الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن
قدامة المقدسي
صَيْدُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .
( 7711 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُؤْكَلُ مَا صِيدَ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ ، إذَا كَانَ بَهِيمًا ؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ ) الْبَهِيمُ : الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ سِوَاهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : الَّذِي لَيْسَ فِيهِ بَيَاضٌ .
قَالَ ثَعْلَبٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : كُلُّ لَوْنٍ لَمْ يُخَالِطْهُ لَوْنٌ آخَرُ بَهِيمٌ .
قِيلَ لَهُمَا : مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ؟ قَالَا : نَعَمْ .
وَمِمَّنْ كَرِهَ صَيْدَهُ الْحَسَنُ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَإِسْحَاقُ .
قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَعْرِفُ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِيهِ .
يَعْنِي مِنْ السَّلَفِ .
وَأَبَاحَ صَيْدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ كَلْبٌ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ ، وَيَجِبُ قَتْلُهُ ، فَلَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ ، كَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ ، وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ } .
رَوَاهُ سَعِيدٌ ، وَغَيْرُهُ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ ، فِي " صَحِيحِهِ " ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ ، قَالَ : { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا ، فَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ، ذِي النُّكْتَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ } .
فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ، وَمَا وَجَبَ قَتْلُهُ حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ وَتَعْلِيمُهُ ، فَلَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ لِغَيْرِ الْمُعَلَّمِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ شَيْطَانًا ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الشَّيْطَانِ ، وَإِبَاحَةُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ رُخْصَةٌ ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِمُحْرِمِ كَسَائِرِ الرُّخَصِ ، وَالْعُمُومَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُكْتَتَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ ، لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ نَهْيًا ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخَبَرِ .
( 7712 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَفِيهِ رُوحٌ ، فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ ، لَمْ يُؤْكَلْ ) يَعْنِي ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، مَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَأَمَّا مَا كَانَتْ حَيَاتُهُ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ ، فَهَذَا يُبَاحُ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، فَإِنَّ الذَّكَاةَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا تُفِيدُ شَيْئًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهُ مَجُوسِيٌّ ، ثُمَّ أَعَادَ ذَبْحَهُ مُسْلِمٌ .
لَمْ يَحِلَّ ، فَأَمَّا إنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الزَّمَانُ لِذَكَاتِهِ حَتَّى مَاتَ ، حَلَّ أَيْضًا .
قَالَ قَتَادَةُ : يَأْكُلُهُ مَا لَمْ يَتَوَانَ فِي ذَكَاتِهِ ، أَوْ يَتْرُكْهُ عَمْدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذَكِّيَهُ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً ، فَتَعَلَّقَتْ إبَاحَتُهُ بِتَذْكِيَتِهِ ، كَمَا لَوْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ بِوَجْهٍ يُنْسَبُ فِيهِ إلَى التَّفْرِيطِ ، وَلَمْ يَتَّسِعْ لَهَا الزَّمَانُ ، فَكَانَ عَقْرُهُ ذَكَاتَهُ ، كَاَلَّذِي قَتَلَهُ .
وَيُفَارِقُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ ذَكَاتُهُ ، وَفَرَّطَ بِتَرْكِهَا .
وَلَوْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَعِيشُ بِهَا طَوِيلًا ، وَأَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى مَاتَ ، لَمْ يُبَحْ ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ جُرْحٌ يَعِيشُ مَعَهُ أَوْ لَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ .
فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَيِّ .
بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
كَانَتْ جِرَاحَاتُهُ مُوحِيَةً .
فَأَوْصَى .
وَأُجِيزَتْ وَصَايَاهُ وَأَقْوَالُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ .
وَلَا سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَالْعِبَادَاتُ .
وَلِأَنَّهُ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا .
فَأَشْبَهَ غَيْرَ الصَّيْدِ .
( 7713 ) .
مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَهُ مَا يُذَكِّيه بِهِ .
أَشْلَى الصَّائِدُ لَهُ عَلَيْهِ .
حَتَّى يَقْتُلَهُ .
فَيُؤْكَلَ ) يَعْنِي : أَغْرَى الْكَلْبَ بِهِ .
وَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِ .
وَمَعْنَى أَشْلَى فِي الْعَرَبِيَّةِ : دَعَا .
إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ تَسْتَعْمِلُهُ بِمَعْنَى أَغْرَاهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ دَعَاهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ ؛ لِأَنَّ إرْسَالَهُ عَلَى الصَّيْدِ يَتَضَمَّنُ دُعَاءَهُ إلَيْهِ .
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
فَعَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ .
وَإِبْرَاهِيمَ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : إنِّي لَأَقْشَعِرُّ مِنْ هَذَا .
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ .
فَلَمْ يُبَحْ بِقَتْلِ الْجَارِحِ لَهُ .
كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ .
وَكَمَا لَوْ أَخَذَهُ سَلِيمًا .
وَوَجْهُ الْأُولَى .
أَنَّهُ صَيْدٌ قَتَلَهُ الْجَارِحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ ذَكَاتِهِ .
فَأُبِيحَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا .
وَلِأَنَّهَا حَالٌ تَتَعَذَّرُ فِيهَا الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ غَالِبًا .
فَجَازَ أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ .
كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ .
وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي .
أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا يَتْرُكُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَيَحِلَّ ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ تَعَذَّرَتْ تَذْكِيَتُهُ .
فَأُبِيحَ بِمَوْتِهِ مِنْ عَقْرِ الصَّائِدِ لَهُ .
كَاَلَّذِي تَعَذَّرَتْ تَذْكِيَتُهُ لِقِلَّةِ لبته .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُبَاحُ بِغَيْرِ التَّذْكِيَةِ إذَا كَانَ مَعَهُ آلَةُ الذَّكَاةِ .
فَلَمْ يُبَحْ بِغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آلَةٌ .
كَسَائِرِ الْمَقْدُورِ عَلَى تَذْكِيَتِهِ .
وَمَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يُخَافُ مَوْتُهُ إنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْحَيَوَانُ أَوْ يُذَكَّى .
فَإِنْ كَانَ بِهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مَنْزِلَهُ .
فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالذَّكَاةِ .
لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَذْكِيَتِهِ .
( 7714 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ ، فَأَضَافَ مَعَهُ غَيْرَهُ ، لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ الْحَيَاةَ ، فَيُذَكِّيَ ) مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُرْسِلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ ، فَيَجِدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا ، وَيَجِدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ ، وَلَا يَدْرِي هَلْ وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ صَيْدِهِ أَوْ لَا ، وَلَا يَعْلَمُ أَيُّهُمَا قَتَلَهُ ؟ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا جَمِيعًا قَتَلَاهُ ، أَوْ أَنَّ قَاتِلَهُ الْكَلْبُ الْمَجْهُولُ ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ ، إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ حَيًّا فَيُذَكِّيَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا .
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ : { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ ؟ قَالَ : لَا تَأْكُلْ ، فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ } .
وَفِي لَفْظٍ : { فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا آخَرَ ، فَخَشِيت أَنْ يَكُونَ أَخَذَ مَعَهُ ، وَقَدْ قَتَلَهُ ، فَلَا تَأْكُلْهُ ، فَإِنَّك إنَّمَا ذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِك } .
وَفِي لَفْظٍ : " فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَ " .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، .
وَلِأَنَّهُ شَكَّ فِي الِاصْطِيَادِ الْمُبِيحِ ، فَوَجَبَ إبْقَاءُ حُكْمِ التَّحْرِيمِ ، فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ كَلْبَهُ الَّذِي قَتَلَ وَحْدَهُ ، أَوْ أَنَّ الْكَلْبَ الْآخَرَ مِمَّا يُبَاحُ صَيْدُهُ ، أُبِيحَ ؛ بِدَلَالَةِ تَعْلِيلِ تَحْرِيمِهِ : " فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ " .
وَقَوْلِهِ : " فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَ " .
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِي الْمُبِيحِ ، فَلَمْ يَحْرُمْ ، كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ أَرْسَلَ الْكَلْبَيْنِ وَسَمَّى .
وَلَوْ جَهْلَ حَالَ الْكَلْبِ الْمُشَارِكِ لِكَلْبِهِ ، ثُمَّ انْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ مُسَمًّى عَلَيْهِ ، مُجْتَمِعَةٌ فِيهِ الشَّرَائِطُ ، حَلَّ الصَّيْدُ ، وَلَوْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ لِجَهْلِهِ بِمُشَارَكَةِ الْآخَرِ لَهُ ،
أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَلْبٌ مُسَمًّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِهِ ، حَرُمَ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ لَا تَتَغَيَّرُ بِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهَا ، وَلَا الْجَهْلِ بِوُجُودِهَا .
( 7715 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ ، فَأَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ ، فَقَتَلَا صَيْدًا ، لَمْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ حَرَامٌ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ غَلَبَ الْحَظْرُ ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ ، وَالْحِلُّ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرْطٍ ، وَهُوَ تَذْكِيَةُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ ، أَوْ صَيْدُهُ الَّذِي حَصَلَتْ التَّذْكِيَةُ بِهِ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ إنْ رَمَيَاهُ بِسَهْمَيْهِمَا ، فَأَصَابَاهُ ، فَمَاتَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ سَهْمَاهُمَا فِيهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، أَوْ يَقَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ قَدْ عَقَرَهُ عَقْرًا موحيا ، مِثْلَ أَنْ ذَبَحَهُ ، أَوْ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ الْمَذْبُوحِ ، ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ مَذْبُوحٍ ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ الْمُسْلِمَ ، أُبِيحَ ، وَإِنْ كَانَ الْمَجُوسِيَّ ، لَمْ يُبَحْ .
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي موحيا أَيْضًا ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا : الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ حَصَلَتْ بِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ مُوحٍ .
وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ ؛ لِقَوْلِهِ : وَإِذَا ذَبَحَ فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلِ ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، لَمْ تُؤْكَلْ .
وَلِأَنَّ الرُّوحَ خَرَجَتْ بِالْجُرْحَيْنِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَاهُ مَعًا .
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُوحٍ ، وَالثَّانِي مُوحٍ ، فَالْحُكْمُ لِلثَّانِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ .
وَإِنْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ وَالْمَجُوسِيُّ كَلْبًا وَاحِدًا ، فَقَتَلَ صَيْدًا ، لَمْ يُبَحْ لِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَهُ مُسْلِمَانِ وَسَمَّى أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَيْنِ ، أَحَدُهُمَا مُعَلَّمٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ ، فَقَتَلَا صَيْدًا ، لَمْ يَحِلَّ .
وَكَذَلِكَ إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ ، فَاسْتَرْسَلَ مَعَهُ مُعَلَّمٌ آخَرُ بِنَفْسِهِ ، فَقَتَلَا الصَّيْدَ
، لَمْ يَحِلَّ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يَحِلُّ هَاهُنَا .
وَلَنَا ، أَنَّ إرْسَالَ الْكَلْبِ عَلَى الصَّيْدِ شَرْطٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَحَدِهِمَا .
( 7716 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ ، وَأَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ ، فَرَدَّ كَلْبُ الْمَجُوسِيّ الصَّيْدَ إلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ ، فَقَتَلَهُ ، حَلَّ أَكْلُهُ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ عَاوَنَ فِي اصْطِيَادِهِ ، فَأَشْبَهَ إذَا عَقَرَهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ جَارِحَةَ الْمُسْلِمِ انْفَرَدَتْ بِقَتْلِهِ ، فَأُبِيحَ ، كَمَا لَوْ رَمَى الْمَجُوسِيُّ سَهْمَهُ فَرَدَّ الصَّيْدَ ، فَأَصَابَهُ سَهْمُ مُسْلِمٍ ، فَقَتَلَهُ ، أَوْ أَمْسَكَ مَجُوسِيٌّ شَاةً فَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ .
وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا قَالَهُ .
( 7717 ) فَصْلٌ : وَإِذَا صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ مُسْلِمٍ ، لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ .
فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ ، بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ ، فَقَتَلَ ، حَلَّ صَيْدُهُ .
وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَكَمُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ : لَا يُبَاحُ .
وَكَرِهَهُ جَابِرٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } .
وَهَذَا لَمْ يُعَلِّمْهُ .
وَعَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ كَرِهَ الصَّيْدَ بِكَلْبِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ، لِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ آلَةٌ صَادَ بِهَا الْمُسْلِمُ ، فَحَلَّ صَيْدُهُ ، كَالْقَوْسِ وَالسَّهْمِ .
قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ شَفْرَتِهِ .
وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى إبَاحَةِ الصَّيْدِ بِمَا عَلَّمْنَاهُ وَمَا عَلَّمَهُ غَيْرُنَا ، فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ ، فَيَثْبُتُ الْحَكَمُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا أَثَّرَ فِي جَعْلِهِ آلَةً ، وَلَا تُشْرَطُ الْأَهْلِيَّةُ فِي ذَلِكَ ، كَعَمَلِ الْقَوْسِ وَالسَّهْمِ ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَا أُقِيمَ مُقَامَ الذَّكَاةِ ، وَهُوَ إرْسَالُ الْآلَةِ ، مِنْ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ هَاهُنَا .
( 7718 ) فَصْلٌ : إذَا أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابًا ، وَسَمَّوْا ، فَوَجَدُوا الصَّيْدَ قَتِيلًا ، لَا يَدْرُونَ مَنْ قَتَلَهُ ، حَلَّ أَكْلُهُ .
فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي قَاتِلِهِ ، وَكَانَتْ الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُشْتَرِكَةٌ فِي إمْسَاكِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِي الصَّيَّادِينَ أَوْ عَبِيدِهِمْ .
وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مُتَعَلِّقًا بِهِ دُونَ بَاقِيهَا ، فَهُوَ لِمَنْ كَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ ، وَعَلَى مَنْ حَكَمْنَا لَهُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، كَصَاحِبِ الْيَدِ .
وَإِنْ كَانَ قَتِيلًا وَالْكِلَابُ نَاحِيَةً وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحُوا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ ، وَكَانَ لَهُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ .
قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَدَاعَيَا دَابَّةً فِي يَدِ غَيْرِهِمَا .
وَعَلَى الْأَوَّلِ ، إذَا خِيفَ فَسَادُهُ ، قَبْلَ اصْطِلَاحِهِمْ عَلَيْهِ ، بَاعُوهُ ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى ثَمَنِهِ .
مَسْأَلَةٌ قَالَ : ( وَإِذَا سَمَّى ، وَرَمَى صَيْدًا ، فَأَصَابَتْ ، غَيْرَهُ ، جَازَ أَكْلُهُ ) وَجُمْلَة ذَلِكَ الْأَمْرِ ، أَنَّ الصَّيْدَ بِالسِّهَامِ وَكُلِّ مُحَدَّدٍ جَائِزٌ ، بِلَا خِلَافٍ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى : { فَاصْطَادُوا } .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَمَا صِدْت بِقَوْسِك ، وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَكُلْ } .
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ { كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا ، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ، وَأَخَذَ رُمْحَهُ ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْجَارِحِ ، إلَّا التَّعْلِيمَ .
وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ وَالطَّعْنِ إنْ كَانَ بِرُمْحٍ وَالضَّرْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُضْرَبُ ؛ لِأَنَّهُ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ .
وَإِنْ تَقَدَّمَتْ التَّسْمِيَةُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ ، جَازَ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ .
وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَقْصِدَ الصَّيْدَ ، فَلَوْ رَمَى هَدَفًا فَأَصَابَ صَيْدًا ، أَوْ قَصَدَ رَمْيَ إنْسَانٍ أَوْ حَجَرٍ ، أَوْ رَمَى عَبَثًا غَيْرَ قَاصِدٍ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ، لَمْ يَحِلَّ .
وَإِنْ قَصَدَ صَيْدًا ، فَأَصَابَهُ وَغَيْرَهُ ، حَلَّا جَمِيعًا ، وَالْجَارِحُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ السَّهْمِ .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ .
وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ ، فَأَخَذَ آخَرَ فِي طَرِيقِهِ ، حَلَّ ، وَإِنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَيْهِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ ، فَأَخَذَ غَيْرَهُ ، لَمْ يُبَحْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدَهُ ، إلَّا أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى صُيُودٍ كِبَارٍ ، فَتَتَفَرَّقَ عَنْ صِغَارٍ ، فَإِنَّهَا تُبَاحُ إذَا أَخَذَهَا .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك ، وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك } .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْك قَوْسُك } .
وَلِأَنَّهُ أَرْسَلَ آلَةَ الصَّيْدِ عَلَى صَيْدٍ ، فَحَلَّ مَا صَادَهُ ، كَمَا لَوْ أَرْسَلَهَا عَلَى كِبَارٍ فَتَفَرَّقَتْ عَنْ صِغَارٍ فَأَخَذَهَا ، عَلَى مَالِكٍ ، أَوْ كَمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ ، عَلَى الشَّافِعِيِّ .
وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُ الْجَارِحِ اصْطِيَادَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ دُونَ وَاحِدٍ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ ، فَأَمَّا إنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ أَوْ الْجَارِحَ ، وَلَا يَرَى صَيْدًا ، وَلَا يَعْلَمُهُ ، فَصَادَ ، لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا ، لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يَتَحَقَّقُ لِمَا لَا يَعْلَمُهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْكَلْبِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ : يَأْكُلُهُ ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّيْدَ ، فَحَلَّ لَهُ مَا صَادَهُ ، كَمَا لَوْ رَآهُ .
وَلَنَا ، أَنَّ قَصْدَ الصَّيْدِ شَرْطٌ ، وَلَا يَصِحُّ الْقَصْدُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ .
( 7720 ) فَصْلٌ وَإِنْ رَأَى سَوَادًا ، أَوْ سَمِعَ حِسًّا ، فَظَنَّهُ آدَمِيًّا ، أَوْ بَهِيمَةً ، أَوْ حَجَرًا ، فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ ، فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ ، لَمْ يُبَحْ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُبَاحُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُبَاحُ إنْ كَانَ الْمُرْسَلُ سَهْمًا ، وَلَا يُبَاحُ إنْ كَانَ جَارِحًا .
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ ، وَسَمَّى فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَهُ صَيْدًا وَلَنَا ، أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ ، فَلَمْ يُبَحْ ، كَمَا لَوْ رَمَى هَدَفًا فَأَصَابَ صَيْدًا ، وَكَمَا فِي الْجَارِحِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ .
وَإِنْ ظَنَّهُ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا ، لَمْ يُبَحْ ؛ لِذَلِكَ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُبَاحُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُبَاحُ قَتْلُهُ .
وَلَنَا ، مَا تَقَدَّمَ .
فَأَمَّا إنْ ظَنَّهُ صَيْدًا ، حَلَّ ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ الصَّيْدِ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَآهُ .
وَإِنْ شَكَّ هَلْ هُوَ صَيْدٌ أَوْ لَا ؟ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ ، لَمْ يُبَحْ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ تَنْبَنِي عَلَى الْعِلْمِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ .
وَإِنْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا ، فَقَتَلَ صَيْدًا ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يُبَاحُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ تَنْبِي عَلَى الظَّنِّ ، وَقَدْ وُجِدَ ، فَصَحَّ قَصْدُهُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ صَيْدُهُ .
( 7721 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ ( وَإِذَا رَمَى ، فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا سَهْمُهُ فِيهِ وَلَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ حَلَّ أُكُلُهُ ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ ، فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا ، وَمَعَهُ كَلْبُهُ ، حَلَّ .
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، إنْ غَابَ نَهَارًا ، فَلَا بَأْسَ ، وَإِنْ غَابَ لَيْلًا ، لَمْ يَأْكُلْهُ .
وَعَنْ مَالِكٍ كَالرِّوَايَتَيْنِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ غَابَ مُدَّةً طَوِيلَةً ، لَمْ يُبَحْ ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً ، أُبِيحَ ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إنْ غَابَ يَوْمًا ؟ قَالَ : يَوْمٌ كَثِيرٌ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : إذَا رَمَيْت فَأَقْعَصْت ، فَكُلْ ، وَإِنْ رَمَيْت فَوَجَدْت فِيهِ سَهْمَك مِنْ يَوْمِك أَوْ لَيْلَتِك ، فَكُلْ ، وَإِنْ بَاتَ عَنْك لَيْلَةً ، فَلَا تَأْكُلْ ؛ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حَدَثَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَكَرِهَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ أَكْلَ مَا غَابَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : كُلْ مَا أَصْمَيْت ، وَمَا أَنْمَيْت فَلَا تَأْكُلْ .
قَالَ الْحَكَمُ : الْإِصْمَاءُ : الْإِقْعَاصُ .
يَعْنِي أَنَّهُ يَمُوتُ فِي الْحَالِ .
وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَغِيبَ عَنْك .
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ قَالَ الشَّاعِرُ : فَهُوَ لَا تَنْمِي رَمْيَتُهُ مَالَهُ لَا عُدَّ مِنْ نَفَرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُبَاحُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ طَلَبَهُ ، وَإِنْ تَشَاغَلَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ ، لَمْ يُبَحْ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا رَمَيْت الصَّيْدَ ، فَوَجَدْته بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، لَيْسَ بِهِ إلَّا أَثَرُ سَهْمِك ، فَكُلْ ، وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ ، فَلَا تَأْكُلْ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفْتِنِي فِي سَهْمِي .
قَالَ : مَا
رَدَّ عَلَيْك سَهْمُك ، فَكُلْ .
قَالَ : وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي ؟ قَالَ : وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْك ، مَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِك ، أَوْ تَجِدْهُ قَدْ صَلَّ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا رَمَيْت الصَّيْدَ ، فَأَدْرَكْته بَعْدَ ثَلَاثٍ وَسَهْمُك فِيهِ ، فَكُلْهُ ، مَا لَمْ يُنْتِنْ } .
وَلِأَنَّ جَرْحَهُ بِسَهْمِهِ سَبَبُ إبَاحَتِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ يَقِينًا ، وَالْمُعَارِضُ لَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، فَلَا تَزُولُ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَهُ وَسَهْمُهُ فِيهِ ، وَلَمْ يَجِدْ بِهِ أَثَرًا آخَرَ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتْرُكْ طَلَبَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَوْ كَمَا لَوْ غَابَ نَهَارًا ، أَوْ مُدَّةً يَسِيرَةً ، أَوْ كَمَا لَوْ لَمْ يَغِبْ ، إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حِلِّهِ شَرْطَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَجِدَ سَهْمَهُ فِيهِ ، أَوْ أَثَرَهُ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ أَثَرُ سَهْمِهِ ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَهُوَ شَاكٌّ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ ، فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ .
وَالثَّانِي ، أَنْ لَا يَجِدَ بِهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِهِ ، مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِك } وَفِي لَفْظٍ : " وَإِنْ وَجَدْت فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِك ، فَلَا تَأْكُلْهُ ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي ، أَقَتَلْته أَنْتَ أَوْ غَيْرُك " .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ .
وَفِي لَفْظٍ : " إذَا وَجَدْت فِيهِ سَهْمَك ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ سَبُعٌ ، فَكُلْ مِنْهُ " .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَفِي حَدِيثِ عَدِيٍّ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَإِنْ رَمَيْت الصَّيْدَ ، فَوَجَدْته بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، لَيْسَ بِهِ إلَّا أَثَرُ سَهْمِك ، فَكُلْ ، وَإِنْ وَقَعَ الْمَاءَ ، فَلَا تَأْكُلْ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ ، فَلَا تَأْكُلْ " .
وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهِ أَثَرٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ ، فَقَدْ تَحَقَّقَ الْمُعَارِضُ
، فَلَمْ يُبَحْ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا سِوَاهُ ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَثَرُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ ، مِثْلُ أَكْلِ حَيَوَانٍ ضَعِيفٍ ، كَالسِّنَّوْرِ وَالثَّعْلَبِ ، مِنْ حَيَوَانٍ قَوِيٍّ ، فَهُوَ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقْتُلْهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَهَشَّمَ مِنْ وَقْعَتِهِ .
( 7722 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ " ( وَإِذَا رَمَاهُ ، فَوَقَعَ فِي مَاءٍ ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ ، لَمْ يُؤْكَلْ ) يَعْنِي وَقَعَ فِي مَاءٍ يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ ، أَوْ تَرَدَّى تَرَدِّيًا يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ .
وَلَا فَرْقَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ بَيْنَ كَوْنِ الْجِرَاحَةِ مُوحِيَةً أَوْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ .
هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَرَبِيعَةَ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُونَ : إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً ، مِثْلُ أَنْ ذَبَحَهُ أَوْ أَبَانَ حَشْوَتَهُ ، لَمْ يَضُرَّ وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ وَلَا تَرَدِّيه .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَاللَّيْثِ ، وَقَتَادَةَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ بِالذَّبْحِ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا أَصَابَهُ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، قَوْلُهُ : " وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ ، فَلَا تَأْكُلْ " .
وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى خُرُوجِ رُوحِهِ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ غَيْرَ مُوحِيَةٍ ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ غَيْرَ مُوحِيَةٍ .
وَلَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتُلُهُ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ خَارِجًا مِنْ الْمَاءِ ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُهُ الْمَاءُ ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لَا يَقْتُلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ ، فَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ " وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَاءِ وَالتَّرَدِّي إنَّمَا حُرِّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْلِ ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ .
( 7723 ) فَصْلٌ : فَإِنْ رَمَى طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ ، أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ ، أَوْ جَبَلٍ ، فَوَقَعَ إلَى الْأَرْضِ ، فَمَاتَ ، حَلَّ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَحِلُّ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً ، أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ سُقُوطِهِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُتَرَدِّيَةُ } .
وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْحَاظِرُ ، فَغُلِّبَ الْحَظْرُ ، كَمَا لَوْ غَرِقَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ صَيْدٌ سَقَطَ بِالْإِصَابَةِ سُقُوطًا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازِ عَنْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ ، كَمَا لَوْ أَصَابَ الصَّيْدَ فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ .
وَيُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ ، فَإِنَّ الْمَاءَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، وَهُوَ قَاتِلٌ ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ .
( 7724 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا رَمَى صَيْدًا ، فَقَتَلَ جَمَاعَةً ، فَكُلُّهُ حَلَالٌ ) قَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فِيمَا إذَا رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ .
( 7725 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِصَيْدِ اللَّيْلِ .
فَقِيلَ لَهُ : قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى وُكُنَاتِهَا } .
فَقَالَ : هَذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُرِيدُ الْأَمْرَ ، فَيُثِيرُ الطَّيْرَ حَتَّى يَتَفَاءَلَ ، إنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ كَذَا ، وَإِنْ جَاءَ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ كَذَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى وُكُنَاتِهَا } .
وَرُوِيَ لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَطْرُقُوا الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ لَهَا أَمَانٌ } .
فَقَالَ : هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ، يَرْوِيه فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَرَوَاهُ عَنْهُ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، وَلَا أَعْرِفُهُ .
قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ : مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا كَرِهَ صَيْدَ اللَّيْلِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
وَسُئِلَ : هَلْ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ صَيْدُ الْفِرَاخِ الصِّغَارِ ، مِثْلُ الورشان وَغَيْرِهِ ؟ يَعْنِي مِنْ أَوْكَارِهَا .
فَلَمْ يَكْرَهْهُ .
( 7726 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا رَمَى صَيْدًا ، فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا ، لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَبَانَ مِنْهُ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى يَأْكُلُهُ وَمَا أَبَانَ مِنْهُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا رَمَى صَيْدًا ، أَوْ ضَرَبَهُ ، فَبَانَ بَعْضُهُ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ يَقْطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ ، أَوْ يَقْطَعَ رَأْسَهُ ، فَهَذَا جَمِيعُهُ حَلَالٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِطْعَتَانِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ أَوْ مُتَفَاوِتَتَيْنِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ ، أَوْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ أَقَلَّ ، حَلَّتَا ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَقَلَّ ، لَمْ يَحِلَّ ، وَحَلَّ الرَّأْسُ وَمَا مَعَهُ ، لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ } .
وَلَنَا ، أَنَّهُ جُزْءٌ لَا تَبْقَى فِيهِ الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهِ ، فَأُبِيحَ ، كَمَا لَوْ تَسَاوَتْ الْقِطْعَتَانِ .
الْحَالُ الثَّانِي ، أَنْ يَبِينَ مِنْهُ عُضْوٌ ، وَتَبْقَى فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَالْبَائِنُ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ بَقِيَ الْحَيَوَانُ حَيًّا ، أَوْ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَقَتَلَهُ ، إلَّا أَنَّهُ إنْ ذَكَّاهُ حَلَّ بِكُلِّ حَالٍ دُونَ مَا أَبَانَ مِنْهُ .
وَإِنْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ مَذْبَحِهِ فَقَتَلَهُ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَثْبَتَهُ بِالضَّرْبَةِ الْأُولَى حَلَّ ، دُونَ مَا أَبَانَ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ أَثْبَتَهُ ، لَمْ يَحِلَّ شَيْءٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ .
الْحَالُ الثَّالِثُ ، أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا ، وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَهَذِهِ الَّتِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ ؛ أَشْهَرُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ ، إبَاحَتُهُمَا .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا قَطَعْت مِنْ الْحَيِّ مَيْتَةٌ .
إذَا قُطِعَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ ، تَمْشِي وَتَذْهَبُ .
} أَمَّا إذَا كَانَتْ
الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ، إذَا كَانَ فِي عِلَاجِ الْمَوْتِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ ، أَلَا تَرَى الَّذِي يُذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً ، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَعَطَاءٍ ، وَالْحَسَنِ .
وَقَالَ قَتَادَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَعِكْرِمَةُ : إنْ وَقَعَا مَعًا أَكَلَهُمَا ، وَإِنْ مَشَى بَعْدَ قَطْعِ الْعُضْوِ أَكَلَهُ ، وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَا يُبَاحُ مَا بَانَ مِنْهُ .
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ } .
وَلِأَنَّ هَذِهِ الْبَيْنُونَةَ لَا تَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَوَانِ فِي الْعَادَةِ ، فَلَمْ يُبَحْ أَكْلُ الْبَائِنِ ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ الصَّيَّادُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ .
وَالْأُولَى الْمَشْهُورَةُ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِ الْحَيَوَانِ ، كَانَ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ ، كَمَا لَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ ، وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي حَيًّا ، حَتَّى يَكُونَ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ مَيِّتًا ، وَكَذَا نَقُولُ ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ ، حَلَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً .
( 7727 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالطَّرِيدَةِ بَأْسًا ، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ .
وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ .
قَالَ : وَالطَّرِيدَةُ الصَّيْدُ يَقَعُ بَيْنَ الْقَوْمِ ، فَيَقْطَعُ ذَا مِنْهُ بِسَيْفِهِ قِطْعَةً ، وَيَقْطَعُ الْآخَرُ أَيْضًا ، حَتَّى يُؤْتَى عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ .
قَالَ : وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يَقَعُ بَيْنَهُمْ ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ ، فَيَأْخُذُونَهُ قِطَعًا .
( 7728 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكَذَلِكَ إذَا نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ ، فَعَقَرَتْ صَيْدًا ، أَوْ قَتَلَتْهُ ، حَلَّ .
فَإِنْ بَانَ مِنْهُ عُضْوٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَائِنِ بِضَرْبَةِ الصَّائِدِ .
رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يُبَاحُ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكِّهِ أَحَدٌ ، وَإِنَّمَا قَتَلْت الْمَنَاجِلُ بِنَفْسِهَا ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الصَّائِدِ إلَّا السَّبَبُ ، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى مَنْ نَصَبَ سِكِّينًا ، فَذَبَحَتْ شَاةً ، وَلِأَنَّهُ لَوْ رَمَى سَهْمًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا ، فَقَتَلَ صَيْدًا ، لَمْ يَحِلَّ ، فَهَذَا أَوْلَى .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْك يَدُك } .
وَلِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ بِحَدِيدَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِهَا ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِمَا لَهُ حَدٌّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالصَّيْدِ بِهِ ، أَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا ، وَالسَّبَبُ جَرَى مَجْرَى الْمُبَاشَرَةِ فِي الضَّمَانِ ، فَكَذَلِكَ فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ ، وَفَارَقَ مَا إذَا نَصَبَ سِكِّينًا ؛ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالصَّيْدِ بِهَا ، وَإِذَا رَمَى سَهْمًا ، وَلَمْ يَرَ صَيْدًا ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعْتَادٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ صَيْدًا ، فَلَمْ يَصِحَّ قَصْدُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ .
( 7729 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا مَا قَتَلَتْهُ الشَّبَكَةُ أَوْ الْحَبْلُ ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، إلَّا عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ يُبَاحُ مَا قَتَلَهُ الْحَبْلُ إذَا سَمَّى ، فَدَخَلَ فِيهِ وَجَرَحَهُ .
وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ ، يُخَالِفُ عَوَامَّ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِالْبُنْدُقِ .
( 7730 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا صَادَ بِالْمِعْرَاضِ ، أَكَلَ مَا قَتَلَ بِحَدِّهِ ، وَلَا يَأْكُلُ مَا قَتَلَ بِعَرْضِهِ ) الْمِعْرَاضُ : عُودٌ مُحَدَّدٌ ، وَرُبَّمَا جُعِلَ فِي رَأْسِهِ حَدِيدَةٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : الْمِعْرَاضُ يُشْبِهُ السَّهْمَ ، يُحْذَفُ بِهِ الصَّيْدُ بِحَدِّهِ ، فَرُبَّمَا خَرَقَ وَقَتَلَ ، فَيُبَاحُ ، وَرُبَّمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ ، فَقَتَلَ بِثِقَلِهِ ، فَيَكُونُ مَوْقُوذًا ، فَلَا يُبَاحُ .
وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ ، وَعَمَّارٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَالْحَكَمُ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَهْلُ الشَّامِ : يُبَاحُ مَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ وَعَرْضِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا رُمِيَ مِنْ الصَّيْدِ بجلاهق أَوْ مِعْرَاضٍ ، فَهُوَ مِنْ الْمَوْقُوذَةِ .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ ، قَالَ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ ، فَقَالَ : مَا خَرَقَ فَكُلْ ، وَمَا قَتَلَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ ، فَلَا تَأْكُلْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَهَذَا نَصٌّ ، وَلِأَنَّ مَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ بِمَنْزِلَةِ مَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمِهِ ، وَلِأَنَّهُ مُحَدَّدٌ خَرَقَ وَقَتَلَ بِحَدِّهِ ، وَمَا قَتَلَ بِعَرْضِهِ إنَّمَا يَقْتُلُهُ بِثِقَلِهِ .
فَهُوَ مَوْقُوذٌ ، كَاَلَّذِي رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ .
( 7731 ) فَصْلٌ : قَالَ وَحُكْمُ سَائِرِ آلَاتِ الصَّيْدِ حُكْمُ الْمِعْرَاضِ ، فِي أَنَّهَا إذَا قَتَلَتْ بِعَرْضِهَا وَلَمْ تَجْرَحْ ، لَمْ يُبَحْ الصَّيْدُ ، كَالسَّهْمِ يُصِيبُ الطَّائِرَ بِعَرْضِهِ فَيَقْتُلُهُ ، وَالرُّمْحِ وَالْحَرْبَةِ وَالسَّيْفِ يُضْرَبُ بِهِ صَفْحًا فَيَقْتُلُ ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ .
وَهَكَذَا إنْ أَصَابَ بِحَدِّهِ فَلَمْ يَجْرَحْ ، وَقَتَلَ بِثِقَلِهِ ، لَمْ يُبَحْ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا خَرَقَ ، فَكُلْ } .
وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ ، فَإِنَّمَا يَقْتُلُهُ بِثِقَلِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ .
( 7732 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَعَقَرَهُ ، وَرَمَاهُ آخَرُ فَأَثْبَتَهُ ، وَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ ، لَمْ يُؤْكَلْ ، وَكَانَ لِمَنْ أَثْبَتَهُ الْقِيمَةُ مَجْرُوحًا عَلَى قَاتِلِهِ ) أَمَّا الَّذِي عَقَرَهُ وَلَمْ يُثْبِتْهُ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ضَرَبَهُ كَانَ مُبَاحًا لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى امْتِنَاعِهِ ، وَأَمَّا الَّذِي أَثْبَتَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ إمْسَاكِهِ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ الثَّالِثُ فَقَتَلَهُ ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ جُرْحَ الْمُثْبَتِ لَيْسَ بِمُوحٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَسَبَ الْقَتْلَ إلَى الثَّالِثِ ، وَيَضْمَنُهُ مَجْرُوحًا حِينَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُمَا فِيهِ .
فَأَمَّا إبَاحَتُهُ ، فَيُنْظَرُ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَصَابَ مَذْبَحَهُ حَلَّ ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مَحَلَّ الذَّبْحِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَرْشُ ذَبْحِهِ ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَ غَيْرَ مَذْبَحِهِ لَمْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ، فَإِذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ .
( 7733 ) فَصْلٌ : وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ ، ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَأَصَابَهُ ، لَمْ تَخْلُ رَمْيَةُ الْأَوَّلِ مِنْ قِسْمَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ تَكُونَ مُوحِيَةً ، مِثْلُ أَنْ تَنْحَرَهُ ، أَوْ تَذْبَحَهُ ، أَوْ تَقَعَ فِي خَاصِرَتِهِ أَوْ قَلْبِهِ ، فَيُنْظَرَ فِي رَمْيَةِ الثَّانِي ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ ، فَهُوَ حَلَالٌ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي ، إلَّا أَنْ يُنْقِصَهُ بِرَمْيِهِ شَيْئًا ، فَيَضْمَنَ مَا نَقَصَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ مَذْبُوحًا .
وَإِنْ كَانَتْ رَمْيَةُ الثَّانِي مُوحِيَةً ، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : يَحِلُّ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا ، كَقَوْلِهِ فِي مَنْ ذَبَحَ ، فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلِ ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، لَمْ يُؤْكَلْ .
الْقِسْمُ الثَّانِي ، أَنْ يَكُونَ جُرْحُ الْأَوَّلِ غَيْرَ مُوحٍ ، فَيُنْظَرَ فِي رَمْيَةِ الثَّانِي ، فَإِنْ كَانَتْ مُوحِيَةً ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَبَحَتْهُ أَوْ نَحَرَتْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُوحِيَةٍ ، فَلَهَا ثَلَاثُ صُوَرٍ ؛ إحْدَاهَا ، أَنَّهُ ذُكِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَيَحِلُّ .
وَالثَّانِيَةُ ، لَمْ يُذَكَّ حَتَّى مَاتَ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ ؛ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ ، فَحَرُمَ ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جُرْحِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ ، وَعَلَى الثَّانِي ضَمَانُ جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ ، فَكَانَ جَمِيعُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ .
وَالثَّالِثَةُ ، قَدَرَ عَلَى ذَكَاتِهِ فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ ، حَرُمَ لِمَعْنَيَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّهُ تَرَكَ ذَكَاتَهُ مَعَ إمْكَانِهَا .
وَالثَّانِي ، أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ ؛ مُبِيحٍ ، وَمُحَرِّمٍ ، وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ الضَّمَانُ ، وَفِي قَدْرِهِ احْتِمَالَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَضْمَنُ جَمِيعَهُ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا .
قَالَ الْقَاضِي : هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ ؛ لِإِيجَابِهِ الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَتِهِ عَلَى الثَّالِثِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ .
وَلَيْسَتْ هَذِهِ
مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ : ثُمَّ رَمَاهُ الثَّالِثُ فَقَتَلَهُ .
فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّ جُرْحَ الثَّانِي كَانَ مُوحِيًا لَا غَيْرُ .
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي ، أَنْ يَضْمَنَ الثَّانِي بِقِسْطِ جُرْحِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا تَرَكَ الذَّبْحَ مَعَ إمْكَانِهِ ، صَارَ جُرْحُهُ حَاظِرًا أَيْضًا ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ انْفَرَدَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا ، وَذَكَرَ الْقَاضِي ، فِي قِسْمَتِهِ عَلَيْهِمَا ، أَنَّهُ يُقَسِّطُ أَرْشَ جُرْحِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ جِرَاحَتِهِ ، ثُمَّ يُقْسَمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي صَيْدٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، نَقَصَهُ جُرْحُ الْأَوَّلِ دِرْهَمًا ، وَنَقَصَهُ جُرْحُ الثَّانِي دِرْهَمًا ، فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَيَكُونُ عَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ؛ دِرْهَمٌ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَأَرْبَعَةٌ بِالسِّرَايَةِ ، وَتَسْقُطُ حِصَّةُ الْأَوَّلِ وَهِيَ خَمْسَةٌ ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ جُرْحِ الثَّانِي دِرْهَمَيْنِ ، لَزِمَاهُ ، وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ ، ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ ، فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ ، وَتَسْقُطُ حِصَّةُ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ .
وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا عَلَى حَيَوَانٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِمَا ، قُسِمَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ .
وَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ، أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ ، مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ جَنَى عَلَيْهِ وَقِيمَتُهُ دُونَ قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي بَدَلِ النَّفْسِ ، كَمَا يَدْخُلُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْفَرَدَ بِإِتْلَافِ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ ، وَتَسَاوَيَا فِي إتْلَافِ الْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ ، فَتَسَاوَيَا فِي الضَّمَانِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي بَدَلِ النَّفْسِ الَّتِي لَا يَنْقُصُ بَدَلُهَا بِإِتْلَافِ بَعْضِهَا ، وَهُوَ الْآدَمِيُّ ، أَمَّا الْبَهَائِمُ ، فَإِنَّهُ إذَا جَنَى
عَلَيْهَا جِنَايَةً أَرْشُهَا دِرْهَمٌ ، نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهَا ، فَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ ، أَوْجَبْنَا مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ النَّفْسِ ، وَلَمْ يَدْخُلْ الْأَرْشُ فِيهَا .
وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي قِسْمَةِ الضَّمَانِ طُرُقًا سِتَّةً ؛ أَصَحُّهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْأَوَّلَ أَتْلَفَ نِصْفَ نَفْسٍ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ ، فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ ، وَالثَّانِي أَتْلَفَ نِصْفَ نَفْسٍ قِيمَتُهَا تِسْعَةٌ ، فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعَةً وَنِصْفًا ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ ، لِأَنَّهَا عَشَرَةٌ ، فَتُقْسَمُ الْعَشَرَةُ عَلَى تِسْعَةٍ وَنِصْفٍ ، فَيَسْقُطُ عَنْ الْأَوَّلِ مَا يُقَابِلُ أَرْبَعَةً وَنِصْفًا ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ الصَّيْدِ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَاتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ أَثْبَتَهُ ، فَعَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَرْشُ جُرْحِهِ ، وَتُقْسَمُ السِّرَايَةِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُثْبِتُ لَهُ هُوَ الثَّانِيَ ، فَجُرْحُهُ الْأَوَّلُ هَدْرٌ لَا عِبْرَةَ بِهَا ، وَالْحُكْمُ فِي جِرَاحَةَ الْآخَرِينَ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى ، الْأَوَّلُ أَتْلَفَ ثُلُثَ نَفْسٍ قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ ، فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَالثَّانِي أَتْلَفَ ثُلُثَهَا ، وَقِيمَتُهَا تِسْعَةٌ ، فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ ، وَالثَّالِثُ أَتْلَفَ ثُلُثَهَا ، وَقِيمَتُهَا ثَمَانِيَةٌ ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَثُلُثَانِ ، فَمَجْمُوعُ ذَلِكَ تِسْعَةٌ ، تُقْسَمُ عَلَيْهَا الْعَشَرَةُ ، حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يُقَابِلُ مَا أَتْلَفَهُ .
وَإِنْ أَتْلَفُوا شَاةً مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِمْ ضَمِنُوهَا كَذَلِكَ .
فَصْلٌ : فَإِنْ رَمَيَاهُ مَعًا فَقَتَلَاهُ ، كَانَ حَلَالًا ، وَمَلَكَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ ، تَسَاوَى الْجُرْحَانِ أَوْ تَفَاوَتَا ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ كَانَ بِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوحِيًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُوحٍ ، وَلَا يُثْبِتُهُ مِثْلُهُ ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجُرْحِ
الْمُوحِي ، لِأَنَّهُ الَّذِي أَثْبَتَهُ وَقَتَلَهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ كَانَ قَبْلَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْآخَرِ فِيهِ .
وَإِنْ أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ صَاحِبِهِ ، فَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا ، وَلَمْ نَعْلَمْ هَلْ صَارَ بِالْأَوَّلِ مُمْتَنِعًا أَوْ لَا ؟ حَلَّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِنَاعُ ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ أَيْدِيَهُمَا عَلَيْهِ .
فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا أَثْبَتُّهُ ، ثُمَّ قَتَلْته أَنْتَ .
حَرُمَ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَيَتَحَالَفَانِ لِأَخْذِ الضَّمَانِ .
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا ، فَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ ، ثُمَّ قَتَلَهُ ، وَأَنْكَرَ الثَّانِي إثْبَاتَ الْأَوَّلِ لَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْتِنَاعِهِ ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِإِقْرَارِهِ بِتَحْرِيمِهِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي فِي عَدَمِ الِامْتِنَاعِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَإِنْ عُلِمَتْ جِرَاحَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، نَظَرْنَا فِيهَا ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ جِرَاحَةَ الْأَوَّلِ لَا يَبْقَى مَعَهَا امْتِنَاعٌ ، مِثْلُ أَنْ كَسَرَ جَنَاحَ الطَّائِرِ ، أَوْ سَاقَ الظَّبْيِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الِامْتِنَاعَ ، مِثْلُ خَدْشِ الْجِلْدِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي ، وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ مُحْتَمِلٌ .
( 7735 ) فَصْلٌ : وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ ، وَبَقِيَ عَلَى امْتِنَاعِهِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَأَخَذَهُ ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ ، لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا ، فَمَلَكَهُ الثَّانِي بِأَخْذِهِ .
وَلَوْ رَمَى طَائِرًا عَلَى شَجَرَةٍ فِي دَارِ قَوْمٍ ، فَطَرَحَهُ فِي دَارِهِمْ فَأَخَذُوهُ ، فَهُوَ لِلرَّامِي دُونَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِإِزَالَةِ امْتِنَاعِهِ .
( 7736 ) فَصْلٌ : قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِذَا تَعَلَّقَ صَيْدٌ فِي شَرَكِ إنْسَانٍ أَوْ شَبَكَتِهِ ؛ مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَته بِآلَتِهِ ، فَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدٌ ، لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ آلَتَهُ أَثْبَتَتْهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَثْبَتَهُ بِسَهْمِهِ .
فَإِنْ لَمْ تُمْسِكْهُ الشَّبَكَةُ ، بَلْ انْفَلَتَ مِنْهَا فِي الْحَالِ ، أَوْ بَعْدَ حِينٍ ، لَمْ يَمْلِكْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ .
وَإِنْ أَخَذَ الشَّبَكَةَ وَانْفَلَتَ بِهَا ، فَصَادَهُ إنْسَانٌ ، مَلَكَهُ ، وَيَرُدُّ الشَّبَكَةَ عَلَى صَاحِبِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ .
وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ امْتِنَاعَهُ .
وَإِذَا أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ ، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُ ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ شَرَدَتْ فَرَسُهُ ، أَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ .
فَإِنْ اصْطَادَ صَيْدًا ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ عَلَامَةً ، مِثْلُ أَنْ يَجِدَ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةً ، أَوْ فِي أُذُنِهِ قُرْطًا ، لَمْ يَمْلِكْهُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي اصْطَادَهُ مَلَكَهُ ، فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالِانْفِلَاتِ .
وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَ طَائِرًا مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنَّ الَّذِي أَمْسَكَهُ أَوَّلًا مُحْرِمٌ لَمْ يَمْلِكْهُ ، أَوْ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّخْلِيَةِ وَإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ ، كَإِلْقَاءِ الشَّيْءِ التَّافِهِ .
قُلْنَا : أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَادِرٌ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ ظَاهَرَ حَالِ الْمُحْرِمِ أَنَّهُ لَا يَصِيدُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَخِلَافُ الْأَصْلِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مُحْتَمِلٌ ، فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالشَّكِّ .
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ مَالِكَهُ أَرْسَلَهُ اخْتِيَارًا ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ وَالْإِعْتَاقِ ، كَمَا لَوْ أَرْسَلَ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ الْمِلْكُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
الْإِبَاحَةُ ، فَالْإِرْسَالُ يَرُدُّهُ إلَى أَصْلِهِ ، وَيُفَارِقُ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدِهِمَا ، أَنَّ الْأَصْلَ هَاهُنَا الْإِبَاحَةُ ، وَبَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ بِخِلَافِهِ .
الثَّانِي ، أَنَّ الْإِرْسَالَ هَاهُنَا يُفِيدُ ، وَهُوَ رَدُّ الصَّيْدِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ أَيْدِي الْآدَمِيِّينَ وَحَبْسِهِمْ ، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّهُ اشْتَرَى عُصْفُورًا مِنْ صَبِيٍّ فَأَرْسَلَهُ .
وَيَجِبُ إرْسَالُ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا أَحْرَمَ ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ ، بِخِلَافِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، فَإِنَّ إرْسَالَهُ تَضْيِيعٌ لَهُ ، وَرُبَّمَا هَلَكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ .
( 7737 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ ، فَوَثَبَتْ سَمَكَةٌ ، فَسَقَطَتْ فِي حِجْرِهِ ، فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَكَةَ مِنْ الصَّيْدِ الْمُبَاحِ ، يُمْلَكُ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ ، وَهَذِهِ حَصَلَتْ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي حِجْرِهِ ، وَحِجْرُهُ لَهُ ، وَيَدُهُ عَلَيْهِ ، دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا كِيسًا فِي حِجْرِهِ ، كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ صَاحِبِ السَّفِينَةِ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ السَّمَكَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي السَّفِينَةِ ، فَهِيَ لِصَاحِبِهَا .
وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ مِلْكُهُ ، وَيَدُهُ عَلَيْهَا ، فَمَا حَصَلَ مِنْ الْمُبَاحِ فِيهَا ، كَانَ أَحَقَّ بِهِ ، كَحِجْرِهِ .
( 7738 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَتْ السَّمَكَةُ وَثَبَتْ بِسَبَبِ فِعْلِ إنْسَانٍ لِقَصْدِ الصَّيْدِ ، كَالصَّيَّادِ الَّذِي يَجْعَلُ فِي السَّفِينَةِ ضَوْءًا بِاللَّيْلِ ، وَيَدُقُّ بِشَيْءٍ كَالْجَرَسِ لِيَثِبَ السَّمَكُ فِي السَّفِينَةِ ، فَهَذَا لِلصَّائِدِ دُونَ مَنْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّائِدَ أَثْبَتَهَا بِذَلِكَ ، فَصَارَ كَمَنْ رَمَى طَائِرًا فَأَلْقَاهُ فِي دَارِ قَوْمٍ .
وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ بِهَذَا ، بَلْ حَصَلَ اتِّفَاقًا ، كَانَتْ لِمَنْ وَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ .
( 7739 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَا يُصَادُ السَّمَكُ بِشَيْءٍ نَجِسٍ ) وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُتْرَكَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ نَجِسٌ ، كَالْعَذِرَةِ وَالْمَيْتَةِ وَشِبْهِهَا ، لِيَأْكُلَهُ السَّمَكُ ، فَيَصِيدُوهُ بِهِ ، فَكَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ ، وَقَالَ : هُوَ حَرَامٌ ، لَا يُصَادُ بِهِ .
وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ ؛ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنْ أَكْلِ السَّمَكِ النَّجَاسَةُ .
وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا يَتَفَرَّقُ ، كَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ ، وَمَا لَا يَتَفَرَّقُ ، كَالْجُرَذِ وَقِطْعَةٍ مِنْ الْمَيْتَةِ ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الصَّيْدَ بِبَنَاتِ وَرْدَانَ ، وَقَالَ : إنَّ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ .
وَكَرِهَ الصَّيْدَ بِالضَّفَادِعِ ، وَقَالَ : الضُّفْدَعُ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ .
( 7740 ) فَصْلٌ : وَكُرِهَ الصَّيْدُ بِالْخَرَاطِيمِ ، وَكُلِّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ ، فَإِنْ اصْطَادَ ، فَالصَّيْدُ مُبَاحٌ .
وَكَرِهَ الصَّيْدَ بالشباش ، وَهُوَ طَائِرٌ يَخِيطُ عَيْنَهُ أَوْ يُرْبَطُ ، مِنْ أَجْلِ تَعْذِيبِهِ .
وَلَمْ يَرَ بَأْسًا بِالصَّيْدِ بِالشَّبَكَةِ ، وَالشَّرَكِ ، وَشَيْءٍ فِيهِ دبق يَمْنَعُ الطَّيْرَ مِنْ الطَّيَرَانِ ، وَأَنْ يُطْعَمَ شَيْئًا إذَا أَكَلَهُ سَكِرَ وَأَخَذَهُ .
( 7741 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ مُرْتَدٍّ ، وَلَا ذَبِيحَتُهُ ، وَإِنْ تَدَيَّنَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ ) يَعْنِي مَا قَتَلَهُ مِنْ الصَّيْدِ وَلَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ ؛ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ : تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ إذَا ذَهَبَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ كَافِرٌ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ ، فَلَمْ تُبَحْ ذَبِيحَتُهُ ، كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ .
وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابَ الْمُرْتَدِّ .
