كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

نشزت عليه، وأنها عاذت بمطرف بن نهشل، فأتاه فقال: يا بن عم، أعندك امرأتي فادفعها إلي قال: ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك، قال وكان مطرف أعز منه قال: فخرج الاعشى حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فعاذ به فأنشأ يقول: يا سيد الناس وديان العرب * إليك أشكو ذربة من الذرب كالذئبة العنساء (1) في ظل السرب * خرجت أبغيها الطعام في رجب فخلفتني بنزاع وهرب * أخلفت الوعد ولطت بالذنب وقذفتني بين عصر مؤتشب * وهن شر غالب لمن غلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " وهن شر غالب لمن غلب ".
فشكى إليه امرأته وما صنعت به وانها عند رجل منهم يقال له مطرف بن نهشل.
فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم: إلى مطرف انظر امرأة هذا معاذة فادفعها إليه، فأتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه، فقال لها: يا معاذة هذا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيك فأنا دافعك إليه، فقالت: خذ لي عليه العهد والميثاق وذمة نبيه، أن لا يعاقبني فيما صنعت فأخذ لها ذلك عليه ودفعها مطرف إليه فأنشأ يقول: لعمرك ما حبي معاذة بالذي * يغيره الواشي ولا قدم العهد ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها * غواة الرجال إذ يناجونها بعدي قدوم صرد بن عبد الله الازدي في نفر من قومه ثم وفود أهل جرش بعدهم قال ابن إسحاق وقدم صرد بن عبد الله الازدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من الازد، فأسلم وحسن إسلامه، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم، من يليه
من أهل الشرك من قبائل اليمن.
فذهب فحاصر جرش (2) وبها قبائل من اليمن وقد ضوت إليهم خثعم، حين سمعوا بمسيره إليهم فأقام عليهم قريبا من شهر، فامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم حتى إذا كان قريبا من جبل: يقال له شكر فظنوا أنه قد ولى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه فعطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا وقد كان أهل جرش بعثوا منهم رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فبينما هما عنده بعد العصر إذ قال بأي بلاد الله شكر فقام الجرشيان فقالا: يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر وكذلك تسمية أهل جرش فقال أنه ليس بكشر ولكنه شكر قالا فما شأنه يا رسول الله فقال إن بدن الله لتنحر عنده الآن، قال فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان فقال لهما، ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن لينعى إليكما قومكما فقوما إليه فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما فقاما إليه فسألاه ذلك فقال: " اللهم أرفع عنهم " فرجعا فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أخبر
__________
(1) في المسند: الغبشاء.
(انظر الخبر في مسند الامام أحمد ج 2 / 202).
(2) جرش: مخلاف من مخاليف اليمن (معجم البلدان).

عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء وفد أهل جرش بمن بقي منهم حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وحسن إسلامهم وحمى لهم حول قريتهم.
قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الواقدي وكان ذلك في رمضان سنة تسع.
قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم باسلامهم مقدمه من تبوك وهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل (1) ذي رعين ومعافر وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة (2) الرهاوي باسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان، قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإنه قد وقع نبأ (3) رسولكم منقلبنا (4) من أرض الروم، فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به، وخبرنا ما قبلكم،
وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب (5) نصف العشر، وأن في الابل في الاربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الابل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الابل شاة، وفي كل عشر من الابل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين تبيع، جذع أو جذعة.
وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله، وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم، وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم ذكر وأنثى، حر أو عبد دينار واف، من قيمة المعافري أو عرضه (6) ثيابا.
فمن أدى ذلك إلى رسول الله فأن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله، أما بعد فإن رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن أن إذ إتاك رسلي فأوصيكم بهم خيرا: معاذ بن جبل
__________
(1) قيل: لقب، وهو الملك الذي دون الملك الاكبر، والجمع أقيال.
(2) في الواقدي: ابن مرارة.
(3) في الواقدي وابن هشام: وقع بنا.
(4) في الواقدي: مقفلنا.
والقفول الرجوع من السفر.
(5) في الطبري: المغرب بالميم، والغرب: الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد الثور.
(6) في ابن هشام: أو عوضه.

وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا
راضيا، أما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم أن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين، فابشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته، وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب فآمركم به خيرا، وأني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي وأولي دينهم وأولي علمهم فآمركم بهم خيرا، فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " (1) وقد قال الامام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا عمارة عن ثابت عن أنس بن مالك: أن مالك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة قد أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا وثلاثة وثلاثين ناقة.
ورواه أبو داود: عن عمرو بن عون الواسطي، عن عمارة بن زاذان الصيدلاني، عن ثابت البناني عن أنس به.
وقد روى الحافظ البيهقي ها هنا (2) - حديث كتاب عمرو بن حزم فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره، فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره: بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق، كما أمره الله، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين، وأن ينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، وأن يخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرم الظلم
__________
(1) الخبر ونص الكتاب في ابن هشام ج 4 / 235 - 236.
وانظره في الطبري 2 / 381، وفتوح البلدان 82، والسيرة الحلبية 3 / 258، وأجزاء منه في طبقات ابن سعد 1 / 356، أبو عبيد في الاموال ص 13 - 27، وأسد الغابة 2 / 146.
في شرح مفردا ؟ ؟ وتعابيره: - همدان بطن من كهلان، وهم بنو همدان بن مالك بن زيد، سكنوا اليمن في مخلاف همدان وهو ما بين الغائط وتهامة وسراة شمالي صنعاء.
أسلموا سنة عشر.
- معافر: قبيلة باليمن، وهو معافر بن يعفر بن مالك، بطن من كهلان، وملوك معافر آل الكرندى من سبأ الاصغر، مخلافهم باليمن سمي باسمهم.
قال في النهاية: أنهم من القحطانية.
(2) دلائل النبوة ج 5 / 413.

ونهى عنه فقال: [ تعالى ] * (ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله) *، وأن يبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها، ويستأنف الناس حتى يتفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج، وسننه وفرائضه، وما أمره الله به والحج الاكبر الحج والحج الاصغر العمرة: وأن ينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلى السماء، ولا ينقض (1) شعر رأسه إذا عفى في قفاه، وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعى إلى العشائر والقبائل فليعطفوا [ فيه ] (2) بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس باسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمروا بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود (3) وأن يغلس بالصبح وأن يهجر بالهاجرة حتى تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الارض مبدرة والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، [ وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها ] (4) وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى المغل (5) وفيما سقت السماء العشر وما سقى الغرب فنصف العشر، وفي كل عشر من الابل شاتان، وفي عشرين أربع شياه وفي أربعين من البقر بقرة وفي كل
ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين [ في الصدقة ] (6) فمن زاد فهو خير له، ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه فدان دين الاسلام فانه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يغير عنها وعلى كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه (7) من الثياب فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله ورسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعا، صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ".
قال الحافظ البيهقي: وقد روى سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده هذا الحديث موصولا بزيادات كثيرة ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة والديات وغير ذلك (8).
__________
(1) في ابن هشام: يعقص.
وفي الدلائل: يعقد.
(2) من الدلائل.
(3) في الدلائل: الركوع والخشوع، وفي ابن هشام: الركوع والسجود والخشوع.
(4) سقطت من الاصل، واستدركت من الدلائل وابن هشام.
(5) كذا في الاصل المغل، وفي الدلائل: العين.
وابن هشام: ما سقت العين.
(6) من الدلائل.
(7) في ابن هشام والدلائل: عوضه.
(8) سنن البيهقي الكبرى 1 / 88، 309 و 8 / 189 و 10 / 128.
والكتاب في الطبري 2 / 388 وفتوح البلدان =

قلت: ومن هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولا، وأبو داود في كتاب المراسيل وقد ذكرت ذلك بأسانيده وألفاظه في السنن ولله الحمد والمنة، وسنذكر بعد الوفود بعث النبي صلى الله عليه وسلم الامراء إلى اليمن لتعليم الناس وأخذ صدقاتهم وأخماسهم معاذ بن جبل وأبو موسى وخالد بن الوليد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
قدوم جرير بن عبد الله البجلي وإسلامه
قال الامام أحمد (1): حدثنا أبو قطن، حدثني يونس، عن المغيرة بن شبل.
قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، ثم حللت عيبتي، ثم لبست حلتي، ثم دخلت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي يا عبد الله هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ! ذكرك بأحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته وقال يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن، إلا أن على وجهه مسحة ملك قال جرير: فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني.
قال أبو قطن: فقلت له سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل.
قال نعم ! ثم رواه الامام أحمد عن أبي نعيم، وإسحاق بن يوسف وأخرجه النسائي من حديث الفضل بن موسى ثلاثتهم عن يونس عن أبي اسحاق السبيعي عن المغيرة بن شبل - ويقال ابن شبيل - عن عوف البجلي الكوفي عن جرير بن عبد الله وليس له عنه غيره.
وقد رواه النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بقصته: " يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك " الحديث وهذا على شرط الصحيحين.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل، عن قيس عن جرير.
قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي.
وقد رواه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن إسماعيل بن خالد، عن قيس بن أبي حازم عنه.
وفي الصحيحين زيادة وشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري.
وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا (2) ".
ورواه النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس عنه وزاد فيه - يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك، فذكر نحو ما تقدم.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عمرو: عثمان بن أحمد السماك،
__________
= للبلاذري ص 80 وفي الجمهرة 1 / 62 وصبح الاعشى 10 / 9، وأبو داود أخرجه في أول كتاب الزكاة وأوعز إليه في الاصابة وقال: أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والدارمي، وابن عبد البر في الاستيعاب وابن الاثير في أسد الغابة 4 / 99.
(1) مسند الامام ج 4 / 360 - 364 وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 5 / 346 ورواه الطبراني برجال ثقات.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (154) الحديث (3020)، وفي كتاب المغازي (62) باب الحديث (4355).
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (29) باب الحديث (137).

حدثنا الحسن بن سلام السواق، حدثنا محمد بن مقاتل الخراساني، حدثنا حصين (1) بن عمر الاحمسي، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد - أو (2) قيس بن أبي حازم - عن جرير بن عبد الله.
قال: بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فأتيته ] فقال: يا جرير لاي شئ جئت ؟ قلت: أسلم على يديك يا رسول الله قال: فألقى علي كساء ثم أقبل على أصحابه فقال " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " ثم قال: يا جرير أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تؤمن بالله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
وتصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة ففعلت ذلك فكان بعد ذلك لا يراني إلا تبسم في وجهي (3)، هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله.
قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد به.
وهو في الصحيحين من حديث زياد بن علاثة عن جرير به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا زائدة، ثنا عاصم، عن سفيان يعني - أبا وائل - عن جرير.
قال قلت يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط قال: " أبايعك على أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الشرك ".
ورواه النسائي من حديث شعبة، عن الاعمش، عن أبي وائل، عن جرير وفي طريق أخرى عن الاعمش عن منصور عن أبي وائل عن أبي نخيلة عن جرير به فالله أعلم.
ورواه أيضا عن محمد بن قدامة، عن جرير، عن مغيرة عن أبي وائل والشعبي عن جرير به ورواه عن جرير عبد الله بن عميرة رواه أحمد منفردا به وابنه عبيد الله بن جرير أحمد أيضا منفردا به وأبو جميلة وصوابه نخيلة ورواه أحمد والنسائي ورواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن منصور عن أبي وائل عن رجل عن جرير فذكره، والظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البجلي.
والله أعلم.
وقد ذكرنا
بعث النبي صلى الله عليه وسلم له حين أسلم إلى ذي الخلصة بيت كان يعبده خثعم وبجيلة وكان يقال له الكعبة اليمانية يضاهون به الكعبة التي بمكة ويقولون للتي ببكة الكعبة الشامية ولبيتهم الكعبة اليمانية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة فحينئذ شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت على الخيل فضرب بيده الكريمة في صدره حتى أثرت فيه وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا ".
فلم يسقط بعد ذلك عن فرس ونفر إلى ذي الخلصة في خمسين ومائة راكب من قومه من أحمس فخرب ذلك البيت وحرقه حتى تركه مثل الجمل الاجرب، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيرا يقال له: أبو أرطاة فبشره بذلك فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات والحديث مبسوط في الصحيحين وغيرهما كما قدمناه بعد الفتح استطرادا بعد ذكر تخريب بيت العزى على يدي خالد بن
__________
(1) في الدلائل: حسين.
(2) في الدلائل: عن قيس.
(3) دلائل البيهقي ج 5 / 347، ورواه الطبراني وابن سعد عن جرير.

الوليد رضي الله عنه.
والظاهر أن اسلام جرير رضي الله عنه كان متأخرا عن الفتح (1) بمقدار جيد.
فإن الامام أحمد قال: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة بن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن جرير بن عبد الله البجلي.
قال: إنما أسلمت بعدما أنزلت المائدة وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بعدما أسلمت.
تفرد به أحمد وهو إسناد جيد اللهم إلا أن يكون منقطعا بين مجاهد وبينه، وثبت في الصحيحين أن أصحاب عبد الله بن مسعود كان يعجبهم حديث جرير في مسح الخف لان إسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة، وسيأتي في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له استنصت الناس يا جرير وإنما أمره بذلك لانه كان صبيا وكان ذا شكل عظيم كانت نعله طولها ذراع، وكان من أحسن الناس وجها وكان مع هذا من أغض الناس طرفا.
ولهذا روينا في الحديث الصحيح عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال أطرق بصرك.
وفادة وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي ابن (2) هنيد أحد ملوك اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر بن عبد البر: كان أحد أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه قبل قدومه به وقال يأتيكم بقية أبناء الملوك فلما دخل رحب به، وأدناه من نفسه وقرب مجلسه وبسط له رداءه وقال: " اللهم بارك في وائل وولده وولده ولده " واستعمله على الاقيال من حضرموت وكتب معه ثلاث كتب، منها كتاب إلى المهاجر بن أبي أمية.
وكتاب إلى الاقيال والعباهلة وأقطعه أرضا وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان.
فخرج معه راجلا فشكى إليه حر الرمضاء فقال: انتعل ظل الناقة فقال: وما يغني عني ذلك لو جعلتني ردفا.
فقال له وائل: اسكت فلست من أرداف الملوك ثم عاش وائل بن حجر حتى وفد على معاوية وهو أمير المؤمنين فعرفه معاوية فرحب به وقربه وأدناه وأذكره الحديث وعرض عليه جائزة سنية فأبى أن يأخذها، وقال أعطها من هو أحوج إليها مني (3).
وأورد الحافظ البيهقي بعض هذا وأشار إلى أن البخاري
__________
(1) جابر بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضر بن ثعلبة البجلي الصحابي يكنى أبا عمرو، وقيل يكنى: أبا عبد الله.
اختلف في وقت إسلامه، انظر الروايات المختلفة في ذلك: الاصابة ج 1 / 232 والاستيعاب لابن عبد البر على هامش الاصابة 1 / 232 وأسد الغابة ج 1 / 279.
(2) في الاستيعاب وأسد الغابة، أبو هنيدة.
(3) الخبر في الاستيعاب على هامش الاصابة 3 / 642 وانظر ترجمته في أسد الغابة 5 / 80 والاصابة 3 / 628.
ودلائل النبوة للبيهقي ج 5 / 349، وانظر التاريخ الكبير للبخاري (4 / 175 - 176) ورواه الطبراني، والبزار وأبو نعيم بنحوه.
وابن سعد في الطبقات 1 / 349 في وفد حضرموت.
أما الكتب التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر: - من المعجم الصغير للطبراني ص 243، ومعجم البلدان مادة (يبعث) فيه:

في التاريخ روى في ذلك شيئا.
وقد قال الامام أحمد حدثنا حجاج أنبأنا شعبة عن سماك بن
حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا قال وأرسل معي معاوية أن أعطيها إياه - أو قال أعلمها إياه - قال فقال معاوية أردفني خلفك فقلت لا تكون من أرداف الملوك قال فقال أعطني نعلك فقلت انتعل ظل الناقة قال فلما استخلف معاوية أتيته فاقعدني معه على السرير فذكرني الحديث - قال سماك - فقال وددت أني كنت حملته بين يدي.
وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث شعبة وقال الترمذي صحيح.
وفادة لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن الامام أحمد: كتب إلي ابراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري: كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك فحدث
__________
= * بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية لابناء معشر أبناء ضمعاج، أقول شنوءة.
بما كان لهم فيها من ملك وموامر وعمران، وبحر وملحح ومحجر، وما كان لهم من مال أترثوه بايعت، ومالهم فيها من مال بحضرموت: أعلاها وأسفلها، مني الذمة والجوار، الله لهم جوار، والمؤمنون على ذلك أنصار.
- الصواب: أقوال شبوة.
وتروى الاقيال جمع قيل، ملك بلغة حمير.
- قوله موامر: الصواب مرامر، وهو الاراضي العامرة، وفي النهاية ومعجم البلدان: مزاهر.
- من البيان والتبيين للجاحظ ج 2 / 21، والعقد الفريد باب الوفود، ونهاية الارب للقلقشندي ص 220 ومعجم الطبراني الصغير ص 243 والطبقات الكبرى لابن سعد 1 / 287 وأسد الغابة 3 / 38.
* بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى الاقيال العباهلة من أهل حضرموت، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، على التيعة السائمة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس، لا خلاط، ولا وراط، ولا شناق، ولا شغار، ولا جلب، ولا جنب، وعليهم العون.
لسرايا المسلمين، على كل عشرة ما تحمل العراب فمن أجبى فقد أربى وكل مسكر حرام.
شرح مفرداته: - التيعة: اسم لادنى ما يجب فيه الزكاة من الحيوان.
- التيمة: الشاة الزائدة على الاربعين حتى تبلغ الفريضة الاخرى.
- السيوب: الركاز، قال الزمخشري: يريد به المال المدفون في الجاهلية، أو المعدن - خلاط: خلط الرجل ابله بإبل غيره - وراط: اخفاء الغنم عن المصدق، والشناق: هو ما بين الخمس إلى التسع.
والشغار: نكاح معروف في الجاهلية.
- من طبقات ابن سعد ج 1 / 287 و 349.
* هذا كتاب من محمد النبي لوائل بن حجر قيل حضرموت وذلك انك أسلمت وجعلت لك ما في يديك من الارضين والحصون وانه يؤخذ منك من كل عشرة واحد ينظر في ذلك ذو عدل وجعلت لك أن لا تظلم فيها ما قام الدين والنبي والمؤمنون عليه أنصار.

بذلك عني.
قال حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعي الانصاري القبائي، من بني عمرو بن عوف، عن دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر قال دلهم: وحدثنيه أبي الاسود، عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق قال لقيط فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا.
فقال: " أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام، ألا لاسمعنكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه " فقالوا أعلم لنا ما يقول رسول الله ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضلال ألا إني مسؤول هل بلغت ألا فاسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا أجلسوا (قال) فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني ابتغي لسقطه.
فقال: " ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله " وأشار بيده قلت وما هي ؟ قال علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه.
وعلم [ المني حين يكون في الرحم قد
علمه ولا تعلمون وعلم ] ما في غد وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مسنتين (1) فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب ".
قال لقيط: قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا - وعلم يو الساعة.
قلنا (2): يا رسول الله علمنا مما لا يعلم الناس ومما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد، من مذحج التي تربوا علينا وخثعم التي توالينا وعشيرتنا التي نحن منها قال: تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم، ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شئ إلا مات، والملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك عز وجل يطوف بالارض وقد خلت عليه البلاد، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه تخلقه من عند رأسه، فيستوي جالسا فيقول ربك عز وجل مهيم ؟ لما كان فيه - يقول: يا رب أمس اليوم، فلعهده بالحياة يتحسبه حديثا بأهله.
قلت: يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما تفرقنا الرياح والبلى والسباع.
فقال: انبئك بمثل ذلك في آلاء الله في الارض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت لا تحي أبدا.
ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك [ إلا ] أياما حتى أشرفت عليها وهي شرية (3) واحدة فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الارض فتخرجون من الاصواء (4) ومن مصارعكم فنتظرون إليه وينظر إليكم.
قال: قلت: يا رسول الله
__________
(1) الازل: الشدة، والمسنتين: من أصابتهم السنة - أي القحط.
(2) في المسند: قلت: يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس وما تعلم.
(3) الشرية: شجر الحنظل، والشرية بفتح الراء: الطريقة.
(4) الاصواء: القبور

وكيف ونحن ملء الارض، وهو عز وجل شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه فقال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما.
قلت: يا رسول الله فما يفعل [ بنا ] ربنا إذا لقيناه ؟ قال تعرضون عليه بادية له
صحائفكم ولا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح قبلكم بها، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة فأما المسلم فتدع على وجهه مثل الريطة (1) البيضاء وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الاسود ألا ثم ينصرف نبيكم، وينصرف على أثره الصالحون فتسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول حس فيقول ربك عز وجل أوانه (2) فتطلعون على حوض الرسول على أطماء والله ناهلة عليها ما رأيتها قط، فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والاذى وتحبس الشمس والقمر، فلا ترون منهما واحدا قال قلت: يا رسول الله فيم نبصر ؟ قال مثل بصرك ساعتك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الارض وواجهته الجبال.
قال قلت: يا رسول فيم نجزي من سيآتنا وحسناتنا.
قال: الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو.
قال قلت: يا رسول الله أما الجنة وأما النار.
قال: لعمر إلهك إن للنار سبعة أبواب ما منهن [ بابان ] (3) إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما [ وان للجنة لثمانية أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما ] قلت: يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة قال: على أنهار من عسل مصفى وأنها من كأس، ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك، ما تعلمون وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة قلت: يا رسول الله ولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات قال: الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذونكم غير أن لا توالد.
قال لقيط: قلت أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه [ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم ] قلت: يا رسول الله علام أبايعك فبسط [ النبي ] يده وقال على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك، وأن لا تشرك بالله إلها غيره.
قال قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه.
قال قلت: تحل منها حيث شئنا ولا يجني منها امرؤ إلا على نفسه، فبسط يده وقال: وذلك لك تحل حيث شئت ولا تجئ عليك إلا نفسك قال فانصرفنا عنه.
ثم قال: إن هذين من [ لعمر إلهك ] أتقى الناس [ في ] الاولى والآخرة فقال: له كعب بن الخدارية أحد بني كلاب منهم: يا رسول الله بنو المنتفق أهل ذلك منهم ؟ قال: فانصرفنا
وأقبلت عليه - وذكر تمام الحديث إلى أن قال - فقلت: يا رسول الله هل لاحد ممن مضى خير في
__________
(1) الريطة: الثوب اللين الرقيق.
(2) الاوان: الحين والزمان.
(3) من مسند أحمد، وفي الاصل: باب.

جاهليته قال: فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار، قال: فلكأنه وقع حر بين جلدتي وجهي ولحمي مما قال.
لاني على رؤس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم إذا الاخرى أجمل فقلت يا رسول الله: وأهلك ؟ قال: وأهلي لعمر الله، ما أتيت [ عليه ] (1) من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهك، وبطنك في النار.
قال قلت: يا رسول الله ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون.
قال: ذلك بأن الله يبعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه كان من الضالين ومن أطاع نبيه كان من المهتدين.
هذا حديث غريب جدا وألفاظه في بعضها نكارة وقد أخرجه الحافظ البيهقي في كتاب البعث والنشور، وعبد الحق الاشبيلي في العاقبة والقرطبي في كتاب التذكرة في أحوال الآخرة وسيأتي في كتاب البعث والنشور إن شاء الله تعالى.
وفادة زياد بن الحارث رضي الله عنه قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو أحمد (2) الاسد اباذي بها أنبأنا أبو بكر [ أحمد بن جعفر بن حمدان ] بن مالك القطيعي [ حدثنا: أبو علي: بشر بن موسى ] حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، حدثني زياد بن نعيم الحضرمي، سمعت زياد بن الحارث الصدائي يحدث.
قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الاسلام، فأخبرت أنه قد بعث جيشا إلى قومي، فقلت: يا رسول الله أردد الجيش وأنا لك باسلام قومي وطاعتهم.
فقال لي: اذهب فردهم، فقلت: يا رسول الله ! إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فردهم.
قال
الصدائي: وكتبت إليهم كتابا فقدم وفدهم باسلامهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا صداء ! إنك لمطاع في قومك، فقلت بل هو الله هداهم للاسلام فقال: " أفلا أومرك عليهم " قلت: بلى يا رسول الله، فكتب لي كتابا أمرني.
فقلت.
يا رسول الله مر لي بشئ من صدقاتهم، قال: نعم ! فكتب لي كتابا آخر.
قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره.
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، ويقولون: أخذنا بشئ كان بيننا وبين قومه في الجاهلية.
فقال رسول الله: أو فعل ذلك ؟ قالوا: نعم ! فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: لا خير في الامارة لرجل مؤمن، قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله أعطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن ".
فقال السائل: أعطني من الصدقة، فقال رسول الله إن [ الله ] لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك
__________
(1) ما وقع بين معكوفتين في الحديث من مسند الامام أحمد ج 4 / 13، 14 (2) الاسد أبادي واسمه الحسين بن علوش بن محمد بن نصر.

