة، عن ثابت قيل لانس: هل كان شاب رسول الله ؟ فقال: ما شانه الله بالشيب ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو
ثماني عشرة شعرة * وعند مسلم، من طريق المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله لم يختضب إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا، وفي الصدغين يسيرا، وفي الرأس يسيرا * وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا همام عن قتادة قال: سألت أنسا هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا إنما كان شئ في صدغيه * وروى البخاري عن عصام بن خالد، عن جرير بن عثمان، قال: قلت لعبد الله بن بسر السلمي رأيت رسول الله أكان شيخا ؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض * وتقدم عن جابر بن سمرة مثله، وفي الصحيحين من حديث أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله هذه منه بيضاء - يعني عنفقته - وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبد الله بن عثمان، عن أبي حمزة السكري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي قال: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر رسول الله فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم (1)، رواه البخاري عن إسماعيل بن موسى، عن سلام بن أبي مطيع، عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن أم سلمة به، وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إسرائيل عن عثمان [ بن عبد الله ] (2) بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة ضخم، فيه من شعر رسول الله، فكان إذا أصاب إنسانا الحمى بعث إليها فحضحضته فيه، ثم ينضحه الرجل على وجهه، قال: فبعثني أهلي إليها فأخرجته، فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل بثلاث أصابع - وكان فيه خمس شعرات حمر * رواه البخاري عن مالك بن إسماعيل عن إسرائيل * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن إياد، حدثني إياد عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال: هل تدري من هذا ؟ قلت: لا، قال: إن هذا رسول الله، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران * ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبيد الله بن إياد بن لقيط عن أبيه عن أبي رمثة وإسمه حبيب بن حيان، ويقال رفاعة بن يثربي، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا
__________
(1) الكتم: حب يشبه الفلفل.
يصبغ به الشعر فيكسر بياضه أو حمرته إلى السواد، وإذا خلط مع الحناء يقوي
الشعر.
(2) من دلائل البيهقي 1 / 236.
والحديث التالي رواه أبو داود في اللباس حديث (4065).
وفي الترجل حديث (4206).
والترمذي في الاستئذان.
والنسائي في الصلاة، وكتاب الزينة.

من حديث إياد كذا قال * وقد رواه النسائي أيضا من حديث سفيان الثوري، وعبد الملك بن عمير، كلاهما عن إياد بن لقيط به ببعضه، ورواه يعقوب بن سفيان أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي عن أبي سفيان الحميري، عن الضحاك بن حمزة، عن غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه * وقال أبو داود: ثنا عبد الرحيم بن مطرف أبو سفيان (1)، ثنا عمرو بن محمد، أنا ابن أبي داود، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك * ورواه النسائي عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي عن عمرو بن محمد المنقري به * وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا الحسين (2) بن محمد بن زياد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا يحيى بن آدم، ح وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يعقوب بن سفيان، حدثني أبو جعفر محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي، ثنا يحيى ابن آدم، ثنا شريك، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال: كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة، وفي رواية إسحاق: رأيت شيب رسول الله نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه * قال البيهقي: وحدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أحمد بن سليمان (3) الفقيه، ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا حسين بن عياش (4) الرقي، ثنا جعفر بن برقان، ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني رأيت شعرا من شعره قد لون، فقال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد متع بالسواد ولو عددت ما أقبل علي من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيد على إحدى عشرة شيبة،
وإنما هو الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي غير لونه.
قلت: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقررة أن الاثبات مقدم على النفي لان المثبت معه زيادة علم ليست عند النافي * وهكذا إثبات غيره لزيادة ما ذكر من السبب مقدم لا سيما عن ابن عمر الذي المظنون أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة، فإن إطلاعها أتم من إطلاع أنس لانها ربما أنها فلت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام.
ما ورد في منكبيه وساعديه وإبطيه وقدميه وكعبيه صلى الله عليه وسلم قد تقدم ما أخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب
__________
(1) من سنن أبي داود حديث 4209 في الاصل بن سفيان.
(2) من دلائل البيهقي 1 / 238، وفي الاصل الحسن.
(3) من الدلائل 1 / 239، وفي الاصل سلمان.
(4) من الدلائل وفي الاصل عباس.

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا بعيدا ما بين المنكبين، وروى البخاري عن أبي النعمان عن جرير عن قتادة عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس والقدمين سبط الكفين، وتقدم من غير وجه أنه عليه السلام كان شثن الكفين والقدمين، وفي رواية، ضخم الكفين والقدمين، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا آدم وعاصم بن علي قالا: ثنا ابن أبي ذئب، ثنا صالح مولى التوأمة قال: كان أبو هريرة ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان شبح الذراعين بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين * وفي حديث نافع بن جبير عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والقدمين ضخم الكراديس طويل المسربة، وتقدم في حديث حجاج عن سماك عن جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة أي لم يكونا ضخمين، وقال سراقة بن مالك بن جعشم: فنظرت إلى ساقيه، وفي رواية قدميه في الغرز - يعني الركاب - كأنهما جمارة أي جمارة النخل من بياضهما * وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة كان ضليع الفم، وفسره بأنه عظيم الفم،
أشكل العينين، وفسره بأنه طويل شق العينين، منهوس العقب، وفسره بأنه قليل لحم العقب، وهذا أنسب وأحسن في حق الرجال * وقال الحارث بن أبي أسامة: ثنا عبد الله بن بكر، ثنا حميد، عن أنس قال: أخذت أم سلي ؟ م بيدي مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقالت: يا رسول الله هذا أنس غلام كاتب يخدمك، قال: فخدمته تسع سنين فما قال لشئ صنعت: أسأت، ولا بئس ما صنعت، ولا مسست شيئا قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول الله، ولا شممت رائحة قط مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم * وهكذا رواه معتمر بن سليمان، وعلي بن عاصم، ومروان بن معاوية الفزاري، وإبراهيم بن طهمان، كلهم عن حميد، عن أنس في لين كفه عليه السلام، وطيب رائحته صلاة الله وسلامه عليه * وفي حديث الزبيدي: عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله كان يطأ بقدمه كلها ليس لها أخمص، وقد جاء خلاف هذا كما سيأتي * وقال يزيد بن هارون: حدثني عبد الله بن يزيد بن مقسم قال: حدثتني عمتي سارة بنت مقسم، عن ميمونة بنت كردم قالت: رأيت رسول الله بمكة وهو على ناقة وأنا مع أبي وبيد رسول الله درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي فأخذ يقدمه، فأقر له رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فما نسيت طول أصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه (1) * ورواه الامام أحمد عن يزيد بن هارون مطولا، ورواه أبو داود من حديث يزيد بن هارون ببعضه * وعن أحمد بن صالح، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة عن خالته عنها، ورواه ابن ماجه من وجه آخر عنها والله أعلم * وقال البيهقي (2): أنا علي بن أحمد بن عبد الله بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا محمد بن إسحاق أبو بكر، ثنا مسلمة بن حفص السعدي، ثنا يحيى بن
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده 6 / 366 والهيثمي في زوائده 8 / 280 وعزاه للطبراني، وقال: فيه من لم أعرفهم.
(2) دلائل النبوة 1 / 248.

اليمان، ثنا إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كانت إصبع لرسول الله خنصرة من رجله متظاهرة وهذا حديث غريب.
قوامه عليه السلام وطيب رائحته في صحيح البخاري من حديث ربيعة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير * وقال أبو إسحاق عن البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير.
أخرجاه في الصحيحين.
وقال نافع بن جبير عن علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير لم أر قبله ولا بعده مثله.
وقال سعيد بن منصور، عن خالد بن عبد الله، [ عن عبيد الله ] (1) بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير وهو إلى الطول أقرب، وكان عرقة كاللؤلؤ، الحديث * وقال سعيد عن روح بن قيس، عن خالد بن خالد التميمي، عن يوسف بن مازن الراسبي عن علي قال: كان رسول الله ليس بالذاهب طولا، وفوق الربعة، إذا جاء مع القوم غمرهم، وكان عرقه في وجهه كاللؤلؤ، الحديث * وقال الزبيدي عن الزهري عن سعيد، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله ربعة وهو إلى الطول أقرب، وكان يقبل جميعا ويدبر جميعا، لم أر قبله ولا بعده مثله * وثبت في البخاري من حديث حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس قال: ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله، ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس به، ورواه مسلم أيضا: من حديث حماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس قال: كان رسول الله أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، وما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال أحمد: ثنا ابن أبي عدي، ثنا حميد عن أنس قال: ما مسست شيئا قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه * وقال يعقوب بن سفيان: أنا عمرو بن حماد بن طلحة الفناد، وأخرجه البيهقي من حديث أحمد بن حازم بن أبي عروة (2) عنه، قال: ثنا أسباط بن نصر عن سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الاولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا * قال: وأما أنا فمسح خدي.
فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها
__________
(1) من رواية البيهقي.
(2) في الدلائل 1 / 256: أبي غرزة، رواه عن أبي طلحة القناد، في الدلائل بالقاف.

من جونة عطار * ورواه مسلم عن عمرة بن حماد به نحوه * وقال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة وحجاج، أخبرني شعبة عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة، زاد فيه عون عن أبيه يمر من ورائها الحمار والمرأة، قال حجاج في الحديث: ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك * وهكذا رواه البخاري عن الحسن بن منصور، عن حجاج بن محمد الاعور، عن شعبة فذكر مثله سواء.
وأصل الحديث في الصحيحين أيضا * وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنا هشام بن حسان، وشعبة، وشريك، عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد، عن أبيه - يعني يزيد بن الاسود - قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فانحرف فرأى رجلين من وراء الناس، فدعا بهما فجيئا ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا مع الناس ؟ قالا: يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في الرحال، قال: فلا تفعلا إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الامام فليصلها معه، فإنها له نافلة، قال: فقال أحدهما استغفر لي يا رسول الله، فاستغفر له، قال: ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضت معهم، وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده، قال: فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري، قال: فما وجدت شيئا أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهو يومئذ في مسجد الخيف * ثم رواه أيضا عن أسود بن عامر وأبي النضر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء سمعت جابر بن يزيد بن الاسود عن أبيه أنه صلى مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فذكر الحديث قال: ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي، فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك * وقد رواه أبو داود من حديث شعبة والترمذي والنسائي من حديث هشيم عن يعلى به، وقال الترمذي: حسن صحيح * وقال الامام أحمد: حدثنا أبو نعيم، ثنا مسعر، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: حدثني أهلي عن أبي قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فشرب منه، ثم مج في الدلو ثم صب في البئر، أو شرب من الدلو ثم مج في البئر، ففاح منها ريح المسك، وهذا رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي نعيم وهو الفضل بن دكين (1) * وقال الامام أحمد: ثنا هاشم، ثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بأناء إلا غمس يده فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة فيمس يده فيها * ورواه مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم به * وقال الامام أحمد: حدثنا حجين بن المثنى، ثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي سلمة الماجشون - عن إسحاق بن عبد الله بن
__________
(1) الحديث في مسند أحمد 4 / 315 وابن ماجة في الطهارة حديث 659 وقال في الزوائد: " اسناده منقطع لان عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئا، قاله ابن معين وغيره ".
والبيهقي في الدلائل 1 / 257.

أبي طلحة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه.
قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها: هذا رسول الله نائم في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عبيرتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال: أصبت * ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن حجين به، وقال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم، ثنا سليمان، عن ثابت عن أنس قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستقيظ رسول الله فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ قالت: عرقك نجعله في طيبنا وهو من
أطيب الطيب * ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن أبي النضر هاشم بن القاسم به * (1) وقال أحمد: ثنا إسحاق بن منصور - يعني السلولي - ثنا عمارة، - يعني ابن زاذان - عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله يقيل عند أم سليم، وكان من أكثر الناس عرقا فاتخذت له نطعا وكان يقيل عليه، وحطت بين رجليه حطا وكانت تنشف العرق فتأخذه فقال: ما هذا يا أم سليم ؟ قالت: عرقك يا رسول الله أجعله في طيبي، قال: فدعا لها بدعاء حسن، تفرد به أحمد من هذا الوجه * وقال أحمد: ثنا محمد بن عبد الله، ثنا حميد، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام ذا عرق، فتأخذ عرقه بقطنة في قارورة، فتجعله في مسكها، وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجاه ولا أحد منهما، قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عمرو المغربي (2)، أنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، وقال مسلم: ثنا أبو بكر بن شيبة، ثنا عفان، ثنا وهيب ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن أم سليم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه، وكان كثير العرق، فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم ما هذا ؟ فقالت: عرقك أدوف (3) به طيبي، لفظ مسلم * وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده: ثنا بسر، ثنا حليس ابن غالب، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله إني زوجت ابنتي، وأنا أحب أن تعينني بشئ، قال: ما عندي شئ ولكن إذا كان غد فأتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة وآية بيني وبينك أن تدق ناحية الباب، قال: فأتاه بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة.
قال: فجعل يسلت العرق من ذراعيه حتى امتلات القارورة، قال، فخذها، ومر ابنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به،
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 177، 290 ومسلم في الفضائل (22) باب ص (1815).
(2) في البيهقي: 1 / 258 المقرئ.
(3) أدوف: أخلط.
والحديث في صحيح مسلم كتاب الفضائل ص (1816)، ومسند أحمد 3 / 146، 239، 287.

قال فكانت إذا تطيبت به شم أهل المدينة رائحة الطيب فسموا بيوت المطيبين، هذا حديث غريب جدا * وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن هشام، ثنا موسى بن عبد الله، ثنا عمر بن سعيد، عن سعيد عن قتادة، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب، وقالوا: مر رسول الله في هذا الطريق، ثم قال: وهذا الحديث رواه أيضا معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف بريح الطيب (1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا وريحه طيب وكان مع ذلك يحب الطيب أيضا * قال الامام أحمد: ثنا أبو عبيدة عن سلام أبي المنذر عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حبب إلي النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة " ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سلام أبو المنذر القاري عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة * وهكذا رواه النسائي بهذا اللفظ عن الحسين بن عيسبى القرشي، عن عفان بن مسلم، عن سلام بن سليمان أبي المنذر القاري البصري عن ثابت عن أنس فذكره * وقد روي من وجه آخر بلفظ: " حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعل قرة عيني في الصلاة، وليس بمحفوظ بهذا فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا وأنما هي من أهم شؤون الآخرة.
والله أعلم.
صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم قال البخاري: ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا حاتم عن الجعيد (2) قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل زر الحجلة، وهكذا رواه مسلم: عن قتيبة ومحمد بن عباد كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به * ثم قال البخاري: الحجلة من حجلة الفرس الذي بين عينيه، وقال إبراهيم بن حمزة: رز الحجلة.
قال أبو عبد الله الرز الراء قبل الزاي (3) * وقال مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادهن لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف ؟ قال: لا بل كان المثل الشمس والقمر وكان مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده * حدثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن حزم، ثنا شعبة، عن سماك، سمعت جابر بن سمرة قال: رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام * وحدثنا ابن نمير، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا حسن بن صالح،
__________
(1) كذا بياض بالاصل، وفي الاعمش عن ابراهيم: يعرف برائحة الطيب إذا أقبل.
(2) من البخاري، وهو الجعيد بن عبد الرحمن بن أويس.
(3) رز الحجلة: بيض الحجلة.

