كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

الانصاري: أن رجلا من بني سلمة (1) تكلم فقال: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عثمان اللين الرحيم، قال: ولا أدري إيش قال في عمر * كذا رواه ابن أبي الدنيا في كتابه، وقد قال الحافظ البيهقي: أنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، أنا علي بن عاصم، أنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبيد الانصاري قال: بينما هم يثورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل، إذ تكلم رجل من الانصار من القتلى، فقال: محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الشهيد، عثمان الرحيم ثم سكت (2) * وقال هشام بن عمار في كتاب البعث.
باب في كلام الاموات وعجائبهم حدثنا الحكم بن هشام الثقفي، حدثنا عبد الحكم بن عمير، عن ربعي بن خراش
العبسي قال: مرض أخي الربيع بن خراش فمرضته ثم مات فذهبنا نجهزه، فلما جئنا رفع الثوب عن وجهه ثم قال: السلام عليكم، قلنا: وعليك السلام، قدمت، قال: بلى ولكن لقيت بعدكم ربي ولقيني بروح وريحان ورب غير غضبان، ثم كساني ثيابا من سندس أخضر، وإني سألته أن يأذن لي أن أبشركم فأذن لي، وإن الامر كما ترون، فسددوا وقاربوا، وبشروا ولا تنفروا، فلما قالها كانت كحصاة وقعت في ماء * ثم أورد بأسانيد كثيرة في هذا الباب وهي آخر كتابه.
حديث غريب جدا قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليماني (3) - وانصرفنا من عدن بقرية يقال لها الحردة - حدثني معرض بن عبد الله بن معرض بن معيقيب اليماني، عن أبيه، عن جده قال: حججت حجه الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه مثل دارة القمر، وسمعت منه عجبا، جاءه رجل بغلام يوم ولد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنا ؟ قال: أنت رسول الله، قال صدقت، بارك الله فيك، ثم قال: إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، قال أبي: فكنا
__________
(1) في الدلائل: من قتلى مسيلمة.
(2) قصة زيد بن خارجة رواها البيهقي من طرق.
البيهقي في الدلائل باب ما جاء في شهادة الميت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ج 6 / 55 - 58.
(3) في البيهقي: اليمامي.

نسميه مبارك اليمامة، قال شاصونة: وقد كنت أمر على معمر فلا أسمع منه (1).
قلت: هذا الحديث مما تكلم الناس في محمد بن يونس الكديمي بسببه وأنكروه عليه واستغربوا شيخه هذا، وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا، فقد ثبت في الصحيح في قصة جريج العابد أنه استنطق ابن تلك البغي، فقال له: يا أبا يونس، ابن من أنت ؟ قال: ابن الراعي، فعلم بنو إسرائيل براءة
عرض جريج مما كان نسب إليه * وقد تقدم ذلك.
على أنه قد روي هذا الحديث من غير طريق الكديمي إلا أنه باسناد غريب أيضا * قال البيهقي: أنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني - بثغر صيدا -، ثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد أبو الفضل، ثنا أبي، ثنا جدي شاصونة بن عبيد، حدثني معرض بن عبد الله بن معيقيب، عن أبيه، عن جده.
قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، وقد لفه في خرقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام من أنا ؟ قال: أنت رسول الله، فقال له: بارك الله فيك، ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها، قال البيهقي: وقد ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الحسن علي بن العباس الوراق، عن أبي الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقري القزويني عن أبي الفضل العباس بن محمد (2) بن شاصونة به * قال الحاكم: وقد أخبرني الثقة من أصحابنا عن أبي عمر الزاهد قال: لما دخلت اليمن دخلت حردة.
فسألت عن هذا الحديث فوجدت فيها لشاصونة عقبا، وحملت إلى قبره فزرته * قال البيهقي: ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل يخالفه في وقت الكلام (3).
ثم أورد من حديث وكيع، عن الاعمش، عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط، قال: من أنا ؟ قال: أنت رسول الله (4).
ثم روى عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن الاعمش، عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال: جاءت امرأة بابن لها قد تحرك فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادنيه مني، فأدنته منه، فقال: من أنا ؟ فقال: أنت رسول الله (5).
قصة الصبي الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ قد تقدم ذلك من رواية أسامة بن زيد وجابر بن عبد الله ويعلى بن مرة الثقفي مع قصة
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 59.
(2) في الدلائل: محبوب.
(3) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 60.
(4) دلائل النبوة 6 / 60.
(5) المصدر السابق 6 / 61.

الجمل الحديث بطوله.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة عن فرقد السنجي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن به لمما وانه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا، قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثع ثعة فخرج منه مثل الجرو الاسود يسعى، تفرد به أحمد.
وفرقد السنجي رجل صالح ولكنه سئ الحفظ، وقد روى عنه شعبة وغير واحد واحتمل حديثه ولما رواه ههنا شاهد مما تقدم والله أعلم.
وقد تكون هذه القصة هي كما سبق إيرادها ويحتمل أن تكون أخرى غيرها.
والله أعلم.
حديث آخر في ذلك قال أبو بكر البزار: ثنا محمد بن مرزوق، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا صدقة - يعني ابن موسى - ثنا فرقد - يعني السنجي - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فجاءته امرأة من الانصار فقالت: يا رسول الله إن هذا الخبيث قد غلبني، فقال لها: إن تصبري على ما أنت عليه تجيئين يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب، قالت: والذي بعثك بالحق لاصبرن حتى القى الله، قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتعلق بها وتقول له: أخسأ، فيذهب عنها.
قال البزار: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وصدقة ليس به بأس، وفرقد حدث عنه جماعة من أهل العلم، منهم شعبة وغيره واحتمل حديثه على سوء حفظه فيه.
طريق أخرى عن ابن عباس قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن عمران أبي بكر، ثا عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت: بلى، قال: هذه السوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: إني أصرع وانكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك، قالت: لا بل أصبر فادع الله ألا انكشف ولا ينكشف عني، قال: فدعا لها (1) * وهكذا رواه البخاري عن مسدد عن يحيى - وهو ابن سعيد القطان - وأخرجه مسلم عن القواريري عن يحيى القطان وبشر بن الفضل كلاهما عن عمران بن مسلم أبي بكر الفقيه البصري عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس فذكر مثله.
ثم قال البخاري: حدثنا محمد، ثنا مخلد عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة (2).
وقد ذكر الحافظ ابن الاثير في الغابة أن أم زفر هذه كانت مشاطة خديجة بنت خويلد
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 347 والبخاري في كتاب المرضى فتح الباري (10 / 114) ومسلم في كتاب البر والصلة حديث (54) ص (1994).
(2) محمد هو ابن سلام، صرح باسمه البخاري في الادب المفرد، ومخلد هو ابن يزيد، وأم زفر ذكرها في الاصابة وقال: " ثبت ذكرها في صحيح البخاري في حديث ابن جريج، أخبرني عطاء أنه رأى أم زفر.
" وقيل ان اسمها سعيرة الاسدية.

حديث آخر قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا محمد بن يونس، ثنا قرة بن حبيب الغنوي (1)، ثنا إياس بن أبي تميمة، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ابعثني إلى أحب قومك إليك، أو أحب أصحابك إليك، شك قرة، فقال: اذهبي إلى الانصار، فذهبت إليهم فصرعتهم، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله قد أتت الحمى علينا فادع الله لنا بالشفاء فدعا لهم، فكشفت عنهم، قال: فاتبعته امرأة فقالت: يا رسول الله ادع الله لي، فإن لمن الانصار فادع الله لي كما دعوت لهم، فقال: أيهما أحب إليك أن أدعو لك فيكشف عنك، أو تصبرين وتجب لك الجنة ؟ فقالت: لا والله يا رسول الله بل أصبر ثلاثا ولا أجعل والله لجنته خطرا (2) * محمد بن يونس
الكديمي ضعيف * وقد قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، ثنا هشام بن لاحق - سنة خمس وثمانين ومائة - ثنا عاصم الاحول، عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أنت ؟ قالت: أنا الحمى، أبري اللحم، وأمص الدم، قال: اذهبي إلى أهل قباء، فأتتهم فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اصفرت وجوههم، فشكوا إليه الحمى فقال لهم: ما شئتم ؟ إن شئتم دعوت الله فيكشف عنكم، وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم، قالوا: بل ندعها يا رسول الله (3) * وهذا الحديث ليس هو في مسند الامام أحمد ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة.
وقد ذكرنا في أول الهجرة دعاءه عليه السلام لاهل المدينة أن يذهب حماها إلى الجحفة.
فاستجاب الله له ذلك فإن المدينة كانت من أوبأ أرض الله فصححها الله مبركة حلوله بها، ودعائه لاهلها صلوات الله وسلامه عليه.
حديث آخر في ذلك قال الامام أحمد: ثنا روح، ثنا شعبة عن أبي جعفر المديني (4)، سمعت عمارة (5) بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف: أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك
__________
(1) الغنوي من الدلائل، وفي الاصل: الضوى.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 160.
(3) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ج 6 / 159 ونقله عنه السيوطي في الخصائص 2 / 87.
(4) في رواية البيهقي: الخطمي قال: والمديني هو الخطمي.
(5) في البيهقي: عامر وهو تحريف.

قال: لا، بل ادع الله لي، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ويصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني إسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك في حاجتي
هذه فتقضي وتشفعني فيه وتشفعه في.
قال: فكان يقول هذا مرارا.
ثم قال بعد: أحسب أن فيها أن تشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ.
وقد رواه أحمد أيضا عن عثمان بن عمرو بن شعبة به.
وقال: اللهم شفعه في، ولم يقل الاخرى، وكأنها غلط من الراوي والله أعلم.
وهكذا رواه الترمذي والنسائي عن محمود بن غيلان، وابن ماجة عن أحمد بن منصور بن سيار، كلاهما عن عثمان بن عمرو.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر الخطمي.
ثم رواه أحمد أيضا عن مؤمل بن حماد بن سلمة بن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف فذكر الحديث.
وهكذا رواه النسائي عن محمد بن معمر عن حبان عن حماد بن سلمة به.
ثم رواه النسائي عن زكريا بن يحيى عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف * وهذه الرواية تخالف ما تقدم، ولعله عند أبي جعفر الخطمي من الوجهين والله أعلم (1) * وقد روى البيهقي والحاكم من (2) حديث يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب، عن سعيد الحنطبي، عن أبيه، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال: يا رسول الله ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فينجلي بصري، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي.
قال عثمان: فو الله ما تفرقنا، ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضر قط * قال البيهقي: ورواه أيضا هشام الدستوائي عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل عن عمه عثمان بن حنيف (3).
حديث آخر قال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر، ثنا عبد العزيز بن عمر، حدثني رجل من بني
__________
(1) أخرجه الامام أحمد من طرقه في مسنده ج 4 / 138، وأخرجه الترمذي في سننه في الدعوات حديث 3578 ص (5 / 569) وابن ماجة في الصلاة عن أحمد بن منصور بن سيار.
(2) ورواه في الدلائل: من حديث أبي محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الريالي بمكة، حدثنا محمد بن علي بن يزيد الصائغ، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي، (وفي الاصل الحنطبي تحريف) والحبطي - أبو عبد الله البصري - ينسب إلى الحبطات وهو بطن من تميم - وتميم هو الحارث بن عمرو، والحارث هو الحبط والنسبة إليه الحبطي بكسر الباء.
كما في اللباب.
(3) رواه في الدلائل ج 6 / 167، وأشار إلى رواية يعقوب بن سفيان عن الحبطي وقال: " فذكره بطوله " ولم يروه البيهقي في الدلائل.

سلامان وبني سعد عن أبيه (1) عن خاله أو أن خاله أو خالها حبيب بن مريط (2) حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا أصلا، فسأله: ما أصابك ؟ فقال كنت أرعى جملا لي فوقعت رجلي على بطن حية فأصبت ببصري، قال: فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر، فرأيته وإنه ليدخل الخيط في الابرة وإنه لابن ثمانين سنة، وإن عينيه لمبيضتان.
قال البيهقي: كذا في كتابه: وغيره يقول، حبيب بن مدرك، قال: وقد مضى في هذا المعنى حديث قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه فسالت حدقته فردها رسول الله إلى موضعها، فكان لا يدري أيهما أصيبت، قلت: وقد تقدم ذلك في غزوة أحد، وقد ذكرنا في مقتل أبي رافع مسحه بيده الكريمة على رجل جابر بن عتيك - وقد انكسر ساقه - فبرأ من ساعته، وذكر البيهقي بإسناده: أنه صلى الله عليه وسلم مسح يد محمد بن حاطب - وقد احترقت يده بالنار - فبرأ من ساعته، وأنه عليه السلام نفث في كف شرحبيل الجعفي فذهبت من كفه سلعة كانت به (3).
قلت: وتقدم في غزوة خيبر تفله في عيني علي وهو أرمد فبرأ.
وروى الترمذي عن علي حديثه في تعليمه عليه السلام ذلك الدعاء لحفظ القرآن فحفظه * وفي الصحيح أنه قال لابي هريرة وجماعة: من يبسط رداءه اليوم فإنه لا ينسى شيئا من مقالتي، قال: فبسطته فلم أنس شيئا من مقالته تلك: فقيل: كان ذلك حفظا من أبي هريرة لكل ما سمعه منه في ذلك اليوم، وقيل: وفي غيره فالله أعلم.
ودعا لسعد بن أبي وقاص فبرأ.
وروى البيهقي أنه دعا لعمه أبي طالب في مرضة مرضها وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ربه
فدعا له فبرأ من ساعته.
والاحاديث في هذا كثيرة جدا يطول استقصاؤها.
وقد أورد البيهقي من هذا النوع كثيرا طيبا أشرنا إلى أطراف منه وتركنا أحاديث ضعيفة الاسناد واكتفينا بما وردنا عما تركنا وبالله المستعان.
حديث آخر ثبت في الصحيحين من حديث زكريا بن أبي زائدة، زاد مسلم والمغيرة كلاهما عن شراحيل الشعبي، عن جابر بن عبد الله: أنه كان يسير على جمل قد أعيا.
فأراد أن يسيبه.
قال: فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه ودعا لي، فسار سيرا لم يسر مثله، وفي رواية فما زال بين يدي الابل قدامها حتى كنت أحبس خطامه فلا أقدر عليه، فقال: كيف ترى جملك ؟ فقلت: قد أصابته بركتك يا رسول الله، ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه منه (4)، واختلف الرواة في مقدار ثمنه على روايات كثيرة، وأنه استثنى حملانه إلى المدينة، ثم لما قدم المدينة جاءه بالجمل فنقده ثمنه وزاده ثم أطلق له الجمل أيضا، الحديث بطوله.
__________
(1) في رواية البيهقي عنه: عن أمه.
(الدلائل: 6 / 173).
(2) في البيهقي: فويك.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته فويك هكذا بالواو...وذكر الحديث.
(3) راجع الخبرين في دلائله 6 / 174 و 176 و 179.
(4) أخرجه البخاري في الشروط، باب (4).
ومسلم في المساقاة - باب 21.
3 / 1222.

حديث آخر روى البيهقي واللفظ له، وهو في صحيح البخاري من حديث حسن بن محمد المروزي، عن جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك.
قال: فزغ الناس.
فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لابي طلحة بطيئا ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: لن تراعوا إنه لبحر، قال فو الله ما سبق بعد ذلك اليوم (1).
حديث آخر
قال البيهقي: أنا أبو بكر القاضي، أنا حامد بن محمد الهروي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا رافع بن سلمة بن زياد، حدثني عبد الله بن أبي الجعد، عن جعيل الاشجعي، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وأنا على فرس لي عجفاء (2) ضعيفة، قال: فكنت في أخريات الناس، فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول الله عجفاء ضعيفة، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مخفقة معه فضربها بها وقال: اللهم بارك له، قال: فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا (3) * ورواه النسائي عن محمد بن رافع، عن محمد بن عبد الله الرقاشي فذكره، وهكذا رواه أبو بكر بن أبي خيثمة، عن عبيد بن يعيش عن زيد بن الخباب، عن رافع بن سلمة الاشجعي فذكره * وقال البخاري في التاريخ: وقال رافع بن زياد بن الجعد بن أبي الجعد: حدثني أبي عبد الله بن أبي الجعد أخي سالم عن جعيل فذكره.
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، أنا أبو سهل بن زياد القطان، ثنا محمد بن شاذان الجوهري، حدثنا زكريا بن عدي (4)، ثنا مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: هلا نظرت إليها فإن في أعين الانصار شيئا ؟ قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها ؟ فذكر شيئا، قال: كأنهم ينحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال: ما عندنا اليوم شئ نعطيكه، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثا إلى بني عبس وبعث الرجل فيهم، فأتاه فقال: يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده كالمعتمد
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 152 وأخرجه البخاري في الجهاد فتح الباري 6 / 122.
(2) في الدلائل: جعفاء في الموضعين وهو تحريف والثواب ما أثبتناه عجفاء وهي الهزيلة.
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل 6 / 153.
والبخاري في التاريخ الكبير 1 / 2 / 248 والنسائي في السنن الكبرى، انظر تحفة الاشراف للمزي 2 / 437.
(4) في الدلائل: بن علي، والصواب ما أثبتناه وهو زكريا بن عدي بن الصلت التيمي أبو يحيى، نزيل بغداد.

عليه للقيام، فأتاها فضربها برجله، قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق به القائد (1).
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن معين عن مروان.
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو بكر بن أبي إسحق المزني (2)، أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، أنا أبو جعفر بن عون (3)، أنا الاعمش عن مجاهد أن رجلا اشترى بعيرا فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني اشتريت بعيرا فادع الله أن يبارك لي فيه، فقال: اللهم بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا آخر فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني اشتريت بعيرا فادع الله أن يبارك لي فيه، فقال: اللهم بارك له فيه، فلم يلبث حتى نفق، ثم اشترى بعيرا آخر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد اشتريت بعيرين فدعوت الله أن يبارك لي فيهما فادع الله أن يحملني عليه، فقال: اللهم احمله عليه، فمكث عنده عشرين سنة.
قال البيهقي، وهذا مرسل ودعاؤه عليه السلام صار إلى أمر الآخرة في المرتين الاوليين.
حديث آخر قال الحافظ البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنا إسماعيل بن عبد الله الميكالي، ثنا علي بن سعد العسكري، أنا أبو أمية عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي، ثنا يزيد بن هرون، أنا المستلم بن سعيد، ثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن أساف عن أبيه عن جده خبيب بن أساف قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا: إنا نشتهي أن نشهد معك مشهدا، قال: أسلمتم ؟ قلنا: لا، قال فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا، وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني، فتعلقت يدي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل فيها وألزقها، فالتأمت وبرأت وقتلت الذي ضربني، ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني، فكانت تقول: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت
رجلا أعجل أباك إلى النار (4) * وقد روى الامام أحمد هذا الحديث عن يزيد بن هارون بإسناده مثله ولم يذكر فتفل فيها فبرأت.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 154 ومسلم في النكاح حديث (75) ص (2 / 1040).
(2) في الدلائل 6 / 154: المزكي.
(3) في الدلائل: جعفر بن عوف، والصواب جعفر بن عون وهو ابن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي من التاسعة (تقريب التهذيب 1 / 131 / 91).
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 178 وأخرجه الامام أحمد في المسند 3 / 454 ونقله في الاصابة 1 / 418 عن أحمد بن منيع.
قال الواقدي في خبيب: تأخر اسلامه إلى أن خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى بدر فلحقه في الطريق فأسلم وشهدها وما بعدها، ومات في خلافة عمر بن الخطاب.

حديث آخر ثبت في الصحيحين (1) من حديث أبي النضر: هاشم بن القاسم، عن ورقاء بن عمر السكري، عن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما خرج قال: من صنع هذا ؟ قالوا: ابن عباس، قال: اللهم فقهه في الدين * وروى البيهقي عن الحاكم وغيره عن الاصم عن عباس الدورقي (2) عن الحسن بن موسى الاشيب (3) عن زهير، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفي - أو قال: منكبي، شك سعيد - ثم قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (4)، وقد استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الدعوة في ابن عمه، فكان إماما يهتدى بهداه ويقتدى بسناه في علوم الشريعة، ولا سيما في علم التأويل وهو التفسير، فإنه انتهت إليه علوم الصحابة قبله، وما كان عقله من كلام ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الاعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره أحد
منا، وكان يقول لهم: نعم ترجمان القرآن ابن عباس (5).
هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع وثلاثين سنة، فما ظنك بما حصله بعده في هذه المدة ؟ وقد روينا عن بعض أصحابه أنه قال: خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة ففسر لهم سورة البقرة، أو قال سورة، ففسرها تفسيرا لو سمعه الروم والترك والديلم لاسلموا، رضي الله عنه وأرضاه.
حديث آخر ثبت في الصحيح أنه عليه السلام دعا لانس بن مالك بكثرة المال والولد (6)، فكان كذلك حتى روى الترمذي عن محمود بن غيلان، عن أبي داود الطيالسي، عن أبي خلدة، قال: قلت لابي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: خدمه عشر سنين ودعا له، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجئ منه ريح المسك (7).
وقد روينا في الصحيح أنه ولد
__________
(1) البخاري في الوضوء باب 10 فتح الباري 1 / 244، ومسلم عن زهير بن حرب عن أبي بكر بن أبي النضر.
(2) في الدلائل: الدوري.
(3) من الدلائل، وفي الاصل الاسيب.
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 6 / 192، والحاكم في المستدرك 3 / 534 وقال: " وهذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ".
وقال الذهبي: صحيح.
(5) الحديث رواه الحاكم في المستدرك 3 / 537.
(6) رواه البخاري في الدعوات ح 6334 و 6344 ومسلم في فضائل الصحابة ح 143 ص 4 / 1929.
(7) صحيح الترمذي - كتاب المناقب ح 3833 ص 5 / 683 وقال هذا حديث حسن.

له لصلبه قريب من مائة أو ما ينيف عليها، وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم، قال: اللهم أطل عمره، فعمر مائة، وقد دعا صلى الله عليه وسلم لام سليم ولابي طلحة في غابر ليلتهما، فولدت له غلاما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، فجاء من صلبه تسعة كلهم قد حفظ القرآن، ثبت ذلك في الصحيح * وثبت في صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبي كثير الغبري (1) عن أبي هريرة: أنه سأل من رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يدعو لامه فيهديها الله فدعا لها، فذهب أبو هريرة فوجد أمه تغتسل خلف الباب فلما فرغت قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فجعل أبو هريرة يبكي من الفرح، ثم ذهب فأعلم بذلك رسول الله، وسأل منه أن يدعو لهما أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين فدعا لهما، فحصل ذلك.
قال أبو هريرة: فليس مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبنا، وقد صدق أبو هريرة في ذلك رضي الله عنه وأرضاه، ومن تمام هذه الدعوة أن الله شهر ذكره في أيام الجمع حيث يذكره الناس بين يدي خطبة الجمعة، وهذا من التقييض القدري والتقدير المعنوي.
وثبت في الصحيح أنه عليه السلام، دعا لسعد بن أبي وقاص وهو مريض فعوفي، ودعا له أن يكون مجاب الدعوة، فقال: اللهم أجب دعوته، وسدد رميته، فكان كذلك، فنعم أمير السرايا والجيوش كان.
وقد دعا على أبي سعدة أسامة بن قتادة حين شهد فيه بالزور بطول العمر وكثرة الفقر والتعرض للفتن، فكان ذلك، فكان إذا سئل ذلك الرجل يقول: شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد (2) وثبت في صحيح البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده على رأسه فطال عمره حتى بلغ أربعا وتسعين سنة وهو تام القامة معتدل، ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتع بحواسه وقواه (3) * وقال أحمد (4): ثنا جرير بن عمير، ثنا عروة بن ثابت ثنا علي بن أحمد، حدثني أبو زيد الانصاري، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادن مني، فمسح بيده على رأسي ثم قال: اللهم جمله وأدم جماله قال: فبلغ بضعا ومائة - يعني سنة - وما في لحيته بياض إلا نبذة يسيرة، ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات.
قال السهيلي إسناد صحيح
__________
(1) من مسلم، وهو أبو كثير السحيمي اليمامي الاعمى، قيل هو يزيد بن عبد الرحمن وقيل يزيد بن عبد الله بن أذينة أو ابن غفيلة، وفي نسخ البداية المطبوعة أبو كثير العنبري تحريف.
والحديث رواه مسلم في فضائل الصحابة ح (158) ص (1938).
(2) رواية البخاري في الاذان فتح الباري 2 / 236 عن موسى عن أبي عوانة.
ومسلم في الصلاة عن اسحاق بن ابراهيم 1 / 335.
(3) انظر البخاري في المناقب فتح الباري 6 / 560 و 561 ومسلم في الفضائل ح 111 ص 1823.
والهيثمي في
الزوائد وقال: " أخرجه الطبراني في الكبير، ورجال الكبير رجال الصحيح غير عطاء مولى السائب، وهو ثقة ".
(4) في مسند أحمد 5 / 77: ثنا حرمي بن عمارة، قال حدثني: عزرة الانصاري ثنا علباء بن أحمد (اليشكري) ثنا أبو زيد...(وهو عمرو بن أخطب الانصاري الخزرجي المدني الاعرج من مشاهير الصحابة الذين نزلوا البصرة، غزا مع النبي ثلاث عشرة غزوة).

موصول.
ولقد أورد البيهقي لهذا نظائر كثيرة في هذا المعنى، تشفي القلوب، وتحصل المطلوب.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عارم، ثنا معتمر، وقال يحيى بن معين: ثنا عبد الاعلى، ثنا معتمر - هو ابن سليمان -.
قال: سمعت أبي يحدث عن أبي العلاء قال: كنت عند قتادة بن ملحان في موضعه الذي مات فيه، قال: فمر رجل في مؤخر الدار، قال: فرأيته في وجهه قتادة، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه، قال: وكنت قبل ما رأيته إلا ورأيت كأن على وجهه الدهان (1).
وثبت في الصحيحين (2) أنه عليه السلام دعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة حين رأى عليه ذلك الدرع من الزعفران لاجل العرس، فاستجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ففتح له في المتجر والمغانم حتى حصل له مال جزيل بحيث إنه لما مات صولحت امرأة من نسائه الاربع عن ربع الثمن على ثمانين ألفا.
وثبت في الحديث من طريق شبيب بن غرقد أنه سمع الحي يخبرون عن عروة بن أبي الجعد المازني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاة فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار، فقال له: بارك الله لك في صفقة يمينك، وفي رواية: فدعا له بالبركة في البيع، فكان لو اشترى التراب لربح فيه (3).
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أنا ابن وهب، ثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان: أشركنا في بيعك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فبعث بها إلى المنزل (4).
وقال البيهقي: أنا أبو سعد الماليني، أنا ابن عدي، ثنا علي بن محمد بن سليمان الحليمي (5)، ثنا
محمد بن يزيد المستملي، ثنا شبابة بن عبد الله، ثنا أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن أبي كبر عن بلال قال: أذنت في غداة باردة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد واحدا، فقال: أين الناس ؟ فقلت: منعهم البرد، فقال: اللهم أذهب عنهم البرد، فرأيتهم يتروحون * ثم قال البيهقي: تفرد به أيوب بن سيار، ونظيره قد مضى في الحديث المشهور عن حذيفة في قصة الخندق (6).
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 217 وانظر الاصابة 3 / 225.
(2) في البخاري في النكاح باب 56 عن حماد بن زيد ومسلم في النكاح (12) باب الصداق.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 220 ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 169 وعزاه للبيهقي ولابي نعيم وقد رواه في دلائله ص 395.
(4) أخرجه البخاري في الدعوات حديث 6353 فتح الباري 11 / 151 والبيهقي في الدلائل 6 / 223 من طريق محمد بن إسماعيل.
(5) في الدلائل: الحلبي.
(6) رواه البيهقي في الدلائل: 6 / 224.