الاجزاء أعطيتك.
قال الصدائي: فدخل ذلك في نفسي أني غني وإني سألته من الصدقة، قال: ثم إن رسول الله اعتشى (1) من أول الليل فلزمته، وكنت قريبا، فكان أصحابه ينقطعون عنه، ويستأخرون منه ولم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة الصبح، أمرني فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر ناحية المشرق إلى الفجر، ويقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز، ثم انصرف إلي وهو متلاحق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء ؟ قلت: لا إلا شئ قليل لا يكفيك، فقال: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت فوضع كفه في الماء قال: فرأيت بين أصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا أني استحي من ربي عز وجل لسقينا واستقينا " ناد في أصحابي من له حاجة في الماء، فناديث فيهم فأخذ من أراد منهم شيئا ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم فقال له رسول الله: إن أخا
صداء أذن ومن أذن فهو يقيم ".
قال الصدائي: فأقمت، فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين، فقلت يا رسول الله أعفني من هذين.
فقال: ما بدا لك ؟ فقلت سمعتك يا رسول الله تقول: لا خير في الامارة لرجل مؤمن، وأنا أو من بالله وبرسوله وسمعتك تقول للسائل: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، وسألتك وأنا غني.
فقال: هو ذاك فإن شئت فاقبل وإن شئت فدع فقلت أدع فقال لي رسول الله: فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم، ثم قلنا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها، واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، فقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق ! فدعا سبع حصيات فعركهن بيده ودعا فيهن، ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فالقوا واحدة واحدة واذكروا الله.
قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني البئر (2).
وهذا الحديث له شواهد في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه.
وقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث بعد عمرة الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلي بلاد صداء فيوطئها، فبعثوا رجلا منهم فقال جئتك لترد عن قومي الجيش وأنا لك بهم، ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلا، ثم رأى منهم حجة الوداع مائة رجل، ثم روى الواقدي: عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قصته في الاذان.
__________
(1) اعتشى: أي سار وقت العشاء.
(2) خبر قدوم زياد رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 355 ورواه البغوي وابن عساكر وحسنه، ونقله الصالحي في السيرة الشامية 6 / 532.
وعن الواقدي روى ابن سعد في الطبقات ج 1 / 326 - 327.
أجزاء منه.

وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الامام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو المنذر: سلام بن سليمان النحوي،
حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل عن الحارث البكري.
قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها.
فقالت: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس ؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها.
قال: فجلست منزله أو قال رحله، فاستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت فسلمت، فقال: هل كان بينكم وبين تميم شئ ؟ قلت: نعم ! وكانت الدائرة عليهم ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب، فأذن لها فدخلت.
فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله أين يضطر مضرك قال قلت: إن مثلي ما قال الاول معزى حملت حتفها حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد.
قالت: هي وما وافد عاد ؟ وهي أعلم بالحديث منه ولكن تستطعمه.
قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة (1) فقال: اللهم انك تعلم لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه.
فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها: خذها رمادا رمددا، لا تبقي من عاد أحدا.
قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا بقدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا قال - أبو وائل وصدق - وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا: لا يكن كوافد عاد.
وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي المنذر سلام بن سليمان به، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن الحارث البكري، ولم يذكر أبا وائل وهكذا رواه الامام أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث والصواب عن عاصم عن أبي وائل عن الحارث كما تقدم (2).
وفادة عبد الرحمن بن أبي عقيل (3) مع قومه
قال أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي، أنبأنا أبو
__________
(1) في رواية أبي وائل: جبال تهامة.
(2) مسند الامام أحمد ج 3 / 481 و 482.
(3) اخنلفوا في نسبه، قال الكلبي: هو عبد الرحمن بن أبي عقيل بن مسعود بن معتب بن مالك كعب بن عمرو بن =

جعفر: محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، أنبأنا علي بن الجعد (1) عبد العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو خالد يزيد الاسدي، ثنا عون بن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل.
قال: انطلقت في وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا بالباب، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فلما دخلنا وخرجنا فما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه.
قال: فقال قائل منا: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان ؟ قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " فلعل صاحبك عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها، وإن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لامتي يوم القيامة " (2).
قدوم طارق بن عبيد الله وأصحابه روى الحافظ البيهقي: من طريق أبي جناب الكلبي، عن جامع بن شداد المحاربي، حدثني رجل من قومي يقال له طارق بن عبد الله قال: إني لقائم بسوق ذي المجاز، إذ أقبل رجل عليه جبة وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل يتبعه يرميه بالحجارة " وهو يقول " يا أيها الناس إنه كذاب " فقلت من هذا ؟ فقالوا هذا غلام من بني هاشم، يزعم أنه رسول الله قال قلت: من هذا الذي يفعل به هذا.
قالوا: هذا عمه عبد العزى، قال: فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها، فلما دنونا من حيطانها ونخلها، قلت: لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه، إذا رجل في طمرين، فسلم علينا وقال: من أين
أقبل القوم ؟ قلنا: من الربذة، قال: وأين تريدون ؟ قلنا، نريد هذه المدينة.
قال: ما حاجتكم منها ؟ قلنا: نمتار من تمرها، قال: ومعنا ظعينة لنا ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: أتبيعوني جملكم هذا ؟ قلنا: نعم ! بكذا وكذا صاعا من تمر.
قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئا، وأخذ بخطام الجمل وانطلق، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها، قلنا ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن يعرف ولا أخذنا له ثمنا قال: تقول المرأة التي معنا والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر أنا ضامنة لثمن جملكم، إذ أقبل الرجل فقال: [ أنا ] رسول الله إليكم، هذا تمركم فكلوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا، فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا فاستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فدخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول: " تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك.
إذ
__________
= سعد بن عوف بن ثقيف، واجمعوا على انه من ثقيف وان له صحبة.
قال في الاستيعاب: له صحبة صحيحة.
(1) في الدلائل: علي بن عبد العزيز.
(2) الخبر في الدلائل للبيهقي ج 5 / 358.
ورواه ابن منده والطبراني والبزار برجال ثقات.

أقبل رجل من بني يربوع أو قال: رجل من الانصار فقال: يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية.
فقال: " إن أبا لا يجني على ولد ثلاث مرات " (1).
وقد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق بن عبد الله المحاربي ببعضه.
ورواه الحافظ البيهقي أيضا عن الحاكم، عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن يزيد بن زياد، عن جامع عن (2) طارق بطوله كما تقدم.
وقال فيه فقالت الظعينة: لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر، ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.
قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان
قال ابن إسحاق: وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي، ثم النفاثي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا باسلامه وأهدى له بغلة بيضاء، وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام، فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذه فحبسوه عندهم.
فقال في محبسه ذلك: طرقت سليمى موهنا أصحابي * والروم بين الباب والقروان (3) صد الخيال وساءه ما قد رأى * وهممت أن أغفى وقد أبكاني لا تكحلن العين بعدي إثمدا * سلمى ولا تدين للاتيان ولقد علمت أبا كبيشة أنني * وسط الاعزة لا يحصن لساني فلئن هلكت لتفقدن أخاكم * ولئن بقيت ليعرفن مكاني ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى * من جودة وشجاعة وبيان قال: فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم يقال له عفرى بفلسطين.
قال: ألا هل أتى سلمى بأن حليلها * على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل على ناقة (4) لم يضرب الفحل أمها * مشذبة (5) أطرافها بالمناجل قال: وزعم الزهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال: بلغ سراة المسلمين بأنني * سلم لربي أعظمي ومقامى قال ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء، رحمة الله ورضي عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه.
__________
(1) الخبر في دلائل البيهقي ج 5 / 380 - 381.
(2) من الدلائل، وفي الاصل ونسخ البداية المطبوعة " بن " تحريف.
(3) القروان: جمع قرو: وهو حوض من خشب تسقى فيه الدواب وتلغ فيه الدواب.
(4) في دلائل البيهقي: على بكرة.
(5) في نسخ البداية المطبوعة: يشد به.
والمشذبة: التي أزيلت أغصانها.

قدوم تميم الداري على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروج النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان من آمن به أخبرنا أبو عبد الله سهل بن محمد بن نصرويه المروزي بنيسابور، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن القاضي، أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان، حدثنا يحيى بن جعفر بن الزبير، أنبأنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، قالت: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء فلقي إنسانا يجر شعره، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا الجساسة (1) قالوا: فأخبرنا، قال: لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة، فدخلناها فإذا رجل مقيد، فقال: من أنتم ؟ قلنا ناس من العرب، قال: ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم ؟ قلنا: قد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه.
قال: ذلك خير لهم، قال: أفلا تخبروني عن عين زغر (2) ما فعلت ؟ فأخبرناه عنها، فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار، ثم قال: ما فعل نخل بيسان هل أطعم بعد، فأخبرناه أنه قد أطعم، فوثب مثلها ثم قال: أما لو قد أذن لي في الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة.
قالت: فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث الناس، فقال: هذه طيبة وذاك الدجال (3) وقد روى هذا الحديث الامام أحمد ومسلم وأهل السنن، من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن فاطمة بنت قيس وقد أورد له الامام أحمد شاهدا من رواية أبي هريرة وعائشة أم المؤمنين وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه في كتاب الفتن.
وذكر الواقدي وفد الدارين من لخم وكانوا عشرة.
وفد بني أسد وهكذا ذكر الواقدي: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول سنة تسع وفد بني أسد وكانوا عشرة، منهم ضرار بن الازور، ووابصة بن معبد، وطليحة بن خويلد الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم وحسن إسلامه، ونفادة بن عبد الله بن خلف (4).
فقال له رئيسهم: حضرمي بن عامر يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم، في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثا.
فنزل فيهم
* (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للاسلام إن كنتم صادقين) * [ الحجرات: 17 ].
وكان فيهم قبيلة يقال لهم بنو الرتية (5) فغير اسمهم فقال أنتم بنو
__________
(1) سميت بالجساسة لتجسسها الاخبار للدجال، وعن عمرو بن العاص أنها دابة الارض المذكورة في القرآن.
(2) عين زغر: بضم أوله وفتح ثانيه.
قرية بمشارف الشام.
(3) أخرج الحديث البيهقي في الدلائل ج 5 / 416 - 417.
ورواه مسلم في كتاب الفتن (24) باب، الحديث (121) والحديث (119) مطولا.
(4) في طبقات ابن سعد: نقادة بالقاف، وله ترجمة في الاصابة، وذكره بالقاف وبالفاء.
(5) في ابن سعد عن الواقدي: بني الزنية.

الرشدة، وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفادة بن عبد الله بن خلف ناقة تكون جيدة للركوب وللحلب من غير أن يكون لها ولد معها فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له، فجاء بها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلبها فشرب منها وسقاه سؤره ثم قال: " اللهم بارك فيها وفيمن منحها " فقال: يا رسول الله وفيمن جاء بها فقال " وفيمن جاء بها ".
وفد بني عبس ذكر الواقدي: أنهم كانوا تسعة نفر وسماهم الواقدي فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا عاشركم " وأمر طلحة بن عبيد الله فعقد لهم لواء وجعل شعارهم يا عشرة، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم عن خالد بن سنان العبسي الذي قدمنا ترجمته في أيام الجاهلية، فذكروا أنه لا عقب له، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش قدمت من الشام وهذا يقتضي تقدم وفادتهم على الفتح والله أعلم.
وفد بني فزارة قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة السعدي.
قال: لما رجع رسول الله من تبوك وكان سنة تسع قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا، فيهم،
خارجة بن حصن، والحارث بن قيس بن حصن، وهو أصغرهم، على ركاب عجاف، فجاؤو مقرين بالاسلام، وسألهم رسول الله عن بلادهم.
فقال أحدهم: يا رسول الله أسننت بلادنا، وهلكت مواشينا وأجدب جناتنا (1)، وغرث عيالنا، فادع الله لنا، فصعد رسول الله المنبر ودعا فقال: " اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار، اللهم اسقنا سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم، ولا غرق، ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء ".
قال فمطرت فما رأوا السماء سبتا (2) فصعد رسول الله المنبر فدعا فقال: " اللهم حوالينا ولا علينا على الآكام والظراب وبطون الادوية ومنابت الشجر، فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب " (3).
وفد بني مرة قال الواقدي: إنهم قدموا سنة تسع، عند مرجعه من تبوك، وكانوا ثلاثة عشر رجلا منهم الحارث بن عوف، فأجازهم عليه السلام بعشر أواق من فضة، وأعطى الحارث بن عوف ثنتي عشرة
__________
(1) في ابن سعد جنابنا، والجناب: الناحية.
وأسننت: أي أصابتها السنة أي أجدبت ؟ ؟ وغرث: أي جاع.
(2) في ابن سعد: ستا.
(3) خبر قدوم وفود بني أسد وبني عبس وبني فزارة ذكره ابن سعد في الطبقات عن الواقدي في ج 1 / 292 و 295 و 296.

أوقية، وذكروا أن بلادهم مجدبة فدعا لهم.
فقال: " اللهم اسقهم الغيث " فلما رجعوا إلى بلادهم، وجدوها قد مطرت ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفد بني ثعلبة قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني ثعلبة عن أبيه.
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان، قدمنا عليه أربعة نفر، فقلنا: نحن رسل من خلفنا من قومنا، وهم يقرون بالاسلام، فأمر لنا بضيافة، وأقمنا أياما ثم جئناه لنودعه فقال
لبلال: أجزهم كما تجيز للوفد، فجاء ببقر (1) من فضة، فأعطى كل رجل منا خمس أواق، وقال: ليس عندنا دراهم، وانصرفنا إلى بلادنا.
وفد بني محارب قال الواقدي: حدثني محمد بن صالح عن أبي وجزة السعدي.
قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر فيهم: سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء، فأسلموا وقالوا: نحن على من وراءنا، ولم يكن أحد في تلك المواسم أفظ ولا أغلظ على رسول الله منهم، وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه القلوب بيد الله عز وجل " ومسح رسول الله وجه خزيمة بن سواء فصارت غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد، وانصرفوا إلى بلادهم (2).
وفد بني كلاب ذكر الواقدي: أنهم قدموا سنة تسع وهم ثلاثة عشر رجلا، منهم: لبيد بن ربيعة الشاعر، وجبار بن سلمى، وكان بينه وبين كعب بن مالك خلة، فرحب به وأكرمه وأهدى إليه، وجاؤوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه بسلام الاسلام، وذكروا له أن الضحاك بن سفيان الكلابي سار فيهم بكتاب الله وسنة رسوله التي أمره الله بها ودعاهم إلى الله فاستجابوا له وأخذ صدقاتهم من أغنيائهم فصرفها على فقرائهم.
وفد بني رؤاس بن (3) كلاب ثم ذكر الواقدي: أن رجلا يقال له عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس بن
__________
(1) في ابن سعد عن الواقدي: بنقر.
وبقر: قدر كبيرة واسعة، من التبقر أي التوسع أو سماها بذلك لانها تسع بقرة بتمامها (عن النهاية).
(2) في ابن سعد 1 / 299 عن الواقدي: إلى أهلهم.
(3) من طبقات ابن سعد وفي الاصل: من.

كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الله فقالوا: حتى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا، فذكر مقتلة كانت بينهم وأن عمرو بن مالك هذا قتل رجلا من بني عقيل قال: فشددت يدي في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه ما صنعت فقال لئن أتاني لاضرب ما فوق الغل من يده فلما جئت سلمت فلم يرد علي السلام وأعرض فأتيته عن يمينه فأعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت يا رسول الله إن الرب عز وجل ليرتضى فيرضى فأرض عني رضي الله عنك.
قال: " قد رضيت ".
وفد بني عقيل بن كعب ذكر الواقدي: أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعهم العقيق - عقيق بني عقيل - وهي أرض فيها نخيل وعيون وكتب بذلك كتابا: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعا ومطرفا وأنسا (1)، أعطاهم العقيق ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وطاعوا، ولم يعطهم حقا لمسلم ".
فكان الكتاب في يد مطرف.
قال: وقدم عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل وهو أبو رزين فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه، وقد قدمنا قدومه وقصته وحديثه بطوله ولله الحمد والمنة.
وفد بني قشير بن كعب وذلك قبل حجة الوداع، وقبل (2) حنين، فذكر فيهم، قرة بن هبيرة بن [ عامر بن ] (3) سلمة الخير بن قشير فأسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساه بردا وأمره أن يلي صدقات قومه فقال قرة حين رجع: حباها رسول الله إذ نزلت به * وأمكنها من نائل غير منفد فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة * وقد أنجحت حاجاتها من محمد عليها فتى لا يردف الذم رجله * يروى لامر العاجز المتردد (4)
وفد بني البكاء ذكر أنهم قدموا سنة تسع وأنهم كانوا ثلاثين رجلا، فيهم معاوية بن ثور بن عبادة بن البكاء
__________
(1) ربيع: هو الربيع بن معاوية بن خفاجة بن عمرو بن عقيل الخفاجي له ترجمة في الاصابة 2583.
مطرف بن عبد الله بن الاعلم بن عمرو بن ربيعة العقيلي ترجمته في الاصابة 3 / رقم 8017 وأنس هو ابن قيس بن المنتفق بن عامر عقيل الاصابة ج 1 رقم 276.
(2) في ابن سعد: وبعد حنين.
(3) من الاصابة.
(4) في ابن سعد: تروك لامر العاجز المتردد.

وهو يومئذ ابن مائة سنة ومعه ابن له يقال له بشر فقال: يا رسول الله إني اتبرك بمسك، وقد كبرت وابني هذا بر بي فامسح وجهه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وأعطاه أعنزا عفرا وبرك عليهن، فكانوا لا يصيبهم بعد ذلك قحط ولا سنة.
وقال: محمد بن بشر بن معاوية في ذلك: وأبي الذي مسح الرسول برأسه * ودعا له بالخير والبركات أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا * عفرا نواحل لسن باللحيات (1) يملان وفد الحي كل عشية * ويعود ذاك الملء بالغدوات بوركن من منح وبورك مانحا * وعليه منى ما حييت صلاتي وفد كنانة روى الواقدي بأسانيده: أن واثلة بن الاسقع الليثي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فصلى معه الصبح، ثم رجع إلى قومه فدعاهم وأخبرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال أبوه: والله لا أحملك أبدا وسمعت أخته كلامه فأسلمت وجهزته حتى سار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وهو راكب على بعير لكعب بن عجرة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد إلى أكيدر دومة فلما رجعوا عرض واثلة على كعب بن عجرة ما كان شارطه عليه من سهم الغنيمة فقال له كعب إنما حملتك لله
عز وجل.
وفد أشجع ذكر الواقدي: أنهم قدموا عام الخندق، وهم مائة رجل ورئيسهم مسعود (2) بن رخيلة فنزلوا شعب سلع فخرج إليهم رسول الله وأمر لهم بأحمال التمر، ويقال بل قدموا بعد ما فرغ من بني قريظة وكانوا سبع مائة رجل فوادعهم ورجعوا ثم أسلموا بعد ذلك.
وفد باهلة قدم رئيسهم مطرف بن الكاهن (3) بعد الفتح فأسلم.
وأخذ لقومه أمانا وكتب له كتابا فيه
__________
(1) في ابن سعد: عفرا نواجل ليس باللجبات، وفي الاصابة: عفرا ثواجل لسن باللجبات.
وثواجل: عظام البطون.
(2) وهو مسعود بن رخيلة بن عابد بن مالك بن حبيب بن نبيح بن ثعلبة بن قنفذ بن حلاوة بن سبيع بن بكر بن اشجع الاشجعي.
قال الطبري قاد اشجع يوم الاحزاب وهو مشرك.
له ترجمة في أسد الغابة (4 / 357.
الاصابة 3 / 410).
(3) وهو مطرف بن خالد بن نضلة الباهلي من بني قراض بن معن.
وبنو قراض داخل في بني باهلة وليس منهم، منهم باهليون بالادخال بالاصل (نهاية الارب للقلقشندي).
كتب له النبي صلى الله عليه وآله نصه كما في الطبقات 1 / 284، قسم منه في الاصابة وأوعز إليه في أسد الغابة: هذا كتاب من محمد رسول الله، لمطرف بن الكاهن ولمن سكن بيشه من باهلة.
ان من احيى أرضا مواتا بيضاء

الفرائض وشرائع الاسلام كتبه عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وفد بني سليم قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني سليم يقاله له: قيس بن نشبة (1) فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كله، ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام فأسلم، ورجع إلى قومه بني سليم فقال: سمعت ترجمة الروم وهينمة فارس وأشعار العرب، وكهانة الكهان وكلام
مقاول حمير، فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم، فأطيعوني وخذوا بنصيبكم منه، فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقديد وهم سبع (2) مائة.
ويقال كانوا ألفا وفيهم العباس بن مرداس وجماعة من أعيانهم فأسلموا وقالوا اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدما ففعل ذلك بهم.
فشهدوا معه الفتح والطائف وحنينا.
وقد كان راشد بن عبد ربه السلمي يعبد صنما فرآه يوما وثعلبان يبولان عليه فقال: أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب ثم شد عليه فكسره ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك ؟ قال غاوى بن عبد العزى.
فقال: بل أنت راشد بن عبد ربه واقطعه موضعا يقال له رهاط فيه عين تجري يقال لها عين الرسول وقال هو خير بني سليم وعقد له على قومه وشهد الفتح وما بعدها.
وفد بني هلال بن عامر وذكر في وفدهم: عبد عوف بن أصرم، فأسلم وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وقبيصة بن مخارق الذي له حديث في الصدقات، وذكر في وفد بني هلال زياد بن عبد الله بن مالك بن نجير (3) بن الهدم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر فلما دخل المدينة يمم منزل خالته ميمونة بنت الحارث فدخل عليها فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله رآه فغضب ورجع.
فقالت: يا رسول الله انه ابن أختي (4) فدخل ثم خرج إلى المسجد، ومعه فصلى الظهر ثم أدنا زيادا فدعا له ووضع يده على رأسه ثم حدرها على طرف أنفه فكانت بنو هلال تقول: ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد.
وقال الشاعر لعلي بن زياد:
__________
= فيها م ؟ اخ الانعام ومراح، فهي له، وعليهم في كل ثلثين من البقر فارض وفي كل أربعين من الغنم عتود، وفي كل خمسين من الابل ثاغية مسنة، وليس للمصدق ان يصدقها إلا في مراعيها، وهم آمنون بأمان الله.
(1) في ابن سعد: قيس بن نسيبة، وقيس بن نشبة السلمي في الاصابة وله ترجمة 3 / 260.
(2) في ابن سعد: تسعمائة.
(3) في ابن سعد: ابن بجير بن الهزم.
(4) ذكرها ابن سعد قال: غرة بنت الحارث، وذكرها في الاصابة: عزة.

إن الذي (1) مسح الرسول برأسه * ودعا له بالخير عند المسجد أعني زيادا لا أريد سواءه * من عابر (2) أو متهم أو منجد ما زال ذاك النور في عرنينه * حتى تبوأ بيته في ملحد وفد بني بكر بن وائل ذكر الواقدي: أنهم لما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة.
فقال: ليس ذاك منكم ذاك رجل من إياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظ والناس مجتمعون فكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه.
قال: وكان في الوفد بشير بن الخصاصية (3) وعبد الله بن مرثد وحسان بن خوط.
فقال رجل من ولد حسان: أنا وحسان بن خوط وأبي * رسول بكر كلها إلى النبي وفد بني تغلب ذكر أنهمو كانوا ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رمله بنت الحارث فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم النصارى على أن لا يضيعوا (4) أولادهم في النصرانية وأجاز المسلمين منهم.
وفادات أهل اليمن: وفد تجيب (5) ذكر الواقدي: أنهم قدموا سنة تسع، وأنهم كانوا ثلاثة رجلا فأجازهم أكثر ما أجاز غيرهم، وأن غلاما منهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك ؟ فقال يا رسول الله أدع الله يغفر لي ويرحمني ويجعل غنائي في قلبي.
فقال: " اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه ".
فكان بعد ذلك من أزهد الناس.
وفد خولان (6)
ذكر أنهم كانوا عشرة، وأنهم قدموا في شعبان سنة عشر، وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
__________
(1) في الاصابة: يا بن الذي...(2) في ابن سعد: من عاثر.
(3) وهو بشير بن معبد بن شراحيل بن سبع بن ضبارى بن سدوس بن سنان بن ذهل السدوسي، والخصاصية أمه، قال ابن عبد البر: هي جدته (الاصابة).
(4) في ابن سعد عن الواقدي: يصبغوا.
وقال القلقشندي في نهاية الارب: بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصيبين وتعرف ديارهم بديار ربيعة، وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم.
(ص 176).
(5) بنو تجيب: بطن من كندة وهم بنو أشرس بن شبيب بن السكون بن كندة، وتجيب: أمهم.
(6) بنو خولان: بطن من كهلان من القحطانية، وهم بنو خولان بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب عن عريب بن زيد بن كهلان، وبلادهم في بلاد اليمن من شرقيه.
(نهاية الارب: 231).

صنمهم الذي كان يقال له: عم أنس، فقالوا: أبدلناه خيرا منه ولو قد رجعنا لهدمناه، وتعلموا القرآن والسنن فلما رجعوا هدموا الصنم، وأحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله.
وفد جعفي (1) ذكر أنهم كانوا يحرمون أكل القلب، فلما أسلم وفدهم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل القلب وأمر به فشوي وناوله رئيسهم وقال لا يتم إيمانكم حتى تأكلوه (ه ؟) حذه ويده ترعد فأكله وقال: على أني أكلت القلب كرها * وترعد حين مسته بناني بسم الله الرحمن الرحيم فصل في قدوم الازد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة والحافظ أبو موسى المديني من حديث أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني قال: حدثني علقمة بن مرثد (2) بن سويد الازدي، قال: حدثني أبي عن جدي عن سويد بن الحارث.
قال: وفدت سابع سبعة من قومي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال: ما أنتم ؟ قلنا مؤمنون فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم " قلنا خمس عشرة خصلة، خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ " قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت.
قال: " وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها ؟ " قلنا أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا.
فقال: " وما الخمسة التي (3) تخلقتم بها في الجاهلية ؟ ".
قالوا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضى بمر القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالاعداء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء " ثم قال: " وأنا أزيدكم خمسا فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون، فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما تسكنون، ولا تنافسوا في شئ أنتم عنه غدا تزولون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما
__________
(1) بنو جعفى: بطن من سعد العشيرة من القحطانية والنسبة إليهم جعفي، وفد منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله قيس بن سلمة، وسلمة بن يزيد، وكتب لقيس كتابا ذكره ابن سعد في الطبقات ج 1 / 325.
وبنو جعفى في مخلافهم باليمن بينه وبين اليمن اثنان وثمانون فرسخا.
(2) في أسد الغابة والاصابة: علقمة بن يزيد.
(3) من أسد الغابة، وفي الاصل: الذي.