عن سماك بهذا الاسناد مثله * وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عاصم بن سليمان، عن عبد الله بن سرجس قال: ترون هذا الشيخ - يعني نفسه - كلمت نبي الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه ورأيت العلامة التي بين كتفيه وهي في طرف نغض كتفه اليسرى كأنه جمع (بمعنى الكف المجتمع، وقال بيده فقبضها) عليه خيلان كهيئة الثواليل * وقال أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم وأسود بن عامر قالا: ثنا شريك عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه وأكلت معه وشربت من شرابه ورأيت خاتم النبوة، قال هاشم: في نغض كتفه اليسرى كأنه جمع فيه خيلان سود كأنها الثآليل.
ورواه عن غندر عن شعبة عن عاصم عن عبد الله بن سرجس فذكر الحديث وشك شعبة في أنه هل هو في نغض الكتف اليمنى أو اليسرى * وقد رواه مسلم: من حديث حماد بن زيد، وعلي ابن مسهر، وعبد الواحد بن زياد ثلاثتهم عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما أو قال ثريدا، فقلت: يا رسول الله غفر الله لك، قال: ولك: فقلت: أستغفر لك رسول الله ؟ قال: نعم، ولكم، ثم تلا هذه الآية * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * [ محمد: 19 ] قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا، عليه خيلان
كأمثال الثآليل * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قرة بن خالد، ثنا معاوية بن قرة، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرني الخاتم، فقال: أدخل يدك، فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة.
فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي وإن يدي لفي جربانه * ورواه النسائي عن أحمد بن سعيد، عن وهب بن جرير، عن قرة بن خالد به * وقال الامام أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان عن إياد بن لقيط السدوسي عن أبي رمثة التيمي قال: خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت برأسه ردع حناء ورأيت على كتفه مثل التفاحة فقال أبي: إني طبيب أفلا أطبها لك، قال: طبيبها الذي خلقها، قال: وقال لابي هذا ابنك ؟ قال: نعم قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا عبيد الله بن زياد (1)، حدثني أبي عن أبي ربيعة أو رمثة، قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه فقال: يا رسول الله إني كأطب الرجال، أفأعالجها لك ؟ قال: لا، طبيبها الذي خلقها.
قال البيهقي: وقال الثوري عن إياد بن لقيط في هذا الحديث: فإذا خلف كتفيه مثل التفاحة، وقال عاصم بن بهدلة عن أبي رمثة: فإذا في نغض (2) كتفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة * ثم روى البيهقي من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي، قال: أتيت رسول الله فألقى [ إلي ] (3) رداءه وقال: يا سلمان
__________
(1) في البيهقي 1 / 265: إياد.
(2) نغض الكتف: العظم الرقيق على طرفه حيث تذهب وتجئ.
(3) من دلائل البيهقي 1 / 266.

انظر إلى ما أمرت به، قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة * وروى يعقوب بن سفيان، عن الحميدي، عن يحيى بن سليم عن أبي خيثم (1) عن سعيد ابن أبي راشد، عن التنوخي الذي بعثه هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك، فذكر الحديث كما قدمناه في غزوة تبوك ألى أن قال: فحل حبوته عن ظهره، ثم قال: ههنا امض لما أمرت به، قال: فجلت في
ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل الحجمة الضخمة (2) * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن ميسرة، ثنا عتاب سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الذي بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم لحمة نابتة (3) * وقال الامام أحمد: حدثنا شريح، ثنا أبو ليلى عبد الله بن ميسرة الخراساني، عن غياث البكري قال: كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة فسألته عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان بين كتفيه، فقال: باصبعه السبابة هكذا لحم ناشز بين كتفيه صلى الله عليه وسلم تفرد به أحمد من هذا الوجه * وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية المصري في كتابه - التنوير في مولد البشير النذير - عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر المعروف بالحكيم الترمذي أنه قال: كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها الله وحده، وفي ظاهرها توجه حيث شئت فإنك منصور * ثم قال: وهذا غريب واستنكره * قال: وقيل كان من نور، ذكره الامام أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه تنقل الانوار، وحكى أقوالا غريبة غير ذلك * ومن أحسن ما ذكره ابن دحية رحمه الله وغيره من العلماء قبله في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه لا نبي بعدك يأتي من ورائك.
قال: وقيل كان على نغض كتفه لانه يقال: هو الموضع الذي يدخل الشيطان منه إلى الانسان، فكان هذا عصمة له عليه السلام من الشيطان (4) * قلت: وقد ذكرنا الاحاديث الدالة على أنه لا نبي بعده عليه السلام ولا رسول، عند تفسير قوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما) * [ الاحزاب: 40 ] باب أحاديث متفرقة وردت في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقدم في رواية نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب، أنه قال: لم أر قبله ولا بعده مثله، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا عبد الله بن مسلم (5) القعنبي وسعيد بن منصور، ثنا عمر (6) بن
__________
(1) في رواية البيهقي: ابن خثيم.
(2) تقدم الحديث في الجزء الخامس والتعليق عليه.
انظر مسند أحمد ج 3 / 441 وفيه الحجمة وفي دلائل البيهقي: المحجمة.
(3) في رواية البيهقي: ناتئة.
(4) في صفة خاتم النبوة أفرد البيهقي بابا خاصا في دلائله 1 / 259، وابن سعد في طبقاته 1 / 425.
(5) في رواية البيهقي: مسلمة.
(6) في البيهقي: عيسى.

يونس، ثنا عمر بن عبد الله مولى عفرة، حدثني إبراهيم بن محمد (1) من ولد علي، قال: كان علي إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب الاشفار جليل المشاش والكتد، أجرد ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صيب وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وألزمهم (2) عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله * وقد روى هذا الحديث الامام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الغريب * ثم روى عن الكسائي والاصمعي وأبي عمرو تفسير غريبه، وحاصل ما ذكره مما فيه غرابة: أن المطهم هو الممتلئ الجسم، والمكلثم شديد تدوير الوجه.
يعني لم يكن بالسمين الناهض، ولم يكن ضعيفا بل كان بين ذلك، ولم يكن وجهه في غاية التدوير بل فيه سهولة، وهي أحلى عند العرب ومن يعرف، وكان أبيض مشربا حمرة وهي أحسن اللون، ولهذا لم يكن أمهق اللون، والادعج هو شديد سواد الحدقة، وجليل المشاش هو عظيم رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين، والكتد الكاهل وما يليه من الجسد وقوله: شثن الكفين أي: غليظهما، وتقلع في مشيته، أي شديد المشية، وتقدم الكلام على الشكلة والشهلة والفرق بينهما، والاهدب طويل أشفار العين، وجاء في حديث أنه كان شبح الذراعين، يعني غليظهما والله أعلم.
حديث أم معبد في ذلك قد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة من مكة إلى المدينة حين ورد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو
بكر ومولاه عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الديلي، فسألوها: هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها ؟ فلم يجدوا عندها شيئا، وقالت: لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى، وكانوا ممحلين فنظر إلى شاة في كسر خيمتها فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ فقالت خلفها الجهد، فقال: أتأذنين أن أحلبها ؟ فقالت: إن كان بها حلب فاحلبها، فدعا بالشاة فمسحها وذكر اسم الله، فذكر الحديث في حلبه منها ما كفاهم أجمعين ثم حلبها وترك عندها إناءها ملاى وكان يربض الرهط، فلما جاء بعلها استنكر اللبن وقال: من أين لك هذا يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاة عازب ؟ فقالت: لا والله إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، فقال، صفيه لي فو الله إني لاراه صاحب قريش الذي تطلب فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حسن الخلق، مليح الوجه، لم تعبه ثجلة، ولم تزربه صعلة، قسيم وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره
__________
(1) وهو ابراهيم بن محمد بن الحنفية.
(2) دلائل البيهقي 1 / 270: وأكرمهم.

وطف، وفي صوته صحل، أحور، أكحل، أزج، أقرن، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه عين من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود، لا عابس ولا مفند * فقال بعلها: هذا والله صاحب قريش الذي تطلب، ولو صادفته لالتمست أن أصحبه، ولاجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلا * قال وأصبح صوت بمكة عال بين السماء والارض يسمعونه ولا يرون من يقوله وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به * فأفلح من أمسى رفيق محمد (1)
فيال قصى ما زوى الله عنكم * به من فعال لا تجازى وسؤدد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فإنكموا إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت * له بصريح ضرة الشاة مزبد فغادره رهنا لديها لحالب * يدر لها في مصدر ثم مورد وقد قدمنا جواب حسان بن ثابت لهذا الشعر المبارك بمثله في الحسن * والمقصود أن الحافظ البيهقي روى هذا الحديث من طريق عبد الملك بن وهب المذحجي قال: ثنا الحسن بن الصباح عن أبي معبد الخزاعي فذكر الحديث بطوله كما قدمناه بألفاظه * وقد رواه الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي والحافظ أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة، قال عبد الملك: فبلغني أن أبا معبد أسلم بعد ذلك، وأن أم معبد هاجرت وأسلمت، ثم إن الحافظ البيهقي اتبع هذا الحديث بذكر غريبه وقد ذكرناه في الحواشي فيا سبق ونحن نذكر ههنا نكتا من ذلك، فقولها: ظاهر الوضاءة، أي ظاهر الجمال، أبلج الوجه، أي مشرق الوجه مضيئه لم تعبه ثجلة قال أبو عبيد: هو كبر البطن وقال غيره كبر الرأس، ورد أبو عبيدة رواية من روى لم تعبه نحلة يعني من النحول وهو الضعف.
قلت: وهذا هو الذي فسر به البيهقي الحديث والصحيح قول أبي عبيدة، ولو قيل: إنه كبر الرأس لكان قويا، وذلك لقولها بعده: ولم تزر به صعلة وهو صغر الرأس بلا خلاف ومنه يقال لولد النعامة: صعل، لصغر رأسه، ويقال له: الظليم، وأما البيهقي فرواه لم تعبه نحلة يعني من الضعف كما فسره، ولم تزر به صعلة وهو الحاصرة (2)، يريد أنه ضرب من الرجال ليس بمنتفخ ولا ناحل، قال: ويروى لم تعبه ثجلة وهو كبر البطن.
ولم تزر به صعلة وهو صغر الرأس، وأما
__________
(1) البيت في دلائل البيهقي: هما نزلا بالهدى واهتدت به * فقد فاز من أمسى رفيق محمد (2) في البيهقي: الخاصرة.

الوسيم فهو حسن الخلق وكذلك القسيم أيضا، والدعج شدة سواد الحدقة، والوطف طول أشفار
العينين، ورواه القتيبي في أشفاره عطف وتبعه البيهقي في ذلك.
قال ابن قتيبة: ولا أعرف ما هذا لانه وقع في روايته غلط فحار في تفسيره والصواب ما ذكرناه والله أعلم * وفي صوته صحل وهو بحة يسيرة وهي أحلى في الصوت من أن يكون حادا، قال أبو عبيد: وبالصحل يوصف الظباء، قال: ومن روى في صوته صهل فقد غلط فإن ذلك لا يكون إلا في الخيل ولا يكون في الانسان.
قلت وهو الذي أورده البيهقي.
قال ويروى صحل، والصواب قول أبي عبيد.
والله أعلم، وأما قولها: أحور فمستغرب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قبل في العين يزينها لا يشينها كالحول، وقولها: أكحل، قد تقدم له شاهد، وقولها: أزج، قال أبو عبيد هو المتقوس الحاجبين، قال: وأما قولها: أقرن فهو التقاء الحاجبين بين العينين قال: ولا يعرف هذا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث قال: والمعروف في صفته عليه السلام أنه أبلج الحاجبين، في عنقه سطع قال أبو عبيد: أي طول، وقال غيره: نور قلت: والجمع ممكن بل متعين، وقولها إذا صمت فعليه الوقار، أي الهيبة عليه في الحال صمته وسكوته وإذا تكلم سما أي علا على الناس وعلاه البهاء أي في حال كلامه حلو المنطق فصل أي فصيح بليغ يفصل الكلام ويبينه، لا نزر ولا هذر، أي لا قليل ولا كثير، كأن منطقه خرزات نظم، يعني الذي من حسنه وبلاغته وفصاحته وبيانه وحلاوة لسانه، أبهى الناس وأجمله من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب، أي هو مليح من بعيد ومن قريب، وذكرت أنه لا طويل ولا قصير بل هو أحسن من هذا ومن هذا، وذكرت أن أصحابه يعظمونه ويخدمونه ويبادرون إلى طاعته وما ذلك إلا لجلالته عندهم وعظمته في نفوسهم ومحبتهم له وأنه ليس بعابس أي ليس يعبس، ولا يفند أحدا أي يهجنه ويستقل عقله بل جميل المعاشرة حسن الصحبة صاحبه كريم عليه وهو حبيب إليه صلى الله عليه.
حديث هند بن أبي هالة في ذلك وهند هذا هو ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه خديجة بنت خويلد وأبوه أبو هالة كما قدمنا بيانه.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ رحمه الله: حدثنا سعيد بن حماد الانصاري المصري، وأبو غسان مالك بن إسماعيل الهندي قالا: ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، قال: حدثني
رجل بمكة عن ابن لابي هالة التميمي عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند بن أبي هالة - وكان وصافا - عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به - فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة رجل الشعر، إذا تفرقت عقيصته (1) فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة
__________
(1) في رواية البيهقي: عقيقته.

أذنيه، ذا وفرة، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الاسنان، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء - يعني الفضة - معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة سبط الغضب، شثن الكفين والقدمين، سابل الاطراف، خمصان الاخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقيه بالسلام * قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الاحزان دائم الفكرة، ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه يتكلم بجوامع الكلم، فصل: لا فضول ولا تقصير.
دمث: ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا (1) ولا يمدحه ولا يقوم لغضبه إذا تعرض للحق شئ حتى ينتصر له، وفي رواية: لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعرض للحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث يصل بها، يضرب براحته اليمنى
باطن (2) إبهامه اليسرى، وإذا عضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام * قال الحسن: فكتمها الحسين (3) بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسن: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بين الناس فرد ذلك على العامة والخاصة لا يدخر عنهم شيئا، وكان من سيرته في جزء الامة: إيثار أهل الفضل بأدبه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من بلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره.
يدخلون عليه زوارا، ولا يفترقون إلا
__________
(1) في رواية البيهقي: 1 / 288 زاد: لا يذم ذواقا ولا يمدحه.
وفي رواية العلوي: لم يكن ذواقا ولا مدحة.
(2) في رواية البيهقي: بطن.
(3) في الاصل: الحسن، والصواب ما أثبتناه من رواية البيهقي.