حديث آخر قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد العزيز بن عبد الله (1) عن محمد بن عبد الله الاصبهاني - إملاء - أنا أبو إسماعيل الترمذي محمد بن إسماعيل، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الاويسي، ثنا علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي ذئب عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعمر بن الخطاب معه، فعرضت له امرأة، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة مسلمة محرمة ومعي زوج لي في بيتي مثل المرأة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعي لي زوجك، فدعته وكان خرازا، فقال له: ما تقول في امرأتك يا عبد الله ؟ فقال الرجل: والذي أكرمك ما جف رأسي منها، فقالت امرأته: جاء مرة واحدة في الشهر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتبغضينه ؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادنيا رؤوسكما، فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال: اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه * ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحته وأقبلت فقبلت رجليه، فقال: كيف أنت وزوجك ؟ فقالت: والذي أكرمك ما طارف ولا تالد أحب إلي منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أني رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد أنك رسول الله * قال أبو عبد الله: تفرد به علي بن أبي اللهبي وهو كثير الرواية للمناكير.
قال البيهقي: وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله - يعني هذه القصة - إلا أنه لم يذكر عمر بن الخطاب.
حديث آخر قال أبو القاسم البغوي: ثنا كامل بن طلحة، ثنا حماد بن سلمة، ثنا علي بن زيد بن جدعان، عن أبي الطفيل: أن رجلا ولد له غلام فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له بالبركة وأخذ بجبهته فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس، فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته، فأخذه أبوه فحبسه وقيده مخافة أن يلحق بهم، قال: فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له: ألم تر إلى بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت ؟ فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم، قال: فرد الله تلك الشعرة إلى جبهته إذ تاب.
وقد وراه الحافظ أبو بكر البيهقي عن الحاكم وغيره عن الاصم عن أبي أسامة الكلبي، عن سريج بن مسلم (2)، عن أبي يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمي، حدثني سيف بن وهب عن أبي الطفيل أن رجلا من بني ليث يقال له: فراس بن عمرو أصابه صداع شديد فذهب به أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه، وأخذ بجلدة بين عينيه
__________
(1) في الدلائل 6 / 228: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الاصبهاني...(2) في الدلائل 6 / 230: شريح بن مسلمة.

فجذبها حتى تبعصت (1) فنبتت في موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرة، وذهب عنه الصداع فلم
يصدع.
وذكر بقية القصة في الشعرة كنحو ما تقدم.
حديث آخر قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا هاشم بن القاسم الحراني، ثنا يعلى بن الاشدق، سمعت عبد الله بن حراد العقيلي، حدثني النابغة - يعني الجعدي - قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته من قولي: بلغنا السماء عفة وتكرما * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال أين المظهر يا أبا ليلى ؟ قال: قلت: أي الجنة، قال: أجل إن شاء الله، قال: أنشدني، فأنشدته من قولي: ولا خير في حلم إذا لم يكن له * بوادر تحمى صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الامر أصدرا قال: أحسنت لا يفضض الله فاك * هكذا رواه البزار إسنادا ومتنا، وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق أخرى فقال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان، أنا أبو بكر بن محمد بن المؤمل، ثنا جعفر بن محمد بن سوار، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري الرقي، حدثني يعلى بن الاشدق قال: سمعت النابغة - نابغة بني جعدة - يقول: أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، فأعجبه: بلغنا السما مجدنا وتراثنا (2) * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال [ لي: إلى ]: أين المظهر يا أبا ليلى ؟ قلت: [ إلى ] (3) الجنة.
قال: كذلك إن شاء الله.
ولا خير في حلم إذا لم يكن له * بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما أورد الامر أصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجدت لا يفضض الله فاك، قال يعلى: فلقد رأيته أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن * قال البيهقي: وروي عن مجاهد بن سليم عن عبد الله بن حراد
سمعت نابغة يقول: سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنشد من قولي: بلغنا السماء عفة وتكرما * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
__________
(1) في الدلائل: تنقضت.
(2) في رواية البيهقي: مجدنا وثراءنا.
(3) ما بين معكوفين من الدلائل.

ثم ذكر الباقي بمعناه، قال: فلقد رأيت سنه كأنها البرد المنهل ما سقط له سن ولا انفلت (1) حديث آخر قال الحافظ البيهقي: أنا أبو بكر القاضي وأبو سعيد (2) بن يوسف أبي عمرو، قالا: ثنا الاصم، ثنا عباس الدوري، ثنا علي بن بحر القطان، ثنا هشام بن يوسف، ثنا معمر، ثنا ثابت وسليمان التيمي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نظر قبل العراق والشام واليمن - لا أدري بأيتهن بدأ - ثم قال: اللهم أقبل بقلوبهم إلى طاعتك وحط من أوزارهم * ثم رواه عن الحاكم عن الاصم عن محمد بن إسحق الصغاني عن علي بن بحر بن بري فذكره بمعناه (3) * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل الشام فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل العراق فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا (4) * وهكذا وقع الامر، أسلم أهل اليمن قبل أهل الشام، ثم كان الخير والبركة قبل العراق، ووعد أهل الشام بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر الامر * وروى أحمد في مسنده: لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق.
فصل وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن زيد بن الحباب، عن عكرمة بن عمار: حدثني
إياس بن سلمة بن الاكوع أن أباه حدثه أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال له: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما يمنعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه (5) * وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عكرمة عن إياس عن أبيه قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 232 - 233.
ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 166 عن البيهقي وأبي نعيم، وعزا رواية مجاهد لابن السكن.
(2) في الدلائل 6 / 236 وأبو سعيد بن أبي عمرو.
(3) رواهما البيهقي في الدلائل 6 / 236.
وفيه: وحط من ورائهم، وفي رواية ابن بري: وأحط من ورائهم.
وذكره الهيثمي في الزوائد 10 / 57 وقال: رواه الطبراني في الصغير والاوسط ورجاله رجال الصحيح غير علي بن بحر وهو ثقة.
(4) أخرجه الترمذي في المناقب (باب) في فضل اليمن 5 / 726 وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه من حديث زيد بن ثابت إلا من حديث عمران القطان.
(5) أخرجه مسلم في الاشربة 13 باب ح 107 ص 3 / 1599.
وقيل إن هذا الرجل هو بسر بن راعي العير الاشجعي كما جاء عند ابن منده وأبو نعيم الاصبهاني وابن ماكولا.

بشر بن راعي العير وهو يأكل بشماله فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، قال: فما وصلت يده إلى فيه بعد * وثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختبأت منه، فجاءني فحطاني حطوة أو حطوتين وأرسلني إلى معاوية في حاجة، فأتيته وهو يأكل، فقلت: أتيته وهو يأكل، فأرسلني الثانية فأتيته وهو يأكل، فقلت: أتيته وهو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه (1) * وقد روى البيهقي عن الحاكم، عن علي بن حمشاد، عن هشام بن علي، عن موسى بن إسماعيل: حدثني أبو عوانة عن أبي حمزة، سمعت ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله قد جاء فقلت: ما جاء إلا إلي، فذهبت فاختبأت على باب، فجاء فحطاني حطوة
وقال: اذهب فادع لي معاوية - وكان يكتب الوحي - قال: فذهبت فدعوته له فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه يأكل، فقال: اذهب فادعه لي، فأتيته الثانية، فقيل إنه يأكل، فأتيت رسول الله فأخبرته فقال في الثانية: لا أشبع الله بطنه، قال: فما شبع بعدها (2)، قلت: وقد كان معاوية رضي الله عنه لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته، فيقال: إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم، وكان يقول: والله لا أشبع وإنما أعيى * وقدمنا في غزوة تبوك أنه مر بين أيديهم وهم يصلون غلام فدعا عليه فأقعد فلم يقم بعدها.
وجاء من طرق أوردها البيهقي أن رجلا حاكى النبي صلى الله عليه وسلم في كلام واختلج بوجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن كذلك، فلم يزل يختلج ويرتعش مدة عمره حتى مات * وقد ورد في بعض الروايات أنه الحكم بن أبي العاص، أبو مروان بن الحكم فالله أعلم (3) * وقال مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار، فذكر الحديث في الرجل الذي عليه ثوبان قد خلقا، وله ثوبان في القنية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسهما ثم ولى، فقال رسول الله: ماله ؟ ضرب الله عنقه، فقال الرجل: في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في سبيل الله، فقتل الرجل في سبيل الله (4) * وقد ورد من هذا النوع كثير.
وقد ثبت في الاحاديث الصحيحة بطرق متعددة عن جماعة من الصحابة تفيد القطع كما سنوردها قريبا في باب فضائله صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم من سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك قربة له تقربه بها عندك يوم القيامة.
وقد قدمنا في أول البعثة حديث ابن مسعود في دعائه صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر السبعة،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر (25) باب ص 4 / 2010.
- حطاني حطوة أي قفدني، يعني ضربه بيده وهي مبسوطة الكفين.
- أبو حمزة هو أبو حمزة عمران بن أبي عطاء القصاب وليس في مسلم أبو حمزة عن ابن عباس سواه.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 243.
(3) رواه البيهقي من طريق مالك بن دينار، وجزم أبو القاسم البغوي انه الحكم أبي مروان.
(4) أخرجه مالك في الموطأ في اللباس ص 2 / 910 حديث (1) ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 244.

الذين أحدهم أبو جهل بن هشام وأصحابه، حين طرحوا على ظهره عليه السلام سلا الجذور، وألقته عنه ابنته فاطمة، فلما انصرف قال: اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ثم سمى بقية السبعة، قال ابن مسعود: فو الذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى في القليب قليب بدر، الحديث.
وهو متفق عليه.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثني هشام، ثنا سليمان - يعني ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد، وأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه، فأصبحت الارض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له وواروه، فأصبحت الارض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا.
ورواه مسلم عن محمد بن راضي عن أبي النضر هاشم بن القاسم به.
طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هرون، ثنا حميد عن أنس: أن رجلا كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا - يعني عظم - فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي عليه: غفورا رحيما، فيكتب: عليما حكيما، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب كذا وكذا فيقول: اكتب كيف شئت، ويملي عليه: عليما حكيما، فيكتب: سميعا بصيرا، فيقول: اكتب كيف شئت، قال فارتد ذلك الرجل عن الاسلام فلحق بالمشركين، وقال: أنا أعلمكم بمحمد، وإني كنت لا أكتب إلا ما شئت، فمات ذلك الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الارض لا تقبله، قال أنس: فحدثني أبو طلحة أنه أتى الارض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذا، فقال أبو طلحة: ما شأن هذا الرجل: قالوا: قد دفناه مرارا
فلم تقبله الارض (1) * وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجوه.
طريق أخرى عن أنس وقال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الرزاق، ثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك قال: كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا، وكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الارض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه - لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه -، فحفروا له فأعمقوا له في الارض ما استطاعوا، فأصبحوا وقد لفظته الارض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 3 / 120 - 121.

باب المسائل التي سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الانبياء قد ذكرنا في أول البعثة ما تعنتت به قريش وبعتث إلى يهود المدينة يسألونهم عن أشياء يسألون عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سلوه عن الروح، وعن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدري ما صنعوا، وعن رجل طواف في الارض بلغ المشارق والمغارب، فلما رجعوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيم من العلم إلا قيلا) * [ الاسراء: 85 ] وأنزل سورة الكهف يشرح فيها خبر الفتية الذين فارقوا دين قومهم وآمنوا بالله العزيز الحميد، وأفردوه بالعبادة، واعتزلوا قومهم، ونزلوا غارا وهو الكهف، فناموا فيه، ثم أيقظهم الله بعد ثلثمائة سنة وتسع سنين، وكان من أمرهم ما قص الله علينا في كتابه العزيز، ثم قص خبر الرجلين المؤمن والكافر، وما كان من أمرهما، ثم ذكر خبر موسى والخضر وما جرى لهما من الحكم والمواعظ، ثم قال: * (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا) * [ الكهف: 83 ]، ثم شرح، ثم ذكر خبره وما وصل إليه من
المشارق والمغارب، وما عمل من المصالح في العالم، وهذا الاخبار هو الواقع في الواقع، وإنما يوافقه من الكتب التي بأيدي أهل الكتاب، ما كان منها حقا، وأما ما كان محرفا مبدلا فذاك مردود، فإن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما اختلفوا فيه من الاخبار والاحكام، قال الله تعالى بعد ذكر التوراة والانجيل: * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) * [ المائدة 48 ] وذكرنا في أول الهجرة قصة إسلام عبد الله بن سلام، وأنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل، فلما رأيت وجهه قلت (1): إن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعته يقول: أيها الناس، أفشوا السلام، وصلوا الارحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
وثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث إسماعيل بن عطية وغيره عن حميد عن أنس قصة سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بهن جبريل آنفا، ثم قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه (2).
وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم، عن
__________
(1) في النسخة التيمورية: علمت.
(2) أخرجه البخاري في مناقب الانصار (51) باب.
فتح الباري 7 / 272.

أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن أبي معشر، عن سعيد المقبري، فذكر مسألة عبد الله بن سلام إلا أنه قال: فسأله عن السواد الذي في القمر، بدل أشراط الساعة، فذكر الحديث إلى أن قال: وأما السواد الذي في القمر فإنهما كانا شمسين فقال الله عز وجل: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل) * [ الاسراء: 12 ] فالسواد الذي رأيت هو المحو، فقال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (1).
حديث آخر في معناه قال الحافظ البيهقي: أنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، أنا أبو الحسن - أحمد بن محمد بن عيدروس (2) - ثنا عثمان بن سعيد، أنا الربيع بن نافع، أبو توبة، ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: أخبرني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، قال: لم تدفعني ؟ قال: قلت: ألا تقول: يا رسول الله ؟ قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينفعك شئ إن حدثتك ؟ قال: أسمع بأذني، فنكت بعود معه، فقال له: سل، فقال له اليهودي: أين الناس يوم تبدل الارض غير الارض والسموات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر (3)، قال: فمن أول الناس إجازة ؟ فقال: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال: زيادة كبد الحوت، قال: وما غذاؤهم على إثره ؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه ؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلا، قال: صدقتك، قال: وجئت أسألك عن شئ لا يعلمه أحد من الارض إلا نبي أو رجل أو رجلان.
قال: ينفعك إن حدثتك ؟ قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله، فقال اليهودي: صدقت وإنك لنبي، ثم انصرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به (4).
وهكذا رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن أبي توبة الربيع بن نافع به، وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو عبد الله بن سلام، ويحتمل أن يكون غيره والله أعلم.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 261 - 262.
(2) في الدلائل: عبدوس.
(3) الجسر: المراد به السراط.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 263 - 264 وقال رواه مسلم.
في كتاب الحيض (8) باب.
حديث 34 ص 1 / 252.

حديث آخر قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي، قال: سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشئ تعرفونه صدقا لتتابعني علي الاسلام، قالوا: لك ذلك، قال سلوا عما شئتم، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال ثم نسألك، أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا، وكيف تكون الانثى حتى تكون الانثى، وأخبرنا عن هذا النبي في النوم ومن وليك من الملائكة، قال: فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتتابعني، فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق، قال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل - يعقوب - مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه، فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه، وكان أحب الشراب إليه ألبان الابل، وأحب الطعام إليه لحمان الابل ؟ قالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله: اللهم أشهد عليهم، قال: فأنشدكم الله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض، وأن ماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله ؟ قالوا: اللهم نعم، قال رسول الله: اللهم أشهد عليهم، قال: وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ قالوا، اللهم نعم، قال: اللهم أشهد
عليهم، قالوا: أنت الآن حدثنا عن وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: وليي جبريل عليه السلام، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه، فقالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك، قال: فما يمنعكم أن تصدقوه ؟ قالوا: إنه عدونا من الملائكة، فأنزل الله عز وجل * (قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك بإذن الله) * الآية، [ البقرة: 97 ] ونزلت * (فباءوا بغضب على غضب) * الآية (1).
حديث آخر قال الامام أحمد، ثنا يزيد، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة، سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية، * (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات) * [ الاسراء: 101 ] فقال: لا تقل له شيئا،
__________
(1) سورة البقرة الآية 90 والخبر أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده وعنه نقله البيهقي في الدلائل ج 6 / 266 - 267 من طريق يونس بن حبيب.

فانه لو سمعك لصارت له أربع أعين، فسألاه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة، أو قال: لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا معشر يهود عليكم خاصة أو لا تعدوا في السبت، قال: فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تتبعاني ؟ قالا: إن داود عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود (1).
وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم والبيهقي من طرق عن شعبة به، وقال الترمذي: حسن صحيح * قلت: وفي رجاله من تكلم فيه، وكأنه اشتبه على الراوي التسع الآيات بالعشر الكلمات، وذلك أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعدما خرجوا من ديار مصر وشعب بني إسرائيل حول الطور حضور، وهارون ومن معه وقوف على الطور أيضا، وحينئذ كلم الله موسى تكليما آمرا له بهذه
العشر كلمات، وقد فسرت في هذا الحديث، وأما التسع الآيات فتلك دلائل وخوارق عادات أيد بها موسى عليه السلام، وأظهرها الله على يديه بديار مصر، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والجدب ونقص الثمرات، وقد بسطت القول على ذلك في التفسير بما فيه الكفاية.
والله أعلم.
فصل وقد ذكرنا في التفسير عند قوله تعالى في سورة البقرة * (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) * [ البقرة: 94 - 95 ] ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله: * (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) * [ الجمعة: 6 - 7 ] وذكرنا أقوال المفسرين في ذلك وأن الصواب أنه دعاهم إلى المباهلة وأن يدعو بالموت على المبطل منهم أو المسلمين، فنكلوا عن ذلك لعلمهم بظلم أنفسهم، وأن الدعوة تنقلب عليهم، ويعود وبالها إليهم، وهكذا دعا النصارى من أهل نجران حين حاجوه في عيسى بن مريم، فأمره الله أن يدعوهم إلى المباهلة في قوله * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * [ آل عمران: 61 ] وهكذا دعا على المشركين على وجه المباهلة في قوله * (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) * [ مريم: 75 ] وقد بسطنا القول في ذلك عند هذه الآيات في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 4 / 239 - 240 - 339، 5 / 313 والترمذي في الاستئذان حديث 2733 وأخرجه ابن ماجة في الادب عن أبي بكر بن أبي شيبة ونقله البيهقي في الدلائل 6 / 268.

حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بانه رسول الله ويتضمن تحاكمهم ولكن بقصد منهم مذموم
وذلك أنهم ائتمروا بينهم أنه إن حكم بما يوافق هواهم اتبعوه، وإلا فاحذروا ذلك، وقد ذمهم الله في كتابه العزيز على هذا القصد * قال عبد الله بن المبارك: ثنا معمر عن الزهري قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل وهو يوقره، وإذا هو رجل من مزينة، كان أبوه شهد الحديبية وكان من أصحاب أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء نفر من اليهود - وقد زنا رجل منهم وامرأة - فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا حدا دون الرجم فعلناه واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبي من أنبيائه، قال مرة عن الزهري، وإن أمرنا بالرجم عصيناه فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرجم في التوراة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن ؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إليهم شيئا، وقام معه رجال من المسلمين، حتى أتوا بيت مدراس اليهود فوجدوهم يتدارسون التوراة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن ؟ قالوا: نجبيه، والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولوا ظهر أحدهما ظهر الآخر، قال: وسكت حبرههم وهو فتى شاب، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا ألظ به النشدة، فقال حبرهم: أما إذ نشدتهم فإنا نجد في التوراة الرجم على من أحصن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ترخصتم أمر الله عز وجل ؟ فقال: زنا رجل منا ذو قرابة بملك من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، فزنا بعده آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك أن يرجمه فقام قومه دونه، فقالوا: لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلانا ابن عمه، فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما حكم في التوراة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما فرجما (1) * قال الزهري: وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * [ المائدة: 44 ] وله شاهد في الصحيح عن ابن عمر، قلت: وقد ذكرنا ما ورد في هذا السياق من الاحاديث عند قوله تعالى * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا
سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم عن مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه) * [ المائدة: 41 ] يعني الجلد والتحميم الذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم، يعين إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه، * (وإن لم تؤتوه فاحذروا) *، يعني وإن لم يحكم لكم بذلك فاحذروا قبوله، قال الله تعالى * (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 269 - 270.

أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * [ المائدة: 43 ] إلى أن قال * (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) * فذمهم الله تعالى على سوء ظنهم وقصدهم بالنسبة إلى اعتقادهم في كتابهم، وأن فيه حكم الله بالرجم، وهم مع ذلك يعلمون صحته، ثم يعدلون عنه إلى ما ابتدعوه من التحميم والتجبيه.
وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن الزهري قال: سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم فذكره، وعنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صوريا: أنشدك بالله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني تميم عند مالك بن النجار، قال: ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، فأنزل الله * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * الآيات (1) * وقد ورد ذكر عبد الله بن صوريا الاعور في حديث ابن عمير وغيره بروايات صحيحة قد بيناها في التفسير.
حديث آخر قال حماد بن سلمة: ثنا ثابت عن أنس أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا يهودي، أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تجدون في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي ؟ فقال:
لا، فقال الفتى: بلى والله يا رسول الله، إنا نجد في التوراة نعتك وصفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي لاصحابه: أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أخاكم (2).
ورواه البيهقي من هذا الوجه بهذا اللفظ.
حديث آخر قال أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: إن الله ابتعث نبيه صلى الله عليه وسلم لادخال رجل الجنة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة وإذا يهودي يقرأ التوراة، فلما أتى على صفته أمسك، قال: وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم أمسكتم ؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة وقال: ارفع يدك، فقرأ حتى أتى على صفته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لوا أخاكم (3).
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل عن الحاكم عن الاصم 6 / 270 - 271.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 272 من طريق مؤمل بن اسماعيل عن حماد.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 272 - 273.

حديث آخر إن النبي صلى الله عليه وسلم: وقف على مدراس اليهود فقال: يا معشر يهود أسلموا، فو الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله إليكم، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال: ذلك أريد.
فصل فالذي يقطع به من كتاب الله وسنة رسوله، ومن حيث المعنى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشرت به الانبياء قبله، وأتباع الانبياء يعلمون ذلك، ولكن أكثرهم يكتمون ذلك ويخفونه، قال الله تعالى * (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل
يأمرهم، بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) * [ الاعراف: 157 ] وقال تعالى: * (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق) * [ الانعام: 114 ] وقال تعالى: * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) * [ البقرة: 146 ] وقال تعالى: * (وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) * [ آل عمران: 20 ] وقال تعالى: * (هذا بلاغ للناس ولينذروا به) * [ إبراهيم: 52 ] وقال تعالى: * (لانذركم به ومن بلغ) * [ الانعام: 19 ] وقال تعالى: * (ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده) * [ هود: 17 ] وقال تعالى: * (لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين) * [ يس: 70 ] فذكر تعالى بعثته إلى الاميين وأهل الكتاب وسائر الخلق من عربهم وعجمهم، فكل من بلغه القرآن فهو نذير له، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الامة يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بي إلا دخل النار (1).
رواه مسلم، وفي الصحيحين: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الانبياء قبلي، " نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي، وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا، وأعطيت السماحة (2)، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة، وفيهما: بعثت إلى الاسود والاحمر، قيل: إلى العرب والعجم، وقيل: إلى
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في الايمان (70) باب ص 134.
(2) كذا في الاصل، وفي البخاري الشفاعة.
والحديث أخرجه البخاري في الصلاة باب (56).
ومسلم في المساجد حديث (3) ص 1 / 370.
وأبو داود في الصلاة 1 / 132 عن أبي ذر.
والامام أحمد في مسنده مطولا 5 / 161 - 162.
وأعاده مختصرا البخاري في الجهاد (122) باب.

الانس والجن، والصحيح أعم من ذلك، والمقصود أن البشارات به صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب الموروثة عن الانبياء قبله حتى تناهت النبوة إلى أخر أنبياء بني إسرائيل، وهو عيسى بن مريم، وقد قام بهذه البشارة في بني إسرائيل، وقص الله خبره في ذلك فقال تعالى: * (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * [ الصف: 6 ] فأخبار محمد صلوات الله وسلامه عليه بأن ذكره موجود في الكتب المتقدمة، فيما جاء به من القرآن، وفيما ورد عنه من الاحاديث الصحيحة كما تقدم، وهو مع ذلك من أعقل الخلق باتفاق الموافق والمفارق، يدل على صدقه في ذلك قطعا، لانه لو لم يكن واثقا بما أخبر به من ذلك، لكان ذلك من أشد المنفرات عنه، ولا يقدم على ذلك عاقل، والغرض أنه من أعقل الخلق حتى عند من يخالفه، بل هو أعقلهم في نفس الامر.
ثم إنه قد انتشرت دعوته في المشارق والمغارب، وعمت دولة أمته في أقطار الآفاق عموما لم يحصل لامة من الامم قبلها، فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، لكان ضرره أعظم من كل أحد، ولو كان كذلك لحذر عنه الانبياء أشد التحذير، ولنفروا أممهم منه أشد التنفير، فإنهم جميعهم قد حذروا من دعاة الضلالة في كتبهم، ونهوا أممهم عن أتباعهم والاقتداء بهم، ونصوا على المسيح الدجال، الاعور الكذاب، حتى قد أنذر نوح - وهو أول الرسل - قومه، ومعلوم أنه لم ينص نبي من الانبياء على التحذير من محمد، ولا التنفير عنه، ولا الاخبار عنه بشئ خلاف مدحه، والثناء عليه، والبشارة بوجوده، والامر باتباعه، والنهي عن مخالفته، والخروج من طاعته، قال الله تعالى: * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) * [ آل عمران: 81 ] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه، رواه البخاري.
وقد وجدت البشارات به صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وهي أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر.
وقد قدمنا قبل مولده
عليه السلام طرفا صالحا من ذلك، وقررنا في كتاب التفسير عند الآيات المقتضية لذلك آثارا كثيرة، ونحن نورد ههنا شيئا مما وجد في كتبهم التي يعترفون بصحتها، ويتدينون بتلاوتها، مما جمعه العلماء قديما وحديثا ممن آمن منهم، واطلع على ذلك من كتبهم التي بأيديهم، ففي السفر الاول من التوراة التي بأيديهم في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام ما مضمونه وتعريبه: إن الله أوحى إلى إبراهيم عليه السلام، بعدما سلمه من نار النمروذ: أن قم فاسلك الارض مشارقها ومغاربها لولدك، فلما قص ذلك على سارة طمعت أن يكون ذلك لولدها منه، وحرصت على إبعاد هاجر وولدها، حتى ذهب بهما الخليل إلى برية الحجاز وجبال فاران، وظن إبراهيم عليه السلام أن هذه البشارة تكون لولده إسحاق.
، حتى أوحى الله إليه ما مضمونه: أما ولدك فإنه يرزق ذرية

عظيمة، وأما ولدك إسماعيل فإني باركته وعظمته، وكثرت ذريته، وجعلت من ذريته ماذ ماذ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وجعلت في ذريته اثنا عشر إماما، وتكون له أمة عظيمة، وكذلك بشرت هاجر حين وضعها الخليل عند البيت فعطشت وحزنت على ولدها، وجاء الملك فأنبع زمزم، وأمرها بالاحتفاظ بهذا الولد، فإنه سيولد له منه عظيم، له ذرية عدد نجوم السماء.
ومعلوم أنه لم يولد من ذرية إسماعيل، بل من ذرية آدم، أعظم قدرا ولا أوسع جاها، ولا أعلى منزلة، ولا أجل منصبا، من محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي استولت دولة أمته على المشارق والمغارب، وحكموا على سائر الامم.
وهكذا في قصة إسماعيل من السفر الاول: أن ولد إسماعيل تكون يده على كل الامم، وكل الامم تحت يده وبجميع مساكن إخوته يسكن، وهذا لم يكن لاحد يصدق على الطائفة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم * وأيضا في السفر الرابع في قصة موسى، أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام: أن قل لبني إسرائيل: سأقيم لهم نبيا من أقاربهم مثلك يا موسى، وأجعل وحيى بفيه وإياه تسمعون.
وفي السفر الخامس - وهو سفر الميعاد - أن موسى عليه السلام خطب بني إسرائيل في آخر عمره - وذلك في السنة التاسعة والثلاثين من سني التيه - وذكرهم بأيام الله وأياديه عليهم، وإحسانه إليهم، وقال لهم فيما قال: واعملوا أن الله سيبعث لكم نبيا من أقاربكم مثل ما أرسلني
إليكم، يأمركم بالمعروف، وينهاكم عن المنكر، ويحل لكم الطيبات، ويحرم عليكم الخبائث، فمن عصاه فله الخزى في الدنيا، والعذاب في الآخرة * وأيضا في آخر السفر الخامس وهو آخر التوراة التي بأيديهم: جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران: وظهر من ربوات قدسه، عن يمينه نور، وعن شماله نار، عليه تجتمع الشعوب.
أي جاء أمر الله وشرعه من طور سيناء - وهو الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام عنده - وأشرق من ساعير وهي جبال بيت المقدس - المحلة التي كان بها عيسى بن مريم عليه السلام - واستعلن أي ظهر وعلا أمره من جبال فاران، وهي جبال الحجاز بلا خلاف، ولم يكن ذلك إلا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم * فذكر تعالى هذه الاماكن الثلاثة على الترتيب الوقوعي، ذكر محلة موسى، ثم عيسى، ثم بلد محمد صلى الله عليه وسلم، ولما أقسم تعالى بهذه الاماكن الثلاثة ذكر الفاضل أولا، ثم الافضل منه، ثم الافضل منه، على قاعدة القسم فقال تعالى: * (والتين والزيتون) * [ التين: 1 - 3 ] والمراد بها محلة بيت المقدس حيث كان عيسى عليه السلام * (وطور سينين) * وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى * (وهذا البلد الامين ] وهو البلد الذي ابتعث منه محمدا صلى الله عليه وسلم * قاله غير واحد من المفسرين في تفسير هذه الآيات الكريمات.
وفي زبور داود عليه السلام صفة هذه الامة بالجهاد والعبادة، وفيه مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم، بأنه ختام القبة المبنية، كما ورد به الحديث في الصحيحين (1): " مثلي ومثل الانبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطيفون بها
__________
(1) في البخاري عن محمد بن سنان في المناقب حديث 3534 ص 6 / 558.
ومسلم في الفضائل عن أبي بكر بن أبي شيبة ح 23 ص 1791، وأخرجه الامام أحمد في المسند 3 / 361.

ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة ؟ " ومصداق ذلك أيضا في قوله تعالى * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) * [ الاحزاب: 40 ] وفي الزبور صفة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ستنبسط نبوته ودعوته وتنفذ كلمته من البحر إلى البحر، وتأتيه الملوك من سائر الاقطار طائعين بالقرابين والهدايا، وأنه يخلص المضطر، ويكشف الضر عن الامم، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له، ويصلي عليه في كل
وقت، ويبارك الله عليه في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الابد.
وهذا إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم * وفي صحف شعيا في كلام طويل فيه معاتبة لبني إسرائيل، وفيه فإني أبعث إليكم وإلى الامم نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ القلب ولا سخاب في الاسواق، أسدده لكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى في ضميره، والحكمة معقوله، والوفاء طبيعته، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى ملته، والاسلام دينه، والقرآن كتابه، أحمد اسمه، أهدي به من الضلالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين القلوب المختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، قرابينهم دماؤهم، أنا جيلهم في صدورهم، رهبانا بالليل، ليوثا بالنهار * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * [ الحديد: 21 ] وفي الفصل الخامس من كلام شعيا: يدوس الامم كدوس البيادر، وينزل البلاء بمشركي العرب، وينهزمون قدامه.
وفي الفصل السادس والعشرين منه: ليفرح أرض البادية العطشى، ويعطي أحمد محاسن لبنان، ويرون جلال الله بمهجته * وفي صحف إلياس عليه السلام: أنه خرج مع جماعة من أصحابه سائحا، فلما رأى العرب بأرض الحجاز قال لمن معه: انظروا إلى هؤلاء فإنهم هم الذين يملكون حصونكم العظيمة، فقالوا: يا نبي الله فما الذي يكون معبودهم ؟ فقال: يعظمون رب العزة فوق كل رابية عالية.
ومن صحف حزقيل: إن عبدي خيرتي أنزل عليه وحيي، يظهر في الامم عدلي، اخترته واصطفيته لنفسي، وأرسلته إلى الامم بأحكام صادقة.
ومن كتاب النبوات: أن نبيا من الانبياء مر بالمدينة فأضافه بنو قريظة والنضير، فلما رآهم بكى، فقالوا له: ما الذي يبكيك يا نبي الله ؟ فقال: نبي يبعثه الله من الحرة، يخرب دياركم ويسبي حريمكم، قال: فأراد اليهود قتله فهرب منهم.
ومن كلام حزقيل عليه السلام: يقول الله: من قبل أن صورتك في الاحشاء قدستك وجعلتك نبيا، وأرسلتك إلى سائر الامم.
وفي صحف شعيا أيضا، مثل مضروب لمكة شرفها الله: افرحي يا عاقر بهذا الولد الذي يهبه لك ربك، فإن ببركته تتسع لك الاماكن، وتثبت أوتادك في الارض وتعلو أبواب مساكنك، ويأتيك ملوك الارض عن يمينك وشمالك بالهدايا والتقادم، وولدك هذا يرث جميع الامم، ويملك سائر
المدن والاقاليم، ولا تخافي ولا تحزني فما بقي يلحقك ضيم من عدو أبدا، وجميع أيام ترملك تنسيها.
وهذا كله إنما حصل على يدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنما المراد بهذه العاقر مكة، ثم صارت كما ذكر في هذا الكلام لا محالة.
ومن أراد من أهل الكتاب أن يصرف هذا ويتأوله على بيت المقدس وهذا لا يناسبه من كل وجه والله أعلم * وفي صحف أرميا: كوكب ظهر من الجنوب، أشعته

؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟، سهامه خوارق، دكت له الجبال.
وهذا المراد به محمد صلى الله عليه وسلم * وفي الانجيل يقول عيسى عليه السلام: إني مرتق إلى جنات العلى، ومرسل إليكم الفار قليط روح الحق يعلمكم كل شئ، ولم يقل شيئا للقاء نفسه.
والمراد بالفار قليط محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهذا كما تقدم عن عيسى أنه قال * (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * [ الصف: 6 ] * وهذا باب متسع، ولو تقصينا جميع ما ذكره الناس لطال هذا الفصل جدا، وقد أشرنا إلى نبذ من ذلك يهتدي بها من نور الله بصيرته وهداه إلى صراطه المستقيم، وأكثر هذه النصوص يعلمها كثير من علمائهم وأحبارهم، وهم مع ذلك يتكاتمونها ويخفونها.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي، أنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن [ الفضل، ومحمد بن أحمد الصيدلاني.
قالوا ] (1): ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبيد الله بن أبي داود المنادي، ثنا يونس بن محمد المؤدب، ثنا صالح بن عمر، ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن الغليان (2) بن عاصم قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره إلى رجل فدعاه، فأقبل رجل من اليهود مجتمع عليه قميص وسراويل ونعلان، فجعل يقول: يا رسول الله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتشهد أني رسول الله ؟ فجعل لا يقول شيئا إلا قال: يا رسول الله، فيقول: أتشهد أني رسول الله ؟ فيأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتقرأ التوراة ؟ قال: نعم، قال: والانجيل ؟ قال: نعم، والفرقان ورب محمد لو شئت لقرأته، قال: فأنشدك بالذي أنزل التوراة والانجيل وأنشأ (3) خلقه بها، تجدني فيهما ؟ قال: نجد مثل نعتك، يخرج من مخرجك، كنا نرجو أن يكون فينا، فلما خرجت رأينا أنك هو، فلما نظرنا إذا أنت لست به، قال: من أين ؟ قال: نجد من أمتك سبعين ألفا
يدخلون الجنة بغير حساب، وإنما أنتم قليل، قال: فهلل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر، وهلل وكبر، ثم قال: والذي نفس محمد بيده إنني لانا هو، وإن من أمتي لاكثر من سبعين ألفا وسبعين وسبعين (4).
جوابه صلى الله عليه وسلم لمن سأل عما سأل قبل أن يسأله عن شئ منه قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، أنا الزبير: أبو (5) عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز - ولم يسمعه منه - قال: حدثني جلساؤه وقد رأيته عن وابصة الاسدي، وقال عفان: ثنا غير مرة ولم يقل: حدثني جلساؤه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والاثم إلا سألته عنه، وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه، فجعلت أتخطاهم، فقالوا: إليك وابصة عن رسول الله، فقلت: دعوني فأدنو منه، فإنه أحب الناس إلي
__________
(1) ما بين معكوفتين من الدلائل، وفي الاصل: ومحمد بن موسى بن الطفيل، قالا...(2) في الدلائل: الفلتان بن عاصم.
(3) في الدلائل: وأشياء حلفه بها، تجدني فيهما.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 273.
(5) في نسخ البداية المطبوعة: بن تحريف.

أن أدنو منه، قال: دعوا وابصة، ادن يا وابصة، مرتين أو ثلاثا، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، فقال: يا وابصة أخبرك أم تسألني ؟ فقلت: لا، بل أخبرني: فقال: جئت تسأل عن البر والاثم، فقلت: نعم، فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك (ثلاث مرات) البر ما اطمأنت إليه النفس، والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس أفتوك (1).
باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده
وهذا باب عظيم لا يمكن استقصاء جميع ما فيه لكثرتها، ولكن نحن نشير إلى طرف منها وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
وذلك منتزع من القرآن ومن الاحاديث، أما القرآن فقال تعالى في سورة المزمل - وهي من أوائل مما نزل بمكة - * (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) * [ المزمل: 20 ] ومعلوم أن الجهاد لم يشرع إلا بالمدينة بعد الهجرة.
وقال تعالى في سورة اقترب - وهي مكية - * (أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر) * [ القمر: 44 ] ووقع هذا يوم بدر، وقد تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من العريش ورماهم بقبضة من الحصباء فكان النصر والظفر، وهذا مصداق ذاك * وقال تعالى: * (تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) * [ المسد: 1 - 5 ] فأخبر أن عمه عبد العزى بن عبد المطلب الملقب بأبي لهب سيدخل النار هو وإمرأته، فقدر الله عز وجل أنهما ماتا على شركهما لم يسلما، حتى ولا ظاهرا، وهذا من دلائل النبوة الباهرة، وقال تعالى: * (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * [ الاسراء: 88 ] وقال تعالى في سورة البقرة: * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) * الآية [ البقرة: 23 ]، فأخبر أن جميع الخليقة لو اجتمعوا وتعاضدوا وتناصروا وتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته، وحلاوته وإحكام أحكامه، وبيان حلاله وحرامه، وغير ذلك من وجوه إعجازه، لما استطاعوا ذلك، ولما قدروا عليه، ولا على عشر سور منه، بل ولا سورة، وأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا، ولن لنفي التأبيد في المستقبل، ومثل هذا التحدي، وهذا القطع، وهذا الاخبار الجازم، لا يصدر إلا عن واثق بما يخبر به، عالم بما يقوله، قاطع أن أحدا لا يمكنه أن يعارضه، ولا يأتي بمثل ما جاء به عن
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 228 ونقله البيهقي في الدلائل 6 / 292 - 293.

ربه عز وجل، وقال تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) * الآية [ النور: 55 ]، وهكذا وقع سواء بسواء، مكن الله هذا الدين وأظهره، وأعلاه ونشره في سائر الآفاق، وأنفذه وأمضاه، وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بخلافة الصديق، ولا شك في دخوله فيها، ولكن لا تختص به، بل تعمه كما تعم غيره، كما ثبت في الصحيح (1) " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لننفقن كنوزهما في سبيل الله "، وقد كان ذلك في زمن الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * [ التوبة: 33 ] وهكذا وقع وعم هذا الدين، وغلب وعلا على سائر الاديان، في مشارق الارض ومغاربها، وعلت كلمته في زمن الصحابة ومن بعدهم، وذلت لهم سائر البلاد، ودان لهم جميع أهلها، على اختلاف أصنافهم، وصار الناس إما مؤمن داخل في الدين، وإما مهادن باذل الطاعة والمال، وإما محارب خائف وجل من سطوة الاسلام وأهله.
وقد ثبت في الحديث: إن الله زوى لي مشارق الارض ومفاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها (2).
وقال تعالى: * (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) * الآية [ الفتح: 16 ]، وسواء كان هؤلاء هوازن أو أصحاب مسيلمة، أو الروم، فقد وقع ذلك، وقال تعالى * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فجعل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما * وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا) * [ الفتح: 20 ] وسواء كانت هذه الاخرى خيبر أو مكة فقد فتحت وأخذت كما وقع به الوعد سواء بسواء، وقال تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) * [ الفتح: 27 ] فكان هذا الوعد في سنة الحديبية عام ست، ووقد إنجازه في سنة سبع عام عمرة القضاء كما تقدم، وذكرنا هناك الحديث بطوله، وفيه أن عمر قال: يا
رسول الله ألم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ قال: لا، قال فإنك تأتيه وتطوف به.
وقال تعالى: * (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) * [ الانفال: 7 ] وهذا الوعد كان في وقعة بدر لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ليأخذ عير قريش، فبلغ قريش خروجه إلى عيرهم، فنفروا في
__________
(1) صحيح مسلم - كتاب الفتن الحديث 77 ص (4 / 2227) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الفتن ح 2889 ص 4 / 2215.
عن ثوبان.
- زوى: جمع.

قريب من ألف مقاتل، فلما تحقق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدومهم وعده الله إحدى الطائفتين أن سيظفره بها، إما العير وإما النفير، فود كثير من الصحابة - ممن كان معه - أن يكون الوعد للعير، لما فيه من الاموال وقلة الرجال، وكرهوا لقاء النفير لما فيه من العدد والعدد، فخار الله لهم وأنجز لهم وعده في النفير فأوقع بهم بأسه الذي لا يرد، فقتل من سراتهم سبعون وأسر سبعون وفادوا أنفسهم بأموال جزيلة، فجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: * (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) * [ الانفال: 7 ] وقد تقدم بيان هذا في غزوة بدر، وقال تعالى: * (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسارى (1) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم) * [ الانفال: 70 ] وهكذا وقع فإن الله عوض من أسلم منهم بخير الدنيا والآخرة.
ومن ذلك ما ذكره البخاري أن العباس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني، فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلا، فقال له: خذ، فأخذ في ثوب مقدارا لم يمكنه أن يقله، وثم وضع منه مرة بعد مرة حتى أمكنه أن يحمله على كاهله، وانطلق به كما ذكرناه في موضعه مبسوطا * وهذا من تصديق هذه الآية الكريمة، وقال تعالى: * (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) * الآية [ التوبة: 28 ]، وهكذا وقع عوضهم الله عما كان يغدو إليهم مع حجاج المشركين، بما شرعه لهم من قتال أهل الكتاب،
وضرب الجزية عليهم، وسلب أموال من قتل منهم على كفره، كما وقع بكفار أهل الشام من الروم ومجوس الفرس، بالعراق وغيرها من البلدان التي انتشر الاسلام على أرجائها، وحكم على مدائنها وفيفائها، قال تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * [ التوبة: 33 ] وقال تعالى: * (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس) * الآية [ التوبة: 95 ]، وهكذا وقع، لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك كان قد تخلف عنه طائفة من المنافقين، فجعلوا يحلفون بالله لقد كانوا معذورين في تخلفهم، وهم في ذلك كاذبون، فأمر الله رسوله أن يجري أحوالهم على ظاهرها، لا يفضحهم عند الناس، وقد أطلعه الله على أعيان جماعة منهم أربعة عشر رجلا كما قدمناه لك في غزوة تبوك، فكان حذيفة بن اليمان ممن يعرفهم بتعريفه إياه صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: * (وإن كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا) * [ الاسراء: 76 ] وهكذا وقع، لما اشتوروا عليه ليثبتوه: أو يقتلوه أو يخرجوه من بين أظهرهم، ثم وقع الرأي على القتل، فعند ذلك أمر الله رسوله بالخروج من بين أظهرهم، فخرج هو وصديقه أبو بكر، فكمنا في غار ثور ثلاثا، ثم ارتحلا بعدها كما قدمنا، وهذا هو المراد بقوله * (إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) *
__________
(1) كذا في النسخ ولعلها قراءة سبعية.
وما في التنزيل العزيز: الاسرى.

[ التوبة: 40 ] وهو المراد من قوله * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) * [ الانفال: 30 ] ولهذا قال: * (وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا) * [ الاسراء: 76 ] وقد وقع كما أخبر فإن الملا الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة وتابعه المهاجرون والانصار، ثم كانت وقعة بدر فقتلت تلك النفوس، وكسرت تلك الرؤوس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك قبل كونه من إخبار الله
له بذلك، ولهذا قال سعد بن معاذ لامية بن خلف: أما إني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يذكر أنه قاتلك، فقال: أنت سمعته ؟ قال: نعم، قال: فإنه والله لا يكذب، وسيأتي الحديث في بابه.
وقد قدمنا أنه عليه السلام جعل يشير لاصحابه قبل الوقعة إلى مصارع القتلى، فما تعدى أحد منهم موضعه الذي أشار إليه، صلوات الله وسلامه.
وقال تعالى: * (آلم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [ الروم: 1 - 6 ] وهذا الوعد وقع كما أخبر به، وذلك أنه لما غلبت فارس الروم فرح المشركون، واغتنم بذلك المؤمنون، لان النصارى أقرب إلى الاسلام من المجوس، فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الروم ستغلب الفرس بعد هذه المدة بسبع سنين، وكان من أمر مراهنة الصديق رؤوس المشركين على أن ذلك سيقع في هذه المدة، ما هو مشهور كما قررنا في كتابنا التفسير، فوقع الامر كما أخبر به القرآن، غلبت الروم فارس بعد غلبهم غلبا عظيما جدا، وقصتهم في ذلك يطول بسطها، وقد شرحناها في التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة.
وقال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * [ فصلت: 53 ] وكذلك وقع، أظهر الله من آياته ودلائله في أنفس البشر وفي الآفاق بما أوقعه من الناس بأعداء النبوة، ومخالفي الشرع ممن كذب به من أهل الكتابين، والمجوس والمشركين، ما دل ذوي البصائر والنهى على أن محمدا رسول الله حقا، وأن ما جاء به من الوحي عن الله صدق، وقد أوقع له في صدور أعدائه وقلوبهم رعبا ومهابة وخوفا، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: نصرت بالرعب مسيرة شهر (1)، وهذا من التأييد والنصر الذي آتاه الله عز وجل، وكان عدوه يخافه وبينه وبينه مسيرة شهر، وقيل: كان إذا عزم على غزوة قوم أرعبوا قبل مجيئه إليهم، ووروده عليهم بشهر، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.
فصل وأما الاحاديث الدالة على إخباره بما وقع كما أخبر، فمن ذلك ما أسلفناه في قصة الصحيفة
__________
(1) تقدم تخريجه قريبا فليراجع.

التي تعاقدت فيها بطون قريش، وتمالاوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يؤووهم، ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت بنو هاشم وبنو المطلب، بمسلمهم وكافرهم شعب أبي طالب أنفين لذلك ممتنعين منه أبدا، ما بقوا دائما، ما تناسلوا وتعاقبوا، وفي ذلك عمل أبو طالب قصيدته اللامية التي يقول فيها: كذبتم وبيت الله نبزي محمدا * ولما نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار غير ذرب مواكل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وكانت قريش قد علقت صحيفة الزعامة في سقف الكعبة، فسلط الله عليها الارضة فأكلت ما فيها من أسماء الله، لئلا يجتمع بما فيها من الظلم والفجور، وقيل: إنها أكلت ما فيها إلا أسماء الله عز وجل، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب، فجاء أبو طالب إلى قريش فقال: إن ابن أخي قد أخبرني بخبر عن صحيفتكم، فإن الله قد سلط عليها الارضة فأكلتها إلا ما فيها من أسماء الله، أو كما قال: فأحضروها، فأن كان كما قال وإلا أسلمته إليكم، فأنزلوها ففتحوها فإذا الامر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك نقضوا حكمها ودخلت بنو هاشم وبنو المطلب مكة، ورجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك، كما أسلفنا ذكره ولله الحمد * ومن ذلك حديث خباب بن الارت، حين جاء هو وأمثاله من المستضعفين يستنصرون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتوسد رداءه في ظل الكعبة فيدعو لهم لما هم فيه من العذاب والاهانة، فجلس محمرا وجهه وقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يشق بإثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الامر ولكنكم تستعجلون * ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري: ثنا محمد بن العلاء (1)، ثنا حماد بن
أسامة، عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي بردة عن أبي موسى، أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض فيها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هحر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر (2) * ومن ذلك قصة سعد بن معاذ مع
__________
(1) العبارة في البخاري: ثنا أبو اسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي بردة عن أبي موسى - أري عن النبي صلى الله عليه وآله - قال:...(2) أخرجه البخاري في غير موضع مقطعا في المغازي حديث 4081، وفي المناقب - علامات النبوة - وفي التعبير =

أمية بن خلف حين قدم عليه مكة.
قال البخاري: ثنا أحمد بن إسحاق، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف، أبي صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت، فبينا سعد يطوف فإذا أبو جهل، فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة ؟ فقال سعد: أنا سعد فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه ؟ فقال: نعم، فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي، ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لاقطعن متجرك بالشام، قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك، وجعل يمسكه، فغضب سعد فقال: دعنا عنك، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي ؟ قال: نعم، قال: والله ما يكذب محمد إذا حدث، فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي ؟ قالت: وما قال لك ؟ قال: زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي، قالت: فو الله ما يكذب محمد، قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ، قالت له امرأته: ما
ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ قال: فأراد أن لا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي، فسر يوما أو يومين، فسار معهم فقتله الله * وهذا الحديث من أفراد البخاري، وقد تقدم بأبسط من هذا السياق * ومن ذلك قصة أبي بن خلف الذي كان يعلف حصانا له، فإذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني سأقتلك عليه، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك إن شاء الله، فقتله يوم أحد كما قدمنا بسطه * ومن ذلك إخباره عن مصارع القتلى يوم بدر كما تقدم الحديث في الصحيح أنه جعل يشير قبل الوقعة إلى محلها ويقول: هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان، قال: فو الذي بعثه بالحق ما حاد أحد منهم عن مكانه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن ذلك قوله لذلك الرجل الذي كان لا يترك للمشركين شاذة ولا فادة إلا اتبعها ففراها بسيفه، وذلك يوم أحد، وقيل: خيبر وهو الصحيح، وقيل: في يوم حنين، فقال الناس: ما أغنى أحد اليوم ما أغنى فلان، يقال: إنه قرمان، فقال: إنه من أهل النار، فقال بعض الناس: أنا صاحبه، فاتبعه فجرح فاستعجل الموت فوضع ذباب سيفه في صدره ثم تحامل عليه حتى أنفذه، فرجع ذلك الرجل فقال: أشهد أن لا إلا إلا الله وأنك رسول الله، فقال: وما ذاك ؟ فقال: إن الرجل الذي ذكرت آنفا كان من أمره كيت وكيت، فذكر الحديث كما تقدم *
__________
= باب إذا رأى بقرا تنحر.
وأخرجه مسلم في الرؤيا ح 20 ص 1779.
وأخرجه ابن ماجة في تعبير الرؤيا عن محمود بن غيلان عن أبي اسامة.
شرح المفردات: - وهلي: وهمي.
هجر: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين.
- والله خير: قال القاضي عياض: قد ضبطنا هذا الحرف عن جميع الرواة: والله خير على المبتدأ والخبر.

ومن ذلك إخباره عن فتح مدائن كسرى وقصور الشام وغيرها من البلاد يوم حفر الخندق، لما ضرب بيده الكريمة تلك الصخرة فبرقت من ضربه، ثم أخرى، ثم أخرى كما قدمناه * ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم عن ذلك الذراع أنه مسموم، فكان كما أخبر به، اعترف اليهود بذلك، ومات من
أكل معه - بشر بن البراء بن معرور - * ومن ذلك ما ذكره عبد الرزاق عن معمر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: اللهم نج أصحاب السفينة، ثم مكث ساعة، ثم قال: قد استمرت * والحديث بتمامه في دلائل النبوة للبيهقي (1)، وكانت تلك السفينة قد أشرفت على الغرق وفيها الاشعريون الذين قدموا عليه وهو بخيبر * ومن ذلك إخباره عن قبر أبي رغال، حين مر عليه وهو ذاهب إلى الطائف وأن معه غصنا من ذهب، فحفروه فوجدوه كما أخبر، صلوات الله وسلامه عليه * رواه أبو داود من حديث أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن بحر بن أبي بحر عن عبد الله بن عمرو به * ومن ذلك قوله عليه السلام للانصار، لما خطبهم تلك الخطبة مسليا لهم عما كان وقع في نفوس بعضهم من الايثار عليهم في القسمة لما تألف قلوب من تألف من سادات العرب، ورؤوس قريش، وغيرهم، فقال: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى رحالكم ؟ * وقال: إنكم ستجدون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض * وقال: إن الناس يكثرون وتقل الانصار * وقال لهم في الخطبة قبل هذه على الصفا: بل المحيا محياكم، والممات مماتكم * وقد وقع جميع ذلك كما أخبر به سواء بسواء.
وقال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وأخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله (2) * ورواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس به * وقال البخاري: ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة رفعه: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وقال: لتنفقن كنوزهما في سبيل الله (3) * وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث جرير، وزاد البخاري وابن عوانة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير به، وقد وقع مصداق ذلك بعده في أيام الخلفاء الثلاثة أبي بكر، وعمر، وعثمان، استوثقت هذه الممالك فتحا على أيدي المسلمين، وأنفقت أموال قيصر ملك الروم، وكسرى ملك الفرس، في سبيل الله، على ما سنذكره بعد إن شاء الله.
وفي هذا الحديث بشارة عظيمة للمسلمين، وهي أن ملك فارس
قد انقطع فلا عودة له، وملك الروم للشام قد زال عنها، فلا يملكوها بعد ذلك، ولله الحمد
__________
(1) راجع الحديث في دلائل النبوة للبيهقي 6 / 298.
ولم يذكر في الدلائل إلى أين قدموا عليه أو اين كان لما أخبرهم بخبرها.
إنما قال: بعد قوله قد استمرت فلما دنوا من المدينة.
(2) أخرجه البخاري في المناقب - 25 باب - ح 3618 ومسلم في الفتن ح 2918.
(3) المصدر السابق ح 3619.
وأخرجه البخاري في فرض الخمس من رواية جرير.

