كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن
كثير الدمشقي
في الطست، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم القبضة التراب فرمى بها فانهزمنا.
قال الواقدي: وحدثنا [ أبو ] (1) إسحاق عن محمد عن (2) عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (3) عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير سمعت نوفل بن معاوية الديلي يقول: انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس في أفئدتنا ومن خلفنا (4)، وكان ذلك من أشد الرعب علينا.
وقال الاموي: حدثنا أبي، ثنا ابن أبي إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل حين التقى القوم قال: اللهم اقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة.
فكان هو المستفتح.
فبينما هم على تلك الحال وقد شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم وقللهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم، خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة في العريش ثم انتبه فقال: " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامته آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع أتاك نصر الله وعدته " وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ كفا من الحصى بيده ثم خرج فاستقبل القوم فقال: " شاهت الوجوه " ثم نفحهم بها ثم قال لاصحابه " احملوا فلم تكن إلا الهزيمة " فقتل الله من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر منهم.
وقال زياد عن ابن إسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال: " شاهت الوجوه " ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال: " شدوا " فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم.
وقال السدي الكبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم بدر " أعطني حصباء من الارض " فناوله حصباء عليها تراب فرمى به في وجوه القوم فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شئ، ثم ردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم وأنزل الله في ذلك: " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وهكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد ومحمد بن كعب ومحمد بن قيس وقتادة وابن زيد وغيرهم إن هذه الآية نزلت في ذلك يوم بدر، وقد فعل عليه السلام مثل ذلك في غزوة حنين كما سيأتي في موضعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله وبه الثقة.
وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرض
أصحابه على القتال ورمى المشركين بما رماهم به من التراب وهزمهم الله تعالى صعد إلى العريش أيضا ومعه أبو بكر، ووقف سعد بن معاذ ومن معه من الانصار على باب العريش ومعهم السيوف خيفة أن تكر راجعة من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: ولما وضع القوم أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: " كأني بك يا سعد تكره ما يصنع القوم ؟ " قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك.
فكان الاثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال.
قال ابن إسحاق: وحدثني
__________
(1) من الواقدي، وفي الاصل إسحاق وهو تحريف.
(2) من الواقدي، وفي الاصل ابن.
(3) في المغازي: ابن عبد.
(4) في الواقدي: في الطساس بين أيدينا ومن خلفنا.
العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يومئذ: " إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيزهم ؟ قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرها " فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لالحمنه بالسيف.
فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: " يا أبا حفص " قال عمر: والله إنه لاول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟ " فقال عمر: يا رسول الله دعني فلاضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق.
فقال أبو حذيفة: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا رضي الله عنه.
مقتل أبي البختري بن هشام
قال ابن إسحاق: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لانه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة (1).
كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شئ يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الانصار فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن قتلك ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة وهو جنادة بن مليحة وهو من بني ليث.
قال وزميلي ؟ فقال له المجذر (2) لا والله ما نحن بتاركي زميلك، ما أمرنا رسول الله إلا بك وحدك، قال لا والله إذا لاموتن أنا وهو جميعا لا يتحدث عني نساء قريش بمكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة.
وقال أبو البختري وهو ينازل المجذر: لن يترك (3) ابن حرة زميله * حتى يموت أو يرى سبيله قال: فاقتتلا فقتله المجذر بن ذياد وقال في ذلك: إما جهلت أو نسيت نسبي * فأثبت النسبة إني من بلى الطاعنين برماح اليزني * والطاعنين الكبش حتى ينحني (4)
__________
(1) قال الواقدي: كان أبو البختري قد لبس السلاح يوما بمكة في بعض ما كان بلغ من النبي صلى الله عليه وسلم من الاذى وقال: لا يعترض اليوم أحد لمحمد بأذى إلا وضعت فيه السلاح.
(2) الواقدي روى القصة وسمى الرجل صاحب القصة مع أبي البختري: أبا داود المازني.
(3) في ابن هشام: لن يسلم ابن حرة زميله.
(4) في ابن هشام: والضاربين بدل والطاعنين.
بشر بيتم من: أبوه البختري * أو بشرن بمثلها مني بني أنا الذي يقال أصلي من بلى * أطعن بالصعدة حتى تنثني وأعبط القرن بعصب مشرفي * أرزم للموت كإرزام المري (1) فلا يرى مجذرا يفري فرى ثم أتى المجذر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فأتيك
به فأبى إلا أن يقاتلني، فقاتلته فقتلته.
فصل في مقتل أمية بن خلف قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف.
قال: كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة، وكان اسمي عبد عمرو، فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن، فكان يلقاني ونحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبوك ؟ قال: فأقول: نعم ! قال: فإني لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به، أما أنت فلا تجيبني باسمك الاول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف.
قال: وكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه، قال فقلت له: يا أبا علي اجعل ما شئت.
قال: فأنت عبد الاله، قال: قلت: نعم ! قال: فكنت إذا مررت به قال يا عبد الاله فأجيبه فأتحدث معه، حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع ابنه علي وهو آخذ بيده، قال: ومعي أدراع لي قد استلبتها، فأنا أحملها فلما رآني.
قال يا عبد عمرو فلم أجبه، فقال يا عبد الاله فقلت: نعم ! قال هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك ؟ قال: قلت: نعم ها الله (2)، قال: فطرحت الادراع من يدي، وأخذت بيده وبيد ابنه، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن (3) ؟ [ قال ]: ثم خرجت أمشي بهما.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن (4) عبد الرحمن بن عوف.
قال: قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذا بأيديهما: يا عبد الاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة
__________
(1) قال ابن هشام: المري: الناقة التي يستنزل لبنها على عسر، وقيل: هي الناقة الغزيرة اللبن.
القرن: المقاوم في الحرب.
العضب: السيف القاطع.
(2) في السيرة وشرح السيرة لابي ذر والسهيلي: ها الله ذا.
قال السهيلي: أي هذا قسمي، فكأنه قال: ها أنذا مقسم.
(3) قال ابن هشام: يريد باللبن: أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن.
(4) كذا في الاصل: والظاهر أن كلمة " عن " مقحمة.
في صدره ؟ قال: قلت: حمزة.
قال: ذاك الذي فعل بنا الافاعيل.
قال عبد الرحمن فوالله إني لاقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على [ ترك ] الاسلام - فلما رآه قال رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، قال: قلت: أي بلال أسيري، قال لا نجوت إن نجا، ثم قال صرخ بأعلا صوته يا أنصار الله ! رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا، فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة (1) فأنا أذب عنه، قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط، قال: قلت: انج بنفسك ولا نجاء [ بك ]، فوالله ما أغني عنك شيئا.
قال فهبر وهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
قال فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالا فجعني بأدراعي وبأسيري.
وهكذا رواه البخاري في صحيحه قريبا من هذا السياق فقال في الوكالة حدثنا عبد العزيز - هو ابن عبد الله - حدثنا يوسف - هو ابن الماجشون - عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لاحرزه حين نام الناس فابصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس [ من ] الانصار فقال: أمية بن خلف ؟ ! لا نجوت إن نجا أمية بن خلف فخرج معه فريق من الانصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لاشغلهم فقتلوه ثم أتوا حتى تبعونا وكان رجلا ثقيلا، فلما أدركونا قلت له أبرك فبرك فألقيت عليه نفسي لامنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك في ظهر قدمه سمع يوسف صالحا وإبراهيم أباه.
تفرد به البخاري من بينهم كلهم.
وفي مسند رفاعة بن رافع أنه هو الذي قتل أمية بن خلف (2).
مقتل أبي جهل لعنه الله قال ابن هشام: وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز [ وهو يقاتل ] ويقول:
ما تنقم الحرب العوان مني * بازل عامين حديث سني لمثل هذا ولدتني أمي قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه، أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى،
__________
(1) أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا.
(2) في الواقدي، قتله خبيب بن يساف، وقد ضرب أمية خبيت حتى قطع يده من المنكب، وتزوج خبيب بابنة أمية بعد مقتله.
1 / 83.
وكان أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد (1) عن عكرمة، عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا.
قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة (2) وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى (3) حين يضرب بها، قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي، واجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لاسحبها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها.
قال ابن إسحاق: ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان.
ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمق.
وقاتل معوذ (4) حتى قتل، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أنظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبدالله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش (5) في أحدهما جحشا لم يزل أثره به.
قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته.
فوضعت رجلي على عنقه.
قال وقد كان ضبث بي مرة بمكة فأذاني ولكزني ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال وبماذا أخزاني ؟ قال: أعمد من رجل قتلتموه (6) أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال: قلت لله
ولرسوله.
قال ابن إسحاق: وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، قال: ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
__________
(1) في السيرة: ابن يزيد.
(2) قال ابن هشام: الحرجة الشجر الملتف.
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب: أنه سأل أعرابيا عن الحرجة، فقال: هي شجرة من الاشجار لا يوصل إليها.
(السيرة 2 / 287).
(3) مرضخة: جمعها مراضخ، والمرضخة حجر يرضخ به النوى أي يكسر.
عن النهاية.
(4) ذكر السهيلي الغلامين اللذين قتلا أبا جهل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء، وفي مسلم أنهما: معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح.
وفي رواية ابن إدريس عن ابن إسحاق كما في رواية مسلم.
وقال أبو عمرو: أن ابني عفراء قتلاه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أنس.
وقال الواقدي: قتله معاذ بن عمرو بن الجموح.
وفي رواية أخرى عنده: قتله ابنا الحارث.
وهما ابنا عفراء.
(5) جحش جحشا أي خدش خدشا،.
وفي الصحاح: الجحش: سحج الجلد اي قشره (الصحاح)، وفي الاصل: حجش.
(6) أعمد من رجل قتلتموه ويقال: أعمد من رجل قتله قومه قال ابن هشام: أي ليس عليه عار إن قتلتموه أو قتله قومه.
وقال أبو ذر: يريد: أكبر من رجل قتلتموه على سبيل التحقير منه لفعلهم به.
يا رسول الله هذا رأس عدوالله.
فقال: " الله الذي لا إله غيره ؟ ".
وكان يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نعم ! والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله.
هكذا ذكر ابن إسحاق رحمه الله.
وقد ثبت في الصحيحين (1) من طريق يوسف بن يعقوب بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف.
قال: إني لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين اظلع منهما فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل ؟ فقلت
نعم وما حاجتك إليه ؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الاعجل منا فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس فقلت ألا تريان ؟ هذا صاحبكم الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: " أيكما قتله ".
قال كل منهما أنا قتلته.
قال: هل مسحتما سيفيكما ؟ " قالا: لا.
قال فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال: " كلاهما قتله " وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح - والآخر معاذ بن عفراء.
وقال البخاري حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده.
قال: قال عبد الرحمن: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل، فقلت يا ابن أخي ما تصنع به ؟ قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، وقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله، قال فما سرني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء.
وفي الصحيحين أيضا: من حديث أبي (2) سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ينظر ماذا صنع أبو جهل " قال ابن مسعود: أنا يا رسول الله فانطلق فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد.
قال: فأخذ بلحيته قال فقلت: أنت أبو جهل ؟ فقال وهل فوق رجل قتلتموه - أو قال قتله قومه (3) - وعند البخاري: عن أبي أسامة عن إسماعيل بن قيس (4) عن ابن مسعود أنه أتى أبا جهل فقال: هل أخزاك الله ؟ فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه.
وقال الاعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال انتهيت إلى أبي جهل وهو
__________
(1) أخرجه البخاري عن مسدد في كتاب الخمس - باب من لم يخمس الاسلاب.
وأخرجه أيضا في المغازي عن ابن المديني ويعقوب بن إبراهيم.
وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد 13 باب ح 32 ص 1372.
عن يحيى بن يحيى.
(2) في البخاري والبيهقي: سليمان.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 8 باب قتل أبي جهل فتح الباري 7 / 293 وفيه عن سليمان التيمي.
ورواه
مسلم في كتاب الجهاد والسير - باب قتل أبي جهل 3 / 1425.
(4) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 8 باب قتل أبي جهل ح 3961 فتح الباري 7 / 293.
وفيه: عن أبي أمامة عن اسماعيل عن قيس عن ابن مسعود.
وليس كما في الاصل: اسماعيل بن قيس فهو تحريف.
صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد.
ومعي سيف ردئ فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى ضعفت يده فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال: على من كانت الدائرة لنا أو علينا ألست رويعينا بمكة ؟ قال: فقتلته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت قتلت أبا جهل، فقال الله الذي لا إله إلا هو ؟ فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي إليهم فدعا عليهم (1).
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو يذب الناس عنه بسيف له، فقلت الحمد لله الذي أخزاك الله يا عدو الله.
قال: هل هو إلا رجل قتله قومه، فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فندر (2) سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته قال ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الارض فأخبرته فقال " الله الذي لا إله إلا هو ؟ " فرددها ثلاثا، قال: قلت الله الذي لا إله إلا هو قال فخرج يمشي معي حتى قام عليه فقال: " الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا عدو الله هذا كان فرعون هذه الامة " وفي رواية أخرى قال ابن مسعود فنفلني سيفه.
وقال أبو إسحاق الفزاري عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقلت: قد قتلت أبا جهل فقال: " الله الذي لا إله إلا هو ؟ " فقلت الله الذي لا إله إلا هو مرتين - أو ثلاثا - قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده " ثم قال: " انطلق فأرنيه " فانطلقت فأريته فقال: " هذا فرعون هذه الامة " (3).
ورواه أبو داود والنسائي من حديث أبي إسحاق السبيعي به.
وقال الواقدي وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال: " رحم الله ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الامة ورأس أئمة الكفر " فقيل يا رسول الله ومن قتله معهما ؟ قال " الملائكة وابن
مسعود قد شرك في قتله " رواه البيهقي (4).
وقال البيهقي أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن عنبسة بن الازهر عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاثة أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا ؟ فحلف له فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا.
ثم روى البيهقي من طريق أبي نعيم، عن سلمة بن رجاء، عن الشعثاء - امرأة من بني أسد (5) - عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين حين بشر بالفتح وحين جئ
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 88.
(2) ندر: سقط.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 88 وأبو داود في كتاب الجهاد 142 عن محمد بن العلاء عن إبراهيم بن يوسف بن أبي اسحاق عن أبيه..والنسائي في السير - في السنن الكبرى - تحفة الاشراف 7 / 162.
(4) دلائل النبوة ج 3 / 89 عن الواقدي، والخبر في المغازي 1 / 91.
(5) دلائل النبوة ج 3 / 89 وفيه قالت: دخل علي عبد الله بن أبي أوفى، فرأيته صلى الضحى ركعتين فقالت له =
برأس أبي جهل.
وقال ابن ماجه حدثنا أبو بشر بكر بن خلف حدثنا سلمة بن رجاء قال حدثتني شعثاء عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبي، حدثنا هشام (1) أخبرنا مجالد، عن الشعبي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الارض فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في الارض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة " (2).
وقال الاموي في مغازيه: سمعت أبي، ثنا المجالد بن سعيد عن عامر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال إني رأيت رجلا جالسا في بدر ورجل يضرب رأسه بعمود من حديد حتى يغيب في الارض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك أبو جهل وكل به ملك يفعل به كلما خرج فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " وقال البخاري حدثنا عبيد بن إسماعيل، ثنا
أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه قال قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش، فقال أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بعنزة فطعنته في عينه فمات قال هشام فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها، وقد انثنى طرفاها، قال عروة فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر بن الخطاب فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل.
وقال ابن هشام حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص - ومر به - إني أراك كأن في نفسك شيئا أراك تظن أني قتلت أباك إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدث عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله (3).
قال ابن إسحاق وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الاسدي حليف بني عبد شمس يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا (4) من حطب فقال: " قاتل بهذا يا عكاشة " فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض
__________
= امرأته: إنك صليت ركعتين فقال..وذكر تمام الحديث.
(1) في البيهقي: هشيم.
(2) الخبر في دلائل البيهقي 3 / 90، ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 80 وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت " عن الشعبي.
(3) سيرة ابن هشام 2 / 290 ورواه الواقدي في المغازي 1 / 92 وقال في أوله: وأقبل العاص بن سعيد يحث للقتال، فالتقى هو وعلي فقتله علي.
(4) في الواقدي: عودا.
الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى: العون.
ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتله طليحة الاسدي أيام الردة، وأنشد طليحة في ذلك قصيدة منها قوله: عشية غادرت ابن أقرم ثاويا * وعكاشة الغنمي عند مجال (1) وقد أسلم بعد ذلك طليحة كما سيأتي بيانه.
قال ابن إسحاق: وعكاشة هو الذي قال حين بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بسبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أدع الله أن يجعلني منهم قال: " اللهم اجعله منهم " وهذا الحديث مخرج في الصحاح والحسان وغيرهما.
قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - " منا خير فارس في العرب " قالوا ومن هو يا رسول الله ؟ قال " عكاشة بن محصن " فقال ضرار بن الازور: ذاك رجل منا يا رسول الله، قال ليس منكم ولكنه منا للحلف.
وقد روى البيهقي عن الحاكم من طريق محمد بن عمر الواقدي: حدثني عمر بن عثمان الخشني (2) عن أبيه عن عمته قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك.
وقال الواقدي وحدثني أسامة بن زيد عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الاشهل عدة قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب (3) فقال: اضرب به فإذا سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد (4).
رده عليه السلام عين قتادة قال البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أبو أحمد [ عبد الله ] بن عدي حدثنا أبو يعلى حدثنا يحيى الحماني ثنا عبد العزيز (5) بن سليمان بن الغسيل عن عاصم بن عمر بن
__________
(1) ابن أقرم: قال ابن هشام: هو ثابت ابن أقرم الانصاري وانظر الخبر في سيرة ابن هشام 2 / 290 ومغازي الواقدي 1 / 93.
(2) في البيهقي والواقدي: الجحشي.
(3) ابن طاب: ضرب من الرطب.
وعراجين: جمع عرجون.
والعرجون: العذق أو إذا يبس واعوج.
(4) من ابن سعد، وفي الاصل أبي عبيدة وهو تحريف.
والخبران في المغازي الواقدي 1 / 93 والبيهقي في الدلائل 3 / 99 عنه.
- وعكاشة بن محصن بن حرثان من السابقين الاولين شهد بدرا له ترجمة في الاصابة 2 / 492.
- سلمة بن أسلم بن حريس بن عدي بن مجدعة بن حارثة، يكنى أبا سعد.
شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها قتل يوم جسر أبي عبيد سنة 14 ه له ترجمة في ابن سعد 2 / 446.
(5) في البيهقي: عبد الرحمن.
قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لا " فدعاه فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيب (1) - وفي رواية فكانت أحسن عينيه -.
وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه لما أخبره بهذا الحديث عاصم بن عمر بن قتادة وأنشد مع ذلك: أنا ابن الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أيما رد فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند ذلك منشدا قول أمية بن أبي الصلت في سيف بن ذي يزن فأنشده عمر في موضعه حقا: تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا فصل قصة أخرى شبيهة بها قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا محمد بن صالح، أخبرنا الفضل بن محمد الشعراني، حدثنا إبراهيم بن المنذر، أخبرنا عبد العزيز بن عمران، [ حدثني رفاعة بن رافع بن مالك ] (2).
قال: لما كان يوم بدر تجمع الناس على أمية (3) بن خلف، فأقبلت إليه فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقطعت من تحت ابطه، قال فطعنته بالسيف فيها طعنة، ورميت
بسهم يوم بدر، ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما أذاني منها شئ.
وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده جيد ولم يخرجوه (4).
ورواه الطبراني من حديث إبراهيم بن المنذر.
قال ابن هشام (5): ونادى أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين لم يسلم بعد فقال: أين مالي يا خبيث فقال عبد الرحمن: لم يبق إلا شكة ويعبوب * وصارم يقتل ضلال الشيب يعني لم يبق إلا عدة الحرب، وحصان وهو اليعبوب يقاتل عليه شيوخ الضلالة، هذا يقوله في حال كفره.
وقد روينا في مغازي الاموي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشى هو وأبو بكر الصديق بين
__________
(1) دلائل النبوة 3 / 100.
(2) من البيهقي، والعبارة في الاصل: حدثني رفاعة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه رافع بن مالك.
(3) من الدلائل.
وفي الاصل أبي، وقد تقدم في قصة قتل أمية، - في رواية - أن رفاعة بن رافع هو الذي قتله.
(4) الخبر في دلائل البيهقي 3 / 100، ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 82 وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والاوسط، وفيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف.
(5) سيرة ابن هشام: 2 / 291.
القتلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نفلق هاما " فيقول الصديق: من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما طرح رؤوس الكفر في بئر يوم بدر قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب، طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملاها فذهبوا ليخرجوه فتزايل [ لحمه ] فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة، فلما ألقاهم في القليب، وقف عليهم فقال: " يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " قالت فقال له أصحابه: يا رسول الله أتكلم قوما موتى فقال:
" لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق " قالت عائشة: والناس يقولون: لقد سمعوا ما قلت لهم، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علموا (1) قال ابن إسحاق: وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله من جوف الليل وهو يقول: " يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام - فعدد من كان منهم في القليب - هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " فقال المسلمون: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتنادي قوما قد جيفوا ؟ فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني " وقد رواه الامام أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فذكر نحوه.
وهذا على شرط الشيخين قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " (2).
قلت: وهذا مما كانت عائشة رضي الله عنها تتأوله من الاحاديث كما قد جمع ما كانت تتأوله من الاحاديث في جزء وتعتقد أنه معارض لبعض الآيات، وهذا المقام مما كانت تعارض فيه قوله: (وما أنت بمسمع من في القبور) وليس هو بمعارض له والصواب قول الجمهور من الصحابة ومن بعدهم للاحاديث الدالة نصا على خلاف ما ذهبت إليه رضي الله عنها وأرضاها.
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذكر عند عائشة أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت: رحمه الله، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن " قالت وذاك مثل قوله
__________
(1) قال السهيلي معارضا قول عائشة: وعائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر أحفظ للفظه عليه السلام.
(2) سيرة ابن هشام ج 2 / 292، والكامل لابن الاثير 2 / 129.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال، قال انهم ليسمعون
ما أقول وإنما قال إنهم الآن ليعلمون إنما كنت أقول لهم حق، ثم قرأت: (وإنك لا تسمع الموتى) [ النمل: 81 ] (وما أنت بمسمع من في القبور) [ فاطر: 22 ] تقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار (1).
وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة به، وقد جاء التصريح بسماع الميت بعد دفنه في غير ما حديث كما سنقرر ذلك في كتاب الجنائز من الاحكام الكبير إن شاء الله.
ثم قال البخاري: حدثني عثمان ثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " ثم قال: " إنهم الآن يسمعون ما أقول لهم " وذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت (إنك لا تسمع الموتى) حتى قرأت الآية.
وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة.
وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع كلاهما عن هشام بن عروة.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، سمع روح بن عبادة، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي (2) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان ويا فلان بن فلان يسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ".
فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ".
قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما (3): وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن سعيد بن أبي عروبة.
ورواه الامام أحمد: عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال: حدث أنس بن مالك فذكر مثله.
فلم يذكر أبا طلحة وهذا إسناد صحيح، ولكن الاول أصح وأظهر والله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثة أيام حتى جيفوا، ثم
أتاهم فقام عليهم فقال: " يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " قال فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون ؟ يقول الله تعالى: (إنك لا
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي (8) قتل أبي جهل ح 3979 وأخرجه مسلم في الجنائز عن أبي كريت عن أبي أسامة، والنسائي في الجنائز عن محمد بن آدم.
(2) شفة الركي: على طرف البئر.
وفي رواية: شفير.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي (8) باب قتل أبي جهل ح 3976 ومسلم في صفة الجنة والنار (17) باب ح 78.
تسمع الموتي) فقال: " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا ".
ورواه مسلم عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة به.
وقال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت: عرفت ديار زينب بالكثيب * كخط الوحي في الورق القشيب (1) تداولها الرياح وكل جون * من الوسمي منهمر سكوب فأمسى رسمها خلقا وأمست * يبابا بعد ساكنها الحبيب فدع عنك التذكر كل يوم * ورد حرارة القلب الكئيب (2) وخبر بالذي لا عيب فيه * بصدق غير إخبار الكذوب بما صنع المليك غداة بدر * لنا في المشركين من النصيب غداة كأن جمعهمم حراء * بدت أركانه جنح الغروب فلاقيناهم منا بجمع * كأسد الغاب مردان وشيب أمام محمد قد وازروه * على الاعداء في لفح الحروب بأيديهم صوارم مرهفات * وكل مجرب خاظي الكعوب
بنو الاوس الغطارف آزرتها * بنو النجار في الدين الصليب فغادرنا أبا جهل صريعا * وعتبة قد تركنا بالجبوب وشيبة قد تركنا في رجال * ذوي حسب إذا نسبوا حسيب يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كباكب في القليب (3) ألم تجدوا كلامي كان حقا * وأمر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا: * صدقت وكنت ذا رأي مصيب قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة، فسحب في القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير لونه، فقال: " يا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شئ - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال: لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر، بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا.
وقال
__________
(1) القشيب: الجديد.
قال السهيلي: أراد حسان بالقشيب هنا: الذي خالطه ما يفسده إما من دنس وإما من قدم.
يقال طعام مقشب: إذا كان فيه السم.
(2) في ابن هشام: الصدر.
(3) كباكب: جماعات
البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان ثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس (الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال: هم والله كفار قريش.
قال عمرو: هم قريش، ومحمد نعمة الله (وأحلوا قومهم دار البوار) قال: النار يوم بدر.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت: قومي الذين هم آووا نبيهم * وصدقوه وأهل الارض كفار إلا خصائص أقوام هم سلف * للصالحين من الانصار أنصار
مستبشرين بقسم الله قولهم * لما أتاهم كريم الاصل مختار أهلا وسهلا ففي أمن وفي سعة * نعم النبي ونعم القسم والجار (1) وقاسموهم بها الاموال إذ قدموا * مهاجرين وقسم الجاهل النار (2) سرنا وساروا إلى بدر لحينهم * لو يعلمون يقين العلم ما ساروا والاهم بغرور ثم أسلمهم * إن الخبيث لمن والاه غرار (3) وقال إني لكم جار فأوردهم * شر الموارد فيه الخزي والعار ثم التقينا فولوا عن سراتهم * من منجدين ومنهم فرقة غاروا وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكر.
وعبد الرزاق.
قالا: حدثنا إسرائيل، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له عليك العير ليس دونها شئ، فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك.
قال لم ؟ قال لان الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك.
وقد كانت جملة من قتل من سراة الكفار يوم بدر سبعين، هذا مع حضور ألف من الملائكة وكان قدر الله السابق فيمن بقي منهم أن سيسلم منهم بشر كثير.
ولو شاء الله لسلط عليهم ملكا واحدا فأهلكهم عن آخرهم، ولكن قتلوا من لا خير فيه بالكلية، وقد كان في الملائكة جبريل الذي أمره الله تعالى فاقتلع مدائن قوم لوط وكن سبعا فيهن من الامم والدواب والاراضي والمزروعات، وما لا يعلمه إلا الله، فرفعهن حتى بلغ بهن عنان السماء على طرف جناحه ثم قلبهن منكسات واتبعهن بالحجارة التي سومت لهم كما ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط.
كما تقدم.
وقد شرع الله جهاد المؤمنين للكافرين وبين تعالى حكمه في ذلك فقال: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) [ محمد: 4 ] الآية.
وقال
__________
(1) القسم: بالكسر: الخط والنصيب، وبعده في ابن هشام: فأنزلوه بدار لا يخاف بها * من كان جارهم دارا هي الدار
(2) قوله الجاهل: في ابن هشام الجاحد.
(3) قوله والاهم: في ابن هشام دلاهم.
تعالى: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين.
ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء) الآية [ التوبة: 14 - 15 ].