عن ذواق وفي رواية: ولا يتفرقون إلا عن ذوق، ويخرجون أدلة يعني فقهاء.
قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا بما يعنيهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خاتمه (1)، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الامر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا.
لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه
كيف كان ؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الاماكن وينهى عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه، أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حكم (2) وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الاصوات، ولا تؤبن (3) فيه الحرم، ولا تنشى فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى (4)، متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير يؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب، قال: فسألته عن سيرته في جلسائه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح.
يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والاكثار وما لا يعنيه.
وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم (5) في المنطق ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.
قال: فسألته كيف كان سكوته ؟ قال: كان سكوته على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكر.
فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس.
وأما تذكره أو قال
__________
(1) في البيهقي: خلقه.
(2) في رواية البيهقي: حلم.
(3) في البيهقي: ولا تؤبه.
(4) في رواية العقيقي نقلها البيهقي: وصاروا عنده في الحق متقاربين يتفاضلون بالتقوى.
سقط منها ما بينهما.
(5) في الاصل: يستحلبونه، وفي التيمورية: يستحلونه، وأثبتنا ما في البيهقي: حتى إذا كان أصحابه
ليستجلبونهم.

تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له لله: الحلم والصبر فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى (1)، والقيام لهم فيما جمع لهم الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم * وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله في كتاب شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سفيان بن وكيع بن الجراح عن جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي: حدثني رجل من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله سماه غيره يزيد بن عمر عن ابن لابي هالة عن الحسن بن علي قال: سألت خالي فذكره وفيه حديثه عن أخيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب * وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري لفظا وقراءة عليه: أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله (2) بن الحسين [ بن علي بن الحسين ] (3) بن علي بن أبي طالب القعنبي (4) صاحب كتاب النسب ببغداد، حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد بالمدينة سنة ست وستين ومائتين، حدثني علي بن جعفر بن محمد عن أخيه موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد [ عن أبيه محمد بن علي عن علي بن الحسين ] (5) قال: قال الحسن: سألت خالي هند بن أبي هالة فذكره.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله في كتابه الاطراف بعد ذكره ما تقدم من هاتين الطريقين: وروى إسماعيل بن مسلم بن قعنب القعنبي، عن إسحاق بن صالح المخزومي، عن يعقوب التيمي، عن عبد الله بن عباس أنه قال لهند بن أبي هالة - وكان وصافا لرسول الله -: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا الحديث، وقد روى الحافظ البيهقي (6) من طريق صبيح بن عبد الله الفرغاني وهو ضعيف عن عبد العزيز بن عبد الصمد عن جعفر بن محمد عن أبيه، وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حديثا مطولا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من حديث هند بن أبي هالة.
وسرده البيهقي بتمامه وفي أثنائه تفسير ما فيه من الغريب وفيما ذكرناه غنية عنه والله تعالى أعلم * وروى البخاري عن أبي عاصم الضحاك عن عمر بن سعيد بن أحمد بن
حسين، عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: صلى أبو بكر العصر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بليال فخرج هو وعلي يمشيان، فإذا الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، قال فاحتمله أبو بكر على
__________
(1) زاد ابن سعد في الطبقات 1 / 423: ليقتدى به، وتركه القبيح ليتناهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته.
(2) في البيهقي: عبيد الله.
(3) من دلائل البيهقي 1 / 285.
(4) في الدلائل: العقيقي، وهو الحسن العلوي مات سنة 358 ه.
نسابة من آثاره: المثالب وكتاب في النسب ترجم له (الميزان 1 / 521) (تاريخ بغداد: 7 / 421) تنقيح المقال (1 / 309) أعيان الشيعة 23 / 257.
(5) من البيهقي، وفي الاصل: عن علي بن الحسين بن علي عن أبيه محمد بن علي بن الحسين تحريف.
(6) في دلائل النبوة ج 1 / 298.

كاهله وجعل يقول: [ بأبي، شبيه بالنبي ] (1) ليس شبيها بعلي، وعلي يضحك منهما رضي الله عنهما وقال البخاري: ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا إسماعيل عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه * وروى البيهقي عن أبي علي الروذباري عن عبد الله بن جعفر (2) بن شوذب الواسطي، عن شعيب بن أيوب الصريفيني، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي الله عنه قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك.
باب ذكر أخلاقه وشمائله الطاهرة صلى الله عليه وسلم قد قدمنا طيب أصله ومحتده، وطهارة نسبه ومولده، وقد قال الله تعالى: * (الله أعلم حيث يجعل رسالته) * [ الانعام: 124 ].
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا بعد قرن حتى كنت من القرن الذي كنت فيه " (3) * وفي صحيح مسلم عن واثلة بن
الاسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى قريشا من بني إسماعيل، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم " وقال الله تعالى: * (ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * إن لك لاجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم) * [ القلم: 1 - 4 ] * قال العوفي عن ابن عباس: في قوله تعالى - * (وإنك لعلى خلق عظيم) * يعني - وإنك لعلى دين عظيم - وهو الاسلام * وهكذا قال مجاهد وابن مالك والسدي والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال عطية: لعلى أدب عظيم * وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث قتادة، عن زرارة بن [ أبي ] (4) أوفى عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أما تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى، فقالت: كان خلقه القرآن * وقد روى الامام أحمد بن إسماعيل بن علية، عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري قال: وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن * وروى الامام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي والنسائي من حديثه، وابن جرير من حديث ابن وهب كلاهما
__________
(1) من البخاري حديث 3542.
وفي الاصل: ياباي شبه النبي.
وأخرج البخاري الحديث في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله باب مناقب الحسن والحسين.
(2) في البيهقي 1 / 307: عمر.
(3) فتح الباري 6 / 566.
وهو صفة من صفاته صلى الله عليه وآله ولم يخرجه إلا البخاري.
(4) من مسلم، حديث (139) ص (512).
والحديث أخرجه أحمد في مسنده 6 / 54، 91، 111.
وأبو داود في الصلاة حديث 1342.
وابن ماجة في الاحكام حديث (2333) والنسائي في قيام الليل.
والحاكم في المستدرك 2 / 499 وابن حبان في صحيحه حديث (466).

عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن * ومعنى أنه عليه السلام مهما أمره به القرآن امتثله، ومهما نهاه عنه تركه.
هذا ما جبله الله عليه من الاخلاق الجبلية الاصلية
العظيمة التي لم يكن أحد من البشر ولا يكون على أجمل منها، وشرع له الدين العظيم الذي لم يشرعه لاحد قبله، وهو مع ذلك خاتم النبيين فلا رسول بعده ولا نبي صلى الله عليه وسلم، فكان فيه من الحياء والكرم والشجاعة والحلم والصفح والرحمة وسائر الاخلاق الكاملة ما لا يحد ولا يمكن وصفه * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا سليمان (1)، ثنا عبد الرحمن ثنا الحسن بن يحيى، ثنا زيد بن واقد، عن بشر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه * وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، أنا قيس بن أنيف، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران عن زيد بن بابنوس (2) قال: قلنا لعائشة يا أم المؤمنين كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ثم قالت: أتقرأ سورة المؤمنين ؟ إقرأ: قد أفلح المؤمنون، إلى العشر.
قالت: هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم * وهكذا رواه النسائي عن قتيبة * وروى البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير في قوله تعالى: * (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين) * [ الاعراف: 199 ].
قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس * وقال الامام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لاتمم صالح الاخلاق " تفرد به أحمد.
ورواه الحافظ أبو بكر الخرائطي في كتابه فقال: وإنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق * وتقدم ما رواه البخاري من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسن الناس خلقا * وقال مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها (3) * ورواه البخاري ومسلم من حديث مالك * وروى مسلم عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن هشام عن أبيه عن
__________
(1) في رواية البيهقي 1 / 309: سليمان بن عبد الرحمن.
(2) من البيهقي، وفي الاصل: بابنوس.
ويزيد بن بابنوس بصري روى عن عائشة وروى عنه أبو عمران الجوني.
ذكره ابن حبان في " الثقات " 5 / 548.
(3) الحديث رواه البخاري: فتح الباري 6 / 566، 10 / 524، 12 / 86.
ومسلم في الفضائل (ح: 77) ومالك في الموطا في كتاب حسن الخلق.
وأبو داود في الادب والترمذي في المناقب.
وأحمد في مسنده (6 / 85، 113، 114، 116، 209، 262).

عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط لا عبدا ولا إمرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شئ فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شئ من محارم الله فينتقم لله عز وجل (1) * وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر.
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا إمرأة، ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما، حتى يكون إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الاثم، ولا انتقم لنفسه من شئ يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عز وجل * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول: سمعت عائشة وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا سخابا في الاسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، أو قال يعفو ويغفر.
شك أبو داود (2) * ورواه الترمذي من حديث شعبة وقال: حسن صحيح * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا آدم وعاصم بن علي قالا: ثنا ابن أبي ذئب، ثنا صالح مولى التوأمة قال: كان أبو هريرة ينعت رسول الله قال: كان يقبل جميعا ويدبر جميعا بأبي وأمي لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الاسواق * زاد آدم ولم أر مثله قبله ولم أر مثله بعده * وقال البخاري: ثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الاعمش، عن أبي وائل، عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم (3) أخلاقا * ورواه مسلم من حديث الاعمش به * وقد روى البخاري من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار عن
عبد الله بن عمرو أنه قال: إن رسول الله موصوف بالتوراة بما هو موصوف في القرآن، * (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) * وحرزا للاميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الاسواق: ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا " وقد روي عن عبد الله بن سلام وكعب الاحبار * وقال البخاري: ثنا مسدد، ثنا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عتبة، عن أبي سعيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها (4) * حدثنا ابن بشار ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا شعبة مثله وإذا كره
__________
(1) مسلم: كتاب الفضائل (ح: 79).
(2) مسند أحمد ج 6 / 236.
(3) في رواية مسلم: أحاسنكم.
والحديث فيه في الفضائل حديث 68 ص 1810.
ورواه البخاري: فتح الباري 6 / 566 و 7 / 102 و 10 / 452، 456.
(4) أخرجه البخاري فتح الباري 6 / 566 و 10 / 513، 521 ومسلم في الفضائل (ح: 67) ص 1809 وابن ماجة في الزهد، والامام أحمد في المسند 3 / 77، 79، 91، 92.

شيئا عرف ذلك في وجهه، ورواه مسلم من حديث شعبة * وقال الامام أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا فليح، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا لعانا ولا فاحشا، كان يقول لاحدنا عند المعاتبة: ماله تربت جبينه.
ورواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح * وفي الصحيحين، واللفظ لمسلم: من حديث حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لابي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا، قال: وجدناه بحرا، أو إنه لبحر، قال وكان فرسا يبطأ (1) * ثم قال مسلم: ثنا بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع،
عن سعيد، عن قتادة عن أنس قال: كان فزع بالمدينة فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لابي طلحة يقال له مندوب فركبه فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا، قال: كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال أبو إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب، عن علي بن أبي طالب قال: لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد الناس بأسا (2) * رواه أحمد والبيهقي * وتقدم في غزوة هوزان أنه عليه السلام لما فر جمهور أصحابه يومئذ ثبت وهو راكب بغلته وهو ينوه بإسمه الشريف يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، وهو مع ذلك يركضها إلى نحور الاعداء.
وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة العظيمة والتوكل التام صلوات الله عليه * وفي صحيح مسلم: من حديث إسماعيل ابن علية، عن عبد العزيز عن أنس قال: لما قدم رسول الله المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بنا إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال: فخدمته في السفر والحضر، والله ما قال لي لشئ صنعته لم صنعت هذا هكذا ؟ ولا لشئ لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا ؟ * وله من حديث سعيد بن أبي بردة، عن أنس قال: خدمت رسول الله تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا ؟ ولا عاب علي شيئا قط * وله من حديث عكرمة بن عمار عن إسحاق قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب - وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم - فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال: فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس ذهبت حيث أمرتك ؟ فقلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله.
قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشئ صنعته لم صنعت كذا وكذا أو لشئ تركته هلا فعلت كذا وكذا * وقال الامام أحمد: ثنا كثير، ثنا هشام، ثنا جعفر، ثنا عمران القصير، عن أنس بن مالك قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، وإن لامني أحد من أهله إلا
__________
(1) فتح الباري 6 / 95 و 10 / 455، ومسلم في كتاب الفضائل (ح: 48) ص 1802.
(2) دلائل النبوة ج 1 / 324 ومسند أحمد ج 1 / 86.

قال: دعوه فلو قدر - أو قال قضي - أن يكون كان * ثم رواه أحمد عن علي بن ثابت، عن جعفر، هو ابن برقان، عن عمران البصري، وهو القصير، عن أنس فذكره، تفرد به الامام أحمد * وقال الامام أحمد: ثنا عبد الصمد، ثنا أبي، ثنا أبو التياح، ثنا أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير (1)، قال: أحسبه قال: فطيما، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: أبا عمير ما فعل النغير، قال نغر كان يلعب به، قال: فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه يصلي بنا، قال: وكان بساطهم من جريد النخل * وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن أبي التياح، يزيد بن حميد، عن أنس بنحوه * وثبت في الصحيحين: من حديث الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة (2) * وقال الامام أحمد: حدثنا أبو كامل، ثنا حماد بن زيد، ثنا سلم العلوي، سمعت أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل صفرة فكرهها قال فلما قام قال: لو أمرتم هذا أن يغسل عنه هذه الصفرة.
قال: وكان لا يكاد يواجه أحدا بشئ يكرهه * وقد رواه أبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي في اليوم والليلة من حديث حماد بن زيد عن سلم بن قيس العلوي البصري.
قال أبو داود: وليس من ولد علي بن أبي طالب، وكان يبصر في النجوم، وقد شهد عند عدي بن أرطأة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته * وقال أبو داود: ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، ثنا الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شئ لم يقل ما بال فلان يقول ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا * وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر * وقال مالك: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذ
بردائه جبذا شديدا، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، قال: فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أبو عمير زيد بن سهل بن أبي طلحة الانصاري وهو أخو أنس بن مالك لامه، أمهما أم سليم مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
والحديث رواه البخاري في الادب.
فتح الباري 9 / 572 و 10 / 526.
ومسلم في الادب (5) باب وأبو داود في الادب ح (4969) والترمذي في الصلاة ح 333 وقال: حسن صحيح.
وابن ماجة في الادب ح 3720.
وأحمد في المسند 3 / 115، 119، 188، 190، 201.
(2) أخرجه البخاري فتح الباري 1 / 30، 4 / 116، 6 / 566، 9 / 43، 10 / 445 ومسلم في الفضائل ح (50) ص 1803 والنسائي في باب الفضل.
وأحمد في المسند 1 / 231.

