الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن
قدامة المقدسي
( 4647 ) فَصْلٌ وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنْ الثُّلُثِ ، وَلِآخَرَ بِدِرْهَمٍ ، فَاجْعَلْ الْمَالَ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَثَلَاثَةَ أَيْضًا ، فَادْفَعْ إلَى الْوَصِيِّ الْأَوَّلِ نَصِيبًا ، وَإِلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ دِرْهَمَيْنِ ، بَقِيَ سَبْعَةٌ وَنَصِيبَانِ ، ادْفَعْ نَصِيبَيْنِ إلَى ابْنَيْنِ ، يَبْقَى سَبْعَةٌ لِلِابْنِ الثَّالِثِ ، فَالنَّصِيبُ سَبْعَةٌ ، وَالْمَالُ ثَلَاثُونَ ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ بِدِرْهَمَيْنِ ، فَالنَّصِيبُ سِتَّةٌ وَالْمَالُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ .
( 4648 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَرَكَ سِتَّمِائَةٍ ، وَوَصَّى لِأَجْنَبِيٍّ بِمِائَةٍ ، وَلِآخَرَ بِتَمَامِ الثُّلُثِ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ ، فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ فَلِلْآخَرِ مِائَةٌ .
وَإِنْ وَصَّى لِلْأَوَّلِ بِمِائَتَيْنِ ، وَلِلْآخَرِ بِبَاقِي الثُّلُثِ ، فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي ، سَوَاءٌ رَدَّ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ أَوْ أَجَازَهَا .
وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ .
وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ : إنْ رَدَّ الْأَوَّلُ ، فَلِلثَّانِي مِائَتَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمِائَتَيْنِ لَيْسَتْ بَاقِيَ الثُّلُثِ ، وَلَا تَتِمَّتَهُ ، فَلَا يَكُونُ مُوصًى بِهَا لِلثَّانِي ، كَمَا لَوْ قَبِلَ الْأَوَّلُ .
وَلَوْ وَصَّى لِوَارِثٍ بِثُلُثِهِ ، وَلِآخَرَ بِتَمَامِ الثُّلُثِ ، فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي .
وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، لَهُ الثُّلُثُ كَامِلًا .
( 4649 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ، وَلَثَالِثً بِتَمَامِ الثُّلُثِ عَلَى الْمِائَةِ ، وَلَمْ يَزِدْ الثُّلُثُ عَلَى مِائَةٍ ، بَطَلَتْ وَصِيَّةُ التَّمَامِ .
وَإِنْ زَادَ عَلَى مِائَةٍ ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ ، أُمْضِيَتْ وَصَايَاهُمْ عَلَى مَا أَوْصَى لَهُمْ بِهِ .
وَإِنْ رَدُّوا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يُرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا رَجَعَتْ إلَى نِصْفِهَا ، فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَالِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ، كَسَائِرِ الْوَصَايَا .
وَالثَّانِي ، لَا شَيْءَ لِصَاحِبِ التَّمَامِ حَتَّى تَكْمُلَ الْمِائَةُ لِصَاحِبِهَا ، ثُمَّ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ ، وَيُزَاحِمُ صَاحِبُ الْمِائَةِ صَاحِبَ التَّمَامِ ، وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَعْدَ تَمَامِ الْمِائَةِ لِصَاحِبِهَا ، وَمَا تَمَّتْ لَهُ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُزَاحِمَ بِهِ وَلَا يُعْطِيهِ ، كَالْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، يُزَاحِمُ الْجَدَّ بِالْأَخِ مِنْ الْأَبِ ، وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا .
( 4650 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنِصْفِ مَالِهِ ، وَلِعَمْرٍو بِرُبُعِ مَالِهِ ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ؛ لِعَمْرِو سَهْمٌ ؛ وَلِزَيْدٍ سَهْمَانِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِأَجْزَاءَ مِنْ الْمَالِ ، أَخَذْتهَا مِنْ مَخْرَجِهَا ، وَقَسَمْت الْبَاقِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ .
وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا ، قَسَمْت الثُّلُثَ بَيْنَ الْأَوْصِيَاءِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ ، فِي حَالِ الْإِجَازَةِ ، وَقَسَمْت الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْوَرَثَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُمْ مَنْ تُجَاوِزُ وَصِيَّتُهُ الثُّلُثَ أَوْ لَا .
هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، مِنْهُمْ ؛ الْحَسَنُ ؛ وَالنَّخَعِيُّ ؛ وَمَالِكٌ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ فِي حَالِ الرَّدِّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ بَاطِلٌ ، فَكَيْفَ يَضْرِبُ بِهِ ؟ وَلَنَا ، أَنَّهُ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَمْ تَجُزْ التَّسْوِيَةُ ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِثُلُثٍ وَرُبُعٍ ، أَوْ بِمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ ، وَمَالُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ .
وَهَذَا يُبْطِلُ مَا ذَكَرُوهُ ، وَلِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ ، ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ ، فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْوَصَايَا ، كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ .
وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى .
فَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنِصْفِ مَالِهِ ، وَلِعَمْرٍو بِرُبُعِهِ ، فَلِلْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ ، إنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ ، وَيَبْقَى لَهُمْ الرُّبُعُ .
وَإِنْ رَدُّوا ، فَالثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَالْمَسْأَلَةُ كُلُّهَا مِنْ تِسْعَةٍ .
وَإِنْ أَجَازُوا لِأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ ، ضَرَبْت مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ ، وَأَعْطَيْت الْمُجَازَ لَهُ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ ،
وَالْمَرْدُودَ عَلَيْهِ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ مَضْرُوبًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ .
وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَهُمَا ، وَرَدَّ الْبَاقُونَ عَلَيْهِمَا ، أَعْطَيْت الْمُجِيزَ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ مَضْرُوبًا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ ، وَقَسَمْت الْبَاقِيَ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْمَسْأَلَتَانِ ، ضَرَبْت وَفْقَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى ، وَمَنْ لَهُ سَهْمٌ مِنْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الْأُخْرَى .
وَإِنْ دَخَلَتْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى ، اجْتَزَأْت بِأَكْثَرِهِمَا ، فَفِي مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ هَذِهِ ، إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ أُمًّا وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ ، فَأَجَازُوا ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ ، لِلْوَصِيَّيْنِ ثَلَاثَةٌ ، يَبْقَى سَهْمٌ عَلَى سِتَّةٍ ، تَضْرِبُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ، تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ .
وَإِنْ رَدُّوا فَلِلْوَصِيَّيْنِ الثُّلُثُ ثَلَاثَةٌ ، وَيَبْقَى ، سِتَّةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ سِتَّةٌ ؛ فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ .
وَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ ، ضَرَبْت وَفْقَ التِّسْعَةِ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ، تَكُنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ اثْنَا عَشَرَ فِي ثَلَاثَةٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ فِي ثَمَانِيَةٍ ، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْوَرَثَةِ .
وَإِنْ أَجَازَتْ الْأُمُّ لَهُمَا وَرَدَّ الْبَاقُونَ عَلَيْهِمَا ، أَعْطَيْت الْأُمَّ سَهْمًا فِي ثَلَاثَةٍ ، وَالْبَاقِينَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ فِي ثَمَانِيَةٍ ، صَارَ الْجَمِيعُ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ ، يَبْقَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
وَإِنْ أَجَازَتْ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَحْدَهَا ، فَلَهَا تِسْعَةٌ وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَيَبْقَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ، وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ .
( 4651 ) فَصْلٌ إذَا جَاوَزَتْ الْوَصَايَا الْمَالَ ، فَاقْسِمْ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ ، مِثْلُ الْعَوْلِ ، وَاجْعَلْ وَصَايَاهُمْ كَالْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْوَرَثَةِ ، إذَا زَادَتْ عَلَى الْمَالِ .
وَإِنْ رَدُّوا ، قَسَمْت الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ عَلَى تِلْكَ السِّهَامِ .
وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ : قَالَ لِي إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ ، وَثُلُثِ مَالِهِ ، وَرُبُعِ مَالِهِ ؟ قُلْت : لَا يَجُوزُ .
قَالَ : فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجَازُوا .
قُلْت : لَا أَدْرِي ؟ قَالَ : أَمْسِكْ اثْنَيْ عَشَرَ فَأَخْرِجْ نِصْفَهَا سِتَّةً ، وَثُلُثَهَا أَرْبَعَةً ، وَرُبُعَهَا ثَلَاثَةً ، فَاقْسِمْ الْمَالَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ .
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُول : يَأْخُذُ أَكْثَرُهُمْ وَصِيَّةً مِمَّا يَفْضُلُ بِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُ ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ الْبَاقِيَ إنْ أَجَازُوا ، وَفِي الرَّدِّ لَا يُضْرَبُ لَأَحَدِهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ نَقَصَ بَعْضُهُمْ عَنْ الثُّلُثِ ، أَخَذَ أَكْثَرُهُمْ مَا يَفْضُلُ بِهِ عَلَى مَنْ دُونَهُ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ ، رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تِسْعَةٍ فِي الْإِجَازَةِ ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ ، كَمَسْأَلَةٍ فِيهَا زَوْجٌ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَفْضُلُهُمَا بِسُدُسٍ ، فَيَأْخُذُهُ ، وَهُوَ وَصَاحِبُ النِّصْفِ يَفْضُلَانِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِسُدُسٍ ، فَيَأْخُذَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَيَقْتَسِمُونَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا .
وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ ، لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ أَحَدَ عَشَرَ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ .
وَإِنْ رَدُّوا قَسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ
بِجَمِيعِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ إنْ أَجَازُوا ، وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فِي حَالِ الرَّدِّ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ : إنْ أَجَازُوا فَلِصَاحِبِ الْمَالِ الثُّلُثَانِ ، يَتَفَرَّدُ بِهِمَا ، وَيُقَاسِمُ صَاحِبَ الثُّلُثِ ، فَيَحْصُلُ لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ السُّدُسُ ، وَإِنْ رَدُّوا ، اقْتَسَمَا الثُّلُثَ نِصْفَيْنِ ، فَلَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ إلَّا السُّدُسُ فِي الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ جَمِيعًا .
وَلَوْ جَعَلَ مَكَانَ الثُّلُثِ سُدُسًا ، لَكَانَ لِصَاحِبِ الْمَالِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ فِي الْإِجَازَةِ ، وَيُقَاسِمُ صَاحِبَ السُّدُسِ ، فَيَأْخُذُ نِصْفَهُ ، وَيَبْقَى لِصَاحِبِ السُّدُسِ نِصْفُهُ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ .
وَفِي الرَّدِّ ، يَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ، فَيَجْعَلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ التُّسْعَ سَهْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا حَصَلَ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ ، لِزِيَادَةِ سَهْمِ الْمُوصَى لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى حَالَةِ الْإِجَازَةِ ، وَمَتَى كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ حَقٌّ فِي حَالِ الرَّدِّ ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَكَّنَ الْوَارِثُ مِنْ تَغْيِيرِهِ ، وَلَا تَنْقِيصِهِ ، وَلَا أَخْذِهِ مِنْهُ ، وَلَا صَرْفِهِ إلَى غَيْرِهِ ، مَعَ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ نَظِيرُهُ مَسَائِلُ الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ ، وَالدُّيُونِ عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا نَظِيرَ لَهُ ، مَعَ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْوَارِثِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْمُوصِي وَوَصِيَّتِهِ ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْفَضْلِ فِي الْفَرْضِ الْمَفْرُوضِ ، لَا يَنْفَرِدُ بِفَضْلِهِ ، فَكَذَا فِي الْوَصَايَا .
( 4652 ) فَصْلٌ : وَإِذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ ، وَلِلْآخَرِ بِنِصْفِهِ ، فَالْمَالُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ إنْ أَجَازَا ؛ لِأَنَّك إذَا بَسَطْت الْمَالَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ ، كَانَ نِصْفَيْنِ ، فَإِذَا ضَمَمْت النِّصْفَ الْآخَرَ ، صَارَتْ ثَلَاثَةً ، فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَيَصِيرُ النِّصْفُ ثُلُثًا ، كَمَسْأَلَةٍ فِيهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ ، فَإِنْ رَدُّوا ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، وَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ ، فَلِصَاحِبِ الْمَالِ التُّسْعَانِ ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ النِّصْفُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِهِ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ أَخْذَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا ، مُزَاحَمَةُ صَاحِبِهِ ، فَإِذَا زَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ ، أَخَذَ جَمِيعَ وَصِيَّتِهِ .
وَالثَّانِي ، لَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ حَقًّا لِصَاحِبِ الْمَالِ ، أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ مِنْهُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَهُ الْوَارِثَانِ .
وَإِنْ أَجَازَا لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَحْدَهُ ، فَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالتُّسْعُ لِلْآخَرِ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، لَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثَانِ اللَّذَانِ كَانَا لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا ، وَالتُّسْعَانِ لِلْوَرَثَةِ .
فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ لَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُجِيزِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى أَرْبَعَةٍ .
وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِ الْمَالِ وَحْدَهُ ، فَلِلْآخَرِ التُّسْعُ ، وَلِلِابْنِ الْآخَرِ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الْمَالِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَفِي الْآخَرِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ ، وَالتُّسْعُ الْبَاقِي لِلْمُجِيزِ .
وَإِنْ أَجَازَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ ، دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصْفُ ، وَهُوَ تُسْعٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
وَفِي أَحَدِ الْوَجْهِيِّينَ .
وَفِي الْآخَرِ يَدْفَعُ إلَيْهِ التُّسْعَ ، فَيَصِيرُ
لَهُ تُسْعَانِ ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ تُسْعَانِ ، وَلِلْمُجِيزِ تُسْعَانِ ، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ .
وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ ، لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ اثْنَا عَشَرَ ، وَلِلْمُجِيزِ خَمْسَةٌ ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ أَحَدَ عَشَرَ ، وَلِصَاحِبِ الْمَالِ ثَمَانِيَةٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ مِنْ تِسْعَةٍ ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ مِنْهَا سَهْمٌ ، فَلَوْ أَجَازَ لَهُ الِابْنَانِ ، كَانَ لَهُ تَمَامُ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ .
فَإِذَا أَجَازَ لَهُ أَحَدُهُمَا ، لَزِمَهُ نِصْفُ ذَلِكَ ، وَهُوَ سَهْمٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ سَهْمٍ ، فَيُضْرَبُ مَخْرَجُ الرُّبُعِ فِي تِسْعَةٍ ، يَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ .
( 4653 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ ، فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ .
وَإِنْ قَالَ : لِبَنِيهِ .
فَهُوَ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ ) أَمَّا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ فُلَانٍ ، فَإِنَّهُ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالْخَنَاثَى .
لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ } .
نَفَى الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا ، وَإِنْ قَالَ : لِبَنِيَّ ، أَوْ بَنِي فُلَانٍ .
فَهُوَ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْخَنَاثَى .
هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ : هُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ ، دَخَلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : إنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ كُنَّ بَنَاتٍ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ ، فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ غَلَبَ لَفْظُ التَّذْكِيرِ ، وَدَخَلَ فِيهِ الْإِنَاثُ ، كَلَفْظِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ .
وَلَنَا ، أَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ يَخْتَصُّ الذُّكُورَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ } .
وَقَالَ : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ } .
وَقَالَ : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } .
وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَهُونَ الْبَنَاتِ .
فَقَالَ : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى } .
الْآيَةَ .
وَإِنَّمَا دَخَلُوا فِي الِاسْمِ إذَا صَارُوا قَبِيلَةً ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ نُقِلَ فِيهِمْ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْعُرْفِ ، وَلِهَذَا تَقُولُ الْمَرْأَةُ : أَنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ .
إذَا انْتَسَبَتْ إلَى الْقَبِيلَةِ ،
وَلَا تَقُولُ ذَلِكَ إذَا انْتَسَبَتْ إلَى أَبِيهَا .
( 4654 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِبَنَاتِ فُلَانٍ ، دَخَلَ فِيهِ الْإِنَاثُ دُونَ غَيْرِهِنَّ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ كَوْنَهُ أُنْثَى .
( 4655 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ ، أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ .
وَلَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً ، فَهُوَ لِوَلَدِهِ لِصُلْبِهِ ، وَأَمَّا أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِمْ ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ ، أَوْ قَالَ : وَلَا يُعْطَى وَلَدُ الْبَنَاتِ شَيْئًا .
أَوْ قَالَ : إلَّا وَلَدَ فُلَانٍ .
أَوْ فَضَّلُوا وَلَدَ فُلَانٍ عَلَى غَيْرِهِمْ .
وَنَحْوَ ذَلِكَ ، دَخَلُوا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمْ ، وَالْقَرِينَةَ صَارِفَةٌ لَهُ إلَيْهِمْ ، فَصَارَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِمْ .
وَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إخْرَاجِهِمْ ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ .
وَإِنْ انْتَفَتْ الْقَرَائِنُ ، لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ حَقِيقَةً عِبَارَةٌ عَنْ وَلَدِ الصُّلْبِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ دَخَلُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
قُلْنَا : إنَّمَا دَخَلُوا فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ابْنٌ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ، وَدَخَلُوا مَعَ الْإِنَاثِ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا يَرِثُونَ مَا فَضَلَ عَنْ الْبَنَاتِ ، عَلَى مَا ذُكِرَ تَفْصِيلُهُ فِي الْفَرَائِضِ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هَا هُنَا ، فَانْتَفَى دُخُولُهُمْ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْخُلَ وَلَدُ الْبَنِينَ فِي الْوَصِيَّةِ ، إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تُخْرِجُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي اسْمِ الْوَلَدِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ وَغَيْرِهِ .
( 4656 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ فُلَانٍ ، أَوْ بَنِي فُلَانٍ ، وَهُمْ قَبِيلَةٌ ، كَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي تَمِيمٍ ، دَخَلَ فِيهِمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَيَدْخُلُ وَلَدُ الرَّجُلِ مَعَهُ ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ بَنَاتِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ ذَكَرِهَا وَأُنْثَاهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا بَنِي آدَمَ } .
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } .
يُرِيدُ الْجَمِيعَ .
وَقَالَ : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ } .
وَرُوِيَ أَنَّ جَوَارِيَ مِنْ الْأَنْصَارِ قُلْنَ : نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ وَيُقَال : امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ فِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَى الْقَبِيلَةِ .
( 4657 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِأَخَوَاتِهِ ، فَهُوَ لِلْإِنَاثِ خَاصَّةً ، وَإِنْ أَوْصَى لِإِخْوَتِهِ ، دَخَلَ فِيهِ الذَّكَرُ ، وَالْأُنْثَى جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً } .
وَقَالَ : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حَجْبِهَا بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .
وَإِنْ قَالَ لِعُمُومَتِهِ .
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُ الْإِخْوَةِ ، يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ؛ لِأَنَّهُمْ إخْوَةُ أَبِيهِ .
وَإِنْ قَالَ : لِبَنِي إخْوَتِهِ .
أَوْ لِبَنِي عَمِّهِ .
فَهُوَ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ ، إذَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْعُمُومَةَ لَيْسَ لَهُمَا لَفْظٌ مَوْضُوعٌ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى سِوَى هَذَا اللَّفْظِ ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ وَالْعَمِّ لَهُمْ لَفْظٌ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَهُوَ لَفْظُ الْأَوْلَادِ ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ إلَى لَفْظِ الْبَنِينَ ، دَلَّ عَلَى إرَادَةِ الذُّكُورِ ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومَةِ أَشْبَهُ بِلَفْظِ الْإِخْوَةِ ، وَلَفْظَ بَنِي الْإِخْوَةِ وَالْعَمِّ يُشْبِهُ بَنِي فُلَانٍ ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِمَا .
وَالْحُكْمُ فِي تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لِلْبَعِيدِ مِنْ الْعُمُومَةِ وَبَنِي الْعَمِّ وَالْإِخْوَةِ ، حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ ، مَعَ الْقَرِينَةِ وَعَدَمِهَا .
( 4658 ) فَصْلٌ : وَأَلْفَاظُ الْجُمُوعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ ؛ أَحَدُهَا ، مَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِوَضْعِهِ ، كَالْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالْعَالَمِينَ وَشِبْهِهِ .
وَالثَّانِيَةُ ، مَوْضُوعٌ لِلذُّكُورِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ إذَا اجْتَمَعُوا ، كَلَفْظِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْفَاسِقِينَ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَلِكَ ضَمِيرُ الْمُذَكَّرِ ، كَالْوَاوِ فِي قَامُوا ، وَالتَّاءِ وَالْمِيمِ فِي قُمْتُمْ ، وَهُمْ مُفْرَدَةً وَمَوْصُولَةً ، وَالْكَافِ وَالْمِيمِ فِي لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ ، وَنَحْوَهُ .
فَهَذَا مَتَى اجْتَمَعَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَغُلِّبَ لَفْظُ التَّذْكِيرِ فِيهِ ، وَدَخَلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى .
وَالثَّالِثُ ، ضَرْبٌ يَخْتَصُّ الذُّكُورَ كَالْبَنِينَ وَالذُّكُورِ وَالرِّجَالِ وَالْغِلْمَانِ ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا الذُّكُورُ .
وَالرَّابِعُ ، لَفْظٌ يَخْتَصُّ النِّسَاءَ ، كَالنِّسَاءِ وَالْبَنَاتِ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالصَّادِقَاتِ ، وَالضَّمَائِرِ الْمَوْضُوعَةِ لَهُنَّ ، فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْإِنَاثِ .
( 4659 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِلْأَرَامِلِ ، فَهُوَ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِأَرَامِلَ بَنِي فُلَانٍ .
فَقَالَ : قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا ، فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
وَاَلَّذِي يُعْرَفُ فِي كَلَامِ النَّاسِ أَنَّ الْأَرَامِلَ النِّسَاءُ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَإِسْحَاقُ : هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَأَنْشَدَ أَحَدُهُمَا : هَذِي الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْت حَاجَتَهَا فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ وَقَالَ الْآخَرُ : أُحِبُّ أَنْ أَصْطَادَ ضَبْيًا سَحْبَلَا رَعَى الرَّبِيعَ وَالشِّتَاءَ أَرْمَلَا وَلَنَا ، أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي كَلَامِ النَّاسِ أَنَّهُ النِّسَاءُ ، فَلَا يُحْمَلُ لَفْظُ الْمُوصِي إلَّا عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْأَرَامِلَ جَمْعُ أَرْمَلَةٍ ، فَلَا يَكُونُ جَمْعًا لِلْمُذَكَّرِ ؛ لِأَنَّ مَا يَخْتَلِفُ لَفْظُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي وَاحِدِهِ يَخْتَلِفُ فِي جَمْعِهِ ، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَلَى قَائِلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ ، وَخَطَّأَهُ فِيهِ ، وَالشِّعْرُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْأَرَامِلِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، لَقَالَ : " حَاجَتَهُمْ " إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ فِي أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ ضَمِيرٌ ، غُلِّبَ فِيهِ لَفْظُ التَّذْكِيرِ وَضَمِيرُهُ ، فَلَمَّا رُدَّ الضَّمِيرُ عَلَى الْإِنَاثِ عُلِمَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَسَمَّى نَفْسَهُ أَرْمَلَا تَجَوُّزًا تَشْبِيهًا بِهِنَّ ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ ذَكَرٌ ، وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ أَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا النِّسَاءُ ، وَلَا يُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ غَيْرُهُنَّ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِغَيْرِهِنَّ ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَكَانَ قَدْ خَصَّ بِهِ أَهْلُ الْعُرْفِ النِّسَاءَ ، وَهُجِرَتْ بِهِ الْحَقِيقَةُ حَتَّى صَارَتْ مَغْمُورَةً ،
لَا تُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعُرْفِيَّةِ .
( 4660 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا لَفْظُ الْأَيَامَى ، فَهُوَ كَالْأَرَامِلِ ، إلَّا أَنَّهُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا ، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } .
وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ : { أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ } .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الَّذِينَ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : آمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ زَوْجِهَا ، وَأُمُّ عُثْمَانَ مِنْ رُقَيَّةَ .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي وَإِنْ كُنْت أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّمُ وَلَنَا ، أَنَّ الْعُرْفَ يَخُصُّ النِّسَاءَ بِهَذَا الِاسْمِ ، وَالْحُكْمُ لِلِاسْمِ الْعُرْفِيِّ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ } .
إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهَا الَّتِي تُوصَفُ بِهَذَا ، وَيَضُرُّ بَوَارُهَا .
( 4661 ) فَصْلٌ : وَالْعُزَّابُ هُمْ الَّذِينَ لَا أَزْوَاجَ لَهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، يُقَالُ : رَجُلٌ عَزَبٌ ، وَامْرَأَةٌ عَزَبَةٌ .
وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَزَبًا لِانْفِرَادِهِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ انْفَرَدَ فَهُوَ عَزَبٌ ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا مِنْ الْوَحْشِ انْفَرَدَ : يَجْلُو الْبَوَارِقُ عَنْ مجلمز لَهَقٍ كَأَنَّهُ مُتَقَبِّي يُلْمَقُ عَزَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْعَزَبُ بِالرِّجَالِ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ كَذَلِكَ ، وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ ، جَلْدُ مِائَةٍ ، وَنَفْيُ سَنَةٍ ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ ، الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ } .
وَالْعَانِسُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ : الَّذِي كَبِرَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ .
قَالَ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ الْوَاقِفِيُّ : فِينَا الَّذِي هُوَ مَا إنْ طَرَّ شَارِبُهُ وَالْعَانِسُونَ وَفِينَا الْمُرْدُ وَالشَّيْبُ وَالْكُهُولُ : الَّذِينَ جَازُوا الثَّلَاثِينَ ، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى : { وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا } .
( 1 ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : ابْنُ ثَلَاثِينَ .
مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : اكْتَهَلَ النَّبَاتُ ، إذَا تَمَّ وَقَوِيَ .
ثُمَّ لَا يَزَالُ كَهْلًا حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ ، ثُمَّ يَشِيخُ ، ثُمَّ لَا يُزَالُ شَيْخًا حَتَّى يَمُوتَ .
( 4662 ) فَصْلٌ وَإِذَا أَوْصَى لَجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ ، كَالْقَبِيلَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، صَحَّ ، وَأَجْزَأَ الدَّفْعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : يُدْفَعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا ؛ لِأَنَّهَا يَدْخُلُ فِيهَا الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ ، وَإِذَا وَقَعَتْ لِلْأَغْنِيَاءِ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ إذَا دَخَلَتْ فِيهَا الْجَهَالَةُ لَمْ تَصِحَّ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِمَجْهُولٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ صَحَّتْ لَجَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ ، صَحَّتْ لَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْأَغْنِيَاءِ قُرْبَةٌ ، وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْهَدِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ .
وَأَمَّا جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى وَاحِدٍ ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى الدَّفْعِ فِي الزَّكَاةِ ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ هُنَاكَ .
( 4663 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ جَائِزَةٌ ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ فَتَصِحُّ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا ، بِأَنْ يَكُونَ رَقِيقًا ، أَوْ حَمْلَ بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ ، فَجَرَى مَجْرَى إعْتَاقِ الْحَمْلِ ، فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا ، وَعَلِمْنَا وُجُودَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ ، أَوْ حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، لَمْ تَصِحَّ ؛ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لَك بِمَا تَحْمِلُ جَارِيَتِي هَذِهِ ، أَوْ نَاقَتِي هَذِهِ ، أَوْ نَخْلَتِي هَذِهِ .
جَازَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِحَّتِهَا مَعَ الْغَرَرِ .
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ ، فَصَحِيحَةٌ أَيْضًا ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَبِذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَرَتْ مَجْرَى الْمِيرَاثِ ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا انْتِقَالَ الْمَالِ مِنْ الْإِنْسَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، إلَى الْمُوصَى لَهُ ، بِغَيْرِ عِوَضٍ ، كَانْتِقَالِهِ إلَى وَارِثِهِ ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ وَصِيَّةً ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ } .
وَالْحَمْلُ يَرِثُ ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْسَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ وَالْعَبْدِ ، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ، فَإِذَا وَرِثَ الْحَمْلُ ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِخَطَرٍ وَغَرَرٍ ، فَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ ، كَالْعِتْقِ .
فَإِنْ انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ
أَنْ لَا يَكُونَ حَيًّا حِينَ الْوَصِيَّةِ ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ بِالشَّكِّ .
وَسَوَاءٌ مَاتَ لِعَارِضٍ ، مِنْ ضَرْبِ الْبَطْنِ ، أَوْ ضَرْبِ دَوَاءٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ لَا يَرِثُ .
وَإِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، لَهُ إذَا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ .
نَقَلَ الْخِرَقِيِّ ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي كُلِّ حَالٍ ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا ، فَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ ، عَلِمْنَا وُجُودَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ .
وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْفُرْقَةِ ، وَأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعْلَمُ وُجُودُهُ إذَا كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَيُحْكَمُ بِوُجُودِهِ إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْفُرْقَةِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَإِنْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، مَعَ اشْتِرَاطِ إلْحَاقِهِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْتَفِيًا بِاللِّعَانِ ، أَوْ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ؛ لِعَدَمِ نَسَبِهِ الْمَشْرُوطِ فِي الْوَصِيَّةِ ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا ؛ لِكَوْنِهِ غَائِبًا فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ ، أَوْ مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ ، أَوْ كَانَ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا ، أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي لُحُوقِ النَّسَبِ بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ ، فَكَانَتْ فِي حُكْمِ مَنْ يَطَؤُهَا .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ
مَتَى أَتَتْ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، لِوَقْتٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ ، مِثْلُ أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ غَالِبِ مُدَّةِ الْحَمْلِ ، أَوْ تَكُونَ أَمَارَاتُ الْحَمْلِ ظَاهِرَةً ، أَوْ أَتَتْ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا بِأَمَارَاتِ الْحَمْلِ ، بِحَيْثُ يُحْكَمُ لَهَا بِكَوْنِهَا حَامِلًا ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْحَمْلِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحُكْمِ ، وَقَدْ انْتَفَتْ أَسْبَابُ حُدُوثِهِ ظَاهِرًا ، فَيَنْبَغِي أَنْ نُثْبِتَ لَهُ الْوَصِيَّةَ ، وَالْحُكْمُ بِإِلْحَاقِهِ بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ النَّسَبِ بِمُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ ، نَفْيُ اسْتِحْقَاقِ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ ، كَمَا يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ ، فَلَا يَلْزَمُ إلْحَاقُ مَا لَا يُحْتَاطُ لَهُ بِمَا يُحْتَاطُ لَهُ مَعَ ظُهُورِ مَا يُثْبِتُهُ وَيُصَحِّحُهُ .
( 4664 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِأَصْلِ الْمَوْجُودِ ، اُعْتُبِرَ وُجُودُهُ كَمَا فِي حَمْلِ الْأَمَةِ بِمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْحَمْلِ الْمُوصَى لَهُ .
وَإِنْ كَانَ حَمْلَ بَهِيمَةٍ ، اُعْتُبِرَ وُجُودُهُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُودُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ .
( 4665 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ ، لَمْ يَصِحَّ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : يَصِحُّ ، كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ ، فَلَا تَصِحُّ لِلْمَعْدُومِ ، بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ ، فَإِنَّهُ يُمْلَكُ ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ وُجُودُهُ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ ، وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ لَمْ يَرِثْهُ مِنْ الْحَمْلِ إلَّا مَنْ كَانَ مَوْجُودًا ، كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ .
وَلَوْ تَجَدَّدَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ بَعْد مَوْتِهِ ، بِأَنْ يَسْقُطَ فِي شَبَكَتِهِ صَيْدٌ ، لَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ ، وَلِذَلِكَ قَضَيْنَا بِثُبُوتِ الْإِرْثِ فِي دِيَتِهِ ، وَهِيَ تَتَحَدَّدُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَجَازَ أَنْ تُمْلَكَ بِالْوَصِيَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَحْدُثُ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ فُلَانٍ صَحَّ ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ .
قُلْنَا : الْوَصِيَّةُ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ ، وَلَا يَحْصُلُ الْمِيرَاثُ إلَّا لِمَوْجُودٍ ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ ، وَالْوَقْفُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ ، فَمِنْ ضَرُورَتِهِ إثْبَاتُهُ لِلْمَعْدُومِ .
( 4666 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُمَا شَيْئًا بَعْدَ وِلَادَتِهِمَا .
وَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا ، فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ ، كَالْوَقْفِ .
وَإِنْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ فَلَهُ دِينَارَانِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَارِيَةٌ فَلَهَا دِينَارٌ .
فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَصَّى لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِيهِ .
وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا ، فَلَهُ وَصِيَّتُهُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ حَمْلُهَا ، أَوْ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا .
فَلَهُ دِينَارَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَلَهَا دِينَارٌ .
فَوَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا ، فَلَهُ وَصِيَّتُهُ .
وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً ، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ هُوَ جَمِيعَ الْحَمْلِ .
وَلَا كُلَّ مَا فِي الْبَطْنِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
( 4667 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ شَجَرَةٍ ، أَوْ بُسْتَانٍ ، أَوْ غَلَّةِ دَارٍ ، أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ ، صَحَّ ، سَوَاءٌ وَصَّى بِذَلِكَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ ، أَوْ بِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ .
هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، مِنْهُمْ ؛ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا ، كَالْأَعْيَانِ .
وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي سُكْنَى الدَّارِ .
وَهُوَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِهَا .
فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، أُجِيزَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَسْلِيمِ خِدْمَتِهِ سَنَةً ، وَبَيْنَ تَسْلِيمِ ثُلُثِ الْمَالِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَأَبُو ثَوْرٍ : إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ ، حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمُوصَى لَهُ سَنَةً فَإِنْ ، أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَيْعَ الْعَبْدِ ، بِيعَ عَلَى هَذَا .
وَلَنَا ، أَنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ ، فَوَجَبَ تَنْفِيذُهَا عَلَى صِفَتِهَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ ، أَوْ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ مِنْهَا ، كَسَائِرِ الْوَصَايَا ، أَوْ كَالْأَعْيَانِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَمَتَى أُرِيدَ تَقْوِيمُهَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ ، قُوِّمَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيُنْظَرُ ؛ كَمْ قِيمَتُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ ، فَقَدْ قِيلَ : تُقَوَّمُ الرَّقَبَةُ بِمَنْفَعَتِهَا جَمِيعًا ، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ عَبْدًا لَا مَنْفَعَةَ
لَهُ ، وَشَجَرًا لَا ثَمَرَ لَهُ ، لَا قِيمَةَ لَهُ غَالِبًا .
وَقِيلَ : تُقَوَّمُ الرَّقَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ .
وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ بِمَنْفَعَتِهِ ، فَإِذَا قِيلَ : قِيمَتُهُ مِائَةٌ .
قِيلَ : كَمْ قِيمَتُهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ؟ فَإِذَا قِيلَ : عَشَرَةٌ .
عَلِمْنَا أَنَّ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ تِسْعُونَ .
( 4668 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إجَارَةَ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِنَفْعِهَا ، جَازَ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِاسْتِيفَائِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا ، فَمَلَكَ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْأَعْيَانِ ، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا بِالْإِجَارَةِ .
وَإِنْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إخْرَاجَ الْعَبْدِ عَنْ الْبَلَدِ ، فَلَهُ ذَلِكَ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا يُخْرِجُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ ، فَيُخْرِجَهُ إلَى أَهْلِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَالِكٌ لِنَفْعِهِ ، فَمَلَكَ إخْرَاجَهُ ، كَالْمُسْتَأْجِرِ .
( 4669 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مُدَّةً ، أَوْ بِمَا يُثْمِرُ أَبَدًا ، لَمْ يَمْلِكْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ إجْبَارَ الْآخَرِ عَلَى سَقْيِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى سَقْيِ مِلْكِهِ ، وَلَا سَقْيِ مِلْكِ غَيْرِهِ .
وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَقْيَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ ، لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ مَنْعَهُ .
وَإِذَا يَبِسَتْ الشَّجَرَةُ ، كَانَ حَطَبُهَا لِلْوَارِثِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثَمَرَتِهَا سَنَةً بِعَيْنِهَا ، فَلَمْ تَحْمِلْ تِلْكَ السَّنَةَ ، فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ .
وَإِنْ قَالَ : لَك ثَمَرَتُهَا أُولَ عَامٍ تُثْمِرُ .
صَحَّ ، وَلَهُ ثَمَرَتُهَا أُولَ عَامٍ تُثْمِرُ .
وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لَهُ بِمَا تَحْمِلُ جَارِيَتُهُ أَوْ شَاتُهُ .
وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِشَجَرَةٍ ، وَلِآخَرَ بِثَمَرَتِهَا ، صَحَّ ، وَكَانَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ قَائِمًا مَقَامَ الْوَارِثِ ، وَلَهُ مَالَهُ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَصُوفِهَا ، صَحَّ ، كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ .
وَإِنْ وَصَّى بِلَبَنِهَا خَاصَّةً ، أَوْ صُوفِهَا خَاصَّةً ، صَحَّ ، وَيُقَوَّمُ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْعَيْنِ .
( 4670 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ .
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الرَّقَبَةِ ، فَكَانَتْ عَلَى صَاحِبِهَا ، كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ .
قَالَ الشَّرِيفُ : وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَلْزَمُهُ ، وَالْفِطْرَةُ تَتْبَعُ النَّفَقَةَ ، وَوُجُوبُ التَّابِعِ عَلَى إنْسَانٍ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ عَلَيْهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَالْإِصْطَخْرِيِّ ، وَهُوَ أَصَحُّ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْعَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ ، فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ ، كَالزَّوْجِ ، وَلِأَنَّ نَفْعَهُ لَهُ ، فَكَانَ عَلَيْهِ ضُرُّهُ ، كَالْمَالِكِ لَهُمَا جَمِيعًا ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ لَهُ ضَرَرٌ مُجَرَّدٌ ، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ : أَوْصَيْت لَك بِنَفْعِ عَبْدِي ، وَأَبْقَيْت عَلَى وَرَثَتِي ضُرَّهُ .
وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِهِ لَإِنْسَانٍ ، وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ ، كَانَ مَعْنَاهُ : أَوْصَيْت لِهَذَا بِنَفْعِهِ ، وَلِهَذَا بِضُرِّهِ .
وَالشَّرْعُ يَنْفِي هَذَا بِقَوْلِهِ : { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } .
وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ، لِيَكُونَ ضُرُّهُ عَلَى مَنْ لَهُ نَفْعُهُ .
وَفَارَقَ الْمُسْتَأْجَرَ ، فَإِنَّ نَفْعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْمُؤَجَّرِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ عِوَضًا عَنْ مَنَافِعِهِ .
وَقِيلَ : تَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ .
وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى إيجَابِهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ ، فَإِذَا صُرِفَ فِي نَفَقَتِهِ ، فَقَدْ صُرِفَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا إلَى النَّفَقَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صُرِفَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ سِوَاهُ .
( 4671 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ ، عَتَقَ ، وَمَنْفَعَتُهُ بَاقِيَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِشَيْءٍ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ ، لَمْ يُعْتَقْ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلرَّقَبَةِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا .
وَإِنْ وَهَبَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ مَنَافِعَهُ لِلْعَبْدِ ، وَأَسْقَطَهَا عَنْهُ ، فَلِلْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ .
وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ بَيْعَ الْعَبْدِ ، فَلَهُ ذَلِكَ ، وَيُبَاعُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ ، وَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ ، فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ .
وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ، لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ، كَالْحَشَرَاتِ وَالْمَيْتَاتِ .
وَقِيلَ : يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَالِكَ مَنْفَعَتِهِ يَجْتَمِعُ لَهُ الرَّقَبَةُ وَالْمَنْفَعَةُ ، فَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الزَّرْعِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ، فَصَحَّ بَيْعُهُ كَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إعْتَاقُهُ وَتَحْصِيلُ وَلَائِهِ ، وَجَرُّ وَلَاءِ مَنْ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ بِعِتْقِهِ ، بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ .
وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ ، وَلِآخَرَ بِنَفْعِهِ ، صَحَّ ، وَقَامَ الْمُوصِيَةُ لَهُ بِالرَّقَبَةِ مَقَامَ الْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
( 4672 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَنْفَعَةِ أَمَتِهِ ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا ، فَهُوَ مَمْلُوكٌ ، حُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي حُكْمِهَا ، كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ النَّفْعِ الْمُوصَى بِهِ .
وَلَا هُوَ مِنْ الرَّقَبَةِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا .
وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ، وَجَبَ الْمَهْرُ عَلَى الْوَاطِئِ لِصَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبِضْعِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا مُنْفَرِدَةً ، وَلَا مَعَ غَيْرِهَا ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مُفْرَدَةً عَنْ الرَّقَبَةِ بِغَيْرِ التَّزْوِيجِ ، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِلرَّقَبَةِ ، فَتَكُونُ لِصَاحِبِهَا ، وَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ أَخْذَ بَدَلِهَا ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ ، فَهُوَ حُرٌّ ، وَتَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ وَضْعِهِ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَفِي الْآخَرِ ، يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ وَلَا لِصَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا ، وَلَا هُوَ زَوْجٌ لَهَا ، وَلَا يُبَاحُ الْوَطْءُ بِغَيْرِهِمَا ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } .
وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا .
وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَحْبَلَ مِنْهُ ، فَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى إهْلَاكِهَا ، وَأَيُّهُمَا وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ ؛ لِوُجُودِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ .
فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ ، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ وَلَدِهَا يَوْمَ وَضَعَهُ ، وَحُكْمُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا وَطِئَهَا غَيْرُهُمَا بِشُبْهَةٍ .
وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ ،
وَفِي وُجُوبِ قِيمَتِهِ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكًا الرَّقَبَةَ ، فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ ، وَلَهُ الْمَهْرُ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ ، إذَا كَانَ هُوَ الْوَاطِئَ .
وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، بِعَكْسِ ذَلِكَ فِيهِمَا .
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُ ذَلِكَ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ إذَا وَطِئَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ ، فَلَزِمَهُ الْحَدُّ ، كَالْمُسْتَأْجِرِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَلَدُهُ مَمْلُوكًا .
( 4673 ) فَصْلٌ : وَلَيْسَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزْوِيجُهَا ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتِهَا ، وَمَالِكَ الرَّقَبَةِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا ، لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ بِتَزْوِيجِهَا .
فَإِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ ، لَزِمَ تَزْوِيجُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا ، وَحَقُّهَا فِي ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا الَّذِي يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا وَنَفْعَهَا ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ ، وَقُدِّمَ حَقُّهَا عَلَى حَقِّهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى تَزْوِيجِهَا قَبْلَ طَلَبِهَا ، جَازَ ، وَوَلِيُّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَالِكٌ رَقَبَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا .
وَالْكَلَامُ فِي مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ .
فَصْلٌ : وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِنَفْعِهِ ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ ، يُشْتَرَى بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُوصَى بِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ تَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا ، إذَا لَمْ يَبْطُلْ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا .
وَيُفَارِقُ الزَّوْجَةَ وَالْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ يَبْطُلُ بِتَلَفِهِمَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ الْقِيمَةُ لِلْوَارِثِ ، أَوْ مَالِكِ الرَّقَبَةِ ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ ، فَتَكُونُ لِصَاحِبِهَا ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ ، كَمَا تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ .
( 4675 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِحَبِّ زَرْعِهِ ، وَلِآخَرَ بِنَبْتِهِ ، صَحَّ ، وَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالزَّرْعِ .
فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ ، فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِي أَصْلِ الزَّرْعِ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ سَقْيِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ، فَيَخْرُجُ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ .
هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ ضَرَرًا عَلَيْهِمَا ، وَإِضَاعَةً الْمَالِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } .
وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ ، لَا يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ ، وَلَا مَالِ غَيْرِهِ ، إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا ، فَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إذَا اسْتُهْدِمَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ ، فَدَعَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ إلَى مُبَانَاتِهِ ، فَامْتَنَعَ .
يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، كَمَا لَوْ كَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَصْلِ الزَّرْعِ .
( 4676 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لَرَجُلٍ بِخَاتَمٍ ، وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ ، صَحَّ ، وَلَيْسَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ ، وَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ مِنْ الْخَاتَمِ أُجِيبَ إلَيْهِ ، وَأُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بَيْعِهِ ، أَوْ اصْطَلَحَا عَلَى لُبْسِهِ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا .
( 4677 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدِينَارٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ ، وَغَلَّتُهَا دِينَارَانِ ، صَحَّ .
فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَيْعَ نِصْفِهَا وَتَرْكَ النِّصْفِ الَّذِي أَجْرُهُ دِينَارٌ ، فَلَهُ مَنْعُهُمْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ أَجْرُهُ عَنْ الدِّينَارِ .
وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَلَهُمْ بَيْعُ مَا زَادَ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِمْ تَرْكُ الثُّلُثِ .
فَإِنْ كَانَتْ غَلَّتُهُ دِينَارًا ، أَوْ أَقَلَّ ، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرِ ، فَلَهُ دِينَارٌ ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ .
( 4678 ) فَصْلٌ : وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، كَالْعَبْدِ الْآبِقِ ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ، وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا صَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ فَبِذَلِكَ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ ، وَهَذَا يُورَثُ ، فَيُوصَى بِهِ ؛ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ ، وَسَلَّمَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلِلْوَصِيِّ السَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ .
( 4679 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِبِشْرٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِبَكْرٍ ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِهِ ، ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ ، أَوْ وَصَّى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا .
وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ الْأُولَى .
وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَدَاوُد : وَصِيَّتُهُ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لِلثَّانِي بِمَا وَصَّى بِهِ لِلْأَوَّلِ ، فَكَانَ رُجُوعًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : مَا وَصَّيْت بِهِ لِبِشْرٍ فَهُوَ لِبَكْرٍ .
وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُنَافِي الْأُولَى ، فَإِذَا أَتَى بِهَا كَانَ رُجُوعًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : هَذَا لِوَرَثَتِي .
وَلَنَا ، أَنَّهُ وَصَّى لَهُمَا بِهَا ، فَاسْتَوَيَا فِيهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُمَا : وَصَّيْت لَكُمَا بِالْجَارِيَةِ .
وَمَا قَاسُوا عَلَيْهِ صَرَّحَ فِيهِ بِالرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّتِهِ لِبِشْرٍ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ التَّشْرِيكَ ، فَلَمْ تَبْطُلْ وَصِيَّةُ الْآخَرِ بِالشَّكِّ .
( 4680 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ ، ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا .
وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلثَّانِي ثُلُثُهُ كَامِلًا .
وَإِنْ وَصَّى بِعَبْدِهِ لِاثْنَيْنِ ، فَرَدَّ أَحَدُهُمَا وَصِيَّتَهُ ، فَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ .
وَإِنْ وَصَّى لِاثْنَيْنِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ ، فَرَدَّ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ ، وَرَدَّ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيَّتَهُ ، فَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهِ مُنْفَرِدًا ، وَزَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ ، فَكَمُلَ لَهُ ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ .
( 4681 ) فَصْلٌ : إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ وَصَّى بِالثُّلُثِ لِبِشْرٍ ، وَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ ، فَرَدَّ الْوَارِثُ الْوَصِيَّتَيْنِ ، وَكَانَ الْوَارِثُ رَجُلًا عَاقِلًا عَدْلًا ، وَشَهِدَ بِالْوَصِيَّةِ ، حَلَفَ مَعَهُ الْمُوصَى لَهُ ، وَاشْتَرَكَا فِي الثُّلُثِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ .
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا يُشَارِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ .
بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَيْسَ بِحُجَّةِ شَرْعِيَّةٍ .
وَقَدْ ثَبَتَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَيْسَ بِعَدْلٍ ، أَوْ كَانَ امْرَأَةً ، فَالثُّلُثُ لِمَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ ثَابِتَةٌ ، وَلَمْ تَثْبُتْ وَصِيَّةُ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ ، فَأَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ ، أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ ، وَأَقَرَّ لِفُلَانٍ بِهِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ ، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا .
وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِوَاحِدٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِآخَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَنْقُصُ بِهِ حَقُّ الْأَوَّلِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ، فَيَشْهَدَ بِذَلِكَ ، وَيَحْلِفَ مَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ، فَيُشَارِكَهُ ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ أَقَرَّ لِلثَّانِي فِي الْمَجْلِسِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ ثَبَتَ فِي الْجَمِيعِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ .
وَالثَّانِي ، يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ كَالْحَالِ الْوَاحِدَةِ ، فَإِنَّ الْخِرَقِيِّ قَالَ : وَإِذَا خَلَّفَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَأَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ لِآخَرَ ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ
كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي .
وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ ثَبَتَ فِي الثُّلُثِ كَامِلًا ، لِإِقْرَارِهِ بِهِ مُنْفَرِدًا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ ، ثُمَّ سَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ : زُيُوفًا ، أَوْ صِغَارًا ، أَوْ إلَى شَهْرٍ أَوْ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى مِمَّا أَقَرَّ بِهِ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ فِي الْمَجْلِس .
( 4682 ) مَسْأَلَةٌ ؛ ( وَإِنْ قَالَ : مَا أَوْصَيْت بِهِ لِبِشْرٍ فَهُوَ لِبَكْرٍ .
كَانَتْ لِبَكْرٍ ) هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَهُوَ أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ ؛ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ بِذِكْرِهِ أَنَّ مَا أَوْصَى بِهِ مَرْدُودٌ إلَى الثَّانِي ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : رَجَعْت عَنْ وَصِيَّتِي لِبِشْرٍ وَأَوْصَيْت بِهَا لِبَكْرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَّى بِشَيْءٍ وَاحِدٍ لِرَجُلَيْنِ ، أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ التَّشْرِيكَ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ ثَبَتَتْ وَصِيَّةُ الْأَوَّلِ يَقِينًا ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ .
( 4683 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : مَا أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَنِصْفُهُ لِفُلَانٍ ، أَوْ ثُلُثُهُ .
كَانَ رُجُوعًا فِي الْقَدْرِ الَّذِي وَصَّى بِهِ لِلثَّانِي خَاصَّةً ، وَبَاقِيهِ لِلْأَوَّلِ .
( 4684 ) فَصْلٌ : وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ مَا أَوْصَى بِهِ ، وَفِي بَعْضِهِ ، إلَّا الْوَصِيَّةَ بِالْإِعْتَاقِ .
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِ أَيْضًا .
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَالنَّخَعِيُّ : يُغَيِّرُ مِنْهَا مَا شَاءَ إلَّا الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ ، كَالتَّدْبِيرِ وَلَنَا ، أَنَّهَا وَصِيَّةٌ ، فَمَلَكَ الرُّجُوعَ عَنْهَا ، كَغَيْرِ الْعِتْقِ ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ تُنْجَزُ بِالْمَوْتِ ، فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَنْجِيزِهَا ، كَهِبَةِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَفَارَقَ التَّدْبِيرَ ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ ، كَتَعْلِيقِهِ عَلَى صِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ .
( 4685 ) فَصْلٌ : وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِهِ : رَجَعْت فِي وَصِيَّتِي .
أَوْ أَبْطَلْتهَا ، أَوْ غَيَّرْتهَا .
أَوْ مَا أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ .
أَوْ فَهُوَ لِوَرَثَتِي .
أَوْ فِي مِيرَاثِي .
وَإِنْ أَكَلَهُ ، أَوْ أَطْعَمَهُ ، أَوْ أَتْلَفَهُ ، أَوْ وَهَبَهُ ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ، أَوْ بَاعَهُ ، أَوْ كَانَ ثَوْبًا غَيْرَ مُفَصَّلٍ فَفَصَّلَهُ وَلَبِسَهُ ، أَوْ جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا ، فَهُوَ رُجُوعٌ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِطَعَامٍ فَأَكَلَهُ ، أَوْ بِشَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ، أَوْ وَهَبَهُ ، أَوْ بِجَارِيَةٍ فَأَحْبَلَهَا ، أَوْ أَوْلَدَهَا ، أَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، أَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَهُ ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ ، فَكَانَ رُجُوعًا ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ .
وَإِنْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ ، أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ ، أَوْ أَوْجَبَ الْهِبَةَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ، أَوْ كَاتَبَهُ ، أَوْ وَصَّى بِإِعْتَاقِهِ ، أَوْ دَبَّرَهُ ، كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِلرُّجُوعِ بِعَرْضِهِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَإِيجَابِهِ لِلْهِبَةِ ، وَوَصِيَّتِهِ بِبَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ ، لِكَوْنِهِ وَصَّى بِمَا يُنَافِي الْوَصِيَّةَ الْأُولَى ، وَالْكِتَابَةُ بَيْعٌ ، وَالتَّدْبِيرُ أَقْوَى مِنْ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْجَزُ بِالْمَوْتِ ، فَيَسْبِقُ أَخْذَ الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ رَهَنَهُ ، كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِهِ حَقًّا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، فَكَانَ أَعْظَمَ مِنْ عَرْضِهِ عَلَى الْبَيْعِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ .
وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ ، فَأَشْبَهَ إجَارَتَهُ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ .
( 4686 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِحَبٍّ ثُمَّ طَحَنَهُ ، أَوْ بِدَقِيقٍ فَعَجَنَهُ ، أَوْ بِعَجِينٍ فَخَبَزَهُ ، أَوْ بِخُبْزٍ فَفَتَّهُ ، أَوْ جَعَلَهُ فَتِيتًا .
كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ اسْمَهُ وَعَرَّضَهُ لِلِاسْتِعْمَالِ ، فَدَلَّ عَلَى رُجُوعِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَإِنْ وَصَّى بِكَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ فَغَزَلَهُ ، أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ ، أَوْ بِثَوْبٍ فَقَطَعَهُ ، أَوْ بِنَقْرَةٍ فَضَرَبَهَا ، أَوْ شَاةٍ فَذَبَحَهَا ، كَانَ رُجُوعًا .
وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ .
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الِاسْمَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلِاسْتِعْمَالِ ، فَكَانَ رُجُوعًا ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ : إنَّهُ لَا يُزِيلُ الِاسْمَ .
فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يُسَمَّى غَزْلًا ، وَالْغَزْلَ لَا يُسَمَّى كَتَّانًا .
( 4687 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ ، ثُمَّ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ ، كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ بِذَلِكَ تَسْلِيمُهُ ، فَيَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ .
فَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ .
وَإِنْ وَصَّى بِقَفِيزِ قَمْحٍ مِنْ صُبْرَةٍ ، ثُمَّ خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ، سَوَاءٌ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا ، أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا ، أَوْ دُونَهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُشَاعًا .
وَبَقِيَ مُشَاعًا .
وَقِيلَ : إنْ خَلَطَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ ، كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ خَيْرٍ مِنْهُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ تَسْلِيمُ خَيْرٍ مِنْهُ ، فَصَارَ مُتَعَذِّرَ التَّسْلِيمِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ .
( 4688 ) فَصْلٌ : وَإِذَا حَدَثَ بِالْمُوصَى بِهِ مَا يُزِيلُ اسْمَهُ ، مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمُوصِي ، مِثْلُ إنْ سَقَطَ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ فَصَارَ زَرْعًا ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَصَارَتْ فَضَاءً ، فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ .
وَإِنْ كَانَ انْهِدَامُ الدَّارِ لَا يُزِيلُ اسْمَهَا ، سُلِّمَتْ إلَيْهِ دُونَ مَا انْفَصَلَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ حِينَ الِاسْتِحْقَاقِ يَقَعُ عَلَى الْمُتَّصِلِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ .
وَيَتْبَعُ الدَّارَ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ .
( 4689 ) فَصْلٌ : وَإِنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْجُحُودِ ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ .
وَالثَّانِي ، يَكُونُ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إيصَالَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ .
وَإِنْ غَسَلَ الثَّوْبَ ، أَوْ لَبِسَهُ ، أَوْ جَصَّصَ الدَّارَ ، أَوْ سَكَنَهَا ، أَوْ أَجَّرَ الْأَمَةَ ، أَوْ زَوَّجَهَا ، أَوْ عَلَّمَهَا ، أَوْ وَطِئَهَا ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ رُجُوعٌ .
لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلْخُرُوجِ عَنْ جَوَازِ النَّقْلِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ ، وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ يَقِينًا ، فَأَشْبَهَ لُبْسَ الثَّوْبِ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَتْلَفَهُ ، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ .
( 4690 ) فَصْلٌ : نَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي رَجُلٍ قَالَ : هَذَا ثُلُثِي لِفُلَانٍ ، وَيُعْطَى فُلَانٌ مِنْهُ مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ .
فَهُوَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا ، وَيُعْطَى هَذَا مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ ، فَإِنْ مَاتَ وَفَضَلَ شَيْءٌ ، رُدَّ إلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ .
فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْفَاذِهَا ، عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوصِي .
( 4691 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً ، وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهَا ، حُكِمَ بِهَا ، مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا ) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : مَنْ مَاتَ ، فَوُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهَا ، وَعُرِفَ خَطُّهُ ، وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ ، يُقْبَلُ مَا فِيهَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْخَطُّ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَلَا يُشْهِدُ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ حَتَّى يَسْمَعَهَا الشُّهُودُ مِنْهُ ، أَوْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ ، فَيُقِرَّ بِمَا فِيهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ ، وَأَبُو قِلَابَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَكَذَا هَاهُنَا ، وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ رَأَى حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَهُ خَتْمُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ ، أَوْ رَأَى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ ، لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِمَا وَجَدَهُ ، وَلَا لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ بِمَا رَأَى خَطَّهُ بِهِ ، فَهَاهُنَا أَوْلَى .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي الشَّهَادَةِ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ .
} وَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَتَهُ .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يَتَسَامَحُ فِيهَا ، وَلِهَذَا صَحَّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ ، وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ ، بِهِ ، وَبِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَبِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ ، فَجَازَ أَنْ يَتَسَامَحَ فِيهَا بِقَبُولِ الْخَطِّ ، كَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ .
( 4692 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ ، وَقَالَ : اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ .
أَوْ قَالَ : هَذِهِ وَصِيَّتِي ، فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا .
فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَتَبَ وَصِيَّتَهُ ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا ، وَقَالَ لِلشُّهُودِ : اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ .
لَا يَجُوزُ حَتَّى يَسْمَعُوا مِنْهُ مَا فِيهِ ، أَوْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ فَيُقِرَّ بِمَا فِيهِ .
وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ جَوَازَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُبِلَ خَطُّهُ الْمُجَرَّدُ ، فَهَذَا أَوْلَى وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى ، وَمَكْحُولٌ ، وَنُمَيْرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَإِسْحَاقُ .
وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ ، فِي أَمْرِ وِلَايَتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَسُنَنِهِ ، ثُمَّ مَا عَمِلَتْ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كُتُبِهِمْ إلَى وُلَاتِهِمْ ، بِالْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاءُ وَالْفُرُوجُ وَالْأَمْوَالُ ، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً ، لَا يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا ، وَأَمْضُوهَا عَلَى وُجُوهِهَا ، وَذَكَرَ اسْتِخْلَافَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، بِكِتَابٍ ، كَتَبَهُ ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كِتَابٌ لَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ، فَأَمَّا مَا ثَبَتَ مِنْ الْوَصِيَّةِ ، بِشَهَادَةِ أَوْ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَيُعْمَلُ بِهِ ، مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهُ ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ ، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْمُوصَى بِهِ ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ فَيَبْرَأَ مِنْهُ ، ثُمَّ يَمُوتَ بَعْدُ أَوْ يُقْتَلَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ، فَلَا
يَزُولُ حُكْمُهُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ ، كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ .
( 4693 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا وَأَحْوَطُ لِمَا فِيهَا .
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ } .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ ، أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ، وَأَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ : { يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ ، عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسٍ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ كَتَبَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
هَذَا ذِكْرُ مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، إنْ حَدَثَ بِي حَادِثُ الْمَوْتِ مِنْ مَرَضِي هَذَا ، أَنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ، ثُمَّ إلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمَا فِي حِلٍّ وَبَلٍّ فِيمَا وَلِيَا وَقَضَيَا ، وَأَنَّهُ لَا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ اللَّهِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا .
وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ : كَانَ فِي وَصِيَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ
الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَيَكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ ، عَلَى ذَلِكَ يَحْيَا وَيَمُوتُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَأَوْصَى فِيمَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، بِكَذَا وَكَذَا ، وَأَنَّ هَذِهِ وَصِيتُهُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا .
( 4694 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَا أَعْطَى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنَجَّزَةَ ، كَالْعِتْقِ ، وَالْمُحَابَاةِ ، وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَالْوَقْفِ ، وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ ، إذَا كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
وَإِنْ كَانَتْ فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَهِيَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ ، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ فِي الْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ فِي مَرَضِهِ ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ، فَاسْتَدْعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ مَعَ سِرَايَتِهِ ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ .
هَذِهِ الْحَالَ الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ ، فَكَانَتْ عَطِيَّةً فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ ، كَالْوَصِيَّةِ .
( 4695 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ الْعَطَايَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ، حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يَقِفَ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ .
الثَّانِي ، أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ .
الثَّالِثُ ، أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصِّحَّةِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ قَالَ : { أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ ، تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا ، وَلِفُلَانٍ كَذَا ، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَفْظُهُ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ " .
الرَّابِعُ ، أَنَّهُ يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ .
الْخَامِسُ ، أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ حَالَ الْمَوْتِ ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ .
وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ ؛ أَحَدُهَا ، أَنَّهَا لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا .
وَإِنْ كَثُرَتْ ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ عَلَى الزِّيَادَةِ مِنْ الثُّلُثِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ، لَا لِحَقِّهِ ، فَلَمْ يَمْلِكْ إجَازَتَهَا وَلَا رَدَّهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ .
لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ ، فَفِيمَا قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُوجَدْ التَّبَرُّعُ وَلَا الْعَطِيَّةُ ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ ، فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْعَطِيَّةُ مِنْهُ ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُعْطِي ، وَالْقَبْضُ ، فَلَزِمَتْ كَالْوَصِيَّةِ إذَا قُبِلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقُبِضَتْ .
الثَّانِي ، أَنَّ قَبُولَهَا عَلَى الْفَوْرِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُعْطِي وَكَذَلِكَ رَدُّهَا ، وَالْوَصَايَا لَا حُكْمَ لِقَبُولِهَا وَلَا رَدِّهَا إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْعَطِيَّةَ تُصْرَفُ فِي الْحَالِ ، فَتُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ وَقْتَ وُجُودِهِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ
الْمَوْتِ ، فَاعْتُبِرَ شُرُوطُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ الثَّالِثُ ، أَنَّ الْعَطِيَّةَ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِهَا الْمَشْرُوطَةِ لَهَا فِي الصِّحَّةِ ؛ مِنْ الْعِلْمِ ، وَكَوْنُهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ وَغَرَّرَ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهِ .
الرَّابِعُ ، أَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَزُفَرُ ، إلَّا فِي الْعِتْقِ ، فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْهُمْ تَقْدِيمُهُ ، لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَسْرِي وَقْفُهُ ، وَيَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْعَطِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ .
وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ بِثَمَرَةٍ ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْعِتْقِ ، كَعَطِيَّةِ الصَّدَقَةِ ، وَكَمَا لَوْ تَسَاوَى الْحَقَّانِ .
الْخَامِسُ ، أَنَّ الْعَطَايَا إذَا عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ جَمِيعِهَا ، بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْجَمِيعُ سَوَاءٌ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ ، وَكَانَتْ الْمُحَابَاةُ مُتَقَدِّمَةً قُدِّمَتْ ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ سُوِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ حَقٌّ آدَمِيٌّ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ ، فَقُدِّمَتْ ، إذَا تَقَدَّمَتْ ، كَقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِذَا تَسَاوَى جِنْسُهَا سُوِّيَ بَيْنَهَا ؛ لِأَنَّهَا عَطَايَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَسُوِّيَ بَيْنَهَا ، كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يُقَدَّمُ الْعِتْقُ ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُمَا عَطِيَّتَانِ مُنَجَّزَتَانِ ، فَكَانَتْ أُولَاهُمَا أَوْلَى ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى مُحَابَاةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَوْ عِتْقًا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ .
وَلِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمُنَجَّزَةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطِي ، فَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الثُّلُثِ ، لَزِمَتْ
فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، فَلَوْ شَارَكَتْهَا الثَّانِيَةُ ، لَمَنَعَ ذَلِكَ لُزُومَهَا فِي حَقِّ الْمُعْطِي ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ بَعْضِهَا بِعَطِيَّةٍ أُخْرَى ، بِخِلَافِ الْوَصَايَا ، فَإِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَوْتِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ ، فَاسْتَوَيَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حَالِ لُزُومِهِمَا ، بِخِلَافِ الْمُنَجَّزَتَيْنِ وَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَابَاةِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ الدَّيْنِ لَمَا كَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ .
فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، كَأَنْ وَكَّلَ جَمَاعَةً فِي هَذِهِ التَّبَرُّعَاتِ ، فَأَوْقَعُوهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ، فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَكَمَّلْنَا الْعِتْقَ كُلَّهُ فِي بَعْضِهِمْ ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ غَيْرِ الْعِتْقِ ، قَسَمْنَا الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ عَطَايَاهُمْ ، لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، فَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ ، كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْعِتْقِ ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعِتْقِ يُكْمِلُ الْأَحْكَامَ ، وَلَا تَكْمُلُ الْأَحْكَامُ إلَّا بِتَكْمِيلِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ فِي قِسْمَةِ الْعِتْقِ عَلَيْهِمْ إضْرَارًا بِالْوَرَثَةِ وَالْمَيِّتِ وَالْعَبِيدِ ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ .
وَإِنْ وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَفِيهَا عِتْقٌ وَغَيْرُهُ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يُقَدَّمَ الْعِتْقُ لِتَأْكِيدِهِ .
وَالثَّانِيَةُ ، يُسَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ تَسَاوَتْ فِي اسْتِحْقَاقِهَا ، فَتَسَاوَتْ فِي تَنْفِيذِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا حَصَلَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ السَّادِسُ ، أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا مَاتَ قَبْلَ تَقْبِيضِهِ الْهِبَةَ الْمُنَجَّزَةَ ، كَانَتْ الْخِيرَةُ لِلْوَرَثَةِ ، إنْ شَاءُوا قَبَّضُوا ، وَإِنْ شَاءُوا مَنَعُوا ، وَالْوَصِيَّةُ تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ .
( 4696 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ الْمَرِيضُ : إذَا أَعْتَقْت سَعْدًا ، فَسَعِيدٌ حُرٌّ .
ثُمَّ أَعْتَقَ سَعْدًا ، عَتَقَ سَعِيدٌ أَيْضًا إنَّ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ ، وَلَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا لِوَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ سَعْدًا سَبَقَ بِالْعِتْقِ .
وَالثَّانِي ، أَنَّ عِتْقَهُ شَرْطٌ لِعِتْقِ سَعِيدٍ ، فَلَوْ رَقَّ بَعْضُهُ لَفَاتَ إعْتَاقُ سَعِيدٍ أَيْضًا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ مَا يُعْتَقُ بِهِ بَعْضُ سَعِيدٍ ، عَتَقَ تَمَامُ الثُّلُثِ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ : إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ .
ثُمَّ أَعْتَقَ سَعْدًا ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمْ ، عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ اثْنَانِ ، أَوْ وَاحِدٌ وَبَعْضُ آخَرَ ، عَتَقَ سَعْدٌ وَأُقْرِعَ بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرٍو فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَيْسَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا شَرْطًا فِي عِتْقِ الْآخَرِ .
وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا ، وَحُصُولِ التَّشْقِيصِ فِي الْآخَرِ وَإِنْ قَالَ : إنْ أَعْتَقْت سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ ، أَوْ فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ فِي حَالِ إعْتَاقِي سَعْدًا .
فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ سَعْدٍ شَرْطٌ لِعِتْقِهِمَا ، فَلَوْ رَقَّ بَعْضُهُ لَفَاتَ شَرْطُ عِتْقِهِمَا ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ .
وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
( 4697 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت فَعَبْدِي حُرٌّ .
فَتَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَالزِّيَادَةُ مُحَابَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ .
وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا الْمُحَابَاةُ أَوْ الْعَبْدُ ، فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ ، لِكَوْنِ التَّزْوِيجِ شَرْطًا فِي عِتْقِهِ ، فَقَدْ سَبَقَتْ عِتْقَهُ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَسَاوَيَا ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمُحَابَاةِ ، وَشَرْطٌ لِلْعِتْقِ ، فَلَا يَسْبِقُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ ، فَيَكُونَانِ سَوَاءً .
ثُمَّ هَلْ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ عَلَى الْمُحَابَاةِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا فِيمَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُحَابَاةُ بِأَنْ لَا تَرِثَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ ؛ إمَّا لِوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ الْإِرْثِ ، أَوْ لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهَا فِي حَيَاتِهِ ، إمَّا بِمَوْتِهَا أَوْ طَلَاقِهَا أَوْ نَحْوِهِ .
فَأَمَّا إنْ وَرَثَتْهُ ، تَبَيَّنَّا أَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ لَهَا إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ ، فَيَكُونُ مُتَقَدِّمًا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ فِي حَالِ تَزْوِيجِي .
فَتَزَوَّجَ وَأَصْدَقَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَتَسَاوَيَانِ ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ جُعِلَ جَعَالَةً لِإِيقَاعِ الْعِتْقِ ، كَمَا فِي عِتْقِ سَعْدٍ وَسَعِيدٍ ، وَبُطْلَانُ الْمُحَابَاةِ لَا يُبْطِلُ التَّزْوِيجَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْته ، يَكُونُ الْعِتْقُ سَابِقًا ، لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ ، إنَّمَا ثَبَتَتْ بِتَمَامِ التَّزْوِيجِ ، وَالْعِتْقُ قَبْلَ تَمَامِهِ ، فَيَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمُحَابَاةِ ، فَيَتَقَدَّمُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، لَا سِيَّمَا إذَا تَأَكَّدَ بِقُوَّتِهِ وَكَوْنِهِ لِغَيْرِ وَارِثٍ .
( 4698 ) فَصْلٌ : إذَا أَعْتَقَ الْمَرِيضُ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ آخَرَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا الْعَبْدُ الْأَوَّلُ ، عَتَقَ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ حِينَ يَلْفِظُ بِإِعْتَاقِ شِقْصِهِ وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ وَبَعْضُ الثَّانِي ، عَتَقَ ذَلِكَ .
وَإِنْ أَعْتَقَ الشِّقْصَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا الشِّقْصَانِ ، عَتَقَا وَرَقَّ بَاقِي الْعَبْدَيْنِ .
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا أَحَدُهُمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ عَتَقَ الشِّقْصَانِ وَبَاقِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، يُكْمَلُ الْعِتْقُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ بَيْنَهُمَا ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي ، يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ ، لِأَنَّهُ أَوْقَعَ عِتْقًا مُشَقَّصًا فَلَمْ يُكْمِلْهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ ، وَلِهَذَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا الشِّقْصَانِ أَعْتَقْنَاهُمَا ، وَلَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يُكْمِلْهُ مِنْ أَحَدِهِمَا .
وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ النَّصِيبَيْنِ ، وَأَنْ يُكْمَلَ عِتْقُهُمَا مِنْ ثُلُثِهِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا النَّصِيبَانِ وَقِيمَةُ بَاقِي أَحَدِهِمَا ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ كَمُلَ الْعِتْقُ فِيهِ ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى بِتَكْمِيلِ الْعِتْقِ ، فَجَرَى مَجْرَى إعْتَاقِهِمَا ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا .
( 4699 ) فَصْلٌ : وَإِذَا مَلَكَ الْمَرِيضُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، كَالْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ ، عَتَقَ ، وَوَرِثَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُعْتَقُ ، وَلَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ وَصِيَّةٌ ، فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْمِيرَاثِ .
وَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصِيَّةً لَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ .
وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عِتْقَ الْمَوْهُوبِ وَصِيَّةً ، يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَوَرِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ سَعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ ، وَلَمْ يَرِثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يُحْتَسَبُ بِقِيمَتِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ سَعَى فِيهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ بِعَطِيَّةٍ أَوْ إتْلَافٍ ، أَوْ التَّسَبُّبُ إلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلُ شَيْءٍ يَتْلَفُ بِتَحْصِيلِهِ فَأَشْبَهَ قَبُولَهُ لِشَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ ، أَوْ لِمَا يَتْلَفُ بِبَقَائِهِ .
فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، وَفَارَقَ الشِّرَاءَ ؛ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ فِي ثَمَنِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مَوَاضِعَ : إذَا وَقَفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ صَحَّ ، وَلَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ .
قَالَ الْخَبْرِيُّ : هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ خِلَافًا فَأَمَّا إنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْقَاضِي : إنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ عَتَقَ وَوَرِثَهُ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ
مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، وَبَاقِيهِ عَلَى الرِّقِّ ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ ، عَتَقَ عَلَيْهِ إذَا وَرِثَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ، وَيُحْتَسَبُ بِقِيمَتِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ سَعَى فِيهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ : يُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَيَرِثُ كَالْمَوْهُوبِ وَالْمَوْرُوثِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْعَلْ الْوَقْفَ وَصِيَّةً وَإِجَازَةً لِلْوَارِثِ ، فَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ ، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ وَصِيَّةً لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّمَنُ وَصِيَّةً لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَاوَضَ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَقَنْطَرَةٍ ، فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْمِيرَاثَ .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا حَمَّلَهُ الثُّلُثَ عَتَقَ وَوَرِثَ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ لَهُ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ : يُعْتَقُ وَلَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَصَارَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ ، فَتَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ ، وَيَبْطُلُ عِتْقُهُ وَإِرْثُهُ ، فَيُفْضِي تَوْرِيثُهُ إلَى إبْطَالِ تَوْرِيثِهِ ، فَكَانَ إبْطَالُ تَوْرِيثِهِ أَوْلَى .
وَقِيلَ عَلَى مَذْهَبِهِ : شِرَاؤُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ وَصِيَّةٌ ، وَالْوَصِيَّةُ تَقِفُ عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ ، أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، وَالْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا .
وَمِنْ مَسَائِلِ ذَلِكَ : مَرِيضٌ وُهِبَ لَهُ ابْنُهُ ، فَقَبِلَهُ ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَخَلَّفَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَابْنًا آخَرَ ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ ، وَلَهُ مِائَةٌ وَلِأَخِيهِ مِائَةٌ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَقِيلَ ، عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : لَا يَرِثُ ، وَالْمِائَتَانِ كُلُّهَا لِلِابْنِ الْحُرِّ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَرِثُ نِصْفَ نَفْسِهِ ، وَنِصْفَ الْمِائَتَيْنِ ،
وَيَحْتَسِبُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْبَاقِي مِنْ مِيرَاثِهِ .
إنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِائَتَيْنِ ، وَبَقِيَّةُ التَّرِكَةِ مِائَةً ، عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَالْمِائَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ ، لِأَنَّهُ قَدْرُ ثُلُثِ التَّرِكَةِ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ ، وَلَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَهُ كَالْعَبْدِ لَا يَرِثُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ : الرَّجُلُ يُعْتِقُ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ .
وَالْمَرْأَةُ تُعْتِقُ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، فَيَأْبَيَانِ ذَلِكَ .
وَالْعَبْدُ الْمَوْهُوبُ يُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ .
وَالْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ يُعْتِقُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُمَا مُعْسِرَانِ .
فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي قِيمَتِهِ ، وَهُوَ حُرٌّ يَرِثُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَرِثُ نِصْفَ التَّرِكَةِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَتِهِ ، وَيَسْعَى فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ لِأَخِيهِ .
وَإِنْ وُهِبَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُنَّ ، وَلَا وَارِثَ ، عَتَقْنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ .
وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُنَّ فَكَذَلِكَ ، فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَبْرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ، يُعْتَقُ ثُلُثُهُنَّ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَفِي الْآخَرِ يُعْتَقْنَ كُلُّهُنَّ ؛ لِكَوْنِ وَصِيَّةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ جَائِزَةً فِي جَمِيعِ مَالِهِ ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَإِنْ تَرَكَ مَالًا يَخْرُجْنَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقْنَ وَوَرِثْنَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا اشْتَرَاهُنَّ أَوْ وُهِبْنَ لَهُ ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُنَّ ، وَلَا وَارِثَ ، عَتَقْنَ ، وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُخْتِ لِلْأُمِّ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ وَرِثَا لَكَانَ لَهُمَا خُمُسَا الرِّقَابِ ، وَذَلِكَ رَقَبَةٌ وَخُمْسٌ ، بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ،
فَكَانَ يَبْقَى عَلَيْهِمَا سِعَايَةٌ ، إذَا بَقِيَتْ عَلَيْهِمَا سِعَايَةٌ لَمْ يَرِثَا ، وَكَانَتْ لَهُمَا الْوَصِيَّةُ ، وَهِيَ رَقَبَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَمَّا الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ ، فَإِذَا وَرِثَتْ ، عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الرِّقَابِ ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا ، فَوَرِثَتْ وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : تُبْغِضُ ، وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ ، وَالْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ ، لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، فِي خُمْسَيْ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَرِثُ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ رَقَبَةٍ .
عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُعْتَقْنَ .
( 4700 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اشْتَرَى الْمَرِيضُ أَبَاهُ بِأَلْفٍ ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ، ثُمَّ مَاتَ ، وَخَلَّفَ ابْنًا ، فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْخَبْرِيُّ يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى الْمَرِيضِ ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ .
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يُعْتَقُ ثُلُثُهُ بِالْوَصِيَّةِ ، وَيُعْتَقُ بَاقِيهِ عَلَى الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ جَدُّهُ ، وَيَكُونُ ثُلُثُ وَلَائِهِ لِلْمُشْتَرِي ، وَثُلُثَاهُ لِابْنِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ .
وَقِيلَ : هُوَ مَذْهَبٌ لِلشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْتَقُ ثُلْثُهُ بِالْوَصِيَّةِ ، وَيَسْعَى لِلِابْنِ فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يُعْتَقُ سُدُسُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَهُ ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ لِلِابْنِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ .
وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : يُفْسَخُ الْبَيْعُ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الِابْنُ عِتْقَهُ .
وَقِيلَ : يُفْسَخُ فِي ثُلُثَيْهِ ، وَيُعْتَقُ فِي ثُلُثِهِ ، وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ ؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ ، فَإِنْ تَرَكَ أَلْفَيْنِ سِوَاهُ ، عَتَقَ كُلُّهُ ، وَوَرِثَ سُدُسَ الْأَلْفَيْنِ ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَقِيلَ نَحْوُهُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ : يُعْتَقُ وَلَا يَرِثُ .
وَقِيلَ : شِرَاؤُهُ مَفْسُوخٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَرِثُ الْأَبُ سُدُسَ التَّرِكَةِ ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ، يَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ رَقَبَتِهِ ، وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ .
وَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ بِأَلْفٍ ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، وَمَاتَ ، وَخَلَّفَ أَبَاهُ ، عَتَقَ كُلُّهُ بِالشِّرَاءِ ، فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ .
وَفِي الثَّانِي ، يُعْتَقُ ثُلُثُهُ بِالْوَصِيَّةِ ، وَثُلُثَاهُ عَلَى جَدِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْتَقُ ثُلُثُهُ بِالْوَصِيَّةِ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ لِلْأَبِ ، وَلَا يَرِثْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ،
وَمُحَمَّدٌ : يَرِثُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ سُدُسِهِ .
وَإِنْ تَرَكَ أَلْفَيْنِ سِوَاهُ ، عَتَقَ كُلُّهُ ، وَوَرِثَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ الْأَلْفَيْنِ ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ لِلْأَبِ سُدُسُ التَّرِكَةِ خَمْسُمِائَةٍ ، وَبَاقِيهَا لِلِابْنِ يُعْتَقُ مِنْهَا ، وَيَأْخُذُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَإِنْ خَلَّفَ مَالًا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مِنْ ثُلُثِهِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يُعْتَقُ كُلُّهُ ، وَيَرِثُ مِنْهُ .
كَأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي .
يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ الْمُشْتَرِي أَبًا حُرًّا ، وَلَكِنْ خَلَّفَ أَخًا حُرًّا ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا ، عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ عَلَى الثَّانِي ، وَيَرِثُ الْأَخُ ثُلُثَيْهِ ، ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَيَسْعَى لِعَمِّهِ فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يُعْتَقُ كُلُّهُ ، وَلَا سِعَايَةَ .
وَإِنْ خَلَّفَ أَلْفَيْنِ سِوَاهُ عَتَقَ ، وَوَرِثَ الْأَلْفَيْنِ ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ ، فِي الْأَقْوَالِ كُلِّهَا .
إلَّا مَا قِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، إنَّهُ يُعْتَقُ وَلَا يَرِثُ .
وَقِيلَ : شِرَاؤُهُ بَاطِلٌ ، فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ بِأَلْفٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، وَقِيمَتُهُ ثُلُثَا أَلْفٍ ، وَخَلَّفَ ابْنًا آخَرَ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حَابَاهُ بِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ التَّرِكَةِ سِوَاهُ ، فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُهُ ، وَهُوَ تُسْعُ أَلْفٍ ، وَيَرُدُّ التُّسْعَيْنِ ، فَتَكُونُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، يُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَيَرِثُ أَخُوهُ ثُلُثَيْهِ ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَلِلْبَائِعِ ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ ، وَيَرُدُّ ثُلُثَيْهَا ، فَيَكُونُ مِيرَاثًا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ :
الثُّلُثُ لِلْبَائِعِ ، وَيَسْعَى الْمُشْتَرِي فِي قِيمَتِهِ لِأَخِيهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَسْعَى فِي نِصْفِ رَقَبَتِهِ ، وَيَرِثُ نِصْفَهَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمُحَابَاةُ مُقَدَّمَةٌ لِتَقْدِيمِهَا ، وَيَرِثُ الِابْنُ الْحُرُّ أَخَاهُ فَيَمْلِكُهُ .
وَقِيلَ : يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيْهِ ، وَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَلَا تُقَدَّمُ الْمُحَابَاةُ ؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهَا تَقْرِيرَ مِلْكِ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ وَقِيلَ : يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَتَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي ، وَهُوَ تُسْعَا أَلْفٍ ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ أَرْبَعَةَ أَتْسَاعِ أَلْفٍ ، فَتَكُونُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، تَقْدِيمُ الْعِتْقِ عَلَى الْمُحَابَاةِ ، فَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا .
وَالثَّانِي ، أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثُهُ ، وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ تُسْعَا أَلْفٍ ، وَيَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَتْسَاعِهَا ، كَمَا قُلْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لِلْبَائِعِ بِالْمُحَابَاةِ الثُّلُثُ ، وَيَرُدُّ الثُّلُثَ ، وَيَسْعَى الِابْنُ فِي قِيمَتِهِ لِأَخِيهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ : يَرُدُّ الْبَائِعُ ثُلُثَ الْأَلْفِ ، فَيَكُونُ لِلِابْنِ الْحُرِّ ، وَيُعْتَقُ الْآخَرُ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ .
وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : يَرُدُّ الْبَائِعُ ثُلُثَ الْأَلْفِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعَ الِابْنِ الْمُشْتَرِي لِلْحُرِّ .