والمنة * وفيه دلالة على صحة خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، والشهادة لهم بالعدل، حيث أنفقت الاموال المغنومة في زمانهم في سبيل الله على الوجه المرضي الممدوح * وقال البخاري، ثنا محمد بن الحكم، ثنا النضر، ثنا إسرائيل، ثنا سعد الطائي، أنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم، قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة ؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ما تخاف أحدا إلا الله عز وجل - قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار (1) طئ الذين قد سعروا البلاد ؟ - ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز ؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك ؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضلت عليك ؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم، قال عدي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة فلا تخاف إلا الله عز وجل، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه (2) ثم رواه البخاري عن عبد الله بن محمد - هو أبو بكر بن أبي شيبة - عن أبي عاصم النبيل، عن سعدان بن بشر، عن أبي
مجاهد - سعد الطائي - عن محل عنه به، وقد تفرد به البخاري من هذين الوجهين، ورواه النسائي من حديث شعبة عن محل عنه: اتقوا النار ولو بشق تمرة * وقد رواه البخاري من حديث شعبة، ومسلم من حديث زهير، كلاهما عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مغفل، عن عدي مرفوعا.
اتقوا النار ولو بشق تمرة * وكذلك أخرجاه في الصحيحين: من حديث الاعمش عن خيثمة عن عبد الرحمن عن عدي، وفيها من حديث شعبة عن عمرو بن مرة، عن خيثمة عن عدي به * وهذه كلها شواهد لاصل هذا الحديث الذي أوردناه، وقد تقدم في غزوة الخندق الاخبار بفتح مدائن كسرى وقصوره وقصور الشام وغير ذلك من البلاد * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل، عن قيس عن خباب قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة متوسدا بردة له، فقلنا: يا رسول الله، ادع الله لنا واستنصره، قال: فأحمر لونه أو تغير، فقال: لقد كان من قبلكم تحفر له الحفيرة ويجاء بالميشار فيوضع على رأسه فيشق ما يصرفه عن دينه، ويمشط
__________
(1) دعار: جمع داعر وهو الشاطر الخبيث المفسد، والمراد قطاع الطريق.
(2) ملء كفه: أي من المال فلا يجد من يقبله.
والخبر رواه البخاري في المناقب - علامات النبوة حديث 3595 فتح الباري 6 / 610.
وأخرجه عن عبد الله عن أبي عاصم في الزكاة.

بأمشاط الحديد ما دون عظم أو لحم أو عصب ما يصرفه عن دينه، وليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون (1) * وهكذا رواه البخاري عن مسدد، ومحمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد به * ثم قال البخاري في كتاب علامات النبوة: حدثنا سعيد بن شرحبيل، ثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الحسين، عن عتبة (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: أنا فرطكم، وأنا شهيد عليكم، إني والله لانظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الارض، وإني والله ما أخاف بعدي أن
تشركوا، ولكني أخاف أن تنافسوا فيها (3) * وقد رواه البخاري أيضا من حديث حيوة بن شريح، ومسلم من حديث يحيى بن أيوب، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب كرواية الليث عنه * ففي هذا الحديث مما نحن بصدده أشياء، منها أنه أخبر الحاضرين أنه فرطهم، أي المتقدم عليهم في الموت، وهكذا وقع، فإن هذا كان في مرض موته عليه السلام، ثم أخبر أنه شهيد عليهم وإن تقدم وفاته عليهم، وأخبر أنه أعطي مفاتيح خزائن الارض، أي فتحت له البلاد كما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم، قال أبو هريرة: فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تفتحونها كفرا كفرا، أي بلدا بلدا، وأخبر أن أصحابه لا يشركون بعده، وهكذا وقع والله الحمد والمنة، ولكن خاف عليهم أن ينافسوا في الدنيا، وقد وقع هذا في زمان علي ومعاوية رضي الله عنهما ثم من بعدهما، وهلم جرا إلى وقتنا هذا * ثم قال البخاري: ثنا علي بن عبد الله، أنا أزهر بن سعد، أنا ابن عون، أنبأني موسى بن أنس بن مالك عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله أعلم لك علمه ؟ فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال: ما شأنك ؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حبط عمله وهو من أهل النار، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا، قال موسى: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة (4)، تفرد به البخاري * وقد قتل ثابت بن قيس بن شماس شهيدا يوم اليمامة كما سيأتي تفصيله، وهكذا ثبت في الحديث الصحيح البشارة لعبد الله بن سلام أنه يموت على الاسلام، ويكون من أهل الجنة، وقد مات رضي الله عنه على أكمل أحواله وأجملها، وكان الناس يشهدون له بالجنة في حياته لاخبار الصادق عنه بأنه يموت على الاسلام، وكذلك وقع * وقد ثبت في الصحيح الاخبار عن العشرة بأنهم من أهل الجنة، بل
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 257، وأخرجه البخاري في مناقب الانصار ح (3852) وفي كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة.
وأخرجه أبو داود في الجهاد عن عمرو بن عون.
(2) في البخاري: عن أبي الخير، عن عقبة.
وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله، وعقبة هو عقبة بن عامر الجهني.
(3) أخرجه البخاري في المناقب - باب علامات النبوة ح 3596 ومسلم في الفضائل ح 30 (2296).
(4) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة في الاسلام.
ح 3613.

ثبت أيضا الاخبار عنه صلوات الله وسلامه عليه بأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، وكانوا ألفا وأربعمائة، وقيل: وخمسمائة، ولم ينقل أن أحدا من هؤلاء رضي الله عنه عاش إلا حميدا، ولا مات إلا على السداد والاستقامة والتوفيق، ولله الحمد والمنة * وهذا من أعلام النبوات، ودلالات الرسالة.
فصل في الاخبار بغيوب ماضية ومستقبلة روى البيهقي من حديث إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إن فلانا مات، فقال: لم يمت، فعاد الثانية فقال: إن فلانا مات، فقال: لم يمت، فعاد الثالثة فقال: إن فلانا نحر نفسه بمشقص عنده، فلم يصل عليه * ثم قال البيهقي تابعه زهير عن سماك * ومن ذلك الوجه رواه مسلم مختصرا في الصلاة (1) * وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا هريم بن سفيان عن سنان (2) بن بشر، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي شهم قال: مرت بي جارية بالمدينة فأخذت بكشحها، قال: وأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، قال: فأتيته فلم يبايعني، فقال: صاحب الجبيذة ؟ قال: قلت: والله لا أعود، قال: فبايعني (3) * ورواه النسائي عن محمد بن عبد الرحمن الحربي عن أسود بن عامر به، ثم رواه أحمد عن سريج عن يزيد بن عطاء عن بيان بن بشر عن قيس عن أبي شهم فذكره * وفي صحيح البخاري: عن أبي نعيم، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن ينزل فينا شئ، فلما توفي تكلمنا وانبسطنا (4) * وقال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحرث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنه قال: والله لقد كان أحدنا يكف عن الشئ مع امرأته وهو وإياها في ثوب واحد تخوفا أن ينزل فيه شئ من القرآن (5) * وقال أبو داود: ثنا محمد بن العلاء، ثنا ابن إدريس، ثنا عاصم بن
كليب عن أبيه عن رجل من الانصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 302 والترمذي في الجنائز 3 / 371 ح (1068) وأخرجه النسائي في الجنائز باب ترك الصلاة على من قتل نفسه.
وأخرجه مسلم في الجنائز ح (107).
(2) في المسند: بيان.
(3) أخرجه أحمد في المسند ج 5 / 294.
ونقله السيوطي في الخصائص وقال أخرجه الحاكم وصححه وابن سعد.
(4) أخرجه البخاري في النكاح (80) باب.
ح (5187) فتح الباري (9 / 253) وابن ماجة في الجنائز ح (1632).
وأخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 62.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 307.

الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجئ بالطعام، فوضع يده فيه ووضع القوم أيديهم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، قال فأرسلت المرأة: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة: أن أرسل بها إلي بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعميه الاسارى (1).
فصل في ترتيب الاخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم ثبت في صحيح البخاري ومسلم: من حديث الاعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان: قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله، وقد كنت أرى الشئ قد كنت نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه (2) * وقال البخاري: ثنا يحيى بن موسى، حدثنا الوليد، حدثني ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان
يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك لشر من خير ؟ قال: نعم، وفيه دخن (3)، قلت: وما دخنه ؟ فقال: قوم يهدون بغير هديي يعرف منهم ينكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويكلمون بألسنتنا، قلت: فما أمرني إن أدركني ذلك ؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (4) * وقد رواه البخاري أيضا ومسلم عن محمد بن المثنى عن الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر به * قال البخاري، ثنا
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 310 ونقله عن البيهقي السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 104 مختصرا.
(2) أخرجه البخاري في القدر، باب (4).
وأخرجه مسلم في الفتن.
باب (6) ح 23 ص 4 / 2217.
وأخرجه أبو داود في أول كتاب الفتن عن عثمان بن أبي شيبة.
(3) الدخن: أن يكون في اللون ما يكدره من سواد، والمراد أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض.
(4) أخرجه البخاري في المناقب - 25 باب علامات النبوة ح 3606.
ومسلم في كتاب الامارة ح 51 ص (1475).

محمد بن مثنى، ثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن قيس عن حذيفة قال: تعلم أصحابي الخير: وتعلمت الشر (1) * تفرد به البخاري، وفي صحيح مسلم من حديث شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن حذيفة قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها (2) * وفي صحيح مسلم من حديث علياء بن أحمر عن أبي يزيد - عمرو بن أخطب - قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة، فأعلمنا أحفظنا (3) * وفي الحديث الآخر: حتى دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار (4) * وقد تقدم
حديث خباب بن الارت: والله ليتمن الله هذا الامر ولكنكم تستعجلون * وكذا حديث عدي بن حاتم في ذلك، وقال الله تعالى: * (ليظهره على الدين كله) * [ التوبة: 33 ] وقال تعالى * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض) * الآية [ النور: 55 ] * وفي صحيح مسلم من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء (5) * وفي حديث آخر (6): ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء * وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن المسور، عن عمرو بن عوف، فذكر قصة بعث أبي عبيدة إلى البحرين قال: وفيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا وأملوا ما يسركم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تنبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم (7) * وفي الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم من أنماط ؟ قال: قلت يا رسول الله: وأنى يكون لنا أنماط ؟ فقال: أما إنها ستكون لكم أنماط، قال: فأنا أقول لامرأتي، نحي عني أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول الله: إنها ستكون لكم أنماط ؟
__________
(1) المصدر السابق ح 3607.
(2) صحيح مسلم في الفتن ح 24 ص 4 / 2227.
(3) المصدر السابق ح 25 ص (2227).
(4) صحيح مسلم كتاب الجنة ح 42 ص (2189) عن نافع عن ابن عمر.
(5) صحيح مسلم كتاب الدعاء ح 99 ص (2098).
وأخرجه الترمذي وابن ماجة كلاهما في الفتن وأخرجه الامام أحمد في المسند 3 / 22 شرح المفردات - خضرة: يحتمل أن المراد بها شيئان: أحدهما حسنة للنفوس ونضارتها ولذتها - والثاني سرعة فنائها كالشئ الاخضر.
- اتقوا الدنيا: أي اجتنبوا الافتتان بها وبالنساء.
(6) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء ح 97 ص 4 / 2097 عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله.
(7) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الزهد ح (6) ص 4 / 2274 والبخاري في أول الجزية.
والترمذي في القيامة وابن ماجة في الفتن، والامام أحمد في المسند 4 / 137.

فأتركها (1) * وفي الصحيحين والمسانيد والسنن وغيرها من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح اليمن فيأتي قوم يبثون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (2) * كذلك رواه عن هشام بن عروة جماعة كثيرون وقد أسنده الحافظ ابن عساكر من حديث مالك وسفيان بن عيينة وابن جريج وأبو معاوية ومالك بن سعد بن الحسن وأبو ضمرة أنس بن عياض وعبد العزيز بن أبي حازم وسلمة بن دينار وجرير بن عبد الحميد * ورواه أحمد عن يونس عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة * وعبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام، ومن حديث مالك بن هشام به بنحوه * ثم روى أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن إسماعيل بن جعفر: أخبرني يزيد بن خصيفة أن بسر بن سعيد أخبره أنه سمع في مجلس المكيين (3) يذكرون أن سفيان أخبرهم، فذكر قصة وفيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ويوشك الشام أن يفتح فيأتيه رجال من هذا البلد - يعني المدينة - فيعجبهم ربعهم ورخاؤه والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يثبون (4) فيحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون * وأخرجه ابن خزيمة من طريق إسماعيل، ورواه الحافظ ابن عساكر من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وكذا حديث ابن حوالة ويشهد لذلك: منعت الشام مدها ودينارها، ومنعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم (5) * وهو في الصحيح، وكذا حديث: المواقيت لاهل الشام واليمن، وهو في الصحيحين وعند مسلم: ميقات أهل العراق، ويشهد لذلك أيضا حديث: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل * وفي صحيح البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: اعدد ستا بين يدي
الساعة، فذكر موته عليه السلام، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان - وهو الوباء - ثم كثرة المال،
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة.
ومسلم في اللباس باب (7) ح 39.
(2) أخرجه البخاري في فضائل المدينة - باب (5) من رغب عن المدينة.
ومسلم في الحج (90) باب حديث 496.
وأخرجه الامام أحمد في مسنده: 5 / 220.
- يبثون: وفي رواية أحمد: يبسون بالسين أي يسوقون دوابهم سوقا لينا.
(3) في مسند أحمد 5 / 220: الليثيين.
(4) في المسند: يبسون.
(5) أخرجه مسلم في الصحيح عن عبيد بن يعيش في الفتن باب (8) ح 33 ص 4 / 2220.
شرح المفردات: - قفيزها: القفيز مكيال معروف لاهل العراق وهو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف.
- مديها: مكيال معروف لاهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا.
- الاردب: مكيال معروف بمصر يسع أربعة وعشرين صاعا.

ثم فتنة، ثم هدنة بين المسلمين والروم، وسيأتي الحديث فيما بعد (1) * وفي صحيح مسلم: من حديث عبد الرحمن بن شماسة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فأخرج منها.
قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يختصمان في موضع لبنة فخرج منها (2) - يعني ديار مصر على يدي عمرو بن العاص في سنة عشرين كما سيأتي * وروى ابن وهب عن مالك والليث عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما * رواه البيهقي من حديث إسحاق بن راشد (3) عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه * وحكى أحمد بن حنبل (4) عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله: ذمة ورحما، فقال: من الناس من قال: إن أم إسماعيل - هاجر - كانت قبطية، ومن الناس من قال: أم إبراهيم قلت: الصحيح الذي لا شك فيه أنهما
قبطيتان كما قدمنا ذلك، ومعنى قوله: ذمة، يعني بذلك هدية المقوقس إليه وقبوله ذلك منه، وذلك نوع ذمام ومهادنة، والله تعالى أعلم * وتقدم ما رواه البخاري من حديث محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في فتح كنوز كسرى وإنتشار الامن، وفيضان المال حتى لا يتقبله أحد، وفي الحديث أن عديا شهد الفتح ورأى الظعينة ترتحل من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله، قال: ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، من كثرة المال حتى لا يقبله أحد * قال البيهقي: وقد كان ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز (5)، قلت: ويحتمل أن يكون ذلك متأخرا إلى زمن المهدي كما جاء في صفته، أو إلى زمن نزول عيسى بن مريم عليه السلام بعد قتله الدجال، فأنه قد ورد في الصحيح أنه يقتل الخنزيز، ويكسر الصليب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد والله تعالى أعلم * وفي صحيح مسلم من حديث ابن أبي ذئب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة، وليفتحن عصابة من المسلمين كنز القصر الابيض، قصر كسرى، وأنا فرطكم على الحوض، الحديث بمعناه (6) * وتقدم حديث
__________
(1) أخرجه البخاري عن الحميدي عن الوليد بن مسلم في الجزية فتح الباري 6 / 277.
(2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.
باب (56) ص 1970.
(3) في الدلائل للبيهقي: أسد، والصواب ما أثبتناه فهو اسحاق بن راشد الجزري، أبو سليمان ثقة، في حديث عن الزهري بعض الوهم، من السابعة مات في خلافة أبي جعفر (التقريب 1 / 57 / 393 وانظر الدلائل 6 / 322).
(4) مسند أحمد ج 5 / 174.
(5) انظر دلائل البيهقي 6 / 323.
(6) راجع نص الحديث كما أخرجه مسلم في كتاب الامارة ص (3 / 1454).

عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعا: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك
كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل * أخرجاه، وقال البيهقي: المراد زوال ملك قيصر، عن الشام، ولا يبقى فيها ملكه على الروم، لقوله عليه السلام، لما عظم كتابه: ثبت ملكه، وأما ملك فارس فزال بالكلية، لقوله: مزق الله ملكه (1)، وقد روى أبو داود: عن محمد بن عبيد، عن حماد عن يونس، عن الحسن أن عمر بن الخطاب - وروينا في طريق أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - لما جئ بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه وسواريه، ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم، وقال: قل الحمد لله الذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابي من البادية، قال الشافعي: إنما ألبسه ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة - ونظر إلى ذراعيه -: كأني بك وقد لبست سواري كسرى، والله أعلم (2) * وقال سفيان بن عيينة: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها، فقام رجل فقال: يا رسول الله هب لي ابنته نفيلة (3)، قال: هي لك، فأعطوه إياها، فجاء أبوها فقال: أتبيعها ؟ قال: نعم، قال: فبكم ؟ أحكم ما شئت، قال: ألف درهم، قال: قد أخذتها، فقالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لاخذها، فقال: وهل عدد أكثر من ألف ؟ * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا معاوية، عن ضمرة بن حبيب أن ابن زغب الايادي حدثه قال: نزل علي عبد الله بن حوالة الازدي فقال لي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم، ثم قال: لتفتحن لكم الشام والروم وفارس، أو الروم وفارس، وحتى يكون لاحدكم من الابل كذا وكذا، ومن البقر كذا وكذا، ومن الغنم كذا وكذا، وحتى يعطي أحدكم مائة دينار فيسخطها، ثم وضع يده على رأسي أو على هامتي فقال: يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الارض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والامور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك (4) * ورواه أبو داود من حديث معاوية بن صالح * وقال أحمد: حدثنا حيوة بن
شريح، ويزيد بن عبد ربه قالا: ثنا بقية، حدثني بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن أبي قتيلة (5) عن ابن حوالة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيصير الامر إلى أن تكون جنود مجندة،
__________
(1) دلائل البيهقي 6 / 325.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 325.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 326: وفيه ذكر اسم ابنته بقيلة.
(4) مسند الامام أحمد ج 5 / 288.
(5) أبو قتيلة، وفي نسخ البداية المطبوعة أبو قيلة تحريف.
وهو الشرعبي واسمه مرثد.

جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، فقال ابن حوالة، خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنه خيرة الله من أرضه يجئ إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسعوا من غدره.
فإن الله تكفل لي بالشام وأهله (1) * وهكذا رواه أبو داود عن حيوة بن شريح به.
وقد رواه أحمد أيضا عن عصام بن خالد وعلي بن عياش كلاهما عن حريز بن عثمان، عن سليمان بن شمير، عن عبد الله بن حوالة، فذكر نحوه، ورواه الوليد بن مسلم الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول، وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عبد الله بن حوالة به * وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا يحيى بن حمزة، حدثني أبو علقمة - نصر بن علقمة - يروي (2) الحديث إلى جبير بن نفير.
قال: قال عبد الله بن حوالة: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه العري والفقر، وقلة الشئ، فقال: أبشروا فو الله لانا بكثرة الشئ أخوفني عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الامر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام، أو قال: أرض فارس وأرض الروم وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة، جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قال ابن حوالة: قلت: يا رسول الله ومن يستطيع الشام وبه الروم ذوات القرون ؟ قال: والله ليفتحها الله عليكم، وليستخلفنكم فيها حتى تطل
العصابة البيض منهم، قمصهم الملحمية.
أقباؤهم قياما على الرويحل، الاسود منكم المحلوق ما أمرهم من شئ فعلوه، وذكر الحديث (3)، قال أبو علقمة: سمعت عبد الرحمن بن مهدي (4) يقول: فعرف أصحاب رسول الله نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي (5)، وكان على الاعاجم في ذلك الزمان، فكانوا إذا رجعوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله فيعجبون لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وفيهم * وقال أحمد: حدثنا حجاج، ثنا الليث بن سعد، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط النجيبي عن عبد الله بن حوالة الازدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نجا من ثلاث فقد نجا، قالوا: ماذا يا رسول الله ؟ قال: موتي، ومن قتال خليفة مصطبر بالحق يعطيه، والدجال (6) * وقال أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عبد الله بن حوالة قال: أتيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل
__________
(1) رواه الامام أحمد من طرق في مسنده 4 / 110 و 5 / 33 و 34، 288 وأبو داود في الجهاد ج (3 / 4).
(2) في البيهقي: يرد.
(3) رواه الامام أحمد في مسنده 4 / 110 و 5 / 33 وأخرجه أبو داود في الجهاد ح 2483 والبيهقي في الدلائل 6 / 327.
(4) في البيهقي: جبير.
(5) ذكره ابن حجر في الاصابة 1 / 234.
(6) مسند أحمد ج 4 / 110 و 5 / 33، 288.

دومة، وهو عنده كاتب يملي عليه، فقال: ألا نكتبك يا ابن حوالة ؟ قلت: فيم يا رسول الله ؟ فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، ثم قال: ألا نكتبك يا ابن حوالة ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، ثم قال: ألا نكتبك يا ابن حوالة ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله ؟ فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، قال: فنظرت فإذا في الكتاب عمر، فقلت: لا يكتب عمر إلا في خير، ثم قال: أنكبتك يا ابن
حوالة ؟ قلت: نعم، فقال: يا ابن حوالة، كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الارض كأنها صياصي نفر (1) ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: فكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الاولى منها انتفاجة أرنب ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: ابتغوا هذا، قال: ورجل مقفى حينئذ، قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا ؟ قال: نعم، قال: فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه (2) * وثبت في صحيح مسلم من حديث يحيى بن آدم عن زهير بن معاوية عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه * وقال يحيى بن آدم وغيره من أهل العلم: هذا من دلائل النبوة حيث أخبر عما ضربه عمر على أرض العراق من الدراهم والقفزان، وعما ضرب من الخراج بالشام ومصر قبل وجود ذلك، صلوات الله وسلامه عليه * وقد اختلف الناس في معنى قوله عليه السلام: منعت العراق الخ، فقيل: معناه أنهم يسلمون فيسقط عنهم الخراج، ورجحه البيهقي (3)، وقيل: معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم، ولهذا قال: وعدتم من حيث بدأتم، أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم: إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء (4) * ويؤيد هذا القول ما رواه الامام أحمد: حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجئ إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك ؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجئ إليهم دينار ولا مد، قلنا: من أين ذلك ؟ قال: من قبل الروم، يمنعون ذلك، قال: ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عدا، قال الجريري: فقلت لابي نضرة وأبي
__________
(1) في المسند: بقر.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 109.
(3) انظر دلائل النبوة ج 6 / 330.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الايمان ح 148 ص 1 / 131.

العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز ؟ فقالا: لا (1) * وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبدي عن جابر كما تقدم، والعجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي احتج به على ما رجحه من أحد القولين المتقدمين، وفيما سلكه نظر، والظاهر خلافه * وثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المدينة ذا الخليفة، ولاهل الشام الجحفة، ولاهل اليمن يلملم، وفي صحيح مسلم عن جابر: ولاهل العراق ذات عرق، فهذا من دلائل النبوة، حيث أخبر عما وقع من حج أهل الشام واليمن والعراق، صلوات الله وسلامه عليه * وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على الناس زمان يغزو فيه فئام (2) من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح الله لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صحب من صاحبهم ؟ فيقال: نعم، فيفتح الله لهم (3) * وثبت في الصحيحين: من حديث ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة * (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) * [ الجمعة: 3 ] فقال رجل: من هؤلاء يا رسول الله ؟ فوضع يده على سلمان الفارسي وقال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء (4)، وهكذا وقع كما أخبر به عليه السلام * وروى الحافظ البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن بشر (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه إسم الله عز وجل * وروى الامام أحمد والبيهقي وابن عدي وغير واحد: من حديث
أوس بن عبد الله بن بريدة: عن أخيه سهل، عن أبيه عبد الله بن بريدة بن الخصيب مرفوعا: ستبعث بعوث فكن في بعث خراسان، ثم اسكن مدينة مرو، فإنه بناها ذو القرنين، ودعا لها بالبركة، وقال: لا يصيب أهلها سوء (6) * وهذا الحديث يعد من غرائب المسند، ومنهم من
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 317 ومسلم في الفتن ج 4 / 2234.
(2) فئام: جماعة من الناس.
(3) أخرجه البخاري في الجهاد: باب (76).
ومسلم في فضائل الصحابة باب (52) ح (208) ص (1962).
والترمذي في أول فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والامام أحمد في مسنده 3 / 7.
(4) أخرجه البخاري في تفسير سورة الجمعة، ومسلم في فضائل الصحابة ح 231 ص 1972.
وأخرجه الترمذي في تفسير سورة الجمعة.
(5) في البيهقي: محمد بن عبد الرحمن بن عرق عن عبد الله بن بسر.
روى الحديث البيهقي في الدلائل 6 / 334 وابن ماجة مختصرا في الاطعمة: حديث (3263).
(6) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 332 والامام أحمد في مسنده ج 5 / 357 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10 / 64

يجعله موضوعا، فالله أعلم * وقد تقدم حديث أبي هريرة، من جميع طرقه في قتال الترك، وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء، وسيقع أيضا * وفي صحيح البخاري من حديث شعبة، عن فرات القزاز، عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الانبياء: كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: فوا ببيعة الاول فالاول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم (1) * وفي صحيح مسلم من حديث أبي رافع عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويعملون ما ينكرون (2) * وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن الحرث بن محمد بن حاطب الجمحي، عن سهيل (3) بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعد الانبياء خلفاء يعملون بكتاب الله، ويعدلون في عباد الله، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر، ويقتلون الرجال، ويصطفون الاموال، فمغير بيده، ومغير بلسانه، وليس وراء ذلك من الايمان شئ * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا جرير بن حازم، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بدأ هذا الامر نبوة ورحمة، وكائنا خلافة ورحمة، وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الامة، يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز وجل، وهذا كله واقع (4) * وفي الحديث الذي رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي - وحسنه - والنسائي من حديث سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا * وفي رواية: ثم يؤتي ملكه من يشاء (5)، وهكذا وقع سواء، فأن أبا بكر رضي الله عنه كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان إثنتا عشرة سنة إلا إثنا عشر يوما، وكانت خلافة علي بن أبي طالب
__________
= وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والاوسط بنحوه، وفي اسناد أحمد والاوسط: أوس بن عبد الله، وفي اسناد الكبير حسام بن مصك مجمع على ضعفهما.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الانبياء، باب (50) ومسلم في الامارة، باب (10) ص 3 / 1471.
وأخرجه ابن ماجة في الجهاد.
والامام أحمد في المسند 2 / 297.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه في الايمان 1 / 70 وأخرجه أحمد في مسنده 1 / 458، 461.
(3) من دلائل البيهقي 6 / 340 وفي الاصل اسماعيل تحريف.
وهو سهيل، ذكوان السمان، أبو يزيد المدني صدوق روى له البخاري، من السادسة، مات في خلافة المنصور (تقريب 1 / 338).
(4) رواه البيهقي في الدلائل عن أبي داود، 6 / 340.
(5) أخرجه أبو داود في السنة ح (4646) والامام أحمد في المسند 5 / 44 والترمذي في الفتن 4 / 503 ونقله البيهقي في الدلائل 6 / 341

خمس سنين إلا شهرين، قلت: وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي نحوا من ستة أشهر، حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة، كما سيأتي بيانه وتفصيله * وقال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن فضيل، ثنا مؤمل، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، فقال معاوية: رضينا بالملك (2) * وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة، وعلى النواصب من بني أمية ومن تبعهم من أهل الشام، في إنكار خلافة علي بن أبي طالب، فإن قيل: فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا وبين حديث جابر بن سمرة المتقدم في صحيح مسلم: لا يزال هذا الدين قائما ما كان في الناس إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؟ فالجواب: إن من الناس من قال: إن الدين لم يزل قائما حتى ولي إثنا عشر خليفة، ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية، وقال آخرون: بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود إثني عشر خليفة عادلا من قريش، وإن لم يوجدوا على الولاء، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون، فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الاموي رضي الله عنه، وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين، غير واحد من الائمة، حتى قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز، ومنهم من ذكر من هؤلاء المهدي بأمر الله العباسي، والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضا بالنص على كونه من أهل البيت، واسمه محمد بن عبد الله، وليس بالمنتظر في سرداب سامرا، فإن ذاك ليس بموجود بالكلية، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض * وقد تقدم في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك وأكتب كتابا لئلا يقول قائل، أو يتمنى متمن، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (3) * وهكذا وقع، فإن الله ولاه وبايعه المؤمنون قاطبة كما تقدم * وفي صحيح البخاري: أن امرأة قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك ؟ - كأنها تعرض بالموت -
فقال: إن لم تجديني فأت أبا بكر * وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا (4)، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن (5)، قال الشافعي رحمه
__________
(1) في دلائل البيهقي 6 / 342 زاد: عن أبيه.
(2) رواه أبو داود في السنة 4 / 211 والترمذي في الفتن 4 / 503 والامام أحمد في المسند 4 / 273.
(3) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (1) باب ح (11) ص (1857).
(4) الذنوب: الدلو المملؤة.
والغرب: الدلو العظيمة.
(5) ضرب الناس بعطن: أي أرووا إبلهم ثم أووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح.