فكان قتل أبي جهل على يدي شاب من الانصار، ثم بعد ذلك يوقف عليه عبد الله بن مسعود ومسك بلحيته وصعد على صدره حتى قال له لقد رقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، ثم بعد هذا حز رأسه واحتمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فشفى الله به قلوب المؤمنين، كان هذا أبلغ من أن تأتيه صاعقة أو أن يسقط عليه سقف منزله أو يموت حتف أنفه والله أعلم.
وقد ذكر ابن إسحاق فيمن قتل يوم بدر مع المشركين ممن كان مسلما ولكنه خرج معهم تقية منهم لانه كان فيهم مضطهدا قد فتنوه عن إسلامه جماعة منهم، الحارث بن زمعة بن الاسود، وأبو قيس بن الفاكه [ وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ] (1) وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج.
قال وفيهم نزل قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) [ النساء: 97 ] وكان جملة الاسارى يومئذ سبعين أسيرا كما سيأتي الكلام عليهم فيما بعد إن شاء الله منهم من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبد المطلب، وابن عمه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وقد استدل الشافعي والبخاري وغيرهما بذلك على أنه ليس كل من ملك ذا رحم محرم يعتق عليه وعارضوا به حديث الحسن عن ابن سمرة في ذلك فالله أعلم.
وكان فيهم أبو العاص بن الربيع بن عبد شمس بن أمية زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل وقد اختلف الصحابة في الاسارى أيقتلون أو يفادون على قولين، كما قال الامام أحمد:
حدثنا علي بن عاصم عن حميد عن أنس - وذكر رجل - عن الحسن.
قال استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الاسارى يوم بدر فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم " قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد النبي فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول نرى أن تعفو عنهم وأن نقبل منهم الفداء.
قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم الفداء.
قال وأنزل الله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم) الآية، انفرد به أحمد (2).
وقد روى الامام أحمد - واللفظ له - ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه وكذا علي بن المديني وصححه من حديث عكرمة بن عمار حدثنا
__________
(1) سقط من الاصل، واستدرك من ابن هشام.
(2) مسند أحمد ج 3 / 243.
سماك الحنفي - أبو زميل حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه يوم بدر وهم ثلاثمائة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فذكر الحديث كما تقدم إلى قوله: فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليا وعمر، فقال أبو بكر يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ترى يا ابن الخطاب ؟ " قال: قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء.
فلما كان من الغد قال عمر: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [ أبكي ] (1) للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء قد
عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " لشجرة قريبة - وأنزل الله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن (2) في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) [ الانفال: 67 ] من الفداء، ثم أحل لهم الغنائم وذكر تمام الحديث (3).
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش عن عمرو بن مرة، عن [ أبي ] (4) عبيدة عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تقولون في هؤلاء الاسرى ؟ قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم.
قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم.
قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله أنظر واديا كثير الحطب فادخلهم فيه ثم اضرمه عليهم نارا.
قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا.
فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس يأخذ بقول عمر، وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة.
فخرج عليهم فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه، حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك
__________
(1) من دلائل البيهقي.
(2) يثخن في الارض: أي يكثر قهر عدوه وقتله.
(3) أخرجه مسلم في حديث طويل في 32 كتاب الجهاد (18) باب الامداد بالملائكة ح 58 وأخرجه أبو داود في الجهاد باب فداء الاسير بالمال عن أحمد بن حنبل عن أبي نوح عن عكرمة.
(4) من المسند، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود.
غفور رحيم) [ إبراهيم: 36 ] ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) [ المائدة: 118 ] وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) [ نوح: 26 ] وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال:
(ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم) [ يونس: 88 ] أنتم عالة فلا يبقين (1) أحد إلا بفداء أو ضربة عنق قال عبد الله: فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء (2) فإني قد سمعته يذكر الاسلام قال فسكت، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال: " إلا سهيل بن بيضاء " قال فأنزل الله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم) إلى آخر الآيتين.
وهكذا رواه الترمذي والحاكم من حديث أبي معاوية.
وقال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
ورواه ابن مردويه من طريق عبد الله بن عمر وأبي هريرة بنحو ذلك.
وقد روى عن أبي أيوب الانصاري بنحوه (3).
وقد روى ابن مردويه والحاكم في المستدرك من حديث عبيدالله بن موسى حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر قال: لما أسر الاسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر أسره رجل من الانصار قال وقد أوعدته الانصار أن يقتلوه.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس، وقد زعمت الانصار أنهم قاتلوه " قال عمر أفآتيهم ؟ قال: نعم فأتى عمر الانصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا لا والله لا نرسله، فقال لهم عمر: فإن كان لرسول الله رضى ؟ قالوا: فإن كان له رضى فخذه، فأخذه عمر فلما صار في يده قال له عمر: يا عباس أسلم فوالله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك.
قال واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال أبو بكر: عشيرتك فأرسلهم واستشار عمر فقال اقتلهم، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض) الآية.
ثم قال الحاكم في صحيحه هذا حديث صحيح
__________
(1) في المسند والبيهقي: ينفلتن.
(2) قال الواقدي في المغازي 1 / 110 " قال ابن واقد: هذا وهم، سهيل بن بيضاء من مهاجرة الحبشة، ما شهد بدرا، إنما هو أخ له يقال له سهل.
قال ابن سعد: وسهيل شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما لا شك فيه شهد أحدا والخندق والمشاهد كلها مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات عمره أربعون سنة.
أما سهل فأسلم بمكة وكتم إسلامه وأخرجه المشركون معهم قال: والذي روى هذه القصة في سهيل فقد أخطأ: وسهيل أسلم قبل عبد الله بن مسعود ولم يستخف بإسلامه.
(طبقات ابن سعد 3 / 415 و 4 / 213).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد باب في المشورة 4 / 213 وكذا في تفسير سورة الانفال ح 3084 ومسند أحمد 1 / 383 والبيهقي في الدلائل ج 3 / 138 - 139.
والحاكم في المستدرك 3 / 22 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي وأضاف: صحيح سمعه جرير بن عبد الحميد.
الاسناد ولم يخرجاه، وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أصحابك في الاسارى إن شاؤا الفداء وإن شاؤا القتل على أن يقتل عاما قابلا منهم مثلهم، قالوا الفداء أو يقتل منا.
وهذا حديث غريب جدا، ومنهم من رواه مرسلا عن عبيدة والله أعلم.
وقد قال ابن إسحاق: عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس في قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) يقول لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
وهكذا روي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا واختاره ابن إسحاق وغيره وقال الاعمش سبق منه أن لا يعذب أحدا شهد بدرا.
وهكذا روى عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، وقال مجاهد والثوري: (لولا كتاب من الله سبق) أي لهم بالمغفرة.
وقال الوالبي عن ابن عباس سبق في أم الكتاب الاول أن المغانم وفداء الاسارى حلال لكم، ولهذا قال بعده: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) وهكذا روي عن أبي هريرة وابن مسعود وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة والاعمش، واختاره ابن جرير وقد ترجح هذا القول بما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحدا من الانبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، وحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس
عامة ".
وروى الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا " ولهذا قال تعالى: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فأذن الله تعالى في أكل الغنائم وفداء الاسارى وقد قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي (1) ثنا سفيان بن حبيب، ثنا شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة (2)، وهذا كان أقل ما فودي به أحد منهم من المال، وأكثر ما فودي به الرجل منهم أربعة آلاف درهم (3).
وقد وعد الله من آمن منهم بالخلف عما أخذ منه في الدنيا والآخرة فقال تعالى: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبهم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم) الآية [ الانفال: 70 ].
وقال الوالبي عن ابن عباس نزلت في العباس ففادي نفسه بالاربعين أوقية من ذهب قال العباس، فأتاني الله أربعين عبدا - يعني كلهم يتجر له - قال وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله جل ثناؤه (4).
وقال ابن إسحاق: حدثني العباس بن
__________
(1) العيشي: من سنن أبي داود ودلائل البيهقي.
وفي الاصل: العبسي وهو تحريف.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب فداء الاسير بالمال ح 2691 ج 3 / 61 - 62.
(3) قال الواقدي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء يوم بدر أربعة آلاف لكل رجل.
وفي رواية له: أرفعهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى الفين إلى ألف إلى قوم لا مال لهم من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4) دلائل البيهقي 3 / 143.
عبد الله بن مغفل (1) عن بعض أهله عن ابن عباس قال لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر والاسارى محبوسون بالوثاق، بات النبي صلى الله عليه وسلم ساهرا أول الليل، فقال له أصحابه مالك لا تنام يا رسول الله ؟ [ وقد أسر العباس رجل من الانصار ] (2) فقال: " سمعت انين عمي العباس في وثاقه " فأطلقوه فسكت فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن إسحاق: وكان رجلا موسرا ففادي نفسه بمائة أوقية من ذهب.
قلت: وهذه المائة كانت عن نفسه وعن ابني أخويه عقيل ونوفل، وعن حليفه عتبة بن عمرو أحد بني الحارث بن فهر كما أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ادعى أنه كان قد أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أما ظاهرك فكان علينا والله أعلم باسلامك وسيجزيك " فادعى أنه لا مال عنده قال: " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل وقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم ؟ " فقال والله إني لاعلم أنك رسول الله إن هذا شئ ما علمه إلا أنا وأم الفضل رواه ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس.
وثبت في صحيح البخاري من طريق موسى بن عقبة: قال الزهري حدثني أنس بن مالك قال: إن رجالا من الانصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا إيذن لنا فلنترك لابن اختنا العباس فداءه.
فقال: " لا والله لا تذرون منه درهما " (3) قال البخاري وقال إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمال من البحرين فقال: " انثروه في المسجد " فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال " خذ " فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي.
قال " لا " قال فارفعه أنت علي، قال " لا " فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال " لا " قال فارفعه أنت علي، قال " لا " فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق.
فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن أسباط بن نصر عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي.
قال: كان فداء العباس وابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب كل رجل أربعمائة دينار (4)، ثم توعد تعالى الآخرين فقال: (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فامكن منهم والله عليم حكيم).
فصل والمشهور أن الاسارى يوم بدر كانوا سبعين، والقتلى من المشركين سبعين كما ورد في غير ما
__________
(1) في دلائل البيهقي: بن معبد.
وهو العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني.
(2) من البيهقي.
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق (49)، 11 باب إذا أسر أخو الرجل ح 2537 وأعاده في الجهاد - باب فداء المشركين.
(4) دلائل النبوة ج 3 / 40
حديث مما تقدم وسيأتي إن شاء الله، وكما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري أنهم قتلوا يوم بدر سبعين، وأسروا سبعين.
وقال موسى بن عقبة: قتل يوم بدر من المسلمين من قريش ستة ومن الانصار ثمانية (1)، وقتل من المشركين تسعة وأربعين، وأسر منهم تسعة وثلاثين.
هكذا رواه البيهقي عنه.
قال: وهكذا ذكر ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة في عدد من استشهد من المسلمين وقتل من المشركين (2).
ثم قال أخبرنا الحاكم أخبرنا الاصم أخبرنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق.
قال واستشهد من المسلمين يوم بدر أحد عشر رجلا، أربعة من قريش وسبعة من الانصار وقتل من المشركين بضعة وعشرون (3) رجلا وقال في موضع آخر: وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون (4) أسيرا، وكانت القتلى مثل ذلك.
ثم روى البيهقي: من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن عقيل عن الزهري قال: وكان أول قتيل من المسلمين مهجع مولى عمر، ورجل من الانصار وقتل يومئذ من المشركين زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك، قال ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: قال البيهقي - وهو الاصح - فيما رويناه في عدد من قتل من المشركين وأسر منهم، ثم استدل على ذلك بما ساقه هو والبخاري أيضا من طريق أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير، فأصابوا منا سبعين [ يعني يوم أحد ] (5).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرا، وسبعين قتيلا (6).
قلت والصحيح أن جملة المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الالف وقد صرح قتادة بأنهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا، وكأنه أخذه من هذا الذي ذكرناه والله أعلم.
وفي حديث عمر المتقدم أنهم كانوا زيادة على الالف، والصحيح الاول لقوله عليه السلام: " القوم ما بين التسعمائة إلى الالف " وأما الصحابة يومئذ فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كما سيأتي التنصيص على ذلك وعلى أسمائهم إن شاء الله، وتقدم في حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن وقعة
بدر كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، وقاله أيضا عروة بن الزبير وقتادة واسماعيل
__________
(1) في الدرر في اختصار المغازي: الجميع أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين وثمانية من الانصار: ستة من الاوس واثنان من الخزرج.
(2) في دلائل البيهقي: الكفار ج 3 / 122 - 123.
(3) في دلائل البيهقي: وأربعون.
(4) في دلائل البيهقي: أربعة وأربعين.
وفي رواية ابن هشام قال: كان قتلى قريش: خمسين رجلا.
وقال عن ابن عباس وسعيد بن المسيب: القتلى سبعون والاسرى كذلك.
(راجع سيرة ابن هشام 2 / 372 - دلائل النبوة 3 / 123).
(5) من دلائل البيهقي ح 3 / 124.
(6) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي باب 10 ح 3986 وأعاده في التفسير - سورة آل عمران - وأخرجه أبو داود في الجهاد في باب أي وقت يستحب اللقاء ورواه البيهقي في الدلائل 3 / 124.
والسدي الكبير وأبو جعفر الباقر.
وروى البيهقي من طريق قتيبة عن جرير عن الاعمش عن إبراهيم عن الاسود عن عبد الله بن مسعود في ليلة القدر قال: " تحروها لاحدى عشرة بقين فإن صبيحتها يوم بدر " (1).
قال البيهقي: وروي عن زيد بن أرقم أنه سئل عن ليلة القدر فقال ليلة تسع عشرة ما شك، وقال يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.
قال البيهقي: والمشهور عن أهل المغازي أن ذلك لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان.
ثم قال البيهقي أخبرنا أبو الحسين بن بشران، حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق ثنا أبو نعيم ثنا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة يقول: سئل أبو أيوب الانصاري عن يوم بدر فقال: إما لسبع عشرة خلت، أو ثلاث عشرة خلت أو لاحدى عشرة بقيت.
وإما لسبع (2) عشرة بقيت.
وهذا غريب جدا.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة قباث بن أشيم الليثي من طريق الواقدي وغيره
بإسنادهم إليه أنه شهد يوم بدر مع المشركين فذكر هزيمتهم مع قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجعلت أقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الامر فر منه إلا النساء والله لو خرجت نساء قريش بالسهاء (3) ردت محمدا وأصحابه.
فلما كان بعد الخندق قلت لو قدمت المدينة فنظرت إلى ما يقول محمد وقد وقع في نفسي الاسلام، قال فقدمتها فسألت عنه فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد في ملا من أصحابه، فأتيته وأنا لا أعرفه من بين أصحابه فسلمت.
فقال: يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الامر فر منه إلا النساء، فقلت: أشهد أنك رسول الله فإن هذا الامر ما خرج مني إلى أحد قط، ولا تزمزمت (4) به إلا شيئا حدثت به نفسي، فلولا أنك نبي ما أطلعك [ الله ] (5) عليه، هلم أبايعك على الاسلام فأسلمت.
فصل وقد اختلفت الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر في المغانم من المشركين يومئذ لمن تكون منهم وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون.
ففرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم تحرسه خوفا من أن يرجع
__________
(1) دلائل النبوة 3 / 128، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 20 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفي رواية للاسود عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان، وليلة احدى وعشرون وليلة ثلاث وعشرون (أبو داود - الصلاة - دلائل البيهقي 3 / 128).
(2) في البيهقي 3 / 129: لتسع عشرة.
(3) من سيرة ابن كثير، وفي الاصل: بالها وهو تحريف.
والسهاء: جمع سهوة.
وهي القوس المواتية.
(4) في الواقدي: ترمرمت ترمرم: أي حرك فاه للكلام (الصحاح).
(5) من مغازي الواقدي 1 / 98.
أحد من المشركين إليه.
وفرقة ساقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون، وفرقة جمعت المغانم من متفرقات الاماكن.
فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين لما صنع من الامر
المهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال: سألت عبادة بن الصامت عن الانفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين عن بواء، يقول عن سواء.
وهكذا رواه أحمد عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق به ومعنى قوله على السواء أي ساوى فيها بين الذين جمعوها وبين الذين اتبعوا العدو وبين الذين ثبتوا تحت الرايات لم يخصص بها فريقا منهم ممن ادعى التخصيص بها، ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه كما قد يتوهمه بعض العلماء منهم أبو عبيدة وغيره والله أعلم.
بل قد تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذو الفقار من مغانم بدر (1).
قال ابن جرير: وكذا اصطفى جملا لابي جهل كان في أنفه برة من فضة، وهذا قبل إخراج الخمس أيضا.
وقال الامام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، ثنا ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة، عن سليمان بن موسى، عن أبي سلام، عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم، نحن حويناها وليس لاحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق به منا نحن نفينا منها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فأنزل الله: (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله ولرسوله فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) [ الانفال: 1 - 5 ] فقسمها رسول الله بين المسلمين.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع فإذا أقبل راجعا نفل الثلث وكان يكره الانفال.
وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث آخره وقال الترمذي هذا حديث حسن.
ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن، وقال الحاكم صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجه.
وقد روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من طرق عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا، فسارع في ذلك شبان الرجال وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنائم جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم، قال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم لو انكشفتم لفئتم
__________
(1) رواه البيهقي عن ابن عباس 3 / 136، والترمذي في السير، باب في النفل.
وابن ماجة في الجهاد باب: السلاح.
إلينا، فتنازعوا فأنزل الله تعالى: (يسألونك عن الانفال قل الانفال لله وللرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (1).
وقد ذكرنا في سبب نزول هذه الآية آثارا أخر يطول بسطها ههنا ومعنى الكلام أن الانفال مرجعها إلى حكم الله ورسوله يحكما فيها بما فيه المصلحة للعباد في المعاش والمعاد ولهذا قال تعالى: (قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) ثم ذكر ما وقع في قصة بدر وما كان من الامر حتى انتهى إلى قوله: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) الآية فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله في الانفال الذي جعل مرده إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فبينه تعالى وحكم فيه بما أراد تعالى، وهو قول أبي زيد وقد زعم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر على السواء بين الناس، ولم يخمسها.
ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما تقدم، وهكذا روى الوالبي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي وفي هذا نظر.
والله أعلم.
فإن سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها كلها في غزوة بدر فيقتضي أن ذلك نزل جملة في وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضي نسخ بعضه بعضا، ثم في الصحيحين: عن علي رضي الله عنه أنه قال في قصة شار فيه اللذين اجتب أسنمتهما حمزة إن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر ما يرد صريحا على أبي عبيد أن غنائم بدر لم تخمس والله أعلم.
بل خمست كما هو قول البخاري وابن جرير وغيرهما وهو الصحيح
الراجح.
والله أعلم.
فصل في رجوعه عليه السلام من بدر إلى المدينة وما كان من الامور في مسيره إليها مؤيدا منصورا عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام وقد تقدم أن الوقعة كانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة،
__________
(1) أخرجه البيهقي من طريق وهب بن بقية، وزاد في آخره: يقول: فكان ذلك خيرا لهم، فكذلك أيضا أطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم.
وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في النفل ح 2737 عن وهب وح 2738 عن زياد بن أيوب عن هشيم عن داود..وح 2739 عن هارون بن محمد بن بكار بن بلال.
وأخرجه النسائي في التفسير عن المعتمر بن سليمان.
ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 89 عن ابن حبان وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر.
وثبت في الصحيحين أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثة أيام، وقد أقام عليه السلام بعرصة بدر ثلاثة أيام كما تقدم وكان رحيله منها ليلة الاثنين، فركب ناقته ووقف على قليب بدر فقرع أولئك الذين سحبوا إليه كما تقدم ذكره، ثم سار عليه السلام ومعه الاسارى والغنائم الكثيرة وقد بعث عليه السلام بين يديه بشيرين إلى المدينة بالفتح والنصر والظفر على من أشرك بالله وجحده وبه كفر، أحدهما عبد الله بن رواحة إلى أعالي المدينة، والثاني زيد بن حارثة (1) إلى السافلة.
قال أسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوينا [ التراب ] على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه قد احتبس عندها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضرب له رسول الله بسهمه وأجره في بدر.
قال أسامة: فلما قدم أبي - زيد بن حارثة - جئته وهو واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة.
وأبو جهل بن
هشام، وزمعة بن الاسود، وأبو البختري العاص بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج.
قال قلت: يا أبة أحق هذا ؟ قال إي والله يا بني.
وروى البيهقي: من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على [ رقية ] (2) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أيام بدر ] (3)، فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة، قال أسامة: فسمعت الهيعة (4) فخرجت فإذا زيد قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الاسارى.
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه (5) وقال الواقدي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر العصر بالاثيل (6) فلما صلى ركعة تبسم فسئل عن تبسمه فقال: مر بي (7) ميكائيل وعلى جناحه النقع فتبسم إلي وقال: إني كنت في طلب القوم، وأتاه جبريل حين فرغ من قتال أهل بدر، على فرس أنثى معقود الناصية وقد عصم ثنييه الغبار، فقال: يا محمد إن ربي بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت ؟ قال: نعم.
قال الواقدي قالوا: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الاثيل فجاءا يوم الاحد حين
__________
(1) زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب، أبو أسامة الكلبي، الامير الشهيد، سيد الموالي وأسبقهم إلى الاسلام.
وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يسم الله تعالى في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم عليه السلام، عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وقدمه على الامراء في غزوة مؤتة فقاتل وقتل فيها طعنا بالرماح.
(2) من دلائل البيهقي.
(3) من دلائل البيهقي.
(4) الهيعة: كل ما أفزع من صوت، قال أبو عبيد: هي صيحة الفزع.
(5) أخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 130 - 131.
والحاكم في المستدرك 3 / 217 عن أبي أمامة قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر بعث بيشيرين..الخ وقال في آخره: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
(6) الاثيل: موضع بالصفراء، قال الواقدي: واد طوله ثلاثة أميال وبينه وبين بدر ميلان.
(7) من الواقدي، وفي الاصل: يرى وهو تحريف.
اشتد الضحى، وفارق عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة من العقيق، فجعل عبد الله بن رواحة ينادي على راحلته، يا معشر الانصار، أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم، قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة بن الاسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو.
قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته فقلت: احقا يا ابن رواحة ؟ فقال إي والله وغدا يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسرى مقرنين.
ثم تتبع دور الانصار بالعالية يبشرهم دارا دارا والصبيان ينشدون معه يقولون: قتل أبو جهل الفاسق، حتى إذا انتهى إلى دار بني أمية وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء يبشر أهل المدينة، فلما جاء المصلى صاح على راحلته: قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وقتل أمية بن خلف وأبو جهل وأبو البختري وزمعة بن الاسود، وأسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير، فجعل بعض الناس لا يصدقون زيدا ويقولون ما جاء زيد بن حارثة إلا فلا (1) حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا.
وقد زيد حين سوينا [ التراب ] على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، وقال رجل من المنافقين لاسامة: قتل صاحبكم ومن معه ؟ وقال آخر لابي لبابة: قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون فيه أبدا وقد قتل علية أصحابه وقتل محمد وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب، وجاء فلا فقال أبو لبابة: يكذب الله قولك.
وقالت اليهود: ما جاء زيد إلا فلا.
قال أسامة: فجئت حتى خلوت بأبي فقلت أحق ما تقول ؟ فقال إي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله إذا قدم فليضربن عنقك، فقال إنما هو شئ سمعته من الناس يقولونه.
قال فجئ بالاسرى وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد شهد معهم بدرا وهم تسعة وأربعون رجلا الذين أحصوا.
قال الواقدي: وهم سبعون في الاصل مجتمع عليه لا شك فيه.
قال ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الروحاء رؤوس الناس يهنئونه بما فتح الله عليه.
فقال له أسيد بن الحضير: يا رسول الله الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا، ولكن ظننت أنها
عير ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت.
فقال له رسول الله " صدقت " (2).
قال ابن إسحاق: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة ومعه الاسارى وفيهم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وقد جعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار.
فقال راجز من المسلمين - قال ابن هشام [ يقال إنه ] هو عدي بن أبي الزغباء -: أقم لها صدورها يا بسبس * ليس بذي الطلح لها معرس ولا بصحراء عمير محبس * إن مطايا القوم لا تحبس
__________
(1) الفل: القوم المنهزمون ويقع على الواحد والاثنين والجمع.
عن النهايه.
(2) الخبر في مغازي الواقدي 1 / 114 - 115 وفي دلائل البيهقي من طريق الحسين بن الفرج عن الواقدي.
ج 3 / 131 - 133.
فحملها على الطريق أكيس * قد نصر الله وفر الاخس قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بني المضيق وبين النازية يقال له سير إلى سرحة به.
فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء، ثم ارتحل حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش كما حدثني عاصم بن عمرو ويزيد بن رومان ما الذي تهنئوننا به.
والله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها، فتبسم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " أي ابن أخي أولئك الملا " قال ابن هشام: يعني الاشراف والرؤساء (1).
مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله قال ابن إسحاق: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء (2) قتل النضر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية (3) قتل عقبة بن أبي معيط.
قال ابن إسحاق: فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله: فمن للصبية يا محمد ؟ قال " النار " وكان الذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح أخو بني
عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر.
وكذا قال موسى بن عقبة في مغازيه وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الاسارى أسيرا غيره.
قال ولما أقبل إليه عاصم بن ثابت.
قال: يا معشر قريش علام أقتل من بين من ههنا ؟ قال على عداوتك الله ورسوله.
وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟.
قال: " نعم ! أتدرون ما صنع هذا بي ؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران، وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي " قال ابن هشام ويقال بل قتل عقبة علي بن أبي طالب فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم.
قلت: كان هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وهجاء للاسلام وأهله لعنهما الله وقد فعل.
قال ابن هشام: فقالت قتيلة بنت الحارث أخت (4) النضر بن
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 2 / 297.
(2) الصفراء: قال ابن سعد واد من المدينة على ثلاث ليال.
وقيل: كثير النخل والزرع وهو على مرحلة من بدر.
(3) في الواقدي: قتل عقبة صبرا في الصفراء.
وفي روايته أن النضر قتله علي بن أبي طالب في الاثيل صبرا بالسيف بأمر النبي مغازي الواقدي 1 / 138 و 149.
والاغاني 1 / 19.
(4) في معجم البلدان - أثيل -: إنها ابنته .
الحارث في مقتل أخيها: يا راكبا أن الاثيل مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ بها ميتا بأن تحية * ؟ إن تزال بها النجائب تخفق (1) مني اليك وعبرة مسفوحة * جادت بوابلها وأخرى تخنق (2) هل يسمعن النضر إن ناديته * أم كيف يسمع ميت لا ينطق (3)
أمحمد يا خير ضئ كريمة * من قومها والفحل فحل معرق (4) ما كان ضرك لو مننت وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفقن * باعز ما يغلو به ما ينفق (5) والنضر أقرب من أسرت قرابة * وأحقهم إن كان عتق يعتق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هنالك تشقق صبرا يقاد إلى المنية متعبا * رسف المقيد وهو عان موثق قال ابن هشام: ويقال والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: " لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه ".
قال ابن إسحاق: وقد تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع أبو هند، مولى فروة بن عمرو البياضي حجامه عليه السلام ومعه زق خمر (6) مملوء حيسا - وهو التمر والسويق بالسمن - هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منه ووصى به الانصار.
قال ابن إسحاق ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم.
قال ابن إسحاق: وحدثني نبيه بن وهب أخو بني عبدالدار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالاسارى فرقهم بين أصحابه، وقال " استوصوا بهم خيرا " قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لابيه وأمه في الاسارى، قال أبو عزيز: مر بي
__________
(1) في ديوان الحماسة وياقوت: بلغ به ميتا فإن تحية.
(2) في ديوان الحماسة: " مني إليه " ويروى: جادت لمائحها تعنى أباها - كما في رواية ياقوت - لانه هو الذي يستبكيها ويستنزف دمعها.