( 7742 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الصَّيْدِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا ، لَمْ يُؤْكَلْ ، وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ عَامِدًا ، لَمْ تُؤْكَلْ ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا ، أُكِلَتْ ) أَمَّا الصَّيْدُ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ ، وَأَمَّا الذَّبِيحَةُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، أَنَّهَا شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ ، وَتَسْقُطُ بِالسَّهْوِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَإِسْحَاقُ .
وَمِمَّنْ أَبَاحَ مَا نَسِيَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ ، عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَرَبِيعَةُ ، وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي عَمْدٍ وَلَا سَهْوٍ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّيْدِ قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } .
يَعْنِي الْمَيْتَةَ .
وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَلَنَا ، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فَلَا بَأْسَ .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ ، إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ } .
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا .
وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } .
مَحْمُولٌ عَلَى مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } .
وَالْأَكْلُ مِمَّا نُسِيَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِفِسْقٍ .
وَيُفَارِقُ الصَّيْدَ ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهُ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ ، فَاعْتُبِرَتْ التَّسْمِيَةُ تَقْوِيَةً لَهُ ، وَالذَّبِيحَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
( 7743 ) فَصْلٌ : وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبِيحَةِ مُعْتَبَرَةٌ حَالَ الذَّبْحِ ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ، كَمَا تُعْتَبَرُ عَلَى الطَّهَارَةِ .
وَإِنْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ ، لَمْ يَجُزْ ، سَوَاءٌ أَرْسَلَ الْأُولَى أَوْ ذَبَحَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الثَّانِيَةَ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ .
وَإِنْ رَأَى قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ ، فَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ .
ثُمَّ أَخَذَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ ، لَمْ يَحِلَّ .
وَإِنْ جَهِلَ كَوْنَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ ، لَمْ يَجْرِ مَجْرَى النِّسْيَانِ ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يُسْقِطُ الْمُؤَاخَذَةَ ، وَالْجَاهِلُ مُؤَاخَذٌ ، وَلِذَلِكَ يُفْطِرُ الْجَاهِلُ بِالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ دُونَ النَّاسِي .
وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا ، وَسَمَّى ، ثُمَّ أَلْقَى السِّكِّينَ ، وَأَخَذَ أُخْرَى ، أَوْ رَدَّ سَلَامًا ، أَوْ كَلَّمَ إنْسَانًا ، أَوْ اسْتَسْقَى مَاءً ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَذَبَحَ ، حَلَّ ، لِأَنَّهُ سَمَّى عَلَى تِلْكَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِفَصْلٍ يَسِيرٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ .
( 7744 ) فَصْلٌ : وَإِنْ سَمَّى الصَّائِدُ عَلَى صَيْدٍ ، فَأَصَابَ غَيْرَهُ ، حَلَّ .
وَإِنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ ، وَأَخَذَ غَيْرَهُ فَرَمَى بِهِ ، لَمْ يُبَحْ مَا صَادَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ ، اُعْتُبِرَتْ عَلَى الْآلَةِ الَّتِي يَصِيدُ بِهَا ، بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَمَّى عَلَى سِكِّينٍ ، ثُمَّ أَلْقَاهَا وَأَخَذَ غَيْرَهَا .
وَسُقُوطُ اعْتِبَارِ تَعْيِينِ الصَّيْدِ لِمَشَقَّتِهِ ، لَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ تَعْيِينِ الْآلَةِ ، فَلَا يُعْتَبَرُ .
( 7745 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا نَدَّ بَعِيرٌ ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ نَحْوِهِ ، مِمَّا يَسِيلُ بِهِ دَمُهُ ، فَقَتَلَهُ ، أُكِلَ ) وَكَذَلِكَ إنْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَذْكِيَتِهِ ، فَجَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَدَرَ عَلَيْهِ ، فَقَتَلَهُ ، أُكِلَ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ ، فَلَا يُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُعِينُ عَلَى قَتْلِهِ .
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ ، وَالْأَسْوَدُ ، وَالْحَسَنُ ، وَعَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالْحَكَمُ ، وَحَمَّادٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى .
وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ ، وَاللَّيْثِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ .
وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ إذَا تَوَحَّشَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْوَحْشِيِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ ، وَلَا يَصِيرُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ مُبَاحًا إذَا تَوَحَّشَ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ ، قَالَ { : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَدَّ بَعِيرٌ ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ ، فَحَبَسَهُ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا ، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا } .
وَفِي لَفْظٍ { : فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ ، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحَرِبَ ثَوْرٌ فِي بَعْضِ دُورِ الْأَنْصَارِ ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِالسَّيْفِ ، وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَسُئِلَ عَنْهُ عَلِيٌّ فَقَالَ ذَكَاةٌ وَحِيَّةٌ .
فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ .
وَتَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ ، فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ ،
فَبِيعَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا ، فَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ عُشْرَهُ بِدِرْهَمَيْنِ .
وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الذَّكَاةِ بِحَالِ الْحَيَوَانِ وَقْتَ ذَبْحِهِ ، لَا بِأَصْلِهِ ، بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ تَذْكِيَتُهُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ، فَكَذَلِكَ الْأَهْلِيُّ إذَا تَوَحَّشَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِ .
وَبِهَذَا فَارَقَ مَا ذَكَرُوهُ ، فَإِذَا تَرَدَّى فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَذْكِيَتِهِ ، فَهُوَ مَعْجُوزٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ ، فَأَشْبَهَ الْوَحْشِيَّ ، فَأَمَّا إنْ كَانَ رَأْسُ الْمُتَرَدِّي فِي الْمَاءِ ، لَمْ يُبَحْ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُعِينُ عَلَى قَتْلِهِ ، فَيَحْصُلُ قَتْلُهُ بِمُبِيحٍ وَحَاظِرٍ ، فَيَحْرُمُ ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ .
( 7746 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي كُلِّ مَا وَصَفْت سَوَاءٌ ) يَعْنِي فِي الِاصْطِيَادِ وَالذَّبْحِ .
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إبَاحَةِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } .
يَعْنِي ذَبَائِحَهُمْ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ .
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ .
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ إبَاحَةَ صَيْدِهِمْ أَيْضًا .
قَالَ ذَلِكَ عَطَاءٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَرَّمَ صَيْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا مَالِكًا ، أَبَاحَ ذَبَائِحَهُمْ ، وَحَرَّمَ صَيْدَهُمْ .
وَلَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ صَيْدَهُمْ مِنْ طَعَامِهِمْ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ ، حَلَّ صَيْدُهُ ، كَالْمُسْلِمِ .
( 7747 ) فَصْلٌ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ .
وَالصَّحِيحُ إبَاحَتُهُ ؛ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِذَا أُبِيحَتْ ذَبِيحَةُ الْقَاذِفِ وَالزَّانِي وَشَارِبِ الْخَمْرِ ، مَعَ تَحْقِيقِ فِسْقِهِ ، وَذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ كَافِرٌ أَقْلَفُ ، فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى .
فَصْلٌ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ ، فِي إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمْ ، وَتَحْرِيمِ ذَبِيحَةِ مَنْ سِوَاهُ ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى أَهْلِ الْحَرْبِ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهَا ، حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فِي الشَّحْمِ .
قَالَ إِسْحَاقُ : أَجَادَ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ الْعَرَبِيُّ وَغَيْرِهِ ، إلَّا أَنَّ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ اخْتِلَافًا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ .
وَسُئِلَ مَكْحُولٌ عَنْ ذَبَائِحِ الْعَرَبِ .
فَقَالَ : أَمَّا بَهْرَاءُ وَتَنُوخُ وَسُلَيْحٌ ، فَلَا بَأْسَ ، وَأَمَّا بَنُو تَغْلِبَ فَلَا خَيْرَ فِي ذَبَائِحِهِمْ .
وَالصَّحِيحُ إبَاحَةُ ذَبَائِحِ الْجَمِيعِ ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ فِيهِمْ .
( 7749 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْكِتَابِيِّ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، وَالْآخَرُ مِمَّنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ الْأَبُ غَيْرَ كِتَابِيٍّ ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ كِتَابِيًّا فَفِيهِ قَوْلَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، تُبَاحُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَالثَّانِي ، لَا تُبَاحُ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَالْإِبَاحَةَ ، فَغُلِّبَ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ ، وَبَيَانُ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، أَنَّ كَوْنَهُ ابْنَ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ ذَبِيحَتِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِعُمُومِ النَّصِّ ، وَلِأَنَّهُ كِتَابِيٌّ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ ، فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ ابْنَ كِتَابِيَّيْنِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ ابْنَ وَثَنِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ ، فَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَحْرِيمُهُ ، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ حِلُّهُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِدِينِ الذَّابِحِ ، لَا بِدِينِ أَبِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ بِذَلِكَ ، وَلِعُمُومِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ .
( 7750 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا مَا ذَبَحُوهُ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ ، فَنَنْظُرُ فِيهِ ؛ فَإِنْ ذَبَحَهُ لَهُمْ مُسْلِمٌ ، فَهُوَ مُبَاحٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، فِي الْمَجُوسِيِّ يَذْبَحُ لِإِلَهِهِ ، وَيَدْفَعُ الشَّاةَ إلَى الْمُسْلِمِ يَذْبَحُهَا فَيُسَمِّي : يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا .
وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَمَّا يُقَرَّبُ لِآلِهَتِهِمْ ، يَذْبَحُهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَإِنْ ذَبَحَهَا الْكِتَابِيُّ ، وَسَمَّى اللَّهَ وَحْدَهُ ، حَلَّتْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِلِّ وُجِدَ .
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهَا ، أَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا ، لَمْ تَحِلَّ .
قَالَ حَنْبَلٌ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : لَا يُؤْكَلُ .
يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : يَدَعُونَ التَّسْمِيَةَ عَلَى عَمْدٍ ، إنَّمَا يَذْبَحُونَ لِلْمَسِيحِ .
فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ ، فَرُوِيَتْ عَنْ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ فِيمَا ذُبِحَ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ مُطْلَقًا .
وَهُوَ قَوْلُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ؛ لِأَنَّهُ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ إبَاحَتُهُ .
وَسُئِلَ عَنْهُ الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ ، فَقَالَ : كُلُوا ، وَأَطْعِمُونِي .
وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ .
وَأَكَلَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ .
وَرَخَّصَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَمَكْحُولٌ ، وَضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } .
وَهَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ .
قَالَ الْقَاضِي : مَا ذَبَحَهُ الْكِتَابِيُّ لِعِيدِهِ أَوْ نَجْمٍ أَوْ صَنَمٍ أَوْ نَبِيٍّ ، فَسَمَّاهُ عَلَى ذَبِيحَتِهِ ، حَرُمَ ؛ { : وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } .
وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ وَحْدَهُ ، حَلَّ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } .
لَكِنَّهُ يُكْرَهُ ؛ لِقَصْدِهِ بِقَلْبِهِ الذَّبْحَ لِغَيْرِ اللَّهِ
.
مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُؤْكَلُ مَا قُتِلَ بِالْبُنْدُقِ أَوْ الْحَجَرِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوذٌ ) يَعْنِي الْحَجَرَ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ ، فَأَمَّا الْمُحَدَّدُ كَالصَّوَّانِ ، فَهُوَ كَالْمِعْرَاضِ ، إنْ قُتِلَ بِحَدِّهِ أُبِيحَ ، وَإِنْ قُتِلَ بِعَرْضِهِ أَوْ ثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ لَا يُبَاحُ .
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ، فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقِ : تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ .
وَكَرِهَ ذَلِكَ سَالِمٌ ، وَالْقَاسِمُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَرَخَّصَ فِيمَا قُتِلَ بِهَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَمَّارٍ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { : وَالْمَوْقُوذَةُ } وَرَوَى سَعِيدٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقَةِ إلَّا مَا ذَكَّيْت } .
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاضِ : { إذَا أُصِيبَ بِعَرْضِهِ ، فَقَتَلَ ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ } .
وَقَالَ عُمَرُ : لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحْذِفَ الْأَرْنَبَ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ .
ثُمَّ قَالَ : وَلْيُذَكِّ لَكُمْ الْأَسَلُ ؛ الرِّمَاحُ وَالنَّبْلُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَسَوَاءٌ شَدَخَهُ أَوْ لَمْ يَشْدَخْهُ ، حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِبُنْدُقَةٍ فَقَطَعَتْ حُلْقُومَ طَائِرٍ وَمَرِيئَهُ ، أَوْ أَطَارَتْ رَأْسَهُ ، لَمْ يَحِلَّ .
وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِحَجَرٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ .
( 7752 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَذَبِيحَتُهُ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ حُوتٍ فَإِنَّهُ لَا ذَكَاةَ لَهُ ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَجُوسِيِّ وَذَبِيحَتِهِ ، إلَّا مَا لَا ذَكَاةَ لَهُ ، كَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَتِهِ ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا ، وَاللَّيْثَ ، وَأَبَا ثَوْرٍ ، شَذُّوا عَنْ الْجَمَاعَةِ ، وَأَفْرَطُوا ؛ فَأَمَّا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَقَالَا : لَا نَرَى أَنْ يُؤْكَلَ الْجَرَادُ إذَا صَادَهُ الْمَجُوسِيُّ .
وَرَخَّصَا فِي السَّمَكِ وَأَبُو ثَوْرٍ أَبَاحَ صَيْدَهُ وَذَبِيحَتَهُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } .
وَلِأَنَّهُمْ يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ ، فَيُبَاحُ صَيْدُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى .
وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَهَذَا قَوْلٌ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : خَرَقَ أَبُو ثَوْرٍ الْإِجْمَاعَ .
قَالَ أَحْمَدُ : هَاهُنَا قَوْمٌ لَا يَرَوْنَ بِذَبَائِحِ الْمَجُوسِ بَأْسًا ، مَا أَعْجَبَ هَذَا يُعَرِّضُ بِأَبِي ثَوْرٍ .
وَمِمَّنْ رُوِيَتْ عَنْهُ كَرَاهِيَةُ ذَبَائِحِهِمْ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَلِيٌّ ، وَجَابِرٌ ، وَأَبُو بُرْدَةَ ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَعَطَاءٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ .
وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } فَمَفْهُومُهُ تَحْرِيمُ طَعَامِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ ، وَلِأَنَّهُمْ لَا كِتَابَ لَهُمْ ، فَلَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ كَأَهْلِ الْأَوْثَانِ .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ الْأَسَدِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّكُمْ نَزَلْتُمْ بِفَارِسَ مِنْ النَّبَطِ ، فَإِذَا اشْتَرَيْتُمْ لَحْمًا ، فَإِنْ كَانَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَكُلُوا ، وَإِنْ كَانَتْ ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ فَلَا تَأْكُلُوا } .
وَلِأَنَّ كُفْرَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ أَهْلِ كِتَابٍ ، يَقْتَضِي تَحْرِيمَ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ، بِدَلِيلِ ، سَائِرِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَإِنَّمَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةِ ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْكِتَابِ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لِدِمَائِهِمْ ، فَلَمَّا غُلِّبَتْ فِي التَّحْرِيمِ لِدِمَائِهِمْ ، فَيَجِبُ أَنْ يُغَلَّبَ عَدَمُ الْكِتَابِ فِي تَحْرِيمِ الذَّبَائِحِ وَالنِّسَاءِ ، احْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ إجْمَاعٌ ، فَإِنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ ، وَلَا فِي مَنْ بَعْدَهُمْ ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ سَعِيدٍ ، رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا .
وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ مَا صَادُوهُ مِنْ الْحِيتَانِ .
حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْت سَبْعِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ مَنْ لَا يَخْتَلِجُ فِي صُدُورِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ .
وَالْجَرَادُ كَالْحِيتَانِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ لَهُ ، وَلِأَنَّهُ تُبَاحُ مَيْتَتُهُ ، فَلَمْ يَحْرُمْ بِصَيْدِ الْمَجُوسِيِّ ، كَالْحُوتِ .
( 7753 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ سَائِرِ الْكُفَّارِ ، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالزَّنَادِقَةِ وَغَيْرِهِمْ ، حُكْمُ الْمَجُوسِيِّ ، فِي تَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَصَيْدِهِمْ ، إلَّا الْحِيتَانَ وَالْجَرَادَ وَسَائِرَ مَا تُبَاحُ مَيْتَتُهُ ، فَإِنَّ مَا صَادُوهُ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ بِذَلِكَ عَنْ مَوْتِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ ؛ السَّمَكُ ، وَالْجَرَادُ } .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ .
} ( 7754 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : وَطَعَامُ الْمَجُوسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ أَنْ يُؤْكَلَ ، وَإِذَا أُهْدِيَ إلَيْهِ أَنْ يُقْبَلَ ، إنَّمَا تُكْرَهُ ذَبَائِحُهُمْ ،
أَوْ شَيْءٌ فِيهِ دَسَمٌ .
يَعْنِي مِنْ اللَّحْمِ .
وَلَمْ يَرَ بِالسَّمْنِ وَالْخُبْزِ بَأْسًا .
وَسُئِلَ عَمَّا يَصْنَعُ الْمَجُوسُ لِأَمْوَاتِهِمْ ، وَيُزَمْزِمُونَ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا عَشْرًا ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ فِي الْجِيرَانِ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ : كُلْ مَعَ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ زَمْزَمَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَوَامِيخِ الْمَجُوسِ ، وَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ .
وَرَوَى هِشَامٌ ، عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِطَعَامِ الْمَجُوسِ فِي الْمِصْرِ ، وَلَا بِشَوَارِيزِهِمْ ، وَلَا بِكَوَامِيخِهِمْ .
( 7755 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَاتَ مِنْ الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ وَإِنْ طَفَا ) قَوْلُهُ طَفَا : يَعْنِي ارْتَفَعَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السَّمَكَ وَغَيْرَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَاءِ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِيهِ ، إذَا مَاتَتْ فَهِيَ حَلَالٌ ، سَوَاءٌ مَاتَتْ بِسَبَبٍ أَوْ غَيْرِ سَبَبٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ : { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ حَدِيثٍ .
وَأَمَّا مَا مَاتَ بِسَبَبٍ ، مِثْلُ أَنْ صَادَهُ إنْسَانٌ ، أَوْ نَبَذَهُ الْبَحْرُ ، أَوْ جَزَرَ عَنْهُ ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى إبَاحَتِهِ ، وَكَذَلِكَ مَا حُبِسَ فِي الْمَاءِ بِحَظِيرَةٍ حَتَّى يَمُوتَ ، فَلَا خِلَافَ أَيْضًا فِي حِلِّهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : الطَّافِي يُؤْكَلُ ، وَمَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ أَجْوَدُ ، وَالسَّمَكُ الَّذِي نَبَذَهُ الْبَحْرُ لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الطَّافِي ، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
وَمِمَّنْ أَبَاحَ الطَّافِيَ مِنْ السَّمَكِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، وَأَبُو أَيُّوبَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَمِمَّنْ أَبَاحَ مَا وُجِدَ مِنْ الْحِيتَانِ عَطَاءٌ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالنَّخَعِيُّ .
وَكَرِهَ الطَّافِيَ جَابِرٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ جَابِرًا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا أَلْقَى الْبَحْرُ ، أَوْ جَزَرَ عَنْهُ ، فَكُلُوهُ ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا ، فَلَا تَأْكُلُوهُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : طَعَامُهُ مَا مَاتَ فِيهِ .
وَأَيْضًا الْحَدِيثُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الطَّافِي حَلَالٌ .
وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ أُبِيحَ ، فَإِذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ أُبِيحَ ، كَالْجَرَادِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ ، فَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو دَاوُد : رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَأَوْقَفُوهُ عَلَى جَابِرٍ ، وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ .
وَإِنْ صَحَّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى نَهْيِ الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ رَسَبَ فِي أَسْفَلِهِ ، فَإِذَا أَنْتَنَ طَفَا ، فَكَرِهَهُ لِنَتْنِهِ ، لَا لِتَحْرِيمِهِ .
( 7756 ) فَصْلٌ : يُبَاحُ أَكْلُ الْجَرَادِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى : { غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ ، نَأْكُلُ الْجَرَادَ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد .
.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ الْبَرْدُ ، لَمْ يُؤْكَلْ .
وَعَنْهُ ، لَا يُؤْكَلْ إذَا مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ .
وَيَرْوِي أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَلَنَا ، عُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، } فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ " .
وَلَمْ يُفَصِّلْ .
وَلِأَنَّهُ تُبَاحُ مَيْتَتُهُ ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ سَبَبٌ ، كَالسَّمَكِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ افْتَقَرَ إلَى سَبَبٍ ، لَافْتَقَرَ إلَى ذَبْحٍ وَذَابِحٍ وَآلَةٍ ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ .
( 7757 ) فَصْلٌ : وَيُبَاحُ أَكْلُ الْجَرَادِ بِمَا فِيهِ ، وَكَذَلِكَ السَّمَكُ ، يَجُوزُ أَنْ يُقْلَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهُ ، وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي السَّمَكِ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ رَجْعِيَّهُ نَجِسٌ .
وَلَنَا ، عُمُومُ النَّصِّ فِي إبَاحَتِهِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ .
وَإِنْ بَلَعَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْهُ حَيًّا كُرِهَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لَهُ .
( 7758 ) فَصْلٌ : وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ السَّمَكِ يُلْقَى فِي النَّارِ ؟ فَقَالَ : مَا يُعْجِبُنِي .
وَالْجَرَادُ أَسْهَلُ ، فَإِنَّ هَذَا لَهُ دَمٌ .
وَلَمْ يَكْرَهْ أَكْلَ السَّمَكِ إذَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، إنَّمَا كَرِهَ تَعْذِيبَهُ بِالنَّارِ .
وَأَمَّا الْجَرَادُ فَسَهَّلَ فِي إلْقَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ لَهُ ، وَلِأَنَّ السَّمَكَ لَا حَاجَةَ إلَى إلْقَائِهِ فِي النَّارِ ، لِإِمْكَانِ تَرْكِهِ حَتَّى يَمُوتَ بِسُرْعَةٍ ، وَالْجَرَادُ لَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ ، بَلْ يَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً .
وَفِي " مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ " أَنَّ كَعْبًا كَانَ مُحْرِمًا ، فَمَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ ، فَنَسِيَ ، وَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ ، فَأَلْقَاهُمَا فِي النَّارِ ، وَشَوَاهُمَا ، وَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ ، فَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ تَرْكَهُمَا فِي النَّارِ .
وَذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : كَانَ الْجَرَادُ يُقْلَى لَهُ .
فَقَالَ : إنَّمَا يُؤْخَذُ الْجَرَادُ فَتُقْطَعُ أَجْنِحَتُهُ ، ثُمَّ يُلْقَى فِي الزَّيْتِ وَهُوَ حَيٌّ .
( 7759 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْأَنْعَامِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ) قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ ، مِنْ الصَّيْدِ وَالْأَنْعَامِ ، فَأَمَّا الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِالذَّكَاةِ ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَتَفْتَقِرُ الذَّكَاةُ إلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ ؛ ذَابِحٍ ، وَآلَةٍ ، وَمَحَلٍّ ، وَفِعْلٍ ، وَذِكْرٍ .
أَمَّا الذَّابِحُ فَيُعْتَبَرُ لَهُ شَرْطَانِ ؛ دِينُهُ ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا ، وَعَقْلُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَا عَقْلٍ يَعْرِفُ الذَّبْحَ لِيَقْصِدَ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ ، كَالطِّفْلِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ ، وَالْمَجْنُونِ ، وَالسَّكْرَانِ ، لَمْ يَحِلَّ مَا ذَبَحَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ عُنُقَ شَاةٍ .
وَأَمَّا الْآلَةُ ، فَلَهَا شَرْطَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنْ تَكُونَ مُحَدَّدَةً ، تَقْطَعُ أَوْ تَخْرِقُ بِحَدِّهَا ، لَا بِثِقَلِهَا .
وَالثَّانِي ، أَنْ لَا تَكُونَ سِنًّا وَلَا ظُفْرًا .
فَإِذَا اجْتَمَعَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ فِي شَيْءٍ ، حَلَّ الذَّبْحُ بِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا ، أَوْ حَجَرًا ، أَوْ بَلْطَةً ، أَوْ خَشَبًا ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَكُلُوا ، مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا أَوْ ظُفْرًا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : قُلْت : { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْت إنْ أَحَدُنَا أَصَابَ صَيْدًا ، وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ ، أَيَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَشَقَّةِ الْعَصَا ؟ فَقَالَ : اُمْرُرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت ، وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ } .
وَالْمَرْوَةُ : الصَّوَّانُ .
وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ ، { أَنَّهُ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً ، فَأَخَذَهَا الْمَوْتُ ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَنْحَرُهَا بِهِ ، فَأَخَذَ وَتَدًا ، فَوَجَأَهَا بِهِ فِي لَبَّتِهَا حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهَا ، ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَبِهَذَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، إلَّا فِي السِّنِّ وَالظُّفْرِ ، قَالَ : إذَا كَانَا مُتَّصِلَيْنِ ، لَمْ يَجُزْ الذَّبْحُ بِهِمَا ، وَإِنْ كَانَا مُنْفَصِلَيْنِ ، جَازَ .
وَلَنَا ، عُمُومُ حَدِيثِ رَافِعٍ ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ تَجُزْ الذَّكَاةُ بِهِ مُتَّصِلًا ، لَمْ تَجُزْ مُنْفَصِلًا ، كَغَيْرِ الْمُحَدَّدِ .
وَأَمَّا الْعَظْمُ غَيْرُ السِّنِّ ، فَمُقْتَضَى إطْلَاقِ قَوْلِ أَحْمَدَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، إبَاحَةُ الذَّبْحِ بِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : يُذَكَّى بِعَظْمِ الْحِمَارِ ، وَلَا يُذَكَّى بِعَظْمِ الْقِرْدِ ؛ لِأَنَّك تُصَلِّي عَلَى الْحِمَارِ وَتَسْقِيه فِي جَفْنَتِك .
وَعَنْ أَحْمَدَ : لَا يُذَكَّى بِعَظْمِ وَلَا ظُفْرٍ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ : لَا يُذَكَّى بِالْعَظْمِ وَالْقَرْنِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَكُلُوا ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ } .
فَعَلَّلَهُ بِكَوْنِهِ عَظْمًا ، فَكُلُّ عَظْمٍ فَقَدْ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْعَظْمَ دَخَلَ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ الْمُبِيحِ ، ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ السِّنُّ وَالظُّفْرُ خَاصَّةً ، فَيَبْقَى سَائِرُ الْعِظَامِ دَاخِلًا فِيمَا يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهِ ، وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْلِيلِ ، وَلِهَذَا عَلَّلَ الظُّفْرَ بِكَوْنِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ ، وَلَا يَحْرُمُ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ وَإِنْ كَانَتْ مُدْيَةً لَهُمْ ، وَلِأَنَّ الْعِظَامَ يَتَنَاوَلُهَا سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْعَامَّةِ ، وَيَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْآلَاتِ .
وَأَمَّا الْمَحِلُّ فَالْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ وَهِيَ الْوَهْدَةُ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ .
وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحِلِّ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي
حَدِيثٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ } .
قَالَ أَحْمَدُ : الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ .
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ ، وَهُوَ مَا رَوَى سَعِيدٌ ، وَالْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ الْفُرَافِصَةِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَنَادَى أَنَّ النَّحْرَ فِي اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ .
وَإِنَّمَا نَرَى أَنَّ الذَّكَاةَ اخْتَصَّتْ بِهَذَا الْمَحِلِّ ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ ، فَتَنْفَسِخُ بِالذَّبْحِ فِيهِ الدِّمَاءُ السَّيَّالَةُ ، وَيُسْرِعُ زُهُوقَ النَّفْسِ ، فَيَكُونُ أَطْيَبَ لِلَّحْمِ ، وَأَخَفَّ عَلَى الْحَيَوَانِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَوْ كَانَ حَدِيثُ أَبِي الْعُشَرَاءِ حَدِيثًا .
يَعْنِي مَا رَوَى أَبُو الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ سُئِلَ : أَمَّا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَوْ طَعَنْت فِي فَخِذِهَا ، لَأَجْزَأَ عَنْك } .
قَالَ أَحْمَدُ : أَبُو الْعُشَرَاءِ هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ .
وَأَمَّا الذِّكْرُ فَالتَّسْمِيَةُ ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا .
وَأَمَّا الْفِعْلُ فَيُعْتَبَرُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ هَذَا قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو يُوسُفَ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ } .
وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ فَتَقْطَعُ الْجِلْدَ وَلَا تَفْرِي الْأَوْدَاجَ ، ثُمَّ تُتْرَكُ حَتَّى تَمُوتَ .
رَوَاهُ .
أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْتَبَرُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ .
وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَكْمَلَ قَطْعُ الْأَرْبَعَةِ ؛ الْحُلْقُومِ ، وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ ، فَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ ، وَالْمَرِيءُ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَالْوَدَجَانِ ، وَهُمَا عِرْقَانِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ ؛ لِأَنَّهُ
أَسْرَعُ لِخُرُوجِ رُوحِ الْحَيَوَانِ ، فَيَخِفُّ عَلَيْهِ ، وَيَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ ، فَيَكُونُ أَوْلَى .
وَالْأَوَّلُ يُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ فِي مَحِلِّ الذَّبْحِ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَ قَطْعِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الْأَرْبَعَةَ .
( 7760 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ ، الْبَعِيرُ ، وَيُذْبَحَ مَا سِوَاهُ ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِي أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ نَحْرُ الْإِبِلِ ، وَذَبْحُ مَا سِوَاهَا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } .
قَالَ مُجَاهِدٌ : أُمِرْنَا بِالنَّحْرِ ، وَأُمِرَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِالذَّبْحِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ فِي قَوْمٍ مَاشِيَتُهُمْ الْإِبِلُ ، فَسُنَّ النَّحْرُ ، وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ مَاشِيَتُهُمْ الْبَقَرُ ، فَأُمِرُوا بِالذَّبْحِ .
{ وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ بَدَنَةً ، وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمَعْنَى النَّحْرِ ، أَنْ يَضْرِبَهَا بِحَرْبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي الْوَهْدَةِ الَّتِي بَيْنَ أَصْلِ عُنُقِهَا وَصَدْرِهَا .
( 7761 ) فَصْلٌ : وَيُسَنُّ الذَّبْحُ بِسِكِّينٍ حَادٍّ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، قَالَ : { خَصْلَتَانِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } .
وَيُكْرَه أَنْ يَسُنَّ السِّكِّينَ وَالْحَيَوَانُ يُبْصِرُهُ .
وَرَأَى عُمَرُ رَجُلًا قَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى شَاةٍ ، وَهُوَ يَحُدُّ السِّكِّينَ ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أَفْلَتَ الشَّاةَ .
وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ إلَيْهِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ .
وَاسْتَحَبَّ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَعَطَاءٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ سِيرِينَ أَكْلَ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ .
وَقَالَ سَائِرُهُمْ : لَيْسَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَذْبَحُونَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ ذَبَائِحَهُمْ .
( 7762 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : لَا تُؤْكَلُ الْمَصْبُورَةُ ، وَلَا الْمُجَثَّمَةُ .
وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ .
وَالْمُجَثَّمَةُ : هِيَ الطَّائِرُ أَوْ الْأَرْنَبُ يُجْعَلُ غَرَضًا ، ثُمَّ يُرْمَى حَتَّى يُقْتَلَ .
وَالْمَصْبُورَةُ مِثْلُهُ ، إلَّا أَنَّ الْمُجَثَّمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الطَّائِرِ وَالْأَرْنَبِ وَأَشْبَاهِهَا ، وَالْمَصْبُورَةُ كُلُّ حَيَوَانٍ .
وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ .
وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ ، وَقَالَ { : لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا } .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُجَثَّمَةٍ } .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُجَثَّمَةِ وَعَنْ أَكْلِهَا ، وَنَهَى عَنْ الْمَصْبُورَةِ وَعَنْ أَكْلِهَا } وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يُبَحْ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ ، كَالْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ .
( 7763 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ ذَبَحَ مَا يُنْحَرُ ، أَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ فَجَائِزٌ ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد ، أَنَّ الْإِبِلَ لَا تُبَاحُ إلَّا بِالنَّحْرِ ، وَلَا يُبَاحُ غَيْرُهَا إلَّا بِالذَّبْحِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } .
وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَقَالَ تَعَالَى { : فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ الْبُدْنَ ، وَذَبَحَ الْغَنَمَ ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الْأَحْكَامُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْإِبِلِ إلَّا النَّحْرُ ؛ لِأَنَّ أَعْنَاقَهَا طَوِيلَةٌ ، فَإِذَا ذُبِحَ تَعَذَّبَ بِخُرُوجِ رُوحِهِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : إنَّمَا كَرِهَهُ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُمْرُرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت } .
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ : نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ .
وَعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : { نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً } .
وَلِأَنَّهُ ذَكَاةٌ فِي مَحِلِّ الذَّكَاةِ ، فَجَازَ أَكْلُهُ ، كَالْحَيَوَانِ الْآخَرِ .
( 7764 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا ذَبَحَ فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلَ ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، لَمْ تُؤْكَلْ ) .
يَعْنِي إذَا وَطِئَ عَلَيْهَا شَيْءٌ يَقْتُلُهَا مِثْلُهُ غَالِبًا ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ : لَا يَحْرُمُ بِهَذَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا ذُبِحَتْ فَقَدْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُبِينَ رَأْسُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ ، لَمْ تَحْرُمْ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَلَوْ ذُبِحَ إنْسَانٌ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ أَوْ غَرَّقَهُ ، لَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ : { وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ ، فَلَا تَأْكُلْ } .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَنْ رَمَى طَائِرًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ ، فَغَرِقَ فِيهِ ، فَلَا تَأْكُلْهُ .
وَلِأَنَّ الْغَرَقَ سَبَبٌ يَقْتُلُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الذَّبْحِ ، فَقَدْ اجْتَمَعَ مَا يُبِيحُ وَيُحَرِّمُ ، فَيُغَلَّبُ الْحَظْرُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُعِينَ عَلَى خُرُوجِ الرُّوحِ ، فَتَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ بِفِعْلَيْنِ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ رَمَاهُ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فَمَاتَ .
( 7765 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا ، وَهُوَ مُخْطِئٌ ، فَأَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا ، وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ ، أُكِلَتْ ) قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَى الْخَطَأِ أَنْ تَلْتَوِيَ الذَّبِيحَةُ عَلَيْهِ ، فَتَأْتِيَ السِّكِّينُ عَلَى الْقَفَا ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْتِوَائِهَا مَعْجُوزٌ عَنْ ذَبْحِهَا ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَحَلِّ ، كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ ، فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْتِوَائِهَا ، فَلَا تُبَاحُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ فِي الْقَفَا سَبَبٌ لِلزَّهُوقِ ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّبْحِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الذَّبْحِ ، مُنِعَ حِلُّهُ ، كَمَا لَوْ بَقَرَ بَطْنَهَا .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَإِنَّ الْفَضْلَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا ؟ قَالَ : عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ ؟ قُلْت : عَامِدًا .
قَالَ : لَا تُؤْكَلُ ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ عَامِدٍ ، كَأَنْ الْتَوَى عَلَيْهِ ، فَلَا بَأْسَ .
( 7766 ) فَصْلٌ : فَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا اخْتِيَارًا ، فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ .
وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ .
وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَمَالِكٍ ، وَإِسْحَاقَ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : تُسَمَّى هَذِهِ الذَّبِيحَةُ الْقَفِينَةُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ بَقِيَتْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ حَلَّتْ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ إذَا أَتَى عَلَى مَا فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، أَحَلَّهُ ، كَأَكِيلَةِ السَّبُعِ ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ .
وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَهَا بِالسَّيْفِ فَأَطَارَ رَأْسَهَا ، حَلَّتْ بِذَلِكَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَأْسَ بَطَّةٍ أَوْ شَاةٍ بِالسَّيْفِ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الذَّبِيحَةَ ، كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : تِلْكَ ذَكَاةٌ وَحِيَّةٌ .
وَأَفْتَى
بِأَكْلِهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ .
وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِيهَا قَوْلَانِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ قَطْعُ مَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ مَعَ الذَّبْحِ ، فَأُبِيحَ ، كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ .
( 7767 ) فَصْلٌ : فَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا ، فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَتْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَوْ لَا ؟ نَظَرْت ؛ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ بَقَاءَ ذَلِكَ ، لِحِدَّةِ الْآلَةِ ، وَسُرْعَةِ الْقَتْلِ ، فَالْأَوْلَى إبَاحَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا قُطِعَتْ عُنُقَهُ بِضَرْبَةِ السَّيْفِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَالَّةً ، وَأَبْطَأَ قَطْعُهُ ، وَطَالَ تَعْذِيبُهُ ، لَمْ يُبَحْ ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِ مَا يُحِلُّهُ ، فَيَحْرُمُ ، كَمَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ ، فَوَجَدَ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا يَعْرِفُهُ .
( 7768 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَذَكَاتُهَا ذَكَاةُ جَنِينِهَا ، أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ ذَبْحِهَا ، أَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا فِي بَطْنِهَا ، أَوْ كَانَتْ حَرَكَتُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، فَهُوَ حَلَالٌ .
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ .
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا أَشْعَرَ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَاللَّيْثِ ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ ، فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ .
وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاتِهِ ، فَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ غَيْرِهِ ، كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : كَانَ النَّاسُ عَلَى إبَاحَتِهِ ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ مَا قَالُوا ، إلَى أَنْ جَاءَ النُّعْمَانُ ، فَقَالَ : لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ ، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أَحَدَنَا يَنْحَرُ النَّاقَةَ ، وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ ، فَيَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ ، أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيه ؟ قَالَ { كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ } .
وَعَنْ جَابِرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ } .
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ ، يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا ، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ ذَكَاتَهَا ،
كَأَعْضَائِهَا ، وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَيَوَانِ تَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ فِيهِ وَالْقُدْرَةِ ، بِدَلِيلِ الصَّيْدِ الْمُمْتَنِعِ وَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ ، وَالْجَنِينُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى ذَبْحِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَبْحِ أُمِّهِ ، فَيَكُونُ ذَكَاةً لَهُ .
( 7769 ) فَصْلٌ : وَاسْتَحَبَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَذْبَحَهُ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا ؛ لِيَخْرُجَ الدَّمُ الَّذِي فِي جَوْفِهِ ، وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُرِيقُوا مِنْ دَمِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا .
( 7770 ) فَصْلٌ : فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً ، يُمْكِنُ أَنْ يُذَكَّى ، فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ ، فَلَيْسَ بِذَكِيٍّ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنْ خَرَجَ حَيًّا ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى .
( 7771 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُقْطَعُ عُضْوٌ مِمَّا ذُكِّيَ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ ) كَرِهَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا .
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ .
فَإِنْ قُطِعَ عُضْوٌ قَبْلَ زُهُوقَ النَّفْسِ وَبَعْدَ الذَّبْحِ ، فَالظَّاهِرُ إبَاحَتُهُ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً ، فَأَبَانَ رَأْسَهَا ؟ قَالَ : يَأْكُلُهَا .
قِيلَ لَهُ : وَاَلَّذِي بَانَ مِنْهَا أَيْضًا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ : إذَا قَطَعَ الرَّأْسَ .
فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ ذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ حُصُولِ الذَّكَاةِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
( 7772 ) فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ سَلْخُ الْحَيَوَانِ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْحَيَوَانِ ، فَهُوَ كَقَطْعِ الْعُضْوِ .
وَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِي اللَّحْمِ الَّذِي يُرِيدُهُ لِلْبَيْعِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ .
( 7773 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قُطِعَ مِنْ الْحَيَوَانِ شَيْءٌ ، وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَهُوَ مَيْتَةٌ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو وَاقِدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ ، وَهِيَ حَيَّةٌ ، فَهُوَ مَيْتَةٌ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ إبَاحَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ بِالذَّبْحِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِذَبْحٍ .
( 7774 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَذَبِيحَةُ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ ، إذَا سَمَّوْا ، أَوْ نَسُوا التَّسْمِيَةَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ الذَّبْحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، إذَا ذَبَحَ ، حَلَّ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ، بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَلَى إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ .
وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسِلْعٍ ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا ، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كُلُوهَا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ سَبْعٌ ؛ أَحَدُهَا ، إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالثَّانِيَةُ ، إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْأَمَةِ .
وَالثَّالِثَةُ إبَاحَةُ ذَبِيحَةِ الْحَائِضِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ .
وَالرَّابِعَةُ ، إبَاحَةُ الذَّبْحِ بِالْحَجَرِ .
وَالْخَامِسَةُ ، إبَاحَةُ ذَبْحِ مَا خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ .
وَالسَّادِسَةُ ، حِلُّ مَا يَذْبَحُهُ غَيْرُ مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
وَالسَّابِعَةُ ، إبَاحَةُ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ مَالِكِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ .
وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا ، فَإِنْ كَانَ طِفْلًا ، أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ سَكْرَانَ لَا يَعْقِلُ ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الذَّبْحُ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يُعْتَبَرُ الْعَقْلُ .
وَلَهُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ الْمَجْنُونُ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ وَجْهَانِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الذَّكَاةَ يُعْتَبَرُ لَهَا الْقَصْدُ ، فَيُعْتَبَرُ لَهَا الْعَقْلُ ، كَالْعِبَادَةِ ، فَإِنَّ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ ، فَيَصِيرُ ذَبْحُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْحَدِيدَةُ بِنَفْسِهَا عَلَى حَلْقِ شَاةٍ فَذَبَحَتْهَا .
وَقَوْلُهُ : إذَا سَمَّوْا أَوْ نَسُوا التَّسْمِيَةَ .
فَالتَّسْمِيَةُ مُشْتَرَطَةٌ فِي كُلِّ ذَابِحٍ مَعَ
الْعَمْدِ ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا ، فَإِنْ تَرَكَ الْكِتَابِيُّ التَّسْمِيَةَ عَنْ عَمْدٍ ، أَوْ ذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ ، لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ .
وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَحَمَّادٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ عَطَاءٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَمَكْحُولٌ : إذَا ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ بِاسْمِ الْمَسِيحِ حَلَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ لَنَا ذَبِيحَتَهُ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَقُولُ ذَلِكَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { : وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } .
وَقَوْلُهُ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وَالْآيَةُ أُرِيدَ بِهَا مَا ذَبَحُوهُ بِشَرْطِهِ كَالْمُسْلِمِ .
فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَسَمَّى الذَّابِحُ أَمْ لَا ؟ أَوْ ذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ أَمْ لَا ؟ فَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّنَا لَا نَقِفُ عَلَى كُلِّ ذَابِحٍ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ ، يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا ؟ قَالَ : سَمُّوا أَنْتُمْ ، وَكُلُوا } .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
( 7775 ) فَصْلٌ : وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، مِثْلَ كُلِّ ذِي ظُفْرٍ .
قَالَ قَتَادَةُ : هِيَ الْأَيْلُ وَالنَّعَامُ وَالْبَطُّ ، وَمَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ .
أَوْ ذَبَحَ دَابَّةً لَهَا شَحْمٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ إبَاحَتُهُ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ حَكَى عَنْ مَالِكٍ ، فِي الْيَهُودِيِّ يَذْبَحُ الشَّاةَ ، قَالَ : لَا يَأْكُلُ مِنْ شَحْمِهَا .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا مَذْهَبٌ دَقِيقٌ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ صَحِيحًا .
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ ، وَأَبِي الْخَطَّابِ .
وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ ، وَالْقَاضِي ، إلَى تَحْرِيمِهَا .
وَحَكَاهُ التَّمِيمِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَسَوَّارٍ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } .
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ .
وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَهِيمَةِ ، لَمْ يُبَحْ لِذَابِحِهَا ، فَلَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِ ، كَالدَّمِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ { ، قَالَ : دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ مِنْ قَصْرِ خَيْبَرَ ، فَنَزَوْت لِآخُذَهُ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ إلَيَّ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهَا ذَكَاةٌ أَبَاحَتْ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ ، فَأَبَاحَتْ الشَّحْمَ ، كَذَكَاةِ الْمُسْلِمِ .
وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَنَا ؛ فَإِنَّ مَعْنَى طَعَامِهِمْ ذَبَائِحُهُمْ ، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ ، وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِمَا ذَبَحَهُ الْغَاصِبُ .
( 7776 ) فَصْلٌ : وَإِنْ ذَبَحَ شَيْئًا يَزْعُمُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ، فَهُوَ حَلَالٌ ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ .
وَقَوْلُهُ : إنَّهُ حَرَامٌ .
غَيْرُ مَقْبُولٍ .
( 7777 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، أَوْمَأَ إلَى السَّمَاءِ ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَلَى إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ ؛ مِنْهُمْ اللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى السَّمَاءِ ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ تَقُومُ مَقَامَ نُطْقِ النَّاطِقِ ، وَإِشَارَتُهُ إلَى السَّمَاءِ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ تَسْمِيَةَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ .
وَنَحْوِ هَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ .
وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً ، أَفَأُعْتِقُ هَذِهِ ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْنَ اللَّهُ ؟ .
فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : مَنْ أَنَا ؟ .
فَأَشَارَتْ بِإِصْبَعِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى السَّمَاءِ ، أَيْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْتِقْهَا ، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ } .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَالْقَاضِي الْبِرْتِيُّ ، فِي " مُسْنَدَيْهِمَا " .
فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِيمَانِهَا بِإِشَارَتِهَا إلَى السَّمَاءِ ، تُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِيهَا ، فَأَوْلَى أَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ عَلَمًا عَلَى التَّسْمِيَةِ .
وَلَوْ أَنَّهُ أَشَارَ إشَارَةً تَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ ، وَعُلِمَ ذَلِكَ ، كَانَ كَافِيًا .
( 7778 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِنْ كَانَ جُنُبًا ، جَازَ أَنْ يُسَمِّيَ وَيَذْبَحَ ) وَذَلِكَ أَنَّ الْجُنُبَ تَجُوزُ لَهُ التَّسْمِيَةُ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْقُرْآنِ ، لَا مِنْ الذِّكْرِ ، وَلِهَذَا تُشْرَعُ لَهُ التَّسْمِيَةُ عِنْد اغْتِسَالِهِ ، وَلَيْسَتْ الْجَنَابَةُ أَعْظَمَ مِنْ الْكُفْرِ ، وَالْكَافِرُ يُسَمِّي وَيَذْبَحُ ، وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ذَبْحِ الْجُنُبِ الْحَسَنُ ، وَالْحَكَمُ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ .
وَتُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْحَائِضِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْجُنُبِ .
( 7779 ) فَصْلٌ : وَالْمُنْخَنِقَةُ ، وَالْمَوْقُوذَةُ ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ ، وَالنَّطِيحَةُ ، وَأَكِيلَةُ السَّبُعِ ، وَمَا أَصَابَهَا مَرَضٌ فَمَاتَتْ بِهِ ، مُحَرَّمَةٌ ، إلَّا أَنْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } .
وَفِي حَدِيثِ جَارِيَةِ كَعْبٍ { ، أَنَّهَا أُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْ غَنَمِهَا ، فَأَدْرَكَتْهَا ، فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كُلُوهَا } .
فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهَا إلَّا مِثْلُ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، لَمْ تُبَحْ بِالذَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ ، لَمْ يُبَحْ ، وَإِنْ أَدْرَكَهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ ذَبْحُهَا ، حَلَّتْ ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ إلَى حَالٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ مَعَهُ أَوْ تَعِيشُ ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فِي ذِئْبٍ عَدَا عَلَى شَاةٍ ، فَعَقَرَهَا ، فَوَقَعَ قَصَبُهَا بِالْأَرْضِ ، فَأَدْرَكَهَا ، فَذَبَحَهَا بِحَجَرٍ ، قَالَ : يُلْقِي مَا أَصَابَ الْأَرْضَ ، وَيَأْكُلُ سَائِرَهَا .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي بَهِيمَةٍ عَقَرَتْ بَهِيمَةً ، حَتَّى تَبَيَّنَ فِيهَا آثَارُ الْمَوْتِ ، إلَّا أَنَّ فِيهَا الرُّوحَ .
يَعْنِي فَذُبِحَتْ .
فَقَالَ : إذَا مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا ، وَطَرَفَتْ بِعَيْنِهَا ، وَسَالَ الدَّمُ ، فَأَرْجُو إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَكُونَ بِأَكْلِهَا بَأْسٌ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَطَاوُسٍ .
وَقَالَا : تَحَرَّكَتْ .
وَلَمْ يَقُولَا : سَالَ الدَّمُ .
وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ شَاةٍ مَرِيضَةٍ ، خَافُوا عَلَيْهَا الْمَوْتَ ، فَذَبَحُوهَا ، فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا ، أَوْ حَرَّكَتْ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا أَوْ ذَنَبَهَا بِضَعْفٍ ، فَنَهَرَ الدَّمُ ؟ قَالَ : فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : إذَا
انْتَهَتْ إلَى حَدٍّ لَا تَعِيشُ مَعَهُ ، لَمْ تُبَحْ بِالذَّكَاةِ .
وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَقَالَ : إذَا شَقَّ الذِّئْبُ بَطْنَهَا ، فَخَرَجَ قَصَبُهَا ، فَذَبَحَهَا ، لَا تُؤْكَلُ .
وَقَالَ : إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَمُوتُ مِنْ عَقْرِ السَّبُعِ ، فَلَا تُؤْكَلُ وَإِنْ ذَكَّاهَا .
وَقَدْ يَخَافُ عَلَى الشَّاةِ الْمَوْتَ مِنْ الْعِلَّةِ وَالشَّيْءَ يُصِيبُهَا ، فَيُبَادِرُهَا فَيَذْبَحُهَا ، فَيَأْكُلُهَا .
وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ هَذِهِ ، لَا يَدْرِي ، لَعَلَّهَا تَعِيشُ ، وَاَلَّتِي قَدْ خَرَجَتْ أَمْعَاؤُهَا ، يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى بِهِ الْجُرْحُ إلَى حَدٍّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مَعَهُ ، فَوَصَّى ، فَقُبِلَتْ وَصَايَاهُ ، وَوَجَبَتْ الْعِبَادَةُ عَلَيْهِ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ ، وَكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ فِي حَدِيثِ جَارِيَةِ كَعْبٍ ، مَا يَرُدُّ هَذَا ، وَتُحْمَلُ نُصُوصُ أَحْمَدَ ، عَلَى شَاةٍ خَرَجَتْ أَمْعَاؤُهَا ، وَبَانَتْ مِنْهَا ، فَتِلْكَ لَا تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ ، وَلَا تَبْقَى حَرَكَتُهَا إلَّا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، فَأَمَّا مَا خَرَجَتْ أَمْعَاؤُهَا ، وَلَمْ تَبِنْ مِنْهَا ، فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ تُبَاحُ بِالذَّبْحِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْخِرَقِيِّ ، فِي مَنْ شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ ، فَأَخْرَجَ حَشْوَتَهُ ، فَقَطَعَهَا فَأَبَانَهَا ، ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ .
وَلَوْ شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ ، وَضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إذَا كَانَتْ تَعِيشُ مُعْظَمَ الْيَوْمِ ، حَلَّتْ بِالذَّكَاةِ .
وَهَذَا التَّحْدِيدُ بَعِيدٌ ، يُخَالِفُ ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ .
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَارِيَةِ كَعْبٍ : فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَادَرَتْهَا بِالذَّكَاةِ حِينَ خَافَتْ مَوْتَهَا فِي سَاعَتِهَا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَنًا يَكُونُ الْمَوْتُ
بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ ، حَلَّتْ بِالذَّبْحِ ، وَأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ مَوْتُهَا ، كَالْمَرِيضَةِ ، أَنَّهَا مَتَى تَحَرَّكَتْ ، وَسَالَ دَمُهَا ، حَلَّتْ وَاَللَّه أَعْلَمُ .
( 7780 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَالْمُحَرَّمُ مِنْ الْحَيَوَانِ ، مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ ، وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيه طَيِّبًا فَهُوَ حَلَالٌ ، وَمَا كَانَتْ تُسَمِّيه خَبِيثًا ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ : مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ .
قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } .
وَمَا عَدَا هَذَا ، فَمَا اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ ، فَهُوَ حَلَالٌ ؛ لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى { : وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ } .
يَعْنِي يَسْتَطِيبُونَهُ دُونَ الْحَلَالِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى { : يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } .
وَلَوْ أَرَادَ الْحَلَالَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لَهُمْ .
وَمَا اسْتَخْبَثَتْهُ الْعَرَبُ ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } .
وَاَلَّذِينَ تُعْتَبَرُ اسْتِطَابَتُهُمْ وَاسْتِخْبَاثُهُمْ هُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ ، مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابُ ، وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ ، فَرُجِعَ فِي مُطْلَقِ أَلْفَاظِهِمَا إلَى عُرْفِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَهْلُ الْبَوَادِي ؛ لِأَنَّهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَجَاعَةِ يَأْكُلُونَ مَا وَجَدُوا ، وَلِهَذَا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ ؟ فَقَالَ : مَا دَبَّ وَدَرَجَ ، إلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ .
فَقَالَ : لِتَهْنَ أُمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةُ .
وَمَا وُجِدَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ ، مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحِجَازِ ، رُدَّ إلَى أَقْرَبِ مَا يُشْبِهُهُ فِي الْحِجَازِ ، فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا مِنْهَا ، فَهُوَ مُبَاحٌ ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى { : قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } .
الْآيَةَ ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : وَمَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ } .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَمِنْ
الْمُسْتَخْبَثَاتِ الْحَشَرَاتُ ، كَالدِّيدَانِ ، وَالْجُعَلَانِ ، وَبَنَاتِ وَرْدَانَ ، وَالْخَنَافِسِ ، وَالْفَأْرِ ، وَالْأَوْزَاغِ ، وَالْحِرْبَاءِ ، وَالْعَضَاةِ ، وَالْجَرَاذِينَ ، وَالْعَقَارِبِ ، وَالْحَيَّاتِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَرَخَّصَ مَالِكٌ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، فِي هَذَا كُلِّهِ ، إلَّا الْأَوْزَاغَ ، فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ : هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : الْحَيَّةُ حَلَالٌ إذَا ذُكِّيَتْ .
وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْآيَةِ الْمُبِيحَةِ .
وَلَنَا ، قَوْله تَعَالَى { : وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خَمْسٌ فَوَاسِقُ ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ؛ الْعَقْرَبُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْغُرَابُ ، وَالْحِدَأَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } .
وَفِي حَدِيثٍ : " الْحَيَّةُ " مَكَانَ : " الْفَأْرَةِ " .
وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّيْدِ الْمُبَاحِ ، لَمْ يُبَحْ قَتْلُهَا ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } .
وَقَالَ : { وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } .
وَلِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ ، فَحُرِّمَتْ ، كَالْوَزَغِ أَوْ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهَا ، فَأَشْبَهَتْ الْوَزَغَ .
( 7781 ) فَصْلٌ : وَالْقُنْفُذُ حَرَامٌ .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : هُوَ حَرَامٌ .
وَكَرِهَهُ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ .
وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَلَنَا ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : { ذُكِرَ الْقُنْفُذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هُوَ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَيَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ ، فَأَشْبَهَ الْجُرَذَ .
( 7782 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهُوهَا .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ فِي تَحْرِيمِهَا وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ } وَتَلَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ : مَا خَلَا هَذَا ، فَهُوَ حَلَالٌ .
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ الْفَأْرَةِ ، فَقَالَتْ : مَا هِيَ بِحَرَامٍ .
وَتَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ .
وَلَمْ يَرَ عِكْرِمَةُ وَأَبُو وَائِلٍ بِأَكْلِ الْحُمُرِ بَأْسًا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَالِبِ بْنِ الْحُرِّ قَالَ : أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَصَابَتْنَا سَنَةٌ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ ، وَإِنَّك حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ .
فَقَالَ { : أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ حُمُرِك ، فَإِنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ أَجْلِ حَوَالَيْ الْقَرْيَةِ } وَلَنَا ، مَا رَوَى جَابِرٌ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَلِيٌّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، وَجَابِرٌ ، وَالْبَرَاءُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى ، وَأَنَسٌ ، وَزَاهِرٌ الْأَسْلَمِيُّ ، بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ حِسَانٍ ، وَحَدِيثُ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ لَا يُعْرَجُ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ مَا عَارَضَهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُمْ فِي
مَجَاعَتِهِمْ ، وَبَيَّنَ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا الْمُطْلَقِ ، لِكَوْنِهَا تَأْكُلُ الْعَذِرَاتِ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى : حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَتَّةَ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ .
مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ .
( 7783 ) فَصْلٌ : وَالْبِغَالُ حَرَامٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ حَرَّمَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهَا ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ .
وَهَكَذَا إنْ تَوَلَّدَ مِنْ بَيْنَ الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ وَلَدٌ ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ ، تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ، وَالسِّمْعُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ ، مُحَرَّمٌ .
قَالَ قَتَادَةُ : مَا الْبَغْلُ إلَّا شَيْءٌ مِنْ الْحِمَارِ .
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ : ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْ الْخَيْلِ .
( 7784 ) فَصْلٌ : وَأَلْبَانُ الْحُمُرِ مُحَرَّمَةٌ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ .
وَرَخَّصَ فِيهَا عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَلْبَانِ حُكْمُ اللُّحْمَانِ .
( 7785 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَهِيَ الَّتِي تَضْرِبُ بِأَنْيَابِهَا الشَّيْءَ وَتَفْرِسُ ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ تَحْرِيمَ كُلِّ ذِي نَابٍ قَوِيٍّ مِنْ السِّبَاعِ ، يَعْدُو بِهِ وَيَكْسِرُ ، إلَّا الضَّبُعَ ، مِنْهُمْ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ : هُوَ مُبَاحٌ ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } .
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ ، قَالَ : { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ } .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ .
وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَاتِ ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَسَدُ ، وَالنَّمِرُ ، وَالْفَهْدُ ، وَالذِّئْبُ ، وَالْكَلْبُ ، وَالْخِنْزِيرُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَتَدَاوَى بِلَحْمِ الْكَلْبِ ؟ فَقَالَ : لَا شَفَاهُ اللَّهُ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى تَحْرِيمَهُ .
( 7786 ) فَصْلٌ : وَلَا يُبَاحُ أَكْلُ الْقِرْدِ .
وَكَرِهَهُ عُمَرُ ، وَعَطَاءٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَمَكْحُولٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا أَعْلَمُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا أَنَّ الْقِرْدَ لَا يُؤْكَلُ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَحْمِ الْقِرْدِ .
وَلِأَنَّهُ سَبُعٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ ، وَهُوَ مَسْخٌ أَيْضًا ، فَيَكُونُ مِنْ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ .
( 7787 ) فَصْلٌ : وَابْنُ آوَى ، وَالنِّمْسُ ، وَابْنُ عِرْسٍ ، حَرَامٌ .
سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ آوَى وَابْنِ عِرْسٍ فَقَالَ : كُلُّ شَيْءٍ يَنْهَشُ بِأَنْيَابِهِ فَهُوَ مِنْ السِّبَاعِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : ابْنُ عِرْسٍ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَابٌ قَوِيٌّ ، فَأَشْبَهَ الضَّبَّ .
وَلِأَصْحَابِهِ فِي ابْنِ آوَى وَجْهَانِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ ، وَلِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ ، غَيْرُ مُسْتَطَابَةٍ ، فَإِنَّ ابْنَ آوَى يُشْبِهُ الْكَلْبَ ، وَرَائِحَتُهُ كَرِيهَةٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى { : وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ .
}
( 7788 ) فَصْلٌ : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الثَّعْلَبِ ، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ تَحْرِيمُهُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ .
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ إبَاحَتُهُ .
اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ .
وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَقَتَادَةُ ، وَاللَّيْثُ ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ وَعَطَاءٌ : كُلُّ مَا يُودَى إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي سِنَّوْرِ الْبَرِّ كَاخْتِلَافِهَا فِي الثَّعْلَبِ .
وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الثَّعْلَبِ .
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي سِنَّوْرِ الْبَرِّ وَجْهَانِ .
فَأَمَّا الْأَهْلِيُّ ، فَمُحَرَّمٌ فِي قَوْلِ إمَامِنَا ، وَمَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ .
( 7789 ) فَصْلٌ : وَالْفِيلُ مُحَرَّمٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ هُوَ مِنْ أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : هُوَ مَسْخٌ .
وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَرَخَّصَ فِي أَكْلِهِ الشَّعْبِيُّ .
وَلَنَا ، نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ .
وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِهَا نَابًا ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ الْمُحَرِّمَةِ .
( 7790 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الدُّبُّ ، فَيُنْظَرُ فِيهِ ؛ فَإِنْ كَانَ ذَا نَابٍ يَفْرِسُ بِهِ ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَابٌ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ : هُوَ سَبُعٌ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالسِّبَاعِ ، فَلَا يُؤْكَلُ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ الْمُحَرِّمِ ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَشَبَهُهُ بِالسِّبَاعِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ ذَا نَابٍ يَصِيدُ بِهِ وَيَفْرِسُ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُبِيحَةِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 7791 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ ، وَهِيَ الَّتِي تُعَلِّقُ بِمَخَالِبِهَا الشَّيْءَ ، وَتَصِيدُ بِهَا ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : لَا يَحْرُمُ مِنْ الطَّيْرِ شَيْءٌ .
قَالَ مَالِكٌ : لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ سِبَاعَ الطَّيْرِ .
وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْآيَاتِ الْمُبِيحَةِ ، وَقَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ : مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَهُوَ مَا عَفَا عَنْهُ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } .
وَعَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } .
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد .
وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَاتِ ، وَيُقَدَّمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ يَعْدُو بِهِ ، كَالْعُقَابِ ، وَالْبَازِي ، وَالصَّقْرِ ، وَالشَّاهِينِ وَالْبَاشَقِ ، وَالْحِدَأَةِ ، وَالْبُومَةِ ، وَأَشْبَاهِهَا .
( 7792 ) فَصْلٌ : وَيَحْرُمُ مِنْهَا مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، كَالنُّسُورِ وَالرَّخَمِ ، وَغُرَابِ الْبَيْنِ ، وَهُوَ أَكْبَرُ الْغِرْبَانِ ، وَالْأَبْقَعِ .
قَالَ عُرْوَةُ : وَمَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسِقًا ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ .
وَلَعَلَّهُ يَعْنِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ؛ الْغُرَابُ ، وَالْحِدَأَةُ ، وَالْفَأْرَةُ ، وَالْعَقْرَبُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ } .
فَهَذِهِ الْخَمْسُ مُحَرَّمَةٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ قَتْلَهَا فِي الْحَرَمِ ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ ، وَلِأَنَّ
مَا يُؤْكَلُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ ، عَنْ الْعَقْعَقِ ، فَقَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مُحَرَّمًا .
( 7793 ) فَصْلٌ : وَيَحْرُمُ الْخُطَّافُ وَالْخُشَافُ وَالْخُفَّاشُ وَهُوَ الْوَطْوَاطُ .
قَالَ الشَّاعِرُ : مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ قَالَ أَحْمَدُ : وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُشَّافَ ؟ وَسُئِلَ عَنْ الْخُطَّافِ ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ : كُلُّ الطَّيْرِ حَلَالٌ إلَّا الْخُفَّاشَ .
وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ ، لَا تَسْتَطِيبُهَا الْعَرَبُ ، وَلَا تَأْكُلُهَا .
وَيَحْرُمُ الزَّنَابِيرُ ، وَالْيَعَاسِيبُ ، وَالنَّحْلُ ، وَأَشْبَاهُهَا ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ ، غَيْرُ مُسْتَطَابَةٍ .
( 7794 ) فَصْلٌ : وَمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَهُوَ مُبَاحٌ ؛ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، مِنْ ذَلِكَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ، وَهِيَ الْإِبِلُ ، وَالْبَقَرُ ، وَالْغَنَمُ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } .
وَمِنْ الصُّيُودِ الظِّبَاءُ ، وَحُمُرُ الْوَحْشِ .
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا قَتَادَةَ وَأَصْحَابَهُ بِأَكْلِ الْحِمَارِ الَّذِي صَادَهُ .
وَكَذَلِكَ بَقَرُ الْوَحْشِ كُلُّهَا مُبَاحَةٌ ، عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا ، مِنْ الْإِبِلِ ، وَالتَّيْتَلِ ، وَالْوَعْلِ ، وَالْمَهَا ، وَغَيْرِهَا مِنْ الصُّيُودِ ، كُلُّهَا مُبَاحَةٌ ، وَتُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ .
وَيُبَاحُ النَّعَامُ ، وَقَدْ قَضَى الصَّحَابَةُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ .
وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ إنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ إذَا أَنِسَ وَاعْتَلَفَ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَهْلِيِّ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَمَا ظَنَنْت أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا شَيْءٌ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ .
وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ ؛ لِأَنَّ الظِّبَاءَ إذَا تَأَنَّسَتْ لَمْ تَحْرُمْ ، وَالْأَهْلِيُّ إذَا تَوَحَّشَ لَمْ يَحِلَّ ، وَلَا يَتَغَيَّرُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ أَصْلِهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ .
قَالَ عَطَاءٌ ، فِي حِمَارِ الْوَحْشِ : إذَا تَنَاسَلَ فِي الْبُيُوتِ ، لَا تَزُولُ عَنْهُ أَسْمَاءُ
الْوَحْشِ .
وَسَأَلُوا أَحْمَدَ عَنْ الزَّرَافَةِ تُؤْكَلُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَهِيَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْبَعِيرَ ، إلَّا أَنَّ عُنُقَهَا أَطُولُ مِنْ عُنُقِهِ ، وَجِسْمَهَا أَلْطَفُ مِنْ جِسْمِهِ ، وَأَعْلَى مِنْهُ ، وَيَدَاهَا أَطْوَلُ مِنْ رِجْلَيْهَا .
( 7795 ) فَصْلٌ : وَتُبَاحُ لُحُومُ الْخَيْلِ كُلُّهَا عِرَابُهَا وَبَرَاذِينُهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ .
وَبِهِ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، وَاللَّيْثُ ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : مَا أَكَلْت شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ مَعْرَفَةِ بِرْذَوْنٍ .
وَحَرَّمَهَا أَبُو حَنِيفَةَ .
وَكَرِهَهُ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا } وَعَنْ خَالِدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ ، وَخَيْلُهَا ، وَبِغَالُهَا .
وَلِأَنَّهُ دُونِ حَافِرٍ ، فَأَشْبَهَ الْحِمَارَ .
} وَلَنَا ، قَوْلُ جَابِرٍ { : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ } .
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ { : نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ ، وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ مُسْتَطَابٌ ، لَيْسَ بِذِي نَابٍ وَلَا مِخْلَبٍ ، فَيَحِلُّ ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمُبِيحَةِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُونَ بِدَلِيلِ خِطَابِهَا ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ .
وَحَدِيثُ خَالِدٍ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
قَالَهُ أَحْمَدُ .
قَالَ : وَفِيهِ رَجُلَانِ لَا يُعْرَفَانِ ، يَرْوِيهِ ثَوْرٌ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ .
وَقَالَ : لَا نَدَعُ أَحَادِيثَنَا لِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُنْكَرِ .
( 7796 ) فَصْلٌ : وَالْأَرْنَبُ مُبَاحَةٌ ، أَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ .
وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ ، وَعَطَاءٌ ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَاللَّيْثُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَائِلًا بِتَحْرِيمِهَا ، إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : { أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا ، فَأَخَذْتهَا ، فَجِئْت بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ ، فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا - أَوْ قَالَ - فَخِذِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ ، أَوْ صَفْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، { أَنَّهُ قَالَ : صِدْت أَرْنَبَيْنِ ، فَذَبَحْتهمَا بِمَرْوَةِ ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِمَا .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهَا حَيَوَانٌ مُسْتَطَابٌ ، لَيْسَ بِذِي نَابٍ ؛ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ .
( 7797 ) فَصْلٌ : وَيُبَاحُ الْوَبَرُ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَأَبُو يُوسُفَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ مُحَرَّمٌ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ، إلَّا أَبَا يُوسُفَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَرْنَبِ ، يَعْتَلِفُ النَّبَاتَ وَالْبُقُولَ ، فَكَانَ مُبَاحًا كَالْأَرْنَبِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ، وَعُمُومُ النُّصُوصِ يَقْتَضِيهَا ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْرِيمٌ ، فَتَجِبُ إبَاحَتُهُ .
( 7798 ) فَصْلٌ : وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْيَرْبُوعِ ، فَرَخَّصَ فِيهِ .
وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ مُحَرَّمٌ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا .
وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ ، وَالْحَكَمِ ، وَحَمَّادٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْفَأْرَ .
وَلَنَا ، أَنَّ عُمَرَ حَكَمَ فِيهِ بِجِفْرَةٍ .
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْرِيمٌ .
وَأَمَّا السِّنْجَابُ ، فَقَالَ الْقَاضِي : هُوَ مُحَرَّمٌ ؛ لِأَنَّهُ يَنْهَشُ بِنَابِهِ ، فَأَشْبَهَ الْجُرَذَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْيَرْبُوعَ ، وَمَتَى تَرَدَّدَ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ ، غَلَبَتْ الْإِبَاحَةُ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ ، وَعُمُومُ النُّصُوصِ يَقْتَضِيهَا .
( 7799 ) فَصْلٌ : وَيُبَاحُ مِنْ الطُّيُورِ مَا لَمْ نَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ، مِنْ ذَلِكَ الدَّجَاجُ .
قَالَ أَبُو مُوسَى : { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ .
وَالْحُبَارَى ؛ لِمَا رَوَى سَفِينَةُ ، قَالَ : أَكَلْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ حُبَارَى .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَيُبَاحُ الزَّاغُ .
وَبِذَلِكَ قَالَ الْحَكَمُ ، وَحَمَّادٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ .
وَيُبَاحُ غُرَابُ الزَّرْعِ ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ الْكَبِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الزَّرْعَ ، وَيَطِيرُ مَعَ الزَّاغِ ؛ لِأَنَّ مَرْعَاهُمَا الزَّرْعُ وَالْحُبُوبُ ، فَأَشْبَهَا الْحَجَلَ .
وَتُبَاحُ الْعَصَافِيرُ كُلُّهَا .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَا مِنْ إنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا ، إلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا .
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ : يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا ، وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا وَيَرْمِي بِهَا } .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
وَيُبَاحُ الْحَمَامُ كُلُّهُ ، عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ ، مِنْ الجوازل وَالْفَوَاخِتِ ، والرقاطي وَالْقَطَا وَالْحَجَلِ ، وَغَيْرِهَا ، وَتُبَاحُ الْكَرَاكِيُّ ، وَالْإِوَزُّ ، وَطَيْرُ الْمَاءِ كُلُّهُ ، وَالْغَرَانِيقُ ، وَالطَّوَاوِيسُ ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ فَعَنْهُ أَنَّهُمَا حَلَالٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ ذَوَاتِ الْمِخْلَبِ ، وَلَا يُسْتَخْبَثَانِ .
وَعَنْهُ تَحْرِيمُهُمَا { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْهُدْهُدِ ، وَالصُّرَدِ ، وَالنَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ .
وَكُلُّ مَا كَانَ لَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ ، وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، وَلَا يُسْتَخْبَثُ ، فَهُوَ حَلَالٌ .
}
( 7800 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : أَكْرَهْ لُحُومَ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانَهَا .
قَالَ الْقَاضِي ، فِي " الْمُجَرَّدِ " : هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْقَذَرَ ، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ ، حُرُمَ لَحْمُهَا وَلَبَنُهَا .
وَفِي بَيْضِهَا رِوَايَتَانِ .
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا الطَّاهِرَ ، لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا وَلَا لَبَنُهَا .
وَتَحْدِيدُ الْجَلَّالَةِ بِكَوْنِ أَكْثَرِ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ ، لَمْ نَسْمَعْهُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَلَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ، لَكِنَّ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ بِمَا يَكُونُ كَثِيرًا فِي مَأْكُولِهَا ، وَيُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ .
وَقَالَ اللَّيْثُ : إنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ الْجَلَّالَةَ الَّتِي لَا طَعَامَ لَهَا إلَّا الرَّجِيعُ وَمَا أَشْبَهَهُ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : فِي الْجَلَّالَةِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ .
وَالثَّانِيَةُ ، أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ لُحُومَهَا ، وَالْعَمَلَ عَلَيْهَا حَتَّى تُحْبَسَ .
وَرَخَّصَ الْحَسَنُ فِي لُحُومِهَا وَأَلْبَانِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَاتِ لَا تَنْجُسُ بِأَكْلِ النَّجَاسَاتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ أَعْضَائِهِ ، وَالْكَافِرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَالْمُحَرَّمَاتِ ، لَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ نَجِسًا ، وَلَوْ نَجُسَ لَمَا طَهُرَ بِالْإِسْلَامِ ، وَلَا الِاغْتِسَالِ ، وَلَوْ نَجُسَتْ الْجَلَّالَة ، لَمَا طَهُرَتْ بِالْحَبْسِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ ، أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا ، وَلَا يُحْمَلَ عَلَيْهَا إلَّا الْأُدْمُ ، وَلَا يَرْكَبَهَا النَّاسُ حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً .
} رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ .
وَلِأَنَّ لَحْمَهَا يَتَوَلَّدُ ، مِنْ النَّجَاسَةِ ، فَيَكُونُ نَجِسًا ، كَرَمَادِ النَّجَاسَةِ .
وَأَمَّا شَارِبُ
الْخَمْرِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ أَكْثَرَ غِذَائِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَغَذَّى الطَّاهِرَاتِ ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ فِي الْغَالِبِ .
( 7801 ) فَصْلٌ : وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِحَبْسِهَا اتِّفَاقًا .
وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ؛ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثًا ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَائِرًا أَوْ بَهِيمَةً .
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلَاثًا .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ ، لِأَنَّ مَا طَهَّرَ حَيَوَانًا طَهَّرَ الْآخَرَ ، كَاَلَّذِي نَجُسَ ظَاهِرُهُ .
وَالْأُخْرَى ، تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ ثَلَاثًا ، وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ وَنَحْوُهُمَا يُحْبَسُ أَرْبَعِينَ .
وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ ، فِي النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ جِسْمًا ، وَبَقَاءُ عَلَفِهِمَا فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ بَقَائِهِ فِي الدَّجَاجَةِ وَالْحَيَوَانِ الصَّغِيرِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 7802 ) فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ رُكُوبُ الْجَلَّالَةِ .
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ ، وَابْنِهِ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ؛ لِحَدِيثِ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ رُكُوبِهَا } .
وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا عَرِقَتْ ، فَتَلَوَّثَ بِعَرَقِهَا .
( 7803 ) فَصْلٌ : وَتَحْرُمُ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ الَّتِي سُقِيَتْ بِالنَّجَاسَاتِ ، أَوْ سُمِّدَتْ بِهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ ، وَلَا يَحْرُمَ .
وَلَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِهَا ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِهَا ، فَتُطَهَّرُ بِالِاسْتِحَالَةِ ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ فِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ لَحْمًا ، وَيَصِيرُ لَبَنًا .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ؛ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدْمُلُ أَرْضَهُ بِالْعُرَّةِ ، وَيَقُولُ : مِكْتَلُ عُرَّةٍ مِكْتَلُ بُرٍّ .
وَالْعُرَّةُ : عَذِرَةُ النَّاسِ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدْمُلُوهَا بِعَذِرَةِ النَّاسِ .
وَلِأَنَّهَا تَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَاتِ ، وَتَتَرَقَّى فِيهَا أَجْزَاؤُهَا ، وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ .
فَعَلَى هَذَا تَطْهُرُ إذَا سُقِيَتْ الطَّاهِرَاتِ ، كَالْجَلَّالَةِ إذَا حُبِسَتْ وَأُطْعِمَتْ الطَّاهِرَاتِ .
( 7804 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ ، فَلَا يَأْكُلْ مِنْهَا إلَّا مَا يَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ حَالَ الِاخْتِيَارِ ، وَعَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ مِنْهَا فِي الِاضْطِرَارِ .
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ .
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { : إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمِنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } .
وَيُبَاحُ لَهُ أَكْلُ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ ، وَيَأْمَنُ مَعَهُ الْمَوْتَ بِالْإِجْمَاعِ .
وَيَحْرُمُ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ ، بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا .
وَفِي الشِّبَعِ رِوَايَتَانِ ؛ أَظْهَرُهُمَا ، لَا يُبَاحُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ .
وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ .
قَالَ الْحَسَنُ : يَأْكُلُ قَدْرَ مَا يُقِيمُهُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ ، وَاسْتُثْنِيَ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ ، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ سَدِّ الرَّمَقِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ، فَلَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ ؛ لِلْآيَةِ ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ بَعْدَ سَدِّ رَمَقِهِ كَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَضْطَرَّ .
وَثَمَّ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْأَكْلُ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَالثَّانِيَةُ ، يُبَاحُ لَهُ الشِّبَعُ .
اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ ، { أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّةَ ، فَنَفَقَتْ عِنْدَهُ نَاقَةٌ ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : اسْلَخْهَا ، حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَهَا وَلَحْمَهَا ، وَنَأْكُلَهُ .
فَقَالَ : حَتَّى أَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : هَلْ عِنْدَك غِنًى يُغْنِيك ؟ .
قَالَ : لَا .
قَالَ : فَكُلُوهَا } .
وَلَمْ يُفَرِّقْ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ مَا جَازَ سَدُّ الرَّمَقِ مِنْهُ ، جَازَ الشِّبَعُ مِنْهُ ، كَالْمُبَاحِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً ، وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ مَرْجُوَّةَ الزَّوَالِ
، فَمَا كَانَتْ مُسْتَمِرَّةً ، كَحَالَةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ الشِّبَعُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ ، عَادَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ الْمَيْتَةِ ، مَخَافَةَ الضَّرُورَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، وَيُفْضِي إلَى ضَعْفِ بَدَنِهِ ، وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَلَفِهِ ، بِخِلَافِ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَمِرَّةً ، فَإِنَّهُ يَرْجُو الْغِنَى عَنْهَا بِمَا يَحِلُّ لَهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الضَّرُورَةَ الْمُبِيحَةَ ، هِيَ الَّتِي يَخَافُ التَّلَفَ بِهَا إنْ تَرَكَ الْأَكْلَ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جُوعٍ ، أَوْ يَخَافُ إنْ تَرَكَ الْأَكْلَ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ ، وَانْقَطَعَ عَنْ الرُّفْقَةِ فَهَلَكَ ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْ الرُّكُوبِ فَيَهْلَكُ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَحْصُورٍ .
( 7805 ) فَصْلٌ : وَهَلْ يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ عَلَى الْمُضْطَرِّ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : يَجِبُ .
وَهُوَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُضْطَرِّ يَجِدُ الْمَيْتَةَ ، وَلَمْ يَأْكُلْ ؟ فَذَكَرَ قَوْلَ مَسْرُوقٍ : مَنْ اُضْطُرَّ ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ، فَمَاتَ ، دَخَلَ النَّارَ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } .
وَتَرْكُ الْأَكْلِ مَعَ إمْكَانِهِ فِي هَذَا الْحَالِ إلْقَاءٌ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } .
وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِ بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ ، فَلَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ حَلَالٌ .
وَالثَّانِي : لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ طَاغِيَةَ الرُّومِ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ ، وَجَعَلَ مَعَهُ خَمْرًا مَمْزُوجًا بِمَاءٍ ، وَلَحْمَ خِنْزِيرٍ مَشْوِيٍّ ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ، حَتَّى مَالَ رَأْسُهُ مِنْ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ ، وَخَشُوا مَوْتَهُ ، فَأَخْرَجُوهُ ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ اللَّهُ أَحَلَّهُ لِي ؛ لِأَنِّي مُضْطَرٌّ ، وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لِأُشْمِتَك بِدِينِ الْإِسْلَامِ .
وَلِأَنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ رُخْصَةٌ ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ ، كَسَائِرِ الرُّخَصِ ؛ وَلِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ ، وَالْأَخْذِ بِالْعَزِيمَةِ ، وَرُبَّمَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ ، وَفَارَقَ الْحَلَالَ فِي الْأَصْلِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ .
( 7806 ) فَصْلٌ : وَتُبَاحُ الْمُحَرَّمَاتُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا ، فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مُطْلَقَةٌ ، غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِإِحْدَى الْحَالَتَيْنِ ، وَقَوْلُهُ { : فَمَنْ اُضْطُرَّ } .
لَفْظٌ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مُضْطَرٍّ ؛ وَلِأَنَّ الِاضْطِرَارَ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ ، وَسَبَبُ الْإِبَاحَةِ الْحَاجَةُ إلَى حِفْظِ النَّفْسِ عَنْ الْهَلَاكِ ؛ لِكَوْنِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ ، وَالصِّيَانَةِ عَنْ تَنَاوُلِ الْمُسْتَخْبَثَاتِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى عَامٌّ فِي الْحَالَيْنِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : أَنَّ الْمَيْتَةَ لَا تَحِلُّ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ ضَرُورَتِهِ بِالْمَسْأَلَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قَالَ : أَكْلُ الْمَيْتَةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ .
يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْحَضَرِ يُمْكِنُهُ السُّؤَالُ .
وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَضَرَ يُوجَدُ فِيهِ الطَّعَامُ الْحَلَالُ ، وَيُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرُورَةِ بِالسُّؤَالِ ، وَلَكِنَّ الضَّرُورَةَ أَمْرٌ مُعْتَبَرٌ بِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ ، لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْمَظِنَّةِ ، بَلْ مَتَى وُجِدَتْ الضَّرُورَةُ أَبَاحَتْ ، سَوَاءٌ وُجِدَتْ الْمَظِنَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ ، وَمَتَى انْتَفَتْ ، لَمْ يُبَحْ الْأَكْلُ لِوُجُودِ مَظِنَّتِهَا بِحَالٍ .
فَصْلٌ : قَالَ أَصْحَابُنَا : لَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ ، كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ ، وَالْآبِقِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { : فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } .
قَالَ مُجَاهِدٌ : غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَادٍ عَلَيْهِمْ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إذَا خَرَجَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ ، فَلَا رُخْصَةَ لَهُ ، فَإِنْ تَابَ وَأَقْلَعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ .
( 7808 ) فَصْلٌ : وَهَلْ لِلْمُضْطَرِّ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ أَصَحُّهُمَا : لَهُ ذَلِكَ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي اسْتِصْحَابِهَا ، وَلَا فِي إعْدَادِهَا لِدَفْعِ ضَرُورَتِهِ وَقَضَاءِ حَاجَتِهِ ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ ضَرُورَتِهِ .
وَالثَّانِيَةُ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَوَسُّعٌ فِيمَا لَمْ يُبَحْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ ، فَإِنْ اسْتَصْحَبَهَا ، فَلَقِيَهُ مُضْطَرٌّ آخَرُ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا إيَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ بِهِ الضَّرُورَةَ ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ ، وَيَلْزَمُهُ إعْطَاءُ الْآخَرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مُضْطَرًّا فِي الْحَالِ إلَى مَا مَعَهُ ؛ لِأَنَّ ضَرُورَةَ الَّذِي لَقِيَهُ مَوْجُودَةٌ ، وَحَامِلُهَا يَخَافُ الضَّرَرَ فِي ثَانِي الْحَالِ .
( 7809 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةٍ ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ، وَلَا يَحْمِلَ ) هَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي حَالِ الْجُوعِ وَالْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِيبَ مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ .
قَالَ أَحْمَدُ : إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ ، يَأْكُلُ إذَا كَانَ جَائِعًا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَائِعًا ، فَلَا يَأْكُلُ .
وَقَالَ : قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ ، لَمْ يَأْكُلْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ شِبْهَ الْحَرِيمِ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : إنَّمَا الرُّخْصَةُ لِلْمُسَافِرِ .
إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَاهُنَا حَقِيقَةَ الِاضْطِرَارِ ؛ لِأَنَّ الِاضْطِرَارَ يُبِيحُ مَا وَرَاءَ الْحَائِطِ .
وَرُوِيَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ فِي الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ مُطْلَقًا ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ جُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي زَيْنَبَ التَّيْمِيِّ ، قَالَ : سَافَرْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بُرْدَةَ ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ بِالثِّمَارِ ، فَيَأْكُلُونَ فِي أَفْوَاهِهِمْ .
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بُرْدَةَ .
قَالَ عُمَرُ : يَأْكُلُ ، وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : يَأْكُلُ مِمَّا تَحْتَ الشَّجَرِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الشَّجَرِ فَلَا يَأْكُلُ ثِمَارَ النَّاسِ ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ .
وَلَا يَضْرِبُ بِحَجَرٍ ، وَلَا يَرْمِي ؛ لِأَنَّ هَذَا يُفْسِدُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : كُنْت أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ ، فَأَخَذُونِي ، فَذَهَبُوا بِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ { : يَا رَافِعُ ، لِمَ تَرْمِي نَخْلَهُمْ ؟ } .
قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْجُوعُ .
قَالَ { : لَا تَرْمِ ، وَكُلْ مَا وَقَعَ ، أَشْبَعَكَ اللَّهُ وَأَرْوَاكَ } .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ : لَا يُبَاحُ الْأَكْلُ فِي الضَّرُورَةِ ؛ لِمَا رَوَى الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
{ : أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا بِإِذْنٍ ، وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ، وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ ، إذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ .
} أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ ، حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ ، فَقَالَ { : مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ ، غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا ، فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : إذَا أَتَيْت عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ فَنَادِ صَاحِبَ الْبُسْتَانِ ثَلَاثًا ، فَإِنْ أَجَابَك ، وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ } .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ ، .
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ أَبَى سَعْدٌ أَنْ يَأْكُلَ ؟ قُلْنَا : امْتِنَاعُ سَعْدٍ مِنْ أَكْلِهِ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ غِنًى عَنْهُ ، أَوْ تَوَرُّعًا ، أَوْ تَقَذُّرًا ، كَتَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الضَّبِّ .
فَأَمَّا أَحَادِيثُهُمْ ، فَهِيَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ ، فَإِنْ كَانَتْ مَحُوطَةً ، لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ إلَيْهَا ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَهُوَ حَرِيمٌ ، فَلَا تَأْكُلْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ ، فَلَا بَأْسَ .
وَلِأَنَّ إحْرَازَهُ بِالْحَائِطِ يَدُلُّ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ بِهِ ، وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا :
إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَاطُورٌ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحُوطِ ، فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَيْهِ ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا فِي الضَّرُورَةِ .
( 7810 ) فَصْلٌ : وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْأَكْلِ مِنْ الزَّرْعِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا : قَالَ لَا : يَأْكُلُ ، إنَّمَا رُخِّصَ فِي الثِّمَارِ ، لَيْسَ الزَّرْعِ .
وَقَالَ : مَا سَمِعْنَا فِي الزَّرْعِ أَنْ يُمَسَّ مِنْهُ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الثِّمَارَ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَكْلِ رَطْبَةً ، وَالنُّفُوسُ تَتُوقُ إلَيْهَا ، وَالزَّرْعُ بِخِلَافِهَا .
وَالثَّانِيَةُ : قَالَ : يَأْكُلُ مِنْ الْفَرِيكِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَكْلِهِ رَطْبًا ، أَشْبَهَ الثَّمَرَ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبَاقِلَا ، وَالْحِمَّصِ ، وَشِبْهِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا .
فَأَمَّا الشَّعِيرُ ، وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ : فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ .
وَالْأَوْلَى فِي الثِّمَارِ وَغَيْرِهَا أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنٍ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ .
( 7811 ) فَصْلٌ : وَعَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا : يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِبَ ، وَيَشْرَبَ ، وَلَا يَحْمِلَ ؛ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا ، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ ، فَإِنْ أَذِنَ فَلْيَحْلِبْ ، وَلْيَشْرَبْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ، فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ ، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَلْيَحْلِبْ ، وَلْيَشْرَبْ ، وَلَا يَحْمِلْ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِبَ وَلَا يَشْرَبَ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ ، فَيُنْقَلَ طَعَامُهُ ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ ، فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ } .
وَفِي لَفْظٍ { : فَإِنَّ مَا فِي ضُرُوعِ مَوَاشِيهِمْ مِثْلَ مَا فِي مَشَارِبِهِمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَنْ اُضْطُرَّ ، فَأَصَابَ الْمَيْتَةَ وَخُبْزًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ ، أَكَلَ الْمَيْتَةَ ) وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ ، أَكَلَ مِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ، وَشَرِبَ اللَّبَنَ ، وَإِنْ خَافَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ ، أَوْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ ، أَكَلَ الْمَيْتَةَ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : يَأْكُلُ الطَّعَامَ .
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّعَامِ الْحَلَالِ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ ، كَمَا لَوْ بَذَلَهُ لَهُ صَاحِبُهُ .
وَلَنَا أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ، وَمَالَ الْآدَمِيِّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، وَالْعُدُولُ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَحُقُوقَ الْآدَمِيِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشُّحِّ وَالتَّضْيِيقِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ تَلْزَمُهُ غَرَامَتُهُ ، وَحَقَّ اللَّهِ لَا عِوَضَ لَهُ .
( 7813 ) .
فَصْلٌ : إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَلَا الْعُدُولُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ ، إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ ، أَوْ يَكُونَ الطَّعَامُ الَّذِي يُطْعَمُهُ مِمَّا يَضُرُّهُ ، وَيَخَافُ أَنْ يُهْلِكَهُ أَوْ يُمْرِضَهُ .
( 7814 ) .
فَصْلٌ : وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا مَعَ صَاحِبِهِ ، فَامْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ لَهُ ، أَوْ بَيْعِهِ مِنْهُ ، وَوَجَدَ ثَمَنَهُ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ ، وَعَدَلَ إلَى الْمَيْتَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا يَخَافُ مِنْ مُكَابَرَتِهِ التَّلَفَ أَوْ لَمْ يَخَفْ ، فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، وَقَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ .
وَإِنْ بَذَلَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ ، لَا يُجْحِفُ بِمَالِهِ ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ أَيْضًا ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الثَّمَنِ ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَادِمِ ،
وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ، فَاشْتَرَاهُ الْمُضْطَرُّ بِذَلِكَ ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أَحْوَجُ إلَى بَدَلِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ، كَالْمُكْرَهِ .
( 7815 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ مَيْتَةً وَصَيْدًا ، أَكَلَ الْمَيْتَةَ .
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : يَأْكُلُ الصَّيْدَ ، وَيَفْدِيهِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُهُ ، وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ ؛ لِغِنَاهُ عَنْهَا .
وَلَنَا أَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَإِبَاحَةَ الصَّيْدِ مُجْتَهَدٌ فِيهَا ، وَتَقْدِيمُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْلَى .
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً ، ذَبَحَ الصَّيْدَ وَأَكَلَهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ عَيْنًا .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ فِي الصَّيْدِ تَحْرِيمَاتٍ ثَلَاثًا ؛ تَحْرِيمَ قَتْلِهِ ، وَأَكْلِهِ ، وَتَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ ؛ لِأَنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ يَكُونُ مَيْتَةً ، فَقَدْ سَاوَى الْمَيْتَةَ فِي هَذَا ، وَفُضِّلَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَالْأَكْلِ ، وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَى هَذَا : إنَّ الشَّارِعَ إذَا أَبَاحَ لَهُ ذَبْحَهُ ، لَمْ يَصِرْ مَيْتَةً .
وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَيْتَةَ فَذَبَحَهُ ، كَانَ ذَكِيًّا طَاهِرًا ، وَلَيْسَ بِنَجَسٍ وَلَا مَيْتَةٍ ؛ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ فِي حِلِّ الذَّبْحِ ، وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الذَّكَاةِ فِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ مَيْتَةً لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
( 7816 ) فَصْلٌ : وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، جَازَ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ ذَكِيٌّ لَا حَقَّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ سِوَاهُ ، فَأُبِيحَ لَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ حَلَالٌ مِنْ أَجْلِهِ .
( 7817 ) فَصْلٌ : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا ، لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْجُمْلَةَ بِقَطْعِ عُضْوٍ ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ الْأَكِلَةُ .
وَلَنَا أَنَّ أَكْلَهُ مِنْ نَفْسِهِ رُبَّمَا قَتَلَهُ ، فَيَكُونُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ ، وَلَا يُتَيَقَّنُ حُصُولُ الْبَقَاءِ بِأَكْلِهِ .
أَمَّا قَطْعُ الْأَكِلَةِ : فَإِنَّهُ
يُخَافُ الْهَلَاكُ بِذَلِكَ الْعُضْوِ ، فَأُبِيحَ لَهُ إبْعَادُهُ ، وَدَفْعُ ضَرَرِهِ الْمُتَوَجِّهِ مِنْهُ بِتَرْكِهِ ، كَمَا أُبِيحَ قَتْلُ الصَّائِلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ لِيَأْكُلَهُ .
( 7818 ) فَصْلٌ : وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مَحْقُونَ الدَّمِ ، لَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ إجْمَاعًا ، وَلَا إتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْقِيَ نَفْسَهُ بِإِتْلَافِهِ .
وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
وَإِنْ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ ، كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ قَتْلَهُ وَأَكْلَهُ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُبَاحٌ .
وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ .
وَإِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا ، أُبِيحَ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ مُبَاحٌ بَعْدَ قَتْلِهِ ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَإِنْ وَجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا ، لَمْ يُبَحْ أَكْلُهُ .
فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ : يُبَاحُ .
وَهُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد : أَبَاحَ الشَّافِعِيُّ أَكْلَ لُحُومِ الْأَنْبِيَاءِ .
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ ، كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ } .
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ لَهُ أَكْلَهُ .
وَقَالَ : لَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنْ اللَّحْمِ لَا مِنْ الْعَظْمِ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُرْمَةِ ، لَا فِي مِقْدَارِهَا ؛ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَالْقِصَاصِ وَوُجُوبِ صِيَانَةِ الْحَيِّ بِمَا لَا يَجِبُ بِهِ صِيَانَةُ الْمَيِّتِ .
( 7819 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِنْ لَمْ يُصِبْ إلَّا طَعَامًا لَمْ يَبِعْهُ مَالِكُهُ ، أَخَذَهُ قَهْرًا لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَأَعْطَاهُ ثَمَنَهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصَاحِبِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ ) .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ ، فَلَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامًا لِغَيْرِهِ ، نَظَرْنَا ؛ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الضَّرُورَةِ ، وَانْفَرَدَ بِالْمِلْكِ ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ حَالِ الضَّرُورَةِ ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَحَدٌ فَمَاتَ ، لَزِمَهُ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ ، لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْيَاءُ نَفْسِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ ، فَلَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ ، كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَنَافِعِهِ فِي إنْجَائِهِ مِنْ الْغَرَقِ وَالْحَرِيقِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ دُونَ مَالِكِهِ ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُهُ ، كَغَيْرِ مَالِهِ ، فَإِنْ اُحْتِيجَ فِي ذَلِكَ إلَى قِتَالٍ ، فَلَهُ الْمُقَاتَلَةُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَعَلَى قَاتِلِهِ ضَمَانُهُ ، وَإِنْ آلَ أَخْذُهُ إلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ ، فَهُوَ هَدَرٌ ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ ، فَأَشْبَهَ الصَّائِلَ ، إلَّا أَنْ يُمْكِنَ أَخْذُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِرْضَاءٍ ، فَلَيْسَ لَهُ الْمُقَاتَلَةُ عَلَيْهِ ، لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ دُونَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ قِتَالَهُ .
وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِدُونِهَا .
وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَمَنُ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِقِيمَتِهِ ، وَيَلْزَمُهُ عِوَضُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَخَذَهُ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْحَالِ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ .
وَلَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ مِنْ مَالِ أَخِيهِ ، إلَّا مَا يُبَاحُ مِنْ الْمَيْتَةِ .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قُلْنَا : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَحِلُّ لِأَحَدِنَا مِنْ مَالِ أَخِيهِ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ ؟ قَالَ { : يَأْكُلُ وَلَا يَحْمِلُ ، وَيَشْرَبُ وَلَا يَحْمِلُ .
}
( 7820 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ ، وَأَصَابَتْ الضَّرُورَةُ خَلْقًا كَثِيرًا ، أَوْ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّينَ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ بِهِ ، وَلَا يَدْفَعُهَا عَنْهُمْ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ .
وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ هَذِهِ الْحَالِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ لَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِ مَا مَعَهُ إلَيْهِمْ ، فِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي الْحَالِ ، وَالْآخَرُ مُضْطَرٌّ ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّ .
وَلَنَا أَنَّ هَذَا مُفْضٍ بِهِ إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ ، وَهَلَاكِ عِيَالِهِ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ الْغَرِيقِ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ .
وَلِأَنَّ فِي بَذْلِهِ إلْقَاءً بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
( 7821 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وَالضَّبُعِ ) أَمَّا الضَّبُّ : فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يُهْدَى إلَى أَحَدِنَا ضَبٌّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ دَجَاجَةٍ .
وَقَالَ عُمَرُ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَكَانَ كُلِّ ضَبٍّ دَجَاجَةٌ سَمِينَةٌ ، وَلَوَدِدْت أَنَّ فِي كُلِّ جُحْرِ ضَبٍّ ضَبَّيْنِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ حَرَامٌ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْهَشُ ، فَأَشْبَهَ ابْنَ عِرْسٍ .
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : دَخَلْت أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ ، فَقِيلَ : هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
فَرَفَعَ يَدَهُ ، فَقُلْت : أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ { : لَا ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي ، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ } .
قَالَ خَالِدٌ : فَاجْتَرَرْته فَأَكَلْته ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا ، وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ عُمَرُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمْ يُحَرِّمْ الضَّبَّ ، وَلَكِنَّهُ قَذِرَهُ } ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَأَكَلْته .
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمُحَرِّمُ ، فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَهْيٌ وَلَا تَحْرِيمٌ ؛ وَلِأَنَّ الْإِبَاحَةَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ خِلَافُهُ ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا .
( 7822 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الضَّبُعُ : فَرُوِيَتْ الرُّخْصَةُ فِيهَا عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ .
وَقَالَ عُرْوَةُ : مَازَالَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الضَّبُعَ وَلَا تَرَى بِأَكْلِهَا بَأْسًا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ : هُوَ حَرَامٌ .
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ .
وَهِيَ مِنْ السِّبَاعِ ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ ، فَقَالَ { : وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ ؟ } .
وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ ، قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ .
قُلْت : صَيْدٌ هِيَ ؟ قَالَ { : نَعَمْ } .
احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
وَفِي لَفْظٍ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ .
فَقَالَ { : هُوَ صَيْدٌ ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ .
قُلْنَا : هَذَا تَخْصِيصٌ لَا مُعَارِضٌ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّخْصِيصِ كَوْنُ الْمُخَصَّصِ فِي رُتْبَةِ الْمُخَصِّصِ ؛ بِدَلِيلِ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْكِتَابِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ .
فَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ : " وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ ؟ " فَحَدِيثٌ طَوِيلٌ ، يَرْوِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ ، يَنْفَرِدُ بِهِ ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ .
وَلِأَنَّ الضَّبُعَ قَدْ قِيلَ : إنَّهَا لَيْسَ لَهَا نَابٌ .
وَسَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ جَمِيعَ أَسْنَانِهَا عَظْمٌ وَاحِدٌ كَصَفْحَةِ نَعْلِ الْفَرَسِ .
فَعَلَى هَذَا لَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 7823 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُؤْكَلُ التِّرْيَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ ) التِّرْيَاقُ : دَوَاءٌ يُتَعَالَجُ بِهِ مِنْ السُّمِّ ، وَيُجْعَلُ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ ، فَلَا يُبَاحُ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ .
وَمِمَّنْ كَرِهَهُ الْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ .
وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّعْبِيُّ ، وَمَالِكٌ ؛ لِأَنَّهُ يَرَى إبَاحَةَ لُحُومِ الْحَيَّاتِ .
وَيَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِإِبَاحَتِهِ التَّدَاوِيَ بِبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ .
وَلَنَا أَنَّ لَحْمَ الْحَيَّاتِ حَرَامٌ ، بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى .
وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا .
}
( 7824 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ ، وَلَا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ ، مِثْلِ أَلْبَانِ الْأُتُنِ ، وَلَحْمِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَلَا شُرْبِ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي بِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ النَّبِيذُ يُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ { : إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ } .
( 7825 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ أَكْلُ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي فِيهَا الدُّودُ وَالسُّوسُ ، كَالْفَوَاكِهِ ، وَالْقِثَّاءِ ، وَالْخِيَارِ ، وَالْبِطِّيخِ ، وَالْحُبُوبِ ، وَالْخَلِّ إذَا لَمْ تَقْذَرْهُ نَفْسُهُ ، وَطَابَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ .
وَيَجُوزُ أَكْلُ الْعَسَلِ بِقَشِّهِ وَفِيهِ فِرَاخٌ ؛ لِذَلِكَ ، وَإِنْ نَقَّاهُ فَحَسَنٌ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُتِيَ بِتَمْرٍ عَتِيقٍ ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ ، وَيُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ ، وَيُنَقِّيهِ .
وَهَذَا أَحْسَنُ .
( 7826 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ إذَا رُمِيَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ إذَا عُلِمَ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا قَتَلَهُ السُّمُّ مُحَرَّمٌ ، وَمَا قَتَلَهُ السَّهْمُ وَحْدَهُ مُبَاحٌ ، فَإِذَا مَاتَ بِسَبَبٍ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ ، حَرُمَ ، كَمَا لَوْ مَاتَ بِرَمْيَةِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ ، أَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَغَيْرُهُ ، أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ ، أَوْ رَمَى صَيْدًا بِسَهْمٍ ، فَوَجَدَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ .
فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السُّمَّ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ ؛ لِكَوْنِ السَّهْمِ أَوْحَى مِنْهُ ، فَهُوَ مُبَاحٌ ، لِانْتِفَاءِ الْمُحَرِّمِ .
( 7827 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَا كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرُ ، وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ ، لَمْ يُؤْكَلْ إذَا مَاتَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ ) كُلُّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ ، لَا يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ ، كَطَيْرِ الْمَاءِ ، وَالسُّلَحْفَاةِ ، وَكَلْبِ الْمَاءِ ، إلَّا مَا لَا دَمَ فِيهِ ، كَالسَّرَطَانِ ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : السَّرَطَانُ لَا بَأْسَ بِهِ .
قِيلَ لَهُ : يُذْبَحُ ؟ قَالَ : لَا .
وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الذَّبْحِ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ مِنْهُ ، وَتَطْيِيبُ اللَّحْمِ بِإِزَالَتِهِ عَنْهُ ، فَمَا لَا دَمَ فِيهِ ، لَا حَاجَةَ إلَى ذَبْحِهِ .
وَأَمَّا سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا ، فَلَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُذْبَحَ .
قَالَ أَحْمَدُ : كَلْبُ الْمَاءِ يَذْبَحُهُ ، وَلَا أَرَى بَأْسًا بِالسُّلَحْفَاةِ إذَا ذَبَحَ ، وَالرَّقُّ يَذْبَحُهُ .
وَقَالَ قَوْمٌ : يَحِلُّ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } .
وَلِأَنَّهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ ، فَأُبِيحَ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ كَالسَّمَكِ وَالسَّرَطَانِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ قَدْ ذَكَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُرَيْحٍ رَجُلٍ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ { كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ .
} وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : إنَّ اللَّهَ ذَبَحَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ لِابْنِ آدَمَ } .
وَلَنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ ، لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ ، فَلَمْ يُبَحْ بِغَيْرِ ذَبْحٍ ، كَالطَّيْرِ ، وَلَا خِلَافَ فِي الطَّيْرِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ ، وَالْأَخْبَارُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ ، كَالسَّمَكِ وَشِبْهِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ تَذْكِيَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذْبَحُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْمَاءِ ، وَإِذَا خَرَجَ مَاتَ .
( 7828 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ ، كَالسَّمَكِ وَشِبْهِهِ ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ } .
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابَهُ وَجَدُوا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ دَابَّةً ، يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ ، مَيِّتَةً ، فَأَكَلُوا مِنْهَا شَهْرًا حَتَّى سَمِنُوا ، وَادَّهَنُوا ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ { : هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( 7829 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ صَيْدِ الْبَحْرِ مُبَاحٌ ، إلَّا الضُّفْدَعَ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : لَوْ أَكَلَ أَهْلِي الضَّفَادِعَ لَأَطْعَمْتُهُمْ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : فِي كُلِّ مَا فِي الْبَحْرِ قَدْ ذَكَّاهُ اللَّهُ لَكُمْ .
وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى { : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } .
يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ جَمِيعِ صَيْدِهِ .
وَرَوَى عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُمَا بَلَغَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : إنَّ اللَّهَ ذَبَحَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ لِابْنِ آدَمَ } .
فَأَمَّا الضُّفْدَعُ : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، فَأَمَّا التِّمْسَاحُ : فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ اشْتَهَاهُ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : لَا يُؤْكَلُ التِّمْسَاحُ وَلَا الْكَوْسَجُ ؛ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ النَّاسَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِ : أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ سِبَاعَ الْبَحْرِ ، كَمَا يَكْرَهُونَ سِبَاعَ الْبَرِّ .
وَذَلِكَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ : مَا حَرُمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ ، فَهُوَ حَرَامٌ فِي الْبَحْرِ ، كَكَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ وَإِنْسَانِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ ، إلَّا فِي كَلْبِ الْمَاءِ ، فَإِنَّهُ يَرَى إبَاحَةَ كَلْبِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُبَاحُ إلَّا السَّمَكُ .
قَالَ مَالِكٌ : كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ مُبَاحٌ ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ .
}
( 7830 ) فَصْلٌ : وَكَلْبُ الْمَاءِ مُبَاحٌ ، وَرَكِبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَرْجًا عَلَيْهِ جِلْدٌ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ .
وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ .
وَلَا يُبَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ النَّجَّادِ ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَأَلْت أَبِي عَنْ كَلْبِ الْمَاءِ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ ، سَمِعَا شُرَيْحًا - رَجُلٌ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ فَهُوَ مَذْبُوحٌ } .
قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ ، فَقَالَ : أَمَّا الطَّيْرُ فَنَذْبَحُهُ .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كَلْبُ الْمَاءِ نَذْبَحُهُ .
( 7831 ) فَصْلٌ : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : يُكْرَهُ الْجَرْيُ ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ ، وَكَيْفَ لَنَا بِالْجَرِيِّ ؟ وَرَخَّصَ فِيهِ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْجَرِّيُّ لَا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ .
وَوَافَقَهُمْ الرَّافِضَةُ ، وَمُخَالَفَتُهُمْ صَوَابٌ .
( 7832 ) فَصْلٌ : وَعَنْ أَحْمَدَ فِي السَّمَكَةِ تُوجَدُ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ أُخْرَى ، أَوْ حَوْصَلَةِ طَائِرٍ ، أَوْ يُوجَدُ فِي حَوْصَلَتِهِ جَرَادٌ ، فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : كُلُّ شَيْءٍ أُكِلَ مَرَّةً لَا يُؤْكَلُ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : الطَّافِي أَشَدُّ مِنْ هَذَا ، وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .
.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ ، دُونَ مَا فِي حَوْصَلَةِ الطَّائِرِ ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّجِيعِ ، وَرَجِيعُ الطَّائِرِ عِنْدَهُ نَجِسٌ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ } .
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ فِي مَحَلٍّ طَاهِرٍ ، لَا تُعْتَبَرُ لَهُ ذَكَاةٌ ، فَأُبِيحَ ، كَالطَّافِي فِي السَّمَكِ .
وَهَكَذَا يُخَرَّجُ فِي الشَّعِيرِ يُوجَدُ فِي بَعْرِ الْجَمَلِ ، أَوْ خِثْيِ الْجَوَامِيسِ ، وَنَحْوِهَا .
( 7833 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَائِعٍ ، كَالدُّهْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ ، نَجِسَ ، وَاسْتَصْبَحَ بِهِ إنْ أَحَبَّ ، وَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَلَا ثَمَنُهُ ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ ، نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَثُرَ .
وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ إذَا كَثُرَ .
قَالَ حَرْبٌ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ كَلْبٍ وَلَغَ فِي سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ ؟ قَالَ : إذَا كَانَ فِي آنِيَةٍ كَبِيرَةٍ ، مِثْلِ حُبٍّ أَوْ نَحْوِهِ ، رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ ، يُؤْكَلُ ، وَإِذَا كَانَ فِي آنِيَةٍ صَغِيرَةٍ ، فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ .
وَسُئِلَ عَنْ كَلْبٍ وَقَعَ فِي خَلٍّ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ ، فَخَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ ؟ فَقَالَ : هَذَا أَسْهَلُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ .
وَعَنْهُ ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ ، يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَثُرَ ، وَمَا لَيْسَ أَصْلُهُ الْمَاءَ ، لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي خَلٍّ أَوْ دِبْسٍ ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْخَلُّ فَأَصْلُهُ الْمَاءُ ، يَعُودُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَاءً إذَا حُمِلَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ : إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمُهَا وَدَمُهَا .
وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ ؟ فَقَالَ : إنْ كَانَ جَامِدًا فَخُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا ، فَأَلْقُوهُ ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا ، فَلَا تَقْرَبُوهُ } .
وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَيْسَ بِطَهُورٍ ، فَلَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَحُكْمُ الْجَامِدِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ ، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إبَاحَتُهُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَصْبَحَ بِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تُطْلَى بِهِ سَفِينَةٌ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَعَنْ
أَحْمَدَ ، لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ شُحُومِ الْمَيْتَةِ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ ؟ فَقَالَ { : لَا ، هُوَ حَرَامٌ } .
وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ .
وَلَنَا أَنَّهُ زَيْتٌ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ ، فَجَازَ ، كَالطَّاهِرِ .
وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَجِينِ الَّذِي عُجِنَ بِمَاءٍ مِنْ آبَارِ ثَمُودَ ، أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ أَكْلِهِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْلِفُوهُ النَّوَاضِحَ .
وَهَذَا الزَّيْتُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ ، وَلَا هُوَ مِنْ شُحُومِهَا ، فَيَتَنَاوَلَهُ الْخَبَرُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يَسْتَصْبِحُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمَسُّهُ ، وَلَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ إلَيْهِ ؛ إمَّا أَنْ يَجْعَلَ الزَّيْتَ فِي إبْرِيقٍ لَهُ بُلْبُلَةٌ ، وَيَصُبَّ مِنْهُ فِي الْمِصْبَاحِ ، وَلَا يَمَسَّهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَعَ عَلَى رَأْسِ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الزَّيْتُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا ، أَوْ قِنْدِيلًا فِيهِ ثَقْبٌ ، وَيُطَيِّنَهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الزَّيْتِ ، أَوْ يُشَمِّعَهُ ، وَكُلَّمَا نَقَصَ زَيْتُ السِّرَاجِ صَبَّ فِيهِ مَاءً ، بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ الزَّيْتُ ، فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا ، وَلَمْ يَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ تُدْهَنَ بِهَا الْجُلُودُ ، وَقَالَ : يُجْعَلُ مِنْهُ الْأَسْقِيَةُ وَالْقِرَبُ .
وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تُدْهَنُ بِهِ الْجُلُودُ .
وَعَجِبَ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا ، وَقَالَ : إنَّ فِي هَذَا لَعَجَبًا ، شَيْءٌ يُلْبَسُ يُطَيَّبُ بِشَيْءٍ فِيهِ مَيْتَةٌ ، فَعَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ ، كُلُّ انْتِفَاعٍ يُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى ذَلِكَ جَازَ .
فَأَمَّا أَكْلُهُ : فَلَا إشْكَالَ فِي تَحْرِيمِهِ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : لَا تَقْرَبُوهُ } .
وَلِأَنَّ النَّجِسَ خَبِيثٌ ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْخَبَائِثَ .
وَأَمَّا بَيْعُهُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَحْرِيمُهُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا حَرَّمَ اللَّهُ شَيْئًا ، حَرَّمَ ثَمَنَهُ } .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى : لُتُّوهُ بِالسَّوِيقِ وَبِيعُوهُ ، وَلَا تَبِيعُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ ، وَبَيِّنُوهُ .
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً ، أَنَّهُ يُبَاعُ لِكَافِرٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ بِنَجَاسَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ ، وَيَسْتَبِيحُونَ أَكْلَهُ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ ، فَجَمَّلُوهَا ، وَبَاعُوهَا ، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا ، إنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَكَوْنُهُمْ يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ ، لَا يُجَوِّزُ لَنَا بَيْعَهُ لَهُمْ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ .
( 7834 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا شُحُومُ الْمَيْتَةِ ، وَشَحْمُ الْخِنْزِيرِ ، فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِاسْتِصْبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ ، وَلَا أَنْ تُطْلَى بِهِ السُّفُنُ وَلَا الْجُلُودُ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْأَصْنَامَ .
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، شُحُومُ الْمَيْتَةِ تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ النَّاسُ ؟ قَالَ : لَا ، هِيَ حَرَامٌ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( 7835 ) .
فَصْلٌ : إذَا اُسْتُصْبِحَ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ ، فَدُخَانُهُ نَجَسٌ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ ، وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ .
فَإِنْ عَلِقَ ، بِشَيْءٍ ، وَكَانَ يَسِيرًا ، عُفِيَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ، لَمْ يُعْفَ عَنْهُ .
فَصْلٌ : سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ خَبَّازٍ خَبَزَ خُبْزًا ، فَبَاعَ مِنْهُ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي الْمَاءِ الَّذِي عَجَنَ مِنْهُ ، فَإِذَا فِيهِ فَأْرَةٌ ؟ فَقَالَ : لَا يَبِيعُ الْخُبْزَ مِنْ أَحَدٍ ، وَإِنْ بَاعَهُ اسْتَرَدَّهُ ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ ، تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ ، وَيُطْعِمُهُ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ، وَلَا يُطْعِمُ مَا يُؤْكَلُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إذَا أَطْعَمَهُ لَمْ يُذْبَحْ حَتَّى يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ .
عَلَى مَعْنَى الْجَلَّالَةِ .
قِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ ؟ } .
قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ ، إنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ .
قِيلَ لَهُ : فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْحَجَّامِ ، يُطْعَمُ النَّاضِحَ وَالرَّقِيقَ ؟ قَالَ : هَذَا أَشَدُّ عِنْدِي ، لَا يُطْعَمُ الرَّقِيقَ ، لَكِنْ يَعْلِفُهُ الْبَهَائِمَ .
قِيلَ لَهُ : أَيْنَ الْحُجَّةُ ؟ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، عَنْ صَخْرٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ قَوْمًا اخْتَبَزُوا مِنْ آبَارِ الَّذِينَ مُسِخُوا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَطْعِمُوهُ النَّوَاضِحَ } .
( 7837 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَرَى أَنْ يُطْعِمَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ الْمَيْتَةَ ، وَلَا الطَّيْرَ الْمُعَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ يَضْرِيهِ عَلَى الْمَيْتَةِ ، فَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ ، فَلَا أَرَى صَاحِبَهُ حَرِجًا .
وَلَعَلَّ أَحْمَدَ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ إذَا صَادَ وَقَتَلَ أَكَلَ مِنْهُ ، لِتَضْرِيَتِهِ بِإِطْعَامِهِ الْمَيْتَةَ .
وَلَمْ يَكْرَهْ مَالِكٌ إطْعَامَ كَلْبِهِ وَطَيْرِهِ الْمَيْتَةَ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ ، إذَا كَانَ لَا يَشْرَبُ فِي إنَائِهِ .
( 7838 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : أَكْرَهُ أَكْلَ الطِّينِ ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ حَدِيثٌ ، إلَّا أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَدَنِ ، وَيُقَالُ : إنَّهُ رَدِيءٌ ، وَتَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ أَكْلِهِ .
وَإِنَّمَا كَرِهَهُ أَحْمَدُ لِأَجْلِ مَضَرَّتِهِ .
فَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا يُتَدَاوَى بِهِ كَالطِّينِ ، الْأَرْمَنِيِّ ، فَلَا يُكْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ ، كَالشَّيْءِ الْيَسِيرِ ، جَازَ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ ، وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ مَا يَضُرُّ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا ، فَلَمْ يُكْرَهْ .
( 7839 ) فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ أَكْلُ الْبَصَلِ ، وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ ، وَالْفُجْلِ ، وَكُلِّ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ ، مِنْ أَجْلِ رَائِحَتِهِ ، سَوَاءٌ أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ يُرِدْ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّاسُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَإِنْ أَكَلَهُ لَمْ يَقْرَبْ مِنْ الْمَسْجِدِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَلَيْسَ أَكْلُهَا مُحَرَّمًا ؛ لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَيْهِ بِطَعَامٍ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِيهِ الثُّومُ .
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَحَرَامٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّنِي أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ { : كُلْ الثُّومَ ، فَلَوْلَا أَنَّ الْمَلَكَ يَأْتِينِي لَأَكَلْته } .
وَإِنَّمَا مُنِعَ أَكْلُهَا لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ بِرَائِحَتِهِ ؛ وَلِذَلِكَ نُهِيَ عَنْ قُرْبَانِ الْمَسَاجِدِ ، فَإِنْ أَتَى الْمَسَاجِدَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ ؛ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، قَالَ : { أَكَلْت ثُومًا ، وَأَتَيْت مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُبِقْت بِرَكْعَةٍ ، فَلَمَّا دَخَلْت الْمَسْجِدَ ، وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحَ الثُّومِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ ، قَالَ : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، فَلَا يَقْرَبْنَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا .
فَجِئْت ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ : لِتُعْطِنِي يَدَك .
قَالَ : فَأَدْخَلْت يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصِي إلَى صَدْرِي ، فَإِذَا أَنَا
مَعْصُوبُ الصَّدْرِ ، فَقَالَ : إنَّ لَك عُذْرًا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ ، وَلِأَنَّ أَذَى الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ وَهَذَا فِيهِ أَذَاهُمْ .
فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ أَكْلُ الْغُدَّةِ ، وَأُذُنِ الْقَلْبِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ سِتًّا .
وَذَكَرَ هَذَيْنِ .
وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُمَا وَتَسْتَخْبِثُهُمَا ، وَلَا أَظُنُّ أَحْمَدَ كَرِهَهُمَا إلَّا لِذَلِكَ ، لَا لِلْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ .
وَلِأَنَّ فِي الْخَبَرِ ذِكْرَ الطِّحَالِ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَا أَكْرَهُ مِنْهُ شَيْئًا .
( 7841 ) فَصْلٌ : وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُبْنُ ؟ قَالَ : يُؤْكَلُ مِنْ كُلٍّ .
وَسُئِلَ عَنْ الْجُبْنِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ ؟ فَقَالَ مَا أَدْرِي ، إلَّا أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ ، قَالَ : سُئِلَ عُمَرُ عَنْ الْجُبْنِ ، وَقِيلَ لَهُ : يُعْمَلُ فِيهِ الْإِنْفَحَةُ الْمَيِّتَةُ .
فَقَالَ : سَمُّوا أَنْتُمْ ، وَكُلُوا .
رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ الْأَعْمَشِ .
وَقَالَ أَلَيْسَ الْجُبْنُ الَّذِي نَأْكُلُهُ عَامَّتُهُ يَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ ؟ .
( 7842 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَوْزَ الَّذِي يَتَقَامَرُ بِهِ الصِّبْيَانُ ، وَلَا الْبَيْضَ الَّذِي يَتَقَامَرُونَ بِهِ يَوْمَ الْعِيدِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ .
( 7843 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : وَالضِّيَافَةُ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ ، كُلُّ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ ضَيْفٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَهُ .
قِيلَ إنْ ضَافَ الرَّجُلَ ضَيْفٌ كَافِرٌ يُضِيفُهُ ؟ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } .
وَهَذَا الْحَدِيثُ بَيِّنٌ ، وَلَمَّا أَضَافَ الْمُشْرِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالْمُشْرِكَ يُضَافُ ، وَأَنَا أَرَاهُ كَذَلِكَ .
وَالضِّيَافَةُ مَعْنَاهَا مَعْنَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ .
وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى طَعَامِهِ ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُضِفْهُ .
وَلَنَا مَا رَوَى الْمِقْدَامُ أَبُو كَرِيمَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ ، إنْ شَاءَ اقْتَضَى ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ } .
حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَفِي لَفْظٍ { : أَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا ، فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا ، فَإِنَّ نَصْرَهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ ، يَأْخُذُ بِحَقِّهِ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَالْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَالْكَمَالُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ .
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُؤْثِمُهُ ؟ قَالَ : يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ " كَأَنَّهُ أَوْكَدُ مِنْ سَائِرِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَمْ يُرِدْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سِوَى الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ، وَقَدْ قَالَ : " وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، فَهُوَ صَدَقَةٌ " .
فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إضَافَتِهِ ، فَلِلضَّيْفِ بِقَدْرِ
ضِيَافَتِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمْ بِحَقِّهِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بِعِلْمِ أَهْلِهِ .
وَعَنْهُ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَكْفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ؛ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّك تَبْعَثُنَا ، فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا .
قَالَ { : إذَا نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ ، فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ ، فَاقْبَلُوا ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ } .
يَعْنِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْضِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَضَرْعِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ ، بِغَيْرِ إذْنِهِمْ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الضِّيَافَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الضِّيَافَةِ ، أَيَّ شَيْءٍ تَذْهَبُ فِيهَا ؟ قَالَ هِيَ مُؤَكَّدَةٌ ، وَكَأَنَّهَا عَلَى أَهْلِ الطُّرُقِ وَالْقُرَى الَّذِينَ يَمُرُّ بِهِمْ النَّاسُ أَوْكَدُ ، فَأَمَّا مِثْلُنَا الْآنَ ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ أُولَئِكَ .
( 7844 ) فَصْلٌ : قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، قُلْت : تَكْرَهُ الْخُبْزَ الْكِبَارَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَكْرَهَهُ ، لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ ، إنَّمَا الْبَرَكَةُ فِي الصِّغَارِ .
وَقَالَ : مُرْهُمْ أَنْ لَا يَخْبِزُوا كِبَارًا .
قَالَ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ .
وَقَالَ مُهَنَّا : ذَكَرْت لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنْ سَلْمَانَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ } .
فَقَالَ لِي يَحْيَى : مَا أَحْسَنَ الْوُضُوءَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ .
وَذَكَرْت الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ فَقَالَ : مَا حَدَّثَ بِهَذَا إلَّا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ .
قُلْت : بَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ غَسْلَ الْيَدِ عِنْدَ الطَّعَامِ ، لِمَ كَرِهَ سُفْيَانُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ .
قُلْت : بَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : كَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْقَصْعَةِ الرَّغِيفُ ، لِمَ كَرِهَهُ سُفْيَانُ ؟ قَالَ : كَرِهَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الطَّعَامُ .
قُلْت : تَكْرَهُهُ أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَرُوِيَ عَنْ عَقِيلٍ ، قَالَ : حَضَرْت مَعَ ابْنِ شِهَابٍ وَلِيمَةً ، فَفَرَشُوا الْمَائِدَةَ بِالْخُبْزِ ، فَقَالَ : لَا تَتَّخِذُوا الْخُبْزَ بِسَاطًا .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إنَّ أَبَا مَعْمَرٍ قَالَ : إنَّ أَبَا أُسَامَةَ قَدَّمَ إلَيْهِمْ خُبْزًا ، فَكَسَرَهُ .
قَالَ : هَذَا لِئَلَّا تَعْرِفُوا كَمْ تَأْكُلُونَ .
وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : يُكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا ؟ قَالَ : أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا آكُلُ مُتَّكِئًا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : { مَا رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( 7845 ) فَصْلٌ : وَتُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الطَّعَامِ ، وَحَمْدُ اللَّهِ عِنْدَ آخِرِهِ ؛ لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ ، قَالَ : أَكَلْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَالَتْ يَدِي فِي الْقَصْعَةِ ، فَقَالَ { : سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِك ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ } .
قَالَ فَمَازَالَتْ أَكْلَتِي بَعْدُ .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لِلطَّاعِمِ الشَّاكِرِ مِثْلُ مَا لِلصَّائِمِ الصَّابِرِ } .
قَالَ أَحْمَدُ : مَعْنَاهُ إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ ، يَشْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ عَلَى مَا رَزَقَهُ .
وَعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ ، فَلْيَقُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا ، وَرَزَقَنِيهِ ، مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ .
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ { : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَكَلَ طَعَامًا قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا ، وَسَقَانَا ، وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ } .
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رُفِعَ طَعَامُهُ ، أَوْ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ ، وَلَا مُوَدَّعٍ } .
رَوَاهُنَّ ابْنُ مَاجَهْ ( 7846 ) فَصْلٌ : وَيَأْكُلُ بِيَمِينِهِ ، وَيَشْرَبُ بِهَا ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ
يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ .
وَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ ؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ ، وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
وَذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ تَرْوِيهِ ابْنَةُ الزُّهْرِيِّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ بِكَفِّهِ كُلِّهَا ، فَلَمْ يُصَحِّحْهُ ، وَلَمْ يَرَ إلَّا ثَلَاثَ أَصَابِعَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَكَلَ خَبِيصًا بِكَفِّهِ كُلِّهَا .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى بَنَاتَهُ أَنْ يَأْكُلْنَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ ، وَقَالَ : لَا تَشَبَّهْنَ بِالرِّجَالِ .
( 7847 ) فَصْلٌ : قَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ صَنِيعُ الْأَعَاجِمِ } .
فَقَالَ : لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، لَا نَعْرِفُ هَذَا .
وَقَالَ : حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ خِلَافُ هَذَا ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ ، فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ ، وَطَرَحَ السِّكِّينَ .
وَحَدِيثُ مِسْعَرٍ ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ الْمُغِيرَةِ الْيَشْكُرِيِّ ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ { : ضِفْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ ، ثُمَّ أَخَذَ الشَّفْرَةَ ، فَجَعَلَ يَحُزُّ ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ ، فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ } .
قَالَ : وَسَأَلْت أَحْمَدَ ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { اُكْفُفْ جُشَاءَك يَا أَبَا جُحَيْفَةَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُمْ شِبَعًا الْيَوْمَ أَكْثَرُكُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
فَقَالَ هُوَ وَيَحْيَى جَمِيعًا : لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
( 7848 ) فَصْلٌ : وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفُخُ فِي طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ ، وَلَا يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ } .
وَعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : { مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ وَلَا فِي سُكْرُجَةٍ .
قَالَ قَتَادَةُ : فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ ؟ قَالَ : عَلَى السُّفَرِ } .
وَعَنْ عَائِشَةَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى الطَّعَامِ حَتَّى يُرْفَعَ } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ ، فَلَا يَقُمْ رَجُلٌ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ حَتَّى يَفْرُغَ الْقَوْمُ ، وَلْيُعْذِرْ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُخْجِلُ جَلِيسَهُ ، فَيَقْبِضُ يَدَهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الطَّعَامِ حَاجَةٌ } .
وَعَنْ
نُبَيْشَةَ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ ، فَلَحِسَهَا ، اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ } .
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا يَمْسَحْ أَحَدُكُمْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ } .
رَوَاهُنَّ ابْنُ مَاجَهْ .
( 7849 ) فَصْلٌ : وَسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ غَسْلِ الْيَدِ بِالنُّخَالَةِ ؟ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، نَحْنُ نَفْعَلُهُ .
وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْقَوْمَ ، وَهُمْ عَلَى طَعَامٍ ، فَجْأَةً لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلَ إلَيْهِمْ دَعَوْهُ ، هَلْ يَأْكُلُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَمَا بَأْسٌ .
وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، أَنَّهُ ادَّخَرَ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ } .
هُوَ صَحِيحٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي لَفْظِهِ .
( 7850 ) فَصْلٌ : عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ ، فَأَكَلَ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ } .
وَعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : { صَنَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ، فَدَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ : أَثِيبُوا أَخَاكُمْ } .
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا إثَابَتُهُ ؟ قَالَ { : إنَّ الرَّجُلَ إذَا دُخِلَ بَيْتُهُ ، فَأُكِلَ طَعَامُهُ ، وَشُرِبَ شَرَابُهُ ، فَدَعَوْا لَهُ ، فَذَلِكَ إثَابَتُهُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْأَضَاحِيِّ : الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ .
أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } .
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : الْمُرَادُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَمَا رَوَى أَنَسٌ ، قَالَ : { ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى ، وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْأَمْلَحُ : الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ ، وَبَيَاضُهُ أَغْلَبُ .
قَالَهُ الْكِسَائِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : هُوَ النَّقِيُّ الْبَيَاضِ .
قَالَ الشَّاعِرُ : حَتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعًا أَشْيَبَا أَمْلَحَ لَا لُدَّا وَلَا مُحَبَّبَا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ .
( 7851 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ ، لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ، أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً غَيْرَ وَاجِبَةٍ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ قَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ : هِيَ وَاجِبَةٌ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ ، وَلَمْ يُضَحِّ ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا } .
وَعَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ ، فِي كُلِّ عَامٍ ، أَضْحَاةً وَعَتِيرَةً } .
وَلَنَا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ { : الْوِتْرُ ، وَالنَّحْرُ ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ } .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
عَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ ، وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْإِرَادَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ لَمْ يَجِبْ تَفْرِيقُ لَحْمِهَا ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً ، كَالْعَقِيقَةِ ، فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ ، كَمَا قَالَ { : غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ } .
وَقَالَ { مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا } .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي الْيَتِيمِ : يُضَحِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا .
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ .
( 7852 ) فَصْلٌ : وَالْأُضْحِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَتِهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ .
وَرُوِيَ عَنْ بِلَالٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أُضَحِّيَ إلَّا بِدِيكٍ ، وَلَأَنْ أَضَعَهُ فِي يَتِيمٍ قَدْ تَرِبَ فُوهُ ، فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِخَاتَمِي هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُهْدِيَ إلَى الْبَيْتِ أَلْفًا .
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ ، لَعَدَلُوا إلَيْهَا .
وَرَوَتْ عَائِشَةُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ ، وَإِنَّهُ لَيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا ، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَنَّ إيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ
يُفْضِي إلَى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ ، فَهُوَ فِي الْهَدْيِ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِيهِ .
( 7853 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا ) ظَاهِرُ هَذَا تَحْرِيمُ قَصِّ الشَّعْرِ .
وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا .
وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .
وَقَالَ الْقَاضِي ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : هُوَ مَكْرُوهٌ ، غَيْرُ مُحَرَّمٍ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ : كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهَا بِيَدِهِ ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ ، حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَاللِّبَاسُ ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ حَلْقُ الشَّعْرِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ .
وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا ، حَتَّى يُضَحِّيَ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمُقْتَضَى النَّهْيِ التَّحْرِيمُ ، وَهَذَا يَرُدُّ الْقِيَاسَ وَيُبْطِلُهُ ، وَحَدِيثُهُمْ عَامٌّ ، وَهَذَا خَاصٌّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ ، بِتَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَا مَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ الْخَاصُّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ حَدِيثِهِمْ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِوُجُوهٍ ؛ مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ { : وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } .
وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَفْعَلَهُ ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فَعَلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تَعْلَمُ ظَاهِرًا مَا يُبَاشِرُهَا بِهِ مِنْ
الْمُبَاشَرَةِ ، أَوْ مَا يَفْعَلُهُ دَائِمًا ، كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ ، فَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ نَادِرًا ، كَقَصِّ الشَّعْرِ ، وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ ، مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْأَيَّامِ إلَّا مَرَّةً ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْهُ بِخَبَرِهَا ، وَإِنْ احْتَمَلَ إرَادَتَهَا إيَّاهُ ، فَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ ، وَمَا كَانَ هَكَذَا ، فَاحْتِمَالُ تَخْصِيصِهِ قَرِيبٌ ، فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيلٍ ، وَخَبَرُنَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ ، فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ ؛ وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِ وَأُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ ، وَالْقَوْلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ خَاصًّا لَهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُ قَطْعَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ ، فَإِنْ فَعَلَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى .
وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ إجْمَاعًا ، سَوَاءٌ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا .
( 7854 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ ) وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَعَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : لَا تُجْزِئُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ عَنْ سَبْعَةٍ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَالِكٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : مَا عَلِمْت أَحَدًا إلَّا يُرَخِّصُ فِي ذَلِكَ ، إلَّا ابْنَ عُمَرَ .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّ الْجَزُورَ عَنْ عَشَرَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ .
وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ ؛ لِمَا رَوَى رَافِعٌ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَحَضَرَ الْأَضْحَى ، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْجَزُورِ عَنْ عَشَرَةٍ ، وَالْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ ، قَالَ : نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ .
وَقَالَ أَيْضًا : كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، نَشْتَرِكُ فِيهَا .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهَذَانِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ .
وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعٍ ، فَهُوَ فِي الْقِسْمَةِ ، لَا فِي الْأُضْحِيَّةِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِكُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا ، مُفْتَرِضِينَ أَوْ مُتَطَوِّعِينَ أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ الْقُرْبَةَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يُجْزِئُ عَنْهُ نَصِيبُهُ ، فَلَا تَضُرُّهُ نِيَّةُ غَيْرِهِ فِي عُشْرِهِ .