الله: رؤيا الانبياء وحي، وقوله: وفي نزعه ضعف، قصر مدته، وعجلة موته، وإشتغاله بحرب أهل الردة عن الفتح الذي ناله عمر بن الخطاب في طول مدته، قلت: وهذا فيه البشارة بولايتهما على الناس، فوقع كما أخبر سواء، ولهذا جاء في الحديث الآخر الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان: من حديث ربعي بن خراش، عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حسن، وأخرجه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم من طريق الزهري عن رجل عن أبي ذر حديث تسبيح الحصى في يد رسول الله، ثم يد أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وقوله عليه السلام: هذه خلافة النبوة * وفي الصحيح عن أبي موسى قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فدلى رجليه في القف فقلت: لاكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال: افتح، فقلت: من أنت ؟ قال: أبو بكر، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: افتح له وبشره بالجنة، ثم جاء عمر فقال كذلك، ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فدخل وهو يقول: الله المستعان (1) * وثبت في صحيح البخاري من حديث سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة عن أنس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال: اثبت، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان (2) * وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد أن حراء ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثبت ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، قال معمر: قد سمعت قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (3)، وقد روى مسلم عن قتيبة عن الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد (4) * وهذا من دلائل النبوة، فإن هؤلاء كلهم أصابوا الشهادة، واختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مراتب الرسالة والنبوة، واختص أبو بكر بأعلى مقامات الصديقية * وقد ثبت في الصحيح
__________
= والحديث أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ح 3676 وحديث 3682 عن ابن عمر.
ومسلم في فضائل الصحابة ح (17) ص (1860).
والترمذي في الرؤيا ح (2289) والامام أحمد في المسند 2 / 28، 29 و 5 / 455.
(1) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله باب (5) ومسلم في فضائل الصحابة باب (3).
(2) فتح الباري 7 / 22، 42، 53 وفي الترمذي كتاب المناقب ح 3697 وفي سنن أبي داود ح 4651 وفي مسند الامام أحمد 5 / 231، 346.
(3) أخرجه أبو داود في السنة جزء من حديث (4648) والترمذي في المناقب ح 3757 وقال: حديث حسن صحيح.
(4) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة ص 1880.

الشهادة للعشرة بالجنة بل لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية، وكانوا ألفا وأربعمائة، وقيل: وثلثمائة، وقيل: وخمسمائة، وكلهم استمر على السداد والاستقامة حتى مات رضي الله عنهم أجمعين * وثبت في صحيح البخاري البشارة لعكاشة بأنه من أهل الجنة فقتل شهيدا يوم
اليمامة * وفي الصحيحين من حديث يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، تضئ وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر، فقام عكاشة بن محصن الاسدي يجر نمرة عليه، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أجعله منهم، ثم قام رجل من الانصار فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة (1) * وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة تفيد القطع، وسنورده في باب صفة الجنة، وسنذكر في قتال أهل الردة أن طلحة الاسدي قتل عكاشة بن محصن شهيدا رضي الله عنه، ثم رجع طلحة الاسدي عما كان يدعيه من النبوة وتاب إلى الله، وقدم على أبي بكر الصديق واعتمر وحسن إسلامه * وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع في يدي سواران فقطعتهما، فأوحى إلي في المنام: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة * وقد تقدم في الوفود أنه قال لمسيلمة حين قدم مع قومه وجعل يقول: إن جعل لي محمد الامر من بعده اتبعته، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: والله لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لاراك الذي أريت فيه ما أريت * وهكذا وقع، عقره الله وأهانه وكسره وغلبه يوم اليمامة، كما قتل الاسود العنسي بصنعاء، على ما سنورده إن شاء الله تعالى * وروى البيهقي من حديث مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة فقال له مسيلمة: أتشهد أني رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله وبرسله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا رجل أخر لهلكة قومه (2) * وقد ثبت في الحديث الآخر أن مسيلمة كتب بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الامر بعدك، فلك المدر ولي الوبر، ولكن قريشا قوم يعتدون، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وقد جعل الله العاقبة لمحمد وأصحابه، لانهم هم المتقون وهم العادلون
المؤمنون، لا من عداهم * وقد وردت الاحاديث المروية من طرق عنه صلى الله عليه وسلم في الاخبار عن الردة التي وقعت في زمن الصديق فقاتلهم الصديق بالجنود المحمدية حتى رجعوا إلى دين الله أفواجا، وعذب
__________
(1) عكاشة قتل في بزاخة في خلافة أبي بكر، وقتله أحد المرتدين.
وانظر الحديث في الفتح 11 / 405 ومسلم في الايمان 1 / 197.
(2) دلائل النبوة ج 6 / 359.

ماء الايمان كما كان بعد ما صار أجاجا، وقد قال الله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين) * الآية، قال المفسرون: هم أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم * وثبت في الصحيحين من حديث عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة في قصة مسارة النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وإخباره إياها بأن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وأنه عارضني العام مرتين، وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، فبكت، ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وأنها أول أهله لحوقا به (1) * وكان كما أخبر، قال البيهقي: واختلفوا في مكث فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: شهران، وقيل: ثلاثة، وقيل: ستة، وقيل: ثمانية، قال: وأصح الروايات رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: مكثت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر * وأخرجاه في الصحيحين (2).
ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عن الغيوب المستقبلة فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنه قد كان في الامم محدثون، فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب * (3) وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيد الله بن موسى، أنا أبو إسرائيل - كوفي - عن الوليد بن العيزار، عن عمر بن ميمون عن علي رضي الله عنه.
قال: ما كنا ننكر ونحن متوافرون أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم)، أن السكينة تنطق على لسان عمر، قال البيهقي: تابعه زر بن حبيش والشعبي عن علي * (4) وقال يعقوب بن سفيان: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة عن
قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك * (5) وقد ذكرنا في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشياء كثيرة، ومن مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات كقصة سارية بن زنيم، وما شاكلها ولله الحمد والمنة * ومن ذلك ما رواه البخاري: من حديث فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) اجتمعن عنده فقلن يوما: يا رسول الله أيتنا أسرع بك لحوقا ؟ فقال: أطولكن يدا، وكانت سودة أطولنا ذراعا، فكانت أسرعنا به لحوقا * (6) هكذا وقع في الصحيحين عند
__________
(1) أخرجه البخاري في الاستئذان.
باب (43) ومسلم في فضائل الصحابة ص (1905) وأخرج مثله الامام أحمد في مسنده 6 / 282 وابن سعد في الطبقات 2 / 247.
(2) أخرجه البخاري في المغازي باب (38) من حديث طويل.
ومسلم في الجهاد ح (52) ص (1380).
(3) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ح 3689 فتح الباري 7 / 42 ومسلم في فضائل الصحابة ح (23) ص (1864).
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 369.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 370.
(6) أخرجه البخاري في الزكاة فتح الباري 3 / 285.
وعلق ابن الجوزي على قول البخاري قال: هذا الحديث =

البخاري أنها سودة، وقد رواه يونس بن بكير عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي فذكر الحديث مرسلا وقال: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة، والذي رواه مسلم عن محمود بن غيلان عن الفضل بن موسى، عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فذكرت الحديث وفيه: فكانت زينب أطولنا يدا، لانها كانت تعمل بيدها وتصدق، وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش كانت أول أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وفاة * قال الواقدي: توفيت سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب، قلت: وأما سودة فإنها توفيت في آخر إمارة عمر بن الخطاب أيضا، قاله ابن أبي خيثمة * ومن
ذلك ما رواه مسلم من حديث أسيد بن جابر، عن عمر بن الخطاب في قصة أويس القرني، وإخباره عليه السلام عنه بأنه خير التابعين وأنه كان به برص فدعا الله فأذهبه عنه، إلا موضعا قدر الدرهم من جسده، وأنه بار بأمه وأمره لعمر بن الخطاب أن يستغفر له، وقد وجد هذا الرجل في زمان عمر بن الخطاب على الصفة والنعت الذي ذكره في الحديث سواء * وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا في الذي جمعته من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولله الحمد والمنة * ومن ذلك ما رواه أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، حدثني جرير بن عبد الله وعبد الرحمن بن خلاد الانصاري، عن أم ورقة بنت نوفل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم، لعل الله يرزقني بالشهادة، فقال لها: قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة، فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في بيتها مؤذنا يؤذن لها، وكانت دبرت غلاما لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها في قطيفة لها حتى مات وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس وقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، وكانا أول مصلوبين بالمدينة * (1) وقد رواه البيهقي من حديث أبي نعيم: ثنا الوليد بن جميع، حدثني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، فذكر الحديث وفي آخره فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشهيدة * (2) ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك في
__________
= غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق.
وكان الطيبي أكثر تساهلا في تبريره للبخاري قوله قال: يمكن أن يقال فيما رواه البخاري المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت سودة أولهن موتا.
وقال محي الدين: أجمع أهل السير والتاريخ على أن زينب أول من مات من أزواجه.
(1) رواه البيهقي في الدلائل عن أبي داود ج 6 / 382، وأخرجه ابن السكن وابن منده وأبو نعيم على ما في الاصابة (4 / 505).
(2) دلائل النبوة 6 / 381 وأخرجه الامام أحمد في مسنده 6 / 405.

حديثه عنه في الآيات الست بعد موته وفيه: ثم موتان بأحدكم كقصاص الغنم (1)، وهذا قد وقع في أيام عشر، وهو طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة، منهم معاذ بن جبل، وأبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبو جندل سهل بن عمر وأبوه، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهم أجمعين * وقد قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا النهاس بن قهم، ثنا شداد أبو عمار عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ست من أشراط الساعة، موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقصاص الغنم، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها، وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بثمانين نبدا تحت كل نبد اثنا عشر ألفا * (2) وقد قال الحافظ البيهقي: أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة فقام عمرو بن العاص فقال: يا أيها الناس، إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه، فقام شرحبيل بن حسنة فقال: يا أيها الناس، إني قد سمعت قول صاحبكم، وإني والله لقد أسلمت وصليت، وإن عمرا لاضل من بعير أهله، وإنما هو بلاء أنزله الله عز وجل، فاصبروا، فقام معاذ بن جبل فقال: يا أيها الناس، إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين، وإن هذا الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها: أرض عموسة، فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدمل.
يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أموالكم (3)، اللهم إن كنت تعلم أني قد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فارزق معاذا وآل معاذ منه الحظ الاوفى ولا تعافه منه، قال: فطعن في السبابة فجعل ينظر إليها ويقول: اللهم بارك فيها، فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا، ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال: * (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * [ البقرة:
147 ] فقال * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * * (4) وثبت في الصحيحين: من حديث الاعمس وجامع بن أبي راشد، عن شقيق بن سلمة عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ قلت: أنا، قال هات، إنك لجرئ، فقلت: ذكر
__________
(1) قعاص الغنم: بضم العين المهملة: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شئ تموت فجأة.
قال أبو عبيد: ومنه أخذ الاقعاص وهو الفتل مكانه.
وقال ابن فارس: العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق.
والحديث أخرجه البخاري في الجزية.
فتح الباري 6 / 277 وابن ماجة في الفتن ح 4042 وبعضه في الادب في سنن أبي داود.
(2) رواه أحمد في المسند ج 5 / 228.
(3) أخرجه أحمد في المسند ج 4 / 195 - 196.
(4) سورة الصافات الآية 102.
والحديث رواه البيهقي في الدلائل 6 / 385.

فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والامر بالمعروف والنهي المنكر، فقال: ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر، فقلت: يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: ويحك، يفتح الله أم يكسر ؟ قلت: بل يكسر، قال: إذا لا يغلق أبدا، قلت: أجل، فقلنا لحذيفة: فكان عمر يعلم من الباب ؟ قال: نعم، وإني حدثته حديثا ليس بالاغاليط، قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب، فقلنا لمسروق فسأله، فقال من بالباب ؟ قال: عمر (1)، وهكذا وقع من بعد مقتل عمر، وقعت الفتن في الناس، وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنهما * وقد قال يعلى بن عبيد، عن الاعمش، عن سفيان، عن عروة بن قيس قال خطبنا خالد بن الوليد فقال: إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند، فقال رجل من تحته: اصبر أيها الامير، فإن الفتن قد ظهرت، فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، وإنما ذاك بعده * (2) وقد روى الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه
قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ثوبا فقال: أجديد ثوبك أم غسيل ؟ قال: بل غسيل، قال: البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا، وأظنه قال: ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة * (3) وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الرزاق به، ثم قال النسائي، هذا حديث منكر، أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق، وقد روي عن الزهري من وجه آخر مرسلا، قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لا أعلم أحدا رواه عن الزهري غير معمر، وما أحسبه بالصحيح، والله أعلم * قلت: رجال إسناده وإتصاله على شرط الصحيحين وقد قيل الشيخان، تفرد معمر عن الزهري في غير ما حديث، ثم قد روى البزار هذا الحديث من طريق جابر الجعفي - وهو ضعيف - عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله سواء، وقد وقع ما أخبر به في هذا الحديث فإنه رضي الله عنه قتل شهيدا وهو قائم يصلي الفجر في محرابه من المسجد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام * وقد تقدم حديث أبي ذر في تسبيح الحصا في يد أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، وقوله عليه السلام: هذه خلافة النبوة * وقال نعيم بن حماد: ثنا عبد الله بن المبارك، أنا خرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء يكونون خلفاء بعدى * وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من نجا منهن فقد نجا، موتي، وقتل خليفة مصطبر، والدجال، وفي حديثه الآخر، الامر بإتباع عثمان عند وقع الفتنة * وثبت في الصحيحين من
__________
(1) أخرجه البخاري في الفتن.
باب (4).
ومسلم في الفتن.
باب (7).
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 387 وفيه: حدثنا الاعمش عن شقيق عن عروة بن قيس.
(3) أخرجه أحمد في المسند ج 2 / 89.

حديث سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى قال: توضأت في بيتي، ثم خرجت فقلت: لاكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت المسجد فسألت عنه
فقالوا: خرج وتوجه ههنا، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس - وما بها من جريد - فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس، فجئته فسلمت عليه فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه، فرجعت إلى الباب وقلت: لاكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أنشب أن دق الباب فقلت: من هذا ؟ قال: أبو بكر، قلت: على رسلك، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن لي وبشره بالجنة، قال: فخرجت مسرعا حتى قلت لابي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ وقد كان قال لي: أنا على إثرك، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، قال: فسمعت تحريك الباب، فقلت: من هذا ؟ قال: عمر، قلت: على رسلك، قال: وجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فجئت وأذنت له وقلت له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره، وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قال: ثم رجعت فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، يريد أخاه، فإذا تحريك الباب، فقلت: من هذا ؟ قال: عثمان بن عفان، قلت: على رسلك، وذهبت إلى رسول الله فقلت: هذا عثمان يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، قال: فجئت فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك، فدخل وهو يقول: الله المستعان، فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، قال سعيد بن المسيب، فأولتها قبورهم (1)، اجتمعت وانفرد عثمان * وقد روى البيهقي من حديث عبد الاعلى بن أبي المساور، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن عبد الرحمن بن بجير، عن زيد بن أرقم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى
عمر راكبا على حمار تلوح صلعته، فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع، فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام.
ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما
__________
(1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة (5) باب.
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة.
باب (3).
- بئر أريس: بستان بالمدينة معروف، وهو بالقرب من قباء.
- القف: هو الداكة التي تجعل حول البئر، وأصله ما غلظ من الارض وارتفع والجمع قفاف.

ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا منهم يقول: أين رسول الله ؟ فيقول: في مكان كذا وكذا، فيذهب إليه، وأن عثمان لما رجع قال: يا رسول الله وأي بلاء يصيبني ؟ والذي بعثك بالحق ما تغيب ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني ؟ فقال: هو ذاك ثم قال البيهقي: عبد الاعلى ضعيف، فإن كان حفظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم زيد بن أرقم فجاء وأبو موسى الاشعري جالس على الباب كما تقدم (1) * وهذا البلاء الذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدي من أنكر عليه من رعاع أهل الامصار بلا علم، فوقع ما سنذكره في دولته إن شاء الله من حصرهم إياه في داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى إضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما، لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه، حتى غسل بعد ذلك وصلى عليه ودفن بحش كوكب - بستان في طريق البقيع - رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس متقلبة ومثواه * كما قال الامام أحمد، حدثنا يحيى، عن إسماعيل عن قيس، عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي بعض أصحابي، قلت: أبو بكر ؟ قال: لا، قلت: عمر ؟ قال: لا، قلت: ابن عمك علي ؟ قال: لا، قلت: عثمان ؟ قال: نعم، فلما جاء عثمان قال: تنحى، فجعل يساره ولون عثمان يتغير، قال أبو سهلة: فلما كان يوم الدار وحضر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل ؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه (2) * تفرد به أحمد، ثم قد رواه أحمد عن وكيع عن إسماعيل عن قيس عن عائشة فذكر
مثله، وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع * وقال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم: حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان بين يديه يناجيه، فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان: ظلما وعدوانا يا رسول الله ؟ فما دريت ما هو حتى قتل عثمان، فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عنى قتله، قالت عائشة: وما أحببت أن يصل إلى عثمان شئ إلا وصل إلي مثله غيره إن شاء الله علم أني لم أحب قتله، ولو أحببت قتله لقتلت، وذلك لما رمى هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب (3) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم (4) * وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن بشران، أنا علي بن محمد المصري، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 389 - 391.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده.
(3) في رواية البيهقي: عن المطلب عن حذيفة، وقال البيهقي: هكذا قال أبو داود.
(4) أخرجه الترمذي في الفتن.
باب (9) ح (2170) وأخرجه ابن ماجة في الفتن ح (4043) والامام أحمد في المسند 5 / 389.

أبي هلال، عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفي الاصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون فيكم اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق، لا يلبث خلفي إلا قليلا، وصحاب رحى العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا، فقال رجل: ومن هو يا رسول الله ؟ قال: عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله، والذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (1) * ثم روى البيهقي من حديث موسى بن عقبة: حدثني جدي أبو أمي،
أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستلقون بعدي فتنة وإختلافا، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله ؟ أو ما تأمرنا ؟ فقال: عليكم بالامين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك (2) * وقد رواه الامام أحمد عن عفان، عن وهيب عن موسى بن عقبة به، وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة شاهدان له بالصحة والله أعلم * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية، عن عبد الله - هو ابن مسعود - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تدور رحى الاسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من قد هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما (3)، قال: قلت: أمما مضى أو مما بقي ؟ * ورواه أبو داود عن محمد بن سليمان الانباري عن عبد الرحمن بن مهدي به، ثم رواه أحمد عن إسحاق، وحجاج عن سفيان عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رحى الاسلام ستزول لخمس وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن تهلك فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما، قال.
قال عمر: يا رسول الله أبما مضى أو بما بقى ؟ قال: بل بما بقى * وهكذا رواه يعقوب بن سفيان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل عن منصور به، فقال له عمر فذكره، قال البيهقي: وقد تابع إسرائيل الاعمش وسفيان الثوري عن منصور، قال: وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان منها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام علي، وأراد بالسبعين ملك بني أمية، فإنه بقي بين ما استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه، نحوا من سبعين سنة (4) * قلت: ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين، وقاتل علي الخوارج في أثناء ذلك، كما تقدم الحديث المتفق
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 392 - 393.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 393 ورواه الامام أحمد في المسند 2 / 345.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 390، 393، 395، 451 ورواه أبو داود في أول كتاب الفتن.
ورواه
الحاكم في المستدرك 4 / 521 وقال: " صحيح الاسناد ولم يخرجاه " وافقه الذهبي.
(4) انظر الدلائل للبيهقي ج 6 / 394.

على صحته، في الاخبار بذلك، وفي صفتهم وصفة الرجل المخدج فيهم * حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الاشتر، عن أبيه عن أم ذر قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال: ما يبكيك ؟ فقلت: ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض ولا يد لي بدفنك، وليس عندي ثوب يسعك فأكفنك فيه، قال فلا تبكي وابشري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليموتن رجل منك بفلاة من الارض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذب ولا كذبت (1) * تفرد به أحمد رحمه الله، وقد رواه البيهقي من حديث علي بن المديني، عن يحيى بن سليم الطائفي به مطولا، والحديث مشهور في موته رضي الله عنه بالربذة سنة ثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان بن عفان، وكان في النفر الذين قدموا عليه [ وهو ] في السياق عبد الله بن مسعود وهو الذي صلى الله عليه ثم قدم المدينة فأقام بها عشر ليال ومات رضي الله عنه.
حديث آخر قال البيهقي: أنا الحاكم، أنا الاصم، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا عمر بن سعيد الدمشقي، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبد الله الاشعري عن أبي الدرداء.
قال: قلت: يا رسول الله بلغني أنك تقول: ليرتدن أقوام بعد إيمانهم، قال: أجل، ولست منهم.
قال: فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان (2) * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا صفوان، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبد الله أبو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني فرطكم على
الحوض، أنتظر من يرد علي منكم، فلا ألفين أنازع أحدكم، فأقول: إنه من أمتي، فيقال: هل تدري ما أحدثوا بعدك (3) ؟ قال أبو الدرداء: فتخوفت أن أكون منهم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنك لست منهم، قال فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان، وقبل أن
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 5 / 155.
ورواه البيهقي في الدلائل مطولا ج 6 / 401.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 403 وذكره الهيثمي في الزوائد 9 / 367 وقال: " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الاشعري، وهو ثقة ".
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 403 والهيثمي في الزوائد 9 / 367 وقال: رواه الطبراني في الاواسط والبزار بنحوه ورجالهما ثقات.

تقع الفتن * قال البيهقي: تابعه يزيد بن أبي مريم عن أبي عبيد الله (1) مسلم بن مشكم (2) عن أبي الدرداء إلى قوله: لست منهم، قلت: قال سعيد بن عبد العزيز توفي أبو الدرداء لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وقال الواقدي وأبو عبيد وغير واحد: توفي سنة ثنتين وثلاثين، رضي الله عنه.
ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى ؟ إني لارى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر (3) * وروى الامام أحمد ومسلم من حديث الزهري عن أبي إدريس الخولاني: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: والله إني لاعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما ذاك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني من ذلك شيئا أسره إلي لم يكن حدث به غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - وهو يحدث مجلسا أنا فيه - سئل عن الفتن وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذوق شيئا منهن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري (4)، وهذا لفظ أحمد * قال البيهقي: مات حذيفة بعد الفتنة الاولى بقتل
عثمان، وقيل الفتنتين الآخرتين في أيام علي، قلت: قال العجلي وغير واحد من علماء التاريخ: كانت وفاة حذيفة بعد مقتل عثمان بأربعين يوما، وهو الذي قال: لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الامة لبنا، ولكنه كان ضلالة فاحتلبت به الامة دما، وقال: لو أن أحدا ارتقص لما صنعتم بعثمان لكان جديرا أن يرقص * وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال سفيان أربع نسوة، قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلق بأصبعه الابهام والتي تليها - قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث (5) * هكذا رواه الامام أحمد عن سفيان بن عيينة به،
__________
(1) في التقريب: أبو عبد الله.
(2) من الدلائل 6 / 404 وفي الاصل يشكر تحريف.
وهو أبو عبد الله الدمشقي الخزاعي كاتب أبي الدرداء ثقة مقرئ من كبار الثالثة (التقريب 2 / 247 / 1104).
(3) أخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب (8).
ومسلم في الفتن.
باب (3).
(4) أخرجه مسلم في الفتن ح (22) ص (4 / 2216).
(5) أخرجه البخاري في الانبياء، باب (7).
ومسلم في الفتن باب (1) ح (1) ص (4 / 2207) وأخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 428.

وكذلك رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وسعد بن عمرو والاشعثي وزهير بن حرب وابن أبي عمر كلهم عن سفيان بن عيينة به سواء * ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد: كلهم عن سفيان بن عيينة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الترمذي: قال الحميدي عن سفيان: حفظت من الزهري في هذا الاسناد أربع نسوة، قلت وقد أخرجه البخاري عن مالك بن إسماعيل ومسلم عن عمرو الناقد عن الزهري عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن
زينب بنت جحش فلم يذكروا حبيبة في الاسناد، وكذلك رواه عن الزهري شعيب وصالح بن كيسان وعقيل ومحمد بن إسحاق ومحمد بن أبي عتيق، ويونس بن يزيد فلم يذكروا عنه في الاسناد حبيبة والله أعلم * فعلى ما رواه أحمد ومن تابعه عن سفيان بن عيينة، يكون قد اجتمع في هذا الاسناد تابعيان، وهما الزهري وعروة بن الزبير، وأربع صحابيات وبنتان وزوجتان وهذا عزيز جدا * ثم قال البخاري بعد رواية الحديث المتقدم: عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري فذكره إلى آخره، ثم قال: وعن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن ؟ وماذا أنزل من الفتن ؟ ! * وقد أسنده البخاري في مواضع أخر من طرق عن الزهري به * ورواه الترمذي من حديث معمر عن الزهري وقال: حسن صحيح * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا الصلت بن دينار، ثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي قالا: سمعنا الزبير وهو يتلو هذه الآية * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * [ الانفال: 25 ] قال: لقد تلوت هذه الآية زمنا وما أراني من أهلها، فأصبحنا من أهلها (1) * وهذا الاسناد ضعيف، ولكن روي من وجه آخر، فقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا جرير قال: سمعت أنسا قال: قال الزبير بن العوام: نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة ؟ وما نشعر أنها تقع حيث وقعت * ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن مهدي، عن جرير بن حازم به، وقد قتل الزبير بوادي السباع مرجعه من قتال يوم الجمل على ما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى * وقال أبو داود السجستاني في سننه: ثنا مسدد، ثنا أبو الاحوص - سلام بن سليم - عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سعيد بن زيد، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة وعظم أمرها، فقلنا: يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لتهلكنا ؟ فقال: كلا إن بحسبكم القتل، قال سعيد: فرأيت إخواني قتلوا (2) * تفرد به أبو داود، وقال أبو داود السجستاني: حدثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد، أنا هشام عن محمد.
قال قال: حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 407.
(2) أخرجه أبو داود في الفتن باب ما يرجى في القتل ح (4277) ص (4 / 105).