(3) في الاغاني: إن كان يسمع هالك لا ينطق ويروى: أو ينطق.
(4) في الاغاني: أمحمد ولانت نسل نجيبة.
(5) البيت في الاغاني أو كنت قابل فدية فلنأتين بأعز ما يغلو لديك وينفق وقال محققه: صححه الشنقيطي: لو كنت قابل فدية.
(الاغاني ج 1 / 19.
دار الكتب).
(6) في سيرة ابن هشام: ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند، مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا، قال ابن هشام: الحميت: الزق.
أخي مصعب بن عمير ورجل من الانصار يأسرني فقال: شد يديك به فإن أمه (1) ذات متاع لعلها تفديه منك، قال أبو عزيز فكنت في رهط من الانصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبزة إلا نفحني بها فأستحي فأردها فيردها علي ما يمسها.
قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، ولما قال أخوه مصعب لابي اليسر (2) - وهو الذي أسره - ما قال: قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك بي ؟ فقال له مصعب إنه أخي دونك فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي فقيل لها أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها.
قلت: وأبو عزيز هذا اسمه زرارة فيما قاله ابن الاثير في غابة الصحابة، وعده خليفة بن خياط في أسماء الصحابة.
وكان أخا مصعب بن عمير لابيه، وكان لهما أخ آخر لابويهما وهو أبو الروم بن عمير وقد غلط من جعله قتل يوم أحد كافرا ذاك أبو عزة كما سيأتي في موضعه والله أعلم.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد (3) بن زرارة.
قال: قدم بالاسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، قال: وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب، قال: تقول سودة: والله إني لعندهم إذا أتينا فقيل: هؤلاء الاسارى، قد أتي بهم، قالت: فرجعت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم، ألا متم كراما ؟ فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت " يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرضين " قالت (4): قلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق، ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت.
ثم كان من
قصة الاسارى بالمدينة ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من كيفية فدائهم وكميته إن شاء الله.
ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر - رضي الله عنه - قال الحافظ البيهقي (5): أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، حدثنا
__________
(1) أمه: الخناس بنت مالك العامرية، وأخته هند بنت عمير، أم شيبة بن عثمان حاجب الكعبة، جد بني شيبة (الروض الآنف).
(2) في الواقدي: أسره أبو اليسر، ثم اقترع عليه فصار لمحرز بن نضلة، - وما قاله مصعب في شأن أخيه أبي عزيز كان لمحرز وليس لابي اليسر -.
(3) من ابن هشام، وفي الاصل سعد وهو تحريف.
(4) من ابن هشام، وفي الاصل: قال وهو تحريف.
(5) أخرجه الحافظ البيهقي في الدلائل - باب قدوم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة على أهل المدينة..وما فعل =
أحمد بن سليمان (1) النجاد، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا، حدثني حمزة بن العباس، ثنا عبدان بن عثمان، ثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن (2) جابر عن عبد الرحمن - رجل من أهل صنعاء -.
قال أرسل النجاشي ذات يوم إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان ثياب جالس على التراب.
قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما أن رأى ما في وجوهنا قال: إني أبشركم بما يسركم.
إنه جاءني من نحو أرضكم عين لي، فأخبرني أن الله [ عزوجل ] قد نصر نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان [ وفلان ] وقتل فلان وفلان [ وفلان ] (3).
التقوا بواد يقال له بدر، كثير الاراك كأني أنظر إليه كنت أرعى لسيدي رجل من بني ضمرة إبله، فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الاخلاط (4) ؟ قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى إن حقا على عباد الله أن يحدثوا الله تواضعا عندما يحدث لهم من نعمة، فلما أحدث الله لي نصر نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت له هذا التواضع.
وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهاليهم بمكة
قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي فقالوا له ما وراءك ؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الاسود ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام.
فلما جعل يعدد أشراف قريش، قال صفوان بن أمية والله لن (5) يعقل هذا، فسلوه عني، فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال هو ذاك جالسا في الحجر، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
قال موسى بن عقبة: ولما وصل الخبر إلى أهل مكة وتحققوه قطعت النساء شعورهن وعقرت خيول كثيرة ورواحل.
وذكر السهيلي عن كتاب الدلائل لقاسم بن ثابت أنه قال لما كانت وقعة بدر سمعت أهل مكة هاتفا من الجن يقول: أزار الحنيفيون بدرا وقيعة * سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤي وأبرزت * خرائد يضربن الترائب حسرا فيا ويح من أمسى عدو محمد * لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا
__________
= النجاشي حين بلغه الفتح ج 3 / 133 ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 104.
(1) من البيهقي وفي الاصل سلمان تحريف.
وهو أحمد بن سليمان الفقيه.
(2) من البيهقي، وفي الاصل عن - تحريف.
(3) ما بين معكوفين من البيهقي.
(4) في البيهقي: الاخلاق.
(5) في ابن هشام: والله إن يعقل هذا.
قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيدالله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت وكان العباس يهاب قومه، ويكره خلافهم، وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه.
وكان أبو لهب قد
تخلف عن بدر فبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة - وكذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف منهم رجل إلا بعث مكانه رجلا - فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش، كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، قال وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل الاقداح أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري، فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان - واسمه المغيرة - ابن الحارث بن عبد المطلب قد قدم.
قال فقال أبو لهب: هلم إلي فعندك لعمري الخبر، قال فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا، ويأسروننا كيف شاؤا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض، والله ما تليق (1) شيئا ولا يقوم لها شئ.
قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجر بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة.
قال فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال وثاورته (2) فاحتملني وضرب بي الارض ثم برك علي يضربني - وكان رجلا ضعيفا - فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فبلغت في رأسه شجة منكرة، وقالت استضعفته إن غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة (3) فقتلته.
زاد يونس عن ابن إسحاق: فلقد تركه ابناه بعد موته ثلاثا ما دفناه حتى أنتن.
وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما تتقي الطاعون حتى قال لهم رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تدفنانه ؟ فقالا إنا نخشى عدوة هذه القرحة، فقال: انطلقا فأنا أعينكما عليه فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه، ثم احتملوه إلى أعلا مكة فأسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه بالحجارة.
[ قال يونس عن ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا تمر على مكان أبي لهب هذا إلا تسترت بثوبها حتى تجوزه ] (4).
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا
__________
(1) ما تليق: ما تبقي.
(2) ثاورته: ثبت له.
(3) العدسة: قرحة قاتلة كالطاعون.
(4) ما بين المعكوفين، سقط من الاصل وابن هشام واستدركت تتمة للخبر من دلائل البيهقي ج 3 / 146.
تفعلوا يبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنسوا (1) بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء.
قلت: وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت وهو تركهم النوح على قتلاهم، فإن البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين.
قال ابن إسحاق: وكان الاسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده، زمعة وعقيل والحارث، وكان يحب أن يبكي على بنيه قال فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له - وكان قد ذهب بصره - أنظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة - يعني ولده زمعة - فإن جوفي قد احترق، قال فلما رجع إليه الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته قال فذاك حين يقول الاسود: أتبكي أن أضل لها بعير * ويمنعها من النوم السهود فلا تبكي على بكر ولكن * على بدر تقاصرت الجدود على بدر سراة بني هصيص * ومخزوم ورهط أبي الوليد وبكى إن بكيت أبا (2) عقيل * وبكى حارثا أسد الاسود وبكيهم ولا تسمي جميعا * وما لابي حكيمة من نديد ألا قد ساد بعدهم رجال * ولولا يوم بدر لم يسودوا بعث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء أسراهم قال ابن إسحاق: وكان في الاسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال، وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه " فلما قالت قريش لا
تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه، قال المطلب بن أبي وداعة وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى: صدفتم لا تعجلوا، وانسل من الليل وقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به.
قلت: وكان هذا أول أسير فدى ثم بعثت قريش في فداء أسراهم فقد مكرز بن حفص بن الاخيف في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذي أسره مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف فقال في ذلك:
__________
(1) من ابن هشام وفي الاصل: تستأنسوا تحريف.
حتى تستأنوا: أي تؤخروا فداءهم حتى لا يتشدد في طلب الفداء.
(2) في ابن هشام: على.
أسرت سهيلا فلا ابتغي * أسيرا به من جميع الامم (1) وخندف تعلم أن الفتى * فتاها سهيل إذا يظلم ضربت بذي الشفر حتى انثنى * وأكرهت نفسي على ذي العلم (2) قال ابن إسحاق: وكان سهيل رجلا أعلم (3) من شفته السفلى.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بني عامر بن لؤي: أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا ؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم: " لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا ".
قلت: هذا حديث مرسل بل معضل.
قال ابن إسحاق: وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا: " إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه " قلت: وهذا هو المقام الذي قامه سهيل بمكة حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب، ونجم النفاق بالمدينة وغيرها.
فقام بمكة فخطب الناس وثبتهم على الدين الحنيف كما سيأتي في موضعه.
قال ابن إسحاق فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضائهم قالوا هات الذي لنا (4).
قال:
اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه، فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرزا عندهم.
وأنشد له ابن إسحاق في ذلك شعرا أنكره ابن هشام.
فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر قال: وكان في الاسارى عمرو بن أبي سفيان صخر بن حرب.
قال ابن إسحاق وكانت أمه بنت عقبة بن أبي معيط.
قال ابن هشام: بل كانت أمه أخت أبي معيط.
قال ابن هشام: وكان الذي أسره علي بن أبي طالب.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر قال فقيل لابي سفيان أفد عمرا ابنك، قال أيجتمع على دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرا ؟ دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم.
قال فبينما هو كذلك محبوس بالمدينة إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف ثم أحد بني معاوية معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا مسلما في غنم له بالبقيع (5) فخرج من هنالك معتمرا ولم يظن أنه يحبس بمكة إنما جاء
__________
(1) في الواقدي: فلم ابتغ 1 / 143.
(2) في مغازي الواقدي: ضربت بذي السيف حتى انحنى.
وقال ابن أبي الحديد: ذي العلم بسكون اللام، ولكنه حركه - هنا - للضرورة، وكان سهيل أعلم مشقوق الشفة العليا (شرح نهج البلاغة 3 / 350).
(3) الاعلم مشقوق الشفة العليا، وأما مشقوق الشفة السفلى فهو: الافلح.
(4) في الواقدي: هات مالنا.
(5) كذا في الاصل البقيع: وهو موضع داخل المدينة وفيها مقابرها.
ولعل الارجح النقيع وهو الاقرب، فالنقيع موضع قرب المدينة.
معتمرا، وقد كان عهد قريش أن قريشا لا يعرضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو وقال في ذلك: أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه * تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا فإن بني عمرو لئام أذلة * لئن لم يكفوا عن أسيرهم الكبلا
قال: فأجابه حسان بن ثابت يقول: لو كان سعد يوم مكة مطلقا * لاكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا بعضب حسام أو بصفراء نبعة * نحن إذا ما أنبضت تحفز النبلا (1) قال ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا به صاحبهم فأعطاهم النبي (2) فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد.
قال ابن إسحاق: وقد كان في الاسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن أمية ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب.
قال ابن هشام: وكان الذي أسره خراش بن الصمة أحد بني حرام.
قال ابن إسحاق: وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، وكانت أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، وكانت خديجة هي التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بابنتها زينب وكان لا يخالفها وذلك قبل الوحي، وكان عليه السلام قد زوج ابنته رقية - أو أم كلثوم (3) من عتبة بن أبي لهب، فلما جاء الوحي قال أبو لهب: اشغلوا محمدا بنفسه، وأمر ابنه عتبة فطلق ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الدخول، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه ومشوا إلى أبي العاص فقالوا فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت، قال: لا والله إذا (4) لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره [ خيرا ] (5) فيما بلغني.
قلت: الحديث بذلك في الثناء عليه في
__________
(1) نبعة من النبع والنبع: شجر يصنع منه القسي.
(2) قال الواقدي: أن عمرو بن أبي سفيان صار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرعة.
(3) قال السهيلي: كانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت عتبة بن أبي لهب، وأم كلثوم تحت عتيبة.
فطلقاهما بعزم أبيهما عليهما وأمهما حين نزلت تبت يدا أبي لهب.
طلقاهما قبل الدخول بهما.
أسلمت رقية وأم كلثوم بعدما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياة أمهما خديجة، وتزوج عثمان رقية وهاجرا إلى الحبشة، وهاجرت أم كلثوم إلى المدينة مع عيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما توفيت رقية خلف عثمان بن عفان على أم كلثوم وكانت بكرا، ولم تزل عنده حتى توفيت ولم تلد له شيئا.
(الطبقات ج
8 / 36 - 38 الروض الآنف).
(4) في نسخة لابن هشام: إني.
(5) من ابن هشام.
صهره ثابت في الصحيح كما سيأتي.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم، مغلوبا على أمره، وكان الاسلام قد فرق بين زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي العاص، وكان لا يقدر على أن يفرق بينهما.
قلت: إنما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها قالت: فلما رأها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا ".
قالوا نعم ! يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.
قال ابن إسحاق: فكان ممن سمي لنا ممن من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاسارى بغير فداء: من بني أمية أبو العاص بن الربيع، ومن بني مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم (1) أسره بعض بني الحارث بن الخزرج فترك في أيديهم حتى خلوا سبيله فلحق بقومه قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب يعني أن تهاجر إلى المدينة - فوفى أبو العاص بذلك كما سيأتي.
وقد ذكر ذلك ابن إسحاق ههنا فأخرناه لانه أنسب والله أعلم.
وقد تقدم ذكر افتداء العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وعقيلا ونوفلا ابني أخويه بمائة أوقية من الذهب.
وقال ابن هشام كان الذي أسر أبي العاص (2) أبو أيوب خالد بن زيد.
قال ابن إسحاق: وصيفي بن أبي رفاعة بن عائذ (3) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ترك في أيدي أصحابه، فأخذوا عليه ليبعثن لهم بفدائه فخلوا سبيله ولم يف لهم: قال حسان بن ثابت في ذلك:
ما كان صيفي ليوفي أمانة * قفا ثعلب أعيا ببعض الموارد (4) قال ابن إسحاق: وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمع، كان محتاجا ذا بنات، قال: يا رسول الله لقد عرفت مالي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن علي، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا.
فقال أبو عزة يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك:
__________
(1) ذكره الواقدي في: بني أبي رفاعة، وقال: كان الذي أسره أبو أيوب الانصاري وهو ما ذكره ابن هشام، وما سيرد بعد أسطر تحريف.
(2) راجع الحاشية السابقة.
(3) عائذ كذا في الاصل: قال أبو ذر: قال الزبير بن بكار من كان من ولد عمر بن مخزوم فهو عابد، ومن كان من ولد عمران بن مخزوم فهو عائذ (شرح أبي ذر ص 167) فعلى ذلك، فالصواب عابد على قول أبي ذر.
(4) في ديوان حسان: ذمة بدل: أمانة .
من مبلغ عني الرسول محمدا * بأنك حق والمليك حميد وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى * عليك من الله العظيم شهيد وأنت امرؤ بوئت فينا مباءة لها درجات سهلة وصعود فإنك من حاربته لمحارب * شقي ومن سالمته لسعيد ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله * تأوب ما بي، حسرة وقعود قلت: ثم إن أبا عزة هذا نقض ما كان عاهد الرسول عليه، ولعب المشركون بعقله فرجع إليهم فلما كان يوم أحد أسر أيضا، فسأل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أدعك تمسح عارضيك وتقول خدعت محمدا مرتين " ثم أمر به فضربت عنقه كما سيأتي في غزوة أحد.
ويقال إن فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " وهذا من الامثال التي لم تسمع إلا منه عليه السلام.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر، بعد مصاب أهل بدر بيسير، وكان عمر بن وهب شيطانا من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر.
قال ابن هشام: والذي أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر عن عروة: فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: والله ما أن في العيش [ بعدهم ] (1) خير، قال له عمير صدقت، أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم علة: ابني أسير في أيديهم.
قال: فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: علي دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شئ ويعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم علي شأني وشأنك، قال: سأفعل.
قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحا السيف.
فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر وهو الذي حرش بيننا وحزرنا (2) للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه.
قال: فأدخله علي، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لمن كان معه من الانصار: أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه
__________
(1) من ابن هشام.
(2) حزرنا: أي الذي قدر عدد المسلمين تخمينا يوم بدر.
رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: " أرسله يا عمر، أدن يا عمير " فدنا ثم قال: أنعم صباحا - وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم - فقال رسول الله " قد أكرمنا الله بتحية خير من
تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة " قال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد، قال: " فما جاء بك يا عمير ؟ " قال جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: " فما بال السيف في عنقك " قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا ؟ قال: " أصدقني ما الذي جئت له ؟ " قال ما جئت إلا لذلك، قال: " بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك " فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لاعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للاسلام وساقني هذا المساق.
ثم شهد شهادة الحق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره " ففعلوا.
ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الاذى لمن كان على دين الله وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الاسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول ابشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا.
قال ابن إسحاق: فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الاسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا فأسلم على يديه ناس كثير.
قال ابن إسحاق: وعمير بن وهب - أو الحارث بن هشام - هو الذي رأى عدو الله إبليس حين نكص على عقبية يوم بدر وفر هاربا وقال: إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون، وكان إبليس يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم أمير مدلج (1).
فصل ثم إن الامام محمد بن إسحاق رحمه الله تكلم على ما نزل من القرآن في قصة بدر وهو من أول سورة الانفال إلى آخرها فأجاد وأفاد، وقد تقصينا الكلام على ذلك في كتابنا التفسير فمن أراد
الاطلاع على ذلك فلينظره ثم ولله الحمد والمنة.
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 2 / 317 - 318 ونقله البيهقي عن موسى بن عقبة كتاب المغازي يزيد كلمة وينقص كلمة والمعنى واحد.
في دلائل النبوة ج 3 / 147 - 149
فصل ثم شرع ابن إسحاق في تسمية من شهد بدرا من المسلمين فسرد أسماء من شهدها من المهاجرين أولا، ثم أسماء من شهدها من الانصار أوسها وخزرجها إلى أن قال: فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة رجل وأربعة عشر رجلا (1)، من المهاجرين ثلاثة وثمانون، ومن الاوس أحد وستون رجلا.
ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا.
وقد سردهم البخاري في صحيحه مرتبين على حروف المعجم بعد البداءة برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بأبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهذه تسمية من شهد بدرا من المسلمين مرتبين على حروف المعجم وذلك من كتاب الاحكام الكبير للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي وغيره بعد البداءة باسم رئيسهم وفخرهم وسيد ولد آدم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم حرف الالف أبي بن كعب النجاري سيد القراء، الارقم بن أبي الارقم وأبو الارقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أسعد بن يزيد بن الفاكه بن يزيد بن خلدة بن عامر بن العجلان.
ثم أسود بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم، كذا قال موسى بن عقبة.
وقال الاموي: سواد بن رزام بن ثعلبة بن عبيد بن عدي شك فيه، وقال سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق، سواد بن زريق بن ثعلبة، وقال ابن عائذ سواد بن زيد، أسير بن عمرو الانصاري أبو سليط، وقيل أسير بن عمرو بن أمية بن لوزان بن سالم بن ثابت الخزرجي، ولم يذكره موسى بن
عقبة، أنس بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث الاوسي، كذا سماه موسى بن عقبة، و [ سماه ] الاموي في السيرة أنيس.
__________
(1) قال الواقدي: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
وفي رواية ابن بكير عن ابن إسحاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون من المهاجرين ومن الانصار مائتان وستة وثلاثون رجلا.
وروى البخاري عن البراء قال: كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر بعدة أصحاب طالوت.
وروى عنه قال: كان المهاجرون يوم بدر نيفا وثمانين وكانت الانصار نيفا وأربعين ومائتين وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: ثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة.
(مغازي الواقدي ج 1 البخاري كتاب المغازي 6 باب - وأبو داود في الجهاد باب في نفل السرية تخرج من العسكر).
[ قلت: وأنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم لما روى عمر بن شبة النميري: حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري عن أبيه عن ثمامة بن أنس قال: قيل لانس بن مالك: أشهدت بدرا ؟ قال وأين أغيب عن بدر لا أم لك ؟ ! وقال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الانصاري، ثنا أبي عن مولى لانس بن مالك أنه قال لانس: شهدت بدرا ؟ قال لا أم لك وأين أغيب عن بدر ؟ قال محمد بن عبد الله الانصاري: خرج أنس بن مالك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه قال: شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه: هكذا قال الانصاري ولم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازي ] أنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، أنسة الحبشي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوس بن ثابت بن المنذر النجاري، أوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الخزرجي.
وقال موسى بن عقبة أوس بن عبد الله بن الحارث بن خولى، أوس بن الصامت الخزرجي أخو عبادة بن الصامت، إياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر حليف بني عدي بن كعب.
حرف الباء بجير بن أبي بجير حليف بني النجار، بحاث بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة البلوي حليف الانصار، بسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن زيد بن عمرو بن سعيد بن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني حليف بني ساعدة وهو أحد العينين هو وعدي بن أبي الزغباء كما تقدم، بشر بن البراء بن معرور الخزرجي الذي مات بخيبر من الشاة المسمومة، بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي والد النعمان بن بشير ويقال إنه أول من بايع الصديق، بشير بن عبد المنذر أبو لبابة الاوسي رده عليه السلام من الروحاء واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره.
حرف التاء تميم بن يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، تميم مولى خراش بن الصمة، تميم مولى بن غنم بن السلم.
وقال ابن هشام: هو مولى سعد بن خيثمة.
حرف الثاء ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان، ثابت بن ثعلبة ويقال لثعلبة هذا الجدع بن
زيد بن الحارث بن حرام بن غنم بن كعب بن سلمة، ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار النجاري، ثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار النجاري، ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد بن مالك بن غنم بن عدي بن النجار النجاري، ثابت بن هزال الخزرجي، ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن الاوس، ثعلبة بن عمرو بن عبيد بن مالك النجاري ثعلبة بن عمرو بن محصن الخزرجي، ثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابئ السلمي، ثقف بن عمرو من بني حجر آل بني سليم وهو من حلفاء بني كثير بن غنم بن دودان بن
أسد.
حرف الجيم جابر بن خالد بن [ مسعود بن ] عبد الاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار النجاري، جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة السلمي أحد الذين شهدوا العقبة.
[ قلت: فأما جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي أيضا فذكره البخاري فيهم في مسند عن سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر وقال كنت أمتح لاصحابي الماء يوم بدر.
وهذا الاسناد على شرط مسلم لكن قال محمد بن سعد ذكرت لمحمد بن عمر - يعني الواقدي - هذا الحديث فقال هذا وهم من أهل العراق وأنكر أن يكون جابر شهد بدرا وقال الامام أحمد بن حنبل حدثنا روح بن عبادة ثنا زكريا بن إسحاق ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزاة.
ورواه مسلم عن أبي خيثمة عن روح (1) ].
جبار بن صخر السلمي، جبر بن عتيك الانصاري، جبير بن إياس الخزرجي.
حرف الحاء الحارث بن أنس بن رافع الخزرجي، الحارث بن أوس بن معاذ بن أخي سعد بن معاذ الاوسي، الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن الاوس رده عليه السلام من الطريق وضرب له بسهمه وأجره، الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لبني زعور ابن عبد الاشهل، الحارث بن الصمة الخزرجي رده عليه السلام لانه كسر من الطريق وضرب له بسهمه وأجره، الحارث بن عرفجة الاوسي، الحارث بن قيس بن خلدة أبو خالد الخزرجي، الحارث بن النعمان بن أمية
الانصاري.
حارثة بن سراقة النجاري أصابه سهم غرب (1) وهو في النظارة فرفع إلى الفردوس،
حارثة بن النعمان بن رافع الانصاري حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي.
حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية الاشجعي من بني دهمان هكذا ذكره ابن هشام عن غير ابن إسحاق.
وقال الواقدي حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود كذا ذكره ابن عائذ في مغازيه.
وقال ابن أبي حاتم حاطب بن عمرو بن عبد شمس سمعته من أبي وقال هو رجل مجهول، الحباب بن المنذر الخزرجي ويقال كان لواء الخزرج معه يومئذ، حبيب بن أسود مولى بني حرام من بني سلمة وقال موسى بن عقبة حبيب بن سعد بدل أسود، وقال ابن أبي حاتم حبيب بن أسلم مولى آل جشم بن الخزرج أنصاري بدرى حريث بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الانصاري أخو عبد الله بن زيد الذي أرى النداء، الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حرف الخاء خالد بن البكير أخو إياس المتقدم، خالد بن زيد أبو أيوب النجاري، خالد بن قيس بن مالك بن العجلان الانصاري، خارجة بن الحمير حليف بني خنساء من الخزرج وقيل اسمه حارثة بن الحمير وسماه ابن عائذ خارجة فالله أعلم.
خارجة بن زيد الخزرجي صهر الصديق، خباب بن الارت حليف بني زهرة وهو من المهاجرين الاولين وأصله من بني تميم ويقال من خزاعة (2)، خباب مولى عتبة بن غزوان من المهاجرين الاولين، خراش بن الصمة السلمي، خبيب بن اساف بن عنبة الخزرجي، خريم بن فاتك ذكره البخاري فيهم، خليفة بن عدي الخزرجي، خليد بن قيس بن النعمان بن سنان بن عبيد الانصاري السلمي، خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي السهمي قتل يومئذ فتأيمت منه حفصة بنت عمر بن الخطاب، خوات بن جبير الانصاري ضرب له بسهمه وأجره لم يشهدها بنفسه، خولى بن أبي خولى العجلي حليف بني عدي من المهاجرين الاولين، خلاد بن رافع، وخلاد بن سويد، وخلاد بن عمرو بن الجموح الخزرجيون.
حرف الذال
ذكوان بن عبد قيس الخزرجي، ذو الشمالين بن عبد (3) بن عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من بني خزاعة حليف لبني زهرة قتل يومئذ
__________
(1) في تاريخ خليفة: قتله حبان بن العرفة بسهم وهو يشرب من الحوض.
(2) الصواب أنه تميمي، اشترته في الجاهلية امرأة من خزاعة وأعتقته، وكان من حلفاء بني عوف،..من زهرة فهو تميمي النسب، خزاعي بالولاء، زهري بالحلف (الاستيعاب).
(3) في تاريخ خليفة: " عبد عمرو " قتله أسامة الجشمي (سيرة ابن هشام).
شهيدا.
قال ابن هشام: واسمه عمير وإنما قيل له ذو الشمالين لانه كان أعسرا.
حرف الراء رافع بن الحارث الاوسي، رافع بن عنجدة قال ابن هشام: هي أمه، رافع بن المعلى بن لوذان الخزرجي قتل يومئذ (1).
ربعي بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن عجلان بن ضبيعة وقال موسى بن عقبة ربعي بن أبي رافع، ربيع بن إياس الخزرجي، ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة حليف لبني عبد شمس بن عبد مناف وهو من المهاجرين الاولين، رخيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة الخزرجي، رفاعة بن رافع الزرقي أخو خلاد بن رافع، رفاعة بن عبد المنذر بن زنير الاوسي أخو أبي لبابة، رفاعة بن عمرو بن زيد الخزرجي.
حرف الزاي الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، زياد بن عمرو وقال موسى بن عقبة زياد بن الاخرس بن عمرو الجهني.
وقال الواقدي زياد بن كعب بن عمرو بن عدي بن رفاعة بن كليب بن برذعة بن عدي بن عمرو بن الزبعري بن رشدان بن قيس بن جهينة، زياد بن لبيد الزرقي، زياد بن المزين بن قيس الخزرجي، زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي بن عجلان بن ضبيعة، زيد بن حارثة بن شرحبيل (2) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
رضي الله عنه، زيد بن الخطاب بن نفيل أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، زيد بن سهل بن الاسود بن حرام النجاري أبو طلحة رضي الله عنه.
