الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن
قدامة المقدسي
تَبْطُلُ كِتَابَتُهَا بِعِتْقِهَا .
أَنْ يَعُودَ وَلَدُهَا رَقِيقًا .
وَمُقْتَضَى قَوْلِنَا ، أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْأَدَاءُ عَنْهَا لِحُصُولِ الْحُرِّيَّةِ بِدُونِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ يَتْبَعُهَا فِي الْكِتَابَةِ ، وَلَا فِي يَدِهَا مَالٌ يَأْخُذُهُ ، لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ ، فَانْتَفَى لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا ، فِي بَقَائِهِ فَائِدَةٌ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى عِتْقِ وَلَدِهَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ بِإِعْتَاقِهَا لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى إبْرَائِهَا مِنْ مَال الْكِتَابَة .
وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْ بِاسْتِيلَادِ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ تَعْلِيقٍ بِصِفَةِ ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهَا ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ الْكِتَابَةِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ دُونَهَا ، صَحَّ عِتْقُهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَصَحَّ عِتْقُهُ ، كَأُمِّهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ مَعَهَا لَصَحَّ ، وَمَنْ صَحَّ عِتْقُهُ مَعَ غَيْرِهِ ، صَحَّ مُفْرَدًا ، كَسَائِرِ مَمَالِيكِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَنْفُذَ عِتْقُهُ : لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِأُمِّهِ ، بِتَفْوِيتِ كَسْبِهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا ، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ نَفَّذَ عِتْقَهُ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ الضَّرَرِ لَا يَصِحُّ لَوُجُوهٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ كَسْبٌ يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ ، فَأَمَّا مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ ، فَتَخْلِيصُهَا مِنْ نَفَقَتِهِ نَفْعٌ مَحْضٌ ، فَلَا ضَرَرَ فِي إعْتَاقِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا يَفْضُلُ لَهَا مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَيِّدَ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِهَذَا الْقَيْدِ .
الثَّانِي أَنَّ النَّفْعَ بِكَسْبِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَهَا ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَمْلِكُ إجْبَارَهُ
عَلَى الْكَسْبِ ، فَلَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ بِفَوَاتِهِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهَا .
الثَّالِثُ ، أَنَّ مُطْلَقَ الضَّرَرِ لَا يَكْفِي فِي مَنْعِ الْعِتْقِ الَّذِي تَحَقَّقَ مُقْتَضِيه ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يَشْهَدُ بِالِاعْتِبَارِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَصْلًا ، ثُمَّ هُوَ مُلْغًى بِعِتْقِ الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ وَسِرَايَةِ الْعِتْقِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَعَ وُجُودِ الضَّرَرِ بِتَفْوِيتِ الْحَقِّ اللَّازِمِ ، فَهَذَا أَوْلَى .
( 8795 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا وَلَدُ وَلَدِهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ لَا يَتْبَعُهُ ، وَأَمَّا وَلَدُ بِنْتِهَا ، فَهُوَ كَبِنْتِهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَسْرِي الْكِتَابَةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ الِاتِّصَالِ ، وَهَذَا وَلَدٌ مُنْفَصِلٌ ، فَلَا تَسْرِي إلَيْهِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا ، لَا يَسْرِي إلَيْهِ الِاسْتِيلَادُ ، وَهَذَا الْوَلَدُ اتَّصَلَ بِأُمِّهِ دُونَ جَدَّتِهِ .
وَلَنَا أَنَّ ابْنَتَهَا ثَبَتَ لَهَا حُكْمُهَا تَبَعًا ، فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِابْنَتِهَا حُكْمُهَا تَبَعًا ، كَمَا يَثْبُت حُكْمُ أُمِّهَا ، وَلِأَنَّ الْبِنْتَ تَبِعَتْ أُمَّهَا ، فَيَجِبُ أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ إتْبَاعَهَا لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي وَلَدِهَا ، وَلِأَنَّ الْبِنْتَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِتْقِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْرِيَ إلَى وَلَدِهَا ، كَالْمُكَاتَبَةِ .
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وَلَدِ الْبِنْتِ التَّابِعَةِ لِأُمِّهَا فِي الْكِتَابَةِ ، فَأَمَّا الْمَوْلُودَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ، فَلَا تَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ ، فَابْنَتُهَا أَوْلَى .
( 8796 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَاللَّيْثِ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، قَالَ : وَلَا وَجْهَ لِقَوْلٍ مَنْ قَالَ : لَا يَجُوزُ .
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ ، عَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَالْجَدِيدُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ كَسْبِهِ ، فَيَمْنَعُ بِيعَهُ ، كَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَأَبُو الزِّنَاد : يَجُوزُ بَيْعُهُ بِرِضَاهُ ، وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَرْضَ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ بَرِيرَةَ إنَّمَا بِيعَتْ بِرِضَاهَا وَطَلَبِهَا ، وَلِأَنَّ لِسَيِّدِهِ اسْتِيفَاءَ مَنَافِعِهِ بِرِضَاهُ ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، كَذَلِكَ بَيْعُهُ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : { جَاءَتْ بَرِيرَةُ إلَيَّ ، فَقَالَتْ : يَا عَائِشَةُ ، إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ ، فَأَعِينِينِي .
وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ، وَنَفَسَتْ فِيهَا : ارْجِعِي إلَى أَهْلِك ، إنْ أَحَبُّوا أَنْ أُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ جَمِيعًا ، فَعَلْت .
فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ، فَأَبَوْا ، وَقَالُوا : إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْك فَلْتَفْعَلْ ، وَيَكُونَ وَلَاؤُك لَنَا .
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ مِنْهَا ، ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي ، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
فَقَامَ رَسُولُ اللَّه فِي النَّاسِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ نَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّه ، فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : بِيعَتْ بَرِيرَةُ
بِعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ ، فَفِي ذَلِكَ أَبْيَنُ الْبَيَانِ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ ، وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ ، وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ دَلِيلًا عَلَى عَجْزِهَا .
وَتَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ ، وَكَانَ بَيْعُهَا فَسْخًا لِكِتَابَتِهَا .
وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، بَلْ قَوْلُهَا : أَعِينِينِي عَلَى كِتَابَتِي .
دَلَالَةٌ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ ، وَلِأَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّ نُجُومَهَا فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ ، فَالْعَجْزُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُضِيِّ عَامَيْنِ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الْعَجْزَ إلَّا بِحُلُولِ نَجْمَيْنِ ، أَوْ بِمُضِيِّ عَامٍ عِنْدَ الْآخَرِينَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ عَائِشَةَ لَهَا كَانَ فِي أَوَّلِ كِتَابَتِهَا ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ حُرِّيَّتِهَا مُسْتَقِرٌّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ بِحَالٍ ، فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ ، وَالْمُكَاتَبُ يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ ، وَفَسْخُ كِتَابَتِهِ إذَا عَجَزَ ، فَافْتَرَقَا .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : وَهَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ الْمُكَاتَبَ بِأَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِ ، لَمْ يَتَحَتَّمْ عِتْقُهُ ، فَجَازَ بَيْعُهُ ، كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } .
وَأَنَّ مَوْلَاتَه لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ ، فَمَلَكَ مَا يُؤَدِّي ، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْتَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَقَدْ رَوَيْنَا فِي هَذَا عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : قَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ : يَا نَبْهَانُ ، هَلْ عِنْدَك مَا تُؤَدِّي ؟ قُلْت : نَعَمْ .
فَأَخْرَجَتْ الْحِجَابَ
بَيْنِي وَبَيْنَهَا ، وَرَوَتْ هَذَا الْحَدِيثَ .
قَالَ فَقُلْت : لَا وَاَللَّهِ عِنْدِي مَا أُؤَدِّي ، وَلَا أَنَا بِمُؤَدٍّ .
وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحِجَابُ عَنْهَا مِنْهُ ؛ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكَهَا ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ ، وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ ، وَيَرْجِعُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى كَوْنِهِ قِنًّا ، وَلَوْ صَارَ حُرًّا ، مَا عَادَ إلَى الرِّقِّ ، وَيُفَارِقُ إعْتَاقَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الرِّقَّ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطٌ لِلْمِلْكِ فِيهِ ، وَأَمَّا بَيْعُهُ ، فَلَا يُمْنَعُ مَالِكُهُ بَيْعَهُ ، وَأَمَّا الْبَائِعُ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
( 8797 ) فَصْلٌ : وَتَجُوزُ هِبَتُهُ ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ ، وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَنَعَ هِبَتَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِبَيْعِهِ .
وَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ .
( 8798 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَمُشْتَرِيه يَقُومُ فِيهِ مَقَامَ الْمُكَاتِبِ ، فَإِذَا أَدَّى ، صَارَ حُرًّا .
وَوَلَاؤُهُ لِمُشْتَرِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُكَاتَبٌ ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ فِي الثَّمَنِ ، أَوْ يَأْخُذَ مَا بَيَّنَهُ سَلِيمًا وَمُكَاتَبًا وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْبَيْعِ ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ مُكَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يُبْطِلَ كِتَابَتَهُ بِبَيْعِهِ ، إذَا كَانَ مَاضِيًا فِيهَا ، مُؤَدِّيًا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ فِي أَوْقَاتِهَا ، غَيْرُ جَائِزٍ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ ، فَلَا تَبْطُلُ بِبَيْعِ ، الْعَبْدِ ، كَإِجَارَتِهِ وَنِكَاحِهِ ، وَيَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَعَلَى نُجُومِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَيُؤَدِّي إلَى الْمُشْتَرِي ، كَمَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى الْبَائِعِ ، فَإِنْ عَجَزَ ، فَهُوَ عَبْدٌ لِمُشْتَرِيهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَيِّدَهُ ، وَإِنْ أَدَّى ، عَتَقَ ، وَوَلَاؤُهُ لِمُشْتَرِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُكَاتِبِ فِيهِ انْتَقَلَ إلَى الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُعْتِقَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ : { ابْتَاعِي ، وَأَعْتِقِي ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
وَلَمَّا أَرَادَ أَهْلُهَا اشْتِرَاطَ وَلَائِهَا ، أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَ بِبُطْلَانِهِ .
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ مُكَاتَبًا ، ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ ، فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ ، أَوْ أَخْذُ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَيْبٌ ، لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ كَسْبَهُ ، وَلَا اسْتِخْدَامَهُ ، وَلَا الْوَطْءَ إنْ كَانَتْ أَمَةً ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ زَوَالِ الْمِلْكِ فِيهِ ، فَيَمْلِكُ الْفَسْخَ بِذَلِكَ ، كَمُشْتَرِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمَعِيبَةِ ، فَيَتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ بَيْنَ
فَسْخِ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ ، وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَهُ مُكَاتَبًا وَبَيْنَهُ رَقِيقًا قِنًّا ، فَيُقَالُ : كَمْ قِيمَتُهُ مُكَاتَبًا ، وَكَمْ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَاتَبٍ ؟ فَإِذَا قِيلَ : قِيمَتُهُ مُكَاتَبًا مِائَةٌ ، وَقِيمَتُهُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ .
وَالثَّمَنُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ، فَقَدْ نَقَصَتْهُ الْكِتَابَةُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ ، فَيَرْجِعُ بِثُلُثِ ثَمَنِهِ ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ ، وَلَا يَرْجِعُ بِالْخَمْسِينَ الَّتِي نَقَصَتْ بِالْكِتَابَةِ مِنْ قِيمَتِهِ ، عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْبَيْعِ .
( 8799 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا بَيْعُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ نُجُومِهِ ، فَلَا يَصِحُّ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ عَطَاءٌ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَمَالِكٌ : يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُهَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ ، فَجَازَ بَيْعُهَا ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، كَدَيْنِ السَّلَمِ ، وَدَلِيلُ عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ ، أَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إجْبَارَ الْعَبْدِ عَلَى أَدَائِهِ ، وَلَا إلْزَامِهِ بِتَحْصِيلِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، كَالْعِدَّةِ بِالتَّبَرُّعِ ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ فَإِنْ بَاعَهُ ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، وَلَا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ، إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ .
فَإِنْ سَلَّمَ الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُشْتَرِي نُجُومَهُ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي الْقَبْضِ ، فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْوَكِيلِ .
وَالثَّانِي ، لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِبْهُ فِي الْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا قَبَضَ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، فَكَانَ الْقَبْضُ أَيْضًا فَاسِدًا ، وَلَمْ يَعْتِقْ ، بِخِلَافِ وَكِيلِهِ ، فَإِنَّهُ اسْتَنَابَهُ .
وَلَوْ صَرَّحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنِيبٍ لَهُ فِي الْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا إذْنُهُ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْن التَّصْرِيحِ وَعَدَمِهِ .
فَإِنْ قُلْنَا : يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَبَضَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ .
فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ ، وَكَانَ قَدْ تَلِفَ ، تَقَاصَّا بِقَدْرِ أَقَلِّهِمَا ، وَرَجَعَ ذُو الْفَضْلِ بِفَضْلِهِ .
وَإِنْ قُلْنَا : لَا يَعْتِقُ بِذَلِكَ .
فَمَالُ الْكِتَابَةِ بَاقٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَيَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى
الْمُشْتَرِي بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ .
فَإِنْ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ، لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ تَرَاجَعَا بِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ .
وَإِنْ بَاعَهُ مَا أَخَذَهُ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ ، جَازَ إذَا كَانَ مَا قَبَضَهُ السَّيِّدُ ، بَاقِيًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَلِفَ ، وَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ ، وَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، تَقَاصَّا ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَتَحَاسَبَا بِهِ ، جَازَ .
( 8800 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ ذَاتَ وَلَدٍ يَتْبَعُهَا فِي الْكِتَابَةِ ، فَبَاعَهُمَا مَعًا ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ بَيْعِهِمَا ، وَيَكُونَانِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، كَمَا كَانَا عِنْدَ الْبَائِعِ ، سَوَاءً .
وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ ، أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَرَجُلٍ ، وَبَاعَ الْآخَرُ لِغَيْرِهِ ، لَمْ يَصِحَّ ، لِوَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ .
فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَالثَّانِي ، أَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ ، وَلَهَا كَسْبُهُ ، وَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ ، وَصَارَ فِي مَعْنَى مَمْلُوكِهَا ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَالِغًا ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ ، صَدَرَ فِيهِ التَّصَرُّفُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَيَكُونُ عِنْدَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ ، عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ ، لَهَا كَسْبُهُ ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ ، وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا ، كَمَا لَوْ بِيعَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8801 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِالْمُكَاتَبِ لَرَجُلٍ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ أَحْمَدُ الْوَصِيَّةُ بِهِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى بَيْعَهُ ، وَكَذَلِكَ هِبَتَهُ ، وَيَقُومُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مَقَامَ مُكَاتِبِهِ فِي الْأَدَاءِ إلَيْهِ ، وَإِنْ عَجَزَ ، عَادَ إلَيْهِ رَقِيقًا لَهُ قِنًّا ، وَإِنْ عَتَقَ ، فَالْوَلَاءُ لَهُ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُشْتَرِي ، سَوَاءٌ ، فَإِنْ عَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ لَا يُنَافِي الْوَصِيَّةَ .
وَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ .
وَمَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْمُكَاتَبِ ، مَنَعَ الْوَصِيَّةَ فِيهِ ، وَهِبَتَهُ .
فَإِنْ قَالَ : إنْ عَجَزَ وَرَقَّ ، فَهُوَ لَك بَعْدَ مَوْتِي .
صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، إذَا عَجَزَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِهِ ، لَمْ يَسْتَحِقَّهُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ بَطَلَ بِمَوْتِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
فَلَمْ يَدْخُلْهَا حَتَّى مَاتَ سَيِّدُهُ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ عَجَزْت بَعْدَ مَوْتِي ، فَهُوَ لَك .
فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى صِفَةٍ ، تُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صِحَّتِهَا وَجْهَيْنِ .
( 8802 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِكِتَابَتِهِ لِرَجُلٍ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ ، كَمَا تَصِحُّ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ ؛ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ ، وَحَمْلِ جَارِيَتِهِ .
وَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ عِنْدَ حُلُولِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُبْرِئَ مِنْهُ ؛ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ ، عَتَقَ الْمُكَاتَبُ ، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، فَأَرَادَ الْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إنْظَارَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمَالِ مَا دَامَ الْعَقْدُ قَائِمًا ، وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، إذَا عَجَزَهُ يَرُدُّهُ فِي الرِّقِّ ، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْوَارِثِ مِنْ تَعْجِيزِهِ .
وَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ إنْظَارَهُ ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ تَعْجِيزَهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي التَّعْجِيزِ وَالْفَسْخِ لِلْوَارِثِ ، وَلَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا بَيْعَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَسْقُطُ بِهِ .
وَمَتَى عَجَزَ ، عَادَ عَبْدًا لِلْوَرَثَةِ .
وَإِنْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِمَا تَعَجَّلَهُ الْمُكَاتَبُ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِصِفَةٍ ، فَإِنْ عَجَّلَ شَيْئًا ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ شَيْئًا حَتَّى حَلَّتْ نُجُومُهُ ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ .
( 8803 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَرَجُلٍ ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّتَانِ ؛ فَإِنْ أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْمَالِ ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ ، عَتَقَ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ ، وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الرَّقَبَةِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ، فَإِذَا وَصَّى بِهَا كَانَ الْوَلَاءُ لِمَنْ وَصَّى لَهُ بِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لَهُ بِالْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا ، لَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا وَصَّى بِرَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ .
وَإِنْ عَجَزَ ، فَسَخَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ كِتَابَتَهُ ، وَكَانَ رَقِيقًا لَهُ ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ .
وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ قَبَضَ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا ، فَهُوَ لَهُ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي فَسْخِ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ قُدِّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَرَثَةِ ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَقِيَاسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، أَنَّهُ لَوْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ دُونَ مَالِ الْكِتَابَةِ ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْمَالِ صَحِيحَةٌ ، فِيمَا إذَا وَصَّى بِهَا لَرَجُلٍ وَحْدَهُ ، وَأَوْصَى بِالْمَالِ لِآخَرَ .
( 8804 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً ، فَأَوْصَى لَرَجُلٍ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ .
وَإِنْ قَالَ : وَصَّيْت لَك بِمَا أَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ .
صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ يُؤَدَّى فِيهَا الْمَالُ ، كَمَا يُؤَدَّى فِي الصَّحِيحَةِ .
وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ تَصِحُّ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ، فَفِي الْفَاسِدَةِ أُولَى .
( 8805 ) فَصْلٌ : وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ سَيِّدِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ زَكَاتَهُ .
فَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْ مُكَاتَبِي بَعْضَ كِتَابَتِهِ ، أَوْ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ وَضَعُوا مَا شَاءُوا ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ نَجْمًا مِنْ نُجُومِهِ .
فَلَهُمْ أَنْ يَضَعُوا أَيَّ نَجْمٍ شَاءُوا ، كَمَا لَوْ قَالَ : ضَعُوا أَيَّ نَجْمٍ شِئْتُمْ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ نُجُومُهُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَيَّ نَجْمٍ شَاءَ .
كَانَ ذَلِكَ إلَى مَشِيئَتِهِ ، فَيَلْزَمُهُمْ وَضْعُ النَّجْمِ الَّذِي يَخْتَارُ وَضْعَهُ ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ لَهُ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْبَرَ نُجُومِهِ .
لَزِمَهُمْ أَنْ يَضَعُوا أَكْبَرَهَا مَالًا ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُهَا قَدْرًا .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ نُجُومِهِ .
لَزِمَهُمْ أَنْ يَضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ ، فَإِذَا كَانَتْ نُجُومُهُ خَمْسَةً ، وَضَعُوا ثَلَاثَةً ، وَإِنْ كَانَتْ سِتَّةً ، وَضَعُوا أَرْبَعَةً .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْصَرِفَ ذَلِكَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَكْبَرُهَا مَالًا ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَكْبَرَ نُجُومِهِ .
فَإِنْ كَانَتْ نُجُومُهُ مُتَسَاوِيَةً ، تَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَوْسَطَ نُجُومِهِ .
فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَسَطٌ وَاحِدٌ ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ نُجُومُهُ مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ ، وَعَدَدُهَا مُنْفَرِدٌ ، فَيَتَعَيَّنُ وَضْعُ أَوْسَطِهَا عَدَدًا ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَةً ، فَالْأَوْسَطُ الثَّالِثُ ، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعَةً ، فَالْأَوْسَطُ الرَّابِعُ ، وَإِنْ كَانَ عَدَدُهَا مُزْدَوَجًا ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمِقْدَارِ ، فَبَعْضُهَا مِائَةٌ ، وَبَعْضُهَا مِائَتَانِ ، وَبَعْضُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَأَوْسَطُهَا الْمِائَتَانِ ، فَتَعَيَّنَ الْوَصِيَّةُ فِيهِ ؛
لِأَنَّهُ أَوْسَطُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ ، مُخْتَلِفَةَ الْأَجَلِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مِنْهَا إلَى شَهْرٍ ، وَوَاحِدٌ إلَى شَهْرَيْنِ ، وَوَاحِدٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا هُوَ إلَى شَهْرَيْنِ ، لِأَنَّهَا أَوْسَطُهَا .
وَإِنْ اتَّفَقَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي وَاحِدٍ ، تَعَيَّنَتْ فِيهِ .
وَإِنْ كَانَ لَهَا أَوْسَطُ فِي الْقَدْرِ ، وَأَوْسَطُ فِي الْأَجَلِ ، وَأَوْسَطُ فِي الْعَدَدِ ، يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ ، فَلَهُمْ وَضْعُ مَا شَاءُوا مِنْهَا .
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالْمُكَاتَبُ ، فِيمَا أَرَادَ الْمُوصِي مِنْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا أَرَادَ الْمُوصِي ، ثُمَّ التَّعْيِينُ إلَيْهِمْ .
وَمَتَى كَانَ فِيهَا أَوْسَطَانِ ، عَيَّنَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمَا .
وَمَتَى كَانَ الْعَدَدُ وِتْرًا ، فَأَوْسَطُهُ وَاحِدٌ .
وَإِنْ كَانَ شَفْعًا ، كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ ، فَأَوْسَطُهُ اثْنَانِ .
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا إذَا وَصَّى بِأَوْسَطِ نُجُومِهِ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا خَفَّ .
أَوْ قَالَ : مَا يَثْقُلُ ، أَوْ مَا يَكْثُرُ .
كَانَ ذَلِكَ إلَى تَقْدِيرِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَخِفُّ إلَى جَنْبِ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ ، كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَا إذَا وَصَّى بِمَالٍ عَظِيمٍ ، أَوْ كَثِيرٍ ، أَوْ ثَقِيلٍ ، أَوْ خَفِيفٍ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ .
وُضِعَ عَنْهُ النِّصْفُ ، وَأَدْنَى زِيَادَةٍ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ ، وَمِثْلَ نِصْفِهِ .
فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ ، وَأَدْنَى زِيَادَةٍ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ ، وَمِثْلَهُ .
فَذَلِكَ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا ، وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا ، فَيَصِحُّ فِي الْكِتَابَةِ ، وَيَبْطُلُ فِي الزِّيَادَةِ ؛ لِعَدَمِ مَحَلِّهَا .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ .
فَشَاءَ وَضْعَ كُلِّ مَا عَلَيْهِ ، وُضِعَ مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ تَتَنَاوَلُهُ .
وَإِنْ قَالَ : ضَعُوا عَنْهُ مَا شَاءَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ .
لَمْ يَكُنْ لَهُ
وَضْعُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ ، فَلَا تَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ .
( 8806 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ مِنْ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ ، لَمْ يَعْتِقُوا حَتَّى يُؤَدِّيَ وَهُمْ فِي مِلْكِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ ، فَهُمْ عَبِيدٌ لِسَيِّدِهِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ : ( 8807 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ، أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، بِغَيْرِ إذْنِ .
سَيِّدِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ مَالِهِ ، لِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ مَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ .
فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَجُوزُ .
قَوْلًا وَاحِدًا .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ سَيِّدِهِ ، فَجَازَ بِإِذْنِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : فِيهِ قَوْلَانِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ اشْتَرَى مَمْلُوكًا لَا ضَرَرَ فِي شِرَائِهِ ، فَصَحَّ ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ كَسْبَهُمْ ، وَإِنْ عَجَزَ صَارُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ غَيْرُهُ ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ ؛ لِأَنَّهَا تُفَوِّتُ الْمَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَا نَفْعٍ يَرْجِعُ إلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا السَّيِّدِ ، وَلِأَنَّهُ تَحَقَّقَ السَّبَبُ ، وَهُوَ صُدُورُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا أَصْلَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ .
( 8808 ) الْفَصْلُ الثَّانِي : أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ لَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهُمْ بِالْعِتْقِ ، أَوْ أَعْتَقَ غَيْرَهُمْ ، لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ فَلَا يَقَعُ بِالشِّرَاءِ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَهُ .
وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُمْ ، وَلَا هِبَتُهُمْ ، وَلَا إخْرَاجُهُمْ عَنْ مِلْكِهِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَهُ بَيْعُ مَنْ عَدَا الْمَوْلُودِينَ وَالْوَالِدِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسَتْ قَرَابَتُهُمْ قَرَابَةَ
حُرِّيَّةٍ وَلَا تَعْصِيبِيَّةٍ فَأَشْبَهُوا الْأَجَانِبَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، كَالْوَالِدِينَ ، وَالْمَوْلُودِينَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُمْ إذَا كَانَ حُرًّا ، فَلَا يَمْلِكُهُ مُكَاتَبًا كَوَالِدَيْهِ ، وَلِأَنَّهُمْ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ أَجْزَائِهِ ، فَلَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُمْ ، كَيَدِهِ .
فَإِذَا أَدَّى وَهُمْ فِي مِلْكِهِ ، عَتَقُوا ؛ لِأَنَّهُ كَمُلَ مِلْكُهُ فِيهِمْ ، وَزَالَ تَعَلُّقُ حَقِّ سَيِّدِهِ عَنْهُمْ ، فَعَتَقُوا حِينَئِذٍ ، وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ سَيِّدِهِ عَنْهُ ، فَيَكُونُونَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمْ بَعْدَ عِتْقِهِ .
وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ ، صَارُوا عَبِيدًا لِلسَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ مَالِهِ ، فَيَصِيرُونَ لِلسَّيِّدِ بِعَجْزِهِ ، كَعَبِيدِهِ الْأَجَانِبِ .
( 8809 ) فَصْلٌ : وَكَسْبُهُمْ ؛ لِلْمُكَاتِبِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ .
وَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ ، بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ السَّيِّدُ ، لَمْ يَعْتِقُوا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ ، فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِمْ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، لَمْ يَعْتِقُوا ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِهِمْ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ بِإِذْنِهِ ، عَتَقُوا ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ غَيْرَهُمْ مِنْ عَبِيدِهِ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ، عَتَقَ ، وَصَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ ، كَمَا لَوْ عَجَزَ ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ تَبْطُلُ بِعِتْقِهِ ، كَمَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ .
وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ ، يَعْتِقُونَ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقُوا ، كَمَا لَوْ عَتَقَ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، أَوْ بِأَدَائِهِ ، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ ، يَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُكَاتَبُ مِلْكَ رَقِيقِهِ وَاكْتِسَابِهِ ، وَيَبْقَى حَقُّ السَّيِّدِ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْأَدَاءِ ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، فَلَا يَتَسَلَّطُ السَّيِّدُ عَلَى إبْطَالِهَا فِيمَا يَرْجِعُ
إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ ، فَيَنْفُذُ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُكَاتَبِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا فِيمَا مَضَى .
وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ ، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً ، عَادَ رَقِيقًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَسْعَوْنَ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا ، وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً : إنْ جَاءَ بِالْكِتَابَةِ حَالَّةً ، قُبِلَتْ مِنْهُ ، وَعَتَقَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ ، فَصَارَ بِمَوْتِهِ لِسَيِّدِهِ إذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً كَالْأَجْنَبِيِّ .
وَإِنْ خَلَّفَ وَفَاءً ، انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي فَسْخِ الْكِتَابَةِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
( 8810 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وُهِبَ لَهُ بَعْضُ ذَوِي رَحِمِهِ ، فَلَهُ قَبُولُهُ .
وَإِنْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ ، فَلَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ شِرَاءَهُ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ مَالِهِ ، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى .
وَإِذَا مَلَكَهُ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ .
( 8811 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ ، وَالْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُكَاتَبِ ، فَجَازَ لِلْمُكَاتَبِ ، كَشِرَاءِ الْأَجَانِبِ .
وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَنْفَسِخُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي ، وَلَا يَعْتِقُ وَالِدُهُ وَوَلَدُهُ إذَا اشْتَرَاهُ ، فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الْقِنَّ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَاهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَلِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ ، وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّسَرِّي ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِمَا فِي يَدِهِ ، كَمَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ ، وَلَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ ذَوُو رَحِمِهِ لِذَلِكَ ، فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ .
( 8812 ) فَصْلٌ : وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ ابْنَهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ بِرِضَاهَا ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ ، وَكَانَتْ مِنْ وَرَثَتِهِ ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُهُ ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبَ مِنْ الدَّيْنِ عَتَقَ ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ ، لَا لِلْوَارِثِ ، فَإِنْ عَجَزَ وَعَادَ رَقِيقًا ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسهَا مِنْهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِ ، لَا يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى وَرَثَتِهِ ، كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ ، وَلِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِ لِأَجْلِ الْمِلْكِ ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِتَجَدُّدِ ذَلِكَ فِيهِ ، كَالْعَبْدِ الْقِنِّ ، وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ ، فَلِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ مِنْهُ ، فَنُسِبَ الْعِتْقُ إلَيْهِ ، وَثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَرِثَهُ كُلَّهُ ، أَوْ تَرِثَ نَصِيبَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ مِنْهُ جُزْءًا ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِيهِ فَبَطَلَ فِي بَاقِيه ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ .
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا ، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ ، أَوْ وَرِثَتْ شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ الْقِنِّ ، بَطَلَ نِكَاحُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ لَا تَرِثُ أَبَاهَا ، لِمَانِعٍ مِنْ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ ، فَنِكَاحُهَا بَاقٍ بِحَالِهِ .
وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ النِّسَاءِ ، كَالْحُكْمِ فِي الْبِنْتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مُكَاتَبَةً ، فَوَرِثَهَا ، أَوْ وَرِثَ شَيْئًا مِنْهَا ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ لِذَلِكَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8813 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْد لِثَلَاثَةِ ، فَجَاءَهُمْ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : بِيعُونِي نَفْسِي بِهَا .
فَأَجَابُوهُ ، فَلَمَّا عَادَ إلَيْهِمْ لِيَكْتُبُوا لَهُ كِتَابًا ، أَنْكَرَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ شَيْئًا ، وَشَهِدَ الرَّجُلَانِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا بِشَهَادَةِ الشَّرِيكَيْنِ ، إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ ، وَيُشَارِكُهُمَا فِيمَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ اعْتَرَضَ عَلَى الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، حَيْثُ أَجَازَ لَهُ شِرَاءَ نَفْسِهِ بِعَيْنِ مَا فِي يَدِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ الْعِتْقِ : إذَا قَالَ الْعَبْدُ لَرَجُلٍ : اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ ، وَأَعْتِقْنِي فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ ، كَانَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ بَاطِلَيْنِ وَيَكُونُ السَّيِّدُ قَدْ أَخَذَ مَالَهُ .
وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِوُجُوهِ ؛ مِنْهَا ، أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا ، وَقَوْلُهُ : بِيعُونِي مِنْ نَفْسِي بِهَذِهِ .
أَيْ أُعَجِّلُ لَكُمْ الثَّلَاثَمِائَةِ ، وَتَضَعُونَ عَنِّي مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِي .
وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ .
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَبْدِ لِأَجْنَبِيٍّ قَالَ لَهُ : اشْتَرِ نَفْسَك بِهَا .
مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهَا .
الثَّالِثُ ، أَنْ يَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ ، تَقْدِيرُهُ : إذَا قَبَضْنَا مِنْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
الرَّابِعُ ، أَنْ يَكُونَ رَضِيَ سَادَتُهُ بِبَيْعِهِ نَفْسَهُ بِمَا فِي يَدِهِ ، وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ مَعَهُ إعْتَاقٌ مِنْهُمْ لَهُ مَشْرُوطًا بِتَأْدِيَةِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ ، فَتَكُونَ صُورَتُهُ صُورَةَ الْبَيْعِ وَمَعْنَاهُ الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك نَفْسَك بِخِدْمَتِي سَنَةً .
فَإِنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِسَيِّدِهِ ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا فِيهَا فَكَانَ هَاهُنَا .
وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُهَا ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ ، وَمَتَى أَمْكَنَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، لَمْ يَجُزْ تَأْوِيلُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ .
وَإِذَا
تَعَذَّرَ هَذَا ، فَمَتَى اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَادَتِهِ ، عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِمْ ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ آخَرُ ، إلَّا أَنَّهُ هَاهُنَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ عِتْقًا مَشْرُوطًا بِالْقَبْضِ .
وَبِهَذَا قَالَ الْخِرَقِيِّ : فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا بِشَهَادَةِ الشَّرِيكَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَا بِالْقَبْضِ .
وَلَوْ عَتَقَ بِالْبَيْعِ ، لَعَتَقَ بِاعْتِرَافِهِمْ بِهِ ، لَا بِالشَّهَادَةِ بِالْقَبْضِ .
وَمَتَى أَنْكَرَ أَحَدُهُمْ أَخْذَ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَرِيكَاهُ ، وَكَانَا عَدْلَيْنِ ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا عَدْلَانِ شَهِدَا لِلْعَبْدِ بِأَدَاءِ مَا يَعْتِقُ بِهِ ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ، كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ ، وَرَجَعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَيْهِمَا فَيُشَارِكُهُمَا فِيمَا أَخَذَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِأَخْذِ مِائَتَيْنِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ، وَالْعَبْدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ ، فَثَمَنُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ ، وَلِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لَهُمْ ، وَاَلَّذِي أَخَذَاهُ كَانَ فِي يَدِهِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَ الْجَمِيعُ فِيهِ ، وَيَكُونَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، وَشَهَادَتُهُمَا فِيمَا لَهُمَا فِيهِ نَفْعٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، وَدَفْعُ مُشَارَكَتِهِ لَهُمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا فِيهِ ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ ، دُونَ مَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَغَيْرِهِمَا لَهُمَا فِيهِ نَفْعٌ ، فَإِنَّ إقْرَارَهُمَا يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِمَا ، دُونَ مَالَهُمَا .
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا عَلَى شَرِيكِهِمَا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَغْرَمًا ، وَمَنْ شَهِدَ شَهَادَةً جَرَّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْكُلِّ ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهِ ، وَالتُّهْمَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ .
فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ ، يَعْتِقُ نَصِيبُ الشَّاهِدَيْنِ
بِإِقْرَارِهِمَا ، وَيَبْقَى نَصِيبُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَوْقُوفًا عَلَى الْقَبْضِ ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِنَصِيبِهِ ، أَوْ مُشَارَكَةُ صَاحِبِهِ فِيمَا أَخَذَ .
فَإِنْ شَارَكَهُمَا ، أَخَذَ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ مِائَةٍ ، وَرَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِتَمَامِ الْمِائَةِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ ، لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ ، فَهُوَ يَقُولُ : ظَلَمَنِي ، وَأَخَذَ مِنِّي مَرَّتَيْنِ .
وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ، فَهُمَا يَقُولَانِ : ظَلَمَنَا ، وَأَخَذَ مِنَّا مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْنَا .
وَلَا يَرْجِعُ الْمَظْلُومُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ .
وَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ ، فَكَذَلِكَ ، سَوَاءٌ قُلْنَا : إنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ مَقْبُولَةٌ .
أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ .
وَإِنْ أَنْكَرَ الثَّالِثُ الْبَيْعَ فَنَصِيبُهُ بَاقٍ عَلَى الرِّقِّ ، إذَا حَلَفَ ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ ، يَكُونَانِ عَدْلَيْنِ ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعًا .
( 8814 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ، فَكَاتَبَاهُ بِمِائَةٍ ، فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَيْهِمَا ، وَصَدَّقَاهُ ، عَتَقَ ، فَإِنْ أَنْكَرَ ، أَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا .
وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ، عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ ، فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ ، إذَا كَانَ عَدْلًا ، فَيَحْلِفُ الْعَبْدُ مَعَ شَهَادَتِهِ ، وَيَصِيرُ حُرًّا ، وَيَرْجِعُ الْمُنْكِرُ عَلَى الشَّاهِدِ ، فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَهُ .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا تُسْمَعَ شَهَادَةُ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِشَهَادَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ سَيِّدِهِ مَعَ يَمِينِهِ ، فَإِذَا حَلَفَ ، فَلَهُ مُطَالَبَةُ شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا اعْتَرَفَ بِهِ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ كَسْبُ الْعَبْدِ ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَالْمُنْكِرُ يُنْكِرُ قَبْضَ شَرِيكِهِ ، فَكَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؟ قُلْنَا : إنَّمَا يُنْكِرُ قَبْضَ نَفْسِهِ ، وَشَرِيكُهُ مُقِرٌّ بِالْقَبْضِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَبَضَ ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَإِذَا أَقَرَّ بِمُتَصَوَّرٍ ، لَزِمَهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ ، وَمِنْ حُكْمِهِ جَوَازُ رُجُوعِ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِاثْنَيْنِ ، فَوَفَّى أَحَدَهُمَا ، لَمْ يَرْجِع الْآخَرُ عَلَى شَرِيكِهِ فَلِمَ يَرْجِع هَاهُنَا ؟ قُلْنَا : إنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَابِتًا بِسَبَبِ وَاحِدٍ ، فَمَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ ، يَرْجِع الْآخَرُ عَلَيْهِ بِهِ ، كَمَسْأَلَتِنَا ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا يُفَارِقُ الدَّيْنَ ؛ لِكَوْنِ الدَّيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ الْغَرِيمِ ، إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَحَسْبُ ، وَالسَّيِّدُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِمَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ ، فَلَا يَدْفَعُ شَيْئًا مِنْهُ إلَى أَحَدِهِمَا ، إلَّا كَانَ حَقُّ الْآخَرِ ثَابِتًا فِيهِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ إنْ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسِينَ ، اسْتَقَرَّ مِلْكُ الشَّرِيكِ فِيهِ عَلَى مَا أَخَذَهُ ، وَلَمْ يَرْجِعْ
الْعَبْدُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَ حَقَّهُ .
وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ ، رَجَعَ عَلَيْهِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَعَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَلَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ .
وَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ أَدَاءِ مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، فَلَهُ تَعْجِيزُهُ وَاسْتِرْقَاقُهُ ، وَيَكُونُ نِصْفُهُ حُرًّا ، وَنِصْفُهُ رَقِيقًا ، وَرَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ ، وَلَا تَسْرِي الْحُرِّيَّةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ وَالْعَبْدَ يَعْتَقِدَانِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِهِ ، وَأَنَّ هَذَا الْمُنْكِرَ غَاصِبٌ لِهَذَا النِّصْفِ الَّذِي اسْتَرَقَّهُ ، ظَالِمٌ بِاسْتِرْقَاقِهِ ، وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي رِقَّ الْعَبْدِ جَمِيعِهِ ، وَلَا يَعْتَرِفُ بِحُرِّيَّةِ شَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنِّي مَا قَبَضْت نَصِيبِي مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَشَرِيكِي إنْ قَبَضَ شَيْئًا اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ بِغَيْرِ إذْنِي ، فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِهَذَا الْقَبْضِ .
وَسِرَايَةُ الْعِتْقِ مُمْتَنِعَةٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا إذَا عَتَقَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ بَعْضُهُ رَقِيقًا ، وَجَمِيعُهُمْ يَتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .
وَهَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
( 8815 ) فَصْلٌ : فَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ دَفَعَ الْمِائَةَ إلَى أَحَدِهِمَا ، لِيَدْفَعَ إلَى شَرِيكِهِ حَقَّهُ ، وَيَأْخُذَ الْبَاقِيَ ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، حَلَفَ ، وَبَرِئَ .
وَإِذَا قَالَ : إنَّمَا دَفَعْت إلَيَّ حَقِّي ، وَإِلَى شَرِيكِي حَقَّهُ .
وَلَا بَيِّنَةَ لِلْعَبْدِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إلَّا قَدْرَ حَقِّهِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ شَيْئًا ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِنِصْفِهِ ، وَمُطَالَبَةُ الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَهُ ؛ فَإِنْ اخْتَارَ مُطَالَبَةَ الْعَبْدِ ، فَلَهُ الْقَبْضُ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَإِنْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِهِ ، فَلِلشَّرِيكِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ ، لَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ .
فَإِنْ شَهِدَ الْقَابِضُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْقَبْضِ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنَيَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ إذَا شَهِدَتْ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي .
وَالثَّانِي ، أَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ ، فَلِغَيْرِ الْقَابِضِ أَنْ يَسْتَرِقَّ نِصْفَهُ ، وَيُقَوَّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُعْتَرِفٌ بِرِقِّهِ ، غَيْرُ مُدَّعٍ لِحُرِّيَّةِ هَذَا النَّصِيبِ ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُقَوَّمَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ يَدَّعِي حُرِّيَّةَ جَمِيعِهِ ، وَالْمُنْكِرَ يَدَّعِي مَا يُوجِبُ رِقَّ جَمِيعِهِ ، فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ : مَا قَبَضَهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُسَلِّمَ إلَيَّ مِثْلَ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ .
فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَدَّعِي رِقَّ جَمِيعِهِ ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي حُرِّيَّةَ جَمِيعِهِ اتَّفَقَا عَلَى حُرِّيَّةِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ .
( 8816 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَبْضِ الْمِائَةِ ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُكَاتَبُ ، وَقَالَ : قَدْ دَفَعْت إلَى شَرِيكِي نِصْفَهَا .
فَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ ، وَلِلْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ .
فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ ، فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِقَبْضِ الْمِائَةِ كُلِّهَا ، وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ الْكِتَابَةِ ، وَلَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ لَهُ بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ ، وَبَرَاءَتِهِ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُ ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ .
وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَلِلْعَبْدِ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِهَا ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي دَفْعِهَا إلَى الْمُنْكِرِ أَوْ كَذَّبَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَفَعَهَا فَقَدْ دَفَعَهَا دَفْعًا غَيْرَ مُبْرٍ ، فَكَانَ مُفَرِّطًا .
وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِأَدَائِهَا ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْقَابِضِ ، ثُمَّ يُسَلِّمَهَا ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ ، فَلَهُ تَعْجِيزُهُ ، وَاسْتِرْقَاقُ نِصْفِهِ ، وَمُشَارَكَةُ الْقَابِضِ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي قَبَضَهَا عِوَضًا عَنْ نَصِيبِهِ ، وَيُقَوَّمُ عَلَى الشَّرِيكِ الْقَابِضِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ يُصَدِّقُهُ فِي دَفْعِ الْخَمْسِينَ إلَى شَرِيكِهِ ، فَلَا يُقَوَّمُ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ أَنَّهُ حُرٌّ ، وَأَنَّ هَذَا ظَلَمَهُ بِاسْتِرْقَاقِ نِصْفِهِ الْحُرِّ .
وَإِنْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِالْخَمْسِينَ ، وَدَفْعُهَا إلَى الْمُنْكِرِ ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَلْ يَمْلِكُ الْمُنْكِرُ تَعْجِيزَهُ وَاسْتِرْقَاقَ نِصْفِهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ فِي تَعْجِيزِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ ، إنْ قُلْنَا : لَهُ ذَلِكَ .
فَلِلْمُنْكِرِ اسْتِرْقَاقُهُ .
وَإِنْ قُلْنَا : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
فَلَيْسَ لِلْمُنْكِرِ اسْتِرْقَاقُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَدَاءِ فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَا يَرْجِعُ الْمُنْكِرُ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَهُ ، إذَا اسْتَرَقَّ نِصْفَ الْعَبْدِ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهَا كَانَ قَابِضًا جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ بِذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ قَبْضُهَا فِي نُجُومِهَا فَتُفْسَخَ الْكِتَابَةُ ، ثُمَّ يُطَالَبَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، فَيَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً فِي بَلَدٍ آخَرَ ، وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا حَتَّى فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8817 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ : كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفَيْنِ .
وَقَالَ الْعَبْدُ : عَلَى أَلْفٍ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْقَاضِي : هَذَا الْمَذْهَبُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْكَوْسَجِ .
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : اتَّفَقَ أَحْمَدُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، عَلَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، وَيَتَرَادَّانِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي عِوَضِ الْعَقْدِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا ، فَيَتَحَالَفَانِ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ، كَالْمُتَبَايِعِينَ .
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَلْفِ الزَّائِدِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، وَلِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " .
وَلَنَا ، أَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْكِتَابَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِيهِ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ عَدَمُ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا صَارَ إلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ أَنَّهُ لِسَيِّدِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ .
وَالثَّانِي ، أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ مُفِيدٌ ، وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحَالُفِ فِي الْكِتَابَةِ ؛ فَإِنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُ يَحْصُلُ بِيَمِينِ السَّيِّدِ وَحْدَهُ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاصِلَ بِالتَّحَالُفِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ ، وَرَدُّ الْعَبْدِ إلَى الرِّقِّ ، إذَا لَمْ يَرْضَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ ، وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ جَعْلِ الْقَوْلِ قَوْلَ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ ، فَلَا يُشْرَعُ التَّحَالُفُ مَعَ عَدَمِ فَائِدَتِهِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا قَوْلَ الْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ ، وَالْأَصْلَ هَاهُنَا مَعَ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مِلْكُهُ الْعَبْدَ وَكَسْبَهُ ،
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَمَتَى حَلَفَ السَّيِّدُ ، ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ بِأَلْفَيْنِ ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا ، وَسَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْنِ فَيَعْتِقَ ، ثُمَّ يَدَّعِيَ الْمُكَاتَبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَنْ الْكِتَابَةِ ، وَالْآخَرَ وَدِيعَةٌ ، وَيَقُولَ السَّيِّدُ : هُمَا جَمِيعًا مَالُ الْكِتَابَةِ .
وَمَنْ قَالَ بِالتَّحَالُفِ ، قَالَ : إذَا تَحَالَفَا ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْكِتَابَةِ ، إلَّا أَنْ يَرْضَى بِقَوْلِ صَاحِبِهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّحَالُفُ بَعْدَ الْعِتْقِ فِي مِثْلِ الصُّوَر الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، لَمْ تَرْتَفِعْ الْحُرِّيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا بَعْدَ حُصُولِهَا ، وَلَا إعَادَةُ الرِّقِّ بَعْدَ رَفْعِهِ ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَدَّى إلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، تَقَاصَّا بِقَدْرِ أَقَلِّهِمَا ، وَأَخَذَ ذُو الْفَضْلِ فَضْلَهُ .
( 8818 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَدَاءِ النُّجُومِ ، فَقَالَ الْمُكَاتَبُ : أَدَّيْت ، وَعَتَقْت .
وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إبْرَائِهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِذَلِكَ .
فَصْلٌ : وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ ، وَاسْتَوْفَى مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا اسْتَوْفَى ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ، عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ وَأُنْسِيَهُ .
فَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدَّى ، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ .
فَإِنْ نَكَلَ ، عَتَقَ الْآخَرُ .
وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ ، أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ .
فَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ الْمُؤَدِّي ، فَعَلَيْهِمْ الْيَمِينُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَدَّى ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ .
فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَدَّى عَتَقَ ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا ، فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ تَعَيَّنَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ ، وَرَقَّ الْآخَرُ .
وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا ، فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَيْسَتْ عِتْقًا ، وَإِنَّمَا هِيَ مُعَيَّنَةٌ لِلْعِتْقِ ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا ، فَثَبَتَ بِهَا خَطَأُ الْقُرْعَةِ ، فَتَبَيَّنَ بَقَاءُ الرِّقِّ فِي الَّذِي ظَنَنَّا حُرِّيَّتَهُ ، كَمَا تَبَيَّنَّا حُرِّيَّةَ مَنْ ظَنَنَّا رِقَّهُ ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ ، لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا بِوُقُوعِ الْقُرْعَةِ لَهُ ، فَلَا يُوجَدُ حُكْمُهُ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ .
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَابْنِ حَامِدٍ ، أَنْ يَعْتِقَا ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ السَّيِّدُ الْمُؤَدِّيَ مِنْهُمَا ، وَمَتَى ادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ أَدَّى ، فَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ السَّيِّدَ أَوْ وَرَثَتَهُ ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّيِّدَ ، فَالْيَمِينُ عَلَى الْبَتِّ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَرَثَتِهِ ، فَالْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَدَاءَ إلَيْهِمْ ، فَتَكُونَ أَيْمَانُهُمْ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا .
وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ يَمِينٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ يُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالدَّعْوَى .
( 8820 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَادٌ مِنْ مُعْتَقَةِ آخَرَ غَيْرِ سَيِّدِهِ ، فَقَالَ سَيِّدُهُ : قَدْ أَدَّى إلَيَّ ، وَعَتَقَ ، فَانْجَرَّ وَلَاءُ وَلَدِهِ إلَيَّ .
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَوْلَى أُمِّهِمْ ، وَكَانَ الْمُكَاتَبُ حَيًّا ، فَقَدْ صَارَ حُرًّا بِهَذَا الْقَوْلِ ؛ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ سَيِّدِهِ بِعِتْقِهِ ، وَيَنْجَرُّ وَلَاءُ وَلَدِهِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَوْلَى أُمِّهِمْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ ، وَبَقَاءُ وَلَائِهِمْ لَهُ ، فَيَحْلِفُ ، وَيَبْقَى وَلَاؤُهُمْ لَهُ .
( 8821 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَإِذَا أَعْتَقَ الْأَمَةَ ، أَوْ كَاتَبَهَا ، وَشَرَطَ مَا فِي بَطْنِهَا ، أَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا ، فَلَهُ شَرْطُهُ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : لَهُ مَا اسْتَثْنَى .
وَقَالَ عَطَاءٌ ، وَالشَّعْبِيُّ : إذَا اسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا ، فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْجَنِينِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ .
وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْبَيْعِ ، فَلَا يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ ، كَبَعْضِ أَعْضَائِهَا .
وَلَنَا ، قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ ، وَلَا أَذْهَبُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ .
وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ أَعْتَقَ جَارِيَةً ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } .
وَهَذَا قَدْ شَرَطَ مَا فِي بَطْنِ مُعْتَقِهِ ، فَكَانَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ .
وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَاره بِالْعِتْقِ ، فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَأَمَّا خَبَرُهُمْ ، فَنَقُولُ بِهِ ، وَالْحَمْلُ مَعْلُومُ ، فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ ؛ فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْعِوَضِ ؛ لِيُعْلَمَ هَلْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْعِوَض أَمْ لَا ؟ وَالْعِتْقُ تَبَرُّعٌ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمُعْتَقِ .
وَلَا تُنَافِيه الْجَهَالَةُ بِهَا ، وَيَكْفِي الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ صَحَّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْعِتْقِ ، وَلَمْ يَصِحَّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ فِي الْبَيْعِ إذَا بَطَلَ ، بَطَلَ الْبَيْعُ كُلُّهُ ، وَهَا هُنَا إذَا بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ ، لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ فِي
الْأَمَةِ ، وَيَسْرِي الْإِعْتَاقُ إلَيْهِ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ إعْتَاقه مَعَ تَضَادِّ الْحُكْمِ فِيهِمَا ؟ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِرَادُهُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ دُونَ الْحَمْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْ أَمَتِهِ ، صَارَتْ كُلُّهَا حُرَّةً ، فَإِذَا عَتَقَ بَعْضَهَا ، سَرَى إلَى الْمُسْتَثْنَى ، وَالْوَلَدُ حَيَوَانٌ مُنْفَرِدٌ ، لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ تَسْرِ الْحُرِّيَّةُ إلَى أُمِّهِ ، وَيَصِحُّ انْفِرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ عَنْ أُمِّهِ ، فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ دُونَهَا ، وَفِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ ، وَفِيمَا إذَا وَطِئَ بِشُبْهَةٍ ، وَفِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ وَيُورَثُ ، وَيُوصَى بِهِ وَلَهُ ، وَإِذَا قُتِلَ كَانَ بَدَلُهُ مَوْرُوثًا ، وَلَا تَخْتَصُّ بِهِ أُمُّهُ ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ ، وَالدِّيَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى أَعْضَائِهَا ؟ فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا ، فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ .
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ : سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ : مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ ، قَالَ : هُوَ حُرٌّ ، وَالْأُمُّ مَمْلُوكَةٌ ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا مِنْهَا ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ وَلَدِهَا .
قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : جَيِّدٌ .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ ، فَقَالَتْ : قَدْ حَبِلْت .
فَقَالَ لَهَا مَوْلَاهَا : مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ .
وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا .
قَالَ : لَا تَعْتِقُ .
فَأَعَدْت عَلَيْهِ الْقَوْلَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ : لَا يَكُونُ شَيْءٌ ، إنَّمَا أَرَادَ مَا فِي بَطْنِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : وَسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ خِدْمَتُهُ شَهْرًا ، فَقَالَ : جَائِزٌ .
( 8822 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بَعْضَ كِتَابَتِهِ ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ ، ثُمَّ قَالَ : عَجِّلْ لِي خَمْسَمِائَةٍ مِنْهُ ، حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِيَ ، أَوْ حَتَّى أُبْرِئَك مِنْ الْبَاقِي .
أَوْ قَالَ : صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ .
جَازَ ذَلِكَ .
وَبِهِ يَقُولُ طَاوُسٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَالشَّعْبِيُّ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ ، وَهَذَا أَيْضًا هِبَةٌ ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ ، وَالرِّبَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ هَذَا بَيْنَهُمَا ، كَالْأَجَانِبِ .
وَلَنَا ، أَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، وَلَا هُوَ دَيْنٌ صَحِيحٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَائِهِ ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ ، وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَأَوْجَبَ فِيهِ التَّأْجِيلَ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ ، وَتَخْفِيفًا عَنْ الْمُكَاتَبِ ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ التَّعْجِيلُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ عَنْهُ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ ، كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ ، وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ ، وَيَحْصُلُ مِنْ السَّيِّدِ إسْقَاطُ بَعْضِ مَالِهِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى إسْقَاطُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجَلِ لِمَصْلَحَتِهِ ، وَيُفَارِقُ سَائِرَ الدُّيُونِ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا عَبْدُهُ ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ .
قَوْلُهُمْ : إنَّ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا .
فَنَمْنَعُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ ، فَإِنَّ هَذَا مُفَارِقٌ لِسَائِرِ الرِّبَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَهَذَا يُخَالِفُ رِبَا
الْجَاهِلِيَّةِ ؛ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ الدَّيْنِ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّة زِيَادَةٌ فِي الدَّيْنِ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةُ يُفْضِي إلَى نَفَادِ مَالِ الْمَدِينِ ، وَتَحَمُّلِهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ ، فَيُحْبَسُ مِنْ أَجْلِهِ ، وَيُؤْسَرُ بِهِ ، وَهَذَا يُفْضِي إلَى تَعْجِيلِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ ، وَخَلَاصِهِ مِنْ الرِّقِّ ، وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ ، فَافْتَرَقَا .
( 8823 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ ، فِي نَجْمَيْنِ ، إلَى سَنَةٍ ، يُؤَدِّي فِي نِصْفِهَا خَمْسَمِائَةٍ ، وَفِي آخِرِهَا الْبَاقِيَ ، فَيَجْعَلَانِهَا إلَى سَنَتَيْنِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ ، فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتُّمِائَةٍ ، أَوْ مِثْلُ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ ، فَيَقُولَ : أَخِّرْنِي بِهِ إلَى كَذَا ، وَأَزِيدُك كَذَا .
فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ إلَى وَقْتٍ ، لَا يَتَأَخَّرُ أَجَلُهُ عَنْ وَقْتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ، وَلَا يَتَغَيَّرُ أَجَلُهُ بِتَغْيِيرِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ وَقْتِهِ ، لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي مُقَابَلَتِهِ ، وَلِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمَ ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَجَلِ ، وَيُفَارِقُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَمَا أَنَّ الْأَجَلَ لَا يَتَأَخَّرُ ، كَذَلِكَ لَا يُتَعَجَّلُ ، وَلَا يَصِيرُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ حَالًّا ، فَلِمَ جَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؟ قُلْنَا : إنَّمَا جَازَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِالتَّعْجِيلِ فِعْلًا ، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ مَحِلِّهِ ، جَازَ ، وَجَازَ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطُ بَاقِي حَقِّهِ عَلَيْهِ ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، فَهُوَ ضِدُّ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ الْكِتَابَةِ أَنَّكَ مَتَى أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ ذَلِكَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ ، فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا غُيِّرَ الْأَجَلُ وَالْعِوَضُ فَكَأَنَّهُمَا فَسَخَا الْكِتَابَةَ الْأُولَى ، وَجَعَلَاهَا كِتَابَةً ثَانِيَةً .
قُلْنَا : لَمْ يَجْزِ بَيْنَهُمَا فَسْخٌ ، وَإِنَّمَا قَصَدَا تَغْيِيرَ الْعِوَضِ وَالْأَجَلِ ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِحُّ ، فَيَبْطُلُ التَّغْيِيرُ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِحَالِهِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ اتَّفَقَا
عَلَى ذَلِكَ .
ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ .
وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، لَوْ قَالَ : أُعَجِّلُ لَك مَالَ الْكِتَابَةِ ، وَتُسْقِطُ عَنِّي مِنْهُ كَذَا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّعْجِيلِ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ أَجَلِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ ، وَلِمَنْ لَهُ الدَّيْنُ تَرْكُ قَبْضِهِ فِي مَحِلِّهِ ، وَذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِهِ ، فَإِذَا وَعَدَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ الْفِعْلِ ، فَلَهُ ذَلِكَ .
( 8824 ) فَصْلٌ : وَإِنْ صَالَحَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ ، مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ النُّقُودِ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ ، جَازَ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى شَيْءٍ مُؤَجَّلٍ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدِينِ .
وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ بِدَنَانِيرَ ، أَوْ عَنْ الْحِنْطَةِ بِشَعِيرٍ ، لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ ، فَلَمْ تَجُزْ الْمُصَالَحَةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، فَهُوَ كَدَيْنِ السَّلَمِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ .
فَعَلَى قَوْلِهِ ، تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ كَيْفَمَا كَانَتْ ، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَيْن الْعَبْدِ الْقِنِّ وَسَيِّدِهِ .
وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَيُفَارِقُ دَيْنُ الْكِتَابَةِ دَيْنَ السَّلَمِ ؛ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ سَائِرَ الدُّيُونِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَمُفَارَقَتُهُ لِدَيْنِ السَّلَمِ أَعْظَمُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8825 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا ، فَلَمْ يُؤَدِّ كُلَّ كِتَابَتِهِ حَتَّى أَعْتَقَ الْآخَرُ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ حُرًّا ، وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كِتَابَةُ نَصِيبِهِ مِنْهُ ، بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، وَيَبْقَى سَائِرُهُ غَيْرَ مُكَاتَبٍ ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا ، فَأَعْتَقَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْهُ حِصَّتَهُ مِنْهُ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، عَتَقَ ، وَسَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيه ، فَصَارَ كُلُّهُ حُرًّا ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ ، وَيَكُونُ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا ، يَبْقَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَ ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ مُكَاتَبًا .
وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِ الْعِتْقِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَالْقَاضِي : لَا يَسْرِي الْعِتْقُ فِي الْحَالِ ، لَكِنْ يُنْظَرُ ؛ فَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ عَتَقَ بَاقِيهِ بِالْكِتَابَةِ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهُ لِعَجْزِهِ ، سَرَى الْعِتْقُ ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ مُفْضِيَةٌ إلَى إبْطَالِ الْوَلَاءِ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُهُ ، وَنَقْلِهِ عَنْ الْمُكَاتِبِ إلَى غَيْرِهِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : عِتْقُ الشَّرِيكِ مَوْقُوفٌ حَتَّى يُنْظَرَ مَا يَصْنَعُ فِي الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ أَدَّاهَا ، عَتَقَ ، وَكَانَ الْمُكَاتِبُ ضَامِنًا لَقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمُكَاتِبِ .
وَإِنْ عَجَزَ ، سَرَى عِتْقُ الشَّرِيكِ ، وَضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِلْمُكَاتِبِ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ .
وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُجَوِّزُ كِتَابَةَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ شَرِيكُهُ ، فَيَكُونَ فِيهِ قَوْلَانِ ، فَإِذَا كَاتَبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَهَلْ يَسْرِي فِي الْحَالِ ، أَوْ يَقِفُ عَلَى
الْعَجْزِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ ، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ } .
وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِهِ ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ لَجُزْءٍ مِنْ الْعَبْدِ مُوسِرٍ ، غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ، فَسَرَى إلَى بَاقِيهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ قِنًّا ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى السِّرَايَةِ مُتَحَقِّقٌ ، وَالْمَانِعُ مِنْهَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَانِعًا ؛ فَإِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا أَصْلَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّهُ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْوَلَاءِ .
قُلْنَا : إذَا كَانَ الْعِتْقُ يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ الْمُسْتَقِرِّ ، الَّذِي الْوَلَاءُ مِنْ بَعْضِ آثَارِهِ ، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَقْلِ الْوَلَاءِ بِمُفْرَدِهِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ أَوْلَادٌ مِنْ مُعْتَقَةِ قَوْمٍ ، نَقَلَ وَلَاءَهُمْ إلَيْهِ ، فَإِذَا نَقَلَ وَلَاءَهُمْ الثَّابِتَ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِمْ ، فَلَأَنْ يَنْقُلَ وَلَاءً لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ بِإِعْتَاقِ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ نَقَلَ الْوَلَاءَ ثَمَّ عَمَّنْ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ عِوَضًا ، فَلَأَنْ يَنْقُلَهُ بِالْعِوَضِ أَوْلَى ، فَانْتِقَالُ الْوَلَاءِ فِي مَوْضِعِ جَرِّ الْوَلَاءِ ، يُنَبِّهُ عَلَى سِرَايَةِ الْعِتْقِ .
وَانْتِقَالِ الْوَلَاءُ إلَى الْمُعْتِقِ ؛ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّ الْوَلَاءَ ثَمَّ ثَابِتٌ ، وَهَا هُنَا بِعَرَضِ الثُّبُوتِ .
وَالثَّانِي ، أَنَّ النَّقْلَ حَصَلَ ثَمَّ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِ ، وَهَا هُنَا بِإِعْتَاقِهِ .
وَالثَّالِثُ ، أَنَّهُ انْتَقَلَ ثَمَّ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَهَا هُنَا بِعِوَضٍ .
فَصْلٌ : وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ، لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ ، وَكَانَ نَصِيبُهُ حُرًّا ، وَبَاقِيهِ عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ أَدَّى ، عَتَقَ عَلَيْهِمَا ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ عَجَزَ ، عَادَ الْجُزْءُ الْمُكَاتَبُ رَقِيقًا قِنًّا ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ : يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ .
فَإِنَّهُ يُسْتَسْعَى عِنْدَ
عَجْزِهِ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ ، وَلَا يُسْتَسْعَى فِي حَالِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سِعَايَةٌ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، فَاسْتُغْنِيَ بِهَا عَنْ السِّعَايَةِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ ، فَإِذَا عَجَزَ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ ، بَطَلَتْ ، وَرَجَعَ إلَى السِّعَايَةِ فِي الْقِيمَةِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8827 ) فَصْلٌ : وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ، فَكَاتَبَاهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَأَدَّى إلَيْهِمَا تِسْعَمِائَةٍ ؛ لِهَذَا أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا ، أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ ، أَدَّى إلَى شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، لَا يُحَاسِبُهُ بِهَا أَحَدٌ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُعَجِّزَهُ ، فَيَعُودَ إلَى الرِّقِّ ، أَوْ يَمُوتَ ، فَيَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا .
وَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ ، أَنَّهُ يَعْتِقُ إلَّا نِصْفَ الْمِائَةِ عَلَى هَذَا ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ عَلَى قَدْرِ مَا أَعْتَقَ .
فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى تُوَافِقُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْمُعْتِقِ غَرَامَةَ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَتَقَ عَلَيْهَا ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَاتَبًا ، قَدْ أَدَّى كِتَابَتَهُ إلَّا مِائَةً مِنْهَا ، وَهِيَ عُشْرُهَا .
وَأَمَّا رِوَايَةُ حَنْبَلٍ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، فِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ لِغَيْرِهِ .
وَقَدْ نَصَرْنَا الرِّوَايَةَ الْأُولَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8828 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، وَرُدَّ فِي الرِّقِّ ، وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ ، وَرُدَّ فِي الرِّقِّ ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَسْبِهِ ، أَوْ مِنْ صَدَقَةِ .
تَطَوُّعٍ ، أَوْ وَصِيَّةٍ .
وَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، هُوَ لِسَيِّدِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ عَطَاءٌ : يَجْعَلُهُ فِي السَّبِيلِ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَإِنْ أَمْسَكَهُ فَلَا بَأْسَ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ ، فَيُجْعَلُ فِي الْمُكَاتَبِينَ .
نَقَلَهَا حَنْبَلٌ .
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ .
وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي ، أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى أَرْبَابِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دُفِعَ إلَيْهِ لِيُصْرَفَ فِي الْعِتْقِ ، فَإِذَا لَمْ يُصْرَفْ فِيهِ ، وَجَبَ رَدُّهُ ، كَالْغَازِي وَالْغَارِمِ وَابْنِ السَّبِيلِ .
وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَدَّ مُكَاتَبًا فِي الرِّقِّ ، فَأَمْسَكَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ .
وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ ، كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ ، وَأَمَّا الْغَازِي ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ ، بِقَدْرِ مَا يَكْفِيه لِغَزْوِهِ ، وَأَمَّا الْغَارِمُ ، فَإِنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَهُوَ كَالْغَازِي ، يَأْخُذُ لِحَاجَتِنَا ، وَإِنْ غَرِمَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا ، لَا يَرُدُّهُ .
( 8829 ) فَصْلٌ : وَأَمَّا مَا أَدَّاهُ إلَى سَيِّدِهِ قَبْلَ عَجْزِهِ ، فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَرَفَهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أَخَذَهُ لَهَا ، وَثَبَتَ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ ، وَيُفَارِقُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا ، وَالْخِلَافُ فِي ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ .
وَمَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ ، لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ بِهِ ، سَوَاءٌ عَجَزَ أَوْ أَدَّى ؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَلِفَ فِي يَدِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ مَا فِي يَدِ سَائِرِ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ .
وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا وَعَجَزَ ، وَالْعَرْضُ فِي يَدِهِ ، فَفِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مِثْلُ مَا لَوْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ عِوَضُهُ ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُعْطِيَ الْغَازِي مِنْ الصَّدَقَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ فَرَسًا وَسِلَاحًا ، ثُمَّ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ حَاجَتِهِ .
( 8830 ) فَصْلٌ : وَمَوْتُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَعَجْزِهِ ، فِيمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ قَبْلَ حُصُولِ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ .
وَإِنْ أَدَّى ، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ ، فَحُكْمُهُ فِي رَدِّهِ أَوْ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ ، حُكْمُ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَجْزِهِ ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَدِّهِ فِي كِتَابَتِهِ ، بَقِيَ بَعْدَ زَوَالِهَا .
وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدَانَ مَا أَدَّاهُ فِي الْكِتَابَةِ ، وَبَقِيَ عَنَدَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ، لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ ، فَأَشْبَهَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي أَدَائِهَا .
( 8831 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبَانِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ ، صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ ، وَبَطَلَ شِرَاءُ الْآخَرِ .
لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِلْعَبِيدِ ، وَالْمُكَاتَبَ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُ الْمُكَاتَبَيْنِ الْآخَرَ ، صَحَّ شِرَاؤُهُ ، وَمِلْكُهُ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَا مُكَاتَبَيْنِ لَسَيِّدٍ وَاحِدٍ ، أَوْ لِسَيِّدَيْنِ .
فَإِذَا عَادَ الثَّانِي ، فَاشْتَرَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ وَمَالِكُهُ ، وَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَمْلِكَ مَالِكَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : أَنَا سَيِّدُكَ ، وَلِي عَلَيْكَ مَالُ الْكِتَابَةِ تُؤَدِّيهِ إلَيَّ ، وَإِنْ عَجَزْتَ فَلِي فَسْخُ كِتَابَتِكَ ، وَرَدُّكَ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ رَقِيقًا لِي .
وَهَذَا تَنَاقُضٌ ، وَإِذَا تَنَافَى أَنْ تَمْلِكَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِلْكَ الْيَمِينِ ؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ هَذَا ، لَتَقَاصَّ الدَّيْنَانِ إذَا تَسَاوَيَا ، وَعَتَقَا جَمِيعًا .
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَشِرَاءُ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ ، وَالْمَبِيعُ هَاهُنَا بَاقٍ عَلَى كِتَابَتِهِ ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ أَدَّى سَيِّدُهُ كِتَابَتَهُ ، كَانَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ ، وَإِنْ عَجَزَ ، فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَاءٌ ، وَلِأَنَّ السَّيِّدَ يَأْخُذُ مَالَهُ ، فَكَذَلِكَ حُقُوقَهُ .
هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي ، وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ ، فَيَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ .
وَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَدَّى كِتَابَتَهُ ، وَهَذَا نَظِيرُهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِكَوْنِ الْعِتْقِ تَمَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، فَيَحْصُلُ الْإِنْعَامُ مِنْهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ ، وَهَا
هُنَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهِ ، فَلَا نِعْمَةَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ مَا لَمْ يُعَجِّزْهُ سَيِّدُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8832 ) فَصْلٌ : فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَبْطُلُ الْبَيْعَانِ ، وَيُرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْكُوكٌ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ فَيُرَدُّ إلَى الْيَقِينِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى مَا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ فَأَشْكَلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا ، فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعَانِ ، كَمَا يُفْسَخ النِّكَاحَانِ .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، لَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى فَسْخِهِ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ ؛ فَإِنَّهَا مَنْكُوحَةٌ نِكَاحًا صَحِيحًا ، لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقِينًا فَلَا يَزُولُ إلَّا بِفَسْخٍ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَثْبُتْ تَعَيُّنُ الْبَيْعِ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُفْتَقَرْ إلَى فَسْخٍ .
( 8833 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ ، صَفْقَةً وَاحِدَةً ، بِعِوَضٍ وَاحِدٍ ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَهُ بِأَلْفٍ صَحَّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَإِسْحَاقُ .
وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ ، لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ ، كَعُقُودِ ثَلَاثَةٍ ، وَعِوَضُ كُلٍّ مِنْهُمْ مَجْهُولٌ ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ جُمْلَةَ الْعِوَضِ مَعْلُومَةٌ ، وَإِنَّمَا جُهِلَ تَفْصِيلُهَا فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُمْ لَوَاحِدٍ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْعِوَضَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فَقَدْ عُلِمَ أَيْضًا تَفْصِيلُ الْعِوَضِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثٌ ، وَكَذَا يَقُولُ فِيمَا لَوْ بَاعَهُمْ لِثَلَاثَةٍ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ ، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ حِينَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْمُعَاوَضَةِ ، وَزَوَالِ سُلْطَانِ السَّيِّدِ عَنْهُمْ ، فَإِذَا أَدَّاهُ ، عَتَقَ .
هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيز : يَتَوَجَّهُ لِأَبِي عَبْد اللَّه قَوْلٌ آخَرُ ، أَنَّ الْعِوَضَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ ، فَيَتَسَاوَوْنَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِمْ إضَافَةً وَاحِدَةً فَكَانَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ وَلَنَا أَنَّ هَذَا عِوَضٌ فَتَقَسَّطَ عَلَى الْمُعَوِّضِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا .
فَرَدَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْبٍ ، أَوْ أَتْلَفَ أَحَدَهُمْ وَرَدَّ الْآخَرَ .
وَيُخَالِفُ الْإِقْرَارَ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَيُّهُمْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي
مُوسَى : لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمْ عَنْ الْكَسْبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَاحِدَةٌ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْكِتَابَةُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ الْبَاقِينَ ، وَلَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ وَاحِدًا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ السَّيِّدُ إنْ أَدَّيْتُمْ عَتَقْتُمْ : فَأَيُّهُمْ أَدَّى حِصَّتَهُ ، عَتَقَ .
وَإِنْ أَدَّى جَمِيعَهَا ، عَتَقُوا كُلُّهُمْ ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِشَيْءٍ .
وَإِنْ قَالَ لَهُمْ : إنْ أَدَّيْتُمْ عَتَقْتُمْ .
لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى تُؤَدَّى الْكِتَابَةُ كُلُّهَا وَيَكُونَ بَعْضُهُمْ حَمِيلًا عَنْ بَعْضٍ ، وَيَأْخُذُ أَيُّهُمْ شَاءَ بِالْمَالِ ، وَأَيُّهُمْ أَدَّاهَا عَتَقُوا كُلُّهُمْ ، وَرَجَعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِحِصَّتِهِمَا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَعَ ثَلَاثَةٍ ، فَاعْتُبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَوْا عَبْدًا ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ إنْ أَدَّيْتُمْ عَتَقْتُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ ، لَا بِهَذَا الْقَوْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَعْتِق بِالْأَدَاءِ بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ هَذَا الْقَوْلِ مَانِعًا مِنْ الْعِتْقِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ كِتَابَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ مَعَ جَمَاعَةٍ عُقُودٌ ، بِدَلِيلِ الْبَيْعِ ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى كِتَابَةِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ مَا قَدَّرَهُ فِي مُقَابَلَةِ عِتْقِهِ ، وَهَا هُنَا فِي مُقَابَلَةِ عِتْقِهِ مَا يَخُصُّهُ ، فَافْتَرَقَا .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ عَنْ الْبَاقِينَ ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ أَبُو
الْخَطَّابِ : فِي الشَّرْطِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ صَحِيحٌ .
وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِ الْحُرِّ لِمَالِ الْكِتَابَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ فَاسِدَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ بِهَذَا الشَّرْطِ ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ، لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْعَقْدِ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ صَحِيحَانِ ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا .
وَلَنَا ، أَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ ، وَلَا مَآلُهُ إلَى اللُّزُومِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ ، كَمَا لَوْ جَعَلَ الْمَالَ صِفَةً مُجَرَّدَةً فِي الْعِتْقِ ، فَقَالَ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَلِأَنَّ الضَّامِنَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَلْزَمُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ ، وَمَالُ الْكِتَابَةِ لَا يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ ، فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ ، وَلِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ ، وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ التَّبَرُّعُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الضَّمَانَ عَنْ حُرٍّ ، وَلَا عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ ، فَكَذَلِكَ مَنْ مَعَهُ .
وَأَمَّا الْعَقْد فَصَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ ؛ بِدَلِيلِ خَبَرِ بَرِيرَةَ ، وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( 8834 ) فَصْلٌ : إذَا مَاتَ بَعْضُ الْمُكَاتَبِينَ ، سَقَطَ قَدْرُ حِصَّتِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ .
وَكَذَلِكَ إنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُمْ .
وَعَنْ مَالِكٍ إنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمْ وَكَانَ مُكْتَسِبًا ، لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا ، نَفَذَ عِتْقُهُ ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ .
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ .
( 8835 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَدَّى أَحَدُ الْمُكَاتَبِينَ عَنْ صَاحِبِهِ ، أَوْ عَنْ مُكَاتَبٍ آخَرَ ، قَبْلَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ ، بِغَيْرِ عِلْمِ سَيِّدِهِ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ ، وَلَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ ، صُرِفَ ذَلِكَ فِيهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ .
وَإِنْ عَلَمِ السَّيِّدُ بِذَلِكَ ، وَرَضِيَ بِقَبْضِهِ عَنْ الْآخَرِ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَهُ رَاضِيًا بِهِ مَعَ الْعِلْمِ ، دَلِيلٌ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ تَصْرِيحًا .
وَإِنْ كَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ ، صَحَّ ، سَوَاءٌ عَلِمَ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَصَدَ التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ ، وَإِنْ أَدَّاهُ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الْأَدَاءُ بِإِذْنِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ، فَهُوَ قَرْضٌ ، يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَهُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ مَا لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ ، وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ .
وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ ، وَطَلَبَ اسْتِيفَاءَهُ ، قُدِّمَ عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
وَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الدُّيُونِ .
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
( 8836 ) فَصْلٌ : وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْحُرِّ لِمَالِ الْكِتَابَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةٍ ، فَصَحَّ ضَمَانُهُ ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ .
وَلَنَا ، مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ .
( 8837 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَدَّوْا مَا عَلَيْهِمْ ، أَوْ بَعْضَهُ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ مَنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ : أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ ، فَلَا فَضْلَ لِأَحَدِنَا عَلَى صَاحِبِهِ .
وَقَالَ مَنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ : أَدَّيْنَا عَلَى السَّوَاءِ ، فَلِي الْفَضْلُ عَلَيْكَ ، أَوْ يَكُونُ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ سَيِّدِنَا .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُؤَدِّي أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَرَجَحَتْ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ الْمُؤَدَّى أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسَاوِي ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي أَدَائِهِ ، فَكَانَتْ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهِ ، فَاسْتَوَوْا فِيهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مَالٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ .
( 8838 ) فَصْلٌ : وَإِنْ جَنَى بَعْضُهُمْ ، فَجِنَايَتُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يُؤَدُّونَ كُلُّهُمْ أَرْشَهُ ، فَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَجْنِي جَانٍ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ } .
وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ ، وَتَعَاقَدَا ، لَمْ يَحْمِلْ أَحَدُهُمَا جِنَايَةَ صَاحِبِهِ ، فَكَذَا هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ ، لَا يَتَضَمَّنُهُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِفِعْلِ الْآخَرِ ، كَالْقِصَاصِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبٌ بِحِصَّتِهِ ، فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ بِعَقْدِهِ .
( 8839 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا شَرَطَ فِي كِتَابَتِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ ، فَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ) .
أَمَّا الشَّرْط فَبَاطِلٌ .
لَا نَعْلَمُ فِي بُطْلَانِهِ خِلَافًا ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
قَالَتْ : { كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ ، أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اشْتَرِيهَا ، وَأَعْتِقِيهَا ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : اشْتَرِيهَا ، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ ، فَمَا بَالُ نَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ ، وَقَالَ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
وَلِأَنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ صَاحِبِهِ ، كَالْقَرَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ ، كَمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ حُكْمِ النِّكَاحِ لِغَيْرِ النَّاكِحِ ، وَلَا حُكْمِ الْبَيْعِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ .
وَسَوَاءٌ شَرَطَ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَوْ شَرَطَهُ لِبَائِعِهِ ، أَوْ لَرَجُلٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ .
وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَفْسُدُ بِهِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا .
وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ ؛ بِنَاءً
عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ .
وَلَنَا ، حَدِيثُ بَرِيرَةَ ؛ فَإِنَّ أَهْلَهَا شَرَطُوا لَهُمْ الْوَلَاءَ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَائِهَا مَعَ هَذَا الشَّرْطِ .
وَقَالَ : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } .
وَيُفَارِقُ جَهَالَةَ الْعِوَضِ ؛ فَإِنَّهُ رُكْنُ الْعَقْدِ ، لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِدُونِهِ ، وَرُبَّمَا أَفْضَتْ جَهَالَتُهُ إلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ ، وَهَذَا الشَّرْطُ زَائِدٌ ، فَإِذَا حَذَفْنَاهُ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِحَالِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْمُرَادُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ } .
أَيْ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَاللَّامُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى ( عَلَى ) كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } .
أَيْ فَعَلَيْهَا .
قُلْنَا : هَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لَوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّهُ يُخَالِفُ وَضْعَ اللَّفْظِ وَالِاسْتِعْمَالَ .
وَالثَّانِي ، أَنَّ أَهْلَ بَرِيرَةَ أَبَوْا هَذَا الشَّرْطَ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْطٍ لَا يَقْبَلُونَهُ ، وَالثَّالِثُ ، أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَحُكْمُهُ .
وَالرَّابِعُ ، أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ : { لَا يَمْنَعُكِ هَذَا الشَّرْطُ مِنْهَا ، ابْتَاعِي ، وَأَعْتِقِي } .
وَإِنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّرْطِ ، تَعْرِيفًا لَنَا أَنَّ وُجُودَ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقُلُ الْوَلَاءَ عَنْ الْمُعْتِقِ .
( 8840 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَطَ السَّيِّدُ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يَرِثَهُ دُونَ وَرَثَتِهِ ، أَوْ يُزَاحِمَهُمْ فِي مَوَارِيثِهِمْ ، فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ ، وَشُرَيْحٌ : وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَأَجَازَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ ، مِيرَاثِهِ .
وَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَهُوَ بَاطِلٌ ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ رَجُلًا كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ ، وَاشْتَرَطَ مِيرَاثَهُ ، فَلَمَّا مَاتَ الْمُكَاتَبُ ، تَخَاصَمَ وَرَثَتُهُ إلَى شُرَيْحٍ ، فَقَضَى شُرَيْحٌ بِمِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ لِوَرَثَتِهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : مَا يُغْنِي عَنِّي شَرْطِي مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ : كِتَابُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ قَبْلَ شَرْطِكَ بِخَمْسِينَ سَنَةً .
وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ ، كَاَلَّذِي قَبْلَهُ .
( 8841 ) فَصْلٌ : وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَعْلُومَةً بَعْدَ الْعِتْقَ ، جَازَ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالزُّهْرِيُّ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ مِيرَاثَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ يُصَلِّي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ ، أَنَّكُمْ تَخْدُمُونَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ .
وَلِأَنَّهُ اشْتَرَطَ خِدْمَةً فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ نَفْعًا مَعْلُومًا ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ عِوَضًا مَعْلُومًا ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ ؛ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، وَهَذَا لَا يُنَافِيه .
( 8842 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ ، فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ أَلْفٌ ، وَشَرَطَ أَنْ يَعْتِقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْأَوَّلِ ، صَحَّ ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ، وَيَعْتِقُ عِنْدَ أَدَائِهِ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ ، صَحَّ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ ، وَيَبْقَى الْآخَرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِهِ .
( 8843 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ الْمُكَاتَبَ ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ ، فَأَخْرَجَهُ إلَى سَيِّدِهِ ، فَأَحَبَّ أَخْذَهُ ، أَخَذَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ ، فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُحِبَّ أَخْذَهُ ، فَهُوَ عَلَى مِلْكِ مُشْتَرِيه ، مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ ، يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ، وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ يُؤَدِّي إلَيْهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسَرُوا مُكَاتَبًا ، ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ ، فَالْكِتَابَةُ بِحَالِهَا ؛ فَإِنْ أُخِذَ فِي الْغَنَائِمِ ، فَعُلِمَ بِحَالِهِ ، أَوْ أَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ قَسْمِهِ ، أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ كَمَنْ لَمْ يُؤْسَرْ ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى قُسِمَ ، وَصَارَ فِي سَهْمِ بَعْضِ الْغَانِمِينَ ، أَوْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهِ ، أَوْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَخْرَجَهُ إلَى سَيِّدِهِ ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ .
وَفِيمَا إذَا كَانَ غَنِيمَةً ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ إذَا قُسِمَ ، فَلَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ فِيهِ بِحَالٍ .
فَيُخَرَّجُ فِي الْمُشْتَرِي مِثْلُ ذَلِكَ .
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ إنْ أَخَذَهُ ، فَهُوَ مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ ، وَإِنْ تَرَكَهُ ، فَهُوَ فِي يَدِ مُشْتَرِيه ، مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ ، فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ يُؤَدِّي إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ سَيِّدِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكُ الْكُفَّارِ ، وَيُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ بِكُلِّ حَالٍ .
وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّافِعِيَّ ، فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا ، وَلَا نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِمَا ، فَأَشْبَهَا أُمَّ الْوَلَدِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ مَقْسُومًا ، لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، وَفِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ يَجُوزُ
بَيْعُهُمَا ، بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا .
( 8844 ) فَصْلٌ : وَهَلْ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِالْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مَعَ الْكُفَّارِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ اقْتَضَتْ تَمْكِينَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ ، لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ حَبَسَهُ سَيِّدُهُ .
فَعَلَى هَذَا ، يَنْبَنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْأَسْرِ ، وَتَبْقَى مُدَّةُ الْأَسْرِ ، كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ .
وَالثَّانِي ، يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُدَّةِ الْكِتَابَةِ ؛ مَضَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ سَيِّدِهِ ، فَاحْتُسِبَ عَلَيْهِ بِهَا ، كَمَا لَوْ مَرِضَ ، وَلِأَنَّهُ مَدِينٌ مَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ أَجْلِ دَيْنِهِ فِي حَبْسِهِ ، فَاحْتُسِبَ عَلَيْهِ بِهَا ، كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ ، وَفَارَقَ مَا إذَا حَبَسَهُ سَيِّدُهُ ، بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ عِنْدَ اسْتِنْقَاذِهِ ، جَازَتْ مُطَالَبَتُهُ .
وَإِنْ حَلَّ مَا يَجُوزُ تَعْجِيزُهُ بِتَرْكِ أَدَائِهِ ، فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ ، وَرَدُّهُ إلَى الرِّقِّ .
وَهَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ حُكْمِ الْحَاكِمِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ فِي وَقْتِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا ، وَالْمَالُ غَائِبًا ، يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ وَأَدَاؤُهُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ ، لَكَانَ لِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ ، وَالْمَالُ هَاهُنَا إمَّا مَعْدُومٌ ، وَإِمَّا غَائِبٌ يَتَعَذَّرُ أَدَاؤُهُ ، وَفِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ يَجُوزُ الْفَسْخُ .
وَالثَّانِي ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْغَيْبَةِ يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبْحَثَ ، أَلَهُ مَالٌ أَمْ لَا ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا ؛ فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ ، فَإِنْ أَدَّى ، وَإِلَّا فَقَدْ عَجَّزَ نَفْسَهُ .
فَإِنْ فَسَخَ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، ثُمَّ خَلَصَ الْمُكَاتَبُ ، فَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا
فِي وَقْتِ الْفَسْخِ ، يَفِي بِمَا عَلَيْهِ ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً ، بَطَلَ الْفَسْخُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَذِّرَ الْأَدَاءِ ، كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
( 8845 ) فَصْلٌ : وَإِنْ حَبَسَهُ سَيِّدُهُ مُدَّةً ، فَقَدْ أَسَاءَ ، وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ ، فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ .
وَالثَّانِي ، يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ ، فَيَحْتَسِبُ بِمُدَّةِ الْحَبْسِ مِنْ الْأَجَلِ ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ .
فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، يَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي حَبَسَهُ فِيهَا .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ عَلَى سَيِّدِهِ تَمْكِينَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ مُدَّةَ كِتَابَتِهِ ، فَإِذَا حَبَسَهُ مُدَّةً ، وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ ؛ لِيَسْتَوْفِيَ الْوَاجِبَ لَهُ ، وَلِأَنَّ حَبْسَهُ يُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْكِتَابَةِ ، وَتَفْوِيتِ مَقْصُودِهَا ، وَرَدِّهِ إلَى الرِّقِّ ، وَلِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ أَدَاءِ نُجُومِهِ فِي مَحِلِّهَا بِسَبَبٍ مِنْ سَيِّدِهِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ فَسْخَ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ مَنَعَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ فَسْخَ الْبَيْعِ ، وَلَوْ مَنَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، لَمْ يَسْتَحِقَّ فَسْخَ الْعَقْد ؛ كَذَا ، هَاهُنَا .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ ، أَنَّهُ يَلْزَمُ سَيِّدَهُ أَرْفَقُ الْأَمْرَيْنِ بِهِ ؛ مِنْ تَخْلِيَتِهِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، أَوْ أَجْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ سَبَبُهُمَا ، فَكَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْفَعُهُمَا .
( 8846 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ ، فَإِذَا أَوْصَى بِهِ ، صَحَّ ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنَّهُ بَيْعُ مَالِهِ بِمَالِهِ .
فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لَزِمَهُمْ كِتَابَتُهُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَالُ الْكِتَابَةِ مِنْ مَالِهِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ وَفَائِدَتُهُ ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مَالَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ ؛ فَإِنْ عَيَّنَ مَالَ الْكِتَابَةِ ، كَاتَبُوهُ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ، أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَكْثَرَ .
وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ، كَاتَبُوهُ عَلَى مَا جَرَى الْعُرْفُ بِكِتَابَةِ مِثْلِهِ بِهِ .
وَالْعُرْفُ أَنْ يُكَاتَبَ الْعَبْدُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ؛ لِكَوْنِ دَيْنِهَا مُؤَجَّلًا .
وَيَجِبُ رَدُّ رَيْعِهِ إلَيْهِ .
وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ رِضَا الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَلْزَمُهُ ، وَلَا يَجُوزُ إجْبَارُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ، وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَلَا رِضَاهُ .
فَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ ، بَطَلَتْ .
فَإِنْ عَادَ فَطَلَبِهَا ، لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بَطَلَتْ بِالرَّدِّ ، فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَدَّهَا ، وَجَبَتْ إجَابَتُهُ إلَيْهَا .
وَإِذَا أَدَّى عَتَقَ ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي بِكِتَابَتِهِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ ، فَلِلْوَارِثِ رَدُّهُ فِي الرِّقِّ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنَّهُ يُكَاتَبُ مِنْهُ مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ وَصَّى بِوَصَايَا غَيْرِ الْكِتَابَةِ ، لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، تَحَاصُّوا فِي الثُّلُثِ ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَيَتَخَرَّجُ أَنْ تُقَدَّمَ الْكِتَابَةُ ؛ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تُقَدِّمُ الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَقْصُودُهَا الْعِتْقُ ،
وَتُفْضِي إلَيْهِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُقَدَّمَ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَغْلِيبٌ وَسِرَايَةٌ ، لَيْسَ هُوَ لِلْكِتَابَةِ ، وَإِفْضَاؤُهَا إلَى الْعِتْقِ لَا يُوجِبُ تَقْدِيمَهَا ، كَمَا لَوْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِابْنِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ ، مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ بِوَصِيَّتِهِ الْعِتْقُ ، وَيُفْضِي إلَيْهِ .
( 8847 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : كَاتِبُوا أَحَدَ رَقِيقِي .
فَلِلْوَرَثَةِ مُكَاتَبَةُ مَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ .
فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَفِي الْآخَرِ ، يُكَاتِبُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ .
وَإِنْ قَالَ : أَحَدَ عَبِيدِي .
فَكَذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مُكَاتَبَةُ أَمَةٍ ، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْخُنْثَى عَبْدًا .
أَوْ أَمَةً .
وَإِنْ قَالَ : أَحَدَ إمَائِي .
فَلَيْسَ لَهُمْ مُكَاتَبَةُ عَبْدٍ ، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ كَذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى غَيْرَ مُشْكِلٍ ، وَكَانَ رَجُلًا ، فَلَهُمْ مُكَاتَبَتُهُ إذَا قَالَ كَاتِبُوا أَحَدَ عَبِيدِي .
وَإِنْ كَانَ أُنْثَى ، فَلَهُمْ مُكَاتَبَتُهُ إذَا قَالَ : كَاتِبُوا أَحَدَ إمَائِي .
لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ فِيهِ ، وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ الْكِتَابَةَ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ : وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ ، أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى عِوَضٍ مَجْهُولٍ ، أَوْ عِوَضٍ حَالٍّ ، أَوْ مُحَرَّمٍ ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ .
فَأَمَّا إنْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ شَرْطًا فَاسِدًا ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُهَا لَكِنْ يَلْغُو الشَّرْطُ ، وَتَبْقَى الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً .
وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْسِدَهَا ؛ بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الْعِوَضِ الْمُحَرَّمِ بَاطِلَةٌ ، لَا يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ فِيهَا .
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَاتَبَهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً ، فَأَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ ، عَتَقَ ، مَا لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ مُحَرَّمَةً .
فَحَكَمَ بِالْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ إلَّا فِي الْمُحَرَّمَةِ .
وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ، كَسَائِرِ الْكِتَابَاتِ الْفَاسِدَةِ .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَى مَا إذَا جَعَلَ السَّيِّدُ الْأَدَاءَ شَرْطًا لِلْعِتْقِ ، فَقَالَ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
فَأَدَّى إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، لَا بِالْكِتَابَةِ ، وَيَثْبُتُ فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الصِّفَةِ فِي الْعِتْقِ بِوُجُودِهَا ، لَا بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ .
وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ ، فَإِنَّهَا تُسَاوِي الصَّحِيحَةَ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالصِّفَةِ ، فَقَالَ : إنَّ أَدَّيْت إلَيَّ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي هَذَا ، فَيَصِيرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ ، فَيَعْتِقُ بِوُجُودِهِ ، كَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ .
الثَّانِي ، أَنَّهُ إذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ ، لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَعْطَاهُ .
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ .
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
يَتَرَاجَعَانِ ، فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ قِيمَتُهُ ، وَعَلَى السَّيِّدِ مَا أَخَذَهُ ، فَيَتَقَاصَّانِ بِقَدْرِ أَقَلِّهِمَا ، إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَيَأْخُذُ ذُو الْفَضْلِ فَضْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَوَجَبَ التَّرَاجُعُ فِيهِ ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَقْدُ كِتَابَةٍ لِمُعَاوَضَةٍ حَصَلَ الْعِتْقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، فَلَمْ يَجِبْ التَّرَاجُعُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا ، وَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ فَهُوَ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ ، الَّذِي لَمْ يَمْلِكْ كَسْبَهُ ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ رَدُّهُ ، وَالْعَبْدُ عَتَقَ بِالصِّفَةِ ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَأَمَّا الْبَيْع الْفَاسِدُ ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَيِّدِهِ ، فَلَا رُجُوعَ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا أَخَذَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ أَخَذَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَدَفَعَ إلَى الْآخَرِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ ، بِعَقْدِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْمُعَاوَضَةُ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِهِ .
الثَّالِثُ ، أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِهِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ ، وَلَهُ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ، فَمَلَكَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ .
الرَّابِعُ ، أَنَّهُ إذَا كَاتَبَ جَمَاعَةً كِتَابَةً فَاسِدَةً ، فَأَدَّى أَحَدُهُمْ ، حِصَّتَهُ عَتَقَ .
عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ .
لِأَنَّ مَعْنَى الْعَقْدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ، مَتَى أَدَّى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرَ حِصَّتِهِ ، فَهُوَ حُرٌّ .
وَمَنْ قَالَ : لَا يَعْتِقُ فِي الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْجَمِيعَ .
فَهَاهُنَا أُولَى .
وَتُفَارِقُ الصَّحِيحَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ فَسْخَهَا وَرَفْعَهَا ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ صِفَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ .
وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ ، وَالصِّفَةُ هَاهُنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَتَابِعَةٌ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ ، فَلَمَّا أَبْطَلَ الْمُعَاوَضَةَ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ ، بَطَلَتْ الصِّفَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهَا ، بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، وَلِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَرْضَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا بِأَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ ، كَانَ لَهُ إبْطَالُهَا ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ؛ فَإِنَّ الْعِوَضَ سُلِّمَ لَهُ ، فَكَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا لَهُ .
الثَّانِي ، أَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ ، لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ ، وَلَا يَعْتِقُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْعَقْدِ ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَجَرَى هَذَا مَجْرَى الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، فِي قَوْلِهِ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا .
فَأَنْتَ حُرٌّ .
الثَّالِثُ ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا بِالصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا ، فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَاخْتُلِفَ فِي أَحْكَامٍ أَرْبَعَةٍ ؛ أَحَدُهَا ، فِي بُطْلَانِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ .
فَذَهَبَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ إلَى بُطْلَانِهَا .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ، لَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ ، فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ، كَالْوَكَالَةِ ، وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، وَالصِّفَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكِتَابَةُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ ، وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى السَّيِّدِ ، فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ ، كَمَا فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَلِأَنَّ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ فِي بَابِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ ، وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُهُ ،
فَكَذَلِكَ فِي هَذَا .
وَالثَّانِي ، فِي بُطْلَانِهَا بِجُنُونِ السَّيِّدِ ، وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لَسَفَهٍ ، وَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي بُطْلَانِهَا بِمَوْتِهِ .
وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ ، وَالْمُغَلَّبُ فِي هَذِهِ الْكِتَابَةِ ، حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ أَدَّى إلَى سَيِّدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، عَتَقَ .
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَهَا ، لَا يَعْتِقُ .
الثَّالِثُ ، أَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ وَمَا يَكْسِبُهُ ، وَمَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ ، لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ .
فِي قَوْلِ الْقَاضِي ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهَا كِتَابَةٌ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ فِيهَا ، فَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا فِيهَا ، كَالصَّحِيحَةِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ، بِحُكْمِ الْأَصْلِ ، وَالْعَقْدُ هَاهُنَا فَاسِدٌ ، لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ فِي وُجُوبِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ ، فَلَمْ يُنْقَلْ الْمِلْكُ فِي الْمُعَوَّضِ كَسَائِرِ ، الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ ، وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ ، وَهِيَ لَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لَهُ فِي كَسْبِهِ ، فَكَذَا هَاهُنَا ، وَفَارَقَتْ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ ، فَإِنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْعِوَضِ ، فَأَثْبَتَتْهُ فِي الْمُعَوَّضِ .
الرَّابِعُ ، هَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا ؟ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَتْبَعُهَا ؛ لِأَنَّهَا كِتَابَةٌ يَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ ، فَيَعْتِقُ بِهِ وَلَدُهَا ، كَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ، وَالثَّانِي ، لَا يَتْبَعُهَا .
وَهُوَ أَقْيَسُ ، وَأَصَحُّ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ فِيهِ ، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِنَصِّ ، أَوْ مَعْنَى نَصٍّ ، وَمَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أُمُّ الْوَلَدِ : هِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فِي مِلْكِهِ .
وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ التَّسَرِّي وَوَطْءِ الْإِمَاءِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } .
وَقَدْ كَانَتْ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ أُمَّ وَلَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أُمُّ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّتِي قَالَ فِيهَا : ( أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا ) .
وَكَانَتْ هَاجَرُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، سُرِّيَّةَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِمِائَةٍ ، وَكَانَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ .
وَلِكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، مِنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَرْغَبُونَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، حَتَّى وُلِدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، فَرَغِبَ النَّاسُ فِيهِنَّ .
وَرُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : { كَانَ لِابْنِ رَوَاحَةَ جَارِيَةٌ ، وَكَانَ يُرِيدُ الْخَلْوَةَ بِهَا ، وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ تَرْصُدُهُ ، فَخَلَا الْبَيْتُ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَنَدَرَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ ، وَقَالَتْ : أَفَعَلْتهَا ؟ قَالَ : مَا فَعَلْت .
قَالَتْ : فَقِرَّ إذًا .
فَقَالَ : شَهِدْت بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ شِدَادٌ مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوِّمِينَا فَقَالَتْ : أَمَّا إذْ أَقْرَرْتَ فَاذْهَبْ إذًا .
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، قَالَ : فَلَقَدْ .
رَأَيْته يَضْحَكُ حَتَّى تَبْدُوَ نَوَاجِذُهُ ، وَيَقُولُ : هِيهِ ، كَيْفَ قُلْت ؟ .
فَأُكَرِّرُهُ
عَلَيْهِ ، فَيَضْحَكُ } .
( 8849 ) فَصْلٌ : فَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ وَطْئِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ ، وَصَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ .
وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ تَامٍّ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى الْحَسَنُ ، أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَأُتِيَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهَمَّ بِرَجْمِهَا ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَيْسَ لَك ذَلِكَ ، إنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } .
فَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَطْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَالرَّضَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا ، فَذَلِكَ تَمَامُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ثَلَاثُونَ شَهْرًا } .
فَخَلَّى عَنْهَا عُمَرُ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ .
وَمَنْ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : حَصِّنُوا هَذِهِ الْوَلَائِدَ ، فَلَا يَطَأُ رَجُلٌ وَلِيدَتَهُ ، ثُمَّ يُنْكِرُ وَلَدَهَا ، إلَّا أَلْزَمْتُهُ إيَّاهُ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ : أَيُّمَا رَجُلٍ غَشِيَ أَمَتَهُ ، ثُمَّ ضَيَّعَهَا ، فَالضَّيْعَةُ عَلَيْهِ ، وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا .
وَلِأَنَّ أَمَتَهُ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ ، فَلَحِقَهُ وَلَدُهَا ، كَالْمَرْأَةِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } .
فَإِنْ نَفَاهُ سَيِّدُهَا ، لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا ، وَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِذَلِكَ .
وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، قَالَ : إذَا أَنْكَرَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ، فَلَهُ ذَلِكَ .
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُول : يَنْتَفِي مِنْ وَلَدِهِ ، إذَا كَانَ مِنْ
أَمَتِهِ ، وَمَتَى شَاءَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ عُمَرَ ، وَأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ ، كَوَلَدِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ .
فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
قَالَ إبْرَاهِيمُ : إذَا أَقَرَّ بِوَلَدِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْهُ ، فَإِنْ انْتَفَى مِنْهُ ، ضُرِبَ الْحَدَّ ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ .
وَقَالَ شُرَيْحٌ لِرَجُلٍ أَقَرَّ بِوَلَدِهِ : لَا سَبِيلَ لَك أَنْ تَنْتَفِيَ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ هُنِّئَ بِهِ .
فَسَكَتَ ، أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا ، بِهِ فَقَامَ مَقَامَ الْإِقْرَارِ بِهِ .
وَإِنْ كَانَ يَطَأُ جَارِيَتَهُ ، وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا ، لَمْ يَنْتِفْ الْوَلَدُ بِذَلِكَ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ ، أَنَّهُ { قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّا نُصِيبُ النِّسَاءَ ، وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ ، أَفَنَعْزِلُ عَنْهُنَّ ؟ قَالَ : إنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى خَلْقَ نَسَمَةٍ ، خَلَقَهَا } .
وَعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ لِي جَارِيَةً ، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا ، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ .
فَقَالَ : اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا قَالَ : فَلَبِثَ الرَّجُلُ ، ثُمَّ أَتَاهُ ، فَقَالَ : إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ .
قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُكَ ، أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْت أَعْزِلُ عَنْ جَارِيَتِي ، فَوَلَدَتْ أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَيَّ .
يَعْنِي ابْنَهُ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ : مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ، ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ ، لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ أَتَاهَا ، إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا ، فَاعْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ اُتْرُكُوا .
وَلِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ فِرَاشًا ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } .
وَلَمَّا { تَنَازَعَ عَبْدُ بْن زَمْعَةَ وَسَعْدٌ ، فِي ابْنِ
وَلِيدَةِ زَمْعَةَ ، فَقَالَ عَبْدٌ : هُوَ أَخِي ، وَابْن وَلِيدَةِ أَبِي ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ مِنْ الْمَاء مَا لَا يُحِسُّ بِهِ ، فَيُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَعَ الْعَزْلِ ، فَرَوَى سَعِيدٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، أَنَّ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ ، فَجَاءَتْ بِحَمْلِ فَشَقَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تُلْحِقْ بِآلِ عُمَرَ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ آلَ عُمَرَ لَيْسَ بِهِمْ خَفَاءٌ .
فَوَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ ، فَقَالَ : مِمَّنْ هُوَ ؟ فَقَالَتْ : مِنْ رَاعِي الْإِبِلِ .
فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ .
وَقَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زِيدَ بْنَ ثَابِتٍ ، كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَارِسِيَّةٌ ، وَكَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ ، فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ ، وَجَلَدَهَا الْحَدَّ ، وَقَالَ : إنَّمَا كُنْت اسْتَطَبْتُ نَفَسَكَ ، وَلَا أُرِيدُكِ .
وَفِي رِوَايَةٍ ، قَالَ : مِمَّنْ حَمَلْت ؟ قَالَتْ مِنْك .
فَقَالَ : كَذَبْت ، وَمَا وَصَلَ إلَيْك مِنِّي مَا يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ ، وَمَا أَطَأُكِ ، إلَّا أَنِّي اسْتَطَبْت نَفَسَكَ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَصِيرُ فِرَاشًا ، وَلَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِوَلَدِهَا ، فَيَلْحَقَهُ أَوْلَادُهَا بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَنَا ، مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا خَالَفَهَا .
( 8850 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الدُّبُرِ ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا ، وَتَصِيرُ فِرَاشًا بِهَذَا .
وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ يُجَامِعُ ، فَيَسْبِقُ الْمَاءُ إلَى الْفَرْجِ .
وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهَذَا فِرَاشًا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْأَصْلِ إلَّا بِنَاقِلٍ عَنْهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ لَحِقَهُ الْوَلَدُ مِنْ أَمَتِهِ ، إذَا حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ ، فَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ ، لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، وَتَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ .
( 8851 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَأَحْكَامُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، أَحْكَامُ الْإِمَاءِ ، فِي جَمِيعِ أُمُورِهِنَّ ، إلَّا أَنَّهُنَّ لَا يُبَعْنَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا ، وَوَلَدَتْ مِنْهُ ، ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ ؛ فِي حِلِّ وَطْئِهَا لِسَيِّدِهَا ، وَاسْتِخْدَامِهَا ، وَمِلْكِ كَسْبِهَا ، وَتَزْوِيجِهَا ، وَإِجَارَتِهَا ، وَعِتْقِهَا ، وَتَكْلِيفِهَا ، وَحَدِّهَا ، وَعَوْرَتِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إجَارَتَهَا وَتَزْوِيجَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ، فَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا وَإِجَارَتَهَا ، كَالْحُرَّةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يُنْتَفَعُ بِهَا ، فَيَمْلِكُ سَيِّدُهَا تَزْوِيجَهَا ، وَإِجَارَتَهَا ، كَالْمُدَبَّرَةِ ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ ، وَإِنَّمَا مُنِعَ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تَعْتِقَ بِمَوْتِهِ ، وَبَيْعُهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ .
وَيَبْطُلُ دَلِيلُهُمْ بِالْمَوْقُوفَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ عِنْدَ مَنْ مَنَعَ بَيْعَهَا .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْأَمَةَ الْقِنَّ ، فِي أَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ، وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ ، مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَقْفِ ، وَلَا مَا يُرَادُ لِلْبَيْعِ ، وَهُوَ الرَّهْنُ ، وَلَا تُورَثُ ؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ، وَيَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهَا .
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَعَائِشَةَ ، وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، إبَاحَةُ بَيْعِهِنَّ .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد .
قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ : بِعْهَا كَمَا تَبِيعُ شَاتَكَ ، أَوْ بَعِيرَكَ .
قَالَ : وَحَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عُبَيْدَةَ ، قَالَ خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ ،
فَقَالَ : شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ ، فَلَمَّا وَلِيتُ ، رَأَيْت أَنْ أُرِقَّهُنَّ .
قَالَ عُبَيْدَةُ : فَرَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ ، أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ .
وَقَدْ رَوَى صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : قُلْت لِأَبِي : إلَى أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ؟ قَالَ : أَكْرَهُهُ ، وَقَدْ بَاعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ : لَا يُعْجِبُنِي بَيْعُهُنَّ .
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُنَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ .
فَجَعَلَ هَذَا رِوَايَةً ثَانِيَةً عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرِوَايَةٍ مُخَالِفَةٍ لِقَوْلِهِ : إنَّهُنَّ لَا يَبِعْنَ .
لِأَنَّ السَّلَفَ ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، كَانُوا يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَثِيرًا ، وَمَتَى كَانَ التَّحْرِيمُ وَالْمَنْعُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ، وَجَبَ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ ، عَلَى الْمُصَرَّحِ بِهِ ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِلَافًا .
وَلِمَنْ أَجَازَ بَيْعَهُنَّ أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا رَوَى جَابِرٌ ، قَالَ : { بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ، وَأَبِي بَكْرٍ ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَهَانَا ، فَانْتَهَيْنَا .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَمَا كَانَ جَائِزًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ، لَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ نَسْخَ الْأَحْكَامِ إنَّمَا يَجُوزُ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا يُنْسَخُ بِنَصٍّ مِثْلِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ، فَلَا يَنْسَخُ ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَتْرُكُونَ أَقْوَالَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا يَتْرُكُونَهَا بِأَقْوَالِهِمْ ، وَإِنَّمَا تُحْمَلُ مُخَالَفَةُ عُمَرَ لِهَذَا النَّصِّ ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ ، وَلَمْ يَعْتِقْهَا سَيِّدُهَا ، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا ، وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، فَلَمْ تَعْتِقْ ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ أَبِيهِ فِي نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ ، وَلَمْ يَرِدْ بِزَوَالِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ ، وَلَا مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ وِلَادَتَهَا لَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِعِتْقِهَا ، لَثَبَتَ الْعِتْقُ بِهَا حِينَ وُجُودِهَا ، كَسَائِرِ أَسْبَابِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهَا تُجْعَلُ فِي سَهْمِ وَلَدِهَا ؛ لِتَعْتِقَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : مَاتَ رَجُلٌ مِنَّا ، وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ ، فَأَرَادَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَنْ يَبِيعَهَا فِي دَيْنِهِ ، فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ وَلَا بُدَّ ، فَاجْعَلُوهَا فِي نَصِيبِ أَوْلَادِهَا .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عِكْرِمَةُ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا ، فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } .
رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ .
وَذَكَرَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ ، فِي ( مَسَائِلِهِ ) ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، وَلَا يَبِعْنَ وَلَا يَرْهَنَّ ، وَلَا يَرِثْنَ ، وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا بَدَا لَهُ ، فَإِنْ مَاتَ ، فَهِيَ حُرَّةٌ .
} وَهَذَا فِيمَا أَظُنُّ عَنْ عُمَرَ ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : كَانَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ ، أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ .
وَقَوْلُهُ : فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ .
وَقَوْلِ عُبَيْدَةَ : رَأْيُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَعُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ ، أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِهِ وَحْده .
وَرَوَى عِكْرِمَةُ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُقِرُّ بِأَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ ، ثُمَّ يَمُوتُ ، إلَّا أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا إذَا وَلَدَتْ ، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْف تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ ، مَعَ مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ قُلْنَا : قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ ، فَقَدْ رَوَى عُبَيْدَةُ ، قَالَ : بَعَثَ إلَيَّ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَإِلَى شُرَيْحٍ ، أَنْ اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ، فَإِنِّي أَبْغَضُ الِاخْتِلَافَ .
وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا .
وَهُوَ الرَّاوِي لِحَدِيثِ عِتْقِهِنَّ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ ، فَيَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ .
ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِاتِّفَاقِهِمْ قَبْلَ الْمُخَالَفَةِ ، وَاتِّفَاقُهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ زَمَنٌ عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ ، لَجَازَ فِي جَمِيعِهِ ، وَرَأْيُ الْمُوَافِقِ فِي زَمَنِ الِاتِّفَاقِ ، خَيْرٌ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْخِلَافِ بَعْدَهُ ، فَيَكُونُ الِاتِّفَاقُ حُجَّةً عَلَى الْمُخَالِفِ لَهُ مِنْهُمْ ، كَمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ الِاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الْعَصْر إجْمَاعًا ، حَرُمَتْ مُخَالَفَتُهُ ، فَكَيْفَ خَالَفَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ، الَّذِينَ لَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُمْ إلَى ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ؟ قُلْنَا : الْإِجْمَاعُ يَنْقَسِمُ إلَى مَقْطُوعٍ بِهِ وَمَظْنُونٍ ، وَهَذَا مِنْ الْمَظْنُونِ ، فَيُمْكِنُ وُقُوعُ الْمُخَالَفَةِ مِنْهُمْ لَهُ ، مَعَ كَوْنِهِ
حُجَّةً ، كَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ الظَّنِّيَّةِ ، وَلَا تَخْرُجْ بِمُخَالَفَتِهِمْ عَنْ كَوْنِهَا حُجَّةً ، كَذَا هَاهُنَا .
فَأَمَّا قَوْلُ جَابِرٍ : { بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَأَبِي بَكْر فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عِلْمِ أَبِي بَكْر فَيَكُونُ ذَلِكَ وَاقِعًا مِنْ فِعْلِهِمْ عَلَى انْفِرَادِهِمْ ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا وَاقِعًا بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَأَقَرَّا عَلَيْهِ ، لَمْ تَجُزْ مُخَالَفَتُهُ ، وَلَمْ يُجْمِعْ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُمَا عَلَى مُخَالَفَتِهِمَا ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ مُنْكِرٍ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ ، وَيَقُولُ : كَيْفَ يُخَالِفُونَ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَفِعْلَ صَاحِبِهِ ؟ وَكَيْفَ يَتْرُكُونَ سُنَّتَهُمَا ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّا ؟ مِنْ هَذَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاقِعًا بِعِلْمِهِمَا ، لَاحْتَجَّ بِهِ عَلِيٌّ حِينَ رَأَى بَيْعَهُنَّ ، وَاحْتَجَّ بِهِ كُلُّ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى بَيْعِهِنَّ ، وَلَمْ يَجْرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ إذًا حُجَّةٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ بَاعُوا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي النِّكَاحِ ، لَا فِي الْمِلْكِ .
( 8852 ) فَصْلٌ : وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ ، فَعَلَى قَوْلِهِ ، إنْ لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى مَاتَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا وَلَدُهَا ، عَتَقَتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهَا وَارِثٌ سِوَى وَلَدِهَا ، حُسِبَتْ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا ، فَعَتَقَتْ ، وَكَانَ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ ، عَتَقَ مِنْهَا قَدْرُ نَصِيبِهِ ، وَبَاقِيهَا رَقِيقٌ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ ، إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ إذَا وَرِثَ سَهْمًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، سَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيه .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ مِنْ سَيِّدِهَا ، وَرِثَهَا وَوَرِثَتْهُ ، كَسَائِرِ رَقِيقِهِ .
( 8853 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا أَصَابَ الْأَمَةَ ، وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِ ، بِنِكَاحٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ ، ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا ، عَتَقَ الْجَنِينُ ، وَكَانَ لَهُ بَيْعُهَا ) .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ ، فَأَوْلَدَهَا ، أَوْ أَحْبَلَهَا ، ثُمَّ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ ، أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ ، كَمَا لَوْ زَنَى بِهَا ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ ، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ فِيمَا إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ ، بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ .
وَنَقَلَ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَحْمَدَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالَيْنِ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ ، وَهُوَ مَالِكٌ لَهَا ، فَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ ، كَمَا لَوْ حَمَلَتْ فِي مِلْكِهِ .
وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ ، فِيمَا إذَا مَلَكَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا ، إنَّمَا نُقِلَ عَنْهُ التَّوَقُّفُ عَنْهَا ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ، فَقَالَ : لَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا .
وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ سِوَاهُ ، بِجَوَازِ بَيْعِهَا ، فَقَالَ : لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَهَا ، إنَّمَا الْحَسَنُ وَحْدَهُ قَالَ : إنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ .
وَقَالَ : أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا فِيهِ مِنْ التَّابِعِينَ يَقُولُونَ : لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ عِنْدَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهَا .
فَإِنَّ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ يَقُولُ : نَبِيعُهَا .
وَشُرَيْحًا ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَعَامِرًا الشَّعْبِيَّ .
وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا حَامِلًا ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ .
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَحْبَلَهَا
فِي مِلْكِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ ، أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ ، حَتَّى تُحْدِثَ عِنْدَهُ حَمْلًا .
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ صَالِحٌ ، قَالَ : سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأَمَةَ ، فَتَلِدُ مِنْهُ ، ثُمَّ يَبْتَاعُهَا .
قَالَ : لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .
قُلْت : فَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ .
قَالَ : إذَا كَانَ الْوَطْءُ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ ، وَكَانَ يَطَؤُهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ، كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ .
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ وَطِئَهَا فِي ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا ، أَوْ تَوَسُّطِهِ ، كَانَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي سَمْعِ الْوَلَدِ وَبَصَرِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ مَلَكَهَا حَامِلًا ، فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى وَضَعَتْ ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَإِنْ وَطِئَهَا حَالَ حَمْلِهَا ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَمُلَ الْوَلَدُ ، وَصَارَ لَهُ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ ، لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ .
وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ، صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَبَعْدَ مَا اخْتَلَطَتْ دِمَاؤُكُمْ وَدِمَاؤُهُنَّ ، وَلُحُومُكُمْ وَلُحُومُهُنَّ ، بِعْتُمُوهُنَّ ، فَعَلَّلَ بِالْمُخَالَطَةِ ، وَالْمُخَالَطَةُ هَاهُنَا حَاصِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ ، وَلِأَنَّ لِحُرِّيَّةِ الْبَعْضِ أَثَرًا فِي تَحْرِيرِ الْجَمِيعِ ، بِدَلِيلِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ .
وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ ، إلَّا أَنْ تَحْبَلَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ .
وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ ، فَقَالَ : لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تُحْدِثَ عِنْدَهُ حَمْلًا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَقْ مِنْهُ بِحُرٍّ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ ، كَمَا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا .
يُحَقِّقُ هَذَا ، أَنَّ
حَمْلَهَا مِنْهُ مَا أَفَادَ الْحُرِّيَّةَ لِوَلَدِهِ ، فَلَأَنْ لَا يُفِيدَهَا الْحُرِّيَّةَ أَوْلَى .
وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ ؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ ، فَيَتَحَرَّرُ بِتَحْرِيرِهِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ زِيَادَةِ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ ، غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ زَادَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ زَادَ ، لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًى مِنْهُ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، فَوَطِئَهَا ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ زَادَ الْوَلَدُ بِهِ ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ مَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ ، وَلَا إجْمَاعٌ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْحُكْمُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ .
( 8854 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ ، فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا : فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْمُشْتَرِي وَلَا يَبِيعُهُ ، وَلَكِنْ يَعْتِقُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَكَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ ، عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ ، فَقَالَ : لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا ؟ .
قَالُوا : نَعَمْ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ ، كَيْفَ يَرِثُونَهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ } ، .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
يَعْنِي إنْ اسْتَلْحَقَهُ وَشَرَكَهُ فِي مِيرَاثِهِ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ ، فَإِنْ اتَّخَذَهُ مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَكَ فِيهِ ؛ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ .
( 8855 ) فَصْلٌ : وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا وَتَمَلَّكَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ وَطِئَهَا ، وَلَا تَعَلَّقَتْ بِهَا حَاجَتُهُ ، فَقَدْ مَلَكَهَا الْأَبُ بِذَلِكَ ، وَصَارَتْ جَارِيَتَهُ ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي جَارِيَتِهِ الَّتِي مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ .
وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } .
وَهَذِهِ لَيْسَتْ زَوْجًا لَهُ ، وَلَا مِلْكَ يَمِينِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك } .
فَأَضَافَ مَالَ الِابْنِ إلَى أَبِيهِ ، فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ .
قُلْنَا : لَمْ يُرِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَضَافَ إلَيْهِ الْوَلَدَ ، وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ ، وَأَضَافَ إلَيْهِ مَالَهُ فِي حَالَةِ إضَافَتِهِ إلَى الْوَلَدِ ، وَلَا يَكُونُ الشَّيْءُ مَمْلُوكًا لِمَالِكَيْنِ حَقِيقَةً فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِوَلَدِهِ حَقِيقَةً ، بِدَلِيلِ حِلِّ وَطْءِ إمَائِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ، وَصِحَّةِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ أَبُوهُ إلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ مَالُهُ ، لَاخْتَصَّ بِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ ، لَمْ يَرِثْ وَرَثَتُهُ مَالَ ابْنِهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ حَجٌّ وَلَا زَكَاةٌ وَلَا جِهَادٌ بِيَسَارِ ابْنِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ التَّجَوُّزَ ، بِتَشْبِيهِهِ بِمَالِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ ؛ لِلشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ ؛ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ ، فَإِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَلَكِنْ
يُعَزَّرُ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً لَا يَمْلِكُهَا ، وَطْئًا مُحَرَّمًا ، فَكَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ ، كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، لَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَالَ وَلَدِهِ كَمَالِهِ .
وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَالَهُ مُبَاحٌ لَهُ ، غَيْرُ مَلُومٍ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْوَطْءُ هُوَ عَادٍ فِيهِ ، مَلُومٌ عَلَيْهِ .
وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ دُرِئَ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ ، فَكَانَ حُرًّا ، كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ بِالْوَطْءِ ، فَيَحْصُلُ عُلُوقُهَا بِالْوَلَدِ وَهِيَ مِلْكٌ لَهُ ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ، وَتَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِهِ ، فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ : لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَا يَمْلِكُهَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ أَحْكَامِ الِاسْتِيلَادِ ، إنَّمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا إذَا اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَهُ ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ ، وَلَا فِي مَعْنَى مَمْلُوكَتِهِ ، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ الْمُحَرَّمَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ، الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعَاطِي الْمُحَرَّمَاتِ .
وَلَنَا أَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ ، لِأَجْلِ الْمِلْكِ ، فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَفَارَقَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيِّ فِي هَذَا .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا ، وَلَا قِيمَتُهَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهَا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهَا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَهَا
، فَقَدْ دَخَلَتْ قِيمَةُ الْبُضْعِ فِي ضَمَانِهَا ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ ثَانِيًا ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَسَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِهَا ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ النَّفْسِ دُونَ قِيمَةِ الْيَدِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ وَطْئًا مُحَرَّمًا ، فَلَزِمَهُ مَهْرُهَا ، كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُمَا ، عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ ، كَمَا يَلْزَمُ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ ، قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، إذَا اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } .
وَلِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَةُ وَلَدِهَا ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرُهَا ، وَلَا قِيمَتُهَا كَمَمْلُوكَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ صَارَتْ بِهِ الْمَوْطُوءَةُ أُمَّ وَلَدٍ ، لَأَمْرٍ لَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِهَا ، فَأَشْبَهَ اسْتِيلَادَ مَمْلُوكَتِهِ .
( 8856 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ، ثُمَّ وَطِئَهَا أَبُوهُ فَأَوْلَدَهَا ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ ابْنِهِ : إنْ كَانَ الْأَبُ قَابِضًا لَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ فِيهَا شَيْءٌ .
قَالَ الْقَاضِي : فَظَاهِرُ هَذَا ، أَنَّ الِابْنَ إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ بِاسْتِيلَادِهَا ؛ لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِوَطْءِ ابْنِهِ لَهَا ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيِّ .
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، لَا يَمْلِكُهَا ، وَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ .
فَأَمَّا وَلَدُهَا ، فَيَعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مِنْهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحِلَّ لَهُ ، كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَهُ الَّتِي وَطِئَهَا ابْنُهُ ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، مَعَ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ ، فَصَارَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا الِابْنُ .
( 8857 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ ، فَهُوَ زَانٍ ، يَلْزَمُهُ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَيَلْزَمُهُ مَهْرُهَا ، وَوَلَدُهُ يَعْتِقُ عَلَى جَدِّهِ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ ، إذَا قُلْنَا : إنَّ وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَى يَعْتِقُ عَلَى أَبِيهِ .
وَتَحْرُمُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْأَبِ عَلَى التَّأْبِيدِ .
وَلَا تَجِبُ بِسَبَبٍ قِيمَتُهَا عَلَى الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ بَيْعَهَا ، وَلَا التَّصَرُّفَ فِيهَا بِغَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكًا ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ .
( 8858 ) فَصْلٌ : وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ، ثُمَّ وَطِئَهَا ، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ ، وَيُعَزَّزُ .
قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يُجْلَدُ ، وَلَا يُرْجَمُ .
يَعْنِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْجَلْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، لَوَجَبَ الرَّجْمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا .
فَإِنْ أَوْلَدَهَا ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَتَهُ ، وَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ ، وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ .
( 8859 ) فَصْلٌ : وَلَوْ مَلَكَ رَجُلٌ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ ، أَوْ أُخْتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ ، لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا .
فَإِنْ وَطِئَهَا ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ ، وَيُعَزَّرُ .
فَإِنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ حُرٌّ ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أَمَةً مَجُوسِيَّةً ، أَوْ وَثَنِيَّةً ، فَاسْتَوْلَدَهَا ، أَوْ مَلَكَ الْكَافِرُ أَمَةً مُسْلِمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَيُعَزَّرُ ، وَيَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهِ ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ ، أَوْ وَطِئَ رَبُّ الْمَالِ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَأَوْلَدَهَا ، صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ ، وَخَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَالْمُضَارَبَةِ ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُرْتَهِنِ ، تُجْعَلُ مَكَانَهَا رَهْنًا ، أَوْ تَوْفِيَةً عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ ، وَتَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ فِيهَا .
وَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ ، جُعِلَ الرِّبْحُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( 8860 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ ، فَوَضَعَتْ بَعْضَ مَا يَسْتَبِين فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ ، كَانَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ ) ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ لِمَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ شُرُوطًا ثَلَاثَةً ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ تَعْلَقَ مِنْهُ بِحُرٍّ .
فَأَمَّا إنْ عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ فِي مَوْضِعَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، فِي الْعَبْدِ إذَا مَلَكَهُ سَيِّدُهُ ، وَقُلْنَا : إنَّهُ يَمْلِكُ .
فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَاسْتَوْلَدَهَا ، فَوَلَدُهُ مَمْلُوكٌ ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ بِذَلِكَ ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ .
وَالثَّانِي ، إذَا اسْتَوْلَدَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ ، فَإِنَّ وَلَدَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ ، فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِحُرٍّ ، وَوَلَدُهُ مِنْهَا لَيْسَ بِحُرٍّ ، فَأَوْلَى أَنْ لَا تَتَحَرَّرَ .
هِيَ وَمَتَى عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ، وَعَادَ إلَى الرِّقِّ ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ ، فَهِيَ أَمَةٌ قِنٌّ ، كَأَمَةِ الْعَبْدِ الْقِنِّ .
وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ بَيْعَهَا ، وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ ، أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِيلَادِ ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِحَالٍ .
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِمَمْلُوكٍ فِي مِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِيلَادِ ، كَأَمَةِ الْعَبْدِ الْقِنِّ .
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ ، لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ، وَلَا نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا ، فَإِنْ عَتَقَ ، صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ ، تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ ، فَيَثْبُتُ لَهَا مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِيلَادِ ، مَا يَثْبُتُ لِوَلَدِهَا مِنْ حُرْمَةِ الْحُرِّيَّةِ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ، يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .
الشَّرْطُ الثَّانِي ، أَنْ تَعْلَقَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَمْ مُحَرَّمٍ ، مِثْلُ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ ، أَوْ النِّفَاسِ ، أَوْ الصَّوْمِ ، أَوْ الْإِحْرَامِ ، أَوْ الظِّهَارِ ، أَوْ غَيْرِهِ .
فَأَمَّا إنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، لَمْ تَصِرْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ ، سَوَاءٌ عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ ، مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ عَلِقَتْ بِحُرٍّ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ غُرَّ مِنْ أَمَةٍ ، وَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَاسْتَوْلَدَهَا ، أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا ، فَبَانَتْ مُسْتَحَقَّةً ، فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِحَالٍ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ إنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ، فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ .
وَالْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذِهِ الشُّرُوطِ هَا هُنَا ، ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا ، وَأَمَّا انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَائِهَا ، فَيُذْكَرُ فِي مَسَائِلَ مُفْرَدَةٍ لَهَا .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ ، أَنْ تَضَعَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ ؛ مِنْ رَأْسٍ ، أَوْ يَدٍ ، أَوْ رِجْلٍ ، أَوْ تَخْطِيطٍ ، سَوَاءٌ وَضَعَتْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا ، وَسَوَاءٌ أَسْقَطَتْهُ ، أَوْ كَانَ تَامًّا .
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا ، فَقَدْ عَتَقَتْ وَإِنْ كَانَ سَقْطًا ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا سَقْطًا ، قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : أُمُّ الْوَلَدِ ، إذَا أَسْقَطَتْ ، لَا تَعْتِقُ ؟ فَقَالَ : إذَا تَبَيَّنَ فِيهِ يَدٌ ، أَوْ رِجْلٌ ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ، فَقَدْ عَتَقَتْ .
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : إذَا تَلَبَّثَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ ، فَكَانَ مُخَلَّقًا ، انْقَضَتْ بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ ، وَأُعْتِقَتْ بِهِ الْأَمَةُ .
وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا
خِلَافًا بَيْنَ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ ، فَأَمَّا إنْ أَلْقَتْ نُطْفَةً ، أَوْ عَلَقَةً ، لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَلَدٍ .
وَرَوَى يُوسُفَ بْنُ مُوسَى ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي الْأَمَةِ إذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً ؟ قَالَ : تَعْتِقُ .
وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ .
وَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ ، أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً ، تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ ؛ لِأَنَّهُنَّ اطَّلَعْنَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِنَّ .
وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْنَ بِذَلِكَ ، لَكِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ ؛ إمَّا بِشَهَادَتِهِنَّ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ الْمُتْلِفِ لَهُ الْغُرَّةُ ، وَلَا الْكَفَّارَةُ .
وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالشَّافِعِيِّ ، وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَسَنِ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَسَائِرِ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَتَبَيَّنَ شَيْءٌ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ ، أَشْبَهَ النُّطْفَةَ وَالْعَلَقَةَ .
وَالثَّانِيَةُ ، تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ ، أَشْبَهَ إذَا تَبَيَّنَ .
وَخَرَّجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ رِوَايَةً ثَالِثَةً ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأَمَةِ إذَا وَضَعَتْ ، فَمَسَّتْهُ الْقَوَابِلُ ، فَعَلِمْنَ أَنَّهُ لَحْمٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَحْمُهُ : تَحْتَاطُ فِي الْعِدَّة بِأُخْرَى ، وَيُحْتَاطُ بِعِتْقِ الْأَمَةِ .
وَظَاهِرُ هَذَا ، أَنَّهُ حَكَمَ بِعِتْقِ الْأَمَةِ ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأَمَةِ .
يَحْصُلُ
لِلْحُرِّيَّةِ ، فَاحْتِيطَ بِتَحْصِيلِهَا ، وَالْعِدَّةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا تَحْرِيمُ التَّزَوُّجِ وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ ، فَاحْتِيطَ بِإِبْقَائِهَا .
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِالْعَكْسِ : لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِهِ .
وَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ كَانَتْ ثَابِتَةً ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ ، فَتَغَلَّبَ مَا يُفْضِي إلَيْهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8861 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِذَا مَاتَ ، فَقَدْ صَارَتْ حُرَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا ) .
يَعْنِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ سِوَاهَا .
وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا .
وَسَوَاءٌ وَلَدَتْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِالْتِذَاذِهِ وَشَهْوَتِهِ ، وَمَا يُتْلِفُهُ فِي لَذَّاتِهِ وَشَهْوَتِهِ ، يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ، كَاَلَّذِي يَأْكُلُهُ وَيَلْبَسُهُ ، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمَرَضُ وَالصِّحَّةُ ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ ، وَالتَّدْبِيرِ ، وَالْوَصِيَّةِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ مَنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ .
قَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلَانِ ، فَقَالَا : إنَّا تَرَكْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ .
يَعْنِيَانِ ابْنَ الزُّبَيْرِ .
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَتَعْرِفَانِ أَبَا حَفْصٍ ؟ فَإِنَّهُ قَضَى فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ ، وَلَا يُوهَبْنَ ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا صَاحِبُهَا ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ .
وَقَالَ : حَدَّثَنَا غِيَاثٌ ، عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ ، عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُقِرُّ بِأَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ ، وَيَمُوتُ ، إلَّا أَعْتَقَهَا إذَا وَلَدَتْ ، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا .
( 8862 ) فَصْلٌ : وَلَا فَرْقَ بَيْن الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ ، وَالْعَفِيفَةِ وَالْفَاجِرَةِ ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، وَالْعَفِيفِ وَالْفَاجِرِ ، فِي هَذَا ، فِي قَوْلِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِتْقُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ ، وَالْعَفِيفُ وَالْفَاجِرُ ، كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ ، وَلِأَنَّ عِتْقَهَا بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ دَمِهَا بِدَمِهِ وَلَحْمِهَا بِلَحْمِهِ ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي النَّسَبِ ، اسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ : إنْ أَسْلَمَتْ وَأُحْصِنَتْ وَعَفَّتْ ، أُعْتِقَتْ ، وَإِنْ كَفَرَتْ وَفَجَرَتْ وَغَدَرَتْ ، رَقَّتْ .
وَقَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَتَبَ عُمَرُ : بِيعُوهَا لِيَسْبِيَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا .
وَإِذَا كَانَ مَبْنَى عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ الْعِتْقُ بِالْمُسْلِمَةِ الْعَفِيفَةِ دُونَ الْكَافِرَةِ الْفَاجِرَةِ ؛ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ عِتْقُهُنَّ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8863 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا صَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ ، بِمَا وَصَفْنَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ ، كَانَ لَهُ حُكْمُهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ) .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ لَهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا ، مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُهَا ، فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ، وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ فِيهَا ، وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهَا .
قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرُهُمَا : وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ ، إلَّا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : هُمْ عَبِيدٌ .
فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ أُمِّهِمْ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مُخْتَصٌّ بِهَا ، فَيَخْتَصُّ بِحُكْمِهِ .
كَوَلَدِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ أُمِّهِمْ ، مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، فَيَتْبَعُهَا فِي سَبَبِهِ إذَا كَانَ مُتَأَكِّدًا ، كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ ، بَلْ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ فِيهَا مُسْتَقِرٌّ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ بِحَالٍ .
فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ سَيِّدِهَا ، لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فِي الْوَلَدِ ، وَتَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَبْطُلْ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا .
وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ ، لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمَوْتِ .
أُمِّهِ ، وَأَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ ، فَإِنَّهُ يَعُودُ رَقِيقًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِهَا ، فَلَمْ يَبْقَ حُكْمُهُ فِيهِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا خِلَافًا فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ أُمَّ الْوَلَدِ ، أَوْ الْمُدَبَّرَةَ ، لَمْ يَعْتِقْ
وَلَدُهَا ، لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَبِعَهَا فِيهِ ، وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ وَلَدَهُمَا ، لَمْ يَعْتِقَا بِعِتْقِهِ .
وَإِنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَةَ ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ : الْمُكَاتَبَةُ إذَا أَدَّتْ أَوْ أُعْتِقَتْ ، عَتَقَ وَلَدُهَا ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ إذَا أُعْتِقَتْ ، لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا حَتَّى يَمُوتَ السَّيِّدُ .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَالِهَا ، يَسْتَحِقُّ كَسْبَهُ ، فَيَتْبَعُهَا إذَا أَعْتَقَهَا كَمَالِهَا ، وَلِأَنَّ إعْتَاقَهَا يَمْنَعُ أَدَاءَهَا بِسَبَبٍ ، مِنْ السَّيِّدِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْرَأَهَا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ .
( 8864 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا وَلَدُ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا ، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ قَبْلَ تَدْبِيرِهَا ، وَالْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ كِتَابَتِهَا ، فَلَا يَتْبَعُهَا ؛ لِوُجُودِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِيهَا ، وَزَوَالِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ عَنْهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فِي أُمِّهِ ، وَلِهَذَا لَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ الْمُنْجَزِ ، فَفِي السَّبَبِ أَوْلَى .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ رِوَايَتَيْنِ ، فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ ، وَهُوَ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَتْبَعُهَا فِي عِتْقٍ ، وَلَا بَيْعٍ ، وَلَا هِبَةٍ ، وَلَا رَهْنٍ ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ ، سِوَى الْإِسْلَامِ ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ صَغِيرًا ، فَكَيْفَ يَتْبَعُ فِي التَّدْبِيرِ ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيه ، فَيَبْقَى بِحَالِهِ .
( 8865 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ ، مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا ، وَالتَّلَذُّذِ بِهَا ، وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا .
فَإِذَا أَسْلَمَ ، حَلَّتْ لَهُ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ ، عَتَقَتْ ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَصِحُّ مِنْهُ الِاسْتِيلَادُ لِأَمَتِهِ ، كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ عِتْقُهَا .
وَإِذَا اسْتَوْلَدَ الذِّمِّيُّ أَمَتَهُ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ ، لَمْ تَعْتِقْ فِي الْحَالِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : تَعْتِقُ ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِهَا ، وَلَا إلَى إقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَالْأَمَةِ الْقِنِّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهَا تُسْتَسْعَى ، فَإِنْ أَدَّتْ ، عَتَقَتْ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ؛ حَقِّهَا فِي أَنْ لَا يَبْقَى مِلْكُ الْكَافِرِ عَلَيْهَا ، وَحَقِّهِ فِي حُصُولِ عِوَضِ مِلْكِهِ ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ إسْلَامٌ طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ ، فَلَمْ يُوجِبْ عِتْقًا ، وَلَا سِعَايَةً ، كَالْعَبْدِ الْقِنِّ .
وَمَا ذَكَرُوهُ مُجَرَّدُ حِكْمَةٍ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُهَا ، وَبَقَاؤُهَا ضَرَرٌ ، فَإِنَّ فِي عِتْقِهَا مَجَّانًا إضْرَارًا بِالْمَالِكِ ، بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَفِي الِاسْتِسْعَاءِ إلْزَامٌ لَهَا بِالْكَسْبِ بِغَيْرِ رِضَاهَا ، وَتَضْيِيعٌ لَحَقِّهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحَالَةً عَلَى سِعَايَةٍ لَا نَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ أَوْ لَا ؟ وَإِنْ حَصَلَ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ يَسِيرًا ، فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وُجُودُهُ قَرِيبٌ مِنْ عَدَمِهِ ، وَالْحَقُّ أَنْ يَبْقَى الْمِلْكُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَيُمْنَعَ مِنْ وَطْئِهَا ، وَالتَّلَذُّذِ بِهَا ، كَيْ لَا يَطَأَهَا وَيَبْتَذِلَهَا وَهُوَ مُشْرِكٌ ، وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَيُمْنَعَ الْخَلْوَةَ بِهَا ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ ، وَيُجْبَرَ عَلَى نَفَقَتِهَا عَلَى التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ ، وَمَنْعُهُ مِنْ
وَطْئِهَا بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ مِنْهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ وَالْمَرِيضَةَ ، وَتُسَلَّمُ إلَى امْرَأَةٍ ثِقَةٍ ، تَكُونُ عِنْدَهَا ، لِتَحْفَظَهَا ، وَتَقُومَ بِأَمْرِهَا ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى أَجْرٍ ، أَوْ أَجْرِ مَسْكَنٍ ، فَعَلَى سَيِّدِهَا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا ، وَمَا فَضَلَ مِنْ كَسْبِهَا فَهُوَ لِسَيِّدِهَا .
وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا ، فَهَلْ يَلْزَمُ سَيِّدَهَا تَمَامُ نَفَقَتِهَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَنَحْوُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا ، وَكَسْبَهَا لَهُ ، يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا عَلَى التَّمَامِ ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا ، وَلَا يَمْلِكُ بِهِ كَسْبَهَا ، فَأَشْبَهَتْ أَمَتَهُ الْقِنَّ ، أَوْ مَا قَبْلَ إسْلَامِهَا ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ لِهَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ ، وَالْحَادِثُ مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ مَانِعًا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُمَا ، بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ إسْلَامِهَا ، وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ وُجِدَ قَبْلَ وِلَادَتِهَا ، وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يَمْنَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ ، أَفْضَى إلَى هَلَاكِهَا وَضَيَاعِهَا ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَاضِلَ كَسْبِهَا ، فَيَلْزَمُهُ فَضْلُ نَفَقَتِهَا ، كَسَائِرِ مَمَالِيكِهِ .
( 8866 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا ، فَمَا كَانَ فِي يَدِهَا مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَد أَمَةٌ ، وَكَسْبَهَا لِسَيِّدِهَا ، وَسَائِرَ مَا فِي يَدِهَا لَهُ ، فَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا فَعَتَقَتْ ، انْتَقَلَ مَا فِي يَدِهَا إلَى وَرَثَتِهِ ، كَسَائِرِ مَالِهِ ، وَكَمَا فِي يَدِ الْمُدَبَّرَةِ ، وَتُخَالِفُ الْمُكَاتَبَةَ ؛ فَإِنَّ كَسْبَهَا فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا لَهَا ، فَإِذَا عَتَقَتْ ، بَقِيَ لَهَا ، كَمَا كَانَ لَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ .
( 8867 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَوْ أَوْصَى لَهَا بِمَا فِي يَدِهَا ، كَانَ لَهَا ، إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ تَصِحُّ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقَائِلِينَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ أَرْبَعَةِ آلَافٍ .
وَلِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ فِي حَالِ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ لَهَا ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا يَتَنَجَّزُ بِمَوْتِهِ ، فَلَا تَقَعُ الْوَصِيَّةُ لَهَا إلَّا فِي حَالِ حُرِّيَّتِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : إذَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ .
فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَ ، وَهَذَا مِنْهَا ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، فَإِنْ أَجَازُوهُ جَازَ ، وَإِلَّا رُدَّ إلَى الْوَرَثَةِ .
وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَلَا تُحْتَسَبُ مِنْ الثُّلُثِ ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ ، وَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ .
( 8868 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِمُدَبَّرِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا ، إلَّا أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَبَرُّعٌ ، فَكَانَ مِنْ الثُّلُثِ ، كَالْوَصِيَّةِ .
فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ ، وَكَانَ مَا أَوْصَى بِهِ لَهُ ، وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ ، فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ لِأُمِّ وَلَدِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ، اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، لِيَعْتِق دُونَ الْمَالِ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، عَتَقَ ، وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ ، فَلَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَمَامُ الثُّلُثِ ، وَيَقِفُ مَا زَادَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ .
( 8869 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ ، فَعِدَّتُهَا حَيْضَةٌ ) .
إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا ، لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهَا الَّذِي كَانَ يَطَؤُهَا ، فَكَانَ ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فِي حَيَاتِهِ .
وَإِنَّمَا سَمَّى الْخِرَقِيِّ هَذَا عِدَّةً ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ أَشْبَهَ الْعِدَّةَ فِي كَوْنِهِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ ، وَتَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَتِهَا مِنْ الْحَمْلِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعِدَدِ ، وَالْخِلَافُ فِيهَا عَلَى مَا مَضَى .
( 8870 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ ، فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونِهَا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ ، تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا ، وَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَفْدِيَهَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ؛ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ دُونِهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ قَوْلًا آخَرَ ، أَنَّهُ يَفْدِيهَا بِأَرْشِ جِنَايَتِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهَا فِي الْجِنَايَةِ ، فَلَزِمَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، كَالْقِنِّ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ : لَيْسَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا ، وَتَكُون جِنَايَتُهَا فِي ذِمَّتِهَا ، تُتْبَعُ بِهَا إذَا عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا كَالْحُرَّةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ كَسْبُهَا ، لَمْ يُسَلِّمْهَا ، فَلَزِمَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهَا ، كَالْقِنِّ ، لَا تَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَى قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ تَسْلِيمِهَا ، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ مَنَعَ ذَلِكَ ؛ لِكَوْنِهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ، وَلَا لِنَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَفَارَقَتْ الْقِنَّ إذَا لَمْ يُسَلِّمْهَا ، فَإِنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْبَيْعِ ، فَرُبَّمَا زَادَ فِيهَا مَزِيدًا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ؛ فَإِذَا امْتَنَعَ مَالِكُهَا مِنْ تَسْلِيمِهَا ، أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْأَرْشَ بِكَمَالِهِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُحْتَمَلُ ذَلِكَ فِيهَا ؛ فَإِنَّ بَيْعَهَا غَيْرُ جَائِزٍ ؛ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا .
( 8871 ) فَصْلٌ : ( وَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ فِدَائِهَا ، فَلَا شَيْءَ عَلَى سَيِّدِهَا ) ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا ، فَإِذَا مَاتَتْ سَقَطَ الْحَقُّ ؛ لِتَلَفِ مُتَعَلِّقِهِ .
وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ فِدَائِهَا ، وَجَبَ فِدَاؤُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ جَمِيعُهَا لَسَقَطَ الْفِدَاءُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بَعْضُهُ بِتَلَفِ بَعْضِهَا .
وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا ، زَادَ فِدَاؤُهَا ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحَقِّ زَادَ ، فَزَادَ الْفِدَاءُ بِزِيَادَتِهِ ، كَالرَّقِيقِ الْقِنِّ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْسَبَ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقَصَهَا ، فَاعْتُبِرَ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهَا فِي حَالِ فِدَائِهَا ، وَقِيمَتُهَا نَاقِصَةٌ عَنْ قِيمَةِ غَيْرِ أُمِّ الْوَلَدِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْقُصَ فِدَاؤُهَا ، وَأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ قِيمَتِهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ ، وَالْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرَةِ كَالْحُكْمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ، إلَّا أَنَّهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ، فِي رِوَايَةٍ ، فَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا لِلْبَيْعِ إنْ اخْتَارَ سَيِّدُهَا .
وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ ، فَهَلْ يَفْدِيهَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ ، أَوْ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
( 8872 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَسَبَتْ بَعْدَ جِنَايَتِهَا شَيْئًا ، فَهُوَ لِسَيِّدِهَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهُ دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
وَإِنْ وَلَدَتْ ، فَهُوَ لِسَيِّدِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا ، فَأَشْبَهَ الْكَسْبَ .
وَإِنْ فَدَاهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُتَّصِلٌ بِهَا ، فَأَشْبَهَ سِمَنَهَا .
وَإِنْ أَتْلَفَهَا سَيِّدُهَا ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّ غَيْرِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ .
وَإِنْ نَقَصَهَا ، فَعَلَيْهِ نَقْصُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ الْعَيْنَ ، ضَمِنَ أَجْزَاءَهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8873 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ ، فَدَاهَا ، كَمَا وَصَفْت ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ جِنَايَاتٍ ، لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَاتُ كُلُّهَا قَبْلَ فِدَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ بَعْدَهُ ؛ فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْفِدَاءِ ، تَعَلَّقَ أَرْشُ الْجَمِيعِ بِرَقَبَتِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا قِيمَتُهَا ، أَوْ أَرْشُ جَمِيعِهَا ، وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا ، وَيَشْتَرِكُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ فِي الْوَاجِبِ لَهُمْ ، فَإِنْ وَفَّى بِهَا ، وَإِلَّا تَحَاصُّوا فِيهِ بِقَدْرِ أُرُوشِ جِنَايَاتِهِمْ .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي بَعْدَ فِدَائِهَا مِنْ الْأُولَى ، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهَا مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا ، كَمَا فَدَى الْأُولَى .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ ، عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةً ثَانِيَةً : إذَا فَدَاهَا بِقِيمَتِهَا مَرَّةً ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا جَانِيَةٌ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فَدَاهَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : لَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا ، وَيُشَارِكُ الثَّانِي الْأَوَّلَ فِيمَا أَخَذَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَاتُ قَبْلَ فِدَائِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ جَانِيَةٌ ، فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهَا ، كَالْأُولَى ، وَلِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلُ عِوَضُ جِنَايَتِهِ ، أَخَذَهُ بِحَقٍّ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ فِيهِ ، كَأَرْشِ جِنَايَةِ الْحُرِّ ، أَوْ الرَّقِيقِ الْقِنِّ ، وَفَارَقَ مَا قَبْلَ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَات تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، فَلَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى وَاحِدٍ .
( 8874 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَبْرَأَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَقِّهِ ، تَوَفَّرَ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ ، إذَا كَانَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْفِدَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْمَعْفُوُّ عَنْهَا بَعْدَ فِدَائِهِ ، تَوَفَّرَ أَرْشُهَا عَلَى سَيِّدِهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 8875 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَإِلَيْهَا جَائِزَةٌ ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ لَهَا ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إلَيْهَا ، فَجَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ حُرَّةٌ ، فَأَشْبَهَتْ زَوْجَتَهُ ، أَوْ غَيْرَهَا مِنْ النِّسَاءِ .
وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهَا ، مَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِهَا ؛ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْعَقْلِ ، وَسَائِرِ الشُّرُوطِ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى أَوْلَادِهَا ، أَوْ غَيْرِهِمْ ، أَوْ وَصَّى إلَيْهَا بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ ، أَوْ إمْضَاءِ وَصِيَّتِهِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
( 8876 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَهُ تَزْوِيجُهَا ، وَإِنْ كَرِهَتْ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ لِلرَّجُلِ تَزْوِيجَ أُمِّ وَلَدِهِ ، أَحَبَّتْ ذَلِكَ أَمْ كَرِهَتْ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إبْطَالَهَا ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا ، كَالْمُكَاتَبَةِ .
وَقَالَ فِي الثَّالِثِ : لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا ، وَإِنْ رَضِيَتْ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا قَدْ ضَعُفَ ، وَهِيَ لَمْ تَكْمُلْ ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَزْوِيجَهَا ، كَالْيَتِيمَةِ .
وَهَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إنَّ مَالِكًا لَا يَرَى تَزْوِيجَهَا .
فَقَالَ : وَمَا نَصْنَعُ بِمَالِكٍ ؟ هَذَا ابْنُ عُمَر ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، يَقُولَانِ : إذَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ ، كَانَ لِوَلَدِهَا حُكْمُهَا .
وَلَنَا ، أَنَّهَا أَمَةٌ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا ، وَاسْتِخْدَامَهَا ، فَمَلَكَ تَزْوِيجَهَا ، كَالْقِنِّ ، وَفَارَقَتْ الْمُكَاتَبَةَ ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فَاسِدٌ ؛ لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى مَنْعِ النِّكَاحِ لَامْرَأَةٍ بَالِغَةٍ مُحْتَاجَةٍ إلَيْهِ .
وَقَوْلُهُمْ : يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ .
لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ ، أَوْ غَيْبَتِهِ ، أَوْ عَضْلِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا فَالْمَهْرُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهَا ، وَكَسْبُهَا لَهُ .
وَإِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا ، فَلَهَا الْخِيَارُ ؛ وَلِأَنَّهَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا ، فَلَا خِيَارَ لَهَا .
( 8877 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّ قَذْفَهَا قَذْفٌ لِوَلَدِهَا الْحُرِّ ، وَفِيهَا مَعْنًى يَمْنَعُ بَيْعَهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ ، فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهَا ، فَفِي الْحَدِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهَا ، وَلِأَنَّهَا أَمَةٌ تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ ، أَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ ، وَتُفَارِقُ الْحُرَّةَ فَإِنَّهَا كَامِلَةٌ .
( 8878 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْحُرَّةِ بِقَتْلِهَا ؛ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ .
وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ لَهَا رَقِيقًا ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ مِنْهُ .
وَإِنْ جَنَتْ عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ، جِنَايَةً فِيهَا الْقِصَاصُ ، لَزِمَهَا الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ ، أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْإِمَاءِ ، وَاسْتِحْقَاقُهَا الْعِتْقَ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ ، كَالْمُدَبَّرَةِ .
( 8879 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ، كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ ، وَأَجْزَأَهَا ) إنَّمَا كُرِهَ لَهَا كَشْفُ رَأْسِهَا فِي صَلَاتِهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْحَرَائِرِ ، لِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا .
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ كَيْفَ تُصَلِّي ؟ قَالَ : تُغَطِّي رَأْسَهَا وَقَدَمَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ .
وَكَانَ الْحَسَنُ يُحِبُّ لِلْأُمَّةِ إذَا عَهِدَهَا سَيِّدُهَا - يَعْنِي وَطِئَهَا - أَنْ لَا تُصَلِّيَ إلَّا مُجْتَمِعَةً .
وَإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ، أَجْزَأَهَا ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ : تُصَلِّي أُمُّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ قِنَاعٍ ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ عَوْرَتَهَا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ .
وَذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ ، وَإِنَّمَا خَالَفَتْهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِهَا لِلْعِتْقِ ، وَامْتِنَاعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْحُكْمِ فِي عَوْرَتِهَا ، كَالْمُدَبَّرَةِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حُكْمِهَا فِي إبَاحَةِ كَشْفِ رَأْسِهَا ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُلُ عَنْهُ مِنْ نَصٍّ ، وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ ، فَيَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ .
( 8880 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا ، فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَد إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا ، عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُ سَيِّدِهَا بِقَتْلِهِ ، فَصَارَتْ حُرَّةً ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهَا ، وَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا ، إنْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : عَلَيْهَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً .
وَلِذَلِكَ لَزِمَهَا مُوجِبُ جِنَايَتِهَا ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْحُرِّ بِقَتْلِ الْحُرِّ دِيَةٌ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ ، فَلَمْ يَجِبْ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا ، كَمَا لَوْ جَنَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ الْجَانِي بِحَالِ الْجِنَايَةِ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ ، وَهِيَ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ أَمَةٌ ، فَإِنَّهَا إنَّمَا عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ ، فَيَكُونُ عَلَيْهَا فِدَاءُ نَفْسِهَا بِقِيمَتِهَا ، كَمَا يَفْدِيهَا سَيِّدُهَا إذَا قَتَلَتْ غَيْرَهُ ، وَلِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بِالرِّقِّ ، أَشْبَهَتْ الْقِنَّ ، وَتُفَارِقُ الْحُرَّ ؛ فَإِنَّهُ جَنَى وَهُوَ كَامِلٌ ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ رِقَّهَا بِقَتْلِهَا لِسَيِّدِهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَوَّتَ الْمُكَاتَبُ الْجَانِي رِقَّهُ بِأَدَائِهِ .
وَأَمَّا إنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ ، فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَ ، لَوَجَبَ لِوَلَدِهَا ، وَلَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أُمِّهِ قِصَاصٌ ، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ، وَقَالَ : دَعْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ .
وَقِيَاسُ مَذْهَبِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ ، وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ غَيْرِهَا ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حَقَّ
وَلَدِهَا مِنْ الْقِصَاصِ يَسْقُطُ ، فَيَسْقُطُ كُلُّهُ .
وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهَا أَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ أُصُولَ مَذْهَبِهِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهَا ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا فِدَاءُ نَفْسِهَا بِقِيمَتِهَا ، كَمَا لَوْ عَفَا بَعْضُ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ عَنْ حَقِّهِ مِنْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمْ .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ .
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