لا تضرك الفتنة (1)، وهذا منقطع * وقال أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة عن أشعث بن أبي أشعث: سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة بن أبي ضبيعة سمعت حذيفة يقول: إني لاعرف رجلا لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروب، وإذا محمد بن مسلمة الانصاري، فسألته فقال: لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه الفتنة عن جماعة المسلمين (2) * قال البيهقي: ورواه أبو داود - يعني السجستاني - عن عمرو بن مرزوق عن شعبة به * وقال أبو داود: ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة عن أشعث بن سليم عن أبي بردة * عن ضبيعة بن حصين الثعلبي عن حذيفة بمعناه (3)، قال البخاري في التاريخ: هذا عندي أولى * وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي بردة قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط، فقلت: لمن هذا ؟ فقيل: لمحمد بن مسلمة، فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت: رحمك الله إنك من هذا الامر بمكان، فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتنة وفرقة وإختلاف، فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه، وكسر نبلك، واقطع وترك، واجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله، فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعلت ما أمرني به، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه فإذا سيف من خشب فقال قد فعلت ما أمرني به واتخذت هذا أرهب به الناس، تفرد به أحمد * وقال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا علي بن عيسى المدني، أنا أحمد بن بحرة القرشي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، أنا إبراهيم بن سعد، ثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن محمود بن لبيد عن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المضلون ؟ قال: اخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا زياد بن مسلم أبو عمر، ثنا أبو الاشعث الصنعاني قال: بعثنا
يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير، فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - نسي زياد اسمه - فقال: إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى ؟ قال: أوصاني خليلي أبو القاسم إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمد إلى أحد فأكسر به حد سيفك ثم اقعد في بيتك، فإن دخل عليك أحد البيت فقم إلى المخدع، فإن دخل عليك المخدع فاجثو على ركبتيك وقل: بؤ بأثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين، فقد كسرت سيفي وقعدت في بيتي (4) * هكذا وقع إيراد هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الامام أحمد، ولكن وقع إبهام اسمه، وليس هو لمحمد بن مسلمة بل صحابي آخر، فإن محمد بن مسلمة رضي الله عنه لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفي فيما بين
__________
(1) رواه أبو داود في السنة ح 4664 ص (4 / 216).
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 407 من طريق ابراهيم بن مرزوق البصري عن الطيالسي.
(3) انظر دلائل البيهقي 6 / 410 ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 433 وصححه.
ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 226.

الاربعين إلى الخمسين، فقيل سنة ثنتين وقيل: ثلاث، وقيل، سبع وأربعين، ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف، فتعين أنه صحابي آخر خبره كخبر محمد بن مسلمة * وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، ثنا أبو عمرو السلمي عن بنت أهبان الغفاري أن عليا أتى أهبان فقال: ما يمنعك أن تتبعنا ؟ فقال: أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم: أن ستكون فرقة وفتنة وإختلاف، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك واقعد في بيتك واتخذ سيفا من خشب * وقد وراه أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به، وزاد مؤمل في روايته بعد قوله: واتخذ سيفا من خشب واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية * ورواه الامام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد الديلي عن عديسة بنت أهبان بن صيفي عن أبيها به، قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد، كذا قال، وقد تقدم من غير طريقه * وقال
البخاري: ثنا عبد العزيز الاويسي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به (1) * وعن ابن شهاب: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد الرحمن بن مطيع بن الاسود، عن نوفل بن معاوية مثل حديث أبي هريرة هذا (2)، وقد روى مسلم حديث أبي هريرة من طريق إبراهيم بن سعد كما رواه البخاري، وكذلك حديث نوفل بن معاوية بإسناده البخاري ولفظه، ثم قال البخاري: ثنا محمد بن كثير، أخبرني سفيان عن الاعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستكون أثرة وأمور تنكرونها، فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم (3) * ورواه مسلم من حديث الاعمش به * وقال الامام أحمد: حدثنا روح، ثنا عثمان الشحام، ثنا سلمة (4) بن أبي بكرة عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنها ستكون فتنة ثم تكون فتنة، ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها، والقاعد فيها خير من القائم فيها، ألا والمضطجع فيها خير من القاعد، ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه، ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ألا ومن كانت له إبل فليلحق بإبله، فقال رجل من القوم: يا نبي الله جعلني الله فداك، أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل كيف يصنع ؟
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة فتح الباري 6 / 612 حديث 3601.
(2) المصدر السابق حديث 3602.
(3) المصدر السابق حديث 3603.
(4) أخرجه الامام أحمد في المسند 5 / 39، 48 وفيه مسلم بن أبي بكرة.
ومسلم في الفتن.
باب (3) ح (13) ص (2212) ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 408 - 409.

قال: ليأخذ سيفه ثم ليعمد به إلى صخرة، ثم ليدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع
النجاء، اللهم هل بلغت ؟ إذ قال رجل: يا رسول الله جعلني الله فداك، أرأيت إن أخذ بيدي مكرها حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين ؟ - شك عثمان - فيحذفني رجل بسيفه فيقتلني، ماذا يكون من شأني ؟ قال: يبوء بأثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار * وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه، وهذا إخبار عن إقبال الفتن، وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى هذا * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن إسماعيل، ثنا قيس قال: لما أقبلت عائشة - يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل - وبلغت مياه بني عامر ليلا، نبحت الكلاب فقالت: أي ماء هذا ؟ قالوا: ماء الحوأب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: كيف باحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب (1) * ورواه أبو نعيم بن حماد في الملاحم عن يزيد بن هارون عن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم به * ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب، فقال لها الزبير: ترجعين ؟ عسى الله أن يصلح بك بين الناس (2) * وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه * وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى، عن عصام بن قدامة البجلي، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل إلا دبب تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير * ثم قال: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الاسناد * وقال الطبراني: ثنا إبراهيم بن نائلة الاصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا نوح بن دراج عن الاجلح بن عبد الله، عن زيد بن علي، عن أبيه عن ابن الحسين عن ابن عباس قال: لما بلغ أصحاب علي، حين ساروا إلى البصرة، أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير، شق عليهم، ووقع في قلوبهم، فقال علي: والذي لا إله غيره ليظهرنه على أهل البصرة، وليقتلن طلحة والزبير، وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، شك
الاجلح، قال ابن عباس: فوقع ذلك في نفسي، فلما أتى الكوفة خرجت فقلت: لانظرن، فإن كان كما يقول فهو أمر سمعه، وإلا فهو خديعة الحرب، فلقيت رجلا من الجيش فسألته، فو الله ما عتم أن قال ما قال علي، قال ابن عباس: وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره * وقال البيهقي: أنا عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد (3)، ثنا أحمد بن نصر، ثنا أبو نعيم الفضل،
__________
(1) رواه الامام أحمد في المسند ج 6 / 52، 97، (2) المصدر السابق.
(3) الجنيد من الدلائل 6 / 411 وفي الاصل الحفيد،

ثنا عبد الجبار بن الورد، عن عمار الدهني (1) عن سالم بن أبي الجعد، عن أم سلمة قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال لها: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي وقال: يا علي إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها * وهذا حديث غريب جدا، وأغرب منه ما رواه البيهقي أيضا عن الحاكم، عن الاصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، عن أبي نعيم، عن عبد الجبار بن العباس الشبامي (2) عن عطاء بن السائب، عن عمر بن الهجنع (3) عن أبي بكرة قال: قيل له ما يمنعك أن لا تكون قاتلت على نصرتك يوم الجمل ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج قوم هلكي لا يفلحون، قائدهم امرأة، قائدهم في الجنة (4)، وهذا منكر جدا * والمحفوظ ما رواه البخاري من حديث الحسن البصري عن أبي بكرة قال: نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغه أن فارس ملكوا عليهم امرأة كسرى - فقال: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن الحكم، سمعت أبا وائل قال: لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لاعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها (5) * ورواه البخاري عن بندار عن غندر، وهذا كله وقع في أيام الجمل، وقد ندمت عائشة رضي الله عنها ما كان من خروجها، على ما سنورده في موضعه، وكذلك الزبير بن العوام أيضا،
تذكر وهو واقف في المعركة أن قتاله في هذا الموطن ليس بصواب، فرجع عن ذلك * قال عبد الرزاق: أنا معمر عن قتادة قال: لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا، فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال: أتحبه يا زبير ؟ فقال: وما يمنعني ؟ قال: فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له ؟ قال: فيرون أنه إنما ولى لذلك (6)، وهذا مرسل من هذا الوجه * وقد أسنده الحافظ البيهقي من وجه آخر فقال: أنا أبو بكر - أحمد بن الحسن القاضي - ثنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي، ثنا منجاب بن الحرث، ثنا عبد الله بن الاجلح، ثنا أبي، عن يزيد الفقير، عن أبيه قال: وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبي عن حرب بن أبي الاسود الدئلي عن أبيه، دخل
__________
(1) من الدلائل وفي الاصل الذهبي.
تحريف.
(2) من الدلائل، وقد ذكره العقيلي في الضعفاء، وورد في الميزان 2 / 533.
(3) الهجنع: من الدلائل وفي الاصل الهجيع تحريف.
وعمر بن الهجنع ذكره العقيلي في الضعفاء الكبير 3 / 196، وله ذكر في لسان الميزان 4 / 341.
(4) روى البيهقي الخبرين في الدلائل 6 / 411 و 412.
(5) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 265 والبخاري عن محمد بن بشار = بندار في فضائل الصحابة الحديث 3772 وأعاده في الفتن فتح الباري 13 / 53 عن عبد الله بن محمد.
(6) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 414 من طريق أحمد بن منصور الرمادي.

حديث أحدهما في حديث صاحبه، قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، وخرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام، فأتى علي، فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير ناشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان كذا وكذا فقال: يا زبير تحب عليا ؟ فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني ؟ فقال: يا علي أتحبه ؟ فقلت: يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى
ديني ؟ فقال: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له، فقال الزبير: بلى، والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال: مالك ؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته وهو يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتلنه، فقال وللقتال جئت ؟ إنما جئت تصلح بين الناس ويصلح الله هذا الامر، قال: قد حلفت أن لا أقاتله، قال: فاعتق غلامك جرجس (1) وقف حتى تصلح بين الناس، فأعتق غلامه ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه (2) * قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ؟ أنا الامام أبو الوليد، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قطن بن بشير، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا عبد الله بن محمد الرقاشي، ثنا جدي - وهو عبد الملك بن مسلم - عن أبي جرو (3) المازني، قال: سمعت عليا والزبير وعلي يقول له: ناشدتك الله يا زبير، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت لي ظالم ؟ قال: بلى ولكني نسيت * وهذا غريب كالسياق الذي قبله، وقد روى البيهقي من طريق الهذيل بن بلال - وفيه ضعف - عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان، قلت: قتل زيد هذا في وقعة الجمل من ناحية علي (4) * وثبت في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة (5) * ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان، عن شعيب عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة مثله * ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة * وهاتان
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل خير تحريف.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 415.
(3) من الدلائل 6 / 415، وفي الاصل وجرة.
وأبو جرو بفتح الجيم وسكون الراء، والمازني.
مقبول من الثالثة (تقريب 2 / 405 / 10).
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 416، ونقله ابن حجر عن أبي يعلى في الاصابة 1 / 582، وقال: زيد بن
صوحان أدرك النبي صلى الله عليه وآله وله صحبة.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: لا أعلم له صحبة.
(5) أخرجه البخاري في علامات النبوة، وفي الفتن باب (25)، وفي المرتدين باب (8).
وأخرجه مسلم في الفتن ح (17).
وأحمد في المسند 2 / 313.

الفئتان هما أصحاب الجمل، وأصحاب صفين، فإنهما جميعا يدعون إلى الاسلام، وإنما يتنازعون في شئ من أمور الملك، ومراعاة المصالح العائد نفعها على الامة والرعايا، وكان ترك القتال أولى من فعله، كما هو مذهب جمهور الصحابة كما سنذكره * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو اليمان، ثنا صفوان بن عمر وقال: كان أهل الشام ستين ألفا، فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا، فقتل منهم أربعون ألفا (1)، ولكن كان علي وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني - يعني أبا قتادة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار، تقتلك الفئة الباغية * ورواه أيضا من حديث ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتل عمارا الفئة الباغية، وفي رواية: وقاتله في النار (2) * وقد تقدم الحديث بطرقه عند بناء المسجد النبوي في أول الهجرة النبوية، وما يزيده بعض الرافضة في هذا الحديث من قولهم بعد: لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة، فليس له أصل يعتمد عليه، بل هو من إختلاق الروافض قبحهم الله * وقد روى البيهقي من حديث أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها، فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله، فقال: ما تبكون ؟ أتخشون أن أموت على فراشي ؟ أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي في الدنيا مذقة لبن (3) * وقال الامام أحمد: حدثني وكيع، ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، فشربها ثم تقدم فقتل * وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن حبيب، عن أبي
البختري، أن عمار بن ياسر أتي بشربة لبن فضحك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: آخر شراب أشربه لبن حين أموت (4) * وروى البيهقي من حديث عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (5) * ومعلوم أن عمارا كان في جيش علي يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام، وكان الذي تولى قتله رجل يقال له أبو الغادية، رجل من أفناد الناس، وقيل: إنه صحابي * وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر وغيره في أسماء الصحابة وهو أبو الغادية مسلم، وقيل: ؟ سار بن أزيهر الجهني من قضاعة، وقيل: مزني، وقيل: هما اثنان، سكن الشام ثم صار إلى
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 419.
(2) أخرجه مسلم في الفتن ح (72) و (73) ص (4 / 2236).
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 421.
(4) رواهما الامام أحمد في مسنده 4 / 319، والحاكم في المستدرك 3 / 389.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 422.
والحاكم في المستدرك 3 / 391 وصححه، ووافقه الذهبي.

واسط، روى له أحمد حديثا وله عند غيره آخر، قالوا: وهو قاتل عمار بن ياسر، وكان يذكر صفة قتله لعمار لا يتحاشى من ذلك، وسنذكر ترجمته عند قتله لعمار أيام معاوية في وقعة صفين، وأخطأ من قال: كان بدريا * وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا العوام، حدثني [ أسود ] ابن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما لصاحبه نفسا فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال معاوية: ألا نح عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا، قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه، فأنا معكم ولست أقاتل (1) * وقال الامام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحرث بن نوفل، قال: إني لاسير مع معاوية منصرفه من
صفين، بينه وبين عمرو بن العاص، فقال عبد الله بن عمرو يا أبة، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ؟ قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية: لا يزال يأتينا بهنة (3)، أو نحن قتلناه ؟ إنما قتلة من جاءوا به * ثم رواه أحمد عن أبي نعيم عن الثوري عن الاعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد فذكر مثله.
فقول معاوية: إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا، تأويل بعيد جدا، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله، حيث قدمهم إلى سيوف الاعداء * وقال عبد الرزاق أنا ابن عيينة، أخبرني عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * [ الحج: 78 ] في آخر الزمام، كما جاهدتم في أوله ؟ فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال: إذا كان بنو أمية الامراء وبنو المغيرة الوزراء (4) * ذكره البيهقي ههنا، وكأنه يستشهد به على ما عقد له الباب بعده من ذكر الحكمين وما كان من أمرهما، فقال: [ باب ما جاء في ] (5) إخباره صلى الله عليه وسلم عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا إسماعيل بن الفضل، ثنا
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 164، 206 - 3 / 22 - 4 / 197، 199 (2) رواه الامام أحمد في مسنده 2 / 161.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: نهية.
تحريف.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 422.
(5) من دلائل البيهقي.
6 / 423.

قتيبة ابن سعيد، عن جرير، عن زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن يزيد وحبيب بن يسار (1) عن سويد بن غفلة قال: إني لامشي مع علي بشط الفرات فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل
اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا من اتبعهما * وإن هذه الامة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وأضلا من اتبعهما * هكذا أورده ولم يبين شيئا من أمره، وهو حديث منكر جدا، وآفته من زكريا بن يحيى هذا - وهو الكندي الحميري الاعمى - قال يحيى بن معين: ليس بشئ، والحكمان كانا من خيار الصحابة، وهما عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام، والثاني أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري، من جهة أهل العراق، وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين، وحقن لدمائهم، وكذلك وقع ولم يضل بسببهما إلا فرقة الخوارج حيث أنكروا على الاميرين التحكيم، وخرجوا عليهما وكفروهما، حتى قاتلهم علي بن أبي طالب، وناظرهم ابن عباس، فرجع منهم شرذمة إلى الحق، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم كما سنذكره.
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم قال البخاري: ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بني تميم - فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى قذذه فلم يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ واشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته (2) * وهكذا رواه مسلم
__________
(1) من الدلائل 6 / 423 وفي الاصل بشار.
(2) أخرجه البخاري في علامات النبوة ح 3610 فتح الباري 6 / 617.
ومسلم في الزكاة ح 148 ص 2 / 744.
شرح المفردات: نصله: أي حديدة السهم.
رصافه: بكسر الراء.
عصبه الذي يكون فوق مدخل النصل.
والرصاف جمع واحدته رصفة.
نضيه: عود السهم قبل أن يراش وينصل.
وقيل هو ما بين الريش والنصل.
=

من حديث أبي سعيد * ورواه البخاري أيضا من حديث الاوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة والضحاك عن أبي سعيد.
وأخرجه البخاري أيضا من حديث سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه، ومسلم عن هناد عن أبي الاحوص سلام بن سليم عن سعيد بن مسروق، عن عبد الرحمن بن يعمر، عن أبي سعيد الخدري به * وقد روى مسلم في صحيحه من حديث داود بن أبي هند، والقاسم بن الفضل، وقتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمرق مارقة عند فرقة المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق (1) * ورواه أيضا من حديث أبي إسحاق الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد مرفوعا.
وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن مسهر، عن الشيباني، عن يسير بن عمر وقال: سألت سهل بن حنيف، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر هؤلاء الخوارج ؟ فقال: سمعته وأشار بيده نحو المشرق - وفي رواية نحو العراق - يخرج قوم يقرؤون القرآن بألستنهم لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، محلقة رؤوسهم (2) * وروى مسلم من حديث حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي در نحوه وقال: سيماهم التحليق، شر الخلق والخليقة * وكذلك رواه محمد بن كثير المصيصي عن الاوزاعي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا، وقال: سيماهم التحليق، شر الخلق والخليقة * وفي الصحيحين من حديث الاعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة عن علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الاسنان، سفهاء الاحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما
لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم إلى يوم القيامة (3) * وقد روى مسلم عن قتيبة، عن حماد، عن أيوب، عن محمد بن عبيدة، عن علي في خبر مثدون اليد (4) وهو ذو الثدية * وأسنده من وجه آخر عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي وفيه: أنه حلف عليا على ذلك فحلف له أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم * ورواه مسلم عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن زيد بن وهب عن علي بالقصة مطولة وفيه قصة ذي الثدية * ورواه من حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي، ورواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن زيد، عن حميد بن مرة، عن أبي الوضئ (5) والسحيمي عن علي في قصة ذي الثدية * ورواه
__________
= القذذ: جمع قذة وهي ريش السهم.
(1) أخرجه مسلم في الزكاة باب (47).
ح 150 و 151 و 153 ص 2 / 745 - 746.
(2) أخرجه مسلم في الزكاة باب (49) حديث 159 وحديث 160 وعن أبي ذر حديث 158 ص 2 / 750 وأخرجه أبو داود في كتاب السنة باب في قتال الخوارج ح 4765 ص 4 / 243.
(3) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة في الاسلام.
وأخرجه مسلم في الزكاة، باب (48) ح 154 و 155 ص 2 / 746 - 747.
(4) في نسخ البداية المطبوعة: مؤذن الليل تحريف.
مثدون اليد: صغير اليد.
(5) في الدلائل أبو الوخي، وفي الاصل العرضي تحريف والصواب ما أثبتناه من التقريب وهو عباد بن نسيب مشهور =

الثوري عن محمد بن قيس، عن أبي موسى - رجل من قومه - عن علي بالقصة * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا الحميدي، ثنا سفيان حدثني العلاء بن أبي العباس أنه سمع أبا الطفيل يحدث: عن بكر بن قرقاش (1) عن سعيد بن أبي وقاص قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الثدية فقال: شيطان الردهة كراعي الخيل يحذره رجل من بجيلة يقال له: الاشهب، أو ابن الاشهب علامة في قوم ظلمة، قال سفيان، فأخبرني عمار الدهني أنه جاء به رجل منهم يقال له: الاشهب، أو ابن الاشهب * قال يعقوب بن سفيان: وحدثنا عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي إسحاث
عن حامد الهمداني سمعت سعد بن مالك يقول: قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة - يعني المخدج - يريد والله أعلم قتلة أصحاب علي * وقال علي بن عياش، عن حبيب عن سلمة قال (2): لقد علمت عائشة أن جيش المروة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عياش: جيش المروة قتلة عثمان (3) * رواه البيهقي، ثم قال البيهقي: أنا الحاكم، أنا الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله، قال: لا، ولكن خاصف النعل - يعني عليا (4) - وقال يعقوب بن سفيان، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن عمران بن جرير، عن لاحق قال: كان الذين خرجوا على علي بالنهروان أربعة آلاف في الحديد، فركبهم المسلمون فقتلوهم ولم يقتلوا من المسلمين إلا تسعة رهط، وإن شئت فاذهب إلى أبي برزة فإنه يشهد بذلك * قلت: الاخبار بقتال الخوارج متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان ذلك من طرق تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن، ووقوع ذلك في زمان علي معلوم ضرورة لاهل العلم قاطبة، وأما كيفية خروجهم وسببه ومناظرة ابن عباس لهم في ذلك، ورجوع كثير منهم إليه، فسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
إخباره صلى الله عليه وسلم بمقتل علي بن أبي طالب فكان كما اخبر قال الامام أحمد: ثنا علي بن بحر، ثنا عيسى بن يونس، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي، عن محمد بن كعب [ القرظي عن محمد ] (5) بن خيثم عن
__________
= بكنيته، ويقال اسمه عبد الله ثقة من الثالثة (تقريب التهذيب 1 / 394).
(1) في دلائل البيهقي: قرواش.
(2) في البيهقي 6 / 434: قال: قال علي: (3) خبر يعقوب بن سفيان رواه من وجوهه البيهقي في الدلائل 6 / 433 - 434.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 436.
(5) من مسند الامام أحمد 4 / 263.

عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي - حين ولي غزوة العثيرة -: يا ابا تراب - لما يرى عليه من التراب - ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه - يعني قرنه - حتى يبل هذه - يعني لحيته - * وروى البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن الحسن بن مكرم عن أبي النضر، عن محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن فضالة بن أبي فضالة الانصاري - وكان أبوه من أهل بدر - قال: خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب في مرض أصابه فثقل منه، قال: فقال أبي ما يقيمك بمنزلك هذا ؟ فلو أصابك أجلك لم يكن إلا أعراب جهينة، تحملك إلى المدينة، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك، فقال علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته - فقتل وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين (1) * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: جاء رأس الخوارج إلى علي فقال له: اتق الله فأنك ميت، فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود، وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى (2) * وقد روى البيهقي بأسناد صحيح عن زيد بن أسلم عن أبي سنان المدركي عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وروى من حديث هشيم (3) عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الازدي عن علي قال: إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الامة ستغدر بك بعدي، ثم ساقه من طريق قطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحمامي قال: سمعت عليا يقول: إنه لعهد النبي الامي إلي، إن الامة ستغدر بك بعدي (4) * قال البخاري: ثعلبة هذا فيه نظر ولا يتابع على حديثه هذا، وروي البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني عن أبي [ الجواب الاحوص بن جواب ] (5) عن عمار بن رزيق، عن الاعمش، عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد قال: قال علي: والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه، للحيته من رأسه، فما يحبس أشقاها، فقال عبد الله بن سبيع: والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لاثرنا عشيرته (6)، فقال: أنشدك بالله أن لا تقتل بي غير قاتلي، قالوا يا أمير المؤمنين ألا تستخلف ؟ قال: ولكن أترككم كما ترككم
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 438، والحديث في مسند أحمد 1 / 102 واسناده صحيح.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 136 عن البزار وأحمد، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 3 / 34.
(2) أخرجه أبو داود الطيالسي ونقله عنه البيهقي في الدلائل 6 / 439.
(3) في نسخ البداية المطبوعة هيثم تحريف.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 440.
(5) من الدلائل 6 / 439، وفي الاصل: أبي الاجوب الاحوص بن خباب: تحريف.
(6) في البيهقي: لابرنا عترته.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فما تقول لربك إذا تركتنا هملا ؟ قال: أقول: اللهم استخلفني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني وتركتك فيهم، فأن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم * وهكذا روى البيهقي هذا، وهو موقوف، وفيه غرابة من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، ثم المشهور عن علي أنه لما طعنه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي وهو خارج لصلاة الصبح عند السدة، فبقي على يومين من طعنته، وحبس ابن ملجم، وأوصى علي إلي ابنه الحسن بن علي كما سيأتي بيانه وأمره أن يركب في الجنود وقال له: لا يجر على كما تجر الجارية، فلما مات قتل عبد الرحمن بن ملجم قودا، وقيل: حدا، والله أعلم، ثم ركب الحسن بن علي في الجنود وسار إلى معاوية كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك وسيادة ولده الحسن بن علي في تركه الامر من بعده وإعطائه لمعاوية قال البخاري (1) في دلائل النبوة: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا يحيى بن آدم، ثنا حسين
الجعفي عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة قال.
أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن بن علي فصعد به على المنبر فقال: إن إبني هذا سيد: ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين * وقال في كتاب الصلح: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا سفيان عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لارى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية، فكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس ؟ من لي بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس، عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: إذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له وأطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له، وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الامة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك، قال: فمن لي بهذا ؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه اخرى، ويقول: إن إبني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين * وقال البخاري: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن بن أبي بكرة بهذا الحديث * وقد رواه البخاري أيضا في فضل الحسن وفي كتاب
__________
(1) في كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الاسلام ح (3629) فتح الباري 6 / 628.
ورواه في كتاب الصلح بين الناس باب قول النبي صلى الله عليه وآله إن ابني هذا سيد.