حرف السين سالم بن عمير الاوسي، سالم بن [ غنم بن ] عوف الخزرجي، سالم بن معقل مولى أبي حذيفة، السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي شهد مع أبيه، سبيع بن قيس بن عائد الخزرجي، سبرة بن فاتك ذكره البخاري، سراقة بن عمرو النجاري، سراقة بن كعب النجاري أيضا، سعد بن خولة مولى بني عامر بن لؤي من المهاجرين الاولين، سعد بن خيثمة الاوسي قتل يومئذ شهيدا (3)، سعد بن الربيع الخزرجي الذي قتل يوم أحد شهيدا، سعد بن زيد بن مالك الاوسي وقال الواقدي: سعد بن زيد بن الفاكه الخزرجي، سعد بن سهيل بن عبد الاشهل التجاري، سعد بن عبيد الانصاري، سعد بن عثمان بن خلدة الخزرجي أبو عبادة وقال ابن عائذ أبو عبيدة، سعد بن معاذ الاوسي وكان
__________
(1) قتله عكرمة بن أبي جهل (قاله خليفة بن خياط).
(2) في ابن هشام: " شراحيل ".
(3) قتله طعيمة بن عدي.
ويقال عمرو بن عبدود (تاريخ خليفة).
لواء الاوس معه، سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي ذكره غير واحد منهم عروة والبخاري وابن أبي حاتم والطبراني فيمن شهد بدرا، ووقع في صحيح مسلم ما يشهد بذلك حين شاور النبي صلى الله عليه وسلم في ملتقى النفير من قريش فقال سعد بن عبادة كأنك تريدنا يا رسول الله الحديث والصحيح أن ذلك سعد بن معاذ، والمشهور أن سعد بن عبادة رده من الطريق قيل لاستنابته على المدينة وقيل لذعته حية فلم يتمكن من الخروج إلى بدر حكاه السهيلي عن ابن قتيبة فالله أعلم سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري أحد العشرة، سعد بن مالك أبو سهل قال الواقدي تجهز ليخرج فمرض فمات قبل الخروج، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ابن عم عمر بن الخطاب يقال قدم
من الشام بعد مرجعهم من بدر فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، سفيان بن بشر بن عمرو الخزرجي، سلمة بن أسلم بن حريش الاوسي، سلمة بن ثابت بن وقش بن زغبة، سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة، سليم بن الحارث النجاري سليم بن عمرو السلمي، سليم بن قيس بن فهد الخزرجي، سليم بن ملحان أخو حرام بن ملحان النجاري، سماك بن أوس بن خرشة أبو دجانة ويقال سماك بن خرشة، سماك بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وهو أخو بشير بن سعد المتقدم، سهل بن حنيف الاوسي، سهل بن عتيك النجاري.
سهل بن قيس السلمى، سهيل بن رافع النجاري الذي كان له ولاخيه موضع المسجد النبوي كما تقدم، سهيل بن وهب الفهري وهو ابن بيضاء وهي أمه، سنان بن أبي سنان بن محصن بن حرثان من المهاجرين حليف بني عبد شمس بن عبد مناف، سنان بن صيفي السلمي، سواد بن زريق بن زيد الانصاري.
وقال الاموي سواد بن رزام، سواد بن غزية بن أهيب البلوي، سويبط بن سعد بن حرملة العبدري، سويد بن مخشى أبو مخشى الطائي حليف بني عبد شمس وقيل اسمه أزيد بن حمير.
حرف الشين شجاع بن وهب بن ربيعة الاسدي أسد بن خزيمة حليف بني عبد شمس من المهاجرين الاولين شماس بن عثمان المخزومي قال ابن هشام واسمه عثمان بن عثمان وإنما سمي شماسا لحسنه وشبهه شماسا كان في الجاهلية، شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الواقدي لم يسهم له وكان على الاسرى فأعطاه كل رجل ممن له في الاسرى شيئا فحصل له أكثر من سهم.
حرف الصاد صهيب بن سنان الرومي من المهاجرين الاولين، صفوان (1) بن وهب بن ربيعة الفهري أخو سهيل بن بيضاء قتل شهيدا يومئذ، صخر بن أمية بن خنساء السلمي.
__________
(1) في تاريخ خليفة: " صفوان بن بيضاء، قتله طعيمة بن عدي.
حرف الضاد ضحاك بن حارثة بن زيد السلمي، ضحاك بن عبد عمرو النجاري، ضمرة بن عمرو الجهني وقال موسى بن عقبة: ضمرة بن كعب بن عمرو حليف الانصار وهو أخو زياد بن عمرو.
حرف الطاء طلحة بن عبيد الله التيمي أحد العشرة قدم من الشام بعد مرجعهم من بدر فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، طفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف من المهاجرين وهو أخو حصين وعبيدة، طفيل بن مالك بن خنساء السلمى.
طفيل بن النعمان بن خنساء السلمي ابن عم الذي قبله.
طليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصي ذكره الواقدي.
حرف الظاء ظهير بن رافع الاوسي ذكره البخاري.
حرف العين عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح الانصاري الذي حمته الدبر حين قتل بالرجيع، عاصم بن عدي بن الجد بن عجلان رده عليه السلام من الروحاء وضرب له بسهمه وأجره، عاصم بن قيس بن ثابت الخزرجي عاقل بن البكير (1) أخو إياس وخالد وعامر، عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس النجاري، عامر بن الحارث الفهري كذا ذكره سلمة عن ابن إسحاق وابن عائذ وقال موسى بن عقبة وزياد عن ابن إسحاق عمرو بن الحارث، عامر بن ربيعة بن مالك العنزي حليف بني عدي من المهاجرين، عامر بن سلمة بن عامر بن عبد الله البلوي القضاعي حليف بني سالم بن مالك بن سالم بن غنم.
قال ابن هشام ويقال عمر بن سلمة، عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة من المهاجرين الاولين، عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، عامر بن مخلد النجاري، عائذ بن ماعض بن قيس الخزرجي، عباد بن بشر بن وقش الاوسي، عباد بن قيس بن عامر الخزرجي، عباد بن قيس بن عبشة الخزرجي أخو سبيع المتقدم، عباد بن الخشخاش القضاعي، عبادة بن الصامت
الخزرجي، عبادة بن قيس بن كعب بن قيس، عبد الله بن أمية بن عرفطة، عبد الله بن ثعلبة بن خزمة أخو بحاث المتقدم، عبد الله بن جحش بن رئاب الاسدي، عبد الله بن جبير بن النعمان الاوسي، عبد الله بن الجد بن قيس السلمي، عبد الله بن حق بن أوس الساعدي.
وقال موسى بن عقبة والواقدي وابن عائذ عبد رب بن حق، وقال ابن هشام عبد ربه بن حق، عبد الله بن الحمير حليف لبني حرام وهو أخو خارجة بن الحمير من أشجع، عبد الله بن الربيع بن
__________
(1) قتله مالك بن زهير (تاريخ خليفة).
قيس الخزرجي، عبد الله بن رواحة الخزرجي، عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الخزرجي (1) الذي أرى النداء، عبد الله بن سراقة العدوي لم يذكره موسى بن عقبة ولا الواقدي ولا ابن عائذ وذكره ابن إسحاق وغيره، عبد الله بن سلمة بن مالك العجلان حليف الانصار، عبد الله بن سهل بن رافع أخو بني زعورا، عبد الله بن سهيل بن عمرو خرج مع أبيه والمشركين ثم فر من المشركين إلى المسلمين فشهدها معهم.
عبد الله بن طارق بن مالك القضاعي حليف الاوس (2)، عبد الله بن عامر من بلى ذكره ابن إسحاق، عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي وكان أبوه رأس المنافقين، عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو سلمة زوج أم سلمة قتل يومئذ، عبد الله بن عبد مناف بن النعمان السلمي، عبد الله بن عبس، عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عبد الله بن عرفطة بن عدي الخزرجي، عبد الله بن عمر بن حرام السلمي أبو جابر، عبد الله بن عمير بن عدي الخزرجي، عبد الله بن قيس بن خالد النجاري، عبد الله بن قيس بن صخر بن حرام السلمي.
عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار جعله النبي صلى الله عليه وسلم مع عدي بن أبي الزغباء على النفل يوم بدر، عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى من المهاجرين الاولين، عبد الله بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة من المهاجرين الاولين، عبد الله بن مظعون الجمحي من المهاجرين الاولين، عبد الله بن
النعمان بن بلدمة السلمي، عبد الله بن أنيسة بن النعمان السلمي، عبد الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبيس الخزرجي، عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة أبو عقيل القضاعي البلوي، عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري أحد العشرة رضي الله عنهم، عبس بن عامر بن عدي السلمي، عبيد بن التيهان أخو أبو الهيثم بن التيهان ويقال عتيك بدل عبيد، عبيد بن ثعلبة من بني غنم بن مالك، عبيد بن زيد بن عامر بن عمرو بن العجلان بن عامر، عبيد بن أبي عبيد، عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أخو الحصين والطفيل وكان أحد الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر فقطعت يده ثم مات بعد المعركة رضي الله عنه، عتبان بن مالك بن عمرو الخزرجي عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهراني حليف بني أمية بن لوذان، عتبة بن عبد الله بن صخر السلمي، عتبة بن غزوان بن جابر من المهاجرين الاولين، عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الاموي أمير المؤمنين أحد الخلفاء الاربعة وأحد العشرة تخلف على زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها حتى ماتت فضرب له بسهمه وأجره، عثمان بن مظعون الجمحي أبو السائب أخو عبد الله وقدامة من المهاجرين الاولين، عدي بن أبي الزغباء الجهني وهو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبس بن عمرو بين يديه عينا، عصمة بن
__________
(1) في الاصابة: عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد الله.
(2) في الاصابة: عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك البلوي حليف بني ظفر.
الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان، عصيمة حليف لبني الحارث بن سوار من أشجع وقيل من بني أسد بن خزيمة، عطية بن نويرة بن عامر بن عطية الخزرجي، عقبة بن عامر بن نابي السلمي، عقبة بن عثمان بن خلدة الخزرجي أخو سعد بن عثمان، عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري وقع في صحيح البخاري أنه شهد بدرا وفيه نظر عند كثير من أصحاب المغازي ولهذا لم يذكروه، عقبة بن وهب بن ربيعة الاسدي أسد خزيمة حليف لبني عبد شمس وهو أخو شجاع بن وهب من المهاجرين الاولين، عقبة بن وهب بن كلدة حليف بني غطفان، عكاشة بن محصن
الغنمي من المهاجرين الاولين وممن لا حساب عليه، علي بن أبي طالب الهاشمي أمير المؤمنين أحد الخلفاء الاربعة وأحد الثلاثة الذين بارزوا يومئذ رضي الله عنه، عمار بن ياسر العنسي المذحجي من المهاجرين الاولين، عمارة بن حزم بن زيد النجاري، عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أحد الخلفاء الاربعة وأحد الشيخين المقتدى بهم رضي الله عنهما، عمر بن عمرو بن إياس من أهل اليمن حليف لبني لوذان بن عمرو بن سالم وقيل هو أخو ربيع وورقة، عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر أبو حكيم، عمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبشة بن الحارث بن فهر الفهري، عمرو بن سراقة العدوى من المهاجرين، عمرو بن أبي سرح الفهري من المهاجرين.
وقال الواقدي وابن عائذ معمر بدل عمرو، عمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم وهو في بني حرام، عمرو بن الجموح بن حرام الانصاري، عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك بن غنم ذكره الواقدي والاموي، عمرو بن قيس بن مالك بن عدي بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر أبو خارجة ولم يذكره موسى بن عقبة، عمرو بن عامر بن الحارث الفهري ذكره موسى بن عقبة، عمرو بن معبد بن الازعر الاوسي، عمرو بن معاذ الاوسي أخو سعد بن معاذ.
عمير بن الحارث بن ثعلبة ويقال عمرو بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة السلمي، عمير بن حرام بن الجموح السلمي ذكره ابن عائذ والواقدي، عمير بن الحمام بن الجموح بن عم الذي قبله قتل يومئذ شهيدا (1)، عمير بن عامر بن مالك بن الخنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود المازني، عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو وسماه الاموي وغيره عمرو بن عوف وكذا وقع في الصحيحين في حديث بعث أبي عبيدة إلى البحرين، عمير بن مالك بن أهيب الزهري أخو سعد بن أبي وقاص قتل يومئذ شهيدا (2)، عنترة مولى بني سليم وقيل إنه منهم فالله أعلم، عوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث النجاري وهو ابن عفراء بنت عبيد بن ثعلبة النجارية قتل يومئذ شهيدا، عويم بن ساعدة الانصاري من بني أمية بن زيد، عياض بن غنم الفهري من المهاجرين الاولين رضي الله عنهم أجمعين.
__________
(1) قتله خالد بن الاعلم (قاله خليفة بن خياط).
(2) قتله عمرو بن عبدود (قال خليفة)
حرف الغين غنام بن أوس الخزرجي ذكره الواقدي وليس بمجمع عليه.
حرف الفاء الفاكه بن بشر بن الفاكه الخزرجي، فروة بن عمرو بن ودفة الخزرجي.
حرف القاف قتادة بن النعمان الاوسي.
قدامة بن مظعون الجمحي من المهاجرين أخو عثمان وعبد الله، قطبة بن عامر بن حديدة السلمي.
قيس بن السكن النجاري، قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد المازني كان على الساقة يوم بدر.
قيس بن محصن بن خالد الخزرجي، قيس بن مخلد بن ثعلبة النجاري.
حرف الكاف كعب بن حمان ويقال جمار ويقال جماز وقال ابن هشام كعب بن عبشان ويقال كعب بن مالك بن ثعلبة بن جماز وقال الاموي كعب بن ثعلبة بن حبالة بن غنم الغساني من حلفاء بني الخزرج بن ساعدة، كعب بن زيد بن قيس النجاري، كعب بن عمرو أبو اليسر السلمي، كلفة بن ثعلبة أحد البكائين ذكره موسى بن عقبة، كناز بن حصين بن يربوع أبو مرثد الغنوي من المهاجرين الاولين.
حرف الميم مالك بن الدخشم ويقال ابن الدخشن الخزرجي، مالك بن أبي خولى الجعفي حليف بني عدي، مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي، مالك بن قدامة الاوسي، مالك بن عمرو أخو ثقف بن عمرو وكلاهما مهاجري وهما من حلفاء بني تميم بن دودان بن أسد، مالك بن قدامة الاوسي، مالك بن مسعود الخزرجي، مالك بن ثابت بن نميلة المزني حليف لبني عمرو بن عوف،
مبشر بن عبد المنذر بن زنير الاوسي أخو أبي لبابة ورفاعة قتل يومئذ شهيدا (1)، المجذر بن زياد البلوي مهاجري، محرز بن عامر النجاري، محرز بن نضلة الاسدي حليف بني عبد شمس مهاجري، محمد بن مسلمة حليف بني عبد الاشهل، مدلج ويقال مدلاج بن عمرو أخو ثقف بن عمرو مهاجري، مرثد بن أبي مرثد الغنوي، مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف من المهاجرين الاولين وقيل اسمه عوف، مسعود بن أوس الانصاري النجاري، مسعود بن خلدة الخزرجي، مسعود بن ربيعة القاري حليف بني زهرة مهاجري، مسعود بن سعد ويقال ابن عبد سعد بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث، مسعود بن سعد بن قيس الخزرجي، مصعب بن عمير العبدري مهاجري كان معه اللواء يومئذ، معاذ بن جبل الخزرجي،
__________
(1) قتله أبو ثور (تاريخ خليفة)
معاذ بن الحارث النجاري وهذا هو ابن عفراء أخو عوف ومعوذ، معاذ بن عمرو بن الجموح الخزرجي، معاذ بن ماعض الخزرجي أخو عائذ، معبد بن عباد بن قشير بن الفدم بن سالم بن غنم ويقال معبد بن عبادة بن قيس وقال الواقدي قشعر بدل قشير وقال ابن هشام قشعر أبو خميصة، معبد بن قيس بن صخر السلمي أخو عبد الله بن قيس، معتب بن عبيد بن إياس البلوي القضاعي، معتب بن عوف الخزاعي حليف بني مخزوم من المهاجرين، معتب بن قشير الاوسي معقل بن المنذر السلمي، معمر بن الحارث الجمحي من المهاجرين، معن بن عدي الاوسي، معوذ بن الحارث الجمحي وهو ابن عفراء أخو معاذ بن عوف، معوذ بن عمرو بن الجموح السلمي لعله أخو معاذ بن عمرو، المقداد بن عمرو البهراني وهو المقداد بن الاسود من المهاجرين الاولين وهو ذوالمقال المحمود ابن المتقدم ذكره وكان أحد الفرسان يومئذ، مليل بن وبرة الخزرجي، المنذر بن عمرو بن خنيس الساعدي، المنذر بن قدامة بن عرفجة الخزرجي، المنذر بن محمد بن عقبة الانصاري من بني جحجبي، مهجع مولى عمر بن الخطاب أصله من اليمن وكان أول قتيل من المسلمين يومئذ.
حرف النون نصر بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر بن كعب، نعمان بن عبد عمرو النجاري وهو أخو الضحاك.
نعمان بن عمرو بن رفاعة النجاري، نعمان بن عصر بن الحارث حليف لبني الاوس، نعمان بن مالك بن ثعلبة الخزرجي ويقال له قوقل، نعمان بن يسار مولى لبني عبيد ويقال نعمان بن سنان.
نوفل بن عبيدالله بن نضلة الخزرجي.
حرف الهاء هانئ بن نيار أبو بردة البلوي خال البراء بن عازب، هلال بن أمية الواقفي وقع ذكره في أهل بدر في الصحيحين في قصة كعب بن مالك ولم يذكره أحد من أصحاب المغازي، هلال بن المعلى الخزرجي أخو رافع بن المعلى.
حرف الواو واقد بن عبد الله التميمي حليف بني عدي من المهاجرين، وديعة بن عمرو بن جراد الجهني ذكره الواقدي وابن عائذ، ورقة بن إياس بن عمرو الخزرجي أخو ربيع بن إياس، وهب بن سعد بن أبي سرح ذكره موسى بن عقبة وابن عائذ والواقدي في بني عامر بن لؤي ولم يذكره ابن إسحاق
حرف الياء يزيد بن الاخنس بن جناب بن حبيب بن جرة السلمي قال السهيلي شهد هو وأبوه وابنه يعني بدرا ولا يعرف لهم نظير في الصحابة ولم يذكرهم ابن إسحاق والاكثرون لكن شهدوا معه بيعة الرضوان، يزيد بن الحارث بن قيس الخزرجي وهو الذي يقال له ابن قسحم (1) وهي أمة قتل يومئذ شهيدا ببدر، يزيد بن عامر بن حديدة أبو المنذر السلمي، يزيد بن المنذر بن سرح السلمي وهو أخو معقل بن المنذر.
باب الكنى
أبو أسيد مالك بن ربيعة تقدم، أبو الأعور بن الحارث بن ظالم النجاري وقال ابن هشام أبو الاعور الحارث بن ظالم وقال الواقدي أبو الأعور كعب بن الحارث بن جندب بن ظالم، أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان تقدم.
أبو حبة بن عمرو بن ثابت أحد بني ثعلبة بن عمرو بن عوف الانصاري.
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة من المهاجرين وقيل اسمه مهشم، أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة بن عفراء، أبو خزيمة بن أوس بن أصرم النجاري، أبو سبرة مولى أبي رهم بن عبد العزى من المهاجرين، أبو سنان بن محصن بن حرثان أخو عكاشة ومعه ابنه سنان من المهاجرين، أبو الصياح (2) بن النعمان وقيل عمير بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة رجع من الطريق وقتل يوم خيبر رجع لجرح أصابه من حجر فضرب له بسهمه، أبوعرفجة من حلفاء بني جحجبي، أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو لبابة بشير بن عبد المنذر تقدم، أبو مرثد الغنوي كناز بن حصين تقدم، أبو مسعود البدري عقبة بن عمرو تقدم، أبو مليل بن الازعر بن زيد الاوسي.
فصل فكان جملة من شهد بدرا من المسلمين ثلثمائة وأربعة عشر رجلا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد ثنا زهير ثنا أبو إسحاق سمعت البراء بن عازب يقول: حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ممن شهد بدرا أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر بضعة عشر وثلاثمائة.
قال البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن (3).
ثم رواه البخاري من طريق اسرائيل وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء نحوه.
قال ابن جرير:
__________
(1) في تاريخ خليفة: " ابن فسحم " قتله نوفل بن معاوية.
(2) في ابن هشام: أبو ضياح بن ثابت بن النعمان.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 6 باب عدة أصحاب بدر ح 3959 فتح الباري 7 / 290 و 7 / 391.
وهذا قول عامة السلف إنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا.
وقال أيضا حدثنا محمود ثنا وهب
عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء.
قال استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين والانصار نيفا وأربعين ومائتين.
هكذا وقع في هذه الرواية وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي، ثنا أبو مالك الجبني عن الحجاج - وهو ابن أرطاة - عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: كان المهاجرون يوم بدر [ سبعة و ] (1) سبعين رجلا.
وكان الانصار مائتين وستة وثلاثين رجلا.
وكان حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب.
وحامل راية الانصار سعد بن عبادة.
وهذا يقتضي أنهم كانوا ثلثمائة وستة رجال.
قال ابن جرير: وقيل كانوا ثلثمائة وسبعة رجال.
قلت: وقد يكون هذا عد معهم النبي صلى الله عليه وسلم والاول عدهم بدونه فالله أعلم.
وقد تقدم عن ابن إسحاق أن المهاجرين كانوا ثلاثة وثمانين رجلا.
وأن الاوس أحد وستون رجلا.
والخزرج مائة وسبعون رجلا وسردهم.
وهذا مخالف لما ذكره البخاري ولما روى عن ابن عباس فالله أعلم.
وفي الصحيح عن أنس: أنه قيل له شهدت بدرا.
فقال وأين أغيب ؟ وفي سنن أبي داود عن سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام أنه قال: كنت أميح لاصحابي الماء يوم بدر وهذان لم يذكرهما البخاري ولا الضياء فالله أعلم.
قلت: وفي الذين عدهم ابن إسحاق في أهل بدر من ضرب له بسهم في مغنمها وأنه لم يحضرها تخلف عنها لعذر أذن له في التخلف بسببها وكانوا ثمانية أو تسعة وهم: عثمان بن عفان تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها حتى ماتت فضرب له بسهمه وأجره، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان بالشام فضرب له بسهمه وأجره، وطلحة بن عبيدالله كان بالشام أيضا فضرب له بسهمه وأجره (2) وأبو لبابة بشير بن عبد المنذر رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين بلغه خروج النفير من مكة فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره، والحارث بن حاطب بن عبيد بن أمية رده رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من الطريق (3) وضرب له بسهمه وأجره، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء فرجع فضرب له بسهمه زاد الواقدي: وأجره، وخوات بن جبير (4) لم يحضر
الوقعة وضرب له بسهمه وأجره، وأبو الصياح بن ثابت (5) خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب ساقه
__________
(1) من تاريخ الطبري ج 2 / 272.
(2) قال الواقدي: سعيد بن زيد وطلحة بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسسان له العير.
(3) قال الواقدي: رده من الروحاء.
(4) في الواقدي: كسر بالروحاء.
(5) ذكره الواقدي فيمن حضر بدر وسماه: أبو ضياح بن ثابت من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف.
فصيل حجر فرجع وضرب له بسهمه وأجره قال الواقدي وسعد أبو مالك (1) تجهز ليخرج فمات وقيل إنه مات بالروحاء فضرب له بسهمه وأجره (2).
وكان الذين استشهدوا من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا من المهاجرين ستة وهم: عبيدة بن الحارث بن المطلب قطعت رجله فمات بالصفراء رحمه الله، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص الزهري قتله العاص بن سعيد (3) وهو ابن ست عشرة سنة ويقال إنه كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع لصغره فبكى فأذن له في الذهاب فقتل رضي الله عنه، وحليفهم ذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعي (4)، وصفوان بن بيضاء (5)، وعاقل بن البكير (6) الليثي حليف بني عدي، ومهجع مولى عمر بن الخطاب وكان أول قتيل قتل من المسلمين يومئذ (7)، ومن الانصار ثمانية وهم: حارثة بن سراقة رماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فمات، ومعوذ وعوف ابنا عفراء (8)، ويزيد بن الحارث (9) - ويقال ابن قسحم - وعمير بن الحمام (10)، ورافع بن المعلى بن لوذان (11)، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر (12) رضي الله عن جميعهم، وكان مع المسلمين سبعون بعيرا كما تقدم.
قال ابن إسحاق: وكان معهم فرسان على أحدهما المقداد بن الاسود واسمها بغرجة - ويقال ستجة - وعلى الاخرى الزبير بن العوام واسمها اليعسوب وكان معهم لواء يحمله مصعب بن عمير، ورايتان يحمل إحداهما للمهاجرين علي بن أبي طالب، والتي للانصار يحملها سعد بن عبادة، وكان رأس مشورة المهاجرين أبو بكر الصديق، ورأس مشورة الانصار سعد بن
معاذ.
__________
(1) في الواقدي: سعد بن مالك، وهو من بني البدي.
(2) وذكر الواقدي وابن اسحاق: أن صبيحا مولى أبي العاص بن أمية تجهز للخروج ثم مرض.
وأن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان خرج فرده رسول الله وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر - وقيل في سبب رده أنه بلغه شئ عن أهل مسجد الضرار، وكان قد استخلفه على قباء والعالية فرده لينظر في ذلك -.
وذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره، وقال: ولم يذكره أصحابنا.
(3) في الواقدي: قتله عمرو بن عبد، وقتل عمرو أيضا سعد بن خيثمة.
(4) قال الواقدي: قتله أبو أسامة الجشمي.
(5) قتله طعيمة بن عدي، ويقال قتل طعيمة أيضا سعد بن خيثمة.
(6) في الواقدي وابن سعد: ابن أبي البكير، قتله مالك بن زهير الجشمي.
(7) قتله عامر بن الحضرمي.
(8) قتلهما أبو جهل.
(9) قتله نوفل بن معاوية الديلي.
(10) قتله خالد بن الاعلم.
قال الواقدي: وهو أول قتيل قتل من الانصار في الاسلام، ويقال: أول قتيل أنصاري قتل في الاسلام عاصم بن ثابت بن الافلح.
(11) قتله عكرمة بن أبي جهل.
(12) قتله أبو ثور.
وأما جمع المشركين فأحسن ما يقال فيهم إنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الالف وقد نص عروة وقتادة أنهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا.
وقال الواقدي كانوا تسعمائة وثلاثين رجلا وهذا التحديد يحتاج إلى دليل وقد تقدم في بعض الاحاديث أنهم كانوا أزيد من ألف فلعله عدد أتباعهم معهم والله أعلم.
وقد تقدم الحديث الصحيح عند البخاري عن البراء أنه قتل منهم سبعون وأسر
سبعون وهذا قول الجمهور، ولهذا قال كعب بن مالك في قصيدة له: فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون عتبة منهم والاسود (1) وقد حكى الواقدي الاجماع على ذلك وفيما قاله نظر، فإن موسى بن عقبة وعروة بن الزبير قالا خلاف ذلك (2) وهما من ائمة هذا الشأن فلا يمكن حكاية الاتفاق بدون قولهما وإن كان قولهما مرجوحا بالنسبة إلى الحديث الصحيح والله أعلم.
وقد سرد أسماء القتلى والاسارى ابن إسحاق وغيره وحرر ذلك الحافظ الضياء في أحكامه جيدا وقد تقدم في غضون سياقات القصة ذكر أول من قتل منهم وهو الاسود بن عبد الاسد المخزومي، وأول من فر وهو خالد بن الاعلم الخزاعي - أو العقيلي - حليف بني مخزوم وما أفاده ذلك فإنه أسر وهو القائل في شعره: ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا يقطر الدم فما صدق في ذلك، وأول من أسروا عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث قتلا صبرا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الاسارى، وقد اختلف في أيهما قتل أولا على قولين وأنه عليه السلام أطلق جماعة من الاسارى مجانا بلا فداء منهم أبو العاص بن الربيع الاموي، والمطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي، وصيفي بن أبي رفاعة كما تقدم، وأبو عزة الشاعر، ووهب بن عمير بن وهب الجمحي كما تقدم، وفادى بقيتهم حتى عمه العباس أخذ منه أكثر مما أخذ من سائر الاسرى لئلا يحابيه لكونه عمه مع أنه قد سأله الذين أسروه من الانصار أن يتركوا له فداءه فأبى عليهم ذلك، وقال لا تتركوا منه درهما، وقد كان فداؤهم متفاوتا فأقل ما أخذ أربعمائة، ومنهم من أخذ منه أربعون أوقية من ذهب.