فضحك ثم أمر له بعطاء (1).
أخرجاه من حديث مالك * وقال الامام أحمد: ثنا زيد بن الحباب، أخبرني محمد بن هلال القرشي، عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما قام قمنا معه فجاء أعرابي فقال: اعطني يا محمد، فقال: لا وأستغفر الله، فجذبه بحجزته فخدشه، قال: فهموا به فقال: دعوه قال ثم أعطاه، قال: فكانت يمينه: لا وأستغفر الله، وقد روى أصل هذا الحديث أبو داود والنسائي وابن ماجة من طرق عن محمد بن هلال بن أبي هلال مولى بني كعب، عن أبيه عن أبي هريرة بنحوه * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيدالله ابن موسى، عن شيبان، عن الاعمش، عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال: كان رجل من الانصار يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتمنه، وأنه عقد له عقدا وألقاه في بئر، فصرع (2) ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه ملكان يعودانه، فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا وهي في بئر فلان، ولقد اصفر الماء من شدة عقده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فاستخرج العقد، فوجد الماء قد اصفر فحل العقد، ونام النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات (3) * قلت والمشهور في الصحيح: أن لبيد بن الاعصم اليهودي هو الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في
مشط ومثاقة في جف طلعة ذكر تحت بئر ذروان، وأن الحال استمر نحو ستة أشهر أنزل الله سورتي المعوذتين ويقال: إن آياتهما إحدى عشرة آية وأن عقد ذلك الذي سحر فيه كان إحدى عشرة عقدة، وقد بسطنا ذلك في كتابنا التفسير بما فيه كفاية والله أعلم * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا عمران بن زيد أبو يحيى الملائي، ثنا زيد العمي، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صافح أو صافحه الرجل، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، وإن استقبله بوجه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف عنه، ولا يرى مقدما ركبتيه بين يدي جليس له (4) * ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث عمران بن زيد الثعلبي أبي يحيى الطويل الكوفي عن زيد بن الحواري العمي عن أنس به * وقال أبو داود: ثنا أحمد بن منيع، ثنا أبو قطن، ثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: ما رأيت رجلا قط التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رسول الله آخذا بيده رجل فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده (5).
تفرد به أبو داود * قال الامام أحمد: وحدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: ثنا شعبة قال ابن جعفر في حديثه قال:
__________
(1) أخرجه البخاري فتح الباري 6 / 251 و 10 / 275 وفي كتاب الادب (68) باب.
ومسلم في كتاب الزكاة ح 128.
وأخرجه أبو داود في الادب.
والنسائي في القسامة.
وأحمد في المسند 3 / 153، 210.
(2) في رواية البيهقي: فصدع.
(2) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي 1 / 319 وأخرجه الذهبي في التاريخ وابن سعد في الطبقات 2 / 199.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 320 والترمذي في الزهد، وقال: غريب.
وأخرجه ابن ماجة في الادب.
(5) أخرجه أبو داود في الادب باب في حسن العشرة ح 4794.

سمعت علي بن يزيد قال قال: أنس بن مالك إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجئ فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت * ورواه ابن ماجة من حديث شعبة، وقال الامام أحمد: ثنا هشيم، ثنا حميد عن أنس بن مالك قال: إن كانت الامة
من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها * وقد رواه البخاري في كتاب الادب من صحيحه معلقا فقال: وقال محمد بن عيسى هو ابن الطباع: ثنا هشيم فذكره * وقال الطبراني: ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، ثنا أيوب بن نهيك، سمعت عطاء بن أبي رباح، سمعت ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صاحب بز فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم فخرج وهو عليه فإذا رجل من الانصار فقال: يا رسول الله اكسني قميصا كساك الله من ثياب الجنة فنزع القميص فكساه إياه ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم وبقي معه درهمان، فإذا هو بجارية في الطريق تبكي فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: يا رسول الله دفع إلي أهلي درهمين أشتري بهما دقيقا فهلكا، فدفع إليها رسول الله الدرهمين الباقيين ثم انقلب وهو تبكي فدعاها فقال ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين ؟ فقالت: أخاف أن يضربوني، فمشى معها إلى أهلها فسلم فعرفوا صوته ثم عاد فسلم ثم عاد فسلم ثم عاد فثلث فردوا، فقال: أسمعتم أول السلام ؟ قالوا: نعم ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام فما أشخصك بأبينا وأمنا، فقال: أشفقت هذه الجارية أن تضربوها، فقال صاحبها: هي حرة لوجه الله لممشاك معها، فبشرهم رسول الله بالخير والجنة.
ثم قال: لقد بارك الله في العشرة: كسا الله نبيه قميصا ورجلا من الانصار قميصا وأعتق الله منها رقبة وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته * هكذا رواه الطبراني وفي إسناده أيوب بن نهيك الحلبي وقد ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة منكر الحديث، وقال الازدي متروك * وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس: أن إمرأة كان في عقلها شئ فقالت: يا رسول الله إن لي حاجة، فقال: يا أم فلان انظري أي الطرق شئت، فقام معها يناجيها حتى قضت حاجتها (1)، وهكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة * وثبت في الصحيحين من حديث الاعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه * وقال الثوري عن الاسود بن قيس عن شيخ العوفي (2) عن جابر قال: أتانا رسول الله في منزلنا فذبحنا له شاة فقال: كأنهم علموا أنا نحب اللحم الحديث، وقال محمد بن إسحاق عن يعقوب ابن عتبة، عن عمر بن
عبد العزيز، عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس
__________
(1) رواه مسلم في الفضائل ح (76) ص 1812.
وأحمد في مسنده 3 / 285.
(2) قال في هامش النسخة المطبوعة: " لعله شقيق الكوفي، وهو شقيق بن سلمة الاسدي أبو وائل الكوفي أحد سادة التابعين، وقد أخذ عنه الاسود بن قيس.
محمود الامام ".

يتحدث، كثيرا ما يرفع طرفه إلى السماء (3)، وهكذا رواه أبو داود في كتاب الادب من سننه من حديث محمد بن إسحاق به * وقال أبو داود: حدثنا سلمة بن شعيب، ثنا عبد الله بن إبراهيم، ثنا إسحاق بن محمد الانصاري، عن ربيح بن عبد الرحمن، عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده * ورواه البزار في مسنده ولفظه: كان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبى بيديه، ثم قال أبو داود: ثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا عبد الرحمن بن حسان العنبري، حدثني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة قال موسى ابنة حرملة وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء قالت: فلما رأيت رسول الله المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق * ورواه الترمذي في الشمائل وفي الجامع عن عبد بن حميد، عن عفان بن مسلم بن عبد الله بن حسان به.
وهو قطعة من حديث طويل قد ساقه الطبراني بتمامه في معجمه الكبير * وقال البخاري: ثنا الحسن بن الصباح البزار، ثنا سفيان عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يحدث حديثا لوعده العاد لاحصاه.
قال البخاري: وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: ألا أعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم * وقد رواه أحمد: عن علي بن إسحاق، ومسلم عن حرملة، وأبو داود عن سليمان بن داود كلهم عن ابن وهب عن يونس بن يزيد به، وفي روايتهم: ألا أعجبك من أبي هريرة فذكرت نحوه * وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن
سفيان، عن أسامة، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم فصلا يفهمه كل أحد لم يكن يسرد سردا * وقد رواه أبو داود عن ابن أبي شيبة عن وكيع * وقال أبو يعلى: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا عبد الله بن مسعر، حدثني شيخ أنه سمع جابر بن عبد الله - أو ابن عمر - يقول: كان في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل (2) * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة رددها ثلاثا وإذا أتى قوما يسلم عليهم سلم ثلاثا، ورواه البخاري من حديث عبد الصمد * وقال أحمد: ثنا أبو سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد الله بن المثنى، سمعت ثمامة بن أنس يذكر أن أنسا كان إذا تكلم تكلم ثلاثا ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا تكلم تكلم ثلاثا، وكان يستأذن ثلاثا وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي: عن عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه، ثم قال الترمذي حسن صحيح غريب * وفي الصحيح أنه قال: أوتيت جوامع الكلم وأختصر الحكم اختصارا * قال الامام أحمد
__________
(1) سنن أبي داود - كتاب الادب حديث 4837.
ودلائل البيهقي 1 / 321.
(2) سنن أبي داود - كتاب الادب حديث 4838.

حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الارض فوضعت في يدي (1)، وهكذا رواه البخاري من حديث الليث * وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، ثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الارض فوضعت في يدي (2) * تفرد به أحمد من هذا الوجه، وقال أحمد: حدثنا يزيد، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع الكلم، وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، وبينا أنا نائم أتيت
بمفاتيح خزائن الارض فتلت في يدي، تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم * وثبت في الصحيحين: من حديث ابن وهب، عن عمرو بن الحرث، حدثني أبو النضر، عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم (3) * وقال الترمذي: ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن الحرث بن جزء قال: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم * ثم رواه من حديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحرث بن جزء قال: ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسما، ثم قال صحيح * وقال مسلم: ثنا يحيى بن يحيى، ثنا أبو خيثمة، عن سماك بن حرب قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس [ فإذا طلعت الشمس ] (4) قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شريك وقيس بن سعد، عن سماك بن حرب، قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم كان قليل الصمت، قليل الضحك فكان أصحابه ربما يتناشدون الشعر عنده وربما قال الشئ من أمورهم فيضحكون وربما يتبسم * وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: ثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، أنا أبو عبد الرحمن المقري، ثنا الليث بن سعد، عن الوليد بن أبي الوليد أن سليمان بن خارجة أخبره عن خارجة بن زيد - يعني ابن ثابت - أن نفرا دخلوا على أبيه فقالوا: حدثنا عن
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 1 / 371 والبخاري في الجهاد - باب (122).
وأحمد في مسنده: 2 / 264، 455.
(2) مسند أحمد ج 2 / 268، 314، ؟ ؟ 4.
(3) أخرجه البخاري في كتاب التفسير فتح الباري 8 / 578 وكتاب الادب 10 / 504.
ومسلم في الاستسقاء ص (616) وأبو داود في الادب حديث 5098 والامام أحمد في المسند 6 / 66.
(4) سقطت من الاصل واستدركت من صحيح مسلم 1 / 463.

بعض أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فأتيه فأكتب الوحي، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا.
فكل هذا نحدثكم عنه (1) * ورواه الترمذي في الشمائل عن عباس الدوري عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن يزيد المقري به نحوه.
كرمه عليه السلام تقدم ما أخرجاه في الصحيحين من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل بالوحي فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وهذا التشبيه في غاية ما يكون من البلاغة في تشبيهه الكرم بالريح المرسلة في عمومها وتواترها وعدم انقطاعها * وفي الصحيحين من حديث سفيان بن سعيد الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا (2) * وقال الامام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن موسى بن أنيس، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل شيئا على الاسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة، قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم اسلموا فإن محمدا يعطي عطاء ما يخشى الفاقة (3).
ورواه مسلم عن عاصم بن النضر عن خالد بن الحارث عن حميد * وقال أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد، ثنا ثابت، عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنما بين جبلين فأتى قومه فقال: يا قوم اسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء ما يخلف الفاقة، فإن كان الرجل ليجئ إلى رسول الله ما يريد إلا الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها * ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وهذا العطاء ليؤلف به قلوب ضعيفي القلوب في الاسلام، ويتألف آخرين ليدخلوا في الاسلام كما فعل يوم حنين حين قسم تلك الاموال الجزيلة من الابل والشاء والذهب والفضة في المؤلفة، ومع هذا لم يعط الانصار وجمهور المهاجرين شيئا، بل أنفق فيمن كان يحب أن يتألفه على الاسلام، وترك
أولئك لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، وقال مسليا لمن سأل عن وجه الحكمة في هذه القسمة لمن عتب من جماعة الانصار: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى رحالكم ؟ قالوا: رضينا يا رسول الله * وهكذا أعطى عمه العباس بعدما أسلم حين جاءه ذلك المال من البحرين فوضع بين يديه في المسجد رجاء العباس فقال: يا رسول الله اعطني فقد فاديت نفسي يوم بدر وفاديت عقيلا، فقال: خذ، فنزع ثوبه عنه وجعل
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي ج 1 / 324 والترمذي في الشمائل.
تحفة الاشراف للمزي (3 / 213).
(2) أخرجه البخاري في الادب.
ومسلم في فضائل النبي.
والترمذي في الشمائل عن بندار عن ابن مهدي.
(3) مسند أحمد 1 / 231 ومسلم في الفضائل ص (1803) والنسائي 4 / 125 في باب الفضل والجود.

يضع فيه من ذلك المال ثم قام ليقله فلم يقدر فقال لرسول الله: ارفعه علي، قال: لا أفعل، فقال: مر بعضهم ليرفعه علي، فقال: لا، فوضع منه شيئا ثم عاد فلم يقدر فسأله أن يرفعه أو أن يأمر بعضهم برفعه فلم يفعل، فوضع منه ثم احتمل الباقي وخرج به من المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره عجبا من حرصه * قلت: وقد كان العباس رضي الله عنه رجلا شديدا طويلا نبيلا، فأقل ما احتمل شئ يقارب أربعين ألفا والله أعلم * وقد ذكره البخاري في صحيحه في مواضع معلقا بصيغة الجزم وهذا يورد في مناقب العباس لقوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ويؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) * [ الانفال: 70 ] * وقد تقدم عن أنس بن مالك خادمه عليه السلام أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأشجع الناس، الحديث * وكيف لا يكون كذلك وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم المجبول على أكمل الصفات، الواثق بما في يدي الله عز وجل، الذي أنزل الله عليه في محكم كتابه العزيز: * (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والارض) * الآية * وقال تعالى: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * [ سبأ: 39 ] وهو عليه السلام القائل لمؤذنه بلال وهو الصادق المصدوق في الوعد والمقال: " أنفق بلال ولا تخش من
ذي العرش إقلالا " وهو القائل عليه السلام " ما من يوم تصبح العباد فيه إلا وملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا " وفي الحديث الآخر أنه قال لعائشة: " لا توعي فيوعي الله عليك، ولا توكي فيوكي الله عليك " * وفي الصحيح أنه عليه السلام قال: يقول الله تعالى: * (ابن آدم أنفق أنفق عليك) * فكيف لا يكون أكرم الناس وأشجع الناس، وهو المتوكل الذي لا أعظم منه في توكله، الواثق برزق الله ونصره، المستعين بربه في جميع أمره ؟ ثم قد كان قبل بعثته وبعدها وقبل هجرته، ملجأ الفقراء والارامل، والايتام والضعفاء، والمساكين، كما قال عمه أبو طالب فيما قدمناه من القصيدة المشهورة وما ترك قوم لا أبالك سيدا * يحوط الذمار غير ذرب موكل وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذ به الهلال من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل ومن تواضعه ما روى الامام أحمد من حديث حماد بن سلمة عن ثابت زاد النسائي - وحميد عن أنس - أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا سيدنا وابن سيدنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله * وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى عن شعبة، حدثني الحكم عن إبراهيم عن الاسود قال: قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله ؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى

الصلاة (1) * وحدثنا وكيع ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم عن الاسود قال: قلت لعائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته ؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى * ورواه البخاري عن آدم عن شعبة * وقال الامام أحمد: حدثنا عبدة، ثنا هشام بن عروة عن رجل قال: سئلت عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصنع في بيته ؟ قالت: كان يرقع الثوب ويخصف النعل ونحو هذا، وهذا منقطع من هذا الوجه * وقد قال عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن عروة وهشام بن عروة عن أبيه قال: سأل رجل عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته ؟ قالت: نعم، كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه كما يعمل أحدكم في بيته (2) * رواه البيهقي فاتصل الاسناد * وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري (3) - إملاء - حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبو (4) صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد عن عمرة قالت: قلت (5) لعائشة: ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه * ورواه الترمذي في الشمائل عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة قالت: قيل لعائشة ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الحديث * وروى ابن عساكر من طريق أبي أسامة، عن حارثة بن محمد الانصاري عن عمرة قالت: قلت لعائشة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله ؟ قالت: كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان ضحاكا بساما * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، حدثني مسلم أبو عبد الله الاعور، سمع أنسا يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو، ويركب الحمار، ويلبس الصوف، ويجيب دعوة المملوك، ولو رأيته يوم خيبر على حمار خطامه من ليف * وفي الترمذي وابن ماجة من حديث مسلم بن كيسان الملائي عن أنس بعض ذلك * وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ - إملاء - ثنا أبو بكر محمد بن جعفر الآدمي القاري ببغداد، ثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدروري (6)، ثنا أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي، ثنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه قال: سمعت يحيى بن عقيل يقول: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة،
__________
(1) مسند أحمد 6 / 49، 126، 206.
والبخاري في الاذان.
فتح الباري 2 / 162 وفي النفقات 9 / 507.
وفي الادب.
فتح الباري 10 / 461.
والترمذي في صفة القيامة حديث 2489 وقال هذا حديث صحيح.
(2) مسند أحمد 6 / 121، 167، 260.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: البحتري تحريف.
(4) في دلائل البيهقي 1 / 328، وفي نسخ البداية المطبوعة: " ابن صالح ".
(5) في البيهقي: قيل.
(6) في البيهقي: الدروقي.