عليه تقدمون، وفيه تخلدون ".
فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا بها.
ثم ذكر: وفد كندة وأنهم كانوا بضعة عشر راكبا عليهم الاشعث بن قيس وأنه أجازهم بعشر أواق وأجاز
الاشعث ثنتي عشرة أوقية وقد تقدم.
وفد الصدف (1) قدموا في بضعة عشر راكبا فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، فجلسوا ولم يسلموا فقال: " أمسلمون أنتم ؟ " قالوا: نعم ! قال " فهلا سلمتم " فقاموا قياما فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فقال: " وعليكم السلام، أجلسوا " فجلسوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلوات.
وفد خشين قال: وقدم أبو ثعلبة الخشني ورسول الله يجهز إلى خيبر فشهد معه خيبر، ثم قدم بعد ذلك بضعة (2) عشر رجلا منهم فأسلموا.
وفد بني سعد ثم ذكر وفد بني سعد هذيم وبلي وبهراء وبني عذرة وسلامان وجهينة وبني كلب والجرميين.
وقد تقدم الحديث عمرو بن سلمة الجرمي في صحيح البخاري.
وذكر: وفد الازد وغسان والحارث بن كعب وهمدان وسعد العشيرة وقيس (3)، ووفد الداريين والرهاووين، وبني عامر والمسجع وبجيلة وخثعم وحضرموت.
وذكر فيهم وائل بن حجر وذكر فيهم الملوك الاربعة حميدا ومخوسا ومشرجا وأبضعه (4).
وقد ورد في مسند أحمد لعنهم مع أختهم العمردة (5) وتكلم الواقدي كلاما فيه طول.
__________
(1) بنو الصدف: حي من حضرموت.
والصدف هو ابن مالك بن مراتع بن كندة، سمي الصدف لانه صدف عن قومه حين أتاهم سيل العرم، ثم لحق بكندة فنزل بهم، والنسبة إليهم صدفي.
(نهاية الارب - القلقشندي 68).
(2) في ابن سعد: سبعة نفر.
وبنو خشين بطن من قضاعة من القحطانية، وهم بنو خشين بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.
(نهاية الارب 229).
(3) في رواية ابن سعد عن الواقدي: وعنس.
(4) في ابن سعد: حمدة ومخوس ومشرح وأبضعة وهم ملوك بني وليعة.
(5) في الاصل: مع أخيهم الغمر، وأثبتنا ما في القاموس ولعله الاصح.

وذكر وفد أزد عمان وغافق وبارق وثمالة والحدار (1) وأسلم وجذام ومهرة وحمير ونجران وحيسان (2).
وبسط الكلام على هذه القبائل بطول جدا، وقد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك وفيما أوردناه كفاية والله أعلم.
ثم قال الواقدي.
وفد السباع حدثني شعيب بن عبادة عن المطلب بن عبد الله بن حنظب قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بالمدينة في أصحابه أقبل ذئب فوقف بين يديه فعوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا وافد السباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره وإن أحببتم تركتموه وتحذرتم منه فما أخذ فهو رزقه ".
قالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشئ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأصابعه الثلاث: أي خالسهم فولى وله عسلان.
وهذا مرسل من هذا الوجه ويشبه هذا الذئب الذئب الذي ذكر في الحديث الذي رواه الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا القاسم بن الفضل الحداني (3)، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.
قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبها الراعي، فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه فقال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي، فقال: يا عجبا ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الانس.
فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق.
قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه، حتى دخل المدينة فزاواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للاعرابي: أخبرهم، فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الانس وتكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده " (4).
وقد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع بن الجراح، عن أبيه عن القاسم بن الفضل به، وقال حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث
القاسم بن الفضل به وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدي.
قلت: وقد رواه الامام أحمد أيضا: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب هو ابن أبي حمزة حدثني عبد الله بن أبي الحسين، حدثني مهران، أنبأنا أبو سعيد الخدري حدثه، فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق.
ثم رواه أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد بن بهرام، ثنا شهر،
__________
(1) والحدان في ابن سعد.
(2) جيشان في رواية الواقدي، وقد ذكر وفاداتهم ابن سعد في طبقاته عن الواقدي ج 1 / 329 - 359.
(3) في نسخ البداية المطبوعة الحراني، تحريف.
والحداني نسبة إلى محلة بالبصرة نزلها لطن من الازد يقال لهم حدان.
اللباب 1 / 284.
(4) رواه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 83 - 84، وروى الترمذي جزء منه في كتاب الفتن - باب ما جاء في كلام السباع (4 / 476)، ورواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 41.

قال: وحدث أبو سعيد فذكره وهذا السياق أشبه والله أعلم وهو إسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه (1).
فصل وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة، وقد تقصينا الكلام في ذلك عند قوله تعالى في سورة الاحقاف * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) * فذكرنا ما ورد من الاحاديث في ذلك والآثار وأوردنا حديث سواد بن قارب الذي كان كاهنا فأسلم.
وما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم [ الرئي ] (2) حين قال له: عجبت للجن وانجاسها * وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمن الجن كأرجاسها فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى راسها ثم قوله:
عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس باقتابها تهوي إلى مكة تبغى الهدى * ليس قدامها كأذنابها فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى بابها عجبت للجن وتخبارها * وشدها العيس بأكوارها ثم قوله: تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ليس ذوو الشر كأخيارها فانهض إلى الصفوة من هاشم * ما مؤمنوا الجن ككفارها وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة وقد قررنا ذلك هنالك بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة وبه التوفيق.
وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي هاهنا حديثا غريبا جدا بل منكرا أو موضوعا ولكن مخرجه عزيز أحببنا أن نورده كما أورده والعجب منه فإنه قال في دلائل النبوة (3): باب [ ما روي في ] قدوم هامة بن هيم (4) بن لاقيس بن إبليس على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه.
أخبرنا أبو الحسين (5) محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله أنبأنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل القاري المروزي، ثنا
__________
(1) رواه أحمد في مسنده ج 3 / 88.
ونقل قصة الذئب السيوطي في الخصائص الكبرى (2 / 61) وعزاها لاحمد، ولابن سعد والبزار، وللحاكم وللبيهقي ولابي نعيم من طرق عن أبي سعيد الخدري.
(2) من سيرة ابن كثير.
(3) دلائل النبوة ج 5 / 418، وما بين معكوفتين في الخبر زيادة استدركت من الدلائل.
(4) من الدلائل، وفي الاصل هيثم.
(5) من الدلائل وفي الاصل: أبو الحسن.

عبد الله بن حماد الآملي، ثنا محمد بن أبي معشر، أخبرني أبي، عن نافع عن ابن عمر.
قال: قال عمر رضي الله عنه: بينا نحن قعود مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده
عصا، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد [ عليه السلام ] ثم قال: " نغمة جن وغمغمتهم من أنت ؟ " قال أنا هامة بن هيم بن لاقيس بن إبليس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فما بينك وبين إبليس إلا أبوان، فكم أتى لك من الدهر " قال: قد افنيت الدنيا عمرها إلا قليلا ليالي قتل قابيل هابيل كنت غلاما ابن أعوام أفهم الكلام، وأمر بالآكام، وآمر بافساد الطعام، وقطيعة الارحام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بئس عمل الشيخ المتوسم، والشباب المتلوم " قال ذرني من الترداد إني تائب إلى الله عز وجل، إني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني، وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قال: قلت: يا نوح إني كنت ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم فهل تجد لي عندك توبة ؟ قال: يا هام هم بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله علي أنه ليس من عبد تاب إلى الله بالغ أمره ما بلغ إلا تاب الله عليه، قم فتوضأ وأسجد لله سجدتين.
قال: ففعلت من ساعتي ما أمرني به.
فناداني: أرفع رأسك فقد نزلت توبتك من السماء فخررت لله ساجدا، قال: وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني، فقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، قال: وكنت مع صالح في مسجده، مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني وقال: أنا على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وكنت أزور يعقوب، وكنت مع يوسف في المكان الامين، ومنت ألقى الياس في الاودية وأنا القاه الآن، وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة وقال: إن لقيت عيسى ابن مريم فأقره مني السلام.
وإني لقيت عيسى ابن مريم فأقرأته عن موسى السلام، وإن عيسى قال: إن لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه فبكى ثم قال: وعلى عيسى السلام، ما دامت الدنيا، وعليك السلام يا هام بأدائك الامانة.
قال: يا رسول الله افعل بي ما فعل موسى إنه علمني من التوراة، قال: فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعت الواقعة والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وقال:
" ارفع إلينا حاجتك يا هامة، ولا تدع زيارتنا ".
قال عمر: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعد إلينا فلا ندري الآن أحي هو أم ميت ؟ ثم قال البيهقي: ابن أبي معشر هذا قد روى عنه الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه.
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر هو أقوى منه والله أعلم (1).
__________
(1) رواه العقيلي في الضعفاء وقال: لا أصل له.
وابن مردويه في التفسير، وأبو نعيم في الحلية والدلائل، و عبد الله بن الامام أحمد في زوائد الزهد.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأشار إليه في مقدمة كتابه (الوفاء) والسيوطي في اللالئ المصنوعة 1 / 174

سنة عشر من الهجرة باب بعث رسول الله خالد بن الوليد قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الاولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الاسلام، قبل أن يقاتلهم، ثلاثا فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون إلى الاسلام ويقولون: أيها الناس: أسلموا تسلموا، فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمره رسول الله إن هم أسلموا ولم يقاتلوا.
ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو: أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الاسلام، فإن أسلموا [ أقمت بهم و ] (1) قبلت منهم، وعلمتهم معالم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم، وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الاسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول، وبعثت فيهم ركبانا: [ قالوا ] (2) يا بني الحارث أسلموا تسلموا فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم
الاسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد، فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الاسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشرهم وأنذرهم، وأقبل، وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ".
فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب، منهم قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، و عبد الله بن قراد (3) الزيادي، وشداد بن عبيد (4) الله القناني، وعمرو بن عبد الله الضبابي (5).
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من ابن هشام.
(2) من ابن هشام.
(3) قوله: قراد، وفي الطبري قريظ، وفي الاصابة: قداد، وفي أسد الغابة: قداذ.
(4) في ابن هشام والطبري: عبد الله.
(5) الضبابي: بكسر الضاد، قال السهيلي: وبالفتح في نسب النابغة الذبياني، وبالضم: في بني بكر.

ورآهم.
قال من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند ؟ قيل: يا رسول الله هؤلاء بنو الحارث بن كعب، فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.
ثم قال: " أنتم الذين إذا زجروا استقدموا " فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية ثم الثالثة فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة.
قال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله ! نحن الذين إذا زجروا استقدموا قالها أربع مرات.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن خالدا لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لالقيت رؤوسكم تحت أقدامكم ".
فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك ولا
حمدنا خالدا.
قال فمن حمدتم ؟ قالوا حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقتم.
ثم قال: بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا: لم نك نغلب أحدا، قال بلى، كنتم تغلبون من قاتلكم.
قالوا: كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله إنا كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم قال: " صدقتم " ثم أمر عليهم قيس بن الحصين.
قال ابن إسحاق: ثم رجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة، قال: ثم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتاب عهد إليه فيه عهده وأمره أمره، ثم أورده ابن أسحاق وقد قدمناه في وفد ملوك حمير (1) من طريق البيهقي وقد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الامراء إلى أهل اليمن قال البخاري: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.
حدثنا موسى، ثنا أبو عوانة ثنا عبد الملك، عن أبي بردة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان، ثم قال: " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " وفي رواية: وتطاوعا ولا تختلفا وانطلق كل واحد منهما إلى عمله، قال: وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا [ فسلم عليه ] (2) فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، فإذا هو جالس وقد اجتمع الناس إليه، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ يا عبد الله بن قيس أيم هذا قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جئ به لذلك، فانزل، قال: ما أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل ثم نزل.
فقال: يا عبد الله كيف تقرأ
__________
(1) انظر الكتاب في هذا الجزء ص 89.
(2) من البخاري في: 64 كتاب المغازي (60) باب فتح الباري ج 8.

القرآن ؟ قال: أتفوقه (1) تفوقا قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ ؟ قال أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فاقرأ ما كتبت الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي (2).
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.
ثم قال البخاري: ثنا إسحاق، ثنا خالد، عن الشيباني، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الاشعري.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال ما هي ؟ قال: البتع والمزر فقلت لابي بردة: ما البتع ؟ قال نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير.
فقال: " كل مسكر حرام " رواه جرير وعبد الواحد عن الشيباني عن أبي بردة (3).
ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة.
وقال البخاري: حدثنا حبان، أنبأنا عبد الله، عن زكريا بن أبي إسحاق، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: " إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فان هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فان هم أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " (4).
وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثني راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني، عن معاذ بن جبل.
قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت بوجهه نحو المدينة فقال: " إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا " ثم رواه عن أبي اليمان، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني: أن معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال يا معاذ " إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي
هذا وقبري " فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لا تبك يا معاذ، للبكاء أوان، البكاء من الشيطان " (5).
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثني أبو زياد يحيى بن
__________
(1) أتفوقه تفوقا: أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شئ وحينا بعد حين، مأخوذ من فواق الناقة: وهي ان تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب.
(2) فتح الباري ج 8 / 60 الحديث 4341.
(3) فتح الباري الحديث 4342.
ج 8 / 61.
(4) فتح الباري الحديث 4347.
ج 8 / 64.
(5) مسند الامام أحمد ج 5 / 235.

عبيد الغساني، عن يزيد بن قطيب، عن معاذ أنه كان يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: " لعلك أن تمر بقبري ومسجدي فقد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم يقاتلون على الحق مرتين، فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك، ثم يفيئون إلى الاسلام حتى تبادر المرأة زوجها والولد والده والاخ أخاه، فانزل بين الحيين السكون والسكاسك ".
وهذا الحديث فيه إشارة وظهور وإيماء إلى أن معاذا رضي الله عنه، لا يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وكذلك وقع فإنه أقام باليمن حتى كانت حجة الوداع، ثم كانت وفاته عليه السلام بعد أحد وثمانين يوما من يوم الحج الاكبر.
فأما الحديث الذي قال الامام أحمد: حدثنا وكيع عن الاعمش عن أبي ظبيان، عن معاذ أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك قال: " لو كنت آمر بشرا أن يسجد لبشر لامرت المرأة أن تسجد لزوجها " وقد رواه أحمد، عن ابن نمير عن الاعمش: سمعت أبا ظبيان يحدث عن رجل من الانصار عن معاذ بن جبل قال: أقبل معاذ من اليمن فقال: يا رسول الله إني رأيت رجالا.
فذكر معناه.
فقصد دار على رجل منهم ومثله لا يحتج به ولا سيما وقد خالفه غيره ممن يعتد به فقالوا: لما قدم معاذ من الشام كذلك رواه أحمد ثنا إبراهيم بن مهدي، ثنا إسماعيل بن عياش،
عن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " وقال أحمد: ثنا وكيع، وثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معاذ اتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن " قال وكيع وجدته في كتابي، عن أبي ذر: وهو السماع الاول، وقال سفيان مرة عن معاذ ثم قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، عن ليث، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ.
أنه قال: يا رسول الله أوصني، فقال: " اتق الله حيثما كنت، قال: زدني قال اتبع السيئة الحسنة تمحها، قال: زدني، قال: خالف الناس بخلق حسن ".
وقد رواه الترمذي في جامعه: عن محمود بن غيلان، عن وكيع، عن سفيان الثوري به وقال: حسن.
قال شيخنا في الاطراف وتابعه فضيل بن سليمان، عن ليث بن أبي سليم، عن الاعمش عن حبيب به.
وقال أحمد: ثنا أبو اليمان، ثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن معاذ بن جبل.
قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: " لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن [ والديك ] (1) وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن بالمعصية يحل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك
__________
(1) من مسند أحمد.

الناس، وإذا أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأحبهم في الله عز وجل " وقال الامام أحمد: ثنا يونس، ثنا بقية، عن السري بن ينعم، عن شريح، عن مسروق عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن.
قال: " إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين " وقال أحمد: ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا أبو بكر - يعني ابن عياش - ثنا عاصم، عن أبي وائل عن معاذ قال: بعثني رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عد له من المعافر، وأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعا حوليا وأمرني فيما سقت السماء العشر، وما سقى بالدوالي نصف العشر " وقد رواه أبو داود من حديث أبي معاوية والنسائي من حديث محمد بن إسحاق عن الاعمش كذلك.
وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق عن الاعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ وقال أحمد: ثنا معاوية عن عمرو وهارون بن معروف قالا: ثنا عبد الله بن وهب عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب، عن سلمة بن أسامة، عن يحيى بن الحكم.
أن معاذا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا قال هارون - والتبيع الجذع أو جذعة - ومن كل أربعين مسنة، فعرضوا على أن آخذ ما بين الاربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فأبيت ذلك.
وقلت لهم: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسننات أو أربعة أتباع، قال: وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذع وزعم أن الاوقاص (1) لا فريضة فيها.
وهذا من أفراد أحمد، وفيه دلالة على أنه قدم بعد مصيره إلى اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحيح إنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كما تقدم في الحديث.
وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبي بن كعب بن مالك، قال: كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى كان عليه دين أغلق ماله فكلم رسول الله في أن يكلم غرماءه ففعل.
فلم يضعوا له شيئا، فلو ترك لاحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فدعاه رسول الله فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه.
قال: فقام معاذ ولا مال له، قال: فلما حج رسول الله بعث معاذا إلى اليمن قال: فكان أول من تجر في هذا المال معاذ، قال: فقدم على أبي بكر الصديق من اليمن وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء عمر ؟
فقال: هل لك أن تطيعني، فتدفع هذا المال إلى أبي بكر، فإن أعطاكه فاقبله، قال فقال معاذ: لم أدفعه إليه وإنما بعثني رسول الله ليجيرني، فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبي بكر فقال: أرسل إلى
__________
(1) الاوقاص: ما بين الفريضتين في الزكاة.

هذا الرجل فخذ منه ودع له.
فقال أبو بكر: ما كنت لافعل، وإنما بعثه رسول الله ليجيره، فلست آخذ منه شيئا.
قال: فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر فقال: ما أرى إلا فاعل الذي قلت، إني رأيتني البارحة في النوم - فيما يحسب عبد الرزاق قال - أجر إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، قال: فانطلق إلى أبي أبكر بكل شئ جاء به حتى جاءه بسوطه وحلف له أنه لم يكتمه شيئا.
قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: هو لك لا آخذ منه شيئا (1).
وقد رواه أبو ثور (2) عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك فذكره إلا أنه قال: حتى إذا كان عام فتح مكة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميرا، فمكث حتى قبض رسول الله، ثم قدم في خلافة أبي بكر، وخرج إلى الشام.
قال البيهقي: وقد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بمكة مع عتاب بن أسيد ليعلم أهلها، وأنه شهد غزوة تبوك، فالاشبه أن بعثه إلى اليمن كان بعد ذلك والله أعلم، ثم ذكر البيهقي لقصة منام معاذ شاهدا من طريق الاعمش عن أبي وائل عن عبد الله وأنه كان من جملة ما جاء به عبيد فأتى بهم أبا بكر، فلما رد الجميع عليه رجع بهم، ثم قام يصلي، فقاموا كلهم يصلون معه فلما انصرف.
قال لمن صليتم.
؟ قالوا: لله قال: فأنتم له عتقاء فأعتقهم (3).
وقال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي عون، عن الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال: كيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال: فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال: اجتهد وإني لا آلو.
قال فضرب رسول الله صدري ثم قال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله " (4.
وقد رواه أحمد: عن وكيع، عن عفان، عن شعبة باسناده ولفظه.
وأخرجه أبو
داود والترمذي من حديث شعبة به وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل.
وقد رواه ابن ماجه من وجه آخر عنه إلا أنه من طريق محمد بن سعد بن حسان - وهو المصلوب أحد الكذابين - عن عياذ بن بشر، عن عبد الرحمن، عن معاذ به نحوه، وقد روى الامام أحمد عن محمد بن جعفر، ويحيى بن سعيد، عن شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن معمر، عن أبي الاسود الدئلي.
قال: كان معاذ باليمن
__________
(1) الخبر رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 405 - 406، وأخرجه بتمامه أبو نعيم في حلية الاولياء 1 / 231، وأخرجه الحاكم مختصرا في مستدركه (3 / 273).
(2) في دلائل البيهقي: ابن ثور، وفي نسخة للدلائل: أبو ثور.
وفي الحاشية: هو محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد الثقة، له ترجمة في التهذيب 9 / 87.
(دلائل النبوة ج 5 / 405).
(3) دلائل البيهقي ج 5 / 405، وحلية الاولياء لابي نعيم ج 1 / 232 رواه مرسلا، ووصله الحاكم في المستدرك 3 / 273.
(4) مسند الامام أحمد ج 5 / 230 و 236 و 242.

فارتفعوا إليه في يهودي مات وترك أخا مسلما.
فقال معاذ: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الاسلام يزيد ولا ينقص " فورثه.
ورواه أبو داود: من حديث ابن بريدة به.
وقد حكى هذا المذهب عن معاوية بن أبي سفيان، ورواه عن يحيى بن معمر القاضي، وطائفة من السلف وإليه ذهب إسحاق بن راهويه وخالفهم الجمهور، ومنهم الائمة الاربعة وأصحابهم محتجين بما ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر " والمقصود أن معاذ رضي الله عنه كان قاضيا للنبي صلى الله عليه وسلم باليمن وحاكما في الحروب ومصدقا إليه تدفع الصدقات كما دل عليه حديث ابن عباس المتقدم، وقد كان بارزا للناس يصلي بهم الصلوات الخمس كما قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، ثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون، أن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح
فقرأ: * (واتخذ الله ابراهيم خليلا) * فقال رجل من القوم: لقد قرت عين إبراهيم (1).
انفرد به البخاري.
ثم قال البخاري: باب (2) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع حدثنا أحمد بن عثمان، ثنا شريح بن مسلمة، ثنا ابراهيم بن يوسف [ بن اسحاق ] بن أبي إسحاق، حدثني أبي، عن أبي اسحاق سمعت البراء بن عازب قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن قال: ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه قال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه قال: فغنمت أواقي ذات عدد انفرد به البخاري من هذا الوجه ثم قال البخاري حدثنا محمد بن بشار، ثنا روح بن عبادة، ثنا علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا ؟ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: " يا بريدة [ أ ] تبغض عليا ؟ فقلت: نعم فقال: " لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك " (3).
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الجليل قال انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابنا بريدة فقال عبد الله بن بريدة: حدثني أبو بريدة قال: أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط، قال: وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا قال فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا قال فأصبنا سبيا قال فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعث إلينا من يخمسه قال فبعث إلينا عليا وفي السبي وصيفة من أفضل السبي.
قال: فخمس وقسم فخرج
__________
(1) أخرجه البخاري في المغازي (60) باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن.
فتح الباري 8 / 65.
(2) كتاب المغازي - 61 باب فتح الباري ج 8 / 65.
(3) فتح الباري 8 / 65 - 66 الحديثان 4349 - 4350.
وما بين معكوفتين من الفتح.

ورأسه يقطر فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا ؟ فقال ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي، فإني قسمت، وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها، قال، فكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت أبعثني فبعثني مصدقا فجعلت أقرأ الكتاب وأقوله صدق قال: فأمسك يدي والكتاب فقال: " أتبغض عليا " قال: قلت نعم ؟ قال " فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة " قال: فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي.
قال عبد الله بن بريدة فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة (1).
تفرد به بهذا السياق عبد الجليل بن عطية الفقيه أبو صالح البصري وثقه ابن معين وابن حبان.
وقال البخاري: إنما يهم في الشئ وقال محمد بن إسحاق: ثنا أبان بن صالح، عن عبد الله بن نيار الاسلمي عن خاله عمرو بن شاس الاسلمي وكان من أصحاب الحديبية.
قال: كنت مع علي بن أبي طالب في خيله التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فجفاني علي بعض الجفاء.
فوجدت في نفسي عليه فلما قدمت المدينة، اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته، فأقبلت يوما ورسوله الله جالس في المسجد، فلما رآني أنظر إلى عينيه نظر إلي حتى جلست إليه فلما جلست إليه قال: " إنه والله يا عمرو بن شاس لقد آذيتني " فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أعوذ بالله والاسلام أن أوذي رسول الله.
فقال: " من آذى عليا فقد آذاني " وقد رواه البيهقي من وجه آخر: عن ابن إسحاق عن أبان بن [ صالح، عن ] الفضل بن معقل بن سنان عن عبد الله بن نيار عن خاله عمرو بن شاس فذكره بمعناه (2).
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو إسحاق (3) المولى ثنا عبيدة بن أبي السفر: سمعت إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي إسحاق عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام.
قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا، إلا رجلا كان ممن [ يمم ] مع خالد، فأحب أن يعقب مع علي فليعقب معه.
قال
البراء: فكنت فيمن عقب مع علي، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، ثم تقدم فصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال: " السلام على همدان السلام على همدان ".
قال البيهقي: رواه البخاري مختصرا من وجه
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 5 / 351 و 359.
(2) الخبر في دلائل البيهقي ج 5 / 395، وأخرجه الامام أحمد في مسنده 3 / 483.
وما بين معكوفين من الدلائل.
(3) العبارة في الدلائل: حدثنا أبو اسحاق: ابراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، أنبأنا أبو عبد الله: أحمد بن علي الجوزجاني، حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر...