قال موسى بن عقبة وأخذ من العباس مائة أوقية من ذهب، ومنهم من استؤجر على عمل بمقدار فدائه كما قال الامام أحمد حدثنا علي بن عاصم قال: قال داود: ثنا عكرمة، عن ابن عباس قال: كان ناس من الاسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الانصار الكتابة، قال فجاء غلام يوما يبكي إلى أمه فقالت
__________
(1) العطن: معناه مبرك الابل حول الماء، واستعاره هنا لقتلى المشركين يوم بدر وعتبة بن ربيعة، والاسود بن عبد الاسد المخزومي.
(2) قال ابن عقبة وعروة: قتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا وأسر منهم تسعة وثلاثون رجلا.
(الدرر في اختصار المغازي والسير ص 109).
ما شأنك ؟ فقال ضربني معلمي فقالت: الخبيث يطلب بدخل بدر والله لا تأتيه أبدا.
انفرد به أحمد وهو على شرط السنن وتقدم بسط ذلك كله ولله الحمد والمنة.
فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين قال البخاري في هذا الباب: حدثنا عبد الله بن محمد ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق عن حميد سمعت أنسا يقول: أصيب حارثة يوم بدر فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الاخرى فترى ما أصنع فقال: " ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي ؟ إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس " تفرد به البخاري من هذا الوجه وقد روى من غير هذا الوجه من حديث ثابت وقتادة عن أنس وأن حارثة كان في النظارة وفيه: " أن ابنك أصاب الفردوس الاعلى " وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر فإن هذا الذي لم يكن في بحيحة القتال ولا في حومة الوغى بل كان من النظارة من بعيد وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التي هي أعلى الجنان وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها فإذا كان هذا حال هذا فما ظنك بمن كان واقفا في نحر العدو وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا ثم روى البخاري ومسلم جميعا: عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الله بن إدريس، عن حصين بن عبد الرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قصة حاطب بن أبي بلتعة وبعثه الكتاب إلى أهل مكة عام الفتح، وأن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ولفظ البخاري " أليس من أهل بدر ولعل الله
اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة - أو قد غفرت لكم - " فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم.
وروى مسلم عن قتيبة، عن الليث، عن أبي الزبير عن جابر أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكوا حاطبا قال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبت لا يدخلها إنه شهد بدرا والحديبية " وقال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثني الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن يدخل النار رجل شهد بدرا أو الحديبية " تفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.
وقال الامام أحمد حدثنا يزيد أنبأنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال: إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
ورواه أبو داود عن أحمد بن سنان وموسى بن إسماعيل كلاهما عن يزيد بن هارون به.
وروى البزار في
مسنده ثنا محمد بن مرزوق ثنا أبو حذيفة ثنا عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لارجو أن لا يدخل النار من شهد بدرا إن شاء الله " ثم قال لا نعلمه يروي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه.
قلت: وقد تفرد البزار بهذا الحديث ولم يخرجوه وهو على شرط الصحيح والله أعلم.
وقال البخاري في (1) باب شهود الملائكة بدرا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا جرير، عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة انفرد به البخاري.
قدوم زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة قال ابن إسحاق: ولما رجع أبو العاص إلى مكة وقد خلى سبيله - يعني كما تقدم - بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الانصار مكانه فقال كونا ببطن يأجج (2) حتى تمر بكما زينب فتصحباها فتأتياني بها، فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر - أو شيعه (3) - فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز: قال ابن إسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر قال: حدثت
عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز لقيتني هند بنت عتبة فقالت يا ابنة محمد ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك قالت: فقلت ما أردت ذلك، فقالت: أي ابنة عم لا تفعلي، إن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تتبلغين به إلى أبيك فإن عندي حاجتك فلا تضطبني (4) مني فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال، قالت والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، قالت: ولكني خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك.
قال ابن إسحاق: فتجهزت فلما فرغت من جهازها قدم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها وهي في هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى وكان أول من سبق إليها هبار بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والفهري (5) فروعها هبار بالرمح
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي فتح الباري 7 / 311.
(2) يأجج: اسم لمكانين: أحدهما: على ثمانية أميال من مكة.
والثاني: أبعد منه، وفيه بني مسجد الشجرة وبينه وبين مسجد التنعيم ميلان.
(3) شيعه: قريب منه.
قال في النهاية: نحوا من شهر.
(4) في ابن هشام: لا تضطني، وفي رواية لا تظطني: أي لا تستحي، وبالظاء: من ظنت أي لا تتهميني ولا تستريبي بي.
(5) من السهيلي، وفي الاصل وابن هشام لم يذكر اسم الفهري مع الواو بل هبار بن الاسود بن المطلب بن عبد العزى الفهري.
واسمه نافع بن عبد القيس كما ذكره ابن هشام وفي رواية البيهقي عن ابن إسحاق.
وهي في الهودج وكانت حاملا فيما يزعمون فطرحت (1) وبرك حموها كنانة ونثر كنانته، ثم قال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه.
وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال: يا أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال إنك لم تصب خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذ خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا إن ذلك عن ذل
أصابنا وإن ذلك ضعف منا ووهن ولعمري مالنا بحبسها من أبيها من حاجة وما لنا من نؤرة.
ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها، قال ففعل.
وقد ذكر ابن إسحاق أن أولئك النفر الذين ردوا زينب لما رجعوا إلى مكة قالت هند تذمهم على ذلك: أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة * وفي الحرب أشباه النساء العوارك وقد قيل إنها قالت ذلك للذين رجعوا من بدر بعدما قتل منهم الذين قتلوا.
قال ابن إسحاق: فأقامت ليال حتى إذا هدأت الاصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها ليلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى البيهقي في الدلائل: من طريق عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة عن عائشة فذكر قصة خروجها وردهم لها ووضعها ما في بطنها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة وأعطاه خاتمه لتجئ معه فتلطف زيد فأعطاه راعيا من مكة فأعطى الخاتم لزينب فلما رأته عرفته فقالت من دفع إليك هذا ؟ قال رجل في ظاهر مكة فخرجت زينب ليلا فركبت وراءه حتى قدم بها المدينة.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هي أفضل بناتي أصيبت في " قال: فبلغ ذلك علي بن الحسين بن زين العابدين فأتى عروة فقال: ما حديث بلغني أنك تحدثته ؟ فقال عروة والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب واني انتقص فاطمة حقا هولها وأما بعد ذلك [ فلك ] (2) أن لا أحدث به أبدا (3).
قال ابن إسحاق فقال في ذلك عبد الله بن رواحة أو أبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف.
قال ابن هشام هي لابي خيثمة: أتاني الذي لا يقدر الناس قدره * لزينب فيهم من عقوق ومأثم وإخراجها لم يخز فيها محمد * على مأقط وبيننا عطر منشم (4)
__________
(1) قيل أن هبار نخس الراحلة فسقطت على صخرة فهلك جنينها، ولم تزل تنزف دما حتى ماتت بالمدينة (أنظر الاستيعاب).
(2) من دلائل البيهقي.
(3) دلائل البيهقي باب ما جاء في زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم..ج 3 / 156.
(4) عطر منشم: مثل، يكنى به عن شدة الحرب، قيل في أصله أن منشم كانت امرأة من خزاعة تبيع العطر والطيب فيشرى منها للموتى، حتى تشاءموا بها لذلك.
وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم * ومن حربنا في رغم أنف ومندم قرنا ابنه عمرا ومولى يمينه * بذي حلق جلد الصلاصل محكم فأقسمت لا تنفك منا كتائب * سراة خميس من لهام مسوم نزوع قريش الكفر حتى نعلها * بخاطمة فوق الانوف بميسم ننزلهم أكناف نجد ونخلة * وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم يدى الدهر حتى لا يعوج سربنا * ونلحقهم آثار عاد وجرهم ويندم قوم لم يطيعوا محمدا * على أمرهم وأي حين تندم فأبلغ أبا سفيان إما لقيته * لئن أنت لم تخلص سجودا وتسلم فأبشر بخزي في الحياة معجل * وسربال قار خالدا في جهنم قال ابن إسحاق: ومولى يمين أبي سفيان الذي عناه الشاعر هو عامر بن الحضرمي.
وقال ابن هشام إنما هو عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمي فأما عامر بن الحضرمي فإنه قتل يوم بدر.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الاشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي إسحاق الدوسي، عن أبي هريرة.
قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها فقال: " إن ظفرتم بهبار بن الاسود والرجل (1) الذي سبق معه إلى زينب فحرقوهما بالنار " فلما كان الغد بعث إلينا فقال: " إني قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموها، ثم رأيت أنه لا ينبغي لاحد أن يحرق بالنار إلا الله عزوجل، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما " تفرد به ابن إسحاق وهو على شرط السنن ولم يخرجوه وقال البخاري: حدثنا قتيبة، ثنا الليث عن بكير عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: " إن وجدتم فلانا وفلانا فاحرقوهما بالنار " ثم قال حين أردنا الخروج: " إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وأن النار لا
يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموها فاقتلوهما " وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا العاص أقام بمكة على كفره واستمرت زينب عند أبيها بالمدينة حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح وكبر وكبر الناس صرخت من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: " أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت " قالوا نعم ! قال: " أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشئ حتى سمعت ما سمعتم وإنه بجير على المسلمين أدناهم " ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته زينب فقال: " أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له " قال:
__________
(1) في ابن هشام: أو الرجل الآخر، ويعني نافع بن عبد القيس.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئا فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لاحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا: لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني عن الاسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فحدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الاول ولم يحدث شيئا [ بعد ست سنين ] (1)، وهذا الحديث قد رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن إسحاق، وقال الترمذي ليس بإسناده بأس ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث ولعله قد جاء من قبل حفظ داود بن الحصين.
وقال السهيلي لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت وفي لفظ ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ست سنين، وفي رواية بعد سنتين بالنكاح الاول رواه ابن جرير وفي رواية لم يحدث نكاحا.
وهذا الحديث قد أشكل على كثير من العلماء فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن
كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة فإن أسلم فيها استمر على نكاحها وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها وزينب رضي الله عنها أسلمت حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت بعد بدر بشهر وحرم المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست، وأسلم أبو العاص قبل الفتح سنة ثمان فمن قال ردها عليه بعد ست سنين أي من حين هجرتها فهو صحيح ومن قال بعد سنتين أي من حين حرمت المسلمات على المشركين فهو صحيح أيضا، وعلى كل تقدير فالظاهر انقضاء عدتها في هذه المدة التي أقلها سنتان من حين التحريم أو قريب منها فكيف ردها عليه بالنكاح الاول ؟ فقال قائلون يحتمل أن عدتها لم تنقض وهذه قصة يمين يتطرق إليها الاحتمال، وعارض آخرون هذا الحديث بالحديث الاول الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد بنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد.
قال الامام أحمد هذا حديث ضعيف واه ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيدالله العرزمي.
والعرزمي لا يساوي حديثه شيئا والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الاول.
وهكذا قال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث والصواب حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الاول.
وقال الترمذي هذا حديث في إسناده مقال والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها أنه أحق بها ما كانت في العدة وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال آخرون بل الظاهر انقضاء عدتها، ومن روى أنه جدد لها نكاحا فضعيف ففي قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى
__________
(1) من ابن إسحاق.
انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي وقت كان وهي امرأته ما لم تتزوج وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم.
ويستشهد لذلك بما ذكره البخاري حيث قال (نكاح من أسلم من
المشركات وعدتهن) حدثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس كان المشركون على منزلتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركي أهل الحرب يقاتلونهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه.
فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد هذا لفظه بحروفه، فقوله فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر يقتضي أنها كانت تستبرئ بحيضة لا تعتد بثلاثة قروء، وقد ذهب قوم إلى هذا وقوله فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه يقتضي أنه وإن هاجر بعد انقضاء مدة الاستبراء والعدة أنها ترد إلى زوجها الاول ما لم تنكح زوجا غيره كما هو الظاهر من قصة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكما ذهب إليه من ذهب من العلماء.
والله أعلم.
ما قيل من الاشعار في بدر العظمى فمن ذلك ما ذكره ابن إسحاق عن حمزة بن عبد المطلب وأنكرها ابن هشام: ألم تر أمرا كان من عجب الدهر * وللحين أسباب مبينة الامر وما ذاك إلا أن قوما أفادهم * فخافوا تواص بالعقوق وبالكفر عشية راحوا نحو بدر بجمعهم * وكانوا رهونا للركية من بدر (1) وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها * فساروا إلينا فالتقينا على قدر فلما التقينا لم تكن مثنوية * لنا غير طعن بالمثقفة السمر وضرب ببيض يختلي الهام حدها * مشهرة الالوان بينة الاثر ونحن تركنا عتبة الغي ثاويا * وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر (2) وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم * فشقت جيوب النائحات على عمرو جيوب نساء من لؤي بن غالب * كرام تفر عن الذوائب من فهر أولئك قوم قتلوا في ضلالهم * وخلوا لواء غير محتضر النصر
لواء ضلال قاد إبليس أهله * فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدر
__________
(1) الركية: البئر غير المطوية.
(2) تجرجم: تسقط، الجفر: البئر المتسعة.
وقال لهم، إذ عاين الامر واضحا * برئت إليكم ما بي اليوم من صبر فاني أرى مالا ترون وإنني * أخاف عقاب الله والله ذو قسر فقدمهم للحين حتى تورطوا * وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا * ثلاث مئين كالمسدمة الزهر وفينا جنود الله حين يمدنا * بهم في مقام ثم مستوضح الذكر فشد بهم جبريل تحت لوائنا * لدى مأزق فيه مناياهم تجري وقد ذكر ابن إسحاق جوابها من الحارث بن هشام تركناها عمدا.
وقال علي بن أبي طالب وأنكرها ابن هشام: ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل بما أنزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل فآمن أقوام بذاك وأيقنوا * فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم ذو العرش خبلا على خبل (1) وامكن منهم يوم بدر رسوله * وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل بأيديهم بيض خفاف عصوا بها * وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل فكم تركوا من ناشئ ذي حمية * صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل تبيت عيون النائحات عليهم * تجود بإسبال الرشاش وبالوبل
نوائح تنعي عتبة الغي وابنه * وشيبة تنعاه وتنعي أبا جهل وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم * مسلبة حرى مبينة الثكل ثوى منهم في بئر بدر عصابة * ذوو نجدات في الحروب وفي المحل دعا الغي منهم من دعا فأجابه * وللغي أسباب مرمقة الوصل فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل * عن الشغب والعدوان في أسفل السفل (2) وقد ذكر ابن إسحاق نقيضها من الحارث أيضا تركناها قصدا وقال كعب بن مالك: عجبت لامر الله والله قادر * على ما أراد ليس لله قاهر قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا * بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
__________
(1) الخبل: الفساد.
(2) في ابن هشام: في أشغل الشغل.
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم * من الناس حتى جمعهم متكاثر وسارت إلينا لا تحاول غيرنا * بأجمعها كعب جميعا وعامر وفينا رسول الله والاوس حوله * له معقل منهم عزير وناصر وجمع بني النجار تحت لوائه * يمشون في الماذي والنقع ثائر (1) فلما لقيناهم وكل مجاهد * لاصحابه مستبسل النفس صابر شهدنا بأن الله لا رب غيره * وأن رسول الله بالحق ظاهر وقد عريت ريض خفاف كأنها * مقاييس يزهيها لعينيك شاهر بهن أبدنا جمعهم فتبددوا * وان يلاقي الحين من هو فاجر فكب أبو جهل صريعا لوجهه * وعتبة قد غادرته وهو عائر وشيبة والتيمي غادرت في الوغى * وما منهم إلا بذي العرش كافر فأمسوا وقود النار في مستقرها * وكل كفور في جهنم صائر
تلظى عليهم وهي قد شب حميها * بزبر الحديد والحجارة ساجر وكان رسول الله قد قال أقبلوا * فولوا وقالوا: إنما أنت ساحر لامر أراد الله أن يهلكوا به * وليس لامر حمه الله زاجر وقال كعب في يوم بدر: ألا هل أتى غسان في نأي دارها * وأخبر شئ بالامور عليمها بأن قد رمتنا عن قسي عداوة * معد معا جهالها وحليمها لانا عبدنا الله لم نرج غيره * رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها نبي له في قومه إرث عزة * وأعراق صدق هذبتها أرومها فساروا وسرنا فالتقينا كأننا * أسود لقاء لا يرجى كليمها ضربناهم حتى هوى في مكرنا * لمنخر سوء من لؤي عظيمها فولوا ودسناهم ببيض صوارم * سواء علينا حلفها وصميمها وقال كعب أيضا: لعمر أبيكما يا ابني لؤي * على زهو لديكم وانتخاء لما حامت فوارسكم ببدر * ولا صبروا به عند اللقاء وردناه ونور الله يجلو * دجى الظلماء عنا والغطاء رسول الله يقدمنا بأمر * من أمر الله أحكم بالقضاء
__________
(1) الماذي: الدروع البيض اللينة السهلة، وقد تطلق على السلاح كله.
فما ظفرت فوارسكم ببدر * وما رجعوا إليكم بالسواء فلا تعجل أبا سفيان وارقب * جياد الخيل تطلع من كداء بنصر الله روح القدس فيها * وميكال فيا طيب الملاء وقال حسان بن ثابت: قال ابن هشام: ويقال هي لعبد الله بن الحارث السهمي (1):
مستشعري حلق الماذي يقدمهم * جلد النحيزة ماض غير رعديد (2) أعني رسول إله الخلي فضله * على البرية بالتقوى وبالجود وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم * وماء بدر زعمتم غير مورود (3) مستعصمين بحبل غير منجذم * مستحكم من حبال الله ممدود فينا الرسول وفينا الحق نتبعه * حتى الممات ونصر غير محدود واف وماض شهاب يستضاء به * بدر أنار على كل الاماجيد وقال حسان بن ثابت أيضا: ألا ليت شعري هل أتى أهل مكة * إبادتنا الكفار في ساعة العسر قتلنا سراة القوم عند مجالنا * فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر (4) قتلنا أبا جهل وعتبة قبله * وشيية (وشيبة) يكبو لليدين وللنحر قتلنا سويدا ثم عتبة بعده * وطعمة أيضا عند ثائرة القتر فكم قد قتلنا من كريم مسود * له حسب في قومه نابه الذكر (5) تركناهموا للعاويات يتيتهم (يتينهم) * ويصلون نارا بعد حامية القعر (6) لعمرك ما حامت فوارس مالك * وأشياعهم يوم التقينا على بدر (7) وقال عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في يوم بدر، في قطع رجله في مبارزته هو وحمزة وعلي
__________
(1) وردت القصيدة في ديوان حسان منسوبة إليه من غير اختلاف في ذلك.
(2) مستشعري: من استشعر، يقال استشعر الثوب: إذا لبسه على جسمه من غير حاجز، ومنه الشعار ما يلي الجسم من الثياب.
(3) في ابن هشام: غير مردود.
وبعده في سيرة ابن هشام: ثم وردنا ولم نسمع لقولكم * حتى شربنا رواء غير تصريد التصريد: تقليل الشرب.
والرواء: التملؤ من الشرب.
(4) قاصمة الظهر: الداهية التي تقصم الظهور، أي تكسرها فتبيتها (فتبينها).
(5) في ابن هشام مرز بدل مسود.
(6) يتينهم أي يأتونهم مرة بعد مرة.
(7) حامت: من الحماية، اي الامتناع، وفي رواية خامت: أي جبنت.
مع عتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأنكرها ابن هشام: ستبلغ عنا أهل مكة وقعة * يهب لها من كان عن ذاك نائيا بعتبة إذ ولى وشيبة بعده * وما كان فيها بكر عتبة راضيا فإن تقطعوا رجلي فإني مسلم * أرتجي بها عيشا من الله دانيا مع الحور أمثال التماثيل أخلصت * من الجنة العليا لمن كان عاليا وبعت بها عيشا تعرفت صفوه * وعاجلته حتى فقدت الا دانيا فأكرمني الرحمن من فضل منه * بثوب من الاسلام غطى المساويا وما كان مكروها إلي قتالهم * غداة دعا الاكفاء من كان داعيا ولم يبغ إذ سألوا النبي سواءنا * ثلاثتنا حتى حضرنا المناديا لقيناهم كالاسد تخطر بالقنا * نقاتل في الرحمن من كان عاصيا فما برحت أقدامنا من مقامنا * ثلاثتنا حتى أزيروا المنائبا (1) وقال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت أيضا يذم الحارث بن هشام على فراره يوم بدر ؟ وتركه قومه لا يقاتل دونهم: تبلت فؤادك في المنام خريدة * تشفي الضجيع ببارد بسام (2) كالمسك تخلطه بماء سحابة * أو عاتق كدم الذبيح مدام (3) نفج الحقيبة بوصها متنضد * بلهاء غير وشيكة الاقسام (4) بنيت على قطن أجم كأنه * فضلا إذا قعدت مداك رخام (5) وتكاد تكسل أن تجئ فراشها * في جسم خرعبة وحسن قوام (6)
أما النهار فلا أفتر أذكرها * والليل توزعني بها أحلامي أقسمت أنساها وأترك ذكرها * حتى تغيب في الضريح عظامي بل من لعاذلة تلوم سفاهة * ولقد عصيت على الهوى لوامي بكرت إلي بسحرة بعد الكرى * وتقارب من حادث الايام
__________
(1) قال أبو ذر في غريب السيرة: المنائيا: يريد المنايا، وقد تكون الهمزة متقلبة عن الياء الزائدة في منية.
(2) رواية الديوان وابن هشام: تسقي بدل: تشفي.
(3) العاتق: الخمر القديمة، قال الخشني في غريب السيرة: وتروى عاتك: وهي الخمرة القديمة التي احمرت (4) نفج: مرتفعة وعالية.
والحقيبة: هنا ردف المرأة.
(5) القطن: ما بين الوركين إلى بعض الظهر.
(6) خرعبة: الحسنة القوام.
زعمت بأن المرء يكرب عمره * عدم لمعتكر من الاصرام (1) إن كنت كاذبة الذي حدثتني * فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الاحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ولجام (2) يذر العناجيج الجياد بقفرة * مر الذمول بمحصد ورجام (3) ملات به الفرجين فارمدت به * وثوى أحبته بشر مقام وبنو أبيه ورهطه في معرك * نصر الاله به ذوي الاسلام طحنتهم والله ينفذ أمره * حرب يشب سعيرها بضرام لولا الاله وجريها لتركنه * جزر السباع ودسنه بحوامي (4) من بين مأسور يشد وثاقة * صقر إذا لاقى الاسنة حامي (5) ومجدل لا يستجيب لدعوة * حتى تزول شوامخ الاعلام بالعار والذل المبين إذا رأى * بيض السيوف تسوق كل همام
بيدي أغر إذا انتمى لم يخزه * نسب القصار سميدع مقدام (6) بيض إذا لاقت حديدا صممت * كالبرق تحت ظلال كل غمام قال ابن هشام تركنا في آخرها ثلاث أبيات أقذع فيها (7).
قال ابن هشام فأجابه الحارث بن هشام أخو أبي جهل عمرو بن هشام فقال: القوم أعلم ما تركت قتالهم * حتى رموا فرسي بأشقر مزبد (8) وعرفت أني إن أقاتل واحدا * أقتل ولا ينكي عدوي مشهدي فصددت عنهم والاحبة فيهم * طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
__________
(1) الاصرام: جمع صرم وصرم جمع صرمة بالكسر وهي القطعة من الابل ما بين العشرين إلى الاربعين.
والمعتكر: الابل التي يرجع بعضها على بعض، فلا يمكن عدها لكثرتها.
(2) بعده في الديوان: جرداء تمزع في الغبار كأنها * سرحان غاب في ظلال غمام (3) في ابن هشام والديوان: الدموك بدل الذمول، الدموك: البكرة بآلتها، والمحصد: الحبل الشديد الفتل الرجام: حجر يربط في الدلو، ليكون أسرع لها عند إرسالها في البئر.
(4) حوامي: جمع جامية، وهي ما عن يمين سنبك الفرس وشماله.
(5) البيت في الديوان: من كل مأسور يشد صفاده * صقر إذا لاقى الكتيبة حامي (6) القصار: أراد بهم الذين قصر سعيهم عن طلب المكارم.
(7) في ديوان حسان خمسة أبيات بعد هذا البيت لا ثلاثة.
(8) في ابن هشام: الله أعلم مكان القوم أعلم.
وشطره الثاني في ابن هشام: حتى حبوا مهري...وفي السهيلي:: حتى علوا مهري
وقال حسان أيضا:
يا حار قد عولت غير معول * عند الهياج وساعة الاحساب إذ تمتطي سرح اليدين نجيبة * مرطى الجراء طويلة الاقراب (1) والقوم خلفك قد تركت قتالهم * ترجو النجاء وليس حين ذهاب ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى * قعص الاسنة ضائع الاسلاب (2) عجل المليك له فأهلك جمعه * بشنار مخزية وسوء عذاب وقال حسان أيضا: لقد علمت قريش يوم بدر * غداة الاسر والقتل الشديد بأنا حين تشتجر العوالي * حماة الحرب يوم أبي الوليد قتلنا ابني ربيعة يوم سارا * إلينا في مضاعفة الحديد وفر بها حكيم يوم جالت * بنو النجار تخطر كالاسود وولت عند ذاك جموع فهر * وأسلمها الحويرث من بعيد لقد لاقيتموا ذلا وقتلا * جهيزا نافذا تحت الوريد وكل القوم قد ولوا جميعا * ولم يلووا على الحسب التليد وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب ترثي عبيدة بن الحارث بن المطلب: لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا * وحلما أصيلا وافر اللب والعقل (3) عبيدة فابكيه لاضياف غربة * وأرملة تهوي لاشعث كالجذل وبكيه للاقوام في كل شتوة * إذا احمر آفاق السماء من المحل وبكيه للايتام والريح زفزف * وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلي فإن تصبح النيران قد مات ضوؤها * فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل لطارق ليل أو لملتمس القرى * ومستنبح أضحى لديه على رسل (4) وقال الاموي في مغازيه حدثني سعيد بن قطن قال قالت عاتكة بنت عبد المطلب في رؤياها التي رأت وتذكر بدرا:
__________
(1) سرح اليدين: يريد بها الفرس.
(2) القعص: القتل بسرعة.
(3) الصفراء: موضع بين مكة والمدينة.
(4) مستنبح: الرجل الذي يضل بالليل، فيتكلف نباح الكلب فيهتدي بصياحه.
