الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن
قدامة المقدسي
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ .
} قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } .
وَلِأَنَّهُ شُرُوعٌ فِي رُكْنٍ ، فَشُرِعَ فِيهِ التَّكْبِيرُ ، كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ ، وَلِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرٌ يَعْلَمُ بِهِ الْمَأْمُومُ انْتِقَالَهُ لِيَقْتَدِيَ بِهِ ، كَحَالَةِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ .
( 689 ) فَصْلٌ : وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِهِ لِلْإِمَامِ لِيَسْمَعَ الْمَأْمُومُ ، فَيَقْتَدِيَ بِهِ فِي حَالِ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ جَمِيعًا ، كَقَوْلِنَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ الْجَمِيعَ ، اُسْتُحِبَّ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ رَفْعُ صَوْتِهِ ؛ لِيُسْمِعَهُمْ ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ فِي مَرَضِهِ قَاعِدًا ، وَأَبُو بَكْرٍ إلَى جَنْبِهِ يَقْتَدِي بِهِ ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِأَبِي بَكْرٍ .
( 690 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ ) يَعْنِي يَرْفَعُهُمَا إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ ، أَوْ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ ، كَفِعْلِهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرِهِ ، وَانْتِهَاؤُهُ عِنْدَ انْتِهَائِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرٌ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَأَنَسٌ ، وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَسَالِمٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ .
وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : أَلَا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَصَلَّى ، فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَسَنٌ رَوَى يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ لَا يَعُودُ } .
قَالُوا وَالْعَمَلُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ فَقِيهًا ، مُلَازِمًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَالِمًا بِأَحْوَالِهِ ، وَبَاطِنِ أَمْرِهِ وَظَاهِرِهِ ، فَتُقَدَّمُ رِوَايَتُهُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَالُهُ كَحَالِهِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ لِرَجُلٍ رَوَى حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ : لَعَلَّ وَائِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ .
فَتَرَى أَنْ نَتْرُكَ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ ، الَّذِي لَعَلَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ ، وَنَأْخُذَ بِرِوَايَةِ هَذَا .
أَوْ كَمَا قَالَ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ ، قَالَ : { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ } .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ - وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ - : حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ لِهَذَا الْحَدِيثِ .
وَحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ، الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَدْ رَوَاهُ ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ ، فَصَدَّقُوهُ ، وَقَالُوا : هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَرَوَاهُ سِوَى هَذَيْنِ عُمَرُ ، وَعَلِيٌّ ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ ، وَأَنَسٌ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَأَبُو أُسَيْدَ ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَأَبُو مُوسَى ، وَجَابِرُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ ، فَصَارَ كَالْمُتَوَاتِرِ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ شَكٌّ مَعَ كَثْرَةِ رُوَاتِهِ ، وَصِحَّةِ سَنَدِهِ ، وَعَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ ، وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ .
قَالَ الْحَسَنُ : رَأَيْت أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا كَبَّرُوا ، وَإِذَا رَكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ كَأَنَّهَا الْمَرَاوِحُ .
قَالَ أَحْمَدُ ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّفْعِ فَقَالَ : إي لَعَمْرِي .
وَمَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا ، كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى مَنْ لَا يَرْفَعُ ، حَصَبَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ .
فَأَمَّا حَدِيثَاهُمْ فَضَعِيفَانِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : لَمْ يَثْبُتْ .
وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَلَمْ يَقُلْ : ثُمَّ لَا يَعُودُ .
فَلَمَّا قَدِمْت الْكُوفَةَ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهِ ، فَيَقُولُ : لَا يَعُودُ .
فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ .
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ ، وَغَيْرُهُ : يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ سَاءَ
حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ، وَخَلَّطَ .
ثُمَّ لَوْ صَحَّا كَانَ التَّرْجِيحُ لِأَحَادِيثِنَا أَوْلَى لِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا أَصَحُّ إسْنَادًا ، وَأَعْدَلُ رُوَاةً ، فَالْحَقُّ إلَى قَوْلِهِمْ أَقْرَبُ .
الثَّانِي : أَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً ، فَظَنُّ الصِّدْقِ فِي قَوْلِهِمْ أَقْوَى ، وَالْغَلَطِ مِنْهُمْ أَبْعَدُ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ مُثْبِتُونَ ، وَالْمُثْبِتُ يُخْبِرُ عَنْ شَيْءٍ شَاهَدَهُ وَرَوَاهُ .
فَقَوْلُهُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهِ .
وَالنَّافِي لَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَلَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ ، وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَا قَوْلَ الْجَارِحِ عَلَى الْمُعَدِّلِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُمْ فَصَّلُوا فِي رِوَايَتِهِمْ ، وَنَصُّوا عَلَى الرَّفْعِ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمَا ، ، وَالْمُخَالِفُ لَهُمْ عَمَّمَ بِرِوَايَتِهِ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَغَيْرَهُ ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ أَحَادِيثِنَا لِنَصِّهَا وَخُصُوصِهَا ، عَلَى أَحَادِيثِهِمْ الْعَامَّةِ ، الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا كَمَا يُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ ، وَالنَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُحْتَمَلِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ أَحَادِيثَنَا عَمِلَ بِهَا السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى قُوَّتِهَا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ إمَامٌ .
قُلْنَا : لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُ ، لَكِنْ بِحَيْثُ يُقَدَّمُ عَلَى أَمِيرَيْ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَائِرِ مَنْ مَعَهُمْ ، كَلًّا ، وَلَا يُسَاوِي وَاحِدًا مِنْهُمْ ، فَكَيْفَ يُرَجَّحُ عَلَى جَمِيعِهِمْ ؟ مَعَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ تُرِكَ قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ فِي أَشْيَاءَ ، مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُطَبِّقُ فِي الرُّكُوعِ ، يَضَعُ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ ، فَلَمْ يُؤْخَذْ بِفِعْلِهِ ، وَأُخِذَ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ ، وَتُرِكَتْ قِرَاءَتُهُ وَأُخِذَ بِقِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَكَانَ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ ، فَتُرِكَ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ رُوَاةِ أَحَادِيثِنَا وَأَدْنَى مِنْهُمْ فَضْلًا ، فَهَاهُنَا أَوْلَى .
( 691 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ ، وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ ، وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، وَلَا يَخْفِضُهُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّاكِعِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَهُ عُمَرُ ، وَعَلِيٌّ ، وَسَعْدٌ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى التَّطْبِيقِ ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَلِّي إحْدَى كَفَّيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، ثُمَّ يَجْعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إذَا رَكَعَ .
وَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ نُسِخَ .
قَالَ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ { : رَكَعْت ، فَجَعَلْت يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ .
فَنَهَانِي أَبِي ، وَقَالَ : إنَّا كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَنُهِينَا عَنْهُ ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو حُمَيْدٍ ، فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رَأَيْتُهُ إذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ .
يَعْنِي عَصَرَهُ حَتَّى يَعْتَدِلَ ، وَلَا يَبْقَى مُحْدَوْدِبًا ، وَفِي لَفْظٍ : ثُمَّ اعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ وَلَمْ يُقْنِعْ ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ } .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ ، { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ : يَنْبَغِي لَهُ إذَا رَكَعَ أَنْ يُلْقِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وَيَعْتَمِدَ عَلَى ضَبْعَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ ، وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ ، وَلَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسَهُ ، وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ .
وَذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ .
وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ
الِانْحِنَاءُ ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ إلَّا بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ وَضْعُهُمَا ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ، فَإِنْ كَانَتَا عَلِيلَتَيْنِ ، لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُهُمَا ، انْحَنَى وَلَمْ يَضَعْهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلِيلَةً وَضَعَ الْأُخْرَى .
( 692 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ، فَإِنَّ أَبَا حُمَيْدٍ ذَكَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا ، وَوَتَرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ } حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
( 693 ) فَصْلٌ : وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ فِي رُكُوعِهِ .
وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْكُثَ إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ قَلِيلًا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الطُّمَأْنِينَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } .
وَلَمْ يَذْكُرْ الطُّمَأْنِينَةَ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِجْزَاءِ بِهِ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ { : ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ .
قِيلَ : وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ ؟ قَالَ : لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَقَالَ : لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِيهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَنَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ الرُّكُوعَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ ، فَالْمُرَادُ بِالرُّكُوعِ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( 694 ) فَصْلٌ : وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ ، وَشَكَّ هَلْ رَكَعَ أَوْ لَا ، أَوْ هَلْ أَتَى بِقَدْرِ الْإِجْزَاءِ أَوْ لَا ؟ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا شَكَّ فِيهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَسْوَاسًا ، فَلَا يَلْتَفِتَ إلَيْهِ ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ .
( 695 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا .
وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ ، وَإِنْ قَالَ مَرَّةً أَجْزَأَهُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُشْرَعُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ عِنْدَنَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ شَيْءٌ مَحْدُودٌ ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : { لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ } .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ .
وَذَلِكَ أَدْنَاهُ .
} أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَرَوَى حُذَيْفَةُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا رَكَعَ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلَمْ يَقُلْ : ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُجْزِئُ تَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّسْبِيحِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ أَدْنَاهُ ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَذَلِكَ أَدْنَاهُ " .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ : جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : التَّسْبِيحُ التَّامُّ سَبْعٌ ، وَالْوَسَطُ خَمْسٌ ، وَأَدْنَاهُ ثَلَاثٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي : الْكَامِلُ فِي التَّسْبِيحِ ، إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا ، مَا لَا يُخْرِجُهُ إلَى السَّهْوِ ، وَفِي حَقِّ الْإِمَامِ مَا لَا يَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْكَمَالُ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ ؛ لِأَنَّ أَنَسًا رَوَى ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي كَصَلَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحَزَرُوا ذَلِكَ
بِعَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : الْكَمَالُ أَنْ يُسَبِّحَ مِثْلَ قِيَامِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوَى عَنْهُ الْبَرَاءُ قَالَ { : قَدْ رَمَقْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ ، فَرَكْعَتَهُ ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ ، فَسَجْدَتَهُ ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، فَسَجْدَتَهُ ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ : مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ .
( 696 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ .
فَلَا بَأْسَ ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ نَصْرٍ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ، أَعْجَبُ إلَيْك ، أَوْ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ؟ فَقَالَ : قَدْ جَاءَ هَذَا وَجَاءَ هَذَا ، وَمَا أَدْفَعُ مِنْهُ شَيْئًا .
وَقَالَ أَيْضًا : إنْ قَالَ : " وَبِحَمْدِهِ " .
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حُذَيْفَةَ رَوَى فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : ( سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ) ، وَفِي سُجُودِهِ : ( سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ) ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهَا .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قَالَ : أَمَّا أَنَا فَلَا أَقُولُ : وَبِحَمْدِهِ .
وَحَكَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ قَالَ أَبُو دَاوُد : نَخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْفُوظَةً .
وَقِيلَ : هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى .
فَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَحْمَدَ تَرَكَهَا لِضَعْفِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عِنْدَهُ .
( 697 ) فَصْلٌ : وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ تَكْبِيرَ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ ، وَتَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَقَوْلَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ، وَقَوْلَ : رَبِّي اغْفِرْ لِي - بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ - ، وَالتَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ، وَاجِبٌ .
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ، وَدَاوُد .
وَعَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ بِالسَّهْوِ ، كَالْأَرْكَانِ .
وَلَنَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ - وَأَمْرُهُ لِلْوُجُوبِ - ، وَفَعَلَهُ .
وَقَالَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ إلَى قَوْلِهِ : ثُمَّ يُكَبِّرُ ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ، ثُمَّ يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ .
وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ .
ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ .
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ } .
وَهَذَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ التَّكْبِيرِ ، وَلِأَنَّ مَوَاضِعَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ .
فَكَانَ فِيهَا ذِكْرٌ وَاجِبٌ كَالْقِيَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ تَعْلِيمُهُ ذَلِكَ ، وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ كُلَّ الْوَاجِبَاتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُ التَّشَهُّدَ وَلَا السَّلَامَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ
اقْتَصَرَ عَلَى تَعْلِيمِهِ مَا رَآهُ أَسَاءَ فِيهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْوُجُوبِ التَّسَاوِي فِي الْأَحْكَامِ ، بِدَلِيلِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ .
( 698 ) فَصْلٌ : وَإِذَا كَانَ إمَامًا ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ التَّطْوِيلُ ، وَلَا الزِّيَادَةُ فِي التَّسْبِيحِ .
قَالَ الْقَاضِي : لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّطْوِيلُ ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثٍ ؛ كَيْ لَا يَشُقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ .
وَهَذَا إذَا لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يَسِيرَةً ، وَرَضُوا بِذَلِكَ ، اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّسْبِيحُ الْكَامِلُ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ وَحْدَهُ
( 699 ) فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا ، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا الرَّبَّ فِيهِ ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَقَوْلُهُ ( قَمِنٌ ) مَعْنَاهُ : جَدِيرٌ وَحَرِيٌّ .
( 700 ) فَصْلٌ : : وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْقِيَامُ ، وَهُوَ يَأْتِي بِهِ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، ثُمَّ يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ بَقِيَّةَ الرَّكْعَةِ ، وَهَذَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ ، أَوْ انْتَهَى إلَى قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ الْإِمَامُ عَنْ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ .
فَهَذَا يُعْتَدُّ لَهُ بِالرَّكْعَةِ ، وَيَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا .
فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ يَرْكَعُ وَالْإِمَامُ يَرْفَعُ لَمْ يَجْزِهِ ؛ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرَةِ مُنْتَصِبًا ، فَإِنْ أَتَى بِهَا بَعْدَ أَنْ انْتَهَى فِي الِانْحِنَاءِ إلَى قَدْرِ الرُّكُوعِ أَوْ بِبَعْضِهَا ، لَمْ يَجْزِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا ، إلَّا فِي النَّافِلَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُهُ الْقِيَامُ ، وَهُوَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ يَأْتِي بِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى لِلرُّكُوعِ فِي حَالِ انْحِطَاطِهِ إلَيْهِ ، فَالْأُولَى رُكْنٌ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ ، وَالثَّانِيَةُ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَسْقُطُ هَاهُنَا ، وَيُجْزِئُهُ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ .
نَقَلَهَا أَبُو دَاوُد وَصَالِحٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَالْحَكَمِ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : عَلَيْهِ تَكْبِيرَتَانِ .
وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتِمُّ التَّكْبِيرَ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ نُقِلَتْ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ .
فَيَكُونُ ذَلِكَ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ وَاجِبَانِ مِنْ جِنْسٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، وَأَحَدُهُمَا رُكْنٌ ، فَسَقَطَ بِهِ الْآخَرُ ، كَمَا لَوْ طَافَ الْحَاجُّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ نَوَى بِالتَّكْبِيرِ الْإِحْرَامَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ فِي النِّيَّةِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ ، فَقَالَ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، يَنْوِيهَا .
وَقَالَ : وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ .
وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ نُصُوصَ أَحْمَدَ ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ ، فِيمَنْ جَاءَ بِهِ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ : كَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً .
قِيلَ لَهُ : يَنْوِي بِهَا الِافْتِتَاحَ ؟ قَالَ : نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ ، أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ؟ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الرُّكُوعِ لَا تُنَافِي نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ ، وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ نِيَّةُ الرُّكُوعِ فِي فَسَادِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْزِئُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ إذَا نَوَاهُ ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ نِيَّةِ الْوَاجِبَيْنِ ، كَمَا لَوْ نَوَى بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ لَهُ وَلِلْوَدَاعِ ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ نَصِّ الْإِمَامِ وَمُخَالَفَتُهُ بِقِيَاسِ مَا نَصَّهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، كَمَا لَا يُتْرَكُ نَصُّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ بِقِيَاسٍ ، وَالْمُسْتَحَبُّ تَكْبِيرَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ أَبُو دَاوُد : قُلْت لِأَحْمَدَ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيْك ؟ قَالَ : إنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ ، لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ .
( 701 ) فَصْلٌ : : وَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكْنٍ غَيْرِ الرُّكُوعِ ، لَمْ يُكَبِّرْ إلَّا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ ، وَيَنْحَطُّ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ ، وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ .
وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَبَّرَ فِي حَالِ قِيَامِهِ مَعَ الْإِمَامِ إلَى الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُومٌ لَهُ ، فَيُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرِ ، كَمَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِهَا ، وَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بِتَكْبِيرٍ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ ، لِأَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ ، وَلَا إمَامَ لَهُ يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ قَامَ فِي الصَّلَاةِ إلَى رُكْنٍ مُعْتَدٍّ لَهُ بِهِ ، فَيُكَبِّرُ ، كَالْقَائِمِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَكَمَا لَوْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ ، وَلَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ ، فَإِنَّ مَا كَبَّرَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الرَّكْعَةِ ، إذْ لَيْسَ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ سُجُودٌ وَلَا تَشَهُّدٌ ، وَإِنَّمَا ابْتِدَاءُ الرَّكْعَةِ قِيَامُهُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَبِّرَ فِيهِ .
( 702 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي حَالِ مُتَابَعَتُهُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِهِ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا ، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا ، وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ مُعَاذٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ ، فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ } .
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، قَالُوا : إذَا جَاءَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ فَلْيَسْجُدْ ، وَلَا تُجْزِئُهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ
( 703 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ، كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ وَاعْتَدَلَ قَائِمًا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَوْضِعِهِ ، وَيَطْمَئِنَّ ، يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ قَائِلًا : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
وَيَكُونُ انْتِهَاؤُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ رَفْعِهِ ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ .
وَفِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا بَعْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَسْتَتِمَّ قَائِمًا .
وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ ، وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ } .
وَلِأَنَّهُ رَفْعٌ ، فَلَا يُشْرَعُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ ، كَرَفْعِ الرُّكُوعِ وَالْإِحْرَامِ .
وَالثَّانِيَةُ : يَبْتَدِئُهُ حِينَ يَبْتَدِئُ رَفْعَ رَأْسِهِ ؛ لِأَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ قَالَ { فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ } .
وَرَفَعَ يَدَيْهِ .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا كَبَّرَ ، لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ ، وَيَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ } وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ أَخَذَ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ .
كَقَوْلِهِ : ( إذَا كَبَّرَ ) أَيْ أَخَذَ فِي التَّكْبِيرِ ، وَلِأَنَّهُ حِينَ الِانْتِقَالِ ، فَشُرِعَ الرَّفْعُ مِنْهُ كَحَالِ الرُّكُوعِ وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ رَفْعِ الْمَأْمُومِ ، فَكَانَ مَحَلًّا لِرَفْعِ الْإِمَامِ كَالرُّكُوعِ ، وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي
حَقِّهِ ذِكْرٌ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ ، وَالرَّفْعُ إنَّمَا جُعِلَ هَيْئَةً لِلذِّكْرِ ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ يَنْتَصِبُ قَائِمًا وَيَعْتَدِلُ ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى قَائِمًا ، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ إلَى مَكَانِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ { ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( 704 ) فَصْلٌ : وَهَذَا الرَّفْعُ وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ وَاجِبٌ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ : لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ ، فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَتَضَمَّنَ ذِكْرًا وَاجِبًا ، كَالْقِيَامِ الْأَوَّلِ .
وَلَنَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ ، وَدَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ { : صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي .
} وَقَوْلُهُمْ : لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ .
قُلْنَا قَدْ أَمَرَ بِالْقِيَامِ ، وَهَذَا قِيَامٌ ، ثُمَّ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ امْتِثَالُهُ ، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ .
وَقَوْلُهُمْ " لَا يَتَضَمَّنُ ذِكْرًا وَاجِبًا " مَمْنُوعٌ ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، فَإِنَّهُمَا رُكْنَانِ ، وَلَا ذِكْرَ فِيهِمَا وَاجِبٌ ، عَلَى قَوْلِهِمْ .
( 705 ) فَصْلٌ : وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيعِ لِلْإِمَامِ ، كَمَا يُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ ، فَيُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهِ لِلْإِمَامِ ، كَالتَّكْبِيرِ .
( 706 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَقُولُ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنْ يُشْرَعَ قَوْلُ ( رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ) فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ ، فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى : لَا يَقُولُهُ الْمُنْفَرِدُ .
فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ ، فَإِذَا قَالَ : ( سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) .
قَالَ : ( رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ) ؟ فَقَالَ : إنَّمَا هَذَا لِلْإِمَامِ جَمْعُهُمَا ، وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ سِوَى الْإِمَامِ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فِي حَقِّهِ .
فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ كَقَوْلِ : ( سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) .
فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُشْرَعُ قَوْلُ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَلَا الْمُنْفَرِدِ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا قَالَ الْإِمَامُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
فَقُولُوا : اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ } .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ ، فَيُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرٌ
كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ فَإِنَّهُ إنْ تَرَكَ ذِكْرَهُ فِي حَدِيثِهِمْ ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَحَادِيثِنَا ، وَرَاوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ صَرَّحَ بِذِكْرِهِ فِي رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى ، فَحَدِيثُهُمْ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ، فَكَيْفَ نَتْرُكُ بِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَقُولُ كَمَا يَقُولُ الْإِمَامُ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِبُرَيْدَةَ : يَا بُرَيْدَةَ : إذَا رَفَعْتَ رَأْسَك فِي الرُّكُوعِ ، فَقُلْ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ } .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ .
وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ ، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ ، وَابْنُ أَبِي أَوْفَى ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ ، وَلَمْ تُفَرِّقْ الرِّوَايَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ إمَامًا وَمُنْفَرِدًا ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ .
( 707 ) فَصْلٌ : وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ : " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " .
بِوَاوٍ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُثْبِتُ أَمْرَ الْوَاوِ ، وَقَالَ : رَوَى فِيهِ الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ .
وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ .
فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُ فِيهَا الْوَاوَ ، وَمَنْ قَالَ : " رَبَّنَا " قَالَ : " وَلَكَ الْحَمْدُ " ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
" ، كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ } ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ؛ فَاسْتُحِبَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْقَوْلَيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ : رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُعْطَفُ عَلَيْهِ .
وَلَنَا أَنَّ السُّنَّةَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الْوَاوِ أَكْثَرُ حُرُوفًا ، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ : رَبَّنَا حَمِدْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ .
فَإِنَّ الْوَاوَ لَمَّا كَانَتْ لِلْعَطْفِ وَلَا شَيْءَ هَاهُنَا تَعْطِفُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا ، دَلَّتْ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا ، كَقَوْلِهِ : " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ " ، أَيْ وَبِحَمْدِك سُبْحَانَك ، وَكَيْفَمَا قَالَ جَازَ ، وَكَانَ حَسَنًا ؛ لِأَنَّ كُلًّا قَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِهِ .
( 708 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا ، لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ) لَا أَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ قَوْلُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ ، وَأَبُو بُرْدَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ : يَقُولُ ذَلِكَ كَالْإِمَامِ ؛ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ شُرِعَ لِلْإِمَامِ فَيُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ } .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " عَقِيبَ قَوْلِهِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " بِغَيْرِ فَصْلٍ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَعَلَى حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ، لِأَنَّ هَذَا صَحِيحٌ مُخْتَصٌّ بِالْمَأْمُومِ ، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِي إسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ، وَهُوَ عَامٌّ ، وَتَقْدِيمُ الصَّحِيحِ الْخَاصِّ أَوْلَى ، فَأَمَّا قَوْلُ : " مِلْءَ السَّمَاءِ " وَمَا بَعْدَهُ ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْلِ : " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " .
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ سِوَاهُ .
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسْنُونٌ ، قَالَ : وَلَيْسَ يَسْقُطُ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْهُ غَيْرُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " .
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَذْكَارِ .
فَصْلٌ : وَمَوْضِعُ قَوْلِ : " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ ، بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ رَفْعِهِ يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ قَوْلُ : " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ، فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَفِي حَالِ رَفْعِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا قَالَ الْإِمَامُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ } .
يَقْتَضِي تَعْقِيبَ قَوْلِ الْإِمَامِ قَوْلَ الْمَأْمُومِ ، وَالْمَأْمُومُ يَأْخُذُ فِي الرَّفْعِ عَقِيبَ قَوْلِ الْإِمَامِ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
فَيَكُونُ قَوْلُهُ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ حِينَئِذٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 710 ) فَصْلٌ : إذَا زَادَ عَلَى قَوْلِ : " مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " ، فَقَدْ نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَالَ : أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَوَى ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ { : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ، مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ : لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْأَثْرَمُ .
وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ { : اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَقَدْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيلُ الْقِيَامَ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ } ، وَقَالَ أَنَسٌ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
قَامَ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ أَوْهَمَ ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ : قَدْ أَوْهَمَ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلَيْسَتْ حَالَةَ سُكُوتٍ ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ كَانَ يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ، لِكَوْنِهَا لَا تَسْتَغْرِقُ هَذَا الْقِيَامَ كُلَّهُ ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَفَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فَيَقُولَ : أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ ؟ فَقَالَ : قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ هَذَا ، إلَى " مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ اتِّبَاعًا لِأَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ .
( 711 ) فَصْلٌ : إذَا قَالَ مَكَانَ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " : " مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ " .
لَمْ يُجْزِئْهُ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى .
وَلَنَا أَنَّهُ عَكَسَ اللَّفْظَ الْمَشْرُوعَ ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي التَّكْبِيرِ : الْأَكْبَرُ اللَّهُ .
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَتَى بِالْمَعْنَى ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
صِيغَةُ خَبَرٍ ، تَصْلُحُ دُعَاءً ، وَاللَّفْظَ الْآخَرَ صِيغَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ ، لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ ، فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ .
( 712 ) فَصْلٌ : إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، فَعَطَسَ ، فَقَالَ : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ .
يَنْوِي بِذَلِكَ لِمَا عَطَسَ وَلِلرَّفْعِ ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْهُ لِلرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ لَا تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَأَجْزَأْهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ ذَاهِلًا وَقَلْبُهُ غَيْرُ حَاضِرٍ .
وَقَوْلُ أَحْمَدَ يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لَا عَلَى نَفْيِ الْإِجْزَاءِ حَقِيقَةً .
( 713 ) فَصْلٌ : إذَا أَتَى بِقَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْ الرُّكُوعِ ، فَاعْتَرَضَتْهُ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ الْقِيَامِ ، سَقَطَ عَنْهُ الرَّفْعُ ؛ لِتَعَذُّرِهِ ، وَيَسْجُدُ عَنْ الرُّكُوعِ .
فَإِنْ زَالَتْ الْعِلَّةُ قَبْلَ سُجُودِهِ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ لِإِمْكَانِهِ .
فَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ سُجُودِهِ إلَى الْأَرْضِ ، سَقَطَ الْقِيَامُ ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ قَدْ صَحَّ وَأَجْزَأَ ، فَسَقَطَ مَا قَبْلَهُ .
فَإِنْ قَامَ مِنْ سُجُودِهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
وَإِنْ فَعَلَهُ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا ، لَمْ تَبْطُلْ ، وَيَعُودُ إلَى جَلْسَةِ الْفَصْلِ ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ .
فَصْلٌ : فَإِنْ أَرَادَ الرُّكُوعَ ، فَوَقَعَ إلَى الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ يَقُومُ فَيَرْكَعُ .
وَكَذَلِكَ إنْ رَكَعَ وَسَقَطَ قَبْلَ طُمَأْنِينَتِهِ ، لَزِمَتْهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُسْقِطُ فَرْضَهُ .
وَإِنْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ ، ثُمَّ سَقَطَ ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مُنْتَصِبًا ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الرُّكُوعِ ، لِأَنَّ فَرْضَهُ قَدْ سَقَطَ ، وَالِاعْتِدَالَ عَنْهُ قَدْ سَقَطَ بِقِيَامِهِ .
( 715 ) فَصْلٌ : إذَا رَكَعَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَبِّحْ فِي رُكُوعِهِ ، لَمْ يَعُدْ إلَى الرُّكُوعِ ، سَوَاءٌ ذَكَرَهُ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ قَدْ سَقَطَ بِرَفْعِهِ ، وَالرُّكُوعَ قَدْ وَقَعَ صَحِيحًا مُجْزِئًا ، فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ ، زَادَ رُكُوعًا فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ ، فَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا أَبْطَلَ الصَّلَاةَ ، كَمَا لَوْ زَادَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَإِنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ، لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ ، كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ .
وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ .
فَإِنْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي هَذَا الرُّكُوعِ ، لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي حَقِّهِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ رَاكِعًا .
( 716 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلسُّجُودِ ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ ) أَمَّا السُّجُودُ فَوَاجِبٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الرُّكُوعِ ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ رُكْنٌ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ : { ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا } .
وَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ ، وَيَنْحَطُّ إلَى السُّجُودِ مُكَبِّرًا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ ، وَلِأَنَّ الْهَوِيَّ إلَى السُّجُودِ رُكْنٌ ، فَلَا يَخْلُو مِنْ ذِكْرٍ ، كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ ابْتِدَاءِ انْحِطَاطِهِ ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ ؛ وَالْكَلَامُ فِي التَّكْبِيرِ وَوُجُوبِهِ قَدْ مَضَى .
وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ ، فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ .
وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ .
وَسُئِلَ عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقَالَ : فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي حُمَيْدٍ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ .
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ .
فِي حَدِيثِهِ الصَّحِيحِ ؛ وَلَمَّا وَصَفَ أَبُو حُمَيْدٍ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ ، وَالْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ مُفَسَّرَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمُفَصَّلَةِ ، الَّتِي رَوَيْنَاهَا ، فَلَا يَبْقَى فِيهَا اخْتِلَافٌ .
( 717 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَكُونُ أَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ ، ثُمَّ يَدَاهُ ، ثُمَّ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ ) هَذَا الْمُسْتَحَبُّ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ } .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ ، قَالَ { : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ } .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيُّ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : { كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ ، فَأُمِرْنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ .
} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ مَا تَقَدَّمَهُ ، وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ { : إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْفَحْلِ } .
( 718 ) فَصْلٌ : وَالسُّجُودُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَاجِبٌ ، إلَّا الْأَنْفَ ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَبِهَذَا قَالَ طَاوُسٌ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ : لَا يَجِبُ ، السُّجُودُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سَجَدَ وَجْهِي } .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْوَجْهِ ، وَلِأَنَّ السَّاجِدَ عَلَى الْوَجْهِ يُسَمَّى سَاجِدًا ، وَوَضْعُ غَيْرِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُسَمَّى بِهِ
سَاجِدًا ، فَالْأَمْرُ بِالسُّجُودِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُسَمَّى بِهِ سَاجِدًا دُونَ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ السُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَوَجَبَ كَشْفُهَا كَالْجَبْهَةِ .
وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي الْمَرِيضِ يَرْفَعُ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِالسُّجُودِ عَلَى يَدَيْهِ .
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أُمِرْتُ بِالسُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ؛ الْيَدَيْنِ ، وَالرُّكْبَتَيْنِ ، وَالْقَدَمَيْنِ ، وَالْجَبْهَةِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفْعُهُ { : إنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا } .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ .
وَسُجُودُ الْوَجْهِ لَا يَنْفِي سُجُودَ مَا عَدَاهُ ، وَسُقُوطُ الْكَشْفِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ السُّجُودِ ، فَإِنَّا نَقُولُ كَذَلِكَ فِي الْجَبْهَةِ عَلَى رِوَايَةٍ ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّ الْجَبْهَةَ هِيَ الْأَصْلُ ، وَهِيَ مَكْشُوفَةٌ عَادَةً ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا ، فَإِنْ أَخَلَّ بِالسُّجُودِ بِعُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ ، سَجَدَ عَلَى بَقِيَّتِهَا ، وَقَرَّبَ الْعُضْوَ الْمَرِيضَ مِنْ الْأَرْضِ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ ؛ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ الْهُبُوطُ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمَسْجُودِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَقَطَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ ، لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ، سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ ، فَإِذَا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ التَّبَعُ ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَرِيضِ يَرْفَعُ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ : إنَّهُ
يُجْزِئُهُ .
( 719 ) فَصْلٌ : وَفِي الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا ، يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ .
وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ؛ الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِشَارَتُهُ إلَى أَنْفِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ ، وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ ، الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ } .
وَرَوَى عِكْرِمَةُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا تُصِيبُ الْجَبْهَةُ .
} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَادِ مُتَّصِلًا ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ .
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ } .
وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْفَ فِيهَا ، وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرًا قَالَ : { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ عَلَى قِصَاصِ الشَّعَرِ .
} رَوَاهُ تَمَّامٌ ، فِي " فَوَائِدِهِ " ، وَغَيْرُهُ ، وَإِذَا سَجَدَ بِأَعْلَى الْجَبْهَةِ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْأَنْفِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهُ إنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ جَبْهَتِهِ ، أَجْزَأَهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ،
وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ عُضْوٌ وَاحِدٌ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ الْجَبْهَةَ أَشَارَ إلَى أَنْفِهِ ، وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ يُجْزِئُهُ السُّجُودُ عَلَى بَعْضِهِ .
وَهَذَا قَوْلٌ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَالْإِجْمَاعَ الَّذِي قَبْلَهُ ، فَلَا يَصِحُّ .
( 720 ) فَصْلٌ : وَلَا تَجِبُ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ قَالَ الْقَاضِي : إذَا سَجَدَ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ ، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً .
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَرَخَّصَ فِي السُّجُودِ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ الْحَسَنُ ، وَمَكْحُولٌ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ .
وَسَجَدَ شُرَيْحٌ عَلَى بُرْنُسِهِ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يَجِبُ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ إلَّا الْجَبْهَةَ ، فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ ، قَالَ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ السُّجُودِ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ ؟ فَقَالَ : لَا يَسْجُدُ عَلَى كُورِهَا ، وَلَكِنْ يَحْسُرُ الْعِمَامَةَ .
وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ خَبَّابٍ ، قَالَ : { شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا .
فَلَمْ يُشْكِنَا .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ ، أَشْبَهَ مَا إذَا سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ .
وَلَنَا مَا رَوَى أَنَسٌ ، قَالَ : { كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ .
} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ .
وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الصَّامِتِ { ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُلْتَفٌّ بِهِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ ، يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { فَرَأَيْته وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى قَرْنِهِ إذَا سَجَدَ } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَرُوِيَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ } ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : كَانَ الْقَوْمُ
يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ ، وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ .
وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ ، فَجَازَ السُّجُودُ عَلَى حَائِلِهِ ، كَالْقَدَمَيْنِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ ، أَوْ تَسْقِيفَ الْمَسْجِدِ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، مِمَّا يُزِيلُ عَنْهُمْ ضَرَرَ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ ، أَمَّا الرُّخْصَةُ فِي السُّجُودِ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا طَلَبَهُ الْفُقَرَاءُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَائِمُ ، وَلَا أَكْمَامٌ طِوَالٌ يَتَّقُونَ بِهَا الرَّمْضَاءَ ، فَكَيْفَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الرُّخْصَةَ فِيهَا ؟ وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ ، لَكِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ، فَلَمْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ؟ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي الْأَكُفِّ .
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُهُمَا .
قَالَ : وَقَدْ قِيلَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ ، إنَّهُ يَجِبُ .
وَإِنْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يَصِحَّ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ ، فَالسُّجُودُ يُؤَدِّي إلَى تَدَاخُلِ السُّجُودِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " : لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلَى السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ .
هَلْ هُوَ وَاجِبٌ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ إنْ قُلْنَا : لَا يَجِبُ جَازَ ، كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى الْعِمَامَةِ .
وَإِنْ قُلْنَا : يَجِبُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَ مَحَلُّ السُّجُودِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ .
وَالْمُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَيَأْخُذَ بِالْعَزِيمَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يُعْجِبُنِي إلَّا فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ .
وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ السُّجُودَ عَلَى كُورِ الْعِمَامَةِ ، وَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَحْسُرُ عِمَامَتَهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ : أَسْجُدُ عَلَى جَبِينِي أَحَبُّ إلَيَّ .
( 721 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَكُونُ فِي سُجُودِهِ مُعْتَدِلًا ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ : أَهْلُ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الِاعْتِدَالَ فِي السُّجُودِ ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ ، وَلَا يَفْتَرِشْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ } .
وَقَالَ : هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَسْجُدْ أَحَدُكُمْ وَهُوَ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ } .
وَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاشُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، كَمَا تَفْعَلُ السِّبَاعُ ، وَقَدْ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ : وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا .
( 722 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ، وَبَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ ، وَفَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ ، وَيَكُونُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ إذَا سَجَدَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي سُجُودِهِ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، فِي " رِسَالَتِهِ " : جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، أَنَّهُ كَانَ إذَا سَجَدَ لَوْ مَرَّتْ بَهِيمَةٌ لَنَفِدَتْ } ، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مُبَالَغَتِهِ فِي رَفْعِ مَرْفِقَيْهِ وَعَضُدَيْهِ .
وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ } ، وَلِأَبِي دَاوُد { .
ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ } .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّعْبِيُّ : وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ السُّجُودَ ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ ، وَقَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ .
وَقَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ جَخَّ .
وَالْجَخُّ : الْخَاوِي .
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ، وَيَثْنِيهِمَا إلَى الْقِبْلَةِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ، لِيَكُونَ أَصَابِعُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ .
وَيَسْجُدُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ } .
ذَكَرَ مِنْهَا أَطْرَافَ الْقَدَمَيْنِ ، وَفِي لَفْظٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا ، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ } .
مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ .
وَمِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ : وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ .
وَهَذَا مَعْنَاهُ .
وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُد : سَجَدَ ، فَانْتَصَبَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ ، وَهُوَ سَاجِدٌ .
( 723 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، مَبْسُوطَتَيْنِ ، مَضْمُومَتَيْ الْأَصَابِعِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ ، مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ ، وَيَضَعَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ قَالَ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَجَدَ وَيَدَاهُ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ { ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فَجَعَلَ كَفَّيْهِ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ } ، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَلَفْظُهُ : ثُمَّ سَجَدَ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ .
وَالْجَمِيعُ حَسَنٌ .
( 724 ) فَصْلٌ : وَالْكَمَالُ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ يَضَعَ جَمِيعَ بَطْنِ كَفَّيْهِ ، وَأَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَيَرْفَعَ مِرْفَقَيْهِ ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ بَاطِنِهِمَا ، أَجْزَأَهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : إنْ وَضَعَ مِنْ الْيَدَيْنِ بِقَدْرِ الْجَبْهَةِ ، أَجْزَأَهُ .
وَإِنْ جَعَلَ ظُهُورَ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ ، وَسَجَدَ عَلَيْهِمَا ، أَوْ سَجَدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ ، فَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ عَلَى الْيَدَيْنِ ، وَقَدْ سَجَدَ عَلَيْهِمَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ سَجَدَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ ، وَلَا يَخْلُو مِنْ إصَابَةِ بَعْضِ أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ الْأَرْضَ ، فَيَكُونَ سَاجِدًا عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ الْأَحْسَنِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ .
( 725 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ : وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ .
( 726 ) فَصْلٌ : وَإِذَا
أَرَادَ السُّجُودَ فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ ، فَمَاسَّتْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ .
إلَّا أَنْ يَقْطَعَ نِيَّةَ السُّجُودِ ، فَلَا يُجْزِئَهُ .
وَإِنْ انْقَلَبَ عَلَى جَنْبِهِ ، ثُمَّ انْقَلَبَ ، فَمَاسَّتْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ ، لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ السُّجُودَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ : أَنَّهُ هَاهُنَا خَرَجَ عَنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهَيْئَاتِهَا ، ثُمَّ كَانَ انْقِلَابُهُ الثَّانِي عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ ، فَافْتَقَرَ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا هُوَ عَلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَسُنَّتِهَا ، فَاكْتُفِيَ بِاسْتِدَامَةِ النِّيَّةِ .
( 727 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا ، وَإِنْ قَالَ مَرَّةً ، أَجْزَأَهُ ) الْحُكْمُ فِي هَذَا التَّسْبِيحِ كَالْحُكْمِ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ ، عَلَى مَا شَرَحْنَاهُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : { لَمَّا نَزَلَ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ } ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى .
ثَلَاثًا ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ } .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا سَجَدَ قَالَ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } .
رَوَاهُنَّ ابْنُ مَاجَهْ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَلَمْ يَقُلْ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " .
وَالْحُكْمُ فِي عَدَدِهِ وَتَطْوِيلِ السُّجُودِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرُّكُوعِ .
( 728 ) فَصْلٌ : وَإِنْ زَادَ دُعَاءً مَأْثُورًا ، أَوْ ذِكْرًا - مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ { .
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، إذَا وَضَعْتَ وَجْهَكَ سَاجِدًا فَقُلْ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى شُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ } .
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ - وَهُوَ سَاجِدٌ - : رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي .
رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ " .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ ، دِقَّهُ وَجَلَّهُ ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، وَسِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ - فَحَسَنٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ .
وَقَدْ قَالَ { : وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ } .
حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى : " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " فِي الْفَرْضِ ، وَفِي التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ ، لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سِوَى الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ ، وَالْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ لَا يَنْفِي الْأَمْرَ بِغَيْرِهِ ، كَمَا أَنَّ أَمْرَهُ بِالتَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَنْفِ كَوْنَ الدُّعَاءِ مَشْرُوعًا ، وَلَوْ سَاغَ كَوْنُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَافِيًا لِغَيْرِهِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ نَافِيًا لِلتَّسْبِيحِ ؛ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ ، وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِيهِ .
( 729 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا ) يَعْنِي إذَا قَضَى سُجُودَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا ، وَجَلَسَ ، وَاعْتَدَلَ ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ .
وَهَذَا الرَّفْعُ وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ وَاجِبٌ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، بَلْ يَكْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِثْلَ حَدِّ السَّيْفِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَلْسَةُ فَصْلٍ بَيْنَ مُتَشَاكِلَيْنِ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً ، كَجَلْسَةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ : { ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخَلَّ بِهِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ - تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { - إذَا رَفَعَ مِنْ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ رَفْعٌ وَاجِبٌ ، فَكَانَ الِاعْتِدَالُ عَنْهُ وَاجِبًا ، كَالرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَلَا يُسَلَّمُ لَهُمْ أَنَّ جَلْسَةَ التَّشَهُّدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
( 730 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِذَا جَلَسَ وَاعْتَدَلَ يَكُونُ جُلُوسُهُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى ، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ) السُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُفْتَرِشًا ، وَهُوَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، فَيَبْسُطَهَا ، وَيَجْلِسَ عَلَيْهَا ، وَيَنْصِبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُخْرِجَهَا مِنْ تَحْتِهِ ، وَيَجْعَلَ بُطُونَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا ؛ لِتَكُونَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهَا إلَى الْقِبْلَةَ .
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ، فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَقَعَدَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا .
وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَوَتْهُ عَائِشَةُ : { وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَحَ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى ، فَيَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَثْنِيَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : تَفَقَّدْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَرَأَيْتُهُ يَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى ، فَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ .
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : كُنَّا نُعَلَّمُ إذَا جَلَسْنَا فِي الصَّلَاةِ ، أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ مِنَّا قَدَمَهُ الْيُسْرَى ، وَيَنْصِبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِ قَدَمِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ إبْهَامُ أَحَدِنَا لَتَنْثَنِي فَيُدْخِلُ يَدَهُ حَتَّى يَعْدِلَهَا .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى ، وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
وَقَالَ نَافِعٌ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِكُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى بِنَعْلَيْهِ .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
( 731 ) فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ ، وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ .
بِهَذَا وَصَفَهُ أَحْمَدُ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَالْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ : جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ ، مِثْلُ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ .
وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَرِهَهُ عَلِيٌّ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَقَتَادَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَقَالَ : لَا تَقْتَدُوا بِي ، فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ .
وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : لَا أَفْعَلُهُ ، وَلَا أَعِيبُ مَنْ فَعَلَهُ .
وَقَالَ : الْعَبَادِلَةُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ .
وَقَالَ طَاوُسٌ : رَأَيْت الْعَبَادِلَةَ يَفْعَلُونَهُ ابْنَ عُمَرَ ، وَابْنَ عَبَّاسٍ ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ أَلْيَتَاكَ قَدَمَيْك .
وَقَالَ طَاوُسٌ { : قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ ؟ فَقَالَ : هِيَ السُّنَّةُ .
قَالَ : قُلْنَا إنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ ، فَقَالَ : هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .
وَلَنَا ، مَا رَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ } .
وَعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا رَفَعْتَ رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ } .
رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ .
وَفِي صِفَةِ جُلُوسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ : ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَقَعَدَ عَلَيْهَا .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى ، وَيَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ } .
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَكْثَرُ
وَأَصَحُّ ، فَتَكُونُ أَوْلَى .
وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِكِبَرِهِ ، وَيَقُولُ : لَا تَقْتَدُوا بِي .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَقُولُ : رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي ) الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي : يُكَرِّرُ ذَلِكَ مِرَارًا ، وَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَرَّةٌ ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ ، وَالْكَمَالُ مِنْهُ مِثْلُ الْكَمَالِ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى حُذَيْفَةُ { ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ، رَبِّ اغْفِرْ لِي } .
احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَابْنُ مَاجَهْ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ .
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَاهْدِنِي ، وَعَافِنِي ؛ وَارْزُقْنِي } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ .
وَإِنْ قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لَنَا .
أَوْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ، مَكَانَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي .
جَازَ
( 733 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يُكَبِّرُ ، وَيَخِرُّ سَاجِدًا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، سَجَدَ سَجْدَةً أُخْرَى عَلَى صِفَةِ الْأُولَى ، سَوَاءً .
وَهِيَ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا .
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ .
( 734 ) فَصْلٌ : وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ شُرُوعُ الْمَأْمُومِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ؛ مِنْ الرَّفْعِ وَالْوَضْعِ ، بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهُ ، وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ مَعَهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهُ مَعَ أَفْعَالِ الْإِمَامِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى الْبَرَاءُ قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ نَتَّبِعُهُ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِلْبُخَارِيِّ : { لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ } .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ { : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَنَا ، فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا ، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ : إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا - إلَى قَوْلِهِ - فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَتِلْكَ بِتِلْكَ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِي لَفْظٍ : { فَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ } .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا .
وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ .
فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ .
وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ : " فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا " ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رُكُوعُهُمْ بَعْدَ رُكُوعِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِهِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ ، فَيَكُونُ بَعْدَهُ ، كَقَوْلِك : جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو .
أَيْ جَاءَ بَعْدَهُ .
وَإِنْ وَافَقَ إمَامَهُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ،
فَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَهُ ، أَسَاءَ ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ .
( 735 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ إمَامَهُ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ ؛ وَلَا بِالْقِيَامِ ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقَهُ ، كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ .
فَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِذَلِكَ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إذَا رَفَعَ أَحَدُكُمْ رَأْسَهُ ، وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ ، فَلْيَسْجُدْ ، وَإِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ بِرَأْسِهِ فَلْيَمْكُثْ قَدْرَ مَا رَفَعَ .
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الْإِمَامُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا سَبْقٌ يَسِيرٌ .
وَإِنْ سَبَقَ إمَامَهُ عَمْدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ : لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ } .
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ لَرَجَا لَهُ الثَّوَابَ ، وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ ، فَقَالَ : لَا وَحْدَك صَلَّيْتَ ، وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْتَ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : وَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكْنِ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ .
فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ .
قَالَ الْقَاضِي : عِنْدِي أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ ، فَصَحَّتْ صَلَاتُهُ ،
كَمَا لَوْ رَكَعَ مَعَهُ ابْتِدَاءً .
( 736 ) فَصْلٌ : فَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ .
فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إنْ فَعَلَهُ عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَهُ حَسْبُ .
وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ .
وَهَلْ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ .
فَأَمَّا إنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَتَيْنِ فَرَكَعَ قَبْلَهُ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ عَمْدًا ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ .
وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ .
وَلَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ؛ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِإِمَامِهِ فِيهَا .
( 737 ) فَصْلٌ : فَإِنْ سَبَقَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ ؛ مِثْلُ أَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ الْمَأْمُومِ ، لِعُذْرٍ مِنْ نُعَاسٍ أَوْ زِحَامٍ أَوْ عَجَلَةِ الْإِمَامِ ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا سُبِقَ بِهِ ، وَيُدْرِكُ إمَامَهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الْإِمَامُ إذَا سَجَدَ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ أَسْجُدَ ؟ قَالَ : إنْ كَانَتْ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَأَتَّبِعُهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ .
وَهَذَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
وَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ ، فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ إمَامَهُ ، وَيَقْضِي مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : كَأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ سَبَقَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ رُكْنٍ ، وَأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَّبِعُ إمَامَهُ ، وَلَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ رَكَعَ إمَامُهُ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ لَا يَشْعُرُ ، وَلَمْ يَرْكَعْ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ ، فَقَالَ : يَسْجُدُ مَعَهُ ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ مَكَانَهَا .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الْإِمَامُ إذَا سَجَدَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ أَسْجُدَ ؟ قَالَ : إنْ كَانَتْ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ فَاتَّبِعْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ ، وَإِنْ كَانَ سَجْدَتَانِ فَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مَتَى سَبَقَهُ بِرَكْعَتَيْنِ بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ .
وَإِنْ سَبَقَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَأَدْرَكَ إمَامَهُ .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا ، فِيمَنْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ : يَنْتَظِرُ زَوَالَ الزِّحَامَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَتَّبِعُ الْإِمَامَ ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا فَاتَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ رُكْنٍ وَاحِدٍ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ بِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاةِ عُسْفَانَ ، حِينَ أَقَامَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ ، فَسَجَدَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ ، وَالصَّفُّ الثَّانِي قَائِمٌ ، حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الثَّانِيَةِ ، فَسَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ، ثُمَّ تَبِعَهُ } .
وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لِلْعُذْرِ .
فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ أَدْرَكَهُمْ الْمَسْبُوقُ فِي أَوَّلِ سُجُودِهِمْ سَجَدَ مَعَهُمْ ، وَاعْتَدَّ بِهَا .
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ ، وَأَدْرَكَهُمْ فِي السُّجُودِ حَتَّى يَسْتَوُوا قِيَامًا ، فَلْيَتَّبِعْهُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ ، ثُمَّ يَقْضِي رَكْعَةً ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَنَحْوِهِ ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ .
وَالْأَوْلَى فِي هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، مَا كَانَ عَلَى قِيَاسِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ ؛ فَإِنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الِائْتِمَامَ بِإِمَامِهِ عَمْدًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 738 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا ، وَيَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا قَضَى سَجْدَتَهُ الثَّانِيَةَ نَهَضَ لَلْقِيَامَ مُكَبِّرًا ، وَالْقِيَامُ رُكْنٌ ، وَالتَّكْبِيرُ وَاجِبٌ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ : هَلْ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ ؟ فَرُوِيَ عَنْهُ : لَا يَجْلِسُ .
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا .
وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ .
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ : أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
أَيْ لَا يَجْلِسُ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ : تِلْكَ السُّنَّةُ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يَجْلِسُ .
اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .
قَالَ الْخَلَّالُ : رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى هَذَا .
يَعْنِي تَرَكَ قَوْلَهُ بِتَرْكِ الْجُلُوسِ ؛ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ ، وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ .
وَقِيلَ : إنْ كَانَ الْمُصَلِّي ضَعِيفًا جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ ؛ لِحَاجَتِهِ إلَى الْجُلُوسِ ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لَمْ يَجْلِسْ ؛ لِغِنَاهُ عَنْهُ ، وَحُمِلَ جُلُوسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ، عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِهِ ، وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ ، وَتَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ .
فَإِذَا قُلْنَا :
يَجْلِسُ ؛ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا عَلَى صِفَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ ، وَقَعَدَ ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ نَهَضَ } .
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَيْفِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : رَوَى عَنْ أَحْمَدَ مَنْ لَا أُحْصِيهِ كَثْرَةً ، أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ .
قَالَ الْقَاضِي : يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ ، مُفْضِيًا بِهِمَا إلَى الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَلَسَ مُفْتَرِشًا لَمْ يَأْمَنْ السَّهْوَ ، فَيَشُكَّ هَلْ جَلَسَ عَنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ؟ وَبِهَذَا يَأْمَنُ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ : لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ فِي جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ، بَلْ يَجْلِسُ مُعَلَّقًا عَنْ الْأَرْضِ .
وَعَلَى كِلْتَيْ الرِّوَايَتَيْنِ يَنْهَضُ إلَى الْقِيَامِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى يَدَيْهِ .
قَالَ الْقَاضِي : لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ ، أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْأَرْضِ ، سَوَاءٌ قُلْنَا : يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لَا يَجْلِسُ .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ : السُّنَّةُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدَيْهِ فِي النُّهُوضِ ؛ لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، إنَّهُ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ، ثُمَّ اعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ } .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي .
وَلَنَا مَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ ، قَالَ { : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَالْأَثْرَمُ ، وَفِي لَفْظٍ { : وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى
فَخِذَيْهِ } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ } .
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد ، وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ { : إنَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، إذَا نَهَضَ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ } .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : بِذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ .
قَالَ أَحْمَدُ : تَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ .
وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ فَكَانَ أَفْضَلَ ، كَالتَّجَافِي وَالِافْتِرَاشِ .
وَحَدِيثُ مَالِكٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَشَقَّةِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ لِضَعْفِهِ وَكِبَرِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { إنِّي قَدْ بَدَّنْتُ ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ }
( 739 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : : ( إلَّا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَيَعْتَمِدَ بِالْأَرْضِ ) يَعْنِي إذَا شَقَّ عَلَيْهِ النُّهُوضُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، فَلَا بَأْسَ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا .
وَمَشَقَّةُ ذَلِكَ تَكُونُ لِكِبَرٍ ، أَوْ ضَعْفٍ ، أَوْ مَرَضٍ ، أَوْ سِمَنٍ ، وَنَحْوِهِ .
( 740 ) فَصْلٌ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرِهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ ، وَانْتِهَاؤُهُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا ، لِيَكُونَ مُسْتَوْعِبًا بِالتَّكْبِيرِ جَمِيعَ الرُّكْنِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا بَقِيَّةُ التَّكْبِيرَاتِ ، إلَّا مَنْ جَلَسَ جَلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ ، فَإِنَّهُ يَنْتَهِي تَكْبِيرُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ جُلُوسِهِ ، ثُمَّ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يَنْهَضُ مُكَبِّرًا .
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَمْعِهِمَا فِيهِ .
( 741 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَفْعَلُ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى ) يَعْنِي يَصْنَعُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصَّلَاةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى مَا وُصِفَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ ، ثُمَّ قَالَ { : افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا } .
وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ تَنْقُصُ النِّيَّةَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِفْتَاحَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَمْ يَسْكُتْ } .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي تَرْكِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا ، فِيمَا عَدَا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ .
فَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، فَعَنْهُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى .
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا كُلِّهَا كَالْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلِذَلِكَ اعْتَبَرْنَا التَّرْتِيبَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ .
فَإِذَا أَتَى بِالِاسْتِعَاذَةِ فِي أَوَّلِهَا كَفَى ذَلِكَ كَالِاسْتِفْتَاحِ .
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، إذَا تَرَكَ الِاسْتِعَاذَةَ فِي الْأُولَى لِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ، أَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَالِاسْتِفْتَاحُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
نُصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا فَاتَ فِي أَوَّلِهَا فَاتَ مَحِلُّهُ .
وَالِاسْتِعَاذَةُ لِلْقِرَاءَةِ ، وَهُوَ يَسْتَفْتِحُهَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الِاسْتِعَاذَةِ ، لَمْ يَأْتِ
بِهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَاتَ مَحِلُّهَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } .
فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَكْرِيرَ الِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ تَكْرِيرِ الْقِرَاءَةِ ، وَلِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِلْقِرَاءَةِ ، فَتُكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صَلَاتَيْنِ .
فَصْلٌ : وَالْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَمْ يَسْتَفْتِحْ ، وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ ، فَإِنْ قُلْنَا : تَخْتَصُّ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى .
لَمْ يَسْتَعِذْ ؛ لِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ فَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ اسْتَفْتَحَ وَاسْتَعَاذَ .
نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ .
وَإِنْ قُلْنَا : يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .
اسْتَعَاذَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةِ كُلِّ رَكْعَةٍ ، فَإِذَا أَرَادَ الْمَأْمُومُ الْقِرَاءَةَ اسْتَعَاذَ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
( 743 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِذَا جَلَسَ فِيهَا لِلتَّشَهُّدِ يَكُونُ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ ، وَهَذَا الْجُلُوسُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ مَشْرُوعَانِ بِلَا خِلَافٍ ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا ، وَالْأُمَّةُ تَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهَا ؛ فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا أَوْ رُبَاعِيَّةً ، فَهُمَا وَاجِبَانِ فِيهَا ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ ، وَإِسْحَاقَ .
وَالْأُخْرَى : لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالسَّهْوِ ، فَأَشْبَهَا السُّنَنَ .
وَلَنَا ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ ، وَدَاوَمَ عَلَى فِعْلِهِ ، وَأَمَرَ بِهِ } فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : " قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " .
وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ حِينَ نَسِيَهُ .
وَقَدْ قَالَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي .
} وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالسَّهْوِ إلَى بَدَلٍ ، فَأَشْبَهَ جُبْرَانَاتِ الْحَجِّ تُجْبَرُ بِالدَّمِ ، بِخِلَافِ السُّنَنِ ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ التَّشَهُّدَيْنِ ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْآخَرِ .
وَصِفَةُ الْجُلُوسِ لِهَذَا التَّشَهُّدِ كَصِفَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ؛ يَكُونُ مُفْتَرِشًا كَمَا وَصَفْنَا .
وَسَوَاءٌ كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يَكُونُ مُتَوَرِّكًا عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا مُتَوَرِّكًا .
} وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا كَقَوْلِنَا ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ صَلَاتِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ .
وَلَنَا ، حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ - يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ - فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ .
} وَقَالَ وَائِلُ بْنُ
حُجْرٍ : قُلْت : لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
{ فَلَمَّا جَلَسَ - يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ - افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى ، وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى } .
وَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ حَسَنَانِ ، يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِمَا ، وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِصِحَّتِهِمَا وَكَثْرَةِ رُوَاتِهِمَا ، فَإِنَّ أَبَا حُمَيْدٍ ذَكَرَ حَدِيثَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَصَدَّقُوهُ ، وَهُمَا مُتَأَخِّرَانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ ، فَتَكُونُ زِيَادَةً ، وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ وَاجِبٌ .
( 744 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَبْسُطُ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى ، وَيَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى ؛ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَضْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِ الْيُسْرَى ، مَبْسُوطَةً مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ ، مُسْتَقْبِلًا بِجَمِيعِ أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ ، وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ، يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى ، وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ ، وَهِيَ الْإِصْبَعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ ؛ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ مَرْفِقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ عَقَدَ مِنْ أَصَابِعِهِ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا ، وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِإِصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ ، وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ مُشِيرًا بِهَا } .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ يَجْمَعُ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ ، وَيَعْقِدُ الْإِبْهَامَ كَعَقْدِ الْخَمْسِينَ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى ، وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ الْآمِدِيُّ : وَرُوِيَ أَنَّهُ يَبْسُطُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ ؛ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ ، يَرْفَعُهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَشَهُّدِهِ ؛ لِمَا رَوَيْنَا ، وَلَا يُحَرِّكُهَا ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ وَلَا يُحَرِّكُهَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِي لَفْظٍ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَعَدَ - يَدْعُو - وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ
الْيُمْنَى ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ .
}
( 745 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَتَشَهَّدُ ، فَيَقُولُ : { التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
وَهُوَ التَّشَهُّدُ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } ) هَذَا التَّشَهُّدُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ إمَامِنَا ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ .
قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : أَفْضَلُ التَّشَهُّدِ تَشَهُّدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ " ، وَسَائِرُهُ كَتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ ، فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَفْضَلُ التَّشَهُّدِ : مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَيَقُولُ : قُولُوا : التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " .
وَلَنَا ، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ { : عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
التَّشَهُّدَ - كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ - كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ } .
وَفِي لَفْظٍ { : إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ .
وَفِيهِ : فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَفِي الْأَرْضِ .
وَفِيهِ : فَلْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَجَابِرٌ ، وَأَبُو مُوسَى ، وَعَائِشَةُ .
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَتَقْدِيمُهُ .
فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ إجْمَاعًا ؟ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي إجْزَائِهِ فِي الصَّلَاةِ ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَى وَالْأَحْسَنِ ، وَالْأَحْسَنُ تَشَهُّدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي عَلَّمَهُ أَصْحَابَهُ وَأَخَذُوا بِهِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَانْفَرَدَ بِهِ ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ ، فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ : " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " كَرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
ثُمَّ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ إسْنَادًا ، وَأَكْثَرُ رُوَاةً ، وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ أَوْلَى ، ثُمَّ هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ ، وَفِيهِ الْعَطْفُ بِوَاوِ الْعَطْفِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَفِيهِ
السَّلَامُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ ، قَالَ : وَكُنَّا نَتَحَفَّظُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا نَتَحَفَّظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ } الْوَاوَ وَالْأَلِفَ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ ، فَكَانَ أَوْلَى .
( 746 ) فَصْلٌ : وَبِأَيِّ تَشَهُّدٍ تَشَهَّدَ مِمَّا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَازَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ : تَشَهُّدُ عَبْدِ اللَّهِ أَعْجَبُ إلَيَّ ، وَإِنْ تَشَهَّدَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَلَّمَهُ الصَّحَابَةَ مُخْتَلِفًا دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْجَمِيعِ ، كَالْقِرَاءَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْمُصْحَفُ .
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ لَفْظَةً هِيَ سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ التَّشَهُّدَاتِ الْمَرْوِيَّةِ صَحَّ تَشَهُّدُهُ ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : إذَا قَالَ : " وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " .
وَلَمْ يَذْكُرْ " وَأَشْهَدُ " أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ .
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ : لَوْ تَرَكَ وَاوًا أَوْ حَرْفًا أَعَادَ الصَّلَاةَ ؛ لِقَوْلِ الْأَسْوَدِ : فَكُنَّا نَتَحَفَّظُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا نَتَحَفَّظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَحْسَنَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ، وَعَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُرَخِّصُ فِي إبْدَالِ
لَفَظَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَالتَّشَهُّدُ أَوْلَى ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ إنْسَانًا كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ { : إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ } .
فَيَقُولُ : طَعَامُ الْيَتِيمِ .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : قُلْ طَعَامُ الْفَاجِرِ .
فَأَمَّا مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ التَّشَهُّدَاتُ كُلُّهَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِتْيَانُ بِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
( 747 ) فَصْلٌ : وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا التَّشَهُّدِ ، وَلَا تَطْوِيلُهُ ، وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ ؛ وَعَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الْأَسْمَاءِ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ يُسَمِّي فِي أَوَّلِهِ ، وَقَالَ زِدْت فِيهِ : وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
وَأَبَاحَ الدُّعَاءَ فِيهِ بِمَا بَدَا لَهُ .
وَقَالَ أَيُّوبُ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، وَهِشَامٌ بِقَوْلِ عُمَرَ فِي التَّسْمِيَةِ ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ قَالَ ، { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ : بِسْمِ اللَّهِ ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ .
وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ كَتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ } ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَقَالَ مَالِكٌ : ذَلِكَ وَاسِعٌ .
وَسَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا يَقُولُ : " بِسْمِ اللَّهِ " .
فَانْتَهَرَهُ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَالرَّضْفُ : هِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ .
يَعْنِي لِمَا يُخَفِّفُهُ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُطَوِّلْهُ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا .
وَرُوِيَ عَنْ
مَسْرُوقٍ ، قَالَ : كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .
وَقَالَ حَنْبَلٌ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الْجَلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَخَفَّ الْجُلُوسَ ، ثُمَّ يَقُومُ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ .
وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ التَّشَهُّدَاتِ لَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ ، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا ، وَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، وَلَا غَيْرُهَا مِمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ ، وَإِنْ فَعَلَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ .
( 748 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَدْرَكَ بَعْضَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ ، فَجَلَسَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، لَمْ يَزِدْ الْمَأْمُومُ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، بَلْ يُكَرِّرُهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ، قَالَ : يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ ، وَلَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْعُو بِشَيْءٍ مِمَّا يُدْعَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي التَّشَهُّدِ الَّذِي يُسَلِّمُ عَقِيبَهُ ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ .
( 749 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا كَنُهُوضِهِ مِنْ السُّجُودِ ) يَعْنِي إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ نَهَضَ قَائِمًا عَلَى صَدْرِ قَدَمَيْهِ ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي نُهُوضِهِ مِنْ السُّجُودِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، وَلَا يُقَدِّمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ .
كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ .
وَكَرِهَهُ إِسْحَاقُ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ .
وَرَخَّصَ فِيهِ مُجَاهِدٌ ، وَإِسْحَاقُ لِلشَّيْخِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَرِهَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَيُمْكِنُ الشَّيْخَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدَيْهِ ، فَيَسْتَغْنِيَ عَنْهُ ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ ، وَلَا وُجِدَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ .
( 750 ) فَصْلٌ : ثُمَّ يُصَلِّي الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ كَالثَّانِيَةِ ، إلَّا أَنَّهُ : لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ، وَلَا يَجْهَرُ فِيهِمَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ .
وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( 751 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ تَوَرَّكَ ، فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ، وَجَعَلَ بَاطِنَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ) السُّنَّةُ عِنْدَ إمَامِنَا ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، التَّوَرُّكُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ : يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا كَجُلُوسِهِ فِي الْأَوَّلِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ، وَأَبِي حُمَيْدٍ ، فِي صِفَةِ جُلُوسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلَنَا قَوْلُ أَبِي حُمَيْدٍ : حَتَّى { إذَا كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَقْضِي فِيهَا صَلَاتَهُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَجَلَسَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ .
} وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ ، وَزِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا ، وَاَلَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، لَا نِزَاعَ بَيْنَنَا فِيهِ ، وَأَبُو حُمَيْدٍ - رَاوِي حَدِيثِهِمْ - بَيَّنَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ افْتِرَاشَهُ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّهُ تَوَرَّكَ فِي الثَّانِي ، فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِهِ وَبَيَانِهِ .
فَأَمَّا صِفَةُ التَّوَرُّكِ ، فَقَالَ الْخِرَقِيِّ : يَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ، وَيَجْعَلُ بَاطِنَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي مِثْلَ ذَلِكَ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ، قَالَ { : جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ ، وَجَعَلَ بَطْنَ قَدَمِهِ عِنْدَ مَأْبِضِ الْيُمْنَى ، وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى } .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ فِي صِفَتِهِ ، قَالَ : رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَتَوَرَّكُ فِي الرَّابِعَةِ فِي
التَّشَهُّدِ ، فَيُدْخِلُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، يُخْرِجُهَا مِنْ تَحْتِ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ ، وَلَا يَقْعُدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا ، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى ، وَيَفْتَحُ أَصَابِعَهُ ، وَيُنَحِّي عَجُزَهُ كُلَّهُ ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَصَابِعِهِ الْيُمْنَى الْقِبْلَةَ ، وَرُكْبَتُهُ الْيُمْنَى عَلَى الْأَرْضِ مُلْزَقَةٌ .
وَهَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ، وَإِنَّ أَبَا حُمَيْدٍ ، قَالَ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إلَى الْأَرْضِ ، وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَأَيُّهُمَا فُعِلَ فَحَسَنٌ .
( 752 ) فَصْلٌ : وَهَذَا التَّشَهُّدُ وَالْجُلُوسُ لَهُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ عُمَرُ ، وَابْنُهُ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ ، وَالْحَسَنُ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَلَمْ يُوجِبْهُ مَالِكٌ ، وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الْجُلُوسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ .
وَتَعَلُّقًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْأَعْرَابِيَّ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ .
وَلَنَا ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فَقَالَ : قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ .
} وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَفَعَلَهُ ، وَدَاوَمَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : { كُنَّا نَقُولُ ، قَبْلَ أَنْ يُفْرَضُ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ .
وَلَكِنْ قُولُوا : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ .
إلَى آخِرِهِ ، } وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ فُرِضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَفْرُوضًا ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَرَكَ تَعْلِيمَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَسَاءَ فِي تَرْكِهِ .
( 753 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَلَا يُتَوَرَّكُ إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ جَمِيعَ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُسَنُّ التَّوَرُّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يُسَلِّمُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَانِيًا ، كَتَشَهُّدِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ يُسَنُّ تَطْوِيلُهُ ، فَسُنَّ فِيهِ التَّوَرُّكُ كَالثَّانِي .
وَلَنَا ، حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ، وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى .
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ .
} وَقَالَتْ عَائِشَةُ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي ، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ ، وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ ، فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ ، إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى إنْ صَحَّ فَيُضَمُّ إلَيْهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَنُعَلِّلُ الْحُكْمَ بِهِمَا ، وَالْحُكْمُ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَعَدِّيهِ لِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 754 ) فَصْلٌ : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فَمَا تَقُولُ فِي تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ ؟ فَقَالَ " يُتَوَرَّكُ فِيهِ أَيْضًا ، هُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ .
يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ السُّجُودِ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ تَشَهُّدَهَا يُتَوَرَّكُ فِيهِ ، وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُتَوَرَّكُ فِي كُلِّ
تَشَهُّدٍ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ ثَانٍ فِي الصَّلَاةِ ، وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَشَهُّدِ صُلْبِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ، فَيَجْلِسُ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ ، أَيَتَوَرَّكُ مَعَهُ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ فِي هَذِهِ الْجَلْسَةِ ؟ فَقَالَ : إنْ شَاءَ تَوَرَّكَ .
قُلْت : فَإِذَا قَامَ يَقْضِي ، يَجْلِسُ فِي الرَّابِعَةِ هُوَ ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَرَّكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، يَتَوَرَّكُ ، هَذَا لِأَنَّهَا هِيَ الرَّابِعَةُ لَهُ ، نَعَمْ يَتَوَرَّكُ ، وَيُطِيلُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ .
قَالَ الْقَاضِي : قَوْلُهُ : إنْ شَاءَ تَوَرَّكَ .
عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ مَسْنُونٌ .
وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ ، لَا يَتَوَرَّكَ إلَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ رِوَايَتَيْنِ .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَتَشَهَّدُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ بِالتَّشَهُّدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي صَحِيحِ الْمَذْهَبِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ .
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ .
إنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
قَالَ : مَا أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ هَذَا .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : هَذَا شُذُوذٌ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هُوَ قَوْلُ جُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا الشَّافِعِيَّ .
وَكَانَ إِسْحَاقُ يَقُولُ : لَا يُجْزِئُهُ إذَا تَرَكَ ذَلِكَ عَامِدًا .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ ؛ لِأَنَّنِي لَا أَجِدُ الدَّلَالَةَ مَوْجُودَةً فِي إيجَابِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ .
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا قُلْت هَذَا - أَوْ قَضَيْت هَذَا - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك } .
وَفِي لَفْظٍ : " وَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَمَرَنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ عَقِيبَ التَّشَهُّدِ مِنْ
غَيْرِ فَصْلٍ .
وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّشَهُّدِ قَوْلًا ، فَنَقَلَهُمْ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى التَّشَهُّدِ وَحْدَهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ الشَّرْعِ ، وَلَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِهِ .
وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وُجُوبُهُ ؛ فَإِنَّ أَبَا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيَّ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَتَهَيَّبُ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَبَيَّنْتُ ، فَإِذَا الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا ؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ ، قَالَ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عُلِّمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك ؟ قَالَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ { سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ رَبَّهُ ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجِلَ هَذَا .
ثُمَّ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ } .
وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ شُرِطَ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالشَّهَادَةِ ، فَشُرِطَ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْأَذَانِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : الزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
( 756 ) فَصْلٌ : وَصِفَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ ،
لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ : " كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " ، وَ " كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " وَفِي رِوَايَةٍ : " كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَ " كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : { كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ ؛ فِي الْعَالَمِينَ ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ { ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ؛ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ .
لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِيهَا .
وَعَلَى أَيِّ صِفَةٍ أَتَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ ، جَازَ ، كَقَوْلِنَا فِي التَّشَهُّدِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِلَفْظٍ سَاقِطٍ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ ، جَازَ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَغْفَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُ ؛ لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي زُرْعَةَ : الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ ، مَنْ تَرَكَهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ عَلَى آلِهِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَلَهُمْ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ وَجْهَانِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : تَجِبُ
الصَّلَاةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِي خَبَرِ كَعْبٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِهَذَا حِينَ سَأَلُوهُ تَعْلِيمَهُمْ ، وَلَمْ يَبْتَدِئْهُمْ بِهِ .
( 757 ) فَصْلٌ : آلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ } .
يَعْنِي أَتْبَاعَهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ .
وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، أَنَّهُ سُئِلَ : مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ ؟ فَقَالَ : كُلُّ تَقِيٍّ } .
أَخْرَجَهُ تَمَّامٌ فِي " فَوَائِدِهِ " .
وَقِيلَ آلُهُ : أَهْلُهُ ، الْهَاءُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْهَمْزَةِ ، كَمَا يُقَالُ : أَرَقْتُ الْمَاءَ وَهَرَقْتُهُ .
فَلَوْ قَالَ : وَعَلَى أَهْلِ مُحَمَّدٍ ، مَكَانَ آلِ مُحَمَّدٍ ، أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَقَالَ : مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ، وَلِذَلِكَ لَوْ صُغِّرَ ، قِيلَ : أُهَيْلٌ : قَالَ .
وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا أَهْلُ دِينِهِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو حَفْصٍ : لَا يُجْزِئُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ لَفْظِ الْأَثَرِ ، وَتَغْيِيرِ الْمَعْنَى ، فَإِنَّ الْأَهْلَ إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَرَابَةِ ، وَالْآلَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَتْبَاعِ فِي الدِّينِ .
( 758 ) فَصْلٌ : وَأَمَّا تَفْسِيرُ التَّحِيَّاتِ ، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : التَّحِيَّةُ الْعَظَمَةُ ، وَالصَّلَوَاتُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ .
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : التَّحِيَّاتُ الْمُلْكُ .
وَأَنْشَدَ : وَلَكُلُّ مَا نَالَ الْفَتَى قَدْ نِلْتُهُ إلَّا التَّحِيَّةَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : التَّحِيَّةُ الْبَقَاءُ .
وَاسْتَشْهَدَ بِهَذَا الْبَيْتِ .
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : التَّحِيَّاتُ السَّلَامُ ، وَالصَّلَوَاتُ الرَّحْمَةُ ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ .
( 759 ) فَصْلٌ : وَالسُّنَّةُ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهِ ، إذْ لَوْ جَهَرَ بِهِ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَتْ الْقِرَاءَةُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ : مِنْ السُّنَّةِ إخْفَاءُ التَّشَهُّدِ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ غَيْرُ الْقِرَاءَةِ لَا يُنْتَقَلُ بِهِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ ، فَاسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ ، كَالتَّسْبِيحِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
فَصْلٌ ( 760 ) : وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ التَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي التَّكْبِيرِ .
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ تَشَهَّدَ بِلِسَانِهِ ، كَقَوْلِنَا فِي التَّكْبِيرِ ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَنْ لَا يَتَشَهَّدَ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَخْرَسِ .
وَمَنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ ، فَلَزِمَهُ كَالْقِرَاءَةِ .
فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ تَعَلُّمِهِ مَعَ إمْكَانِهِ ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ .
وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ ، أَوْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهِ ، أَتَى بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْهُ ، وَأَجْزَأَهُ ؛ لِلضَّرُورَةِ .
وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ ، سَقَطَ كُلُّهُ .
( 761 ) فَصْلٌ : وَالسُّنَّةُ تَرْتِيبُ التَّشَهُّدِ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ، وَأَتَى بِهِ مُنَكَّسًا مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ ، وَلَا إخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ فِيهِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا يُجْزِئُهُ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى ، وَقَدْ حَصَلَ ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ رَتَّبَهُ .
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ فِي ذِكْرٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مُرَتَّبًا ، فَلَمْ يَصِحَّ كَالْأَذَانِ .
( 762 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ أَرْبَعٍ .
فَيَقُولَ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ) وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِمُسْلِمٍ { : إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ أَرْبَعٍ } وَذَكَرَهُ .
( 763 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِنْ دَعَا فِي تَشَهُّدِهِ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ فَلَا بَأْسَ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ جَائِزٌ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : لَا يَدْعُو فِي الْمَكْتُوبَةِ إلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ .
فَنَفَضَ يَدَهُ كَالْمُغْضَبِ ، وَقَالَ : مَنْ يَقِفُ عَلَى هَذَا ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا قَالُوا ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إذَا جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا شَاءَ ؟ قَالَ : بِمَا شَاءَ لَا أَدْرِي ، وَلَكِنْ يَدْعُو بِمَا يَعْرِفُ وَبِمَا جَاءَ .
فَقُلْت : عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ ، يَقُولُ : إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ ، وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ ، ثُمَّ لِيَقُلْ : " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ .
اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَك عِبَادُك الصَّالِحُونَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عِبَادُك الصَّالِحُونَ ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِك وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ، قَالَ : وَعَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا ، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ ، وَأَخْرِجْنَا مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ ، وَاصْرِفْ عَنَّا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَبْصَارِنَا وَأَسْمَاعِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ، وَتُبْ
عَلَيْنَا إنَّك أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِك ، مُثْنِينَ عَلَيْك بِهَا ، قَابِلِيهَا ، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ { قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي .
قَالَ : قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا ، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك ، وَارْحَمْنِي ، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ : مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ ؟ قَالَ : أَتَشَهَّدُ ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك ، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ .
فَقَالَ : حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُمْ التَّشَهُّدَ ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ } .
وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ : بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَخْبَارِ .
يَعْنِي أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الدُّعَاءِ ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : يَدْعُو بِمَا جَاءَ وَبِمَا يَعْرِفُ .
وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ فِي سُجُودِهِ : اللَّهُمَّ كَمَا صُنْتَ وَجْهِي عَنْ السُّجُودِ لِغَيْرِك فَصُنْ وَجْهِي عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِغَيْرِك .
وَقَالَ : كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُهُ فِي سُجُودِهِ .
وَقَالَ : سَمِعْت الثَّوْرِيَّ يَقُولُهُ فِي سُجُودِهِ .
( 764 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُّ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا ، بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَأَمَانِيَّهُمْ ، مِثْلُ :
اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ ، وَدَارًا قَوْرَاءَ ، وَطَعَامًا طَيِّبًا ، وَبُسْتَانًا أَنِيقًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فِي التَّشَهُّدِ : " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ " .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِمُسْلِمٍ : " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ " .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { : إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ أَرْبَعٍ ، ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ } .
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ } .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ ، وَلِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ يُخَاطَبُ بِمِثْلِهِ ، أَشْبَهَ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ ، وَرَدَّ السَّلَامِ ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَمَا أَشْبَهَهُ .
( 765 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الدُّعَاءُ بِمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا لَيْسَ بِمَأْثُورٍ ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُّ الدُّنْيَا ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ ؛ لِقَوْلِهِ : وَلَكِنْ يَدْعُو بِمَا جَاءَ وَبِمَا يَعْرِفُ .
وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ ؛ مِنْ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ " ، وَقَوْلُهُ : " ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ " .
وَقَوْلُهُ : " ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ " .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ { : جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي .
فَقَالَ : احْمَدِي
اللَّهَ عَشْرًا ، وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا ، ثُمَّ سَلِي مَا شِئْتِ .
يَقُولُ : نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ } .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَدْعُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِمَا لَمْ يَتَعَلَّمُوهُ ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ : " مَا تَقُولُ فِي صَلَاتِك ؟ " قَالَ : أَتَشَهَّدُ ، ثُمَّ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ .
فَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَلَّمَهُ إيَّاهُ ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ } .
لَمْ يُعَيِّنْ لَهُمْ مَا يَدْعُونَ بِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ كُلَّ الدُّعَاءِ ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ بِالدَّلِيلِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا كَانَتْ إذَا قَرَأَتْ { : فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } .
قَالَتْ : مُنَّ عَلَيْنَا ، وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ .
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، وَهُوَ يَقُولُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النِّفَاقِ .
وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَأَشْبَهَ الدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ .
( 766 ) فَصْلٌ : وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ لَإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فِي صَلَاتِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا يَجُوزُ .
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِابْنِ الشَّافِعِيِّ : أَنَا أَدْعُو لِقَوْمٍ مُنْذُ سِنِينَ فِي صَلَاتِي ؛ أَبُوك أَحَدُهُمْ .
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ { ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ : اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ } .
وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ .
فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ " .
وَالْأُخْرَى لَا يَجُوزُ .
وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ ؛ لِشَبَهِهِ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِمُعَيَّنٍ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ .
( 767 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي نَافِلَةً إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا ، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا ؛ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ ، { أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ، وَفِي سُجُودِهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَتَعَوَّذَ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ { : قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً ، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ .
قَالَ : ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ .
وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَرِيضَةٍ ، مَعَ كَثْرَةِ مَنْ وَصَفَ قِرَاءَتَهُ فِيهَا .
( 768 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ، قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالثَّقِيلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ .
فَإِنْ خَالَفَ وَأَتَى بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ ، كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ .
وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّطْوِيلُ كَثِيرًا ، فَيَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ ؛
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ } .
وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَهُ الْإِطَالَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى حَالٍ يَخَافُ السَّهْوَ ، فَتُكْرَهَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً أَوْجَزَ فِيهَا ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : أَنَا أُبَادِرُ الْوَسْوَاسَ .
وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا عَرَضَ فِي الصَّلَاةِ عَارِضٌ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ ، يَقْتَضِي خُرُوجَهُ ، أَنْ يُخَفِّفَ ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( 769 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ ، فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ .
وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا ، سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، وَهَذَا التَّسْلِيمُ وَاجِبٌ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَتَعَيَّنُ السَّلَامُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ ، بَلْ إذَا خَرَجَ بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، جَازَ ، إلَّا أَنَّ السَّلَامَ مَسْنُونٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ ، وَلَوْ وَجَبَ لَأَمَرَهُ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَلِأَنَّ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَكَذَلِكَ الْأُخْرَى .
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ صَلَاتِهِ ، وَيُدِيمُ ذَلِكَ وَلَا يُخِلُّ بِهِ ، وَقَدْ قَالَ : { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } .
وَلِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِي الصَّلَاةَ ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا مَضَى .
( 770 ) فَصْلٌ : وَيُشْرَعُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعَلِيٍّ ، وَعَمَّارٍ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ قَالَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ ، وَعَلْقَمَةُ ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ، وَعَطَاءٌ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ، وَأَنَسٌ ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَعَائِشَةُ ، وَالْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَمَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ : يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً .
وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ : كَانَ مَسْجِدُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَتَيْنِ ، وَكَانَ مَسْجِدُ الْمُهَاجِرِينَ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَةً .
وَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ، قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ .
} وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ : { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَسَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً } ، رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى قَدْ خَرَجَ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يُشْرَعْ مَا بَعْدَهَا كَالثَّانِيَةِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : { رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ ، عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ .
} وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ } .
رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ .
وَفِي لَفْظٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، وَعَنْ يَسَارِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَرْوِيهِ
زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : يَرْوِي مَنَاكِيرَ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ .
وَسَأَلَ الْأَثْرَمُ ، أَحْمَدَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ؟ فَقَالَ : كَانَ يَقُولُ هِشَامٌ : كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا .
قِيلَ لَهُ : إنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ عَنْ هِشَامٍ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : تَسْلِيمًا .
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : تَسْلِيمَةً .
قَالَ : هَذَا أَجْوَدُ .
فَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ يُسْمِعُهُمْ التَّسْلِيمَةَ الْوَاحِدَةَ ، وَمَنْ رَوَى : تَسْلِيمًا .
فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ .
عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَنَا تَتَضَمَّنُ زِيَادَةً عَلَى أَحَادِيثِهِمْ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ .
وَيَجُوزُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِيُبَيِّنَ الْجَائِزَ وَالْمَسْنُونَ ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَحَلُّلَانِ كَالْحَجِّ .
( 771 ) فَصْلٌ : وَالْوَاجِبُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالثَّانِيَةُ سُنَّةٌ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، جَائِزَةٌ ، وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الثَّانِيَةَ وَاجِبَةٌ .
وَقَالَ : هِيَ أَصَحُّ ؛ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهَا وَيُدَاوِمُ عَلَيْهَا ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَحَلُّلَانِ ، فَكَانَا وَاجِبَيْنِ ، كَتَحَلُّلَيْ الْحَجِّ ، وَلِأَنَّهَا إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْأُولَى .
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَلَيْسَ نَصُّ أَحْمَدَ بِصَرِيحٍ بِوُجُوبِ التَّسْلِيمَتَيْنِ ، إنَّمَا قَالَ : التَّسْلِيمَتَانِ أَصَحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ أَذْهَبُ إلَيْهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ ، دُونَ الْإِيجَابِ كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا : أَعْجَبُ إلَيَّ التَّسْلِيمَتَانِ .
وَلِأَنَّ عَائِشَةَ ، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ ، وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ .
قَدْ رَوَوْا : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً } وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوعُ وَالْمَسْنُونُ تَسْلِيمَتَيْنِ ، وَالْوَاجِبُ وَاحِدَةً ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَلَا يُمْنَعُ حَمْلُ فِعْلِهِ لِهَذِهِ التَّسْلِيمَةِ عَلَى السُّنَّةِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلِأَنَّ
التَّسْلِيمَةَ الْوَاحِدَةَ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ فِيهَا ، وَلِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ ، فَتُجْزِئُهُ فِيهَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ وَاحِدَةٌ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالنَّافِلَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ : { إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي فِي إصَابَةِ السُّنَّةِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ : أَنْ { يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ .
} وَكُلُّ هَذَا غَيْرُ وَاجِبٍ .
وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ، أَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ، وَالنَّافِلَةِ ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ ، فَلَا خَوْفَ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ .
قَالَ الْقَاضِي : هَذَا - رِوَايَةً وَاحِدَةً - نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ ؛ وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسَلِّمُوا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَّا تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 772 ) فَصْلٌ : وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ .
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ كَذَلِكَ ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، وَغَيْرِهِمَا .
وَقَدْ رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ ، قَالَ : { صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ .
وَعَنْ شِمَالِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ ، وَطُرُقَهُ أَصَحُّ فَإِنْ قَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .
وَلَمْ يَزِدْ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ .
قَالَ الْقَاضِي : وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ .
وَالتَّسْلِيمُ يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَوْلِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ ، قَالَ : { كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ نَحْوَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .
} رَوَاهُمَا سَعِيدٌ .
، وَلِأَنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ تَكْرِيرٌ لِلثَّنَاءِ ، فَلَمْ يَجِبْ .
كَقَوْلِهِ : وَبَرَكَاتُهُ ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَلِأَنَّهُ سَلَامٌ فِي الصَّلَاةِ وَرَدَ مَقْرُونًا بِالرَّحْمَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ بِدُونِهَا ، كَالتَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
التَّشَهُّدِ .
( 773 ) فَصْلٌ : فَإِنْ نَكَّسَ السَّلَامَ فَقَالَ : عَلَيْكُمْ السَّلَامُ .
لَمْ يَجْزِهِ .
قَالَ الْقَاضِي : فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، أَنَّهُ يُجْزِئُ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ ، وَلَيْسَ هُوَ بِقُرْآنٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ النَّظْمُ .
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ مُرَتَّبًا ، وَأَمَرَ بِهِ كَذَلِكَ .
وَقَالَ لِأَبِي تَمِيمَةَ : { لَا تَقُلْ عَلَيْك السَّلَامُ .
فَإِنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، فِي الْمُسْنَدِ ، وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُؤْتَى بِهِ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَجُزْ مُنَكَّسًا ، كَالتَّكْبِيرِ .
( 774 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ : مُنَكِّرًا مُنَوِّنًا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، يُجْزِئُهُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ قَامَ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ السَّلَامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ } .
وَقَوْلِهِ : { يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } .
وَقَوْلِهِ : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } .
وَلِأَنَّا أَجَزْنَا التَّشَهُّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي مُوسَى ، وَفِيهِمَا : سَلَامٌ عَلَيْك .
بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ ، وَالتَّسْلِيمَتَانِ وَاحِدٌ .
وَالْآخَرُ : لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ صِيغَةَ السَّلَامِ الْوَارِدِ ، وَيُخِلُّ بِحَرْفٍ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ ، فَيَتَغَيَّرُ الْمَعْنَى ، فَلَمْ يُجْزِئْ ، كَمَا لَوْ أَثْبَتَ اللَّامَ فِي التَّكْبِيرِ .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ : لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنَوِّنَ التَّسْلِيمَ أَوْ لَا يُنَوِّنَهُ ؛ لِأَنَّ حَذْفَ التَّنْوِينِ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى ؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ .
( 775 ) فَصْلٌ : وَيُسَنُّ أَنْ يَلْتَفِتَ عَنْ يَمِينِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى ، وَعَنْ يَسَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ ، كَمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ ، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ } .
وَيَكُونُ الْتِفَاتُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْفَى ؛ لِمَا رَوَى يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمَّارٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ .
} وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ قَائِلًا : وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ ، فِي قَوْلِهِ : وَرَحْمَةُ اللَّهِ ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ .
} مَعْنَاهُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ ، وَ " رَحْمَةُ اللَّهِ " يَكُونُ فِي حَالِ الْتِفَاتِهِ
فَصْلٌ : وَقَدْ : رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى ، وَتَكُونُ الثَّانِيَةُ أَخْفَى مِنْ الْأُولَى ، يَعْنِي بِذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ .
قَالَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ : سُئِلَ أَحْمَدُ : أَيُّ التَّسْلِيمَتَيْنِ أَرْفَعُ ؟ قَالَ : الْأُولَى .
وَفِي لَفْظٍ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى أَرْفَعُ مِنْ الْأُخْرَى .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ : وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَحَمَلَ أَحْمَدُ حَدِيثَ عَائِشَةَ .
أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً ، عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِوَاحِدَةٍ ، فَتُسْمَعُ مِنْهُ .
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ، أَنَّ الْجَهْرَ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِالِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى غَيْرِهِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْجَهْرِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى ، فَلَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِغَيْرِهَا .
وَكَانَ ابْنُ حَامِدٍ يُخْفِي الْأُولَى وَيَجْهَرُ بِالثَّانِيَةِ ، لِئَلَّا يَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُونَ بِالسَّلَامِ
( 777 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ حَذْفُ السَّلَامِ ، وَهُوَ أَلَّا يُمَدَّ بِطُولِهِ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ، ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، بِإِسْنَادِهِمَا ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ } .
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَمُدَّهُ مَدًّا .
قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ .
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : التَّكْبِيرُ جَزْمٌ ، وَالسَّلَامُ جَزْمٌ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إخْفَاءُ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ .
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْحَذْفَ إسْقَاطُ بَعْضِ الشَّيْءِ ، وَالْجَزْمَ قَطْعٌ لَهُ ، فَيَتَّفِقُ مَعْنَاهُمَا ، وَالْإِخْفَاءُ بِخِلَافِهِ ، وَيَخْتَصُّ بِبَعْضِ السَّلَامِ دُونَ جُمْلَتِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْأَثْرَمِ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ، يَقُولُ : حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ ، وَهُوَ أَنْ لَا يُطَوِّلَ بِهِ صَوْتَهُ .
وَطَوَّلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَوْتَهُ .
( 778 ) فَصْلٌ : وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ .
فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ؛ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ .
وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ نُطْقٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ ؛ فَاعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ ، كَالتَّكْبِيرِ .
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ .
وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ شَمِلَتْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ ، وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي السَّلَامِ لَوَجَبَ تَعْيِينُهَا ، كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ، فَلَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، وَقِيَاسُ الطَّرَفِ الْأَخِيرِ عَلَى الطَّرَفِ الْأَوَّلِ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ النِّيَّةَ اُعْتُبِرَتْ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ ، لِيَنْسَحِبَ حُكْمُهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ ، بِخِلَافِ الْأَخِيرِ ، وَلِذَلِكَ فُرِّقَ الطَّرَفَانِ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ مَعًا الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ .
فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ، وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا ، أَوْ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا ، فَلَا بَأْسَ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَقَالَ : يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ ، وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : { كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، فَنَظَرَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ تُشِيرُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ ، إذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُومِئْ بِيَدِهِ } ، وَفِي لَفْظٍ { إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد .
قَالَ : { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَرُدَّ عَلَى
الْإِمَامِ ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ .
} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِسَلَامِهِ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُصَلِّينً وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُسْلِمِ - مِنْ أَصْحَابِنَا - : يَنْوِي بِالْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ .
وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْمَأْمُومِينَ ، إنْ كَانَ إمَامًا ، وَالرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْحَفَظَةِ ، إنْ كَانَ مَأْمُومًا .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ نَوَى فِي السَّلَامِ الرَّدَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ مَعَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى السَّلَامَ عَلَى آدَمِيٍّ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَا يُصَلِّي مَعَهُ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ : يُسَلِّمُ لِلصَّلَاةِ ، وَيَنْوِي فِي سَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ .
رَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ : إذَا نَوَى بِتَسْلِيمِهِ الرَّدَّ عَلَى الْحَفَظَةِ أَجْزَأَهُ .
وَقَالَ : أَيْضًا : يَنْوِي بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ نَوَى الْمَلَكَيْنِ ، وَمَنْ خَلْفَهُ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ ، وَالْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ نَخْتَارُ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 779 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالدُّعَاءُ عَقِيبَ صَلَاتِهِ ، وَيُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ ، مِثْلُ مَا رَوَى الْمُغِيرَةُ ، قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ ثَوْبَانُ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { جَاءَ الْفُقَرَاءُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَلَهُمْ فَضْلُ أَمْوَالٍ ، يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ ؟ فَقَالَ : أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ إنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكُّمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِ إلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ ؟ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ .
فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا .
فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ .
فَرَجَعْتُ إلَيْهِ ، فَقَالَ : تَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ } قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : يَقُولُ هَكَذَا وَلَا يَقْطَعُهُ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ .
فَإِنْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ ، لَهُ النِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ وَالثَّنَاءُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ .
} وَعَنْ سَعْدٍ ، أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ ، وَيَقُولُ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُرَدَّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ } .
مِنْ الصِّحَاحِ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ { رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ .
} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ
فَصْلٌ : إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَثْبُتَ هُوَ وَالرِّجَالُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُنَّ قَدْ انْصَرَفْنَ ، وَيَقُمْنَ هُنَّ عَقِيبَ تَسْلِيمِهِ .
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : { إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إذَا سَلَّمَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ .
} قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، لِكَيْ يَبْعُدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نِسَاءٌ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إطَالَةُ الْجُلُوسِ ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ الْبَرَاءِ ، قَالَ : { رَمَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ؛ فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، } إلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ : مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ .
فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْ قِبْلَتِهِ ، لَا يَلْبَثُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى بِهِ إلَى الشَّكِّ ، هَلْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ، أَوْ لَا ؟ ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمُرَةَ ، قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ .
} وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : { صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ، فَلَمَّا سَلَّمَ انْحَرَفَ .
} وَعَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ .
رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : لَأَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ عَلَى رَضْفَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حِينَ يُسَلِّمُ وَلَا يَنْحَرِفُ .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ : إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَاحْصِبُوهُ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إذَا سَلَّمَ يَلْتَفِتُ وَيَتَرَبَّعُ وَقَالَ أَبُو دَاوُد : رَأَيْتُهُ إذَا كَانَ إمَامًا فَسَلَّمَ انْحَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَتَرَبَّعُ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ .
} وَفِي لَفْظٍ : { كَانَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ } .
وَعَنْ سَعْدٍ ، قَالَ : { كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ } .
رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَانَ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَّا قَدْرَ مَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ } .
يَعْنِي فِي مَقْعَدِهِ حَتَّى يَنْحَرِفَ ، قَالَ : لَا أَدْرِي .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا .
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ لَا يَثِبُوا قَبْلَ الْإِمَامِ ، لِئَلَّا يَذْكُرَ سَهْوًا فَيَسْجُدَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنِّي إمَامُكُمْ ، فَلَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ : فَلَا تَسْبِقُونِي .
فَإِنْ خَالَفَ الْإِمَامُ السُّنَّةَ فِي إطَالَةِ الْجُلُوسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ انْحَرَفَ ، فَلَا
بَأْسَ أَنْ يَقُومَ الْمَأْمُومُ وَيَدَعَهُ .
( 781 ) فَصْلٌ : وَيَنْصَرِفُ حَيْثُ شَاءَ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ؛ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ حَظًّا مِنْ صَلَاتِهِ ، يَرَى حَقًّا عَلَيْهِ أَلَّا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ ، { لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ ، { أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ .
} رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ .
( 782 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ لَا يَتَطَوَّعُ الْإِمَامُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَقَالَ : كَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَحْمَدُ وَمَنْ صَلَّى وَرَاءُ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ مَكَانَهُ ، فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ .
وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ حَدِيثَ عَلِيٍّ بِإِسْنَادِهِ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَتَطَوَّعُ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ بِالنَّاسِ .
}
( 783 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً أَوْ تَسْدُلُ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلُهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا .
الْأَصْلُ أَنْ يَثْبُتَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ مَا يَثْبُتُ لِلرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَشْمَلُهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي تَرْكِ التَّجَافِي ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ ، فَاسْتُحِبَّ لَهَا جَمْعُ نَفْسِهَا ، لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ حَالَ التَّجَافِي .
وَكَذَلِكَ فِي الِافْتِرَاشِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَالسَّدْلُ أَعْجَبُ إلَيَّ .
وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ .
قَالَ عَلِيٌّ ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ : إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ فَلْتَحْتَفِزْ وَلْتَضُمَّ فَخِذَيْهَا .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ .
( 784 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَالْمَأْمُومُ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَلَا يَقْرَأُ بِالْحَمْدِ ، وَلَا بِغَيْرِهَا ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ؟ ، قَالَ : فَانْتَهَى النَّاسُ أَنْ يَقْرَءُوا فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، وَلَا تُسْتَحَبُّ عِنْدَ إمَامِنَا ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَنَحْوُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ .
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ : يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ .
وَنَحْوُهُ عَنْ اللَّيْثِ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَابْنِ عَوْنٍ وَمَكْحُولٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : { كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَقَرَأَ ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا .
} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ ، وَأَبُو دَاوُد .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ، فَهِيَ خِدَاجٌ ، فَهِيَ خِدَاجٌ ، غَيْرُ
تَمَامٍ } .
قَالَ الرَّاوِي : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، إنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ ؟ قَالَ : فَغَمَزَ ذِرَاعِي ، وَقَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَلِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْ الْمَأْمُومِ ، كَسَائِرِ أَرْكَانِهَا ، وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الْقِيَامُ لَزِمَتْهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ ، كَالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
وَقَالَ أَحْمَدُ : فَالنَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي الصَّلَاةِ .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ ، وَالزُّهْرِيُّ : إنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ : كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ ، فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
وَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ .
وَلِأَنَّهُ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ الصَّلَاةَ ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ .
فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْخِرَقِيِّ ، رَوَاهُ مَالِكٌ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ فَقَالَ : هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ .
قَالَ : فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ ، حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} أَخْرَجَهُ مَالِكٌ ، فِي الْمُوَطَّأِ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ :
حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظٍ آخَرَ ، قَالَ : { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً ، فَلَمَّا قَضَاهَا قَالَ : هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعِي بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : إنِّي أَقُولُ : مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ ؟ إذَا أَسْرَرْتُ بِقِرَاءَتِي فَاقْرَءُوا ، وَإِذَا جَهَرْتُ بِقِرَاءَتِي فَلَا يَقْرَأَنَّ مَعِي أَحَدٌ } .
وَلِأَنَّهُ إجْمَاعٌ فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ ، قَالَ أَحْمَدُ ، مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقُولُ : إنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ .
وَقَالَ : هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ ، وَهَذَا مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَهَذَا الثَّوْرِيُّ ، فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَهَذَا الْأَوْزَاعِيُّ ، فِي أَهْلِ الشَّامِ ، وَهَذَا اللَّيْثُ ، فِي أَهْلِ مِصْرَ ، مَا قَالُوا لِرَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ ، وَقَرَأَ إمَامُهُ ، وَلَمْ يَقْرَأْ هُوَ : صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ .
وَلِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ ، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ ، كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبُوقِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمَسْبُوقِ ، كَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ ، الصَّحِيحُ ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ رَوَاهُ الْخَلَّالُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ، إلَّا أَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ } وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَنْ جَابِرٍ .
وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ .
مِنْ كَلَامِهِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ جَابِرٌ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ ، وَغَيْرُهُمَا ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ : اقْرَأْ بِهَا فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ ، أَوْ فِي حَالِ إسْرَارِهِ .
فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ : { إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا } ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الْآخَرُ ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ .
كَذَلِكَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ .
وَهُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ .
فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالْمَسْبُوقِ .
( 785 ) فَصْلٌ : قَالَ أَبُو دَاوُد : قِيلَ لِأَحْمَدَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنَّهُ - يَعْنِي الْمَأْمُومَ - قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، ثُمَّ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ؟ قَالَ : يَقْطَعُ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ، وَيُنْصِتُ لِلْقِرَاءَةِ .
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } .
( 786 ) فَصْلٌ : وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ الْمَأْمُومُ وَيَسْتَعِيذُ ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي حَقِّهِ قِرَاءَةٌ مَسْنُونَةٌ ، وَهُوَ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُسِرُّ فِيهَا الْإِمَامُ ، أَوْ الَّتِي فِيهَا سَكَتَاتٌ يُمْكِنُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ ، اسْتَفْتَحَ الْمَأْمُومُ وَاسْتَعَاذَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ أَصْلًا ، فَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ ، وَإِنْ سَكَتَ قَدْرًا يَتَّسِعُ لِلِافْتِتَاحِ فَحَسْبُ ، اسْتَفْتَحَ وَلَمْ يَسْتَعِذْ .
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ : قُلْت لِأَحْمَدَ : سُئِلَ سُفْيَانُ أَيَسْتَعِيذُ الْإِنْسَانُ خَلْفَ الْإِمَامِ ؟ قَالَ : إنَّمَا يَسْتَعِيذُ مَنْ يَقْرَأُ .
قَالَ أَحْمَدُ : صَدَقَ .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا : إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } .
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ فِيهِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِي حَالِ جَهْرِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ قَامَ مَقَامَ قِرَاءَتِهِ ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالِاسْتِعَاذَةِ .
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ
( 787 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ ، وَفِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ يَقْرَءُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا أَسَرَّ بِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : إذَا جَهَرَ فَلَا تَقْرَأْ ، وَإِذَا خَافَتَ فَاقْرَأْ .
وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَالْحَسَنِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَالْحَكَمِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ ، فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ؛ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِذَا قَالَ : وَلَا الضَّالِّينَ .
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : أَمَّا أَنَا فَأَغْتَنِمُ مِنْ الْإِمَامِ اثْنَتَيْنِ ، إذَا قَالَ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ، فَأَقْرَأُ عِنْدَهَا ، وَحِينَ يَخْتِمُ السُّورَةَ ، فَأَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ بِحَالٍ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَإِذَا أَسْرَرْت بِقِرَاءَتِي فَاقْرَءُوا } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَلِأَنَّ عُمُومَ الْأَخْبَارِ يَقْتَضِي الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ ، فَخَصَّصْنَاهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِحَالِ الْجَهْرِ ، وَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ ، وَتَخْصِيصُ حَالَةِ الْجَهْرِ بِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ فِي غَيْرِهَا .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فِي الْإِمَامِ يَقْرَأُ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ : يَقْرَأُ .
قِيلَ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } ؟ فَقَالَ : هَذَا إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَمِعُ ؟ .
وَيُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي مَوَاضِعِهَا
.
( 788 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمَأْمُومِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ ، وَلَا فِيمَا أَسَرَّ بِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ .
وَبِذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَمَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَدَاوُد : يَجِبُ ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ فِي حَالِ الْجَهْرِ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ .
وَلَنَا مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } .
وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ، شُعْبَةَ ، عَنْ مُوسَى ، مُطَوَّلًا .
وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِّيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْبُحْتُرِيِّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُوسَى ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ ، قَالَ : { كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يُومِئُ إلَيْهِ أَنْ لَا يَقْرَأَ ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَقْرَأَ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ : مَا لَكَ تَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ ؟ فَقَالَ : مَا لَكَ تَنْهَانِي أَنْ أَقْرَأَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا كَانَ لَك إمَامٌ يَقْرَأُ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ لَك قِرَاءَةٌ } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ جَابِرٍ : " إلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ " .
وَرَوَى الْخَلَّالُ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَكْفِيك قِرَاءَةُ الْإِمَامِ ، خَافَتَ أَوْ جَهَرَ } وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ
كَبَقِيَّةِ أَرْكَانِهَا "
( 789 ) فَصْلٌ : وَإِذَا قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصَتَ لَهُ ، وَقَطَعَ قِرَاءَتَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ بَقِيَّةَ الْفَاتِحَةِ فِي السَّكْتَةِ الثَّانِيَةِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَلَا تَنْقَطِعُ الْقِرَاءَةُ بِسُكُوتِهِ ؛ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ مَأْمُورٌ بِهِ ، فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِقِرَاءَتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَهَا " لَمْ يَسْتَفِدْ فَائِدَةً ، فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ زِيَادَةً عَلَى مَا قَرَأَهُ فِي الْأُولَى
( 790 ) فَصْلٌ : فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ ، قَرَأَ .
نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ .
فَيَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ : إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَنَغْمَتَهُ قَرَأَ ، فَإِذَا سَمِعَ فَلْيُنْصِتْ قِيلَ لَهُ : فَالْأَطْرَشُ ؟ قَالَ لَا أَدْرِي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشْرَعَ فِي حَقِّهِ الْقِرَاءَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ كَالْبَعِيدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقْرَأَ كَيْ لَا يُخَلِّطَ عَلَى الْإِمَامِ ، فَإِنْ سَمِعَ هَمْهَمَتَهُ وَلَمْ يَفْهَمْ ، فَقَالَ ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ : لَا يَقْرَأُ وَنُقِلَ عَنْهُ ، أَنَّهُ يَقْرَأُ إذَا سَمِعَ الْحَرْفَ بَعْدَ الْحَرْفِ
( 791 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَيَجْهَرُ بِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَفِي الصُّبْحِ كُلِّهَا .
الْجَهْرُ فِي مَوَاضِعِ الْجَهْرِ ، وَالْإِسْرَارُ فِي مَوَاضِعِ الْإِسْرَارِ ، لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ ، فَإِنْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ ، أَوْ أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ ، تَرَكَ السُّنَّةَ ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ ، إلَّا أَنَّهُ إنْ نَسِيَ فَجَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ ، بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ ، وَإِنْ أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا يَمْضِي فِي قِرَاءَتِهِ .
وَالثَّانِيَةُ يَعُودُ فِي قِرَاءَتِهِ .
عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ ، لَا عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ إنَّمَا لَمْ يَعُدْ إذَا جَهَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ .
وَإِنْ خَافَتْ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ ، أَعَادَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِصِفَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي الْقِرَاءَةِ ، يُمْكِنْهُ أَنْ يَأْتِي بِهَا وَفَوَّتَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ سَمَاعَ الْقِرَاءَةِ
( 792 ) فَصْلٌ : وَهَذَا الْجَهْرُ مَشْرُوعٌ لِلْإِمَامِ ، وَلَا يُشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وَالِاسْتِمَاعِ لَهُ ، بَلْ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَامَ لِيَقْضِيَهُ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : رَجُلٌ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ ، فَقَامَ لِيَقْضِيَ ، أَيَجْهَرُ أَوْ يُخَافِتُ ؟ قَالَ : إنْ شَاءَ جَهَرَ ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ .
ثُمَّ قَالَ : إنَّمَا الْجَهْرُ لِلْجَمَاعَةِ ، قُلْت لَهُ : وَكَذَلِكَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ، إنْ شَاءَ جَهَرَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْهَرْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إنَّمَا الْجَهْرُ لِلْجَمَاعَةِ .
وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ ، فِيمَنْ فَاتَتْهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْإِنْصَاتِ إلَى أَحَدٍ ، فَأَشْبَهَ الْإِمَامَ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ غَيْرِهِ ، فَأَشْبَهَ الْمَأْمُومَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ ، وَيُفَارِقُ الْإِمَامَ ، فَإِنَّهُ يَقْصِدُ إسْمَاعَ الْمَأْمُومِينَ ، وَيَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ عَنْهُمْ .
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَحْمَدُ فِي قَوْلِهِ : إنَّمَا الْجَهْرُ لِلْجَمَاعَةِ ، فَقَدْ تَوَسَّطَ الْمُنْفَرِدُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ، وَفَارَقَهُمَا فِي كَوْنِهِ لَا يَقْصِدُ إسْمَاعَ غَيْرِهِ ، وَلَا الْإِنْصَاتَ لَهُ ، فَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْحَالَيْنِ .
( 793 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا إنْ قَضَى الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ نَهَارٍ أَسَرَّ ، سَوَاءٌ قَضَاهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
فَإِنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ صَلَاةَ جَهْرٍ فَقَضَاهَا فِي لَيْلٍ ، جَهَرَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ، لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ فَعَلَهَا لَيْلًا ، فَيَجْهَرُ فِيهَا كَالْمُؤَدَّاةِ وَإِنْ قَضَاهَا نَهَارًا ، فَقَالَ أَحْمَدُ : إنْ شَاءَ لَمْ يَجْهَرْ فَيَحْتَمِلُ الْإِسْرَارَ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ عَجْمَاءُ ، وَهَذِهِ صَلَاةُ نَهَارٍ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ فَارْجُمُوهُ بِالْبَعْرِ } .
رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ ، بِإِسْنَادِهِ .
وَهَذِهِ قَدْ صَارَتْ صَلَاةَ نَهَارٍ ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْعُولَةٌ بِالنَّهَارِ ، فَأَشْبَهَ الْأَدَاءَ فِيهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا ، لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى وَفْقِ الْأَدَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَلَا فَرْقَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، لِشَبَهِ الصَّلَاةِ الْمَقْضِيَّةِ بِالْحَالَيْنِ .
( 794 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ ، وَفِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى : بِنَحْوِ الثَّلَاثِينَ آيَةً ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَفِي الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ ، وَفِي الْمَغْرِبِ ، بِسُوَرِ آخِرِ الْمُفَصَّلِ ، وَفِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " وَمَا أَشْبَهَهَا ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَسْنُونَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ .
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي بَيَّنَ الْخِرَقِيِّ ؛ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعًا لِسُنَّتِهِ ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } وَنَحْوِهَا ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى التَّخْفِيفِ } .
وَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ مَالِكٍ : { سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ ، أَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا الرُّومَ .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ { : قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِ الْمُؤْمِنُونَ .
فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى أَصَابَتْهُ شَرْقَةٌ ، فَرَكَعَ } .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ : { كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ } فَأَمَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - يَعْنِي الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالُوا : تَعَالَوْا حَتَّى نَقِيسَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ ، فَقَاسُوا قِرَاءَتَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ آيَةً ، وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَاسُوا ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ النِّصْفِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ .
} هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ .
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد : { حَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً ، قَدْرَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ } وَلَفْظُ مُسْلِمٍ كَذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ قَدْرَ ( الم تَنْزِيلُ ) ، وَقَالَ : وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ : وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى ، وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ } .
وَفِي حَدِيثٍ : { كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ } .
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَشَبَهِهِمَا } .
فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } .
وَعَنْ الْبَرَاءِ ، { ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي السَّفَرِ
} .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟ وَيَكْفِيك أَنْ تَقْرَأَ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } ، وَ { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } } .
وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى ، أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ ، وَأَقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوَاسِطِ الْمُفَصَّلِ ، وَاقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ .
رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ
( 795 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَمَهْمَا قَرَأَ بِهِ بَعْدَ أُمِّ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْزَأَهُ ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَالتَّقْدِيرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ ، وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاسِعٌ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ .
وَثَبَتَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ } ، وَقَرَأَ فِيهَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ .
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، { أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ .
أَنَّهُ { سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ إذَا زُلْزِلَتْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا ، فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْهُ { أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ } .
وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ تَارَةً وَيُقَصِّرُ أُخْرَى ، بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأُخَفِّفُ ؛ مَخَافَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ }
( 796 ) فَصْلٌ : : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ ؛ لِيَلْحَقَهُ الْقَاصِدُ لِلصَّلَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَكُونُ الْأُولَيَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : { حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ الثَّلَاثِينَ آيَةً } وَلِأَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ مُتَسَاوِيَتَانِ فَكَذَلِكَ الْأُولَيَانِ .
وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصُّبْحِ ، خَاصَّةً ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ قَالَ : " فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى { : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ } وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ : وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ .
وَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ ، ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا التَّعَارُضَ وَجَبَ تَقْدِيمُ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَصَحُّ ، وَيَتَضَمَّنُ زِيَادَةً ، وَهِيَ ضَبْطُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ .
قَالَ أَحْمَدُ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي الْإِمَامِ يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ ، يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ الْأُولَى : يُقَالُ لَهُ فِي هَذَا تَعَلُّمٌ .
وَقَالَ أَيْضًا ، فِي الْإِمَامِ يُقَصِّرُ فِي
الْأُولَى وَيُطَوِّلُ فِي الْآخِرَةِ : لَا يَنْبَغِي هَذَا ، يُقَالُ لَهُ ، وَيُؤْمَرُ .
( 797 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ : لَا بَأْسَ بِالسُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا } وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ الْبَقَرَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ } ، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ : صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، فَقَرَأَ بِهَا فِي رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ إلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ مَا كِدْتَ تَفْرُغُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَالَ : لَوْ طَلَعَتْ لَأَلِفَتْنَا غَيْرَ غَافِلِينَ .
وَقَدْ { قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى أَخَذَتْهُ شَرْقَةٌ فَرَكَعَ } وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِقِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ أَبْزَى قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ ، فَقَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ حَتَّى إذَا بَلَغَ : { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْحُزْنِ } وَقَعَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ فَرَكَعَ ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ : { إذَا زُلْزِلَتْ .
} وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ مِنْ السُّورَةِ فَهِيَ بَعْضُ السُّورَةِ
( 798 ) فَصْلٌ : وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ بِسُورَةٍ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ بِهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى ؟ فَقَالَ : وَمَا بَأْسٌ بِذَلِكَ ؟ وَقَدْ رَوَى النَّجَّادُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ ، فَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ ، وَقَرَأَ مَعَهَا { إذَا زُلْزِلَتْ } ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ، وَقَرَأَ { إذَا زُلْزِلَتْ } أَيْضًا .
} وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ } .
( 799 ) فَصْلٌ : قَالَ حَرْبٌ : قُلْت لِأَحْمَدَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عَلَى التَّأْلِيفِ فِي الصَّلَاةِ الْيَوْمَ سُورَةً .
وَغَدًا الَّتِي تَلِيهَا وَنَحْوَهُ ؟ قَالَ : لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ .
إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فِي الْفَرَائِضِ إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يَنْتَهِي جُزْؤُهُ ؟ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْفَرَائِضِ
( 800 ) فَصْلٌ : قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ الْقِيَامَ وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ قِيلَ لَهُ : فِي الْفَرِيضَةِ ؟ قَالَ : لَا ، لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ ، وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي التَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَحْفَظْ ، فَإِنْ كَانَ حَافِظًا كُرِهَ أَيْضًا .
قَالَ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْإِمَامَةِ فِي الْمُصْحَفِ فِي رَمَضَانَ ؟ فَقَالَ : إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ .
نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ ، وَصَالِحٌ ، وَابْنُ مَنْصُورٍ .
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّ النَّفَلَ وَالْفَرْضَ فِي الْجَوَازِ سَوَاءٌ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَافِظًا ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ طَوِيلٌ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد ، فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَؤُمَّ النَّاسَ فِي الْمَصَاحِفِ ، وَأَنْ يَؤُمَّنَا إلَّا مُحْتَلِمٌ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ ، وَالرَّبِيعِ ، كَرَاهَةُ ذَلِكَ وَعَنْ سَعِيدٍ ، وَالْحَسَنِ قَالَا : تُرَدِّدُ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ ، وَابْنُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ يَؤُمُّهَا عَبْدٌ لَهَا فِي الْمُصْحَفِ وَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ : كَانَ خِيَارُنَا يَقْرَءُونَ فِي الْمَصَاحِفِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَعَنْ الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدٍ فِي التَّطَوُّعِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ قِرَاءَتُهُ ظَاهِرًا جَازَ نَظِيرُهُ كَالْحَافِظِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ طَوِيلٍ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَاخْتَصَّتْ الْكَرَاهَةُ بِمَنْ يَحْفَظُ لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِذَلِكَ عَنْ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ .
وَكُرِهَ فِي الْفَرْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى
ذَلِكَ فِيهَا وَأُبِيحَتْ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( 801 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَلَا يَزِيدُ عَلَى قِرَاءَةِ أُمِّ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ زِيَادَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى أُمِّ الْكِتَابِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَجَابِرٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ .
الشَّالَنْجِيُّ عَنْهُمْ بِإِسْنَادِهِ إلَّا حَدِيثَ جَابِرٍ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ كَذَلِكَ وَمَرَّةً قَالَ : يَقْرَأُ بِسُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
لِمَا رَوَى الصُّنَابِحِيُّ قَالَ : صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمَغْرِبَ ، فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى إنَّ ثِيَابِي تَكَادُ تَمَسُّ ثِيَابَهُ ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ بِأُمِّ الْكِتَابِ ، وَهَذِهِ الْآيَةِ { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا } وَلَنَا : حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا } وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى شُرَيْحٍ : أَنْ اقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ .
وَمَا فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ الدُّعَاءَ ، لَا الْقِرَاءَةَ .
لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ فَلَيْسَ بِمُوجِبٍ تَرْكَ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ ، ثُمَّ قَدْ
ذَكَرْنَا مَذْهَبَ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ هَذَا .
فَأَمَّا إنْ دَعَا إنْسَانٌ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلُ مَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : إنْ شَاءَ قَالَهُ ، وَلَا نَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ قِرَاءَةً مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَوْ دُعَاءً ؟ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُكْرَهْ ، كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ
( 802 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَمَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ وَعَلَيْهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَاجِبٌ ، وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ : سَتْرُهَا وَاجِبٌ ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ السَّهْوِ .
احْتَجُّوا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا بِأَنَّ وُجُوبَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ، فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا ، كَاجْتِنَابِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ .
وَلَنَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أَكُونُ فِي الصَّيْدِ فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ } .
حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةِ ، فَإِنَّهَا تَجِبُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مَمْنُوعَةٌ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : احْتَجَّ مَنْ قَالَ السَّتْرُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ ، بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إفْسَادِ مَنْ تَرَكَ ثَوْبَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِهِ ، وَصَلَّى عُرْيَانًا ، قَالَ : وَهَذَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَالْكَلَامُ فِي حَدِّ الْعَوْرَةِ ، وَالصَّالِحُ فِي الْمَذْهَبِ ، أَنَّهَا مِنْ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا الْفَرْجَانِ .
قَالَ مُهَنَّا ، سَأَلْت أَحْمَدَ مَا الْعَوْرَةُ ؟ قَالَ : الْفَرْجُ وَالدُّبُرُ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَدَاوُد لِمَا رَوَى أَنَسٌ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، حَسَرَ الْإِزَارَ
عَنْ فَخِذِهِ ، حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَقَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ ) ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ .
} وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ لِلْحَدَثِ ، فَلَمْ يَكُنْ عَوْرَةً ، كَالسَّاقِ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، مَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ( مُسْنَدِهِ ) ؛ عَنْ جَرْهَدٍ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ قَدْ كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ ، فَقَالَ : غَطِّ فَخِذَك ؛ فَإِنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ } قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : لَا تَكْشِفْ فَخِذَك ، وَلَا تَنْظُرْ فَخِذَ حَيٍّ ، وَلَا مَيِّتٍ } وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ ، فَكَانَ أَوْلَى .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ ، بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَسْفَلُ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْعَوْرَةِ } وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ ؛ فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ } .
وَفِي لَفْظٍ : { مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ مِنْ عَوْرَتِهِ } .
رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَفِي لَفْظٍ : { إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ ، عَبْدَهُ ، أَوْ أَجِيرَهُ ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَهَذِهِ نُصُوصٌ يَتَعَيَّنُ
تَقْدِيمُهَا ، وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ تُحْمَلُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْجَيْنِ عَوْرَةٌ غَيْرُ مُغَلَّظَةٍ ، وَالْمُغَلَّظَةُ هِيَ الْفَرْجَانِ .
وَهَذَا نَصٌّ ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ ، لِتَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُمَا جَمِيعًا .
( 803 ) فَصْلٌ : وَلَيْسَتْ سُرَّتُهُ وَرُكْبَتَاهُ مِنْ عَوْرَتِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ .
وَهَذَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ } .
وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ؛ وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ حَدٌّ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالسُّرَّةِ .
وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ أَبُو الْجَنُوبِ ، لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ .
وَقَدْ قَبَّلَ أَبُو هُرَيْرَةَ سُرَّةَ الْحَسَنِ ، وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمْ يَفْعَلَا ذَلِكَ .
( 804 ) فَصْلٌ : وَالْوَاجِبُ السَّتْرُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ ، فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يَبِينُ لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ وَرَائِهِ ، فَيُعْلَمُ بَيَاضُهُ أَوْ حُمْرَتُهُ ، لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُ لَوْنَهَا ، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ ، جَازَتْ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا .
( 805 ) فَصْلٌ : فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ .
لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَبْطُلُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ ، فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ، كَالنَّظَرِ .
وَلَنَا : مَا رَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ : { انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ ، فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ ، وَقَالَ : يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ .
فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي ، فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ ، وَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ .
فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا ، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ .
} وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ : { فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ ، فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي } .
وَهَذَا يَنْتَشِرُ وَلَمْ يُنْكَرْ ، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ؛ وَلِأَنَّ مَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ كَثِيرِهِ حَالَ الْعُذْرِ ، فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ ، كَالْمَشْيِ ، وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْيَسِيرِ يَشُقُّ ، فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ حَدَّ الْكَثِيرِ مَا فَحُشَ فِي النَّظَرِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا .
وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفْحُشُ ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ ، إلَّا أَنَّ الْمُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ مِنْهَا مَا لَا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ انْكَشَفَ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ أَوْ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ أَقَلُّ مِنْ رُبُعِهَا ، لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ .
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ
، بَطَلَتْ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ ، كَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالتَّفَرُّقِ وَالْإِحْرَازِ ، وَالتَّقْدِيرُ بِالتَّحَكُّمِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يَسُوغُ .
( 806 ) فَصْلٌ : فَإِنْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ ، فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ ، مِنْ غَيْرِ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ ، لَمْ تَبْطُلْ ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ مِنْ الزَّمَانِ ، أَشْبَهَ الْيَسِيرَ فِي الْقَدْرِ .
وَقَالَ التَّمِيمِيُّ فِي " كِتَابِهِ " : إنْ بَدَتْ عَوْرَتُهُ وَقْتًا وَاسْتَتَرَتْ وَقْتًا ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ .
وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْيَسِيرُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ يَفْحُشُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِيهِ ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ ، كَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَدْرِ .
( 807 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : إذَا كَانَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ مِنْ اللِّبَاسِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ، أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئًا مِنْ اللِّبَاسِ ، إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ .
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ مَنْ لَمْ يُخَمِّرْ مَنْكِبَيْهِ .
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ ، فَأَشْبَهَا بَقِيَّةَ الْبَدَنِ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، عَنْ بُرَيْدَةَ ، قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ لَا يَتَوَشَّحُ بِهِ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ } .
وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَرْكِهِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَلِأَنَّهَا سُتْرَةٌ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْإِخْلَالُ بِهَا يُفْسِدُهَا ، كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَأَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ ، عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ سَرَاوِيلُ ، وَثَوْبُهُ عَلَى إحْدَى عَاتِقَيْهِ ، وَالْأُخْرَى مَكْشُوفَةٌ : يُكْرَهُ .
قِيلَ لَهُ : يُؤْمَرُ أَنْ يُعِيدَ ؟ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ إعَادَةً .
وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ ؛ لِسَتْرِهِ بَعْضَ الْمَنْكِبَيْنِ ، فَاجْتُزِئَ بِسَتْرِ أَحْدِ الْعَاتِقَيْنِ عَنْ سَتْرِ الْآخَرِ ، لِامْتِثَالِهِ لِلَفْظِ الْخَبَرِ .
وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَنَّهُ
مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْمَنْكِبَيْنِ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَلِأَنَّهَا سُتْرَةٌ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَالْإِخْلَالُ بِهَا يُفْسِدُهَا كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ .
( 808 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجِبُ سَتْرُ الْمَنْكِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا ، بَلْ يُجْزِئُ سِتْرُ بَعْضِهِمَا ، وَيُجْزِئُ سَتْرُهُمَا بِثَوْبٍ خَفِيفٍ يَصِفُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ سَتْرِهِمَا بِالْحَدِيثِ ، وَلَفْظُهُ : { لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ } .
وَهَذَا يَقَعُ عَلَى مَا يَعُمُّ الْمَنْكِبَيْنِ ، وَمَا لَا يَعُمُّهُمَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَصَّ أَحْمَدَ فِيمَنْ صَلَّى وَإِحْدَى مَنْكِبَيْهِ مَكْشُوفَةٌ ، فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ .
فَإِنْ طَرَحَ عَلَى كِتْفِهِ حَبْلًا أَوْ خَيْطًا وَنَحْوَهُ ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْ اللِّبَاسِ ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى لِبَاسًا .
وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لَهُ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ ، { أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ كَأَنَّ عَلَى عَاتِقِهِ ذَنَبَ فَأْرَةٍ .
} وَعَنْهُ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدُهُمْ ثَوْبًا أَلْقَى عَلَى عَاتِقِهِ عِقَالًا وَصَلَّى .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ } .
مِنْ الصِّحَاحِ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِوَضْعِهِ عَلَى الْعَاتِقَيْنِ لِلسَّتْرِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوَضْعِ خَيْطٍ وَلَا حَبْلٍ ، وَلَا يُسَمَّى سُتْرَةً وَلَا لِبَاسًا .
وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ لَمْ يَصِحَّ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، إنْ صَحَّ عَنْهُمْ ؛ فَلِعَدَمِ مَا سِوَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( 809 ) فَصْلٌ : وَلَمْ يُفَرِّقْ الْخِرَقِيِّ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَامٌّ فِيهِمَا ، وَلِأَنَّ مَا اُشْتُرِطَ لِلْفَرْضِ اُشْتُرِطَ لِلنَّفْلِ ، كَالطَّهَارَةِ .
وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يَأْتَزِرَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، فِي التَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ .
وَلِذَلِكَ يُسَامَحُ فِيهِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ .
وَاسْتَدَلَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ } .
قَالَ : هَذَا فِي التَّطَوُّعِ ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْفَرْضِ .
( 810 ) مَسْأَلَةٌ : قَالَ : وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي اللِّبَاسِ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ ؛ الْفَصْلُ الْأُوَلُ : فِيمَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ .
وَالثَّانِي : فِي الْفَضِيلَةِ .
وَالثَّالِثُ : فِيمَا يُكْرَهُ .
وَالرَّابِعُ : فِيمَا يَحْرُمُ .
( 811 ) فَصْلٌ : أَمَّا الْأُوَلُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ ، وَبَعْضُهُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى عَاتِقِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ ؟ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ ، وَصَلَّى جَابِرٌ فِي قَمِيصٍ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إنِّي { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي قَمِيصٍ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( 812 ) الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي الْفَضِيلَةِ ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ .
فَإِنَّهُ إذًا أَبْلَغُ فِي السَّتْرِ .
لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَوْسَعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا ، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ ، فِي إزَارٍ وَقَبَاءٍ ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : { إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ ، وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ } .
قَالَ التَّمِيمِيُّ : الثَّوْبُ الْوَاحِدُ يُجْزِئُ ، وَالثَّوْبَانِ أَحْسَنُ ، وَالْأَرْبَعُ أَكْمَلُ ؛ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ وَإِزَارٌ .
وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى نَافِعًا يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، قَالَ : أَلَمْ تَكْتَسِ ثَوْبَيْنِ ؟ قُلْت : بَلَى .
قَالَ : فَلَوْ أُرْسِلْت فِي الدَّارِ ، أَكُنْتَ تَذْهَبُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ؟ قُلْت لَا .
قَالَ : فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ أَوْ النَّاسُ ؟ قُلْت : بَلْ اللَّهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : وَذَلِكَ فِي الْإِمَامِ آكَدُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ ، وَتَتَعَلَّقُ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فِي السَّتْرِ ، فَإِنَّهُ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْجَسَدِ إلَّا الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ ، ثُمَّ الرِّدَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يَلِيهِ فِي السَّتْرِ ، ثُمَّ الْمِئْزَرُ أَوْ السَّرَاوِيلُ .
وَلَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَنْ نَفْسِهِ ، فَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ بِحَيْثُ لَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ رَأَى عَوْرَتَهُ ، أَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَرَاهَا ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ { سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ } .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ غَيْرَ مَزْرُورٍ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَزِرَّهُ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَتْ لِحْيَتُهُ تُغَطِّيهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَّسِعَ الْجَيْبِ ؟ قَالَ : إنْ كَانَ يَسِيرًا فَجَائِزٌ .
فَعَلَى هَذَا مَتَى ظَهَرَتْ عَوْرَتُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ .
فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لِكَوْنِ جَيْبِ الْقَمِيصِ ضَيِّقًا ، أَوْ شَدَّ وَسَطَهُ بِمِئْزَرٍ أَوْ حَبْلٍ فَوْقَ الثَّوْبِ ، أَوْ كَانَ ذَا لِحْيَةٍ تَسُدُّ الْجَيْبَ فَتَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ ، أَوْ شَدَّ إزَارَهُ ، أَوْ أَلْقَى عَلَى جَيْبِهِ رِدَاءً أَوْ خِرْقَةً ، فَاسْتَتَرَتْ عَوْرَتُهُ ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
( 813 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ ، فِيمَا يُكْرَهُ ؛ يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ : اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبٍ لَيْسَ بَيْنَ فَرْجِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ .
} وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِالثَّوْبِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَمَعْنَى ، الِاضْطِبَاعِ : أَنْ يَضَعَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتِ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ، وَيَجْعَلَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ ، وَيَبْقَى مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا ، وَرَوَى حَنْبَلٌ ، عَنْ أَحْمَدَ فِي اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ : أَنْ يَضْطَبِعَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ وَلَا إزَارَ عَلَيْهِ .
فَيَبْدُوَ مِنْهُ شِقُّهُ وَعَوْرَتُهُ ، أَمَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَتِلْكَ لِبْسَةُ الْمُحْرِمِ ، فَلَوْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَاحِدًا ، يَأْخُذُ بِجَوَانِبِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ ، فَيُدْعَى تِلْكَ الصَّمَّاءَ .
} وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ ، ثُمَّ يُخْرِجَ يَدَيْهِ مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ ، فَتَبْدُوَ عَوْرَتُهُ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ ، عِنْدَ الْعَرَبِ : أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ ، يُجَلِّلُ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ .
كَأَنَّهُ يَذْهَبُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَعَلَّهُ يُصِيبُهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ .
فَلَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ .
وَتَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ ، أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ ، فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، فَيَبْدُوَ مِنْهُ فَرْجُهُ ، وَالْفُقَهَاءُ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ .
فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ النَّهْيُ
لِلتَّحْرِيمِ ، وَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ مَعَهُ .
وَيُكْرَهُ السَّدْلُ .
وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى ، وَلَا يَضُمَّ الطَّرَفَيْنِ بِيَدَيْهِ .
وَكَرِهَ السَّدْلَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ .
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ الرُّخْصَةُ فِيهِ ، وَعَنْ مَكْحُولٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ ، وَعَنْ الْحَسَنِ ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْدُلَانِ فَوْقَ قَمِيصِهِمَا ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا يَثْبُتُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ .
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا .
وَيُكْرَهُ إسْبَالُ الْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَفْعِ الْإِزَارِ .
فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخُيَلَاءِ حَرُمَ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ أَسْبَلَ إزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ } .
وَيُكْرَهُ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ أَوْ فَمَهُ .
لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ .
} وَهَلْ يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ عَلَى الْأَنْفِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا ، يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَهُ .
وَالْأُخْرَى ، لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْفَمِ بِالنَّهْيِ عَنْ
تَغْطِيَتِهِ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ تَغْطِيَةِ غَيْرِهِ .
وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ لِلرَّجُلِ ، وَكَذَلِكَ الْمُعَصْفَرُ ؛ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا رَوَيَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى الرَّجُلَ عَنْ التَّزَعْفُرِ .
} وَرَوَى مُسْلِمٌ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { نَهَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ } .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو : { رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا } .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ ، وَلَا أَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ } .
فَأَمَّا شَدُّ الْوَسَطِ فِي الصَّلَاةِ ، فَإِنْ كَانَ بِمِنْطَقَةٍ أَوْ مِئْزَرٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ شَدِّ قَبَاءٍ ، فَلَا يُكْرَهُ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَأْتَزِرُ بِالْمِنْدِيلِ فَوْقَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ .
وَإِنْ كَانَ بِخَيْطٍ أَوْ حَبْلٍ مَعَ سُرَّتِهِ وَفَوْقَهَا فَهَلْ يُكْرَهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
إحْدَاهُمَا ، يُكْرَهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ ، وَقَالَ : { لَا تَشْتَمِلُوا اشْتِمَالَ الْيَهُودِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا بَأْسَ ، أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ } .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ } .
قَالَ : كَأَنَّهُ مَنْ شَدَّ الْوَسَطَ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : كَانَ يُقَالُ ، شُدَّ حَقْوَكَ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ بِعِقَالٍ " وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ مِثْلُهُ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسُهُ ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ .
وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ ثَوْبًا ، فَرَأَى فِيهِ خَيْطًا أَحْمَرَ ، فَرَدَّهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ قَالَ : { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ ، فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ .
} وَقَالَ الْبَرَاءُ : { مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ ، وَعَلِيٌّ أَمَامَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ .
} وَوَجْهُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ ، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : { دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ ، فَسَلَّمَ ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : { خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَوَاحِلِنَا أَكْسِيَةً فِيهَا خُيُوطُ عِهْنٍ حُمْرٌ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ .
فَقُمْنَا سِرَاعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إبِلِنَا ، فَأَخَذْنَا الْأَكْسِيَةَ ، فَنَزَعْنَاهَا عَنْهَا ، } وَالْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ أَثْبَتُ وَأَبْيَنُ فِي الْحُكْمِ ؛ فَإِنَّ تَرْكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَعْنًى غَيْرِ الْحُمْرَةِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ مُعَصْفَرَةً ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَحَدِيثُ رَافِعٍ يَرْوِيهِ عَنْهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ ، وَلِأَنَّ الْحُمْرَةَ لَوْنٌ ، فَهِيَ كَسَائِرِ الْأَلْوَانِ .
( 814 ) فَصْلٌ : وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ،
عَنْ أَبِي رِمْثَةَ ، قَالَ : { انْطَلَقْت مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ .
} وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : { قُلْنَا لِأَنَسٍ : أَيُّ اللِّبَاسِ كَانَ أَحَبَّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ الْحِبَرَةُ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، { أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ ؟ فَقَالَ : إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْهَا ، وَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ .
} وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ } .
( 815 ) الْفَصْلُ الرَّابِعُ : فِيمَا يَحْرُمُ لُبْسُهُ ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ وَهُوَ قِسْمَانِ ؛ قِسْمٌ تَحْرِيمُهُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ تَحْرِيمُهُ بِالرِّجَالِ .
فَالْأَوَّلُ ، مَا يَعُمُّ تَحْرِيمُهُ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا ، النَّجِسُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ ، وَلَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ ، وَقَدْ فَاتَتْ .
وَالثَّانِي ، الْمَغْصُوبُ ، لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ ، وَلَا الصَّلَاةُ فِيهِ .
وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا تَصِحُّ .
وَالثَّانِيَةُ تَصِحُّ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ ، وَلَا النَّهْيَ يَعُودُ إلَيْهَا ، فَلَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ ، كَمَا لَوْ غَسَلَ ثَوْبَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ مَغْصُوبَةٌ .
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ ، فَلَمْ تَصِحَّ ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، فَكَيْفَ يَتَقَرَّبُ بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ ، أَوْ يُؤْمَرُ بِمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
وَأَمَّا إذَا صَلَّى فِي عِمَامَةٍ مَغْصُوبَةٍ ، أَوْ فِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ ، إذْ الْعِمَامَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا .
وَإِنْ صَلَّى فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ ، فَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْجُمُعَةِ : يُصَلِّي فِي مَوَاضِعِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ ، فَالْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ إذَا كَانَ غَصْبًا يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِهَا .
فَلِذَلِكَ أَجَازَ فِعْلَهَا فِيهِ ، كَمَا أَجَازَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ ، كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى تَعْطِيلِهَا .
الْقِسْمُ الثَّانِي ، مَا يَخْتَصُّ تَحْرِيمُهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ،
وَهُوَ الْحَرِيرُ ، وَالْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ ، وَالْمُمَوَّهُ بِهِ ، فَهُوَ حَرَامٌ لُبْسُهُ ، وَافْتِرَاشُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ؛ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { حَرَامٌ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ، وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ } .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ؛ فَإِنَّ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ اخْتِلَافًا ، إلَّا لِعَارِضٍ ، أَوْ عُذْرٍ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا إجْمَاعٌ .
فَإِنْ صَلَّى فِيهِ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْخِلَافِ وَالرِّوَايَتَيْنِ .
وَالِافْتِرَاشُ كَاللُّبْسِ فِي التَّحْرِيمِ ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : { نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا ، وَأَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ .
}
( 816 ) فَصْلٌ : وَيُبَاحُ الْعَلَمُ الْحَرِيرُ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونَ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَفِي التَّنْبِيهِ .
يُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مُذَهَّبًا ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّقَاعِ ، وَلَبِنَةِ الْجَيْبِ ، وَسُجُفِ الْفِرَاءِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ .
فَصْلٌ : فَإِنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ لِلْقَمْلِ أَوْ الْحَكَّةِ أَوْ الْمَرَضِ يَنْفَعُهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ جَازَ ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَنَسًا رَوَى { أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ ، شَكَوَا الْقَمْلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي غَزَاةٍ لَهُمَا ، } وَفِي رِوَايَةٍ : شَكَيَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ ، وَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ ، وَغَيْرُ الْقَمْلِ الَّذِي يَنْفَعُ فِيهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي مَعْنَاهُ .
فَيُقَاسُ عَلَيْهِ .
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، لَا يُبَاحُ لُبْسُهُ لِلْمَرَضِ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ خَاصَّةً لَهُمَا ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الرُّخْصَةِ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ .
فَأَمَّا لُبْسُهُ لِلْحَرْبِ ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ ، كَأَنْ كَانَ بِطَانَةً لِبَيْضَةٍ أَوْ دِرْعٍ وَنَحْوِهِ ، أُبِيحَ .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ ؛ كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ بِالذَّهَبِ ، وَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ لُبْسِهِ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا يُبَاحُ لِأَنَّ الْمَنْعَ
مِنْ لُبْسِهِ لِلْخُيَلَاءِ ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ ، وَالْخُيَلَاءُ فِي وَقْتِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَذْمُومٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ : " إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ " .
وَالثَّانِي ، يَحْرُمُ ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ ، قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ ؟ فَقَالَ : أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ يَلْمَقُ مِنْ دِيبَاجٍ ، بِطَانَتُهُ سُنْدُسٌ ، مَحْشُوٌّ قَزًّا ، كَانَ يَلْبَسُهُ فِي الْحَرْبِ .
( 817 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمَنْسُوجُ مِنْ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ ، كَثَوْبٍ مَنْسُوجٍ مِنْ قُطْنٍ وَإِبْرَيْسَمٍ ، أَوْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ فَالْحُكْمُ لِلْأَغْلَبِ مِنْهُمَا .
لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ ، فَهُوَ كَالْبَيْضَةِ مِنْ الْفِضَّةِ ، وَالْعَلَمِ مِنْ الْحَرِيرِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ ، وَأَمَّا الْعَلَمُ ، وَسَدَى الثَّوْبِ ، فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ ، وَأَبُو دَاوُد قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
أَنَّ الْمُحَرَّمَ الْحَرِيرُ الصَّافِي ، الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ ، فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ الْحَرِيرَ فَهُوَ مُبَاحٌ ، وَإِنْ كَانَ الْقُطْنَ فَهُوَ مُحَرَّمٌ .
فَإِنْ اسْتَوَيَا فَفِي تَحْرِيمِهِ وَإِبَاحَتِهِ وَجْهَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْأَشْبَهُ التَّحْرِيمُ ، لِأَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ ، فَأَمَّا الْجِبَابُ الْمَحْشُوَّةُ مِنْ إبْرَيْسَمٍ ، فَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَحْرُمُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، لِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ .
وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
وَهَكَذَا الْفُرُشُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْحَرِيرِ .
( 818 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الثِّيَابُ الَّتِي عَلَيْهَا تَصَاوِيرُ الْحَيَوَانَاتِ ؛ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُكْرَهُ لُبْسُهَا ، وَلَيْسَ بِمُحَرَّمِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ هُوَ مُحَرَّمٌ ؛ لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَرَهُ مُحَرَّمًا أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ : { إلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
لِأَنَّهُ يُبَاحُ إذَا كَانَ مَفْرُوشًا ، أَوْ يَتَّكِئُ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَلْبُوسًا .
( 819 ) فَصْلٌ : وَيُكْرَهُ التَّصْلِيبُ فِي الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ لَا يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إلَّا قَضَبَهُ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد يَعْنِي قَطَعَهُ .
( 820 ) فَصْلٌ : قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ لُبْسِ الْخَزِّ ؟ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَيْسٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَغَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ ، وَشُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّهُمْ لَبِسُوا مَطَارِفَ الْخَزِّ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، وَعَائِذَ بْنَ عَمْرٍو ، وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ ، وَابْنَ عَبَّاسٍ ، وَأَبَا قَتَادَةَ ، كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، أَنَّهُمْ لَبِسُوا جِبَابَ الْخَزِّ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَشُرَيْحٍ ، أَنَّهُمْ لَبِسُوا بَرَانِسَ الْخَزِّ ، وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ ، قَالَ : أَتَتْ مَرْوَانَ مَطَارِفُ مِنْ خَزٍّ ، فَكَسَاهَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَسَا أَبَا هُرَيْرَةَ مِطْرَفًا مِنْ خَزٍّ أَغْبَرَ ، فَكَانَ يَلْبَسُهُ اثْنَانِ بِسَعَتِهِ .
وَهَذَا اشْتَهَرَ فَلَمْ يَظْهَرْ بِخِلَافِهِ ، فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدٍ ، قَالَ : { رَأَيْت رَجُلًا بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ ، عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ ؛ فَقَالَ : كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَرَوَى مَالِكٌ ، فِي مُوَطَّئِهِ ، أَنَّ عَائِشَةَ كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ كَانَتْ تَلْبَسُهُ .