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، فَمَنْ أَعْتَقَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ جَعَلَهُ حُرًّا ، وَمِنْ جَعَلَ ذَلِكَ وَصِيَّةً لَهُ ، أَعْتَقَ ثُلُثَهُ بِالشِّرَاءِ ، وَيُعْتَقُ بَاقِيهِ عَلَى أَخِيهِ ، إلَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ ، فَإِنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ بَقِيَّةَ أَخِيهِ ، فَيَمْلِكُ مِنْ رَقَبَتِهِ قَدْرَ ثُلُثَيْ الثَّمَنِ ، وَذَلِكَ تُسْعَا رَقَبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ
ثَمَنَهُ مِنْ الثُّلُثِ دُونَ قِيمَتِهِ وَقِيلَ : يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيْهِ .
وَقِيلَ : فِي جَمِيعِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَسْعَى لِأَخِيهِ فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : يَسْعَى لَهُ فِي نِصْف قِيمَتِهِ .
فَإِنْ تَرَكَ أَلْفَيْنِ سِوَاهُ عَتَقَ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ هِيَ الثَّمَنُ مَعَ الْأَلْفَيْنِ ، وَالثَّمَنُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَيُعْتَقُ وَيَرِثُ نِصْفَ الْأَلْفَيْنِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقِيلَ : يُعْتَقُ ، وَلَا يَرِثُ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ : التَّرِكَةُ قِيمَتُهُ مَعَ الْأَلْفَيْنِ ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ آلَافٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَقُ مِنْهُ قَدْرُ ثُلُثِ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَلْفٌ وَثُلُثَا أَلْفٍ ، وَيَسْعَى لِأَخِيهِ فِي أَلْفٍ وَثُلُثِ أَلْفٍ .
وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ : يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُ ذَلِكَ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ ، وَيَسْعَى لِأَخِيهِ فِي خَمْسِمِائَةٍ ، وَالْأَلْفَانِ لِأَخِيهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَرِيضُ ابْنَيْ عَمٍّ لَهُ بِأَلْفٍ ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ ، فَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ، ثُمَّ وَهَبَهُ أَخَاهُ ، ثُمَّ مَاتَ وَخَلَّفَهُمَا وَخَلَّفَ مَوْلَاهُ ، فَإِنَّ قِيَاسَ قَوْلِ الْقَاضِي ، إنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثَا الْمُعْتَقِ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْمَوْلَى عِتْقَ جَمِيعِهِ ، ثُمَّ يَرِثُ بِثُلُثَيْهِ ثُلُثَيْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِهِ ، وَيَبْقَى تُسْعُهُ وَثُلُثُ أَخِيهِ لِلْمَوْلَى .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ كُلُّهُ ، وَيَرِثَ أَخَاهُ ، فَيُعْتَقَانِ جَمِيعًا ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْإِعْتَاقِ وَارِثًا لِثُلُثَيْ التَّرِكَةِ ، فَتَنْفُذُ إجَازَتُهُ فِي إعْتَاقِ بَاقِيهِ ، فَتَكْمُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ ، ثُمَّ يَكْمُلُ الْمِيرَاثُ لَهُ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ : يُعْتَقُ ثُلُثَاهُ ، وَلَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ إعْتَاقَ وَصِيَّةٍ لَهُ ، فَيَبْطُلُ إعْتَاقُهُ ، ثُمَّ يَبْطُلُ إرْثُهُ ، فَيُؤَدِّي تَوْرِيثُهُ إلَى إبْطَالِ تَوْرِيثِهِ .
وَهَذَا قَوْلٌ لِلشَّافِعِي ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ وَابْنُ الْعَمِّ الْآخَرُ لِلْمَوْلَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْتَقُ ثُلُثَا الْمُعْتَقِ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَةِ ثُلُثِهِ ، وَلَا يَرِثُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُف ، وَمُحَمَّدٌ : يُعْتَقُ كُلُّهُ ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ أَخُوهُ بِالْهِبَةِ ، وَيَكُونَانِ أَحَقَّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمَوْلَى ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ سِوَاهُمَا ، أَخَذَ ذَلِكَ الْمَالَ بِالْمِيرَاثِ ، وَيَغْرَمُ الْمُعْتِقُ لِأَخِيهِ الْمَوْهُوبِ نِصْفَ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَنِصْفَ قِيمَةِ أَخِيهِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْأَوَّلِ وَصِيَّةٌ لَهُ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ .
وَقَدْ صَارَ وَارِثًا مَعَ أَخِيهِ ، فَوَرِثَ نِصْفَ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ ، وَنِصْفَ قِيمَةِ أَخِيهِ ، وَوَرِثَ أَخُوهُ الْبَاقِيَ ، وَكَانَ أَخُوهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ هِبَةً مِنْ الْمَرِيضِ لَهُ ، فَعَتَقَ بِقَرَابَتِهِ مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْمَرِيضِ ، فَلَمْ يَكُنْ عِتْقُهُ وَصِيَّةً ، بَلْ اسْتَهْلَكَهَا بِالْعِتْقِ الَّذِي جَرَى فِيهَا ، فَيَغْرَمُ الْأَوَّلُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَنِصْفَ
قِيمَةِ أَخِيهِ لِأَخِيهِ .
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يَدَعْ وَارِثًا غَيْرَهُمَا عَتَقَا ، وَغَرِمَ الْأَوَّلُ لِأَخِيهِ نِصْفَ قِيمَةِ أَخِيهِ ، وَلَمْ يَغْرَمْ لَهُ نِصْفَ قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَعْ وَارِثًا ، جَازَتْ وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ ، وَلَا يُعْتَقَانِ حَتَّى تَجُوزَ وَصِيَّةُ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّهُ مَتَى بَقِيَتْ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ ، لَمْ يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَمْ يُعْتَقْ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْفُذَ لِلْمُعْتَقِ وَصِيَّةً لِيَصِيرَ حُرًّا فَيُعْتَقَ أَخُوهُ بِعِتْقِهِ ، وَقَدْ جَازَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا لَمْ يَدَعْ وَارِثًا ، جَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ ، وَيَرِثَانِ جَمِيعًا ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُول : قَدْ صِرْت أَنَا وَأَنْتَ وَارِثَيْنِ ، فَلَا تَأْخُذْ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْئًا دُونِي ، وَقَدْ كَانَتْ رَقَبَتِي لَك وَصِيَّةً وَعَتَقَتْ مِنْ قِبَلِك ، فَاضْمَنْ لِي نِصْفَ رَقَبَتِي .
فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهُنَاكَ مَالٌ غَيْرُهُمَا ، أَخَذَ الثَّانِي نِصْفَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي نِصْفَ قِيمَةِ نَفْسِهِ ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِأَخِيهِ الْأَوَّلِ .
( 4701 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، فَتَبَرَّعَ بِأَلْفٍ ، ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِمَّا بَقِيَ وَلَهُ ابْنٌ ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ الشِّرَاءُ وَصِيَّةً : يُعْتَقُ الْأَبُ وَيَنْفُذُ مِنْ التَّبَرُّعِ قَدْرُ ثُلُثِ الْمَالِ حَالَ الْمَوْتِ ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ سُدُسُهُ ، وَبَاقِيهِ لِلِابْنِ .
عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ جَعَلَهُ وَصِيَّةً : لَا يُعْتَقُ أَبٌ ؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْمَرِيضِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ ، وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ ، وَإِذَا قُدِّمَ التَّبَرُّعُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ ، وَيَرِثُهُ الِابْنُ ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَإِنْ وُهِبَ لَهُ أَبُوهُ ، عَتَقَ ، وَوَرِثَ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَرِثَهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ ، لَمْ يُعْتَقْ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَقْ بِالْمِلْكِ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ بِالْقَوْلِ ، بِدَلِيلِ نُفُوذِهِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفُذَ بِالْقَوْلِ .
( 4702 ) فَصْلٌ : وَإِنْ مَلَكَ الْمَرِيضُ مَنْ يَرِثُهُ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، كَابْنِ عَمِّهِ ، فَأَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ ، كَانَ إعْتَاقُهُ وَصِيَّةً مُعْتَبَرَةً مِنْ الثُّلُثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَعَ بَيْنَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ مَالِكُهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ ، فَاعْتُبِرَ عِتْقُهُمْ مِنْ الثُّلُثِ .
فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْمُعْتَقِ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ .
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَرِيضٍ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فِي مَرَضِهِ ، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ ، عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ .
لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ ، فَلَا يُقْبَلُ ، فَيُؤَدِّي تَوْرِيثُهُ إلَى إبْطَالِ عِتْقِهِ ، ثُمَّ يَبْطُلُ مِيرَاثُهُ ، فَكَانَ إعْتَاقُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْرِيثٍ أَوْلَى .
وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي ، أَنَّهُ يُعْتَقُ وَيَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ حِينَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ ، لَيْسَ بِقَاتِلٍ ، وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِهِ ، وَيَرِثُ ، كَمَا لَوْ وَرِثَهُ .
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ .
وَلَا يَرِثُ ، عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ .
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ، يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ .
( 4703 ) فَصْلٌ : وَمَا لَزِمَ الْمَرِيضَ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ وَإِسْقَاطُهُ ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَجِنَايَةِ عَبْدِهِ ، وَمَا عَاوَضَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ ، وَمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِمَالِهِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ، فَيُقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً يَسْتَمْتِعُ بِهَا ، كَثِيرَةَ الثَّمَنِ ، بِثَمَنِ مِثْلِهَا ، أَوْ اشْتَرَى مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي لَا يَأْكُلُ مِثْلُهُ مِنْهَا جَازَ ، وَصَحَّ شِرَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِمَالِهِ فِي حَاجَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، أَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، قُدِّمَ بِذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } .
( 4704 ) فَصْلٌ فَأَمَّا إنْ قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ ، وَوَفَّتْ تَرِكَتُهُ بِسَائِرِ الدُّيُونِ صَحَّ قَضَاؤُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ ، وَمُشَارَكَتَهُ فِيمَا أَخَذَهُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ بِمَرَضِهِ ، فَمَنَعَتْ تَصَرُّفَهُ فِيهِ بِمَا يَنْقُصُ دُيُونَهُمْ ، كَتَبَرُّعِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى بِقَضَاءِ بَعْضِ دُيُونِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَكَذَلِكَ إذَا قَضَاهَا .
وَالثَّانِي ، أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ ، وَلَا مُشَارَكَتَهُ .
وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ ، وَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ .
لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَدَّى ثَمَنَهُ ، أَوْ بَاعَ بَعْضَ مَالِهِ وَسَلَّمَهُ ، وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا مُثَمَّنَةً صَحَّ ، وَلَوْ وَصَّى بِتَكْفِينِهِ فِي ثِيَابٍ مُثَمَّنَةٍ لَمْ يَصِحَّ ، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ إيفَاءَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَضَاءٌ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ ، وَقَدْ صَحَّ عَقِيبَ الْبَيْعِ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَرَاخَى ، إذْ لَا أَثَرَ لِتَرَاخِيهِ .
( 4705 ) فَصْلٌ : وَإِذَا تَبَرَّعَ الْمَرِيضُ ، أَوْ أَعْتَقَ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ، لَمْ يَبْطُلْ تَبَرُّعُهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ .
عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَلَمْ يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ .
وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِيمَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ .
( 4706 ) فَصْلٌ : وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي هَذِهِ أَحْكَامُهُ شَرْطَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَتَّصِلَ بِمَرَضِهِ الْمَوْتُ ، وَلَوْ صَحَّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي أَعْطَى فِيهِ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَحُكْمُ عَطِيَّتِهِ حُكْمُ عَطِيَّةِ الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ .
الثَّانِي ، أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا ، وَالْأَمْرَاضُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ؛ غَيْرُ مَخُوفٍ ، مِثْل وَجَعِ الْعَيْنِ ، وَالضِّرْسِ ، وَالصُّدَاعِ الْيَسِيرِ ، وَحُمَّى سَاعَةٍ ، فَهَذَا حُكْمُ صَاحِبِهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ الضَّرْبُ الثَّانِي ، الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ ؛ كَالْجُذَامِ ، وَحُمَّى الرُّبْعِ ، وَالْفَالِجِ فِي انْتِهَائِهِ ، وَالسُّلِّ فِي ابْتِدَائِهِ ، وَالْحُمَّى الْغِبِّ ، فَهَذَا الضَّرْبُ إنْ أُضْنِيَ صَاحِبُهَا عَلَى فِرَاشِهِ ، فَهِيَ مَخُوفَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ ، بَلْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ ، فَعَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
قَالَ الْقَاضِي : هَذَا تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ فِيهِ .
وَقَدْ رَوَى حَرْبٌ ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي وَصِيَّةِ الْمَجْذُومِ وَالْمَفْلُوجِ : مِنْ الثُّلُثِ .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا صَارَا صَاحِبَيْ فِرَاشٍ .
وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَجْهًا فِي صَاحِبِ الْأَمْرَاضِ الْمُمْتَدَّةِ ، أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ صُلْبِ الْمَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْرَأُ فَهُوَ كَالْهَرِمِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ يَخْشَى التَّلَفَ ، فَأَشْبَهَ صَاحِبَ الْحُمَّى الدَّائِمَةِ ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ ، فَهُوَ كَمَسْأَلَتِنَا .
الضَّرْبُ الثَّالِثُ ، مَنْ تَحَقَّقَ تَعْجِيلُ مَوْتِهِ ، فَيُنْظَرُ فِيهِ ؛ فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدْ اخْتَلَّ ، مِثْلَ مَنْ ذُبِحَ ، أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ ، فَهَذَا لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ وَلَا لِعَطِيَّتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ عَقْلٌ ثَابِتٌ ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتَ الْعَقْلِ ، كَمَنْ خُرِقَتْ
حَشْوَتُهُ ، أَوْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَقْلُهُ ، صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَتَبَرُّعُهُ ، وَكَانَ تَبَرُّعُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ ، فَقُبِلَتْ وَصِيَّتُهُ ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ .
وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ضَرْبِ ابْنِ مُلْجَمٍ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ .
الضَّرْبُ الرَّابِعُ ، مَرَضٌ مَخُوفٌ ، لَا يَتَعَجَّلُ مَوْتُ صَاحِبِهِ يَقِينًا ، لَكِنَّهُ يَخَافُ ذَلِكَ ، كَالْبِرْسَامِ ، وَهُوَ بُخَارٌ يَرْقَى إلَى الرَّأْسِ ، وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ ، فَيَخْتَلُّ الْعَقْلُ ، وَالْحُمَّى الصَّالِبُ ، وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ ؛ لِأَنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ ، فَيُذْهِبُ الْقُوَّةَ ، وَذَاتَ الْجَنْبِ وَهُوَ قُرْحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ ، وَوَجَعِ الْقَلْبِ وَالرِّئَةِ ؛ فَإِنَّهَا لَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا ، فَلَا يَنْدَمِلُ جُرْحُهَا ، وَالْقُولَنْجِ ، وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ ، وَلَا يَنْزِلُ عَنْهُ ، فَهَذِهِ كُلُّهَا مَخُوفَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا حُمَّى أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَهِيَ مَعَ الْحُمَّى أَشَدُّ خَوْفًا .
فَإِنْ ثَاوَرَهُ الدَّمُ ، وَاجْتَمَعَ فِي عُضْوٍ ، كَانَ مَخُوفًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَارَةِ الْمُفْرِطَةِ .
وَإِنْ هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاءُ ، فَهِيَ مَخُوفَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تُورِثُ يُبُوسَةً ، وَكَذَلِكَ الْبَلْغَمُ إذَا هَاجَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبُرُودَةِ ، وَقَدْ تَغْلِبُ عَلَى الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ فَتُطْفِئُهَا .
وَالطَّاعُونُ مَخُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرَارَةِ ، إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ .
وَأَمَّا الْإِسْهَالُ ، فَإِنْ كَانَ مُنْخَرِقًا لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ ، فَهُوَ مَخُوفٌ ، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً ؛ لِأَنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ أَسْرَعَ فِي هَلَاكِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْخَرِقًا ، لَكِنَّهُ يَكُونُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ، فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ فَضْلَةِ الطَّعَامِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ زَحِيرٌ وَتَقْطِيعٌ كَأَنْ يَخْرُجَ مُتَقَطِّعًا ، فَإِنَّهُ
يَكُونُ مَخُوفًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ .
وَإِنْ دَامَ الْإِسْهَالُ ، فَهُوَ مَخُوفٌ ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ زَحِيرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَمَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ ، رُجِعَ فِيهِ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، وَهُمْ الْأَطِبَّاءُ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَلَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ثِقَتَيْنِ بَالِغَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ وَأَهْلُ الْعَطَايَا ، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا ذَلِكَ .
وَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الطَّبِيبِ الْعَدْلِ ، إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى طَبِيبَيْنِ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الدَّعَاوَى .
فَهَذَا الضَّرْبُ وَمَا أَشْبَهِهِ ، عَطَايَاهُ صَحِيحَةٌ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا جُرِحَ سَقَاهُ الطَّبِيبُ لَبَنًا ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ : اعْهَدْ إلَى النَّاسِ .
فَعَهِدَ إلَيْهِمْ وَوَصَّى ، فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِ عَهْدِهِ وَوَصِيَّتِهِ .
وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ ، عَهِدَ إلَى عُمَرَ ، فَنَفَّذَ عَهْدَهُ .
( 4707 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) يَعْنِي عَطِيَّتَهَا مِنْ الثُّلُثِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٌ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : إذَا أَثْقَلَتْ لَا يَجُوزُ لَهَا إلَّا الثُّلُثُ .
وَلَمْ يَحِدْ .
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٌ ، وَقَتَادَةُ : عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ الثُّلُثِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، مَا لَمْ يَضْرِبْهَا الْمَخَاضُ ، فَإِذَا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ ، فَعَطِيَّتُهَا مِنْ الثُّلُثِ وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَمَكْحُولٌ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْعَنْبَرِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَخَافُ الْمَوْتَ إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْأَمْرَاضِ الْمُمْتَدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَالزُّهْرِيُّ : عَطِيَّتُهَا كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ .
وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهَا .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ سِتَّةَ الْأَشْهُرِ وَقْتٌ يُمْكِنُ الْوِلَادَةُ فِيهِ ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَنَّهَا إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ ، كَانَ مَخُوفًا ؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ .
وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ ، فَلَا أَلَمَ بِهَا ، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ مَعَ عَدَمِهِ ، كَالصَّحِيحِ ، فَأَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ، فَإِنْ بَقِيَتْ الْمَشِيمَةُ مَعَهَا ، فَهُوَ مَخُوفٌ ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ مَعَهَا ، فَهُوَ مَخُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصْعُبُ خُرُوجُهُ ، وَإِنْ وَضَعَتْ الْوَلَدَ ، وَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ ، وَحَصَلَ ثَمَّ وَرَمٌ أَوْ ضَرْبَانِ شَدِيدٌ ، فَهُوَ مَخُوفٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي النُّفَسَاءِ : إنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ
، فَعَطِيَّتُهَا مِنْ الثُّلُثِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ أَلَمٌ لِلُزُومِهِ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ تَرَى الدَّمَ ، كَانَتْ كَالْمَرِيضِ ، وَحُكْمُهَا بَعْدَ السَّقْطِ كَحُكْمِهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ التَّامِّ .
وَإِنْ أَسْقَطَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً ، فَلَا حُكْمَ لَهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَرَضٌ أَوْ أَلَمٌ .
وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، إلَّا أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّمِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمَخُوفٍ .
( 4708 ) فَصْلٌ : وَيَحْصُلُ الْخَوْفُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فِي مَوَاضِعَ خَمْسَةٍ ، تَقُومُ مَقَامَ الْمَرَضِ ؛ أَحَدُهَا ، إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ ، وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ ، وَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةً .
فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ مِنْهُمَا بَعْدَ ظُهُورِهَا ، فَلَيْسَتْ خَائِفَةً .
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَخْتَلِطُوا ، بَلْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةً ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيٌ بِالسِّهَامِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَتْ حَالَةَ خَوْفٍ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ مُفْتَرِقَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ .
وَنَحْوُهُ عَنْ مَكْحُولٍ .
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ .
وَالثَّانِي ، لَيْسَ بِمَخُوفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرِيضٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هَاهُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرَضِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ ، وَلِأَنَّ الْمَرَضَ إنَّمَا جُعِلَ مَخُوفًا لِخَوْفِ صَاحِبِهِ التَّلَفَ ، وَهَذَا كَذَلِكَ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ ، كَانَ عِتْقُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَعَنْهُ : إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ ، فَوَصِيَّتُهُ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ .
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا رِوَايَةً ثَانِيَةً ، وَتُسَمَّى الْعَطِيَّةُ وَصِيَّةً تَجَوُّزًا ؛ لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ ، وَلِكَوْنِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ .
لَكِنْ يَقِفُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، فَإِنَّ حُكْمَ وَصِيَّةِ الصَّحِيحِ وَخَائِفِ التَّلَفِ وَاحِدٌ .
الثَّانِيَةُ ، إذَا قُدِّمَ لِيُقْتَلَ ، فَهِيَ حَالَةُ خَوْفٍ ، سَوَاءٌ أُرِيدَ قَتْلُهُ لِلْقِصَاصِ ، أَوْ لِغَيْرِهِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَخُوفٌ .
وَالثَّانِي : إنْ جُرِحَ فَهُوَ مَخُوفٌ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الْبَدَنِ ، وَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَنَا ، أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالْقَتْلِ جُعِلَ إكْرَاهًا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ،
وَصِحَّةَ الْبَيْعِ ، وَيُبِيحُ كَثِيرًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَلَوْلَا الْخَوْفُ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ، وَإِذَا حُكِمَ لِلْمَرِيضِ وَحَاضِرِ الْحَرْبِ بِالْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ السَّلَامَةِ ، وَبَعْدَ وُجُودِ التَّلَفِ ، فَمَعَ ظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ أَوْلَى ، وَلَا عِبْرَةَ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ فَإِنَّ الْمَرَضَ لَمْ يَكُنْ مُثْبِتًا لِهَذَا الْحُكْمِ لِعَيْنِهِ ، بَلْ لِخَوْفِ إفْضَائِهِ إلَى التَّلَفِ ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ هَاهُنَا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ ، لِظُهُورِ التَّلَفِ .
الثَّالِثَةُ ، إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ ، فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ ، وَإِنْ تَمَوَّجَ وَاضْطَرَبَ وَهَبَّتْ الرِّيحُ الْعَاصِفُ ، فَهُوَ مَخُوفٌ .
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَان وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } .
الرَّابِعَةُ ، الْأَسِيرُ وَالْمَحْبُوسُ ، إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْقَتْلُ ، فَهُوَ خَائِفٌ ، عَطِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ الْحَسَنُ لَمَّا حَبَسَ الْحَجَّاجُ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ : لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : عَطِيَّةُ الْأَسِيرِ مِنْ الثُّلُثِ .
وَلَمْ يُفَرِّقْ .
وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ ابْتِدَاءً .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَمَالِكٌ : الْغَازِي عَطِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَقَالَ مَسْرُوقٌ : إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : الْمَحْصُورُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمَحْبُوسُ يَنْتَظِرُ الْقَتْلَ أَوْ تُفْقَأُ
عَيْنَاهُ ، هُوَ فِي ثُلُثِهِ وَالصَّحِيحُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ ، مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحَبْسِ وَالْأَسْرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْقَتْلِ لَيْسَ بِمَرَضٍ ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ فِي الْخَوْفِ ، فَلَمْ يَجُزْ إلْحَاقُهُ بِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَخَافُ التَّلَفَ عَطِيَّتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى .
الْخَامِسَةُ ، إذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلْدَةٍ ، فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَخُوفٌ .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخُوفٍ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضٍ ، وَإِنَّمَا يُخَافُ الْمَرَضُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 4709 ) فَصْلٌ : وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَطِيَّةِ مِنْ الثُّلُثِ حَالَ الْمَوْتِ ، فَمَهْمَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَطِيَّةَ صَحَّتْ فِيهِ حَالَ الْعَطِيَّةِ ، فَإِنْ نَمَا الْمُعْطَى أَوْ كَسَبَ شَيْئًا ، قُسِمَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ ، عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمَا فِيهِ ، فَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الدَّوْرِ .
فَمِنْ ذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ، فَكَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ ، فَلِلْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ ، وَبَاقِيهِ لِسَيِّدِهِ ، فَيَزْدَادُ بِهِ مَالُ السَّيِّدِ ، وَتَزْدَادُ الْحُرِّيَّةُ لِذَلِكَ ، وَيَزْدَادُ حَقُّهُ مِنْ كَسْبِهِ ، فَيَنْقُصُ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ ، مِنْ الْكَسْبِ ، وَيَنْقُصُ بِذَلِكَ قَدْرُ الْمُعْتَقِ مِنْهُ ، فَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِالْجَبْرِ .
فَيُقَالُ : عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِثْلُهُ ، وَلِلْوَرَثَةِ مِنْ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ شَيْئَانِ ، لِأَنَّ لَهُمْ مِثْلَيْ مَا عَتَقَ مِنْهُ ، وَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْعَبْدِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ كَسْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ ، فَصَارَ لِلْعَبْدِ شَيْئَانِ ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ مِنْ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ ، فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ ، يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ ، وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ ، وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا .
وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ ، فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْئَانِ ، صَارَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ ، وَلَهُمْ شَيْئَانِ ، فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ أَخْمَاسًا ، يُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ ، وَلِلْوَرَثَةِ خُمُسَاهُ وَخُمُسَا كَسْبِهِ .
وَإِنْ كَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ قِيمَتِهِ ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مِنْ كَسْبِهِ مَعَ مَا عَتَقَ مِنْهُ ، وَلَهُمْ شَيْئَانِ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ ، وَلَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ ، وَلَهُمْ الثُّلُثُ مِنْهُمَا .
وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ ، وَلَهُمْ شَيْئَانِ ، فَالْجَمِيعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ
وَنِصْفٌ ، إذَا بَسَطْتهَا أَنْصَافًا صَارَتْ سَبْعَةً ، لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ، فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ ، وَالْبَاقِي لَهُمْ .
إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً ، فَكَسَبَ تِسْعَةً ، فَاجْعَلْ لَهُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا ، فَقُلْ : عَتَقَ مِنْهُ مِائَةُ شَيْءٍ ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ تِسْعَةُ ، أَشْيَاءَ ، وَلَهُمْ مِائَتَا شَيْءٍ .
وَيُعْتَقُ مِنْهُ مِائَةُ جُزْءٍ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلَهُمْ مِائَتَا جُزْءٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَانِ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ كَسْبِهِ ، صُرِفَا فِي الدَّيْنِ وَلَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ كَسْبِهِ ، صُرِفَ مِنْ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ .
مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَا يُعْمَلُ فِي الْعَبْدِ الْكَامِلِ وَكَسْبِهِ .
فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ كَقِيمَتِهِ ، صُرِفَ فِيهِ نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَنِصْفُ كَسْبِهِ ، وَقُسِمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْعِتْقِ نِصْفَيْنِ .
وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكَسْبِ وَإِنْ كَسَبَ الْعَبْدُ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، وَلِلسَّيِّدِ مَالٌ مِثْلُ قِيمَتِهِ ، قَسَمْت الْعَبْدَ وَمِثْلَيْ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، فَلِكُلِّ شَيْءٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ ، فَيُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ ، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ، فَكَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ قِيمَتِهِ ، لَكَمُلَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي الْعَبْدِ الْأَوَّلِ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ .
وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ ، وَيُقْسَمُ الْعَبْدَانِ وَكَسْبُهُمَا عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، فَيَكُونُ لِكُلِّ شَيْءٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ ، وَالْبَاقِي لَهُمْ .
وَإِنْ بَدَأَ بِعِتْقِ
الْأَدْنَى عَتَقَ كُلُّهُ ، وَأَخَذَ كَسْبَهُ ، وَيَسْتَحِقُّ الْوَرَثَةُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَكَسْبِهِ مِثْلَيْ الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ ، وَهُوَ نِصْفُهُ وَنِصْفُ كَسْبِهِ ، وَيَبْقَى نِصْفُهُ وَنِصْفُ كَسْبِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَيُعْتَقُ رُبُعُهُ ، وَلَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ ، وَيَرِقُّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَيَتْبَعُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ .
وَذَلِكَ مِثْلَا مَا انْعَتَقَ مِنْهُمَا .
وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، قَرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ ، فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِإِعْتَاقِهِ .
فَصْلٌ : وَإِنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ أَحَدِهِمْ ، وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ لِإِخْرَاجِ الدَّيْنِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ بِيعَ فِي الدَّيْنِ ، ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْمُكْتَسِبِ وَالْآخَرِ ، لِأَجْلِ ، الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُكْتَسِبِ عَتَقَ كُلُّهُ ، وَالْمُكْتَسِبُ وَمَالُهُ لِلْوَرَثَةِ ، وَإِنْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْمُكْتَسِبِ عَتَقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَسْبِهِ ، وَبَاقِيهِ وَبَاقِي كَسْبِهِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَالٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُكْتَسِبِ ، لَقَضَيْنَا الدَّيْنَ بِنِصْفِهِ وَنِصْفِ كَسْبِهِ ، ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَ بَاقِيهِ وَبَيْنَ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي الْحُرِّيَّةِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِهِ عَتَقَ كُلُّهُ ، وَلِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمُكْتَسِبِ ، عَتَقَ بَاقِيهِ ، وَأَخَذَ بَاقِيَ كَسْبِهِ ، ثُمَّ نَقْرَعُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِإِتْمَامِ الثُّلُثِ ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ ، عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ ، وَالْعَبْدُ الْآخَرُ لِلْوَرَثَةِ .
لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَوْهُوبًا لَإِنْسَانٍ ، كَانَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ مِثْلُ مَا لِلْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ وَنَفْسِهِ ، فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا .
( 4711 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ ، بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ، أَقْرَعَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَيِّتِ فَالْحَيُّ رَقِيقٌ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ نِصْفُهُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَرَثَةِ مِثْلَيْ نِصْفِهِ ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْحَيِّ عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَلَا يُحْسَبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ .
( 4712 ) فَصْلٌ : رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ، قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ ، فَمَاتَ قَبْلَ سَيِّدِهِ ، وَخَلَّفَ عِشْرِينَ ، فَهِيَ لِسَيِّدِهِ بِالْوَلَاءِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا ، وَكَذَلِكَ إنْ خَلَّفَ أَرْبَعِينَ وَبِنْتًا .
وَإِنْ خَلَّفَ عَشْرَةً ، عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ ، وَلِسَيِّدِهِ شَيْئَانِ ، وَقَدْ حَصَلَ فِي يَدِ سَيِّدِهِ عَشْرَةٌ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ نِصْفَهُ حُرٌّ ، وَبَاقِيَهُ رَقِيقٌ ، وَالْعَشَرَةُ يَسْتَحِقُّهَا السَّيِّدُ ، نِصْفُهَا بِحُكْمِ الرِّقِّ ، وَنِصْفُهَا بِالْوَلَاءِ .
فَإِنْ خَلَّفَ الْعَبْدُ ابْنًا ، فَلَهُ مِنْ رَقَبَتِهِ شَيْءٌ ، وَمِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ ، يَكُونُ لِأَبِيهِ بِالْمِيرَاثِ ، وَلِسَيِّدِهِ شَيْئَانِ ، فَتُقْسَمُ الْعَشَرَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، لِلِابْنِ ثُلُثُهَا ، وَلِلسَّيِّدِ ثُلُثَاهَا ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتًا ، فَلَهَا نِصْفُ شَيْءٍ ، وَلِلسَّيِّدِ شَيْئَانِ ، فَصَارَتْ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ ، لِلْبِنْتِ خُمُسُهَا ، وَلِلسَّيِّدِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا ، تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ خُمُسَيْ الْعَبْدِ مَاتَ حُرًّا .
وَإِنْ خَلَّفَ الْعَبْدُ عِشْرِينَ وَابْنًا ، فَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْئَانِ ، يَكُونَانِ لِابْنِهِ ، وَلِسَيِّدِهِ شَيْئَانِ ، فَصَارَتْ الْعِشْرُونَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ ابْنِهِ نِصْفَيْنِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْهُ نِصْفُهُ .
فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، وَكَانَ ابْنَ مُعْتَقِهِ ، وَرِثَهُ السَّيِّدُ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ حُرًّا ، لِكَوْنِ السَّيِّدِ مَلَكَ عِشْرِينَ ، وَهِيَ مِثْلَا قِيمَتِهِ ، فَعَتَقَ ، وَجَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى سَيِّدِهِ ، فَوَرِثَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ مُعْتَقِهِ ، لَمْ يَنْجَرَّ وَلَاؤُهُ ، وَلَمْ يَرِثْهُ سَيِّدُ أَبِيهِ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ خَلَّفَ هَذَا الِابْنُ عِشْرِينَ ، وَلَمْ يُخَلِّفْ أَبُوهُ شَيْئًا ، أَوْ مَلَكَ السَّيِّدُ عِشْرِينَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ .
وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ عِشْرِينَ ، لَمْ يَنْجَرَّ وَلَاءُ الِابْنِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ
يُعْتَقْ ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ ، جَرَّ مِنْ وَلَاءِ ابْنِهِ بِقَدْرِهِ ، فَلَوْ خَلَّفَ الِابْنُ عَشَرَةً ، وَمَلَكَ السَّيِّدُ خَمْسَةً ، فَإِنَّك تَقُولُ : عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ ، وَيَجُرُّ مِنْ وَلَاءِ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْءٌ مَعَ خَمْسَتِهِ ، وَهُمَا يَعْدِلَانِ شَيْئَيْنِ ، وَبَاقِي الْعَشَرَةِ لِمَوْلَى أُمِّهِ .
فَيُقْسَمُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَمَوْلَى الْأُمِّ نِصْفَيْنِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُهُ ، وَحَصَلَ لِلسَّيِّدِ خُمُسُهُ مِنْ مِيرَاثِ ابْنِهِ ، وَكَانَتْ لَهُ خَمْسَةٌ ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ .
فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ، وَخَلَّفَ مَالًا ، وَحَكَمْنَا بِعِتْقِ الْأَبِ أَوْ عِتْقِ بَعْضِهِ ، وَرِثَ مَالَ ابْنِهِ إنْ كَانَ حُرًّا ، أَوْ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا ، وَلَمْ يَرِثْ سَيِّدُهُ مِنْهُ شَيْئًا .
وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ خِلَافٌ تَرَكْت ذِكْرَهُ كَرَاهَةَ التَّطْوِيلِ .
( 4713 ) فَصْلٌ : فِي الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ ، وَهِيَ أَنْ يُعَاوِضَ بِمَالِهِ ، وَيَسْمَحَ لِمَنْ عَاوَضَهُ بِبَعْضِ عِوَضِهِ ، وَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ ؛ الْقِسَمُ الْأَوَّلُ الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ .
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ : الْعَقْدُ بَاطِلٌ .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } .
وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ ، فَصَحَّ ، كَغَيْرِ الْمَرِيضِ .
فَلَوْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ بِعَشَرَةٍ ، فَقَدْ حَابَى الْمُشْتَرِيَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُحَابَاةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ لَزِمَ الْبَيْعُ .
وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ ، فَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي .
وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَيْ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ .
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقَاضِي فِي نَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ، الثُّلُثَ بِالْمُحَابَاةِ ، وَالثُّلُثَ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ .
وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ : يُقَال لَهُ : إنْ شِئْت أَدَّيْت عَشَرَةً أُخْرَى وَأَخَذْت الْمَبِيعَ ، وَإِنْ شِئْت فَسَخْت وَلَا شَيْءَ لَك وَعِنْدَ مَالِكٍ : لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَيَأْخُذَ ثُلُثَ الْمَبِيعِ بِالْمُحَابَاةِ ، وَيُسَمِّيَهُ أَصْحَابُهُ خَلْعَ الثُّلُثِ .
وَلَنَا أَنَّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مُقَابَلَةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِ جَمْعَيْهِ بِجَمِيعِهِ ، فَصَحَّ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِثَمَنٍ ، فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي إحْدَاهُمَا لِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا ، فَأَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ ، أَوْ كَالشُّفَعَاءِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مِنْ
الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ ، أَوْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَفِيزًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ ، بِقَفِيزٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي فَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ ، فَيَأْخُذُ بَعْضَهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ ، فَلَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا بِمِائَةٍ .
فَقَالَ : قَبِلْت نِصْفَهُ بِهَا .
وَلِأَنَّهُ إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ فِي بَعْضِهِ ، وَجَبَ أَنْ يَفْسَخَهُ فِي قَدْرِهِ مِنْ ثَمَنِهِ ، وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ ثَمَنِهِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْجَمِيعِ مَعَ بَقَاءِ ثَمَنِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَإِنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي عَاوَضَ مُوَرِّثُهُمْ ، وَإِذَا فَسَخَ الْبَيْعَ ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ .
فَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ زَالَتْ الْوَصِيَّةُ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمِائَةٍ ، وَأَجْرُ مِثْلِهِ خَمْسُونَ ، فَطَلَبَ الْخَمْسِينَ الْفَاضِلَةَ بِدُونِ الْحَجِّ .
وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِثَلَاثِينَ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ .
وَإِنْ بَاعَ الْعَبْدَ الَّذِي يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ، جَازَ وَالْبَيْعُ فِي ثُلُثَيْهِ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ .
وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ، لِلْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ ، وَطَرِيقُ هَذَا أَنْ تَنْسُبَ الثَّمَنَ وَثُلُثَ الْمَبِيعِ إلَى قِيمَتِهِ ، فَيَصِحَّ الْبَيْعُ فِي مِقْدَارِ تِلْكَ النِّسْبَةِ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يَسْقُطُ الثَّمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ ، وَيُنْسَبُ الثُّلُثُ إلَى الْبَاقِي ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ تِلْكَ النِّسْبَةِ ، وَهُوَ ثُلُثَاهُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ .
فَإِنْ خَلَّفَ الْبَائِعُ عَشَرَةً أُخْرَى ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي ثَمَانِيَةِ أَتْسَاعِهِ بِثَمَانِيَةِ أَتْسَاعِ الثَّمَنِ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي نِصْفَهُ وَأَرْبَعَةَ أَتْسَاعِهِ بِجَمِيعِ
الثَّمَنِ ، وَيَرُدُّ نِصْفَ تُسْعِهِ .
وَإِنْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ ، بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ، أَوْ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ ، تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ هَاهُنَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ، وَلَا تَحْصُلُ بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَطَرِيقُ حِسَابِهَا بِالْجَبْرِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِمَا يُسَاوِي ثُلُثَ قِيمَتِهِ ، أَنْ نَقُولَ : يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَرْفَعِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْوَنِ ، وَقِيمَتُهُ ثُلُثُ شَيْءٍ ، فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ ، أُلْقِهِمَا مِنْ الْأَرْفَعِ ، يَبْقَ قَفِيزٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَيْ الْمُحَابَاةِ ، وَذَلِكَ شَيْءٌ ، وَثُلُثُ شَيْءٍ ، فَإِذَا جَبَرَ بِهِ عَدَلَ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ نِصْفُ الْقَفِيزِ .
( 4714 ) فَصْلٌ : الْقِسْمُ الثَّانِي الْمُحَابَاةُ فِي التَّزْوِيجِ .
إذَا تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ امْرَأَةً ، صَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ ، فَأَصْدَقَهَا عَشْرَةً لَا يَمْلِكُ سِوَاهَا ، ثُمَّ مَاتَ ، فَإِنْ وَرِثَتْهُ بَطَلَتْ الْمُحَابَاةُ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ لِكَوْنِهَا مُخَالِفَةً لَهُ فِي الدِّينِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَهَا مَهْرُهَا وَثُلُثُ مَا حَابَاهَا بِهِ .
وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ ، فَوَرِثَهَا وَلَمْ تُخَلِّفْ مَالًا سِوَى مَا أَصْدَقَهَا ، دَخَلَهَا الدَّوْرُ ، فَتَصِحُّ الْمُحَابَاةُ فِي شَيْءٍ ، فَيَكُونُ لَهُ خَمْسَةٌ بِالصَّدَاقِ ، وَشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ ، وَيَبْقَى لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ نِصْفُ مَالِهَا .
وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَنِصْفُ شَيْءٍ ، صَارَ لَهُمْ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، اُجْبُرْ وَقَابِلْ ، يَخْرُجْ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً ، فَكَانَ لَهَا ثَمَانِيَةٌ ، رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةٌ ، صَارَ لَهُمْ سِتَّةٌ ، وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ .
فَإِنْ تَرَكَ الزَّوْجُ خَمْسَةً أُخْرَى ، قُلْت : يَبْقَى مَعَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ خَمْسَةٌ ، فَجَازَتْ لَهَا الْمُحَابَاةُ جَمِيعُهَا ، وَرَجَعَ جَمِيعُ مَا حَابَاهَا بِهِ إلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ ، وَبَقِيَ لِوَرَثَتِهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَمْسَةٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ ، قُلْت : يَبْقَى مَعَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عَشْرَةٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ أَرْبَعَةٌ ، فَيَكُونُ لَهَا بِالصَّدَاقِ تِسْعَةٌ مَعَ خُمُسِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ نِصْفُهَا مَعَ الدِّينَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُمْ ، صَارَ لَهُمْ ثَمَانِيَةٌ وَلِوَرَثَتِهَا سَبْعَةٌ .
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ ثَلَاثَةٌ ، قُلْت : يَبْقَى مَعَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ سِتَّةٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ دِينَارَانِ وَخُمُسَانِ .
وَالْبَابُ فِي هَذَا أَنْ نَنْظُرَ مَا يَبْقَى فِي يَدِ وَرَثَةِ
الزَّوْجِ ، فَخُمْسَاهُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَبْرِ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا ، وَالشَّيْءُ هُوَ خُمُسَا شَيْئَيْنِ وَنِصْفٍ ، وَإِنْ شِئْت أَسْقَطْت خَمْسَةً ، وَأَخَذْت نِصْفَ مَا بَقِيَ .
( 4715 ) فَصْلٌ : الْقِسْمُ الثَّالِثُ ، أَنْ يُخَالِعَهَا فِي مَرَضِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِهَا ، فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ لِوَرَثَتِهَا أَنْ لَا يُعْطُوهُ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا ، يَكُونُ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْعِوَضِ أَوْ مِيرَاثُهُ مِنْهَا .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ خَالَعَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا ، وَمَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي أَنَّهَا قَصَدَتْ إيصَالَ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ إلَيْهِ .
وَعِنْدَ مَالِكٍ : إنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ وَعَنْ مَالِكٍ ، أَنَّ خُلْعَ الْمَرِيضَةِ بَاطِلٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مُحَابَاةٌ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ خَالَعَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا ، أَوْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، فَالْعِوَضُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَمِثَالُ ذَلِكَ : امْرَأَةٌ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِثَلَاثِينَ ، لَا مَالَ لَهَا سِوَاهَا ، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا اثْنَا عَشَرَ ، فَلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، سَوَاءٌ قَلَّ صَدَاقُهَا أَوْ كَثُرَ ؛ لِأَنَّهَا قَدْرُ مِيرَاثِهِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : لَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ، اثْنَا عَشَرَ لِأَنَّهَا قَدْرُ صَدَاقِهَا ، وَثُلُثُ بَاقِي الْمَالِ بِالْمُحَابَاةِ وَهُوَ سِتَّةٌ .
وَإِنْ كَانَ صَدَاقُهَا سِتَّةً ، فَلَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْبَاقِي ثَمَانِيَةٌ مَرِيضٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مِائَةٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشْرَةٌ ، ثُمَّ مَرِضَتْ ، فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِالْمِائَةِ ، وَلَا مَالَ لَهَا سِوَاهَا ، فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَلَهَا شَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ ، وَالْبَاقِي لَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ مَالِهَا بِالْمُحَابَاةِ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَنِصْفُ شَيْءٍ ، فَصَارَ مَعَ وَرَثَتِهِ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَبَعْدَ الْجَبْرِ يَخْرُجُ الشَّيْءُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ ، فَقَدْ صَحَّ لَهَا بِالصَّدَاقِ وَالْمُحَابَاةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ، وَبَقِيَ مَعَ وَرَثَتِهِ اثْنَانِ وَخَمْسُونَ ، وَرَجَعَ إلَيْهِمْ بِالْخُلْعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ،
فَصَارَ مَعَهُمْ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ ، وَبَقِيَ لِلْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ صَدَاقُ الْمِثْلِ وَثُلُثُ شَيْءٍ بِالْمُحَابَاةِ ، فَصَارَ بِأَيْدِيهِمْ مِائَةٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا ، وَهُوَ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ ، فَصَارَ لَهَا ذَلِكَ وَمَهْرُ الْمِثْلِ ، رَجَعَ إلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَثُلُثُ الْبَاقِي اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ ، فَيَصِيرُ بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، وَهُوَ مِثْلَا مُحَابَاتِهَا .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، يَرْجِعُ إلَيْهِمْ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَثُلُثُ الشَّيْءِ ، فَصَارَ مَعَهُمْ ثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ ، فَالشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مَعَ الْعَشَرَةِ ، صَارَ لَهَا خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ، رَجَعَ إلَى الزَّوْجِ ثُلُثُهَا ، صَارَ لِوَرَثَتِهَا ثَلَاثُونَ وَلِوَرَثَتِهِ سَبْعُونَ ، هَذَا إذَا مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَإِنْ تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ مِائَةً أُخْرَى ، فَعَلَى قَوْلِنَا يَبْقَى مَعَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ خُمُسَا ذَلِكَ ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ ، فَلَهَا ذَلِكَ وَعَشَرَةٌ بِالْمِثْلِ ، صَارَ لَهَا مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ ، رَجَعَ إلَى الزَّوْجِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ ، وَكَانَ الْبَاقِي مَعَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ، صَارَ لَهُ مِائَةٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ ، وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ .
( 4716 ) فَصْلٌ : فِي الْهِبَةِ ؛ رَجُلٌ وَهَبَ أَخَاهُ مِائَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا ، فَقَبَضَهَا ، ثُمَّ مَاتَ ، وَخَلَّفَ بِنْتًا ، فَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ ، وَالْبَاقِي لِلْوَاهِبِ ، وَرَجَعَ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ نِصْفُ الشَّيْءِ الَّذِي جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ ، صَارَ مَعَهُ مِائَةٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ خُمُسَا ذَلِكَ أَرْبَعُونَ ، رَجَعَ إلَى الْوَاهِبِ نِصْفُهَا عِشْرُونَ ، صَارَ مَعَهُ ثَمَانُونَ ، وَبَقِيَ لِوَرَثَةِ أَخِي الْوَاهِبِ عِشْرُونَ .
وَطَرِيقُهَا بِالْبَابِ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدًا لِثُلُثِهِ نِصْفٌ ، وَهُوَ سِتَّةٌ ، فَتَأْخُذَ ثُلُثَهُ اثْنَيْنِ ، وَتُلْقِيَ نِصْفَهُ سَهْمًا ، يَبْقَى سَهْمٌ ، فَهُوَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَيَبْقَى لِلْوَاهِبِ أَرْبَعَةٌ ، فَتَقْسِمَ الْمِائَةَ سَهْمٍ ، عَلَى خَمْسَةٍ ، وَالسَّهْمُ الَّذِي أَسْقَطْته لَا يُذْكَرُ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى جَمِيعِ السِّهَامِ الْبَاقِيَةِ بِالسَّوِيَّةِ ، فَيَجِبُ اطِّرَاحُهُ ، كَالسِّهَامِ الْفَاضِلَةِ عَنْ الْفُرُوضِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ .
وَشَبَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَسَائِلِ الرَّدِّ ، أُمٌّ وَأُخْتَانِ ، فَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ ، يَسْقُطُ ذِكْرُ السَّهْمِ السَّادِسِ .
وَلَوْ كَانَ تَرَكَ اثْنَتَيْنِ ، ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ ، صَارَتْ تِسْعَةً ، وَأَسْقَطْت مِنْهَا سَهْمًا يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ ، فَهِيَ الْمَالُ ، وَخُذْ الثُّلُثَ ثَلَاثَةً ، أَسْقِطْ مِنْهُمَا سَهْمًا ، يَبْقَى سَهْمَانِ ، فَهِيَ الَّتِي تَبْقَى لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَيَبْقَى سِتَّةٌ لِلْوَاهِبِ ، وَهِيَ مِثْلَا مَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ وَإِنْ خَلَّفَ امْرَأَةً وَبِنْتًا ، فَمَسْأَلَتُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ ، تَضْرِبُهَا فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ تُسْقِطُ مِنْهَا الثَّلَاثَةَ الَّتِي وَرِثَهَا الْوَاهِبُ ، يَبْقَى أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ، فَهِيَ الْمَالُ ، وَتَأْخُذُ ثُلُثَ الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ ، تُلْقِي مِنْهَا الثَّلَاثَةَ ، يَبْقَى خَمْسَةٌ ، فَهِيَ الْبَاقِيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَالْبَاقِي لِلْوَاهِبِ ، فَتَقْسِمُ الْمِائَةَ عَلَى هَذِهِ
السِّهَامِ .
( 4717 ) فَصْلٌ : فَإِنْ وَهَبَ مَرِيضٌ مَرِيضًا مِائَةً ، لَا يَمْلِكُ سِوَاهَا ، ثُمَّ عَادَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَوَهَبَهَا لِلْأَوَّلِ ، وَلَا يَمْلِكُ سِوَاهَا ، فَبِالْبَابِ نَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ ، وَنُسْقِطُ مِنْهَا سَهْمًا ، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ ، فَاقْسِمْ الْمِائَةَ عَلَيْهَا لِكُلِّ سَهْمَيْنِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، ثُمَّ خُذْ ثُلُثَهَا ثَلَاثَةً ، أَسْقِطْ مِنْهَا سَهْمًا ، يَبْقَى سَهْمَانِ ، فَهُوَ لِلْمَوْهُوبِ الْأَوَّلِ ، وَذَلِكَ هُوَ الرُّبُعُ .
وَبِالْجَبْرِ قَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ ، ثُمَّ صَحَّتْ الْهِبَةُ الثَّانِيَةُ فِي ثُلُثِهِ ، بَقِيَ لِلْمَوْهُوبِ الْأَوَّلِ ثُلُثَا شَيْءٍ وَلِلْوَاهِبِ مِائَةٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، اُجْبُرْ وَقَابِلْ ، يَخْرُجْ الشَّيْءُ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا ، رَجَعَ إلَى الْوَاهِبِ ثُلُثُهَا اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ ، وَبَقِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِنْ خَلَّفَ الْوَاهِبُ مِائَةً أُخْرَى ، فَقَدْ بَقِيَ مَعَ الْوَاهِبِ مِائَتَانِ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ ، تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، الشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ، رَجَعَ إلَى الْوَاهِبِ ثُلُثُهَا ، بَقِيَ مَعَ وَرَثَتِهِ خَمْسُونَ .
( 4718 ) فَصْلٌ : فَإِنْ وَهَبَ رَجُلٌ رَجُلًا جَارِيَةً ، فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَوَطِئَهَا ، وَمَهْرُهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهَا ، وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُونَ ، وَمَهْرُهَا عَشَرَةٌ ، فَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ ، وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا ثُلُثُ شَيْءٍ ، وَبَقِيَ لِلْوَاهِبِ أَرْبَعُونَ إلَّا شَيْئًا وَثُلُثًا يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، اُجْبُرْ وَقَابِلْ ، يَخْرُجْ الشَّيْءُ ، خُمْسَ ذَلِكَ وَعُشْرَهُ ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ وَذَلِكَ خُمْسَا الْجَارِيَةِ .
فَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِ ، وَيَبْقَى لِلْوَاهِبِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا ، وَلَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ مَهْرِهَا سِتَّةٌ وَلَوْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ فَكَذَلِكَ ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مَهْرُهَا ، ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاهِبِ ، وَخُمْسَاهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، إلَّا أَنَّ نُفُوذَ الْهِبَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْهَا مَوْقُوفٌ عَلَى حُصُولِ الْمَهْرِ مِنْ الْوَاطِئِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ ، لَمْ تَزِدْ الْهِبَةُ عَلَى ثُلُثِهَا .
وَكُلَّمَا حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ نَفَذَتْ الْهِبَةُ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ .
وَإِنْ وَطِئَهَا الْوَاهِبُ ، فَعَلَيْهِ مِنْ عُقْرِهَا بِقَدْرِ مَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ ، وَهُوَ ثُلُثُ شَيْءٍ ، يَبْقَى مَعَهُ ثَلَاثُونَ إلَّا شَيْئًا ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ تِسْعَةٌ ، وَهُوَ خُمْسُ الْجَارِيَةِ ، وَعُشْرُهَا وَسَبْعَةُ أَعْشَارِهَا لِوَرَثَةِ الْوَاطِئِ ، وَعَلَيْهِمْ عُقْرُ الَّذِي جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْجَارِيَةِ بِقَدْرِهَا ، صَارَ لَهُ خُمْسَاهَا .
( 4719 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَهَبَ مَرِيضٌ رَجُلًا عَبْدًا ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، فَقَتَلَ الْعَبْدُ الْوَاهِبَ ، قِيلَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ : إمَّا أَنْ تَفْدِيَهُ ، وَإِمَّا أَنْ تُسَلِّمَهُ ، فَإِنْ اخْتَارَ تَسْلِيمَهُ سَلَّمَهُ كُلَّهُ ، نِصْفَهُ بِالْجِنَايَةِ ، وَنِصْفَهُ لِانْتِقَاضِ الْهِبَةِ فِيهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ قَدْ صَارَ إلَى وَرَثَةِ الْوَاهِبِ ، وَهُوَ مِثْلَا نِصْفِهِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْهِبَةَ جَازَتْ فِي نِصْفِهِ .
وَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ؛ يَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ .
وَالْأُخْرَى ، يَفْدِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ ، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِيَةً ، فَإِنَّك تَقُولُ : صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ ، وَتَدْفَعُ إلَيْهِمْ نِصْفَ الْعَبْدِ وَقِيمَةَ نِصْفِهِ ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّيْءَ نِصْفُ الْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِيَتَيْنِ ، وَاخْتَارَ دَفْعَهُ ، فَإِنَّ الْهِبَةَ تَجُوزُ فِي شَيْءٍ ، وَتَدْفَعُ إلَيْهِمْ نِصْفَهُ ، يَبْقَى مَعَهُمْ عَبْدٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ خُمْسَاهُ ، وَيَرُدُّ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهِ ؛ لِانْتِقَاصِ الْهِبَةِ ، وَخُمْسًا مِنْ أَجْلِ جِنَايَتِهِ ، فَيَصِيرُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ .
وَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ ، فَدَاهُ بِخُمُسَيْ الدِّيَةِ ، وَيَبْقَى لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسَا الدِّيَةِ ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ خُمْسٍ مِنْهُ ، وَيَبْقَى لَهُ خُمْسَاهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ نِصْفَ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ ، وَقُلْنَا : نَفْدِيهِ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ .
نَفَذَتْ الْهِبَةُ فِي جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّ أَرْشُهَا أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلَيْهَا .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ ، فَاخْتَارَ فِدَاءَهُ بِالدِّيَةِ ، فَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ ، وَيَفْدِيهِ بِشَيْءٍ وَثُلُثَيْنِ ، فَصَارَ مَعَ الْوَرَثَةِ عَبْدٌ وَثُلُثَا شَيْءٍ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَالشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ
، فَتَصِحُّ الْهِبَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ ، وَيَرْجِعُ إلَى الْوَاهِبِ رُبْعُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ، صَارَ الْجَمِيعُ تِسْعَمِائَةٍ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِ فَإِنْ تَرَكَ الْوَاهِبُ مِائَةَ دِينَارٍ ، فَاضْمُمْهَا إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ ، فَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَ الْعَبْدِ ، دَفَعَ ثُلُثَهُ وَرُبْعَهُ ، وَذَلِكَ قَدْرُ نِصْفِ جَمِيعِ الْمَالِ بِالْجِنَايَةِ وَبَاقِيهِ لِانْتِقَاصِ الْهِبَةِ ، فَيَصِيرَ الْعَبْدُ وَالْمِائَةُ ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِ .
وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَفْدِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ إذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا ، فَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمِائَةِ ، يَصِيرُ ذَلِكَ سَبْعَةَ أَثْمَانِ الْعَبْدِ ، فَيَفْدِيهِ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدِّيَةِ .
( 4720 ) فَصْلٌ : مَرِيضٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، فَقَطَعَ إصْبَعَ سَيِّدِهِ خَطَأً ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ نِصْفُهُ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، وَيَصِيرُ لِلسَّيِّدِ نِصْفُهُ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ ، وَذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهُ ، وَأَوْجَبْنَا نِصْفَ قِيمَتِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ .
وَحِسَابُهَا أَنْ تَقُولَ : عَتَقَ مِنْهُ ، شَيْءٌ ، وَعَلَيْهِ شَيْءٌ لِلسَّيِّدِ فَصَارَ مَعَ السَّيِّدِ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا ، وَشَيْءٌ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَأَسْقِطْ شَيْئًا بِشَيْءٍ ، بَقِيَ مَا مَعَهُ مِنْ الْعَبْدِ يَعْدِلُ شَيْئًا مِثْلَ مَا عَتَقَ مِنْهُ .
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَتَيْنِ ، عَتَقَ خُمْسَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ .
وَعَلَيْهِ نِصْفُ شَيْءٍ لِلسَّيِّدِ ، فَصَارَ لِلسَّيِّدِ نِصْفُ شَيْءٍ ، وَبَقِيَّةُ الْعَبْدِ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَيَكُونُ بَقِيَّةُ الْعَبْدِ يَعْدِلُ شَيْئًا وَنِصْفًا ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ ، وَالشَّيْءُ الَّذِي عَتَقَ خُمْسَاهُ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسِينَ أَوْ أَقَلَّ ، عَتَقَ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ ، وَهِيَ مِثْلَاهُ أَوْ أَكْثَرُ .
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سِتِّينَ ، قُلْنَا : عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَعَلَيْهِ شَيْءٌ وَثُلُثَا شَيْءٍ لِلسَّيِّدِ ، مَعَ بَقِيَّةِ الْعَبْدِ ، يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَبَقِيَّةُ الْعَبْدِ إذًا ثُلُثُ شَيْءٍ ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ .
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ إلَّا أَنَّ مَا زَادَ فِي الْعِتْقِ عَلَى الثُّلُثِ ، يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عَلَى أَدَاءِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْقِيمَةِ كَمَا إذَا دَبَّرَ عَبْدًا وَلَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ غَرِيمٍ لَهُ ، فَكُلَّمَا اقْتَضَى مِنْ الْقِيمَةِ شَيْئًا ، عَتَقَ مِنْ الْمَوْقُوفِ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ .
( 4721 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ ، دَفْعَةً وَاحِدَةً ، قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَالْآخَرِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ ، فَجَنَى الْأَدْنَى عَلَى الْأَرْفَعِ جِنَايَةً نَقَصَتْهُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ ، وَأَرْشُهَا كَذَلِكَ ، فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِمَا ، ثُمَّ مَاتَ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْجَانِي عَتَقَ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ ، وَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ أَرْشِ جِنَايَتِهِ ، وَبَقِيَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ خُمْسُهُ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ ، وَهُوَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهُ وَحِسَابُهَا أَنْ تَقُولَ : عَبْدٌ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ بِقَدْرِ نِصْفِ قِيمَتِهِ ، بَقِيَ لِلسَّيِّدِ نِصْفُ شَيْءٍ وَبَقِيَّةُ الْعَبْدَيْنِ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ ، فَعَلِمْت أَنَّ بَقِيَّةَ الْعَبْدَيْنِ شَيْءٌ وَنِصْفٌ ، فَإِذَا أَضَفْت إلَى ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي عَتَقَ ، صَارَا جَمِيعًا يَعْدِلَانِ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا ، فَالشَّيْءُ الْكَامِلُ خُمْسَاهُمَا ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ أَحَدِهِمَا .
وَإِنْ وَقَعَتْ قُرْعَةُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَلَهُ ثُلُثُ أَرْشِ جِنَايَتِهِ ، يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْجَانِي ، وَذَلِكَ تُسْعُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ تُضْمَنُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَالْوَاجِبُ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ يَسْتَغْرِقُ قِيمَةَ الْجَانِي ، فَيَسْتَحِقُّهُ بِهَا ، وَلَا يَبْقَى لِسَيِّدِهِ مَالٌ سِوَاهُ فَيُعْتَقُ ثُلُثُهُ ، وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ .
وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ ، قِيمَةُ أَحَدِهِمَا خَمْسُونَ .
وَقِيمَةُ الْآخَرِ ثَلَاثُونَ ، فَجَنَى الْأَدْنَى عَلَى الْأَرْفَعِ ، فَنَقَصَهُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعِينَ ، أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِلْأَدْنَى ، عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَعَلَيْهِ ثُلُثُ شَيْءٍ ، فَبَعْدَ الْجَبْرِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ شَيْئَانِ وَثُلُثَانِ ، فَالشَّيْءُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهِمَا ، وَقِيمَتُهَا سَبْعُونَ ، فَثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَرُبْعٌ وَهِيَ
مِنْ الْأَدْنَى نِصْفُهُ وَخُمْسَاهُ وَنِصْفُ سُدُسِ عُشْرِهِ .
وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ ، عَتَقَ ثُلُثُهُ ، وَحَقُّهُ مِنْ الْجِنَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي ، فَيَأْخُذُهُ بِهَا ، أَوْ يَفْدِيهِ الْمُعْتِقُ وَقَدْ بَقِيَتْ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ مَوْضِعٍ زَادَ الْعِتْقُ عَلَى ثُلُثِ الْعَبْدَيْنِ مِنْ أَجْلِ وُجُوبِ الْأَرْشِ لِلسَّيِّدِ ، تَكُونُ الزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى أَدَاءِ الْأَرْشِ ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 4722 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ جَاوَزَ الْعَشْرَ سِنِينَ ؛ فَوَصِيَّتُهُ جَائِزَةٌ إذَا وَافَقَ الْحَقَّ ) هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ ، فَإِنَّهُ قَالَ ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ ، وَحَنْبَلٍ : تَحُوزُ وَصِيتُهُ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ ، تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ، وَمَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ، وَمَا بَيْنَ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْغُلَامِ لِدُونِ الْعَشْرِ وَلَا الْجَارِيَةِ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، وَمَا زَادَ عَلَى الْعَشْرِ فَتَصِحُّ ، عَلَى الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، لَا تَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ .
وَقَالَ الْقَاضِي ، وَأَبُو الْخَطَّابِ : تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَشُرَيْحٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَإِيَاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَإِسْحَاقَ .
قَالَ إِسْحَاقُ : إذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ .
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ حَتَّى يَبْلُغَ .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ، كَالْمَذْهَبَيْنِ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ ، كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ ، فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ، كَالطِّفْلِ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ ، أَنَّ صَبِيًّا مِنْ غَسَّانَ ، لَهُ عَشْرُ سِنِينَ ، أَوْصَى لَأَخْوَالٍ لَهُ ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجَازَ وَصِيَّتَهُ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَرَوَى مَالِكٌ ، فِي " مُوَطَّئِهِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ ، وَوَرَثَتُهُ بِالشَّامِ ، وَهُوَ ذُو مَالٍ ،
وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ ، فَقَالَ عُمَرُ " : فَلْيُوصِ لَهَا .
فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمَ .
قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ : فَبَعَثَ ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا .
وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَكَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرٍ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً .
وَهَذِهِ قِصَّةٌ انْتَشَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ، وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لِلصَّبِيِّ ، فَصَحَّ مِنْهُ ، كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ يَحْصُلُ ثَوَابُهَا لَهُ بَعْدَ غِنَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَمَالِهِ ، فَلَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُ وَلَا أُخْرَاهُ ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ ، فَإِنَّهُ يَفُوتُ مِنْ مَالِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَإِذَا رُدَّتْ رَجَعَتْ إلَيْهِ ، وَهَا هُنَا لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ ، وَالطِّفْلُ لَا عَقْلَ لَهُ ، وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَلَا عِبَادَاتُهُ .
وَقَوْله : " إذَا وَافَقَ الْحَقَّ " .
يَعْنِي إذَا وَصَّى بِوَصِيَّةٍ يَصِحُّ مِثْلُهَا مِنْ الْبَالِغِ ، صَحَّتْ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ شُرَيْحٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ ، وَهُمَا قَاضِيَانِ : مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ .
( 4723 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الطِّفْلُ ، وَهُوَ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ ، وَالْمَجْنُونُ ، والمبرسم ، فَلَا وَصِيَّةَ لَهُمْ .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ ؛ حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَمَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ إلَّا إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ : إذَا وَافَقَتْ وَصِيَّتُهُمْ الْحَقَّ جَازَتْ .
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِمَا ، وَلَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُمَا ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمَا ، فَكَذَا الْوَصِيَّةُ ، بَلْ أَوْلَى ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ وَصَلَاتُهُ الَّتِي هِيَ مَحْضُ نَفْعٍ لَا ضَرَرَ فِيهَا ، فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ بَذْلُهُ الْمَالَ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَارِثُهُ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ .
( 4724 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ .
قَالَ الْخَبْرِيُّ : وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِي وَصِيَّتِهِ وَجْهَانِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَاقِلٌ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ، كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ، وَلِأَنَّ وَصِيَّتَهُ تَمَحَّضَتْ نَفْعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ، فَصَحَّتْ كَعِبَادَاتِهِ .
وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ أَحْيَانًا ، وَيُفِيقُ أَحْيَانًا ، فَإِنْ وَصَّى حَالِ جُنُونِهِ لَمْ تَصِحَّ ، وَإِنْ وَصَّى فِي حَالِ عَقْلِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعُقَلَاءِ فِي شَهَادَتِهِ ، وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ فِي وَصِيَّتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّكْرَانِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِيهِ قَوْلَانِ .
يَعْنِي وَجْهَيْنِ .
وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِلٍ ، فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَالْمَجْنُونِ .
وَأَمَّا إيقَاعُ طَلَاقِهِ ، فَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ مَنْ أَوْقَعَهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ ، لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ ، فَلَا يَتَعَدَّى هَذَا إلَى وَصِيَّتِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا ، إنَّمَا الضَّرَرُ عَلَى وَارِثِهِ .
وَأَمَّا الضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ ، فَإِنْ مَنَعَ ذَلِكَ رُشْدَهُ فِي مَالِهِ ، فَهُوَ كَالسَّفِيهِ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَاقِلِ .
( 4725 ) فَصْلٌ : وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مُقَامَ نُطْقِهِ فِي طَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ وَغَيْرِهِمَا ، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ ، فَلَا حُكْمَ لَهَا .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا .
فَأَمَّا النَّاطِقُ إذَا اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ ، فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ وَصِيَّتَهُ ، فَأَشَارَ بِهَا ، وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ ، لَمْ تَصِحَّ وَصِيتُهُ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَابْنُ عَقِيلٍ .
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ ، أَشْبَهَ الْأَخْرَسَ .
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَهُوَ قَاعِدٌ ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ ، فَقَعَدُوا .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا إذَا اتَّصَلَ بِاعْتِقَالِ لِسَانِهِ الْمَوْتُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ نُطْقِهِ ، فَلَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ بِإِشَارَتِهِ ، كَالْقَادِرِ عَلَى الْكَلَامِ وَالْخَبَرُ لَا يُلْزِمُ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ إشَارَةَ الْقَادِرِ لَا تَصِحُّ بِهَا وَصِيَّةٌ وَلَا إقْرَارٌ ، فَفَارَقَ الْأَخْرَسَ ، لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْ نُطْقِهِ .
( 4726 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَصِيَّةً ، ثُمَّ مَاتُوا عَلَى الرِّقِّ ، فَلَا وَصِيَّةَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمْ .
وَإِنْ أَعْتَقُوهُمْ ثُمَّ مَاتُوا وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَصِيَّتَهُمْ ، صَحَّتْ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَوْلًا صَحِيحًا وَأَهْلِيَّةً تَامَّةً ، وَإِنَّمَا فَارَقُوا الْحُرَّ بِأَنَّهُمْ لَا مَالَ لَهُمْ ، وَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى الْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ ، ثُمَّ اسْتَغْنَى .
وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ : مَتَى عَتَقْت ثُمَّ مِتّ ، فَثُلُثِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً ، فَعَتَقَ وَمَاتَ ، صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ .
( 4727 ) فَصْلٌ : وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ ، وَالذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ ، وَالذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ .
رُوِيَ إجَازَةُ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ عَنْ شُرَيْحٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَعَطَاءٌ ، وَقَتَادَةُ ، فِي قَوْله تَعَالَى : { إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } هُوَ وَصِيَّة الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ .
وَقَالَ سَعِيدٌ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بَاعَتْ حُجْرَتَهَا مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفٍ ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ يَهُودِيٌّ ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ فَيَرِثَ ، فَأَبَى ، فَأَوْصَتْ لَهُ بِثُلُثِ الْمِائَةِ .
وَلِأَنَّهُ تَصِحُّ لَهُ الْهِبَةُ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، كَالْمُسْلِمِ ، وَإِذَا صَحَّتْ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ ، فَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ أَوْلَى .
وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا تَصِحُّ بِهِ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ ، بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، كَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ .
( 4728 ) فَصْلٌ : وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تَصِحُّ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةَ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَنَا لَا يَحِلُّ بِرُّهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَصِحُّ هِبَتُهُ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، كَالذِّمِّيِّ .
وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عُمَرَ حُلَّةً مِنْ حَرِيرٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا ، وَقَدْ قُلْت فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ مَا قُلْت ، فَقَالَ : إنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا .
فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا مُشْرِكًا لَهُ بِمَكَّةَ .
} وَعَنْ { أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ : أَتَتْنِي أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ - تَعْنِي الْإِسْلَامَ - فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَتْنِي أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
} وَهَذَانِ فِيهِمَا صِلَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِرُّهُمْ .
وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَنَا فِي مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ، فَأَمَّا الْمُقَاتِلُ فَإِنَّهُ نُهِيَ عَنْ تَوَلِّيهِ لَا عَنْ بِرِّهِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ ، وَإِنْ احْتَجَّ بِالْمَفْهُومِ ، فَهُوَ لَا يَرَاهُ حُجَّةً .
ثُمَّ قَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْهِبَةِ ، وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَاهَا .
فَأَمَّا الْمُرْتَدُّ ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، كَمَا تَصِحُّ هِبَتُهُ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ، وَلَا يَرِثُ ، وَلَا يُورَثُ ، فَهُوَ كَالْمَيِّتِ .
وَلِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ مَالِهِ بِرِدَّتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةٍ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِالْوَصِيَّةِ .
( 4729 ) فَصْلٌ : وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَافِرٍ بِمُصْحَفٍ وَلَا عَبْدٍ مُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ هِبَتُهُمَا لَهُ ، وَلَا بَيْعُهُمَا مِنْهُ .
وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ كَافِرٍ ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ ، بَطَلَتْ ، عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمِلْكُ عَلَى مُسْلِمٍ ، وَمِنْ قَالَ : يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبُولِ .
قَالَ : الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّنَا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْمَوْتِ ، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِسَبَبٍ لَوْلَاهُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ ، فَمَنَعَ مِنْهُ ، كَابْتِدَاءِ الْمِلْكِ .
( 4730 ) فَصْلٌ : وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَعْصِيَةٍ وَفِعْلٍ مُحَرَّمٍ ، مُسْلِمًا كَانَ الْمُوصِي أَوْ ذِمِّيًّا ، فَلَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ ، أَوْ عِمَارَتِهِمَا ، أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا ، كَانَ بَاطِلًا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : يَصِحُّ .
وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَصِيَّةَ بِأَرْضِهِ تُبْنَى كَنِيسَةً .
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ .
وَأَجَازَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَنْ يُوصِيَ بِشِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خَنَازِيرَ .
وَيَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَهَذِهِ وَصَايَا بَاطِلَةٌ ، وَأَفْعَالٌ مُحَرَّمَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهَا ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ لِلْفُجُورِ وَإِنْ وَصَّى لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا كُتُبٌ مَنْسُوخَةٌ ، وَفِيهَا تَبْدِيلٌ ، وَالِاشْتِغَالُ بِهَا غَيْرُ جَائِزٍ ، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ شَيْئًا مَكْتُوبًا مِنْ التَّوْرَاةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَحُصِرَ الْبَيْعُ وَقَنَادِيلُهَا ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقْصِدْ إعْظَامَهَا بِذَلِكَ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَإِنَّ النَّفْعَ يَعُودُ إلَيْهِمْ ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ صَحِيحَةٌ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ ، وَتَعْظِيمٌ لِكَنَائِسِهِمْ .
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ بِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَصَحُّ .
وَإِنْ وَصَّى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ .
( 4731 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَةٍ ، لَمْ يُعْطَ مَنْ فِيهَا مِنْ الْكُفَّارِ ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُمْ ) يَعْنِي بِهِ الْمُسْلِمَ ، إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ لِقَرَابَتِهِ بِلَفْظٍ عَامٍّ ، يَدْخُلُ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ ، فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً ، وَلَا شَيْءَ لِلْكُفَّارِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَدْخُلُ فِيهِ الْكُفَّارُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ بِعُمُومِهِ ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ ، دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ ، فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ .
وَلَنَا ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْكُفَّارُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي وَصِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ ، فَكَذَلِكَ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْكُفَّارَ ، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ عَدَاوَةِ الدِّينِ ، وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ ، الْمَانِعِ مِنْ الْمِيرَاثِ ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، وَلِذَلِكَ خَرَجُوا مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَزْوَاجِ ، وَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فِي الْمِيرَاثِ ، فَكَذَا هَاهُنَا ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ .
وَإِنْ صَرَّحَ بِهِمْ ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الْمَقَالِ لَا يُعَارَضُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ .
وَإِنْ وَصَّى لَهُمْ وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ ، أَوْ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ ، وَكُلُّهُمْ كُفَّارٌ ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُمْ إذْ فِي إخْرَاجِهِمْ رَفْعُ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ ، وَالْبَاقِي كُفَّارٌ ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُمْ بِالتَّخْصِيصِ هَاهُنَا بَعِيدٌ ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، مُخَالَفَةُ لَفْظِ الْعُمُومِ .
وَالثَّانِي ، حَمْلُ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الْجَمْعِ عَلَى الْمُفْرَدِ .
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ
أَهْلِهَا كُفَّارًا ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ ، وَصَرْفُهُ إلَيْهِمْ وَالتَّخْصِيصُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بِإِخْرَاجِ الْأَكْثَرِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْخُلَ الْكُفَّارُ فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ قَرِيبٌ ، وَتَخْصِيصَ الْأَكْثَرِ بَعِيدٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى دَلِيلٍ قَوِيٍّ وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ ، مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ لِإِخْوَتِهِ ، أَوْ عُمُومَتِهِ ، أَوْ بَنِي عَمِّهِ ، أَوْ لِلْيَتَامَى ، أَوْ لِلْمَسَاكِينِ ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ .
فَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ كَافِرٌ ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَتَنَاوَلُ أَهْلَ دِينِهِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَتَنَاوَلُهُمْ ، وَقَرِينَةُ حَالِهِ إرَادَتُهُمْ ، فَأَشْبَهَ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا أَهْلُ دِينِهِ .
وَهَلْ يَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهِ الْمُسْلِمُونَ ؟ نَظَرْنَا ، فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى دُخُولِهِمْ ، مِثْلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا مُسْلِمُونَ ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا كَافِرٌ وَاحِدٌ ، وَسَائِرُ أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ ، وَإِنْ انْتَفَتْ الْقَرَائِنُ ، فَفِي دُخُولِهِمْ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَدْخُلُونَ ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ الْكُفَّارُ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ وَالثَّانِي ، يَدْخُلُونَ ؛ لِأَنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُهُمْ ، هُمْ أَحَقُّ بِوَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَلَا يُصْرَفُ اللَّفْظُ عَنْ مُقْتَضَاهُ ، وَمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِحُكْمِهِ إلَى غَيْرِهِ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ كَافِرٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِ الْمُوصِي ، لَمْ يَدْخُلْ فِي وَصِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْمُوصِي تُخْرِجُهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَا وُجِدَ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ ، فَبَقِيَ خَارِجًا بِحَالِهِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ ، بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِ دِينِهِمْ .
( 4732 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ ، وَلَا عَصَبَةَ لَهُ ، وَلَا مَوْلَى لَهُ ، فَجَائِزٌ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى : لَا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَنْ لَمْ يَخْلُفْ مِنْ وُرَّاثِهِ عَصَبَةً ، وَلَا ذَا فَرْضٍ ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ مَالِهِ .
ثَبَتَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَبِهِ قَالَ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ ، وَمَسْرُوقٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى : لَا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَالْعَنْبَرِيُّ ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْ يَعْقِلُ عَنْهُ ، فَلَمْ تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ ، كَمَا لَوْ تَرَكَ وَارِثًا .
وَلَنَا ، أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا كَانَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ } .
وَهَا هُنَا لَا وَارِثَ لَهُ يَتَعَلَّقُ حَقٌّ بِمَالِهِ ، فَأَشْبَهَ حَالَ الصِّحَّةِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ حَقُّ وَارِثٍ وَلَا غَرِيمٍ ، أَشْبَهَ حَالَ الصِّحَّةِ أَوْ أَشْبَهَ الثُّلُثَ .
( 4733 ) فَصْلٌ : وَإِنْ خَلَّفَ ذَا فَرْضٍ ، لَا يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ ، كَبِنْتٍ ، أَوْ أُمٍّ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ سَعْدًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَتِي .
فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ .
وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ ، فَأَشْبَهَتْ الْعَصَبَةَ .
وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ ، أَوْ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ ، فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْقُصُ حَقَّهُ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ فَرْضَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِقَوْلِهِ : " وَلَا عَصَبَةَ لَهُ وَلَا مَوْلَى لَهُ " .
وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ إرْثُهُ كَالْفَضْلَةِ وَالصِّلَةِ ، وَلِذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ وَالْمَوْلَى ، لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَنْفُذَ وَصِيَّتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا ، فَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إنَّك أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ } وَلِأَنَّهُمْ وَرَثَةٌ يَسْتَحِقُّونَ مَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَصِلَتَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَأَشْبَهُوا ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعُصُبَاتِ ، وَتَقْدِيمُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ لَا يَمْنَعُ مُسَاوَاتَهُمْ لَهُمْ فِي مَسْأَلَتِنَا ، كَذَوِي الْفُرُوضِ الَّذِينَ يَحْجُبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْعُصُبَاتِ .
( 4734 ) فَصْلٌ : فَإِنْ خَلَّفَ ذَا فَرْضٍ لَا يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ ، وَقَالَ : أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثَيْ ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ ذَا الْفَرْضِ شَيْئًا مِنْ فَرْضِهِ .
أَوْ خَلَّفَ امْرَأَةً ، وَقَالَ : أَوْصَيْت لَك بِمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ فَرْضِهَا .
صَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ ذَا الْفَرْضِ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ ، لَوْلَا الْوَصِيَّةُ ، فَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الْفَرْضِ .
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ، فَتَنْبَنِي عَلَى الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ ، فَإِنْ قُلْنَا : تَصِحُّ ثَمَّ .
صَحَّتْ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَنْ فَرْضِ الزَّوْجَةِ مَالٌ لَا وَارِثَ لَهُ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً .
وَإِنْ قُلْنَا : لَا تَصِحُّ ثَمَّ .
فَهَاهُنَا مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ جُعِلَ كَالْوَارِثِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ ذُو وَرَثَةٍ يَسْتَغْرِقُونَ الْمَالَ إذَا عَيَّنَ الْوَصِيَّةَ مِنْ نَصِيبِ الْعَصَبَةِ مِنْهُمْ ، فَعَلَى هَذَا يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَيَسْقُطُ تَخْصِيصُهُ .
( 4735 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِهِ ، فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ مَالِهِ ، كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ سُدُسٍ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ، عَتَقَ ، وَاسْتَحَقَّ بَاقِيهَا ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ .
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ، سَعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَمَالٍ يَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمُعَيَّنٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ يَتَنَاوَلُ نَفْسَهُ أَوْ بَعْضَهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ بِنَفْسِهِ تَصِحُّ وَيُعْتَقُ ، وَمَا فَضَلَ يَسْتَحِقُّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا ، فَيَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : اعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ ثُلُثَيْ ، وَأَعْطُوهُ مَا فَضَلَ مِنْهُ ، وَفَارَقَ مَا إذَا أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْهُ .
( 4736 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ ، كَثَوْبٍ أَوْ دَارٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ .
وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهَا تَصِحُّ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ : إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ أَجَازُوا ، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا .
وَلَنَا ، أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ ، فَمَا وَصَّى بِهِ لَهُ فَهُوَ لَهُمْ ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ ، فَلَا فَائِدَةَ
فِيهِ .
وَفَارَقَ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِمُشَاعِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
( 4737 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِرَقَبَتِهِ ، فَهُوَ تَدْبِيرٌ ، يُعْتَقُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الدَّوَامِ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِأَبِيهِ ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لَهُ بِرَقَبَتِهِ عِتْقُهُ ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ ، فَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ كِنَايَةً عَنْ إعْتَاقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ ، فَهُوَ تَدْبِيرٌ لِذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَهَلْ يُعْتَقُ جَمِيعُهُ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، ذَكَرَهُمَا الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّهِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : يَسْعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ .
وَهَذَا شَيْءٌ يَأْتِي فِي بَابِ الْعِتْقِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( 4738 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِمُكَاتَبِهِ ، أَوْ مُكَاتَبِ وَارِثِهِ ، أَوْ مُكَاتَبِ أَجْنَبِيٍّ ، صَحَّ ، سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّ وَرَثَتَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْمُكَاتَبَ ، وَلَا يَمْلِكُونَ مَالَهُ .
وَإِنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ .
رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ .
وَبِهِ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَإِنْ وَصَّى لِمُدَبَّرِهِ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، كَأُمِّ الْوَلَدِ .
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ هُوَ وَالْوَصِيَّةُ جَمِيعًا ، قُدِّمَ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُعْتَقُ بَعْضُهُ ، وَيَمْلِكُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ وَصَّى لِعَبْدِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً ، فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَالِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ بِمُشَاعٍ مِنْ مَالِهِ .
( 4739 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِ غَيْرِهِ ، صَحَّ ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ ، وَالْقَبُولُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُضَافٌ إلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا ، فَإِذَا قَبِلَ ثَبَتَ لِسَيِّدِهِ ، لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ، وَلَا تَفْتَقِرُ فِي الْقَبُولِ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ، كَالِاحْتِطَابِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهٌ أُخَرُ ، أَنَّ الْقَبُولَ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ الْعَبْدِ ، فَأَشْبَهَ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ تَحْصِيلُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إذْنِهِ ، كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَحْصِيلِ الْمُبَاحِ .
وَإِنْ وَصَّى لِعَبْدِ وَارِثِهِ ، فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثِهِ ، يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانَ يَسِيرًا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ ، وَإِنَّمَا لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ ، فَإِذَا وَصَّى لَهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ ، عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْعَبْدَ ، دُونَ سَيِّدِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِعَبْدِ وَارِثِهِ ، فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ بِالْكَثِيرِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مِلْكِ الْعَبْدِ مَمْنُوعٌ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ، فَإِنَّهُ مَعَ هَذَا الْقَصْدِ يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ ، فَهُوَ كَالْكَثِيرِ .