ويقصر الخطبة، ولا يستنكف أن يمشي مع العبد، ولا مع الارملة، حتى يفرغ لهم من حاجاتهم (1) * ورواه النسائي عن محمد بن عبد العزيز، عن أبي زرعة، عن الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يحيى بن عقيل الخزاعي البصري عن ابن أبي أوفى بنحوه * وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر: إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفقيه بالري، ثنا أبو بكر محمد بن الفرج الازرق، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا شيبان أبو معاوية، عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبي بردة عن أبي موسى (2) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويعتقل الشاة، ويأتي مراعاة الضيف، وهذا غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه وإسناده جيد * وروى محمد بن سعد، عن إسماعيل بن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب الزمعي (3)، عن سهل مولى عتيبة (4)، أنه كان نصرانيا من أهل مريس (5)، وأنه كان في حجر عمه، وأنه قال: قرأت يوما في مصحف (6) لعمي، فإذا فيه ورقة بغير الخط وإذا فيها نعت محمد، صلى الله عليه وسلم: لا قصير ولا طويل أبيض ذو ضفيرتين، بين كتفيه خاتم، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة، ويلبس قميصا مرقوعا، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر، وهو من ذرية إسماعيل إسمه أحمد.
قال: فلما جاء عمي ورآني قد قرأتها ضربني وقال: مالك وفتح هذه، فقلت: إن فيها نعت أحمد، فقال: إنه لم يأت بعد * وقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن عمرو، عن سعيد، عن إنس قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن علية به * وقال الترمذي في الشمائل: ثنا محمود بن غيلان، ثنا أبو داود عن شعبة عن الاشعث بن سليم،
[ قال ] سمعت عمتي تحدث عن عمها قال: بينا أنا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فأنه أنقى وأبقى، [ فنظرت ] فإذا هو رسول الله، فقلت: يا رسول الله إنما هي بردة ملحاء، قال: أمالك في أسوة ؟ فإذا إزاره إلى نصف ساقيه * ثم قال: ثنا سويد بن نصر، ثنا عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: كان عثمان بن عفان متزرا إلى أنصاف ساقيه قال: هكذا كانت أزرة صاحبي صلى الله عليه وسلم * وقال أيضا: ثنا يوسف بن عيسى، ثنا
__________
(1) دلائل النبوة ج 1 / 329.
وأخرجه النسائي في الصلاة تحفة الاشراف 4 / 290.
والحاكم في المستدرك 2 / 614 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".
(2) في البيهقي 1 / 329: عن أبي بردة قال:...(3) من ابن سعد 1 / 363 وفي الاصل الربعي.
(4) من ابن سعد، وفي الاصل عتبة.
(5) مريس: لعلها المريسة كما في معجم البلدان قال: وهي جزيرة في بلاد النوبة.
(6) في ابن سعد: وانه كان يقرأ الانجيل، قال: فأخذت مصحفا لعمي فقرأته...حتى مرت بي ورقة، فأنكرت كتابتها حين مرت بي ومسستها بيدي، قال: فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء، قال: ففتقتها فإذا فيها نعت محمد صلى الله عليه وآله:..الطبقات 1 / 363.

وكيع، ثنا الربيع بن صبيح، ثنا يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر القناع، كأن ثوبه ثوب زيات، وهذا فيه غرابة ونكارة.
والله أعلم * وروى البخاري، عن علي بن الجعد، عن شعبة، عن [ سيار بن الحكم ] (1) عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم * ورواه مسلم من وجه آخر عن شعبة.
مزاحه عليه السلام وقال ابن لهيعة: حدثني عمارة بن غزية، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي (2) * وقد تقدم حديثه في ملاعبته أخاه أبا
عمير، وقوله أبا عمير ما فعل النغير، يذكره بموت نغر كان يلعب به ليخرجه (3) بذلك كما جرت به عادة الناس من المداعبة مع الاطفال الصغار * وقال الامام أحمد: ثنا خلف بن الوليد، ثنا خالد بن عبد الله، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا حاملوك على ولد ناقة، فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الابل إلا النوق (4) ؟ * ورواه أبو داود عن وهب بن بقية، والترمذي عن قتيبة كلاهما عن خالد بن عبد الله الواسطي الطحان به، وقال الترمذي صحيح غريب * وقال أبو داود في هذا الباب: ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج بن محمد، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث (5)، عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوته عائشة عاليا على رسول الله، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله !، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال رسول الله حين خرج أبو بكر: كيف رأيتيني أنقذتك من الرجل ؟ فمكث أبو بكر أياما ثم استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا.
فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا قد فعلنا * وقال أبو داود: ثنا مؤمل بن الفضل، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن العلاء عن بشر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك الاشجعي قال: أتيت رسول الله في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم.
فسلمت فرد وقال: ادخل، فقلت: أكلي يا رسول الله فقال: كلك، فدخلت * وحدثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن
__________
(1) من البخاري ومسلم، وفي الاصل يسار أبي الحكم تحريف.
أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان - باب التسليم على الصبيان.
ومسلم في السلام ص (1708).
(2) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 331.
(3) لعلها ليمازحه.
(4) سنن أبي داود - باب ما جاء في المزاح حديث 4998.
(5) من سنن أبي داود: حديث 4999، وفي الاصل حرب.

عثمان بن أبي العاتكة (1) إنما قال: " أدخل كلي " من صغر القبة * ثم قال أبو داود: ثنا إبراهيم بن مهدي، ثنا شريك عن عاصم عن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ذا الاذنين * قلت: ومن هذا القبيل ما رواه الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ثابت، عن أنس أن رجلا من أهل البادية كان إسمه زاهرا وكان يهدي النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله: إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلا دميما فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني، من هذا ؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد فقال: يا رسول الله إذن والله تجدني كاسدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن عند الله لست بكاسد أو قال: لكن عند الله أنت غال * وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط الصحيحين ولم يروه إلا الترمذي في الشمائل عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق * ورواه ابن حبان في صحيحه عن (2)...ومن هذا القبيل ما رواه البخاري من صحيحه أن رجلا كان يقال له عبد الله - ويلقب حمارا - وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤتى به في الشراب، فجئ به يوما فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " * ومن هذا ما قال الامام أحمد: ثنا حجاج، حدثني شعبة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير وكان حاد يحدو بنسائه أو سائق، قال: فكان نساؤه يتقدمن بين يديه، فقال: يا أنجشة ويحك، ارفق بالقوارير * وهذا الحديث في الصحيحين عن أنس، قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاد يحدو بنسائه يقال له أنجشة، فحدا فأعنقت الابل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أنجشة ارفق بالقوارير، ومعنى القوارير النساء وهي كلمة دعابة صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.
ومن مكارم أخلاقه ودعابته وحسن خلقه استماعه عليه السلام حديث أم زرع من عائشة بطوله، ووقع في بعض الروايات أنه عليه السلام هو الذي قصه على عائشة * ومن هذا ما رواه
الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا أبو عقيل - يعني عبد الله بن عقيل الثقفي - به، حدثنا مجالد بن سعيد، عن عامر عن مسروق، عن عائشة قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ذات ليلة حديثا، فقالت إمرأة منهن، يا رسول الله كان الحديث حديث خرافة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرين ما خرافة ؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن في الجاهلية، فمكث فيهم دهرا طويلا، ثم ردوه إلى الانس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الاعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة * وقد رواه الترمذي في الشمائل عن الحسن بن الصباح البزار، عن أبي النضر
__________
(1) من أبي داود حديث 5001 وفي الاصل العالية.
(2) بياض بنسخة دار الكتب.

هاشم بن القاسم به * قلت: وهو من غرائب الاحاديث وفية نكارة.
ومجالد بن سعيد يتكلمون فيه فالله أعلم * وقال الترمذي في باب خراج النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابه الشمائل: ثنا عبد بن حميد، ثنا مصعب بن القدام، ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أدع لي أن يدخلني الله الجنة، قال: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت العجوز تبكي، فقال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز فإن الله تعالى يقول * (إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا) * [ الواقعة: 35 ] وهذا مرسل من هذا الوجه * وقال الترمذي: ثنا عباس ابن محمد الدوري، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، ثنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا.
تداعبنا - يعني تمازحنا - وهكذا رواه الترمذي في جامعه في باب البر بهذا الاسناد ثم قال: وهذا حديث مرسل حسن * باب زهده عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار قال الله تعالى: * (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) * [ طه: 131 ] وقال تعالى: * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم
بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) * [ الكهف: 28 ] وقال تعالى: * (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم) * [ النجم: 29 ] وقال: * (ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين) * والآيات في هذا كثيرة.
وأما الاحاديث، فقال يعقوب بن سفيان: حدثني أبو العباس حيوة بن شريح، أنا بقية (1) عن الزبيدي، عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن الله أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل، فقال الملك لرسوله: " إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا نبيا " فالتفت رسول الله إلى جبريل كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول الله: أن تواضع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أكون عبدا نبيا، قال، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي الله عز وجل (2) * وهكذا رواه البخاري في التاريخ عن حيوة بن شريح، وأخرجه النسائي عن عمرو بن
__________
(1) بقية: وهو بقية بن الوليد.
الزبيدي: وهو محمد بن الوليد بن عامر الحافظ الامام الحجة القاضي أبو الهذيل الزبيدي قاضي حمص ولد في خلافة عبد الملك.
(2) رواه البخاري في التاريخ الكبير (1 / 1 / 124) وابن أبي حاتم، وأحمد في مسنده عن أبي هريرة 2 / 231.

عثمان كلاهما عن بقية بن الوليد به، وأصل هذا الحديث في الصحيح بنحو من هذا اللفظ * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة - ولا أعلمه إلا عن أبي هريرة - قال: جلس جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا (1) * هكذا وجدته بالنسخة التي عندي بالمسند مقتصرا وهو من إفراده من هذا الوجه * وثبت في الصحيحين: من حديث ابن عباس، عن عمر بن الخطاب في حديث
إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أن لا يدخل عليهن شهرا واعتزل عنهن في علية، فلما دخل عليه عمر في تلك العلية فإذا ليس فيها سوى صبرة من قرظ، وأهبة معلقة، وصبرة من شعير، وإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر في جنبه، فهملت عينا عمر، فقال: مالك، فقلت: يا رسول الله أنت صفوة الله من خلقه، وكسرى وقيصر فيما هما فيه، فجلس محمرا وجهه فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ثم قال: أولئك قوم عجلت له طيباتهم في حياتهم الدنيا.
وفي رواية لمسلم أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فاحمد الله عز وجل، ثم لما انقضى الشهر أمره الله عز وجل أن يخير أزواجه وأنزل عليه قوله: * (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنت تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) * [ الاحزاب: 28 - 29 ].
وقد ذكرنا هذا مبسوطا في كتابنا التفسير وأنه بدأ بعائشة، فقال لها: إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، وتلا عليها هذه الآية، قالت: فقلت أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وكذلك قال سائر أزواجه عليه السلام ورضي عنهن (2) * وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من الصحابة فانحرف رسول الله انحرافة، فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر ؟ قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال الذي أرى، فقال: يا عمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ قال: بلى، قال: هو كذلك.
هكذا رواه البيهقي (3) * وقال الامام أحمد: [ حدثنا أبو النضر ] ثنا مبارك، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول الله وهو على سرير مضطجع مزمل بشريط، وتحت قدمي رأسه وسادة من أدم حشوها ليف فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عمر فانحرف رسول الله انحرافة فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبا وقد أثر الشريط
__________
(1) وتمامه: قال جبريل: تواضع لربك يا محمد، قال: بل عبدا رسولا.
(2) أخرجه البخاري في النكاح فتح الباري 9 / 278.
ومسلم في الطلاق حديث 35 ص 1113.
(3) دلائل البيهقي 1 / 337، وانظر الحاشية السابقة.

بجنب رسول الله، فبكى عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر ؟ قال والله ما أبكي ألا أكون أعلم أنك أكرم على الله من كسرى وقيصر وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه ؟ وأنت يا رسول الله في المكان الذي أرى، فقال رسول الله: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ قال: بلى، قال، فإنه كذلك (1) * وقال أبو داود الطيالسي، ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن علقمة عن مسعود قال: اضطجع رسول الله على حصير، فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه وأقول بأبي أنت وأمي إلا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه ؟ فقال: مالي وللدنيا، ما أنا والدنيا [ إنما أنا والدنيا ] (2) كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها * ورواه ابن ماجة عن يحيى بن حكيم عن أبي داود الطيالسي به.
وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكندي عن زيد بن الحباب كلاهما عن المسعودي به.
وقال الترمذي حسن صحيح * وقد رواه الامام أحمد من حديث ابن عباس، فقال: حدثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان قالوا: ثنا ثابت، ثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا، أوثر من هذا، فقال: مالي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها (3) * تفرد به أحمد * وفي صحيح البخاري: من حديث الزهري، عن عبيد الله (4) بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: لو أن لي مثل أحد ذهبا ما سرني أن تأتي علي ثلاث ليال وعندي منه شئ، إلا شئ أرصده لدين * وفي الصحيحين من حديث عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا (5) * فأما الحديث الذي رواه ابن ماجة من حديث يزيد بن سنان، عن ابن المبارك، عن عطاء عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة
المساكين، فإنه حديث ضعيف لا يثبت من جهة إسناده لان فيه يزيد بن سنان أبا فروة الرهاوي وهو ضعيف جدا.
والله أعلم * وقد رواه الترمذي من وجه آخر فقال: حدثنا عبد الاعلى بن واصل الكوفي: ثنا ثابت بن محمد العابد الكوفي، حدثنا الحارث بن النعمان الليثي، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة،
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 3 / 140.
(2) من ابن ماجة حديث (4109)، وفي الاصل إلا كراكب.
والحديث أخرجه الترمذي في الزهد رقم (2377).
(3) أخرجه أحمد في مسنده ج 1 / 441.
(4) من البخاري فتح الباري 11 / 264، وفي الاصل عبد الله تحريف.
(5) أخرجه البخاري في الرقاق فتح الباري 11 / 283 ومسلم في الزهد (ح: 18) صفحة (2281) وفي الزكاة: ص (730).
وأخرجه الترمذي، وابن ماجة في الزهد.
وأحمد في المسند 2 / 232، 446.