آخر عن ابراهيم بن يوسف (1).
وقال البيهقي: أنبأنا أبو الحسين [ محمد بن الحسين ] محمد بن الفضل القطان، أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان، [ حدثنا أبو اسحاق: اسماعيل بن إسحاق القاضي ] ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري.
أنه قال: بعث رسول الله علي بن أبي طالب إلى اليمن.
قال أبو سعيد، فكنت فيمن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة، سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا - وكنا قد رأينا في إبلنا خللا - فأبى علينا، وقال: إنما لكم فيها سهم كما للمسلمين.
قال، فلما فرغ علي وانطفق من اليمن راجعا، أمر علينا إنسانا وأسرع هو وأدرك الحج، فلما قضى حجته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم.
" ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم " قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت، ورأى أثر الركب، قدم الذي أمره ولامه.
فقلت: أما أن الله علي لئن قدمت المدينة لاذكرن لرسول الله، ولاخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني وقف معي، ورحب بي وساءلني وساءلته.
وقال متى قدمت ؟ فقلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل، وقال هذا سعد بن مالك بن الشهيد.
فقال: ائذن له فدخلت، فحييت رسول الله وحياني، وأقبل علي وسألني عن نفسي وأهلي وأحفى المسألة، فقلت: يا رسول الله ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فاتئد رسول الله وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي، ضرب رسول الله على فخذي، وكنت منه قريبا وقال: " يا سعد بن مالك ابن الشهيد: مه، بعض قولك لاخيك علي، فوالله لقد علمت أنه أحسن في سبيل الله ".
قال: فقلت في نفسي ثكلتك أمك سعد بن مالك - ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم، ولا أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية.
وهذا إسناد جيد على شرط النسائي ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة (2).
وقد قال يونس: عن محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي عمر (3)، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال إنما وجد جيش علي بن [ أبي ] طالب الذين كانوا معه باليمن، لانهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلا، وتعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فعمد الرجل فكسى كل رجل حلة، فلما دنوا خرج عليهم علي يستلقيهم فإذا عليهم الحلل.
قال علي: ما هذا ؟ قالوا: كسانا فلان: قال: فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء فنزع الحلل منهم، فلما قدموا على رسول الله اشتكوه لذلك، وكانوا قد صالحوا رسول الله، وإنما
__________
(1) دلائل البيهقي ج 5 / 396.
والبخاري في كتاب المغازي (61) باب وقد تقدم.
(2) الخبر رواه البيهقي في الدلائل، والزيادات بين معكوفين منه، ورواه مختصرا الامام أحمد في مسنده ج 3 / 86.
(3) في ابن هشام: يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة.

بعث عليا إلى جزية موضوعة.
قلت: هذا السياق أقرب من سياق البيهقي وذلك إن عليا سبقهم لاجل الحج، وساق معه هديا وأهل باهلال النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يمكث حراما وفي رواية البراء بن عازب أنه قال له: إني سقت الهدي وقرنت.
والمقصود أن عليا لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم
استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعلي معذور فيما فعل، لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج.
فلذلك والله أعلم لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته، وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة، فمر بغدير خم قام في الناس خطيبا فبرأ ساحة علي ورفع من قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس، وسيأتي هذا مفصلا في موضعه إن شاء الله وبه الثقة.
وقال البخاري: ثنا قتيبة، ثنا عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، حدثني عبد الرحمن بن أبي نعم، سمعت أبا سعيد الخدري يقول: بعث علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها.
قال: فقسمها بين أربعة، بين عيينة بن بدر (1)، والاقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل (2).
فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا تأمنوني ؟ وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء " قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الازار.
فقال: يا رسول الله اتق الله ! فقال: ويلك أو لست أحق الناس (3) أن يتقي الله ؟ قال: ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال: لا لعله أن يكون يصلي قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.
قال: ثم نظر إليه وهو مقف فقال: " إنه يخرج من ضئضئي (4) هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " - أظنه قال: لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل ثمود (3) -.
وقد رواه البخاري في مواضع أخر من كتابه ومسلم في كتاب الزكاة من صحيحه من طرق متعددة إلى عمارة بن القعقاع به.
ثم قال الامام أحمد: ثنا يحيى عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري عن
__________
(1) وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، ونسبه في روايته إلى جده الاعلى.
(2) قال ابن حجر: ذكر عامر بن الطفيل غلط من عبد الواحد فإنه كان مات قبل ذلك.
(3) في البخاري: أحق أهل الارض.
(4) ضئضئ: النسل والعقب.
(5) فتح الباري: الحديث 4351.

علي.
قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن، قال: فقلت: تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء.
قال: " إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك " قال: فما شككت في قضاء بين اثنين (1).
ورواه ابن ماجه من حديث الاعمش به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا شريك عن سماك، عن حنش، عن علي.
قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني، وأنا حدث لا أبصر القضاء.
قال فوضع يده على صدري وقال: " اللهم ثبت لسانه وأهد قلبه، يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر ما سمعت من الاول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك " قال فما اختلف علي قضاء بعد - أو ما أشكل علي قضاء بعد.
ورواه أحمد أيضا وأبو داود من طرق عن شريك والترمذي من حديث زائدة كلاهما عن سماك بن حرب، عن حنش بن المعتمر، وقيل ابن ربيعة الكناني الكوفي عن علي به.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الاجلح، عن الشعبي، عن عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم أن نفرا وطئوا امرأة في طهر فقال علي: لاثنين اتطيبان نفسا لذا (2) فقالا لا فأقبل على الآخرين فقال أتطيبان نفسا لذا فقالا: لا ! فقال: أنتم شركاء متشاكسون.
فقال: إني مقرع بينكم فأيكم قرع أغرمته ثلثي الدية وألزمته الولد، قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعلم إلا ما قال علي.
وقال أحمد: ثنا شريح بن النعمان، ثنا هشيم، أنبأنا الاجلح عن الشعبي، عن أبي الخليل، عن زيد بن أرقم: أن عليا أتي في ثلاثة نفر إذ كان في اليمن اشتركوا في ولد فأقرع بينهم فضمن الذي أصابته القرعة ثلثي الدية وجعل الولد له.
قال زيد بن أرقم: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقضاء علي، فضحك حتى بدت نواجذه.
ورواه أبو داود: عن مسدد، عن يحيى القطان والنسائي عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر كلاهما عن
الاجلح بن عبد الله، عن عامر الشعبي، عن عبد الله بن الخليل، وقال النسائي في رواية عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم.
قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال إن ثلاثة نفر أتوا عليا يختصمون في ولد، وقعوا على امرأة في طهر واحد فذكر نحو ما تقدم.
وقال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روياه أعني أبا داود والنسائي: من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن الشعبي: عن أبي الخليل، أو ابن الخليل عن علي قوله فأرسله ولم يرفعه.
وقد رواه الامام أحمد أيضا عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن الاجلح عن الشعبي، عن عبد خير، عن زيد بن أرقم فذكر نحو ما تقدم.
وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا عن حنش بن أصرم، وابن ماجه عن إسحاق بن منصور كلاهما عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري، عن
__________
(1) رواه أحمد في مسنده 1 / 83 وابن سعد في الطبقات 2 / 237 وابن ماجه 2 / 26.
ومن طرق وأسانيد متصلة رواه أحمد في 1 / 88، 111، 136، 149، 156 ورواه أبو داود 3 / 327 والترمذي 2 / 277 وقال: حسن صحيح.
(2) وفي نسخة التيمورية: نفساكما.

صالح الهمداني، عن الشعبي، عن عبد خير عن زيد بن أرقم به.
قال شيخنا في الاطراف لعل عبد خير هذا هو عبد الله بن الخليل ولكن لم يضبط الراوي اسمه قلت: فعلى هذا يقوى الحديث، وإن كان غيره كان أجود لمتابعته له لكن الاجلح بن عبد الله الكندي فيه كلام ما، وقد ذهب إلى القول بالقرعة في الانساب الامام أحمد وهو من أفراده.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو سعيد، ثنا اسرائيل ثنا سماك، عن حنش عن علي قال: بعثني رسول الله إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للاسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق آخر بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الاسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم.
فقام أولياء الاول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم علي على تعبية ذلك فقال: تريدون أن تقاتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أني أقضي بينكم قضاء، إن رضيتم فهو القضاء وإلا أحجز بعضكم
عن بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له، اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية والدية كاملة فللاول الربع لانه هلك والثاني ثلث الدية، والثالث نصف الدية، والرابع الدية، فأبوا أن يرضوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة.
فقال: أنا أحكم بينكم، فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن عليا قضى علينا فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رواه الامام أحمد أيضا عن وكيع، عن حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن حنش عن علي فذكره.
كتاب حجة الوداع في سنة عشر ويقال لها حجة البلاغ وحجة الاسلام وحجة الوداع لانه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها ولم يحج بعدها، وسميت حجة الاسلام لانه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها.
وقد قيل إن فريضة الحج نزلت عامئذ.
وقيل سنة تسع، وقيل سنة ست، وقيل قبل الهجرة وهو غريب، وسميت حجة البلاغ لانه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقي من دعائم الاسلام وقواعده شئ إلا وقد بينه عليه السلام فلما بين لهم شريعة الحج، ووضحه وشرحه أنزل الله عز وجل عليه وهو واقف بعرفة * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * [ المائدة: 3 ].
وسيأتي ايضاح لهذا كله والمقصود ذكر حجته عليه السلام كيف كانت، فإن النقلة اختلفوا فيها اختلافا كثيرا جدا بحسب ما وصل إلى كل منهم من العلم وتفاوتوا في ذلك تفاوتا كثيرا لاسيما من بعد الصحابة رضي الله عنهم، ونحن نورد بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه ما ذكره الائمة في كتبهم من هذه الروايات ونجمع بينهما جمعا يثلج قلب من تأمله، وأنعم النظر فيه، وجمع بين

طريقتي الحديث وفهم معانيه إن شاء الله وبالله الثقة وعليه التكلان، وقد اعتنى الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتناء كثيرا من قدماء الائمة ومتأخريهم، وقد صنف العلامة أبو محمد بن حزم
الاندلسي رحمه الله مجلدا في حجة الوداع أجاد في أكثره ووقع له فيه أوهام سننبه عليها في مواضعها وبالله المستعان.
باب بيان أنه عليه والسلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة وإنه اعتمر قبلها ثلاث عمر كما رواه البخاري ومسلم: عن هدبة، عن همام، عن قتادة عن أنس.
قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي في حجته.
الحديث.
وقد رواه يونس بن بكير، عن عمر بن ذر، عن مجاهد عن أبي هريرة مثله وقال سعد بن منصور، عن الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر: عمرة في شوال وعمرتين في ذي القعدة وكذا رواه ابن بكير: عن مالك عن هشام بن عروة.
وروى الامام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله اعتمر ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة.
وقال أحمد: ثنا أبو النضر ثنا داود - يعني العطار - عن عمرو، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: اعتمر رسول الله أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التي مع حجته.
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث داود العطار وحسنه الترمذي.
وقد تقدم هذا الفصل عند عمرة الجعرانة.
وسيأتي في فصل من قال إنه عليه السلام حج قارنا وبالله المستعان.
فالاولى، من هذه العمرة عمرة الحديبية التي صد عنها.
ثم بعدها عمرة القضاء ويقال عمرة القصاص ويقال عمرة القضية.
ثم بعدها عمرة الجعرانة مرجعه من الطائف حين قسم غنائم حنين، وقد قدمنا ذلك كله في مواضعه، والرابعة عمرته مع حجته وسنبين اختلاف الناس في عمرته هذه مع الحجة هل كان متمتعا بأن أوقع العمرة قبل الحجة وحل منها أو منعه من الاحلال منها سوقه الهدي أو كان قارنا لها مع الحجة كما نذكره من الاحاديث الدالة على ذلك أو كان مفردا لها عن الحجة بأن أوقعها بعد قضاء الحجة قال: وهذا هو الذي يقوله من يقول بالافراد كما هو المشهور عن الشافعي وسيأتي بيان هذا عند ذكرنا إحرامه صلى الله عليه وسلم كيف كان مفردا أو
متمتعا أو قارنا.
قال البخاري: ثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، حدثني زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة، قال أبو إسحاق

وبمكة أخرى (1).
وقد رواه مسلم من حديث زهير وأخرجاه من حديث شعبة.
زاد البخاري وإسرائيل ثلاثتهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن زيد به.
وهذا الذي قال أبو إسحاق من أنه عليه السلام حج بمكة حجة أخرى أي أراد أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة ما هو ظاهر لفظه فهو بعيد (2) فإنه عليه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج ويدعو الناس إلى الله ويقول: " من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل " حتى قيض الله جماعة الانصار يلقونه ليلة العقبة أي عشية يوم النحر، عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات، حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهي ثالث اجتماعه لهم به ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة كما قدمنا ذلك مبسوطا في موضعه.
والله أعلم.
وفي حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله.
قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس بالحج فاجتمع بالمدينة بشر كثير، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة أو لاربع، فلما كان بذي الحليفة صلى ثم استوى على راحلته فلما أخذت به في البيداء لبى، وأهللنا لا ننوي إلا الحج.
وسيأتي الحديث بطوله وهو في صحيح مسلم وهذا لفظ البيهقي (3) من طريق أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن طهمان عن جعفر بن محمد به.
باب خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع بعد ما استعمل عليها أبا دجانة بن حرشة الساعدي، ويقال سباع بن عرفطة الغفاري قال محمد بن إسحاق: فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج،
وأمر الناس بالجهاز له فحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة وهذا إسناد جيد، وروى الامام مالك في موطائه: عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عمرة، عن عائشة.
ورواه الامام أحمد عن عبد الله بن نمير، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عمرة عنها.
وهو ثابت في الصحيحين وسنن النسائي وابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة: من طرق عن يحيى بن
__________
(1) فتح الباري باب حجة الوداع الحديث 4404.
(2) كانت قريش في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، إلا من لم يكن بمكة أو عاقه ضعف، وكانوا يرون إقامة الحج من مفاخرهم التي امتازوا بها على العرب، فكيف بالنبي أن يتركه ؟ قال ابن حجر: إنه صلى الله عليه وآله لم يترك الحج وهو بمكة قط.
(3) دلائل النبوة ج 5 / 432.

سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة.
قالت: خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج الحديث بطوله كما سيأتي.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة: أخبرني كريب عن ابن عباس.
قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وأدهن، ولبس إزاره ورداءه، ولم ينه عن شئ من الاردية ولا الازر، إلا المزعفرة التي تردع الجلد (1) فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء وذلك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لخمس (2) خلون من ذي الحجة تفرد به البخاري فقوله - وذلك لخمس بقين من ذي القعدة - إن أراد به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يوم الخميس وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة وأصبح بها يوم الجمعة وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وإن أراد ابن عباس بقوله وذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه السلام من المدينة بعدما ترجل وأدهن ولبس إزاره ورداءه كما قالت عائشة وجابر أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة بعد قول ابن حزم وتعذر
المصير إليه وتعين القول بغيره ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة إن كان شهر ذي القعدة كاملا ولا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة لما روى البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب، ثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أنس بن مالك.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله عز وجل وسبح ثم أهل بحج وعمرة.
وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن محمد - يعني ابن المنكدر - وإبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
ورواه البخاري: عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي: من حديث سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنذر، وابراهيم بن ميسرة، عن أنس به.
وقال أحمد: ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جريج، عن محمد بن المنذر، عن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقال أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن المنذر التيمي، عن أنس بن مالك الانصاري: قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة ركعتين آمنا لا يخاف في حجة الوداع تفرد به أحمد من هذين الوجهين الآخرين وهما على شرط الصحيح وهذه ينفي كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعا ولا يجوز على هذا
__________
(1) الردع: تغير اللون إلى الصفرة.
(2) في البخاري: لاربع.
انظر الحديث رقم (1545) كتاب الحج.

أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم لانه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة لانه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس لما ثبت بالتواتر والاجماع من أنه عليه السلام وقف
بعرفة يوم الجمعة وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع، فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعا ليلة الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء فهذه ست ليال.
وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر: أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت وظن الراوي أن الشهر يكون تاما فاتفق في تلك السنة نقصانه فانسلخ يوم الاربعاء واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس ويؤيده ما وقع في رواية جابر لخمس بقين أو أربع وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ولابد منه.
والله أعلم.
باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة للحج قال البخاري: حدثنا ابراهيم بن المنذر، ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس (1)، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتى يصبح (2).
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار وجدت في كتابي: عن عمرو بن مالك، عن يزيد بن زريع، عن هشام، عن عروة، عن ثابت عن ثمامة عن أنس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم: حج على رحل رث وتحته قطيفة وقال حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
وقد علقه البخاري في صحيحه فقال: وقال محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا يزيد بن زريع، عن عروة عن ثابت عن ثمامة قال: حج أنس على رحل رث ولم يكن شحيحا وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج على رحل وكانت زاملته.
هكذا ذكره البزار والبخاري معلقا مقطوع الاسناد من أوله وقد أسنده الحافظ البيهقي في سننه فقال: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، ثنا محمد بن ابي بكر ثنا يزيد زريع فذكره.
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر عن أنس بن مالك.
فقال حدثنا
علي بن الجعد أنبأنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الشجرة والمعرس: موضعان معروفان على طريق مكة المدينة، وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة والمعرس أقرب.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج (15) باب الحديث 1533 فتح الباري 3 / 392.

على رحل رث وقطيفة تساوي - أو لا تساوي - أربعة دراهم.
فقال: " اللهم حجة لا رياء فيها " (1).
وقد رواه الترمذي في الشمائل (2) من حديث أبي داود الطيالسي، وسفيان الثوري وابن ماجه من حديث وكيع بن الجراح ثلاثتهم عن الربيع بن صبيح به وهو إسناد ضعيف، من جهة يزيد بن أبان الرقاشي فإنه غير مقبول الرواية عند الائمة.
وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه.
قال: صدرت مع ابن عمر، فمرت بنا رفقة يمانية ورحالهم الادم، وخطم إبلهم الخرز (3).
فقال عبد الله: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه الرفقة.
ورواه أبو داود: عن هناد، عن وكيع، عن إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو طاهر الفقيه، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو بكر بن الحسن وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: ثنا أبو العباس هو الاصم، أنبأنا محمد بن عبد الله بن الحكم، أنبأنا سعيد بن بشير القرشي، حدثنا عبد الله بن حكيم الكناني - رجل من أهل اليمن من مواليهم - عن بشر بن قدامة الضبابي.
قال: أبصرت عيناي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس على ناقة له حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية وهو يقول: " اللهم اجعلها حجة غير رياء ولا مما (4) ولا سمعة ".
والناس يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس، ثنا ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه.
أن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجاجا حتى أدركنا بالعرج (5) نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست إلى
جنب أبي، وكانت زمالة (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه فطلع عليه وليس معه بعيره.
فقال: أين بعيرك ؟ فقال أضللته البارحة، فقال أبو بكر: بعير واحد تضله فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: " انظروا إلى هذا المحرم وما يصنع ".
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد العزيز أبي رزمة.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس به.
فأما الحديث الذي رواه أبو بكر البزار في مسنده قائلا: حدثنا إسماعيل بن حفص، ثنا يحيى بن اليمان، ثنا حمزة الزيات،
__________
(1) في رواية البيهقي عن أبي يعلى: زاد لا رياء فيها ولا سمعة.
دلائل النبوة ج 5 / 444.
(2) الشمائل - باب ما جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وآله ج 2 / 120.
(3) الخرز: نبات من النجيل منظوم من أعلاه إلى أسفله.
(4) هكذا في الاصول، ولا هنا، وفي الاصابة في ترجمة بشر بن قدامة: " اللهم غير رياء ولا سمعة " وفي سيرة ابن كثير: ولا مباهاة ولعلها الاقرب للصواب.
(5) العرج: منزل بطريق مكة.
(6) الزمالة: المركوب والاداة، وما كان معهما في السفر (النهاية).

عن حمران بن أعين، عن أبي الطفيل عن أبي سعيد.
قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم ومشيهم خلط الهرولة.
فإنه حديث منكر ضعيف الاسناد.
وحمزة بن حبيب الزيات ضعيف وشيخه متروك الحديث.
وقد قال البزار لا يروى إلا من هذا الوجه وإن كان إسناده حسنا عندنا، ومعناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبت الحديث لانه عليه السلام إنما حج حجة واحدة وكان راكبا وبعض أصحابه مشاة.
قلت: ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من عمره ماشيا لا في الحديبية ولا في القضاء ولا الجعرانة ولا في حجة الوداع، وأحواله عليه السلام أشهر وأعرف من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذ لا يثبت مثله والله أعلم.
فصل تقدم أنه عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم ركب منها إلى الحليفة وهي وادي العقيق، فصلى بها العصر ركعتين، فدل على أنه جاء الحليفة نهارا في وقت العصر، فصلى بها العصر قصرا وهي من المدينة على ثلاثة أميال ثم صلى بها المغرب والعشاء وبات بها حتى أصبح فصلى بأصحابه وأخبرهم أنه جاءه الوحي من الليل بما يعتمده في الاحرام كما قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتى في المعرس من ذي الحليفة فقيل له إنك ببطحاء مباركة.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث موسى بن عقبة به وقال البخاري: حدثنا الحميدي ثنا الوليد وبشر بن بكر.
قالا: ثنا الاوزاعي ثنا يحيى، حدثني عكرمة أنه سمع ابن عباس أنه سمع (1) عمر يقول: سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول: " أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة " (2) تفرد به دون مسلم فالظاهر إن أمره عليه السلام بالصلاة في وادي العقيق هو أمر بالاقامة به إلى أن يصلي صلاة الظهر لان الامر إنما جاءه في الليل وأخبرهم بعد صلاة الصبح فلم يبق إلا صلاة الظهر فأمر أن يصليها هنالك وأن يوقع الاحرام بعدها ولهذا قال: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقل صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة، وقد احتج به على الامر بالقرآن في الحج وهو من أقوى الادلة على ذلك كما سيأتي بيانه قريبا والمقصود أنه عليه السلام أمر بالاقامة بوادي العقيق إلى صلاة الظهر، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فأقام هنالك وطاف على نسائه في تلك الصبيحة وكن تسع نسوة وكلهن خرج معه ولم يزل هنالك حتى صلى الظهر، كما سيأتي في حديث أبي حسان الاعرج، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
__________
(1) من البخاري، وفي الاصل ابن عمر.
(2) في كتاب الحج 61 باب الحديث 1534.

الظهر بذي الحليفة ثم أشعر بدنته ثم ركب فأهل وهو عند مسلم.
وهكذا قال الامام أحمد:
حدثنا روح ثنا أشعث - هو ابن عبد الملك، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا شرف البيداء أهل.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل والنسائي عن إسحاق بن راهويه، عن النضر بن شميل، عن أشعث بمعناه، وعن أحمد بن الازهر عن محمد بن عبد الله الانصاري عن أشعث اتم منه، وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أن ذلك في صدر النهار وله أن يعتضد بما رواه البخاري: من طريق أيوب عن رجل عن أنس: أن رسول الله بات بذي الحليفة حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل العمرة وحج.
ولكن في إسناده رجل مبهم والظاهر أنه أبو قلابة والله أعلم.
قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، ثنا خالد - يعني ابن الحارث، ثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، سمعت أبي يحدث عن عائشة أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا.
وقد رواه البخاري من حديث شعبة وأخرجاه من حديث أبي عوانة زاد مسلم ومسعر وسفيان بن سعيد الثوري أربعتهم عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر به.
وفي رواية لمسلم عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما.
قال: ما أحب أني أصبح محرما أنضح طيبا لان أطلي القطران أحب إلي من أن أفعل ذلك.
فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله عند إحرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما.
وهذا اللفظ الذي رواه مسلم يقتضي أنه كان صلى الله عليه وسلم يتطيب قبل أن يطوف على نسائه ليكون ذلك أطيب لنفسه وأحب اليهن، ثم لما اغتسل من الجنابة وللاحرام تطيب أيضا للاحرام طيبا آخر.
كما رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل وقال الترمذي حسن غريب.
وقال الامام أحمد حدثنا زكريا بن عدي، أنبأنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمى واشنان (1) ودهنه بشئ من زيت غير كثير.
الحديث تفرد به أحمد وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي، رحمه الله، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن عروة: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله قلت لها بأي طيب ؟ قالت: بأطيب الطيب.
وقد رواه مسلم: من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجه البخاري من حديث وهب عن هشام بن عروة عن أخيه، عثمان، عن أبيه عروة، عن عائشة به.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كنت أطيب
__________
(1) خطمى وأشنان: نوعان من النبات.

رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه حين يحرم، ولحله أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثنا عبد به حميد، أنبأنا محمد بن أبي بكر، أنبأنا ابن جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبرانه عن عائشة قالت: طيبت رسول الله بيدي بذريرة (1) في حجة الوداع للحل والاحرام.
وروى مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ولحله أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثني أحمد بن منيع، ويعقوب الدورقي قالا: ثنا هشيم، أنبأنا منصور، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويحل ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب (2).
قالا: ثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي.
ثم رواه مسلم من حديث الثوري وغيره: عن الحسن بن عبيد الله عن ابراهيم، عن الاسود، عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري ومسلم من حديث الاعمش كلاهما عن منصور عن ابراهيم عن الاسود عنها.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم بن ابراهيم عن الاسود عن عائشة.
وقال أبو داود الطيالسي: أنبأنا أشعث عن منصور عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة.
قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في أصول شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان.
ثنا حماد بن سلمة، عن إبراهيم النخعي، عن الاسود، عن عائشة.
قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرم.
وقال عبد الله بن الزبير الحميدي.
ثنا سفيان بن عيينة، ثنا عطاء بن السائب، عن إبراهيم النخعي، عن الاسود عن عائشة.
قالت: رأيت الطيب في مفرق رسول الله بعد ثالثة وهو محرم.
فهذه الاحاديث دالة على أنه عليه السلام تطيب بعد الغسل، إذ لو كان الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل ولما بقي له أثر ولاسيما بعد ثلاثة أيام من يوم الاحرام.
وقد ذهب طائفة من السلف منهم: ابن عمر إلى كراهة التطيب عند الاحرام، وقد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة فقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران - ببغداد - أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا عبد الرحمن بن أبي العمر، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة.
أنها قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه.
وهذا إسناد غريب عزيز المخرج.
ثم
__________
(1) ذريرة: نوع من الطيب، قال النووي: هي فتات قصب طيب يجاء به من الهند.
(2) زاد مسلم: وأبو سعيد الاشج قالوا:...الخ كتاب الحج شرح النووي ج 8 / 101.

إنه عليه السلام لبد رأسه ليكون أحفظ لما فيه من الطيب وأصون له من استقرار التراب والغبار.
قال مالك عن نافع عن ابن عمر.
إن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك.
قال: " إني لبدت رأسي، وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر ".
وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وله طرق كثيرة عن نافع.
قال البيهقي: أنبأنا الحكام، أنبأنا الاصم، أنبأنا يحيى، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا عبد الاعلى ثنا محمد بن إسحاق، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبد رأسه بالعسل.
وهذا إسناد جيد ثم أنه عليه السلام أشعر (1) الهدي وقلده وكان معه بذي
الحليفة.
قال الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة.
وسيأتي الحديث بتمامه وهو في الصحيحين والكلام عليه إن شاء الله.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام، هو الدستوائي، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي حسان عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الايمن، وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته.
وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق عن قتادة.
وهذا يدل على أنه عليه السلام تعاطى هذا الاشعار والتقليد بيده الكريمة في هذه البدنة وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غير، فإنه قد كان هدي كثير أما مائة بدنة أو أقل منها بقليل، وقد ذبح بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة وأعطى عليا فذبح ما غبر (2) وفي حديث جابر أن عليا قدم من اليمن ببدن للنبي صلى الله عليه وسلم وفي سياق ابن إسحاق أنه عليه السلام أشرك عليا في بدنه والله أعلم.
وذكر غيره أنه ذبح هو وعلي يوم النحر مائة بدنة فعلى هذا يكون قد ساقها معه من ذي الحليفة وقد يكون اشترى بعضها بعد ذلك وهو محرم.
باب بيان الموضع الذي أهل منه عليه السلام واختلاف الناقلين لذلك وترجيح الحق في ذلك تقدم الحديث الذي رواه البخاري من حديث الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
وقال البخاري (3) باب الاهلال عند مسجد ذي
__________
(1) أشعر الهدي: الاشعار هو جرح الهدي في صفحة سنامها اليمنى بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها وأصل الاشعار والشعور الاعلام والعلامة، وإشعار الهدي لكونه علامة له، ليعلم أنه هدي.
(2) ما غبر: ما بقي.
(3) في كتاب الحج - 20 باب الحديث 1541.

الحليفة - حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا موسى بن عقبة سمعت سالم بن عبد الله.
وحدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد - يعني مسجد ذي الحليفة.
وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن موسى بن عقبة وفي رواية لمسلم عن موسى بن عقبة عن سالم، ونافع، وحمزة بن عبد الله بن عمر ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر فذكره.
وزاد فقال لبيك.
وفي رواية لهما من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن سالم قال قال عبد الله بن عمر: بيداؤكم (1) هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل رسول الله من عند المسجد وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا كما يأتي في الشق الآخر وهو ما أخرجاه في الصحيحين: من طريق مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر فذكر حديثا فيه أن عبد الله قال: وأما الاهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني خصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن سعيد بن جبير.
قال قلت: لعبد الله بن عباس يا أبا العباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب.
فقال: إني لاعلم الناس بذلك، إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه، أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا: إنما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله فما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: أنما أهل رسول الله حين علا شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا شرف البيداء.
فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أنه أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه.
وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة، عن عبد السلام بن حرب، عن خصيف به نحوه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرف أحد رواه غير
عبد السلام كذا قال وقد تقدم رواية الامام أحمد له من طريق محمد ابن إسحاق عنه - وكذلك رواه الحافظ البيهقي، عن الحاكم، عن القطيعي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه ثم قال خصيف الجزري غير قوي، وقد رواه الواقدي باسناد له عن ابن عباس.
قال البيهقي: إلا أنه لا ينفع متابعة الواقدي والاحاديث التي وردت في ذلك عن عمر وغيره مسانيدها قوية ثابتة.
والله تعالى أعلم.
__________
(1) المراد ببيداء هنا: موضع فوق ذي الحليفة لمن صعد من الوادي (قاله البكري في معجم ما استعجم).

قلت: فلو صح هذا الحديث، لكان فيه جمع لما بين الاحاديث من الاختلاف وبسط لعذر من نقل خلاف الواقع ولكن في إسناده ضعف ثم قد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما تقدم عنهما كما سننبه عليه ونبينه وهكذا ذكر من قال: أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام بن يوسف، أنبأنا ابن جريج، حدثني محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك.
قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقد رواه البخاري ومسلم وأهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر، وابراهيم بن ميسرة، عن أنس، وثابت في الصحيحين من حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر.
قال: وأما الاهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث به راحلته وأخرجا في الصحيحين من رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه: أن رسول الله كان يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حين تستوي به قائمة.
وقال البخاري (1): باب من أهل حين استوت به راحلته.
حدثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج، أخبرني صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر.
قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة.
وقد رواه مسلم والنسائي من حديث ابن جريج به.
وقال مسلمم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز (2) وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة.
انفرد به
مسلم من هذا الوجه، وأخرجاه من وحه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه.
ثم قال البخاري باب الاهلال مستقبل القبلة: قال أبو معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن نافع قال: كان ابن عمر إذا صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ثم يلبي حتى يبلغ الحرم، ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
ثم قال: تابعه إسماعيل عن أيوب في الغسل (3).
وقد علق البخاري أيضا هذا الحديث في كتاب الحج عن محمد بن عيسى، عن حماد بن زيد، وأسنده فيه عن يعقوب بن ابراهيم الدورقي، عن إسماعيل هو ابن علية.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب د عن إسماعيل وعن أبي الربيع الزهراني وغيره عن حماد بن زيد ثلاثتهم عن أيوب، عن أبي تميمة السختياني به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن علية به.
ثم قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع، ثنا فليح، عن نافع قال: كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي، ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في كتاب الحج 28 باب الحديث 1552.
(2) الغرز: فتح الغين واسكان الراء: ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب، وقيل هو الكور مطلقا.
وانظر صحيح مسلم شرح النووي 8 / 97.
(3) فتح الباري - كتاب الحج الحديث 1553.

يفعل (1).
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وروى مسلم عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم عن أبيه قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره.
وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الاولى وهذه الروايات عنه، وهو أن الاحرام كان من عند المسجد، ولكن بعد ما ركب راحلته واستوت به على البيداء، يعني الارض، وذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء،
ثم قال البخاري في موضع آخر (2): حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة، حدثني كريب عن عبد الله بن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وأدهن ولبس إزاره هو وأصحابه، ولم ينه عن شئ من الاردية والازر تلبس، إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهل هو وأصحابه، وقلد بدنه، وذلك لخمس بقين [ من ذي القعدة، فقدم مكة لاربع خلون ] (3) من ذي الحجة.
فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحل من أجل بدنه لانه قلدها، لم تزل بأعلا مكة عند الحجون وهو مهل بالحج، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا، وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب.
انفرد به البخاري.
وقد روى الامام أحمد: عن بهز بن أسد، وحجاج، وروح بن عبادة، وعفان بن مسلم كلهم عن شعبة قال: أخبرني.
قتادة، قال: سمعت أبا حسان الاعرج الاجرد وهو مسلم بن عبد الله البصري عن ابن عباس.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنته فأشعر صفحة سنامها الايمن وسلت الدم عنها وقلدها نعلين، ثم دعا براحلته فلما استوت على البيداء أهل بالحج.
ورواه أيضا عن هشيم أنبأنا أصحابنا منهم شعبة فذكر نحوه.
ثم رواه الامام أحمد أيضا عن روح وأبي داود الطيالسي ووكيع بن الجراح كلهم عن هشام الدستوائي عن قتادة به نحوه.
ومن هذا الوجه رواه مسلم في صحيحه وأهل السنن في كتبهم فهذه الطرق عن ابن عباس من أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت من رواية خصيف الجزري عن سعيد بن حبير عنه والله أعلم وهكذا الرواية المثبتة المفسرة أنه أهل حين استوت به الراحلة مقدمة على الاخرى لاحتمال أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، ويكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الاخرى والله أعلم.
ورواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض وهكذا رواية جابر بن عبد الله في صحيح مسلم من طريق جعفر الصادق، عن أبيه، عن أبي الحسين زين العابدين، عن جابر في
__________
(1) فتح الباري - الحديث 1554 ج 3 / 413.
(2) في كتاب الحج، 23 باب ما يلبس المحرم من الثياب والاردية - حديث 1545 فتح الباري 3 / 405.
(3) ما بين معكوفين زيادة من البخاري، سقطت من الاصل.

حديثه الطويل الذي سيأتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته سالمة عن المعارض والله أعلم.
وروى البخاري: من طريق الاوزاعي سمعت عطاء، عن جابر بن عبد الله: أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته.
فأما الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي الزناد، عن عائشة بنت سعد.
قالت قال سعد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع (1) أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريقا أخرى أهل إذا علا على شرف البيداء.
فرواه أبو داود والبيهقي من حديث ابن إسحاق وفيه غرابة ونكارة والله أعلم.
فهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه عليه السلام أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير زاد ابن عمر في روايته وهو مستقبل القبلة.
باب بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه من الافراد والتمتع أو القران (2) رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك: قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
ورواه مسلم عن إسماعيل عن أبي أويس، ويحيى بن يحيى بن مالك.
ورواه الامام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
وقال الامام أحمد: ثنا شريح، ثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة عن عائشة.
وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة.
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج: تفرد به أحمد من هذه الوجوه عنها.
وقال الامام أحمد: حدثني عبد الاعلى بن حماد،
__________
(1) الفرع: قرية بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة.
(2) الافراد: قال النووي: الافراد أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر.
وزاد ابن حجر: وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه.
والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء.
التمتع، قال ابن حجر: هو الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والاهلال بالحج في تلك السنة، زاد الكرماني: دون العودة إلى الميقات.
وزاد ابن حجر: ويطلق التمتع في عرف السلف على القرآن أيضا.
القران: في رواية أبي ذر الاقران، وهو غلط من حيث اللغة كما قاله عياض وغيره، وصورته الاهلال بالحج والعمرة معا، قال ابن حجر: وهذا لا خلاف في جوازه.
وقال الكرماني: أن يحرم بهما (أي الحج والعمرة).
وتباينت أراء وأقوال العلماء في أي من هذه الانواع الثلاثة أفضل ؟ وتفاوتت أيضا وتباينت اراؤهم في حجة النبي صلى الله عليه وآله هل كان مفردا أم متمتعا أم قارنا.
وكل فئة منهم رجحت نوعا مستندة في حجتها على العديد من الاحاديث التي سنقف عليها بمختلف رواياتها وطرقها فيما سيأتي من أبواب.

قال: قرأت على مالك بن أنس، عن أبي الاسود، عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
وقال: حدثنا روح، ثنا مالك، عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - وكان يتيما في حجر عروة - عن عروة بن الزبير عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
ورواه ابن ماجه عن أبي مصعب عن مالك كذلك.
ورواه النسائي عن قتيبة، عن مالك عن أبي الاسود عن عروة عن عائشة: أن رسول الله أهل بالحج.
وقال أحمد أيضا: ثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن أبي الاسود عن عروة عن عائشة.
قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة وأهل رسول الله بالحج، فأما من أهل بالعمرة، فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر.
وهكذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف والقعيني وإسماعيل بن أبي أويس عن مالك.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا سفيان: عن الزهري، عن
عروة عن عائشة: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وأهل ناس بالحج والعمرة وأهل ناس بالعمرة.
ورواه مسلم عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة به نحوه.
فأما الحديث الذي قال الامام أحمد: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في حجة الوداع فقال من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل، وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر.
فإنه حديث غريب جدا.
تفرد به أحمد بن حنبل وإسناده لا بأس به، ولكن لفظه فيه نكارة شديدة وهو قوله: فلم يعتمر.
فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى الافراد، وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده، فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به، ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته.
وسيأتي تقرير هذا في فصل القرآن مستقصى والله أعلم.
وهكذا الحديث الذي رواه الامام أحمد قائلا في مسنده: حدثنا روح، ثنا صالح بن أبي الاخضر، ثنا ابن شهاب ان عروة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أهل رسول الله بالحج والعمرة في حجة الوداع وساق معه الهدي، وأهل ناس معه بالعمرة وساقوا الهدي، وأهل ناس بالعمرة ولم يسوقوا هديا.
قالت عائشة: وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، ولا يحل منه شئ حرم منه حتى يقضي حجه وينحر هديه يوم النحر، ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قالت عائشة: فقدم رسول الله الحج الذي خاف فوته وأخر العمرة.
فهو حديث من أفراد الامام أحمد وفي بعض ألفاظه نكارة ولبعضه شاهد في الصحيح، وصالح بن أبي الاخضر ليس من علية أصحاب الزهري لا سيما إذا خالفه غيره كما ههنا في بعض ألفاظ سياقه هذا.
وقوله فقدم الحج

الذي يخاف فوته وأخر العمرة لا يلتئم مع أول الحديث أهل بالحج والعمرة، فإن أراد أنه أهل بهما
في الجملة وقدم أفعال الحج ثم بعد فراغه أهل بالعمرة كما يقول من ذهب إلى الافراد فهو ما نحن فيه ههنا، وإن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد إحرامه بها فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إليه، وإن أراد أنه المقضي بأفعال الحج عن أفعال العمرة ودخلت العمرة في الحج، فهذا قول من ذهب إلى القرآن وهم يؤولون قول من روى أنه عليه الصلاة والسلام أفرد الحج أي أفرد أفعال الحج وإن كان قد نوى معه العمرة قالوا: لانه قد روى القرآن كل من روى الافراد كما سيأتي بيانه.
والله تعالى أعلم.
رواية جابر بن عبد الله في الافراد.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية ثنا الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله: قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بالحج.
إسناده جيد على شرط مسلم.
ورواه البيهقي عن الحاكم وغيره عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية عن الاعمش، عن أبي سفيان عن جابر.
قال: أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة، وهذه الزيادة غريبة جدا ورواية الامام أحمد بن حنبل أحفظ والله أعلم.
وفي صحيح مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
قال: وأهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة.
وقد روى ابن ماجه: عن هشام بن عمار عن الدراوردي وحاتم بن إسماعيل كلاهما عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، وهذا إسناد جيد.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا حبيب - يعني المعلم - عن عطاء حدثني جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج ليس مع أحد منهم هدي إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة.
وذكر تمام الحديث وهو في صحيح البخاري بطوله كما سيأتي عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب.
رواية عبد الله بن عمر للافراد.
قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد ثنا عباد - يعني ابن عباد - حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
قال: أهللنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا.
ورواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عون، عن عباد بن عباد، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن عبد العزيز ومحمد بن مسكين.
قالا: ثنا بشر بن بكر، ثنا سعيد بن
عبد العزيز بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج - يعني مفردا - اسناده جيد ولم يخرجوه.
رواية ابن عباس للافراد.
روى الحافظ البيهقي: من حديث روح بن عبادة، عن شعبة، عن أيوب، عن أبي العالية البراء عن ابن عباس.
أنه قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فقدم لاربع مضين من ذي الحجة فصلى بنا الصبح بالبطحاء.
ثم قال: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها.
ثم قال: رواه مسلم عن ابراهيم بن دينار، عن ابن روح.
وتقدم من رواية قتادة عن أبي حسان الاعرج عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم أتى ببدنة

فأشعر صفحة سنامها الايمن، ثم أتى براحلته فركبها فلما استوت به على البيداء أهل بالحج، وهو في صحيح مسلم أيضا.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو هشام، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا أبو حصين، عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه.
قال: حججت مع أبي بكر فجرد، ومع عمر فجرد، ومع عثمان فجرد.
تابعه الثوري عن أبي حصين وهذا إنما ذكرناه ههنا لان الظاهر أن هؤلاء الائمة رضي الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف والمراد بالتجريد ههنا الافراد والله أعلم.
وقال الدارقطني: ثنا أبو عبيد الله القاسم بن اسماعيل ومحمد بن مخلد.
قالا: ثنا علي بن علي بن محمد بن معاوية الرزاز، ثنا عبد الله بن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد الحج، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فبعث عمر فأفرد الحج، ثم حج أبو بكر فأفرد الحج، وتوفي أبو بكر واستخلف عمر فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج، ثم حج فأفرد الحج، ثم حصر عثمان فأقام عبد الله بن عباس للناس فأفرد الحج.
في أسناده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف لكن قال الحافظ البيهقي له شاهد بإسناد صحيح.
ذكر ما قاله إنه صلى الله عليه وسلم حج متمتعا
قال الامام أحمد: حدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهل فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وكان من الناس من أهدى فساق الهدي من ذي الحليفة ومنهم من لم يهد.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ".
وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، استلم الحجر أول شئ ثم خب ثلاثة أشواط من السبع، ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة ثم لم يحلل من شئ حرم منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى فساق الهدي من الناس.
قال الامام أحمد: وحدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا الحديث البخاري: عن يحيى بن بكير، ومسلم وأبو داود عن عبد الملك بن شعيب، عن الليث عن أبيه، والنسائي عن

محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، عن حجين بن المثنى ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن عقيل عن الزهري، عن عروة عن عائشة كما ذكره الامام أحمد رحمه الله.
وهذا الحديث من المشكلات على كل من الاقوال الثلاثة، أما قول الافراد ففي هذا إثبات عمرة أما قبل الحج أو معه، وأما على قول التمتع الخاص فلانه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما طاف بالصفا والمروة.
وليس هذا شأن المتمتع، ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي كما قد يفهم من حديث ابن عمر عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة، ولم تحل أنت من
عمرتك ؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر.
فقولهم بعيد لان الاحاديث الواردة في إثبات القران ترد هذا القول، وتأبى كونه عليه السلام إنما أهل أولا بعمرة ثم بعد سعيه بالصفا والمروة أهل بالحج، فإن هذا على هذه الصفة لم ينقله أحد بأسناد صحيح بل ولا حسن ولا ضعيف.
وقوله في هذا الحديث: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، إن أريد بذلك التمتع الخاص وهو الذي يحل منه بعد السعي فليس كذلك فإن في سياق الحديث ما يرده ثم في إثبات العمرة المقارنة لحجه عليه السلام ما يأباه، وإن أريد به التمتع العام دخل فيه القرآن وهو المراد.
وقوله: وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، إن أريد به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج بأن قال: لبيك اللهم عمرة وحجا فهذا سهل ولا ينافي القرآن وإن أريد به أنه أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج متراخ ولكن قبل الطواف قد صار قارنا أيضا، وإن أريد به أنه أهل بالعمرة ثم فرغ من أفعالها تحلل أو لم يتحلل بسوق الهدي كما زعمه زاعمون، ولكنه أهل بحج بعد قضاء مناسك العمرة وقبل خروجه إلى منى، فهذا لم ينقله أحد من الصحابة كما قدمنا، ومن ادعاه من الناس فقوله مردود لعدم نقله ومخالفته الاحاديث الواردة في إثبات القرآن كما سيأتي، بل والاحايث الواردة في الافراد كما سبق والله أعلم.
والظاهر والله أعلم أن حديث الليث هذا عن عقيل، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر يروى من الطريق الاخرى عن ابن عمر حين أفرد الحج ومن محاصرة الحجاج لابن الزبير فقيل له: إن الناس كائن بينهم شئ فلو أخرت الحج عامك هذا.
فقال: إذا أفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يعني زمن حصر عام الحديبية فأحرم بعمرة من ذي الحليفة، ثم لما علا شرف البيداء قال ما أرى أمرهما إلا واحدا، فأهل بحج معها فاعتقد الراوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا فعل سواء، بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فرووه كذلك وفيه نظر لما سنبينه وبيان هذا في الحديث الذي رواه عبد الله بن وهب: أخبرني مالك بن أنس وغيره أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر خرج في الفتنة معتمرا وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فأهل بالعمرة، وسار حتى إذا ظهر على ظاهر البيداء التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة، فخرج
حتى جاء البيت فطاف به وطاف بين الصفا والمروة سبعا لم يزد عليه، ورأى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى.
وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث مالك.
وأخرجاه من حديث عبيد الله عن نافع

به.
ورواه عبد الرزاق، عن عبيد الله وعبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع به نحوه، وفيه ثم قال في آخره: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما رواه البخاري حيث قال: حدثنا قتيبة، ثنا ليث.
عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك.
قال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة.
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء: قال: ما أرى شأن الحج والعمرة إلا واحدا أشهدكم أني أوجبت حجا مع عمرتي فأهدى هديا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك، ولم ينحر ولم يحل من شئ حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر، حتى كان يوم النحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول.
قال ابن عمر كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر دخل عليه ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره في المدار فقال: إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت فلو أقمت.
قال، قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فإن حيل (1) بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا.
وهكذا رواه البخاري: عن أبي النعمان.
عن حماد بن زيد، عن أيوب بن تميمة السختياني عن نافع به.
ورواه مسلم من حديثهما عن أيوب به.
فقد اقتدى ابن عمر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم في التحلل عند حصر العدو والاكتفاء بطواف واحد عن الحج والعمرة، وذلك لانه كان قد أحرم أولا بعمرة ليكون متمتعا، فخشي أن يكون حصر فجمعهما وأدخل الحج قبل العمرة قبل الطواف فصار قارنا، وقال: ما أرى أمرهما إلا واحدا - يعني لا فرق بين أن يحصر الانسان عن الحج أو العمرة أو عنهما - فلما قدم مكة اكتفى عنهما
بطوافه الاول كما صرح به في السياق الاول الذي أفردناه، وهو قوله: ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول.
قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني أنه اكتفى عن الحج والعمرة بطواف واحد - يعني بين الصفا والمروة، وفي هذا دلالة على أن ابن عمر روى القران، ولهذا روى النسائي: عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع: أن ابن عمر قرن الحج والعمرة فطاف طوافا واحدا، ثم رواه النسائي عن علي بن ميمون الرقي، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى، وأيوب السختياني، وعبد الله بن عمر أربعتهم عن نافع: أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهل بعمرة فخشي أن يصد عن البيت.
فذكر تمام الحديث من إدخاله الحج على العمرة وصيرورته قارنا.
والمقصود أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج فأدخله
__________
(1) من البخاري: وفي الاصل: فإن يحل.