( 7855 ) فَصْلٌ : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ شَاةً وَاحِدَةً ، أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ صَالِحٌ : قُلْت لِأَبِي : يُضَحَّى بِالشَّاةِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، لَا بَأْسَ ، قَدْ ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبْشَيْنِ ، فَقَرَّبَ أَحَدَهُمَا ، فَقَالَ : { بِسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ } .
وَقَرَّبَ الْآخَرَ ، فَقَالَ { : بِسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك ، عَمَّنْ وَحَّدَك مِنْ أُمَّتِي } .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ ، فَتَجِيءُ ابْنَتُهُ ، فَتَقُولُ : عَنِّي ؟ فَيَقُولُ : وَعَنْك .
وَكَرِهَ ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ، فَإِذَا اشْتَرَكَ فِيهَا اثْنَانِ ، لَمْ تُجْزِ عَنْهُمَا ، كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ .
وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِكَبْشٍ لِيُضَحِّيَ بِهِ ، فَأَضْجَعَهُ ، ثُمَّ ذَبَحَهُ ، ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ } .
وَعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ { ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ : وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، عَلَى مِلَّةِ ، إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ، مُسْلِمًا ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ، بِسْمِ اللَّهِ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ .
ثُمَّ ذَبَحَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ { : كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ
عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَيَأْكُلُونَ ، وَيُطْعِمُونَ النَّاسَ } .
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
( 7856 ) فَصْلٌ : وَأَفْضَلُ الْأَضَاحِيِّ الْبَدَنَةُ ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ ، ثُمَّ الشَّاةُ ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : الْأَفْضَلُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ ، ثُمَّ الْبَدَنَةُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ ، وَلَا يَفْعَلُ إلَّا الْأَفْضَلَ ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ لَفَدَى بِهِ إِسْحَاقَ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي الْجُمُعَةِ : مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً } .
وَلِأَنَّهُ ذَبْحٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَانَتْ الْبَدَنَةُ فِيهِ أَفْضَلَ ، كَالْهَدْيِ فَإِنَّهُ قَدْ سَلَّمَهُ ؛ وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ ثَمَنًا وَلَحْمًا وَأَنْفَعُ ، فَأَمَّا التَّضْحِيَةُ بِالْكَبْشِ ؛ فَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَجْنَاسِ الْغَنَمِ ، وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْفِدَاءِ بِهِ أَفْضَلُ ، وَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ شِرْكٍ فِي بَدَنَةٍ ؛ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ ، وَالْمُنْفَرِدُ يَتَقَرَّبُ بِإِرَاقَتِهِ كُلِّهِ .
وَالْكَبْشُ أَفْضَلُ الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّهُ أُضْحِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَطْيَبُ لَحْمًا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، أَنَّ جَذَعَ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ ؛ لِذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : نِعْمَ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ } .
وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الثَّنِيَّ أَفْضَلُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً ، فَإِنْ عَسِرَ
عَلَيْكُمْ ، فَاذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الثَّنِيِّ عَلَى الْجَذَعِ ؛ لِكَوْنِهِ جَعَلَ الثَّنِيَّ أَصْلًا وَالْجَذَعَ بَدَلًا ، لَا يُنْتَقَلُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الثَّنِيِّ .
( 7857 ) فَصْلٌ : وَيُسَنُّ اسْتِسْمَانُ الْأُضْحِيَّةِ وَاسْتِحْسَانُهَا ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَعْظِيمُهَا اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِعْظَامُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا ، وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا .
وَالْأَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْغَنَمِ فِي لَوْنِهَا الْبَيَاضُ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَوْلَاةِ أَبِي وَرَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : دَمُ عَفْرَاءَ ، أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : دَمُ بَيْضَاءَ ، أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ .
وَلِأَنَّهُ لَوْنُ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَا كَانَ أَحْسَنَ لَوْنًا ، فَهُوَ أَفْضَلُ .
( 7858 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ، وَالثَّنِيُّ مِنْ غَيْرِهِ ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ، وَالزُّهْرِيُّ : لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ ، فَلَا يُجْزِئُ مِنْهُ كَالْحَمَلِ ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فَلَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ ؛ لِمَا رَوَى مُجَاشِعُ بْنُ سُلَيْمٍ ، قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، .
وَلَنَا عَلَى أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ يُجْزِئُ ، حَدِيثُ مُجَاشِعٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا ، وَعَلَى أَنَّ الْجَذَعَةَ مِنْ غَيْرِهَا لَا تُجْزِئُ ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً ، فَإِنْ عَسِرَ عَلَيْكُمْ ، فَاذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ } .
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ { : عِنْدِي جَذَعَةٌ ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ ، فَهَلْ تُجْزِئُ عَنِّي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ لِمَا ذَكَرْنَا .
قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : إنَّمَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ ، فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْزِ لَمْ يُلَقِّحْ حَتَّى يَكُونَ ثَنِيًّا .
( 7859 ) فَصْلٌ : وَلَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ غَيْرُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَحْشِيًّا ، لَمْ يُجْزِئْ أَيْضًا .
وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ بَقَرَةَ الْوَحْشِ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالظَّبْيَ عَنْ وَاحِدٍ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : وَلَدُ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ يُجْزِئُ ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ وَحْشِيًّا .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يُجْزِئُ إذَا كَانَ مَنْسُوبًا إلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { : لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعَامِ } .
وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ .
وَعَلَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ ، أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ بَيْنِ مَا يُجْزِئُ وَمَا لَا يُجْزِئُ ، فَلَمْ يُجْزِئْ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَحْشِيَّةً .
( 7860 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَدَخَلَ فِي السَّابِعِ ) قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ : سَأَلْت بَعْضَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ : كَيْفَ تَعْرِفُونَ الضَّأْنَ إذَا أَجْذَعَ ؟ قَالَ : لَا تَزَالُ الصُّوفَةُ قَائِمَةً عَلَى ظَهْرِهِ مَادَامَ حَمَلًا ، فَإِذَا نَامَتْ الصُّوفَةُ عَلَى ظَهْرِهِ ، عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَجْذَعَ .
وَثَنِيُّ الْمَعْزِ إذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ ، وَالْبَقَرَةُ إذَا صَارَ لَهَا سَنَتَانِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ ، وَالْإِبِلُ إذَا كَمَلَ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَبُو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ ، وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ : إذَا مَضَتْ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ عَلَى الْبَعِيرِ ، وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ ، وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ ، فَهُوَ حِينَئِذٍ ثَنِيٌّ ، وَنَرَى إنَّمَا سُمِّيَ ثَنِيًّا ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ .
وَأَمَّا الْبَقَرَةُ : فَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً } .
وَمُسِنَّةُ الْبَقَرِ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ .
وَقَالَ وَكِيعٌ : الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ يَكُونُ ابْنَ سَبْعَةِ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
( 7861 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيُجْتَنَبُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي ، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا ، وَالْعَضْبَاءُ ، وَالْعَضَبُ ذَهَابُ أَكْثَرِ مِنْ نِصْفِ الْأُذُنِ أَوْ الْقَرْنِ ) أَمَّا الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ ؛ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ { : أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ ؛ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ .
وَمَعْنَى الْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا ، الَّتِي قَدْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا ، وَذَهَبَتْ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا ، وَالْعَيْنُ عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ وَلَمْ تَذْهَبْ ، جَازَتْ التَّضْحِيَةُ بِهَا ؛ لِأَنَّ عَوَرَهَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ ، وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ لَحْمَهَا .
وَالْعَجْفَاءُ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي ، هِيَ الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا فِي عِظَامِهَا ؛ لِهُزَالِهَا ، وَالنِّقْيُ : الْمُخُّ ، قَالَ الشَّاعِرُ : لَا يَشْتَكِينَ عَمَلًا مَا أَنْقَيْنَ مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلَامَى أَوْ عَيْن فَهَذِهِ لَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهَا لَا لَحْمَ فِيهَا ، إنَّمَا هِيَ عِظَامٌ مُجْتَمِعَةٌ .
وَأَمَّا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا : فَهِيَ الَّتِي بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهَا مِنْ اللِّحَاقِ بِالْغَنَمِ فَتَسْبِقُهَا إلَى الْكَلَإِ فَيَرْعَيْنَهُ وَلَا تُدْرِكُهُنَّ ، فَيَنْقُصُ لَحْمُهَا ، فَإِنْ كَانَ عَرَجًا يَسِيرًا لَا يُفْضِي بِهَا إلَى ذَلِكَ ، أَجْزَأَتْ .
وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا : فَهِيَ الَّتِي بِهَا مَرَضٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ زَوَالِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ لَحْمَهَا وَقِيمَتَهَا نَقْصًا كَبِيرًا ، وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَهِيَ الَّتِي يَبِينُ أَثَرُهُ عَلَيْهَا ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ لَحْمَهَا وَيُفْسِدُهُ ، وَهُوَ أَصَحُّ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضَةِ الْجَرْبَاءُ ؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيُهْزِلُ إذَا كَثُرَ .
وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ ، وَتَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِلَا دَلِيلٍ ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيَنْقُصُهُ ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى .
وَأَمَّا الْعَضَبُ : فَهُوَ ذَهَابُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأُذُنِ أَوْ الْقَرْنِ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَيْضًا .
وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ : تُجْزِئُ مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ .
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعَمَّارٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانَ قَرْنُهَا يَدْمَى ، لَمْ يَجُزْ ، وَإِلَّا جَازَ .
وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ : إذَا ذَهَبَتْ الْأُذُنُ كُلُّهَا ، لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ ذَهَبَ يَسِيرٌ ، جَازَ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ } .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ يُجْزِئُ ؛ وَلِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ ، قَالَ : قُلْت لِلْبَرَاءِ فَإِنِّي أَكْرَهُ النَّقْصَ مِنْ الْقَرْنِ وَمِنْ الذَّنَبِ .
فَقَالَ : اكْرَهْ لِنَفْسِك مَا شِئْت ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ .
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّحْمُ ، وَلَا يُؤَثِّرُ ذَهَابُ ذَلِكَ فِيهِ .
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ .
} قَالَ قَتَادَةُ : فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، الْعَضَبُ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ } .
رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ .
وَهَذَا مَنْطُوقٌ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ .
( 7862 ) فَصْلٌ : وَلَا تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْعَوْرَاءِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْعَمْيَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَاهَا بَيِّنًا ؛ لِأَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ مَشْيَهَا مَعَ الْغَنَمِ ، وَمُشَارَكَتَهَا فِي الْعَلَفِ .
وَلَا تُجْزِئُ مَا قُطِعَ مِنْهَا عُضْوٌ ، كَالْأَلْيَةِ وَالْأَطْبَاءِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : لَا تَجُوزُ الْعَجْفَاءُ ، وَلَا الْجَدَّاءُ .
قَالَ أَحْمَدُ : هِيَ الَّتِي قَدْ يَبِسَ ضَرْعُهَا .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ مِنْ ذَهَابِ شَحْمَةِ الْعَيْنِ .
( 7863 ) فَصْلٌ : وَيُجْزِئُ الْخَصِيُّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ وَالْوَجَأُ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ ، وَمَا قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ أَوْ شَلَّتَا ، فَهُوَ كَالْمَوْجُوءِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ؛ وَلِأَنَّ الْخِصَاءَ ذَهَابُ عُضْوٍ غَيْرِ مُسْتَطَابٍ ، يَطِيبُ اللَّحْمُ بِذَهَابِهِ ، وَيَكْثُرُ وَيَسْمَنُ .
قَالَ الشَّعْبِيُّ : مَا زَادَ فِي لَحْمِهِ وَشَحْمِهِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَهَبَ مِنْهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا .
( 7864 ) فَصْلٌ : وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا قَرْنٌ ، وَالصَّمْعَاءُ ، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ الْأُذُنِ ، وَالْبَتْرَاءُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا ذَنَبَ لَهَا ، سَوَاءٌ كَانَ خِلْقَةً أَوْ مَقْطُوعًا .
وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ بَأْسًا بِالْبَتْرَاءِ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ .
وَكَرِهَ اللَّيْثُ أَنْ يُضَحَّى بِالْبَتْرَاءِ مَا فَوْقَ الْقَصَبَةِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِالْجَمَّاءِ ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقَرْنِ يَمْنَعُ ، فَذَهَابُ جَمِيعِهِ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْعَوَرُ ، مَنَعَ مِنْهُ الْعَمَى ، فَكَذَلِكَ مَا مَنَعَ مِنْهُ الْعَضَبُ ، يَمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ أَجَمَّ أَوْلَى .
وَلَنَا أَنَّ هَذَا نَقْصٌ لَا يَنْقُصُ اللَّحْمَ ، وَلَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ نَهْيٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ ، وَفَارَقَ الْعَضَبَ ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهُ وَارِدٌ ، وَهُوَ عَيْبٌ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدْمَى وَآلَمَ الشَّاةَ ، فَيَكُونُ كَمَرَضِهَا ، وَيُقَبِّحُ مَنْظَرَهَا ، بِخِلَافِ الْأَجَمِّ ، فَإِنَّهُ حُسْنٌ فِي الْخِلْقَةِ لَيْسَ بِمُرْضٍ وَلَا عَيْبٍ ، إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ مَا كَانَ كَامِلَ الْخِلْقَةِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ضَحَّى بِكَبْشٍ أَقْرَنَ أَمْلَحَ .
وَقَالَ { : خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ } .
وَأَمَرَ
بِاسْتِشْرَافِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ .
( 7865 ) فَصْلٌ : وَتُكْرَهُ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ ، وَالْمَثْقُوبَةُ ، وَمَا قُطِعَ شَيْءٌ مِنْهَا ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ ، وَلَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ ، وَلَا مُدَابَرَةٍ ، وَلَا خَرْقَاءَ ، وَلَا شَرْقَاءَ .
قَالَ زُهَيْرٌ قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ ، مَا الْمُقَابَلَةُ ؟ قَالَ يُقْطَعُ طَرَفُ الْأُذُنِ .
قُلْت : فَمَا الْمُدَابَرَةُ ؟ قَالَ يُقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ الْأُذُنِ .
قُلْت : فَمَا الشَّرْقَاءُ ؟ قَالَ : تُشَقُّ الْأُذُنُ .
قُلْت : فَمَا الْخَرْقَاءُ ؟ قَالَ : تَشُقُّ أُذُنَهَا السِّمَةُ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
قَالَ الْقَاضِي : الْخَرْقَاءُ الَّتِي انْثَقَبَتْ أُذُنُهَا .
وَهَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ ، وَيَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِهَا ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ؛ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ إذْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ سَالِمٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ .
( 7866 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَوْ أَوْجَبَهَا سَلِيمَةً ، فَعَابَتْ عِنْدَهُ ، ذَبَحَهَا ، وَكَانَتْ أُضْحِيَّةً وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ ، ثُمَّ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ ، ذَبَحَهَا ، وَأَجْزَأَتْهُ .
رُوِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا تُجْزِئْهُ ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ عِنْدَهُمْ وَاجِبَةٌ ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِإِرَاقَةِ دَمِهَا سَلِيمَةً ، كَمَا لَوْ أَوْجَبَهَا فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ عَيَّنَهَا ، فَعَابَتْ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ : { ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ .
} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ ، كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ بِمُعَالَجَةِ الذَّبْحِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِعَيْنِهَا .
فَأَمَّا إنْ تَعَيَّبَتْ بِفِعْلِهِ ، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا عَالَجَ ذَبْحَهَا ، فَقَلَعَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا ، أَجْزَأَتْ ، اسْتِحْسَانًا .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَيْبٌ أَحْدَثَهُ بِهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا ، فَلَمْ تُجْزِئْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ مُعَالَجَةِ الذَّبْحِ .
( 7867 ) فَصْلٌ : وَإِنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي شَاةٍ ، تَعَيَّنَتْ ، فَإِنْ عَابَتْ تِلْكَ الشَّاةُ قَبْلَ ذَبْحِهَا ، لَمْ تُجْزِئْ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِذَبْحِ شَاةٍ سَلِيمَةٍ ، كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ ، فَاشْتَرَاهَا ، ثُمَّ عَابَتْ عِنْدَهُ ، لَمْ تُجْزِئْهُ ، وَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ فَعَابَ ، أَجْزَأَ عَنْهُ .
( 7868 ) فَصْلٌ : إذَا أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ الْوَاجِبَةَ ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ أَتْلَفَهَا ، فَإِنْ غَلَتْ الْغَنَمُ ، فَصَارَ مِثْلُهَا خَيْرًا مِنْ قِيمَتِهَا ، فَقَالَ : أَبُو الْخَطَّابِ : يَلْزَمُهُ مِثْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي ذَبْحِهَا ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا ، كَمَا لَوْ لَمْ تَتَعَيَّبْ ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ يَوْمَ إتْلَافِهَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ ، فَلَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ، وَكَسَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ .
فَإِنْ رَخُصَتْ الْغَنَمُ ، فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى مِثْلِهَا ، مِثْلَ أَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَ إتْلَافِهَا عَشَرَةً ، فَصَارَتْ قِيمَةُ مِثْلِهَا خَمْسَةً ، فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، فَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا أُضْحِيَّةً وَاحِدَةً تُسَاوِي عَشَرَةً ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى اثْنَتَيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَاحِدَةً ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْعَشَرَةِ مَا لَا يَجِيءُ بِهِ أُضْحِيَّةٌ ، اشْتَرَى بِهِ شِرْكًا فِي بَدَنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِذَلِكَ ، أَوْ لَمْ تُمْكِنْهُ الْمُشَارَكَةُ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَشْتَرِي لَحْمًا ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَتَفْرِقَةَ اللَّحْمِ مَقْصُودَانِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ .
وَالثَّانِي ، يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ التَّقَرُّبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ ، كَانَ اللَّحْمُ وَثَمَنُهُ سَوَاءً .
فَإِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ أَجْنَبِيًّا ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ أَتَلَفَهَا ، وَجْهًا وَاحِدًا ، وَيَلْزَمُهُ دَفْعُهَا إلَى صَاحِبِهَا ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْقِيمَةُ ثَمَنَ أُضْحِيَّةٍ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى فِيمَا زَادَ عَلَى
ثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُضَحِّي .
فَإِنْ تَلِفَتْ الْأُضْحِيَّةُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ، أَوْ سُرِقَتْ ، أَوْ ضَلَّتْ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ كَالْوَدِيعَةِ .
( 7869 ) فَصْل : وَإِنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً ، فَلَمْ يُوجِبْهَا حَتَّى عَلِمَ بِهَا عَيْبًا ، فَلَهُ رَدُّهَا إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهَا ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَيْبُهَا يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّضْحِيَةُ بِهَا ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا ، وَالْأَرْشُ لَهُ .
وَإِنْ أَوْجَبَهَا ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا مَعِيبَةٌ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّهَا وَأَخْذِ أَرْشِهَا ، فَإِنْ أَخَذَ أَرْشَهَا ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّائِدِ عَنْ قِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ لَهُ ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا إنَّمَا صَادَفَهَا بِدُونِ هَذَا الَّذِي أَخَذَ أَرْشَهُ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْإِيجَابُ بِالْأَرْشِ ، وَلَا بِمُبْدَلِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا ثُمَّ أَخَذَ أَرْشَهَا .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ : لَا يَمْلِكُ رَدَّهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِإِيجَابِهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مَعِيبًا فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّن أَخْذُ الْأَرْشِ .
وَفِي كَوْنِ الْأَرْشِ لِلْمُشْتَرِي ، وَوُجُوبِهِ فِي التَّضْحِيَةِ ، وَجْهَانِ ، ثُمَّ نَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ عَيْبُهَا لَا يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا ، فَقَدْ صَحَّ إيجَابُهَا ، وَالتَّضْحِيَةُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ عَيْبُهَا يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ أَوْجَبَهَا عَالِمًا بِعَيْبِهَا ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( 7870 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ وَلَدَتْ ، ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً فَوَلَدَتْ فَوَلَدُهَا تَابِعٌ لَهَا ، حُكْمُهُ حُكْمُهَا ، سَوَاءٌ كَانَ حَمْلًا حِينَ التَّعْيِينِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، لَا يَذْبَحُهُ ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ حَيًّا ، وَإِنْ ذَبَحَهُ ، دَفَعَهُ إلَيْهِمْ مَذْبُوحًا ، وَأَرْشَ مَا نَقَصَهُ الذَّبْحُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا ، فَلَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ عَلَى صِفَتِهِ ، كَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا .
وَلَنَا ، أَنَّ اسْتِحْقَاقَ وَلَدِهَا حُكْمٌ يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ مِنْ الْأُمِّ ، فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لَهَا ، كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يَذْبَحُهُ كَمَا يَذْبَحُهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أُضْحِيَّةً عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِأُمِّهِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِهِ ، كَأُمِّهِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إنِّي اشْتَرَيْت هَذِهِ الْبَقَرَةَ لِأُضَحِّيَ بِهَا ، وَإِنَّهَا وَضَعَتْ هَذَا الْعِجْلَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ : لَا تَحْلُبْهَا إلَّا فَضْلًا عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى ، فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ .
رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيِّ ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَذْفٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ( 7871 ) فَصْلٌ : وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا الْفَاضِلَ عَنْ وَلَدِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ ، أَوَكَانَ الْحَلْبُ يَضُرُّ بِهَا ، أَوْ يُنْقِصُ لَحْمَهَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَلَهُ أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَحْلُبُهَا ، وَيَرُشُّ عَلَى الضَّرْعِ الْمَاءَ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ ، فَإِنْ احْتَلَبَهَا ، تَصَدَّقَ ، بِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ لِلْمُضَحِّي
الِانْتِفَاعُ بِهِ ، كَالْوَلَدِ وَلَنَا ، قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْلُبُهَا إلَّا فَضْلًا عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا .
وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّهَا ، فَأَشْبَهُ الرُّكُوبَ ، يُفَارِقُ الْوَلَدَ ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى مَحَلِّهِ ، أَمَّا اللَّبَنُ ، فَإِنْ حَلَبَهُ وَتَرَكَهُ فَسَدَ ، وَإِنْ لَمْ يَحْلُبْهُ ، تَعَقَّدَ الضَّرْعُ ، وَأَضَرَّ بِهَا ، فَجُوِّزَ لَهُ شُرْبُهُ ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ .
وَإِنْ احْتَلَبَ مَا يَضُرُّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَصُوفُهَا شَعْرُهَا ، وَوَبَرُهَا إذَا جَزَّهُ ، تَصَدَّقَ بِهِ ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ، فَلِمَ أَجَزْتُمْ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِاللَّبَنِ ؟ قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا : أَنَّ لَبَنَهَا يَتَوَلَّدُ مِنْ غِذَائِهَا وَعَلَفِهَا ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِهِ ، فَجَازَ صَرْفُهُ إلَيْهِ ، كَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا عَلَفَ الرَّهْنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلُبَ ، وَيَرْكَبَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّوفَ وَلَا الشَّعْرَ .
الثَّانِي ، أَنَّ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى الدَّوَامِ ، فَجَرَى مَجْرَى جِلْدِهَا وَأَجْزَائِهَا ، وَاللَّبَنُ يُشْرَبُ وَيُؤْكَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَجَرَى مَجْرَى مَنَافِعِهَا وَرُكُوبِهَا ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ ، وَالصُّوفُ وَالشَّعْرُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ دَائِمَةٌ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ .
( 7872 ) فَصْلٌ : وَأَمَّا صُوفُهَا ، فَإِنْ كَانَ جَزُّهُ أَنْفَعَ لَهَا ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ الرَّبِيعِ ، تَخِفُّ بِجَزِّهِ وَتَسْمَنُ ، جَازَ جَزُّهُ ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا ؛ لِقُرْبِ مُدَّةِ الذَّبْحِ أَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهَا ؛ لِكَوْنِهِ يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ بَعْضِ أَجْزَائِهَا .
( 7873 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِيجَابُهَا أَنْ يَقُولَ : هِيَ أُضْحِيَّةٌ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ ، وَتَتَعَيَّنُ بِهِ ، هُوَ الْقَوْلُ دُونَ النِّيَّةِ .
وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : إذَا اشْتَرَى شَاةً أَوَغَيْرَهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ ، صَارَتْ أُضْحِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ أُضْحِيَّةٍ ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِالنِّيَّةِ وَقَعَتْ عَنْهَا ، كَالْوَكِيلِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِلشِّرَاءِ ، كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ ، وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ جَعْلُهُ لِمُوَكِّلِهِ بَعْدَ إيقَاعِهِ ، وَهَا هُنَا بَعْدَ الشِّرَاءِ يُمْكِنُهُ جَعْلُهَا أُضْحِيَّةً .
فَأَمَّا إذَا قَالَ : هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ .
صَارَتْ وَاجِبَةً ، كَمَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ بُقُولِ سَيِّدِهِ : هَذَا حُرٌّ .
وَلَوْ أَنَّهُ قَلَّدَهَا أَوَأَشْعَرَهَا يَنْوِي بِهِ جَعْلَهَا أُضْحِيَّةً ، لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَّةً حَتَّى يَنْطِقَ بِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
( 7874 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَوْ أَوْجَبَهَا نَاقِصَةً ، ذَبَحَهَا ، وَلَمْ تُجْزِئْهُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً نَقْصًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَأَوْجَبَهَا ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا كَالنَّذْرِ لِذَبْحِهَا ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَلِأَنَّ إيجَابَهَا كَنَذْرِ هَدْيٍ مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ ) .
وَلَكِنَّهُ يَذْبَحُهَا ، وَيُثَابُ عَلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهَا ، كَمَا يُثَابُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدًا لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ ، إلَّا أَنَّهُ هَاهُنَا لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُهَا .
وَإِنْ كَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، مِثْلَ مَنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ ، أَوْ أَتْلَفَ أُضْحِيَّتَهُ الَّتِي أَوْجَبَهَا ، لَمْ تُجْزِئْهُ هَذِهِ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ .
فَإِنْ زَالَ عَيْبُهَا ، كَأَنْ كَانَتْ عَجْفَاءَ فَزَالَ عَجَفُهَا ، أَوْ مَرِيضَةً فَبَرَأَتْ ، أَوْ عَرْجَاءَ فَزَالَ عَرَجُهَا ، فَقَالَ الْقَاضِي : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُجْزِئُ ، .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : لَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ إيجَابِهَا ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا كَانَتْ لِلْمَسَاكِينِ ، كَمَا أَنَّ نَقْصَهَا بَعْدَ إيجَابِهَا عَلَيْهِمْ لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهَا أُضْحِيَّةً .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ يُجْزِئُ مِثْلُهَا ، فَتُجْزِئُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجِبْهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا .