كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار، وأنت سيد قريش وأكبرها وأمنعها فأجر بين عشيرتك، قال: صدقت وأنا كذلك، فخرج فصاح ألا إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما اظن أن يخفرني أحد، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إني قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد ولا يرد جواري ؟ فقال " أنت تقول [ ذلك ] (1) يا أبا حنظلة " فخرج أبو سفيان على ذلك فزعموا - والله أعلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أدبر أبو سفيان " اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة ولا يسمعوا بنا إلا فجأة " وقدم أبو سفيان مكة فقالت له قريش: ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد أو عهد ؟ قال لا والله لقد أبى علي وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قوما لملك عليهم أطوع منهم له، غير أن علي بن أبي طالب قد قال لي: التمس جوار الناس عليك ولا تجير أنت عليه وعلى قومك وأنت سيد قريش وأكبرها وأحقها أن لا تخفر جواره فقمت بالجوار ثم دخلت على محمد فذكرت له أني قد أجرت بين الناس، وقلت: ما أظن أن تخفرني ؟ فقال: أنت تقول ذلك يأبا حنظلة، فقالوا - مجيبين له - رضيت بغير رضى، وجئتنا بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا وإنما لعب بك علي لعمر الله ما جوارك بجائز وإن إخفارك عليهم لهين، ثم دخل على امرأته فحدثها الحديث فقالت: قبحك الله من وافد قوم فما جئت بخير، قال ورأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
سحابا فقال " إن هذه السحاب لتبض (2) بنصر بني كعب " فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث بعد ما خرج [ من عنده ] أبو سفيان، ثم أخذ في الجهاز وأمر عائشة أن تجهزه وتخفي ذلك، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد أو إلى بعض حاجاته، فدخل أبو بكر على عائشة فوجد عندها حنطة تنسف وتنقى، فقال لها: يا بنية لم تصنعين هذا الطعام ؟ فسكتت فقال: أيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو ؟ فصمتت.
فقال: يريد بني الاصفر - وهم الروم - ؟ [ فذكر من ذلك أمرا فيه منهم بعض المكروه في ذلك الزمان ] فصمتت قال: فلعله يريد أهل نجد [ فذكر منهم نحوا من ذلك ] ؟ فصمتت.
قال: فلعله يريد قريشا ؟ فصمتت قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله أتريد أن تخرج مخرجا ؟ قال: نعم، قال: فلعلك تريد بني الاصفر ؟ قال: لا، قال: أتريد أهل نجد ؟ قال: لا، قال فلعلك تريد قريشا ؟ قال: نعم، قال أبو بكر يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة ؟ قال " ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب " ! قال: وأذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الناس بالغزو، وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الكتاب وذكر القصة كما سيأتي (3).
وقال محمد بن اسحاق: حدثني محمد بن جعفر
__________
(1) من البيهقي.
(2) في رواية البيهقي: لينصب.
(3) رواية موسى بن عقبة رواها ابن عبد البر مختصرة في الدرر (211 - 212) ونقلها البيهقي بتمامها في الدلائل (ج 5 / 9 - 12) وصححت الرواية من الدلائل وما بين معكوفين فيها زيادات استدركت من الدلائل عن موسى بن عقبة

عن عروة عن عائشة: أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تغربل حنطة فقال ما هذا ؟ أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز ؟ قالت: نعم فتجهز قال: وإلى أين ؟ قالت: ما سمى لنا شيئا غير أنه قد أمرنا بالجهاز.
قال ابن اسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمر بالجد والتهيؤ وقال " اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها " فتجهز الناس
فقال حسان يحرض الناس ويذكر مصاب خزاعة: عناني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها (1) بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو حرها وعقابها وصفوان عودا حز من شفر استه (2) * فهذا أوان الحرب شد عصابها فلا تأمننا يا بن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها (3) ولا تجزعوا منها فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها قصة حاطب بن أبي بلتعة (4) قال محمد بن اسحاق: حدثني محمد بن جعفر، عن عروة بن الزبير، وغيره من علمائنا قالوا: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الامر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة، زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم لي غيره أنها سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، وأتى رسول الله
__________
(1) صدره في الديوان: غبنا فلم نشهد ببطحاء مكة..رعاة الخ.
(2) في ابن هشام: وصفوان عودحن.
(3) عجزه في الديوان: إذا لقحت حرب وأعصل نابها.
وابن أم مجالد هو عكرمة بن أبي جهل.
(4) الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، ومنها ميقات أهل المدينة.
وفي ابن هشام: خليقة ورواه أبو ذر " الخليقة " وتروى خليفة بالفاء.
قال أبو ذر: اسم موضع.
قال ياقوت: خليقة: منزل على اثني عشر ميلا من المدينة بينها وبين ديار بني سليم.
(5) حاطب بن أبي بلتعة من ولد لخم بن عدي يكنى أبا عبد الله وقيل يكنى أبا محمد واسم أبي بلتعة عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي حليف قريش قاله ابن عبد البر في الاستيعاب وقيل انه من مذحج وقيل هو حليف للزبير بن العوام ويقال كان عبدا لعبيدالله بن حميد بن زهير بن الحرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي فكاتبه وأدى كتابته يوم
الفتح.
بعثه رسول الله صلى الله سنة ست بكتاب إلى المقوقس صاحب الاسكندرية.
شهد بدرا والحديبية ومات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عثمان بن عفان.
(انظر ترجمته في طبقات ابن سعد 3 / 114 - المستدرك - 3 / 300 الاصابة 1 / 300 شذرات الذهب 1 / 37 مجمع الزوائد 9 / 303)

صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال " أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم " فخرجا حتى أدركاها بالحليفة (6) حليفة بني أبي أحمد، فاستنزلاها فالتمساه في رحلها، فلم يجدا فيه شيئا، فقال لها علي: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت الجد منه، قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال " يا حاطب ما حملك على هذا ؟ " فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكنني كنت امرءا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فلاضرب عنقه فإن الرجل قد نافق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " وأنزل الله في حاطب (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) (أول سورة الممتحنة) إلى آخر القصة.
هكذا أورد ابن اسحاق هذه القصة مرسلة.
وقد ذكر السهيلي أنه كان في كتاب حاطب: أن رسول الله قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده.
قال وفي تفسير ابن سلام أن حاطبا كتب، إن محمدا قد نفر فإما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذر (1).
وقد قال البخاري: ثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع سمعت عليا يقول: بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد (2) فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (3) فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، فقلنا أخرجي الكتاب، فقالت ما معي، فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب.
قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا حاطب ما هذا ؟ " فقال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءا ملصقا (4) في قريش - يقول كنت حليفا - ولم أكن من أنفسها وكان من
__________
(1) جاء في مغازي الواقدي: كتب حاطب إلى ثلاثة نفر: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل: " إن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد بكتابي إليكم ".
ودفع الكتاب إلى امرأة من مزينة من أهل العرج يقال لها كنود.
(2) اختلفت الروايات فيمن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ليلحق بالمرأة ليأتي بكتاب ابن أبي بلتعة: ففي رواية: علي والزبير والمقداد، وفي رواية أبي عبد الرحمن السلمي، علي وأبا مرثد الغنوي والزبير.
وفي رواية الواقدي: علي والزبير ووافقه الطبري في تاريخه.
وفي ابن سعد: علي والمقداد.
(3) روضة خاخ: على بريد من المدينة.
(4) الملصق: الرجل المقيم في الحي والحليف لهم، وقال السهيلي: كنت عريرا، والعرير: الغريب.

معك من المهاجرين من لهم قرابات [ بمكة ] يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون [ بها ] قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الاسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إنه قد صدقكم " فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ؟ فقال " إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " (1) فأنزل الله سورة (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) إلى قوله (فقد ضل سواء السبيل) وأخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة.
وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال الامام أحمد ثنا حجين ويونس
قالا: حدثنا ليث بن سعد، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد غزوهم، فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب فأرسل إليها، فأخذ كتابها من رأسها وقال " يا حاطب أفعلت ؟ " قال نعم، قال أما إني لم أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا.
قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره غير أني كنت غريبا بين ظهرانيهم وكانت والدتي معهم فأردت أن أتخذ يدا عندهم، فقال له عمر: ألا أضرب رأس هذا ؟ فقال " أتقتل رجلا من أهل بدر وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم " (2).
تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه الامام أحمد وإسناده على شرط مسلم ولله الحمد.
فصل قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله ابن عتبة عن ابن عباس قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستخلف على المدينة أبا رهم، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري (3)، وخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد (4) بين عسفان وأمج أفطر، ثم مضى حتى نزل من الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، وقال عروة بن الزبير: كان معه اثنا عشر ألفا.
وكذا قال الزهري وموسى بن عقبة، فسبعت سليم، وبعضهم يقول ألفت سليم، وألفت مزينة.
وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والانصار، فلم يتخلف عنه منهم
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد - باب الجاسوس (ح: 3007) وفي تفسير سورة الممتحنة (ح: 4890) وفي كتاب المغازي (46) باب.
وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة 36 باب (ح: 161).
وأبو داود في الجهاد، والترمذي في تفسير سورة الممتحنة، وأبو يعلى والحاكم وعبد بن حميد والواقدي وابن مردويه.
(2) مسند الامام أحمد ج 1 / 79.
(3) في ابن سعد: عبد الله بن أم مكتوم.
(4) الكديد: موضع بين مكة والمدينة بين منزلتي أمج وعسفان، وهو اسم ماء، وهو أقرب إلى مكة من عسفان.

أحد (1).
وروى البخاري: عن محمود، عن عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري نحوه.
وقد روى البيهقي: من حديث عاصم بن علي، عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري: أخبرني عبيدالله بن عبد الله، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان.
قال: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك، لا أدري أخرج في ليال من شعبان، فاستقبل رمضان، أو خرج في رمضان بعدما دخل ؟ غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني أن ابن عباس قال: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الكديد - الماء الذي بين قديد وعسفان - أفطر، فلم يزل يفطر حتى انصرم الشهر (2).
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن الليث غير أنه لم يذكر الترديد بين شعبان ورمضان.
وقال البخاري: ثنا علي بن عبد الله، ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاووس عن ابن عباس قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فشرب نهارا ليراه الناس، فأفطر حتى قدم مكة.
قال وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر.
وقال يونس عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفرة الفتح واستعمل على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام، وصام الناس معه حتى أتى الكديد بين عسفان وأمج فأفطر، ودخل مكة مفطرا فكان الناس يرون آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر، وأنه نسخ ما كان قبله.
قال البيهقي: فقوله خرج لعشر من رمضان مدرج في الحديث، وكذلك ذكره عبد الله بن ادريس عن ابن اسحاق، ثم روى: من طريق يعقوب بن سفيان، عن جابر (3) عن يحيى عن صدقة عن ابن إسحاق أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان سنة ثمان.
ثم روى البيهقي: من حديث أبي إسحاق الفزاري، عن محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كان الفتح لثلاث عشر خلت من شهر رمضان.
قال البيهقي: وهذا الادراج وهم إنما هو من كلام الزهري، ثم روى: من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزهري قال: غزا
رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح - فتح مكة - فخرج من المدينة في رمضان، ومعه من المسلمين عشرة آلاف، وذلك على رأس ثماني سنين ونصف سنة من مقدمه المدينة.
وافتتح مكة لثلاث عشرة بقين من رمضان.
وروى البيهقي من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان ومعه عشرة ألاف من
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 4 / 42، وأخرجه البخاري في كتاب المغازي (47) باب الحديث 4276 ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 21.
(2) دلائل النبوة ج 5 / 21 والبخاري في كتاب المغازي (47) باب (الحديث 4275).
(3) في البيهقي: عن حامد بن يحيى.

المسلمين، فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر.
فقال (1) الزهري: وإنما يؤخذ بالاحدث فالاحدث.
قال الزهري: فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، ثم عزاه إلى الصحيحين (2) من طريق عبد الرزاق والله أعلم.
وروى البيهقي: من طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن عطية بن قيس [ عن قزعة بن يحيى ] (3) عن أبي سعيد الخدري قال: آذننا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان، فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر، فأصبح الناس مرحى (4) منهم الصائم ومنهم المفطر، حتى إذا بلغنا المنزل الذي نلقى العدو [ فيه ] (5) أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين (6).
وقد رواه الامام أحمد: عن أبي المغيرة عن سعيد بن عبد العزيز، حدثني عطية بن قيس، عمن حدثه عن أبي سعيد الخدري قال: آذننا رسول الله بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا رسول الله بالفطر فأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر حتى إذا بلغ أدنى منزل يلقى العدو أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعون.
قلت: فعلى ما ذكره الزهري من أن الفتح كان يوم الثالث عشر من رمضان، وما ذكره أبو سعيد من أنهم خرجوا من المدينة في ثاني شهر رمضان يقتضي أن مسيرهم كان بين مكة والمدينة في
إحدى عشرة ليلة.
ولكن روى البيهقي: عن أبي الحسين بن الفضل، عن عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن سفيان، عن الحسن بن الربيع، عن ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري ومحمد بن علي بن الحسين، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم قالوا: كان فتح مكة في عشر بقيت من شهر رمضان سنة ثمان (7).
قال أبو داود الطيالسي (8): ثنا وهيب، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر عن عبد الله قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح صائما حتى أتى كراع الغميم والناس معه مشاة وركبانا وذلك في شهر رمضان (1) في البيهقي: قال الازهري: وكان الفطر آخر الامرين، وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر.
وهو أيضا كذلك في البخاري.
(2) في البخاري في كتاب المغازي (47) باب الحديث (4276) ومسلم في (13) كتاب الصيام، (15) باب (ح: 88) وجاء في نسخ البداية المطبوعة: في الصحيحين وهو تحريف.
(3) سقطت من الاصل، واستدركت من دلائل البيهقي: (4) وفي البيهقي: شرجين، وفي سيرة ابن كثير: مرضى.
(5) من دلائل البيهقي.
(6) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي ج 5 / 24 وأخرجه الترمذي في صحيحه 24 كتاب الجهاد (13) باب وقال: حديث حسن صحيح.
(7) دلائل البيهقي 5 / 24.
(8) في رواية البيهقي عن أبي داود: قال: حدثنا وهيب، عن جعفر بن محرز عن أبيه عن جابر بن عبد الله.

فقيل يا رسول الله إن الناس قد اشتد عليهم الصوم وإنما ينظرون كيف فعلت ؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فرفعه فشرب والناس ينظرون، فصام بعض الناس، وأفطر البعض حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعضهم صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أولئك العصاة " (1) وقد رواه مسلم من حديث الثقفي والدراوردي عن جعفر بن محمد.
وروى الامام أحمد: من حديث محمد بن
اسحاق حدثني بشير بن يسار عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان.
فصام وصام المسلمون معه، حتى إذا كان بالكديد دعا بماء في قعب وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون يعلمهم أنه قد أفطر، فأفطر المسلمون، تفرد به أحمد.
فصل في إسلام العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي أخي أم سلمة أم المؤمنين وهجرتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوه في أثناء الطريق وهو ذاهب إلى فتح مكة.
قال ابن اسحاق: وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق، قال ابن هشام: لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض فيما ذكره ابن شهاب الزهري.
قال ابن اسحاق: وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب، فيما بين مكة والمدينة والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله إن ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال " لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال " (2) قال فلما خرج إليهما الخبر بذلك ومع أبي سفيان بني له فقال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الارض ثم نموت عطشا وجوعا.
فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما (3)، وأنشد أبو سفيان قوله في
__________
(1) في مسلم: " أولئك العصاة أولئك العصاة " هكذا هو مكرر مرتين.
وهذا محمول على من تضرر بالصوم.
أو انهم امروا بالفطر أمرا جازما، لمصلحة بيان جوازه، فخالفوا الواجب، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر، عاصيا إذا لم يتضرر به.
(2) قال له يومذاك: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا انظر، ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون ان الله قد أرسلك.
قاله السهيلي (الروض 2 / 267).
وقال الواقدي في مغازيه: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاداه معاداة لم يعاد أحد قط.
ولم يكن دخل الشعب وهجا
رسول الله وهجا أصحابه.
ومكث (على قول الواقدي) عشرين سنة عدوا لرسول الله، لا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 42 ومغازي الواقدي ج 2 / 810 وقال الواقدي وجها آخر لاسلام أبي سفيان رواه من =

إسلامة واعتذر إليه مما كان مضى منه: لعمرك أني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد لكا لمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدى وأهتدى هدا بي هاد غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد (1) أصد وأنأى جاهدا عن محمد * وأدعى وإن لم أنتسب من محمد هموا ما هموا من لم يقل بهواهم * وإن كان ذا رأي يلم ويفند أريد لارضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم أهد في كل مقعد فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك عيري أوعدي فما كنت في الجيش الذي نال عامر * وما كان عن جري لساني ولا يدي قبائل جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد (2) قال ابن اسحاق: فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالني مع الله من طردت كل مطرد، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في صدره وقال " أنت طردتني كل مطرد ".
فصل ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مر الظهران نزل فيه فأقام كما روى البخاري: عن يحيى بن بكير عن الليث، ومسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب كلاهما عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتني الكباث (3)، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " عليكم بالاسود منه فإنه أطيب " قالوا: يا رسول الله أكنت ترعى الغنم ؟ قال: " نعم وهل من نبي إلا وقد رعاها " وقال البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد
الجبار، عن يونس بن بكير، عن سنان بن إسمعيل، عن أبي الوليد سعيد بن مينا قال: لما فرغ أهل مؤتة (4) ورجعوا أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير إلى مكة، فلما انتهى إلى مر الظهران نزل بالعقبة، فأرسل الجناة يجتنون الكباث، فقلت لسعيد وما هو ؟ قال ثمر الاراك، قال: فانطلق ابن مسعود فيمن يجتني، قال: فجعل أحدهم إذا أصاب حبة طيبة قذفها في فيه، وكانوا ينظرون
__________
= طريق عبد الرحمن بن سابط.
راجع المغازي 2 / 806.
(1) لما التقى به رسول الله في نيق العقاب ذكره به قائلا: بل الله طردك كل مطرد.
فقال: يا رسول الله هذا قول قلته بجهالة وأنت أولى الناس بالعفو والحلم.
(2) سهام وسردد: موضعان من أرض عك.
(3) الكباث: النضيج من ثمر الاراك، حبة فويق حب الكزبرة في القدر.
(4) من البيهقي: وفي الاصل: أهل مكة ولعله سهو من الناسخ.

إلى دقة ساقي ابن مسعود وهو يرقى في الشجرة فيضحكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعجبون من دقة ساقيه فوالذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد " وكان ابن مسعود ما اجتنى من شئ جاء به وخياره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في ذلك: هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه (1) وفي الصحيحين عن أنس قال: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله.
وقال ابن اسحاق: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقد عميت الاخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل، وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به (2).
وذكره ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بين يديه عيونا خيلا يقتصون العيون وخزاعة لا تدع أحدا يمضي وراءها، فلما جاء أبو سفيان وأصحابه
أخذتهم خيل المسلمين وقام إليه عمر يجأ في عنقه حتى أجاره العباس بن عبد المطلب وكان صاحبا لابي سفيان (3).
قال ابن اسحاق: وقال العباس حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، قلت: واصباح قريش ! والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الاراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم عنوة، قال: فوالله إني لاسير عليها وألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا.
قال يقول بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، قال يقول أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
قال فعرفت صوته فقلت يأبا حنظلة ؟ فعرف صوتي، فقال أبو الفضل ؟ قال قلت: نعم، قال مالك فدى لك أبي وأمي ؟ قال قلت: وحيك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فقال: واصباح قريش والله، فما الحيلة فداك أبي وأمي ؟ قال قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك، قال فركب خلفي ورجع صاحباه (4).
وقال عروة: بل ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما وجعل يستخبرهما
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي 5 / 29 ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 317 وقال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: صحيح.
(2) سيرة ابن هشام ج 4 / 42.
(3) الخبر نقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 36.
(4) سيرة ابن هشام 4 / 44.

عن أهل مكة (1).
وقال الزهري وموسى بن عقبة: بل دخلوا مع العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
قال ابن اسحاق: قال فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا ؟
فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها، قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا ؟ وقام إلي، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ؟ وزعم عروة ابن الزبير أن عمر وجأ في رقبة أبي سفيان وأراد قتله فمنعه منه العباس.
وهكذا ذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن عيون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوهم بأزمة جمالهم فقالوا من أنتم ؟ قالوا وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيهم العباس فدخل بهم على رسول الله فحادثهم عامة الليل ثم دعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فشهدوا وأن محمدا رسول الله فشهد حكيم وبديل وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك ثم أسلم بعد الصبح ثم سألوه أن يؤمن قريشا فقال: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن - وكانت بأعلا مكة - ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن - وكانت بأسفل مكة - ومن أغلق بابه فهو آمن " قال العباس: ثم خرج عمر يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطئ، قال: فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلاضرب عنقه ؟ قال قلت: يا رسول إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه الليلة دوني رجل، فلما أكثر عمر في شأنه قال قلت: مهلا يا عمر فوالله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال مهلا يا عباس، فوالله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب [ لو أسلم ] (3)، فقال رسول الله " اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به " قال: فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما [ رآه قال ] " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ " فقال بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظنتت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد، قال " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ " قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك
وأوصلك أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا، فقال له العباس: ويحك أسلم واشهد
__________
(1) الدرر لابن عبد البر (216) ونقل الخبر البيهقي في الدلائل 5 / 37.
(2) وهذه رواية الواقدي عن ابن عباس: قال: دخلوا مع العباس (الثلاثة) على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الاسلام.
فأما حكيم وبديل فأسلما، وأما أبو سفيان فأرجأها.
2 / 815.
(3) من ابن هشام .

أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ؟ قال: فشهد شهادة الحق فأسلم، قال العباس: فقلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا ؟ قال: " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " زاد عروة: ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن " وهكذا قال موسى بن عقبة عن الزهري " ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن " فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عباس أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها " وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا سفيان وبديلا وحكيم بن حزام كانوا وقوفا مع العباس عند خطم الجبل، وذكر أن سعدا لما قال لابي سفيان: اليوم يوم الملحمة.
اليوم تستحل الحرمة، فشكى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزله عن راية الانصار وأعطاها الزبير بن العوام (1) فدخل بها من أعلا مكة وغرزها بالحجون، ودخل خالد من أسفل (2) مكة فلقيه بنو بكر وهذيل فقتل من بني بكر عشرين (3) ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا فقتلوا بالحزورة (4) حتى بلغ قتلهم باب المسجد قال العباس: فخرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال ومرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال: يا عباس من هؤلاء ؟ فأقول سليم فيقول مالي ولسليم، ثم تمر به القبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء ؟ فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة، حتى نفذت القبائل ما تمر به قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرته قال مالي ولبني فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء وفيها المهاجرون والانصار
لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟ قال قلت: هذا رسول الله ص) في المهاجرين والانصار، قال: ما لاحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ! قال: قلت: يأبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذن، قال قلت النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلا صوته يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الاحمس قبح من طليعة قوم، فقال أبو سفيان: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: قاتلك الله وما تغني عنا دارك ؟ قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
وذكر عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بأبي سفيان قال له: إني لارى وجوها كثيرة لا أعرفها لقد كثرت هذه الوجوه علي ؟
__________
(1) في الواقدي: ان رسول الله عزله وأعطاها ابنه قيس بن سعد، وفي رواية أخرى له، قال: ويقال ان رسول الله أعطاها عليا بن أبي طالب فغرزها عند الركن.
(2) في الواقدي: من الليط، وهو موضع بأسفل مكة (معجم ما استعجم).
(3) في الواقدي: قتل أربعة وعشرين رجلا من قريش.
(4) الحزورة: سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه.
(معجم البلدان).

فقال له رسول الله: " أنت فعلت هذا وقومك إن هؤلاء صدقوني، إذ كذبتموني ونصروني إذ أخرجتموني " ثم شكى إليه قول سعد بن عبادة حين مر عليه فقال: يا أبا سفيان: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة.
فقال رسول الله: " كذب سعد بل هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة " وذكر عروة أن أبا سفيان لما أصبح صبيحة تلك الليلة التي كان عند العباس ورأى الناس يجنحون للصلاة وينتشرون في استعمال الطهارة خاف وقال للعباس ما بالهم ؟ قال إنهم سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة، فلما حضرت الصلاة ورآهم يركعون بركوعه
ويسجدون بسجوده قال: يا عباس ما يأمرهم بشئ إلا فعلوه ؟ قال: نعم والله لو أمرهم بترك الطعام والشراب لاطاعوه.
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أنه لما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا يتكففون، فقال يا عباس ما رأيت كالليلة ولا ملك كسرى وقيصر (1).
وقد روى الحافظ البيهقي: عن الحاكم وغيره، عن الاصم، عن أحمد بن الجبار، عن يونس بن بكير، عن ابن اسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيدالله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس فذكر هذه القصة بتمامها كما أوردها زياد البكائي عن ابن إسحاق منقطعة فالله أعلم.
على أنه قد روى البيهقي: من طريق أبي بلال الاشعري عن زياد البكائي، عن محمد بن اسحاق، عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: جاء العباس بأبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر القصة إلا أنه ذكر أنه أسلم ليلته قبل أن يصبح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " قال أبو سفيان وما تسع داري ؟ فقال " ومن دخل الكعبة فهو آمن " قال وما تسع الكعبة ؟ فقال " ومن دخل المسجد فهو آمن " قال وما يسع المسجد فقال " ومن أغلق عليه بابه فهو آمن " فقال أبو سفيان: هذه واسعة.
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن اسمعيل، ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه كأنها نيران عرفة ؟ فقال بديل بن ورقاء نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس " احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين " فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه ؟ قال هذه غفار قال: مالي ولغفار، ثم مرت جهينة فقال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك، ومرت سليم فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها فقال من هذه ؟ قال هؤلاء الانصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية،
__________
(1) رواية عروة نقلها البيهقي في الدلائل ج 5 / 38.
ورواية ابن عقبة أخرجها ابن عبد البر في الدرر (217) ونقلها عنه البيهقي في الدلائل ج 5 / 40.

فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة.
فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة فقال ؟ ما قال ؟ قال كذا وكذا فقال " كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله الكعبة " ويوم تكسى فيه الكعبة " وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون.
قال عروة: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام: هاهنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية ؟ قال: نعم، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أن يدخل من أعلا مكة من كداء ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من كدى فقتل من خيل خالد بن الوليد يومئذ رجلان حنيش بن الاشعر (1) وكرز بن جابر الفهري.
وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن آدم، ثنا [ ابن ] (2) ادريس: عن محمد بن اسحاق، عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان ابن حرب فأسلم بمر الظهران، فقال له العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فلو جعلت له شيئا ؟ قال " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن " (3).
صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة ثبت في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه " (4) قال مالك: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم محرما.
وقال أحمد: ثنا عفان، ثنا حماد، أنبأ أبو الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.
ورواه أهل السنن الاربعة من حديث حماد بن سلمة وقال الترمذي حسن
صحيح.
ورواه مسلم عن قتيبة ويحيى بن يحيى عن معاوية بن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام (5).
وروى مسلم من حديث أبي أسامة عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال: كأنى أنظر إلى
__________
(1) في رواية البيهقي عنه: حبيش بن الاشقر وهو حبيش بن خالد بن ربيعة بن الاشقر الكعبي أخو أم معبد.
وفي ابن سعد: خالد الاشقر الخزاعي.
(2) من سنن أبي داود، سقطت من الاصل.
(3) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الخراج والامارة باب ما جاء في خبر مكة (الحديث 3021) ص (3 / 162).
(4) أخرجه البخاري في 28 كتاب جزاء الصيد (18) باب.
وأخرجه مسلم في 15 كتاب الحج (84) باب الحديث (450).
وأخرجه مالك في الموطأ في (20) كتاب الحج (81) باب الحديث (247) ص (1 / 423) بالزيادة، ولم يذكرها صاحبا الصحيحين.
ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 63.
(5) صحيح مسلم الحديث 451 من كتاب الحج (84) باب.
ونقله البيهقي في دلائله ج 5 / 67.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة حرقانية سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه (1).
وروى مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي من حديث عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء.
وروى أهل السنن الاربعة من حديث يحيى بن آدم عن شريك القاضي عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة أبيض.
وقال ابن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عائشة: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أبيض ورايته سوداء تسمى العقاب، وكانت قطعة من مرط مرجل (2).
وقال البخاري: ثنا أبو الوليد ثنا شعبة، عن عبد الله بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع وقال لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع (3).
وقال محمد بن اسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حبرة حمراء (4) وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأ أبو عبد الله الحافظ، أنبأ دعلج بن أحمد، ثنا أحمد بن علي الابار، ثنا عبد الله بن أبي بكر المقدمي (5) ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعا.
وقال أنبأ أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر [ محمد بن أحمد ] بن بالويه، ثنا أحمد بن [ محمد بن ] صاعد ثنا إسماعيل بن أبي الحارث، ثنا جعفر بن عون، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس عن ابن مسعود أن رجلا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فأخذته الرعدة، فقال [ النبي صلى الله عليه وسلم ] " هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد " (6) قال: وهكذا رواه محمد بن سليمان بن فارس وأحمد بن يحيى ابن زهير عن إسماعيل بن أبي الحارث موصولا.
ثم رواه عن أبي زكريا المزكي، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الوهاب، عن جعفر بن عون عن إسماعيل عن (7) قيس مرسلا
__________
(1) صحيح مسلم - كتاب الحج - (84) باب.
حديث: 453.
وأخرجه النسائي في سننه (8 / 211).
والبيهقي في الدلائل ج 5 / 68.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 19 ونقل الخبر البيهقي 5 / 68.
(3) أخرجه البخاري عن أبي الوليد في المغازي، وعن مسلم بن ابراهيم في التفسير وعن حجاج بن منهال في كتاب فضائل القرآن وعن أحمد بن أبي سريج في كتاب التوحيد (50) باب، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة.
باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة.
(4) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 47.
والحبرة: ضرب من ثياب اليمن.
ونقل الخبر عنه البيهقي في الدلائل ج 5 / 68.
(5) من دلائل البيهقي 5 / 68.
وفي الاصل: المقدسي.
(6) الخبر في الدلائل.
وما بين معكوفين فيه، زيادة استدركت منها انظر ج 5 / 69.
(7) من الدلائل، وفي الاصل بن تحريف.

وهو المحفوظ وهذا التواضع في هذا الموطن عند دخوله صلى الله عليه وسلم مكة في مثل هذا الجيش الكثيف العرمرم بخلاف ما اعتمده سفهاء بني اسرائيل حين أمروا أن يدخلوا باب بيت المقدس وهم سجود - أي ركع - يقولون حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعرة.
وقال البخاري: ثنا القاسم بن خارجة، ثنا حفص بن ميسرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء التي بأعلا مكة، تابعه أبو أسامة ووهب في كداء.
حدثنا عبيد بن إسماعيل ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح من أعلا مكة من كداء وهو أصح إن أراد أن المرسل أصبح من المسند المتقدم انتظم الكلام، والا فكداء بالمد هي المذكورة في الروايتين وهي في أعلا مكة وكدى مقصور في أسفل مكة وهذا هو المشهور والانسب.
وقد تقدم أنه عليه السلام بعث خالد بن الوليد من أعلا مكة ودخل هو عليه السلام من أسفلها من كدى وهو في صحيح البخاري والله أعلم.
وقد قال البيهقي: أنبا أبو الحسن (1) بن عبد ان، أنبا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبد الله بن ابراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا معن، ثنا عبد الله بن عمر بن حفص (2)، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وأتى النساء يلطمن وجوه الخيل [ بالخمر ] (3) فتبسم إلى أبي بكر وقال: " يا أبا بكر كيف قال حسان ؟ " فأنشده أبو بكر رضي الله عنه: عدمت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كتفي كداء ينازعن الاعنة مسرجات * يلطمهن بالخمر النساء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ادخلوها من حيث قال حسان ".
وقال محمد بن اسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنية اظهري بي على أبي قبيس، قالت وقد كف بصره، قالت فأشرفت به عليه، فقال: أي بنية ماذا ترين ؟ قالت أرى سوادا مجتمعا قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلا ومدبرا، قال: أي بنية ذلك الوازع - يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها - ثم قالت: قد والله
انتشر السواد، فقال: قد والله إذن دفعت الخيل فأسرعي بي إلى بيتي فانحطت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته، قال: وفي عنق الجارية طوق من ورق (4) فيلقاها رجل فيقتطعه من عنقها،
__________
(1) من دلائل البيهقي، وفي الاصل أبو الحسين.
(2) العبارة في دلائل البيهقي: ثنا عبد الله بن الصقر قال: حدثنا ابراهيم بن المنذر قال: حدثنا معن قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن جعفر بن حفص.
(3) سقطت من الاصل واستدركت من الدلائل.
ج 5 / 66.
(4) ورق: أي قلادة من فضة.
قال الواقدي واسم بنت أبي قحافة: قريبة.

قالت: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟ " قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه.
فاجلسه بين يديه، ثم مسح صدره ثم قال: اسلم فأسلم، قالت: ودخل به أبو بكر وكأن رأسه كالثغامة بياضا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " غيروا هذا من شعره " ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته وقال: أنشد الله والاسلام طوق أختي ؟ فلم يجبه أحد، قالت (1) فقال: أي أخية احتسبي طوقك، فوالله إن الامانة في الناس اليوم لقليل.
يعني به الصديق ذلك اليوم على التعيين لان الجيش فيه كثرة ولا يكاد أحد يلوي على أحد مع انتشار الناس ولعل الذي أخذه تأول أنه من حربي والله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبا [ أبو ] (2) عبد الله الحافظ، أنبا أبو العباس الاصم، أنبا بحر بن نصر، أنبا ابن وهب، أخبرني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر: أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فلما وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " غيروه ولا تقربوه سوادا " قال ابن وهب وأخبرني عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنأ ابا بكر باسلام أبيه (3).
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كداء (4)، وكان الزبير على المجنبة
اليسرى، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدى (5).
قال ابن اسحاق: فزعم بعض أهل العلم أن سعدا حين وجه داخلا قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل [ من المهاجرين ] (6) قال ابن هشام يقال: إنه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله أتسمع ما يقول سعد بن عبادة ؟ ما نأمن أن يكون له في قريش صولة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلي " أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها ".
قلت: وذكر غير محمد بن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكى إليه أبو سفيان قول سعد ابن عبادة حين مر به، وقال: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة - يعني الكعبة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة " وأمر بالراية - راية الانصار - أن تؤخذ من سعد
__________
(1) من ابن هشام وفي الاصل قال تحريف.
(2) من دلائل البيهقي، سقطت من الاصل.
(3) دلائل البيهقي ج 5 / 96.
ونقله الصالحي في السيرة الشامية ج 5 / 352 وخبر اسلام أبي قحافة في مسند الامام والطبراني برجال ثقات.
والواقدي عن أسماء 2 / 824 ونهاية الارب (17 / 310).
(4) في ابن هشام: كدى وهوموضع بأسفل مكة.
وكداء موضع بأعلى مكة وهي الثنية التي عند المقبرة وتسمى تلك الناحية المعلاة.
ومنها " كداء " دخل النبي مكة.
(5) في ابن هشام: كداء.
(6) من ابن هشام.

ابن عبادة كالتأديب له، ويقال إنها دفعت إلى ابنه قيس بن سعد.
وقال موسى بن عقبة عن الزهري دفعها إلى الزبير بن العوام فالله أعلم.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة يعقوب بن اسحاق بن دينار، ثنا عبد الله بن السري الانطاكي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد.
وحدثني موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم فتح مكة إلى سعد بن عبادة فجعل يهزها ويقول:
اليوم يوم الملحمة يوم تستحل الحرمة.
قال فشق ذلك على قريش وكبر في نفوسهم، قال فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره وأنشأت تقول (1): حين ضاقت عليهم سعة الار * ض وعاداهم إله السماء (2) إن سعدا يريد قاصمة الظه * ر بأهل الحجون والبطحاء خزرجي لو يستطيع من الغي * ظ رمانا بالنسر والعواء فانهينه فإنه الاسد الاس * ود والليث والغ في الدماء فلئن أقحم اللواء ونادى * يا حماة اللواء أهل اللواء لتكونن بالبطاح قريش * بقعة القاع في أكف الاماء إنه مصلت يريد لها الرأ * ي صموت كالحية الصماء قال: فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر دخله رحمة لهم ورأفة بهم، وأمر بالراية فأخذت من سعد بن عبادة ودفعت إلى ابنه قيس بن سعد، قال: فيروى أنه عليه الصلاة والسلام أحب أن لا يخيبها إذ رغبت إليه واستغاثت به، وأحب أن لا يغضب سعد فأخذ الراية منه فدفعها إلى ابنه.
قال ابن اسحاق: وذكر ابن أبي نجيح في حديثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة في بعض الناس، وكان خالد على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب، وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر (3) حتى نزل بأعلا مكة فضربت له هنالك قبته (4).
وروى البخاري: من حديث الزهري عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله أين تنزل غدا ؟ فقال " وهل ترك لنا عقيل من رباع " ثم قال " لا يرث الكافر المؤمن ولا المؤمن الكافر " (5).
__________
(1) نسب السهيلي هذه الابيات إلى ضرار بن الخطاب (انظر الروض ص 2 / 271).
(2) بعده في الروض: والتقت حلقتا البطان على القوم * ونودوا بالصيلم الصلعاء
(3) أذاخر: ثنية بين مكة والمدينة، (معجم ما استعجم).
(4) الخبر في سيرة ابن هشام: 4 / 49.
(5) أخرجه البخاري في كتاب المغازي الحديث (4282)، وأخرجه مسلم في 15 كتاب الحج (80) باب.
=

ثم قال البخاري ثنا أبو اليمان ثنا شعيب ثنا أبو الزناد (1) عن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله، الخيف حيث تقاسموا على الكفر " (2) وقال الامام أحمد ثنا يونس ثنا ابراهيم - يعني ابن سعد - عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر " (3) ورواه البخاري من حديث ابراهيم بن سعد به نحوه.
وقال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا، وكان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحا قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلح منه، فقالت له امرأته لماذا تعد ما أرى ؟ قال: لمحمد وأصحابه، فقالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شئ، قال: والله إني لارجو أن أخدمك بعضهم.
ثم قال: إن يقبلوا اليوم فما لي عله * هذا سلاح كامل واله وذو غرارين سريع السلة قال ثم شهد الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئا من قتال، فقتل كرز بن جابر أحد بني محارب بن فهو وحنيش (4) بن خالد بن ربيعة ابن أصرم حليف بني منقذ وكانا في جيش خالد، فشذا عنه، فسلكا غير طريقه فقتلا جميعا، وكان قتل كرز قبل حنيش (5) قالا: وقتل من خيل خالد أيضا سلمة بن الميلاء الجهني وأصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته أغلق علي بابي، قالت: فأين ما كنت تقول ؟ فقال:
إنك لو شهدت يوم الخندمه * إذ فر صفوان وفر عكرمه وأبو يزيد قائم كالمؤتمه * واستقبلتهم بالسيوف المسلمه (6)
__________
= الحديث (440) وأخرجه أحمد في مسنده ج 5 / 201 و 202.
وابن ماجه في كتاب المناسك 26 باب.
(1) من صحيح البخاري، وفي الاصل أبو الزبير تحريف.
(2) أخرجه البخاري: فتح الباري 8 / 14 الحديث رقم 4284.
- والخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء.
- قوله تقاسموا على الكفر: أي قريشا لما تحالفت أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب.
(3) مسند الامام أحمد: ج 5 / 202.
(4) في ابن هشام: خنيس، والصواب كما تقدم حبيش.
(5) في ابن هشام: قتل خنيس بن خالد قبل كرز، فجعله كرز بين رجليه، ثم قاتل عنه حتى قتل.
(6) أبو يزيد: يقصد سهيل بن عمرو.
والمؤتمة: الاسطوانة من قولهم وتم وأتم إذا ثبت.
وتروى الموتمة.
ومعناها =

يقطعن كل ساعد وجمجمه * ضربا فلا يسمع إلا غمغمه لهم نهيت خلفنا وهمهمه * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة قال ابن هشام: وتروى هذه الابيات للرعاش الهذلي، قال وكان شعار المهاجرين يوم الفتح وحنين والطائف يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج يا بني عبد الله، وشعار الاوس يا بني عبيد الله.
وقال الطبراني ثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا أبو حسان الزيادي، ثنا شعيب بن صفوان، عن عطاء بن السائب، عن طاووس، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والارض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام، وأنه لا يحل لاحد قبلي، وإنما حل لي ساعة من نهار ثم عاد كما كان " فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل ؟ فقال " قم يا فلان فأت خالد بن الوليد فقل له فليرفع يديه من القتل " فأتاه الرجل
فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أقتل من قدرت عليه، فقتل سبعين إنسانا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأرسل إلى خالد فقال " ألم أنهك عن القتل ؟ " فقال: جاءني فلان فأمرني أن أقتل من قدرت عليه، فأرسل إليه " ألم آمرك ؟ " قال أردت أمرا وأراد الله أمرا فكان أمر الله فوق أمرك، وما استطعت إلا الذي كان.
فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فما رد عليه شيئا.
قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أمرائه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، غير أنه أهدر دم نفر سماهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة وهم، عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد أسلم وكتب الوحي ثم ارتد، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد أهدر دمه فر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، فلما جاء به ليستأمن له صمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال " نعم " فلما انصرف مع عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله " أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني قد صمت فيقتله " فقالوا يا رسول الله هلا أومأت إلينا ؟ فقال " إن النبي لا يقتل بالاشارة " وفي رواية " إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الاعين " قال ابن هشام: وقد حسن إسلامه بعد ذلك وولاه عمر بعض أعماله ثم ولاه عثمان.
قلت: ومات وهو ساجد في صلاة الصبح أو بعد انقضاء صلاتها في بيته كما سيأتي بيانه.
قال ابن إسحاق: وعبد الله بن خطل رجل من بني تيم بن غالب.
قلت: ويقال إن اسمه عبد العزى بن خطل ويحتمل أنه كان كذلك ثم لما أسلم سمي عبد الله ولما أسلم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من الانصار، وكان معه مولى له فغضب عليه غضبة فقتله، ثم ارتد مشركا، وكان له قينتان فرتنى (1) وصاحبتها فكانتا تغنيان
__________
= الايم التي مات عنها زوجها.
قاله السهيلي في الروض (2 / 272).
(1) في الواقدي: اسماهما: قرينا وقريبة، قال، ويقال: فرتنا وأرنبة.

بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة، اشترك في قتله أبو برزة الاسلمي وسعيد بن حريث المخزومي وقتلت إحدى قينتيه واستؤمن
للاخرى (1).
قال والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصي وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ولما تحمل العباس بفاطمة وأم كلثوم ليذهب بهما إلى المدينة يلحقهما برسول الله صلى الله عليه وسلم أول الهجرة نخس بهما الحويرث هذا الجمل الذي هما عليه فسقطتا إلى الارض، فلما أهدر دمه قتله علي ابن أبي طالب، قال: ومقيس بن صبابة لانه قتل قاتل أخيه خطأ بعدما أخذ الدية ثم ارتد مشركا، قتله رجل من قومه يقال له نميلة بن عبد الله.
قال وسارة مولاة لبني عبد المطلب ولعكرمة ابن أبي جهل لانها كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بمكة.
قلت: وقد تقدم عن بعضهم أنها التي تحملت الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة وكأنها عفى عنها أو هربت ثم أهدر دمها والله أعلم.
فهربت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها فعاشت إلى زمن عمر فأوطأها رجل فرسا فماتت.
وذكر السهيلي أن فرتنى أسلمت أيضا.
قال ابن اسحاق: وأما عكرمة بن أبي جهل فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام واستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فذهبت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
وقال البيهقي: أنبا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمس الفقيه، أنبا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، أنبا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا أحمد بن المفضل، ثنا أسباط بن نصر الهمداني، قال زعم السدي: عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان يوم [ فتح ] مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين.
وقال " اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة " وهم عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد ابن أبي سرح.
فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشب الرجلين فقتله.
وأما مقيس فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم قاصف فقال أهل السفينة لاهل السفينة: أخلصوا فإن آلتهكم لا تغنى عنكم شيئا ها هنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينج في البحر إلا الاخلاص فإنه لا ينجي في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلاجدنه عفوا كريما، فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن سعد بن أبي
سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال " أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني
__________
(1) في مغازي الواقدي 2 / 860 قتلت أرنبة، واستؤمن لفرتنى وآمنت وعاشت إلى أيام عثمان، وكسر ضلع من اضلاعها فماتت منه فقضى فيها عثمان ثمانية آلاف درهم.

كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟ " فقالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك ؟ فقال: " إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الاعين " (1).
ورواه أبو داود والنسائي من حديث أحمد بن المفضل به نحوه.
وقال البيهقي أنبا أبو عبد الله الحافظ، أنبا أبو العباس الاصم، أنبا أبو زرعة الدمشقي، ثنا الحسن بن بشر الكوفي، ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم فتح مكة إلا أربعة، عبد العزى بن خطل، ومقيس بن صبابة.
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأم سارة، فأما عبد العزى بن خطل فإنه قتل وهو متعلق بأستار الكعبة، قال: ونذر رجل [ من الانصار ] أن يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح إذا رآه.
وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له، فلما أبصر به الانصاري اشتمل على السيف ثم أتاه فوجده في حلقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتردد ويكره أن يقدم عليه، فبسط النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه، ثم قال للانصاري " قد انتظرتك أن توفي بنذرك ؟ " قال يا رسول الله هبتك أفلا أومضت إلي ؟ قال " إنه ليس للنبي أن يومض ".
وأما مقيس بن صبابة فذكر قصته في قتله رجلا مسلما بعد إسلامه ثم ارتداده بعد ذلك، قال وأما أم سارة فكانت مولاة لقريش، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الحاجة فأعطاها شيئا، ثم بعث معها رجل بكتاب إلى أهل مكة فذكر قصة حاطب بن أبي بلتعة (2).
وروى محمد ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن مقيس بن صبابة قتل أخوه هشام يوم بني المصطلق قتله رجل من المسلمين وهو يظنه مشركا فقدم مقيس مظهرا للاسلام
ليطلب دية أخيه، فلما أخذها عدا على قاتل أخيه فقتله ورجع إلى مكة مشركا، فلما أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه قتل وهو بين الصفا والمروة وقد ذكر ابن إسحاق والبيهقي شعره حين قتل قاتل أخيه وهو قوله: شفي النفس من قد بات بالقاع مسندا * يضرج ثوبيه دماء الاخادع وكانت هموم النفس من قبل قتله * تلم وتنسيني وطاء المضاجع قتلت به فهرا وغرمت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع حللت به نذري وأدركت ثورتي * وكنت إلى الاوثان أول راجع قلت: وقيل إن القينتين اللتين أهدر دمهما كانتا لمقيس بن صبابة هذا وأن ابن عمه قتله بين
__________
(1) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ج 5 / 59 - 60.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 5 / 60.
- أبو زرعة: وهو عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي.
- ما بين معكوفين من الدلائل.
- في الدلائل: أومأت إلي بدلا من أومضت في المكانين.

الصفا والمروة.
وقال بعضهم: قتل ابن خطل الزبير بن العوام رضي الله عنه.
قال ابن اسحاق: حدثني سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة، مولى عقيل بن أبي طالب، أن أم هانئ ابنة أبي طالب قالت: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلا مكة فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم - قال ابن هشام: هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية بن المغيرة (1) - قال ابن اسحاق: وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي، قالت فدخل علي أخي علي بن أبي طالب فقال: والله لاقتلهما فأغلقت عليهما باب بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلا مكة فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها لاثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوبه، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى، ثم انصرف إلي فقال " مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك ؟ " فأخبرته خبر
الرجلين وخبر علي، فقال " قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا يقتلهما " وقال البخاري: ثنا أبو الوليد، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ فإنها ذكرت يوم فتح مكة [ أن النبي صلى الله عليه وسلم ] اغتسل في بيتها ثم صلى ثمان ركعات، قالت ولم أره على صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود (2).
وفي صحيح مسلم من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن أبي هند أن أبا مرة مولى عقيل حدثه: أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته: أنه لما كان عام الفتح فر إليها رجلان من بني مخزوم فأجارتهما، قالت فدخل علي علي فقال أقتلهما، فلما سمعته أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلا مكة فلما رآني رحب وقال " ما جاء بك ؟ " قلت يا نبي الله كنت أمنت رجلين من أحمائي فأراد علي قتلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبا فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى (3).
وفي رواية أنها دخلت عليه وهو يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، فقال " من هذه ؟ " قالت أم هانئ قال " مرحبا بأم هانئ " قالت: يا رسول الله زعم ابن أم علي بن أبي
__________
(1) الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي أبو عبد الرحمن شقيق أبو جهل من مسلمة الفتح استشهد في خلافة عمر.
والثاني زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أخو أم سلمة، كان ممن نقض الصحيفة اسلم وحسن اسلامه.
وقيل انهما الحارث وهبيرة بن أبي وهب، والمعروف أن هبيرة هرب عند الفتح وقيل جعدة بن هبيرة.
قال الزرقاني كان صغير عام الفتح.
(راجع شرح المواهب اللدنية 2 / 327).
(2) اخرجه البخاري في 8 كتاب الصلاة (4) باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به.
- أم هاني: هي بنت أبي طالب الهاشمية اسمها فاختة، وقيل: هند، أسلمت عام الهجرة لها صحبة، بقيت إلى زمن معاوية ولها أحاديث (شرح المواهب للزرقاني 2 / 326).
(3) صحيح مسلم في 6 كتاب صلاة المسافرين (13) باب حديث 82 و 83.

طالب أنه قاتل رجلين قد أجرتهما ؟ فقال " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ " قالت ثم صلى ثماني ركعات وذلك ضحى فظن كثير من العلماء أن هذه كانت صلاة الضحى.
وقال آخرون بل كانت هذه صلاة الفتح وجاء التصريح بأنه كان يسلم من كل ركعتين وهو يرد على السهيلي وغيره ممن يزعم أن صلاة الفتح تكون ثمانيا بتسليمة واحدة، وقد صلى سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن في إيوان كسرى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين ولله الحمد.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيدالله بن عبد الله بن أبي ثور، عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف (1) له الناس في المسجد.
وقال موسى بن عقبة ثم سجد سجدتين ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها ودعا بماء فشرب منها وتوضأ والناس يبتدرون وضوءه والمشركون يتعجبون من ذلك، ويقولون ما رأينا ملكا قط ولا سمعنا به - يعني مثل هذا - وأخر المقام إلى مقامه اليوم وكان ملصقا بالبيت.
قال محمد بن اسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو موضوع تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا، ففيه الدية مغلظة، مائة من الابل، أربعون منها في بطونها أولادها، يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب " ثم تلا هذه الآية (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية كلها ثم قال " يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم ؟ " قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ثم جلس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة
مع السقاية صلى الله عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين عثمان بن طلحة ؟ " فدعي له، فقال " هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء " (2) وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن ابن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو على درج الكعبة: " الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، ألا إن قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا فيه مائة من الابل " وقال مرة أخرى " مغلظة
__________
(1) استكف: في اللسان: استكفوه: صاروا حواليه.
واستكف به الناس: إذا أحدقوه به وقال أبو ذر: استكف له الناس: استجمع، قال ويجوز أن يكون المعنى: استدار.
(2) سيرة ابن هشام: 4 / 54، 55.

فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية ودم ودعوى " وقال مرة " وما تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فإنهما أمضيتهما لاهلهما على ما كانت " (1).
وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعة بن جوشن الغطفاني عن ابن عمر به.
قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم، ورأى ابراهيم والازلام (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست.
وقال الامام أحمد: حدثنا سليمان، أنبا عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير عن جابر قال: كان في الكعبة صور فأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يمحوها قبل عمر ثوبا ومحاها به.
فدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيها منها شئ.
وقال البخاري حدثنا صدقه ابن الفضل، ثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول " جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد " (2).
وقد رواه مسلم من حديث ابن عيينة.
وروى البيهقي عن ابن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مكة وعلى الكعبة ثلثمائة صنم، فأخذ قضيبه فجعل يهوي [ به ] إلى الصنم وهو يهوي حتى مر عليها كلها (3)، ثم يروي من طريق سويد بن [ سعيد ] (4) عن القاسم بن عبد الله، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلثمائة وستين صنما فأشار إلى كل صنم بعصا وقال (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) [ الاسراء: 81 ] فكان لا يشير إلى صنم إلا ويسقط من غير أن يمسه بعصاه، ثم قال: وهذا [ الاسناد ] (5) وإن كان ضعيفا فالذي قبله يؤكده (6).
وقال حنبل بن إسحاق: أنبأ أبو الربيع، عن يعقوب القمي، ثنا جعفر ابن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال: لما أفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جاءت عجوز شمطاء حبشية
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 2 / 187.
(2) أخرجه البخاري في 46 كتاب المظالم (32) باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر.
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بي أبي شيبة في (32) كتاب الجهاد (32) باب إزالة الاصنام الحديث (87).
(3) دلائل البيهقي ج 5 / 72.
وما بين معكوفين من الدلائل.
ورواه البزار باختصار، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 176 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(4) بياض في الاصل، وفي البيهقي سويد.
واستدرك النقص من سيرة ابن كثير.
(5) سقطت من الاصل واستدركت من الدلائل.
(6) الخبر في دلائل البيهقي 5 / 72 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 176 وقال: رواه الطبراني في الاوسط والكبير بنحوه وفيه عاصم بن عمر العمري وهو متروك ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات.

تخمش وجهها وتدعو بالويل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك نائلة أيست أن تعبد ببلدكم هذا أبدا " (1).
وقال ابن هشام: حدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة [ عن ابن عباس ] (2) أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها وحول الكعبة أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يشير بقضيب في يده إلى الاصنام ويقول " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أسد الخزاعي: وفي الاصنام معتبر وعلم * لمن يرجو الثواب أو العقابا وفي صحيح مسلم عن شيبان (3) بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة في حديث فتح مكة قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الحجر فاستلمه وطاف بالبيت وأتى إلى صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسيتها فلما أتى على الصنم فجعل يطعن في عينه ويقول " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.
وقال البخاري: ثنا اسحاق بن منصور، ثنا عبد الصمد، ثنا أبي، ثنا أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وفي أيديهما الازلازم، فقال " قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط " ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت وخرج ولم يصل.
تفرد به البخاري دون مسلم (4).
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الصمد، ثنا همام، ثنا عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها ست سواري، فقام إلى كل سارية ودعا ولم يصل فيه.
ورواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بن يحيى العوذي عن عطاء به.
وقال الامام أحمد: حدثنا هارون بن معروف، ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه عن كريب عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت وجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال " أما هم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة هذا ابراهيم مصورا فما باله يستقسم ؟ ".
وقد رواه البخاري والنسائي من حديث ابن وهب به.
وقال الامام
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 75.
(2) من سيرة ابن هشام 4 / 59.
(3) من صحيح مسلم، وفي الاصل سنان تحريف.
والخبر في الصحيح 32 كتاب الجهاد (الحديث 84) ص (1406).
(4) أخرجه البخاري في المغازي - باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح.
وفي كتاب الحج - باب من كبر من نواحي الكعبة.

أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنبأ معمر، أخبرني عثمان الخزرجي أنه سمع مقسما يحدث عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فدعا في نواحيه ثم خرج فصلى ركعتين.
تفرد به أحمد.
وقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل، أنبأ ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين.
قال البخاري: وقال الليث، ثنا يونس، أخبرني نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلا مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمر أن يؤتى بمفتاح الكعبة، فدخل ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما، فسأله أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله: ونسيت أن أسأله كم صلى من سجدة (1).
ورواه الامام أحمد، عن هشيم ثنا غير واحد وابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال فأمر بلالا فأجاف عليهم الباب فمكث فيه ما شاء الله ثم خرج.
قال ابن عمر فكان أول من لقيت منهم بلالا فقلت أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ها هنا بين الاسطوانتين.
قلت: وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه عليه السلام صلى في الكعبة تلقاء وجهة بابها من وراء ظهره فجعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، وكان بينه وبين الحائط الغربي مقدار ثلاثة أذرع: وقال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل أنبأ ليث، عن مجاهد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين.
قال
ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن، وأبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا، فسمع منه ما يغيظه، فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا لو تكلمت لاخبرت عني هذه الحصا، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " قد علمت الذي قلتم " ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول أخبرك (2).
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني والدي، حدثني بعض آل جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة أمر بلالا فعلا على الكعبة على ظهرها فأذن عليها بالصلاة، فقال بعض بني سعيد بن العاص: لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل أن يسمع هذا الاسود على ظهر الكعبة (3).
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب: قال: قال: أبن أبي
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 47 باب فتح الباري 8 / 18.
(2) سيرة ابن هشام 4 / 56.
(3) الخبر في سيرة ابن هشام 2 / 27، ونقله البيهقي عنه في الدلائل ج 5 / 78، وفيه: قبل أن يرى هذا الاسود.

مليكة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن يوم الفتح فوق الكعبة، فقال رجل من قريش للحارث ابن هشام: ألا ترى إلى هذا العبد أين صعد ؟ فقال: دعه فإن يكن الله يكرهه فسيغيره.
وقال يونس بن بكير وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا عام الفتح فأذن على الكعبة ليغيظ به المشركين (1).
وقال محمد بن سعد: عن الواقدي (2).
عن محمد بن حرب، عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي اسحاق: أن أبا سفيان بن حرب بعد فتح مكة كان جالسا فقال في نفسه: لو جمعت لمحمد جمعا ؟ فإنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال " إذا يخزيك الله " قال فرفع رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه فقال: ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة.
قال البيهقي: وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - إجازة - أنبأ أبو حامد أحمد
[ علي ] بن الحسن المقري، أنبأ أحمد بن يوسف السلمي، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر عن ابن عباس قال: رأى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يطئون عقبه، فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال ؟ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب بيده في صدره فقال " إذا يخزيك الله " فقال أتوب إلى الله وأستغفر الله ما تفوهت به (3).
ثم روى البيهقي: من طريق ابن خزيمة وغيره عن أبي حامد بن الشرقي، عن محمد بن يحيى الذهلي، ثنا [ محمد ] موسى بن أعين الجزري، ثنا أبي، عن إسحاق بن راشد [ عن الزهري ] عن سعيد بن المسيب قال: لما كان ليلة دخل الناس مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا، فقال أبو سفيان لهند: أتري هذا من الله ؟ قالت نعم هذا من الله، قال: ثم أصبح أبو سفيان فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قلت لهند أتري هذا من الله ؟ قالت نعم هذا من الله " (4) فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد الله ورسوله، والذي يحلف به ما سمع قولي هذا أحد من الناس غير هند.
وقال البخاري: ثنا إسحاق، ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج أخبرني حسن بن مسلم عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لا تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر لا ينفر صيدها ولا يعضد شوكها ولا يختلى خلاؤها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد " فقال العباس بن عبد المطلب إلا الاذخر (5) يا رسول الله
__________
(1) الخبران نقلهما البيهقي في الدلائل في باب ما روي في تأذين بلال بن رباح يوم الفتح على ظهر الكعبة ج 5 / 78 و 79.
(2) هكذا في الاصل: وهو وهم من الناسخ، والخبر رواه ابن سعد عن أبي اسحاق السبيعي عن محمد بن عبيد..والحاكم في الاكليل عن ابن عباس.
ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 102.
(3) دلائل النبوة ج 5 / 102 ونقله الصالحي عن البيهقي وعن الحاكم، في السيرة الشامية (5 / 370).
(4) العبارة في الدلائل: إلا الله عزوجل وهند.
دلائل النبوة ج 5 / 103 وما بين معكوفتين في الخبرين - زيادات استدركت من دلائل البيهقي.
(5) الاذخر: نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح، له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن.
وأهل =

فإنه لابد منه للدفن والبيوت ؟ فسكت ثم قال " إلا الاذخر فإنه حلال " وعن ابن جريج أخبرني عبد الكريم - هو ابن مالك الجزري - عن عكرمة عن ابن عباس بمثل هذا أو نحو هذا.
ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفرد به البخاري من هذا الوجه الاول وهو مرسل، ومن هذا الوجه الثاني أيضا.
وبهذا وأمثاله استدل من ذهب إلى أن مكة فتحت عنوة، وللوقعة التي كانت في الخندمة كما تقدم.
وقد قتل فيها قريب من عشرين نفسا من المسلمين والمشركين وهي ظاهرة في ذلك وهو مذهب جمهور العلماء.
والمشهور عن الشافعي أنها فتحت صلحا لانها لم تقسم، ولقوله صلى الله عليه وسلم ليلة الفتح " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الحرم فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن " وموضع تقرير هذه المسألة في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى.
وقال البخاري: ثنا سعيد بن شرحبيل ثنا الليث عن المقبري عن أبي شريح الخزاعي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: إئذن لي أيها الامير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس، فليبلغ الشاهد الغائب " فقيل لابي شريح ماذا قال لك عمرو ؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يأبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا نارا بدم، ولا نارا بخربة (1).
وروى البخاري أيضا ومسلم عن قتيبة عن الليث بن سعد به نحوه.
وذكر ابن إسحاق أن رجلا يقال له ابن الاثوغ قتل رجلا في الجاهلية من خزاعة يقال له أحمر بأسا (2)، فلما كان يوم الفتح قتلت خزاعة ابن الاثوغ وهو بمكة قتله خراش بن أمية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل لقد كثر القتل إن نفع لقد قتلتم رجلا لادينه " قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن حرملة الاسلمي عن سعيد بن
المسيب قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية قال " إن خراشا لقتال " وقال ابن
__________
= مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلا من الحلفاء في الوقود.
(1) بخربة: من البخاري، وفي الاصل بجزية تحريف.
والخربة بفتح الخاء واسكان الراء، وأصلها سرقة الابل، وتطلق على كل خيانة.
قال أبو عبد الله: الخربة: البلية، وقال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو العاصي المفسد في الارض.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي الحديث 4925 ورواه في كتاب الحج - باب لا يعضد شجرة الحرم، عن قتيبة.
ومسلم في (15) كتاب الحج (82) باب تحريم مكة وصيدها (ح: 446).
(2) أحمر بأسا: قال أبو ذر اسم مركب كتأبط شراء.
وابن الاثوغ في ابن هشام ابن الاثوع وفي الواقدي: جنيدب بن الادلع الهذلي.

اسحاق: وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي قال: لما قدم عمرو بن الزبير (1) مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير جئته فقلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فقال " يأيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والارض فهي حرام من حرام الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا، لم تحل لاحد كان قبلي، ولا تحل لاحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها، ألا ثم قد رجعت كحرمتها بالامس، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، فلقد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لادينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين: إن شاؤوا فدم قاتله وإن شاؤوا فعقله " ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة، فقال عمرو لابي شريح: انصرف أيها
الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك، إنها لا تمنع سافك دم، ولا خالع طاعة، ولا مانع جزية، فقال أبو شريح: إني كنت شاهدا وكنت غائبا، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد أبلغتك، فأنت وشأنك.
قال ابن هشام: وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الفتح جنيدب بن الاكوع قتله بنو كعب فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة ناقة (2).
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى، عن حسين، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: لما فتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كفوا السلاح إلا خزاعة من بني بكر " فأذن لهم حتى صلى العصر ثم قال " كفوا السلاح " فلقي رجل من خزاعة رجلا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال - فرأيته وهو مسند ظهره إلى الكعبة قال - " إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية " وذكر تمام الحديث وهذا غريب جدا.
وقد روى أهل السنن بعض هذا الحديث فأما ما فيه من أنه رخص لخزاعة أن تأخذ بثأرها من بني بكر إلى العصر من يوم الفتح فلم أره إلا في هذا الحديث وكأنه إن صح من
__________
(1) قال السهيلي: هذا وهم من ابن هشام وصوابه: عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية وهو الاشدق.
(الروض 2 / 277).
قال ابن الاعثم في الفتوح: كان عمرو بن سعيد بن العاص أميرا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية، وكان عمرو بن الزبير - أخا عبد الله بن الزبير - من أشد الناس عداوة له، وكان بنو أمية يكرمونه فدعاه عمرو بن سعيد فعقد له عقدا وضم إليه جيشا كثيفا ووجه به لمحاربة أخيه عبد الله بن الزبير، واقتتلا وكان عمرو فيمن أسر يومذاك فقال له عبد الله: قبحك الله من أخ وذي رحم.
(ج 5 / 284 - 285).
ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج عن المسعودي الخبر لكنه ذكر أن أمير المدينة كان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (ج 4 / 495).
(2) سيرة ابن هشام ج 5 / 57 - 58.

باب الاختصاص لهم مما كانوا أصابوا منهم ليلة الوتير والله أعلم.
وروى الامام أحمد عن يحيى بن
سعيد، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن هرون، ومحمد بن عبيد كلهم عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي، عن الحارث بن مالك بن البرصا الخزاعي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة " لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة " ورواه الترمذي عن بندار عن يحيى بن سعيد القطان به وقال حسن صحيح.
قلت: فإن كان نهيا فلا إشكال، وإن كان نفيا فقال البيهقي معناه على كفر أهلها وفي صحيح مسلم من حديث زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع عن أبيه مطيع ابن الاسود العدوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم إلى يوم القيامة " (1) والكلام عليه كالاول سواء.
قال ابن هشام: وبلغني [ عن يحيى بن سعيد ] (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها قام على الصفا يدعو [ الله ] وقد أحدقت به الانصار، فقالوا فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها ؟ فلما فرغ من دعائه قال: " ماذا قلتم ؟ " قالوا لا شئ يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم " وهذا الذي علقه ابن هشام قد أسنده الامام أحمد بن حنبل في مسنده فقال ثنا بهز وهاشم قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت.
وقال هاشم حدثني ثابت البناني ثنا عبد الله بن رباح قال: وفدت وفود إلى معاوية أنا فيهم وأبو هريرة وذلك في رمضان، فجعل بعضنا يصنع لبعض الطعام، قال وكان أبو هريرة يكثر ما يدعونا، قال هاشم يكثر أن يدعونا إلى رحله، قال فقلت ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي ؟ قال فأمرت بطعام يصنع فلقيت أبا هريرة من العشاء قال: قلت: يا أبا هريرة الدعوة (3) عندي الليلة قال استبقني (4) قال هاشم: قلت: نعم فدعوتهم فهم عندي.
فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الانصار قال: فذكر فتح مكة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة قال: فبعث الزبير على أحد المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الاخرى وبعث أبا عبيدة على الجسر (5) وأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته، وقد وبشت قريش أوباشها، قال: قالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شئ كنا معهم وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا، قال أبو هريرة فنظر
فرآني فقال " يا أبا هريرة " فقلت لبيك رسول الله، فقال " اهتف لي بالانصار ولا يأتيني إلا
__________
(1) أخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد 33 باب (الحديث 88) والبيهقي في الدلائل ج 5 / 75 و 76.
(2) سقطت من الاصل واستدركت من ابن هشام.
ج 4 / 59.
(3) في الاصل: الدعوى.
(4) في الاصل استبقني.
(5) في الواقدي: على الحسر.

أنصاري " فهتفت بهم فجاؤوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أترون إلى أوباش قريش واتباعهم ؟ " ثم قال بيديه إحداهما على الاخرى " أحصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا " قال: فقال أبو هريرة: فانطلقنا فما يشاء واحد منا أن يقتل منهم ما شاء، وما أحد منهم يوجه إلينا منهم شيئا، قال فقال أبو سفيان: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " قال فغلق الناس أبو ابهم، قال وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال وفي يده قوس آخذ بسية القوس، قال فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه قال فجعل يطعن بها في عينه ويقول " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " قال ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه، قال والانصار تحت قال يقول بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته.
قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا، فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضى.
قال هاشم: فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال: " يا معشر الانصار أقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته ؟ " قالوا قلنا ذلك يا رسول الله، قال " فما أسمي إذا، كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم " قال: فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، قال فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم " وقد رواه مسلم والنسائي من حديث سليمان ابن المغيرة زاد النسائي وسلام بن مسكين ورواه مسلم أيضا من حديث حماد بن سلمة ثلاثتهم عن ثابت عن عبد الله بن رباح الانصاري نزيل البصرة عن أبي هريرة به نحوه.
وقال ابن هشام: وحدثني - يعني بعض أهل العلم - أن فضالة بن عمير بن الملوح - يعني الليثي - أراد قتل النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " أفضالة ؟ " قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال " ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ " قال: لا شئ كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " استغفر الله " ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شئ أحب إلي منه، قال فضالة فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت هلم إلى الحديث ؟ فقال لا، وانبعث فضالة يقول: قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والاسلام أو ما رأيت محمدا وقبيله * بالفتح يوم تكسر الاصنام لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الاظلام قال ابن اسحق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة (1) قالت:
__________
(1) سقطت من ابن هشام.

خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر، فأمنه يا رسول الله صلى الله عليك فقال " هو آمن " فقال يا رسول الله فاعطني آية يعرف بها أمانك ؟ فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب في البحر فقال: يا صفوان فداك أبي وأمي الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئتك به، قال: ويلك أعزب عني فلا تكلمني قال: أي صفوان، فداك أبي وأمي أفضل
الناس وأبر الناس، وأحلم الناس وخير الناس ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك ؟ قال: إني أخافه على نفسي، قال: هو أحلم من ذلك وأكرم.
فرجع معه، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان: إن هذا يزعم أنك قد أمنتني ؟ قال " صدق " قال فاجعلني بالخيار فيه شهرين ؟ قال " أنت بالخيار أربعة أشهر " ثم حكى ابن اسحاق عن الزهري: أن فاختة بنت الوليد، امرأة صفوان وأم حكيم بنت الحارث بن هشام، امرأة عكرمة بن أبي جهل وقد ذهبت وراءه إلى اليمن فاسترجعته فأسلم، فلما أسلما أقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتهما بالنكاح الاول.
قال ابن اسحاق: وحدثني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت قال: رمى حسان بن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاد عليه: لا تعد من رجلا أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم (1) فلما بلغ ذلك ابن الزبعري خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال حين أسلم: يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغي * ي ومن مال ميله مثبور (2) آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور قال ابن اسحاق: وقال عبد الله بن الزبعري أيضا حين أسلم: منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم مما أتاني.
أن احمد لامني * فيه فبت كأنني محموم يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم (3) إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
__________
(1) أحذ: المنقطع القليل.
وقد يكون معناه: عيش لئيم جدا (شرح أبي ذر).
(2) مغرور وتروى مثبور أي هالك.
(3) عيرانة: الناقة الشديدة والنشيطة والتي تشبه العير في نشاطه.

أيام تأمرني بأغوى خطة * سهم وتأمرني بها مخزوم وأمد أسباب الردى ويقودني * أمر الغواة وأمرهم مشؤوم فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم مضت العداوة وانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم فاغفر فدى لك والدي كلاهما * زللي فإنك راحم مرحوم وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم أعطاك بعد محبة برهانه * شرفا وبرهان الاله عظيم ولقد شهدت بأن دينك صادق * حق وأنك في المعاد جسيم والله يشهد أن أحمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرى وأروم قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له.
قلت: كان عبد الله بن الزبعرى السهمي من أكبر أعداء الاسلام ومن الشعراء الذين استعملوا قواهم في هجاء المسلمين، ثم من الله عليه بالتوبة والانابة والرجوع إلى الاسلام والقيام بنصره والذب عنه.
فصل قال ابن اسحاق: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف، من بني سليم سبعمائة ويقول بعضهم ألف، ومن بني غفار أربعمائة [ ومن أسلم أربعمائة ] (1) ومن مزينة ألف وثلاثة نفر، وسائرهم من قريش والانصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد (2).
وقال عروة والزهري وموسى بن عقبة: كان المسلمون يوم الفتح الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا فالله أعلم.
قال ابن اسحاق: وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت (3):
عفت ذات الاصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء (4)
__________
(1) من ابن هشام.
(2) ذكر الواقدي: سبعمائة من المهاجرين وأربعة آلاف من الانصار ومزينة في ألف وأسلم أربعمائة ومن جهينة ثمانمائة ومن بني كعب بن عمرو خمسمائة، قال وكانوا: عشرة آلاف.
(3) القصيدة في ديوانه باختلاف: بزيادة أبيات، وتغيير في ترتيب بعض الابيات واختلاف في الالفاظ وسنلاحظ ذلك فيما سيأتي.
(4) الاصابع والجواء والعذراء: مواضع بالشام.
وبالجواء كان منزل الحارث بن أبي شمر الغساني.

ديار من بني الحسحاس قفر * تعفيها الروامس والسماء وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء فدع هذا ولكن من لطيف * يؤرقني إذا ذهب العشاء لشعثاء التي قد تيمته * فليس لقلبه منها شفاء (1) كأن خبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء (2) إذا ما الاشربات ذكرن يوما * فهن لطيب الراح الفداء نوليها الملامة إن ألمنا * إذا ما كان مغت أو لخاء (3) ونشر بها فتتركنا ملوكا * وأسدا ما ينهنها اللقاء عدمنا خيلنا إن لم تروها * تشير النقع موعدها كداء ينازعن الاعنة مصغيات * على أكتافها الاسل الظماء تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء فإما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فأصبروا لجلاد يوم * يعز (4) الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبدا * يقول الحق إن نفع البلاء شهدت به فقوموا (5) صدقوه * فقلتم لا نقوم ولا نشاء وقال الله قد سيرت جندا * هم الانصار عرضتها اللقاء لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء فنحكم بالقوافي من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء بأن سيوفنا تركتك عبدا * وعبد الدار سادتها الاماء (6) هجوت محمدا فأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
__________
(1) شعثاء هي بنت سلام بن مشكم اليهودي كما في السهيلي، وقيل هي امرأة من خزاعة قاله ابن الاعرابي.
(2) بيت رأس: موضع بالارض مشهور بالخمر الجيدة، وبعده في ديوانه: على أنيابها أو طعم غض * من التفاح هصره اجتناء (3) المنا: فعلنا ما نستحق عليه اللوم.
والمغت: الضرب باليد، اللحاء: السباب.
(4) وفي رواية: بعين الله.
(5) في الديوان: وقومي.
(6) البيت في الديوان وروايته فيه: ألا أبلغ أبا سفيان عني * فأنت مجوف نخب هواء

أتهجوه ولست له بكف ء * فشركما لخيركما الفداء هجوت مباركا برا حنيفا * أمين الله شيمته الوفاء أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء لساني صارم لا غيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء
قال ابن هشام: قالها حسان قبل الفتح.
قلت: والذي قاله متوجه لما في اثناء هذه القصيدة مما يدل على ذلك وأبو سفيان المذكور في البيت هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
قال ابن هشام: وبلغني عن الزهري أنه قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر رضي الله عنه.
قال ابن اسحاق: وقال أنس بن زنيم الدئلي يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي - يعني لما جاء يستنصر عليهم - كما تقدم: أأنت الذي تهدى معد بأمره * بل الله يهديهم وقال لك اشهد وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد أحث على خير وأسبغ نائلا * إذا راح كالسيف الصقيل المهند وأكسى لبرد الخال (1) قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد تعلم رسول الله أنك مذركي * وأن وعيدا منك كالاخذ باليد تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد تعلم أن الركب ركب عويمر * هموا الكاذبون المخلفوا كل موعد ونبوا رسول الله أني هجوته * فلا حملت سوطي إلي إذن يدي سوى أنني قد قلت ويل أم فتية * أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد أصابهموا من لم يكن لدمائهم * كفاء فعزت عبرتي وتبلدي وإنك قد أخبرت أنك ساعيا * بعبد بن عبد الله وابنة مهود ذؤيب وكلثوم وسلمى تتابعوا * جميعا فإن لا تدمع العين أكمد وسلمى وسلمى ليس حي كمثله * وإخوته وهل ملوك كأعبد ؟ فإني لا ذنبا (2) فتقت ولا دما * هرقت تبين عالم الحق واقصد قال ابن إسحاق: وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح:
__________
(1) الخال: ضرب من برود اليمن، وهو من رفيع الثياب.
(2) في ابن هشام: لا دينا.

نفى أهل الحبلق (1) كل فج * مزينة غدوة وبنو خفاف ضربناهم بمكة يوم فتح الن * بي الخير بالبيض الخفاف صبحناهم بسبع من سليم * وألف من بني عثمان واف نطأ أكتافهم ضربا وطعنا * ورشقا بالمريشة اللطاف ترى بين الصفوف لها حفيفا * كما انصاع الفواق من الرصاف (2) فرحنا والجياد تجول فيهم * بأرماح مقومة الثقاف فأبنا غانمين بما اشتهينا * وآبوا نادمين على الخلاف وأعطينا رسول الله منا * مواتقنا على حسن التصافي وقد سمعوا مقالتنا فهموا * غداة الروع منا بانصراف وقال ابن هشام وقال عباس بن مرداس السلمي في فتح مكة: منا بمكة يوم فتح محمد * ألف تسيل به البطاح مسوم نصروا الرسول وشاهدوا آياته * وشعارهم يوم اللقاء مقدم في منزل ثبتت به أقدامهم * ضنك كأن الهام فيه الحنتم جرت سنابكها بنجد قبلها * حتى استقام لها الحجاز الادهم الله مكنه له وأذله * حكم السيوف لنا وجد مزحم عود الرياسة شامخ عرنينه * متطلع ثغر المكارم خضرم وذكر ابن هشام في سبب إسلام عباس بن مرداس أن أباه كان يعبد صنما من حجارة يقال له ضمار فلما حضرته الوفاة أوصاه به، فبينما هو يوما يخدمه إذ سمع صوتا من جوفه وهو يقول: قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتدي
أودى ضمار وكان يعبد مدة * قبل الكتاب إلى النبي محمد قال فحرق عباس ضمار ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وقد تقدمت هذه القصة بكمالها في باب هواتف الجان مع أمثالها وأشكالها ولله الحمد والمنة.
__________
(1) الحبلق: قال السهيلي: أرض يسكنها قبائل من مزينة وقيس.
والحبلق: الغنم الصغار ولعله أراد بقوله: أهل الحبلق: أصحاب الغنم.
وبنو خفاف: بطن من سليم.
(2) الفواق: هنا، طرف السهم الذي يلي الوتر، والرصاف: جمع رصفة وهي عصبة تلوى على فوق السهم

بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة قال ابن إسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب وسليم بن منصور، ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا: قال ابن اسحاق: وحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال: لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الاسار، وما بعد الاسار إلا ضرب الاعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا.
قال: فأخذه رجال من قومه، فقالوا: يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب.
وأمن الناس، فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه، ووضع القوم سلاحهم لقول خالد.
قال ابن إسحاق: فقال حكيم بن حكيم عن أبي جعفر قال: فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل أنكر عليه أحد ؟ " فقال: نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه
خالد فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فاشتدت مراجعتهما، فقال عمر بن الخطاب: أما الاول يا رسول الله فابني عبد الله، وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة.
قال ابن اسحاق: فحدثني حكيم بن حكيم عن أبي جعفر قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال " يا علي، أخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك " فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء، وما أصيب لهم من الاموال، حتى أنه ليدي ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شئ من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يود لكم ؟ قالوا: لا، قال فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون.
ففعل، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فقال " أصبت وأحسنت " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد " ثلاث مرات.
قال ابن إسحاق: وقد قال بعض من يعذر خالدا أنه قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام.
قال ابن هشام: قال أبو عمرو المديني: لما أتاهم خالد بن الوليد قالوا: صبأنا صبأنا (1).
وهذه مرسلات ومنقطعات.
وقد قال الامام
__________
(1) خبر إرسال خالد إلى جذيمة في سيرة ابن هشام 4 / 73.

أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني - أحسبه قال - جذيمة فدعاهم إلى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ بهم أسرا وقتلا، قال ودفع إلى كل رجل منا أسيرا حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، قال ابن عمر فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره، قال فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا صنيع خالد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد "
مرتين.
ورواه البخاري (1) والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه.
قال ابن إسحاق: وقد قال لهم جحدم لما رأى ما يصنع خالد: يا بني جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم مما وقعتم فيه.
قال ابن إسحاق: وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف - فيما بلغني - كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الاسلام ؟ فقال إنما ثأرت بأبيك، فقال عبد الرحمن كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " مهلا يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته " ثم ذكر ابن إسحاق قصة الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم عم خالد بن الوليد في خروجه هو وعوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، ومعه ابنه عبد الرحمن وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ومعه ابنه عثمان في تجارة إلى اليمن، ورجوعهم ومعهم مال لرجل من بني جذيمة كان هلك باليمن فحملوه إلى ورثته فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام، ولقيهم بأرض بني جذيمة فطلبه منهم [ قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ] (2) فأبوا عليه، فقاتلهم فقاتلوه حتى قتل عوف والفاكه وأخذت أموالهما وقتل عبد الرحمن قاتل أبيه خالد بن هشام، وفر منهم عفان ومعه ابنه عثمان إلى مكة، فهمت قريش بغزو بني جذيمة فبعث بنو جذيمة يعتذرون إليهم بأنه لم يكن عن ملا منهم وودوا لهم القتيلين وأموالهما ووضعوا الحرب بينهم (3)، يعنى فلهذا قال خالد لعبد الرحمن إنما ثأرت أبيك يعني حين قتلته بنو جذيمة، فأجابه بأنه قد أخذ ثأره وقتل قاتله ورد عليه بأنه إنما ثأر بعمه الفاكه بن المغيرة حين قتلوه وأخذوا أمواله، والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الاسلام وأهله وإن كان قد أخطأ في أمر، واعتقد
__________
(1) قال ابن سعد في الطبقات: وكانوا بأسفل مكة على ليلة ناحية يلملم في شوال سنة ثمان، وهو يوم الغميصاء، وخرج خالد إليهم في ثلاثمائة وخمسين رجلا، من المهاجرين والانصار وبني سليم.
(2 / 147) وفي رواية له: ص 884 قال: قتل منهم قريبا من ثلاثين رجلا.
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (58) باب الحديث (4339)، ورواه الواقدي في مغازيه 2 / 880 - 881.
(2) من ابن هشام.
(3) سيرة ابن هشام ج 4 / 74.

أنهم ينتقصون الاسلام بقولهم صبأنا صبأنا، ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الاسرى أيضا، ومع هذا لم يعزله رسول الله صلى الله عليه وسلم بل استمر به أميرا وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك وودى ما كان جناه خطأ في دم أو مال ففيه دليل لاحد القولين بين العلماء في أن خطأ الامام يكون في بيت المال لا في ماله والله أعلم.
ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك بن نويرة أيام الردة، وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه، واصطفى امرأته أم تميم فقال له عمر بن الخطاب: أعزله فإن في سيفه رهقا فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين وقال ابن اسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الاخنس، عن الزهري، عن ابن أبي حدرد الاسلمي قال: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد، فقال فتى من بني جذيمة، وهو في سني، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: يا فتى، قلت: ما تشاء ؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هذه النسوة، حتى أقضي إليهن حاجة ثم تردني بعد، فتصنعوا ما بدالكم ؟ قال: قلت: والله ليسير ما طلبت، فأخذت برمته فقدته بها، حتى وقفته عليهن فقال: اسلمي حبيش على نفد [ من ] العيش: أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق (1) ألم يك أهلا أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق (2) فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن يشحط النوى * وينأى الامير بالحبيب المفارق فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق (3) قالت: وأنت فحييت عشرا وتسعا وترا وثمانية تترى.
قال: ثم انصرفت به فضربت
عنقه.
قال ابن إسحاق: فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الاسلمي، عن أشياخ منهم، عمن كان حضرها منهم، قالوا: فقامت إليه حين ضربت عنقه فأكبت عليه، فما زالت تقبله حتى ماتت عنده (4).
وروى الحافظ البيهقي: من طريق الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، أنه سمع رجلا من مزينة يقال له ابن عصام (5) عن أبيه قال: كان رسول الله
__________
(1) حلية والخوانق: موضعان بتهامة.
(حلية.
واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة.
والخوانق بلد في ديار فهم معجم البلدان - معجم ما استعجم).
(2) الودائق: جمع وديقة.
وهي شدة الحر في نصف النهار.
(3) التوامق: الحب والود.
في هذا البيت والذي قبله إقواء.
(4) سيرة ابن هشام ج 4 / 76 وروى الواقدي خبره مطولا باختلاف بسيط 2 / 879.
(5) في ابن سعد: عبد الله بن عصام المزني .

صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قال " إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا " قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا بذلك فخرجنا قبل تهامة، فأكدرنا رجلا يسوق بظعائن فقلنا له أسلم، فقال: وما الاسلام ؟ فأخبرناه به فإذا هو لا يعرفه، قال: أفرأيتم إن لم أفعل ما أنتم صانعون ؟ قال: قلنا نقتلك، فقال: فهل أنتم منظري حتى أدرك الظعائن ؟ قال: قلنا نعم ونحن مدركوك، قال: فأدرك الظعائن فقال: اسلمي حبيش قبل نفاد العيش، فقالت الاخرى: اسلم عشرا وتسعا وترا وثمانيا تترى.
ثم ذكر الشعر المتقدم إلى قوله: وينأى الامير بالحبيب المفارق، ثم رجع إلينا فقال شأنكم قال: فقدمناه فضربنا عنقه قال: فانحدرت الاخرى من هودجها فجثت عليه حتى ماتت.
ثم روى البيهقي: من طريق أبي عبد الرحمن النسائي، ثنا محمد بن علي بن حرب المروزي، ثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل، فقال لهم: إني لست منهم إني عشقت امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها نظرة، ثم اصنعوا بي ما بدا لكم،
قال: فإذا امرأة أدماء طويلة، فقال لها: أسلمي حبيش قبل نفاد العيش.
ثم ذكر البيتين بمعناهما.
قال: فقالت: نعم فديتك، قال: فقدموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين، ثم ماتت، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال " أما كان فيكم رجل رحيم " (1).
بعث خالد بن الوليد لهدم العزى قال ابن جرير (2): وكان هدمها لخمس بقين من رمضان عامئذ.
قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى وكانت بيتا بنخلة يعظمه قريش وكنانة ومضر، وكان سدنتها وحجابها من بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم، فلما سمع حاجبها السلمي بمسير خالد بن الوليد إليها علق سيفه عليها ثم اشتد (3) في الجبل الذي هي فيه وهو يقول: أيا عز شدي شدة لا شوى لها * على خالد ألقي القناع وشمري أيا عز إن لم تقتلي المرء خالدا * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري قال: فلما انتهى خالد إليها هدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الواقدي
__________
(1) الخبران أخرجهما البيهقي في الدلائل ج 5 / 117 - 118.
وأخرج ابن سعد خبر ابن مساحق ج 2 / 149 وفي نهايته قال: فجعلت ترشفه حتى ماتت عليه.
وكانت امرأة كثيرة النحض - يعني اللحم.
(2) تاريخ الطبري 3 / 133.
(3) في الطبري وابن هشام والواقدي: اسند: أي ارتفع فيه.
وقال الواقدي: سادنها اسمه أفلح بن نضر الشيباني من بني سليم.

وغيره أنه لما قدمها خالد لخمس بقين من رمضان فهدمها ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما رأيت ؟ " قال لم أر شيئا فأمره بالرجوع فلما رجع خرجت إليه من ذلك البيت امرأة سوداء ناشرة شعرها تولول فعلاها بالسيف وجعل يقول: يا عزى كفرانك لا سبحانك * إني رأيت (1) الله قد أهانك
ثم خرب ذلك البيت الذي كانت فيه وأخذ ما كان فيه من الاموال رضي الله عنه وأرضاه، ثم رجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " تلك العزى ولا تعبد أبدا " وقال البيهقي: أنبأ محمد بن أبي بكر الفقيه، أنبأ محمد بن أبي جعفر، أنبأ أحمد بن علي، ثنا أبو كريب، عن ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال " ارجع فإنك لم تصنع شيئا " فرجع خالد فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها أمعنوا هربا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه يا عزى عوريه وإلا فموتي برغم.
قال: فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها ووجهها فعممها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: " تلك العزى " (5).
فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة لا خلاف أنه عليه الصلاة والسلام أقام بقية شهر رمضان يقصر الصلاة ويفطر، وهذا دليل من قال من العلماء: إن المسافر إذا لم يجمع الاقامة فله أن يقصر ويفطر إلى ثماني عشر يوما في أحد القولين وفي القول الآخر كما هو مقرر في موضعه.
قال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان ح وحدثنا قبيصة ثنا سفيان، عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك قال: أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرا يقصر الصلاة وقد رواه بقية الجماعة من طرق متعددة عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي البصري عن أنس به نحوه.
قال البخاري ثنا عبد ان، ثنا عبد الله أنبأ عاصم عن عكرمة عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يوما يصلي ركعتين (1).
ورواه البخاري أيضا من وجه آخر زاد البخاري: وأبو حصين كلاهما وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عاصم بن سليمان الاحول، عن عكرمة عن ابن عباس به وفي لفظ لابي داود سبعة عشر يوما (4).
وحدثنا أحمد بن يونس، ثنا أحمد بن شهاب، عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس
__________
(1) في الواقدي: إني وجدت.
وانظر الخبر فيه مطولا ج 2 / 873 - 874.
(2) دلائل النبوة ج 5 / 77 ونقل الصالحي عنه وعن الواقدي وابن سعد وابن اسحاق في السيرة الشامية (6 / 300).
(3) فتح الباري 8 / 21 حديث رقم 4299 كتاب المغازي - باب فتح مكة.
(4) فتح الباري 8 / 21 وسنن أبي داود 2 / 10 الحديث رقم (1230).

قال: أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة.
قال ابن عباس: فنحن نقصر ما بقينا بين تسع عشرة، فإذا زدنا أتممنا.
وقال أبو داود: ثنا ابراهيم بن موسى، ثنا ابن علية، ثنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن عمران بن حصين قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح فأقام ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول " يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا [ قوم ] سفر " (1) وهكذا رواه الترمذي من حديث علي بن زيد بن جدعان وقال هذا حديث حسن.
ثم رواه: من حديث محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح حمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ثم قال رواه غير واحد عن ابن إسحاق لم يذكروا ابن عباس (2).
وقال ابن ادريس عن محمد بن اسحاق عن الزهري ومحمد بن علي بن الحسين وعاصم بن عمرو بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر (3) وعمرو بن شعيب وغيرهم قالوا: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة.
فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الاحكام قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلم، عن مالك بن شهاب، عن عروة، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الليث، حدثني يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة، وقال عتبة إنه ابني، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد بن أبي وقاص: هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه، قال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا أخي هذا ابن زمعة ولد على فراشه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد على فراشه " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" احتجبي منه يا سودة " لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص.
قال ابن شهاب: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " قال ابن شهاب: وكان أبو هريرة يصرح بذلك (4).
وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والترمذي جميعا عن قتيبة عن الليث به.
وابن ماجه من حديثه وانفرد البخاري بروايته له من حديث مالك عن الزهري.
ثم قال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل، أنبأ عبد الله، أنا يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه
__________
(1) سنن أبي داود (ج 2 / 9 - 10) الحديث (1229).
(2) سنن أبي داود ج 2 / 10 (الحديث رقم 1231).
(3) الخبر في دلائل البيهقي ج 5 / 106 وفيه: عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي رهم.
(4) رواه البخاري في كتاب المغازي الحديث (4302) فتح الباري (8 / 24) وفي بدايته قال: عبد الله بن مسلمة

قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " أتكلمني في حد من حدود الله ؟ " فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال " أما بعد فإنما هلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها.
فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: كانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وقد رواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة به.
وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخل مكة ثم لم يخرج حتى نهى عنها.
وفي رواية فقال " ألا إنها حرام حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة " وفي رواية في مسند أحمد والسنن أن ذلك كان في حجة الوداع فالله أعلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد، عن عبد الواحد بن
زياد، عن أبي العميس عن أياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه أنه قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في متعة النساء ثلاثا ثم نهانا عنه.
قال البيهقي: وعام أوطاس هو عام الفتح فهو وحديث سبرة سواء (2).
قلت: من أثبت النهي عنها في غزوة خيبر قال إنها ابيحت مرتين، وحرمت مرتين، وقد نص على ذلك الشافعي وغيره.
وقد قيل إنها أبيحت وحرمت أكثر من مرتين فالله أعلم.
وقيل إنها إنما حرمت مرة واحدة وهي هذه المرة في غزوة الفتح، وقيل إنها إنما أبيحت للضرورة فعلى هذا إذا وجدت ضرورة أبيحت وهذا رواية عن الامام أحمد وقيل بل لم تحرم مطلقا وهي على الاباحة هذا هو المشهور عن ابن عباس وأصحابه وطائفة من الصحابة وموضع تحرير ذلك في الاحكام.
فصل قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج، أنبأ عبد الله بن عثمان بن خثيم أن محمد بن الاسود بن خلف أخبره: أن أباه الاسود رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع الناس يوم الفتح، قال جلس عند قرن مستقبله (3) فبايع الناس على الاسلام والشهادة قلت وما الشهادة ؟ قال أخبرني
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (53) باب الحديث 4304 فتح الباري 8 / 24.
وأخرجه في كتاب الانبياء.
(54) باب.
وأخرجه في كتاب الحدود (12) باب.
وأخرجه مسلم في 29 كتاب الحدود (2) باب قطع السارق الشريف وغيره (الحديث رقم 8).
(2) الحديث في صحيح مسلم في 16 كتاب النكاح (3) باب نكاح المتعة الحديث (18).
(3) في البيهقي: مسفلة، وفي أسد الغابة مصقلة.
وفي مسند أحمد: مسقلة، وفي تاج العروس: مسفلة: وهي محلة بأسفل مكة.
وقال البيهقي: وقرن مسفلة: الذي إليه بيوت ابن أبي ثمامة، وهو دار ابن سمرة وما حولها

محمد بن الاسود بن خلف أنه بايعهم على الايمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله تفرد به أحمد (1) وعند البيهقي: فجاءه الناس الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم على الاسلام والشهادة.
وقال ابن جرير: ثم اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام
فجلس لهم - فيما بلغني - على الصفا وعمر بن الخطاب أسفل من مجلسه، فأخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، قال: فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لحدثها، لما كان من صنيعها بحمزة فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدثها ذلك، فلما دنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعهن قال " بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا " فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه من الرجال ؟ " ولا تسرقن " فقالت: والله إني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري أكان ذلك علينا حلالا أم لا ؟ فقال أبو سفيان - وكان شاهدا لما تقول - أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإنك لهند بنت عتبة ؟ " قالت: نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك ثم قال " ولا يزنين " فقالت: يا رسول الله وهل تزني الحرة ؟ ثم قال " ولا تقتلن أولادكن " قالت: قد ربيناهم صغارا حتى قتلتهم أنت وأصحابك ببدر كبارا (2) فضحك عمر بن الخطاب حتى استغرق.
ثم قال " ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن " فقلت: والله إن إتيان البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل.
ثم قال " ولا يعصينني " فقالت (3): في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر " بايعهين واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم " فبايعهن عمر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ولا يمس إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه.
وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط وفي رواية ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول " إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة " وفي الصحيحين عن عائشة أن هندا بنت عتبة امرأة أبي سفيان أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني فهل علي من حرج إذا أخذت من ماله بغير علمه ؟ قال خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك.
وروى البيهقي من طريق يحيى بن بكير، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله ما كان مما على وجه الارض أخباء أو خباء - الشك من أبي بكر - أحب إلي من أن يذلوا من أهل أخبائك - أو خبائك - ثم ما أصبح اليوم على ظهر الارض أهل أخباء أو خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل
أخبائك، أو خبائك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأيضا والذي نفس محمد بيده " قالت: يا رسول
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 3 / 415.
ودلائل البيهقي ج 5 / 94.
(2) العبارة في الطبري: قد ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا فأنت وهم أعلم.
(3) العبارة في الطبري: ولا تعصينني في معروف، قالت: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف

الله إن أبا سفيان رجل شحيح (1) فهل علي حرج أن أطعم من الذي له ؟ قال " لا بالمعروف " (2) ورواه البخاري عن يحيى بن بكير بنحوه وتقدم ما يتعلق باسلام أبي سفيان وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم الا فانفروا " (3) ورواه البخاري عن عثمان بن أبي شيبة، ومسلم عن يحيى بن يحيى عن جرير.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا وهب، ثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن صفوان بن أمية: أنه قيل له إنه لا يدخل الجنة إلا من هاجر فقلت له: لا أدخل منزلي حتى أسأل رسول الله ما سأله فأتيته فذكرت له فقال " لا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا " تفرد به أحمد.
وقال البخاري: ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا الفضيل بن سليمان، ثنا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن مجاشع بن مسعود قال: انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة فقال " مضت الهجرة لاهلها أبايعه على الاسلام والجهاد " فلقيت أبا معبد فسألته فقال: صدق مجاشع (4).
وقال خالد عن أبي عثمان عن مجاشع أنه جاء بأخيه مجالد.
وقال البخاري: ثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير، ثنا عاصم، عن أبي عثمان قال: حدثني مجاشع قال: أتيت رسول الله بأخي بعد يوم الفتح فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة قال " ذهب أهل الهجرة بما فيها " فقلت على أي شئ تبايعه ؟ قال " أبايعه على الاسلام والايمان والجهاد " فلقيت أبا معبد بعد وكان أكبرهما سنا فسألته فقال: صدق مجاشع.
وقال البخاري: ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن
أبي بشر عن مجاهد قال: قلت لابن عمر: أريد أن أهاجر إلى الشام ؟ فقال: لا هجرة ولكن انطلق فأعرض نفسك فإن وجدت شيئا وإلا رجعت.
وقال أبو النصر أنا شعبة أنا أبو بشر سمعت مجاهدا قال: قلت لابن عمر فقال: لا هجرة اليوم - أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - مثله.
حدثنا إسحاق بن يزيد، ثنا يحيى بن حمزة، حدثني أبو عمرو الاوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد ابن جبير أن عبد الله بن عمر قال: لا هجرة بعد الفتح.
وقال البخاري: ثنا إسحاق بن يزيد أنا يحيى بن حمزة أنا الاوزاعي عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير فسألها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم.
وكان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله عزوجل وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الاسلام فالمؤمن يعبد ربه حيث يشاء ولكن جهاد ونية.
__________
(1) في البيهقي: رجل ممسك.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 100 وفيه: لا إلا بالمعروف.
ورواه البخاري في 83 كتاب الايمان والنذور (83) باب الحديث (6641).
(3) الحديث أخرجه البخاري في 56 كتاب الجهاد - 194 باب لا هجرة بعد الفتح.
وأخرجه مسلم في 33 كتاب الامارة (20) باب الحديث (85).
(4) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي (53) باب.
وأخرجه مسلم في كتاب الامارة حديث 84.

وهذه الاحاديث والآثار دالة على أن الهجرة إما الكاملة أو مطلقا قد انقطعت بعد فتح مكة لان الناس دخلوا في دين الله أفواجا وظهر الاسلام، وثبتت أركانه ودعائمه فلم تبق هجرة، اللهم إلا أن يعرض حال يقتضي الهجرة بسبب مجاورة أهل الحرب وعدم القدرة على إظهار الدين عندهم فتجب الهجرة إلى دار الاسلام، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء ولكن هذه الهجرة ليست كالهجرة قبل الفتح، كما أن كلا من الجهاد والانفاق في سبيل الله مشروع ورغب فيه إلى يوم القيامة وليس كالانفاق ولا الجهاد قبل الفتح فتح مكة.
قال الله تعالى (لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) الآية
[ سورة الحديد: 10 ] وقد قال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي عن (1) أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما نزلت هذه السورة " إذا جاء نصر الله والفتح " قرأها رسول الله حتى ختمها وقال: " الناس خير وأنا وأصحابي خير " وقال " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " فقال له مروان كذبت، وعنده: رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير، فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك.
قالا: صدق.
تفرد به أحمد.
وقال البخاري: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنه أدخلني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال ما تقولون في قول الله عزوجل (إذا جاء نصر الله والفتح) فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا بن عباس ؟ فقلت لا، فقال ما تقول ؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال (إذا جاء نصر الله والفتح) فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما يقول (2).
تفرد به البخاري وهكذا روي من غير وجه عن ابن عباس أنه فسر ذلك بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أجله.
وبه قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد كما قال ابن عباس وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
فأما الحديث الذي قال الامام أحمد: ثنا محمد بن فضيل، ثنا عطاء، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما: نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعيت إلي نفسي " بأنه مقبوض في تلك السنة.
تفرد به الامام أحمد
__________
(1) هكذا سياق الحديث في نسخة دار الكتب والتيمورية، أقول: أبو البختري لم يسمع من أبي سعيد والحديث نقله البيهقي بهذا الاسناد في الدلائل ج 5 / 109.
(2) أخرجه البخاري في كتاب التفسير (4) باب الحديث 4970 فتح الباري (8 / 734).

وفي إسناده عطاء بن أبي مسلم الخراساني وفيه ضعف تكلم فيه غير واحد من الائمة وفي لفظه نكارة شديدة وهو قوله بأنه مقوبض في تلك السنة، وهذا باطل فإن الفتح كان في سنة ثمان في رمضان منها كما تقدم بيانه وهذا ما لا خلاف فيه.
وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الاول من سنة إحدى عشرة بلا خلاف أيضا، وهكذا الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله: ثنا ابراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، ثنا أبي، ثنا جعفر بن عون، عن أبي العميس، عن أبي بكر بن أبي الجهم، عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعا إذا جاء نصر الله والفتح.
فيه نكارة أيضا وفي إسناده نظر أيضا.
ويحتمل أن يكون أنها آخر سورة نزلت جميعها كما قال والله أعلم.
وقد تكلمنا على تفسير هذه السورة الكريمة بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
وقال البخاري: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة - قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فنسأله فلقيته فسألته - قال كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما للناس ؟ ما هذا الرجل ؟ فيقولون يزعم أن الله أرسله وأوحى إليه كذا.
فكنت أحفظ ذاك الكلام فكأنما يغرى في صدري، وكانت العرب تلوم باسلامهم الفتح فيقولون أتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم باسلامهم، وبدر أبي قومي باسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقا.
قال صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم ؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا فما فرحت بشئ فرحي بذلك القميص.
تفرد به البخاري دون مسلم.
غزوة هوازن يوم حنين (1) قال الله تعالى (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن
عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم) [ التوبة: 25 - 27 ].
وقد ذكر محمد بن اسحاق بن
__________
(1) حنين واد بينه وبين مكة ثلاث ليال.
وسميت بغزوة هوازن لانهم الذين تجمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو الزناد: أقامت هوازن سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب تجمعهم.
انظر في هذه الغزوة: سيرة ابن هشام: 4 / 80، مغازي الواقدي 2 / 885 طبقات ابن سعد 2 / 149 عيون الاثر 2 / 242 شرح المواهب للزرقاني (3 / 5) صحيح مسلم - صحيح البخاري.
السيرة الحلبية 3 / 121 السيرة الشامية 5 / 459.
زاد المعاد.
تاريخ الطبري 3 / 125 (دار قاموس الحديث)

يسار في كتابه: أن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوازن بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان، وزعم أن الفتح كان لعشر بقين من شهر رمضان قبل خروجه إليهم خمس عشرة ليلة، وهكذا روي عن ابن مسعود وبه قال عروة بن الزبير واختاره أحمد وابن جرير في تاريخه.
وقال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوازن لست خلون من شوال فانتهى إلى حنين في عاشره.
وقال أبو بكر الصديق لن نغلب اليوم من قلة ! فانهزموا فكان أول من أنهزم بنو سليم ثم أهل مكة ثم بقية الناس.
قال ابن إسحاق: ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة جمعها ملكها مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء.
وغاب عنها ولم يحضرها من هوازن كعب وكلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير (1)، ليس فيه شئ إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجربا، وفي ثقيف سيدان لهم، وفي الاحلاف قارب بن الاسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذوالخمار سبيع بن الحارث وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف
النصري، فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحضر مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس (2) اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار (3) له يقاد به، فلما نزل قال: بأي واد أنتم ؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم، مجال الخيل ! لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء ؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، قال: أين مالك ؟ قالوا: هذا مالك ودعي له، قال: يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الايام، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء ؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم، قال: ولم ؟ قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، قال: فأنقض به (4)، ثم قال: راعي ضأن والله، هل يرد المنهزم شئ ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب ؟ قال: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن
__________
(1) قال الواقدي: كان عمره مائة وستين سنة، وقد ذهب بصره يومذاك.
(2) أوطاس واد في ديار هوازن كانت فيه وقعة حنين.
(3) شجار: قال في النهاية: مركب مكشوف دون الهودج.
(4) في الواقدي: فأنقض بيده: أي صفق بإحدى يديه على الاخرى حتى يسمع لهما نقيض، أي صوت (عن النهاية)

شهدها منكم ؟ قالوا عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، قال: ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران، ثم قال: يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، ثم قال دريد لمالك ابن عوف: ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم، ثم الق الصبا على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من ورائك، وإن كانت عليك الفاك ذلك وقد أحرزت أهلك
ومالك، قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك، ثم قال مالك: والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لاتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري - وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي - فقالوا: أطعناك فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني: يا ليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع * كأنها شاة صدع ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد.
قال ابن إسحاق: وحدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث: أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال ويلكم ما شأنكم ؟ قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد.
قال ابن إسحاق: ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الاسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر (1)، فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا له وسلاحا فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك فقال " يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلقى فيه عدونا غدا " فقال صفوان أغصبا يا محمد ؟ قال " بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك " قال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل (2).
هكذا أورد هذا ابن اسحاق من غير إسناد.
وقد روى يونس بن بكير عن ابن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه.
وعن عمرو بن شعيب والزهري وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وغيرهم قصة حنين فذكر نحو ما تقدم، وقصة الادراع كما تقدم وفيه أن
__________
(1) زاد في نسخة لابن هشام، وهو مذكور في مغازي الواقدي 2 / 893 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية 3 / 8: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، فأخبره بما قال، فقال: كذب ابن أبي حدرد.
فقال ابن أبي حدرد: لئن
كذبتني لربما كذبت بالحق ! فقال: يا رسول الله، اسمع ما يقول ابن أبي حدرد، قال: صدق، كنت ضالا فهداك الله.
(2) الخبر بتمامه في ابن اسحاق ج 4 / 80 - 83 ومغازي الواقدي باختلاف 2 / 891 - 893.

ابن أبي حدرد لما رجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر هوازن كذبه عمر بن الخطاب، فقال له ابن أبي حدرد.
لئن كذبتني يا عمر فربما كذبت بالحق، فقال عمر ألا تسمع ما يقول يا رسول الله ؟ فقال " قد كنت ضالا فهداك الله ".
وقد قال الامام أحمد: ثنا يزيد بن هارون، أنبأ شريك بن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية بن صفوان بن أمية.
عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من أمية يوم حنين أدراعا فقال أغصبا يا محمد ؟ فقال " بل عارية مضمونة " قال: فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له فقال: أنا اليوم يا رسول الله في الاسلام أرغب.
ورواه أبو داود والنسائي من حديث يزيد بن هارون به وأخرجه النسائي من رواية إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عبد الرحمن بن صفوان بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان دروعا فذكره.
ورواه من حديث هشيم، عن حجاج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان أدراعا وأفراسا وساق الحديث.
وقال أبو داود: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا صفوان هل عندك من سلاح ؟ " قال عارية أم غصبا، قال " بل عارية " فأعار ما بين الثلاثين إلى الاربعين درعا وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها أدراعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان " قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك ؟ " قال: لا يا رسول الله إن في قلبي اليوم ما لم يكن فيه يومئذ.
وهذا مرسل أيضا.
قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة فكانوا اثني عشر ألفا.
قلت: وعلى قول عروة والزهري وموسى بن عقبة يكون مجموع الجيشين اللذين سار بهما إلى
هوازن أربعة عشر ألفا، لانه قدم باثني عشر ألفا إلى مكة على قولهم وأضيف ألفان من الطلقاء.
وذكر ابن إسحاق أنه خرج من مكة في خامس شوال قال واستخلف على أهل مكة عتاب بن أسيد (1) بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس الاموي.
قلت: وكان عمره إذ ذاك قريبا من عشرين سنة، قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد لقاء هوازن وذكر قصيدة العباس بن مرداس السلمي في ذلك منها قوله: أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها * مني رسالة نصح فيه تبيان إني أظن رسول الله صابحكم * جيشا له في فضاء الارض أركان فيهم سليم أخوكم غير تارككم * والمسلمون عباد الله غسان وفي عضادته اليمنى بنو أسد * والاجربان بنو عباس وذبيان
__________
(1) في الواقدي: استعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلي بهم، ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه .

تكاد ترجف منه الارض رهبته * وفي مقدمه أوس وعثمان قال ابن إسحاق: أوس وعثمان قبيلا مزينة.
قال: وحدثني الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدئلي عن أبي واقد الليثي وهو (1) الحارث بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية، قال فسرنا معه إلى حنين، قال: وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، قال: فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة، قال: فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم " (2).
وقد روى هذا الحديث الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان والنسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر كلاهما عن الزهري كما رواه ابن اسحاق
عنه، وقال الترمذي حسن صحيح.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا.
وقال أبو داود: ثنا أبو توبة ثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام عن السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان العشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس، فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم وبنعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله " ثم قال " من يحرسنا الليلة " قال أنس (3) بن أبي مرثد: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة " فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: " هل أحسستم فارسكم ؟ " قالوا يا رسول الله ما أحسسنا، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته قال " ابشروا فقد جاءكم فارسكم " فجعل ينظر إلى خلال الشجر في الشعب، وإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني انطلقت حتى إذا كنت في أعلا هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل نزلت الليلة ؟ " قال لا إلا مصليا أو قاضي حاجة،
__________
(1) من رواية الواقدي: ورواية البيهقي.
وفي الاصل أن وهو تحريف.
فالحارث بن مالك يكنى بأبي واقد الليثي.
(2) الخبر في الواقدي 2 / 890 ودلائل البيهقي 5 / 124 وسيرة ابن هشام ج 4 / 84.
وأخرجه الترمذي في كتاب الفتن (18) باب الحديث 2180.
(3) في الواقدي: أنيس.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها " (1) وهكذا رواه النسائي عن محمد بن يحيى عن محمد بن كثير الحراني عن أبي توبة الربيع بن نافع به.
الوقعة وما كان أول الامر من الفرار ثم العاقبة للمتقين قال يونس بن بكير وغيره عن محمد بن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه قال: فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه وأقبل رسول الله وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح (2)، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول " أين أيها الناس ؟ هلموا إلي أنا رسول الله، انا رسول الله أنا محمد بن عبد الله " قال: فلا شئ (3)، وركبت الابل بعضها بعضا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس ومعه رهط من أهل بيته علي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأخوه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والفضل بن العباس وقيل الفضيل بن أبي سفيان، وأيمن بن أم أيمن وأسامة بن زيد، ومن الناس من يزيد فيهم قثم بن العباس ورهط من المهاجرين منهم أبو بكر وعمر والعباس آخذ بحكمة بغلته البيضاء وهو عليها قد شجرها، قال ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوازن وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه، قال فبينما هو كذلك إذ هوى له علي بن أبي طالب ورجل من الانصار يريدانه، قال فيأتي علي من خلفه، فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الانصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله، قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
ورواه الامام أحمد عن يعقوب ابن إبراهيم الزهري، عن أبيه عن محمد بن إسحاق.
قال ابن إسحاق: والتفت رسول الله
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد - باب في فضل الحرس.
الحديث (2501) ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 125 - 126.
(2) عماية الصبح: ظلامه قبل أن يتبين.
(3) في شرح المواهب: فلاي شئ.
(4) سيرة ابن هشام ج 4 / 87 - 88.
وذكر النووي أن الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا، وقال الواقدي: عن الحارثة بن نعمان فحزرتهم مائة.
قال الواقدي: ويقال: ثلاثة وثلاثون من المهاجرين وسبعة وستون من الانصار، ويفهم من شعر للعباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط قال: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه * لما مسه في الله لا يتوجع

صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان ممن صبر يومئذ وكان حسن الاسلام حين أسلم، وهو آخذ بثفر (1) بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " من هذا ؟ " قال ابن أمك يا رسول الله.
قال ابن إسحاق: ولما انهزم الناس تكلم رجال من جفاة الاعراب بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان صخر بن حرب - يعني وكان اسلامه بعد مدخولا وكانت الازلام بعد معه يومئذ - قال: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وصرخ كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية - يعني لامه - وهو مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا بطل السحر اليوم.
فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك فوالله لئن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة أنبأ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والابل والغنم فجعلوها صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله.
ثم قال " يا معشر الانصار أنا عبد الله ورسوله " قال: فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح.
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ " من قتل كافرا فله سلبه " قال فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم (2)، وقال أبو قتادة: يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع له فأجهضت عنه فانظر من أخذها قال: فقام رجل فقال: أنا أخذتها فارضه منها وأعطنيها، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال
عمر: والله لا يفئها الله على أسد من أسد الله ويعطيكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق عمر " (3) قال ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة ما هذا ؟ فقالت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج في بطنه، فقال أبو طلحة: أما تسمع ما تقول أم سليم ؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله أقتل من بعدها من الطلقاء انهزموا بك، فقال: " إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم " (4) وقد روى مسلم منه قصة خنجر أم سليم، وأبو داود قوله " من قتل قتيلا فله سلبه " كلاهما من حديث حماد بن سلمة به.
وقول عمر في هذا مستغرب والمشهور أن ذلك أبو بكر الصديق.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، ثنا نافع أبو غالب، شهد أنس بن مالك فقال العلاء بن زياد العدوي: يا أبا حمزة بسن أي الرجال كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ بعث ؟ فقال: ابن أربعين سنة، قال ثم كان ماذا ؟ قال ثم كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة، ثم قبضه الله إليه.
قال بسن أي الرجال هو
__________
(1) الثفر: السير في مؤخر السرج.
(2) رواه البيهقي في الدلائل من طريق عبد الواحد بن غياث عن حماد.
ج 5 / 150.
(3) روى البيهقي الخبر في دلائله ج 5 / 148.
(4) رواه مسلم في الصحيح 32 كتاب الجهاد 57 باب حديث 134، والبيهقي في الدلائل 5 / 150.

يومئذ ؟ قال كأشب الرجال وأحسنه وأجمله وألحمه، قال يا أبا حمزة وهل غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا وفي المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فهزمهم الله فولوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى الفتح فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل فيبايعونه على الاسلام، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن علي نذرا لئن جئ بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لاضربن عنقه، قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئ بالرجل فلما رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: يا نبي الله تبت إلى الله ؟ قال: وأمسك نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يبايعه ليوفي
الآخر نذره، قال: وجعل ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله ويهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يصنع شيئا بايعه فقال يا نبي الله نذري ؟ قال " لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي نذرك " فقال يا رسول الله ألا أومأت إلي ؟ قال " إنه ليس لنبي أن يومي ".
تفرد به أحمد.
وقال أحمد حدثنا يزيد ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين " اللهم إنك إن تشاء لا تعبد في الارض بعد اليوم " إسناده ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه.
وقال البخاري: ثنا محمد بن بشار، ثنا غندر، ثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء بن عازب - وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ؟ - فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة وأنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام.
ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان (1) آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لا كذب، ورواه البخاري عن أبي الوليد عن شعبة به وقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال البخاري: وقال اسرائيل وزهير عن أبي إسحاق عن البراء ثم نزل عن بغلته.
ورواه مسلم والنسائي عن بندار.
زاد مسلم، وأبي موسى كلاهما عن غندر به.
وروى مسلم من حديث زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحاق عن البراء قال ثم نزل فاستنصر وهو يقول: " اللهم نزل نصرك ".
قال البراء: ولقد كنا إذا حمي البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الشجاع الذي يحاذي به (2).
وروى البيهقي من طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: " أنا ابن
__________
(1) وهو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد الحديث 2864، والحديث 2874، وأخرجه في المغازي الحديث 4315.
ومسلم في 32 كتاب الجهاد 28 باب الحديث 78.
(2) مسلم في كتاب الجهاد الحديث 79 ص (1403).

العواتك " [ وقال الطبراني: ثنا عباس بن الفضل الاسفاطي، ثنا عمرو بن عوف الواسطي، ثنا هشيم، أنبأ يحيى بن سعيد، عن عمرو بن سعيد بن العاص، عن شبابة، عن ابن عاصم السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: " أنا ابن العواتك " ] (1) وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أنبأ مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائة على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر، فقالت: ما بال الناس ؟ فقال: أمر الله، ورجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فقمت فقلت: من يشهد لي، ثم جلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، فقلت من يشهد لي، ثم جلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، فقلت من يشهد لي ثم جلست، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقال " ما لك يا أبا قتادة ؟ " فأخبرته فقال رجل: صدق، سلبه عندي فأرضه مني، فقال أبو بكر: لاها الله (2) إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق فأعطه " فأعطانيه فابتعت به مخرافا في بني سلمة فإنه لاول مال تأثلته في الاسلام (3).
ورواه بقية الجماعة إلا النسائي من حديث يحيى بن سعيد به.
قال البخاري: وقال الليث بن سعد، حدثني يحيى بن سعيد، عن عمرو بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل فدفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون فانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقالت له ما شأن الناس ؟ قال أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله فقال رسول الله " من أقام بينة على قتيل فله سلبه " فقمت لالتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لي فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه: سلاح
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل عن شبابة بن عاصم ج 5 / 136 وأخرجه سعيد بن منصور، والطبراني في الكبير عن شبابة بن منصور، وما في الاصل عن ابن عاصم تحريف ولعل إقحام عن وهم من الناسخ، قال المنذري: أنا ابن العواتك: جمع عاتكة (من سليم) قال في الصحاح: العواتك من جداته تسع وقال الحليمي: لم يرد بقوله فخرا بل تعريف منازل المذكورات.
وفي رواية لابن عساكر: أنا ابن الفواطم.
قال السهيلي: امرأة عاتكة وهي المصفرة بالزعفران والطيب.
وعند ابن سعد: العاتكة في اللغة الطاهرة.
(2) لاها الله: قال الجوهري: ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال: ها الله ما فعلت كذا.
وقال ابن مالك: فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه.
قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله.
(3) أخرجه البخاري في البيوع (37) باب فتح الباري (4 / 322) وأحمد في مسنده 5 / 326.

هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه مني.
فقال أبو بكر: كلا لا يعطيه أضيبع (1) من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله.
قال فقام رسول الله فأداه إلي فاشتريت به مخرافا (2) فكان أول ما تأثلته، وقد رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم كلاهما عن قتيبة عن الليث بن سعد به، وقد تقدم من رواية نافع أبي غالب عن أنس أن القائل لذلك عمر بن الخطاب فلعله قاله متابعة لابي بكر الصديق ومساعدة وموافقة له، أو قد اشتبه على الراوي والله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأ الحاكم، أنبأ الاصم، أنبأ أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين حين رأى من الناس ما رأى " يا عباس ناد يا معشر الانصار يا أصحاب الشجرة " (3) فأجابوه لبيك لبيك، فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك، فيقذف درعه عن عنقه، ويأخذ سيفه وترسه ثم يؤم الصوت حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة، فاستعرض الناس فاقتتلوا وكانت الدعوة أول ما كانت للانصار، ثم جعلت آخرا للخزرج وكانوا صبرا عند الحرب، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركايبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال " الآن حمي الوطيس " قال: فوالله ما راجعه الناس (4) إلا والاسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتفون،
فقتل الله منهم من قتل، وأنهزم منهم من انهزم، وأفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أموالهم [ ونساءهم ] (5) وأبناءهم.
وقال ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة.
وذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن وخرج معه أهل مكة لم يغادر منهم أحدا ركبانا ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين، نظارا ينظرون، ويرجعون الغنائم، ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قالوا وكان معه أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، قالوا وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر، ومعه النساء والذراري والنعم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لاصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد، واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا، فلما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة، وصف الناس بعضهم
__________
(1) أضيبع: تصغير أضبع، وهو القصير الضيع (الضبع) ويكنى به عن الضعيف.
وتروى: أصيبغ: وهو نوع من الطيور.
القسطلاني (6 / 407).
(2) مخراف: السكة، والطريق بين صفين من النخل.
(3) في الدلائل: يا أصحاب السمرة.
(4) في الدلائل: ما رجعت راجعة الناس.
(5) من الدلائل.
ج 5 / 129.

لبعض وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة له شهباء فاستقبل الصفوف فأمرهم وحضهم على القتال، وبشرهم بالفتح - إن صبروا - فبينما هم كذلك إذ حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد، فجال المسلمون جولة ثم ولوا مدبرين، فقال حارثة بن النعمان: لقد حزرت من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة رجل، قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال
ابشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجتبرونها أبدا، فقال له صفوان: تبشرني بظهور الاعراب، فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الاعراب، وغضب صفوان لذلك.
قال عروة: وبعث صفوان غلاما له فقال: اسمع لمن الشعار ؟ فجاءه فقال سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن يا بني عبد الله، يا بني عبيدالله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب.
قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعوه يقول " اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا " ونادى أصحابه وزمرهم (1) " يا أصحاب البيعة يوم الحديبية ! الله الله الكرة على نبيكم " ويقال حرضهم فقال " يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج يا أصحاب سورة البقرة " وأمر من أصحابه من ينادي بذلك، قالوا: وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها وقال " شاهت الوجوه " وأقبل أصحابه إليه سراعا يبتدرون، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الآن حمي الوطيس " فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم منها واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم (2)، وفر مالك بن عوف، حتى دخل حصن الطائف هو وأناس من أشراف قومه، وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة حين رأوا نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وإعزازه دينه (3).
رواه البيهقي: وقال ابن وهب: أخبرني يونس عن الزهري أخبرني كثير بن العباس بن عبد المطلب، قال: قال العباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمته أنا وأبو سفيان ابن الحارث لا نفارقه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى الناس ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي عباس ناد أصحاب السمرة " قال فوالله لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه يا لبيكاه، قال فاقتتلوا هم والكفار والدعوة في الانصار وهم يقولون: يا معشر الانصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى
__________
(1) زمرهم: أغراهم بأعدائهم.
وفي رواية البيهقي عنه: وذمرهم.
(2) زاد البيهقي في روايته: وشاءهم.
(3) رواية موسى بن عقبة رواها ابن عبد البر في...؟ باختصار ص 226.
ورواها البيهقي في الدلائل ج 5 / 129 - 132

قتالهم فقال " هذا حين حمي الوطيس " ثم أخد حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار، ثم قال " انهزموا ورب محمد " قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا (1).
ورواه مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب به نحوه.
ورواه أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري نحوه.
وروى مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من المشركين فأرميه بسهم، وتوارى عني، فما دريت ما صنع، ثم نظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بأحداهما مرتديا بالاخرى، قال فاستطلق إزاري فجمعتها جمعا ومررت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا منهزم وهو على بغلته الشهباء، فقال " لقد رأى ابن الاكوع فزعا " فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الارض واستقبل به وجوههم وقال " شاهت الوجوه " فما خلى الله منهم إنسانا إلا ملا عينيه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين: فهزمهم الله وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين (2).
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: ثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن يسار، عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين فسرنا في يوم قايظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال السمر، فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قد حان
الرواح يا رسول الله ؟ قال " أجل " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بلال " فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك ؟ فقال: " أسرج لي فرسي " فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر.
قال: فركب فرسه فسرنا يومنا فلقينا العدو وتسامت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله " واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه.
وحدثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من التراب فحثى بها وجوه العدو وقال " شاهت الوجوه " قال يعلى بن عطاء فحدثنا أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي أحد إلا امتلات عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد فهزمهم الله عزوجل (3).
ورواه أبو داود السجستاني في سننه: عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا الحارث بن حصين، ثنا القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد 28 باب الحديث 76.
ورواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 137 - 139.
(2) رواه مسلم من طريق زهير بن حرب في كتاب الجهاد - باب غزوة حنين الحديث (81).
(3) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ونقله عنه بأسانيده البيهقي في الدلائل ج 5 / 141 - 142.

عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والانصار، فنكصنا على أعقابنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة، قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قدما، فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت له ارتفع رفعك الله فقال " ناولني كفا من تراب " فضرب به وجوههم فامتلات أعينهم ترابا قال " أين المهاجرين والانصار ؟ " قلت هم أولاء قال " أهتف بهم " فهتفت بهم فجاؤوا سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب وولى المشركون أدبارهم (1).
تفرد به أحمد.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري، ثنا أبو قلابة ثنا أبو عاصم ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، أخبرني عبد الله بن
عياض بن الحارث الانصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا.
ورواه البخاري في تاريخه ولم ينسب عياضا.
وقال مسدد: ثنا جعفر ابن سليمان، ثنا عوف بن عبد الرحمن، مولى أم برثن، عمن شهد حنينا كافرا قال: لما التقينا نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة، فجئنا نهش سيوفنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذ غشيناه، فإذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه فقالوا: شاهت الوجوه فارجعوا، فهزمنا من ذلك الكلام (2).
رواه البيهقي.
وقال يعقوب بن سفيان، ثنا أبو سفيان، ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني محمد بن عبد الله الشعبي، عن الحارث بن بدل النصري، عن رجل من قومه شهد ذلك يوم حنين وعمرو بن سفيان الثقفي قالا: انهزم المسلمون يوم حنين فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عباس وأبو سفيان بن الحارث، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من الحصباء فرمى بها في وجوههم، قال: فانهزمنا، فما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا، قال الثقفي: فأعجزت على فرسي حتى دخلت الطائف (3).
وروى يونس بن بكير في مغازيه، عن يوسف بن صهيب بن عبد الله أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلا رجل واحد اسمه زيد.
وروى البيهقي من طريق الكديمي، ثنا موسى بن مسعود ثنا سعيد بن السائب بن يسار الطائفي عن السائب بن يسار عن يزيد بن عامر السوائي أنه قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون (4) يوم حنين فتبعهم الكفار وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من الارض، ثم
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 1 / 454 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6 / 180) وقال: " رواه: أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة ".
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 142.
(3) رواه مسدد في مسنده، وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن، والبيهقي في الدلائل ج 5 / 143 ونقله الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 3 / 15.
(4) نقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 143
(5) في البيهقي: عند انكشافه انكشف المسلمون.

أقبل على المشركين فرمى بها وجوههم وقال " ارجعوا شاهت الوجوه " فما أحد يلقى أخاه الا وهو يشكو قذى في عينيه.
ثم روي من طريقين آخرين عن أبي حذيفة ثنا سعيد بن السائب بن يسار الطائفي، حدثني أبي السائب بن يسار سمعت يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد - قال: فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان ؟ قال: فكان يأخذ لنا بحصاة فيرمي بها في الطست فيطن، قال كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
وقال البيهقي: أنبأ أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن الفضل قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد [ قال: حدثنا محمد ] (1) بن بكير الحضرمي، ثنا أيوب (2) بن جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال " يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر " فضرب يده في صدري ثم قال " اللهم اهد شيبة " ثم ضربها الثانية فقال " اللهم أهد شيبة " ثم ضربها الثالثة ثم قال " اللهم اهد شيبة " قال فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه.
ثم ذكر الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله المشركين.
وقال البيهقي: أنبأ أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني، ثنا يوسف بن موسى، ثنا هشام بن خالد، ثنا الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عري:: ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما، فقلت اليوم أدرك ثأري من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فذهبت لاجيئه عن يمينه فإذا بالعباس ابن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج، فقلت عمه ولن يخذله، قال ثم جئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت ابن عمه ولن يخذله،
قال ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره سورة بالسيف إذ رفع شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا شيب أدن مني، اللهم اذهب عنه الشيطان " قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال: " يا شيب قاتل الكفار " (3) وقال ابن اسحاق: وقال شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار قلت اليوم أدرك ثأري [ من محمد ] (4) - وكان أبوه قد
__________
(1) سقطت من الاصل واستدركت من الدلائل.
(2) من الدلائل: أيوب، وفي الاصل: أبو أيوب.
(3) أخرجه البيهقي هذه الاخبار في الدلائل في باب: رمي النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الكفار والرعب الذي ألقي في قلوبهم ج 5 / 143 - 146.
(4) من ابن هشام

قتل يوم أحد - اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول الله صلى الله عليه وسلم لاقتله فأقبل شئ حتى تغشى فؤادي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني (1).
وقال محمد بن إسحاق: وحدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم قال: إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والناس يقتتلون إذا نظرت إلى مثل البجاد الاسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم، فإذا نمل منثور (2) قد ملا الوادي فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما كنا نشك أنها الملائكة (3) ورواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن اسحاق به.
وزاد فقال خديج بن العوجا النصري - يعني في ذلك: ولما دنونا من حنين ومائه * رأينا سوادا منكر اللون أخصفا بملمومة شهباء لو قذفوا بها * شماريخ من عروى إذا عاد صفصفا (4) ولو أن قومي طاوعتني سراتهم * إذا ما لقينا العارض المتكشفا إذا ما لقينا جند آل محمد * ثمانين ألفا واستمدوا بخندقا
وقد ذكر ابن إسحاق من شعر مالك بن عوف النصري رئيس هوازن يوم القتال وهو في حومة الوغا يرتجز ويقول: أقدم مجاج إنه يوم نكر * مثلي على مثلك يحمي ويكر إذا أضيع الصف يوما والدبر * ثم احزألت زمر بعد زمر كتائب يكل فيهن البصر * قد أطعن الطعنة تقذي بالسبر (5) حين يذم المستكن المنجحر * وأطعن النجلاء تعوي وتهر لها من الجوف رشاش منهمر * تفهق تارات وحينا تنفجر وثعلب العامل فيها منكسر * يا زين يا بن همهم أين تفر قد أنفذ الضرس وقد طال العمر * قد علم البيض الطويلات الخمر أني في أمثالها غير غمر * إذ تخرج الحاصن من تحت الستر (6) وذكر البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق أنه أنشد من شعر مالك أيضا حين ولى أصحابه منهزمين وذلك قوله بعدما أسلم وقيل هي لغيره:
__________
(1) سيرة ابن هشام 4 / 87.
(2) في ابن هشام: مبثوث.
يعني متفرق رآه ينزل من السماء.
(3) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 91 ورواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 146.
(4) في البيهقي: من عود، بدل: من عروى.
وفي ابن هشام: من عزوى.
وقال أبو ذر: عروى وهنا اسم رجل.
(5) يكل فيهن البصر: يعيا عن إدراك نهايتها لكثرة عددها.
(6) في الاصل الحاضن وهي التي تحضن ولدها.
وأثبتنا ما في ابن هشام: الحاصن: أي العفيفة الممتنعة

أذكر مسيرهم والناس كلهم (1) * ومالك فوقه الرايات تختفق ومالك مالك ما فوقه أحد * يوم حنين عليه التاج يأتلق حتى لقوا الناس حين البأس يقدمهم * عليهم البيض والابدان والدرق
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحدا * حول النبي وحتى جنه الغسق حتى تنزل جبريل بنصرهم * فالقوم منهزم منا ومعتلق (2) منا ولو غير جبريل يقاتلنا * لمنعتنا إذا أسيافنا الفلق (3) وقد وفى (4) عمر الفاروق إذ هزموا * بطعنة كان (5) منها سرجه العلق قال ابن اسحق: ولما هزم المشركون وأمكن الله رسوله منهم قالت امرأة من المسلمين: قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات قال ابن هشام: وقد أنشدنيه بعض أهل الرواية للشعر: قد غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات قال ابن إسحاق: فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم، وكانت مع ذي الخمار (6)، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب فقاتل بها حتى قتل، فأخبرني عامر بن وهب بن الاسود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله قال: " أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا " وذكر ابن اسحاق عن يعقوب ابن عتبة أنه قتل مع عثمان هذا غلام له نصراني، فجاء رجل من الانصار ليسلبه فإذا هو أغرل، فصاح بأعلا صوته: يا معشر العرب إن ثقيفا غرل، قال المغيرة بن شعبة الثقفي: فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت لا تقل كذلك فداك أبي وأمي إنما هو غلام لنا نصراني، ثم جعلت أكشف له القتلى فأقول له ألا تراهم مختتنين كما ترى ؟ قال ابن اسحاق: وكانت راية الاحلاف مع قارب بن الاسود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة وهرب هو وبنو عمه وقومه فلم يقتل من الاحلاف غير رجلين، ورجل من بني غيرة يقال له وهب ورجل من بني كبة يقال له الجلاح (7)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح " قتل اليوم سيد شباب ثقيف إلا ما
__________
(1) الصدر في البيهقي وابن هشام: أذكر مسيرهم للناس إذا جمعوا..(2) عجزه في ابن هشام: من السماء فمهزوم ومعتنق.
(3) في البيهقي: الغلق، وفي ابن هشام: العتق: جمع عتيق، وهو النفيس
(4) في ابن هشام: وفاتنا.
(5) في ابن هشام والبيهقي: بل منها.
(6) ذوالخمار: وهو عوف بن الربيع.
قال الواقدي: قتل منهم قريب من مائة رجل.
(7) في الواقدي: اللجلاج، من بني كنة وقال: كانت كنة امرأة من غامد يمانية قد ولدت في قبائل العرب وكانت أمة، فاعتق الحارث كل مملوك من بني كنة.
قال أبو ذر الخشني: " كبة بالباء، وهو الصواب "

كان من ابن هنيدة " يعني الحارث بن أويس (1).
قال ابن اسحاق فقال العباس بن مرداس يذكر قارب بن الاسود وفراره من بنى أبيه وذا الخمار وحبسه نفسه وقومه للموت: ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف إخال يأتيه الخبير وعروة إنما أهدى جوابا * وقولا غير قولكما يسير بأن محمدا عبد رسول * لرب لا يضل ولا يجوز وجدناه نبيا مثل موسى * فكل فتى بخايره مخير وبئس الامر أمر بني قسي * بوج إذا تقسمت الامور (2) أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور فجئنا أسد غابات إليهم * جنود الله ضاحية تسير نؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير وأقسم لو هموا مكثوا لسرنا * إليهم بالجنود ولم يغوروا فكنا أسدلية ثم حتى * أبحناها وأسلمت النصور (3) ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور من الايام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور قتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور ولم يك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو نكير
أقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الامور فأفلت من نجا منهم حريضا (4) * وقتل منهم بشر كثير ولا يغني الامور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور (5) أحانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور بنو عوف يميح بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور ولكن الرياسة عمموها * على يمن أشار به المشير أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير
__________
(1) في الواقدي: الحارث بن عبد الله بن يعمر بن إياس بن أوس بن ربيعة بن الحارث.
2) وج: اسم واد بالطائف قبل حنين.
(3) لية: موضع قريب من الطائف.
والنصور: من هوازن، وهم رهط مالك بن عوف النصري (قاله السهيلي).
(4) في ابن هشام: جريضا، يعني المختنق بريقه.
(5) الصريرة: تصغير الصرورة، وهو الذي لا يأتي النساء .

فإن يهدوا إلى الاسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير فإن لم يسلموا فهموا أذان * بحرب الله ليس لهم نصير كما حكمت بني سعد وجرت (1) * برهط بني غزية عنقفير كأن بني معاوية بن بكر * إلى الاسلام ضائنة تخور فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برأت من الاحن الصدور كأن القوم إذ جاؤا إلينا * من البغضاء بعد السلم عور فصل ولما انهزمت هوازن وقف ملكهم مالك بن عوف النصري على ثنية مع طائفة من أصحابه
فقال: قفوا حتى تجوز ضعفاؤكم وتلحق أخراكم.
قال ابن إسحاق (2): فبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية، فقال لاصحابه: ماذا ترون ؟ قالوا: نرى قوما واضعي رماحهم بين آذان خيلهم، طويلة بوادهم، فقال هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم، فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي، ثم طلعت خيل أخرى تتبعها، فقال لاصحابه: ماذا ترون ؟ قالوا نرى قوما عارضي رماحهم أغفالا على خيلهم، فقال هؤلاء الاوس والخزرج ولا بأس عليكم منهم، فلما انتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بني سليم، ثم طلع فارس فقال لاصحابه: ماذا ترون ؟ فقالوا: نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء (3)، قال: هذا الزبير بن العوام وأقسم باللات ليخالطنكم فأثبتوا له، فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها.
[ فصل ] وأمر رسول الله صلى الله بالغنائم فجمعت من الابل والغنم والرقيق وأمر أن تساق إلى الجعرانة فتحبس هناك، قال ابن اسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري.
[ فصل ] قال ابن اسحاق: وحدثني بعض أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة قتلها خالد
__________
(1) في ابن هشام صدره: كما حكت بني سعد وحرب..(2) في سيرة ابن هشام قال ابن هشام.
(3) في الواقدي، ملاءة صفراء.

ابن الوليد والناس متقصفون (1) عليها فقال لبعض أصحابه " أدرك خالدا فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا " (2) هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا.
وقد قال الامام أحمد: ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد،
حدثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن ربيع أخي بني حنظلة الكاتب أنه أخبره أنه رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فانفرجوا عنها فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما كانت هذه لتقاتل " فقال لاحدهم " الحق خالدا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفا " وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المرقع بن صيفي به نحوه.
غزوة أوطاس وكان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها، وسارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الاشعري فقاتلوهم فغلبوهم، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة فحاصر أهل الطائف كما سيأتي.
قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم إلى نخلة، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك الثنايا قال: فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهان (3) السلمي ويعرف بابن الدغنة - وهي أمه - دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه في شجار لهم، فإذا برجل، فأناخ به، فإذا شيخ كبير، وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد بي ؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت ! قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا، قال: بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار، ثم أضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، قرب والله يوم منعت فيه نساءك، فزعم بنو سليم أن ربيعة قال: لما ضربته فوقع تكشف، فإذا عجانه (4) وبطون
__________
(1) متقصفون: مزدحمون.
(2) العسيف: الاجير، والعبد المستعان به.
(3) في ابن هشام: ابن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس.
(4) عجانه: ما بين الخصية والدبر.

فخذيه مثل القراطيس، من ركوب الخيل أعراء، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا.
ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها فمن ذلك قولها: قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال ينحدر لولا الذي قهر الاقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف يأتمر إذن لصبحهم غبا وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر قال ابن اسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الاشعري، فأدرك من الناس بعض من أنهزم، فناوشوه القتال، فرمي أبو عامر فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الاشعري وهو ابن عمه، فقاتلهم ففتح الله عليهم وهزمهم الله عزوجل، ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الاشعري بسهم فأصاب ركبته فقتله وقال: إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير (1) لمن توسمه أضرب بالسيف رؤس المسلمه قال ابن إسحاق: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه: أن أبا عامر الاشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة، وبقي العاشر فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه، فقال الرجل: اللهم لا تشهد علي فكف
عنه أبو عامر، فأفلت، فأسلم بعد فحسن إسلامه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: " هذا شريد أبي عامر " قال: ورمى أبا عامر، أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته فقتلاه، وولى الناس أبا موسى، فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم [ بن معاوية ] (2) يرثيهما: إن الرزية قتل العلا * ء وأوفى جميعا ولم يسندا هما القاتلان أبا عامر * وقد كان داهية أربدا (3)
__________
(1) سمادير: أم سلمة بن دريد.
(2) من ابن هشام.
(3) في ابن هشام: ذا هبة، وهبة السيف اهتزازه.

هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا (1) فلم ير في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا وقال البخاري: ثنا محمد بن العلاء، وحدثنا أبو أسامة، عن يزيد (2) بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، قال: فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك ؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له، فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت ؟ فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت: لابي عامر قتل الله صاحبك، قال: فانتزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء.
قال: يا ابن أخي اقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقوله: قل له استغفر
لي، قال: فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " ورأيت بياض إبطيه ثم قال " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك - أو من الناس " فقلت ولي فاستغفر، فقال: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما " قال أبو بردة: إحداهما لابي عامر والاخرى لابي موسى رضي الله عنهما (3).
ورواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد (4) عن أبي أسامة به نحوه وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأ سفيان - هو الثوري - عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [ النساء: 24 ] قال فاستحللنا بها فروجهن.
وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث عثمان البتي به.
وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري.
وقد رواه الامام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، زاد مسلم وشعبة والترمذي من حديث همام
__________
(1) المجسد: الثوب المصبوغ بالجساد، وهو الزعفران.
(2) من البخاري وفي الاصل يزيد بن عبد الله.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (55) باب الحديث 4323 فتح الباري 8 / 41.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (38) باب.
الحديث (165).
ورواه البيهقي في الدلائل في باب ما جاء في جيش أوطاس: ج 5 / 152 - 153.
(4) من صحيح مسلم، وفي الاصل عبد الله بن أبي براد وهو تحريف.
وعبد الله بن براد هو أبو عامر الاشعري

عن يحيى ثلاثتهم عن قتادة، عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن، فنزلت هذه الآية في ذلك (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) وهذا لفظ أحمد بن حنبل فزاد في هذا الاسناد أبا علقمة الهاشمي وهو ثقة
وكان هذا هو المحفوظ والله أعلم.
وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن بيع الامة طلاقها.
روى ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وخالفهم الجمهور مستدلين بحديث بريرة حيث بيعت ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقاءه، فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت، وقد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير بما فيه كفاية وسنذكره إن شاء الله في الاحكام الكبير، وقد استدل جماعة من السلف على إباحة الامة المشركة بهذا الحديث في سبايا أوطاس، وخالفهم الجمهور وقالوا هذه قضية عين فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات وموضع تقرير ذلك في الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى.
من استشهد يوم حنين وأوطاس أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أيمن بن عبيد، وزيد (1) بن زمعة بن الاسود ابن المطلب بن أسد جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فمات، وسراقة بن مالك بن الحارث بن عدي الانصاري من بني العجلان، وأبو عامر الاشعري أمير سرية أوطاس، فهؤلاء أربعة رضي الله عنهم.
ما قيل من الاشعار في غزوة هوازن فمن ذلك قول بجير بن زهير بن أبي سلمى: لولا الاله وعبده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان (2) بالجزع يوم حبالنا أقراننا * وسوابح يكبون للاذقان (3) من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنابك ولبان (4) والله أكرمنا وأظهر ديننا * وأعزنا بعبادة الرحمن والله أهلكهم وفرق جمعهم * وأذلهم بعبادة الشيطان
__________
(1) في ابن هشام: يزيد، والواقدي وابن سعد لم يذكراه بل ذكرا: رقيم بن ثعلبة بن زيد بن لوذان (انظر ابن حزم ومغازي الواقدي 3 / 922 - طبقات ابن سعد 2 / 152).
(2) جيان، وتروى جنان، والجنان: القلب.
(3) الجزع: ما انعطف من الوادي.
(4) مقطر: مرمي على قطره، وهو جنبه، والسنابك: جمع سنبك وهو طرف مقدم الحافر.
واللبان: الصدر

قال ابن هشام ويروي فيها بعض الرواة: إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون: يا لكتيبة الايمان أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان (1) وقال عباس بن مرداس السلمي: فإني والسوابح يوم جمع * وما يتلو الرسول من الكتاب لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب هم رأس العدو من أهل نجد * فقتلهم ألذ من الشراب هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحلت بركها ببني رئاب وصرما من هلال غادرتهم * بأوطاس تعفر بالتراب ولو لاقين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الاورال تنحط بالتهاب (2) بذي لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب وقال عباس بن مرداس أيضا: يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الاله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا ثم الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا رجلا به ذرب (3) السلاح كأنه * لما تكنفه العدو يراكا يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا أنبئك أني قد رأيت مكره * تحت العجاجة يدمغ الاشراكا
طورا يعانق باليدين وتارة * يفري الجماجم صارما فتاكا (4) وبنو سليم معنقون أمامه * ضربا وطعنا في العدو دراكا يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا ما يرتجون من القريب قرابة * إلا لطاعة ربهم وهواكا
__________
(1) العريض: واد بالمدينة.
(2) بس: موضع في أرض بني جشم، والاورال: أجيل ثلاثة سود، وفي نسخ البداية المطبوعة أوراد وهو تحريف.
(3) ذرب السلاح: حدته ومضاؤه، وفي نسخ البداية المطبوعة درب بالدال وهو تحريف.
(4) بعده في ابن هشام: يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفاكا

هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا وقال عباس بن مرداس أيضا (1): عفا مجدل من أهله فمتالع * فمطلا أريك قد خلا فالمصانع (2) ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدهر للحي جامع حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع فإن تبتغي الكفار غير ملومة * فإني وزير للنبي وتابع دعانا إليه خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالاخشبين وإنما * يد الله بين الاخشبين نبايع فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع علانية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع ويوم حنين حين سارت هوازن * إلينا وضاقت بالنفوس الاضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الاعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف (3) السحابة لامع عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع (4) نذود أخانا عن أخينا ولو ترى (5) * مصالا لكنا الاقربين نتابع ولكن دين الله، دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لامر حمه الله دافع وقال عباس أيضا: تقطع باقي وصل أم مؤمل * بعاقبة واستبدلت نية خلفا (6) وقد حلفت بالله لا تقطع القوى * فما صدقت فيه ولا برت الحلفا
__________
(1) هذه القصائد من هنا إلى آخرها سقطت من نسخة التيمورية.
(2) مجدل ومتالع وأربك: اسماء مواضع.
(3) خذروف السحابة: طرفها، يريد به: سرعة تحرك هذا اللواء واضطرابه.
(4) معتص: ضارب، وكانع: قريب.
(5) يريد أنه من بني سليم.
وسليم من قيس: كما أن هوازن من قيس.
(6) النية: ما ينويه الانسان من وجه ويقصده.
وقال السهيلي: النية من النوى: البعد.

خفافية بطن العقيق مصيفها * وتحتل في البادين وجرة فالعرفا (1) فإن تتبع الكفار أم مؤمل * فقد زودت قلبي على نأيها شغفا وسوف ينبئها الخبير بأننا * أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا وإنا مع الهادي النبي محمد * وفينا ولم يستوفها معشر ألفا بفتيان صدق من سليم أعزة * أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا خفاف وذكوان وعوف تخالهم * مصاعب زافت في طروقتها كلفا
كأن نسيج الشهب والبيض ملبس * أسودا تلاقت في مراصدها غضفا بنا عز دين الله غير تنحل * وزدنا على الحي الذي معه ضعفا بمكة إذ جئنا كأن لواءنا * عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا على شخص الابصار تحسب بينها * إذا هي جالت في مراودها عزقا (2) غداة وطئنا المشركين ولم نجد * لامر رسول الله عدلا ولا صرفا بمعترك لا يسمع القوم وسطه * لنا زحمة إلا التذامر والنقفا ببيض تطير الهام عن مستقرها * وتقطف أعناق الكماة بها قطفا فكائن تركنا من قتيل ملحب * وأرملة تدعو على بعلها لهفا رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي * ولله ما يبدو جميعا وما يخفى وقال عباس أيضا رضي الله عنه: ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر (3) عين تأوبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طورا وينحدر كأنه نظم در عند ناظمه * تقطع السلك منه فهو منتثر يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر (4) دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والزعر (5) واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لاهل الفخر مفتخر قوم هموا نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * ولا تخاور في مشتاهم البقر
__________
(1) العقيق ووجرة والعرف: اسماء مواضع.
(2) مراود: جمع مرود وهو الوتد، قال السهيلي: يجوز أن يكون جمع مراد، وهو حيث ترود الخيل.
(3) العائر: كل ما أعل العين من رمد أو قذى.
والحماطة: تبن الذرة.
والشغر: أصل منبت الشعر في الجفن (4) الصمان والحفر: موضعان.
(5) الزعر: قلة الشعر.

إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الاخطار والعكر (1) تدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر (2) الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والارواح تبتدر حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر إذ نركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر في مأزق من مجر الحرب كلكلها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا * إلا وقد أصبح منا فيهم أثر وقال عباس أيضا رضي الله عنه: يا أيها الرجل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس (3) إما أتيت على النبي فقل له * حقا عليك إذا اطمأن المجلس ياخير من ركب المطي ومن مشى * فوق التراب إذا تعد الانفس إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس (4) حتى صبحنا أهل مكة فيلقا * شهباء يقدمها الهمام الاشوس من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * ونخاله أسدا إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس (5) وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد به الرسول عرندس
__________
(1) في نسخ البداية المطبوعة: مغرية أثبتنا مقربة من ابن هشام، والعكر: الابل الكثيرة.
والاخطار: الجماعات من الابل.
(2) خفاف وعوف وذكوان: قبائل.
(3) الوجناء: الناقة الضخمة الوجنات، والمناسم: جمع منسم وهو مقدم طرف خف البعير.
العرمس الشديدة القوية.
(4) بهثة: حي من سليم.
والمخارم: الطرق في الجبال.
(5) مدعس: السريع الطعن، وغصب: السيف القاطع.

كانوا أمام المؤمنين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس (1) نمصي ويحرسنا الاله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس ولقد حبسنا بالمناقب محبسا * رضي الآله به فنعم المحبس وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها يا احبسوا تدعو هوازن بالاخوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس حتى تركنا جمعهم وكأنه * عير تعاقبه السباع مفرس وقال أيضا رضي الله عنه: من مبلغ الاقوام أن محمدا * رسول الاله راشد حيث يمما دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما سرينا وواعدنا قديدا محمدا * يؤم بنا أمرا من الله محكما تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتيانا وغابا مقوما (2) على الخيل مشدودا علينا دروعنا * ورجلا كدفاع الاتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما وجند من الانصار لا يخذلونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما فإن تك قد أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما حلفت يمينا برة لمحمد * فأكملتها ألفا من الخيل ملجما وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن نكون المقدما وبتنا بنهي المستدير ولم يكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما (3) يضل الحصان الابلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى * وكل تراه عن أخيه قد أحجما لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوامعه دما إذا شئت من كل رأيت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونحرما
__________
(1) دريئة: الكتيبة المدافعة.
(2) الغاب: هنا الرماح.
(3) يلملم: ميقات الحاج القادم من جهة اليمن، وهو جبل على مرحلتين من مكة .

هكذا أورد الامام محمد بن إسحاق هذه القصائد من شعر عباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه وقد تركنا بعض ما أورده من القصائد خشية الاطالة وخوف الملامة، ثم أورد من شعر غيره أيضا وقد حصل ما فيه كفاية من ذلك والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم غزوة الطائف
قال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان: وقال محمد بن إسحاق: ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبو اب مدينتها وصنعوا الصنائع للقتال ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش (1) يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور (2): قال ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين فقال كعب بن مالك في ذلك: قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجمعنا السيوفا نخبرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن: دوسا أو ثقيفا فلست لحاضن إن لم تروها * بساحة داركم منا ألوفا وننتزع العروش ببطن وج * وتصبح دوركم منكم خلوفا ويأتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعا كثيفا إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا بأيديهم قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوقا كأمثال العقائق أخلصتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا (3) تخال جدية الابطال فيها * غداة الزحف جاديا مدوفا (4) أجدهم أليس لهم نصيح * من الاقوام كان بنا عريفا يخبرهم بأنا قد جمعنا * عتاق الخيل والنجب الطروفا (5) وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسهم النبي وكان صلبا * نقي القلب مصطبرا عزوفا
__________
(1) جرش: من مخاليف اليمن من جهة مكة.
(2) الضبور: جلود يغشى بها خشب يتقى بها في الحرب عند الانسحاب (قاله الخليل) وفي اللسان: الضبر: جلد يغشى خشبا فيها رجال تقرب إلى الحصون لقتال أهلها.
وقال: هي الدبابات التي تقرب للحصون، لتنقب من تحتها.
(3) كتيف: جمع كتيفة وهي الصفيحة الصغيرة.
(4) المدوف: المبلول، المخلوط بغيره.
والجادي: الزعفران.
(5) الطروف: الكرام من الخيل.

رشيد الامر ذا حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقا خفيفا نطيع نبينا ونطيع ربا * هو الرحمن كان بنا رؤفا فإن تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضدا وريفا وإن تابوا نجاهدكم ونصبر * ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا نجالد ما بقينا أو تنيبوا * إلى الاسلام إذعانا مضيفا نجاهد لا نبالي ما لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا (1) وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا أتونا لا يرون لهم كفاء * فجدعنا المسامع والانوفا بكل مهند لين صقيل * نسوقهم بها سوقا عنيفا لامر الله والاسلام حتى * يقوم الدين معتدلا حنيفا وتنسى اللات والعزى وود * ونسليها القلائد والشنوفا فأمسوا قد أقروا واطمأنوا * ومن لا يمتنع يقبل خسوفا وقال ابن اسحاق: فأجابه كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي: قلت: وقد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في وفد ثقيف فأسلم معهم.
قاله موسى بن عقبة وأبو إسحاق وأبو عمر بن عبد البر وابن الاثير وغير واحد، وزعم المدايني أنه لم يسلم بل صار إلى بلاد الروم فتنصر ومات بها: من كان يبغينا يريد قتالنا * فإنا بدار معلم لا نريمها وجدنا بها الآباء من قبل ما ترى * وكانت لنا أطواؤها وكرومها
وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر * فأخبرها ذو رأيها وحليمها وقد علمت - إن قالت الحق - أننا * إذا ما أتت صعر الخدود نقيمها نقومها حتى يلين شريسها (2) * ويعرف للحق المبين ظلومها علينا دلاص من تراث محرق * كلون السماء زينتها نجومها (3) نرفعها عنا ببيض صوارم * إذا جردت في غمرة لا نشيمها (4) قال ابن إسحاق: وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف:
__________
(1) التلاد: القديم، والطريف: الجديد.
(2) الشريس: الشديد.
(3) دلاص: الدروع اللينة.
محرق: يريد عمرو بن عامر وهو أول من حرق العرب بالنار (قاله السهيلي).
(4) لا نشيمها: لا نقيمها

لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف ينصر من هو ليس ينتصر إن التي حرقت بالسد فاشتعلت * ولم تقاتل لدى أحجارها هدر إن الرسول متى ينزل بلادكم * يظعن وليس بها من أهلها بشر قال ابن إسحاق: فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من حنين إلى الطائف - على نخلة اليمانية (1) ثم على قرن (2) ثم على المليح (3) ثم على بحرة الرغاء (4) من ليلة فابتنى بها مسجدا فصلى فيه.
قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب أنه عليه السلام أقاد يومئذ ببحرة الرغاء، حين نزلها، بدم، وهو أول دم أقيد به في الاسلام، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم.
قال ابن إسحاق: ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة فلما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها فقال: ما اسم هذه الطريق ؟ فقيل الضيقة فقال بل هي اليسرى، ثم خرج منها على نخب (5) حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج إلينا وإما أن
نخرب عليك حائطك، فأبى أن يخرج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باخرابه.
وقال إبن إسحاق: عن اسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير سمعت عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله " هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه " قال فابتدره الناس فاستخرجوا معه الغصن.
ورواه أبو داود عن يحيى بن معين عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق به.
ورواه البيهقي: من حديث يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية به.
قال ابن اسحاق: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف، فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فتأخروا إلى موضع مسجده عليه السلام اليوم بالطائف الذي بنته ثقيف بعد إسلامها، بناه عمرو بن أمية بن وهب وكانت فيه سارية لا تطلع عليها الشمس صبيحة كل يوم إلا سمع لها نقيض فيما يذكرون، قال فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة، قال ابن هشام ويقال سبع عشرة ليلة،
__________
(1) نخلة اليمانية: واد يصب فيه يدعان وبه مسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبه عسكرت هوازن يوم حنين (معجم البلدان).
(2) قرن: قرية بينها وبين مكة أحد وخمسون ميلا.
(معجم البلدان).
(3) المليح: واد بالطائف (معجم البلدان).
(4) بحرة الرغاء: موضع في لية من ديار بني نصر (معجم ما استعجم).
(5) نخب: واد بالطائف.

وقال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبى بالجعرانة وملئت عرش مكة منهم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم ويقاتلونه من وراء حصنهم ولم يخرج إليه أحد منهم غير أبي بكرة بن مسروح
أخي زياد لامه، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرت الجراح، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت لهم ثقيف: لا تفسدوا الاموال فإنها لنا أو لكم.
وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات وخمس حبلات (1) وبعث مناديا ينادي من خرج إلينا فهو حر، فاقتحم إليه نفر فيهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبي سفيان لامه، فأعتقهم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يعوله ويحمله (2).
وقال الامام أحمد: ثنا يزيد، ثنا حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من العبيد قبل مواليهم إذا أسلموا، وقد أعتق يوم الطائف رجلين.
وقال أحمد: ثنا عبد القدوس ابن بكر بن خنيس، ثنا الحجاج، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فخرج إليه عبد ان فأعتقهما أحدهما أبو بكرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه.
وقال أحمد أيضا: ثنا نصر بن رئاب، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف " من خرج إلينا من العبيد فهو حر " فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث تفرد به أحمد ومداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، لكن ذهب الامام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الاسلام عتق حكما شرعيا مطلقا عاما، وقال آخرون إنما كان هذا شرطا لا حكما عاما ولو صح الحديث لكان التشريع العام أظهر كما في قوله عليه السلام " من قتل قتيلا فله سلبه " وقد قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن المكرم (3) الثقفي قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبد اللحارث ابن كلدة والمنبعث وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث، ويحنس ووردان في رهط من رقيقهم فأسلموا.
فلما قدم وفد أهل الطائف فأسلموا قالوا يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك ؟ قال: " لا أولئك عتقاء الله " ورد على ذلك الرجل ولاء عبده فجعله له (4).
وقال البخاري: ثنا محمد بن بشار، ثنا غندر، ثنا شعبة، عن عاصم: سمعت أبا عثمان قال سمعت سعدا - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة وكان تسور حصن الطائف في أناس فجاء
__________
(1) في رواية البيهقي عنه: خمس نخلات أو حبلات من كرومهم.
(2) رواية موسى بن عقبة ذكرها ابن عبد البر في الدرر مختصرة ص (228)، ورواها البيهقي في الدلائل ج 5 / 157 - 158.
(3) من ابن هشام.
وفي الاصل المكرم وهو تحريف.
(4) رواه البيهقي عن ابن اسحاق في الدلائل ج 5 / 159 .

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه فالجنة عليه حرام " ورواه مسلم من حديث عاصم به.
قال البخاري: وقال هشام أنبأ معمر، عن عاصم، عن أبي العالية أو أبي عثمان النهدي قال: سمعت سعدا وأبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عاصم: قلت لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما، قال أجل أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف.
قال محمد ابن اسحاق: وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة (1) فضرب لهما قبتين فكان يصلي بينهما، فحاصرهم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل.
قال ابن هشام: ورماهم بالمنجنيق.
فحدثني من أثق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الاسلام بالمنجنيق رمى به أهل الطائف.
وذكر ابن إسحق أن نفرا من الصحابة دخلوا تحت دبابة ثم زحفوا ليحرقوا جدار أهل الطائف فأرسلت عليهم سكك الحديد محماة، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فحينئذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون، قال: وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة مناديا ثقيفا بالامان حتى يكلموهم فأمنوهم فدعوا نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهم وهما يخافان عليهن السباء إذا فتح الحصن، فأبين، فقال لهما أبو الأسود بن مسعود: ألا أدلكما على خير مما جئتما له ؟ إن مال أبي الاسود حيث قد علمتما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلا بواد يقال له العقيق وهو بين مال بني الاسود وبين الطائف وليس بالطائف مال أبعد رشاء، ولا أشد مؤونة ولا أبعد عمارة منه، وأن
محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله وللرحم.
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم.
وقد روى الواقدي عن شيوخه نحو هذا وعنده أن سلمان الفارسي هو الذي أشار بالمنجنيق وعمله بيده وقيل قدم به وبدبابتين فالله أعلم.
وقد أورد البيهقي: من طريق ابن لهيعة، عن أبي الاسود عن عروة: أن عيينة بن حصن استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يأتي أهل الطائف فيدعوهم إلى الاسلام فأذن له، فجاءهم فأمرهم بالثبات في حصنهم وقال لا يهولنكم قطع ما قطع من الاشجار في كلام طويل، فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قلت لهم " قال دعوتهم إلى الاسلام وأنذرتهم النار وذكرتهم بالجنة، فقال " كذبت بل قلت لهم كذا وكذا " فقال: صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله وإليك من ذلك (2).
وقد روى البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن
__________
(1) ذكرهما الواقدي: أم سلمة وزينب.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 163 في باب استئذان عيينة بن حصن بن بدر في مجيئه ثقيفا، ورواه أبو نعيم في الدلائل ص (465) ونقله عنهما الصالحي في السيرة الشامية (5 / 562)

سالم بن أبي الجعد، عن سعدان (1) بن أبي طلحة، عن ابن أبي نجيح السلمي وهو عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من بلغ بسهم فله درجة في الجنة " فبلغت يومئذ ستة عشر سهما، وسمعته يقول " من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة وأيما رجل أعتق رجلا مسلما فإن الله جعل كل عظم من عظامه وقاء كل عظم بعظم، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل كل عظم من عظامها وقاء كل عظم من عظامها من النار " (2).
ورواه أبو داود والترمذي وصححه النسائي من حديث قتادة به.
وقال البخاري ثنا الحميدي، سمع سفيان، ثنا هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية: أرأيت إن فتح الله
عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخلن هؤلاء عليكن " (3) قال ابن عيينة وقال ابن جريج: المخنث هيت.
وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه به وفي لفظ وكانوا يرونه من غير أولى الاربة من الرجال، وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلن عليكن هؤلاء " يعني إذا كان ممن يفهم ذلك فهو داخل في قوله تعالى [ أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) والمراد بالمخنث في عرف السلف الذي لا همة له إلى النساء وليس المراد به الذي يؤتى إذ لو كان كذلك لوجب قتله حتما كما دل عليه الحديث وكما قتله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومعنى قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني بذلك عكن بطنها فإنها تكون أربعا إذا أقبلت ثم تصير كل واحدة ثنتين إذا أدبرت، وهذه المرأة هي بادية بنت غيلان بن سلمة من سادات ثقيف، وهذا المخنث قد ذكر البخاري عن ابن جريج أن اسمه هيت وهذا هو المشهور.
لكن قال يونس عن ابن اسحاق قال: وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته بنت عمرو بن عايد مخنث يقال له مانع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، ولا نرى أنه يفطن لشئ من أمور النساء مما يغطن إليه رجال، ولا يرى أن له في ذلك إربا فسمعه وهو يقول لخالد بن الوليد: يا خالد إن افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلا تنفلتن منكم بادية بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا منه " ألا أرى هذا يفطن لهذا " الحديث ثم قال لنسائه " لا يدخلن
__________
(1) من دلائل البيهقي، وفي الاصول معدان.
(2) دلائل البيهقي ج 5 / 159.
(3) أخرجه البخاري في المغازي (56) باب الحديث (4324) فتح الباري 8 / 43، وأخرجه في كتاب النكاح، وفي اللباس.
وأخرجه مسلم في كتاب السلام (13) باب الحديث (32).
وأخرجه ابن ماجة في النكاح وفي الحدود، وأبو داود في الادب كلاهما عن أبي بكر بن أبي شيبة

عليكم " فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وقال البخاري ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان، عن
عمرو، عن أبي العباس الشاعر الاعمى عن عبد الله بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وآله الطائف فلم ينل منهم شيئا قال " إنا قافلون غدا إن شاء الله " فنقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتح ؟ فقال " اغدوا على القتال " فغدوا فأصابهم جراح فقال " إنا قافلون غدا إن شاء الله " فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال سفيان مرة فتبسم (2).
ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به وعنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب واختلف في نسخ البخاري ففي نسخة كذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
والله أعلم.
وقال الواقدي: حدثني كثير بن زيد عن (3) الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الدئلي فقال " يا نوفل ما ترى في المقام عليهم ؟ " (4) قال: يا رسول الله ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.
قال ابن إسحاق: وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر وهو محاصر ثقيفا " يا أبا بكر إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك فهراق ما فيها " فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنا لا أرى ذلك " قال: ثم إن خولة (5) بنت حكيم السلمية وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك حلى بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلى الفارعة بنت عقيل - وكانت من أحلى نساء ثقيف - فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها " وإن كان لم يؤذن في ثقيف يا خويلة " فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلته ؟ قال: " قد قلته " قال أو ما أذن
__________
(1) روى الخبر البيهقي عنه في الدلائل ج 5 / 160.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 56 باب الحديث 4325 فتح الباري 7 / 44.
وفي كتاب الادب (68) باب.
وفي 97 كتاب التوحيد (31) باب.
وفي جميع الروايات عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد (29) باب الحديث (82) عن عبد الله بن عمرو.
قال ابن حجر: وقع في رواية الكشميهني والنسفي والاصيلي (عبد الله بن عمرو) والصواب عبد الله بن عمر بن الخطاب.
ورواه الامام أحمد عن سفيان بن عيينة وجاء في بداية روايته: قيل لسفيان - وهو يحدث - ابن عمرو ؟ قال: لا، ابن عمر..وتابع حديثه.
وقول سفيان صراحة انه عبد الله بن عمر يقطع كل شك في انه ابن عمر بن الخطاب وليس ابن عمرو بن العاص.
وقال البيهقي عن علي بن المديني: حدثنا بهذا الحديث سفيان ولم يقل مرة عبد الله بن عمرو بن العاص.
(3) من مغازي الواقدي، وفي الاصل بن تحريف.
(4) هكذا في الاصل، وفي الطبري عن الواقدي، والعبارة في المغازي ج 3 / 937 ما تقول ؟ أو ترى.
(5) في ابن هشام: خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الاوقص السلمية.
وفي ابن سعد: خولة.
وذكر تمام نسبها .

فيهم ؟ قال: لا، قال: أفلا اؤذن بالرحيل ؟ قال: بلى، فأذن عمر بالرحيل.
فلما استقبل الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج: ألا إن الحي مقيم، قال: يقول عيينة بن حصن أجل والله مجده كراما، فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره ؟ فقال: إني والله ماجئت لاقاتل ثقيفا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أطؤها لعلها تلد لي رجلا فإن ثقيفا [ قوم ] (1) مناكير.
وقد روى ابن لهيعة: عن أبي الاسود، عن عروة قصة خولة بنت حكيم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.
وتأذين عمر بالرحيل، قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن لا يسرحوا ظهرهم فلما أصبحوا ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودعا حين ركب قافلا فقال " اللهم أهدهم واكفنا مؤنتهم " (2) وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال " اللهم اهد ثقيفا " ثم قال هذا حديث حسن غريب.
وروى يونس عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن المكدم (3) عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك، ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم، فقدم المدينة فجاءه وفدهم في
رمضان فأسلموا.
وسيأتي ذلك مفصلا في رمضان من سنة تسع إن شاء الله.
وهذه تسمية من استشهد من المسلمين بالطائف فيما قاله ابن إسحاق فمن قريش، سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية.
وعرفطة بن حباب حليف لبني أمية بن الاسد بن الغوث، وعبد الله ابن أبي بكر الصديق رمي بسهم فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي من رمية رميها يومئذ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة حليف لبني عدي، والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وأخوه عبد الله، وجليحة بن عبد الله من بني سعد بن ليث، ومن الانصار ثم من الخزرج: ثابت بن الجذع الاسلمي، والحارث بن سهل بن أبي صعصعة المازني، والمنذر بن عبد الله من بني ساعدة، ومن الاوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية فقط (4)، فجميع من استشهد يومئذ اثنا عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الانصار، ورجل من بني ليث رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن إسحاق: ولما نصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا عن الطائف قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنينا والطائف:
__________
(1) من ابن هشام.
ومناكير: ذوي دهاء وفطنة.
(2) نقل الخبر بتمامه البيهقي في الدلائل ج 5 / 168 - 169.
(3) من دلائل البيهقي.
ج 5 / 169.
(4) لم يذكره الواقدي، وذكر من بني أسد يزيد بن زمعة بن الاسود، جمح به فرسه إلى حصن الطائف فقتلوه .

كانت علالة يوم بطن حنين * وغداة أوطاس ويوم الابرق جمعت باغواء هوازن جمعها * فتبددوا كالطائر المتمزق لم يمنعوا منا مقاما واحدا * إلا جدارهم وبطن الخندق ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا * فاستحصنوا منا بباب مغلق ترتد حسرانا إلى رجراجة * شهباء تلمع بالمنايا فيلق ملمومة خضراء لو قذفوا بها * حصنا لظل كأنه لم يخلق (1)
مشي الضراء على الهراس كأننا * قدر تفرق في القياد ويلتقي في كل سابغة إذا ما استحصنت * كالنهي هبت ريحه المترقرق جدل تمس فضولهن نعالنا * من نسج داود وآل محرق (2) وقال أبو داود: ثنا عمر بن الخطاب، أبو حفص، ثنا الفريابي، ثنا أبان ثنا عمرو - هو ابن عبد الله بن أبي حازم - ثنا عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر - هو أبي العيلة الاحمسي - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثقيفا فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد انصرف ولم يفتح، فجعل صخر حينئذ عهد وذمة لا أفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب إليه صخر، أما بعد فإن ثقيفا قد نزلت على حكمك يا رسول الله وأنا مقبل بهم وهم في خيلي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جامعة فدعا لاحمس عشر دعوات " اللهم بارك لاحمس في خيلها ورجالها ".
وأتى القوم فتكلم المغيرة بن شعبة فقال: يا رسول الله إن صخرا أخذ عمتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فدعاه فقال " يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمته " فدفعها إليه وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء لبني سليم قد هربوا عن الاسلام وتركوا ذلك الماء فقال: يا رسول الله أنزلنيه أنا وقومي ؟ قال " نعم " فأنزله وأسلم - يعني الاسلميين، فأتوا صخرا فسألوه أن يدفع إليهم الماء فأبى فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أسلمنا وأتينا صخرا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا، فقال " يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفع إليهم ماءهم " قال: نعم يا نبي الله فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء.
تفرد به أبو داود وفي إسناده اختلاف.
قلت: وكانت الحكمة الالهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ ليلا يستأصلوا قتلا لانه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عزوجل وذلك بعد موت عمه أبي طالب فردوا عليه قوله وكذبوه فرجع مهموما فلم يستفق إلا عند
__________
(1) في ابن هشام: حضنا بدل حصنا.
وحضن: اسم جبل بأعلى نجد.
(2) آل محرق هم آل عمرو بن هند ملك الحيرة

قرن الثعالب، فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل فناداه ملك الجبال فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الاخشبين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئا " فناسب قوله بل أستأني بهم أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
مرجعه عليه السلام من الطائف وقسمة غنائم هوازن قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا (1) حتى نزل الجعرانة فيمن معه من المسلمين ومعه من هوازن سبي كثير، وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف: يا رسول الله ادع عليهم فقال " اللهم اهد ثقيفا وائت بهم " قال: ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الابل والشاء ما لا يدرى عدته.
قال ابن اسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب وفي رواية يونس بن بكير عنه قال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام خطيبهم زهير بن صرد، أبو صرد، فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك (2) اللاتي كن يكفلنك ولو أنا ملحنا (3) لابن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما وأنت رسول الله خير المكفولين، ثم أنشا يقول: أمنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وننتظر (4) أمنن على بيضة (5) قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الدهر (6) هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر
__________
(1) دحنا: من مخاليف الطائف.
(2) إشارة إلى حاضنته، حليمة، وكانت من بني سعد بن بكر من هوازن وكانت ظئرا له.
(3) ملحنا: قال ابن هشام: ما لحنا.
أي أرضعنا.
(4) في روايتي الواقدي والبيهقي: وندخر.
(5) في الواقدي: نسوة.
(6) في البيهقي: الحرب: والبيت لم يذكره الواقدي.

إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما (1) حين يختبر أمنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك تملؤه من مخضها الدرر (2) أمنن على نسوة قد كنت ترضعها * وإذ يزنيك ما تأتي وما تذر (3) لا تجعلنا كمن شالت نعامته (4) * واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر آلاء وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ " فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا ؟ بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا فإني سأعطيكم عند ذلك وأسال لكم " فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الانصار: وما كان لنا، فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الاقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال العباس بن مرداس السلمي: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال: يقول عباس بن مرداس لبني سليم: وهنتموني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أمسك منكم بحقه، فله بكل إنسان ستة فرائض، من أول فئ نصيبه " فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبعه الناس يقولون: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا، حتى اضطروه إلى شجرة فانتزعت رداءه فقال " أيها الناس ردوا علي ردائي فوالذي نفسي في يده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب بعير فأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه ثم رفعها فقال " أيها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم فأدوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة " فجاء رجل من الانصار بكبة من خيوط شعر فقال: يا رسول الله، أخذت هذه لاخيط بها برذعة بعير لي دبر " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في الواقدي: حتى.
(2) في الواقدي: إذ فوك مملوءة من محضها الدرر، والمحض: الدفعات الكثيرة من اللبن.
(3) البيت في الواقدي: اللائي إذ كنت طفلا كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما تذر وصدره في السهيلي: إذ كنت طفلا صغيرا كنت ترضعها.
(4) شالت نعامته: أي تفرقت كلمتهم، أو ذهب عزهم (القاموس)

" أما حقي منها فلك " فقال الرجل: أما إذا بلغ الامر فيها فلا حاجة لي بها فرمى بها من يده.
وهذا السياق يقتضي أنه عليه السلام رد إليهم سبيهم قبل القسمة كما ذهب إليه محمد بن إسحاق ابن يسار خلافا لموسى بن عقبة وغيره.
وفي صحيح البخاري: من طريق الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن ترد إليهم أموالهم ونساؤهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال ؟ وقد كنت
استأنيت بكم " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حنى قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم أموالهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: إنا نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال " أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول مال يفئ الله علينا فليفعل " فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال لهم " إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم " فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بأنهم قد طيبوا وأذنوا.
فهذا ما بلغنا عن سبي هوازن (1).
ولم يتعرض البخاري لمنع الاقرع وعيينة وقومهما بل سكت عن ذلك والمثبت مقدم على النافي فكيف الساكت.
وروى البخاري: من حديث الزهري أخبرني عمر بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أخبره جبير بن مطعم أنه بينما هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفله من حنين علقت الاعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا " تفرد به البخاري.
وقال ابن إسحاق: وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي ابن أبي طالب جارية، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة، وأعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر جارية فوهبها من ابنه عبد الله.
وقال ابن إسحاق: فحدثني نافع عن عبد الله بن عمر قال: بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح، ليصلحوا لي منها ويهيئوها حتى أطوف بالبيت، ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها، قال: فجئت من المسجد حين فرغت، فإذا الناس يشتدون، فقلت: ما شأنكم ؟ قالوا رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وابناءنا، قلت: تلكم صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها فذهبوا إليها فأخذوها (2).
قال ابن إسحاق:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (54) باب.
فتح الباري 8 / 26 - 27.
وأخرجه البخاري في الوكالة، وفي
كتاب الخمس، وفي كتاب الهبة مختصرا.
وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب: في فداء الاسير بالمال.
(2) الخبر في أمر أموال هوازن وسباياها وعطاياها في سيرة ابن هشام ج 4 / 132 - 133.

وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن، وقال حين أخذها: أوى عجوزا إني لاحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها، فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض (1) أبي أن يردها، فقال له زهير بن صرد: خذها عنك فوالله ما فوها ببارد، ولا ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد، ولا درها بماكد (2)، إنك ما أخذتها والله بيضاء غريرة ولا نصفا وثيرة فردها بست فرائض قال الواقدي: ولما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بالجعرانة أصاب كل رجل أربع من الابل وأربعون شاة (3).
وقال سلمة عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر: أن رجلا ممن شهد حنين قال: والله إني لاسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي، وفي رجلي نعل غليظة، إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه، فقرع قدمي بالسوط وقال: " أوجعتني فتأخر عني " فانصرفت فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني قال: قلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالامس، قال فجئته وأنا أتوقع فقال " إنك أصبت رجلي بالامس فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط فدعوتك لاعوضك منها " فأعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني، والمقصود من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق وغيره، وظاهر سياق حديث عمرو بن شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة، ولهذا لما رد السبي وركب علقت الاعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون له أقسم علينا فيئنا حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فقال " ردوا علي ردائي أيها الناس فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاة نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا " كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه.
وكأنهم خشوا أن يرد إلى هوازن أموالهم كما رد إليهم نساءهم وأطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها عليه الصلاة
والسلام بالجعرانة كما أمره الله عزوجل وآثر أناسا في القسمة وتألف أقواما من رؤساء القبائل وأمرائهم فعتب عليه أناس من الانصار حتى خطبهم وبين لهم وجه الحكمة فيما فعله تطبيبا لقلوبهم، وتنقد بعض من لا يعلم من الجهلة والخوارج كذي الخويصرة وأشباهه قبحه الله كما سيأتي تفصيله وبيانه في الاحاديث الواردة في ذلك وبالله المستعان.
قال الامام أحمد: حدثنا عارم، ثنا معتمر بن سليمان، سمعت أبي يقول: ثنا السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال:
__________
(1) الفرائض: جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمي فريضة لانه فرض على رب المال، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة.
(2) ماكد: غزير.
(3) العبارة في الواقدي: أربع من الابل أو أربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الابل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له، 3 / 949.

فتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف (1) وعلى مجنبة (2) خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوذ (3) خلف ظهورنا، قال: فلم نلبث أن انكشف خيلنا وفرت الاعراب، ومن نعلم من الناس، قال: فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا للمهاجرين (4) يا للمهاجرين يا للانصار ؟ - قال أنس هذا حديث عمية (5) - قال قلنا لبيك يا رسول الله قال: وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله قال فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة، قال فنزلنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة ويعطي الرجل المائتين، قال فتحدث الانصار بينها أما من قاتله فيعطيه، وأما من لم يقاتله فلا يعطيه ؟ ! فرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بسراة المهاجرين والانصار أن يدخلوا عليه ثم قال " لا يدخلن علي إلا أنصاري - أو الانصار " قال فدخلنا القبة حتى ملاناها قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر الانصار " أو
كما قال " ما حديث أتاني ؟ " قالوا ما أتاك يا رسول الله قال " ما حديث أتاني " قالوا ما أتاك يا رسول الله، قال " ألا ترضون أن يذهب الناس بالاموال وتذهبون برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم ؟ " قالوا: رضينا يا رسول الله، قال فرضوا أو كما قال (6) وهكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان وفيه من الغريب قوله أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف وإنما كانوا في اثني عشر ألفا، وقوله إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة وإنما حاصروها قريبا من شهر ودون العشرين ليلة فالله أعلم.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام، ثنا معمر، عن الزهري حدثني أنس بن مالك قال: قال ناس من الانصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا المائة من الابل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم ؟ قال أنس بن مالك: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم،
__________
(1) (1) نقل الخبر البيهقي في الدلائل وعلمه على قوله ستة آلاف قال: أظنه يريد الانصار، وقال القاضي: هذا وهم من الراوي عن الانس.
(2) مجنبة: قال شمر: المجنبة هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ جانب الطريق.
وهما مجنبتان: ميمنة، وميسرة بجانبي الطريق، والقلب بينهما.
(3) في مسلم: تلوي.
(4) في مسلم: يال المهاجرين: يال بلام مفصولة مفتوحة.
وتفتح اللام في المستغاث به.
(5) من مسلم، وفي الاصل: عمته تحريف.
قال القاضي: ضبطت على أوجه: عمية، وعمية أي حدثني به عمي.
وقال الخليل: العم: الجماعة وقال الحميدي: عمية بتشديد الياء: وفسره بعمومتي، أي حديث فضل أعمامي.
(6) الحديث في مسند الامام أحمد ج 3 / 158 ومسلم في الزكاة (46) باب.
الحديث (136)

فأرسل إلى الانصار فجمعهم في قبة أدم ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ما حديث بلغني عنكم ؟ " قال فقهاء الانصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا،
وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإني لاعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالاموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم ؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به " قالوا: يا رسول الله قد رضينا فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " فستجدون أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فإني على الحوض " قال أنس: فلم يصبروا (1).
تفرد به البخاري من هذا الوجه، ثم رواه البخاري ومسلم: من حديث ابن عون (2) عن هشام بن زيد، عن جده أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء فأدبروا فقال " يا معشر الانصار " قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك لبيك نحن بين يديك.
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أنا عبد الله ورسوله " فانهزم المشركون فأعطى الطلقاء والمهاجرين ولم يعط الانصار شيئا، فقالوا، فدعاهم فأدخلهم في قبته فقال " أما ترضون أن تذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله ؟ " صلى الله عليه وسلم [ قالوا بلى ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ".
وفي رواية للبخاري من هذا الوجه قال لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بن عمهم وذراريهم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال " يا معشر الانصار ؟ " قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال " يا معشر الانصار ؟ " فقالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: " أنا عبد الله ورسوله " فانهزم المشركون، وأصاب يومئذ مغانم كثيرة فقسم بين المهاجرين والطلقاء.
ولم يعط الانصار شيئا، فقالت الانصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال " يا معشر الانصار، ما حديث بلغني ؟ " فسكتوا فقال " يا معشر الانصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم ؟ " قالوا: بلى، فقال: " لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ".
قال هشام: قلت يأبا حمزة وأنت شاهد ذلك ؟ قال وأين أغيب عنه (3) ثم رواه البخاري ومسلم
أيضا: من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار فقال " إن
__________
(1) أخرجه البخاري في 57 كتاب الخمس (19) باب.
ومسلم في كتاب الزكاة (46) باب.
الحديث (132).
(2) من البخاري ومسلم وفي الاصل: ابن عوف تحريف.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (56) باب غزوة الطائف.
ومسلم في الزكاة (46) باب اعطاء المؤلفة قلوبهم الحديث (135)

قريشا حديثوا (1) عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم ؟ قالوا: بلى، قال " لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت وادي الانصار أو شعب الانصار " (2) وأخرجاه أيضا: من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، عن أنس بنحوه وفيه فقالوا: والله إن هذا لهو العجب إن سيوفنا لتقطر من دمائهم، والغنائم تقسم فيهم، فخطبهم وذكر نحو ما تقدم.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثناد حماد، ثنا ثابت، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والاقرع وسهيل بن عمرو في آخرين يوم حنين، فقالت الانصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم في قبة له حتى فاضت فقال " فيكم أحد من غيركم ؟ " قالوا لا إلا أبن اختنا، قال " ابن اخت القوم منهم " ثم قال " أقلتم كذا وكذا ؟ " قالوا: نعم، قال " أنتم الشعار والناس الدثار أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دياركم ؟ " قالوا: بلى، قال " الانصار كرشي وعيبتي لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعبهم، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار " (3) وقال: قال حماد: أعطى مائة من الابل فسمى كل واحد من هؤلاء.
تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الانصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي، ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال
" أفلا تقولون جئتنا خائفا فأمناك، وطريدا فأويناك، ومخذولا فنصرناك ؟ " قالوا بل لله المن علينا ولرسوله.
وهذا إسناد ثلاثي على شرط الصحيحين فهذا الحديث كالمتواتر عن أنس بن مالك.
وقد روي عن غيره من الصحابة.
قال البخاري: ثنا موسى بن اسماعيل، ثنا وهيب ثنا عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الانصار شيئا فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصيبهم.
ما أصاب الناس، فخطبهم فقال " يا معشر الانصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ " كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن،
__________
(1) حديثو عهد بجاهلية: أي كانوا قريب عهد بجاهلية، يعني أن زمانهم قريب من زمان الكفر.
قال ابن حجر: وقع بالافراد في الصحيحين " حديث عهد " والمعروف حديثو عهد.
وفعيل يستوي فيه الافراد وغيره.
(2) أخرجه البخاري في 57 كتاب فرض الخمس (19) باب.
ومسلم في كتاب الزكاة (46) باب (حديث: 133) و (134).
(3) مسند الامام أحمد: ح 3 / 222.

قال " لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الانصار وشعبها.
الانصار شعار والناس دثار (1)، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ".
ورواه مسلم من حديث عمرو بن يحيى المازني به وقال يونس بن بكير، عن محمد ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين وقسم للمتألفين من قريش، وسائر العرب ما قسم ولم يكن في الانصار منها شئ قليل ولا كثير، وجد هذا الحي من الانصار في أنفسهم، حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله قومه، فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الانصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ؟ فقال " فيم ؟ " قال: فيما كان من
قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شئ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فإذا اجتمعوا فاعلمني " فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة فجاء رجل من المهاجرين فاذن له فدخلوا وجاء آخرون فردهم، حتى إذا لم يبق من الانصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال: يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الانصار حيث أمرتني أن أجمعهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " يا معشر الانصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ " قالوا: بلى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تجيبون يا معشر الانصار ؟ " قالوا: وما نقول يا رسول الله ؟ وبماذا نجيبك ؟ المن لله ولرسوله قال: " والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم جئتنا طريدا فأويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك " فقالوا: المن لله ولرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوجدتم في نفوسكم يا معشر الانصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الاسلام، أفلا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم فوالذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب (2) الانصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار (3)، اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار " قال:
__________
(1) قال أهل اللغة: الشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه.
ومعنى الحديث أن الانصار هم البطانة والخاصة والاصفياء.
وألصق الناس بي من سائر الناس.
(2) قال الخليل: الشعب هو ما انفرج بين جبلين، وقال ابن السكين، هو الطريق في الجبل.
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أراد أنه مع الانصار قال الخطابي: ويحتمل أنه يريد بالشعب - الوادي - أي المذهب.
(3) قال الخطابي: أراد: تأليف الانصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم.
وقال القرطبي: معناه لتسميت .

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا بالله ربا ورسوله قسما ثم انصرف وتفرقوا (1).
وهكذا رواه الامام أحمد: من حديث إبن اسحاق ولم يروه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه وهو صحيح وقد رواه الامام أحمد: عن يحيى بن بكير، عن الفضل بن مرزوق، عن عطية بن سعد العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال رجل من الانصار لاصحابه: أما والله لقد كنت أحدثكم أنه لو استقامت الامور قد آثر عليكم، قال فردوا عليه ردا عنيفا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها قالوا: بلى يا رسول الله، قال " وكنتم لا تركبون الخيل " وكلما قال لهم شيئا قالوا: بلى يا رسول الله ثم ذكر بقية الخطبة كما تقدم.
تفرد به أحمد أيضا.
وهكذا رواه الامام أحمد منفردا به من حديث الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بنحوه ورواه أحمد أيضا عن موسى بن عقبة عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مختصرا.
وقال سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق، عن أبيه، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن جده رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من سبي حنين مائة من الابل، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائة.
وأعطى صفوان بن أمية مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة.
وأعطى الاقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة، وأعطى مالك بن عوف مائة، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة، ولم يبلغ به أولئك فأنشأ يقول: أتجعل نهبي ونهب العب * يد بين عيينة والاقرع (2) فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما * ومن تخفض اليوم لا يرفع وقد كنت في الحرب ذا تدرئ * فلم أعط شيئا ولم أمنع قال فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة.
رواه مسلم من حديث ابن عيينة بنحوه وهذا لفظ البيهقي (3) وفي رواية ذكرها موسى بن عقبة وعروة بن الزبير وابن اسحاق فقال: كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الاجرع (4) وإيقاظي الحي أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
__________
= باسمكم وانتسبت إليكم لما كانوا يتناسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى
ذلك، وهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها.
(1) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 141 - 143 ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 176 - 178.
(2) العبيد: اسم فرس عباس بن مرداس.
(3) رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 178 - 179 ومسلم في كتاب الزكاة.
الحديث 137.
(4) النهاب: جمع نهب، وهو ما ينهب ويغنم، والاجرع: المكان السهل

فأصبح نهي ونهب العب * يد بين عيينة والاقرع وقد كنت في الحرب ذا تدرئ * فلم أعط شيئا ولم أمنع إلا أفايل أعطيتها * عديد قوائمها الاربع (1) وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجمع (2) وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع قال عروة وموسى بن عقبة عن الزهري: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " أنت القائل أصبح نهبي ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة ؟ " فقال أبو بكر: ما هكذا قال يا رسول الله ولكن والله ما كنت بشاعر وما ينبغي لك، فقال " كيف قال ؟ " فأنشده أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هما سواء ما يضرك بأيهما بدأت " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقطعوا عني لسانه " فخشي بعض الناس أن يكون أراد المثلة به وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم العطية، قال وعبيد فرسه (3)، وقال البخاري: حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة عن أبي موسى قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة (4) ومعه بلال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني ؟ فقال له " ابشر " فقال: قد أكثرت على من أبشر ! فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال " رد البشرى فأقبلا أنتما " ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال: " اشربا منه وافرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا " فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لامكما.
فأفضلا لها منه
طائفة.
هكذا رواه.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، قال: مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
وقد ذكر ابن إسحاق الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مائة من الابل وهم: أبو سفيان صخر بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحارث (5) بن كلدة أخو بني عبد
__________
(1) الافايل: جمع أفيل.
وهو الصغير من الابل.
(2) في رواية عروة وابن عقبة وابن إسحاق: شيخي بدلا من مرداس.
وحصن: هو أبو عيينة.
(3) الخبر والابيات في سيرة ابن هشام ج 4 / 136 ونقلها البيهقي في الدلائل عن ابن عقبة.
ج 5 / 181.
(4) من صحيح البخاري، وفي نسخ البداية المطبوعة يزيد وهو تحريف.
(5) قال القسطلاني: قال الداودي: وهو وهم والصواب بين مكة والطائف، وبه جزم النووي وغيره.
وقال ياقوت: الجعرانة ماء بين مكة والطائف وهي إلى مكة أقرب.
وقال الباجي: بينه وبين مكة ثمانية عشر ميلا.
(6) في السيرة: الحارث بن الحارث بن كلدة، وقال ابن هشام: نصير.
وعند الواقدي: النضير.

الدار، وعلقمة بن علاثة، والعلاء بن حارثة (1) الثقفي حليف بني زهرة، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم (2)، ومالك بن عوف النصري، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وعيينة بن حصن، وصفوان بن أمية، والاقرع بن حابس، قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي: أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه: يا رسول الله أعطيت عيينة والاقرع مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري (3) ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما والذي نفس محمد بيده لجعيل خير من طلاع الارض كلهم مثل عيينة والاقرع، ولكن تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه " ثم ذكر ابن اسحاق من أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
دون المائة ممن يطول ذكره.
وفي الحديث الصحيح عن صفوان بن أمية أنه قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه.
قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ؟ فقالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال " أخبروه إنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الابل " فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة (4).
أو بمكة - فأسلم وحسن إسلامه، فرد عليه أهله وماله ولما أعطاه مائة فقال مالك بن عوف رضي الله عنه: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد (5) وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند (6) فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد (7) قال واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وتلك القبائل ثمالة وسلمة
__________
(1) في ابن هشام: ابن جارية.
وفي الواقدي: أعطاه خمسين بعيرا.
(2) لم يذكره ابن إسحاق في السيرة، ولا الواقدي.
وذكر الواقدي: قيس بن عدي فيمن أعطوا مائة.
(3) قال السهيلي: نسب ابن إسحاق جعيلا إلى ضمرة، وهو معدود في غفار لان غفارا هم بنو مليل بن ضمرة.
(4) جزم الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ركب من الجعرانة.
(5) اجتدى: أي طلب منه الجدوى، وهو العطية (شرح أبي ذر).
(6) عردت: عوجت (قاله أبو ذر)، وفي الواقدي بالمشرفي بدل بالسمهري.
قال أبو عبيدة: نسب السيوف المشرفية إلي مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف.
قال في الصحاح: يقال سيف مشرفي ولا يقال مشارفي.
(7) الهباءة: الغبار.
الخادر: الاسد الداخل في خدره أي عرينه.
والخدر هنا غابة الاسد.

وفهم (1)، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرج إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم.
وقال البخاري: ثنا موسى بن اسماعيل ثنا جرير بن حازم ثنا الحسن حدثني عمرو بن تغلب قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال " إني أعطى قوما أخاف هلعهم وجزعهم وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب " قال عمرو: فما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم، زاد أبو عاصم عن جرير: سمعت الحسن ثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بمال أو سبي - فقسمه بهذا.
وفي رواية للبخاري قال: أتي رسول الله بمال - أو بشئ - فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " أما بعد " فذكره مثله سواء.
تفرد به البخاري وقد ذكر ابن هشام أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال فيما كان من أمر الانصار وتأخرهم عن الغنيمة: ذر الهموم (2) فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر وجدا بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا ذنن فيها ولا خور (3) دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر وائت الرسول وقل يا خبر مؤتمن * للمؤمنين إذا ما عدد (4) البشر علام تدعى سليم وهي نازحة * قدام قوم هموا آووا وهم نصروا (5) سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر وسارعوا في سبيل الله واعترضوا * للنائبات وما خانوا وما ضجروا والناس إلب علينا فيك ليس لنا (6) * إلا السيوف وأطراف القناوزر تجالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع ما توحي به السور ولا تهز جناة الحرب نادينا (7) * ونحن حين تلظى نارها سعر كما رددنا ببدر دون ما طلبوا * أهل النفاق وفينا ينزل الظفر ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حزبت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا
__________
(1) قال الواقدي: هوازن وفهم.
وقال السهيلي: " والمعروف في قبائل قيس سلمة بالفتح.
إلا أن يكونوا من الازد، فإن ثمالة المذكورين معهم حي من الازد، وفهم من دوس وهم من الازد أيضا.
".
(2) في ابن هشام: زادت هموم.
(3) ذنن، وفي ديوانه دنس.
قال أبو ذر: ذنن القذر.
وتروى دنن: معناه تطامن بالصدر.
(4) في الديوان: عدل.
(5) في الديوان: أمام بدلا من قدام.
(6) في الديوان: ثم ليس لنا.
(7) صدره في الديوان: ولا يهر جناب الحرب مجلسنا، وما قبله غير مذكور في الديوان.

اعترض بعض أهل الشقاق على الرسول قال البخاري: ثنا قبيصة ثنا سفيان عن الاعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة حنين قال رجل من الانصار: ما أراد بها وجه الله، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فتغير وجهه ثم قال " رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ".
ورواه مسلم من حديث الاعمش به.
ثم قال البخاري ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جرير، عن منصور، عن ابي وائل عن عبد الله قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناسا، أعطى الاقرع بن حابس مائة من الابل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسا فقال رجل: ما أريد بهذه القسمة وجه الله.
فقلت: لاخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، [ فأخبرته ] (1) فقال " رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ".
وهكذا رواه من حديث منصور عن المعتمر به.
وفي رواية البخاري: فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله، فقلت والله لاخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال " من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ؟ ! رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر " (2).
وقال محمد
ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن مقسم، أبي القاسم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي، حتى أتينا عبد الله بن عمرو ابن العاص، وهو يطوف بالبيت، معلقا نعله بيده، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال: نعم جاء رجل من بني تميم، يقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يعطي الناس فقال له: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجل فكيف رأيت ؟ " قال لم أرك عدلت، قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ؟ " فقال عمر بن الخطاب: ألا نقتله ؟ فقال " دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل، فلا يوجد شئ ثم في القدح فلا يوجد شئ، ثم في الفوق، (3) فلا يوجد شئ سبق الفرث والدم " وقال الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجل بالجعرانة النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل، قال: " ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل، لقد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل " فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل
__________
(1) من صحيح البخاري.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي - باب غزوة حنين، وفي كتاب فرض الخمس - باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم.
ورواه مسلم في الزكاة (46) باب.
الحديث (140).
(3) القدح: السهم.
والفوق: طرف السهم الذي يباشر الوتر.
والخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 139.

هذا المنافق ؟ فقال " معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية " (1) ورواه مسلم عن محمد بن رمح عن الليث.
وقال أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا قرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم مغانم حنين إذ قام إليه رجل فقال اعدل، فقال " لقد شقيت إذ لم
أعدل " (2) ورواه البخاري عن مسلم بن ابراهيم عن قرة بن خالد السدوسي به.
وفي الصحيحين من حديث الزهري، عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبت وخسرت، إذ لم أعدل فمن يعدل ؟ " فقال عمر ابن الخطاب: يا رسول الله إيذن لي فيه فأضرب عنقه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ ثم إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر در ويخرجون على حين فرقة من الناس " قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فألتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت (3).
ورواه مسلم أيضا من حديث القاسم بن الفضل عن أبي نضرة عن أبي سعيد به نحوه.
مجئ أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة قال ابن اسحاق: وحدثني بعض بني سعد بن بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم هوازن " إن قدرتم على نجاد (4) - رجل من بني سعد بن بكر - فلا يفلتنكم " وكان قد أحدث حدثا، فلما
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزكاة " (47) باب ذكر الخوارج الحديث (142) ونقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 185 - 186.
(2) مسند الامام أحمد ج 3 / 332.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (25) باب علامات النبوة في الاسلام.
وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة (47) باب ذكر الخوارج (الحديث 148).
في الحديث: الرصاف: مدخل النصل من السهم.
والنفي: السهم بلا نصل ولا ريش.
والقذذ: ريش السهم.
وتدردر: تضطرب وتتحرك وتذهب وتجئ.
(4) في ابن هشام والواقدي بجاد، وكان قد أتاه رجل مسلم، فأخذه بجاد فقطعه عضوا عضوا ثم حرقه بالنار.
فكان قد عرف جرمه فهرب، فأخذته الخيل، ثم ضموه إلى الشيماء: وبعد رحيل الشيماء إلى قومها عادت وكلمته صلى الله عليه وسلم أن يهبها بجاد ويعفو عنه ففعل.
مغازي الواقدي: 3 - 913.

ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى، أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قال: فعنفوا عليها في السوق فقالت للمسلمين: تعلمون والله إني لاخت صاحبكم من الرضاعة ؟ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن عبيد السعدي - هو أبو وجزة - قال: فلما انتهي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني أختك من الرضاعة، قال: " وما علامة ذلك ؟ " قالت عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك، قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه وخيرها وقال " إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت ؟ " قالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول، وجارية، فزوجت أحدهما الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية (1).
وروى البيهقي من حديث الحكم بن عبد الملك، عن قتادة قال: لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا أختك أنا شيماء بنت الحارث، فقال لها " إن تكوني صادقة فإن بك مني أثر لا يبلى " قال: فكشف عن عضدها فقالت: نعم يا رسول الله [ حملتك ] (2) وأنت صغير فعضضتني هذه العضة، قال: فبسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، ثم قال " سلي تعطي واشفعي تشفعي ".
وقال البيهقي: أنبأ أبو نصر ابن قتادة، أنبأ عمرو بن اسماعيل بن عبد السلمي ثنا مسلم (3) ثنا أبو عاصم ثنا جعفر بن يحيى ابن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: كنت غلاما أحمل عضو البعير، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم نعما بالجعرانة، قال: فجاءته امرأة فبسط لها رداءه، فقلت: من
هذه ؟ قالوا أمه التي أرضعته (4).
هذا حديث غريب ولعله يريد أخته وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا فان من وقت أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقت الجعرانة أزيد من ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك، وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبو يه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته.
قال أبو داود في المراسيل (5) ثنا أحمد بن سعيد الهمداني، ثنا ابن وهب، ثنا عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 100 - 101.
(2) من الدلائل: وانظر.
الخبر فيها ج 5 / 199 - 200.
(3) في الدلائل: أخبرنا نصر بن قتادة، قال: أنبأنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي، قال: أنبأنا أبو مسلم.
(4) دلائل البيهقي 5 / 199 وأخرجه أبو داود في كتاب الادب - باب في بر الوالدين 4 / 337.
وقال في بذل المجهود (20 / 81): هي حليمة السعدية، وبه جزم السيوطي في شرح الترمذي.
(5) الحديث أخرجه أبو داود في الادب 4 / 337 الحديث 5145 في باب: بر الوالدين.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55