ألما تكن رؤياي حقا ويأتكم * بتأويلها فل من القوم هارب (1) رأى فأتاكم باليقين الذي رأى * بعينيه ما تفري السيوف القواضب فقلتم ولم أكذب عليكم وإنما * يكذبني بالصدق من هو كاذب (2) وما جاء إلا رهبة الموت هاربا * حكيم وقد أعيت عليه المذاهب أقامت سيوف الهند دون رءوسكم * وخطية فيها الشبا والتغالب كأن حريق النار لمع ظباتها * إذا ما تعاطتها الليوث المشاغب ألا بأبي يوم اللقاء محمدا * إذا عض من عون الحروب الغوارب مرى بالسيوف المرهفات نفوسكم * كفاحا كما تمري السحاب الجنائب (3) فكم بردت أسيافه من مليكة * وزعزع ورد بعد ذلك صالب فما بال قتلى في القليب ومثلهم * لدى ابن أخي أسرى له ما يضارب فكانوا نساء أم أتى لنفوسهم * من الله حين ساق والحين حالب فكيف رأى عند اللقاء محمدا * بنو عمه والحرب فيها التجارب ألم يغشكم ضربا يحار لوقعه * الجبان وتبدو بالنهار الكواكب حلفت لئن عادوا لنصطلينهم * بخارا تردى تجر فيها المقانب (4) كأن ضياء الشمس لمع ظباتها * لها من شعاع النور قرن وحاجب وقالت عاتكة أيضا فيما نقله الاموي: هلا صبرتم للنبي محمد * ببدر ومن يغشى الوغى حق صابر
ولم ترجعوا عن مرهفات كأنها * حريق بأيدي المؤمنين بواتر ولم تصبروا للبيض حتى أخذتموا * قليلا بأيدي المؤمنين المشاعر ووليتموا نفرا وما البطل الذي * يقاتل من وقع السلاح بنافر أتاكم بما جاء النبيون قبله * وما ابن أخي البر الصدوق بشاعر سيكفي الذي ضيعتموا من نبيكم * وينصره الحيان: عمرو وعامر وقال طالب بن أبي طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرثي أصحاب القليب من قريش الذين قتلوا
__________
(1) البيت في دلائل البيهقي: ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم * بتصديقها فل من القوم هارب (2) البيت في دلائل البيهقي: فقلتم - ولم أكذب - كذبت وإنما * يكذبنا بالصدق من هو كاذب (3) الجنائب: الرياح التي تهب جنوبا، وهي تمري السحاب تستنزل مطره.
(4) في نسخ البداية المطبوعة تجربتها (تجريتها) والصواب: تجر فيها.
يومئذ من قومه وهو بعد على دين قومه إذ ذاك: ألا إن عيني أنفذت دمعها سكبا * تبكي على كعب وما إن ترى كعبا ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا * وأرداهموا إذ الدهر واجترحوا ذنبا وعامر تبكي للملمات غدوة * فيا ليت شعري هل أرى لهم قربا (1) فيا أخوينا عبد شمس ونوفل * فدا لكما لا تبعثوا بيننا حربا (2) ولا تصبحوا من بعد ود وإلفة * أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * وحرب أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا (3) فلولا دفاع الله لا شئ غيره * لاصبحتموا لا تمنعون لكم سربا فما إن جنينا في قريش عظيمة * سوى أن حمينا خير من وطئ التربا
أخا ثقة في النائبات مرزءا * كريما ثناه لا بخيلا ولا ذربا يطيف به العافون يغشون بابه * يؤمون نهرا لا نزورا ولا صربا فوالله لا تنفك نفسي حزينة * تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا فصل وقد ذكر ابن إسحاق أشعارا من جهة المشركين قوية الصنعة يرثون بها قتلاهم يوم بدر فمن ذلك قول ضرار بن الخطاب بن مرداس أخي بني محارب بن فهر وقد أسلم بعد ذلك، والسهيلي في روضه يتكلم على أشعار من أسلم منهم بعد ذلك: عجبت لفخر الاوس والحين دائر * عليهم غدا والدهر فيه بصائر (4) وفخر بني النجار إن كان معشر * أصيبوا ببدر كلهم ثم صائر (5) فان تك قتلى غودرت من رجالنا * فإنا رجال بعدهم سنغادر (6) وتردى بنا الجرد العناجيج وسطكم * بني الاوس حتى يشفي النفس ثائر (7)
__________
(1) في ابن هشام: لهما بدل لهم.
وفي ابن هشام بعده: هما أخواي لن يعدا لغية * تعد ولن يستام جارهما غصبا (2) في الاصل: ونوفل تحريف والصواب: ونوفلا من ابن هشام.
(3) في ابن هشام: وجيش أبي يكسوم.
(4) بصائر: جمع بصيرة، وهي الحجة والدليل قال تعالى: (بل الانسان على نفسه بصيرة) أي حجة.
(5) في ابن هشام: صابر.
(6) في الاصل: رجالا تحريف.
(7) العناجيج: جمع عنجوج، وهو الطويل السريع.
والثائر: الطالب بثأره.
ووسط بني النجار نكرها * لها بالقنا والدارعين زوافر (1) فنترك صرعى تعصب الطير حولهم * وليس لهم إلا الاماني ناصر
وتبكيهم من أرض يثرب نسوة * لهن بها ليل عن النوم ساهر وذلك أنا لا تزال سيوفنا * بهن دم ممن يحاربن ماثر فان تظفروا في يوم بدر فإنما * بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر (2) وبالنفر الاخيار هم أولياؤه * يحامون في اللاواء والموت حاضر يعد أبو بكر وحمزة فيهم * ويدعى علي وسط من أنت ذاكر (3) أولئك لا من نتجت من ديارها * بنو الاوس والنجار حين تفاخر ولكن أبوهم من لؤي بن غالب * إذا عدت الانساب كعب وعامر هم الطاعنون الخيل في كل معرك * غداة الهياج الاطيبون الاكابر فأجابه كعب بن مالك بقصيدته التي أسلفناها وهي قوله: عجبت لامر الله والله قادر * على ما أراد ليس لله قاهر قال ابن إسحاق: وقال أبو بكر واسمه شداد بن الاسود بن شعوب.
قلت: وقد ذكر البخاري أنه خلف على امرأة أبي بكر الصديق حين طلقها الصديق وذلك حرم الله المشركات على المسلمين واسمها أم بكر: تحيي بالسلامة أم بكر * وهل لي بعد قومي من سلام فماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تكلل بالسنام (4) وكم لك بالطوي طوي بدر * من الحومات والنعم المسام وكم لك بالطوى طوى بدر * من الغايات والدسع العظام
__________
(1) زوافر: جمع زافرة: وهي الحاملات للثقل.
(2) قصيدة ضرار بن الخطاب قسمان: القسم الاول منها إلى هنا يسلك فيه ضرار سبيل التهديد والوعيد بما ستحققه قريش من إدراك ثأرها - وهو لا ينظر إلى الامر من زاوية الحرب بين مسلمين ومشركين - بل هي حرب بين قريش والانصار فهي في نظره حرب قبلية لا حرب دفاع عن دين.
والقسم الثاني في قصيدته من هنا يتخذ وجهة أخرى، تتجه فيها معانيه إلى عصبية قرشية واضحة، وهي الفخر بالمهاجرين من قريش على اخوانهم من الانصار.
(3) بعده في ابن هشام: ويدعى أبو حفص وعثمان منهم * وسعد إذا ما كان في الحرب حاضر (4) الشيزى: جفان من خشب.
والسنام: لحم ظهر البعير وإنما أراد أصحابها الذين يطعمون فيها.
وأصحاب الكريم أبي علي * أخي الكأس الكريمة والندام وانك لو رأيت أبا عقيل * وأصحاب الثنية من نعام إذا لظللت من وجد عليهم * كأم السقب جائلة المرام يخبرنا الرسول لسوف نحيا * وكيف حياة أصداء وهام قلت وقد أورد البخاري بعضها في صحيحه ليعرف به حال قائلها.
قال ابن إسحاق وقال أمية بن أبي الصلت يرثي من قتل من قريش يوم بدر: ألا بكيت على الكرا * م بني الكرام أولي الممادح كبكاء الحمام على فرو * ع الايك في الغصن الجوانح (1) يبكين حرا مستكي * نات يرحن مع الروائح أمثالهن الباكيا * ت المعولات من النوائح من يبكيهم يبكي على * حزن ويصدق كل مادح ماذا ببدر والعقن * قل من مرازبة جحاجح (2) فمدافع البرقين فال * حنان من طرف الاواشح (3) شمط وشبان بها * ليل مغاوير وحاوح (4) ألا ترون لما أرى * ولقد أبان لكل لامح أن قد تغير بطن مك * ة فهي موحشة الاباطح
من كل بطريق لبط * ريق نقي الود واضح (5) دعموص أبواب الملو * ك وجائب للخرق فاتح (6) ومن السراطمة الخلا * جمة الملاوثة المناجح (7) القائلين الفاعل * ين الآمرين بكل صالح المطعمين الشحم فو * ق الخبز شحما كالانافح (8)
__________
(1) الجوانح: الموائل.
(2) العقنقل: الكثيب من الرمل المنعقد.
والمرازبة واحدها مرزبان: الرئيس الجحاجح: جمع جحجاح.
السيد.
(3) البرقين والحنان والاواشح: مواضع.
(4) وحاوح: جمع وحواح وهو القوي النفس (5) في ابن هشام: نقي اللون.
(6) دعموص: دويبة تغوص في الماء.
(7) السراطمة: جمع سرطم وهو الواسع الحلق.
والخلاجمة: جمع خلجم: وهو الضخم الطويل.
(8) الانافح: جمع إنفحة وهي شئ يخرج من بطن ذي الكرش داخله أصفر فيعصر في صوفه فيغلظ كالجبن.
نقل الجفان مع الجفا * ن إلى جفان كالمناضح (1) ليست بأصفار لمن * يعفو ولا رح رحارح (2) للضيف ثم الضيف بعد الضيف والبسط السلاطح (3) وهب المئين من المئ * ين إلى المئين من اللواقح سوق المؤبل للمؤبل صادرات عن بلادح لكرامهم فوق الكرا * م مزية وزن الرواجح كمثاقل الارطال بال * قسطاس بالايدي الموائح (4)
خذلتهموا فئة وهم * يحمون عورات الفضائح الضاربين التقدمية * بالمهندة الصفائح ولقد عناني صوتهم * من بين مستسق وصائح لله در بني ع * لي أيم منهم وناكح إن لم يغيروا غارة * شعواء تحجر كل نابح (5) بالمقربات المبعدا * ت الطامحات مع الطوامح مردا على جرد إلى * أسد مكالبة كوالح ويلاق قرن قرنه * مشي المصافح للمصافح بزهاء ألف ثم أل * ف بين ذي بدن ورامح قال ابن هشام: تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذا شعر المخذول المعكوس المنكوس الذي حمله كثرة جهله وقلة عقله على أن مدح المشركين ودم المؤمنين واستوحش بمكة من أبي جهل بن هشام وأضرابه من الكفرة اللئام والجهلة الطغام ولم يستوحش بها من عبد الله ورسوله وحبيبه وخليله فخر البشر ومن وجهه أنور من القمر ذي العلم الاكمل والعقل الاشمل ومن صاحبه الصديق المبادر إلى التصديق والسابق إلى الخيرات وفعل المكرمات وبذل الالوف والمئات في طاعة رب الارض والسموات، وكذلك بقية أصحابه الغر الكرام الذين هاجروا من دار الكفر والجهل إلى دار العلم والاسلام رضي الله عن جميعهم ما اختلط الضياء والظلام.
وما تعاقبت الليالي والايام.
وقد تركنا أشعارا كثيرة أوردها ابن إسحاق رحمه الله خوف الاطالة وخشية الملالة وفيما أوردنا كفاية ولله الحمد والمنة.
وقد قال الاموي في
__________
(1) الممناضح: الحياض.
(2) رحارح: أي واسعة من غير عمق.
(3) السلاطح: الطوال العراض.
(4) الموائح: التي تتمايل لثقل ما ترفعه.
(5) تحجر، وتروى تجحر: أي تلجئه إلى جحره.
مغازيه سمعت أبي حدثنا سليمان بن أرقم عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن شعر الجاهلية (1).
قال سليمان فذكر ذلك الزهري فقال: عفا عنه إلا قصيدتين، كلمة أمية التي ذكر فيها أهل بدر، وكلمة الاعشى التي يذكر فيها الاخوص.
وهذا حديث غريب وسليمان بن أرقم هذا متروك والله أعلم.
[ غزوة بني سليم في سنة ثنتين من الهجرة ] (2) قال ابن إسحاق: وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب شهر رمضان - أو في شوال (3) - ولما قدم المدينة لم يقم بها إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري - أو ابن أم مكتوم الاعمى - قال ابن إسحاق: فبلغ ماء من مياههم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية شوال وذا القعدة وأفدى في إقامته تلك جل الاسارى من قريش.
قال السهيلي: والقرقرة الارض الملساء، والكدر طير في ألوانها كدرة.
فصل [ في غزوة السويق ] (4) قال ابن إسحاق: وكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان ومن
__________
(1) لم يظهر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم موقف من الشعر إلا من أمرين: الاول نهيه عن رواية الشعر الذي يذكر الاعراض ويثير كوامن الاحقاد ويشيد بالعصبية والانساب.
والثاني: محاربته غلبة الشعر على قلب المرء حتى يشغله عن دينه وإقامة فروضه ويمنعه من ذكر الله وأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الشعر كلام مؤلف فما وافق الحق منه فهو حسن وما لم يوافق الحق منه فلا خير فيه.
وقد كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعراء - أيا كانوا - وفق هذا المنهج فقد أباح لهم قول الشعر واستمع إليهم وأشاد بشعرهم وأثاب عليه.
(2) سقط من نسخ البداية المطبوعة.
واستدرك من كتب المغازي والسير.
وتسمى بغزوة قرارة الكدر أو قرقرة الكدر.
وقرارة الكدر وهي بناحية معدن بني سليم قريب من الارحضية وراء سد معونة، وبين المعدن والمدينة ثمانية برد (طبقات ابن سعد 2 / 31).
(3) في الواقدي وابن سعد للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من مهاجره وغاب عن المدينة خمس عشرة ليلة.
وحمل لواؤه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفي كامل ابن الاثير: لعشر ليال مضين من شوال سنة ثنتين.
(4) في نسخ البداية المطبوعة: في غزوة بني سليم وهو تحريف، وما أثبتناه من كتب المغازي والسير.
وكانت كما في
لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان من أعلم الانصار - حين رجع إلى مكة، ورجع فل قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة (1) حتى يغزو محمدة، فخرج في مائتي راكب من قريش لتبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: نيب (2) من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا (3) من الانصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما وانصرفوا راجعين، فنذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة أبا لبابة بشير بن عبد المنذر، قال ابن إسحاق: فبلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، ووجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أزوادا كثيرة قد ألقاها المشركون يتخففون منها وعامتها سويق (4)، فسميت غزوة السويق.
قال المسلمون: يا رسول الله أنطمع أن تكون هذه لنا غزوة ؟ قال نعم.
قال ابن إسحاق: وقال أبو سفيان فيما كان من أمره هذا ويمدح سلام بن مشكم
اليهودي: وإني تخيرت المدينة واحدا * لحلف فلم أندم ولم أتلوم (5) سقاني فرواني كميتا مدامة * على عجل مني سلام بن مشكم ولما تولى الجيش قلت ولم أكن * لافرحه: أبشر بعز ومغنم تأمل فإن القوم سر وإنهم * صريح لؤى لاشماطيط جرهم وما كان إلا بعض ليلة راكب * أتى ساعيا من غير خلة معدم
__________
الواقدي وابن سعد وابن الاثير: يوم الاحد لخمس خلون من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجره.
(1) قال السهيلي: الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل كما بقي معهم الحج والنكاح.
(2) في الطبري: تيت، قال في معجم البلدان وهو جبل قرب اليمامة، وفي كتاب نصر: تيب جبل قرب المدينة (معجم البلدان - ج 2: مادة تيت).
(3) قال ابن الاثير في الكامل: واسمه معبد بن عمرو.
(4) السويق: قمح أو شعير يقلى ثم يطحن فيتزود به ملتوتا بماء أو سمن أو عسل (شرح المواهب اللدنية 1 / 553).
(5) في الواقدي بيتان فقط، هذا البيت والآخر: وذاك أبو عمرو يجود وداره * بيثرب مأوى كل أبيض خضرم
فصل في دخول علي بن أبي طالب رضي الله عنه على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في سنة ثنتين بعد وقعة بدر لما رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري عن علي بن
الحسين عن أبيه الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا مما أفاء الله من الخمس يومئذ فلما أردت ابتني فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي باذخر فأردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي من الاقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الانصار حتى جمعت ما جمعت، فإذا أنا بشار في قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأت المنظر فقلت من فعل هذا ؟ قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت وهو في شرب من الانصار وعنده قينته وأصحابه، فقالت في غنائها: ألا يا حمز للشرف النواء فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما، قال علي فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت فقال مالك ؟ فقلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في البيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتداه ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيدا لابي فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه.
هذا لفظ البخاري في كتاب المغازي وقد رواه في أماكن أخر من صحيحه بألفاظ كثيرة وفي هذا دليل على ما قدمناه من أن غنائم بدر قد خمست لا كما زعمه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الاموال من أن الخمس إنما نزل بعد قسمتها وقد خالفه في ذلك جماعة منهم البخاري وابن جرير وبينا غلطه في ذلك في التفسير وفيما تقدم والله أعلم.
وكان هذا الصنع من حمزة وأصحابه رضي الله عنهم قبل أن تحرم الخمر بل قد قتل حمزة يوم أحد كما سيأتي وذلك قبل تحريم الخمر والله أعلم.
وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن عبادة السكران مسلوبة
لا تأثير لها لا في طلاق ولا إقرار ولا غير ذلك كما ذهب إليه من ذهب من العلماء كما هو مقرر في كتاب الاحكام.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجل سمع
عليا يقول: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فقلت ما لي من شئ ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها إليه فقال: " هل لك من شئ ؟ " قلت لا قال: " فأين درعك الخطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا ؟ " قال هي عندي قال: فأعطنيها قال فأعطيتها إياه.
هكذا رواه أحمد في مسنده وفيه رجل مبهم وقد قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثنا عبدة ثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطها شيئا قال: ما عندي شئ.
قال أين درعك الحطمية (1) ؟ ورواه النسائي عن هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب السختياني به.
وقال أبو داود حدثنا كثير بن عبيد الحمصي ثنا أبو حيوة عن شعيب بن أبي حمزة حدثني غيلان بن أنس من أهل حمص حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شئ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطها درعك " فأعطاها درعه ثم دخل بها.
وقال البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لا، قالت فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك، فقلت وعندي شئ أتزوج به ؟ فقالت أنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك، قال: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أن قعدت بين يديه أفحمت فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما جاء بك ألك حاجة ؟ " فسكت فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة، فقلت نعم ! فقال: " وهل عندك من شئ تستحلها به " فقلت: لا والله يا
رسول الله ! فقال: " ما فعلت درع سلحتكها " فوالذي نفس علي بيده أنها لخطمية ما قيمتها أربعة دراهم فقلت عندي.
فقال قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها، فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا - مات صغيرا - وأم كلثوم وزينب ثم روى البيهقي: من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن علي قال:
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا.
وأخرج ابن سعد في طبقاته 8 / 20: عن عكرمة: أن عليا خطب فاطمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما تصدقها قال ما عندي ما أصدقها.
قال: فأين درعك الحطمية التي كنت منحتك ؟ قال: عندي.
قال: أصدقها إياها.
قال: فأصدقها وتزوجها.
قال عكرمة: كان ثمنها أربعة دراهم، وعنه قال: أمهر علي فاطمة بدنا قيمته أربعة دراهم وعن ابن دينار عن عكرمة قال: تزوجت فاطمة على بدن من حديد.
وعن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال.
أن النبي قال له: أين درعك الحطمية.
جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وقربة ووسادة أدم حشوها إذخر (1).
ونقل البيهقي عن كتاب المعرفة لابي عبد الله بن منده أن عليا تزوج فاطمة بعد سنة من الهجرة وابتنى بها بعد ذلك لسنة أخرى (2).
قلت: فعلى هذا يكون دخوله بها في أوائل السنة الثالثة من الهجرة فظاهر سياق حديث الشارفين يقتضي أن ذلك عقب وقعة بدر بيسير فيكون ذلك كما ذكرناه في أوخر (أواخر) السنة الثانية والله أعلم.
فصل جمل من الحوادث سنة ثنتين من الهجرة تقدم ما ذكرناه من تزويجه عليه السلام بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وذكرنا ما سلف من الغزوات المشهورة وقد تضمن ذلك وفيات أعيان من المشاهير من المؤمنين والمشركين، فكان
ممن توفي فيها الشهداء يوم بدر وهم أربعة عشر ما بين مهاجري وأنصار تقدم تسميتهم، والرؤساء من مشركي قريش وقد كانوا سبعين رجلا على المشهور، وتوفي بعد الوقعة بيسير أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب لعنه الله كما تقدم، ولما جاءت البشارة إلى المؤمنين من أهل المدينة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بما أحل الله بالمشركين وبما فتح على المؤمنين وجدوا رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفيت وساووا عليها التراب.
وكان زوجها عثمان بن عفان قد أقام عندها يمرضها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك.
ولهذا ضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة، ثم زوجه بأختها الاخرى أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا كان يقال لعثمان بن عفان ذو النورين ويقال إنه لم يغلق أحد على ابنتي نبي واحدة بعد الاخرى غيره رضي الله عنه وأرضاه.
وفيها حولت القبلة كما تقدم وزيد في صلاة الحضر على ما سلف، وفيها فرض الصيام صيام رمضان كما تقدم، وفيها فرضت الزكاة ذات النصب، وفرضت زكاة الفطر وفيها خضع المشركون من أهل المدينة واليهود الذين هم بها من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ويهود بني حارثة وصانعوا المسلمين وأظهر الاسلام طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم في الباطن منافقون منهم من هو على ما كان عليه ومنهم من انحل بالكلية فبقي مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما وصفهم الله في كتابه.
__________
(1) الخبر في مسند أحمد 1 / 14 ودلائل البيهقي 3 / 161، وفي تجهيزها قال ابن سعد: كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وتور من أدم وقربة وجاءوا ببطحاء فطرحوها في البيت.
(8 / 23).
(2) الخبر في تزويج فاطمة من علي رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 160 - 161 وأخرج الجزء الاخير منه أحمد في مسنده 1 / 14 وإسناده صحيح.
قال ابن جرير وفيها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل وكانت معلقة بسيفه.
قال ابن جرير: وقيل إن الحسن بن علي ولد فيها، قال وأما الواقدي فإنه زعم أن ابن أبي سبرة حدثه عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر أن علي بن أبي طالب بنى بفاطمة في ذي الحجة منها.
قال فإن
ويقال إنه لم يغلق أحد على ابنتي نبي واحدة بعد الاخرى غيره رضي الله عنه وأرضاه.
وفيها حولت القبلة كما تقدم وزيد في صلاة الحضر على ما سلف، وفيها فرض الصيام صيام رمضان كما تقدم، وفيها فرضت الزكاة ذات النصب، وفرضت زكاة الفطر وفيها خضع المشركون من أهل المدينة واليهود الذين هم بها من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ويهود بني حارثة وصانعوا المسلمين وأظهر الاسلام طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم في الباطن منافقون منهم من هو على ما كان عليه ومنهم من انحل بالكلية فبقي مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما وصفهم الله في كتابه.
__________
(1) الخبر في مسند أحمد 1 / 14 ودلائل البيهقي 3 / 161، وفي تجهيزها قال ابن سعد: كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وتور من أدم وقربة وجاءوا ببطحاء فطرحوها في البيت.
(8 / 23).
(2) الخبر في تزويج فاطمة من علي رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 160 - 161 وأخرج الجزء الاخير منه أحمد في مسنده 1 / 14 وإسناده صحيح.
قال ابن جرير وفيها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل وكانت معلقة بسيفه.
قال ابن جرير: وقيل إن الحسن بن علي ولد فيها، قال وأما الواقدي فإنه زعم أن ابن أبي سبرة حدثه عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر أن علي بن أبي طالب بنى بفاطمة في ذي الحجة منها.
قال فإن كانت هذه الرواية صحيحه فالقول الاول باطل (1).
تم الجزء الثالث من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الرابع وأوله سنة ثلاث من الهجرة
__________
(1) الخبر في تاريخ الطبري 2 / 300 وفيه قال: ومات في هذه السنة في ذي الحجة عثمان بن مظعون فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع.
وقال: وفيها صلى يوم العاشر من ذي الحجة وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم فذلك أول صلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس بالمدينة بالمصلى في عيد وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين.
البداية والنهاية - ابن كثير ج 4
البداية والنهاية
ابن كثير ج 4
البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه.
حققه ودقق اصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء الرابع دار إحياء التراث العربي
...
سنة ثلاث من الهجرة في أولها كانت: غزوة نجد ويقال لها غزوة ذي أمر (1): قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ثم غزا نجدا، يريد غطفان وهي غزوة ذي أمر.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عثمان بن عفان.
قال ابن إسحاق: فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ثم رجع ولم يلق كيدا (2).
وقال الواقدي: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب تجمعوا بذي أمر يريدون حربه، فخرج إليهم من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع الاول سنة ثلاث واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فغاب أحد عشر يوما (3) وكان معه أربعمائة وخمسون رجلا، وهربت منه الاعراب في رؤوس الجبال حتى بلغ ماء يقال له ذو أمر فعسكر به وأصابهم مطر كثير فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل تحت شجرة هناك ونشر ثيابه لتجف وذلك بمرأى من
المشركين، واشتغل المشركون في شؤونهم، فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له غورث بن الحارث أو دعثور بن الحارث فقالوا: قد أمكنك الله من قتل محمد، فذهب ذلك الرجل ومعه سيف صقيل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد من يمنعك مني اليوم ؟ قال: الله.
ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يمنعك مني ؟ قال لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا.
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه فلما رجع إلى أصحابه فقالوا: ويلك، مالك ؟ فقال: نظرت إلى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمدا رسول الله والله
__________
(1) ذو أمر: واد بطريق فيد إلى المدينة على نحو ثلاث مراحل من المدينة بقرية النخيل (وفاء الوفاء ج 2 / 249) وتسمى في بعض كتب السير: غزوة غطفان انظر فيها: سيرة ابن هشام 3 / 49 مغازي الواقدي 1 / 195 ابن سعد 2 / 34 تاريخ الطبري 3 / 2 النويري 17 / 77 السيرة الحلبية 2 / 279 عيون الاثر 1 / 362.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 49.
(3) في الكامل لابن الاثير: اثنتي عشرة ليلة، وكانت الغزوة في المحرم سنة ثلاث.
لا أكثر عليه جمعا، وجعل يدعو قومه إلى الاسلام.
قال: ونزل في ذلك قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) الآية [ المائدة: 11 ] (1).
قال البيهقي: وسيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه فلعلهما قصتان، قلت: إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا لان ذلك الرجل اسمه غورث بن الحارث أيضا لم يسلم بل استمر على دينه ولم يكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقاتله.
والله أعلم (2).
غزوة الفرع (3) من بحران قال ابن إسحاق: فأقام بالمدينة ربيعا الاول كله أو إلا قليلا منه ثم غدا يريد قريشا، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ بحران وهو معدن بالحجاز من ناحية الفرع.
وقال الواقدي: إنما كانت غيبته عليه السلام عن المدينة عشرة أيام.
فالله أعلم.
خبر يهود بني قينقاع في المدينة (4) وقد زعم الواقدي انها كانت في يوم السبت النصف من شوال سنة ثنتين من الهجرة فالله أعلم وهم المرادون بقوله تعالى (كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) [ الحشر: 11 ] قال ابن إسحاق: وقد كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع.
قال وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في سوقهم ثم قال: يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم اني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.
فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك لا يغرنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
قال ابن إسحاق: فحدثني مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعن (5) عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد * قد كان لكم آية في فئتين التقتا) [ آل عمران: 12 - 13 ] يعني أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش (فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد
__________
(1) الخبر في الواقدي ج 1 / 195 وطبقات ابن سعد بنحوه ج 2 / 34.
(2) دلائل النبوة للبيهقي 3 / 169.
(3) الفرع: قرية من ناحية المدينة، بينها وبين المدينة ثمانية برد.
وبحران: موضع بين الفرع والمدينة.
وانظر في هذه الغزوة سيرة ابن هشام 3 / 50 مغازي الواقدي 1 / 196 ابن سعد 2 / 35 تاريخ الطبري 3 / 2 عيون الاثر 1 / 362 النويري 17 / 79 الكامل في التاريخ 2 / 142.
(4) انظر في غزوة بني قينقاع: سيرة ابن هشام ج 3، وابن سعد ج 2 تاريخ الطبري ج 3 مغازي الواقدي 1 / 176 عيون الاثر 2 / 352 السيرة الشامية ج 4 السيرة الحلبية ج 2.
(5) في ابن هشام: أو عن.