( 4740 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى ، أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ .
ثُمَّ مَاتَ ، فَقَالَتْ : لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ .
فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَاللَّيْثِ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ .
وَإِنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِأَلْفٍ ، عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ ، أَوْ عَلَى أَنْ تَثْبُتَ مَعَ وَلَدِهِ ، فَفَعَلَتْ وَأَخَذَتْ الْأَلْفَ ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ وَتَرَكَتْ وَلَدَهُ ، فَفِيهَا وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، تَبْطُلُ وَصِيَّتُهَا ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الشَّرْطُ ، فَفَاتَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَفَارَقَ الْعِتْقَ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ .
وَالثَّانِي ، لَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهَا صَحَّتْ ، فَلَمْ تَبْطُلْ بِمُخَالَفَةِ مَا شُرِطَ عَلَيْهَا كَالْأُولَى .
( 4741 ) فَصْلٌ : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ؛ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ .
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ ، فِي مَنْ جَرَحَ رَجُلًا خَطَأً فَعَفَا الْمَجْرُوحُ .
فَقَالَ أَحْمَدُ : يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ .
قَالَ : وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لَقَاتِلٍ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ ، كَالذِّمِّيِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ، وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ .
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ ، فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إنْ وَصَّى لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ ، صَحَّ ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبْلَهُ ، ثُمَّ طَرَأَ الْقَتْلُ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، أَبْطَلَهَا جَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ أَحْمَدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ .
وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحِلِّهَا ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ ، فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا ، لِأَنَّهُ يُبْطِلُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْهَا ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ ، لِكَوْنِهِ بِالْقَتْلِ اسْتَعْجَلَ الْمِيرَاثَ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُهُ فَعُورِضَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ ، وَهُوَ مَنْعُ الْمِيرَاثِ ، دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ قَتْلِ الْمَوْرُوثِينَ ، وَلِذَلِكَ بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِالْقَتْلِ الطَّارِئِ عَلَيْهِ أَيْضًا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الْقَتْلِ الطَّارِئِ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا اسْتَعْجَلَهَا بِقَتْلِهِ .
وَفَارَقَ الْقَتْلَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْجَالَ مَالٍ ،
لِعَدَمِ انْعِقَادِ سَبَبِهِ ، وَالْمُوصِي رَاضٍ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ بَعْدَ صُدُورِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي هَذَا ، كَمَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بِذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ ، وَعَلَى هَذَا مَتَى دَبَّرَ عَبْدَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ إيَّاهُ ، صَحَّ تَدْبِيرُهُ .
مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا قَالَ : أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ .
أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ، فَمَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ ، فَهُوَ حُرٌّ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ، فَيَخْرُجُ الْحُرُّ بِالْقُرْعَةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : لَهُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، فَكَانَ التَّعْيِينُ إلَى الْمُعْتِقِ كَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ : أَعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عِتْقٌ اسْتَحَقَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ ، فَكَانَ إخْرَاجُهُ بِالْقُرْعَةِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَحَدُهُمَا ، وَدَلِيلُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ، حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ .
فَأَمَّا الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ ، إنَّمَا اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُكَفِّرِ التَّكْفِيرُ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : أَعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا .
فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى عَبِيدِهِ ، وَلَا إلَى جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ ، فَهُوَ كَالْمُعْتَقِ فِي الْكَفَّارَةِ .
وَإِنْ قَالَ : أَعْتِقُوا أَحَدَ عَبِيدِي .
احْتَمَلَ أَنْ نَقُولَ بِإِخْرَاجِهِ بِالْقُرْعَةِ كَمَسْأَلَتِنَا ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ .
وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ، هَلْ يُعْطَى أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ ، أَوْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ ؟ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى الْوَرَثَةِ ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ فَكَانَتْ الْخِيرَةُ إلَيْهِمْ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ خِيرَةٌ .
( 4743 ) فَصْلٌ : وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ ، فِي مَنْ لَهُ غُلَامَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ ، فَقَالَ : فُلَانٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي .
وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ .
وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ، يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا
، فَيُعْتَقُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمِائَتَيْنِ وَقَعَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِمُعَيَّنٍ ، وَقَالَ الْقَاضِي : يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّهَا حُرٌّ فِي حَالِ اسْتِحْقَاقِهَا .
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي مَنْ قَالَ : أَعْتِقُوا رَقَبَةً عَنِّي .
فَلَا يُعْتَقُ عَنْهُ إلَّا مُسْلِمٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ ، لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْمُسْلِمَ ، فَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّ .
( 4744 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدُ زَيْدٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَيُعْتَقُ ، فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ ، فَالْخَمْسُمِائَةِ لِلْوَرَثَةِ .
وَإِنْ اشْتَرَوْهُ بِأَقَلَّ ، فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ ) أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ ، إمَّا لِامْتِنَاعِ سَيِّدِهِ مِنْ بَيْعِهِ ، أَوْ مِنْ بَيْعِهِ بِالْخَمْسِمِائَةِ ، وَإِمَّا لِمَوْتِهِ ، أَوْ لِعَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ ثَمَنِهِ ، فَالثَّمَنُ لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بَطَلَتْ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا .
وَلَا يَلْزَمُهُمْ شِرَاءُ عَبْدٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمُعَيَّنٍ ، فَلَا تُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ .
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَوْهُ بِأَقَلَّ ، فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : يُدْفَعُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَهُ بِالثَّمَنِ وَمُحَابَاتَهُ بِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : بِيعُوهُ عَبْدِي بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا ، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ حِجَّةً بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : يُجْعَلُ بَقِيَّةُ الثَّمَنِ فِي الْعِتْقِ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، رُدَّ مَا فَضَلَ فِي الْحَجِّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ أَمَرَ بِشِرَائِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَكَانَ مَا فَضَلَ مِنْ الثَّمَنِ رَاجِعًا إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَفَارَقَ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إرْفَاقُ الَّذِي يَحُجُّ بِالْفَضْلَةِ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْمَقْصُودُ الْعِتْقُ .
وَيُفَارِقُ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ ثَمَّ لِلْحَجِّ مُطْلَقًا ، فَصُرِفَ جَمِيعُهَا فِيهِ ، وَهَا هُنَا لِمُعَيَّنٍ ، فَلَا تَتَعَدَّاهُ .
وَقَوْلُهُ : إنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَ زَيْدٍ بِالثَّمَنِ وَمُحَابَاتَهُ بِهِ .
فَنَقُولُ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، إمَّا لِكَوْنِ الْبَائِعِ صَدِيقًا لَهُ ، أَوْ
ذَا حَاجَةٍ ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ يُقْصَدُونَ بِهَذَا ، أَوْ عَيَّنَ هَذَا الثَّمَنَ وَهُوَ يَعْلَمُ حُصُولَ الْعَبْدِ بِدُونِهِ ؛ لِقِلَّةِ قِيمَتِهِ ، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَى زَيْدٍ ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : وَادْفَعُوا إلَيْهِ جَمِيعَهَا ، وَإِنْ بَذَلَهُ بِدُونِهَا .
وَإِنْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الْقَرَائِنُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْعِتْقَ ، وَقَدْ حَصَلَ ، فَكَانَ الْفَاضِلُ عَائِدًا إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ فِي حَيَاتِهِ .
( 4745 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى أَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ بِأَلْفٍ ، فَيُعْتَقُ عَنْهُ ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ ، اُشْتُرِيَ عَبْدٌ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُورِ الشِّرَاءُ بِدُونِهِ ، كَالْوَكِيلِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا وَصِيَّةٌ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا إذَا احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ ، فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا وَجَبَ تَنْفِيذُهَا فِيمَا حَمَلَهُ ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ ، وَفَارَقَ الْوَكَالَةَ ، فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي إعْتَاقِ عَبْدٍ لَمْ يَمْلِكْ إعْتَاقَ بَعْضِهِ ، وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ ، لَأَعْتَقَ مِنْهُ مَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ .
فَأَمَّا إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ ، فَاشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الرِّقِّ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الشِّرَاءَ بَاطِلٌ بِكَوْنِهِ اشْتَرَى بِمَالٍ مُسْتَحَقٍّ لِلْغُرَمَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ ، صَحَّ الشِّرَاءُ ، وَنَفَذَ الْعِتْقُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي غَرَامَةُ ثَمَنِهِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَا غَرَّهُ ، إنَّمَا غَرَّهُ الْمُوصِي ، وَلَا تَرِكَةَ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارِكَ الْغُرَمَاءَ فِي التَّرِكَةِ ، وَيَضْرِبَ مَعَهُمْ بِقَدْرِ دَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَهُ بِتَغْرِيرِ الْمُوصِي ، فَيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ مَيِّتًا لَزِمَهُ فِي تَرِكَتِهِ ، كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ .
( 4746 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَأَطْلَقَ ، أَوْ وَصَّى بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَأَطْلَقَ ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُسْتَحِقٍّ ، وَلَا مُسْتَحِقَّ ، هَاهُنَا .
وَإِنْ وَصَّى بِبَيْعِهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ، وَبِيعَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ هَاهُنَا نَفْعًا لِلْعَبْدِ بِالْعِتْقِ .
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ يَشْتَرِيهِ كَذَلِكَ ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِتَعَذُّرِهَا ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِشِرَاءِ عَبْدٍ لِيُعْتَقْ ، فَلَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ .
وَإِنْ وَصَّى بِبَيْعِهِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ، بِيعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَصَدَ إرْفَاقَهُ بِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ .
وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا ، بِيعَ بِقِيمَتِهِ ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِكَوْنِهِ قَصَدَ إيصَالَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِإِرْفَاقِ الْعَبْدِ بِإِيصَالِهِ إلَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِحُسْنِ الْمَلَكَةِ ، وَإِعْتَاقِ الرِّقَابِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ إرْفَاقَ الْمُشْتَرِي لِمَعْنًى يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ .
فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ ، أَوْ أَبَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِالثَّمَنِ ، أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
( 4747 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ ، وَمَلَكَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ ، فَلِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ وَرُبْعُ الْعَبْدِ ، وَلِمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ .
وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ ، فَلِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ فِي الْجَمِيعِ ، وَلِمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِالْعَبْدِ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ ، فِي الْعَبْدِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَرَجُلٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ ، كَثُلُثِ الْمَالِ وَرُبُعِهِ ، فَأُجِيزَ لَهُمَا ، انْفَرَدَ صَاحِبُ الْمُشَاعِ بِوَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، ثُمَّ شَارَكَ صَاحِبَ الْمُعَيَّنِ فِيهِ ، فَيَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا فِيهِ ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ ، كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ ، وَكَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِجُزْءٍ مِنْهُ .
فَأَمَّا فِي حَالَ الرَّدِّ ، فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُمَا لَا تُجَاوِزُ الثُّلُثَ ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لَرَجُلٍ بِسُدُسِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ سُدُسُ الْمَالِ ، فَهِيَ كَحَالِ الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ ، إذْ لَا أَثَرَ لِلرَّدِّ .
وَإِنْ جَاوَزَتْ ثُلُثَهُ ، رَدَدْنَا وَصِيَّتَهُمَا إلَى الثُّلُثِ ، وَقَسَمْنَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْمُعَيَّنِ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُعَيَّنِ ، وَالْآخَرَ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ ، وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ .
وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُمَا فِي حَالِ الرَّدِّ يَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ ، عَلَى حَسَبِ مَا لَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ فِي الرَّدِّ : يَأْخُذُ صَاحِبُ الْمُعَيَّنِ نَصِيبَهُ مِنْهُ ، وَيَضُمُّ الْآخَرُ سِهَامَهُ إلَى سِهَامِ الْوَرَثَةِ ، وَيَقْتَسِمُونَ الْبَاقِيَ
عَلَى خَمْسَةٍ ، فِي مِثْل مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ ، وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ أَسْدَاسٍ .
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، إلَّا أَنَّ الْخِرَقِيِّ يُعْطِيهِ السُّدُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ يَأْخُذُ خُمُسَ الْمِائَتَيْنِ وَعُشْرَ الْعَبْدِ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ يَرْجِعُ إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ ، وَقَدْ رَجَعَتْ الْوَصِيَّتَانِ إلَى الثُّلُثِ ، وَهُوَ نِصْفُ الْوَصِيَّتَيْنِ ، فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَفِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ وَصِيَّتِهِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي وَصَّى لَهُ مِنْهُ ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَأْخُذُ سُدُسَ الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ الْجَمِيعِ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا ، فَإِنَّ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْعَبْدِ دُونَ وَصِيَّةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِشَيْءٍ أَشْرَكَ مَعَهُ غَيْرَهُ فِيهِ كُلِّهِ ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ أَفْرَدَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمَا الثُّلُثُ حَالَةَ الرَّدَّ عَلَى حَسَبِ مَا لَهُمَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ ، كَمَا فِي سَائِرِ الْوَصَايَا ، فَفِي مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ هَذِهِ ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ ، لَا يُزَاحِمُهُ الْآخَرُ فِيهَا ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْعَبْدِ ، لِهَذَا ثُلُثُهُ ، وَلِلْآخَرِ جَمِيعُهُ ، فَابْسُطْهُ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، يَصِيرُ الْعَبْدُ ثَلَاثَةً ، وَاضْمُمْ إلَيْهَا الثُّلُثَ الَّذِي لِلْآخَرِ ، يَصِيرُ أَرْبَعَةً ، ثُمَّ اقْسِمْ الْعَبْدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ، يَصِيرُ الثُّلُثُ رُبُعًا ، كَمَا فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ .
وَفِي حَالِ الرَّدِّ تُرَدُّ وَصِيَّتُهُمَا إلَى ثُلُثِ الْمَالِ ، وَهُوَ نِصْفُ وَصِيَّتِهِمَا ، فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ ، فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ إلَى سُدُسِ
الْجَمِيعِ ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْعَبْدِ إلَى نِصْفِهِ .
وَفِي قَوْلِنَا يُضْرَبُ مَخْرَجُ الثُّلُثِ فِي مَخْرَجِ الرُّبُعِ ، يَكُنْ اثْنَا عَشَرَ ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ أَرْبَعِينَ ، وَرُبُعُ الْعَبْدِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ، صَارَ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ ، فَيَضُمُّهَا إلَى سِهَامِ صَاحِبِ الثُّلُثِ ، صَارَ الْجَمِيعُ عِشْرِينَ سَهْمًا ، فَفِي حَالِ الرَّدِّ تَجْعَلُ الثُّلُثَ عِشْرِينَ سَهْمًا ، وَالْمَالُ كُلُّهُ سِتُّونَ ، فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ تِسْعَةٌ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ رُبْعُهُ وَخُمْسُهُ ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ ، وَهِيَ خُمْسُهَا ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ الْعَبْدِ ، وَذَلِكَ عُشْرُهُ وَنِصْفُ عُشْرِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمُشَاعِ بِالنِّصْفِ ، فَلَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ مِائَةٌ وَثُلُثُ الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ ، وَفِي الرَّدِّ لِصَاحِبِ الْمُشَاعِ خُمْسُ الْمِائَتَيْنِ وَخُمْسُ الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمْسَاهُ ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ ، لِصَاحِبِ الْمُشَاعِ رُبْعُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ ، وَطَرِيقُهَا أَنْ تَنْسُبَ الثُّلُثَ إلَى مَا حَصَلَ لَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ ، ثُمَّ تُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا حَصَلَ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَنْسُبُ الثُّلُثَ إلَى وَصِيَّتِهِمَا ، ثُمَّ تُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ فِي الرَّدِّ مِثْلَ الْخَارِجِ بِالنِّسْبَةِ ، وَبَيَانُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، أَنَّ نِسْبَةَ الثُّلُثِ إلَى وَصِيَّتِهِمَا بِالْخُمْسَيْنِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ وَالثُّلُثَ خَمْسَةٌ مِنْ سِتَّةٍ ، فَالثُّلُثُ خُمْسَاهَا ، فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمْسَا الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّتُهُ ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الْخُمْسُ ؛ لِأَنَّهُ خُمْسَا وَصِيَّتِهِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ ، قَدْ حَصَلَ لَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ الثُّلُثَانِ ، وَنِسْبَةُ الثُّلُثِ إلَيْهِمَا بِالنِّصْفِ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِمَّا حَصَلَ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ نِصْفُهُ ، وَقَدْ كَانَ لِصَاحِبِ الْمُشَاعِ مِنْ الْمِائَتَيْنِ نِصْفُهَا ، فَلَهُ رُبْعُهَا ، وَكَانَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ ، فَصَارَ لَهُ سُدُسَهُ ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ ، فَصَارَ لَهُ ثُلُثُهُ .
وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ، وَمِلْكُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ ثَلَاثُمِائَةٍ ، فَفِي الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الْمُشَاعِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُثُ الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ .
وَفِي الرَّدِّ ، لِصَاحِبِ الْمُشَاعِ تُسْعَا الْمَالِ كُلِّهِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، لِصَاحِبِ الْعَبْدِ رُبُعُهُ وَسُدُسُهُ ، وَلِلْآخَرِ ثُمْنُهُ وَنِصْفُ سُدُسِهِ ، وَمِنْ الْمَالِ ثَمَانُونَ ، وَهِيَ رُبُعُهَا وَسُدُسُ عُشْرِهَا .
وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِالْعَبْدِ ، فَفِي الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ نِصْفُهُ ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ لِلْآخَرِ .
وَفِي الرَّدِّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمُسُهُ ، وَهُوَ رُبْعُ الْعَبْدِ وَسُدْسُ عُشْرِهِ ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ ، فَلَهُ مِنْ الْعَبْدِ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِصَاحِبِهِ ، وَمِنْ كُلِّ مِائَةٍ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَهُوَ ثَمَانُونَ دِينَارًا .
وَلَوْ خَلَّفَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَمِائَتَيْنِ ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ وَبِالْعَبْدِ كُلِّهِ .
وَوَصَّى بِالْعَبْدِ لِآخَرَ ، فَفِي حَالِ الْإِجَازَةِ يُقَسَّمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَيَنْفَرِدُ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ الْبَاقِي .
وَفِي الرَّدِّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ ثُلُثُهُ ، وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَثُلُثُ الْمِائَةِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ ، لِصَاحِبِ الْعَبْدِ رُبْعُهُ ، وَلِلْآخَرِ رُبْعُهُ وَنِصْفُ الْمِائَةِ ، يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نِصْفِ وَصِيَّتِهِ .
فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى الثُّلُثِ ، كَرَجُلٍ خَلَّفَ خَمْسَمِائَةٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِسُدُسِ مَالِهِ ، وَلِآخَرَ بِالْعَبْدِ ، فَلَا أَثَرَ لِلرَّدِّ هَاهُنَا ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْمُشَاعِ
سُدُسَ الْمَالِ وَسُبْعَ الْعَبْدِ ، وَالْآخَرُ سِتَّةَ أَسْبَاعِهِ .
وَإِنْ وَصَّى لِصَاحِبِ الْمُشَاعِ بِخُمْسِ الْمَالِ ، فَلَهُ مِائَةٌ وَسُدُسُ الْعَبْدِ ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ .
وَلَا أَثَرَ لِلرَّدِّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا مِنْ الْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ .
( 4748 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ ، فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهَا أَرْبَعَةَ آبَاءٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ ، أَوْ لِقَرَابَةِ فُلَانٍ ، كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَوْلَادِهِ ، وَلِأَوْلَادِ أَبِيهِ ، وَأَوْلَادِ جَدِّهِ ، وَأَوْلَادِ جَدِّ أَبِيهِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، وَلَا يُعْطِي مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ شَيْئًا ، فَلَوْ وَصَّى لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَعْطَى أَوْلَادَهُ وَأَوْلَادَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَوْلَادَ هَاشِمٍ ، وَلَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } .
يَعْنِي أَقْرِبَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ ، وَلَمْ يُعْطِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ ، كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ شَيْئًا ، إلَّا أَنَّهُ أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ ، وَعَلَّلَ عَطِيَّتَهُمْ بِأَنَّهُمْ " لَمْ يُفَارِقُوا بَنِي هَاشِمٍ ، فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ " .
وَلَمْ يُعْطِ قَرَابَةَ أُمِّهِ ، وَهُمْ بَنُو زُهْرَةَ شَيْئًا ، وَلَمْ يُعْطِ مِنْهُمْ إلَّا مُسْلِمًا ، فَحُمِلَ مُطْلَقُ كَلَامِ الْمُوصِي عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَفُسِّرَ بِمَا فُسِّرَ بِهِ .
وَيُسَوِّي بَيْنَ قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ ، وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ سَوَاءٌ ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ ، وَلَا يَدْخُلُ الْكُفَّارُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ قُرْبَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ ، وَصَالِحٌ ، عَنْ أَبِيهِمَا رِوَايَةً أُخْرَى ، أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى قَرَابَةِ أُمِّهِ ، إنْ
كَانَ يَصِلُهُمْ فِي حَيَاتِهِ ، كَأَخْوَالِهِ ، وَخَالَاتِهِ ، وَإِخْوَتِهِ مِنْ أُمِّهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُهُمْ ، لَمْ يُعْطُوا شَيْئًا ؛ لِأَنَّ عَطِيَّتَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِلَتِهِ لَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ يُجَاوِزُ بِهَا أَرْبَعَةَ آبَاءٍ .
ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى ، فِي " الْإِرْشَادِ " .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، فَعَلَى هَذَا يُعْطَى كُلُّ مَنْ يُعْرَفُ بِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُمْ قَرَابَةٌ ، فَيَتَنَاوَلُهُمْ الِاسْمُ ، وَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِهِ .
وَإِعْطَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ قَرَابَتِهِ ، تَخْصِيصٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : قَرَابَتُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، فَيُعْطَى مَنْ أَدْنَاهُمْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا ، فَإِذَا كَانَ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ ، فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ ، فَلِعَمِّهِ النِّصْفُ وَلِخَالَيْهِ النِّصْفُ .
وَقَالَ قَتَادَةُ : لِلْأَعْمَامِ الثُّلُثَانِ ، وَلِلْأَخْوَالِ الثُّلُثُ .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، قَالَ : وَيُزَادُ الْأَقْرَبُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يُقَسَّمُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَهُ عُرْفٌ فِي الشَّرْعِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْعُرْفِ اللُّغَوِيِّ ، كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، فَإِنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ يَقَعُ عَلَى غَيْرِهِمْ عُرْفًا وَشَرْعًا ، وَقَدْ تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ رَبِيبَتُهُ ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِهِ ، وَحَلَائِلُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ، وَلَا قَرَابَةَ لَهُمْ ، وَتَحِلُّ لَهُ ابْنَةُ عَمِّهِ ، وَعَمَّتِهِ ، وَابْنَةُ خَالِهِ وَخَالَتِهِ ، وَهُنَّ مِنْ
أَقَارِبِهِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّفْصِيلِ لَا يَقْتَضِيه اللَّفْظُ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ، فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ تَحَكُّمٌ ، فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ قَرَابَةِ أُمِّهِ ، كَقَوْلِهِ : وَتُفَضَّلُ قَرَابَتِي مِنْ جِهَةِ أَبِي عَلَى قَرَابَتِي مِنْ جِهَةِ أُمِّيِّ .
أَوْ قَوْلُهُ : إلَّا ابْنَ خَالَتِي فُلَانًا .
أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، أَوْ قَرِينَةٌ تُخْرِجُ بَعْضَهُمْ ، عُمِلَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ إلَى غَيْرِهِ .
( 4749 ) فَصْلٌ : فَإِنْ وَصَّى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِهِ ، أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، أَوْ أَقْرَبِهِمْ بِهِ رَحِمًا ، لَمْ يُدْفَعْ إلَى الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَدْلَى بِهِ مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ ، وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَدْلَى بِهِ .
وَيَسْتَوِي الْأَبُ وَالِابْنُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّمَ الِابْنُ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْأَبِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ تَعْصِيبِهِ لَا يَمْنَعُ مُسَاوَاتَهُ فِي الْقُرْبِ ، وَلَا كَوْنَهُ أَقْرَبَ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُسْقِطُ تَعْصِيبَهُ مَعَ بُعْدِهِ ، وَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ ، وَالْأَبُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يُقَدَّمُ ابْنُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ تَعْصِيبَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْأَبَ يُدْلِي بِنَفْسِهِ ، وَيَلِي ابْنَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجِزٍ ، وَلَا يَسْقُطُ مِيرَاثُهُ بِحَالٍ ، بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ .
وَالْأَبُ وَالْأُمُّ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ الِابْنُ ، وَالْبِنْتُ ، وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ ، وَأَبُو الْأُمِّ ، وَأُمُّ الْأَبِ ، وَأُمُّ الْأُمِّ ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْأَوْلَادِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَإِنْ سَفَلُوا ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ ، وَفِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَجْهَانِ ، بِنَاءً عَلَى دُخُولِهِمْ فِي الْوَقْفِ ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْوَلَدِ الْأَجْدَادُ ، الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ ؛ لِأَنَّهُمْ الْعَمُودُ الثَّانِي ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ ؛ لِأَنَّهُمْ وَلَدُ الْأَبِ ، أَوْ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ، ثُمَّ وَلَدُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ، وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْأَخَوَاتِ ، إذَا قُلْنَا : لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ .
وَإِذَا تَسَاوَتْ دَرَجَتُهُمْ فَأُولَاهُمْ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ ، وَيُسَوَّى بَيْنَ وَلَدِ الْأَبِ وَوَلَدِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ وَلَدَاهُمَا .
وَالْأَخُ
لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ، كَمَا فِي الْمِيرَاثِ ، ثُمَّ بَعْدَهُمْ الْأَعْمَامُ ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا .
وَيَسْتَوِي الْعَمُّ مِنْ الْأَبِ وَالْعَمُّ مِنْ الْأُمِّ ، وَكَذَلِكَ أَبْنَاؤُهُمَا ، ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَرَى دُخُولَ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ إنَّمَا يُخَرَّجُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ ، الَّتِي تَجْعَلُ الْقَرَابَةَ فِيهَا كُلَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الْقَرَابَةِ ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ ، وَأَنَّ الْقَرَابَةَ اسْمٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْآبَاءِ ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنُو الْأُمِّ ، وَلَا أَقَارِبُهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَرَابَةِ ، لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ الْقَرَابَةِ ، فَعَلَى هَذَا تَتَنَاوَلُ الْوَصِيَّةُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُوصِي ، وَأَوْلَادِ آبَائِهِ ، إلَى أَرْبَعَةِ آبَاءٍ ، وَلَا يَعْدُوهُمْ ذَلِكَ .
وَإِنْ وَصَّى لِجَمَاعَةِ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ ، أُعْطِيَ لِثَلَاثَةِ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ .
وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَالْإِخْوَةِ ، فَالْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِهِمْ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ ، وَالِاسْمُ يَشْمَلُهُمْ .
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ثَلَاثَةٌ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ ، كُمِّلَتْ مِنْ الثَّانِيَةِ .
وَإِنْ كَانَتْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ جَمَاعَةٌ ، سُوِّيَ بَيْنَهُمْ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى .
وَإِنْ لَمْ يُكَمِّلْ مِنْ الثَّانِيَةِ ، فَمِنْ الثَّالِثَةِ ، فَإِذَا وُجِدَ ابْنٌ وَأَخٌ وَعَمٌّ ، فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ ابْنٌ وَأَخَوَانِ ، وَإِنْ كَانَ ابْنٌ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ ، دَخَلَ جَمِيعُهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلِابْنِ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ وَلَهُمْ ثُلُثَاهَا .
فَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَارِثًا ، سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ إنْ لَمْ يُجَزْ لَهُ ، وَالْبَاقِي
لِلْإِخْوَةِ .
وَإِنْ وَصَّى لِعُصْبَتِهِ ، فَهُوَ لِمَنْ يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ فِي الْجُمْلَةِ ، سَوَاءٌ كَانُوا مِمَّنْ يَرِثُ فِي الْحَالِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَيُسَوَّى بَيْنَ قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ ؛ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُمْ .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ بِحَالٍ .
