كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

الله ولا كانت عهدا عهدها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا - يقول يكون آخرنا - وأن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له، وأن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة، ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله.
ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.
الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم (1) قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء،
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
وهذا إسناد صحيح فقوله رضي الله عنه: - وليتكم ولست بخيركم - من باب الهضم والتواضع فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحافظ الاسفراييني، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وابن إبراهيم بن أبي طالب.
قالا: حدثنا ميدار بن يسار.
وحدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، حدثنا داود بن أبي هند حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري.
قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قال فقام خطيب الانصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره.
قال فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم ! أما لو قلتم على غير هذا لم نبايعكم، وأخذ بيد أبي بكر.
وقال: هذا صاحبكم فبايعوه.
فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والانصار.
قال: فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير.
قال: فدعا بالزبير فجاء.
فقال: قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فبايعه.
ثم نظر وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء.
فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين.
قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه.
هذا أو معناه.
وقال أبو علي الحافظ، سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه، وهذا حديث يسوي بدنة بل يسوي بدرة ! وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب، الاصم، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن سلم عن وهيب به ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الانصار بدل عمر.
وفيه: أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فسأله عنه فقام ناس من
__________
(1) في الطبري وابن الاثير: فيكم.

الانصار فأتوا به فذكر نحو ما تقدم، ثم ذكر قصة الزبير بعد علي.
فالله أعلم.
وقد رواه علي بن عاصم عن الجريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري فذكر نحو ما تقدم، وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة.
وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الاوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة كما سنبينه قريبا، ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه.
أنه قال: " لا نورث من تركنا فهو صدقة " فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح كما سنبين ذلك في موضعه، فسألته أن ينظر علي في صدقة الارض التي بخيبر وفدك فلم يجبها إلى ذلك.
لانه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه، فحصل لها - وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة - عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى ماتت، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشئ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه كما سنذكره من الصحيحين وغيرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى معما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم حدثني أبي، أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير.
ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: ما كنت حريصا على الامارة يوما ولا ليلة، ولا سألتها في سر ولا علانية فقبل المهاجرون مقالته.
وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لانا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حي.
إسناد جيد.
ولله الحمد والمنة
فصل ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة المهاجرين منهم والانصار على تقديم أبي بكر، وظهر برهان قوله عليه السلام: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وظهر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عينا لاحد من الناس، لا لابي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلي كما يقوله طائفة من الرافضة.
ولكن أشار إشارة ! قوية يفهمها كل ذي لب وعقل إلى الصديق كما قدمنا وسنذكره.
ولله الحمد كما ثبت في الصحيحين من حيث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له إلا تستخلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني.
يعني - أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، يعني - رسول

الله صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن عمر: فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غير مستخلف.
وقال سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان.
قال: لما ظهر علي على الناس.
قال: يا أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الامارة شيئا، حتى رأينا من الرأي أن يستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتى مضى لسبيله - أو قال حتى ضرب الدين بجرانه (1) - إلى آخره.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان.
قال: خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي: هذا الخطيب السجسج (2)، سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد الزكي بمرو، ثنا عبد الله بن روح المدائني، ثنا شبابة بن سوار، ثنا شعيب بن ميمون، عن حصين بن عبد الرحمن، عن الشعبي عن أبي وائل.
قال: قيل لعلي بن أبي طالب، ألا تستخلف علينا ؟ فقال ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.
إسناد جيد ولم يخرجوه.
وقد قدمنا ما ذكره البخاري: من حديث الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابن عباس: أن
عباسا وعليا لما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال علي: أصبح بحمد الله بارئا.
فقال العباس: إنك والله عبد العصا بعد ثلاث، إني لاعرف في وجوه بني هاشم الموت، واني لارى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الامر ؟ فإن كان فينا عرفناه، وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا.
فقال علي: إني لا أسأله ذلك، والله إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن الزهري به فذكره.
وقال فيه: فدخلا عليه في يوم قبض صلى الله عليه وسلم فذكره.
وقال في آخره فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم.
قلت: فهذا يكون في يوم الاثنين يوم الوفاة، فدل على أنه عليه السلام توفي من غير وصية في الامارة.
وفي الصحيحين عن ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب ذلك الكتاب، وقد قدمنا أنه عليه السلام كان طلب أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده فلما أكثروا اللغط والاختلاف عنده.
قال: " قوموا عني فما أنا في خير مما تدعونني إليه " وقد قدمنا أنه قال بعد ذلك: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عون، عن إبراهيم التيمي، عن الاسود قال: قيل لعائشة إنهم يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي.
فقالت: بما أوصى إلى علي ؟ لقد دعا بطست ليبول فيها وأنا مسندته إلى صدري فانحنف (3) فمات
__________
(1) الجران: مقدم عنق البعير، والمراد هنا: قوي أمره واشتد.
(2) السجسج: الارض التي ليست بصلبة ولا لينة.
(3) في رواية البيهقي انخنث وقيل انخنس أي مال.
والحديث في مسند الامام أحمد 6 / 32 والبخاري في الوصايا.
ومسلم في كتاب الوصية (5) باب.

وما شعرت، فيم يقول هؤلاء إنه أوصى إلى علي ؟.
وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى، هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا ! قلت فلم أمرنا بالوصية، قال: أوصى بكتاب الله عز وجل.
قال طلحة بن مصرف وقال هذيل بن شرحبيل ! أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرم
أنفه بخرامة.
وفي الصحيحين أيضا من حديث الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه.
قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقال من زعم أنه عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة - لصحيفة معلقة في سيفه فيها أسنان الابل وأشياء من الجراحات - فقد كذب.
وفيها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور (1) من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم في أخفى مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " (2).
وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إليه بالخلافة، ولو كان الامر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته من أن يقتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا ولما، ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادتهم في حكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الاسلام وكفر بإجماع الائمة الاعلام، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام.
ثم لو كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص فلم لا كان يحتج به على الصحابة على إثبات إمارته عليهم وإمامته لهم ؟ فإن لم يقدر على تنفيذ ما معه من النص فهو عاجز والعاجز لا يصلح للامارة وإن كان يقدر ولم يفعله فهو خائن والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الامارة، وإن لم يعلم بوجود النص فهو جاهل.
ثم وقد عرفه وعلمه من بعده هذا محال وافتراء وجهل وضلال.
وإنما يحسن هذا في أذهان الجهلة الطغام والمغترين من الانام، يزينه لهم الشيطان بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد التحكم والهذيان والافك والبهتان، عياذا بالله مما هم فيه من التخليط والخذلان والتخبيط والكفران، وملاذا بالله بالتمسك بالسنة والقرآن والوفاة على الاسلام والايمان، والموافاة على الثبات والايقان وتثقيل الميزان، والنجاة من النيران والفوز بالجنان إنه كريم منان رحيم رحمن.
وفي هذا الحديث الثابت في الصحيحين عن علي الذي قدمناه رد على متقولة كثير من الطرقية
__________
(1) عير وثور: جبلان بالمدينة.
(2) البخاري في باب ذمة المسلمين (4 / 122).
وأحمد في مسنده 1 / 81 وأبو داود في المناسك 2 / 216.

والقصاص الجهلة في دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي بأشياء كثيرة يسوقونها مطولة، يا علي أفعل كذا، يا علي لا تفعل كذا، يا علي من فعل كذا كان كذا وكذا.
بألفاظ ركيكة ومعان أكثرها سخيفة وكثير منها صحفية لا تساوي تسويد الصحيفة.
والله أعلم.
وقد أورد الحفظ البيهقي: من طريق حماد بن عمرو النصيبي - وهو أحد الكذابين الصواغين - عن السري بن خلاد (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: يا علي أوصيك بوصية أحفظها فإنك لا تزال بخير ما حفظتها، يا علي إن للمؤمن ثلاث علامات الصلاة والصيام والزكاة.
قال البيهقي: فذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب وهو حديث موضوع وقد شرطت في أول الكتاب أن لا أخرج فيه حديثا أعلمه موضوعا، ثم روى من طريق حماد بن عمرو، هذا عن زيد بن رفيع، عن مكحول الشامي.
قال: هذا ما قال الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه سورة النصر.
قال البيهقي: فذكر حديثا طويلا في الفتنة وهو أيضا حديث منكر ليس له أصل، وفي الاحاديث الصحيحة كفاية وبالله التوفيق.
ولنذكر ها هنا ترجمة حماد بن عمرو أبي إسماعيل النصيبي (2) روى عن الاعمش وغيره وعنه إبراهيم بن موسى، ومحمد بن مهران، وموسى بن أيوب وغيرهم.
قال يحيى بن معين: هو ممن يكذب ويضع الحديث.
وقال عمرو بن علي الفلاس وأبو حاتم: منكر الحديث ضعيف جدا.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان يكذب.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن حبان: يضع الحديث وضعا.
وقال ابن عدي: عامة حديثه مما لا يتابعه أحد من الثقات عليه.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال الحاكم أبو عبد الله: يروي عن الثقات أحاديث موضوعة، وهو ساقط بمرة.
فأما الحديث الذي قال الحافظ
البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا حمزة بن العباس العقبي ببغداد، ثنا عبد الله بن روح المدائني، ثنا سلام بن سليمان المدائني، ثنا سلام بن سليم الطويل، عن عبد الملك بن عبد الرحمن، عن الحسن المقبري (3)، عن الاشعث بن طليق، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود.
قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعنا في بيت عائشة فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا الفراق، ونعى إلينا نفسه، ثم قال: مرحبا بكم حياكم الله، هداكم الله، نصركم الله، نفعكم الله، وفقكم الله، سددكم الله، وقاكم الله، أعانكم الله.
قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم، إني لكم منه نذير مبين، أن لا تعلوا على الله في عبادة وبلاده.
فإن الله قال لي ولكم * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
__________
(1) في دلائل البيهقي 7 / 226: خالد.
(2) من أهل نصيبين انظر ترجمة له في التاريخ الكبير 3 / 28 والضعفاء الكبير للعقيلي 1 / 308 والمجروحين 1 / 252 والميزان 1 / 598.
(3) العرني: في الدلائل ج 7 / 231 - 232.

يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) * [ القصص: 83 ].
وقال: * (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) * [ العنكبوت: 68 ].
قلنا: فمتى أجلك يا رسول الله ؟ قال: قد دنا الاجل، والمنقلب إلى الله والسدرة المنتهى والكأس الاوفى والفرش الاعلى.
قلنا: فمن يغسلك يا رسول الله ؟ قال رجال أهل بيتي الادنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
قلنا: ففيم نكفنك يا رسول الله ؟ قال: في ثيابي هذه إن شئتم أو في يمينة أو في بياض مصر.
قلنا: فمن يصلي عليك يا رسول الله ؟ فبكى وبكينا.
وقال: مهلا ! غفر الله لكم، وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا غسلتموني، وحنطتموني وكفنتموني فضعوني على شفير قبري.
ثم أخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي خليلاي وجليساي جبريل وميكائيل ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة عليهم السلام، وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم ادخلوا علي أفواجا
أفواجا وفرادى فرادى، ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بضجة (1) ومن كان غائبا من أصحابي فأبلغوه عني السلام، وأشهدكم بأني قد سلمت على من دخل في الاسلام، ومن تابعني في ديني هذا منذ اليوم إلى يوم القيامة.
قلنا: فمن يدخلك قبرك يا رسول الله ؟ قال: رجال أهل بيتي الادنى فالادنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
ثم قال البيهقي تابعه أحمد بن يونس عن سلام الطويل وتفرد به سلام الطويل.
قلت: وهو سلام بن مسلم ويقال ابن سليم ويقال ابن سليمان والاول أصح التميمي السعدي الطويل.
يروي عن جعفر الصادق وحميد الطويل وزيد العمي وجماعة، وعنه جماعة أيضا منهم: أحمد بن عبد الله بن يونس، وأسد بن موسى، وخلف بن هشام البزار، وعلي بن الجعد، وقبيصة بن عقبة.
وقد ضعفه علي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والجوزجاني والنسائي وغير واحد، وكذبه بعض الائمة، وتركه آخرون.
لكن روى هذا الحديث بهذا السياق بطوله الحافظ أبو بكر البزار من غير طريق سلام هذا فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ابن الاصبهاني أنه أخبره عن مرة عن عبد الله فذكر الحديث بطوله.
ثم قال البزار: وقد روى هذا عن مرة من غير وجه بأسانيد متقاربة وعبد الرحمن بن الاصبهاني لم يسمع هذا من مرة وإنما هو عمن أخبره عن مرة، ولا أعلم أحدا رواه عن عبد الله بن مرة.
__________
(1) بصيمة في البيهقي.

فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبلغ سنه حال وفاته وفي كيفية غسله عليه السلام والصلاة عليه ودفنه، وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين.
قال ابن عباس: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين،
ونبئ يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين.
ودخل المدينة يوم الاثنين، ومات يوم الاثنين.
رواه الامام أحمد والبيهقي (1).
وقال سفيان الثوري.
عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت يوم الاثنين.
فقال: إني لارجو أن أموت فيه فمات فيه.
رواه البيهقي من حديث الثوري به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا هريم حدثني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الاربعاء تفرد به أحمد.
وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه أرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صدر عائشة وفي يومها: يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول.
وقد قال أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة عن الزهري عن أنس.
قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم الاثنين كشف الستارة والناس خلف أبي بكر فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن أمكثوا وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم.
وهذا الحديث في الصحيح وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال.
والله أعلم.
وروى يعقوب بن سفيان: عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، وعن صفوان، عن عمر بن عبد الواحد جميعا عن الاوزاعي.
أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن كامل (2)، ثنا الحسن بن علي البزار، ثنا محمد بن عبد الاعلى، ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي.
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له، يقال لها ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض [ فيه ] يوم السبت، وكانت وفاته عليه السلام [ اليوم العاشر ] يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة (3).
وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس.
قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
__________
(1) دلائل البيهقي 7 / 233 وفتح الباري 3 / 252.
(2) من الدلائل 7 / 234 وفي نسخ البداية المطبوعة حنبل تحريف.
(3) ما بين معكوفتين في الحديث زيادة من الدلائل.

الاربعاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة إحدى عشرة.
وقال الواقدي: وقالوا بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول.
وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه، وزاد - ودفن يوم الثلاثاء.
قال الواقدي: وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الابيض عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أحمد بن يونس ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس.
قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما فكان إذا وجد خفة صلى وإذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه.
وقال محمد بن إسحاق: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا، واستكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل.
قال الواقدي وهو المثبت عندنا وجزم به محمد بن سعد كاتبه، وقال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير عن الليث.
إنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الاول وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه.
وقال سعد بن إبراهيم الزهري: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة، رواه ابن عساكر ورواه الواقدي عن أبي معشر عن محمد بن قيس مثله سواء.
وقاله خليفة بن خياط أيضا.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الاول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة، ورواه ابن عساكر أيضا.
وقد تقدم قريبا عن عروة وموسى بن عقبة والزهري مثله فيما نقلناه عن مغازيهما.
فالله أعلم.
والمشهور قول ابن إسحاق والواقدي.
ورواه الواقدي عن ابن عباس عن عائشة رضي الله عنها فقال: حدثني إبراهيم بن يزيد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس.
وحدثني محمد بن عبد الله
عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول.
ورواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه مثله - وزاد ودفن ليلة الاربعاء.
وروى سيف بن عمر عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس.
قال: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة والوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا، ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الاول.
وروى أيضا عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة.
وفي حديث فاطمة عن عمرة عن عائشة مثله إلا أن ابن عباس قال في أوله لايام مضين منه وقالت عائشة بعدما مضى أيام منه (1).
فائدة: قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه.
لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول من سنة إحدى عشرة وذلك لانه عليه السلام وقف في حجة الوداع
__________
(1) انظر في تاريخ وفاته: المغازي للواقدي 3 / 1120 الطبري 3 / 207 دلائل البيهقي ج 7 / 233 سيرة ابن هشام 4 / 303 ابن سعد 2 / 272.

سنة عشر يوم الجمعة فكان أول ذي الحجة يوم الخميس فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها ناقص، لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول وقد اشتهر هذا الايراد على هذا القول.
وقد حاول جماعة الجواب عنه ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد وهو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة - يعني من المدينة - إلى حجة الوداع ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت وليس كما زعم ابن حزم انه خرج يوم الخميس لانه قد بقي أكثر من خمس بلا شك ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لان أنسا قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة وإذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الاول يوم
الخميس فيكون ثاني عشره يوم الاثنين والله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالابيض الامهق (1) ولا بالادم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين (2)، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وهكذا رواه ابن وهب عن عروة عن الزهري عن أنس، وعن قرة بن ربيعة عن أنس مثل ذلك.
قال الحافظ ابن عساكر: حديث قرة عن الزهري غريب.
وأما من رواية ربيعة عن أنس فرواها عنه جماعة كذلك ثم أسند من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين وكذلك رواه ابن البربري، ونافع بن أبي نعيم، عن ربيعة عن أنس به قال: والمحفوظ عن ربيعة عن أنس ستون.
ثم أورده ابن عساكر: من طريق مالك والاوزاعي ومسعر وإبراهيم بن طهمان وعبد الله بن عمر، وسليمان بن بلال، وأنس بن بلال، وأنس بن عياض، والدراوردي ومحمد بن قيس المدني كلهم عن ربيعة عن أنس.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة وقال البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو عمرو بن السماك، ثنا حنبل بن إسحاق ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو، حدثنا عبد الوارث، ثنا أبو غالب الباهلي قال: قلت لانس بن مالك: ابن أي الرجال [ كان ] رسول الله إذ بعث ؟ قال: كان ابن أربعين سنة.
قال ثم كان ماذا ؟ قال كان بمكة عشر سنين
__________
(1) الامهق: الابيض لا تخالطه حمرة.
والقطط: الشديد جعودة الشعر.
والسبط، ضد الجعودة.
قال ابن الاثير: أي لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما.
(2) الصحيح انه أقام في مكة ثلاث عشرة سنة، ولكنه لم ينزل عليه إلا في عشر، فالوحي - كما تقدم - فتر في ابتدائه سنتين ونصفا، وأقام ستة أشهر يرى رؤيا صالحة.
فهذه ثلاث سنين لم يوح إليه.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المناقب (23) باب صفة النبي صلى الله عليه وآله.
ومسلم في كتاب الفضائل 31 باب في صفة النبي صلى الله عليه وآله الحديث (113).

وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز وجل وهو كأشد (1) الرجال وأحسنهم وأجملهم وألحمهم.
ورواه الامام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به.
وقد روى مسلم عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب برشح عن حكام بن مسلم (2)، عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين [ وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ] (3) وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين.
انفرد به مسلم.
وهذا لا ينافي ما تقدم عن أنس لان العرب كثيرا ما تحذف الكسر وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب مثله وروى موسى بن عقبة وعقيل ويونس بن يزيد وابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك.
وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة وابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا.
لم يخرجه مسلم.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن عبد الله عن معاوية بن أبي سفيان.
قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين.
وهكذا رواه مسلم من حديث غندر، عن شعبة وهو من إفراده دون البخاري.
ومنهم من يقول عن عامر بن سعد عن معاوية والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية فذكره.
وروينا من طريق عامر بن شراحيل، عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله البجلي عن معاوية فذكره.
وروى الحافظ ابن عساكر: من طريق القاضي أبي يوسف، عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أنس.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين.
وقال ابن لهيعة: عن أبي الاسود، عن عروة عن عائشة قالت: تذاكر رسول الله وأبو بكر ميلادهما عندي فكان رسول الله أكبر من أبي بكر فتوفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين.
وقال الثوري عن الاعمش، عن
القاسم بن عبد الرحمن.
قال: توفي رسول الله وأبو بكر وعمر وهم بنو ثلاث وستين.
وقال حنبل حدثنا الامام أحمد ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وهذا غريب عنه وصحيح إليه.
وقال أحمد: ثنا هشيم، ثنا داود أبي هند، عن الشعبي قال: نبئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث سنين، ثم بعث إليه جبريل بالرسالة ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة، فقبض
__________
(1) في الدلائل: 7 / 237: كأشب.
(2) مسلم: ابن سلم.
وفي رواية البيهقي: الملقب بزنيج قال حدثنا حكام بن سالم.
(3) من صحيح مسلم.
ج 4 / 1825 والبيهقي 7 / 237.

وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الامام أبو عبد الله أحمد بن حنبل: الثابت عندنا ثلاث وستون.
قلت وهكذا: روى مجاهد، عن الشعبي، وروى من حديث إسماعيل بن أبي خالد عنه.
وفي الصحيحين: من حديث روح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وفي صحيح البخاري: من حديث روح بن عبادة أيضا عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ثم مات وهو ابن ثلاث وستين.
وكذلك رواه الامام أحمد: عن روح بن عبادة، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون كلهم عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس به.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي، عن الحسن بن عمر بن شقيق، عن جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس فذكر مثله.
ثم أورده من طرق عن ابن عباس مثل ذلك.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن أبي حمزة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه: وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة، عن عبد الله بن عمر، عن كريب عن ابن عباس.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث
وستين.
ومن حديث أبي نضرة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس مثله وهذا القول هو الاشهر وعليه الاكثر.
وقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل عن خالد الحذاء، حدثني عمار مولى بني هاشم سمعت ابن عباس يقول: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة.
ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به.
وقال أحمد ثنا حسن بن موسى، ثنا حماد بن سلمة، عن عمارة بن أبي عمار عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة ثماني سنين - أو سبع - يرى الضوء ويسمع الصوت، وثمانية أو سبعا يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا يونس، عن عمار مولى بني هاشم.
قال: سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ؟ قال: ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليك ذلك.
قال قلت: إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه.
قال أتحسب ؟ قلت: نعم ! قال: أمسك أربعين بعث لها وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف وعشرا مهاجرا بالمدينة.
وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع وشعبة بن الحجاج كلاهما عن يونس بن عبيد عن عمار عن ابن عباس بنحوه.
وقال الامام أحمد ثنا ابن نمير، ثنا العلاء بن صالح، ثنا المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير.
أن رجلا أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرا بمكة وعشرا بالمدينة.
فقال من يقول ذلك ؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة.
وبالمدينة عشرا خمسا وستين وأكثر وهذا من إفراد أحمد إسنادا ومتنا.
وقال الامام أحمد: ثنا هشيم، نثا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس.
قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة تفرد به أحمد وقد روى الترمذي في كتاب الشمائل وأبو يعلى الموصلي والبيهقي: من حديث

قتادة، عن الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين.
ثم قال الترمذي: دغفل لا يعرف له سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان في زمانه رجلا.
وقال البيهقي: وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس.
ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح فهم أوثق وأكثر وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة
وإحدى الروايتين عن أنس والرواية الصحيحة عن معاوية وهي قول سعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم.
قلت: وعبد الله بن عقبة، والقاسم بن عبد الرحمن، والحسن البصري وعلي بن الحسين وغير واحد.
ومن الاقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خياط: عن معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة.
ورواه يعقوب بن سفيان: عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة مثله.
ورواه زيد العمي، عن يزيد عن أنس.
ومن ذلك ما رواه محمد بن عابد، عن القاسم بن حميد، عن النعمان بن المنذر الغساني، عن مكحول.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر.
ورواه يعقوب بن سفيان: عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف.
وأغرب من ذلك كله ما رواه الامام أحمد عن روح، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن.
قال: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين بمكة وعشرا بعدما هاجر.
فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة فقد ذهب إلى أنه عليه السلام عاش ثمانيا وخمسين سنة.
وهذا غريب جدا، لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسان، عن الحسن.
أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة.
وقال خليفة بن خياط: حدثنا أبو عاصم، عن أشعث عن الحسن قال: بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين.
وهذا بهذا الصفة غريب جدا.
والله أعلم.
صفة غسله عليه السلام قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء فلما تمهدت وتوطدت وتمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وقد تقدم من حديث ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن
عائشة: أن رسول الله توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، ثنا أبو بردة، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة عن أبيه.
قال: لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه.
ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة - واسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفي.
وقال محمد بن

إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه، كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم.
فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه (1).
رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق.
وقال الامام أحمد، حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، والفضل بن عباس وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه.
فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس بن خولي الانصاري أحد بني عوف بن الخزرج - وكان بدريا - علي بن أبي طالب.
فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له علي: أدخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا، فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي.
وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما يرى من الميت.
وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله، - وكان يغسل بالماء والسدر - جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت.
ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة، قال ثم دعا العباس رجلين.
فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي
عبيدة بن الجراح - وكان أبو عبيدة يضرح لاهل مكة.
وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الانصاري - وكان أبو طلحة يلحد لاهل المدينة.
قال: ثم قال العباس حين سرحهما: اللهم خر لرسولك ! قال فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد به أحمد (2).
وقال يونس بن بكير: عن المنذر بن ثعلبة، عن الصلت عن العلباء بن أحمر قال: كان علي والفضل يغسلان رسول الله.
فنودي علي أرفع طرفك إلى السماء وهذا منقطع.
قلت: وقد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا علي لا تبد فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ".
وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 7 / 242، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 59 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ".
ونقله السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 27 وعزاه لابن سعد ولابي داود والبيهقي.
(2) مسند أحمد حديث رقم 2358 والقسم الاخير منه في سيرة ابن هشام ج 4 / 270.

يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا ضمرة (1) ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب.
قال قال علي غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجه من حديث معمر به، زاد البيهقي في روايته قال سعيد بن المسيب: وقد ولي دفنه عليه السلام أربعة علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحدوا له لحدا ونصبوا عليه اللبن نصبا.
وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبي، ومحمد بن قيس وعبد الله بن الحارث وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها ها هنا.
وقال البيهقي: وروى أبو عمرو بن كيسان، عن يزيد بن بلال سمعت عليا يقول: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري.
فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.
قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قال علي: فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله (2).
وقد اسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده.
فقال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال.
قال: قال علي بن أبي طالب: أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.
قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قلت: هذا غريب جدا.
وقال البيهقي: أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العباس الاصم، ثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص (3) عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج: سعمت محمد بن علي - أبا جعفر - قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال لها الغرس (4) بقباء كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله يشرب منها، وولي غسله علي والفضل يحتضنه، والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول ارحني قطعت وتيني إني لاجد شيئا يترطل علي.
وقال الواقدي: ثنا عاصم بن عبد الله الحكمي، عن عمر بن عبد الحكم.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه ".
وكان رسول الله يستعذب له منها وغسل من بئر غرس.
وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون، عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر، أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليه كلة (5) من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت، فدخل الكلة ودعا عليا والفضل فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بني هاشم من وراء الكلة، ومن أدخل من الانصار حيث ناشدوا أبي وسألوه: منهم أوس بن خولى رضي الله عنهم أجمعين.
ثم
__________
(1) في الدلائل 7 / 243: حدثنا مسدد.
(2) انظر الخبر في الدلائل ج 7 / 244 وطبقات ابن سعد 2 / 277 ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 276.
(3) في الدلائل 7 / 244: جعفر.
(4) في الدلائل: الغرث، والصواب ما أثبتناه وهي بئر معروفة بالمدينة.
(5) كلة: غشاء رقيق يتوقى به من البعوض.

قال سيف، عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس، فذكر ضرب الكلة وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان وأسامة، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت، فذكر أنهم ألقى عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول لا تغسلوا رسول الله فإنه كان طاهرا فقال العباس ألا بلى وقال أهل البيت صدق فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو ؟ وغشيهم النعاس ثانية فناداهم أن غسلوه وعليه ثيابه.
فقال أهل البيت ألا لا.
وقال العباس إلا نعم ! فشرعوا في غسله وعليه قميص ومجول مفتوح، فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتصر قميصه ومجوله ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عودا وندا (1) ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه وهذا السياق فيه غرابة جدا.
صفة كفنه عليه الصلاة والسلام قال الامام أحمد: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الاوزاعي، حدثني الزهري، عن القاسم عن عائشة.
قالت: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه.
قال القاسم: إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد.
وهذا الاسناد على شرط الشيخين.
وإنما رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل والنسائي عن محمد بن مثنى ومجاهد بن موسى فروهما كلهم عن الوليد بن مسلم به.
وقال الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: ثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة (2).
وكذا رواه البخاري: عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه عن عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض.
وأخرجه مسلم: من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجه البخاري: عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري كلاهما عن هشام بن عروة به.
وقال أبو داود: ثنا قتيبة، ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة.
قال: فذكر لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة، فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم
يكفنوه فيه.
وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن سلمة (3) ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله في ثلاثة
__________
(1) الند: العنبر، وقيل أي نوع من الطيب.
(2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (19) باب.
ومسلم في كتاب الجنائز 130 باب.
ومالك في الموطأ في كتاب الجنائز (2) باب.
والنسائي وابن ماجه في الجنائز.
وأحمد في مسنده: 6 / 40، 93، 118، 123، 231.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: مسلم تحريف.

أثواب بيض، سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها إنما اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت.
وأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لاحبسنها حتى أكفن فيها.
ثم قال: لو رضيها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره عن أبي معاوية، ثم رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبي بكر، ولف فيها ثم نزعت عنه (1)، فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه، حتى يكفن فيها إذا مات.
ثم قال بعد أن أمسكها: ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكفن فيه، فتصدق بثمنها عبد الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض.
ورواه النسائي: عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق.
قال الامام أحمد: حدثنا مسكين بن بكير، عن سعيد يعني ابن عبد العزيز قال قال مكحول حدثني عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية.
انفرد به أحمد.
وقال أبو يعلى الموصلي: ثنا سهل بن حبيب الانصاري، ثنا عاصم بن هلال، إمام مسجد أيوب، ثنا أيوب عن نافع عن
ابن عمر.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية.
وقال سفيان، عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب، ووقع في بعض الروايات، ثوبين صحاريين (2) وبرد حبرة.
وقال الامام أحمد: ثنا ابن إدريس، ثنا يزيد عن مقسم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب في قميصه الذي مات فيه، وحلة نجرانية - الحلة ثوبان - ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة وابن ماجه عن علي بن محمد ثلاثتهم عن عبد الله بن أدريس عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس بنحوه.
وهذا غريب جدا.
وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد حمراء.
انفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال أبو بكر الشافعي: ثنا علي بن الحسن، ثنا حميد بن الربيع، ثنا بكر - يعني ابن عبد الرحمن - ثنا عيسى - يعني المختار - عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس.
قال: كفن رسول الله في ثوبين أبيضين وبرد حمراء.
وقال أبو يعلى: ثنا سليمان الشاذ كوني، ثنا يحيى بن أبي الهيثم، ثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين سحوليين، زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وبرد أحمر.
وقد رواه غير واحد عن إسماعيل المؤدب عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه عن ابن عباس عن
__________
(1) في البيهقي: في بردين حبرة...ولف فيهما ثم نزعا عنه (7 / 248).
(2) صحاريين: نسبة إلى صحار وهي مدينة باليمن كما في لسان العرب، وفي معجم ما استعجم: هي بلاد بني تميم من اليمامة أو ما يليها.

الفضل.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وفي رواية سحولية.
فالله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر: من طريق أبي طاهر المخلص، ثنا أحمد بن إسحاق البهلول، ثنا عباد بن يعقوب.
ثنا شريك عن أبي إسحاق.
قال: وقعت على مجلس بني عبد المطلب وهم متوافرون، فقلت لهم: في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا قباء ولا عمامة قلت: كم أسر
منكم يوم بدر ؟ قالوا: العباس ونوفل وعقيل.
وقد روى البيهقي من طريق الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب أحدها برد حمراء حبرة.
وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر عن علي بن أبي طالب.
قال: كفنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين وبرد حبرة.
وقد قال أبو سعيد بن الاعرابي: حدثنا إبراهيم بن الوليد ثنا محمد بن كثير، ثنا هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ريطتين وبرد نجراني.
وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام وعمران القطان عن قتادة عن سعيد، عن أبي هريرة به.
وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى، ثنا نصر بن طريف، عن قتادة ثنا ابن المسيب عن أم سلمة: أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد نجراني.
وقال البيهقي: وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس وأن الحبرة أخرت عنه.
والله أعلم، ثم روى الحافظ البيهقي من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعيد.
قال: كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به، وقال هو من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ورواه من طريق إبراهيم بن موسى عن حميد عن حسن عن هارون عن أبي وائل عن علي فذكره.
كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الاشعث بن طليق، والبزار من حديث الاصبهاني كلاهما عن مرة عن ابن مسعود: في وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله رجال أهل بيته، وأنه قال: كفنوني في ثيابي هذه أو في يمانية أو بياض مصر، وأنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم الناس بعدهم فرادى.
الحديث بتمامه وفي صحته نظر كما قدمنا.
والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا، لم يأمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحد (2).
وقال الواقدي: حدثني أبي بن عياش بن سهل بن سعد، عن أبيه عن جده قال: لما أدرج
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 7 / 249.
(2) رواه ابن هشام في السيرة ج 4 / 314.
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 250.

رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد.
قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتابا بخط أبي، فيه أنه لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ومعهما نفر من المهاجرين والانصار بقدر ما يسع البيت.
فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والانصار كما سلم أبو بكر وعمر ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد.
فقال أبو بكر وعمر - وهما في الصف الاول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم - اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لامته، وجاهد في سيبل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، وأجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، لا نبتغي بالايمان به بديلا، ولا نشتري به ثمنا أبدا.
فيقول الناس: آمين آمين ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان (1).
وقد قيل إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه كما سيأتي بيان ذلك قريبا.
والله أعلم.
وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله.
فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه.
وليس لاحد أن يقول لانه لم يكن لهم إمام، لانا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال بعض العلماء إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونساءهم وصبيانهم حتى العبيد
والاماء.
وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل.
قال وأيضا: فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة.
فالله أعلم.
وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة.
فقيل نعم ! لان جسده عليه السلام طري في قبره لان الله قد حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم، وقال آخرون: لا يفعل لان السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعا لبادروا إليه ولثابروا عليه.
والله أعلم.
صفة دفنه عليه السلام وأين دفن قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج أخبرني أبي - وهو عبد العزيز بن جريج:
__________
(1) رواه الواقدي في آخر مغازيه 3 / 1120.

أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يدروا أين يقبروا النبي صلى الله عليه وسلم.
حتى قال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لم يقبرني إلا حيث يموت، فأخروا فراشه وحفروا تحت فراشه صلى الله عليه وسلم.
وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج وبين الصديق فإنه لم يدركه.
لكن رواه الحافظ أبو يعلى: من حديث ابن عباس وعائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.
فقال: حدثنا أبو موسى الهروي، ثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
قالت: اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض، فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يقبض النبي إلا في أحب الامكنة إليه " فقال أدفنوه حيث قبض.
وهكذا رواه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته.
قال: " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ".
أدفنوه في موضع فراشه، ثم إن الترمذي ضعف المليكي ثم قال وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه رواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الاموي عن أبيه عن ابن
إسحاق عن رجل حدثه عن عروة عن عائشة: إن أبا بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض " قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن سهل التميمي، ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان بالمدينة حفاران فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا أين ندفنه ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه في المكان الذي مات فيه، وكان أحدهما يلحد والآخر يشق، فجاء الذي يلحد فلحد للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه منقطعا.
وقال أبو يعلى: حدثنا جعفر بن مهران، ثنا عبد الاعلى، عن محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال لما أرادوا أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لاهل المدينة وكان يلحد، فدعا العباس رجلين فقال لاحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة: وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة.
اللهم خره لرسولك.
قال: فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، وضع على سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه.
فقال قائل ندفنه في مسجده.
وقال قائل: ندفنه مع أصحابه.
فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض ".
فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه فحفروا له تحته، ثم أدخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا [ دخل ] (1) الرجال حتى إذا فرغ منهم، أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء، أدخل الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.
فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل ليلة الاربعاء.
وهكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي، عن وهب بن جرير، عن أبيه عن محمد بن إسحاق فذكر بإسناده مثله.
وزاد في آخره ونزل في حفرته علي بن أبي طالب
__________
(1) من سيرة ابن هشام ج 4 / 314.

والفضل وقثم ابنا عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أوس بن خولى - وهو أبو ليلى - لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله ! وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له علي: انزل وكان شقران مولاه أخذ
قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك ! فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الامام أحمد: عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن ابن إسحاق مختصرا.
وكذلك رواه يونس بن بكير وغيره عن إسحاق به.
وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قبض الله نبيا إلا ودفن حيث قبض ".
وروى البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين (1) أو محمد بن جعفر بن الزبير.
قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقالوا: كيف ندفنه، مع الناس أو في بيوته ؟ فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض ".
فدفن حيث كان فراشه رفع الفراش وحفر تحته.
وقال الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عثمان بن محمد الاخنسي، عن عبد الرحمن بن سعيد - يعني ابن يربوع - قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره.
فقال قائل: في البقيع فقد كان يكثر الاستغفار لهم، وقال قائل: عند منبره، وقال قائل: في مصلاه.
فجاء أبو بكر فقال: إن عندي من هذا خبرا وعلما، سمعت رسول الله يقول: " ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي ".
قال الحافظ البيهقي: وهو في حديث يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وفي حديث ابن جريج عن أبيه كلاهما عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال البيهقي: عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن سلمة بن نبيط بن شريط، عن أبيه عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة -.
قال: دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مات ثم خرج، فقيل له: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ! فعلموا أنه كما قال وقيل له: أنصلي عليه وكيف نصلي عليه ؟ قال: تجيئون عصبا عصبا فتصلون فعلموا أنه كما قال.
قالوا: هل يدفن وأين ؟ قال: حيث قبض الله روحه فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، فعلموا أنه كما قال (2).
وروى البيهقي: من حديث سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب.
قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا وكان من أعبر الناس، قالت: رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري، فقال لها: إن صدقت رؤياك
دفن في بيتك من خير أهل الارض ثلاثة، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة: هذا خير أقمارك (3).
ورواه مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا.
وفي الصحيحين عنها أنها قالت:
__________
(1) في الدلائل 7 / 260: الحسين.
والحديث نقله السيوطي 2 / 278 عن ابن سعد وعن البيهقي، وقال: له عدة طرق موصولة ومرسلة.
(2) دلائل البيهقي 7 / 259 وابن سعد 2 / 275 ونقله السيوطي في خصائصه 2 / 278.
(3) دلائل النبوة 7 / 262.
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 60 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".

توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا، وأول ساعة من الآخرة.
وفي صحيح البخاري، من حديث أبي عوانة من هلال الوراق، عن عروة عن عائشة.
قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه يقول: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
قالت عائشة، ولولا ذلك لابرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
وقال ابن ماجه: حدثنا محمود بن غيلان، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا مبارك بن فضالة حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك.
قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بالمدينة (1) رجل يلحد والآخر يضرح فقالوا نستخير الله ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم.
تفرد به ابن ماجه، وقد رواه الامام أحمد: عن أبي النضر هاشم بن القاسم به.
وقال ابن ماجه أيضا: حدثنا عمر بن شبة عن عبيدة بن زيد (2) ثنا عبيد بن طفيل، ثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة، حدثني ابن أبي مليكة عن عائشة.
قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم.
فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا - أو كلمة نحوها - فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن، تفرد به ابن ماجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا العمري عن نافع، عن ابن عمر وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحد له
لحد تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن شعبة، وابن جعفر، ثنا شعبة، حدثني أبو حمزة عن ابن عباس.
قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة به.
وقد رواه وكيع عن شعبة وقال وكيع: كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن عساكر.
وقال ابن سعد: أنبأنا محمد بن عبد الله الانصاري، ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها، قال: وكانت أرضا ندية.
وقال هشيم بن منصور عن الحسن قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء كان أصابها يوم حنين قال الحسن: جعلها لان المدينة أرض سبخة.
وقال محمد بن سعد: ثنا حماد بن خالد الخياط، عن عقبة بن أبي الصهباء سمعت الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افرشوا لي قطيفة في لحدي فإن الارض لم تسلط على أجساد الانبياء " (3).
وروى الحافظ البيهقي: من حديث مسدد، ثنا عبد الواحد، ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال قال علي: غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر إلى ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا.
قال: وولي دفنه عليه الصلاة والسلام وإجنانه دون الناس أربعة، علي والعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولحد للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا.
وذكر البيهقي عن بعضهم: أنه نصب
__________
(1) في سنن ابن ماجه: لما توفي النبي صلى الله عليه وآله كان بالمدينة.
حديث: 1557.
(2) من ابن ماجه، وفي الاصل يزيد تحريف.
(3) خبر القطيفة في ابن سعد ج 2 / 299.

على لحده عليه السلام تسع لبنات.
وروى الواقدي: عن ابن أبي سبرة، عن [ عباس بن ] (1) عبد الله بن معبد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين، إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء، يصلي الناس عليه، وسريره على شفير قبره.
فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحوا السرير قبل رجليه، فأدخل من هناك.
ودخل في حفرته العباس وعلي وقثم والفضل وشقران.
وروى البيهقي من حديث إسماعيل
السدي، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: دخل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس وعلي والفضل وسوى لحده رجل من الانصار وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر.
قال ابن عساكر: صوابه يوم أحد.
وقد تقدم رواية ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: كان الذين نزلوا في قبر رسول الله علي والفضل وقثم وشقران، وذكر الخامس وهو أوس بن خولى، وذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران.
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو طاهر المحمد آبادي، ثنا أبو قلابة، ثنا أبو عاصم، ثنا سفيان بن سعيد هو الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال حدثني أبو مرحب.
قال: كأني أنظر إليهم في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف.
وهكذا رواه أبو داود: عن محمد بن الصباح، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد به.
ثم رواه أحمد بن يونس، عن زهير، عن إسماعيل عن الشعبي حدثني مرحب أو أبو مرحب: أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف، فلما فرغ علي قال: إنما يلي الرجل أهله.
وهذا حديث غريب جدا.
وإسناده جيد قوي ولا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر في استيعابه أبو مرحب: اسمه سويد بن قيس، وذكر أبا مرحب آخر وقال لا أعرف خبره.
قال ابن الاثير في [ أسد ] الغابة: فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما أو ثالثا غيرهما.
ولله الحمد.
آخر الناس به عهدا عليه الصلاة والسلام قال الامام أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن مقسم، أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل عن مولاه عبد الله بن الحارث.
قال: اعتمرت مع علي في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلا فاغتسل، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا: يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه.
قال: أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: أجل ! عن ذلك جئنا نسألك.
قال (2): أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به مثله سواء إلا أنه قال قبله عن ابن إسحاق: وكان المغيرة بن شعبة يقول:
__________
(1) من ابن سعد والبيهقي في روايتهما عن الواقدي.
(الدلائل 7 / 253 - طبقات ابن سعد 2 / 291).
(2) في ابن هشام والبيهقي عنه.
فقال: كذب.

أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت حين خرج القوم: إن خاتمي قد سقط في القبر، وإنما طرحته عمدا لامس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس عهدا به.
قال ابن إسحاق فحدثني والدي إسحاق بن يسار عن مقسم عن مولاه عن عبد الله بن الحارث.
قال: اعتمرت مع علي فذكر ما تقدم.
وهذا الذي ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضي أنه حصل له ما أمله فإنه قد يكون علي رضي الله عنه لم يمكنه من النزول في القبر بل أمر غيره فناوله إياه، وعلى ما تقدم يكون الذي أمره بمناولته له قثم بن عباس.
وقد قال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
قال: ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال علي: إنما ألقيته لتقول نزلت في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل فأعطاه أو أمر رجلا فأعطاه (1).
وقد قال الامام أحمد: حدثنا بهز وأبو كامل.
قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني عن أبي عسيب (2) أو أبي غنم قال بهز: إنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلي ؟ قال: ادخلوا أرسالا أرسال، فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر، قال فلما وضع في لحده قال المغيرة: قد بقي من رجليه شئ لم تصلحوه قالوا: فادخل فأصلحه فدخل وأدخل يده فمس قدميه عليه السلام.
فقال: اهيلوا علي التراب فأهالوا عليه حتى بلغ إلى أنصاف ساقيه ثم خرج.
فكان يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثتني فاطمة بنت محمد (3) امرأة عبد الله بن أبي بكر وأدخلني عليها حتى سمعته منها من عمرة عن عائشة.
إنها قالت: ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الاربعاء.
وقال الواقدي حدثنا ابن أبي سبرة، عن الحليس بن هشام، عن عبد الله بن وهب، عن أم سلمة.
قالت بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا
ونحن نتسلى برؤيته على السرير، إذا سمعنا صوت الكرازين (4) في السحر.
قالت أم سلمة: فصحنا وصاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال بالفجر، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وبكى وانتحب، فزادنا حزن، وعالج الناس الدخول إلى قبره فغلق دونهم، فيا لها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الامام أحمد: من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء وقد تقدم مثله في غير ما حديث.
وهو الذي نص عليه غير واحد من الائمة سلفا وخلفا،
__________
(1) في رواية لابن سعد قال: أمر علي ابنه الحسن فدخل فناول المغيرة خاتمه.
(2 / 302).
(2) في ابن سعد: أبو عسيم 2 / 302.
(3) في ابن هشام: فاطمة بنت عمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة.
(4) الكرازين جمع كرزين وهو الفأس الكبيرة.

معهم سليمان بن طرخان التيمي، وجعفر بن محمد الصادق، وابن إسحاق، وموسى بن عقبة وغيرهم.
وقد روى يعقوب بن سفيان، عن عبد الحميد (1) بن بكار عن محمد بن شعيب عن الاوزاعي أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار، ودفن يوم الثلاثاء.
وهكذا روى الامام أحمد: عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ودفن من الغد في الضحى.
وقال يعقوب (2) حدثنا سفيان، ثنا سعيد بن منصور، ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد عن أبيه وعن ابن جريج عن أبي جعفر: أن رسول الله توفي يوم الاثنين، فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار، فهو قول غريب والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء.
ومن الاقوال الغريبة في هذا أيضا ما رواه يعقوب بن سفيان، عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن أبي النعمان عن مكحول قال: ولد رسول الله يوم الاثنين، وأوحى إليه يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين لثنتين وستين سنة ونصف، ومكث ثلاثة أيام لا يدفن يدخل
عليه الناس أرسالا أرسالا يصلون لا يصفون ولا يؤمهم عليه أحد.
فقوله إنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن غريبا، والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء بكماله ودفن ليلة الاربعاء كما قدمنا.
والله أعلم.
وضده ما رواه سيف عن هشام عن أبيه قال: توفي رسول الله يوم الاثنين، وغسل يوم الاثنين ودفن ليلة الثلاثاء.
قال سيف: وحدثنا يحيى بن سعيد مرة بجمعيه عن عائشة به، وهذا غريب جدا.
وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن أبي عتيق عن جابر بن عبد الله.
قال: رش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء رشا، وكان الذي رشه بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الايمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار (3).
وقال سعيد بن منصور عن الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن أبي يمن، عن أم سلمة.
قالت: توفي رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وقال ابن خزيمة: حدثنا مسلم بن حماد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن كريب عن ابن عباس.
قال: توفي رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء وقال الواقدي حدثني أبي بن عباس (4) بن سهل بن سعد، عن أبيه.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء وقال أبو بكر بن أبي الدنيا عن محمد بن سعد: توفي رسول الله يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول، ودفن يوم الثلاثاء.
وقال عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، ثنا الحسن بن إسرائيل أبو محمد النهرتيري (5) ثنا
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل عن تحريف.
(2) في البيهقي: حدثنا يعقوب بن سفيان.
(3) نقل الخبر عن الواقدي البيهقي في الدلائل 7 / 264 وابن سعد بعضه 2 / 306.
(4) من ابن سعد عن الواقدي 2 / 272 وفيه: عن أبيه عن جده...وقال: فمكث يوم الاثنين والثلاثاء ودفن يوم الاربعاء.
(5) النهرتيري: نسبة إلى نهر تيرى بلد من نواحى الاهواز.

عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء.
وهكذا قال سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو جعفر الباقر.
صفة قبره عليه الصلاة والسلام قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن بعده فيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما.
وقد قال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل، ثنا أبو بكر بن عياش، عن سفيان التمار: أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما، تفرد به البخاري (1).
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم.
قال: دخلت على عائشة وقلت لها: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.
فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه عمر رضي الله عنه تفرد به أبو داود.
وقد رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن أبي فديك عن عمرو بن عثمان عن القاسم.
قال: فرأيت النبي عليه السلام مقدما، وأبو بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي: وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لان الحصباء لا تثبت إلا على المسطح (2).
وهذا عجيب من البيهقي رحمه الله فإنه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية، وبتقدير ذلك فيمكن أن يكون مسنما وعليه الحصباء مغروزة بالطين ونحوه.
وقد روى الواقدي عن الدراوردي، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا.
وقال البخاري ثنا فروة بن أبي المغراء، ثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن عروة عن أبيه قال: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا فظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجد واحد يعلم ذلك حتى قال لهم عروة لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ما هي إلا
قدم عمر.
وعن هشام عن أبيه عن عائشة: أنها أوصت عبد الله بن الزبير لا تدفني معهم وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبدا.
قلت: كان الوليد بن عبد الملك حين ولي الامارة في سنة ست وثمانين قد شرع في بناء جامع
__________
(1) في كتاب الجنائز (96) باب فتح الباري 3 / 255.
(2) وراه البيهقي في الدلائل ج 7 / 263.

دمشق وكتب إلى نائبه بالمدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز أن يوسع في مسجد المدينة فوسعه حتى من ناحية الشرق فدخلت الحجرة النبوية فيه (1).
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن زاذان مولى الفرافصة، وهو الذي بنى المسجد النبوي أيام ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة، فذكر عن سالم بن عبد الله نحو ما ذكره البخاري، وحكى صفه القبور كما رواه أبو داود.
ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم قال البخاري: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، ثنا ثابت عن أنس.
قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب.
فقالت فاطمة: واكرب أبتاه.
فقال لها: " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " فلما مات قالت: وا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه.
فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب (2) ؟ تفرد به البخاري رحمه الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا حماد بن زيد، ثنا ثابت البناني.
قال أنس: فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب ورجعتم.
وهكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به.
وعنده قال حماد: فكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه.
وهذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق عليه أفضل الصلاة والسلام، وإنما قلنا هذا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النياحة.
وقد روى الامام أحمد والنسائي من حديث شعبة، سمعت قتادة، سمعت مطرفا يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه - فيما أوصى به إلى بنيه - أنه قال: ولا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح
عليه.
وقد رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في النوادر عن عمرو بن ميمون عن شعبة به.
ثم رواه عن علي بن المديني، عن المغيرة بن سلمة، عن الصعق بن حزن، عن القاسم بن مطيب، عن الحسن البصري عن قيس بن عاصم به.
قال: لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، وقد سمعته ينهى عن النياحة.
ثم رواه عن علي، عن محمد بن الفضل، عن الصعق، عن القاسم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عاصم به.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا عقبة بن سنان، ثنا عثمان بن عثمان، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا ثابت، عن أنس.
قال: لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شئ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شئ.
قال: وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الايدي حتى أنكرنا قلوبنا (3).
وهكذا رواه الترمذي
__________
(1) في الطبري: أمر الوليد سنة 88 بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهدم بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وادخالها في المسجد.
وفيها ابتدأ عمر بن عبد العزيز في بناء المسجد.
(2) أخرجه البخاري في المغازي (83) باب.
وابن سعد في طبقاته 2 / 311.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 7 / 265 ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 278 وعزاه لابن سعد والحاكم والبيهقي.

وابن ماجه جميعا عن بشر بن هلال الصواف عن جعفر بن سليمان الضبعي به وقال الترمذي هذا حديث صحيح غريب.
قلت: وأسناده على شرط الصحيحين، ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان وقد أخرج له الجماعة رواه الناس عنه كذلك.
وقد أغرب الكديمي وهو محمد بن يونس رحمه الله في روايته له حيث قال: ثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس.
قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها - أو لا يبصرها، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
وراه البيهقي من طريقه كذلك، وقد رواه من طريق غيره من الحفاظ عن أبي الوليد الطيالسي كما قدمنا وهو المحفوظ والله
أعلم.
وقد روى الحافظ الكبير وأبو القاسم بن عساكر من طريق أبي حفص بن شاهين، ثنا حسين بن أحمد بن بسطام بالابلة، ثنا محمد بن يزيد الرواسي، ثنا سلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري.
قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أضاء منها كل شئ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شئ.
وقال ابن ماجه: ثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي، عن ابن عون عن الحسن عن أبي بن كعب.
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا.
وقال أيضا ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا خالد بن (1) محمد بن إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة السهمي، حدثني موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي، حدثني مصعب بن عبد الله عن أم سلمة بنت أبي أميه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه فتوفي أبو بكر وكان عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة.
فتوفي عمر - وكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد، عن ثابت عن أنس: أن أم أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما يبكيك ؟ على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: إني قد علمت أن رسول الله سيموت، ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا.
هكذا رواه مختصرا.
وقد قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن نعيم ومحمد بن النضر الجاوردي.
قالا: ثنا الحسن بن علي الخولاني (2) ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.
قال: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن زائرا وذهبت معه، فقربت إليه شرابا.
فإما كان صائما وأما كان لا يريده، فرده.
فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تضاحكه.
فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من ابن ماجه حديث رقم 1634، وفي الاصل: ثنا خالي محمد.
تحريف.
(2) في الدلائل 7 / 266: الحلواني.

لعمر: انطلق بنا إلى أم يمن نزورها، فلما انتهينا إليها بكت.
فقالا لها: ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله.
قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان (1).
ورواه مسلم منفردا به عن زهير بن حرب عن عمرو بن عاصم به.
وقال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبة أبي بكر فيها.
قال: ورجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة وأم أيمن قاعدة تبكي، فقيل لها ما يبكيك ؟ قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم فأدخله جنته، وأراحه من نصب الدنيا.
فقالت: إنما أبكي على خبر السماء، كان يأتينا غضا جديدا كل يوم وليلة، فقد انقطع ورفع، فعليه أبكي.
فعجب الناس من قولها.
وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه وحدثت عن أبي أسامة.
وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا أبو أسامة حدثني يزيد بن عبد الله عن أبي برد عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا يشهد لها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر إليها فأقر عينه بهلكها حين كذبوه وعصوا أمره ".
تفرد به مسلم إسنادا ومتنا.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، ثنا عبد الحميد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله - هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ".
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ".
ثم قال البزار لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه.
قلت: وأما أوله وهو قوله عليه السلام: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن الاعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب عن أبيه به.
وقد قال الامام أحمد حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الاسود الصنعاني عن أوس بن أوس.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفي النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن
صلاتكم معروضة علي ".
قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يعني قد بليت -.
قال: " إن الله قد حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء عليهم السلام ".
وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله، وعن الحسن بن علي، والنسائي عن إسحاق بن منصور ثلاثتهم عن حسين بن علي به.
ورواه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حسين بن علي (2)، عن جبر، عن أبي الاشعث عن شداد (3) بن أوس فذكره.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي وذلك وهم من
__________
(1) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة (18) باب.
حديث (103).
(2) في ابن ماجه: عن الحسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر.
(3) في ابن ماجه حديث 1636 عن أوس بن أوس.

ابن ماجه، والصحيح أوس بن أوس وهو الثقفي رضي الله عنه.
قلت: وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب.
كما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أوس بن أوس.
ثم قال ابن ماجه: حدثنا عمرو بن سواد المصري، ثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلي (1) علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها ".
قال قلت: وبعد الموت ؟ قال: " إن الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء عليهم السلام - نبي الله حي ويرزق (2) " وهذا من إفراد ابن ماجه رحمه الله.
وقد عقد الحافظ ابن عساكر ها هنا بابا في إيراد الاحاديث المروية في زيارة قبره الشريف صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، وموضع استقصاء ذلك في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى.
ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام قال ابن ماجه: حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين، ثنا أبو همام، وهو محمد بن الزبرقان الاهوازي ثنا موسى بن عبيدة ثنا مصعب بن محمد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة.
قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس - أو كشف سترا - فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم.
فقال: " يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي، عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي " تفرد به ابن ماجه (3).
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه، ثنا شافع بن محمد، ثنا أبو جعفر بن سلامة الطحاوي، ثنا المزني ثنا الشافعي، عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين.
فقال: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: بلى ! فحدثنا عن أبي القاسم.
قال: لما أن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك.
يقول كيف تجدك ؟ قال: " أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا " ثم جاءه اليوم الثاني فقال له، ذلك فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما رد أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم ورد عليه كما رد، وجاء معه ملك يقال له: إسماعيل على مائة ألف ملك كل ملك على مائة ألف ملك، فاستأذن عليه، فسأل عنه.
ثم قال جبريل: هذا ملك الموت يستأذن عليك، ما
__________
(1) من ابن ماجه وفي الاصل: ليصل.
(2) في ابن ماجه حديث 1637: فنبي الله حي يرزق.
(3) رواه ابن ماجه في الجنائز حديث 1599 وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.

استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: إيذن له فأذن له فدخل فسلم عليه، ثم قال: يا محمد إن الله أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتني أن أتركه تركته.
فقال رسول الله: " أو تفعل يا ملك الموت ؟ " قال: نعم ! وبذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك.
قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل.
فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لملك الموت: " امض لما أمرت به " فقبض روحه، فلما توفي
النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت، السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب.
فقال علي رضي الله عنه: أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام (1).
وهذا الحديث مرسلا وفي إسناده ضعف بحال القاسم العمري هذا فإنه قد ضعفه غير واحد من الائمة، وتركه بالكلية آخرون.
وقد رواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده فذكر منه قصة التعزية - فقط موصولا - وفي الاسناد العمري المذكور قد نبهنا على أمره لئلا يغتر به.
على أنه قد رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي جعفر البغدادي، حدثنا عبد الله بن الحارث أو عبد الرحمن بن المرتعد الصغاني (2) ثنا أبو الوليد المخزومي ثنا أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد [ عن أبيه ] (3) عن جابر بن عبد الله.
قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عزتهم الملائكة ] (4) يسمعون الحس ولا يرون الشخص.
فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته.
إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، ودركا من كل هالك، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثوب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم قال البيهقي: هذان الاسنادان وإن كانا ضعيفين فأحدهما يتأكد بالآخر ويدل على أن له أصلا من حديث جعفر والله أعلم.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن بشر بن مطر، ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك.
قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح، فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلايا فانظروا، فإن المصاب من لم يجبر، فانصرف.
فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم ! هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر، ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة.
وقد روى الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن سعد: أنبأنا هشام بن
__________
(1) دلائل البيهقي 7 / 267 ونقل الخبر السيوطي في الخصائص 2 / 273 وعزاه لابن سعد والبيهقي.
(2) في البيهقي 7 / 269: عبد الله بن عبد الرحمن بن المرتعد الصنعاني.
(3) سقطت من الاصل، واستدركت من الدلائل.
(4) من الدلائل، سقطت من الاصل.

القاسم، ثنا صالح المري، عن أبي حازم المدني: أن رسول الله حين قبضه الله عز وجل دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون عليه ويخرجون، ثم دخلت الانصار على مثل ذلك، ثم دخل أهل المدينة حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء فكان منهم صوت وجزع كبعض ما يكون منهن، فسمعن هزة في البيت فعرفن (1) فسكتن، فإذا قائل يقول: إن في الله عزاء من كل هالك، وعوض من كل مصيبة، وخلف من كل فائت، والمجبور من جبرة الثواب والمصاب من لم يجبره الثواب.
فصل فيما روي من معرفة أهل الكتاب بيوم وفاته صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي.
قال: كنت باليمن، فلقينا رجلين من أهل اليمن، ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقالا لي: إن كان ما تقول حقا فقد مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث.
قال: فأقبلت وأقبلا حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من [ قبل ] المدينة فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون.
قال فقالا لي: أخبر صاحبك أنا قد جئنا، ولعلنا سنعود إن شاء الله عز وجل.
قال ورجعا إلى اليمن، فلما أتيت أخبرت أبا بكر بحديثهم.
قال أفلا جئت بهم.
فلما كان بعد قال لي ذو عمرو: يا جرير إن لك علي كرامة، وإني مخبرك خبرا، أنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر، وإذا كانت بالسيف كنتم ملوكا تغضبون غضب الملوك وترضون رضى الملوك.
هكذا رواه الامام أحمد والبخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عنه (2).
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا علي بن
المتوكل (3) ثنا محمد بن يونس، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا زائدة، عن زياد بن علاقة عن جرير.
قال: لقيني حبر باليمن وقال لي: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات يوم الاثنين، هكذا رواه البيهقي.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، ثنا زائدة، ثنا زياد بن علاقة عن جرير.
قال قال لي حبر باليمن: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات اليوم.
قال جرير: فمات يوم الاثنين، وقال البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران المعدل ببغداد، أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو، ثنا محمد بن الهيثم، ثنا سعيد بن أبي كثير بن عفير [ بن كعب ]، حدثني عبد الحميد بن كعب بن علقمة بن كعب بن عدي التنوخي [ عن عمر بن الحارث بن علقمة بن كعب بن عدي التنوخي ]، عن
__________
(1) من سيرة ابن كثير، وفي الاصل: لعرفنا (2) رواه البخاري في المغازي فتح الباري 8 / 76 والامام أحمد في مسنده 4 / 363 والبيهقي في الدلائل 7 / 270 وفيه عن: أبي عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عمرو بن أبي جعفر، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان...(3) في الدلائل: المؤمل.
ج 7 / 271.

عمرو بن الحارث، عن ناعم بن أجيل، عن كعب بن عدي.
قال: أقبلت في وفد من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فعرض علينا الاسلام فأسلمنا ثم انصرفنا إلى الحيرة، فلم نلبث أن جاءتنا وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فارتاب أصحابي وقالوا: لو كان نبيا لم يمت.
فقلت: قد مات الانبياء قبله، وثبت على إسلامي ثم خرجت أريد المدينة، فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه، فقلت له: أخبرني عن أمر أردته، نفخ في صدري منه شئ.
فقال: إئت باسم من الاسماء فأتيته بكعب فقال: القه في هذا السفر لسفر أخرجه فألقيت الكعب فيه فصفح فيه، فإذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيته وإذا هو يموت في الحين الذي مات فيه، قال: فاشتدت بصيرتي في إيماني، وقدمت على أبي بكر رضي الله عنه فأعلمته وقمت عنده، فوجهني إلى المقوقس فرجعت، ووجهني أيضا عن عمر بن الخطاب، فقدمت عليه بكتابه، فأتيته وكانت وقعة اليرموك، ولم أعلم بها فقال لي: أعلمت أن الروم قتلت العرب وهزمتهم ؟ فقلت كلا.
قال: ولم ؟ قلت إن الله وعد نبيه أن يظهره على الدين كله وليس بمخلف
الميعاد قال فإن نبيكم قد صدقكم.
قتلت الروم والله قتل عاد.
قال: ثم سألني عن وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته وأهدى إلى عمر وإليهم.
وكان ممن أهدى إليه علي وعبد الرحمن والزبير - وأحسبه ذكر العباس - قال كعب وكنت شريكا لعمر في البز في الجاهلية، فلما أن فرض الديوان فرض لي في بني عدي بن كعب (1).
وهذا أثر غريب وفيه نبأ عجيب وهو صحيح.
فصل قال محمد بن إسحاق: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم، حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه.
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم: أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك، حتى خافهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه فتوارى.
فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة، فمن رابنا ضربنا عنقه، فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن أسيد.
فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب - يعني حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الاسارى (2) يوم بدر - إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه.
قلت: وسيأتي عما قريب إن شاء الله ذكر ما وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الردة في أحياء كثيرة من العرب، وما كان من أمر مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة، والاسود العنسي باليمن،
__________
(1) ما بين معكوفين في الحديث من دلائل البيهقي 7 / 271.
ورواه ابن حجر في الاصابة 3 / 298 في ترجمة كعب بن عدي التنوخي، وقال: أخرجه البغوي.
(2) يعني سهيل بن عمرو.

وما كان من أمر الناس حتى فاؤوا ورجعوا إلى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم الذي استفزهم الشيطان به، حتى نصرهم الله وثبتهم وردهم إلى دينه
الحق على يدي الخليفة الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، كما سيأتي مبسوطا مبينا مشروحا إن شاء الله.
فصل وقد ذكر ابن إسحاق وغيره قصائد لحسان بن ثابت رضي الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أجل ذلك وأفصحه وأعظمه، ما رواه عبد الملك بن هشام رحمه الله عن أبي زيد الانصاري أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم: بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتمهد (1) ولا تمتحى الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد وواضح آيات وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها * أتاها البلا فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد ظللت بها أبكي الرسول فاسعدت * عيون ومثلاها من الجن تسعد (2) يذكرن آلاء الرسول ولا أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد مفجعة قد شفها فقد أحمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد وما بلغت من كل أمر عشيره * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه أحمد فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد (3) تهيل عليه الترب أيد وأعين * عليه - وقد غارت بذلك - أسعد لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور وأعضد ويبكون من تبكي السموات يومه * ومن قد بكته الارض فالناس أكمد
__________
(1) في ابن هشام: 4 / 317، وتهمد.
(2) في ابن هشام: من الجفن تسعد.
(3) بعده في ابن هشام: وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد

وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد يدل على الرحمن من يقتدي به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا عفو عن الزلات يقبل عذرهم * وإن يحسنوا فالله بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد فبيناهم في نعمة الله وسطهم (1) * دليل به نهج الطريقة يقصد عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا عطوف عليهم لا يثنى جناحه * إلى كنف يحنوا عليهم ويمهد فبيناهم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم منهم من الموت مقصد فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه جفن المرسلات ويحمد (2) وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكيه بلاط وغرقد ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيها (3) مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد فبكي رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد ومالك لا تبكين ذا النعمة التي * على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفى ذمة بعد ذمة * وأقرب منه نائلا لا ينكد وأبذل منه للطريف وتالد * إذا ضن معطاء بما كان يتلد وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى * وأكرم جدا أبطحيا يسود وأمنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد رباه وليدا فاستتم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
__________
(1) في ابن هاشم: بينهم.
(2) في ابن هشام: حق المرسلات.
والمرسلات هنا الملائكة.
وتروى جن المرسلات: أي الملائكة المستور أعين الآدميين.
(3) في ابن هشام: فيه.

أقول ولا يلفي لما قلت (1) عائب * من الناس إلا عازب القول مبعد وليس هوائي نازعا عن ثنائه * لعلي به في جنة الخلد مبعد مع المصطفى أرجو بذاك جواره * وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد وقال الحافظ أبو القاسم السهيلي في آخر كتابه الروض: وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرقت فبات ليلي لا يزول * وليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول
وأضحت أرضنا مما عراها * تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا * يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه * نفوس الناس أو كربت (2) تسيل نبي كان يجلو الشك عنا * بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا * علينا والرسول لنا دليل أفاطم إن جزعت فذاك عذر * وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر * وفيه سيد الناس الرسول باب بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا ولا شيئا يورث عنه، بل أرضا جعلها كلها صدقة لله عز وجل.
فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده - كما هي عند الله - من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.
قال البخاري: حدثنا قتيبة، ثنا أبو الاحوص، عن أبي إسحاق عن عمرو بن الحارث.
قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة (3).
انفرد به البخاري دون مسلم، فرواه في أماكن من صحيحه من طرق متعددة عن أبي الاحوص وسفيان الثوري وزهير بن معاوية، ورواه الترمذي من
__________
(1) في ابن هشام: ولا يلقى لقولي عائب.
(2) من السهيلي، وفي الاصل: كادت تسيل.
(3) رواه البخاري في كتاب فرض الخمس (3) باب - الحديث (3097) فتح الباري 6 / 209.

حديث إسرائيل، والنسائي أيضا من حديث يونس بن أبي إسحاق كلهم عن أبي إسحاق،
عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عمرو بن الحارث بن المصطلق بن أبي ضرار أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنهما به.
وقد رواه الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية ثنا الاعمش وابن نمير عن الاعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة.
قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشئ (1).
وهكذا رواه مسلم منفردا به عن البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الاعمش، عن شقيق بن سلمة أبي وائل، عن مسروق بن الاجدع، عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها وأرضاها.
وقال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن عاصم عن زر بن حبيش، عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا أمة ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا.
وحدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم عن زر عن عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا.
قال سفيان: وأكثر علمي وأشك في العبد والامة.
وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن بندار، عن عبد الرحمن بن مهدي به.
قال الامام أحمد.
وحدثنا وكيع، ثنا مسعر، عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عائشة.
قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا.
هكذا رواه الامام أحمد من غير شك.
وقد رواه البيهقي عن أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكى، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا مسعر عن عاصم عن زر.
قال قالت عائشة: تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة.
قال مسعر: أراه قال ولا شاة ولا بعيرا.
قال: وأنبأنا مسعر، عن عدي بن ثابت عن علي بن الحسين.
قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة (2) وقد ثبت في الصحيحين من حديث الاعمش، عن إبراهيم، عن الاسود عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، ورهنه درعا من حديد.
وفي لفظ للبخاري رواه، عن قبيصة، عن الثوري، عن الاعمش، عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة رضي الله عنها.
قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين (3).
ورواه البيهقي: من حديث
يزيد بن هارون، عن الثوري، عن الاعمش، عن إبراهيم عن الاسود عنها.
قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير (4).
ثم قال: رواه البخاري عن محمد بن كثير عن سفيان.
ثم قال البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أبو بكر محمد بن حمويه (5)
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الوصية (5) باب الحديث (18) ص 1256.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل - باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وآله 7 / 274.
(3) زاد في البخاري: أي صاعا من شعير.
(4) الدلائل 7 / 274 والبخاري في كتاب الجهاد (89) باب الحديث (2916) فتح الباري 6 / 99.
(5) في الدلائل 7 / 275: محمويه.

العسكري، ثنا جعفر بن محمد القلانسي، ثنا آدم، ثنا شيبان عن قتادة، عن أنس.
قال: لقد دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على خبز شعير، وإهالة سنخة (1).
قال أنس: ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع بر ولا صاع تمر ".
وإن له يومئذ تسع نسوة، ولقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة، وأخذ منه طعاما فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن ماجه بعضه من حديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة به.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا ثابت، ثنا هلال، عن عكرمة عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أحد.
فقال: " والذي نفسي بيد ما يسرني أحدا لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين ".
قال: فمات فما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة، فترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير وقد روى آخره ابن ماجه عن عبد الله بن معاوية الجمحي، عن ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب العبدي الكوفي به.
ولاوله شاهد في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وقد قال الامام أحمد حدثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان.
قالوا: حدثنا ثابت - هو ابن يزيد - ثنا هلال - هو ابن خباب - عن عكرمة عن ابن عباس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمرو وهو على حصير قد أثر في جنبه.
فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا
أوثر من هذا ؟ فقال: " مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها ".
تفرد به أحمد وإسناده جيد.
وله شاهد من حديث ابن عباس عن عمر في المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصة الايلاء.
وسيأتي الحديث مع غيره مما شاكله في بيان زهده عليه السلام وتركه الدنيا، وإعراضه عنها، وإطراحه لها، وهو مما يدل على ما قلناه من أنه عليه السلام لم تكن الدنيا عنده ببال.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، ثنا عبد العزيز بن رفيع.
قال: دخلت أنا وشداد بن معقل، على ابن عباس فقال ابن عباس: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما بين هذين اللوحين.
قال ودخلنا على محمد بن علي فقال مثل ذلك.
وهكذا رواه البخاري: عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة به.
وقال البخاري حدثنا أبو نعيم، ثنا مالك بن مغول، عن طلحة قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى أأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال لا.
فقلت كيف كتب على الناس الوصية، أو أمروا (2) بها ؟ قال أوصى بكتاب الله عز وجل.
وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأهل السنن إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به.
وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول.
تنبيه: قد ورد أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ومساكن نسائه وإماء وعبيد وخيول وإبل وغنم وسلاح وبغلة وحمار وثياب وأثاث وخاتم وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله، فلعله عليه السلام تصدق
__________
(1) الاهالة: الزيت.
والسنخة: المتغيرة الرائحة.
(2) في البخاري: أو أمروا بالوصية ؟

بكثير منها في حياته منجزا، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده، وأرصد ما أرصده من أمتعته، مع ما خصه الله به من الارضين من بني النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين على ما سنبينه إن شاء الله، إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا لما سنذكره قريبا وبالله المستعان.
باب
بيان أنه عليه السلام قال لا نورث قال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الاعرج عن أبي هريرة، يبلغ به، وقال مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ".
وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من طرق عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " لفظ البخاري.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثهن.
فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نورث، ما تركنا صدقة ؟ " وهكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة كلهم عن مالك به.
فهذه إحدى النساء الوارثات - إن لو قدر ميراث - قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا، والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على ما روت، وتذكرن ما قالت لهن من ذلك فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن.
والله أعلم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، ثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ".
وقال البخاري (1): باب قول رسول الله لا نورث ما تركنا صدقة: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام، أنبأنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر.
فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ".
قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.
وهكذا رواه الامام أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزهري عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو
بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " لا نورث ما تركنا صدقة " فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت.
قال: وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، وذكر تمام
__________
(1) في كتاب الفرائض 3 باب حديث 6725 و 6726.

الحديث.
هكذا قال الامام أحمد.
وقد روى البخاري هذا الحديث في كتاب المغازي من صحيحه عن ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري عن عروة عن عائشة كما تقدم، وزاد، فلما توفيت دفنها علي ليلا ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر، فأرسل إلى أبي بكر إيتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر.
فقال عمر: والله لا تدخل عليهم وحدك.
قال أبو بكر: وما عسى أن يصنعوا بي ؟ والله لآتينهم.
فانطلق أبو بكر رضي الله عنه وقال إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنكم استبددتم بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لنا في هذا الامر نصيبا، فلم يزل علي يذكر حتى بكى أبو بكر رضي الله عنه.
وقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بينكم في هذه الاموال فإني لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته.
فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر به، وتشهد علي رضي الله عنه فعظم حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ثم قام إلى أبي بكر رضي الله عنهما فبايعه.
فأقبل الناس على علي فقالوا: أحسنت، وكان الناس إلى علي قريبا حين راجع الامر بالمعروف.
وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق متعددة عن الزهري عن عروة عن عائشة بنحوه.
فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه، لابي بكر رضي الله عنه، بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، بيعة مؤكدة للصلح الذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولا يوم السقيفة كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن علي
مجانبا لابي بكر هذه الستة الاشهر، بل كان يصلي وراءه ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصة كما سيأتي.
وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله وجعل يقول: يا بأبي شبه النبي، ليس شبيها بعلي.
وعلي يضحك.
ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر.
والله أعلم.
وأما تغضب فاطمة رضي الله عنها وأرضاها على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فما أدري ما وجهه، فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا نورث ما تركنا صدقة " وهي ممن تنقاد لنص الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث كما خفي على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك، ووافقنها عليه، وليس يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت الصديق رضي الله عنه فيما أخبرها به، حاشاها وحاشاه من ذلك، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف،

وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين كما سنبينه قريبا.
ولو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الارض قبول روايته والانقياد له في ذلك، وإن كان غضبها لاجل ما سألت الصديق إذ كانت هذه الاراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها، فقد اعتذر بما حاصله أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلي ما كان يليه رسول الله، ولهذا قال: وإني والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.
وهذا الهجران والحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا، وجهلا طويلا، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم ولو تفهموا الامور على ما هي عليه ليعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة
مرذولة، يتمسكون بالمتشابه، ويتركون الامور المحكمة المقدرة عند أئمة الاسلام، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الاعصار والامصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل عن ابن شهاب: قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه ذلك، فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد ؟ قال نعم ! فأذن لهم ثم قال: هل لك في علي وعباس ؟ قال نعم ! قال عباس: يا أمير المؤمنين أقض بيني وبين هذا، قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ؟ " يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل على علي وعباس فقال: هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قالا: قد قال ذلك.
قال عمر بن الخطاب: فإني أحدثكم عن هذا الامر، إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفئ بشئ لم يعطه أحدا غيره.
قال: * (ما أفاء الله على رسوله) * [ الحشر: 7 ] إلى قوله: * (قدير) * فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازها دونكم، ولا استأثرها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا: نعم ! ثم اقل لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا: نعم فتوفى الله نبيه فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، حتى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا

ليسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، فتلتمسان مني قضاء غير ذلك ! فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والارض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها (1).
وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، ومسلم وأهل السنن من طرق عن الزهري به.
وفي رواية في الصحيحين فقال عمر: فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق، ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله يعلم أني صادق بار راشد تابع للحق.
ثم جئتماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر وعملت فيها أنا، أنشدكم بالله أدفعتها إليهما بذلك ؟ قالوا: نعم.
ثم قال لهما.
أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك ! لا والذي بإذنه تقوم السماء والارض.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن الزهري عن مالك بن أوس قال: سمعت عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد: نشدتكم بالله الذي تقوم السماء والارض بأمره أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ؟ " قالوا نعم ! على شرط الصحيحين.
قلت: وكل الذي سألاه - بعد تفويض النظر إليهما والله أعلم - هو أن يقسم بينهما النظر فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالارض لو قدر أنه كان وارثا، وكأنهما قدما بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان وابن عوف وطلحة والزبير وسعد، وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما، فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهم: يا أمير المؤمنين اقض بينهما، أو أرح أحدهما من الآخر.
فكأن عمر رضي الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " فامتنع عليهم كلهم وأبى من ذلك أشد الاباء رضي الله عنه وأرضاه.
ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا إلى زمان عثمان بن عفان، فغلبه عليها علي وتركها له العباس بإشارة ابنه عبد الله رضي الله عنهما بين يدي عثمان، كما رواه أحمد في مسنده.
فاستمرت في أيدي العلويين.
وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما، فإني ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبته على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم.
وقد روينا أن فاطمة رضي الله عنها احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي، وأنها سلمت له ما قال.
وهذا هو المظنون بها رضي الله عنها.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن فاطمة قالت لابي بكر: من يرثك إذا مت ؟ قال ولدي وأهلي، قالت: فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: سمعت
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الفرائض حديث 6728.
فتح الباري 12 / 6.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن النبي لا يورث " ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق.
وقد رواه الترمذي في جامعه: عن محمد بن المثنى عن أبي الوليد الطيالسي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فذكره بوصل الحديث.
وقال الترمذي حسن صحيح غريب.
فأما الحديث الذي قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل.
قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أأنت ورثت رسول الله أم أهله ؟ فقال: لا بل أهله، فقالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده " فرأيت أن أرده على المسلمين.
قالت: فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا رواه أبو داود: عن عثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل به.
ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع فليعلم ذلك.
وأحسن ما فيه قولها أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب والمظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها، رضي الله عنها.
وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه، فتعتبت عليه بسبب ذلك وهي امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفون وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أبي بكر
الصديق رضي الله عنها وقد روينا عن أبي بكر رضي الله عنه: أنه ترضا فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت رضي الله عنها.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا عبدان بن عثمان العتكي بنيسابور، أنبأنا أبو حمزة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي.
قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأدن عليها، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ؟ فقالت أتحب أن آذن له ؟ قال: نعم ! فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال: والله ما تركت الدار والمال والاهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت (1).
وهذا إسناد جيد قوي، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي، أو ممن سمعه من علي، وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الصفار، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا نصر بن علي، ثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق.
قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك (2).
__________
(1) دلائل البيهقي ج 7 / 281.
(2) المصدر السابق والجزء والصفحة.

فصل وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لا علم لهم به، وكذبوا لما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم، وحاول بعضهم أن يرد خبر أبي بكر رضي الله عنه فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى * (وورث سليمان داود) * الآية [ النمل: 16 ].
وحيث قال تعالى إخبارا عن زكريا أنه قال: * (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) * [ مريم: 5 - 6 ].
واستدلالهم بهذا باطل من وجوه.
أحدها: أن قوله: * (وورث سليمان داود) *.
إنما يعني بذلك في الملك والنبوة، أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا، والحكم بين بني إسرائيل، وجعلناه نبيا كريما كأبيه وكما جمع لابيه الملك والنبوة كذلك جعل ولده بعده، وليس المراد بهذا وراثة المال لان داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال مائة، فلم اقتصر على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال ؟ إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك، ولهذا قال: * (وورث سليمان داود) * وقال: * (يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين) * وما بعدها من الآيات.
وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة كثيرا.
وأما قصة زكريا فإنه عليه السلام من الانبياء الكرام، والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله، كيف ؟ وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده كما رواه البخاري، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدا يرث عنه ماله - أن لو كان له مال - وإنما سأل ولدا صالحا يرثه في النبوة والقيام بمصالح بني إسرائيل، وحملهم على السداد.
ولهذا قال تعالى: * (كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) * القصة بتمامها.
فقال وليا يرثني ويرث من آل يعقوب، يعني النبوة كما قررنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة.
وقد تقدم في رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن أبي بكر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " النبي لا يورث " وهذا اسم جنس يعم كل الانبياء وقد حسنه الترمذي.
وفي الحديث الآخر " نحن معشر الانبياء لا نورث ".
والوجه الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خص من بين الانبياء بأحكام لا يشاركونه فيها كما سنعقد له بابا مفردا في آخر السيرة إن شاء الله، فلو قدر أن غيره من الانبياء يورثون - وليس الامر كذلك - لكان ما رواه من ذكرنا من الصحابة الذين منهم الائمة الاربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مبينا لتخصيصه بهذا الحكم دون ما سواه.
والثالث: أنه يجب العمل بهذا الحديث والحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء، واعترف

بصحته العلماء، سواء كان من خصائصه أم لا.
فإنه قال: " لا نورث ما تركناه صدقة " إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام " ما تركنا صدقة " أن يكون خبرا عن حكمه أو حكم سائر الانبياء معه على ما تقدم وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون إنشاء وصيته كأنه يقول لا نورث لان جميع ما تركناه صدقة، ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة، والاحتمال الاول أظهر.
وهو الذي سلكه الجمهور.
وقد يقوي المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " (1) وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين، وهو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث ما تركنا صدقة بالنصب، جعل - ما - نافية، فكيف يصنع بأول الحديث وهو قوله لا نورث ؟ ! وبهذه الرواية " ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة " وما شأن هذا إلا كما حكى عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة * (وكلم الله موسى تكليما) * بنصب الجلالة، فقال له الشيخ: ويحك كيف تصنع بقوله تعالى * (فلما جاء موسى لميقاتنا فكلمه ربه) * والمقصود أنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " على كل تقدير احتمله اللفظ والمعنى فإنه مخصص لعموم آية الميراث، ومخرج له عليه السلام منها، إما وحده أو مع غيره من إخوانه الانبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.
باب زوجاته صلوات الله وسلامه عليه وأولاده صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) * [ الاحزاب:
32 - 33 ] لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع وهن، عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية، وحفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الاموية، وزينب بنت جحش الاسدية، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وسودة بنت زمعة العامرية، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية الاسرائيلية الهارونية، رضي الله عنهم وأرضاهن.
وكانت له
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس (3) باب حديث 3096، وفي كتاب الفرائض حديث 6729.
قال ابن حجر: اختلف في المراد بقوله (عاملي) فقيل الخليفة بعده وهذا هو المعتمد، وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري.
وقيل المراد: حافر قبره، وهو بعيد.
وقيل خادمه وقيل العامل على الصدقة، والعامل فيها كالاجير.

سريتان وهما، مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة أنصنا وهي أم ولده إبراهيم عليه السلام، وريحانة بنت (1) شمعون القرظية أسلمت ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
ومن الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم.
والله أعلم.
وأما الكلام على ذلك مفصلا ومرتبا من حيث ما وقع أولا فأولا مجموعا من كلام الائمة رحمهم الله فنقول وبالله المستعان.
روى الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي: من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة امرأة، دخل منهن بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع (2) ثم ذكر هؤلاء التسع اللاتي ذكرناهن رضي الله عنهن.
ورواه سيف بن عمر عن سعيد عن قتادة عن أنس والاول أصح (3).
ورواه سيف بن عمر التميمي، عن سعيد، عن قتادة عن أنس وابن عباس مثله.
وروي عن سعيد بن عبد الله، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة مثله.
قالت فالمرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما، عمرة بنت يزيد الغفارية والشنباء (4)، فأما عمرة فإنه خلا بها وجردها فرأى بها وضحا فردها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره، وأما الشنباء فلما أدخلت عليه لم تكن يسيرة فتركها ينتظر بها اليسر، فلما مات ابنه إبراهيم على بغتة ذلك قالت: لو كان نبيا لم
يمت ابنه، فطلقها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره، قالت: فاللاتي اجتمعن عنده، عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وجويرية وصفية وميمونة وأم شريك.
قلت: وفي صحيح البخاري: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة.
والمشهور أن أم شريك لم يدخل بها كما سيأتي بيانه ولكن المراد بالاحدى عشرة اللاتي كان يطوف عليهن التسع المذكورات والجاريتان مارية وريحانة.
وروى يعقوب بن سفيان الفسوي
__________
(1) في هامش الاصل: قوله ريحانة بنت شمعون غلط، قال ابن سعد هي ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن سمعون بن زيد من بني النضير، وكانت متزوجة رجلا من بني قريضة يقال له الحكم فنسبها الرواة إلى بني قريظة 8 / 129.
(2) الخبر في دلائل النبوة ج 7 / 289.
(3) في هامش الاصل: ورواه بحير بن كثير عن قتادة عن أنس والاول أصح.
(4) اختلف في المرأتين اللتين لم يدخل بهما رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: - قال الزهري فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها (وافقه عائشة وابن مناح).
- قال ابن أبي عون طلقها لبياض كان بها.
وكذا قال ابن عمر إنما ذكر عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب.
- قال أبو أسيد الساعدي هي: أسماء بنت النعمان بن أبي الجون الكندي استعاذت منه فطلقها.
ووافقه ابن ابزي، وعبد الله بن جعفر وقال: أمية بنت النعمان.
وذكرها ابن عباس اسماء، تعوذت منه فطلقها.
قال ابن سعد: لم تكن إلا كلابية واحدة اختلفوا في اسمها وهي عمرة بنت يزيد.
استعاذت منه.

عن الحجاج بن أبي منيع، عن جده عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري - وقد علقه البخاري في صحيحه عن الحجاج هذا - وأورد له الحافظ ابن عساكر طرفا عنه أن أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي، زوجه إياها أبوها قبل البعثة.
وفي
رواية قال الزهري: وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة، وقيل خمسا وعشرين سنة، زمان بنيت الكعبة وقال الواقدي وزاد: ولها خمس وأربعون سنة.
وقال آخرون من أهل العلم: كان عمره عليه السلام يومئذ ثلاثين سنة.
وعن حكيم بن حزام.
قال: كان عمر رسول الله يوم تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، وعمرها أربعون سنة.
وعن ابن عباس كان عمرها ثمانيا وعشرين سنة.
رواهما ابن عساكر.
وقال ابن جرير: كان عليه اسلام ابن سبع وثلاثين سنة، فولدت له القاسم وبه كان يكنى والطيب والطاهر، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قلت: وهي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم فمن مارية كما سيأتي بيانه.
ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تزوجها، وحاصله: أن زينب تزوجها العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وهو ابن أخت خديجة أمة هالة بنت خويلد فولدت له ابنا اسمه علي، وبنتا اسمها أمامة بنت زينب، وقد تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ومات وهي عنده، ثم تزوجت بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
وأما رقية فتزوجها عثمان بن عفان فولدت له ابنه عبد الله وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو، وماتت رقية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، ولما قدم زيد بن حارثة بالبشارة وجدهم قد ساووا التراب عليها، وكان عثمان قد أقام عندها يمرضها، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
ثم زوجه بأختها أم كلثوم، ولهذا كان يقال له ذو النورين، فتوفيت عنده أيضا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما فاطمة فتزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فدخل بها بعد وقعة بدر كما قدمنا، فولدت له حسنا وبه كان يكنى، وحسينا وهو المقتول شهيدا بأرض العراق.
قلت: ويقال ومحسنا.
قال وزينب وأم كلثوم، وقد تزوج زينب هذه ابن عمها عبد الله بن جعفر فولدت له عليا وعونا وماتت عنده، وأما أم كلثوم فتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فولدت له زيدا ومات عنها، فتزوجت بعده ببني عمها جعفر واحدا بعد واحد، تزوجت بعون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فخلف عليها أخوهما عبد الله بن جعفر
فماتت عنده.
قال الزهري: وقد كانت خديجة بنت خويلد تزوجت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين، الاول منهما عتيق بن عابد (1) بن مخزوم فولدت منه جارية (2) وهي أم محمد بن صيفي، والثاني أبو
__________
(1) في رواية ابن هشام وابن سعد: عابد كما في الاصل.
وإنما جعله ابن سعد بعد زواجها أبي هالة.
وفي السهيلي: عائذ.
(2) واسمها هند تزوجها صيفي بن أمية بن عابد وهو ابن عمها فولدت له محمدا (ابن سعد، شرح المواهب).

هالة التميمي فولدت له هند بن هند (1) وقد سماه ابن إسحاق فقال ثم خلف عليها بعد هلاك عابد أبو هالة (2) النباش بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له بناته الاربع، ثم بعدهن القاسم والطيب والطاهر، فذهب الغلمة جميعا وهم يرضعون.
قلت: ولم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياتها امرأة، كذلك رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة عن عائشة أنها قالت ذلك.
وقد قدمنا تزويجها في موضعه وذكرنا شيئا من فضائلها بدلائلها.
قال الزهري: ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة بعائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ولم يتزوج بكرا غيرها.
قلت: ولم يولد له منها ولد، وقيل بل أسقطت منه ولدا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولهذا كانت تكنى بأم عبد الله، وقيل إنما كانت تكنى بعبد الله ابن اختها أسماء من الزبير بن العوام رضي الله عنهم.
قلت: وقد قيل إنه تزوج سودة قبل عائشة، قاله ابن إسحاق وغيره كما قدمنا ذكر الخلاف في ذلك فالله أعلم.
وقد قدمنا صفة تزويجه عليه السلام بهما قبل الهجرة وتأخر دخوله بعائشة إلى ما بعد الهجرة، قال وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن حذافة (3) بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، مات عنها مؤمنا.
قال وتزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت قبله تحت ابن عمها أبو سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قال وتزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو بن عبد شمس مات عنها مسلما بعد رجوعه وإياها من أرض الحبشة إلى مكة رضي الله عنهما، قال وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وكانت قبله تحت عبد الله (4) بن جحش بن رئاب من بني أسد بن خزيمة مات بأرض الحبشة نصرانيا، بعث إليها رسول الله عمرو بن أمية
__________
(1) وهو هند بن أبي هالة التميمي الصحابي راوي حديث صفة النبي صلى الله عليه وآله وله ولد اسمه أيضا هند شرح المواهب 3 / 220، وفي ابن سعد كان لخديجة منه أيضا ولدا اسمه هالة.
(2) ذكر ابن سعد نسبه: أبو هالة واسمه هند بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم.
(3) في ابن سعد: سعد.
(4) كذا في الاصل عبد الله، وفي ابن هشام وابن سعد وشرح المواهب عبيد الله.
وهو الصواب.

الضمري إلى أرض الحبشة فخطبها عليه فزوجها منه عثمان بن عفان، كذا قال.
والصواب عثمان بن أبي العاص وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وقد قدمنا ذلك كله مطولا ولله الحمد.
قال: وتزوج زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد بن خزيمة وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام، وهي أول نسائه لحوقا به، وأول من عمل عليها النعش صنعته أسماء بنت عميس عليها كما رأت ذلك بأرض الحبشة، قال وتزوج زينب بنت خزيمة وهي من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ويقال لها أم المساكين، وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش بن رئاب قتل يوم أحد فلم تلبث عنده عليه السلام إلا يسيرا حتى توفيت رضي الله عنها، وقال يونس، عن محمد بن
إسحاق كانت قبله عند الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، أو عند أخيه الطفيل بن الحارث (1).
قال الزهري: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة قال: وهي التي وهبت نفسها.
قلت: الصحيح أنه خطبها وكان السفير بينهما أبو رافع مولاه كما بسطنا ذلك في عمرة القضاء.
قال الزهري.
وقد تزوجت قبله رجلين أولهما ابن عبد ياليل، وقال سيف بن عمر في روايته كانت تحت عمير (2) بن عمرو أحد بني عقدة بن ثقيف بن عمرو الثقفي مات عنها، ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي.
قال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار (3) بن الحارث بن عامر بن مالك بن المصطلق من خزاعة يوم المريسيع فأعتقها وتزوجها، ويقال بل قدم أبوها الحارث وكان ملك خزاعة فأسلم ثم تزوجها منه، وكانت قبله عند ابن عمها صفوان بن أبي السفر (4).
قال قتادة: عن سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن إسحاق وغيرهم قالوا: وكان هذا البطن من خزاعة حلفاء لابي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا يقول حسان: وحلف الحارث بن أبي ضرار * وحلف قريظة فيكم سواء وقال سيف بن عمر في روايته عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: وكانت جويرية تحت ابن عمها مالك بن صفوان بن تولب ذي الشفر بن أبي السرح بن مالك بن
__________
(1) في رواية ابن هشام كانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وكانت قبل عبيدة عند جهم بن عمرو بن الحارث وهو ابن عمها.
وقال ابن سعد: كانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلقها فتزوجها بعده عبيدة بن الحارث (أخوه) فقتل عنها شهيدا يوم بدر (8 / 115).
(2) في ابن سعد: مسعود بن عمرو، ولم يذكر ابن اسحاق غير أبي رهم فقط.
(3) ذكر ابن سعد في نسبها: ابن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة بن المصطلق من خزاعة.
(4) في ابن سعد: مسافع بن صفوان ذي الشفر بن سرح بن مالك بن جذيمة.

المصطلق.
قال وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير يوم خيبر وهي عروس بكنانة (1) بن أبي الحقيق، وقد زعم سيف بن عمر في روايته أنها كانت قبل كنانة عند سلام بن مشكم.
فالله أعلم.
قال فهذه إحدى عشرة امرأة دخل بهن، قال: وقد قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، وأعطى جويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف، بسبب أنهما سبيتا.
قال الزهري: وقد حجبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم لهما.
قلت: وقد بسطنا الكلام فيما تقدم في تزويجه عليه السلام كل واحدة من هذه النسوة رضي الله عنهن في موضعه.
قال الزهري: وقد تزوج العالية بنت ظيبان بن عمرو من بني بكر بن كلاب ودخل بها وطلقها.
قال البيهقي: كذا في كتابي وفي رواية غيره ولم يدخل بها فطلقها.
وقد قال محمد بن سعد عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني رجل من بني أبي بكر بن كلاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب فمكثت عنده دهرا ثم طلقها، وقد روى يعقوب بن سفيان، عن حجاج بن أبي منيع، عن جده عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن الضحاك بن سفيان الكلابي هو الذي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وأنا أسمع من وراء الحجاب، قال يا رسول الله هل لك في أخت أم شبيب، وأم شبيب مرأة الضحاك.
وبه قال الزهري تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عمرو بن كلاب فأنبئ أنبها بياضا فطلقها ولم يدخل بها.
قلت: الظاهر أن هذه هي التي قبلها.
والله أعلم.
قال: وتزوج أخت بني الجون الكندي (2) وهم حلفاء بني فزارة فاستعاذت منه فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك " فطلقها ولم يدخل بها.
قال: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرية يقال لها مارية فولدت له غلاما اسمه إبراهيم، فتوفي وقد ملا المهد، وكانت له وليدة يقال لها ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من خناقة وهم بطن من بني قريظة (3) أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنها قد احتجبت.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن علي بن مجاهد أن رسول الله تزوج خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي وأمها حرنق (4) بنت
خليفة أخت دحية بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق، فتزوج خالتها شراف بنت
__________
(1) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق.
(2) سماها السهيلي في الروض: اسماء بنت النعمان بن الجون الكندية، وقال اتفقوا على تزويجها من النبي صلى الله عليه وآله واختلفوا في سبب فراقه لها.
وذكرها ابن سعد: اسماء بنت النعمان بن أبي الجون بن الاسود بن الحارث بن شراحيل بن الجون بن آكل المرار الكندي.
(3) الصواب من بني النضير، وكانت ريحانة قد تزوجت برجل اسمه الحكم من بني قريظة فألحقت بهم لذلك.
(4) قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أن خرنق بنت خليفة كانت ربيبتها.

فضالة بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق أيضا.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها، وتزوج عمرة بنت زيد إحدى نساء بني كلاب ثم من بني الوحيد وكانت قبله عند الفضل بن عباس بن عبد المطلب فطلقها ولم يدخل بها.
قال البيهقي: فهاتان هما اللتان ذكرهما الزهري ولم يسمهما، إلا أن ابن إسحاق لم يذكر العالية.
وقال البيهقي (1): أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال: وهبن لرسول الله صلى الله عليه وسلم نساء أنفسهن، فدخل ببعضهن وأرجى بعضهن، فلم يقربهن حتى توفي، ولم ينكحن بعده، منهن أم شريك فذلك قوله تعالى: * (ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) * [ الاحزاب: 51 ].
قال البيهقي: وقد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه.
قال: كانت خولة - يعني بنت حكيم - ممن وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البيهقي: وروينا في حديث أبي أسيد (2) الساعدي في قصة الجونية التي استعاذت، فألحقها بأهلها أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل، كذا قال.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه وعباس بن سهل عن أبيه قالا: مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب له فخرجنا معه حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين
فجلسنا بينهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجلسوا " ودخل هو وقد أتي بالجونية فعزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها داية لها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هبي لي نفسك، قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، وقالت إني أعوذ بالله منك قال لقد عذت بمعاذ.
ثم خرج علينا فقال: " يا أبا أسيد اكسها دراعتين وألحقها بأهلها ".
وقال غير أبي أحمد امرأة من بني الجون يقال لها أمينة.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد قال: خرجنا مع رسول الله حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما فقال " اجلسوا ها هنا " فدخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في محل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " هبي لي نفسك ".
قالت: وهل تهب الملكة نفسها لسوقة ؟ ! قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت أعوذ بالله منك.
قال: " لقد عذت بمعاذ ".
ثم خرج علينا فقال: " يا أبا أسيد أكسها رازقتين وألحقها بأهلها ".
قال البخاري: وقال الحسين بن الوليد عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه وأبي أسيد.
قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك.
فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقتين.
ثم قال لبخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إبراهيم بن الوزير ثنا عبد الرحمن بن حمزة، عن أبيه، وعن
__________
(1) دلائل النبوة: 7 / 287.
(2) من الدلائل وابن سعد، وفي الاصل رشيد تحريف.

عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه بهذا.
انفرد البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب.
وقال البخاري: ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الاوزاعي، سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ؟ فقال: أخبرني عروة عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله قالت: أعوذ بالله منك، فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك " وقال ورواه حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت (الحديث) انفرد به دون مسلم.
قال البيهقي: ورأيت في
كتاب المعرفة لابن منده (1) أن اسم التي استعاذت منه أميمة بنت النعمان بن شراحيل.
ويقال فاطمة بنت الضحاك (2)، والصحيح أنها أميمة.
والله أعلم.
وزعموا أن الكلابية اسمها عمرة وهي التي وصفها أبوها بأنها لم تمرض قط، فرغب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى محمد بن سعد عن محمد بن عبد الله، عن الزهري.
قال: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية.
قال وتزوجها في ذي القعدة سنة ثمان، وماتت سنة ستين (3).
وذكر يونس عن ابن إسحاق فيمن تزوجها عليه السلام ولم يدخل بها أسماء بنت كعب الجونية وعمرة بنت يزيد الكلابية.
وقال ابن عباس وقتادة: أسماء بنت النعمان بن أبي الجون.
فالله أعلم.
قال ابن عباس لما استعاذت منه خرج من عندها مغضبا، فقال له الاشعث: لا يسؤك ذلك يا رسول الله فعندي أجمل منها، فزوجه أخته قتيلة.
وقال غيره كان ذلك في ربيع سنة تسع.
وقال سعيد بن أبي عروة عن قتادة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، فذكر منهن أم شريك الانصارية النجارية قال: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لاحب أن أتزوج من الانصار ولكني أكره غيرتهن " ولم يدخل بها.
قال وتزوج أسماء (4) بنت الصلت من بني حرام ثم من بني سلم ولم يدخل بها، وخطب حمزة (5) بنت الحارث المزنية.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول الله ثماني عشرة امرأة، فذكر منهن قتيلة بنت قيس أخت الاشعث بن قيس، فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه.
قال ولم يكن قدمت عليه ولا رآها ولم يدخل بها.
قال: وزعم آخرون أنه عليه السلام أوصى أن تخير قتيلة فإن شاءت يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت فلتنكح من شاءت، فاختارت
__________
(1) في الدلائل: ابن منبه.
(2) دلائل النبوة 7 / 288 وزاد في الدلائل: ويقال إنها: مليكة الليثية.
(3) طبقات ابن سعد 8 / 141.
(4) ذكرها ابن سعد والطبري: سنا بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي، ومات قبل أن يصل إليها.
وذكرها ابن الاثير: شنبا بنت اسماء بن الصلت وفي رواية السهيلي:
سنى بنت الصلت أو سنا بنت اسماء بنت الصلت.
وقال الطبري في رواية هي: سبا بنت اسماء بن الصلت من بني حرام من بني سليم.
(5) في رواية الكامل: جمرة بنت الحارث بن أبي حارثة خطبها فقال أبوها: بها سوء، ولم يكن بها، فرجع إليها فوجدها قد برصت.
(ابن الاثير 2 / 158 - الطبري 3 / 180).

النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما.
فقال عمر بن الخطاب: ما هي من أمهات المؤمنين ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب قال أبو عبيدة: وزعم بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشئ، وأنها ارتدت بعده فاحتج عمر على أبي بكر بارتدادها أنها ليست من أمهات المؤمنين.
وذكر ابن منده أن التي ارتدت هي البرحاء من بني عوف بن سعد بن ذيبان.
وقد روى الحافظ ابن عساكر من طرق عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله تزوج قتيلة أخت الاشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله منه.
وروى حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، أن عكرمة بن أبي جهل لما تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن يضرب عنقه، فراجعه عمر بن الخطاب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها وأنا ارتدت مع أخيها، فبرئت من الله ورسوله.
فلم يزل به حتى كف عنه.
قال الحاكم وزاد أبو عبيدة في العدد فاطمة بنت شريح، وسبأ بنت أسماء بن الصلت السلمية.
هكذا روى ذلك ابن عساكر من طريق ابن منده بسنده عن قتادة فذكره.
وقال محمد بن سعد عن ابن الكلبي مثل ذلك.
قال ابن سعد: وهي سبأ (1).
قال ابن عساكر: ويقال سبأ بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي.
قال ابن سعد: وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني العرزمي عن نافع عن ابن عمر قال: كان في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم سبأ بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب.
وقال ابن عمر: إن رسول الله بعث أبا أسيد يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد [ بن رواس ] (2) بن كلاب، فتزوجها فبلغه أن بها بياضا فطلقها.
وقال محمد بن سعد: عن الواقدي حدثني أبو معشر.
قال:
تزوج رسول الله مليكة بنت كعب وكانت تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت ألا تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ؟ فاستعاذت منه فطلقها، فجاء قومها.
فقالوا: يا رسول الله إنها صغيرة، ولا رأي لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى.
فاستأذنوه أن يزوجوها بقريب لها من بني عذرة فأذن لهم، قال وكان أبوها قد قتله خالد بن الوليد يوم الفتح.
قال الواقدي: وحدثني عبد العزيز الجندعي عن أبيه عن عطاء بن يزيد قال: دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثمان، وماتت عنده.
قال الواقدي وأصحابنا ينكرون ذلك (3).
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر أنبأنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهاني، أنبأنا شجاع بن علي بن شجاع، أنبأنا أبو عبد الله بن منده، أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزي، ثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري: أنبأنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وكانت قبله تحت عتيق بن عائذ (4)
__________
(1) في الطبقات: سنا، وانظر الحاشية 4 صفحة 319.
(2) من ابن سعد 8 / 143.
(3) في زواجه مليكة بنت كعب الليثية انظر الطبقات 8 / 148.
(4) في الطبري: عابد.

المخزومي، ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبي بكر، ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي، ثم تزوج سودة بنت زمعة وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي، ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الاسدي أحد بني خزيمة، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية وكان اسمها هند وكانت قبله تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن عبد العزي، ثم تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية، وتزوج العالية بنت ظبيان من بني بكر بن عمرو بن كلاب، وتزوج امرأة من بني الحون من كندة، وسبى جويرية - في الغزوة التي هدم فيها مناة غزوة المريسيع - ابنة الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق من
خزاعة، وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير وكانتا مما أفاء الله عليه فقسمهما له، واستسر مارية القبطية فولدت له إبراهيم، واستسر ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها واحتجبت وهي عند أهلها، وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية بنت ظبيان، وفارق أخت بني عمرو بن كلاب، وفارق أخت بني الجون الكندية من أجل بياض كان بها، وتوفيت زينب بنت خزيمة الهلالية ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وبلغنا أن العالية بنت ظبيان التي طلقت تزوجت قبل أن يحرم الله النساء، فنكحت ابن عم لها من قومها وولدت فيهم.
سقناه بالسند لغرابة ما فيه من ذكره تزويج سودة بالمدينة، والصحيح أنه كان بمكة قبل الهجرة كما قدمناه.
والله أعلم.
قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق.
قال: فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين لم يتزوج عليها امرأة حتى ماتت هي وأبو طالب في سنة، فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت زمعة، ثم تزوج بعد سودة عائشة بنت أبي بكر لم يتزوج بكرا غيرها ولم يصب منها ولدا حتى مات، ثم تزوج بعد عائشة حفصة بنت عمر، ثم تزوج بعد حفصة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، ثم تزوج بعدها أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم تزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبي أمية، ثم تزوج بعدها زينب بنت جحش، ثم تزوج بعدها جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، قال ثم تزوج بعد جويرية صفية بنت حيي بن أخطب، ثم تزوج بعدها ميمونة بنت الحارث الهلالية.
فهذا الترتيب أحسن وأقرب مما رتبه الزهري.
والله أعلم.
وقال يونس بن بكير، عن أبي يحيى عن حميل بن زيد الطائي، عن سهل بن زيد الانصاري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار (1)، فدخل بها فأمرها فنزعت ثوبها، فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها، فانماز رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " خذي ثوبك " وأصبح فقال لها " الحقي بأهلك " فأكمل لها صداقها.
وقد رواه أبو نعيم، من حديث حميل بن زيد عن سهل بن زيد الانصاري وكان ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غفار فذكر مثله.
__________
(1) ذكرها الطبري وسماها: الشنباء بنت عمرو الغفارية قال وبعضهم يزعم انها قرظية وفي سبب فراقه لها قال: قالت لما مات ابراهيم: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه.
(ج 3 / 178 والكامل لابن الاثير: 2 / 309).

قلت: وممن تزوجها صلى الله عليه وسلم ولم يدخلها بها أم شريك الازدية.
قال الواقدي: والمثبت أنها دوسية وقيل الانصارية، ويقال عامرية وأنها خولة بنت حكيم السلمي.
وقال الواقدي: اسمها غزية بنت جابر بن حكيم.
قال محمد بن إسحاق: عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال: كان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، منهن أم شريك الانصارية وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: وتزوج أم شريك الانصارية من بني النجار.
وقال " إني أحب أن أتزوج من الانصار لكني أكره غيرتهن " ولم يدخل بها.
وقال ابن إسحاق عن حكيم عن محمد بن علي عن أبيه قال: تزوج صلى الله عليه وسلم ليلى بنت الخطيم الانصارية وكانت غيورا فخافت نفسها عليه فاستقالته فأقالها.
فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها قال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عن أم هانئ فاختة (1) بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فذكرت أن لها صبية صغارا فتركها، وقال: " خير نساء ركبن الابل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد طفل في صفره، وأرعاه على زوج في ذات يده ".
وقال عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد كبرت ولي عيال.
وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني.
ثم أنزل الله * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك) * الآية [ الاحزاب: 50 ].
قالت فلم أكن أحل له لاني لم أهاجر كنت من الطلقاء.
ثم قال هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث السدي.
فهذا يقتضي أن من لم تكن من المهاجرات لا تحل له صلى الله عليه وسلم.
وقد نقل هذا المذهب مطلقا القاضي الماوردي
في تفسيره عن بعض العلماء.
وقيل المراد بقوله * (اللاتي هاجرن معك) * أي من القرابات المذكورات.
وقال قتادة * (اللاتي هاجرن معك) * أي أسلمن معك.
فعلى هذا لا يحرم عليه إلا الكفار وتحل له جميع المسلمات، فلا ينافي تزويجه من نساء الانصار إن ثبت ذلك، ولكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا.
وأما حكاية الماوردي: عن الشعبي أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية فليس بجيد.
فإنها هلالية بلا خلاف كما تقدم بيانه.
والله أعلم.
وروى محمد بن سعد: عن هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى
__________
(1) كذا في الاصل وابن سعد.
وفي الطبري: هند.

رسول الله وهو مول ظهره إلى الشمس، فضربت [ على ] (1) منكبه فقال: " من هذا أكله الاسود " فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لاعرض عليك نفسي تزوجني ؟ قال: " قد فعلت " فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بئس ما صنعت ! أنت امرأة غيرى ورسول الله صاحب نساء تغارين عليه، فيدعو الله عليك فاستقيليه، فرجعت فقالت: أقلني يا رسول الله.
فأقالها.
فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له، فبينما هي يوما تغتسل في بعض حيطان المدينة إذ وثب عليها ذئب أسود فأكل بعضها، فماتت.
وبه عن ابن عباس: أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبد الله بن جدعان فطلقها، فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة، وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها، فخطبها رسول الله من ابنها سلمة، فقال: حتى استأمرها ؟ فاستأذنها فقالت يا بني أفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن ؟ فرجع ابنها فسكت ولم يرد جوابا، وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنها (2).
وبه عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري، وكان أصابها سبي فخيرها رسول الله فقال: " إن شئت أنا وإن شئت زوجك " فقالت: بل زوجي فأرسلها فلعنتها بنو تميم.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا الواقدي، ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي قد وهبت نفسها من
رسول الله، فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت ؟ قال محمد بن سعد: وأنبأنا وكيع عن شريك عن جابر عن الحكم عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم شريك الدوسية.
قال الواقدي: الثبت عندنا أنها من دوس من الازد.
قال محمد بن سعد: واسمها غزية بنت جابر بن حكيم (3).
وقال الليث بن سعد: عن هشام بن محمد عن أبيه قال قال متحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة صالحة.
وممن خطبها ولم يعقد عليها حمزة (4) بنت الحارث بن عون بن أبي حارثة المري فقال أبوها: إن بها سوءا - ولم يكن بها - فرجع إليها وقد تبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر.
هكذا ذكره سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قال: وخطب حبيبة بنت العباس بن عبد المطلب فوجد أباها أخوه من الرضاعة أرضعتهما ثوبية مولاة أبي لهب.
فهؤلاء نساؤه وهن ثلاثة أصناف، صنف دخل بهن ومات عنهن وهن التسع المبدأ بذكرهن، وهن حرام على الناس بعد موته عليه السلام بالاجماع المحقق المعلوم من الدين ضرورة، وعدتهن بإنقضاء أعمارهن.
قال الله تعالى * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند
__________
(1) من ابن سعد 8 / 150.
وليلى هي أخت قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الاوس.
(2) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 1 / 152.
(3) طبقات ابن سعد 1 / 154 - 155.
(4) في الطبري جمرة.
قال في القاموس والبرصاء لقب أم شبيب الشاعر واسمها أمامة أو قرصافة.

الله عظيما) * [ الاحزاب: 53 ].
وصنف دخل بهن وطلقهن في حياته فهل يحل لاحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه السلام ؟ فيه قولان للعلماء، أحدهما لا لعموم الآية التي ذكرناها.
والثاني نعم بدليل آية التخيير وهي قوله * (يأيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحصنات منكن أجرا عظيما) * قالوا: فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم
يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة إذ لو كان فراقه لها لا يبحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها، وهذا قوي والله تعالى أعلم.
وأما الصنف الثالث وهي من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها، فهذه تحل لغيره أن يتزوجها.
ولا أعلم في هذا القسم نزاعا.
وأما من خطبها ولم يعقد عقده عليها فأولى لها أن تتزوج، وأولى.
وسيجئ فصل في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام.
والله أعلم.
فصل في ذكر سراريه عليه السلام كانت له عليه السلام سريتان، إحداهما مارية بنت شمعون القبطية أهداها له صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا، وأهدى معها أختها شيرين وذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جوار والله أعلم.
وغلاما خصيا اسمه مابور، وبغلة يقال لها الدلدل فقبل هديته واختار لنفسه مارية وكانت من قرية ببلاد مصر يقال لها حفن من كورة أنصنا، وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية بن أبي سفيان في أيام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بولد ذكر وهو إبراهيم عليه السلام، قالوا: وكانت مارية جميلة بيضاء أعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبها وحضيت عنده، ولا سيما بعدما وضعت إبراهيم ولده.
وأما أختها شيرين فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان، وأما الغلام الخصي وهو مابور فقد كان يدخل على مارية وشيرين بلا إذن كما جرت به عادته بمصر، فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك ولم يشعروا أنه خصي حتى انكشف الحال على ما سنبينه قريبا إن شاء الله.
وأما البغلة فكان عليه السلام يركبها، والظاهر والله أعلم أنها التي كان راكبها يوم حنين.
وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام إمارته، ومات فصارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكبرت حتى كان يجش (1) لها الشعير لتأكله.
قال أبو بكر بن خزيمة: حدثنا محمد بن زياد بن عبيد الله، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة بن الخصيب، عن أبيه قال: أهدى أمير القبط إلى رسول الله جاريتين أختين.
وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة.
واتخذ إحدى الجاريتين فولدت له إبراهيم ابنه، ووهب الاخرى.
وقال الواقدي: حدثنا يعقوب بن
__________
(1) يجش: يطحن.

محمد بن أبي صعصعة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجب بمارية القبطية، وكانت بيضاء جعدة جميلة، فأنزلها وأختها على أم سليم بنت ملحان (2)، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فأسلمتا هناك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف، وفي خزافة النخل.
فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدين، ووهب أختها شيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن، وولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما سماه إبراهيم، وعق عنه بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الارض، وسماه إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى (3) مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله فبشره فوهب له عقدا (4)، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
وروى الحافظ أبو الحسن الدار قطني: عن أبي عبيد القاسم بن إسماعيل، عن زياد بن أيوب، عن سعيد بن زكريا المدائني، عن ابن أبي سارة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اعتقها ولدها ".
ثم قال الدارقطني: تفرد به زياد بن أيوب وهو ثقة.
وقد رواه ابن ماجه: من حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس بمثله.
ورويناه من وجه آخر.
وقد أفردنا لهذه المسألة وهي بيع أمهات الاولاد مصنفا مفردا على حدته، وحكينا فيه أقوال العلماء بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مستند كل قول ولله الحمد والمنة.
وقال يونس بن بكير: عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب قال: أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذ هذا السيف فانطلق فإن وجدته عندها فاقتله " قال: قلت يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شئ حتى أمضي لما أمرتني به، أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب " فأقبلت متوشحا
السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف فلما رآني عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي فيها ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه فإذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان، حدثني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي قال: قلت يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب ؟ قال " الشاهد يرى
__________
(1) في رواية لابن سعد عن الواقدي: كان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان.
(2) كذا في الاصل، وفي رواية الطبري وابن سعد عن الواقدي: ان حاطب بن أبي بلتعة - وكان جاء بهما من المقوقس - قد دعاهما إلى الاسلام قبل أن يقدم بهما فأسلمتا هناك (ابن سعد 8 / 212 - الطبري 3 / 99).
(3) في القاموس: وأم سلمى امرأة أبي رافع.
(4) في رواية ابن سعد: عبدا.

ما لا يرى الغائب " هكذا رواه مختصرا.
وهو أصل الحديث الذي أوردناه وإسناده رجال ثقات.
وقال الطبراني: حدثني محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعقيل عن الزهري عن أنس قال: لما ولدت مارية إبراهيم كاد أن يقع في النبي صلى الله عليه وسلم منه شئ حتى نزل جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا أبا إبراهيم.
وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا محمد بن يحيى الباهلي، حدثنا يعقوب بن محمد، عن رجل سماه عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية قبطية من بنات الملوك يقال لها: مارية وأهدى معها ابن عم لها شابا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ذات يوم يدخل خلوته فأصابها حملت بإبراهيم، قالت عائشة فلما استبان حملها جزعت من ذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لها لبن فاشترى لها ضأنة لبونا تغذي منها الصبي، فصلح إليه جسمه وحسن لونه، وصفا لونه، فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها فقال: " يا عائشة كيف ترين الشبه ؟ " " فقلت أنا وغيري: ما أرى شبها "، فقال " ولا
اللحم ؟ " فقلت لعمري من تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه.
قال الواقدي: ماتت مارية في المحرم سنة خمس عشرة (1) فصلى عليها عمر ودفنها في البقيع، وكذا قال المفضل بن غسان الغلابي (2).
وقال خليفة وأبو عبيدة ويعقوب بن سفيان: ماتت سنة ستة عشرة.
رحمها الله.
ومنهن ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال من بني قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال من بني قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير وكانت مزوجة فيهم (3)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذها لنفسه صفيا، وكانت جميلة فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسلم فأبت إلا اليهودية، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن شعبة (4) فذكر له ذلك فقال ابن شعبة فداك أبي وأمي هي تسلم، فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها: لا تتبعي قومك فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب فأسلمي يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال: " أن هاتين لنعلا ابن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة " فجاء يقول: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة، فسر بذلك.
وقال محمد بن إسحاق: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خناقة فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه، وكان عرض عليها الاسلام ويتزوجها فأبت إلا اليهودية ثم ذكر من إسلامها ما تقدم.
قال الواقدي فحدثني عبد الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي
__________
(1) في رواية الطبري وابن سعد عن الواقدي: ست عشرة.
(ابن سعد 8 / 216، الطبري 4 / 188).
(2) الغلابي: نسب إلى امرأة، وهي أم خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة.
عن اللباب 2 / 184.
(3) في رواية ابن سعد عن الواقدي سماه الحكم، ولاحظ ابن سعد أن الحكم من بني قريظة.
(4) من ابن هشام وابن سعد.
وفي الاصل دون نقط، وفي الاصابة: ثعلبة بن شعبة.
وفي رواية البيهقي عن ابن اسحاق هو: ثعلبة بن سعية.

صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي قال: فأرسل بها رسول الله إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها، فجاءت أم المنذر فأخبرت
رسول الله، فجاءها في منزل المنذر فقال لها " إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطأك بالملك فعلت " فقالت: يا رسول الله إن أخف عليك وعلي أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطأها حتى ماتت (1).
قال الواقدي: وحدثني ابن أبي ذئب.
قال سألت الزهري عن ريحانة فقال: كانت أمة رسول الله فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وهذا أثبت الحديثين عندنا، وكان زوجها قبله عليه السلام الحكم.
وقال الواقدي ثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم عن عمر بن الحكم قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، وكانت عند زوج لها، وكان محبا لها مكرما، فقالت: لا أستخلف بعده أحدا أبدا، وكانت ذات جمال.
فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي فعزلت، وكان يكون له صفي في كل غنيمة فلما عزلت خار الله لي فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الاسرى وفرق السبي، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجنبت منه حياء، فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه فقلت: إني أختار الله ورسوله فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يقسم لي كما يقسم لنسائه، وضرب علي الحجاب.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بها، وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها، فقيل لها ولو كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة لاعتقهم، فكانت تقول: لم يخل بي حتى فرق السبي، ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها، فلم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع.
فدفنها بالبقيع.
وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة (2).
وقال ابن وهب، عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: واستسر رسول الله ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى، كانت ريحانة بنت زيد بن شمعون من بني النضير.
وقال بعضهم من بني قريظة وكانت تكون في نخل من نخل الصدقة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل عندها أحيانا، وكان سباها في شوال سنة أربع.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا زهير، عن سعيد عن قتادة قال: كانت لرسول الله
وليدتان، مارية القبطية وريحه أو ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني عمرو بن قريظة، كانت عند ابن عم لها يقال به عبد الحكم فيما بلغني، وماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ولائد، مارية القبطية، وريحانة القرظية، كانت له جارية أخرى جميلة فكادها نساؤه وخفن أن تغلبن عليه، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب،
__________
(1) الخبر في ابن سعد 8 / 131.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 129.

وكان هجرها في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة والمحرم وصفر، فلما كان شهر ربيع الاول الذي قبض فيه رضي عن زينب ودخل عليها، فقالت ما أدري ما أجزيك ؟ فوهبتها له صلى الله عليه وسلم.
روى سيف بن عمر: عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم لمارية وريحانة مرة، ويتركهما مرة.
وقال أبو نعيم: قال أبو محمد بن عمر الواقدي: توفيت ريحانة سنة عشرة وصلى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع ولله الحمد.
فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام لا خلاف أن جميع أولاده من خديجة بنت خويلد سوى إبراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية، قال محمد بن سعد: أنبأنا هشام بن الكلبي أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
قال: كان أكبر (1) ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب (2)، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم - وهو أول ميت من ولده بمكة - ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله عز وجل * (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر) * قال ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، فمات ابن ثمانية عشر شهرا.
وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري: ثنا عبد الباقي بن نافع، ثنا محمد بن زكريا، ثنا العباس بن بكار: حدثني محمد بن زياد والفرات بن السائب، عن
ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن محمد، ثم أبطأ عليه الولد من بعده، فبينا رسول الله يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر إليه إذ قال له رجل من هذا ؟ قال له هذا الابتر.
وكانت قريش إذا ولد للرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا هذا الابتر، فأنزل الله * (إن شانئك هو الابتر) * أي مبغضك هو الابتر من كل خير.
قال ثم ولدت له زينب، ثم ولدت له رقية، ثم ولدت له القاسم، ثم ولدت الطاهر، ثم ولدت المطهر، ثم ولدت الطيب، ثم ولدت المطيب، ثم ولدت أم كلثوم، ثم ولدت فاطمة.
وكانت أصغرهم.
وكانت خديجة إذا ولدت ولدا دفعته إلى من يرضعه.
فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها.
وقال الهيثم بن عدي: حدثنا هشام بن عروة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم ابنان، طاهر والطيب.
وكان يسمي أحدهما عبد شمس.
والآخر عبد العزى وهذا فيه نكارة.
والله أعلم.
وقال محمد بن عائذ: أخبرني الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، أن خديجة ولدت القاسم والطيب والطاهر ومطهر وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم.
وقال الزبير بن بكار: أخبرني عمي مصعب بن
__________
(1) في ابن سعد: أول من ولد.
(2) في ابن سعد: زينب، ثم رقية ثم قاطمة ثم أم كلثوم ثم ولد له في الاسلام فسمي الطيب، والطاهر.
(الطبقات ج 1 / 133).

عبد الله قال: ولدت خديجة القاسم والطاهر وكان يقال له الطيب، وولد الطاهر بعد النبوة، ومات صغيرا واسمه عبد الله، وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.
قال الزبير وحدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الاسود: أن خديجة ولدت القاسم والطاهر والطيب وعبد الله وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم.
وحدثني محمد بن فضالة: عن بعض من أدرك من المشيخة قال: ولدت خديجة القاسم وعبد الله، فأما القاسم فعاش حتى مشى (1)، وأما عبد الله فمات وهو صغير.
وقال الزبير بن بكار: كانت خديجة تذكر في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد، وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده وبه كان يكنى، ثم زينب، ثم عبد الله وكان يقال له الطيب، ويقال
له الطاهر، ولد بعد النبوة ومات صغيرا.
ثم ابنته أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية.
هكذا الاول فالاول.
ثم مات القاسم بمكة - وهو أول ميت من ولده - ثم مات عبد الله.
ثم ولدت له مارية بنت شمعون إبراهيم وهي القبطية التي أهداها المقوقس صاحب اسكندرية، وأهدى معها أختها شيرين وخصيا يقال له مابور، فوهب شيرين لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن.
وقد انقرض نسل حسان بن ثابت.
وقال أبو بكر بن الرقي: يقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله، ويقال إن الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن.
وقال المفضل بن غسان عن أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج، عن مجاهد قال: مكث القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم سبع ليال ثم مات قال المفضل وهذا خطأ، والصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا.
وقال الحافظ أبو نعيم: قال مجاهد مات القاسم وله سبعة أيام.
وقال الزهري وهو ابن سنتين.
وقال قتادة: عاش حتى مشى.
وقال هشام بن عروة: وضع أهل العراق ذكر الطيب والطاهر، فأما مشايخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف والقاسم، ومن النساء رقية وأم كلثوم وفاطمة.
هكذا رواه ابن عساكر وهو منكر، والذي أنكره هو المعروف.
وسقط ذكر زينب ولا بد منها.
والله أعلم.
فأما زينب فقال عبد الرزاق: عن ابن جريج قال لي، غير واحد: كانت زينب أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة، فإذا سجد وضعها.
وإذا قام حملها.
ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي وقتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم، وكأنها كانت طفلة صغيرة.
فالله أعلم.
وقد تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة على ما سيأتي إن شاء الله، وكانت وفاة زينب رضي الله عنها في سنة ثمان.
قاله قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وخليفة بن خياط وأبو بكر بن أبي خيثمة وغير واحد.
وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان.
وذكر حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فأسقطت حملها، ثم لم تزل وجعة حتى ماتت.
فكانوا يرونها ماتت شهيدة، وأما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبي لهب كما تزوج أم كلثوم أخوه
__________
(1) قال الواقدي: مات وهو ابن سنتين.

عتيبة بن أبي لهب، ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله * (تبت ؟ ؟ أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) * فتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه رقية، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ويقال إنه أول من هاجر إليها.
ثم رجعا إلى مكة كما قدمنا وهاجرا إلى المدينة وولدت له ابنه عبد الله فبلغ ست سنين (1)، فنقره ديك في عينيه فمات وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو وتوفيت وقد انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.
ولما أن جاء البشير بالنصر إلى المدينة - وهو زيد بن حارثة - وجدهم قد ساووا على قبرها التراب، وكان عثمان قد أقام عليها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره، ولما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا ولهذا كان يقال له ذو النورين، ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له شيئا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان " وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كن عشرا لزوجتهن عثمان " وأما فاطمة فتزوجها ابن عمها علي بن أبي طالب في صفر (2) سنة اثنتين، فولدت له الحسن والحسين، ويقال ومحسن، وولدت له أم كلثوم وزينب.
وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة وأكرمها إكراما زائدا أصدقها أربعين ألف درهم لاجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب.
ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده.
وقد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي وماتت عنده أيضا وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على أشهر الاقوال (3).
وهذا الثابت عن عائشة في الصحيح، وقاله الزهري أيضا وأبو جعفر الباقر وعن الزهري بثلاثة أشهر.
وقال أبو الزبير بشهرين.
وقال أبو بريدة عاشت بعده سبعين من بين يوم وليلة.
وقال عمرو بن دينار مكثت بعده ثمانية أشهر.
وكذا قال عبد الله بن الحارث.
وفي رواية عن عمرو بن دينار بأربعة أشهر.
وأما
إبراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا، وكان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان.
وقد روي عن ابن لهيعة وغيره عن عبد الرحمن بن زياد.
قال: لما حبل بإبراهيم أتى جبريل فقال السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية، وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة.
وروى الحافظ أبو بكر البزار: عن محمد بن مسكين، عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عقيل، ويزيد بن أبي حبيب عن الزهري عن أنس قال: لما ولد للنبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شئ، فأتاه جبريل، فقال: السلام عليك يا أبا
__________
(1) في طبقات ابن سعد: سنتين.
(2) قال الواقدي: في رجب.
(3) قال الواقدي: وهو الثبت عندنا - من قال بعده بستة أشهر - وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها.

إبراهيم.
وقال أسباط: عن السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن قال: سألت أنس بن مالك قلت كم بلغ إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من العمر ؟ قال قد كان ملا مهده، ولو بقي لكان نبيا ولكن لم يكن ليبق لان نبيكم صلى الله عليه وسلم آخر الانبياء.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن السدي عن أنس بن مالك قال: لو عاش إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا.
وقال أبو عبيد الله بن منده: ثنا محمد بن سعد، ومحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عثمان العبسي، ثنا منجاب، ثنا أبو عامر الاسدي، ثنا سفيان، عن السدي عن أنس قال: توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهرا.
فقال رسول الله: " ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة " وقال أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن أنس قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله.
كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل إلى البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع.
قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله: " إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له
لظئرين تكملان رضاعه في الجنة " (1) وقد روى جرير وأبو عوانة، عن الاعمش، عن مسلم بن صبيح، أبي الضحى، عن البراء قال: توفي إبراهيم بن رسول الله وهو ابن ستة عشر شهرا، فقال: " ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا في الجنة ".
ورواه أحمد من حديث جابر عن عامر عن البراء.
وهكذا رواه سفيان الثوري عن فراس، عن الشعبي، عن البراء بن عازب بمثله.
وكذا رواه الثوري أيضا عن أبي إسحاق عن البراء وأورد له ابن عساكر من طريق عتاب بن محمد بن شوذب، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: توفي إبراهيم فقال رسول الله " يرضع بقية رضاعه في الجنة ".
وقال أبو يعلى الموصلي: ثنا زكريا بن يحيى الواسطي، ثنا هشيم، عن إسماعيل قال: سألت ابن أبي أوفى - أو سمعته يسأل - عن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: مات وهو صغير، ولو قضى أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لعاش.
وروى ابن عساكر من حديث أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، ثنا عبيد بن إبراهيم الجعفي، ثنا الحسن بن أبي عبد الله الفراء، ثنا مصعب بن سلام، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عاش إبراهيم لكان نبيا " وروى ابن عساكر: من حديث محمد بن إسماعيل بن سمرة، عن محمد بن الحسن الاسدي، عن أبي شيبة عن أنس قال: لما مات إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه " فجاء فانكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه صلى الله عليه وسلم.
قلت: أبو شيبة هذا لا يتعامل بروايته.
ثم روى من حديث مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن خيثم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: لما توفي إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر: أنت أحق من علم الله حقه، فقال " تدمع العين ويحزن القلب،
__________
(1) الخبر في ابن سعد ج 1 / 136 و 139.

ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر منا يتبع الاول، لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد مما وجدنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " وقال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، عن جابر عن الشعبي، عن البراء.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن ستة عشر شهرا.
وقال: " إن له في الجنة من يتم رضاعه وهو صديق " وقد روي من حديث الحكم بن عيينة عن الشعبي، عن البراء.
وقال أبو يعلى: ثنا القواريري، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه، وصليت خلفه وكبر عليه أربعا.
وقد روى يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: مات إبراهيم بن رسول الله وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه.
وروى ابن عساكر من حديث إسحاق بن محمد الفروي، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن أبي جده عن علي قال: لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب إلى أمة مارية القبطية وهي في مشربة، فحمله علي في سفط وجعله بين يديه على الفرس، ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله وكفنه وخرج به، وخرج الناس معه، فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد، فدخل علي في قبره حتى سوى عليه ودفنه، ثم خرج ورش على قبره، وأدخل رسول الله يده في قبره فقال " أما والله إنه لنبي ابن نبي " وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تدمع العين ويحزن القلب.
ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ".
وقال الواقدي: مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الاول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار في دار أم برزة (1) بنت المنذر، ودفن بالبقيع.
قلت: وقد قدمنا أن الشمس كسفت يوم موته، فقال الناس كسفت لموت إبراهيم.
فخطب رسول الله فقال في خطبته: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته " قاله الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر.
باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان وبالله المستعان.
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي، ويقال أبو يزيد ويقال أبو محمد مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه، وحبه وابن حبه، وأمه أم أيمن، واسمها بركة كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغره، وممن آمن به قديما بعد بعثته، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أيام حياته، وكان عمره إذ ذاك
__________
(1) في ابن سعد روى عن الواقدي: أم بردة 1 / 144.

ثماني عشرة أو تسع عشرة، وتوفي وهو أمير على جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب، ويقال وأبو بكر الصديق وهو ضعيف.
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبه للامامة، فلما توفي عليه السلام وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه، استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الاقامة عنده ليستضئ برأيه فأطلقه له، وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك، وكل ذلك يأبى عليهم ويقول: والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد، وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فأغار على تلك البلاد وغنم وسبى وكر راجعا سالما مؤيدا كما سيأتي.
فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له: السلام عليك أيها الامير.
ولما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم راية الامرة طعن بعض الناس في إمارته، فخطب رسول الله فقال فيها: " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للامارة، وإن كان لمن أحب الخلق إلي بعده " (1) وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه.
وثبت في صحيح البخاري: عن أسامة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول " اللهم إني أحبهما فأحبهما " (2) وروي عن الشعبي عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أحب الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد " ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لاسامة في خمسة آلاف.
وأعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف.
فقيل له في ذلك فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك.
وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن عروة عن أسامة: أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة، قبل وقعة بدر.
قلت: وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة كما قدمنا في حجة الوداع وقد ذكر غير واحد أنه رضي الله عنه لم يشهد مع علي شيئا من مشاهده، واعتذر إليه بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل ذلك الرجل وقد قال لا إله إلا الله، فقال " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة " الحديث.
وذكر فضائله كثيرة رضي الله عنه.
وقد كان أسود كالليل، أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا، رضي الله عنه.
وكان أبوه كذلك إلا أنه كان أبيض شديد البياض، ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه.
ولما مر مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما، أسامة بسواده وأبوه زيد ببياضه قال: سبحان الله إن بعض هذه الاقدام لمن بعض، أعجب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال " ألم تر أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن
__________
(1) فتح الباري 7 / 86 حديث رقم 3730.
(2) فتح الباري 7 / 88 حديث رقم 3736.

زيد فقال إن بعض هذه الاقدام لمن بعض ".
ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد من هذا الحديث من حيث التقرير عليه والاستبشار به، العمل بقول القافة في اختلاط الانساب واشتباهها كما هو مقرر في موضعه، والمقصود أنه رضي الله عنه توفي سنة أربع وخمسين مما صححه أبو عمر.
وقال غيره سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل مات بعد مقتل عثمان.
فالله أعلم.
وروى له الجماعة في كتبهم الستة.
ومنهم أسلم وقيل إبراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز أبو رافع القبطي أسلم قبل بدر ولم يشهدها لانه كان بمكة مع سادته آل العباس، وكان ينحت القداح، وقصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت ولله الحمد.
ثم هاجر وشهد أحدا وما بعدها، وكان كاتبا، وقد كتب بين يدي علي بن أبي طالب بالكوفة، قاله المفضل بن غسان الغلابي.
وشهد فتح مصر في أيام عمر، وقد كان أولا للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم وعتقه وزوجه مولاته سلمى، فولدت له أولادا وكان
يكون على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد ثنا محمد بن جعفر وبهز قالا: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع عن أبي رافع أن رسول الله بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لابي رافع أصحبني كيما تصيب منها، فقال لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتى رسول الله فسأله فقال: " الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم " وقد رواه الثوري، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم به.
وروى أبو يعلى في مسنده عنه أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر، فقال رسول الله " من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له " قال أبو رافع: فلم أجد من يلحفني معه، فأتيت رسول الله فألقى علي لحافه، فنمنا حتى أصبحنا، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجليه حية فقال: " يا أبا رافع أقتلها أقتلها " وروى له الجماعة في كتبهم، ومات في أيام علي رضي الله عنه.
ومنهم أنسة بن زيادة بن مشرح، ويقال أبو مسرح (1)، من مولدي السراة مهاجري شهد بدرا فيما ذكره عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والبخاري وغير واحد.
قالوا: وكان ممن يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس، وذكر خليفة بن خياط في كتابه: قال قال علي بن محمد، عن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس قال: استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وليس هذا بثبت عندنا، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أحدا (2) أيضا وبقي زمانا وأنه توفي في حياة أبي بكر رضي الله عنه أيام خلافته.
ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي ونسبه ابن منده إلى عوف بن الخزرج وفيه نظر، وهو ابن أم أيمن بركة أخو أسامة لامه.
قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثبت يوم
__________
(1) قبل أصله من عجم الفرس كانت أمه حبشية وأبوه فارسيا واسمه بالفارسية: كردوى بن أشرنيده بن أدوهر بن مهردار بن كحنكان من بني مهجوار بن يوماست.
(تاريخ الطبري 3 / 181).
(2) قال الطبري: شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله

حنين، ويقال إن فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى * (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * [ الكهف: 110 ].
قال الشافعي: قتل أيمن مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم
حنين.
قال فرواية مجاهد عنه منقطعة - يعني بذلك ما رواه الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن عطاء عن أيمن الحبشي قال: لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم السارق إلا في المجن، وكان ثمن المجن يومئذ دينار - وقد رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة عن هارون بن عبد الله، عن أسود بن عامر، عن الحسن بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد، وعطاء عن أيمن عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وهذا يقتضي تأخر موته عن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن الحديث مدلسا عنه، ويحتمل أن يكون أريد غيره، والجمهور كابن إسحاق وغيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين.
فالله أعلم.
ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة (1).
ومنهم باذام وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان.
ومنهم ثوبان بن بحدد ويقال ابن جحدر أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الكريم، ويقال أبو عبد الرحمن.
أصله من أهل السراة مكان بين مكة واليمن، وقيل من حمير من أهل اليمن، وقيل من الهان، وقيل من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبي في الجاهلية.
فاشتراه رسول الله فأعتقه وخيره إن شاء أن يرجع إلى قومه، وإن شاء يثبت فإنه منهم أهل البيت.
فأقام على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه حضرا ولا سفرا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشهد فتح مصر أيام عمر ونزل حمص بعد ذلك وابتنى بها دارا، وأقام بها إلى أن مات سنة أربع وخمسين، وقيل سنة أربع وأربعين - وهو خطأ - وقيل إنه مات بمصر، والصحيح بحمص كما قدمنا والله أعلم.
روى له البخاري في كتاب الادب، ومسلم في صحيحه وأهل السنن الاربعة.
ومنهم حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وروينا أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويوضئه، فإذا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم خرج بفضلة الوضوء إلى أصحابه، فمنهم من يشرب منه، ومنهم من يتمسح به، فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة حتى شكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له " ما تصنع به ؟ " فقال أدخره عندي أشربه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام " هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا ؟ " ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وهبه لعمه العباس فأعتقه رضي الله عنهما.
ومنهم ذكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان.
__________
(1) رواها ابن سعد في طبقاته 8 / 225: دخل الحجاج المسجد فصلى صلاة لم يتم ركوعه ولا سجوده فقال له عبد الله بن عمر: يا أخي انك لم تصل فعد لصلاتك، ولما خرج سأل عنه فقيل له اسمه الحجاج ابن أم أيمن فقال: لو رأى هذا رسول الله لاحبه.
ورواه البخاري في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة حديث 3736 - 3737.

ومنهم رافع أو أبو رافع ويقال له أبو البهي.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة كان لابي أحيحة سعيد بن العاص الاكبر فورثه بنوه وأعت ثلاثة منهم أنصباءهم وشهد معهم يوم بدر، فقتلوا ثلاثتهم، ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد مولاه إلا نصيب خالد بن سعيد، فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأعتقه فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كان بنوه يقولون من بعده.
ومنهم رباح الاسود، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي أخذ الاذن لعمر بن الخطاب، حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه واعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه السلام، هكذا جاء مصرحا باسمه في حديث عكرمة بن عمار، عن سماك بن الوليد، عن ابن عباس عن عمر.
وقال الامام أحمد ثنا وكيع، ثنا عكرمة بن عمار، عن أياس بن سلمة بن الاكوع، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يسمى رباح.
ومنهم رويفع (1) مولاه عليه الصلاة والسلام، هكذا عده في الموالي مصعب بن عبد الله الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة قالا: وقد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له.
قالا: ولا عقب له.
قلت: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب أن يعرفهم ويحسن إليهم.
وقد كتب في أيام خلافته إلى أبي بكر بن حزم عالم أهل المدينة في زمانه: أن يفحص له عن موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء وخدامه.
رواه الواقدي: وقد ذكره أبو عمر مختصرا وقال لا أعلم له رواية، حكاه ابن الاثير في [ أسد ] الغابة.
ومنهم زيد بن حارثة الكلبي وقد قدمنا طرفا من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضي الله عنه، وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، وقد كان هو الامير المقدم، ثم بعده جعفر، ثم بعدهما عبد الله بن رواحة.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه.
رواه أحمد.
ومنهم زيد أبو يسار (2)، قال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة سكن المدينة، روى حديثا واحدا لا أعلم له غيره.
حدثنا محمد بن علي الجوزجاني، ثنا أبو سلمة - هو التبوذكي - ثنا حفص بن عمر الطائي، ثنا أبو عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم سمعت
__________
(1) اعتبر الطبري رويفع وأبو رافع واسلم واحدا، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أبو البهي.
(2) في الطبري: يسار وكان نوبيا وقع في سهم رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة بني عبد بن ثعلبة (كما في ابن سعد) فأعتقه وهو الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله.
(تاريخ الطبري 3 / 182 - ابن سعد 1 / 498).

أبي حدثني عن جدي أنه سمع رسول الله يقول: " من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف " وهكذا رواه أبو داود عن أبي سلمة: وأخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل به.
وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن، ويقال أبو البختري كان اسمه مهران (1)، وقيل عبس، وقيل أحمر، وقيل رومان، فلقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبب سنذكره، فغلب عليه.
وكان مولى لام سلمة فأعتقته واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يموت، فقبل ذلك.
وقال لو لم تشترطي علي ما فارقته وهذا الحديث في السنن.
وهو من مولدي العرب وأصله من أبناء فارس وهو سفينة بن مافنة.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال قال رسول الله: " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملكا بعد ذلك " ثم
قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، وأمسك خلافة علي، ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنة.
ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون.
قلت لسعيد أين لقيت سفينة ؟ قال ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله.
قلت له ما اسمك ؟ قال ما أنا بمخبرك، سماني رسول الله سفينة.
قلت ولم سماك سفينة ؟ قال خرج رسول الله ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم فقال لي " أبسط كساك " فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه علي، فقال لي رسول الله " احمل فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي، إلا أن يحفوا (2) وهذا الحديث عن أبي داود والترمذي والنسائي.
ولفظه عندهم " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا " وقال الامام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة.
قال: كنا في سفر، فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه، ترسا أو سيفا حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت سفينة " هذا هو المشهور في تسميته سفينة.
وقد قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، ومحمد بن جعفر الوركاني، قالا: ثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن عمران البجلي، عن مولى لام سلمة.
قال: كنا مع رسول الله فمررنا بواد - أو نهر - فكنت أعبر الناس.
فقال لي رسول الله " ما كنت منذ اليوم إلا سفينة " وهكذا رواه الامام أحمد عن أسود بن
__________
(1) ذكره ابن الاثير في الكامل قال: ويقال اسمه رباح، وذكر ابن سعد سفينة غلام له فأعتقه وقال: وكان للنبي صلى الله عليه وآله غلام اسمه رباح وكان في ظهر النبي صلى الله عليه وآله الذي أغار عليه ابن عيينة بن حصن.
وذكره الطبري قال: ومهران غلام رسول الله صلى الله عليه وآله حدث عنه صلى الله عليه وآله وهو غير سفينة.
وانظر ترجمة له في الاصابة 2 / 58.
(2) يحفوا: يزيدوا ويبالغوا.
والحديث أخرجه البيهقي في الدلائل ج 6 / 47 والحاكم في المستدرك 3 / 606 وقال: " صحيح الاسناد ولم يخرجاه " واقره الذهبي.

عامر عن شريك.
وقال أبو عبد الله بن منده: ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن
عمر، ثنا أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر عن سفينة قال: ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا، فركبت لوحا منها فطرحني في جزيرة فيها أسد، فلم يرعني إلا به، فقلت يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق، ثم همهم فظننت أنه السلام.
وقد رواه أبو القاسم البغوي: عن إبراهيم بن هانئ، عن عبيد الله بن موسى، عن رجل، عن محمد بن المنكدر عنه.
ورواه أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي، عن حسين بن محمد.
قال قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة فذكره.
ورواه أيضا: حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا علي بن عاصم، حدثني أبو ريحانة، عن سفينة مولى رسول الله قال: لقيني الاسد فقلت: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضرب بذنبه الارض وقعد (1).
وروى له مسلم وأهل السنن.
وقد تقدم في الحديث الذي رواه الامام أحمد أنه كان يسكن بطن نخلة، وأنه تأخر إلى أيام الحجاج.
ومنهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الاسلام، أصله من فارس وتنقلت به الاحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم سلمان، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاتب سيده اليهودي، وأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء ما عليه فنسب إليه وقال " سلمان منا أهل البيت ".
وقد قدمنا صفة هجرته من بلده وصحبته لاولئك الرهبان واحدا بعد واحد حتى آل به الحال إلى المدينة النبوية، وذكر صفة إسلامه رضي الله عنه في أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في آخر أيام عثمان - أو في أول سنة ست وثلاثين - وقيل إنه توفي في أيام عمر بن الخطاب، والاول أكثر.
قال العباس بن يزيد البحراني: وكان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين وخمسين سنة واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين.
وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخرين أنه لم يجاوز المائة.
فالله أعلم بالصواب.
ومنهم شقران الحبشي واسمه صالح بن عدي، ورثه عليه السلام من أبيه.
وقال مصعب الزبيري ومحمد بن سعد: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أحمد بن حنبل: عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد بدرا، قال ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا رواه محمد بن سعد فيمن شهد بدرا وهو مملوك، فلهذا لم يسهم له بل استعمله على الاسرى، فحذاه (2) كل رجل له أسير شيئا، فحصل له أكثر من نصيب كامل.
قال وقد كان ببدر
__________
(1) خبر سفينة والاسد رواه البيهقي في الدلائل من طرق عن ابن المنكدر عن سفينة في الدلائل 6 / 45 - 46.
وذكره السيوطي في الخصائص 2 / 65 عن ابن سعد وأبي يعلى والبزار وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي وأبي نعيم كلهم عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) حذاه: أعطاه، والحذوة العطية.

ثلاثة غلمان غيره، غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لسعيد بن معاذ، فرضخ لهم ولم يقسم.
قال أبو القاسم البغوي: وليس له ذكر فيمن شهد بدرا في كتاب الزهري، ولا في كتاب ابن إسحاق.
وذكر الواقدي: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال المريسيع من رثة (1) المتاع والسلاح والنعم والشاء وجمع الذرية ناحية.
وقال الامام أحمد: ثنا أسود ابن عامر، ثنا مسلم بن خالد، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه عن شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى خيبر على حمار يصلي عليه، يومئ إيماء.
وفي هذه الاحاديث شواهد أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد.
وروى الترمذي عن زيد بن أخزم عن عثمان بن فرقد، عن جعفر بن محمد، أخبرني ابن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: الذي اتخذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة شقران.
ثم قال الترمذي حسن غريب.
وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبره، وأنه وضع تحته القطيفة التي كان يصلي عليها وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
وذكر الحافظ أبو الحسن بن الاثير في [ أسد ] الغابة أنه انقرض نسله فكان آخرهم موتا بالمدينة في أيام الرشيد.
ومنهم ضميرة (2) بن أبي ضميرة الحميري، أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم
فأعتقه، ذكره مصعب الزبيري قال: وكانت له دار بالبقيع، وولد.
قال عبد الله بن وهب عن ابن أبي ذئب عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده ضميرة أن رسول الله مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها: " ما يبكيك ؟ أجائعة أنت، أعارية أنت " قالت: يا رسول الله فرق بيني وبين ابني، فقال رسول الله " لا يفرق بين الوالدة وولدها " ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر قال ابن أبي ذئب ثم أقرأني كتابا عنده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة وأهل بيته، أن رسول الله أعتقهم، وأنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم، فلا يعرض لهم إلا بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا، وكتب أبي بن كعب (3).
ومنهم طهمان، ويقال ذكوان.
ويقال مهران ويقال ميمون، وقيل كيسان، وقيل باذام.
__________
(1) الرثة: ما يسقط من متاع البيت.
(2) في الطبري وكامل ابن الاثير: أبو ضميرة.
قيل من عجم الفرس.
اسمه راح من ولد بشتاسب وقع في قسم رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض وقائعه فأعتقه وكتب له كتابا بالوصية.
(3) راجع النص في: أسد الغابة 3 / 47 و 5 / 232 أوعز إليه في الاصابة ج 2 رقم 4204 وج 4 رقم 670 في ترجمة أبي ضميرة والجمهرة 1 / 69 عن المواهب اللدنية.
والمعارف لابن قتيبة ص 64.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الصدقة لا تحل لي ولا لاهل بيتي، وإن مولى القوم من أنفسهم " رواه البغوي: عن منجاب بن الحارث وغيره، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن إحدى بنات علي بن أبي طالب وهي أم كلثوم بنت علي قالت: حدثني مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له طهمان أو ذكوان.
قال قال رسول الله.
فذكره.
ومنهم عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن سليمان التيمي عن شيخ (1) عن عبيد مولى للنبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة سوى المكتوبة ؟ قال صلاة بين المغرب والعشاء.
قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم روى غيره.
قال ابن عساكر: وليس
كما قال.
ثم ساق من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا عبد الاعلى بن حماد، ثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا صائمتين، وكانتا تغتابان الناس، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فقال لهما " قيئا " فقاءا قيحا ودما ولحما عبيطا ثم قال " إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام " وقد رواه الامام أحمد: عن يزيد بن هارون، وابن أبي عدي عن سليمان التيمي، عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان، عن عبيد مولى رسول الله فذكره.
ورواه أحمد أيضا: عن غندر، عن عثمان بن غياث قال: كنت مع أبي عثمان فقال رجل حدثني سعيد - أو عبيد - عثمان يشك مولى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره (2).
ومنهم فضالة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن سعيد: أنبأنا الواقدي: حدثني عتبة بن خيرة الاشهلي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن خدم رسول الله من الرجال والنساء ومواليه، فكتب إليه قال: وكان فضالة مولى له يماني نزل الشام بعد.
وكان أبو مويهبة مولدا من مولدي مزينة فأعتقه.
قال ابن عساكر: لم أجد لفاضلة ذكرا في الموالي إلا من هذا الوجه.
ومنهم قفيز أوله قاف وآخره زاي.
قال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا سهل بن السري، ثنا أحمد بن محمد بن المنكدر، ثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن سليمان الحراني، عن زهير بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله بن أنيس.
قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له قفيز، تفرد به محمد بن سليمان.
ومنهم كركرة، كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وقد ذكره أبو بكر بن حزم فيما كتب
__________
(1) هكذا وقع في الاصابة في ترجمته: مرة عن شيخ عن عبيد، ومرة عن رجل عن عبيد ولم يذكر اسمه.
(2 / 448).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (5 / 430) والبيهقي في الدلائل من طرق عن عبيد ج 6 / 186 - 187 وعبيد ذكره ابن حبان قال: له صحبة وذكره ابن السكن في الصحابة.

به إلى عمر بن عبد العزيز.
قال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، فمات فقال " هو في النار " فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلها، أو كساء قد غله.
رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان.
قلت: وقصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني النصيب كما سيأتي.
ومنهم كيسان.
قال البغوي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب قال: أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت: حدثني مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له كيسان قال له النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من أمر الصدقة " إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة، وإن مولانا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة ".
ومنهم مابور القبطي الخصي، أهداه له صاحب اسكندرية مع مارية وشيرين والبغلة.
وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفاية.
ومنهم مدعم، وكان أسود من مولدي حسمى (1) أهداه رفاعة بن زيد الجذامي، قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مرجعهم من خيبر.
فلما وصلوا إلى وادي القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلها، إذ جاءه سهم عاثر (2) فقتله.
فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر - لم تصبها المقاسم - لتشتعل عليه نارا " فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك - أو شراكين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم " شراك من نار، أو شراكان من نار " أخرجاه: من حديث مالك، عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة.
ومنهم مهران ويقال طهمان، وهو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم كما تقدم.
ومنهم ميمون وهو الذي قبله.
ومنهم نافع مولاه.
قال الحافظ ابن عساكر: أنبأنا أبو الفتح الماهاني، أنبأنا شجاع الصوفي، أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أبو مالك الاشجعي، عن يوسف بن ميمون عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل الجنة شيخ زان، ولا مسكين متكبر، ولا منان بعمله على الله عز وجل ".
ومنهم نفيع، ويقال مسروح، ويقال نافع بن مسروح.
والصحيح نافع بن الحارث بن
__________
(1) حسمى: أرض ببادية الشام بينها وبين وادي القرى ليلتان تنزلها جذام (معجم البلدان).
(2) في الطبري: سهم غرب.
أي لا يعرف من رماه.

كلدة بن عمرو بن علاج بن سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قيس، وهو ثقيف أبو بكرة الثقفي.
وأمه سمية أم زياد.
تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطائف، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرة.
قال أبو نعيم: وكان رجلا صالحا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي برزة الاسلمي.
قلت: وهو الذي صلى عليه بوصيته إليه، ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجمل، ولا أيام صفين، وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين.
ومنهم واقد، أو أبو واقد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، حدثنا الحسين بن محمد، ثنا الهيثم بن حماد عن الحارث بن غسان (1)، عن رجل من قريش من أهل المدينة عن زاذان عن واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أطاع الله فقد ذكر الله.
وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى الله فلم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ".
ومنهم هرمز أبو كيسان، ويقال هرمز أو كيسان، وهو الذي يقال فيه طهمان كما تقدم.
وقد قال ابن وهب ثنا علي بن عباس، عن عطاء بن السائب، عن فاطمة بنت علي، أو أم كلثوم بنت علي قالت: سمعت مولى لنا يقال له هرمز يكنى أبا كيسان.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة ".
وقد رواه الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن ورقاء، عن عطاء بن السائب قال: دخلت على أم كلثوم فقالت
إن هرمز أو كيسان حدثنا أن رسول الله قال: " إنا لا نأكل الصدقة ".
وقال أبو القاسم البغوي: ثنا منصور بن أبي مزاحم، ثنا أبو حفص الابار، عن ابن أبي زياد عن معاوية قال: شهد بدرا عشرون مملوكا، منهم مملوك للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له هرمز فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أعتقك، وإن مولى القوم من أنفسهم، وإنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها ".
ومنهم هشام مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن سعد: أنبأنا سليمان بن عبيد الله الرقي، أنبأنا محمد بن أيوب الرقي، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن أبي الزبير عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: جاء رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس، قال " طلقها " قال: إنها تعجبني، قال " فتمتع بها " قال ابن منده وقد رواه جماعة عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن مولى بني هاشم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه.
ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن أبي الزبير عن جابر.
ومنهم يسار.
ويقال إنه الذي قتله العرنيون وقد مثلوا به.
وقد ذكر الواقدي بسنده عن
__________
(1) في الاصابة: عتبان، في ترجمة أبي واقد 4 / 216.

يعقوب بن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني غطفان وسليم، فوهبه الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منهم، لانه رآه يحسن الصلاة فأعتقه، ثم قسم في الناس النعم فأصاب كل إنسان منهم سبعة أبعرة،، وكانوا مائتين.
ومنهم أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو الذي يقال إن اسمه هلال بن الحارث، وقيل ابن مظفر وقيل هلال بن الحارث بن ظفر السلمي، أصابه سبي في الجاهلية.
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم: ثنا أحمد بن حازم، أنبانا عبد الله بن موسى، والفضل بن دكين، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي داود القاص عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة كل غداة فيقول: " الصلاة الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " قال أحمد بن حازم، وأنبأنا عبيد الله بن موسى،
والفضل بن دكين - واللفظ له - عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي داود عن أبي الحمراء قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل عنده طعام في وعاء فأدخله يده، فقال: " غششته ! من من غشنا فليس منا " وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم به.
وليس عنده سواه.
وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الاعمى أحد المتروكين الضعفاء.
قال عباس الدوري، عن ابن معين: أبو الحمراء صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه هلال بن الحارث، كان يكون بحمص، وقد رأيت بها غلاما من ولده وقال غيره كان منزله خارج باب حمص.
وقال أبو الوازع عن سمرة: كان أبو الحمراء في الموالي.
ومنهم أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال أبو سلام واسمه حريث.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد، حدثني أبو سلمة راعي النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وآمن بالبعث والحساب، دخل الجنة ".
قلنا أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأدخل أصبعيه في أذنيه ثم قال: أنا سمعت هذا منه غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع.
لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث.
وقد روى له النسائي في اليوم والليلة آخر، وأخرج له ابن ماجه ثالثا.
ومنهم أبو صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا معتمر، ثنا أبو كعب، عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى الاولى سبح حتى يمسي.
ومنهم أبو ضميرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم والد ضميرة المتقدم، وزوج أم ضميرة.
وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم وخبرهم في كتابهم.
وقال محمد بن سعد في الطبقات: أنبأنا إسماعيل بن عبد الله بن أويس المدني، حدثني حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ضميرة: بسم الله الرحمن الرحيم.
كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة وأهل بيته، إنهم كانوا أهل بيت من العرب، وكانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم.
ثم خير أبا ضميرة إن

أحب أن يلحق بقومه فقد أذن له، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته، فاختار
الله ورسوله ودخل في الاسلام، فلا يعرض لهم أحد إلا بخير.
ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا، وكتب أبي بن كعب قال إسماعيل بن أبي أويس: فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد حمير.
وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب فعرض لهم اللصوص، فأخذوا ما معهم فأخرجوا هذا الكتاب إليهم فأعلموهم بما فيه، فقرأوه فردوا عليهم ما أخذوا منهم ولم يغرضوا لهم.
قال ووفد حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين وجاء معه بكتابهم هذا، فأخذه المهدي فوضعه على بصره، وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار.
ومنهم أبو عبيد مولاه عليه الصلاة والسلام.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدرا فيها لحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناولني ذراعها " فناولته فقال: " ناولني ذراعها " فناولته فقال " ناولني ذراعها " فقلت يا نبي الله كم للشاة من ذراع ؟ قال: " والذي نفسي بيده لو سكت لاعطيتني ذراعها ما دعوت به " ورواه الترمذي في الشمائل عن بندار، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن يزيد العطار به.
ومنهم أبو عشيب، ومنهم من يقول أبو عسيب، والصحيح الاول، ومن الناس من فرق بينهما وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وحضر دفنه، وروى قصة المغيرة بن شعبة.
وقال الحارث بن أبي أسامة، ثنا يزيد بن هارون، ثنا مسلم بن عبيد، أبو نصيرة، قال سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لامتي ورحمة لهم ورجس على الكافر " وكذا رواه الامام أحمد: عن يزيد بن هارون.
وقال أبو عبد الله بن منده، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا يونس بن محمد، ثنا حشرج بن نباتة حدثني أبو نصيرة البصري عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي فدعاني ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطا لبعض الانصار، فقال رسول الله لصاحب الحائط: " أطعمنا بسرا " فجاء به موضعه فأكل رسول الله وأكلوا جميعا ثم دعا بماء فشرب منه، ثم قال: " إن هذا النعيم، لتسألن يوم القيامة عن هذا " فأخذ عمر العذق
فضرب به الارض حتى تناثر البسر، ثم قال: يا نبي الله إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال " نعم إلا من ثلاثة، خرقة يستر بها الرجل عورته.
أو كسرة يسد بها جوعته، أو حجر يدخل فيه - يعني من الحر والقر - ".
ورواه الامام أحمد: عن شريح عن حشرج.
وروى محمد بن سعد في الطبقات: عن موسى بن إسماعيل، حدثتنا سلمة بنت أبان الفريعية قالت: سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت: كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام، وكان يصلي الضحى قائما فعجز، وكان يصوم أيام البيض.
قالت وكان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به، فإذا حركه جاءت.

ومنهم أبو كبشة الانماري من أنمار مذحج على المشهور، مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
في اسمه أقوال أشهرها أن اسمه سليم، وقيل عمرو بن سعد، وقيل عكسه.
وأصله من مولدي أرض دوس، وكان ممن شهد بدرا، قاله موسى بن عقبة عن الزهري.
وذكره ابن إسحاق والبخاري والواقدي ومصعب الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة.
زاد الواقدي، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب، وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
وقال خليفة بن خياط: وفي سنة ثلاث وعشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل الناس يدخلون بيوتهم، فنودي أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم ؟ " فقال رجل: نعجب منهم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم، وما هو كائن بعدكم " الحديث.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أزهر بن سعيد الحرازي سمعت أبا كبشة الانماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا يا رسول الله قد كان شئ ؟ قال: " أجل، مرت بي فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان
الحلال " وقال أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي كبشة الانماري.
قال قال رسول الله " مثل هذه الامة مثل أربعة نفر، رجل أتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل أتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الاجر سواء، ورجل أتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يحبط (1) فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مثل مال هذا عملت في مثل الذي يعمل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الوزر سواء ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع.
ورواه ابن ماجه أيضا من وجه آخر من حديث منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن أبي كبشة عن أبيه.
وسماه بعضهم عبد الله بن أبي كبشة.
وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهورني، عن أبي كبشة الانماري أنه أتاه فقال أطرقني من فرسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أطرق مسلما فعقب له الفرس كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عز وجل ".
وقد روى الترمذي: عن محمد بن إسماعيل، عن أبي نعيم، عن عبادة بن مسلم، عن يونس بن خباب، عن سعيد أبي البختري الطائي، حدثني أبو كبشة أنه قال: ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، ما نقص مال عبد صدقة، وما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، الحديث.
وقال حسن صحيح.
وقد
__________
(1) يحبط: بالحاء أحبط الله عمله أبطله.
وتروى خبطه: بالخاء: يسير على غير هدى.

رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن الاعمش عن سالم بن أبي الجعد عنه.
وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان عن أبيه عن أبي كبشة الانماري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه.
وروى الترمذي: حدثنا حميد بن مسعدة، ثنا محمد بن حمران، عن أبي سعيد - وهو عبد الله بن بسر - قال سمعت أبا كبشة الانماري يقول: كانت كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحا (1).
ومنهم أبو مويهبة مولاه عليه السلام، كان من مولدي مزينة اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولا يعرف اسمه رضي الله عنه.
وقال أبو مصعب الزبيري شهد أبو مويهبة المريسيع، وهو الذي كان يقود لعائشة رضي الله عنها بعيرها.
وقد تقدم ما رواه الامام أحمد وبسنده عنه في ذهابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى البقيع، فوقف عليه السلام فدعا لهم واستغفر لهم ثم قال: " ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا، الآخرة أشد من الاولى، فيهنكم أنتم فيه " ثم رجع فقال: " يا أبا مويهبة إني خيرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي، فاخترت لقاء ربي " قال فما لبث بعد ذلك إلا سبعا - أو ثمانيا - حتى قبض.
فهؤلاء عبيده عليه السلام.
وأما إماؤه عليه السلام فمنهن أمة الله بنت رزينة.
الصحيح أن الصحبة لامها رزينة كما سيأتي، ولكن وقع في رواية ابن أبي عاصم، حدثنا عقبة بن مكرم، ثنا محمد بن موسى، حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية قالت: حدثني أبي عن أمة الله خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
أن رسول الله سبا صفية يوم قريظة والنضير فاعتقها وأمهرها رزينة أم أمة الله.
وهذا حديث غريب جدا.
ومنهن أميمة.
قال ابن الاثير وهي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورى حديثها أهل الشام.
روى عنها جبير بن نفير أنها كانت توضئ رسول الله فأتاه رجل يوما فقال له أوصني، فقال " لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار، ولا تدع صلاة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، ولا تشربن مسكرا فإنه رأس كل خطيئة.
ولا تعصين والديك وإن أمراك أن تختلي من أهلك ودنياك " (2).
ومنهن بركة أم أيمن وأم أسامة بن زيد بن حارثة، وهي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين (3) بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان الحبشية، غلب عليها كنيتها أم أيمن وهو ابنها
__________
(1) كمام: القلنسوة: بطحا: أي لازقة بالرأس غير ذاهبة في الهواء.
(2) أخرج الحديث محمد بن نصر في كتاب تعظيم قدر الصلاة وأبو علي بن السكن والحسن بن سفيان في مسنده
وأشار إليه الترمذي في كتاب السير.
(3) في الاستيعاب: حصن.

من زوجها الاول عبيد بن زيد الحبشي، ثم تزوجها بعده زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد، وتعرف بأم الظباء، قد هاجرت الهجرتين (1) رضي الله عنها، وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وقد كانت ممن ورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه، قاله الواقدي.
وقال غيره: بل ورثها من أمه، وقيل بل كانت لاخت خديجة فوهبتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وآمنت قديما وهاجرت، وتأخرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقدم ما ذكرناه من زيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إياها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها بكت فقالا لها: أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: بلى، ولكن أبكي لان الوحي قد انقطع من السماء، فجعلا يبكيان معها.
وقال البخاري في التاريخ: وقال عبد الله بن يوسف عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري قال: كانت أم أيمن تحضن النبي صلى الله عليه وسلم حتى كبر، فأعتقها ثم زوجها زيد بن حارثة، وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، وقيل ستة أشهر.
وقيل إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب.
وقد رواه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب عن يونس عن الزهري قال: كانت أم أيمن الحبشية فذكره.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: توفيت أم أيمن في أول خلافة عثمان بن عفان.
قال الواقدي: وأنبأنا يحيى بن سعيد بن دينار، عن شيخ من بني سعد بن بكر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لام أيمن " يا أمه " وكان إذا نظر إليها قال " هذه بقية أهل بيتي ".
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أم أيمن أمي بعد أمي ".
وقال الواقدي: عن أصحابه المدنيين قالوا: نظرت أم أيمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشرب فقالت اسقني، فقالت عائشة: أتقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقالت: ما خدمته أطول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدقت " فجاء بالماء فسقاها.
وقال المفضل بن غسان: حدثنا وهب بن جرير، ثنا أبي قال: سمعت عثمان بن القاسم قال: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء وهي صائمة، فأصابها عطش شديد حتى
جهدها، قال فدلى عليها دلو من السماء برشاء أبيض فيه ماء، قالت فشربت فما أصابني عطش بعد، وقد تعرضت العطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد.
وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا مسلم بن قتيبة، عن الحسين بن حرب، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخارة يبول فيها فكان إذا أصبح يقول " يا أم أيمن صبي ما في الفخارة " فقمت ليلة وأنا عطشى فشربت ما فيها، فقال رسول الله " يا أم أيمن صبي ما في الفخارة " فقالت يا رسول الله قمت وأنا عطشى فشربت ما فيها فقال " إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبدا " (2).
قال ابن الاثير في [ أسد ] الغابة: وروى حجاج بن محمد عن ابن
__________
(1) قال ابن حجر: كونها هاجرت إلى أرض الحبشة نظر.
وقال ابن عبد البر في هجرتها: أظن بركة هذه - التي هاجرت - هي أم أيمن، إنما هي بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب هاجرت مع زوجها قيس بن عبد الاسد، وهو ما ذكره ابن اسحاق وابن عقبة في مغازيه وابن سعد.
(2) ليس لهذه الرواية وأمثالها أي وزن، فهي في حقيقتها منافية وبعيدة عن هدي الرسول وأوامره.

جريج عن حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان فيبول فيه يضعه تحت السرير، فجاءت امرأة اسمها بركة فشربته، فطلبه فلم يجده، فقيل شربته ؟ بركة.
فقال " لقد احتظرت من النار بحظار " قال الحافظ أبو الحسن بن الاثير: وقيل إن التي شربت بوله عليه السلام إنما هي بركة الحبشية التي قدمت مع أم حبيبة من الحبشة، وفرق بينهما.
فالله أعلم.
قلت: فأما بريرة فإنها كانت لآل أبي أحمد بن جحش (1) فكاتبوها فاشترتها عائشة منهم فأعتقتها فثبت ولاؤها لها كما ورد الحديث بذلك في الصحيحين، ولم يذكرها ابن عساكر.
ومنهن خضرة ذكرها ابن منده فقال: روى معاوية، عن هشام، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خادم يقال لها خضرة وقال محمد بن سعد عن الواقدي: ثنا فائد مولى عبد الله عن عبد الله (2) بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت: كان خدم رسول الله
أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت أسعد، أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهن (3).
ومنهن خليسة مولاة حفصة بنت عمر، قال ابن الاثير في [ أسد ] الغابة: روت حديثها عليلة (4) بنت الكميت عن جدتها عن خليسة مولاة حفصة في قصة حفصة، وعائشة مع سودة بنت زمعة ومزحهما معها بأن الدجال قد خرج.
فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه واستضحكتا، وجاء رسول الله فقال: " ما شأنكما ؟ " فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهبت إليها فقالت: يا رسول الله أخرج الدجال ؟ فقال " لا، وكأن قد خرج " فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت.
وذكر ابن الاثير: خليسة مولاة سليمان الفارسي وقال: لها ذكر في إسلام سلمان وإعتاقها إياه، وتعويضه عليه السلام لها بأن غرس لها ثلاثمائة فسيلة، ذكرتها تمييزا.
ومنهن خولة خادم النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن الاثير.
وقد روى حديثها الحافظ أبو نعيم من طريق حفص بن سعيد القرشي عن أمه عن أمها خولة وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا في تأخر الوحي بسبب جرو كلب مات تحت سريره عليه السلام ولم يشعروا به.
فلما أخرجه جاء الوحي، فنزل قوله تعالى * (والضحى والليل إذا سجى) * وهذا غريب، والمشهور في سبب نزولها غير ذلك والله أعلم.
ومنهن رزينة، قال ابن عساكر والصحيح أنها كانت لصفية بنت حيي، وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) قال ابن عبد البر: كانت مولاة لبعض بني هلال، وقال ابن حجر: كانت مولاة لقوم من الانصار، وكان زوجها مولى لابي أحمد بن جحش (انظر ترجمتها في الاصابة 4 / 251).
(2) كذا في الاصل ورواية ابن سعد، وفي الخلاصة مولى عبادل وهو عبيد الله بن علي بن أبي رافع عنه.
(3) طبقات ابن سعد 1 / 497 والاصابة 4 / 285.
(4) في الاصابة: عليكة.

قلت: وقد تقدم في ترجمة ابنتها أمة الله أنه عليه السلام أمهر صفية بنت حيي أمها رزينة،
فعلى هذا يكون أصلها له عليه السلام وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو سعيد الجشمي، حدثتنا عليلة بنت الكميت قالت سمعت أمي أمينة قالت: حدثتني أمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله عليه، فجاء يقودها سبية، فلما رأت النساء قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
فأرسلها وكان ذراعها في يده، فأعتقها ثم خطبها وتزوجها وأمهرها رزينة.
هكذا وقع في هذا السياق، وهو أجود مما سبق من رواية ابن أبي عاصم ولكن الحق أنه عليه السلام اصطفى صفية من غنائم خيبر، وأنه أعتقها وجعل عتقها صداقها وما وقع في هذه الرواية يوم قريظة والنضير تخبيط فإنهما يومان، بينهما سنتان.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أخبرنا ابن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا علي بن الحسن السكري، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري.
حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية عن أمها أمينة قالت: قلت لامة الله بنت رزينة مولاة رسول الله: يا أمة الله أسمعت أمك تذكر أنها سمعت رسول الله يذكر صوم عاشوراء ؟ قالت: نعم كان يعظمه ويدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم ويقول لامهاتهم: " لا ترضعيهم إلى الليل " له شاهد في الصحيح.
ومنهن رضوى، قال ابن الاثير روى سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رضوى بنت كعب أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحائض تخضب، فقال: " ما بذلك بأس " رواه أبو موسى المديني.
ومنهن ريحانة بنت شمعون القرظية، وقيل النضرية، وقد تقدم ذكرها بعد أزواجه رضي الله عنهن.
ومنهن رزينة والصحيح رزينة كما تقدم.
ومنهن سانية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، روت عنه حديثا في اللقطة، وعنها طارق بن عبد الرحمن روى حديثها أبو موسى المديني هكذا ذكر ابن الاثير في [ أسد ] الغابة.
ومنهن سديسة الانصارية، وقيل مولاة حفصة بنت عمر.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه " قال ابن الاثير رواه عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق عن أبيه عن إسرائيل عن الاوزاعي عن سالم عن سديسة، ورواه إسحاق بن يسار عن الفضل.
فقال عن سديسة عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره رواه أبو نعيم وابن منده.
ومنهن سلامة حاضنة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روت عنه حديثا في فضل الحمل والطلق والرضاع والسهر، فيه غرابة ونكارة من جهة إسناده ومتنه، رواه أبو نعيم وابن منده من حديث هشام بن عمار بن نصير خطيب دمشق عن أبيه عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عنها.
ذكرها ابن الاثير.

ومنهن سلمى وهي أم رافع امرأة أبي رافع كما رواه الواقدي عنها أنها قالت: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد فأعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلنا.
قال الامام أحمد حدثنا أبو عامر وأبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن فائد مولى ابن أبي رافع عن جدته سلمى خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما سمعت قط أحدا يشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال " احتجم " وفي رجليه إلا قال " أخضبهما بالحناء ".
وهكذا رواه أبو داود: من حديث ابن أبي الموالي والترمذي وابن ماجه من حديث زيد بن الخباب كلاهما عن فائد عن مولاه عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى به.
وقال الترمذي غريب إنما نعرف من حديث فائد.
وقد روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يطول ذكرها واستقصاؤها.
قال مصعب الزبيري وقد شهدت سلمى وقعة حنين.
قلت: وقد ورد أنها كانت تطبخ للنبي صلى الله عليه وسلم الحريرة (1) فتعجبه، وقد تأخرت إلى بعد موته عليه السلام، وشهدت وفاة فاطمة رضي الله عنها، وقد كانت أولا لصفية بنت عبد المطلب عمته عليه السلام، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت قابلة أولاد فاطمة وهي التي قبلت إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهدت غسل فاطمة وغسلتها مع زوجها علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس امرأة الصديق.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى قالت: اشتكت فاطمة عليها السلام شكواها الذي قبضت فيه، فكنت أمرضها، فأصبحت يوم كمثل ما يأتيها في شكواها ذلك، قالت
وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه اسكبي لي غسلا، فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمه أعطني ثيابي الجدد فلبستها، ثم قالت يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت واضطجعت فاستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت: يا أمه إني مقبوضة الآن وقد تطهرت فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها.
قالت فجاء علي فأخبرته.
وهو غريب جدا.
ومنهن شيرين، ويقال سيرين أخت مارية القبطية خالة إبراهيم عليه السلام، وقدمنا أن المقوقس صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا أهداهما مع غلام اسمه مابور وبغلة يقال لها الدلدل فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان.
ومنهن عنقودة أم مليح الحبشية جارية عائشة، كان اسمها عنبة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقودة رواه أبو نعيم.
ويقال اسمها غفيرة (2).
__________
(1) الحريرة: العساء المطبوخ من الدقيق والدسم والماء.
(2) في الاصابة قال: عنبة سماها النبي صلى الله عليه وآله عنقودة، وجعل عنقودة أخرى جارية عائشة وهي التي أوردها أبو موسى في الذيل عن المستغفري في حديث ارسال معاذ إلى اليمن ووصية النبي صلى الله عليه وآله له.
ومن طريق ابن عمر ذكرها غفيرة.
(الاصابة 4 / 371).

فروة ظئر النبي صلى الله عليه وسلم - يعن مرضعه - قالت قال لي رسول الله: " إذا أويت إلى فراشك فاقرئي * (قل يا أيها الكافرون) * فإنها براءة من الشرك " ذكرها أبو أحمد العسكري، قاله ابن الاثير في الغابة.
فأما فضة النوبية فقد ذكر الاثير في الغابة أنها كانت مولاة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أورد بإسناد مظلم عن محبوب بن حميد البصري، عن القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * [ الانسان: 8 ] ثم ذكر ما مضمونه: أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا لعلي لو نذرت ؟ فقال علي: إن برآ مما بهما صمت لله ثلاثة أيام، وقالت فاطمة كذلك،
وقالت فضة كذلك.
فألبسهما الله العافية فصاموا.
وذهب علي فاستقرض من شمعون الخيبري ثلاثة آصع من شعير، فهيأو منه تلك الليلة صاعا فلما وضعوه بين أيديهم للعشاء وقف على الباب سائل فقال: أطعموا المسكين أطعمكم الله على موائد الجنة.
فأمرهم علي فأعطوه ذلك الطعام وطووا، فلما كانت الليلة الثانية صنعوا لهم الصاع الآخر فلما وضعوه بين أيديهم وقف سائل فقال أطعموا اليتيم فأعطوه ذلك وطووا.
فلما كانت الليلة الثالثة قال: أطعموا الاسير فأعطوه وطووا ثلاثة أيام وثلاث ليال.
فأنزل الله في حقهم * (هل أتى على الانسان) * إلى قوله * (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) * وهذا الحديث منكر، ومن الائمة من يجعله موضوعا ويسند ذلك إلى ركة ألفاظه، وأن هذه السورة مكية والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة.
والله أعلم.
ليلى مولاة عائشة، قالت يا رسول الله إنك تخرج من الخلاء فأدخل في أثرك فلم أر شيئا إلا أني أجد ريح المسك ؟ فقال: " إنا معشر الانبياء تنبت أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من نتن ابتلعته الارض ".
رواه أبو نعيم من حديث أبي عبد الله المدني.
وهو أحد المجاهيل - عنها.
مارية القبطية أم إبراهيم تقدم ذكرها مع أمهات المؤمنين.
وقد فرق ابن الاثير بينها وبين مارية أم الرباب، قال وهي جارية للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا.
حديثها عند أهل البصرة رواه عبد الله بن حبيب عن أم سلمى عن أمها عن جدتها مارية قالت: تطأطأت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين.
ثم قال: ومارية خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو بكر عن ابن عباس عن المثنى بن صالح عن جدته مارية - وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: ما مسست بيدي شيئا قط ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: لا أدري أهي التي قبلها أم لا.
ومنهن ميمونة بنت سعد، قال الامام أحمد: حدثنا علي بن بحر (1) ثنا عيسى - هو ابن يونس - ثنا ثور - هو ابن يزيد - عن زياد بن أبي سودة عن أخيه أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول أفتنا في بيت المقدس ؟ قال: " أرض المنشر والمحشر، إئتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة " قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه ؟ قال: " فليهد إليه زيتا يسرح فيه، فإنه من
__________
(1) في النسخ المطبوعة: علي بن محمد بن محرز تحريف.

أهدى له كان كمن صلى فيه ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن عبد الله الرقي، عن عيسى بن يونس، عن ثور، عن زياد، عن أخيه عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود، عن الفضل بن مسكين بن بكير، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ثور عن زياد عن ميمونة لم يذكر أخاه فالله أعلم.
وقال أحمد حدثنا حسين وأبو نعيم قالا: ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير، عن أبي يزيد الضبي عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا قال: " لا خير فيه، نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا " (1).
وهكذا رواه النسائي عن عباس الدوري وابن ماجه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المحاربي ثنا موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد عن ميمونة - وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله: " الرافلة في الزينة في غير أهلها، كالظلمة يوم القيامة لا نور لها ".
ورواه الترمذي من حديث موسى بن عبيدة، وقال لا نعرفه إلا من حديثه وهو يضعفه في الحديث.
وقد رواه بعضهم عنه فلم يرفعه.
ومنهن ميمونة بنت أبي عسيبة أو عنبسة، قاله أبو عمرو بن منده.
قال أبو نعيم وهو تصحيف والصواب ميمونة بنت أبي عسيب (2)، كذلك روى حديثها المشجع بن مصعب أو عبد الله العبدي عن ربيعة بنت يزيد، وكانت تنزل في بني قريع عن منبه عن ميمونة بنت أبي عسيب، وقيل بنت أبي عنبسة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة من حريش أتت النبي صلى الله عليه وسلم فنادت يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله تسكنيني بها وتطمنيني بها، وأنه قال لها " ضعي يدك اليمنى على فؤادك فأمسحيه، وقولي بسم الله اللهم داوني بدوائك، واشفني بشفائك، واغنني بفضلك عمن سواك " قالت ربيعة فدعوت به فوجدته جيدا.
ومنهن أم ضميرة زوج أبي ضميرة، قد تقدم الكلام عليهم رضي الله عنهم.
ومنهن أم عياش بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابنته (3) تخدمها حين زوجها بعثمان بن عفان.
قال
أبو القاسم البغوي: حدثنا عكرمة، ثنا عبد الواحد بن صفوان، حدثني أبي صفوان، عن أبيه عن جدته أم عياش - وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم - بعث بها مع ابنته إلى عثمان، قالت كنت أمغث (4)
__________
(1) فرق ابن عبد البر في الاستيعاب وأبو علي بن السكن بين ميمونة بنت سعد صاحبة حديث بيت المقدس وميمونة التي روت حديث الزنا واعتبرهما اثنتين.
وجزم ابن حجر وأبو نعيم وابن الاثير انهما واحدة (الاصابة 4 / 413).
(2) قال في الاستيعاب: ميمونة بنت أبي عنبسة.
(3) وهي رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
(4) المغث: المرث والد لك.

لعثمان التمر غدوة فيشربه عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة، فسألني ذات يوم فقال تخلطين فيه شيئا ؟ فقلت أجل، قال فلا تعودي.
فهؤلاء إماؤه رضي الله عنهن.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا القاسم بن الفضل، حدثني ثمامة بن حزن قال: سألت عائشة عن النبيذ فقالت: هذه خادم رسول الله فسلها، لجارية حبشية، فقالت: كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء عشاء فأوكيه، فإذا أصبح شرب منه.
ورواه مسلم والنسائي من حديث القاسم بن الفضل به.
هكذا ذكره أصحاب الاطراف في مسند عائشة، والاليق ذكره في مسند جارية حبشية كانت تخدم النبي، وهي إما أن تكون واحدة ممن قدمنا ذكرهن، أو زائدة عليهن، والله تعالى أعلم.
فصل واما خدامه صلى الله عليه وسلم الذين خدموه من الصحابة من غير مواليه فمنهم أنس بن مالك أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم (1) بن غنم بن عدي بن النجار الانصاري النجاري أبو حمزة المدني نزيل البصرة.
خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، فما عاتبه على شئ أبدا، ولا قال لشئ فعله لم فعلته، ولا لشئ لم يفعله ألا
فعلته.
وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام هي التي أعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وسألته أن يدعو له فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل عمره، وأدخله الجنة ".
قال أنس: فقد رأيت اثنتين وأنا انتظر الثالثة، والله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو من مائة، وفي رواية وإن كرمي ليحمل في السنة مرتين، وإن ولدي لصلبي مائة وستة أولاد.
وقد اختلف في شهوده بدرا.
وقد روى الانصاري عن أبيه عن ثمامة قال: قيل لانس أشهدت بدرا ؟ فقال: وأين أغيب عن بدر لا أم لك ! والمشهور أنه لم يشهد بدرا لصغره، ولم يشهد أحدا أيضا لذلك.
وشهد الحديبية وخيبر وعمرة القضاء والفتح وحنينا والطائف وما بعد ذلك.
قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم - يعني أنس بن مالك -.
وقال ابن سيرين، كان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره، وكانت وفاته بالبصرة وهو آخر من كان قد بقي فيها من الصحابة فيما قاله علي بن المديني، وذلك في سنة تسعين، وقيل إحدى وقيل اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وهو الاشهر، وعليه الاكثر.
وأما عمره يوم مات فقد روى الامام أحمد في مسنده حدثنا معتمر بن سليمان، عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة، وأقل ما قيل ست وتسعون، وأكثر ما قيل مائة وسبع سنين (2)، وقيل ست، وقيل مائة وثلاث سنين.
فالله أعلم.
__________
(1) في أسد الغابة والاصابة: عامر.
(2) قاله البغوي عن عمر بن شبة عن محمد بن عبد الله الانصاري.

ومنهم رضي الله عنهم الاسلع بن شريك بن عوف الاعرجي.
قال محمد بن سعد: كان اسمه ميمون بن سنباذ (1)، قال الربيع بن بدر الاعرجي عن أبيه عن جده عن الاسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل معه، فقال ذات ليلة " يا أسلع قم فارحل " قال أصابتني جنابة يا رسول الله، قال فسكت ساعة وأتاه جبريل بآية الصعيد، " فقال قم يا أسلع فتيمم " قال فتيممت وصليت، فلما انتهيت إلى الماء قال: " يا أسلع قم فاغتسل " قال فأراني التيمم فضرب رسول الله يديه إلى الارض ثم نفضهما، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه الارض ثم نفضهما فمسح بهما ذراعيه، باليمنى
على اليسرى، وباليسرى على اليمنى، ظاهرهما وباطنهما.
قال الجميع: وأراني أبي، كما أراه أبوه، كما أراه الاسلع، كما أراه رسول الله.
قال الربيع: فحدثت بهذا الحديث عوف بن أبي جميلة فقال: هكذا والله رأيت الحسن يصنع.
رواه ابن منده والبغوي في كتابيهما معجم الصحابة من حديث الربيع بن بدر هذا، قال البغوي ولا أعلمه روى غيره.
قال ابن عساكر وقد روى - يعني هذا الحديث - الهيثم بن رزيق (2) المالكي المدلجي عن أبيه عن الاسلع بن شريك.
ومنهم رضي الله عنهم أسماء بن حارثة (3) بن سعد بن عبد الله بن عباد بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الاسلمي.
وكان من أهل الصفة، قاله محمد بن سعد.
وهو أخو هند بن حارثة، وكانا يخدمان النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن يحيى بن هند بن حارثة، وكان هند من أصحاب الحديبية، وكان أخوه الذي بعثه رسول الله يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة.
فحدثني يحيى بن هند، عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال " مر قومك بصيام هذا اليوم ".
قال أرأيت إن وجدتهم قد طعموا ؟ قال " فليتموا آخر يومهم ".
وقد رواه أحمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن حبيب بن هند بن أسماء الاسلمي، عن أبيه هند قال: بعثني رسول الله إلى قوم من أسلم فقال " مر قومك فليصوموا هذا اليوم، ومن وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره ".
قال محمد بن سعد عن الواقدي: أنبأنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر، عن أبيه قال سمعت أبا هريرة يقول: ما كنت أظن أن هندا وأسماء ابني حارثة إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: كانا يخدمانه لا يبرحان بابه هما وأنس بن مالك قال محمد بن سعد: وقد توفي أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة.
ومنهم بكير بن الشداخ الليثي (4).
ذكر ابن منده من طريق أبي بكر الهذلي عن عبد الملك بن
__________
(1) قال ابن منده عن علي بن سعيد العسكري أن اسم الاسلع الحارث بن كعب.
(2) في الاصابة وأسد الغابة: زريق.
(3) عن الكلبي قال: ابن سعيد بن عبد الله بن غياث بن سعد...وقال ابن عبد البر: ابن حارثة بن هند بن
عبد الله...قال ابن حجر: وذكر هند في نسبه غلط.
فهند أخوه.
(4) قال الكلبي في نسبه: بكير بن شداد بن عامر بن الملوح بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن =

يعلى الليثي أن بكير بن شداخ الليثي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فاحتلم فأعلم بذلك رسول الله وقال: إني كنت أدخل على أهلك وقد احتلمت الآن يا رسول الله، فقال " اللهم صدق قوله، ولقه الظفر " فلما كان في زمان عمر قتل رجل من اليهود، فقام عمر خطيبا فقال: أنشد الله رجلا عنده من ذلك علم ؟ فقام بكير فقال: أنا قتلته يا أمير المؤمنين.
فقال عمر بؤت بدمه فأين المخرج ؟ فقال يا أمير المؤمنين إن رجلا من الغزاة استخلفني على أهله، فجئت فإذا هذا اليهودي عند امرأته وهو يقول: وأشعث غره الاسلام مني * خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسي * على جرد الاعنة والحزام (1) كأن مجامع الربلات منها * فئام ينهضون إلى فئام (2) قال فصدق عمر قوله وأبطل دم اليهودي بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لبكير بما تقدم.
ومنهم رضي الله عنهم بلال بن رباح الحبشى.
ولد بمكة وكان مولى لامية بن خلف، فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل لان كان أمية يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الاسلام فيأبى إلا الاسلام رضي الله عنه، فلما اشتراه أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله، وهاجر حين هاجر الناس، وشهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد رضي الله عنه.
وكان يعرف ببلال بن حمامة وهي أمه، وكان من أفصح الناس لا كما يعتقده بعض الناس أن سينه كانت شينا، حتى إن بعض الناس يروي حديثا في ذلك لا أصل له عن رسول الله أنه قال: إن سين بلال شينا.
وهو أحد المؤذنين الاربعة كما سيأتي، وهو أول من أذن كما قدمنا.
وكان يلي أمر النفقة على العيال، ومعه حاصل ما يكون من المال.
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن خرج إلى الشام للغزو، ويقال إنه أقام يؤذن لابي بكر أيام خلافته (3)، والاول أصح وأشهر.
قال الواقدي: مات بدمشق سنة عشرين وله بضع وستون سنة.
وقال الفلاس قبره بدمشق، ويقال بداريا (4)، وقيل إنه مات بحلب، والصحيح أن الذي مات بحلب
أخوه خالد.
قال مكحول حدثني من رأى بلال قال كان شديد الادمة نحيفا أجنأ (5) له شعر كثير، وكان لا يغير شيبه رضي الله عنه.
ومنهم رضي الله عنهم حبة وسواء ابنا خالد (6) رضي الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو
__________
= ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة الكناني الليثي.
(1) في أسد الغابة: على قود الاعنة والحزام.
والترائب: عظام الصدر.
(2) الربلات: جمع ربلة وهي باطن الفخذ.
والفئام: الجماعة من الناس.
(3) هذا ما جزم به الواقدي وابن الاثير في أسد الغابة، وقالا: لما كان زمن عمر بن الخطاب اذن له فخرج إلى الشام وبقي بها حتى توفي.
(4) داريا: قرية كبيرة من قرى دمشق بالغوطة.
(5) الاجنأ: من أشرف كاهله على صدره.
(6) وهو خالد الخزاعي ويقال العامري.

معاوية، قال وثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن سلام بن شرحبيل، عن حبة وسواء ابنا خالد قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلح شيئا فأعناه، فقال " لا ينسأ من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما، فإن الانسان تلده أمه أحيمر ليس عليه قشرة، ثم يرزقه الله عز وجل ".
ومنهم رضي الله عنهم ذو مخمر، ويقال ذو محبر، وهو ابن أخي النجاشي ملك الحبشة، ويقال ابن أخته.
والصحيح الاول.
كان بعثه ليخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا جرير، عن يزيد بن صليح، عن ذي مخمر - وكان رجلا من الحبشة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كنا معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد.
فقال له قائل: يا رسول الله قد انقطع الناس، قال فجلس وحبس الناس معه حتى تكاملوا إليه، فقال لهم " هل لكم أن نهجع هجعة ؟ " - أو قال له قائل - فنزل ونزلوا فقالوا: من يكلؤنا الليلة ؟ فقلت: أنا جعلني الله فداك، فأعطاني خطام ناقته فقال " هاك لا تكونن لكعا " قال: فأخذت بخطام ناقة
رسول الله وخطام ناقتي، فتنحيت غير بعيد فخليت سبيلهما ترعيان، فإني كذلك أنظر إليهما إذ أخذني النوم، فلم أشعر بشئ حتى وجدت حر الشمس على وجهي، فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد، فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخطام ناقتي، فأتيت أدنى القوم فأيقظته فقلت أصليت ؟ قال لا، فأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال " يا بلال هل في الميضاة ماء " يعني الاداوة، فقال: نعم جعلني الله فداك، فأتاه بوضوء لم يلت منه التراب، فأمر بلالا فأذن ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعتين قبل الصبح وهو غير عجل، ثم أمره فأقام الصلاة فصلى وهو غير عجل، فقال له قائل: يا رسول الله أفرطنا: قال " لا، قبض الله أرواحنا وردها إلينا، وقد صلينا ".
ومنهم رضي الله عنهم ربيعة بن كعب الاسلمي أبو فراس.
قال الاوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول " سبحان ربي وبحمده الهوي (2)، سبحان رب العالمين الهوي " فقال رسول الله " هل لك حاجة ؟ " قلت يا رسول الله مرافقتك في الجنة، قال " فأعني على نفسك بكثرة السجود ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن نعيم بن محمد، عن ربيعة بن كعب قال: كنت أخدم رسول الله نهاري أجمع، حتى يصلي عشاء الآخرة فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة، فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحان الله وبحمده " حتى أمل فأرجع.
أو تغلبني عيناي فأرقد، فقال لي يوما - لما يرى من حقي له وخدمتي إياه - " يا ربيعة بن كعب سلني أعطك " قال فقلت أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك، فقال ففكرت في نفسي
__________
(1) في الاصابة وأسد الغابة: على باب رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) الهوي: ساعة من الليل.

فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سكيفيني ويأتيني، قال فقلت أسأل رسول الله
لاخرتي فإنه من الله بالمنزل الذي هو به، قال فجئته فقال: " ما فعلت يا ربيعة ؟ " قال فقلت: نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال " فقال من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال فقلت لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد، ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقا سيأتيني، فقلت أسأل رسول الله لآخرتي.
قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال لي " إني فاعل فأعني على نفسك بكثر السجود " وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة، أنبأنا يزيد بن هارون، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا أبو عمران الجوني، عن ربيعة الاسلمي - وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قال فقال لي ذات يوم " يا ربيعة ألا تزوج ؟ " قال قلت يا رسول الله ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شئ، وما عندي ما أعطي المرأة.
قال فقلت بعد ذلك رسول الله أعلم بما عندي مني يدعوني إلى التزويج، لئن دعاني هذه المرة لاجيبنه.
قال فقال لي " يا ربيعة ألا تزوج ؟ " فقلت يا رسول الله ومن يزوجني ؟ ما عندي ما أعطي المرأة.
فقال لي انطلق إلى بني فلان فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة، قال: فأتيتهم، فقلت إن رسول الله أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة، قالوا: فلانة ؟ قال: نعم، قالوا مرحبا برسول الله ومرحبا برسوله، فزوجوني فأتيت رسول الله فقلت يا رسول الله أتيتك من خير أهل بيت صدقوني وزوجوني، فمن أين لي ما أعطي صداقي ؟ فقال رسول الله لبريدة الاسلمي " اجمعوا لربيعة في صداقه في وزن نواة من ذهب " فجمعوها فأعطوني فأتيتهم فقبلوها، فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله قد قبلوا فمن أين لي ما أولم ؟ قال فقال رسول الله لبريدة " اجمعوا لربيعة في ثمن كبش " قال فجمعوا وقال لي " انطلق إلى عائشة فقل لها فلتدفع إليك ما عندها من الشعير " قال فأتيتها فدفعت إلي، فانطلقت بالكبش والشعير فقالوا أما الشعير فنحن نكفيك، وأما الكبش فمر أصحابك فليذبحوه، وعملوا الشعير فأصبح والله عندنا خبز ولحم، ثم إن رسول الله أقطع أبا بكر أرضا له فاختلفنا في عذق، فقلت هو في أرضي.
وقال أبو بكر هو في أرضي، فتنازعنا فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، فندم فأحضرني فقال لي قل لي كما قلت، قال: فقلت لا والله لا أقول لك كما قلت لي، قال إذا آتي رسول الله.
قال: فأتى رسول الله وتبعته فجاءني
قومي يتبعونني فقالوا: هو الذي قال لك، وهو يأتي رسول الله فيشكو ؟ قال: فالتفت إليهم فقلت تدرون من هذا، هذا الصديق وذو شيبة المسلمين، أرجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله فيخبره فيهلك ربيعة.
قال: فأتى رسول الله فقال: إني قلت لربيعة كلمة كرهتها، فقلت له يقول لي مثل ما قلت له فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ربيعة ومالك وللصديق ؟ " قال: فقلت: يا رسول الله والله لا أقول له كما قال لي، فقال رسول الله " لا تقل له كما قال لك، ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر " (1).
__________
(1) كان ربيعة من أهل الصفة لم يزل مع النبي صلى الله عليه وآله حتى قبض فخرج من المدينة فنزل في بلاد أسلم على بريد من =

ومنهم رضي الله عنهم سعد مولى أبي بكر رضي الله عنه، ويقال مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود الطيالسي: ثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر الصديق، أن رسول الله قال لابي بكر - وكان سعد مملوكا لابي بكر، وكان رسول الله يعجبه خدمته - " أعتق سعدا " فقال يا رسول الله مالنا خادم هاهنا غيره، فقال " أعتق سعدا أتتك الرجال أتتك الرجال ".
وهكذا رواه أحمد عن أبي داود الطيالسي.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عامر (1)، عن الحسن، عن سعد قال: قربت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا، فجعلوا يقرنون فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القران (2).
ورواه ابن ماجه عن بندار عن أبي داود به.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن رواحة.
دخل يوم عمرة القضاء مكة وهو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله ويشغل الخليل عن خليله كما قدمنا ذلك بطوله.
وقد قتل عبد الله بن رواحة بعد هذا بأشهر في يوم مؤتة كما تقدم أيضا.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ أبو عبد الرحمن الهذلي.
أحد أئمة الصحابة هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها، كما يلي حمل نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، ويلي طهوره، ويرحل دابته إذا أراد الركوب، وكانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله، وله العلم الجم والفضل والحلم وفي الحديث أن رسول الله قال لاصحابه - وقد جعلوا يعجبون من دقة ساقيه - فقال " والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ".
وقال عمر بن الخطاب في ابن مسعود: هو كنيف ملئ علما.
وذكروا أنه نحيف الخلق حسن الخلق، يقال إنه كان إذا مشى يسامت الجلوس وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته، يعني أنه يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وكلامه ويتشبه بما استطاع من عبادته.
توفي رضي الله عنه في أيام عثمان سنة اثنتين - أو ثلاث - وثلاثين بالمدينة عن ثلاث وستين سنة، وقيل إنه توفي بالكوفة والاول أصح.
ومنهم رضي الله عنهم عقبة بن عامر الجهني.
قال الامام أحمد: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن
__________
= المدينة وبقي إلى أيام الحرة - أيام يزيد بن معاوية - ومات بالحرة سنة ثلاث وستين في ذي الحجة (الاصابة - أسد الغابة).
(1) وهو صالح بن رستم الخزاز.
(2) القران في التمر: الجمع بين تمرتين في الاكل.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55