عليها قبل الطواف فرواه بمعنى ما فهم، ولم يرد ابن عمر ذلك وانما أراد ما ذكرناه والله أعلم بالصواب، ثم بتقدير أن يكون أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فإنه يصير قارنا لا متمتعا التمتع الخاص فيكون فيه دلالة لمن ذهب إلى أفضلية التمتع والله تعالى أعلم.
وأما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا همام، عن قتادة، حدثني مطرف، عن عمران.
قال: تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء.
فقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن همام عن قتادة به، والمراد به المتعة التي أعم من القران والتمتع الخاص ويدل على ذلك ما رواه مسلم: من حديث شعبة وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة وذكر تمام الحديث.
وأكثر السلف يطلقون المتعة على القران كما قال البخاري: حدثنا قتيبة، ثنا حجاج بن محمد الاعور عن شعبة،
عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب.
قال: اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا (1) أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن الحكم بن عيينة، عن علي بن الحسين عن مروان بن الحكم عنهما به.
وقال علي: ما كنت لادع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق عنهما فقال له علي: لقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال أجل ! ولكنا كنا خائفين (2).
وأما الحديث الذي رواه مسلم: من حديث غندر، عن شعبة، وعن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه عن شعبة عن مسلم بن مخراق القري (3) سمع ابن عباس يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهل أصحابه بحج فلم يحل رسول الله ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم.
فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وروح بن عبادة عن شعبة عن مسلم القري عن ابن عباس.
قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج - وفي رواية أبي داود - أهل رسول الله وأصحابه بالحج، فمن كان منهم لم يكن له متعة هدي حل ومن كان معه هدي لم يحل الحديث.
فإن صححنا الروايتين جاء القران وإن توقفنا في كل منهما وقف الدليل، وان رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة فقد تقدم عن ابن عباس أنه روى الافراد وهو الاحرام بالحج فتكون هذه زيادة على الحج فيجئ القول بالقران لاسيما وسيأتي عن ابن عباس ما يدل على ذلك.
وروى مسلم: من حديث غندر ومعاذ بن معاذ، عن شعبة، عن الحكم عن مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله قال هذه
__________
(1) من البخاري، وفي الاصل إلى أن، وهي رواية سعيد بن المسيب.
(2) ولكنا كنا خائفين: قال النووي لعله أشار إلى عمرة القضية سنة سبع، لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتع إنما كان عمرة وحدها.
وقال القرطبي: قوله خائفين: أي من يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع.
(3) من صحيح مسلم، وفي الاصل المقبري وهو تحريف.

عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن معه هدي فليحل الحل كله، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة، وروى البخاري: عن آدم بن أبي اياس، ومسلم من حديث غندر كلاهما عن شعبة عن أبي جمرة قال: تمتعت فنهاني ناس، فسألت ابن عباس فأمرني بها، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول [ لي ] (1) حج مبرور ومتعة (2) متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال: الله أكبر سنة أبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه، والمراد بالمتعة ههنا القران.
وقال القعيني وغيره عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه: أنه سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا بن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
ورواه الترمذي والنسائي: عن قتيبة، عن مالك.
وقال الترمذي صحيح.
وقال عبد الرزاق: عن معتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك كلاهما عن سليمان التيمي: حدثني غنيم بن قيس، سألت سعد بن أبي وقاص: عن التمتع بالعمرة إلى الحج قال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر في العرش (3) - يعني مكة - ويعني به معاوية.
ورواه مسلم من حديث شعبة وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ومروان الفزاري أربعتهم عن سليمان التيمي: سمعت غنيم بن قيس، سألت سعدا عن المتعة فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش.
وفي رواية يحيى بن سعيد - يعني معاوية - وهذا كله من باب إطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص، وهو الاحرام بالعمرة والفراغ منها ثم الاحرام بالحج ومن القران بل كلام سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحج وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل الحج أما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء وهو الاشبه، فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح وروينا أنه قصر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يمشقص في بعض عمره وهي عمرة الجعرانة لا محالة.
والله أعلم.
ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه السلام كان قارنا رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قد تقدم ما رواه البخاري من حديث
أبي عمرو الاوزاعي: سمعت يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني آت من ربي عز وجل فقال صل في
__________
(1) من البخاري.
(2) في البخاري: وعمرة.
(3) العرش: بيوت مكة، قال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عرشا لانها عيدان تنصب وتظلل، قال: ويقال لها عروش، واحدها عرش.
ومن قال عرش: واحدها عريش.

هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقبري ببغداد، أنبأنا أحمد بن سليمان قال قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا أسمع: حدثنا أبو زيد الهروي، ثنا علي بن المبارك، ثنا يحيى بن أبي كثير، ثنا عكرمة، حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبرائيل عليه السلام وأنا بالعقيق فقال: صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل عمرة في حجة، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
ثم قال البيهقي رواه البخاري عن أبي زيد الهروي.
وقال الامام أحمد: ثنا هاشم، ثنا سيار، عن أبي وائل أن رجلا كان نصرانيا يقال له الصبى بن معبد، فأراد الجهاد فقيل له إبدأ بالحج فأتى الاشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا ففعل، فبينما هو يلبي إذ مر بزيد بن صوحان، وسلمان بن ربيعة.
فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضل من بعير أهله، فسمعها الصبى فكبر ذلك عليه فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له.
فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
قال وسمعته مرة أخرى يقول وفقت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الامام أحمد: عن يحيى بن سعيد القطان، عن الاعمش، عن شقيق، عن أبي وائل، عن الصبي بن معبد، عن عمر بن الخطاب فذكره.
وقال: إنهما لم يقولا شيئا، هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ورواه عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور عن أبي وائل به.
ورواه أيضا عن غندر عن شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل، وعن سفيان بن عيينة عن عبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل.
قال قال: الصبى بن معبد كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فأهللت بحج وعمرة فسمعني زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما.
فقالا: لهذا أضل من بعير أهله، فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل، فقدمت على عمر فأخبرته فأقبل عليهما فلامهما وأقبل علي فقال: هديت لسنة النبي صلى الله عليه وسلم قال عبدة قال أبو وائل: كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبى ابن معبد نسأله عنه وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح.
وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة به.
وقال النسائي في كتاب الحج من سننه: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، ثنا أبي عن جمرة السكري، عن مطرف، عن سلمة بن كهيل، عن طاوس عن ابن عباس عن عمر.
أنه قال: والله إني لانهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم إسناد جيد.
رواية أميري المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب.
قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه، فقال عثمان: دعنا منك.
هكذا رواه الامام أحمد مختصرا: وقد أخرجاه في الصحيحين: من حديث شعبة عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب.
قال: اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة.
فقال علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي بن أبي

طالب أهل بهما جميعا وهكذا لفظ البخاري.
وقال البخاري: ثنا محمد بن يسار، ثنا غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم.
قال: شهدت عثمان وعليا، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى علي أهل بهما: لبيك بعمرة وحج.
قال: ما كنت لادع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد.
ورواه النسائي من حديث شعبة به، ومن حديث الاعمش، عن مسلم البطين، عن علي بن الحسين به.
وقال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة.
قال: قال عبد الله بن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة وعلي يأمر بها.
فقال
عثمان لعلي: إنك لكذا وكذا.
ثم قال علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أجل ولكنا كنا خائفين.
ورواه مسلم من حديث شعبة فهذا اعتراف من عثمان رضي الله بما رواه علي رضي الله عنهما ومعلوم أن عليا رضي الله عنه أحرم عام حجة الوداع بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد ساق الهدي وأمره عليه السلام أن يمكث حراما وأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه كما سيأتي بيانه.
وروى مالك في الموطأ: عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن المقداد بن الاسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات (1) له دقيقا وخبطا.
فقال: هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي وعلى يده أمر الدقيق والخبط - ما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه - حتى دخل على عثمان.
فقال: أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة.
فقال عثمان: ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا وقد قال أبو داود في سننه: ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج، ثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب.
قال: كنت مع علي حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فذكر الحديث في قدوم علي.
قال علي: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت.
قال قلت: إنما أهللت باهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: إني قد سقت الهدي وقرنت.
وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين بإسناده وهو على شرط الشيخين، وعلله الحافظ البيهقي: بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر الطويل وهذا التعليل فيه نظر لانه قد روى القران من حديث جابر بن عبد الله كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
وروى ابن حبان في صحيحه عن علي بن أبي طالب.
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وخرجت أنا من اليمن.
وقلت لبيك باهلال كإهلال النبي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أهللت بالحج والعمرة جميعا.
رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: وقد رواه عنه جماعة من التابعين ونحن نوردهم مرتبين على حروف المعجم.
بكر بن عبد الله المزني عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا حميد الطويل، أنبأنا بكر بن عبد الله المزني.
قال: سمعت أنس بن مالك يحدث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي
__________
(1) ينجع: يسقي.
بكرات: الابل الفتية.
والخبط: ورق الشجر ينفض ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق وغيره، ثم تسقاه الابل.

بالحج والعمرة جميعا، فحدثت بذلك ابن عمر.
فقال: لبى بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر.
فقال: ما تعدونا إلا صبيانا.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجا.
ورواه البخاري عن مسدد، عن بشر بن الفضل عن حميد به.
وأخرجه مسلم عن شريح بن يونس عن هشيم به.
وعن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع، عن حبيب بن الشهيد عن بكر بن عبد الله المزني به.
ثابت البناني عن أنس.
قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لبيك بعمرة وحجة معا.
تفرد به من هذا الوجه الحسن البصري عنه.
قال: الامام أحمد: ثنا روح، ثنا أشعث، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة وقد لبوا بحج وعمرة، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة أن يحلوا وأن يجعلوها عمرة فكأن القوم هابوا ذلك.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أني سقت هديا لاحللت، فأحل القوم وتمتعوا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن قزعة، ثنا سفيان بن حبيب، ثنا أشعث، عن الحسن عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة، فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا فهابوا ذلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا فلولا أن معي الهدي لاحللت.
فحلوا حتى حلوا إلى النساء.
ثم قال: البزار لا نعلم رواه عن الحسن إلا أشعث بن عبد الملك.
حميد بن تيرويه الطويل عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، سمعت أنسا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك بحج وعمرة وحج.
هذا أسناد ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ولا أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه، لكن رواه مسلم: عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد أنهم سمعوا أنس بن مالك.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل بهما جميعا لبيك عمرة وحجا لبيك عمرة وحجا.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعمر بن يسر، ثنا عبد الله، أنبأنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك.
قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنا كثيرة وقال: لبيك بعمرة وحج وإني لعند فخذ ناقته اليسرى.
تفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا.
حميد بن هلال العدوي البصري عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة عن أنس بن مالك.
وحدثناه سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة وحميد بن هلال، عن أنس.
قال: إني ردف أبي طلحة وان ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي بالحج والعمرة.
وهذا اسناد جيد قوي على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
وقد تأوله البزار على أن الذي كان يلبي بالحج والعمرة أبو طلحة قال: ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة إليه لمجئ ذلك من طرق عن أنس كما مضى وكما سيأتي ثم عود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى وهو

في هذه الصورة أقوى دلالة.
والله أعلم وسيأتي في رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس صريح الرد على هذا التأويل.
زيد بن أسلم عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار روى سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك.
أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بحج وعمرة.
حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي، ومحمد بن مسكين.
قالا: حدثنا بشر بن بكر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم، عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقد رواه الحافظ، أبو بكر البيهقي بأبسط من هذا السياق.
فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي.
قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا العباس بن الوليد بن يزيد، أخبرني أبي ثنا شعيب بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم وغيره.
أن رجلا أتى ابن عمر فقال: بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن عمر: أهل بالحج فانصرف، ثم أتاه
من العام المقبل.
فقال: بم أهل رسول الله ؟ قال ألم تأتني عام أول.
قال: بلى ! ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن قال ابن عمر إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرؤوس، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها اسمعه يلبي بالحج.
سالم بن أبي الجعد الغطفاني الكوفي عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جمع بين الحج والعمرة فقال: لبيك بعمرة وحجة معا، حسن ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا أبو عوانة، ثنا عثمان بن المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن سعد مولى الحسن بن علي.
قال: خرجنا مع علي فأتينا ذا الحليفة.
فقال علي: إني أريد أن أجمع بين الحج والعمرة، فمن أراد ذلك فليقل كما أقول، ثم لبى قال: لبيك بحجة وعمرة معا.
قال وقال سالم: وقد أخبرني أنس بن مالك.
قال: والله إن رجلي لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليهل بهما جميعا.
وهذا أيضا إسناد جيد من هذا الوجه ولم يخرجوه، وهذا السباق يرد على الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال عن أنس كما تقدم.
والله أعلم.
سليمان بن طرخان التيمي عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، ثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي، يحدث عن أنس بن مالك.
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا.
ثم قال البزار: لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر ولم يسمعه إلا من يحيى بن حبيب العربي عنه.
قلت وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
سويد بن حجير عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي قزعة سويد بن حجير، عن أنس بن مالك قال: كنت رديف أبي طلحة فكانت ركبة أبي طلحة تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهما.
وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد ولم

يخرجوه وفيه رد على الحافظ البزار صريح.
عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا
معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة عن أنس: قال: كنت رديف أبي طلحة وهو يساير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن رجلي لتمس غرز النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يلبي بالحج والعمرة معا.
وقد رواه البخاري: من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال.
صلى صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر، وأهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما جميعا.
وفي رواية له: كنت رديف أبي طلحة وأنهم ليصرخون بهما جميعا الحج والعمرة.
وفي رواية له عن أيوب عن رجل عن أنس.
قال: ثم بات حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج.
عبد العزيز بن صهيب تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه عند مسلم.
علي بن زيد بن جدعان عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا ابراهيم بن سعيد، ثنا علي بن حكيم، عن شريك، عن علي بن زيد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى بهما جميعا.
هذا غريب من هذا الوجه ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن وهو على شرطهم.
قتادة بن دعامة السدوسي عنه: قال الامام أحمد: حدثنا بهز وعبد الصمد المعني.
قالا: أخبرنا همام بن يحيى، ثنا قتادة.
قال: سألت أنس بن مالك قلت: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: جحة واحدة واعتمر أربع مرات عمرته زمن الحديبية وعمرته في ذي القعدة من المدينة، وعمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين وعمرته مع حجته.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث همام بن يحيى به.
مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا مصعب بن سليم، سمعت أنس بن مالك يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة وعمرة، تفرد به أحمد.
يحيى بن إسحاق الحضرمي عنه.
قال الامام أحمد: ثنا هشيم: أنبأنا يحيى بن إسحاق وعبد العزيز بن صهيب، وحميد الطويل عن أنس أنهم سمعوه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا، لبيك عمرة وحجا وقد تقدم أن مسلما رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم به.
وقال الامام أحمد أيضا: ثنا عبد الاعلى، عن يحيى عن أنس.
قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة قال فسمعته يقول لبيك عمرة وحجا.
أبو الصيقل عنه قال الامام أحمد: حدثنا حسن، ثنا زهير.
وحدثنا أحمد بن عبد الملك، ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء الصيقل، عن أنس بن مالك.
قال: خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة.
وقال: لو استقبلت من أمري ما

استدبرت لجعلتها عمرة ولكني سقت الهدي وقرنت الحج بالعمرة.
ورواه النسائي عن هناد، عن أبي الاحوص، عن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصيقل، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما.
أبو قدامة الحنفي ويقال: إن اسمه محمد بن عبيد عن أنس.
قال الامام أحمد: ثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن أبي قدامة الحنفي.
قال قلت: لانس بأي شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي فقال: سمعته سبع مرات يلبي بعمرة وحجة، تفرد به الامام أحمد، وهو اسناد جيد قوي ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة، وروى ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وقرن القوم معه.
وقد أورد الحافظ البيهقي بعض الطرق عن أنس بن مالك ثم شرع يعلل ذلك بكلام فيه نظر وحاصله أنه قال: والاشتباه وقع لانس لا لمن دونه ويحتمل أن يكون سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران، لا أنه يهل بهما عن نفسه والله أعلم.
قال: وقد روي ذلك عن غير أنس بن مالك وفي ثبوته نظر، قلت: ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله وربما أنه كان ترك هذا الكلام أولى منه، إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي مع تواتره عنه كما رأيت آنفا وفتح هذا يفضي إلى محذور كبير والله تعالى أعلم.
حديث البراء بن عازب في القران.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا علي بن محمد المصري، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب.
قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
عمر كلهن في ذي القعدة.
فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها.
قال: البيهقي ليس هذا بمحفوظ قلت سيأتي بأسناد صحيح إلى عائشة نحوه.
رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن جعفر بن رميس، والقاسم بن إسماعيل، أو عبيد، وعثمان بن جعفر اللبان وغيرهم.
قالوا: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، ثنا زيد بن حباب، ثنا سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر بن عبد الله.
قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر، وحجة قرن معها عمرة.
وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن سعيد الثوري به، وأما الترمذي فرواه عن عبد الله بن أبي زياد بن حباب عن سفيان به ثم قال: غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب.
ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن، يعني الرازي، روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد، وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه ورأيته لا يعده محفوظا.
قال: وإنما روي عن الثوري، عن أبي اسحاق، عن مجاهد مرسلا.
وفي السنن الكبير للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن

إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال هذا حديث خطأ وإنما روي هذا عن الثوري مرسلا.
قال البخاري: وكان زيد بن الحباب إذا روى خطأ ربما غلط في الشئ وأما ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، عن عبد الله بن داود الخريبي (1).
عن سفيان به وهذه طريق لم يقف عليها الترمذي ولا البيهقي وربما ولا البخاري حيث تكلم في زيد بن الحباب ظانا أنه انفرد به وليس كذلك.
والله أعلم.
طريق أخرى عن جابر.
قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا.
ثم قال: هذا حديث حسن وفي نسخة صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال: لم يطف للنبي صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا لحجه ولعمرته.
قلت: حجاج هذا هو ابن أرطاة.
وقد تكلم
فيه غير واحد من الائمة، ولكن قد روي من جه آخر عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أيضا كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا مقدم بن محمد، حدثني عمي القاسم بن يحيى بن مقدم، عن عبد الرحمن بن عثمان بن خيثم، عن أبي الزبير عن جابر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة وساق الهدي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يقلد الهدي فليجعلها عمرة.
ثم قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه بهذا الاسناد انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده وإسنادها غريبة جدا وليست في شئ من الكتب الستة من هذا الوجه.
والله أعلم.
رواية أبي طلحة زيد بن سهل الانصاري رضي الله عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا حجاج - هو ابن أرطأة - عن الحسن بن سعد، عن ابن عباس.
قال: أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة.
ورواه ابن ماجه، عن علي بن محمد، عن أبي معاوية بإسناده ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة.
الحجاج بن أرطاة فيه ضعف والله أعلم.
رواية سراقة بن مالك بن جعشم.
قال الامام أحمد: حدثنا مكي بن إبراهيم ثنا داود - يعني ابن سويد - سمعت عبد الملك الزراد.
يقول سمعت النزال بن سبرة صاحب علي يقول: سمعت سراقة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قال وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
رواية سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمتع بالحج والعمرة وهو القران.
قال الامام مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، أنه حدثه أنه
__________
(1) الخريبي: نسبة إلى محلة بالبصرة تدعى الخريبة، وكانت وفاته سنة 211 ه.
اللباب 1 / 359.

سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا مجهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا بن
أخي.
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها، فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن مالك به.
وقال: الترمذي هذا حديث صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سليمان - يعني التيمي - حدثني غنيم.
قال: سألت ابن أبي وقاص عن المتعة فقال: فعلناها وهذا كافر بالعرش - يعني معاوية - هكذا رواه مختصرا.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن سعيد الثوري، وشعبة ومروان الفزاري، ويحيى بن سعيد القطان أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمي سمعت غنيم بن قيس سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة ؟ فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش.
قال: يحيى بن سعيد في روايته - يعني معاوية - ورواه عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك كلاهما عن سليمان التيمي، عن غنيم بن قيس سألت سعدا: عن التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش - يعني مكة ويعني به معاوية - وهذا الحديث الثاني أصح اسنادا وإنما ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا والاول صحيح الاسناد وهذا أصرح في المقصود من هذا.
والله أعلم.
رواية عبد الله بن أبي أوفى.
قال الطبراني: حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا يزيد بن عطاء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى.
قال: إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لانه علم أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام.
رواية عبد الله بن عباس في ذلك.
قال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا داود - يعني القطان - عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التي مع حجته.
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن داود بن عبد الرحمن العطار المكي، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس به وقال الترمذي حسن غريب ورواه الترمذي: عن سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة مرسلا.
ورواه الحافظ البيهقي من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي، عن الحسن بن الربيع، وشهاب بن عباد كلاهما عن داود بن
عبد الرحمن العطار فذكره.
وقال: الرابعة التي قرنها مع حجته ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز: ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود بن عبد الرحمن ثم حكى البيهقي عن البخاري أنه قال: داود بن عبد الرحمن صدوق إلا أنه ربما يهم في الشئ.
وقد تقدم ما رواه البخاري من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق: أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
فلعل هذا مستند ابن عباس فيما حكاه.
والله أعلم.

رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قد تقدم فيما رواه البخاري ومسلم: من طريق الليث، عن عقيل عن الزهري.
عن سالم، عن ابن عمر.
أنه قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السعي.
فعلم كما قررناه أولا إنه عليه السلام لم يكن متمتعا التمتع الخاص وإنما كان قارنا لانه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعا اكتفى بطوف واحد بين الصفا والمروة عن حجه وعمرته.
وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو خيثمة، ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لاقرانه لم يحل بينهما واشترى من الطريق - عني الهدي - وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقاة، إلا أن يحيى بن يمان وإن كان من رجال مسلم في أحاديثه عن الثوري نكارة شديدة والله أعلم، ومما يرجح أن ابن عمر أراد بالافراد الذي رواه إفراد أفعال الحج لا الافراد الخاص الذي يصير إليه أصحاب الشافعي وهو الحج ثم الاعتمار بعده في بقية في الحجة قول الشافعي: أنبأنا مالك، عن صدقة بن يسار عن ابن عمر.
أنه قال: لان أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة.
رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا يونس بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرن
خشية أن يصد عن البيت، وقال: إن لم يكن حجة فعمرة وهذا حديث غريب سندا ومتنا تفرد بروايته الامام أحمد.
وقد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفي هذا كان مضطرب الحديث وضعفه وكذا ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه والنسائي، وأما من حيث المتن فقوله إنما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يصد عن البيت فمن الذي كان يصده عليه السلام عن البيت وقد أطد الله له (1) الاسلام وفتح البلد الحرام وقد نودي برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان وقد كان معه عليه السلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفا فقوله: خشية أن يصد عن البيت، وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي بن أبي طالب حين قال له علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله فقال: أجل ولكنا كنا خائفين ولست أدري على م يحمل هذا الخوف من أي جهة كان ؟ إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه وحمله على معنى ظنه فما رواه صحيح مقبول وما اعتقده ليس بمعصوم فيه فهو موقوف عليه وليس بحجة على غيره ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه: هكذا قول عبد الله بن عمرو.
لو صح السند إليه.
والله أعلم.
رواية عمران بن حصين رضي الله عنه.
قال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر وحجاج
__________
(1) أطد: ثبت.

قالا، ثنا شعبة، عن حميد بن هلال سمعت مطرفا قال: قال لي عمران بن حصين: إني محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حجته وعمرته، ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل قرآن فيه يحرمه، وأنه كان يسلم علي فلما اكتويت أمسك عني فلما تركته عاد إلي.
وقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى، ومحمد بن يسار، عن غندر عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه، والنسائي عن محمد بن عبد الاعلى، عن خالد بن الحارث ثلاثتهم عن شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف عن عمران به.
ورواه مسلم: من حديث شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع
بين حج وعمرة الحديث.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني، حديث شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف صحيح، وأما حديثه عن قتادة عن مطرف فإنما رواه عن شعبة كذلك بقية بن الوليد.
وقد رواه غندر وغيره عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قلت: وقد رواه أيضا النسائي في سننه: عن عمرو بن علي الفلاس، عن خالد بن الحارث عن شعبة، وفي نسخة عن سعيد بدل شعبة عن قتادة عن مطرف، عن عمران بن الحصين فذكره.
والله أعلم.
وثبت في الصحيحين: من حديث همام، عن قتادة، عن مطرف عن عمران بن الحصين قال: تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواية الهرماس بن زياد الباهلي: قال عبد الله بن الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن عمران بن علي أبو محمد من أهل الري وكان أصله أصبهاني، حدثنا يحيى بن الضريس.
حدثنا عكرمة بن عمار، عن الهرماس.
قال: كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعير وهو يقول: " لبيك بحجة وعمرة معا " وهذا على شرط السنن ولم يخرجوه.
رواية حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: مالك لم تحل من عمرتك ؟ قال: " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وعبيد الله بن عمر زاد البخاري وموسى بن عقبة زاد مسلم وابن جريج كلهم عن نافع عن ابن عمر به.
وفي لفظهما أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال: " إني قلدت هديي ولبدت (1) رأسي فلا أحل حتى أنحر " وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا شعيب بن أبي حمزة.
قال قال نافع: كان عبد الله بن عمر يقول: أخبرتنا حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع.
فقالت له فلانة: ما يمنعك أن تحل.
قال: " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي " وقال أحمد
__________
(1) التلبيد: أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من الصمغ ليجتمع شعره لئل يشعث في الاحرام.
ويقال: لبد الرجل إذا جمع شعره على رأسه ولطخه بالصمغ لئلا يقع فيه القمل.