الفتن عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن أبي موسى وهو إسرائيل بن موسى بن أبي إسحاق - ورواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث، وأبو داود أيضا والنسائي من حديث علي بن زيد بن جدعان كلهم عن الحسن البصري عن أبي بكرة به، وقال الترمذي: صحيح، وله طرق عن الحسن مرسلا، وعن الحسن وعن أم سلمة به، وهكذا وقع الامر كما أخبره به
النبي صلى الله عليه وسلم سواء، فإن الحسن بن علي لما صار إليه الامر بعد أبيه وركب في جيوش أهل العراق، وسار إليه معاويه، فتصافا بصفين على ما ذكره الحسن البصري، فمال الحسن بن علي إلى الصلح، وخطب الناس وخلع نفسه من الامر وسلمه إلى معاوية، وذلك سنة أربعين، فبايعه الامراء من الجيشين، واستقل بأعباء الامة، فسمي ذلك العام عام الجماعة، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد، وسنورد ذلك مفصلا في موضعه إن شاء الله تعالى * وقد شهد الصادق المصدوق للفرقتين بالاسلام، فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع فقد أخطأ وخالف النص النبوي المحمدي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد تكمل بهذه السنة المدة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة المتتابعة بعده، كما تقدم في حديث سفينة مولاه أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا، وفي رواية عضوضا، وفي رواية عن معاوية أنه قال: رضينا بها ملكا، وقد قال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم: سمعت محمد بن فضيل عن السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن سفيان بن عيينة قال: سمعت محمد بن علي يقول: سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الايام والليالي حتى يجتمع أمر هذه الامة على رجل واسع القدم، ضخم البلغم، يأكل ولا يشبع وهو عري، وهكذا وقع في هذه الرواية، وفي رواية بهذا الاسناد: لا تذهب الايام والليالي حتى تجتمع هذه الامة على معاوية * وروي البيهقي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر - وهو ضعيف - عن عبد الملك بن عمير (1) قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: يا معاوية إن ملكت فأحسن * ثم قال البيهقي: وله شواهد، من ذلك حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص عن جده سعيد أن معاوية أخذ الاداوة فتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه فقال: يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل، قال معاوية: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) * ومنها حديث الثوري عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد الداري عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم، ثم يقول أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفعه الله بها (3) * رواه أبو داود * وروى
البيهقي من طريق هشيم عن العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أبيه عن أبي هريرة
__________
(1) من الدلائل وفي الاصل عمار.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 446 وأخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 101.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الادب ح 4888 ص 4 / 272 ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 447.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بالمدينة والملك بالشام (1) * وقال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، ثنا يحيى بن حمزة عن زيد بن واقد، حدثني بسر بن عبيد الله، حدثني أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب رفع احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الايمان - حين تقع الفتن - بالشام ههنا (2) رواه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة السلمي به، قال البيهقي: وهذا إسناد صحيح، وروي من وجه آخر * ثم ساقه من طريق عقبة بن علقمة عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي عن عطية بن قيس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا إن الايمان إذا وقعت الفتن بالشام * ثم أورده البيهقي من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، إلا أنه قال: فأتبعته بصري حتى ظننت أنه مذهوب به، قال: وإني أولت أن الفتن إذا وقعت، أن الايمان بالشام * قال الوليد: حدثني عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك * وقال يعقوب بن سفيان: حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، ثنا أبي أبو ضمرة - محمد بن سليمان السلمي - حدثني عبد الله بن أبي قيس، سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام * وقال عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين: اللهم
العن أهل الشام، فقال له علي: لا تسب أهل الشام جما غفيرا، فإن بها الابدال، فإن بها الابدال * وقد روي من وجه آخر عن علي (3) * قال الامام أحمد: ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثني شريح - يعني ابن عبيد الحضرمي - قال: ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الابدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا، يستسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الاعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب * تفرد به أحمد، وفيه انقطاع، فقد نص أبو حاتم الرازي على أن شريح بن عبيد هذا لم يسمع من أبي أمامة ولا من أبي مالك الاشعري وأنه رواية عنهما مرسلة، فما ظنك بروايته عن علي بن أبي طالب، وهو أقدم وفاة منهما.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 447 وفي اسناده سليمان الهاشمي مولى ابن عباس لا يكاد يعرف.
قال ابن معين: لا أعرفه.
(2) رواه الامام أحمد في المسند ج 5 / 199 والبيهقي في الدلائل 6 / 447.
(3) انظر هذه الاخبار في دلائل البيهقي 6 / 448 - 449.

إخباره صلى الله عليه وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص قال مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الاسرة، أو مثل الملوك على الاسرة، شك إسحاق، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: قلت ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كما قال في الاولى،
قالت: قلت يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الاولين، قال: فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت (1) * رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به، وأخرجاه في الصحيح من حديث الليث وحماد بن زيد، كلاهما عن يحيى بن سعيد.
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان، فذكر الحديث إلى أن قال: فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازية أول ما ركبوا مع معاوية، أو أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن أبي سفيان، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين فنزلوا الشام، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت * ورواه البخاري من حديث أبي إسحق الفزاري عن زائدة، عن أبي حوالة عبد الله بن عبد الرحمن عن أنس به، وأخرجه أبو داود من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن أخت أم سليم * وقال البخاري: باب ما قيل في قتال الروم حدثنا إسحاق (2) بن يزيد الدمشقي، ثنا يحيى بن حمزة، حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، أن عمير بن الاسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل إلى ساحل حمص، وهو في بناء له، ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: فقلت: يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال: أنت فيهم، قالت: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، قلت: أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال: لا، تفرد به البخاري دون أصحاب الكتب
__________
(1) أخرجه البخاري في الجهاد، باب (3).
وأخرجه مسلم في الامارة باب (49).
(2) هو اسحاق بن ابراهيم بن يزيد الفراديسي نسب لجده.

الستة * وقد رواه البيهقي في الدلائل عن الحاكم عن أبي عمرو بن أبي جعفر، عن الحسن بن
سفيان، عن هشام بن عمار الخطيب، عن يحيى بن حمزة القاضي به وهو يشبه معنى الحديث الاول (1) * وفيه من دلائل النبوة ثلاث إحداها الاخبار عن الغزوة الاولى في البحر وقد كانت في سنة سبع وعشرين مع معاوية بن أبي سفيان حين غزا قبرص وهو نائب الشام عن عثمان بن عفان، وكانت معهم أم حرام بنت ملحان هذه صحبة زوجها عبادة بن الصامت، أحد النقباء ليلة العقبة، فتوفيت مرجعهم من الغزو قتل بالشام كما تقدم في الرواية عند البخاري، وقال ابن زيد: توفيت بقبرص سنة سبع وعشرين، والغزوة الثانية غزوة قسطنطينية مع أول جيش غزاها، وكان أميرها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وذلك في سنة ثنتين وخمسين، وكان معهم أبو أيوب، خالد بن زيد الانصاري، فمات هنالك رضي الله عنه وأرضاه، ولم تكن هذه المرأة معهم، لانها كانت قد توفيت قبل ذلك في الغزوة الاولى * فهذا الحديث فيه ثلاث آيات من دلائل النبوة، الاخبار عن الغزوتين، والاخبار عن المرأة بأنها من الاولين وليست من الآخرين، وكذلك وقع صلوات الله وسلامه عليه.
الاخبار عن غزوة الهند قال الامام أحمد: حدثنا هشيم عن سيار بن حسين بن عبيدة، عن أبي هريرة قال: وعد ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند فإن استشهدت كنت من خير الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هرير المحرر * رواه النسائي من حديث هشيم وزيد بن أنيسة عن يسار عن جبر، ويقال: جبير، عن أبي هريرة قال: وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند فذكره، وقال أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، ثنا البراء عن الحسن عن أبي هريرة قال: حدثني خليلي الصادق المصدوق، رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يكون في هذه الامة بعث إلى السند والهند، فإن أنا أدركته فاستشهدت فذاك، وإن أنا وإن أنا فذكر كلمة رجعت فأنا أبو هريرة المحدث قد أعتقني من النار * تفرد به أحمد، وقد غزا المسلمون الهند في أيام معاوية سنة أربع وأربعين، وكانت هنالك أمور سيأتي بسطها في موضعها، وقد غرا الملك الكبير الجليل محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة، في حدود أربعمائة، بلاد الهند فدخل فيها وقتل وأسر وسبى وغنم ودخل السومنات وكسر الند الاعظم الذي يعبدونه، واستلب سيونه
وقلائده، ثم رجع سالما مؤيدا منصورا.
__________
(1) أخرجه البخاري في الجهاد - باب ما قيل في قتال الروم ح 2924، ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 452

فصل في الاخبار عن قتال الترك كما سنبينه إن شاء الله قال البخاري: ثنا أبو اليمان، أنا شعيب، ثنا أبو الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الاعين حمر الوجوه، ذلف الانوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الامر حتى يقع فيه، والناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام، وليأتين على أحدكم زمان لان يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله * تفرد به من هذا الوجه * ثم قال البخاري: ثنا يحيى، ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الاعاجم، حمر الوجوه، فطس الانوف، صغار الاعين كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر * تابعه غيره عن عبد الرزاق (1)، وقد ذكر عن الامام أحمد أنه قال: أخطأ عبد الرزاق في قوله: خوزا، بالخاء، وإنما هو بالجيم جوزا وكرمان، هما بلدان معروفان بالشرق، فالله أعلم * وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة فبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر * وقد رواه الجماعة إلا النسائي من حديث سفيان بن عيينة به * وقال البخاري (2): ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان قال: قال إسماعيل: أخبرني قيس قال: أتينا أبا هريرة رضي الله عنه فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، سمعته يقول: وقال هكذا بيده بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر * وهو هذا البارز، وقال سفيان مرة: وهم أهل البارز، وقد رواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي أسامة ووكيع كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم القيامة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر كأن
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة حديث 3587 - 3588 - 3589 - 3590 فتح الباري 6 / 604.
ورواه في الجهاد باب قتال الترك.
شرح المفردات: - ذلف الانوف: أي صغارها، والعرب تقول أملح النساء الذلف، وقيل الذلف الاستواء في طرف الانف، وقيل قصر الانف وانبطاحه، وقيل تشمير الانف عن الشفة العليا.
- خوز قوم من العجم، وقيل سموا خوزا نسبة إلى بلد من بلاد الاهواز وهي من عراق العجم.
وكرمان بلدة مشهورة من بلاد العجم بين خراسان وبحر الهند.
- وجوههم المجان المطرقة: قال البيضاوي شبه وجوههم بالترسة لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها.
(2) المصدر السابق حديث 3591 - البارز: قيل الاكراد، وقيل هي ناحية قريبة من كرمان بها جبال فيها أكراد.

وجوههم المجان المطرقة، حمر الوجوه، صغار الاعين * قلت: وأما قول سفيان بن عيينة: أنهم هم أهل البارز فالمشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي، ولعله تصحيف اشتبه على القائل البارز وهو السوق بلغتهم، فالله أعلم * وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا جرير بن حازم سمعت الحسن قال: ثنا عمرو بن ثعلب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، أو ينتعلون الشعر، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة (1) * ورواه البخاري عن سليمان بن حرب وأبي النعمان عن جرير بن حازم به، والمقصود أن قتال الترك وقع في آخر أيام الصحابة، قاتلوا القان الاعظم، فكسروه كسرة عظيمة على ما سنورده في موضعه إذا انتهينا [ إليه ] بحول الله وقوته وحسن توفيقه.
خبر آخر عن عبد الله بن سلام قال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف الازرق، ثنا ابن عون عن محمد هو ابن سيرين
عن بشر (2) بن عباد قال: كنت في المسجد فجاء رجل في وجهه أثر خشوع فدخل فصلى ركعتين فأوجز فيهما، فقال القوم: هذا رجل من أهل الجنة، فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله فدخلت معه فحدثته، فلما استأنس قلت له: إن القوم لما دخلت المسجد قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله، والله ما ينبغي لاحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك أني رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، رأيت كأني في روضة خضراء - قال ابن عون: فذكر من خضرتها وسعتها - وسطها عمود حديدا أسفله في الارض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: أصعد عليه، فقلت: لا أستطيع، فجاء بنصيف - قال ابن عون: وهو الوصيف - فرفع ثيابي من خلفي فقال: اصعد عليه، فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقال: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقصصتها عليه فقال: أما الروضة فروضة الاسلام، وأما العمود فعمود الاسلام، وأما العروة فهي العروة الوثقى، أنت على الاسلام تموت، قال: وهو عبد الله بن سلام (3) * ورواه البخاري من حديث عون.
ثم قد رواه الامام أحمد: من حديث حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن خرشة بن الحر، عن عبد الله بن سلام، فذكره مطولا، وفيه قال: حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدي ودحاني، فإذا أنا على ذروته، فلم أتقار ولم أتماسك، وإذا عمود حديد في يدي ذروته حلقة ذهب، فأخذ بيدي ودحاني حتى أخذت بالعروة، وذكر تمام الحديث * وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث الاعمش عن
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 5 / 70 ورواه البخاري في علامات النبوة ح 3592.
(2) في المسند: قيس بن عباد.
(3) في رواية البيهقي في الدلائل 7 / 29: والرجل عبد الله بن مسعود.

سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر عن عبد الله بن سلام فذكره (1).
وقال: حتى أتى بي جبلا فقال لي: اصعد، فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على رأسي، حتى فعلت ذلك مرارا، وأن رسول الله قال له حين ذكر رؤياه: وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله قال البيهقي: وهذه
معجزة ثانية، حيث أخبر أنه لا ينال الشهادة * وهكذا وقع، فأنه مات سنة ثلاث وأربعين فيما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره.
الاخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف قال البخاري في التاريخ: أنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عبد الله بن عبد الله بن الاصم، ثنا يزيد بن الاصم قال: ثقلت ميمونة بمكة وليس عندها من بني أختها أحد، فقالت: أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة، فحملوها حتى أتوا بها إلى سرف، الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها في موضع القبة، فماتت رضي الله عنها، قلت: وكان موتها سنة إحدى وخمسين (2) على الصحيح.
ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي وأصحابه قال يعقوب بن سفيان ثنا ابن بكير، ثنا ابن لهيعة، حدثني الحارث بن يزيد، عن عبد الله بن زرير (3) الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء (4)، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود * فقتل حجر بن عدي وأصحابه، وقال يعقوب بن سفيان: قال أبو نعيم ذكر زياد بن سمية علي بن أبي طالب على المنبر فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها وحصب من حوله زيادا فكتب إلى معاوية يقول: إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية أن يحمل حجرا، فلما قرب من دمشق بعث من يتلقاهم، فالتقى معهم بعذراء فقتلهم، قال البيهقي: لا يقول على مثل هذا إلا أنه يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن أبي الاسود قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا وأصحابه ؟ فقال: يا
__________
(1) الحديث أخرجه الامام أحمد من وجهين في المسند 5 / 452 والبخاري في مناقب الانصار فتح الباري 7 / 129 وأعاده في التعبير، فتح الباري 12 / 397 وفي التعليق بالعروة 12 / 401.
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة ح (148).
والبيهقي في الدلائل 7 / 28 - 29.
(2) ذكر الواقدي أن موتها كان سنة إحدى وستين عن ثمانين أو إحدى وثمانين سنة (ابن سعد 8 / 140).
(3) من دلائل البيهقي، وفي الاصل: رزين تحريف.
وهو الغافقي المصري ثقة مات سنة ثمانين أو بعدها (تقريب التهذيب 1 / 415).
(4) عذراء: قرية من قرى غوطة دمشق بالقرب منها راهط.

أم المؤمنين، إني رأيت قتلهم إصلاحا للامة، وأن بقاءهم فسادا، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيقتل بعذراء ناس يغصب الله لهم وأهل السماء * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عمرو بن عاصم، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن مروان بن الحكم قال: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبئ لك رجلا فيقتلك ؟ قال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الايمان قيد الفتك لا يفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك ؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل (1).
حديث آخر قال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه: آخركم موتا في النار، فيهم سمرة بن جندب، قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا، قال البيهقي: رواته ثقات إلا أن أبا نضرة العبدي لم يثبت له من أبي هريرة سماع والله أعلم (2) * ثم روي من طريق إسماعيل بن حكيم عن يونس بن عبيد، عن الحسن عن أنس بن حكيم قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشئ حتى يسألني عن سمرة، فلو أخبرته بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول الله قام علينا ونظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب وقال: آخركم موتا في النار، فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره، فليس شئ أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت (3) * وله شاهد من وجه آخر، وقال يعقوب بن سفيان: ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن
سلمة، عن علي بن زيد عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فقلت لابي محذورة: مالك إذا قدمت عليك تسألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عنك ؟ فقال: إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: آخركم موتا في النار * قال: فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة ثم مات سمرة (4) * وقال عبد الرزاق: أنا معمر: سمعت ابن طاوس وغيره يقولون: قال
__________
(1) روى خبر حجر يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 321 والبيهقي في الدلائل 6 / 456 - 457.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 458.
ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 356 قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 / 184 غريب جدا ولم يصح لابي نضرة سماع من أبي هريرة.
(3) المصدر السابق.
وبه أنس بن حكيم مجهول.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 459.

النبي صلى الله عليه وسلم لابي هريرة وسمرة بن جندب ولرجل آخر: آخركم موتا في النار، فمات الرجل قبلهما وبقي أبو هريرة وسمرة، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة وقتل سمرة بشرا كثيرا * وقد ضعف البيهقي عامة هذه الروايات لانقطاع بعضها وإرساله، ثم قال: وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق، ثم قال: ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو منها بإيمانه فيخرج منها بشفاعة الشافعين، والله أعلم * ثم أورد من طريق هلال بن العلاء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه أن سمرة استجمر فغفل عن نفسه وغفل أهله عنه حتى أخذته النار (1)، قلت: وذكر غيره أن سمرة بن جندب رضي الله عنه أصابه كرار شديد، وكان يوقد له على قدر مملوءة ماءا حارا فيجلس فوقها ليتدفأ ببخارها فسقط يوما فيها فمات رضي الله عنه، وكان موته سنة تسع وخمسين بعد أبي هريرة بسنة (2)، وقد كان ينوب عن زياد بن سمية في البصرة إذا سار إلى الكوفة، وفي الكوفة إذا سار إلى البصرة، فكان يقيم في كل منهما ستة أشهر من السنة، وكان شديدا على
الخوارج، مكثرا للقتل فيهم، ويقول: هم شر قتلى تحت أديم السماء، وقد كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهما من علماء البصرة يثنون عليه رضي الله عنه.
خبر رافع بن خديج روى البيهقي من حديث مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن مرزوق الواشحي (3)، ثنا يحيى بن عبد الحميد بن رافع، عن جدته أن رافع بن خديج رمي - قال عمر: لا أدري أيهما قال - يوم أحد أو يوم حنين بسهم في ثندوته، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انزع لي السهم، فقال له: يا رافع إن شئت نزعت السهم والقبضة (4) جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القبضة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال: يا رسول الله، أنزع السهم واترك القبضة واشهد لي يوم القيامة أني شهيد، قال: فعاش حتى كانت خلافة معاوية انتقض الجرح فمات بعد العصر * هكذا وقع في هذه الرواية أنه مات في إمارة معاوية، والذي ذكره الواقدي وغير واحد أنه مات سنة ثلاث، وقيل: أربع وسبعين، ومعاوية رضي الله عنه كانت وفاته في سنة ستين بلا خلاف، والله أعلم.
__________
(1) دلائل البيهقي 6 / 460.
(2) ذكر في الاصابة موته سنة ستين، وقال الواقدي مات أبو هريرة سنة تسع وخمسين أما ابن عبد البر فذكر وفاة سمرة سنة ثمان وخمسين سقط في قدر مملؤة ماء حارا كان يتعالج منه من كزاز شديد أصابه.
(3) كذا في الدلائل، وفي نسخ البداية المطبوعة الواضحي.
(4) في دلائل البيهقي: والقطبة.
في كل المواضع 6 / 463.

إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرني سفيان، عن الاعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستكون أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله: فما تأمرنا ؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم (1) * وقال البخاري: ثنا
محمد بن عبد الرحيم، أنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، ثنا أبو أسامة، ثنا شعبة، عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم (2) * ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة، وقال البخاري: قال محمود: ثنا أبو داود، أخبرنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة، وحدثنا أحمد بن محمد المكي، ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد الاموي عن جده قال: كنت مع مروان وأبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: غلمة ؟ قال أبو هريرة: إن شئت أن أسميهم فلان وبني فلان (3) * تفرد به البخاري * وقال أحمد: ثنا روح، ثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، أخبرني جدي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هلكة أمتي على يدي غلمة، قال مروان: وهم معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا، فلعنة الله عليهم غلمة، قال: أما والله لو أشاء أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، قال: فكنت أخرج مع أبي وجدي إلى بني مروان - بعد ما ملكوا - فإذا هم يبايعون الصبيان، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة، قال لنا: عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذي سمعت أبا هريرة يذكر أن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا (4) * وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سماك، حدثني عبد الله بن ظالم قال: سمعت أبا هريرة قال: سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش * ثم رواه أحمد عن زيد بن الخباب عن سفيان وهو الثوري عن سماك، عن مالك بن ظالم، عن أبي هريرة فذكره.
ثم روى غندر وروح بن عبادة عن سفيان عن سماك بن حرب عن مالك بن ظالم قال: سمعت أبا هريرة، زاد روح: يحدث مروان بن الحكم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: هلاك أمتي على يد غلمة أمراء سفهاء من قريش (5) * وقال الامام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن،
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة ح 3603 فتح الباري 6 / 612.
(2) المصدر السابق حديث 3604 ومسلم في الفتن ح (74) ص (4 / 2236).
وأخرجه الامام أحمد في مسنده
2 / 301.
(3) المصدر السابق حديث 3605.
(4) أخرجه أحمد في المسند 2 / 324 وفيه: هلاك أمتي على يد غلمة من قريش.
(5) أخرجه أحمد في مسنده 2 / 288، 299، 304، 485،

حدثنا حيوة، حدثني بشر بن أبي عمرو الخولاني: أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون خلف من بعد الستين سنة [ أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ] ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر، وقال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به (1) * تفرد به أحمد، وإسناده جيد قوي على شرط السنن * وقد روى البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن الحسن بن علي بن عفان عن أبي أسامة، عن مجالد، عن الشعبي قال: لما رجع علي من صفين قال: أيها الناس، لا تكوهوا إمارة معاوية إنه لو فقدتموه لقد رأيتم الرؤوس تنزو من كواهلها كالحنظل * ثم روى عن الحاكم وغيره عن الاصم، عن العباس بن الوليد بن مزيد (2) عن أبيه عن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه أنه قال: كان أبو هريرة يمشي في سوق المدينة وهو يقول: اللهم لا تدركني سنة الستين، ويحكم تمسكوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني إمارة الصبيان، قال البيهقي: وعلي وأبو هريرة إنما يقولان: هذا الشئ سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال يعقوب بن سفيان: أنا عبد الرحمن بن عمرو الحزامي، ثنا محمد بن سليمان عن أبي تميم البعلبكي عن هشام بن الغاز عن ابن مكحول (3) عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الامر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية * وروى البيهقي من طريق عوف الاعرابي عن أبي خلدة عن أبي العالية عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية (4)، وهذا منقطع بين أبي العالية وأبي ذر وقد رجحه البيهقي بحديث أبي
عبيدة المتقدم، قال: ويشبه أن يكون هذا الرجل هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، والله أعلم * قلت: الناس في يزيد بن معاوية أقسام فمنهم من يحبه ويتولاه، وهم طائفة من أهل الشام، من النواصب، وأما الروافض فيشنعون عليه ويفترون عليه أشياء كثيرة ليست فيه ويتهمه كثير منهم بالزندقة، ولم يكن كذلك، وطائفة أخرى لا يحبونه ولا يسبونه لما يعلمون من أنه لم يكن زنديقا كما تقوله الرافضة، ولما وقع في زمانه من الحوادث الفظيعة، والامور المستنكرة البشعة الشنيعة، فمن أنكرها قتل الحسين بن علي بكربلاء، ولكن لم يكن ذلك من علم منه، ولعله لم يرض به ولم يسؤه، وذلك من الامور المنكرة جدا، ووقعة الحرة كانت من الامور القبيحة بالمدينة النبوية على ما سنورده إذا انتهينا إليه في التاريخ إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 38 - 39 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 6 / 465.
(2) من الدلائل 6 / 466 وفي الاصل زيد تحريف.
وهو ثقة صدوق مات وله مائة سنة (تقريب التهذيب).
(3) العبارة في البيهقي 6 / 467 أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني، حدثنا محمد بن سليمان عن ابن غنيم البعلبكي عن هشام بن الغاز عن مكحول...(4) دلائل النبوة ج 6 / 467.

الاخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وقد ورد في الحديث بمقتل الحسن فقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد بن حسان، ثنا عمارة - يعني ابن زاذان - عن ثابت عن أنس قال: استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فقال لام سلمة: احفظي علينا الباب: لا يدخل علينا أحد، فجاء الحسين بن علي، فوثب حتى دخل، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له الملك: أتحبه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: فإن أمتك تقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها، قال: فكنا نسمع يقتل بكربلاء (1) * ورواه البيهقي من حديث بشر بن موسى عن عبد الصمد عن عمارة، فذكره، ثم قال: وكذلك رواه
سفيان بن فروخ عن عمارة، وعمارة بن زاذان هذا هو الصيدلاني أبو سلمة البصري اختلفوا فيه، وقد قال فيه أبو حاتم، يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وضعفه أحمد مرة ووثقه أخرى، وحديثه هذا قد روي عن غيره من وجه آخر، فرواه الحافظ البيهقي من طريق عمارة بن غزية (2) عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها نحو هذا * وقد قال البيهقي: أنا الحاكم في آخرين (3)، قالوا: أنا الاصم، أنا عباس الدوري، ثنا محمد بن خالد بن مخلد، ثنا موسى بن يعقوب، عن هاشم بن هاشم عن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة، أخبرتني أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في المرة الاولى، ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله ؟ فقال: أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - قلت له: يا جبريل أرني تربة الارض التي يقتل بها، فهذه تربتها * ثم قال البيهقي: تابعه أبو موسى الجهني، عن صالح بن يزيد النخعي عن أم سلمة، وأبان عن شهر بن حوشب عن أم سلمة (4) * وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا الحسين بن عيسى، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل: أتحبه ؟ فقال: وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال ؟ أما إن أمتك ستقتله، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة فإذا تربة حمراء * ثم قال
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في المسند 3 / 242، 265.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: " رواه الطبراني واسناده حسن " والبيهقي في الدلائل 6 / 469.
(2) من الدلائل، وفي الاصل عرفة تحريف.
وهو ابن الحارث الانصاري المازني المدني لا بأس به روى عن أنس مرسله من السادسة مات سنة أربعين (تقريب التهذيب).
(3) في الدلائل: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو محمد بن أبي حامد المقري...(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 468.

البزار: لا نعلمه يروى إلا بهذا الاسناد، والحسين بن عيسى قد حدث عن الحكم بن أبان بأحاديث لا نعلمها عند غيره.
قلت: هو الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي أبو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم القاري، قال البخاري: مجهول - يعني مجهول الحال - وإلا فقد روى عنه سبعة نفر، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، روي عن الحكم بن أبان أحاديث منكرة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: قليل الحديث، وعامة حديثه غرائب، وفي بعض أحاديثه المنكرات * وروى البيهقي عن الحكم وغيره عن أبي الاحوص: محمد بن الهيثم القاضي (1): ثنا محمد بن مصعب، ثنا الاوزاعي، عن أبي عمار شداد بن عبد الله، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال.
وما هو ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، قال: رأيت خيرا، تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان الدموع، قالت: قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي، مالك ؟ قال: أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا ؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء (2) * وقد روى الامام أحمد، عن عفان، عن وهيب عن أيوب عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني رأيت في منامي أن في بيتي أو حجري عضوا من أعضائك، قال: تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه، فولدت له فاطمة حسينا، فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أزوره، فأخذه فوضعه على صدره فبال فأصاب البول إزاره، فزخخت بيدي على كتفيه، فقال: أوجعت ابني أصلحك الله، أو قال: رحمك الله، فقلت: اعطني إزارك أغسله، فقال: إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام (3) * ورواه أحمد أيضا عن يحيى بن بكير عن إسرائيل عن سماك عن قابوس بن مخارق عن أم الفضل فذكر مثله سواء، وليس فيه الاخبار بقتله فالله أعلم * وقال
الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، أنا عمار بن أبي عمارة عن ابن عباس.
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائل، أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا ؟ قال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل التقطه منذ اليوم، قال: فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم رضي الله عنه (4) * قال قتادة: قتل الحسين يوم الجمعة، يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف شهر *
__________
(1) كان قاضي عكبرا وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ كما في المراصد.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 469.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده 6 / 339، 340.
(4) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 243، 283.