بنصره من يشاء أن في ذلك لعبرة لاولي الابصار) [ آل عمران: 13 ] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد وحاربوا فيما بين بدر وأحد.
قال ابن هشام فذكر عبد الله بن جعفر [ بن عبد الرحمن ] بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ هناك منهم فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديا فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أحسن في موالي، فأعرض عنه قال: فأدخل يده في جيب درع النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام: وكان يقال لها ذات الفضول.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلني، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال ويحك أرسلني قال: لا والله لا أرسك حتى تحسن في موالي: أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الاحمر والاسود تحصدهم في غداة واحدة اني والله امرؤ أخشى الدوائر.
قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك.
قال ابن هشام واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاصرته إياهم أبا لبابة بشير بن عبد المنذر وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبي عن عبادة بن الوليد بن (1) عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من بني عوف له من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، قال: وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات من المائدة (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) الآيات حتى قوله
(فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) يعني عبد الله بن أبي إلى قوله (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) يعني عبادة بن الصامت.
وقد تكلمنا على ذلك في التفسير.
سرية زيد بن حارثة [ إلى ذي القردة ] (2) إلى عير قريش صحبة أبي سفيان أيضا وقيل صحبة صفوان * قال يونس بن (3) بكير عن ابن
__________
(1) من ابن هشام، وفي الاصل عن تحريف.
(2) من كتب المغازي.
(3) من ابن هشام والبيهقي وفي الاصل عن تحريف.
إسحاق: وكانت بعد وقعة بدر بستة أشهر.
قال ابن إسحاق: وكان من حديثها أن قريشا خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان ومعه فضة كثيرة، وهي عظم تجارتهم، واستأجروا رجلا من بكر بن وائل يقال له: فرات بن حيان يعني العجلي حليف بني سهم ليدلهم على تلك الطريق.
قال ابن إسحاق فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ماء يقال له القردة (1) فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في ذلك حسان بن ثابت: دعوا فلجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الاوارك (2) بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا: لها ليس الطريق هنالك قال ابن هشام: وهذه القصيدة في أبيات لحسان، وقد أجابه فيها أبو سفيان بن الحارث.
وقال الواقدي كان خروج زيد بن حارثة في هذه السرية مستهل جمادى الاولى (3) على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة وكان رئيس هذه العير صفوان بن أمية وكان سبب بعثه زيد بن حارثة أن نعيم بن مسعود قدم المدينة ومعه خبر هذه العير وهو على دين قومه واجتمع بكنانة بن أبي الحقيق في
بني النضير ومعهم سليط بن النعمان من أسلم فشربوا وكان ذلك قبل أن تحرم الخمر فتحدث بقضية العير نعيم بن مسعود وخروج صفوان بن أمية فيها وما معه من الاموال فخرج سليط من ساعته فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث من وقته زيد بن حارثة فلقوهم فأخذوا الاموال وأعجزهم الرجال وإنما أسروا رجلا أو رجلين وقدموا بالعير فخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ خمسها عشرين ألفا وقسم أربعة أخماسها على السرية وكان فيمن أسر الدليل فرات بن حيان فأسلم رضي الله عنه.
قال ابن جرير: وزعم الواقدي أن في ربيع من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلت عليه في جمادى الآخرة منها.
مقتل كعب بن الاشرف وكان من بني طئ ثم أحد بني نبهان ولكن أمه من بني النضير.
هكذا ذكره ابن إسحاق قبل جلاء بني النضير وذكره البخاري والبيهقي بعد قصة بني النضير والصحيح ما ذكره ابن إسحاق لما سيأتي: فإن بني النضير إنما كان أمرها بعد وقعة أحد وفي محاصرتهم حرمت الخمر كما سنبينه بطريقه إن شاء الله.
قال البخاري في صحيحه [ باب ] (4) قتل كعب بن الاشرف: حدثنا علي بن
__________
(1) القردة: من أرض نجد بين الربذة والغمرة ناحية ذات عرق.
(2) فلجات: جمع فلجة وهي العين الجارية.
المخاض: الابل الحوامل.
(3) في مغازي الواقدي: جمادى الآخرة، وفي ابن سعد: على رأس سبعة وعشرين شهرا.
(4) من البخاري - 64 كتاب المغازي 15 باب قتل كعب بن الاشرف ح 4037 فتح الباري 7 / 336.
عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو [ بن دينار ] سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الاشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله (1) ؟ قال: نعم.
قال فأذن لي أن أقول شيئا قال: قل.
فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنانا واني قد أتيتك استسلفك.
قال: وأيضا والله لتملنه.
قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شئ يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا
قال: نعم ارهنوني.
قلت أي شئ تريد قال: ارهنوني نساءكم فقالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال فارهنوني أبناءكم.
قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكن نرهنك اللامة.
قال سفيان يعني السلاح.
فواعده أن يأتيه ليلا فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة ؟ وقال غير عمرو قالت أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم.
قال انما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة.
أن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لاجاب قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين فقال إذا ما جاء فإني مائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال مرة ثم أشمكم فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال: ما رأيت كاليوم ريحا أي أطيب وقال غير عمرو قال عندي أعطر نساء العرب وأجمل العرب قال عمرو فقال أتاذن لي أن أشم رأسك ؟ قال نعم.
فشمه ثم أشم أصحابه ثم قال أتأذن لي ؟ قال نعم.
فلما استمكن منه قال دونكم فقتلوه ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه (2).
وقال محمد بن إسحاق: كان من حديث كعب بن الاشرف وكان رجلا من طئ ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير أنه لما بلغه الخبر عن مقتل أهل بدر حين قدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قال والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير من ظهرها.
فلما تيقن عدو الله الخبر، خرج إلى مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت [ أسيد بن ] (3) أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف فأنزلته وأكرمته، وجعل يحرض على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الاشعار، ويندب من قتل من المشركين يوم بدر فذكر ابن إسحاق قصيدته التي أولها: طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر تستهل وتدمع وذكر جوابها من حسان بن ثابت رضي الله عنه ومن غيره.
ثم عاد إلى المدينة فجعل يشبب
__________
(1) في دلائل البيهقي: يا رسول الله أعجب إليك أن أقتله ؟ (2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد 42 باب قتل كعب بن الاشرف ح
119.
وأبو داود في الجهاد باب يؤتى العدو على غرة ح 2768.
(3) من الواقدي والبيهقي.
بنساء المسلمين (1) ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقال موسى بن عقبة: وكان كعب بن الاشرف أحد بني النضير أو فيهم قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فاستغواهم، وقال له أبو سفيان وهو بمكة: أناشدك أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه، وأينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق ؟ إنا نطعم الجزور الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال.
فقال له كعب بن الاشرف: أنتم أهدى منهم سبيلا.
قال فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) [ النساء: 51 - 52 ] وما بعدها (2).
قال موسى ومحمد بن إسحاق: وقدم المدينة يعلن بالعداوة ويحرض الناس على الحرب ولم يخرج من مكة حتى أجمع أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يشبب بأم الفضل بن الحارث وبغيرها من نساء المسلمين.
قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة - من لابن الاشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الاشهل: أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله، قال: فافعل إن قدرت على ذلك، قال: فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: لم تركت الطعام والشراب ؟ فقال يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفي لك به أم لا.
قال: إنما عليك الجهد.
قال: يا رسول الله، إنه لا بد لنا أن نقول، قال: فقولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك.
قال: فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الاشهل.
وكان أخا كعب بن الاشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الاشهل، والحارث بن أوس بن معاذ أحد بني عبد الاشهل أبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، قال فقدموا بين أيديهم إلى عدو الله كعب سلكان بن سلامة أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة
فتناشدا شعرا - وكان أبو نائلة يقول الشعر - ثم قال: ويحك يا بن الاشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني، قال أفعل.
قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبيل حتى ضاع العيال، وجهدت الانفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا.
فقال كعب: أنا ابن الاشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا بن سلامة أن الامر يصير إلى ما أقول، فقال له سلكان: اني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك، قال ترهنوني أبناءكم ؟ قال لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء، وأراد
__________
(1) يروى انه شبب بأم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب فقال في أبيات منها: أراحل أنت لم ترحل لمنقبة * وتارك أنت أم الفضل بالحرم (2) نقله البيهقي في الدلائل عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى ج 3 / 190 - 191، والخبر في الدرر لابن عبد البر (143) وعيون الاثر (1 / 356).
سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤوا بها.
فقال: إن في الحلقة لوفاء.
قال: فرجع سلكان إلى.
أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال: " انطلقوا على اسم الله - اللهم أعنهم " ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة، فانطلقوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: أنت امرؤ محارب وأن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، قال: إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني.
فقالت: والله إني لاعرف في صوته الشر.
قال: يقول لها كعب لو دعي الفتى لطعنة أجاب، فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قالوا: هل لك يا بن الاشرف أن تتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟ قال إن شئتم.
فخرجوا فمشوا ساعة.
ثم إن أبا نائلة
شام بده (يده) في فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودي رأسه ثم قال: اضربوا عدوا الله ! فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا.
قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا (1) في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس (2) بجرح في رجله أو في رأسه أصابه بعض سيوفنا، قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرح صاحبنا ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي إلا وهو خائف على نفسه.
قال ابن جرير: وزعم الواقدي أنهم جاؤوا برأس كعب بن الاشرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وفي ذلك يقول كعب بن مالك: فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور بأمر محمد إذ دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير فما كره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور قال ابن هشام: وهذه الابيات في قصيدة له في يوم بني النضير ستأتي.
قلت: كان قتل
__________
(1) مغولا: حديدة دقيقة لها حد ماض (شرح على المواهب اللدنية 2 / 15).
(2) في رواية موسى بن عقبة: أن الذي أصيب هو عباد بن بشر، وهو أيضا في رواية جابر بن عبد الله (انظر دلائل البيهقي.
ودرر ابن عبد البر).
كعب بن الاشرف على يدي الاوس بعد وقعة بدر، ثم إن الخزرج قتلوا أبا رافع بن أبي الحقيق بعد
وقعة أحد كما سيأتي بيانه إن شاء الله وبه الثقة.
وقد أورد ابن إسحاق شعر حسان بن ثابت: لله در عصابة لاقيتهم * يا بن الحقيق وأنت يا ابن الاشرف يسرون بالبيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذفف (1) مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف قال محمد بن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه " فوثب عند ذلك محيصة بن مسعود الاوسي على ابن سنينة - رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم - فقتله، وكان أخوه حويصة بن مسعود أسن منه ولم يسلم بعد، فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله أقتلته ؟ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله.
قال محيصة: فقلت والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك، قال فوالله إن كان لاول إسلام حويصة وقال والله لو أمرك محمد بقتلي لتقتلني ؟ قال: نعم، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها.
قال: فوالله إن دينا بلغ بك هذا لعجب، فأسلم حويصة.
قال ابن إسحاق: حدثني بهذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها.
وقال في ذلك محيصة: يلوم ابن أم لو أمرت بقتله * لطبقت ذفراه بأبيض قارب (2) حسام كلون الملح أخلص صقله * متى ما أصوبه فليس بكاذب وما سرني أني قتلتك طائعا * وأن لنا ما بين بصرى ومأرب وحكى ابن هشام عن أبي عبيدة عن أبي عمرو المدني: أن هذه القصة كانت بعد مقتل بني قريظة فإن المقتول كان كعب بن يهوذا فلما قتله محيصة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة قال له أخوه حويصة ما قال فرد عليه محيصة بما نقدم فأسلم حويصة يومئذ.
فالله أعلم.
تنبيه: ذكر البيهقي والبخاري قبله خبر بني النضير قبل وقعة أحد والصواب إيرادها بعد ذلك كما ذكر ذلك محمد بن إسحاق وغيره من أئمة المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير وثبت في الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيدا فدل على أن الخمر
كانت إذ ذاك حلالا وإنما حرمت بعد ذلك فتبين ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد.
والله أعلم.
تنبيه آخر: خبر يهود بني قينقاع بعد وقعة بدر كما تقدم وكذلك قتل كعب بن الاشرف
__________
(1) ذفف: أي سريعة القتل.
(2) في ابن هشام: ابن أمي بدلا من ابن أم.
وفيه أبيض قاضب بدلا من قارب، وقاضب: قاطع.
اليهودي على يدي الاوس وخبر بني النضير بعد وقعة أحد كما سيأتي وكذلك مقتل أبي رافع اليهودي تاجر أهل الحجاز على يدي الخزرج وخبر يهود بني قريظة بعد يوم الاحزاب وقصة الخندق كما سيأتي.
غزوة أحد في شوال سنة ثلاث فائدة: ذكرها المؤلف في تسمية أحد قال: سمي أحد أحدا لتوحده من بين تلك الجبال وفي الصحيح " أحد جبل يحبنا ونحبه " قيل معناه أهله وقيل لانه كان يبشره بقرب أهله إذا رجع من سفره كما يفعل المحب وقيل على ظاهره كقوله (وان منها لما يهبط من خشية الله) وفي الحديث عن أبي عبس بن جبر " أحد يحبنا ونحبه وهو على باب الجنة، وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبو اب النار " قال السهيلي مقويا لهذا الحديث وقد ثبت أنه عليه السلام قال " المرء مع من أحب " وهذا من غريب صنع السهيلي فإن هذا الحديث إنما يراد به الناس ولا يسمى الجبل امرءا.
وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثلاث قاله الزهري وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق ومالك.
قال ابن إسحاق: للنصف من شوال وقال قتادة يوم السبت الحادي عشر منه، قال مالك: وكانت الوقعة في أول النهار (1).
وهي على المشهور التي أنزل الله فيها قوله تعالى (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم * إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون * ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى أن تصبروا وتتقوا
ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) [ آل عمران: (121 - 124 ] الآيات وما بعدها إلى قوله (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب) [ آل عمران: 179 ] وقد تكلمنا على تفاصيل ذلك كله في كتاب التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
ولنذكر ههنا ملخص الوقعة مما ساقه محمد بن إسحاق وغيره من علماء هذا الشأن رح: وكان من حديث أحد كما حدثني محمد بن مسلم الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمرو بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث ببعض هذا الحديث عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت.
قالوا أو من قال منهم: لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية، في رجال من قريش، ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان، ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة.
__________
(1) قال الواقدي وابن سعد: كانت يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره وقال مالك على أحد وثلاثين.
فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرا، ففعلوا.
قال ابن إسحاق: ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) [ الانفال: 36 ] قالوا: فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها (1) ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي، قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان فقيرا ذا عيال وحاجة، وكان في الاسارى، فقال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة، إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك واخرج معنا فقال: إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه.
قال: بلى،
فأعنا بنفسك فلك الله إن رجعت أن أغنيك وإن قتلت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر.
فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول: أيا بني عبد مناة الرزام * أنتم حماة وأبو كم حام (2) لا يعدوني نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحل اسلام قال: وخرج نافع (3) بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويقول: يا مال مال الحسب المقدم * أنشد ذا القربى وذا التذمم من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحرم عند حطيم الكعبة المعظم قال: ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له: وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلما يخطئ بها فقال له: أخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق.
قال: فخرجت قريش بحدها وحديدها وجدها وأحابيشها ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم بالظعن (4) التماس الحفيظة وأن لا يفروا، وخرج أبو سفيان صخر بن حرب، وهو قائد الناس، ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة، وخرج عكرمة بن أبي جهل بزوجته ابنة عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج عمه الحارث بن هشام بزوجته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي أم ابنه عبد الله بن
__________
(1) أحابيشها: من اجتمع إلى العرب وانضم إليهم من غيرهم.
(2) الرزام: جمع رازم، وهو الذي يثبت ولا يبرح مكانه، يريد أنهم يثبتون في الحرب ولا ينهزمون (قاله أبو ذر).
(3) في ابن هشام: مسافع.
(4) الظعن: جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج، قال الطبري: وكن خمس عشرة امرأة.
عمرو وذكر غيرهم ممن خرج بامرأته.
قال: وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول ويها أبا دسمة اشف واشتف.
يعني تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب.
قال: فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال لهم قد رأيت والله خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب (1) سيفي ثلما ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة.
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم جميعا عن أبي كريب عن أبي أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى الاشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب.
ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضا بقرا (2) والله خير (3) فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر " (4) وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا الاصم، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: تنفل (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر.
قال ابن عباس: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يم أحد كان رأيه أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: نخرج يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبهم من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا: يا رسول الله أقم فالرأي رأيك.
فقال لهم ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد ما لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه.
قال: وكان قال لهم يومئذ قبل أن يلبس الاداة: إني رأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، وأني مردف كبشا وأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم، ورأيت بقرا يذبح فبقر والله خير " (6) رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه به.
وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد
__________
(1) في رواية البيهقي: ذؤابة سيفي.
(2) جاء في غير مسلم زيادة: ورأيت بقرا تنحر، وبها يتم تأويل الرؤيا - حيث أن نحر البقر أول بقتل الصحابة الذين قتلوا يوم أحد.
(3) والله خير: قال القاضي عياض: قد ظبطنا هذا الحرف عن جميع الرواة: والله خير، على المبتدأ والخبر.
(4) أخرجه مسلم في 42 كتاب الرؤيا 42 باب ح 20.
والبخاري في أكثر من موضع في كتاب المغازي فتح الباري 7 / 374، وفي كتاب المناقب باب علامات النبوة في الاسلام وفي كتاب التعبير باب إذا رأى بقرا تنحر.
كما أخرجه ابن ماجه في كتاب تعبير الرؤيا.
باب تعبير الرؤيا.
(5) من البيهقي، وفي الاصل تعقل تحريف.
(6) أخرجه البيهقي في الدلائل 3 / 204، ورواه أحمد في مسنده 1 / 271 عن ابن عباس.
عن أنس مرفوعا قال: رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا وكأن ضبة سيفي انكسرت فأولت.
أني أقتل كبش القوم، وأولت كسر ضبة سيفي، قتل رجل من عترتي.
فقتل حمزة وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة وكان صاحب اللواء (1).
وقال موسى بن عقبة رح ورجعت قريش فاستجلبوا من أطاعهم من مشركي العرب وسار أبو سفيان بن حرب في جمع قريش وذلك في شوال من السنة المقبلة من وقعة بدر، حتى [ طلعوا من بئر الحماوين ثم ] (2) نزلوا ببطن الوادي الذي قبلي أحد وكان رجال من المسلمين لم يشهدوا بدرا قد ندموا على ما فاتهم من السابقة وتمنوا لقاء العدو ليبلوا ما أبلى إخوانهم يوم بدر، فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدرا بقدوم العدو عليهم وقالوا: قد ساق الله علينا أمنيتنا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ليلة الجمعة رؤيا فأصبح فجاءه نفر من أصحابه فقال لهم " رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح والله خير ورأيت سيفي ذا الفقار انقصم من عند ضبته.
أو قال: به فلول فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني في درع حصينة وأني مردف كبشا ".
فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم برؤياه، قالوا: يا رسول الله، ماذا أولت رؤياك ؟ قال: أولت البقر الذي رأيت بقرا فينا وفي القوم وكرهت ما رأيت بسيفي.
ويقول
رجال: كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه فإن العدو أصاب وجهه يومئذ وقصموا رباعته وخرقوا شفته يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص، وكان البقر من قتل من المسلمين يومئذ.
وقال: أولت الكبش أنه كبش كتيبة العدو ويقتله الله وأولت الدرع الحصينة المدينة فامكثو واجعلوا الذراري في الاطام فان دخل علينا القوم في الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت وكانو قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى صارت كالحصن.
فقال الذين لم يشهدوا بدرا: كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله فقد ساقه الله إلينا وقرب المسير.
وقال رجل من الانصار: متى نقاتلهم يا رسول الله إذا لم نقاتلهم عند شعبنا ؟ وقال رجال: ماذا نمنع إذا لم تمنع الحرب بروع (3) ؟ وقال رجال قولا صدقوا به ومضوا عليه منهم: حمزة بن عبد المطلب قال: والذي أنزل عليك الكتاب لنجادلنهم (4).
وقال نعيم (5) بن مالك بن ثعلبة وهو أحد بني سالم: يا نبي الله لا تحرمنا الجنة،
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 3 / 205، وفيه: وقتل طلحة بن أبي طلحة وكان صاحب اللواء.
وفي سيرة ابن هشام: وقتل من المشركين يوم أحد: من قريش ثم من بني عبدالدار بن قصي من أصحاب اللواء: طلحة بن أبي طلحة..قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والحديث نقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 274 وعزاه للامام أحمد، والطبراني والحاكم والبيهقي وذكره الهيثمي في زوائده 6 / 107 وقال رواه الطبراني واللفظ له، والبزار وأحمد وفيه علي بن زيد وهو سئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) زيادة من رواية موسى بن عقبة في دلائل البيهقي.
(3) في رواية موسى في دلائل البيهقي: إذا لم نمنع الحرث يزرع.
(4) في البيهقي: لنجالدنهم.
وهو مناسب أكثر.
(5) في البيهقي: يعمر، وفي الواقدي: النعمان.
فوالذي نفسي بيده لادخلنها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ؟ قال: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت.
واستشهد يومئذ.
وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو ولم يتناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيه ولو رضوا بالذي أمرهم كان ذلك ولكن
غلب القضاء والقدر، وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرا، قد علموا الذي سبق لاصحاب بدر من الفضيلة، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة وعظ الناس وذكرهم وأمرهم بالجد والجهاد ثم انصرف من خطبته وصلاته فدعا بلامته فلبسها ثم أذن في الناس بالخروج.
فلما رأى ذلك رجال من ذوي الرأي قالوا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمكث بالمدينة، وهو أعلم بالله وما يريد ويأتيه الوحي من السماء فقالوا: يا رسول الله أمكث كما أمرتنا فقال: ما ينبغي لنبي إذا أخذ لامة الحرب وأذن بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل وقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا.
قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فسلكوا على البدائع وهم ألف رجل والمشركون ثلاثة آلاف، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأحد ورجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول في ثلثمائة فبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة.
قال البيهقي رح هذا هو المشهور عند أهل المغازي أنهم بقوا في سبعمائة مقاتل قال والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل كذلك رواه يعقوب بن سفيان عن أصبغ عن ابن وهب عن يونس عن الزهري وقيل عنه بهذا الاسناد سبعمائة فالله أعلم (1).
قال موسى بن عقبة وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد وكان معهم مائة فرس وكان لواؤه مع عثمان بن طلحة (2) قال ولم يكن من المسلمين فرس واحدة (3) ثم ذكر الوقعة كما سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.
وقال محمد بن إسحاق: لما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤياه على أصحابه قال لهم: إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن لا يخرج إليهم، فقال رجال من المسلمين، ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن كان فاته بدر: يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فقال عبد الله بن أبي: يا رسول الله لا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه.
فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لامته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو فصلى عليه، ثم خرج عليهم وقد ندم الناس
وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك.
فلما خرج عليهم قالوا: يا رسول الله إن
__________
(1) دلائل النبوة ج 3 / 220.
(2) في رواية البيهقي عنه: طلحة بن عثمان أخو شيبة بن عثمان والصواب عثمان بن أبي طلحة - أبو شيبة - وقد حمل اللواء بعد قتل أخيه طلحة بن أبي طلحة (مغازي الواقدي 1 / 226).
(3) قال الطبري: لم يكن معه إلا فرسان، فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لابي بردة بن نيار الحارثي.
شئت فاقعد فقال: ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق: حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس، وقال أطاعهم وعصاني ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي والد جابر بن عبد الله فقال: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم.
قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال.
فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهؤلاء القوم هم المرادون بقوله تعالى (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) [ آل عمران: 167 ] يعني انهم كاذبون في قولهم: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وذلك لان وقوع القتال أمره ظاهر بين واضح لا خفاء ولا شك فيه وهم الذين أنزل الله فيهم (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) الآية [ النساء: 88 ] وذلك أن طائفة قالت نقاتلهم وقال آخرون لا نقاتلهم كما ثبت وبين في الصحيح.
وذكر الزهري أن الانصار استأذنوا حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستعانة بحلفائهم من يهود المدينة فقال لا حاجة لنا فيهم.
وذكر عروة بن موسى بن عقبة أن بني سلمة وبني حارثة لما رجع عبد الله بن أبي وأصحابه همتا أن تفشلا فثبتهما الله تعالى، ولهذا قال: (إذ همت طائفتان
منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) [ آل عمران: 122 ] قال جابر بن عبد الله: ما أحب أنها لم تنزل والله يقول: (والله وليهما) كما ثبت في الصحيحين عنه (1).
قال ابن إسحاق: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب السيف شم سيفك أي أغمده فإني أرى السيوف ستسل اليوم.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه: من رجل يخرج بنا على القوم من كثب (أي من قريب) من طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل في حائطي.
قال ابن إسحاق: وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من التراب في يده ثم قال والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه، فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر،
__________
(1) رواه البخاري في كتاب التفسير - تفسير سورة آل عمران فتح الباري 8 / 225 وفي كتاب المغازي 18 باب فتح الباري 7 / 357 ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة ح 171.
وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الاشهل قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وفي الجبل وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة كانت للمسلمين فقال رجل (1) من الانصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال أترعى زروع بني قبلة ولما نضارب ؟ وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل وأمر على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض والرماة خمسون رجلا فقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك.
وسيأتي شاهد هذا في الصحيحين إن شاء الله تعالى.
قال ابن إسحاق وظاهر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يعني لبس درعا فوق درع ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبدالدار.
قلت وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الغلمان يوم أحد فلم يمكنهم من حضور الحرب لصغرهم منهم عبد الله بن عمر كما ثبت في الصحيحين قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني وكذلك رد يومئذ أسامة بن زيد وزيد بن ثابت والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس بن قيظي ذكره ابن قتيبة وأورده السهيلي، وهو الذي يقول فيه الشماخ: إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين (2) ومنهم ابن سعيد بن خيثمة ذكره السهيلي أيضا وأجازهم كلهم يوم الخندق وكان قد رد يومئذ سمرة بن جندب ورافع بن خديج وهما ابنا خمس عشرة سنة فقيل يا رسول الله أن رافعا رام فأجازه فقيل يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه.
قال ابن إسحاق رح: وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأخذ هذا السيف بحقه فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله ؟ قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني.
قال أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه.
هكذا ذكره ابن إسحاق منقطعا.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا يزيد وعفان قالا: حدثنا حماد هو ابن سلمة أخبرنا ثابت عن النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال: من يأخذ هذا السيف فأخذ قوم فجعلوا ينظرون إليه فقال من يأخذه بحقه فأحجم القوم فقال أبو دجانة سماك: أنا آخذه بحقه.
فأخذه ففلق به هام المشركين ورواه مسلم عن أبي بكر عن عفان به.
قال ابن إسحاق: وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند
__________
(1) في الواقدي هو: عمارة بن يزيد بن السكن.
(2) وقبله في الطبري: رأيت عرابة الاوسي ينمى * إلى الخيرات منقطع القرين
الحرب يعتصب بها فيعلم أنه سيقاتل، قال: فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فاعتصب بها ثم جعل يتبختر بين الصفين.
قال: فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم، مولى عمرو بن الخطاب، عن رجل من الانصار من بني سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: انها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن.
قال ابن إسحاق: وقد قال أبو سفيان لاصحاب اللواء من بني عبدالدار يحرضهم على القتال: يا بني عبدالدار قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا ! ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع (1).
وذلك الذي أراد أبو سفيان.
قال: فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضن على القتال فقالت هند فيما تقول: ويها بني عبد الدار * ويها حماة الاديار ضربا بكل بتار وتقول أيضا: أن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي ابن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة، وكان قد خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسون غلاما من الاوس وبعض الناس يقول كانوا خمسة عشر، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان.
فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الاحابيش وعبدان أهل مكة فنادى: يا معشر الاوس أنا أبو عامر قالوا: فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق.
وكان يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق.
فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب
قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم أرضخهم بالحجارة.
قال ابن إسحاق: فأقبل (2) الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس.