أيضا: حدثنا يعقوب بن ابراهيم، حدثنا أبي، عن أبي إسحاق، حدثني نافع عن عبد الله بن عمر بن حفصة بنت عمر.
أنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة.
قلنا: فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ قال: " إني أهديت ولبدت فلا أحل حتى أنحر هديي " ثم رواه أحمد: عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن نافع، عن ابن عمر عن حفصة فذكره فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متلبسا بعمرة ولم يحل منها، وقد علم بما تقدم من أحاديث الافراد أنه كان قد أهل بحج أيضا فدل مجموع ذلك أنه قارن مع ما سلف من رواية من صرح بذلك.
والله أعلم.
رواية عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي، فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا، فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انقضي (1) رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة.
ففعلت، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت.
فقال: هذه مكان عمرتك.
قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا (2).
وكذلك رواه مسلم عن حديث مالك، عن الزهري فذكره.
ثم رواه عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللت بعمرة، ولم أكن سقت الهدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته، لا يحل حتى يحل منهما جميعا وذكر تمام الحديث كما تقدم.
والمقصود من إيراد هذا الحديث ههنا قوله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة.
ومعلوم أنه عليه السلام قد كان معه هدي فهو أول وأولى من أئتمر
بهذا لان المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح.
وأيضا فإنها قالت: وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا يعني بين الصفا والمروة.
وقد روى مسلم عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طاف بين الصفا والمروة طوافا واحدا، فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج والعمرة.
وقد روى مسلم من حديث حماد بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسار، وأيضا فإنها ذكرت أن
__________
(1) انقضي رأسك: قال ابن حجر: يحتمل أن يكون لاجل الغسل لتهل بالحج، لاسيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر، وأما الامتشاط فلعل المراد به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شئ ثم تضفره كما كان.
(2) فتح الباري - كتاب الحج - الحديث: 1556.

رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من النسكين فلم يكن متمتعا وذكرت أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمرها من التنعيم.
وقالت: يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج، فبعثها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرها من التنعيم، ولم يذكر أنه عليه السلام اعتمر بعد حجته فلم يكن مفردا.
فعلم أنه كان قارنا لانه كان باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع.
والله أعلم.
وقد تقدم ما رواه الحافظ البيهقي: من طريق يزيد بن هارون، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب أنه قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها.
وقال البيهقي: في الخلافيات.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا أبو محمد بن حبان الاصبهاني، أنبأنا إبراهيم بن شريك، أنبأنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، عن مجاهد قال: سئل ابن عمر كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال مرتين.
فقالت عائشة لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع.
ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا بأس به لكن فيه إرسال - مجاهد لم يسمع من عائشة في قول بعض المحدثين.
قلت كان شعبة ينكره، وأما
البخاري ومسلم فإنهما أثبتاه والله أعلم.
وقد روي من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وعروة بن الزبير وغير واحد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي عام حجة الوداع وفي إعمارها من التنعيم ومصادقتها له منهبطا على أهل مكة وبيتوته بالمحصب حتى صلى الصبح بمكة، ثم رجع إلى المدينة.
وهذا كله مما يدل على أنه عليه السلام لم يعتمر بعد حجته تلك ولم أعلم أحدا من الصحابة نقله.
ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين، ولا روى أحد أنه عليه السلام بعد طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة حلق ولا قصر ولا تحلل بل استمر على إحرامه باتفاق، ولم ينقل أنه أهل بحج لما سار إلى منى فعلم أنه لم يكن متمتعا.
وقد اتفقوا على أنه عليه السلام اعتمر عام حجة الوداع، فلم يتحلل بين النسكين ولا أنشأ إحراما للحج ولا اعتمر بعد الحج فلزم القران، وهذا مما يعسر الجواب عنه والله أعلم.
وأيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الافراد والتمتع فهي مقدمة عليها كما هو مقرر في علم الاصول.
وعن أبي عمران أنه حج مع مع مواليه.
قال: فأتيت أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين إني لم احج قط، فأيهما أبدأ بالعمرة أم بالحج ؟ قالت: ابدأ بأيهما شئت.
قال: ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها فقالت: لي مثل ما قالت لي، ثم جئت أم سلمة فأخبرتها بقول صفية فقالت لي أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة.
رواه ابن حبان في صحيحه وقد رواه ابن حزم في حجة الوداع من حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم، عن أبي عمران عن أم سلمة به.
فصل إن قيل: قد رويتم عن جماعة من الصحابة أنه عليه السلام أفرد الحج ثم رويتم عن هؤلاء

بأعيانهم وعن غيرهم أنه جمع بين الحج والعمرة فما الجمع من ذلك.
فالجواب: أن رواية من روى أنه أفرد الحج محمولة على أنه أفرد أفعال الحج، ودخلت العمرة فيه نية وفعلا ووقتا وهذا يدل على أنه اكتفى بطواف الحج، وسعيه عنه وعنها كما هو مذهب الجمهور في القارن خلافا لابي حنيفة
رحمه الله حيث ذهب إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين واعتمد على ما روي في ذلك عن علي بن أبي طالب وفي الاسناد إليه نظر.
وأما من روى التمتع ثم روى القران فقد قدمنا الجواب عن ذلك بأن التمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والقران بل ويطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج.
كما قال سعد بن أبي وقاص: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا - يعني معاوية - يومئذ كافر بالعرش - يعني بمكة - وإنما يريد بهذا إحدى العمرتين، إما الحديبية أو القضاء.
فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية قد أسلم لانها كانت بعد الفتح وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر وهذا بين واضح والله أعلم.
فصل إن قيل: فما جوابها عن الحديث الذي رواه أبو داود الطيالسي في مسنده.
حدثنا هشام عن قتادة عن أبي سيح الهنائي (1)، واسمه صفوان بن خالد، أن معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفف (2) النمور قالوا: اللهم نعم ! قال.
وأنا أشهد قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا (3) قالوا: اللهم نعم ! قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة قالوا: اللهم لا ! قال: والله إنها لمعهن.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان ثنا همام، عن قتادة، عن أبي سيح الهنائي قال: كنت في ملاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية فقال معاوية: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود النمور أن يركب عليها قالوا: اللهم نعم ! قال: وتعلمون أنه نهى عن لباس الذهب إلا مقطعا قالوا: اللهم نعم ! قال: وتعلمون أنه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة قالوا: اللهم نعم ! قال: وتعلمون أنه نهى عن المتعة - يعني متعة الحج - قالوا: اللهم لا ! وقال أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي سيح الهنائي أنه شهد معاوية وعنده جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم معاوية: أتعلمون أن رسول الله نهى عن ركوب جلود النمور قالوا: نعم ! قال: تعلمون أن رسول الله نهى عن لبس الحرير ؟ قالوا: اللهم نعم ! قال: أتعلمون أن رسول الله نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة ؟ قالوا: اللهم
نعم ! قال أتعلمون أن رسول الله نهى عن جمع بين حج وعمرة ؟ قالوا: اللهم لا ! قال فو الله إنها
__________
(1) في المشتبه: 1 / 279: السبائي.
(2) الصفف: جمع صفة وهي ما يفرش تحت السرج.
(3) المقطع: الشئ اليسير منه كالحلقة (عن النهاية).

لمعهن.
وكذا رواه حماد بن سلمة، عن قتادة وزاد ولكنكم نسيتم، وكذا رواه أشعث بن نزار وسعيد بن أبي عروبة وهمام عن قتادة بأصله.
ورواه مطر الوراق، وبهيس بن فهدان عن أبي سيح في متعة الحج.
فقد رواه أبو داود، والنسائي من طرق عن أبي سيح الهنائي به وهو حديث جيد الاسناد.
ويستغرب منه رواية معاوية رضي الله عنه النهي عن الجمع بين الحج والعمرة ولعل أصل الحديث النهي عن المتعة، فاعتقد الراوي أنها متعة الحج، وإنما هي متعة النساء، ولك يكن عند أولئك الصحابة رواية في النهي عنها أو لعل النهي عن الاقران في التمر كما في حديث ابن عمر فاعتقد الراوي أن المراد القران في الحج وليس كذلك أو لعل معاوية رضي الله عنه قال إنما قال أتعلمون أنه نهي عن كذا فبناه بما لم يسم فاعله فصرح الراوي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووهم في ذلك فإن الذي كان ينهى عن متعة الحج، إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم والحتم كما قدمنا، وانما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج، بسفر آخر ليكثر زيارة البيت، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يهابونه كثيرا، فلا يتجاسرون على مخالفته غالبا وكان ابنه عبد الله يخالفه، فيقال له: إن أباك كان ينهى عنها، فيقول لقد خشيت أن يقع عليكم حجارة من السماء قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أفسنة رسول الله تتبع أم سنة عمر بن الخطاب، وكذلك كان عثمان بن عفان رضي الله عنه ينهى عنها، وخالفه علي بن أبي طالب كما تقدم.
وقال لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس.
وقال عمران بن حصين: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أخرجاه في الصحيحين.
وفي صحيح مسلم عن سعد: أنه أنكر على معاوية إنكاره المتعة، وقال: قد فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا
يومئذ كافر بالعرش يعني معاوية أنه كان حين فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا بمكة يومئذ.
قلت: وقد تقدم أنه عليه السلام حج قارنا بما ذكرناه من الاحاديث الواردة في ذلك، ولم يكن بين حجة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوما وقد شهد الحجة ما ينيف عن أربعين ألف صحابي قولا منه وفعلا فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذي شهده منه الناس لم ينفرد به واحد من الصحابة ويرده عليه جماعة منهم ممن سمع منه ولم يسمع، فهذا كله مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظا عن معاوية رضي الله عنه والله أعلم.
وقال أبو داود ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني حيوة أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم خراساني، عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج وهذا الاسناد لا يخلو عن نظر.
ثم إن كان هذا الصحابي عن معاوية فقد تقدم الكلام على ذلك ولكن في هذا النهي عن المتعة لا القران.
وان كان في غيره فهو مشكل في الجملة لكن لا على القران.
والله أعلم.
ذكر مستند من قال: أنه عليه الصلاة والسلام أطلق الاحرام ولم يعين حجا، ولا عمرة أولا.
ثم بعد ذلك صرفه إلى معين.
وقد حكي عن الشافعي أنه الافضل إلا أنه قول ضعيف.

قال الشافعي رحمه الله: أنبأنا سفيان، أنبأنا ابن طاوس، وابراهيم بن ميسرة، وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم من أهل بالحج ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة.
وقال: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي ولكن لبدت رأسي وسقت هديي، فليس لي محل إلا محل هديي، فقام إليه سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله أقض لنا قضاء كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للابد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل للابد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " قال: فدخل علي من اليمن فسأله النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت ؟ فقال أحدهما: لبيك إهلال النبي صلى الله عليه وسلم،.
وقال الآخر: لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا مرسل طاوس وفيه غرابة.
وقاعدة الشافعي رحمه الله أنه لا يقبل المرسل بمجرده حتى يعتضد بغيره.
اللهم إلا أن يكون عن كبار التابعين كما عول عليه كلامه في الرسالة، لان الغالب أنهم لا يرسلون إلا عن الصحابة.
والله أعلم.
وهذا المرسل ليس من هذا القبيل بل هو مخالف للاحاديث المتقدمة كلها، أحاديث الافراد، وأحاديث التمتع، وأحاديث القران وهي مسندة صحيحة.
كما تقدم فهي مقدمة عليه ولانها مثبتة أمرا نفاه هذا المرسل والمثبت مقدم على النافي لو تكافئا.
فكيف والمسند صحيح والمرسل من حيث لا ينهض حجة لانقطاع سنده والله تعالى أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا محاضر، حدثنا الاعمش، عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة.
قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجا ولا عمرة فلما قدمنا أمرنا أن نحل فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية بنت حيي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حلقى عقرى " (1) ما أراها إلا حابستكم.
قال: هل كنت طفت يوم النحر ؟ قالت: نعم ! قال: فانفري.
قالت قلت: يا رسول الله إني لم أكن أهللت قال: " فاعتمري من التنعيم " قال فخرج معها أخوها.
قالت: فلقينا مدلجا فقال: موعدكن كذا وكذا.
هكذا رواه البيهقي.
وقد رواه البخاري: عن محمد، قيل هو ابن يحيى الذهلي، عن محاضر بن المورع به إلا أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج وهذا أشبه بأحاديثها المتقدمة لكن روى مسلم عن سويد بن سعيد، عن علي بن مسهر، عن الاعمش عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجا ولا عمرة.
وقد أخرجه البخاري ومسلم: من حديث منصور، عن ابراهيم، عن الاسود عنها.
قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج وهذا أصح وأثبت.
والله أعلم.
وفي
__________
(1) عقرى حلقى: قال النووي: هكذا يرويه المحدثون بالالف التي هي ألف التأنيث ويكتبونه بالياء ولا ينونونه.
قال أبو عبيد: معنى عقرى: عقرها الله تعالى، يعني عقر جسدها وأصابها بوجع في حلقها.
وقال: إنما هو عقرا وحلقا وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشئ من غير إرادة وقوعه، وعقرى تجئ نعتا وهي لا تجوز في الدعاء.

رواية لها من هذا الوجه خرجنا نلبي، ولا نذكر حجا ولا عمرة وهو محمول على أنهم لا يذكرون ذلك من التلبية وإن كانوا قد سموه حال الاحرام كما في حديث أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لبيك اللهم حجا وعمرة ".
وقال أنس: وسمعتهم يصرخون بهما جميعا.
فأما الحديث الذي رواه مسلم من حديث داود بن أبي هند، عن أبي نضرة عن جابر وأبي سعيد الخدري.
قالا: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فإنه حديث مشكل على هذا.
والله أعلم.
ذكر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك اللهم لبيك.
لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لك لا شريك لك " وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لك وسعديك، والخير في يديك لبيك، والرغباء إليك والعمل.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن عباد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، [ و ] عن نافع مولى عبد الله بن عمرو وحمزة بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل، فقال: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لك لا شريك لك ".
قالوا: وكان عبد الله يقول: [ هذه ] (1) تلبية رسول الله.
قال نافع: وكان عبد الله يزيد مع هذا: لبيك لبيك لبيك، وسعديك والخير بيديك [ لبيك ] والرغباء إليك والعمل.
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن [ عبيد الله ] (2) أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: تلقفت التلبية، من [ في ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر بمثل حديثهم.
حدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب.
قال: [ فإن ] (3) سالم بن عبد الله بن عمر: أخبرني عن أبيه.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا (4) يقول: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك " لا يزيد على هؤلاء الكلمات وان عبد الله بن عمر كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات.
وقال عبد الله بن عمر: كان عمر بن الخطاب يهل باهلال النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك
__________
(1) من مسلم، وفي الاصل: في.
(2) من مسلم: وفي الاصل عبد الله.
(3) من مسلم، وفي الاصل: قال.
(4) من مسلم، وفي الاصل ملبيا.

والعمل (1).
هذا لفظ مسلم.
وفي حديث جابر من التلبية كما في حديث ابن عمر وسيأتي مطولا قريبا رواه مسلم منفردا به.
وقال البخاري بعد إيراده من طريق مالك، عن نافع عن ابن عمر ما تقدم: حدثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عمارة، عن أبي عطية عن عائشة.
قالت: إني لاعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك " تابعه أبو معاوية عن الاعمش وقال شعبة: أخبرنا سليمان، سمعت خيثمة عن أبي عطية سمعت عائشة.
تفرد به البخاري.
وقد رواه الامام أحمد: عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن سليمان بن مهران الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية الوادي، عن عائشة فذكر مثل ما رواه البخاري سواء ورواه أحمد: عن أبي معاوية، وعبد الله بن نمير عن الاعمش كما ذكره البخاري سواء ورواه أيضا عن محمد بن جعفر وروح بن عبادة، عن شعبة، عن سليمان بن مهران الاعمش به كما ذكره البخاري وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة سواء.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية.
قال قالت عائشة: إني لاعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي.
قال: ثم سمعتها تلبي.
فقالت: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك
لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك.
فزاد في هذا السياق وحده والملك لا شريك لك.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أنبأنا الاصم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأنا ابن وهب: أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، أن عبد الله بن الفضل، حدثه عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة أنه قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك إله الحق ".
وقد رواه النسائي عن قتيبة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد العزيز بن أبي سلمة.
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع عن عبد العزيز به.
قال النسائي: ولا أعلم أحدا أسنده عن عبد الله بن الفضل إلا عبد العزيز.
ورواه إسماعيل بن أمية مرسلا.
وقال الشافعي أنبأنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج، أخبرني حميد الاعرج عن مجاهد أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر التلبية لبيك اللهم لبيك فذكر التلبية.
قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة.
قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة.
هذا مرسل من هذا الوجه.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد يوسف بن محمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا نصر بن علي الجهضمي، ثنا محبوب بن الحسن، ثنا داود، عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات فلما قال: لبيك اللهم لبيك.
قال: إنما الخير خير الآخرة.
وهذا إسناد غريب وإسناده على شرط السنن ولم يخرجوه.
__________
(1) الاحاديث أخرجها مسلم في صحيحه - شرح النووي - كتاب الحج - باب التلبية وصفاتها 8 / 87.
وما بين معكوفتين زيادات استدركت من صحيح مسلم.

وقال الامام أحمد: حدثنا روح، ثنا أسامة بن زيد، حدثني عبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني جبرائيل برفع الصوت في الاهلال فإنه من شعائر الحج.
تفرد به أحمد.
وقد رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن
عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقد قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي لبيد، عن المطلب بن حنطب، عن خلاد، عن السائب، عن زيد بن خالد قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج.
وكذا رواه ابن ماجه: عن علي بن محمد، عن وكيع عن الثوري به.
وكذلك رواه شعبة وموسى بن عقبة عن عبد الله بن أبي لبيد به.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا سليمان، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن خلاد بن السائب، عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جاءني جبرائيل فقال: يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي في كتابه الاطراف: وقد رواه معاوية عن هشام وقبيصة عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب، عن خلاد بن السائب، عن أبيه عن زيد بن خالد به.
وقال أحمد: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب بن خلاد، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبرائيل فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالاهلال.
وقال أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، وحدثنا روح: ثنا مالك يعني ابن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب الانصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبرائيل فأمرني أن آمر أصحابي - أو من معي - أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالاهلال - يريد أحدهما وكذلك رواه الشافعي عن مالك ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك به.
ورواه الامام أحمد أيضا: من حديث ابن جريج والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر به.
وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحافظ البيهقي ورواه ابن جريج قال: كتب إلى عبد الله بن أبي بكر فذكره ولم يذكر أبا خلاد في إسناده قال والصحيح رواية مالك وسفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك، عن خلاد بن السائب، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك
قال البخاري وغيره كذا قال.
وقد قال الامام أحمد في مسنده: حدثنا السائب بن خلاد بن سويد أبي سهلة الانصاري، ثنا محمد بن بكر، أنبأنا ابن جريج.
وثنا روح ثنا ابن جريج قال: كتب إلى عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب الانصاري، عن أبيه السائب بن خلاد.
أنه سمع

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني جبرائيل فقال إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والاهلال.
وقال روح بالتلبية أو الاهلال.
قال: لا أدري أينا وهل أنا أو عبد الله أو خلاد في الاهلال أو التلبية هذا لفظ أحمد في مسنده.
وكذلك ذكر شيخنا في أطرافه عن ابن جريج كرواية مالك وسفيان بن عيينة.
فالله أعلم.
فصل في إيراد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحده منسك مستقل رأينا أن إيراده ههنا أنسب لتضمنه التلبية وغيرها كما سلف، وما سيأتي فنورد طرقه وألفاظه ثم نتبعه بشواهده من الاحاديث الواردة في معناه وبالله المستعان.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا جعفر بن محمد حدثني أبي.
قال: أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة، فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج في هذا العام.
قال: فنزل المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل ما يفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس (1) بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنة عميس بمحمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال: اغتسلي ثم استثفري بثوب (2) ثم أهلي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك.
لبيك لا شريك لك لبيك.
إن الحمد والنعمة لك.
والملك، لا شريك لك.
ولبى الناس والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلم يقل لهم شيئا فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من
راكب وماش ومن خلفه كذلك وعن يمينه مثل ذلك وعن شماله مثل ذلك.
قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله وما عمل به من شئ عملناه، فخرجنا لا ننوي إلا الحج، حتى إذا أتينا الكعبة فاستلم نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجر الاسود ثم رمل ثلاثة، ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم، فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ * (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) * [ البقرة: 125 ].
قال أحمد: وقال أبو عبد الله - يعني جعفرا - فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون، ثم استلم الحجر وخرج إلى الصفا ثم قرأ * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) *.
[ البقرة: 158 ] ثم قال: نبدأ بما بدأ الله به فرقي على الصفا حتى إذا
__________
(1) في المسند: لعشر، وقد تقدم أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة، والارجح أنه يوم السبت كما قال الواقدي ولم يوقت مسلم خروجه.
(2) في المسند: واستذفري.
والاستثفار هو أن تشد في وسطها شدا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها.

نظر إلى البيت كبر.
ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، [ له ] الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده وصدق وعده وهزم - أو غلب - الاحزاب وحده.
ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى إذا أتى المروة فرقي عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا، فلما كان السابع عند المروة.
قال: يا أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل وليجعلها عمرة.
فحل الناس كلهم فقال سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل الوادي: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للابد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه فقال: للابد.
ثلاث مرات.
ثم قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قال: وقد علي من اليمن بهدي وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من هدي المدينة هديا فإذا فاطمة قد حلت
ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: أمرني به أبي.
قال: قال علي بالكوفة: قال جعفر قال إلى هذا الحرف لم يذكره جابر.
فذهبت محرشا (1) أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت فاطمة.
قلت: إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقالت أمرني أبي.
قال: صدقت صدقت أنا أمرتها به.
وقال جابر وقال لعلي بم أهللت ؟ قال قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك.
قال: ومعي الهدي، قال: فلا تحل.
قال: وكان جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن، والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحرت ههنا ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة فقال: وقفت ههنا.
وعرفة كلها موقف ووقف بالمزدلفة.
وقال وقفت ههنا.
والمزدلفة كلها موقف.
هكذا أورد الامام أحمد هذا الحديث وقد اختصر آخره جدا (2).
ورواه الامام مسلم بن الحجاج في المناسك من صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن ابراهيم كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جابر بن عبد الله فذكره.
وقد أعلمنا على الزيادات المتفاوتة من سياق أحمد ومسلم إلى قوله عليه السلام لعلي صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج.
قال قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن معي الهدي.
قال: فلا تحل قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة.
قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية
__________
(1) محرشا: قال النووي: التحريش الاغراء، والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 320 - 321.

له من شعر، فضربت له بنمرة (1) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر
الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له [ فركب ] (2) فأتى بطن الوادي، فخطب الناس.
وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة.
وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن (3) ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل.
ورباء الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس، اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات.
ثم أذن [ بلال ] (4) ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى إلى الصخرات (5) وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص وأردف أسامة بن زيد خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى أن رأسها لتصيب مورك (6) رحله ويقول بيده اليمنى.
أيها الناس السكينة السكينة.
كلما أتى جبلا (7) من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا فحمد الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ودفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن بجرين، فطفق
__________
(1) نمرة: بفتح النون وكسر الميم - وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات.
(2) من رواية جابر في البيهقي.
(3) قال السهيلي: واسمه آدم.
قال الدارقطني وهو تصحيف قال النووي اسمه إياس وقيل حارثة وقيل اسمه تمام.
قال الزبير بن بكار: آدم وكان طفلا صغيرا يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر.
(4) من دلائل البيهقي.
(5) وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات.
(6) مورك: قال أبو عبيد: المورك والموركة الموضع الذي يثني الراجب رجله عليه قدام واسطة الرحل.
(7) في مسلم: حبلا من الحبال.
والحبل: التل اللطيف من الرمل الضخم.

الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل يده إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى إذا أتى بطن محسر، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب، وهم يستقون على زمزم فقال: أنزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم.
فناولوه دلوا فشرب منه (1).
ثم رواه مسلم: عن عمر بن حفص.
عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكره بنحوه.
وذكر قصة أبي سيارة (2) وأنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عرى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف.
وقد رواه أبو داود بطوله عن النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وربما زاد بعضهم على
بعض الكلمة والشئ أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بنحو من رواية مسلم وقد رمزنا لبعض زياداته عليه ورواه أبو داود أيضا والنسائي عن يعقوب بن ابراهيم عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر به.
ورواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد ببعضه عن إبراهيم بن هارون البلخي: عن حاتم بن إسماعيل ببعضه.
ذكر الاماكن التي صلى فيها صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب من المدينة إلى مكة في عمرته وحجته قال البخاري (3) - باب المساجد التي على طريق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم - حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، قال: ثنا فضيل بن سليمان، قال: ثنا موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الامكنة.
وحدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي في تلك الامكنة.
وسألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في الامكنة كلها إلا أنهما
__________
(1) صحيح مسلم - كتاب الحج (19) باب حجة النبي صلى الله عليه وآله الحديث 147 ص 886 - 892.
وشرح النووي ج 8 / 170 - 195.
(2) من صحيح مسلم، وفي الاصل أبي سنان تحريف.
(3) في كتاب الصلاة 89 باب الحديث 483 وما بعده فتح الباري ج 1 / 567.