وهكذا قال الليث وأبو بكر بن عياش الواقدي والخليفة بن خياط وأبو معشر وغير واحد: إنه قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين، ووزعم بعضهم أنه قتل يوم السبت، والاول أصح * وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس يومئذ، وهو ضعيف، وتغيير آفاق السماء، ولم ينقلب حجر إلا وجد تحته دم، ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس، وأن الورس استحال رمادا، وأن اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار، إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة، وفي بعضها إحتمال، والله أعلم * وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، ولم يقع شئ من هذه الاشياء، وكذلك الصديق بعده، مات ولم يكن شئ من هذا، وكذا عمر بن الخطاب قتل شهيدا وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر، وحصر عثمان في داره وقتل بعد ذلك شهيدا، وقتل علي بن أبي طالب شهيدا بعد صلاة الفجر، ولم يكن شئ من هذه الاشياء، والله أعلم * وقد روى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمارة عن أم سلمة أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي * وهذا صحيح، وقال شهر بن حوشب: كنا عند أم سلمة فجاءها الخبر بقتل الحسين فخرت مغشيا عليها * وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق
يطلبون منه أن يقدم إليهم ليبايعوه بالخلافة، وكثر تواتر الكتب عليه من العامة ومن ابن عمه مسلم بن عقيل، فلما ظهر على ذلك عبيد الله بن زياد نائب العراق ليزيد بن معاوية، فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه ورماه من القصر إلى العامة، فتفرق ملؤهم وتبددت كلمتهم، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق، ولم يشعر بما وقع، فتحمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلثمائة (1)، وقد نهاه عن ذلك جماعة من الصحابة، منهم أبو سعيد، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، فلم يطعهم، وما أحسن ما نهاه ابن عمر عن ذلك، واستدل له على أنه لا يقع ما يريده فلم يقبل، فروى الحافظ البيهقي من حديث يحيى بن سالم الاسدي ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، قال: أين تريد ؟ قال: العراق ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن الله خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها عنكم إلى الذي هو خير منكم، فارجعوا، فأبى وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل (2)، وقد وقع ما فهمه عبد الله بن عمر من ذلك سواء، من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الاستقلال ويتم له الامر، وقد قال ذلك عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب إنه لا يلي أحد من أهل البيت أبدا * ورواه عنهما أبو صالح الخليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ في كتابه الفتن والملاحم.
قلت:
__________
(1) في فتوح ابن الاعثم: كان معه اثنان وثمانون رجلا من شيعته وأهل بيته.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 470 - 471.

وأما الخلفاء الفاطميون الذين كانوا بالديار المصرية، فإن أكثر العلماء على أنهم أدعياء وعلي بن أبي طالب ليس من أهل البيت، ومع هذا لم يتم له الامر كما كان للخلفاء الثلاثة قبله، ولا اتسعت يده في البلاد كلها، ثم تنكدت عليه الامور، وأما ابنه الحسن رضي الله عنه فإنه لما جاء في جيوشه
وتصافي هو وأهل الشام، ورأى أن المصلحة في ترك الخلافة، تركها لله عز وجل، وصيانة لدماء المسلمين، أثابه الله ورضي عنه، وأما الحسين رضي الله عنه فإن ابن عمر لما أشار عليه بترك الذهاب إلى العراق وخالفه، اعتنقه مودعا وقال: أستودعك الله من قتيل، وقد وقع ما تفرسه ابن عمر، فإنه لما استقل ذاهبا بعث إليه عبيدالله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمر (1) بن سعد بن أبي وقاص، وذلك بعد ما استعفاه فلم يعفه، فالتقوا بمكان يقال له كربلاء بالطف، فالتجأ الحسين بن علي وأصحابه إلى مقصبة هنالك، وجعلوها منهم بظهر، وواجهوا أولئك، وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث: إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده في يده.
فيحكم فيه بما شاء، فأبوا عليه واحدة منهن، وقالوا: لا بد من قدومك على عبيد الله بن زياد فيرى فيك رأيه، فأبى أن يقدم عليه أبدا، وقاتلهم دون ذلك، فقتلوه رحمه الله، وذهبوا برأسه إلى عبيدالله بن زياد فوضعوه بين يديه، فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه، وعنده أنس بن مالك جالس، فقال له: يا هذا، ارفع قضيبك، قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه الثنايا، ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله ومن كان معه إلى الشام، إلى يزيد بن معاوية، ويقال: إنه بعث معهم بالرأس حتى وضع بين يدي يزيد فأنشد حينئذ قول بعضهم (2): نفلق هاما من رجال أعزة (3) * علينا وهم كانوا أعق وأظلما ثم أمر بتجهيزهم إلى المدينة النبوية، فلما دخلوها تلقتهم امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها، واضعة كفها (4) على رأسها تبكي وهي تقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الامم
__________
(1) من ابن الاعثم، وفي الاصل عمرو.
5 / 151.
(2) البيت للحصين بن حمام وقبله: أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت * قواضب في إيماننا تقطر الدما (3) في مروج الذهب: أحبة.
(4) في الطبري: كمها، وفي مروج الذهب: خرجت بنت عقيل بن أبي طالب في نساء من قومها حواسر حائرات.
وقيل اسمها أم لقمان بنت عقيل ومعها أخواتها أم معافى واسماء، ورملة، وزينب، وقال ابن أعثم في فتوحه: قائل الابيات علي بن الحسين.

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي (1) * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم (2) ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم (3) * أن تخلفوني بشر (4) في ذوي رحمي وسنورد هذا مفصلا في موضعه إذا أنتهينا إليه إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان * وقد رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وكان فيه تشيع: جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * متزملا بدمائه تزميلا فكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بأن قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا ذكر الاخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد أيضا قال يعقوب بن سفيان: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن عن أيوب بن بشير المعافري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره، فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ما الذي رأيت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول الله ؟ قال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي (5) * هذا مرسل، وقد قال يعقوب بن سفيان: قال وهب بن جرير: قالت جويرية: حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة * (ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لاتوها) * [ الاحزاب: 14 ] قال: لاعطوها، يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة (6) * وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، وتفسير الصحابي في
حكم المرفوع عند كثير من العلماء * وقال نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم: حدثنا أبو عبد الصمد العمي، ثنا أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أرأيت إن الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف أنت صانع ؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تدخل بيتك، قال قلت: فإن أتى علي ؟ قال: يأتي من أنت منه، قال قلت: وأحمل السلاح ؟ قال: إذا تشرك معهم، قال قلت: فكيف أصنع يا رسول الله ؟ قال: إن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق طائفة من ردائك على وجهك يبوء
__________
(1) في ابن الاعثم: منقلبي.
(2) في مروج الذهب: نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم.
(3) في الفتوح: إذ نصحتكم.
(4) في الفتوح: بسوء.
(5) رواه في تاريخ الفسوي 3 / 327 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 6 / 473.
(6) المعرفة والتاريخ 3 / 327.
ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 474.

بأثمك وإثمه * ورواه الامام أحمد في مسنده عن مرحوم - هو ابن عبد العزيز - عن أبي عمران الجوني، فذكره مطولا * قلت: وكان سبب وقعة الحرة أن وفدا من أهل المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق فأكرمهم وأحسن جائزتهم، وأطلق لاميرهم - وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر - قريبا من مائة ألف، فلما رجعوا ذكروا لاهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه الخمر، وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها، بسبب السكر، فاجتمعوا على خلعه، فخلعوه عند المنبر النبوي، فلما بلغه ذلك بعث إليهم سرية، يقدمها رجل يقال له مسلم بن عقبة، وإنما يسميه السلف: مسرف بن عقبة، فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام، فقتل في غضون هذه الايام بشرا كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها (1)، وزعم بعض علماء السلف أنه قتل (2) في غضون ذلك ألف بكر فالله أعلم * وقال عبد الله بن وهب
عن الامام مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، حسبت أنه قال: وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في خلافة يزيد * وقال يعقوب بن سفيان: سمعت سعيد بن كثير بن عفير الانصاري يقول: قتل يوم الحرة عبد الله بن يزيد المازني ومعقل بن سنان الاشجعي، ومعاذ بن الحارث القاري، وقتل عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر * قال يعقوب: وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث قال: كانت وقعة الحرة يوم الاربعاء لثلاث بقين من الحجة سنة ثلاث وستين، ثم انبعث مسرف بن عقبة إلى مكة قاصدا عبد الله بن الزبير ليقتله بها، لانه فر من بيعة يزيد، فمات يزيد بن معاوية في غضون ذلك، واستفحل أمر عبد الله بن الزبير في الخلافة بالحجاز، ثم أخذ العراق ومصر، وبويع بعد يزيد لابنه معاوية بن يزيد، وكان رجلا صالحا، فلم تطل مدته، مكث أربعين يوما، وقيل عشرين يوما، ثم مات رحمه الله، فوثب مروان بن الحكم على الشام فأخذها، فبقي تسعة أشهر ثم مات، وقام بعده ابنه عبد الملك، فنازعه فيها عمرو بن سعيد بن الاشدق وكان نائبا على المدينة من زمن معاوية وأيام يزيد ومروان، فلما هلك مروان زعم أنه أوصى له بالامر من بعد ابنه عبد الملك، فضاق به ذرعا، ولم يزل به حتى أخذه بعدما استفحل أمره بدمشق فقتله في سنة تسع وستين، ويقال: في سنة سبعين، واستمرت أيام عبد الملك حتى ظفر بإبن الزبير سنة ثلاث وسبعين، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عن أمره بمكة، بعد محاصرة طويلة اقتضت أن نصب المنجنيق على الكعبة من أجل أن ابن الزبير لجأ إلى الحرم، فلم يزل به حتى قتله، ثم عهد في الامر إلى بنيه الاربعة بعده الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام بن عبد الملك * وقد قال الامام أحمد: حدثنا أسود ويحيى بن أبي بكير، ثنا كامل
__________
(1) ذكر في مروج الذهب: قتل من قريش بضع وتسعون ومثلهم من الانصار وأربعة الآف من سائر الناس دون من لم يعرف.
وقال ابن الاعثم في الفتوح: قتل من أبناء الانصار ألف وسبعمائة ومن العبيد والموالي وسائر الناس ثلاثة الآف وخمسمائة ومن أولاد المهاجرين ألف وثلاثمائة.
(2) في البيهقي عن المغيرة: افتض ألف عذراء.

أبو العلاء، سمعت أبا صالح وهو مولى ضباعة المؤذن واسمه مينا - قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعوذوا بالله من رأس السبعين، وإمارة الصبيان، وقال: لا تذهب الدنيا حتى يظهر اللكع ابن لكع، وقال الاسود: يعني اللئيم ابن اللئيم (1) * وقد روى الترمذي من حديث أبي كامل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين سنة، ثم قال: حسن غريب * وقد روى الامام أحمد عن عفان وعبد الصمد، عن حماد بن سلمة عن علي بن يزيد: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لينعقن (2) وقال عبد الصمد في روايته ليزعقن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا، زاد عبد الصمد حتى يسيل رعافه، قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص: يرعف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه، قلت: علي بن يزيد بن جدعان في روايته غرابة ونكارة وفيه تشيع، وعمرو بن سعيد هذا، يقال له: الاشدق، كان من سادات المسلمين وأشرافهم، [ في الدنيا لا في الدين ].
وروى عن جماعة من الصحابة، منهم في صحيح مسلم عن عثمان في فصل الطهور، وكان نائبا على المدينة لمعاوية ولابنه يزيد بعده، ثم استفحل أمره حتى كان يصاول عبد الملك بن مروان، ثم خدعه عبد الملك حتى ظفر به فقتله في سنة تسع وستين، أو سنة سبعين، فالله أعلم * وقد روى عنه من المكارم أشياء كثيرة من أحسنها أنه لما حضرته الوفاة قال لبنيه، وكانوا ثلاثة، عمرو هذا، وأمية، وموسى، فقال لهم: من يتحمل ما علي ؟ فبدر ابنه عمرو هذا وقال: أنا يا أبة، وما عليك ؟ قال: ثلاثون ألف دينار، قال: نعم، قال وأخواتك لا تزوجهن إلا بالاكفاء ولو أكلن خبز الشعير، قال: نعم، قال: وأصحابي من بعدي، إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي، قال: نعم، قال: أما لئن، قلت ذلك، فلقد كنت أعرفه من حماليق وجهك وأنت في مهدك * وقد ذكر البيهقي من طريق عبد الله بن صالح - كاتب الليث - عن حرملة بن عمران [ عن أبيه ] (3) عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث عن محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب حتى إذا بلغا صفين، وقف كعب الاحبار فذكر كلامه فيما يقع هناك من سفك دماء المسلمين، وأنه يجد ذلك في التوراة،
وذكر عن قيس بن خرشة أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول الحق، وقال: يا قيس بن خرشة عسى إن عذبك الدهر حتى يكبك (4) بعدي من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم، فقال: والله لا أبايعك على شئ إلا وفيت لك به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لا يضرك بشر، فبلغ قيس إلى
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في المسند 2 / 326، 355، 448.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 385 و 522 وفيه رواية عفان: ليرتقين جبار، وفي رواية عبد الصمد: ليرعفن جبار.
(3) سقطت من الدلائل.
(4) في الدلائل: يليك.

أيام عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان، فنقم عليه عبيد الله في شئ فأحضره فقال: أنت الذي زعم أنه لا يضرك بشر ؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك قد كذبت، ائتوني بصاحب العذاب، قال: فمال قيس عند ذلك فمات (1).
معجزة أخرى روى البيهقي من طريق الدراوردي، عن ثور بن يزيد، موسى بن ميسرة: أن بعض بني عبد الله سايره في بعض طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فوجده عنده رجلا فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل، فلقي العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال: ورآه ؟ قال: نعم، قال: أتدري من ذلك الرجل ؟ ذاك جبريل، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتي علما (2)، وقد مات ابن عباس سنة ثمان وستين بعد ما عمي رضي الله عنه * وروى البيهقي من حديث المعتمر بن سليمان، حدثتنا [ نباتة بن بنت بريد بن يزيد ] (3) عن أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على زيد يعوده في مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت ؟ قال: إذا أحتسب وأصبر، قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب، قال:
فعمي بعد ما مات رسول الله، ثم رد الله عليه بصره، ثم مات.
فصل وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، وعند مسلم عن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا، كلهم يزعم أنه نبي (4) * وقال البيهقي عن الماليني عن أبي [ أحمد بن ] (5) عدي عن أبي يعلى الموصلي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن الحسن الاسدي، ثنا شريك، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن الزبير قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، منهم مسيلمة، والعنسي، والمختار.
وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف، قال ابن عدي: محمد بن الحسن له إفرادات، وقد حدث عنه
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 476 - 477.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 478، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 276 وعزاه للطبراني، وقال: فيه من لم أعرفه.
(3) من الدلائل 6 / 479 وقال البيهقي: كذا وجدته في كتابي: وإنما هي بناتة بنت بريد عن حماده.
وفي الاصل حدثتنا سيابة بنت يزيد عن خمارة وهو تحريف.
والحديث أخرجه الطبراني بهذا الاسناد من طريق أمية بن بسطام وبه مجهولات: بناتة وحمادة وأنيسة.
(4) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة.
ومسلم في الفتن باب (18) حديث 83 و 84.
(5) من الدلائل 6 / 481.

الثقاة، ولم أر بتحديثه بأسا، وقال البيهقي: لحديثه في المختار شواهد صحيحة * ثم أورد من طريق أبي داود الطيالسي، حدثنا الاسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه (1) * قال: ورواه مسلم من حديث الاسود بن شيبان، وله طرق عن أسماء وألفاظ سيأتي إيرادها في موضعه * وقال البيهقي: أنا الحاكم وأبو
سعيد عن الاصم * عن عباس الدراوردي عن عبد الله (2) بن الزبير الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة عن أبي المحيا عن أمه قالت: لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال: يا أمه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة ؟ فقالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير المنافقين * وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شريك عن أبي علوان - عبد الله بن عصمة - عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا، وقد تواتر خبر المختار بن أبي عبيد الكذاب الذي كان نائبا على العراق وكان يزعم أنه نبي، وأن جبريل كان يأتيه بالوحي، وقد قيل لابن عمر وكان زوج أخت المختار وصفيه، إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه.
قال: صدق، قال الله تعالى: * (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) * * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قرة بن خالد عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت ألصق شئ بالمختار الكذاب، قال: فدخلت عليه ذات يوم فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي، قال: فأهويت إلى قائم السيف لاضربه حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله رفع له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه (3) * وقد رواه أسباط بن نصر وزائدة والثوري عن إسماعيل السدي عن رفاعة بن شداد القتباني (4) فذكر نحوه * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي، قال: فاخرت أهل البصرة فغلبتهم أهل الكوفة، والاحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاء بكتاب فقال:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 481 ومسلم في فضائل الصحابة باب (58) ح (229).
(2) في الاصل والدلائل: عبيد الله وهو تحريف وما أثبتناه من التقريب.
وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الحميدي المكي، أبو بكر ثقة من أجل أصحاب ابن عيينة من العاشرة، مات سنة تسع عشرة وقيل بعدها (تقريب التهذيب 1 / 415).
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 482.
(4) من تقريب التهذيب، وفي الاصل القباني تحريف.
وهو رفاعة بن شداد بن عبد الله بن قيس، أبو عاصم الكوفي.
ثقة.

هاك اقرأ: فقرأته فإذا فيه: من المختار لله يذكر أنه نبي، يقول الاحنف: أنى فينا مثل هذا (1)، وأما الحجاج بن يوسف فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير الثقفي، وسنذكر ترجمته إذا إنتهينا إلى أيامه، فإنه كان نائبا على العراق لعبد الملك بن مروان، ثم لابنه الوليد بن عبد الملك، وكان من جبابرة الملوك، على ما كان فيه من الكرم والفصاحة على ما سنذكره * وقد قال البيهقي: ثنا الحاكم عن أبي نضر الفقيه، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، [ قال عبد الله بن صالح المصري ] (2) أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد، عن أبي عذبة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم، فخرج غضبان فصلى لنا الصلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله، سبحان الله فلما سلم أقبل على الناس فقال: من ههنا من أهل الشام ؟ فقام رجل ثم قام آخر، ثم قمت أنا ثالثا أو رابعا، فقال: يا أهل الشام استعدوا لاهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم * قال عبد الله: وحدثني ابن لهيعة بمثله، قال: و [ ما ] ولد الحجاج يومئذ * ورواه الدارمي أيضا عن أبي اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي عذبة الحمصي عن عمر فذكر مثله، قال أبو اليمان: علم عمر أن الحجاج خارج لا محالة، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة، قلت: فإن كان هذا نقله عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تقدم له شاهد عن غيره، وإن كان عن تحديث، فكر امة الولي معجزة لنبيه * وقال عبد الرزاق: أنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن مالك بن دينار، عن الحسن قال: قال علي لاهل الكوفة: اللهم كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني، فسلط عليهم فتى ثقيف الذبال الميال، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها،
ويحكم فيهم بحكم الجاهلية، قال: فتوفي الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ (3) * وهذا منقطع وقد رواه البيهقي أيضا من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه عن أيوب، عن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي بن أبي طالب أنه قال: الشاب الذبال أمير المصرين، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتد منه الفرق، ويكثر منه الارق، ويسلطه الله على شيعته * وله من حديث يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب، حدثني حبيب بن أبي ثابت قال: قال علي: لا مت حتى يدرك فتى ثقيف، فقيل: يا أمير المؤمنين وما فتى ثقيف ؟ فقال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم يبق معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يفتن بمن أطاعه من عصاه (4) * وهذا معضل، وفي صحته عن علي نظر والله أعلم *
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 483.
(2) زيادة استدركت من الدلائل وسقطت من الاصل.
(3) رواه البيهقي بوجهيه في الدلائل 6 / 487 - 488.
(4) المصدر السابق ص 489.

وقال البيهقي: عن الحاكم عن الحسين بن الحسن بن أيوب، عن أبي حاتم الرازي، عن عبد الله بن يوسف التنيسي (1)، ثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها، وجئناهم بالحجاج لغلبناهم * وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها (3) الحجاج * وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) * [ الانعام: 45 ] قلت: وقد توفي الحجاج سنة خمس وتسعين.
الاشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني أمية قد تقدم حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت:
وما دخنه ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، يعرف منهم وينكر، الحديث، فحمل البيهقي وغيره هذا الخير الثاني على أيام عمر بن عبد العزيز * وروى عن الحاكم عن الاصم عن العباس بن الوليد بن مزيد (3) عن أبيه قال: سئل الاوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير، فقال الاوزاعي: هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسألة حذيفة، فهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم، وفيه دخن، قال الاوزاعي: فالخير الجماعة، وفي ولاتهم من يعرف سيرته، وفيهم من ينكر سيرته، قال: فلم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم ما صلوا الصلاة (4) * وروى أبو داود الطيالسي عن داود الواسطي، وكان ثقة، عن حبيب بن سالم عن نعمان بن سالم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم في النبوة ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، قال: فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان، فكتبت إليه أذكره الحديث وكتبته إليه أقول: إني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الجبرية (5)، قال: فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه * وقال نعيم بن حماد: حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل الثنيني تحريف.
وهو أبو محمد الكلامي أصله من دمشق، من أثبت الناس في الموطأ ثقة متقن.
من كبار العاشرة مات سنة ثمان عشرة (تقريب 1 / 463).
(2) في رواية البيهقي في الدلائل 6 / 489: انتهكها.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: مرثد وهو تحريف.
(4) دلائل البيهقي 6 / 491.
(5) في نسخ البداية المطبوعة: الخيرية تحريف.

وعثمان وعلي، فقال لي: ادن فدنوت حتى قمت بين يديه، فرفع بصره إلي وقال: أما إنك ستلي أمر هذه الامة وستعدل عليهم * وسيأتي في الحديث الآخر إن شاء الله أن الله لهذه الامة على رأس
كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وقد قال كثير من الائمة إنه عمر بن عبد العزيز، فإنه تولى سنة إحدى ومائة * وقال البيهقي: أنا الحاكم، أنا أبو حامد أحمد بن علي المقري، ثنا أبو عيسى، ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عفان بن مسلم، ثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق عن جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي فيملا الارض عدلا، قال نافع من قبله: ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز (1) * وقد رواه نعيم بن حماد عن عثمان بن عبد الحميد به، ولهذا طرق عن ابن عمر أنه كان يقول: ليت شعري، من هذا الذي من ولد عمر بن الخطاب في وجهه علامة يملا الارض عدلا ؟ * وقد روي ذلك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب نحوا من هذا، وقد كان هذا الامر مشهورا قبل ولايته وميلاده بالكلية أنه يلي رجل من بني أمية يقال له: أشج بني مروان، وكانت أمه أروى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان أبوه عبد العزيز بن مروان نائبا لاخيه عبد الملك على مصر، وكان يكرم عبد الله بن عمر، ويبعث إليه بالتحف والهدايا والجوائز فيقبلها، وبعث إليه مرة بألف دينار فأخذها، وقد دخل عمر بن عبد العزيز يوما إلى اصطبل أبيه وهو صغير، فرمحه فرس فشجه في جبينه، فجعل أبوه يسلت عنه الدم ويقول: أما لئن كنت أشج بني مروان، إنك إذا لسعيد، وكان الناس يقولون: الاشج والناقص أعدلا بني مروان، فالاشج هو عمر بن عبد العزيز، والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك، الذي يقول فيه الشاعر: رأيت اليزيد بن الوليد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كاهله قلت: وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفا، فملا الارض عدلا، وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته، وقد حمل البيهقي الحديث المتقدم عن عدي بن حاتم، على أيام عمر بن عبد العزيز، وعندي في ذلك نظر، والله أعلم * وقد روى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبو معن الانصاري، ثنا أسيد قال: بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة بفلاة من الارض إذ رأى حية ميتة فقال: علي بمحفار، فقالوا: نكفيك أصلحك الله، قال: لا، ثم أخذه ثم لفه في خرقة ودفنه، فإذا هاتف يهتف: رحمة الله
عليك يا سرق، فقال له عمر بن عبد العزيز: من أنت يرحمك الله ؟ قال: أنا رجل من الجن وهذا سرق، ولم يبق ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغيره، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تموت يا سرق بفلاة من الارض ويدفنك خير أمتي (2) * وقد روي هذا من وجه آخر وفيه:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 492.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 493 - 494.

أنهم كانوا تسعة بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن عمر بن عبد العزيز حلفه، فلما حلف بكى عمر بن عبد العزيز * وقد رجحه البيهقي وحسنه، فالله أعلم.
حديث آخر في صحته نظر في ذكر وهب بن منبه بالمدح، وذكر غيلان بالذم روى البيهقي من حديث هشام بن عمار وغيره عن الوليد بن مسلم (1) عن مروان بن سالم اليرقاني (2) عن الاحوص بن حكيم عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي رجل يقال له: وهب، يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له: غيلان، هو أضر على أمتي من إبليس * وهذا لا يصح لان مروان بن سالم هذا متروك، وبه إلى الوليد: حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر * قال البيهقي: وفي هذا وأمثاله إشارة إلى غيلان وما ظهر بالشام بسببه من التكذيب بالقدر حتى قتل.
الاشارة إلى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه قال حرملة عن ابن وهب: أخبرني أبو صخر عن عبد الله بن مغيث عن أبي بردة الظفري، عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في أحد الكاهنين رجل قد درس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده (3) * وروى البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن إسماعيل القاضي، ثنا أبو ثابت، ثنا ابن وهب، حدثني عبد الجبار بن عمر، عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره، قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي، قال أبو ثابت: الكاهنان، قريظة والنضير * وقد روى من وجه آخر مرسل: يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس بكتاب الله، وقد قال عون بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب (4).
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل أسلم.
(2) في الدلائل: القرقساني.
ج 6 / 496.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 498.
(4) روى خبر محمد بن كعب البيهقي في الدلائل 6 / 498 - 499.
ومحمد بن كعب بن سليم القرظي المدني من أئمة التفسير ثقة عالم متبحر، قيل كان مجاب الدعوة كبير القدر توفي سنة 108 ه.

ذكر الاخبار بإنخرام قرنه صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة (1) عن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ليلة في آخر عمره، فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الارض أحد، قال ابن عمر: فوهل الناس من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ما يحدثون من هذه الاحاديث من مائة سنة، وإنما يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن (2)، وفي رواية: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنخرام قرنه * وفي صحيح مسلم من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بشهر: يسألون عن الساعة، وإنما علمها عند الله، فأقسم بالله ما على ظهر الارض من نفس منفوسة اليوم، يأتي عليها مائة سنة (3) * وهذا الحديث وأمثاله مما يحتج به من ذهب من الائمة إلى أن الخضر ليس بموجود الآن، كما قدمنا ذلك في ترجمته في قصص الانبياء عليهم السلام، وهو نص على أن جميع الاحياء في الارض يموتون إلى تمام مائة سنة من إخباره عليه السلام، وكذا وقع سواء، فما نعلم تأخر أحد من أصحابه إلى ما يجاوز
هذه المدة، وكذلك جميع الناس * ثم قد طرد بعض العلماء هذا الحكم في كل مائة سنة، وليس في الحديث تعرض لهذا، والله أعلم.
حديث آخر قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني شريح بن يزيد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد الالهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: هذا الغلام يعيش قرنا، قال: فعاش مائة سنة * وقد رواه البخاري في التاريخ عن أبي حيوة شريح بن يزيد به فذكره، قال: وزاد غيره: وكان في وجهه ثالول، فقال: ولا يموت حتى يذهب الثالول من وجهه، فلم يمت حتى ذهب الثالول من وجهه * وهذا إسناد على شرط السنن، ولم يخرجوه * ورواه البيهقي عن الحاكم عن محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى عن الفضل بن محرز الشعراني، ثنا حيوة بن شريح عن إبراهيم بن محمد بن زياد الالهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا، فعاش مائة سنة (4) * قال الواقدي وغير واحد: توفي
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل حيثمة.
(2) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء.
ومسلم في فضائل الصحابة.
باب (53) حديث 217 ص (1965).
(3) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب (53) ح (221) ص 1967.
والامام أحمد في مسنده 1 / 293.
(4) رواه البيهقي من طريق الحسين بن الفرج في الدلائل 6 / 503.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55