فقالت عائشة: لم يا رسول الله ؟ قال: إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة.
يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة * ثم قال: هذا حديث غريب * قلت: وفي إسناده ضعف وفي متنه نكارة والله أعلم * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، [ قال حد ] ثنا أبو عبد الرحمن - يعني - عبد الله بن دينار، عن أبي حازم، عن سعيد بن سعد أنه قيل له: هل رأى النقى بعينه - يعني الحوارى - فقال له ما رأى رسول الله النقى بعينه حتى لقي الله عز وجل، فقيل له: هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله ؟ فقال: ما كانت لنا مناخل، فقيل له: فكيف كنتم تصنعون بالشعير ؟ قال: ننفخه فيطير [ منه ] ما طار * وهكذا رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار به وزاد ثم نذريه ونعجنه، ثم قال حسن صحيح * وقد رواه مالك عن أبي حازم.
قلت: وقد رواه البخاري عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن مطرف بن غسان المدني، عن أبي حازم عن
سهل بن سعد به، ورواه البخاري أيضا والنسائي عن شيبة، عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبي حازم عن سهل به، وقال الترمذي: حدثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر سمعت أبا أمامة يقول: ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز الشعير، ثم قال: حسن صحيح غريب * وقال الامام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، حدثني أبو حازم قال: رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه مرارا: والذي نفسي أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا، ورواه مسلم والترمذي وابن ماجة من حديث يزيد بن كيسان * وفي الصحيحين: من حديث جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن إبراهيم، عن الاسود عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله (1) * وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا محمد بن طلحة، عن إبراهيم، عن الاسود عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد ثلاثا من خبز بر حتى قبض وما رفع من مائدته كسرة قط حتى قبض * وقال أحمد: ثنا محمد بن عبيد، ثنا مطيع الغزال عن كردوس عن عائشة قالت: قد مضى رسول الله لسبيله وما شبع أهله ثلاثة أيام من طعام بر * وقال الامام أحمد: ثنا حسن، ثنا زويد، عن أبي سهل عن سليمان بن رومان - مولى عروة - عن عروة عن عائشة أنها قالت: والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله [ عز وجل ] إلى أن قبض.
قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير ؟ قالت: كنا نقول أف (2) * تفرد به أحمد من هذا الوجه * وروى البخاري: عن محمد بن كثير، عن الثوري، عن عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، عن
__________
(1) أخرجه البخاري في الاطعمة فتح الباري 9 / 549، وفي الرقاق فتح الباري 11 / 282.
ومسلم في الزهد: صفحة (2281).
والنسائي في الضحايا.
وابن ماجة في الاطعمة.
(2) هذا الحديث وما قبله في مسند أحمد 2 / 92، 434 و 4 / 442 و 6 / 128، 156، 187، 255، 277.

أبيه عن عائشة قالت: إن كنا لنخرج الكراع (1) بعد خمسة عشر يوما فنأكله، قلت: ولم تفعلون
ذلك ؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم حتى لحق بالله عز وجل * وقال أحمد: ثنا يحيى، ثنا هشام، أخبرني أبي عن عائشة قالت: كان يأتي على آل محمد الشهر ما يوقدون فيه نارا ليس إلا التمر والماء إلا أن يؤتى باللحم * وفي الصحيحين: من حديث هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة أنها قالت: إن كنا آل محمد ليمر بنا الهلال ما نوقد نارا إنما هو الاسودان، التمر والماء إلا أنه كان حولنا أهل دور من الانصار يبعثون إلى رسول الله بلبن منائحهم فيشرب ويسقينا من ذلك اللبن (2) * ورواه أحمد عن بريدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عنها بنحوه * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا حسين، ثنا محمد بن مطرف، عن أبي حازم عن عروة بن الزبير أنه سمع عائشة تقول: كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال قلت: يا خالة على أي شئ كنتم تعيشون ؟ قالت: على الاسودين التمر والماء تفرد به أحمد * وقال أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الاسود عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض (3)، وقد رواه مسلم من حديث شعبة.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا بهز، ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: قالت عائشة: أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا فأمسكت وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قالت: أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطعت قالت - تقول للذي تحدثه - هذا على غير مصباح وفي رواية لو كان عندنا مصباح لا تدمنا به، قال: قالت عائشة: إنه ليأتي على آل محمد الشهر ما يختبزون خبزا ولا يطبخون قدرا، وقد رواه أيضا عن بهز بن أسد، عن سليمان بن المغيرة، وفي رواية شهرين تفرد به أحمد * وقال الامام أحمد: ثنا خلف، ثنا أبو معشر، عن سعيد - هو ابن أبي سعيد - عن أبي هريرة قال: كان يمر بآل رسول الله هلال ثم هلال لا يوقدون في بيوتهم النار لا بخبز ولا بطبخ، قالوا: بأي شئ كانوا يعيشون يا أبا هريرة ؟ قال: الاسودان التمر والماء، وكان لهم جيران من الانصار جزاهم الله خيرا لهم منائح يرسلون إليهم شيئا من لبن، تفرد به أحمد * وفي صحيح مسلم من حديث منصور بن عبد الرحمن الحجبي، عن أمه، عن عائشة
قالت: توفي رسول الله وقد شبع الناس من الاسودين: التمر والماء (4) * وقال ابن ماجة: حدثنا سويد بن سعيد، ثنا علي بن مسهر، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: أتي
__________
(1) أخرجه البخاري في الاطعمة فتح الباري 9 / 552 و 563.
والترمذي في الاضاحي: ح (1511) وابن ماجة في الاطعمة ح: 3313.
والكراع: طعام، مستدق الساق.
(2) أخرجه البخاري في الرقاق ومسلم في الزهد وأحمد في المسند 6 / 108.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 343.
ومسلم في الزهد: ح (22) ص (2282).
(4) صحيح مسلم - كتاب الزهد حديث (30) ص (2283).

رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بطعام سخن فأكل فلما فرغ قال: (الحمد لله) ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا (1) * وقال الامام أحمد: ثنا عبد الصمد، ثنا [ عمار ] أبو هاشم صاحب الزعفراني، عن أنس بن مالك: أن فاطمة ناولت رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرة من خبز الشعير فقال، هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام (2)، تفرد به أحمد * وروى الامام أحمد عن عفان والترمذي وابن ماجة جميعا عن عبد الله بن معاوية كلاهما عن ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب العبدي الكوفي، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير، وهذا لفظ أحمد * وقال الترمذي في الشمائل: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن محمد بن أبي يحيى الاسلمي، عن يزيد، عن أبي أمية الاعور، عن أبي يوسف بن عبد الله بن سلام قال: رأيت رسول الله أخذ كسرة من [ خبز ال ] شعير فوضع عليها تمرة، وقال: هذه إدام هذه وأكل * وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله الحلو البارد * وروى البخاري من حديث قتادة عن أنس قال: ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله، ولا شاة سميطا بعينه قط (3) * وفي رواية له عنه أيضا: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا سكرجة ولا خبز له مرقق، فقلت لانس: فعلى ما كانوا يأكلون ؟
قال: على السفر (4) * وله من حديث قتادة أيضا عن أنس: أنه مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة (5) سنخة ولقد رهن درعه من يهودي فأخذ لاهله شعيرا، ولقد سمعته ذات يوم يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع تمر ولا صاع حب * وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا أبان بن يزيد، ثنا قتادة عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجتمع له غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف * ورواه الترمذي في الشمائل عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن عفان، وهذا الاسناد على شرط الشيخين * وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يخطب فذكر ما فتح الله على الناس، فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوي من الجوع ما يجد من من الدقل ما يملا بطنه (6)،
__________
(1) ابن ماجة في الزهد حديث 4150 وفي الزوائد قال: اسناد حسن، وسويد مختلف فيه.
(2) في مسند الامام أحمد 3 / 213.
(3) الحديث أخرجه البخاري في الرقاق فتح الباري 11 / 282، وفي الاطعمة (باب) شاة مسموطة.
الكتف.
وابن ماجة في الاطعمة ح (3339).
والامام أحمد في المسند 3 / 128، 130.
(4) أخرجه البخاري في الاطعمة فتح الباري 9 / 530 وفي الرقاق 11 / 273، والترمذي في الاطعمة ح (1788) وابن ماجة في الاطعمة.
والامام أحمد في المسند 3 / 120.
(5) الاهالة: الودك كما في الصحاح.
وقال الخليل: هي الالية تقطع ثم تذاب.
والسنخة: المتغيرة الطعم والرائحة من طول الزمان.
(6) صحيح مسلم - كتاب الزهد.
ح (34) ص (2284).
الدقل: التمر الردئ.

وأخرجه مسلم من حديث شعبة * وفي الصحيح أن أبا طلحة قال: يا أم سليم، لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع، وسيأتي الحديث في دلائل النبوة وفي قصة أبي الهيثم بن التيهان: أن أبا بكر وعمر خرجا من الجوع فبينما هما كذلك إذ خرج رسول الله، فقال: ما أخرجكما ؟ فقالا: الجوع، فقال: والذي نفسي بيده لقد أخرجني الذي أخرجكما، فذهبوا إلى
حديقة الهيثم بن التيهان فأطعمهم رطبا وذبح لهم شاة فأكلوا وشربوا الماء البارد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا من النعيم الذي تسألون عنه * وقال الترمذي: ثنا عبد الله بن أبي زياد، ثنا سيار، ثنا يزيد بن أسلم عن يزيد بن أبي منصور، عن أنس عن أبي طلحة قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عن بطنه ] عن حجرين، ثم قال غريب * وثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان من أدم حشوه ليف (1) * وقال الحسن بن عرفة: ثنا عباد بن عباد المهلبي، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق عن عائشة قالت: دخلت علي إمرأة من الانصار، فرأت فراش رسول الله عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوة الصوف، فدخل علي رسول الله فقال: ما هذا يا عائشة ؟ قالت: قلت: يا رسول الله: فلانة الانصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت إلي بهذا فقال: رديه قالت: فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرات، قالت: فقال رديه يا عائشة فو الله لو شئت لا جرى الله معي جبال الذهب والفضة (2) * وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري، ثنا عبد الله بن مهدي، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سئلت عائشة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك ؟ قالت: من أدم حشوه ليف، وسئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: مسحا نثنيه ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له، فثنيناه له بأربع ثنيات، فلما أصبح قال " ما فرشتم لي الليلة ؟ قالت: قلنا هو فراشك إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا هو أوطأ لك، قال: ردوه لحالته الاولى، فإنه منعتني وطأته صلاتي الليلة * وقال الطبراني: حدثنا محمد بن أبان الاصبهاني، حدثنا محمد بن عبادة الواسطي، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الاسود، عن عروة عن حكيم بن حزام قال: خرجت إلى اليمن فابتعت حلة ذي يزن فأهديتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها، فبعتها فاشتراها فلبسها ثم خرج على أصحابه وهي عليه فما رأيت شيئا أحسن منه فيها، فما ملكت نفسي أن قلت:
ما ينظر الحكام بالفضل بعدما * بدا واضح من غرة وحجول (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في الرقاق ح 6456.
ومسلم في اللباس ح 37 ص 1650.
(2) رواه البيهقي في الدلائل من طريق اسماعيل الصفار ج 1 / 345.
(3) الغرة: بياض في الجبهة.
والحجول والتحجيل: بياض في القوائم.

إذا قايسوه الجد أربى عليهم * بمستفرع ماض الذباب سجيل (1) فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فالتفت إلي يتبسم ثم دخل فكساها أسامة بن زيد * وقال الامام أحمد: حدثه [ حسين بن ] علي، عن زائدة عن عبد الملك بن عمير [ قال: حدثني ] ربعي بن خراش عن أم سلمة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه، قالت: فحسبت ذلك من وجع، فقلت: يا رسول الله أراك ساهم الوجه، أفمن وجع ؟ فقال: لا، ولكن الدنانير السبعة التي أتينا بها [ أمس أمسينا ] ولم ننفقها نسيتها في خضم الفراش (2) ".
تفرد به أحمد * وقال الامام أحمد: ثنا أبو سلمة، [ قال: أنا بكر ] (3) بن مضر، ثنا موسى بن جبير، عن أبي أمامة بن سهل قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير يوما على عائشة فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرض مرضه ؟ قالت: وكان له عندي ستة دنانير، قال موسى أو سبعة، قالت: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، قالت: فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله عز وجل، قالت: ثم سألني عنها فقال: ما فعلت الستة ؟ قال: أو السبعة، قلت: لا والله لقد شغلني عنها وجعك، قالت: فدعا بها ثم صفها في كفه، فقال: ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده.
تفرد به أحمد * وقال قتيبة: ثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد (4) * وهذا الحديث في الصحيحين، والمراد أنه كان لا يدخر شيئا لغد مما يسرع إليه الفساد كالاطعمة ونحوها لما ثبت في الصحيحين عن عمر أنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب فكان يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل * ومما يؤيد ما ذكرناه ما رواه الامام أحمد: حدثنا
مروان بن معاوية، [ قال: أخبرني ] هلال بن سويد أبو معلى [ قال ]: سمعت أنس بن مالك وهو يقول أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة طوائر فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد، فإن الله [ عز وجل ] يأتي برزق كل غد (5).
حديث بلال في ذلك قال البيهقي: ثنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو محمد بن جعفر بن نصير، ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري، ثنا بكار بن محمد، أنا عبد الله بن عون، عن ابن سيرين عن أبي هريرة: أن
__________
(1) مستفرع: السيف ماضي الذباب: قاطع الحد.
سحيل: الذي يريق الدم.
(2) مسند أحمد ج 6 / 314 وما بين معكوفين زيادة من المسند، ورواه بنحوه عن أم سلمة 6 / 293.
(3) من مسند أحمد ج 6 / 104.
(4) وأخرج الحديث الترمذي في الزهد.
ح (2362) وقال: غريب، وقد روى عن جعفر، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلا.
(5) مسند الامام أحمد ج 3 / 198 وما بين معكوفين زيادات استدركت من نص المسند.