اختلفا في مسجد بشرف الروحاء (1).
قال: حدثنا ابراهيم بن المنذر، ثنا أنس بن عياض، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن نافع أن عبد الله أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة.
وكان إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق أو في حج أو عمرة هبط من بطن واد فإذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرس (2) ثم حتى يصبح، ليس عند المسجد الذي بحجارة ولا على الاكمة التي عليها المسجد، كان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه كثب كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي، فدحى السيل فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذي كان عبد الله يصلي فيه، وأن عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء، وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي كان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول، ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي، وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى، وأنت ذاهب إلى مكة بينه وبين المسجد الاكبر رمية بحجر أو نحو ذلك، وان ابن عمر كان يصلي إلى العرق (3) الذي عند منصرف الروحاء، وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتنى ثم مسجد فلم يكن عبد الله يصلي في ذلك المسجد، كان يتركه عن يساره ووراءه ويصلي أمامه إلى العرق نفسه، وكان عبد الله يروح من الروحاء فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلي فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة فإن مر به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر عرس حتى يصلي بها الصبح، وأن عبد الله حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة (4) عن يمين الطريق ووجاه الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضي من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها وهي قائمة على ساق وفي ساقها كثب كثيرة.
وان عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في طرف تلعة من وراء العرج (5) وأنت ذاهب إلى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق، بين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة فيصلي الظهر في ذلك المسجد.
وان عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عند سرحات عن يسار الطريق في مسيل دون هرشى، ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى (6) بينه وبين الطريق قريب من غلوة، وكان عبد الله يصلي إلى سرحة هي أقرب السرحات إلى الطريق
__________
(1) شرف الروحاء: قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة.
(2) عرس: قال الخطابي التعريس: نزول استراحة لغير إقامة، وأكثر ما يكون في آخر الليل.
(3) العرق: قال أبو عبيد البكري: هو عرق الظبية.
(4) الرويثة: قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا.
(5) العرج: بسكون الراء: قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلا.
(6) هرشى: جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب الجحفة، وكراع هرشى طرفها (قاله البكري).

وهي أطولهن.
وان عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل في المسيل الذي في أدنى مر الظهران قبل المدينة حين يهبط من الصفراوات (1) ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا رمية بحجر، وأن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى ويبيت حتى يصبح يصلي الصبح حين يقدم مكة ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بني ثم ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة.
وأن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الاكمة ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الاكمة السوداء تدع من الاكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم تصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة.
تفرد البخاري رحمه الله بهذا الحديث بطوله وسياقه إلا أن مسلما روى منه عند قوله في آخره: وأن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى إلى آخر الحديث عن محمد بن إسحاق المسيبي عن أنس بن عياض.
عن موسى بن عقبة، عن نافع.
عن ابن عمر فذكره.
وقد رواه الامام أحمد بطوله عن أبي قرة موشى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر به نحوه.
وهذه الاماكن لا يعرف اليوم كثير منها أو أكثرها لانه قد غير أسماء أكثر هذه البقاع اليوم عند هؤلاء الاعراب الذين هناك فإن الجهل قد غلب على أكثرهم (2).
وإنما أوردها البخاري رحمه الله في كتابه لعل أحدا يهتدي إليها بالتأمل والتفرس والتوسم أو لعل أكثرها أو كثيرا منها كان معلوما في زمان البخاري.
والله تعالى أعلم.
باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة شرفها الله عز وجل قال البخاري: حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن عبد الله، حدثني نافع عن ابن عمر.
قال:
بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله.
ورواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به.
وزاد حتى صلى الصبح أو قال حتى أصبح.
وقال مسلم: ثنا أبو الربيع الزهراني.
ثنا حماد عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله.
ورواه البخاري: من حديث حماد بن زيد، عن أيوب به.
ولهما من طريق أخرى عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر: كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى وذكره وتقدم آنفا ما
__________
(1) الصفراوات: جمع صفراء وهو مكان بعد مر الظهران.
(2) قال ابن حجر: هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجدي ذي الحليفة، والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية.
وقد بسط الزبير بن بكار في - أخبار المدينة - صفة تلك المساجد.

أخرجاه من طريق موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت بذي طوى حتى يصبح فيصلي الصبح حتى يقدم مكة ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكمة غليظة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الاكمة ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الاكمة السوداء يدع من الاكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم يصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة.
أخرجاه في الصحيحين.
وحاصل هذا كله أنه عليه السلام لما انتهى في مسيره إلى ذي طوى وهو قريب من مكة متاخم للحرم، أمسك عن التلبية لانه قد وصل إلى المقصود بات لذلك المكان حتى أصبح فصلى هنالك الصبح في المكان الذي وصفوه بين فرضتي الجبل الطويل هنالك.
ومن تأمل هذه الاماكن المشار إليها بعين البصيرة عرفها معرفة جيدة وتعين له المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اغتسل صلوات الله وسلامه عليه لاجل دخول مكة ثم ركب ودخلها نهارا جهرة علانية من الثنية العليا التي بالبطحاء (1).
ويقال كذا ليراه الناس، ويشرف عليهم وكذلك دخل منها يوم الفتح كما ذكرناه، قال مالك، عن نافع، عن ابن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل مكة من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى أخرجاه في الصحيحين من حديثه.
ولهما: من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي في البطحاء وخرج من الثنية السفلى.
ولهما أيضا: من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثل ذلك.
ولما وقع بصره عليه السلام على البيت.
قال: ما رواه الشافعي في مسنده: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه فمن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا.
قال الحافظ البيهقي هذا منقطع وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي عن مكحول قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا وقال الشافعي: أنبأنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: حدثت عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ترفع الايدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت.
قال الحافظ البيهقي: وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس وعن نافع عن ابن عمر مرة موقوفا عليهما ومرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الميت.
قال وابن أبي ليلى هذا غير قوي.
ثم أنه عليه السلام دخل المسجد من باب بني شيبة قال الحافظ البيهقي: روينا عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال يدخل المحرم من حيث شاء.
قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا.
ثم قال
__________
(1) البطحاء والابطح وهي بجنب المحصب وهذه الثنية ينحدر منها إلى مقابر المدينة.

البيهقي: وهذا مرسل جيد.
وقد استدل البيهقي على استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة بما رواه من طريق أبي داود الطيالسي ثنا حماد بن سلمة وقيس بن سلام كلهم عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي رضي الله عنه.
قال لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش فلما أرادوا
وضع الحجر تشاجروا من يضعه فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه وقد ذكرنا هذا مبسوطا في باب بناء الكعبة قبل البعثة.
وفي الاستدلال على استحباب الدخول من باب بني شيبة بهذا نظر.
والله أعلم.
صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه قال البخاري: حدثنا أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن محمد، عن محمد بن عبد الرحمن.
قال ذكرت لعروة قال أخبرتني عائشة: أن أول شئ بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر وعمر مثله.
ثم حججت مع أبي الزبير فأول شئ بدأ به الطواف.
ثم رأيت المهاجرين والانصار يفعلونه.
وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا.
هذا لفظه.
وقد رواه في موضع آخر عن أحمد بن عيسى ومسلم عن هارون بن سعيد ثلاثتهم عن ابن وهب به.
وقولها ثم لم تكن عمرة يدل على أنه عليه السلام لم يتحلل بين النسكين ثم كان أول ما ابتدأ به عليه السلام استلام الحجر الاسود قبل الطواف كما قال جابر: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا.
وقال البخاري: ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن الاعمش، عن ابراهيم، عن عابس بن ربيعة.
عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال إني لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (1).
ورواه مسلم: عن يحيى بن يحيى.
وأبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وابن أبي نمير جميعا عن أبي معاوية عن الاعمش عن إبراهيم.
عن عابس بن ربيعة قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول إني (2) لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد وأبو معاوية قالا: حدثنا الاعمش، عن إبراهيم بن عابس بن ربيعة قال: رأيت عمر أتى الحجر فقال، أما والله لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما
__________
(1) قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لان الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الاصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الاحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله لا لان الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الاوثان.
(2) في صحيح مسلم: أني أقبلك وأعلم.

قبلتك ثم دنا فقبله.
فهذا السياق يقتضي أنه قال ما قال ثم قبله بعد ذلك، بخلاف سياق صاحبي الصحيح فالله أعلم.
وقال أحمد: ثنا وكيع ويحيى واللفظ لوكيع عن هشام، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب أتى الحجر فقال: إني لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك وقال ثم قبله.
وهذا منقطع بين عروة بن الزبير وبين عمر.
وقال البخاري أيضا: ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال للركن: أما والله إني لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك فاستلمه.
ثم قال: وما لنا والرمل إنما كنا راءينا به المشركين ولقد أهلكهم الله.
ثم قال: شئ صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه.
وهذا يدل على أن الاستلام تأخر عن القول.
وقال البخاري: ثنا أحمد بن سنان، ثنا يزيد بن هارون، ثنا ورقاء، ثنا زيد بن أسلم عن أبيه.
قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وقال مسلم بن الحجاج: ثنا حرملة، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس هو - ابن يزيد الايلي - وعمرو - هو - ابن دينار.
وحدثنا هارون بن سعيد الايلي، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو، عن ابن شهاب، عن سالم: أن أباه حديثه أنه قال: قبل عمر بن الخطاب الحجر.
ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
زاد هارون في روايته قال عمرو وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه أسلم - يعني - عن عمر به.
وهذا صريح في أن التقبيل يقدم على القول.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنبانا عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر.
ثم قال:
قد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك.
هكذا رواه الامام أحمد.
وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن محمد بن أبي بكر المقدمي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر وقال، إني لاقبلك وأني لاعلم أنك حجر، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك.
ثم قال مسلم: ثنا خلف بن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة كلهم عن حماد.
قال خلف: ثنا حماد بن زيد، عن عاصم الاحول، عن عبد الله بن سرجس.
قال: رأيت الاصلع - يعني - عمر يقبل الحجر ويقول: والله إني لاقبلك وإني لاعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وفي رواية المقدمي وأبي كامل: رأيت الاصلع وهذا من أفراد مسلم دون البخاري.
وقد رواه الامام أحمد عن أبي معاوية، عن عاصم الاحول عن عبد الله بن سرجس به.
ورواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة، عن عاصم الاحول به.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن ابراهيم بن عبد الاعلى، عن سويد بن غفلة قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول: إني لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفيا.
ثم رواه أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري به.
وزاد فقبله والتزمه.
وهكذا رواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي بلا

زيادة.
ومن حديث وكيع بهذه الزيادة قبل الحجر والتزمه.
وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن عمر بن الخطاب أكب على الركن، وقال: إني لاعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجوه.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا جعفر بن عثمان القرشي من أهل مكة قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه.
ثم قال: رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه.
وقال ابن عباس رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه.
ثم قال عمر لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم قبله ما قبلته.
وهذا أيضا إسناد حسن ولم يخرجه إلا النسائي عن عمرو بن عثمان، عن
الوليد بن مسلم،.
عن حنظلة بن أبي سفيان، عن طاوس، عن ابن عباس عن عمر فذكر نحوه.
وقد روي هذا الحديث عن عمر: الامام أحمد أيضا من حديث يعلى بن أمية عنه.
وأبو يعلى الموصلي في مسنده: من طريق هشام بن حشيش بن الاشقر عن عمر.
وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولله الحمد والمنة.
وبالجملة فهذا الحديث مروي من طرق متعددة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي تفيد القطع عند كثير من أئمة هذا الشأن وليس في هذه الروايات أنه عليه السلام سجد على الحجر إلا ما أشعر به.
رواية أبي داود الطيالسي عن جعفر بن عثمان وليست صريحة في الرفع.
ولكن رواه الحافظ البيهقي: من طريق أبي عاصم النبيل، ثنا جعفر بن عبد الله قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه.
ثم قال: رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه.
وقال ابن عباس: رأيت عمر قبله وسجد عليه.
ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا الطبراني، أنبأنا أبو الزنباع، ثنا يحيى بن سليمان الجعفي، ثنا يحيى بن يمان، ثنا سفيان بن أبي حسين، عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر.
قال الطبراني لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان.
وقال البخاري: ثنا مسدد، ثنا حماد، عن الزبير بن عربي قال: سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله قال: أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت ؟ قال: اجعل أرأيت باليمن.
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله تفرد به دون مسلم وقال البخاري: ثنا مسدد ثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما تركت استلام هذين الركنين في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما فقلت لنافع: أكان ابن عمر يمشي بين الركنين ؟ قال: إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه.
وروى أبو داود والنسائي: من حديث يحيى بن سعيد القطان، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة ".
وقال البخاري: ثنا أبو الوليد، ثنا ليث، عن ابن

شهاب، عن سالم بن عبد الله عن أبيه.
قال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، وقتيبة عن الليث بن سعد به.
وفي رواية عنه أنه قال: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم.
وقال البخاري: وقال محمد بن بكر، أنبأنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء أنه قال: ومن يتقي شيئا من البيت.
وكان معاوية يستلم الاركان فقال له ابن عباس، إنه لا يستلم هذان الركنان فقال له ليس من البيت شئ مهجورا وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن.
انفرد بروايته البخاري رحمه الله تعالى.
وقال مسلم في صحيحه: حدثني أبو الطاهر، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة بن دعامة حدثه: أن أبا الطفيل البكري حدثه، أنه سمع ابن عباس يقول: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلام يستلم غير الركنين اليمانيين.
انفرد به مسلم فالذي رواه ابن عمر موافق لما قاله ابن عباس أنه لا يستلم الركنان الشاميان لانهما لم يتمما على قواعد إبراهيم لان قريشا قصرت بهم النفقة فأخرجوا الحجر من البيت حين بنوه كما تقدم بيانه.
وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو بناه فتممه على قواعد إبراهيم ولكن خشي من حداثة عهد الناس بالجاهلية فتنكره قلوبهم، فلما كانت إمرة عبد الله بن الزبير هدم الكعبة وبناها على ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم كما أخبرته خالته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق.
فإن كان ابن الزبير استلم الاركان كلها بعد بنائه إياها على قواعد إبراهيم فحسن جدا وهو والله المظنون به.
وقال أبو داود: ثنا مسدد، ثنا يحيى، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه " ورواه النسائي: عن محمد بن المثنى عن يحيى وقال النسائي: ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد عن أبيه، عن عبد الله بن السائب.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين الركن اليماني والحجر * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * [ البقرة: 201 ].
ورواه أبو داود عن مسدد عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج به.
وقال الترمذي: ثنا محمود بن غيلان، ثنا يحيى بن
آدم، ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل المسجد فاستلم الحجر ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم أتى المقام فقال * (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) * [ البقرة: 125 ] فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت، ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا أظنه قال: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم.
وهكذا رواه إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم.
ورواه الطبراني عن النسائي وغيره عن عبد الاعلى بن واصل عن يحيى بن آدم به.
ذكر رمله عليه الصلاة والسلام في طوافه واضطباعه قال البخاري: حدثنا أصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب

عن سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الاسود اول ما يطوف يخب ثلاثة أشواط من السبع.
ورواه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة كلاهما عن ابن وهب به.
وقال البخاري: ثنا محمد بن سلام، ثنا شريح بن النعمان، ثنا فليح، عن نافع عن ابن عمر.
قال: سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة تابعه الليث.
حدثني كثير بن فرقد، عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انفرد به البخاري وقد روى النسائي عن محمد وعبد الرحمن ابني عبد الله بن عبد الحكم كلاهما عن شعيب بن الليث عن أبيه الليث بن سعد، عن كثير بن فرقد، عن نافع عن ابن عمر به.
وقال البخاري: ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، ثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة.
ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة.
وقال البخاري: ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا أنس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان إذا طاف بالبيت الطواف الاول يخب (1) ثلاثة أطواف ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة ".
ورواه مسلم من حديث عبيد الله بن عمر
قال مسلم، أنبأنا عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر قال: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا.
ثم رواه من حديث سليم بن أخضر عن عبيد الله بنحوه.
وقال مسلم أيضا حدثني أبو طاهر، حدثني عبد الله بن وهب أخبرني مالك وابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر.
وقال عمر بن الخطاب فيم الرملان والكشف عن المناكب، وقد أطد الله الاسلام، ونفى الكفر ومع ذلك لا نترك شيئا كما نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه.
وهذا كله رد على ابن عباس ومن تابعه من أن المرسل ليس بسنة لان رسول الله إنما فعله لما قدم وهو وأصحابه صبيحة رابعة - يعني في عمرة القضاء - وقال المشركون إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الاشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا خشية الابقاء عليهم.
وهذا ثابت عنه في الصحيحين وتصريحه لعذر سببه في صحيح مسلم أظهر فكان ابن عباس ينكر وقوع الرمل في حجة الوداع.
وقد صح بالنقل الثابت كما تقدم بل فيه زيادة تكميل الرمل من الحجر إلى الحجر ولم يمش ما بين الركنين اليمانيين لزوال تلك العلة المشار إليها وهي الضعف.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس أنهم رملوا في عمرة الجعرانة واضطبعوا (2).
وهو رد عليه فإن عمرة الجعرانة لم يبق
__________
(1) يخب: الرمل والخبب بمعنى واحد، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا يثب وثبا.
(2) الاضطباع: أن يدخل الرداء من تحت إبطه الايمن ويرد طرفه على يساره، ويبدي منكبه الايمن ويغطي =

في أيامها خوف لانها بعد الفتح كما تقدم.
رواه حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت واضطبعوا ووضعوا أرديتهم تحت آباطهم وعلى عواتقهم.
ورواه أبو داود من حديث حماد بنحوه.
ومن حديث عبد الله بن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس به فأما الاضطباع في
حجة الوداع فقد قال قبيصة والفريابي عن سفيان الثوري، عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن يعلى بن أمية عن أمية قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا.
رواه الترمذي من حديث الثوري وقال: حسن صحيح.
وقال أبو داود: ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه قال: طاف رسول الله مضطبعا برداء أخضر.
وهكذا رواه الامام أحمد: عن وكيع، عن الثوري، عن ابن جريج عن ابن يعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له أخضر.
وقال جابر في حديثه المتقدم حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا.
ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ * (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) * فجعل المقام بينه وبين البيت فذكر أنه صلى ركعتين قرأ فيهما * (قل هو الله أحد) *.
* (وقل يا أيها الكافرون) *.
فإن قيل: فهل كان عليه السلام في هذا الطواف راكبا أو ماشيا ؟ فالجواب أنه قد ورد نقلان قد يظن أنهما متعارضان ونحن نذكرهما ونشير إلى التوفيق بينهما ورفع اللبس عند من يتوهم فيهما تعارضا وبالله التوفيق وعليه الاستعانة وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قال البخاري: رحمه الله حدثنا أحمد بن صالح، ويحيى بن سليمان قالا: ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن.
وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن ابن وهب.
قال البخاري تابعه الدراوردي عن ابن أخي الزهري عن عمه.
وهذه المتابعة غريبة جدا.
وقال البخاري: ثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب، ثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى الركن أشار إليه.
وقد رواه الترمذي من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعبد الوارث كلاهما عن خالد بن مهران الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس.
قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه.
وقال حسن صحيح.
ثم قال البخاري: ثنا مسدد، ثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة عن ابن عباس قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، فلما أتى الركن أشار إليه بشئ كان عنده وكبر.
تابعه إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء.
وقد أسند هذا
التعليق هاهنا في كتاب الطواف عن عبد الله بن محمد، عن أبي عامر عن إبراهيم بن طهمان به.
وروى مسلم عن الحكم بن موسى، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهية أن
__________
= الايسر، سمي به لابداء احد الضبعين.

يضرب عنه الناس.
فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير ولكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف الاول طواف القدوم والثاني طواف الافاضة وهو طواف الفرض وكان يوم النحر والثالث طواف الوداع فلعل ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما.
فأما الاول وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه.
وقد نص الشافعي على هذا كله.
والله أعلم وأحكم.
والدليل على ذلك ما قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبير: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى، ثنا الفضل بن محمد بن المسيب، ثنا نعيم بن حماد، ثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق هو - ابن يسار رحمه الله - عن أبي جعفر وهو محمد بن علي بن الحسين، عن جابر بن عبد الله قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا حتى فرغ فلما فرغ قبل الحجر ووضع يده عليه ومسح بهما وجهه.
وهذا إسناد جيد.
فأما ما رواه أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا خالد بن عبد الله، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته، فلما أتى على الركن استلمه بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين.
تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع ولا ذكر أنه في الطواف الاول من حجة الوداع ولم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم.
وكذا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب في طوافه لضعفه.
وإنما ذكر لكثرة الناس وغشيانهم له وكان لا يحب أن يضربوا بين يديه كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله.
ثم هذا التقبيل الثاني الذي ذكره ابن إسحاق في روايته بعد الطواف وبعد
ركعتيه أيضا ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر.
قال فيه بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف ثم رجع إلى الركن فاستلمه.
وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير جميعا عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الاحمر، عن عبيد الله عن نافع.
قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده قال وما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
فهذا يحتمل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطوافات أو في آخر استلام فعل هذا لما ذكرنا.
أو أن ابن عمر لم يصل إلى الحجر لضعف كان به أو لئلا يزاحم غيره فيحصل لغيره أذى به.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوالده ما رواه أحمد في مسنده: حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي يعفور العبدي.
قال: سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر.
وهذا إسناد جيد لكن راويه عن عمر مهم لم يسم والظاهر أنه ثقة جليل.
فقد رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن أبي يعفور العبدي واسمه وقدان سمعت رجلا من خزاعة حين قتل ابن الزبير وكان أميرا على مكة يقول: قال رسول الله لعمر يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذي الضعيف ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فكبر وامض.

قال سفيان بن عيينة هو عبد الرحمن بن الحارث كان الحجاج استعمله عليها منصرفه منها حين قتل ابن الزبير.
قلت: وقد كان عبد الرحمن هذا جليلا نبيلا كبير القدر وكان أحد النفر الاربعة الذين ندبهم عثمان بن عفان في كتابة المصاحف التي نفذها إلى الآفاق ووقع على ما فعله الاجماع والاتفاق.
ذكر طوافه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة روى مسلم في صحيحه عن جابر في حديثه الطويل المتقدم بعد ذكره طوافه عليه السلام بالبيت سبعا وصلاته عند المقام ركعتين.
قال ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * [ الاحزاب: 21 ] أبدأ بما بدأ
الله به.
فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
لا إله إلا الله أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده.
ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقي عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا.
وقال الامام أحمد: ثنا عمر بن هارون البلخي، أبو حفص، ثنا ابن جريج عن بعض بني يعلى بن أمية عن أبيه.
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد له نجراني.
وقال الامام أحمد: ثنا يونس، ثنا عبد الله بن المؤمل، عن عمر بن عبد الرحمن، ثنا عطية، عن حبيبة بنت أبي تجراة (1) قالت: دخلت دار حصين في نسوة من قريش والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي وهو يقول لاصحابه اسعوا إن الله كتب عليكم السعي.
وقال أحمد أيضا: ثنا شريح، ثنا عبد الله بن المؤمل، ثنا عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يكور به إزاره وهو يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي.
تفرد به أحمد.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرزاق، عن معمر، عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى بن عبيدة، عن صفية بنت شيبة.
أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: كتب عليكم السعي فاسعوا.
وهذه المرأة هي حبيبة بنت تجراة المصرح بذكرها في الاسنادين الاولين وعن أم ولد شيبة بن عثمان.
أنها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: " لا يقطع الابطح إلا شدا " (2).
رواه النسائي والمراد بالسعي هاهنا الذهاب من الصفا إلى المروة،
__________
(1) في الاصل غير منقوطة، وفي نسخ البداية المطبوعة تجزأة تحريف والصواب تجراة ما اثبتناه من هامش المشتبه للذهبي 1 / 112.
وهي إحدى نساء بني عبد الدار كما قال ابن حجر.
(2) في نسخ البداية المطبوعة: الاسدا تحريف.

ومنها إليها وليس المراد بالسعي ههنا الهرولة والاسراع فإن الله لم يكتبه علينا حتما بل لو مشى الانسان على هينة في السبع الطوافات بينهما ولم يرمل في المسير أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا في ذلك.
وقد نقله الترمذي رحمه الله عن أهل العلم.
ثم قال: ثنا يوسف بن عيسى، ثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان قال: رأيت ابن عمر يمشي في المسعى، فقلت: أتمشي في السعي بين الصفا والمروة فقال: لئن سعيت، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير.
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا.
وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان السلمي الكوفي، عن ابن عمر فقول ابن عمر إنه شاهد الحالين منه صلى الله عليه وسلم يحتمل شيئين أحدهما: أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية، والثاني: أنه رآه يسعى في بعض الطريق ويمشي في بعضه، وهذا له قوة لانه قد روى البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة.
وتقدم في حديث جابر أنه عليه السلام: نزل من الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة.
وهذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة إن الساعي بين الصفا والمروة - وتقدم في حديث جابر - يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوافه في بطن المسيل الذي بينهما، وحددوا ذلك ما بين الاميال الخضر فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلي المسجد واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد أيضا.
وقال بعض العلماء ما بين هذه الاميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله أعلم: وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع ثم خرج عليه السلام إلى الصفا فقرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشي أربعا فإنه لم يتابع على هذا القول ولم يتفوه به أحد قبله من أنه عليه السلام خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة ومشى أربعا ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نجد عدد
الرمل بين الصفا والمروة منصوصا ولكنه متفق عليه هذا لفظه.
فإن أراد بأن الرمل في الثلاث التطوافات الاول على ما ذكر متفق عليه فليس بصحيح بل لم يقله أحد، وإن أراد أن الرمل في الثلاث الاول في الجملة متفق عليه فلا يجدي له شيئا ولا يحصل له شيئا مقصودا، فإنهم كما اتفقوا على الرمل الثلاث الاول في بعضها على ما ذكرناه كذلك اتفقوا على استحبابه في الاربع الاخر أيضا.
فتخصيص ابن حزم الثلاث الاول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء والله أعلم.
وأما قول ابن حزم: أنه عليه السلام كان راكبا بين الصفا والمروة فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل أخرجاه.
وللترمذي عنه إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى، وإن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي.
وقال جابر: فلما انصبت قدماه في الوادي رمل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55