قال ابن هشام: وحدثني غير واحد من أهل العلم أن الزبير بن العوام قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه وسألته إياه قبله فأعطاه أبا دجانة وتركني والله لانظرن ما يصنع فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه
__________
(1) تقدم أن لواء المشركين كان مع طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي.
وقد حمله بعد قتله أخوه عثمان.
(2) في ابن هشام: اقتتل.
فقالت الانصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول إذا تعصب فخرج وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي * ونحن بالسفح لدى النخيل أن لا أقوم الدهر في الكيول * أضرب بسيف الله والرسول (1) وقال الاموي: حدثني أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أتاه وهو يقاتل به فقال: لعلك إن أعطيتك تقاتل في الكيول ؟ قال لا.
فأعطاه سيفا فجعل يرتجز ويقول: أنا الذي عاهدني خليلي * أن لا أقوم الدهر في الكيول وهذا حديث يروى عن شعبة ورواه إسرائيل كلاهما عن أبي إسحاق عن هند بنت خالد أو غيره يرفعه الكيول يعني مؤخر الصفوف سمعته من عدة من أهل العلم ولم أسمع هذا الخرف إلا في هذا الحديث.
قال ابن هشام: فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله وكان في المشركين رجلا لا يدع جريحا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله.
ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة، ثم عدل السيف عنها فقلت: الله ورسوله أعلم.
وقد رواه البيهقي في الدلائل من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام
بذلك (2).
قال ابن إسحاق: قال أبو دجانة: رأيت انسانا يحمس الناس حمسا شديدا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اضرب به امرأة وذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه عمر فأعرض عنه ثم طلبه منه الزبير فأعرض عنه فوجدا في أنفسهما من ذلك ثم عرضه الثالثة فطلبه أبو دجانة فدفعه إليه فأعطى السيف حقه قال: فزعموا أن كعب بن مالك قال: كنت فيمن خرج من المسلمين فما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاورت فإذا رجل من المشركين جمع اللامة يجوز المسلمين وهو يقول: استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم.
قال وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لامته فمضيت حتى كنت من ورائه ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة.
قال: فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف فبلغت وركه وتفرق فوقتين (فرقتين) ثم كشف المسلم عن وجهه وقال: كيف ترى يا كعب ؟ أنا أبو دجانة (3).
__________
(1) الكيول: آخر الصفوف في الحرب.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 233 وفيه أن الزبير سأل أبا دجانة لما انكشف القتال: قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة - لم يذكر اسمها البيهقي - ثم لم تضربها، قال: أي والله أكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل به امرأة.
قال الواقدي هي: عمرة بنت الحارث.
(3) الخبر في دلائل البيهقي ج 3 / 216 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري.
مقتل حمزة رضي الله عنه قال ابن إسحاق وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطأة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء، وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول: إن على أهل اللواء حقا * أن يخضبوا الصعدة أو تندقا
فحمل عليه حمزة فقتله، ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني وكان يكنى بأبي نيار، فقال حمزة: هلم إلي يا بن مقطعة البظور، وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي وكانت ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله فقال وحشي - غلام جبير بن مطعم - والله إني لانظر لحمزة يهد (1) الناس بسيفه، ما يليق شيئا يمر به مثل الجمل الاورق إذ قد تقدمني إليه سباع فقال حمزة: هلم يا بن مقطعة البظور، فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي، فغلب فوقع وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي بشئ حاجة غيره.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن الفضل بن عياش (2) بن ربيعة بن الحارث عن سليمان بن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت أنا وعبيدالله بن عدي بن الخيار، أحد بني نوفل بن عبد مناف، في زمان معاوية فأدربنا مع الناس فلما مررنا بحمص وكان وحشي مولى جبير قد سكنها وأقام بها فلما قدمناها قال عبيدالله بن عدي: هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ؟ قال قلت له: إن شئت.
فخرجنا نسأل عنه بحمص، فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه إنكما ستجدانه بفناء داره وهو رجل قد غلبت عليه الخمر فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا وتجدا عنده بعض ما تريدان وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه وان تجداه وبه بعض ما به فانصرفا عنه ودعاه.
قال: فخرجنا نمشي حتى جئناه فإذا هو بفناء داره على طنفسة له وإذا شيخ كبير مثل البغاث، وإذا هو صاح لا بأس به، فلما انتهينا إليه سلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيدالله بن عدي فقال: ابن لعدي بن الخيار أنت ؟ قال: نعم.
قال أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك بعرضيك فلمعت لي قدماك حتى رفعتك إليها فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما.
قال: فجلسنا إليه فقلنا: جئناك لتحدثنا عن قتل حمزة كيف قتلته ؟ فقال: أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد
__________
(1) يهد: فيها روايتان، يهد بالدال أي يردي الناس ويهلكهم.
ويهذ بالذال يسرع في قطع لحوم الناس بسيفه (قاله
الخشني في شرح غريب السيرة)، وفي الواقدي يفري الناس فريا.
(2) عياش في الاصل، وهو تحريف، والصواب عباس.
قاله أبو ذر.
أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير (1): إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق.
قال فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قل ما أخطئ بها شيئا، فلما التقى الناس خرجت انظر حمزة واتبصره حتى رأيته في عرض الناس كأنه الجمل الاورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شئ، فوالله لا تهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة قال هلم إلي يا بن مقطعة البظور، قال فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه، قال وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر وقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته لاعتق، فلما قدمت مكة عتقت ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف فمكثت بها فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيت علي المذاهب فقلت الحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل: ويحك إنه والله لا يقتل أحدا من الناس دخل في دينه وشهد شهادة الحق، قال فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أشهد شهادة الحق فلما رآني قال لي: أوحشي أنت ؟ قلت نعم يا رسول الله.
قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة ؟ قال فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال ويحك غيب عني وجهك فلا أرينك، قال فكنت أتنكب برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني حتى قبضه الله عزوجل، فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما وبيده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الانصار من الناحية الاخرى كلانا يريده فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه، وشد عليه الانصاري بالسيف
فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلت شر الناس.
قلت: الانصاري هو أبو دجانة سماك بن خرشة كما سيأتي في مقتل أهل اليمامة.
وقال الواقدي في الردة: هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني.
وقال سيف بن عمرو: هو عدي بن سهل وهو القائل: ألم تر أني ووحشيهم * قتلت مسيلمة المعتبن ويسألني الناس عن قتله * فقلت ضربت وهذا طعن والمشهور أن وحشيا هو الذي بدره بالضربة وذفف عليه أبو دجانة، لما روى ابن إسحاق عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن ابن عمر قال: سمعت صارخا يوم اليمامة يقول: قتله
__________
(1) الخبر في مغازي الواقدي 1 / 286، وقال في رواية أخرى: كان وحشي عبد الابنة الحارث بن عامر بن نوفل.
قالت له: إن أبي قتل يوم بدر فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر: إن قتلت محمدا، أو حمزة بن عبد المطلب، أو علي بن أبي طالب.
(1 / 285) .
العبد الاسود.
وقد روى البخاري قصة مقتل حمزة من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبد الله بن عدي بن الخيار.
فذكر القصة كما تقدم.
وذكر أن عبيدالله بن عدي كان معتجرا عمامة لا يرى منه وحشي إلا عينيه ورجليه فذكر من معرفته له ما تقدم (1)، وهذه قيافة عظيمة كما عرف مجزز المدلجي أقدام زيد وابنه أسامة مع اختلاف ألوانهما.
وقال في سباقته: فأما أن صف الناس للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال له: يا سباع يا بن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله ؟ ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب، قال وكمنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال: فكان ذلك آخر العهد به، إلى أن قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة الكذاب قلت لاخرج إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان
قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من كتفيه، قال ووثب إليه رجل من الانصار فضربه بالسيف على هامته، قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر البيت: واأمير المؤمناه قتله العبد الاسود، قال ابن هشام فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان فكان عمر بن الخطاب يقول: قد قلت إن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة.
قلت: وتوفي وحشي بن حرب أبو دسمة ويقال أبو حرب بحمص (2) وكان أول من لبس الثياب المدلوكة.
قال ابن إسحاق: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدا.
قلت: وذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن سعيد بن المسيب أن الذي قتل مصعبا هو أبي بن خلف فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب.
وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: كان اللواء أولا مع علي بن أبي طالب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء المشركين مع عبدالدار قال نحن أحق بالوفاء منهم أخذ اللواء من علي بن أبي طالب فدفعه إلى مصعب بن عمير، فلما قتل مصعب أعطى اللواء علي بن أبي طالب.
قال ابن إسحاق: وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين.
قال ابن هشام: وحدثني مسلمة بن علقمة المازني، قال: لما اشتد القتال يوم أحد جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الانصار وأرسل علي أن قدم الراية، فقدم علي وهو يقول: أنا أبو القصم فناداه أبو سعد بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين.
هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة ؟ قال: نعم فبرزا بين الصفين فاختلفا
__________
(1) رواه البخاري في 64 كتاب المغازي 23 باب مقتل حمزة بن عبد المطلب ح 4072 فتح الباري 7 / 367.
(2) قال البيهقي: مات غريقا في البحر، وفي الاصابة 3 / 631 سكن حمص ومات فيها.
ضربتين فضربه علي فصرعه، ثم انصرف ولم يجهز عليه.
فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه ؟ فقال: إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عليه الرحم وعرفت أن الله قد قتله.
وقد فعل ذلك
علي رضي الله عنه يوم صفين مع بسر بن أبي أرطاة لما حمل عليه ليقتله أبدى له عورته فرجع عنه.
وكذلك فعل عمرو بن العاص حين حمل عليه علي في بعض أيام صفين أبدى عن عورته فرجع علي أيضا.
ففي ذلك يقول الحارث بن النضر: أفي (1) كل يوم فارس غير منته * وعورته وسط العجاجة باديه يكف لها عنه علي سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاويه وذكر يونس عن ابن إسحاق: أن طلحة بن أبي طلحة العبدري حامل لواء المشركين يومئذ دعا إلى البراز فأحجم عنه الناس فبرز إليه الزبير بن العوام فوثب حتى صار معه على جمله، ثم اقتحم به الارض فألقاه عنه وذبحه بسيفه فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " (2) وقال: لو لم يبرز إليه لبرزت أنا إليه لما رأيت من إحجام الناس عنه.
وقال ابن إسحاق قتل أبا سعد بن أبي طلحة سعد بن أبي وقاص (3) وقاتل عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح فقتل نافع (4) بن أبي طلحة وأخاه الجلاس كلاهما يشعره سهما فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول يا بني من أصابك ؟ فيقول سمعت رجلا حين رماني يقول خذها وأنا ابن أبي الاقلح.
فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر، وكان عاصم قد عاهد الله لا يمس مشركا أبدا ولا يمسه.
ولهذا حماه الله منه يوم الرجيع كما سيأتي.
قال ابن إسحاق: والتقى حنظلة بن أبي عامر، واسمه عمرو، ويقال عبد عمرو بن صيفي، وكان يقال لابي عامر في الجاهلية الراهب، لكثرة عبادته، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، لما خلف الحق وأهله وهرب من المدينة هربا من الاسلام ومخالفة للرسول عليه السلام.
وحنظلة الذي يعرف بحنظلة الغسيل لانه غسلته الملائكة كما سيأتي - هو وأبو سفيان صخر بن حرب فلما علاه حنظلة رآه شداد بن الاوس (5) وهو الذي يقال له ابن شعوب فضربه شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن صاحبكم لتغسله الملائكة فاسألوا أهله ما شأنه " فسئلت صاحبته قال الواقدي: هي جميلة بنت أبي بن
__________
(1) في الاصل: أتى، وأثبت ما في الروض الانف ج 2 / 133.
(2) الخبر في البيهقي عن يونس بن بكير، وقال فيه: إن رجلا من المشركين ولم يسم طلحة.
(3) الخبر في ابن هشام ج 3 / 78 ودلائل البيهقي 3 / 239.
وقال السهيلي: " رواه الكشي في تفسيره عن سعد قال: لما كف عنه علي طعنته في حنجرته، فدلع لسانه اندلاع لسان الكلب ثم مات ".
وكان أبو سعد قد أخذ لواء المشركين بعد مقتل طلحة كما في رواية البيهقي وذكره الواقدي - أبو سعيد وقتله سعد بن أبي وقاص.
(4) في ابن هشام: مسافع، وفي الواقدي وابن سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة.
(5) في ابن هشام: شداد بن الاسود.
وفي الواقدي: قتله الاسود بن شعوب.
وقال السهيلي في الروض: إن الذي قتل حنظلة جعونة بن شعوب الليثي مولى نافع بن أبي نافع.
سلول وكانت عروسا عليه تلك الليلة.
فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك غسلته الملائكة.
وقد ذكر موسى بن عقبة أن أباه ضرب برجله في صدره وقال ذنبان أصبتهما ولقد نهيتك عن مصرعك هذا، ولقد والله كنت وصولا للرحم برا بالوالد.
قال ابن إسحاق: وقال ابن شعوب في ذلك: لاحمين صاحبي ونفسي * بطعنة مثل شعاع الشمس وقال ابن شعوب: ولولا دفاعي يا بن حرب ومشهدي * لالفيت يوم النعف غير مجيب (1) ولولا مكري المهر بالنعف فرفرت * عليه ضباع أو ضراء كليب (2).
وقال أبو سفيان: ولو شئت نجتني كميت طمرة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب وما زال مهري مزجر الكلب منهم * لدن غدوة حتى دنت لغروب أقاتلهم وأدعي يالغالب * وأدفعهم عني بركن صليب فبكي ولا ترعى مقالة عاذل * ولا تسأمي من عبرة ونحيب أباك وإخوانا له قد تتابعوا * وحق لهم من عبرة بنصيب وسلي الذي قد كان في النفس أنني * قتلت من النجار كل نجيب
ومن هاشم قرما كريما ومصعبا * وكان لدى الهيجاء غير هيوب (3) فلو أنني لم أشف نفسي منهم * لكانت شجى في القلب ذات ندوب فآبوا وقد أودى الجلابيب منهم * بهم خدب من مغبط وكئيب (4) أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء ولا في خطة بضريب فأجابه حسان بن ثابت: ذكرت القروم الصيد من آل هاشم * ولست لزور قلته بمصيب أتعجب أن أقصدت حمزة منهم * نجيبا وقد سميته بنجيب ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه * وشيبة والحجاج وابن حبيب غداة دعا العاصي عليا فراعه * بضربة عضب بله بخضيب
__________
(1) النعف: ما انحدر من حزونة الجبل.
(2) في ابن هشام: قرقرت بدل فرفرت أي أسرعت وخفت.
وفيها: ضباع عليه، بدل من: عليه ضباع.
(3) القرم: الفحل من الابل، ويريد به هنا حمزة رضي الله عنه.
(4) الجلابيب: جمع جلباب، الازار.
وكان المشركين يسمعون من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجلابيب.
فصل قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وكانت الهزيمة لا شك فيها.
وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة على العسكر حين كشفنا القوم عنه، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد
منهم، [ قال ابن إسحاق ] (1) فحدثني بعض أهل العلم: أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به وكان اللواء مع صؤاب غلام لبني أبي طلحة حبشي وكان آخر (2) من أخذه منهم فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول: اللهم هل أعزرت - يعني اللهم هل أعذرت - فقال حسان بن ثابت في ذلك: فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين رد إلى صواب جعلتم فخركم فيه لعبد * وألام من يطا عفر التراب ظننتم، والسفيه له ظنون * وما إن ذاك من أمر الصواب بأن جلادنا يوم التقينا * بمكة بيعكم حمر العياب أقر العين أن عصبت يداه * وما أن تعصبان على خضاب وقال حسان أيضا في رفع عمرة بنت علقمة اللواء لهم: إذا عضل سيقت إلينا كأنها * جداية شرك معلمات الحواجب (3) أقمنا لهم طعنا مبيرا منكلا * وحزناهم بالضرب من كل جانب فلولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الاسواق بيع الجلائب
__________
(1) من سيرة ابن هشام.
(2) قال ابن سعد في الطبقات 2 / 40 حمل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة (من بني عبد الدار) وبعد ما قتله علي حمل اللواء عثمان بن أبي طلحة أبو شيبة قتله حمزة.
فحمله أبو سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن أبي وقاص فحمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة - قتله عاصم بن أبي الاقلح - فحمله الحارث بن طلحة بن أبي طلحة قتله عاصم أيضا.
فحمله كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير ثم حمله الجلاس أخوه فقتله طلحة بن عبيدالله، فحمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي.
ثم حمله شريح بن قارظ فقتل ثم كان آخرهم صؤاب قتله قزمان وهو أثبت القول.
(3) شرك: قال أبو ذر بكسر الشين وضمها: موضع.
قيل: جبل بالحجاز.
قال ابن إسحاق: فانكشف المسلمون وأصاب منهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذب بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وشج في وجهه وكلمت شفته وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص، فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج في وجهه، فجعل يمسح الدم ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله (ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) [ آل عمران: 128 ] قال ابن جرير في تاريخه (1): حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا أسباط عن السدي قال: أتى ابن قمئة الحارثي فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق طائفة فوق الجبل إلى الصخرة وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: إلي عباد الله، إلي عباد الله فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف فحماه طلحة فرمي بسهم في يده فيبست يده وأقبل أبي بن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم فقال بل أنا أقتله.
فقال: يا كذاب أين تفر ؟ فحمل عليه فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع فجرح جرحا خفيفا فوقع يخور خوار الثور فاحتملوه وقالوا ليس بك جراحة فما يجزعك ؟ قال: أليس قال لاقتلنك لو كانت تجتمع (2) ربيعة ومضر لقتلهم.
فما يلبث إلا يوما أو بعض يوم حتى مات من ذلك الجرح، وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان، يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فقال أنس بن النضر يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه يرميه فقال: أنا رسول الله ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به، فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب عنهم الحزن فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا، فقال الله عزوجل في الذين قالوا إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) الآية.
فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه وهمهم أبو سفيان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس لهم أن يعلونا، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد في الارض ".
ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم فقال أبو سفيان يومئذ: أعل هبل حنظلة بحنظلة ويوم أحد بيوم بدر.
وذكر تمام القصة.
وهذا غريب جدا وفيه نكارة.
قال
__________
(1) تاريخ الطبري: ج 3 / 20 دار القاموس الحديث.
(2) في الطبري: بجميع.
ابن هشام: وزعم ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن ابي سعيد أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته وان عبد الله بن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون فأخذ علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيدالله حتى استوى قائما ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال من مس دمه دمي لم تمسسه النار قلت: وذكر قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع لشقه أغمي عليه فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح الدم عن وجهه فأفاق وهو يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله (ليس لك من الامر شئ) الآية.
رواه ابن جرير وهو مرسل وسيأتي بسط هذا في فصل وحده.
قلت: كان أول النهار للمسلمين على الكفار كما قال الله تعالى (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بأذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على
المؤمنين * إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم) الآية [ آل عمران: 152 - 153 ].
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله، حدثني أبي حدثني سليمان بن داود، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيدالله، عن ابن عباس أنه قال: ما نصر الله في موطن كما نصر يوم أحد قال فأنكر ذلك فقال: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله إن الله يقول في يوم أحد (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه) يقول ابن عباس والحس القتل (حتى إذا فشلتم) إلى قوله (ولقد عفا عنكم والله ذوفضل على المؤمنين) وإنما عنى بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع.
ثم قال أحموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا نغنم فلا تشركونا.
فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين أكب الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينهبون وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا (وشبك بين أصابع يديه) والتبسوا فلما أخل الرماة تلك المحلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضا فالتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار، إنما كان تحت المهراس، وصاح الشيطان: قتل محمد ! فلم يشك فيه أنه حق، فما زلنا كذلك ما نشك أنه حق حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين نعرفه بتكفيه إذا مشى.
قال: ففرحنا كأنه لم يصبنا ما أصابنا.
قال فرقى نحونا، وهو يقول: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله.
ويقول مرة أخرى: اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا فمكث ساعة أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: أعل هبل أعل هبل، مرتين (يعني آلهته)، أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر بن
الخطاب ألا أجيبه ؟ قال: بلى.
قال: فلما قال اعل هبل قال: الله أعلى وأجل.
قال أبو سفيان يا ابن الخطاب قد أنعمت عينها، فعاد عنها - أو فعال عنها - فقال أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر، قال فقال
أبو سفيان يوم بيوم بدر، الايام دول وأن الحرب سجال قال فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
قال: إنكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذن وخسرنا.
ثم قال أبو سفيان: أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلة ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا.
قال ثم أدركته حمية الجاهلية فقال: أما إنه إن كان ذلك لم نكرهه.
وقد رواه ابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل (1) من حديث سليمان بن داود الهاشمي به وهذا حديث غريب وهو من مرسلات ابن عباس.
وله شواهد من وجوه كثيرة سنذكر منها ما تيسر إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وهو المستعان.
قال البخاري: حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال: لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهورا علينا فلا تعينونا.
فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة ! فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا.
فأبوا، فلما أبوا صرفت (2) وجوههم فأصيب سبعون قتيلا وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد ؟ فقال لا تجيبوه.
فقال أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ فقال لا تجيبوه.
فقال أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لاجابوا، فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يحزنك.
فقال أبو سفيان: أعل هبل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا ما نقول ؟ قال قولوا: الله أعلى أو جل (وأجل).
فقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه، قالوا ما نقول ؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني (3).
وهذا من إفراد البخاري دون مسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا موسى، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق: أن البراء بن عازب قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير، قال ووضعهم موضعا وقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، قال فهزموهم، قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد
بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم، *
__________
) (1) روى الطبري طرفا منه في تاريخه 3 / 23.
وفي تفسيره 7 / 287 ورواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 269 - 271.
من لفظ الدارمي.
(2) أي تحيروا فلم يدروا أين وكيف يذهبون.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 17 باب غزوة أحد ح 4043.
الغنيمة.
ظهر أصحابكم، فما تنظرون ؟ قال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ! فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين رجلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد، أفي القوم محمد، أفي القوم محمد ؟ ثلاثا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة، أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن الخطاب، أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لاحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك.
فقال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني.
ثم أخذ يرتجز: أعل هبل أعل هبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تجيبونه قالوا يا رسول الله وما نقول ؟ قال قولوا: الله أعلى وأجل.
قال: إن العزى لنا ولا عزى لكم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجيبونه ؟ قالوا: يا رسول الله ما نقول ؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
ورواه البخاري من حديث زهير وهو ابن معاوية مختصرا وقد تقدم روايته له مطولة من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق (1).
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وعلي بن زيد عن أنس بن مالك أن المشركين لما رهقوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الانصار ورجل من قريش، قال: من يردهم عنا وهو رفيقي في
الجنة ؟ فجاء رجل من الانصار فقاتل حتى قتل.
فلما رهقوه أيضا قال: من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنصفنا أصحابنا.
ورواه مسلم عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة به.
وقال البيهقي في الدلائل: بإسناده عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر قال: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلا من الانصار [ فيهم ] (2) طلحة بن عبيدالله وهو يصعد في الجبل فلحقهم المشركون فقال: ألا أحد لهؤلاء ؟ فقال طلحة أنا يا رسول الله (3).
فقال: كما أنت يا طلحة، فقال رجل من الانصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل عنه، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه، ثم قتل الانصاري فلحقوه، فقال: ألا رجل لهؤلاء ؟ فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله.
فقال رجل من الانصار: فأنا يا رسول الله، فقاتل وأصحابه يصعدون ثم قتل فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الاول ويقول طلحة أنا يا رسول الله فيحبسه فيستأذنه رجل من الانصار للقتال فيأذن له فيقاتل مثل
__________
(1) رواه البخاري عن عمرو بن خالد عن زهير في 64 كتاب المغازي 10 باب ح 3986.
وأخرجه أبو داود في الجهاد.
(116) باب في الكمناء ح 2662.
(2) من دلائل البيهقي، وفي الاصل وطلحة وهو تحريف.
(3) في سنن النسائي: فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من للقوم ؟ فقال طلحة بن عبيدالله: أنا
من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهؤلاء ؟ فقال طلحة أنا، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله فقال: حس، فقال لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء.
ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون (1).
وروى البخاري: عن عبد الله بن أبي شيبة، عن وكيع، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (2).
وفي الصحيحين من حديث موسى بن إسماعيل عن معتمر بن سليمان، عن أبيه عن أبي عثمان النهدي قال: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الايام التي يقاتل فيهن غير
طلحة وسعد عن حديثهما (3).
وقال الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن معاوية عن هاشم بن هاشم السعدي (4) سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال: ارم فداك أبي وأمي.
وأخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد عن مروان به (5).
وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن شداد عن علي بن أبي طالب قال ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبو يه لاحد إلا لسعد بن مالك فإني سمعته يقول يوم أحد: يا سعد ارم فداك أبي وأمي.
قال محمد بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص: أنه رمى يوم أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال سعد: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول: أرم فداك أبي وأمي.
حتى إنه ليناولني السهم ليس له نصل فأرمي به (6).
وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده عن سعد بن أبي وقاص قال: رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك ولا بعده.
يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام.
وقال أحمد: حدثنا عفان، أخبرنا ثابت، عن أنس أن أبا طلحة (7) كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه يترس به وكان
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 3 / 236، وأخرجه النسائي في كتاب الجهاد باختلاف.
باب: ما يقول من يطعنه العدو، عن عمرو بن سواد (6 / 29 - 30).
(2) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 18 باب ح 4063 وفي كتاب فضائل الصحابة ح 3724.
(3) عن حديثهما: أي هما حدثاني بذلك.
روى الحديث البخاري في 64 كتاب المغازي 18 باب ح 4060 وفي 62 كتاب فضائل الصحابة ح 3722.
ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة 6 باب ح 47.
(4) في البيهقي: الزهري.
(5) في 64 كتاب المغازي 18 باب ح 4055.
(6) الخبر في البيهقي 3 / 239 وفي سيرة ابن هشام 3 / 25.
(7) أبو طلحة هو زيد بن سهل بن الاسود بن حرام الخزرجي النجاري الانصاري أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
بني أخواله، من أعيان البدريين، أحد النقباء الاثني عشر العقبيين،.
شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
مات في غزوة بحرية.
راميا وكان إذا رمى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصه ينظر أين يقع سهمه، ويرفع أبو طلحة صدره ويقول هكذا بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا يصيبك سهم، نحري دون نحرك.
وكان أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: اني جلد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك ومرني بما شئت.
وقال البخاري حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز، عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بجحفة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول: انثرها لابي طلحة.
قال ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك.
ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وانهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان (1) القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملانها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا (2).
قال البخاري وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة قال: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط فاخذه (3).
هكذا ذكره البخاري معلقا بصيغة الجزم ويشهد له قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الامر من شئ، قل إن الامر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا هاهنا، قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور * إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم) [ آل عمران: 154 ] قال البخاري:
حدثنا عبد ان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القعود قال هؤلاء قريش قال من الشيخ ؟ قالوا ابن عمر فأتاه فقال إني سائلك عن شئ أتحدثني.
قال أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد قال: نعم.
قال فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها ؟ قال نعم.
قال فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال نعم.
قال فكبر.
قال ابن عمر: تعال لاخبرك ولابين لك عما سألتني عنه: أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له
__________
(1) من الصحيح والبيهقي، وفي الاصل تنقران وهو تحريف.
(2) أخرجه البخاري في 63 كتاب مناقب الانصار 18 باب ح 3811 ومسلم في 32 كتاب الجهاد 47 باب ح 136.
(3) أخرجه البخاري في 64 / كتاب المغازي 21 باب ح 4068.
والنعاس: هو الذي من الله به على أهل الصدق واليقين من المؤمنين يوم أحد، لما علم ما في قلوبهم من خوف، فصرفهم عن التفكير في ذلك بانزال النعاس عليهم لئلا يرهقهم الخوف ويضعف عزائمهم.