رسول الله دخل على بلال فوجد عنده صبرا من تمر، فقال: ما هذا يا بلال ؟ قال: تمر أدخره، قال ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن تكون له بخار في النار ! أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا (1).
قال البيهقي بسنده عن أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي كلاهما عن أبي توبة الربيع بن نافع، حدثني معاوية بن سلام عن يزيد (2) بن سلام، حدثني عبد الله الهوزني (3) قال: لقيت بلالا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلب، فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان له شئ إلا أنا الذي كنت ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، فكان إذا أتاه الانسان المسلم فرآه عاريا (4)، يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري البردة والشئ فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني، ففعلت، فلما كان ذات يوم توضأت، ثم قمت لاؤذن بالصلاة فإذا
المشرك في عصابة من التجار، فلما رآني قال: يا حبشي، قال: قلت يا لبيه، فتجهمني، وقال قولا عظيما أو غليظا، وقال: أتدري كم بينك وبين الشهر ؟ قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع ليال فاخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ولا من كرامة صاحبك، وإنما أعطيتك لتصير لي عبدا فأذرك ترعى في الغنم كما كنت قبل ذلك، قال فأخذني في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت فناديت بالصلاة، حتى إذا صليت العتمة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي ذكرت لك أني كنت أتدين منه قد قال كذا وكذا، وليس عندك ما يقضي عني، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آتي إلى بعض هؤلاء الاحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وسلم ما يقضي عني، فخرجت حتى أتيت منزلي فجعلت سيفي وحرابي ورمحي ونعلي عند رأسي، فاستقبلت بوجهي الافق.
فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت علي ليلا نمت حتى انشق عمود الصبح الاول، فأردت أن أنطلق فإذا إنسان يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت حتى آتيه، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت رسول الله فأستأذنت، فقال لي رسول الله: أبشر، فقد جاءك الله بقضاء دينك، فحمدت الله وقال: ألم تمر على الركائب المناخات الاربع ؟.
قال قلت: بلى، قال: فإن لك رقابهن وما عليهن - فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك - فاقبضهن إليك ثم اقض دينك، قال: ففعلت، فحططت عنهن أحمالهن، ثم علفتهن (5)
__________
(1) دلائل البيهقي ج 1 / 347.
(2) من دلائل البيهقي 1 / 348.
(3) من الدلائل، وفي الاصل الهوريني، والهوزني أبو عامر واسمه عبد الله بن لحي الحمصي، ثقة، مخضرم من الثانية (تقريب التهذيب 1 / 573 / 444).
(4) من الدلائل، وفي الاصل عائلا.
(5) في الدلائل: ثم عقلتهن.

ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت إلى البقيع، فجعلت أصبعي في أذني [ فناديت ] فقلت: من كان يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي، وأعرض حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين في الارض، حتى فضل عندي أوقيتان أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد، وقد ذهب عامة النهار، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد وحده، فسلمت عليه، فقال لي: ما فعل ما قبلك ؟ قلت: قد قضى الله كل شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق شئ، قال: فضل شئ ؟ قلت: نعم ديناران، قال: انظر أن تريحني منهما، فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما، فلم يأتنا أحد، فبات في المسجد حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى إذا كان في آخر النهار، جاء راكبان فانطلقت بهما، فكسوتهما وأطعمتهما، حتى إذا صلى العتمة دعاني، فقال: ما فعل الذي قبلك ؟ قلت: قد أراحك الله منه، فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى جاء أزاوجه فسلم على إمرأة امرأة، حتى أتى مبيته، فهذا الذي سألتني عنه (1) * وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة المديني، حدثني أبي عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن ابتع علي شيئا فإذا جاءني شئ قضيته، فقال عمر: يا رسول الله قد أعطيته، فما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر، فقال رجل من الانصار: يا رسول الله انفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف التبسم في وجهه لقول الانصاري وقال: بهذا أمرت، وفي الحديث ألا إنهم ليسألوني ويأبى الله علي البخل * وقال يوم حنين حين سألوه قسم الغنائم: والله لو أن عندي عدد هذه العضاه نعما لقسمتها فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا ضانا ولا كذابا صلى الله عليه وسلم * وقال الترمذي: ثنا علي بن حجر، ثنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن عمر قالت: أتيت رسول الله بقناع من رطب، وأجرز عنب، فأعطاني ملء كفه حليا أو ذهبا * وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته
وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر، قال المسلمون: يا رسول الله فما نقول ؟ قال: قولوا * (حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا) * [ آل عمران: 173 ] ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن مطرف.
ومن حديث خالد بن طهمان، كلاهما عن عطية وأبي سعيد العوفي البجلي، وأبو الحسن الكوفي عن أبي سعيد الخدري، وقال الترمذي حسن * قلت.
وقد روي من وجه آخر عنه ومن حديث ابن عباس كما سيأتي في موضعه.
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام.
قال أبو عبد الله بن ماجه (2): حدثنا أحمد بن محمد بن
__________
(1) روى الحديث البيهقي في الدلائل ج 1 / 348 - 350.
(2) في كتاب الزهد 7 باب حديث 4127.

يحيى بن سعيد القطان، ثنا عمرو بن محمد، ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعد الازدي - وكان قارئ الازد - عن أبي الكنود، عن خباب في قوله تعالى: * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) * [ الانعام: 52 ] إلى قوله * (فتكون من الظالمين) * قال: جاء الاقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب، قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول رسول الله حقروهم، فأتوا فخلوا به فقالوا: نريد أن تجعل لنا منك مجلسا، تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الاعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت.
قال نعم، قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا، قال: فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب، ونحن قعود في ناحية، فنزل جبريل عليه السلام فقال: * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) * ثم ذكر الاقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال: * (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) * [ الانعام: 53 ] ثم قال: * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل
سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) * [ الانعام: 54 ] قال: فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل: * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم) * ولا تجالس الاشراف * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) * يعني عيينة والاقرع * (واتبع هواه وكان أمره فرطا) * قال: هلاكا، قال: أمر عيينة والاقرع، ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا، قال خباب: فكنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم * ثم قال ابن ماجة (1): حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو داود، ثنا قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح، عن أبيه عن سعد (2) قال: نزلت هذه الآية فينا.
ستة: في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال.
قال قالت قريش: يا رسول الله إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهم.
فاطردهم عنك، قال، فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل، فأنزل الله عز وجل: * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) * الآية * وقال الحافظ البيهقي: أنا أبو محمد: عبد الله بن يوسف الاصفهاني، أنا أبو سعيد بن الاعرابي، ثنا أبو الحسن: خلف بن محمد الواسطي الدوسي (3)، ثنا يزيد بن هارون، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا المعلى بن زياد - يعني عن العلاء بن بشير المازني [ عن ] أبي الصديق الناجي - عن
__________
(1) المصدر السابق - حديث 4128.
(2) يعني سعد بن أبي وقاص.
(3) في الدلائل 1 / 351: كردوس.

أبي سعيد الخدري قال: كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فكنا نستمع (1) إلى كتاب الله، فقال رسول الله: الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي، قال [ ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل نفسه فينا، ثم قال بيده هكذا ] فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم، قال: فما عرف رسول الله أحدا
منهم غيري، فقال رسول الله: أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور [ التام ] يوم القيامة، تدخلون [ الجنة ] قبل الاغنياء بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام (2) وقد روى الامام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك.
فصل عبادته عليه السلام واجتهاده في ذلك قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وكان لا تشاء تراه من الليل قائما إلا رأيته، ولا تشاء تراه نائما إلا رأيته، قالت: وما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غيره احدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث.
قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها، قالت: ولقد كان يقوم حتى أرثي له من شدة قيامه * وذكر ابن مسعود أنه صلى معه ليلة فقرأ في الركعة الاولى بالبقرة والنساء وآل عمران ثم ركع قريبا من ذلك، ورفع نحوه وسجد نحوه * وعن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح يقرأ هذه الآية: * (إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم) * رواه أحمد * وكل هذا في الصحيحين وغيرهما من الصحاح، وموضع بسط هذه الاشياء في كتاب الاحكام الكبير * وقد ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حتى تفطرت قدماه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا (3) * وتقدم في حديث
__________
(1) من الدلائل، في الاصل: نسمع.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 351 - 352 وما بين معكوفتين في الحديث استدركت من الدلائل.
ورواه الترمذي في الزهد ح (2353) وقال حسن صحيح.
وابن ماجة في الزهد كلاهما عن أبي هريرة ح 4122.
والدارمي في الرقاق باب (118).
وأحمد في المسند 2 / 296، 343، 513، 519 - 5 / 366.
(3) أخرجه الستة سوى أبي داود والامام أحمد.
في البخاري - كتاب التهجد فتح الباري 3 / 14 و 8 / 584 ومسلم في المنافقين ح 81.
والترمذي في الصلاة 2 / 268.
والنسائي في قيام الليل.
وابن ماجة في إقامة الصلاة حديث 1420.

سلام بن سليمان، عن ثابت، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة.
رواه أحمد والنسائي * وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، أخبرني علي بن زيد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد حبب إليك الصلاة فخذ منها ما شئت " * وثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة.
وفي الصحيحين من حديث منصور، وعن إبراهيم عن علقمة قال: سألت عائشة هل كان رسول الله يخص شيئا من الايام ؟ قالت: لا، كان عمله ديمة.
وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع (1) ؟ * وثبت في الصحيحين من حديث أنس وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواصل ونهى أصحابه عن الوصال وقال: إني لست كأحدكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني (2) * والصحيح أن هذا الاطعام والسقيا معنويان كما ورد في الحديث الذي رواه ابن عاصم عن...أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله يطعمهم ويسقيهم * وما أحس ما قال بعضهم: لها أحاديث من ذكراك يشغلها * عن الشراب ويلهيها عن الزاد وقال النضر بن شميل عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة (3) وروى البخاري: عن الفريابي، عن الثوري.
عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي، فقلت: اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال:
فقرأت سورة النساء حتى بلغت: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) * [ الآية: 41 ] قال: حسبك، فالتفت فإذا عيناه تذرفان (4) * وثبت في الصحيح: أنه عليه السلام كان يجد التمرة على فراشه فيقول: لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لاكلتها.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد تحت جنبه تمرة من الليل، فأكلها فلم ينم تلك الليلة، فقال بعض نسائه: يا
__________
(1) أخرجه البخاري في الصوم فتح الباري 4 / 235، و 11 / 294 كتاب الرقاق.
ومسلم في صلاة المسافرين ص (541).
وأبو داود في الصلاة ح (1370) والامام أحمد 6 / 43، 55، 174، 189 والبيهقي في الدلائل 1 / 355 والسنن الكبرى 4 / 299.
(2) أخرجه البخاري في الصوم باب (49).
ومسلم في الصيام باب (11) ومالك في الموطأ صفحة (301).
والامام أحمد في المسند 2 / 231، 237، 244، 315.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 356.
(4) أخرجه البخاري في فضائل القرآن فتح الباري 9 / 94 ومسلم في صلاة المسافرين باب 40 ح 247.

رسول الله أرقت الليلة، قال: إني وجدت تحت جنبي تمرة فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه، تفرد به أحمد.
وأسامة بن زيد هو الليثي من رجال مسلم.
والذي نعتقد أن هذه التمرة لم تكن من تمر الصدقة لعصمته عليه السلام ولكن من كمال ورعه عليه السلام أرق تلك الليلة، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: [ والله إني ] لاتقاكم لله وأعلمكم بما أتقى.
وفي الحديث الآخر أنه قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك * وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل (1)، وفي رواية: وفي صدره أزيز كأزيز الرحا من البكاء (2).
وروى البيهقي من طريق أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني، ثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله أراك شبت،
فقال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت (3).
وفي رواية له عن أبي كريب عن معاوية بن هشام، عن شيبان، عن فراس، عن عطية عن أبي سعيد قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أسرع إليك الشيب، فقال: شيبتني هود وأخواتها: الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت.
فصل في شجاعته (صلى الله عليه وسلم) ذكرت في التفسير عن بعض من السلف أنه استنبط من قوله تعالى: * (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين) * [ النساء: 88 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمورا أن لا يفر من المشركين إذا واجهوه ولو كان وحده من قوله * (لا تكلف إلا نفسك) * وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشجع الناس وأصبر الناس وأجلدهم، ما فر قط من مصاف ولو تولى عنه أصحابه.
قال بعض أصحابه: كنا إذا اشتد الحرب وحمى الناس، نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ففي يوم بدر رمى ألف مشرك بقبضة من حصا فنالتهم أجمعين حين قال: شاهت الوجوه، وكذلك يوم حنين كما تقدم، وفر أكثر أصحابه في ثاني الحال يوم أحد وهو ثابت في مقامه لم يبرح منه ولم يبق معه إلا اثنا عشر قتل منهم سبعة وبقي الخمسة.
وفي هذا الوقت قتل أبي بن خلف لعنه الله فعجله الله إلى النار.
ويوم حنين ولى الناس كلهم وكانوا يومئذ اثنا عشر ألفا وثبت هو في نحو من مائة من الصحابة وهو راكب يومئذ بغلته وهو يركض بها إلى نحو العدو، وهو ينوه باسمه ويعلن بذلك قائلا: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.
حتى جعل العباس وعلي وأبو سفيان يتعلقون في تلك البغلة ليبطئوا سيرها
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في المسند 24 / 25 والنسائي في كتاب السهو (3 / 13).
(2) أخرجه أبو داود في الصلاة ح 904.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 358.
والترمذي في تفسير القرآن ح 3297.
والحاكم في المستدرك 2 / 342 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي.

خوفا عليه من أن يصل أحد من الاعداء إليه.
وما زال كذلك حتى نصره الله وأيده في مقامه ذلك
وما تراجع الناس إلا والاشلاء مجندلة بين يديه صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو زرعة: حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي، حدثنا مروان - يعني ابن محمد - حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس بشدة البطش.
فصل فيما يذكر من صفاته عليه السلام في الكتب المأثورة عن الانبياء الاقدمين قد أسلفنا طرفا صالحا من ذلك في البشارات قبل مولده، ونحن نذكر هنا غررا من ذلك، فقد روى البخاري والبيهقي واللفظ له من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في الفرقان (1): يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين أنت عبدي ورسولي سميتك: المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب (2) بالاسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء، أن يقولوا: (لا إله إلا الله) وأفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.
قال عطاء بن يسار ثم لقيت كعبا الحبر (3) فسألته، فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا قال أعينا [ عمويا، واذانا صمومي، وقلوبا غلوفى ] (4) * ورواه البخاري أيضا عن عبد الله غير منسوب، قيل: هو ابن رجاء، وقيل: عبد الله بن صالح، وهو الارجح، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن هلال بن علي به.
قال البخاري: وقال سعيد، عن هلال، عن عطاء، عن عبد الله بن سلام كذا علقه البخاري.
وقد روى البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو صالح - هو عبد الله بن صالح كاتب الليث - حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أسامة، عن عطاء بن يسار عن ابن سلام أنه كان يقول: إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا) * أنت عبدي ورسولي، سميته: المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في
__________
(1) في البخاري: القرآن.
(2) في البيهقي: سخب.
(3) في البيهقي: كعب الاحبار.
(4) ما بين معكوفتين من دلائل البيهقي 1 / 374.
والفقرة من قال عطاء...ليست في البخاري.
والجزء الاول من الحديث أخرجه البخاري في البيوع ح 2125، وفي التفسير فتح الباري 8 / 585.