( 4750 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ قَالَ : لِأَهْلِ بَيْتِي .
أُعْطِيَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ) يَعْنِي تُعْطَى أُمُّهُ وَأَقَارِبُهَا ، الْأَخْوَالُ ، وَالْخَالَاتُ ، وَآبَاءُ أُمِّهِ ، وَأَوْلَادُهُمْ ، وَكُلُّ مَنْ يُعْرَفُ بِقَرَابَتِهِ .
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ ، التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظِ الْقَرَابَةِ ، فَإِنَّهُ قَالَ ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ : إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ ، هُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ لِقَرَابَتِي .
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَحْمَدَ : وَقَالَ أَحْمَدُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِي وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِي } .
فَجَعَلَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ عِوَضًا عَنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ .
وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي } .
قَالَ قُلْنَا : مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ ، نِسَاؤُهُ ؟ قَالَ : لَا ، أَصْلُهُ وَعَشِيرَتُهُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ ؛ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ الْعَبَّاسِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : قَالَ ثَعْلَبٌ : أَهْلُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْعَرَبِ آبَاءُ الرَّجُلِ وَأَوْلَادُهُمْ ، كَالْأَجْدَادِ وَالْأَعْمَامِ وَأَوْلَادِهِمْ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ ، وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ .
وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ، فَإِنَّ وَلَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ ، وَأُعْطُوا مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى ، وَهُمْ مِنْ أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ مِنْ أَقَارِبِهِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ وَوَلَدَيْهَا وَزَوْجِهَا : { اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي ، فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ
الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا ؟ } وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِ رَجُلٍ ، أَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ ، دَخَلَ فِيهِ وَلَدُهُ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته .
وَالْخِرَقِيُّ قَدْ عَدَّهُمْ فِي الْقَرَابَةِ بِقَوْلِهِ : " لَا يُجَاوِزُ بِهَا أَرْبَعَةَ آبَاءٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى " .
فَجَعَلَ هَاشِمًا الْأَبَ الرَّابِعَ ، وَلَا يَكُونُ رَابِعًا إلَّا أَنْ يَعُدَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبًا ؛ لِأَنَّ هَاشِمًا إنَّمَا هُوَ رَابِعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( 4751 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِآلِهِ ، فَهُوَ مِثْلُ قَرَابَتِهِ ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : أَصْلُهُ ، وَعَشِيرَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ ؛ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ الْعَبَّاسِ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ عَقِيلٍ .
، وَالْأَصْلُ فِي آلِ أَهْلٌ ، فَقُلِبَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ، كَمَا قَالُوا : هَرَقْت الْمَاءَ وَأَرَقْته .
وَمُدَّتْ لِئَلَّا تَجْتَمِعَ هَمْزَتَانِ .
وَإِنْ وَصَّى لِعِتْرَتِهِ ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ فِي عُرْفِ النَّاسِ عَشِيرَتُهُ الْأَدْنَوْنَ ، وَوَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَإِنْ سَفَلُوا فَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِمْ ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : نَحْنُ عِتْرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ .
وَقَالَ ثَعْلَبٌ ، وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : الْعِتْرَةُ الْأَوْلَادُ ، وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ .
.
وَلَمْ يُدْخِلَا فِي ذَلِكَ الْعَشِيرَةَ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ فِي عُرْفِ النَّاسِ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَحْفِلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ ، وَهُمْ أَهْل اللِّسَانِ ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ .
وَإِنْ وَصَّى لِقَوْمِهِ ، أَوْ لِنُسَبَائِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا بِمَثَابَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إذَا قَالَ : لِرَحِمِي ، أَوْ لِأَرْحَامِي ، أَوْ لِأَنْسَابِي ، أَوْ لِمُنَاسِبِي .
صُرِفَ إلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَيَتَعَدَّى وَلَدَ الْأَبِ الْخَامِسِ .
فَعَلَى هَذَا يُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَنْ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ بِالرَّحِمِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ .
وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي الْمُنَاسِبِينَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْعَشِيرَةِ الَّتِي يَنْتَسِبَانِ إلَيْهَا ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يَنْتَسِبُ إلَى قَبِيلَةٍ غَيْرِ قَبِيلَةِ صَاحِبِهِ ، فَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لَهُ .
( 4752 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِمَوَالِيهِ ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقُ ، وَهُمْ مُعْتِقُوهُ ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ ، وَقَدْ تَعَيَّنُوا بِوُجُودِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ فَهِيَ لَهُمْ كَذَلِكَ .
وَإِنْ اجْتَمَعُوا ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ جَمِيعًا ، يَسْتَوُونَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ جَمِيعَهُمْ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : هِيَ لِلْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلُ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ ، كَقَوْلِنَا ، وَقَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَالثَّالِثُ ، هِيَ لِلْمَوَالِي مِنْ فَوْقُ ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَيَرِثُونَهُ ، بِخِلَافِ عُتَقَائِهِ .
وَالرَّابِعُ ، يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحُوا .
وَلَنَا ، أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ حَقِيقَةً وَعُرْفًا ، فَدَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِإِخْوَتِهِ .
وَقَوْلُهُمْ : غَيْرُ مُعَيَّنٍ .
غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنْ مَعَ التَّعْمِيمِ يَحْصُلُ التَّعْيِينُ ، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ : لَا كَلَّمْت مَوَالِي .
حَنِثَ بِكَلَامِ أَيِّهِمْ كَانَ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ أَقْوَى .
قُلْنَا : مَعَ شُمُولِ الِاسْمِ لَهُمْ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَقْوَى وَالْأَضْعَفُ .
كَإِخْوَتِهِ ، وَلَا شَيْءَ لِابْنِ الْعَمِّ ، وَلَا لِلنَّاصِرِ ، وَلَا لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ حَقِيقَةً ، لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ عُرْفًا ، وَالْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ .
وَلَا يَسْتَحِقُّ مَوْلَى ابْنِهِ مَعَ وُجُودِ مَوَالِيهِ .
وَقَالَ زُفَرُ : يَسْتَحِقُّ .
وَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ مَوْلَى ابْنِهِ لَيْسَ بِمَوْلًى لَهُ حَقِيقَةً ، إذَا كَانَ لَهُ مَوْلًى سِوَاهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْلًى ، فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ : يَكُونُ لِمَوَالِي أَبِيهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : لَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمَوْلًى لَهُ .
وَاحْتَجَّ الشَّرِيفُ بِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ مَوَالِيَ أَبِيهِ مَجَازًا ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ ، وَجَبَ صَرْفُ الِاسْمِ إلَى مَجَازِهِ ، وَالْعَمَلُ بِهِ ، تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُ الْمَجَازَ ، لِكَوْنِهِ مَحْمَلًا صَحِيحًا ، وَإِرَادَةُ الصَّحِيحِ أُغْلَبُ مِنْ إرَادَةِ الْفَاسِدِ .
فَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ وَمَوَالِي أَبٍ حِينَ الْوَصِيَّةِ ، ثُمَّ انْقَرَضَ مَوَالِيهِ قَبْلَ الْمَوْتِ ، لَمْ يَكُنْ لِمَوَالِي الْأَبِ شَيْءٌ عَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ لِغَيْرِهِمْ ، فَلَا تَعُودُ إلَيْهِمْ إلَّا بِعَقْدٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلَهُ : أَوْصَيْت لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيَّ .
وَلَهُ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ ، فَمَاتَ الِابْنُ ، حَيْثُ يَسْتَحِقُّ ابْنُ الِابْنِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ مَعَ حَيَاةِ الِابْنِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هَاهُنَا لِمَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وُجِدَتْ فِي ابْنِ الِابْنِ ، كَوُجُودِهَا فِي الِابْنِ حَقِيقَةً ، وَفِي الْمَوْلَى يَقَعُ الِاسْمُ عَلَى مَوْلَى نَفْسِهِ حَقِيقَةً ، وَعَلَى مَوْلَى أَبِيهِ مَجَازًا ، فَمَعَ وُجُودِهِمْ جَمِيعًا ، لَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ إلَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُوجَدُ فِي مَوْلَى أَبِيهِ .
قَالَ الشَّرِيفُ : وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْمَوَالِي مُدَبَّرُهُ ، وَأُمُّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهُمْ حِينَئِذٍ مَوَالٍ فِي الْحَقِيقَةِ .
( 4753 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ ، فَهُمْ أَهْلُ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْجَارُ الْمُلَاصِقُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ } .
يَعْنِي الشُّفْعَةَ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُلَاصِقِ ، وَلِأَنَّ الْجَارَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ .
وَقَالَ قَتَادَةُ : الْجَارُ الدَّارُ وَالدَّارَانِ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } .
قَالَ : مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَعْدَةَ : مَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْجِيرَانُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ إنْ جَمَعَهُمْ مَسْجِدٌ ، فَإِنْ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِي مَسْجِدَيْنِ صَغِيرَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ ، فَالْجَمِيعُ جِيرَانٌ ، وَإِنْ كَانَا عَظِيمَيْنِ ، فَكُلُّ أَهْلِ مَسْجِدٍ جِيرَانٌ ، وَأَمَّا الْأَمْصَارُ الَّتِي فِيهَا الْقَبَائِلُ ، فَالْجِوَارُ عَلَى الْأَفْخَاذِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا ، هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا } .
وَهَذَا نَصٌّ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إنْ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُت الْخَبَرُ ، فَالْجَارُ هُوَ الْمُقَارِبُ ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ .
( 4754 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ دَرْبِهِ أَوْ سِكَّتِهِ ، فَهُمْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ طَرِيقُهُمْ فِي دَرْبِهِ .
( 4755 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَصَّى لِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ ، فَهُمْ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ صِنْفٍ ثُمُنُ الْوَصِيَّةِ ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِثَمَانِ قَبَائِلَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ ، حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ ، أَنَّ آيَةَ الزَّكَاةِ أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ مَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، وَالْوَصِيَّةُ أُرِيدَ بِهَا بَيَانُ مَنْ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ .
وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ .
وَحُكِيَ هَذَا عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ .
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً ثَانِيَةً عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
وَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَّا إلَى الْمُسْتَحِقِّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ .
وَإِنْ وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ وَحْدَهُمْ ، دَخَلَ فِيهِ الْمَسَاكِينُ .
وَإِنْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ دَخَلَ فِيهِ الْفُقَرَاءُ ؛ لِأَنَّهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةِ ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا .
وَيُسْتَحَبُّ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ ، وَالدَّفْعُ إلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَالْبِدَايَةُ بِأَقَارِبِ الْمُوصِي ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الزَّكَاةِ .
( 4756 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ ، فَلِزَيْدٍ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمُحَمَّدٌ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ : لِزَيْدٍ ثُلُثُهُ ، وَلِلْمَسَاكِينِ ثُلُثَاهُ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ ، إنْ عَمَّهُمْ أَعْطَاهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ قَسَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ جَعَلَهُ كَأَحَدِهِمْ .
وَحَكَى أَصْحَابُهُ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ .
أَحَدُهُمَا كَمَذْهَبِنَا .
وَالثَّانِي لَهُ رُبُعُ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِمْ صَارُوا أَرْبَعَةً .
وَلَنَا ، أَنَّهُ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ لِجِهَتَيْنِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو .
وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لِقُرَيْشٍ وَتَمِيمٍ ، لَمْ يُشْرَكْ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ عَدَدِهِمْ ، وَلَا عَلَى قَدْرِ مِنْ يُعْطَى مِنْهُمْ ، بَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مِسْكِينًا ، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ شَيْءٌ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَإِسْحَاقُ ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُمْ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا ، إذْ الظَّاهِرُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ تَجْوِيزَ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَجْوِيزِ دَفْعِ الْجَمِيعِ إلَيْهِ ، وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ .
فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِقَوْمٍ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُمْ وَحَصْرُهُمْ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : هَذَا لِزَيْدٍ وَإِخْوَتِهِ .
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِبَعْضِهِمْ ، فَتَسَاوَوْا فِيهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : هَذَا لَكُمْ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالَّتِي قَبْلَهَا .
( 4757 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا ، فَأَعْتِقُوهُمْ .
لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إلَى الْمُكَاتَبِينَ ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى بِالشِّرَاءِ ، لَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ .
فَإِنْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَى أَقَلُّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ .
وَإِنْ قَدَرْت عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِثَمَنِ ثَلَاثَةٍ غَالِيَةٍ ، كَانَ أَوْلَى وَأَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا ، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } .
وَلِأَنَّهُ يُفَرِّجُ عَنْ نَفْسٍ زَائِدَةٍ ، فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَدَمِ ذَلِكَ .
وَإِنْ أَمْكَنَ شِرَاءُ ثَلَاثَةٍ رَخِيصَةٍ ، وَحِصَّةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ ، بِثَمَنِ ثَلَاثَةٍ غَالِيَةٍ ، فَالثَّلَاثَةُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ ، قَالَ : { أَغْلَاهَا ثَمَنًا ، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا } .
وَالْقَصْدُ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ ، مِنْ الْوِلَايَةِ ، وَالْجُمُعَةِ ، وَالْحَجِّ ، وَالْجِهَادِ ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ ، الَّتِي تَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِعْتَاقِ جَمِيعِهِ .
وَهَذَا التَّفْضِيلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَالِيَةِ ، إنَّمَا يَكُون مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَصْلَحَةِ ، فَأَمَّا إنْ تَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ بِدِينٍ ، وَعِفَّةٍ ، وَصَلَاحٍ ، وَمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي الْعِتْقِ ، بِأَنْ يَكُونَ مَضْرُورًا بِالرِّقِّ ، وَلَهُ صَلَاحٌ فِي الْعِتْقِ ، وَغَيْرُهُ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي الرِّقِّ ، وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِي الْعِتْقِ ، وَرُبَّمَا تَضَرَّرَ بِهِ ، مِنْ فَوَاتِ نَفَقَتِهِ ، وَكَفَالَتِهِ ، وَمَصَالِحِهِ ، وَعَجْزِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَنْ الْكَسْبِ ، وَخُرُوجِهِ عَنْ الصِّيَانَةِ وَالْحِفْظِ ، فَإِنَّ إعْتَاقَ مَنْ كَثُرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إعْتَاقِهِ أَفْضَلُ وَأَوْلَى ، وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ ، وَلَا يَسُوغُ إعْتَاقُ مَنْ فِي إعْتَاقِهِ مَفْسَدَةٌ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوصِي تَحْصِيلُ
الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ ، وَلَا أَجْرَ فِي إعْتَاقِ هَذَا .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ إلَّا رَقَبَةٌ مُسْلِمَةٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْمُسْلِمَةَ ، وَمُطْلَقُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مُطْلَقِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ مَعِيبَةٍ عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 4758 ) فَصْلٌ : وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ ، يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ؛ جُزْءٌ فِي الْجِهَادِ ، وَجُزْءٌ يَتَصَدَّق بِهِ فِي قَرَابَتِهِ ، وَجُزْءٌ فِي الْحَجِّ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : الْغَزْوُ يُبْدَأُ بِهِ .
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ جُزْءًا فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى .
وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَالتَّحْدِيدِ ، بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي جِهَاتِ الْبِرِّ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْعُمُومِ ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، وَرُبَّمَا كَانَ غَيْرُ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَحْوَجَ مِنْ بَعْضِهَا وَأَحَقَّ ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَكْفِينِ مَيِّتٍ ، وَإِصْلَاحِ طَرِيقٍ ، وَفَكِّ أَسْرٍ ، وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ ، وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ ، أَكْثَرَ مِنْ دُعَائِهَا إلَى حَجِّ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ ، فَيُكَلَّفُ وُجُوبَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبًا وَتَعَبًا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَرَاحَهُ مِنْهُ ، مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ ، فَتَقْدِيمُ هَذَا عَلَى مَا مَصْلَحَتُهُ ظَاهِرَةٌ ، وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ دَاعِيَةٌ ، بِغَيْرِ دَلِيلٍ ، تَحَكُّمٌ لَا مَعْنَى لَهُ .
وَإِذَا قَالَ : ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ يُرِيكَ اللَّهُ .
فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَات الْقُرَبِ ، رَأَى وَضْعَهُ فِيهَا ، عَمَلًا بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، وَالْأَفْضَلُ صَرْفُهُ إلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِلَى مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى جِيرَانِهِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : يَجِبُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى اجْتِهَادِهِ فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ ، وَهَذَا أَحَظُّ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ قَدْ يَرَى غَيْرَ هَذَا أَهَمَّ مِنْهُ وَأَصْلَحَ ، فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالتَّحَكُّمِ .
وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد ، عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي الْمَسَاكِينِ ، وَلَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ لَمْ
يُوصِ لَهُمْ بِشَيْءٍ ، وَلَمْ يَرِثُوا ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ .
قَالَ : وَسُئِلَ عَنْ النَّصْرَانِيِّ يُوصِي بِثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، أَيُعْطَى إخْوَتُهُ وَهُمْ فُقَرَاءُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُمْ أَحَقُّ ، يُعْطَوْنَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَا يُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ .
يَعْنِي لَا يُزَادُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى .
( 4759 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِخَمْسِمِائَةٍ .
فَمَا فَضَلَ رُدَّ فِي الْحَجِّ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ ، وَجَبَ صَرْفُ جَمِيعِ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهِ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ ، فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَصْرِفَ إلَى مَنْ يَحُجُّ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِوَضَ الْمِثْلِ ، كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ .
ثُمَّ لَا يَخْلُو ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَيُصْرَفَ فِيهَا .
أَوْ نَاقِصًا عَنْهَا ، فَيُحَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ، فِي ظَاهِرِ مَنْصُوصِ أَحْمَدَ ، فَإِنَّهُ قَالَ ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ، فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ ، وَلَا تَبْلُغُ النَّفَقَةُ ، فَقَالَ : يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ النَّفَقَةُ لِلرَّاكِبِ مِنْ أَهْلِ مَدِينَتِهِ .
وَهَذَا قَوْلُ الْعَنْبَرِيِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُعَنْ بِهِ فِي الْحَجِّ .
وَهُوَ قَوْلُ سَوَّارٍ الْقَاضِي ، حَكَاهُ عَنْهُ الْعَنْبَرِيُّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ .
قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ، فِي امْرَأَةٍ أَوْصَتْ بِحَجٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا : أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ ثُلُثُ مَالِهَا ، فَيُعَانَ بِهِ فِي الْحَجِّ ، أَوْ يُحَجُّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ .
الْحَالُ الثَّالِثُ ، أَنْ يَفْضُلَ عَنْ الْحَجَّةِ ، فَيُدْفَعَ فِي حِجَّةٍ ثَانِيَةٍ ، ثُمَّ فِي ثَالِثَةٍ ، إلَى أَنْ يَنْفَدَ ، أَوْ يَبْقَى مَا لَا يَبْلُغُ حِجَّةً ، فَيُحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ .
وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي الْحَجِّ مَعَ الْإِمْكَانِ إلَّا مِنْ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ ، فَيَنُوبُ عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ حَجَّ الْمَنُوبُ عَنْهُ لَحَجَّ .
مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا ، فَإِنْ
كَانَ فَرْضًا أُخِذَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ الْقَدْرِ الْكَافِي لِحَجِّ الْفَرْضِ ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ ، أُخِذَ ، ثُمَّ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِ ، ثُمَّ يُحَجُّ بِالْبَاقِي تَطَوُّعًا حَتَّى يَنْفُذَ ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَقَلَّ ، تُمِّمَ قَدْرُ مَا يَكْفِي الْحَجَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ : كُلٌّ وَاجِبٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ : إنْ وَصَّى بِالْحَجِّ ، فَمِنْ ثُلُثِهِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ شَيْءٌ .
فَعَلَى قَوْلِهِمْ ، إنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُوصَى بِهِ ، وَإِلَّا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ فَلَا تَلْزَمُ الْوَارِثَ ، كَالصَّلَاةِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ ، أَكُنْت تَقْضِيهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى } .
وَالدَّيْنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَمَا هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ .
وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا ، أُخِذَ الثُّلُثُ لَا غَيْرُ ، إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ، وَيُحَجَّ بِهِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى .
( 4760 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَوْصَى بِحَجٍّ وَاجِبٍ ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ، كَقَضَاءِ دَيْنٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ ، فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ ، وَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِذَلِكَ ، أُخِذَ مَالُهُ كُلُّهُ يُدْفَعُ فِي الْوَاجِبِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ .
الثَّانِي ، أَنْ يُوصِيَ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ مِنْ ثُلُثُ مَالِهِ ، فَيَصِحُّ أَيْضًا ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَصِيَّةٌ غَيْرَ هَذِهِ ، لَمْ تُفِدْ شَيْئًا ، وَيُؤَدَّى مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَبَرُّعٍ لَجِهَةٍ أُخْرَى ، قُدِّمَ الْوَاجِبُ ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَهُوَ لِلتَّبَرُّعِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَتْ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَاجِبِ أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يُزَاحَمُ بِالْوَاجِبِ أَصْحَابُ الْوَصَايَا .
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَ الْوَصَايَا كُلِّهَا ، الْوَاجِبُ وَالتَّبَرُّعُ بِالْحِصَصِ ، فَمَا حُصِلَ لِلْوَاجِبِ أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ ، وَتَعْمَلُ بِالْجَبْرِ ، فَتَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِحِجَّةٍ وَاجِبَةٍ ، كِفَايَتُهَا عَشْرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَوَصَّى بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ عَشْرَةٌ ، وَمَاتَ فَلَمْ يَخْلُفْ إلَّا ثَلَاثِينَ ، فَاعْزِلْ تَتِمَّةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَالِ ، وَهِيَ شَيْءٌ مَجْهُولٌ ، وَخُذْ ثُلُثَ الْبَاقِي عَشْرَةً إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ ، اُضْمُمْ الشَّيْءَ الَّذِي عَزَلْته إلَى مَا حَصَلَ لِلْحِجَّةِ ، فَصَارَ شَيْئًا وَخَمْسَةً إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ عَشْرَةً ، وَخُذْ مِنْ الشَّيْءِ سُدُسَهُ ، فَاجْبُرْ بِهِ بَعْضَ الْخَمْسَةِ ، يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ خُمُسَهُ ، فَالشَّيْءُ إذًا سِتَّةٌ ، وَمَتَى أَخَذْت سِتَّةً مِنْ ثَلَاثِينَ ،
بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ، ثُلُثُهَا ثَمَانِيَةٌ ، لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةٌ ، وَلِلْوَاجِبِ أَرْبَعَةٌ مَعَ السِّتَّةَ ، صَارَ الْجَمِيعُ عَشْرَةً ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا دَيْنٌ خَمْسَةٌ ، عَزَلْت تَتِمَّةَ الْحَجِّ شَيْئًا ، وَتَتِمَّةَ الدَّيْنِ نِصْفَ شَيْءٍ ، بَقِيَ ثُلُثُ الْمَالِ عَشْرَةٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصَايَا ، فَيَحْصُلُ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةٌ إلَّا خُمُسَ شَيْءٍ ، اُضْمُمْ إلَيْهَا تَتِمَّتَهُ ، يَصِيرُ شَيْئًا وَأَرْبَعَةً إلَّا خُمْسَ شَيْءٍ ، يَعْدِلُ عَشْرَةً ، وَبَعْدَ الْجَبْرِ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ شَيْءٍ ، تَعْدِلُ سِتَّةً ، فَرُدَّ عَلَى السِّتَّةِ رُبْعَهَا ، تَصِرْ سَبْعَةً وَنِصْفًا ، يَعْدِلُ شَيْئًا ، فَالشَّيْءُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ ، وَنِصْفُ الشَّيْءِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ وَبَقِيَّةُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ ، ثُلُثُهَا سِتَّةٌ وَرُبْعٌ ، لِلدَّيْنِ خُمُسُهَا وَاحِدٌ وَرُبْعٌ ، إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ تَتِمَّتَهُ ، كَمَّلَ خَمْسَةً ، وَلِلْحَجِّ اثْنَانِ وَنِصْفٌ تَكْمُلُ تَتِمَّتُهُ ، وَلِلصَّدَقَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ .
وَفِي عَمَلِهَا طَرِيقٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بِكَمَالِهِ بَيْنَ الْوَصَايَا بِالْقِسْطِ ، ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ خُذْهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَصَاحِبِ التَّبَرُّعِ بِالْقِسْطِ ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَحْصُلُ لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ ، يَبْقَى لَهُ خَمْسَةٌ ، يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارًا ، وَمِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، حَصَلَ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةٌ ، وَبَقِيَ لَهُ سِتَّةٌ ، وَحَصَلَ لِلدَّيْنِ دِينَارَانِ ، وَبَقِيَ لَهُ ثَلَاثَةٌ ، فَيَأْخُذَانِ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةً ، وَمِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ ثَلَاثَةً فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْحِجَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً ، وَمِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارَيْنِ ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ دِينَارَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَدِينَارًا مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ .
الثَّالِثُ ، أَنْ يُوصِيَ بِالْوَاجِبِ ، وَيُطْلِقَ ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، فَيُبْدَأُ بِإِخْرَاجِهِ قَبْلَ
التَّبَرُّعَاتِ وَالْمِيرَاثِ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَصِيَّةُ تَبَرُّعٍ ، فَلِصَاحِبِهَا ثُلُثُ الْبَاقِي .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْحَجَّ كَانَ وَاجِبًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَلَيْسَ فِي وَصِيَّتِهِ مَا يَقْتَضِي تَغْيِيرَهُ ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ .
وَقَوْلُهُمْ : لَا تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِالثُّلُثِ .
قُلْنَا : فِي التَّبَرُّعِ ، فَأَمَّا فِي الْوَاجِبَاتِ فَلَا تَنْحَصِرُ فِي الثُّلُثِ ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِهِ .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ ، أَنْ يُوصِيَ بِالْوَاجِبِ وَيَقْرِنَ الْوَصِيَّةَ بِالتَّبَرُّعِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : حُجُّوا عَنِّي ، وَأَدُّوا دَيْنِي ، وَتَصَدَّقُوا عَنِّي .
فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَصَحُّهُمَا ، أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِرَانَ فِي اللَّفْظِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاقْتِرَانِ فِي الْحُكْمِ ، وَلَا فِي كَيْفِيَّتِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } .
وَالْأَكْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ ، وَلِأَنَّهُ هَاهُنَا قَدْ عَطَفَ غَيْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، فَكَمَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي الْوُجُوبِ لَا يَلْزَمُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي مَحَلِّ الْإِخْرَاجِ .
وَالثَّانِي ، أَنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا مَخْرَجُهُ مِنْ الثُّلُثِ .
( 4761 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ قَالَ : حِجَّةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ .
فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ حِجَّةً وَاحِدَةً ، وَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ قَدْرِ مَا يُحَجُّ بِهِ ، فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إرْفَاقَهُ بِذَلِكَ ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ ، بِأَنْ قَالَ : حُجُّوا عَنِّي حِجَّةً وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَمَا فَضَلَ مِنْهَا فَهُوَ لِمَنْ يَحُجُّ .
ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِخَمْسِمِائَةٍ .
صُرِفَ ذَلِكَ إلَيْهِ .
وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا ، فَلِلْوَصِيِّ صَرْفُهَا إلَى مَنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاجْتِهَادَ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى وَارِثٍ ، إذَا كَانَ فِيهَا فَضْلٌ إلَّا بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ ، جَازَ ؛ لِأَنَّهَا لَا مُحَابَاةَ فِيهَا ، ثُمَّ يُنْظَرُ ؛ فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ الْمُوصَى بِهِ تَطَوُّعًا ، فَجَمِيعُ الْقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَالزَّائِدُ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَإِنْ لَمْ يَفِ الْمُوصَى بِهِ بِالْحَجِّ الْوَاجِبِ ، أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .
وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا ، فَإِنَّهُ يُحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ، عَلَى مَا مَضَى .