الاسواق، ولا يجزى بالسيئة مثلها، ولكن يعفو (ويغفر) (1) ويتجاوز، ولن (2) أقبضه حتى يقيم الملة العوجاء: بأن تشهد * (أن لا إله إلا الله) * يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، قال عطاء ابن يسار: وأخبرني الليثي (3): أنه سمع كعب الاحبار يقول مثل ما قال ابن سلام.
وقد روي عن عبد الله بن سلام من وجه آخر فقال الترمذي: حدثنا زيد بن أخرم الطائي البصري، ثنا أبو قتيبة - مسلم بن قتيبة -، حدثني أبو مودود المدني، ثنا عثمان الضحاك، عن محمد بن يوسف، عن عبد الله بن سلام، عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة " محمد وعيسى بن مريم يدفن معه " فقال أبو مودود: قد بقي في البيت موضع قبر، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن.
هكذا قال الضحاك والمعروف الضحاك بن عثمان المدني، وهكذا حكى شيخنا الحافظ المزي في كتابه الاطراف عن ابن عساكر أنه قال مثل قول الترمذي، ثم قال: وهو شيخ آخر أقدم من الضحاك بن عثمان ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه فيمن اسمه عثمان، فقد روي هذا عن عبد الله بن سلام، وهو من أئمة أهل الكتاب ممن آمن وعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد كان له اطلاع على ذلك من جهة زاملتين كان أصابهما يوم اليرموك، فكان يحدث منهما عن أهل الكتاب، وعن كعب الاحبار، وكان بصيرا بأقوال المتقدمين على ما فيها من خلط وغلط، وتحريف وتبديل، فكان يقولها بما فيها من غير نقد، وربما أحسن بعض السلف بها الظن فنقلها عنه مسلمة، وفي ذلك من المخالفة لبعض ما بأيدينا من الحق جملة كثيرة، لكن لا يتفطن لها كثير من الناس.
ثم ليعلم أن كثيرا من السلف يطلقون التوراة على كتب أهل الكتاب المتلوة عندهم، أو أعم من ذلك، كما أن
لفظ القرآن يطلق على كتابنا خصوصا ويراد به غيره، كما في الصحيح: خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرح فيقرأ القرآن مقدار ما يفرغ، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والله أعلم.
وقال البيهقي عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ قال: نجده محمد رسول الله، اسمه المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالاسواق، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينا عميا (4)، ويسمع به آذانا وقرا، ويقيم به ألسنا معوجة حتى تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعين المظلوم ويمنعه.
وبه عن يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حريث (5) عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في الانجيل: لا فظ، ولا غليظ ولا سخاب في الاسواق، ولا يجزي
__________
(1) من الدلائل للبيهقي 1 / 376، وروى الحديث ابن عساكر في تاريخه 1 / 343.
(2) من الدلائل وفي الاصل وليس.
(3) الليثي هو أبو واقد الليثي من الصحابة له ترجمة في الاصابة.
(4) في الدلائل 1 / 377 أعينا عورا.
(5) من الدلائل 1 / 377 وفي الاصل: خريب.

بالسيئة مثلها، بل يعفو ويصفح.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا قيس (1) البجلي، حدثنا سلام بن مسكين، عن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم.
جد في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع يا ابن الطاهر البتول، إني خلقتك من غير فحل، وجعلتك آية للعالمين، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، فبين لاهل سوران أني أنا الحق القائم الذي لا أزول (2)، صدقوا بالنبي العربي، صاحب الجمل والمدرعة والعمامة والنعلين والهراوة، الجعد الرأس، الصلت الجبين، المقرون الحاجبين، الادعج العينين، الاقنى الانف الواضح الخدين (3) الكث اللحية، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، ريحه المسك ينفخ منه، كأن عنقه إبريق فضة، وكأن الذهب يجري في تراقيه، له
شعرات من لبته إلى سرته تجري كالقضيب، ليس على صدره ولا بطنه شعر غيره، شثن الكفين والقدم، إذا جاء مع الناس غمرهم، وإذا مشى كأنما ينقلع من الصخر، وينحدر في صبب ذو النسل القليل (4) * وروى الحافظ البيهقي بسنده عن وهب بن منبه اليمامي قال: إن الله عز وجل لما قرب موسى نجيا، قال: رب إني أجد في التوراة أمة: خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة هم خير الامم الآخرون من الامم، السابقون يوم القيامة، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في التوراة أناجيلهم في صدورهم يقرؤنها، وكان من قبلهم يقرؤن كتبهم نظرا ولا يحفظونها، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الاول والآخر ويقاتلون رؤوس الضلالة، حتى يقاتلوا الاعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها، فان لم تقبل لا تقربها النار، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن علمها كتب له عشر أمثالها إلى سبعمائة (5) ضعف، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: رب إني أجد في التوراة أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال وذكر وهب بن منبه: في قصة داود عليه السلام وما أوحى إليه في الزبور: يا داود: إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه: أحمد ومحمد، صادقا سيدا، لا
__________
(1) في دلائل البيهقي 1 / 378: فيض.
(2) العبارة في دلائل البيهقي 1 / 378: فسر لاهل سوران بالسريانة.
بلغ من بين يديك: أني أنا الله الحي القيوم الذي لا أزول.
(3) في الدلائل: الواضح الجبين، الاهدب الاشفار.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 378 وأورده ابن عساكر في تاريخه باختصار 1 / 344.
(5) في الدلائل: مائة ضعف.

أغضب عليه أبدا، ولا يغضبني أبدا، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أمته مرحومة، أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الانبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الانبياء والرسل، حتى يأتوني بوم القيامة ونورهم مثل نور الانبياء، وذلك اني افترضت عليهم أن يتطهروا إلى كل صلاة، كما افترضت على الانبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الانبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الانبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم.
يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الامم كلها، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الامم: لا آخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إن استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شئ ضيبة به أنفسهم جعلته لهم أضعافا مضاعفة ولهم في المدخر عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك وأعطيتهم، على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم، فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا، وإما أن أصرف عنهم سوءا، وإما أن أدخره لهم في الآخرة، يا داود ! من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صادقا بها، فهو معي في جنتي وكرامتي، ومن لقيني وقد كب محمدا أو كذب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الاسفل من النار (1).
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا الشريف أبو الفتح العمري، ثنا عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا عبد الله بن شبيب أبو سعيد [ الربعي ]، حدثني محمد بن عمر بن سعيد - يعني ابن محمد بن جبير بن مطعم - قال: حدثتني أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيها عن أبيه قال: سمعت أبي جبير بن مطعم يقول: لما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما كنت ببصرى أتتنى جماعة من النصارى فقالوا لي: أمن الحرم أنت ؟ قلت: نعم، قالوا: فتعرف هذا
الذي تنبأ فيكم ؟ قلت: نعم، قال: فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور، فقالوا لي: أنظر هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم ؟ فنظرت فلم أر صورته، قلت: لا أرى صورته، فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير، فإذا فيه تماثيل وصورا أكثر مما في ذلك الدير، فقالوا لي: انظر هل ترى صورته ؟ فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته، وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لي: هل ترى صفته ؟ قلت: نعم، قالوا: هو هذا ؟ - وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قلت: (اللهم) نعم، أشهد أنه هو، قالوا: أتعرف هذا الذي آخذ بعقبه ؟ قلت: نعم، قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده (2).
ورواه البخاري في التاريخ عن محمد غير منسوب، عن محمد بن عمر هذا باسناده
__________
(1) دلائل النبوة ج 1 / 380 - 381.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 1 / 384 - 385 والبخاري في التاريخ الكبير 1 / 1 / 179.

فذكره مختصرا، وعنده فقالوا: إنه لم يكن نبي إلا بعده نبي إلا هذا النبي * وقد ذكرنا في كتابنا التفسير عند قوله تعالى في سورة الاعراف: * (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) * الآية.
ذكرنا ما أورده البيهقي وغيره من طريق أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص الاموي قال: بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الاسلام، فذكر اجتماعهم به وأن عرفته تنغصت (1) حين ذكروا الله عز وجل، فأنزلهم في دار ضيافته ثم استدعاهم بعد ثلاث فدعا بشئ نحو الربعة العظيمة فيها بيوت صغار عليها أبواب، وإذا فيها صور الانبياء ممثلة في قطع من حرير من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فجعل يخرج لهم واحدا واحدا ويخبرهم عنه، وأخرج لهم صورة آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم تعجل إخراج صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم فتح بابا آخر فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتعرفون هذا ؟ قلنا: نعم، محمد رسول الله، قال: وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو ؟ قلنا: نعم
إنه لهو كما ننظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لانظر ما عندكم، ثم ذكر تمام الحديث في إخراجه بقية صور الانبياء وتعريفه إياهما بهم، وقال في آخره قلنا له: من أين لك هذه الصور ؟ لانا نعلم أنها ما على صورت عليه الانبياء عليهم السلام، لانا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله، فقال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الانبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال، ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وأني كنت عبدا لاشركم ملكة حتى أموت، قال: ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا، فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثناه بما رأينا وما قال لنا وما أجازنا، قال: فبكى أبو بكر فقال: مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم (2).
وقال الواقدي: حدثني علي بن عيسى الحكيمي عن أبيه، عن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أو من به وأصدقه وأشهد برسالته، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفي عليك.
قلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه ثم يخرجه قوم منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب
__________
(1) في البيهقي: وأن غرفته تنفضت.
وهو مناسب أكثر.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 1 / 386 - 390 وابن كثير في التفسير.

فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من سأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين وذاك، وينعتونه مثل ما نعته لك،، ويقولون لم يبق نبي غيره * قال عامر بن ربيعة.
فلما أسلمت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، قول زيد بن عمرو بن نفيل
واقرائه منه السلام، فرد عليه السلام وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا.
كتاب دلائل النبوة وهي معنوية وحسية: فمن المعنوية إنزال القرآن عليه، وهو أعظم المعجزات، وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات، لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدى به الانس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك، مع توافر دواعي أعدائه على معارضته.
وفصاحتهم وبلاغتهم، ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا، ثم تنازل إلى التحدي بسورة من مثله، فعجزوا عنه وهم يعلمون عجزهم وتقصيرهم عن ذلك، وأن هذا ما لا سبيل لاحد إليه أبدا، قال الله تعالى: * (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * [ الاسراء: 88 ] وهذه الآية مكية وقال في سورة الطور وهي مكية: * (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) * [ الطور: 33 ] أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنكم مثله.
وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية - معيدا للتحدي -: * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) * [ البقرة: 23 - 24 ] وقال تعالى: * (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين.
فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) * [ هود: 13 - 14 ] وقال تعالى: * (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) * [ يونس: 37 - 39 ] فبين تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن، بل عن عشر سور مثله، بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون ذلك أبدا كما قال تعالى: * (فان لم تفعلوا ولن تفعلوا) * أي فإن لم تفعلوا في الماضي ولن
تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحد ثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل، ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الاتيان بمثله، ولو كان من متقول من عند نفسه لخاف أن يعارض، فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له، ومعلوم لكل ذي لب أن محمدا صلى الله عليه وسلم من أعقل خلق الله بل أعقلهم وأكملهم على الاطلاق في نفس الامر، فما كان ليقدم على هذا الامر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته،

وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى زماننا هذا لم يستطيع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا، فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شئ من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق ؟ وقول كفار قريش الذي حكاه تعالى عنهم في قوله: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الاولين) * [ الانفال: 31 ] كذب منهم دعوى باطلة بلا دليل ولا برهان ولا حجة ولا بيان، ولو كانوا صادقين لاتوا بما يعارضه، بل هم يعلمون كذب أنفسهم، كما يعلمون كذب أنفسهم في قولهم * (أساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) * [ الفرقان: 5 ] قال الله تعالى * (قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والارض إنه كان غفورا رحيما) * [ الفرقان: 6 ] أي أنزله عالم الخفيات، رب الارض والسموات، الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فانه تعالى أوحى إلى عبده ورسوله النبي الامي، الذي كان لا يحسن الكتابة ولا يدريها بالكلية، ولا يعلم شيئا من علم الاوائل وأخبار الماضين، فقص الله عليه خبر ما كان وما هو كائن على الوجه الواقع سواء بسواء، وهو في ذلك يفصل بين الحق والباطل الذي اختلف في إيراده جملة الكتب المتقدمة، كما قال تعالى: * (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) * وقال تعالى: * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فانه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا) * [ طه: 99 - 100 ] وقال تعالى: * (وأنزلنا عليك الكتاب بالحق
مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) * [ المائدة: 48 ] الآية وقال تعالى: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون * وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون * قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والارض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله اولئك هم الخاسرون) * [ العنكبوت: 47 - 52 ] * فبين تعالى أن نفس إنزال هذا الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون وحكم ما هو كائن بين الناس على مثل هذا النبي الامي وحده، كان من الدلالة على صدقه، وقال تعالى: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم * قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون * ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون) * [ يونس: 15 - 17 ] يقول لهم: إني لا أطيق تبديل هذا من تلقاء نفسي، وإنما الله عز وجل هو الذي يمحو ما يشاء ويثبت وأنا مبلغ عنه، وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به، لاني نشأت بين أظهركم وأنتم تعلمون نسبي وصدقي وأمانتي،

وأني لم أكذب على أحد منكم يوما من الدهر، فكيف يسعني أن أكذب على الله عز وجل، مالك الضر والنفع، الذي هو على كل شئ قدير، وبكل شئ عليم ؟ وأي ذنب عنده أعظم من الكذب عليه، ونسبة ما ليس منه إليه، كما قال تعالى: * (ولو تقول علينا بعض الاقاويل، لاخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين) * أي لو كذب علينا لانتقمنا منه أشد الانتقام، وما استطاع أحد من أهل الارض أن يحجزنا عنه ويمنعنا منه، وقال تعالى: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شئ، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا
أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) * [ الانعام: 93 ] وقال تعالى: * (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ) * [ الانعام: 19 ] وهذا الكلام فيه الاخبار بأن الله شهيد على كل شئ، وأنه تعالى أعظم الشهداء، وهو مطلع علي وعليكم فيما جئتكم به عنه، وتتضمن قوة الكلام قسما به أنه قد أرسلني إلى الخلق لانذرهم بهذا القرآن، فمن بلغه منهم فهو نذير له كما قال تعالى: * (ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * [ هود: 17 ] ففي هذا القرآن من الاخبار الصادقة عن الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسموات والارضين وما بينهما وما فيهن أمور عظيمة كثيرة مبرهنة بالادلة القطعية المرشدة إلى العلم بذلك من جهة العقل الصحيح، كما قال تعالى: * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس الا كفورا) * [ الاسراء: 89 ] وقال تعالى: * (وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) * [ العنكبوت: 43 ] وقال تعالى: * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) * [ الزمر: 27 ] وفي القرآن العظيم الاخبار عما مضى على الوجه الحق وبرهانه ما في كتب أهل الكتاب من ذلك شاهدا له، مع كونه نزل على رجل أمي، لا يعرف الكتابة، ولم يعان يوما من الدهر شيئا من علوم الاوائل، ولا أخبار الماضين، فلم يفجأ الناس إلا بوحي إليه عما كان من الاخبار النافعة، التي ينبغي أن تذكر للاعتبار بها من أخبار الامم مع الانبياء، وما كان منهم من أمورهم معهم، وكيف نجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين، بعبارة لا يستطيع بشر أن يأتي بمثلها أبد الآبدين، ودهر الداهرين، ففي مكان تقص القصة موجزة في غاية البيان والفصاحة، وتارة تبسط، فلا أحلى ولا أجلى ولا أعلى من ذلك السياق حتى كأن التالي أو السامع مشاهد لما كان، حاضر له، معاين للخبر بنفسه كما قال تعالى: * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون) * [ آل عمران: 44 ] وقال تعالى: * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت
لديهم إذا يختصمون) * [ آل عمران: 44 ] وقال تعالى: في سورة يوسف، * (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون * وما أكثر الناس ولو حرصت

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55