الكتاب : المغني
المؤلف : أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن
قدامة المقدسي
( 5481 ) فَصْلٌ : إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ، أَوْ ارْتَدَّا مَعًا ، مُنِعَ وَطْؤُهَا ، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا ، وَقُلْنَا : إنَّ الْفُرْقَةَ تَعَجَّلَتْ .
فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِهَذَا الْوَطْءِ ، مَعَ الَّذِي يَثْبُتْ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا .
وَإِنْ قُلْنَا : إنَّ الْفُرْقَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .
فَأَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا ، أَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا فِي عِدَّتِهَا ، وَكَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْهُمَا ، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَزُلْ ، وَأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ .
وَإِنْ ثَبَتَا ، أَوْ ثَبَتَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا عَلَى الرِّدَّةِ ، حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِهَذَا الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ يُشْبِهُ النِّكَاحَ ، لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ ، فَالْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الْحُكْمِ هَاهُنَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ فِيهِ .
( 5482 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ، ثُمَّ ارْتَدَّ ، نَظَرْت ؛ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ ، تَبَيَّنَّا أَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ كَانَ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ ، وَعِدَّتُهَا مِنْ حِينَ أَسْلَمَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْأُخَرُ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ ارْتِدَادِ الْأَوَّلِ ، اُعْتُبِرَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ حِينَ ارْتَدَّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِإِسْلَامِ الْأَوَّلِ زَالَ بِإِسْلَامِ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ، ثُمَّ ارْتَدَّ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْعَقْدَ عَلَيْهِنَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَدْنَ دُونَهُ أَوْ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ لِذَلِكَ .
( 5483 ) فَصْلٌ : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِمَنْ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهِ فِي الْإِسْلَامِ ، مِثْلُ أَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، أَوْ بَيْنَ عَشْرِ نِسْوَةٍ ، أَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَسْلَمَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ؛ لِأَنَّنَا أَجْرَيْنَا أَحْكَامَهُمْ عَلَى الصِّحَّةِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي النِّكَاحِ ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إمْسَاكُ الثَّانِيَةِ مِنْ الْأُخْتَيْنِ ، وَالْخَامِسَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا آخِرًا .
( 5484 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَإِذَا زَوَّجَهُ وَلِيَّتَهُ ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ ، فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا أَيْضًا ) .
هَذَا النِّكَاحُ يُسَمَّى الشِّغَارَ .
فَقِيلَ : إنَّمَا سُمِّيَ شِغَارًا لِقُبْحِهِ ، تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِيَبُولَ ، فِي الْقُبْحِ .
يُقَالُ : شَغَرَ الْكَلْبُ : إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ ، وَحُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : الشِّغَارُ : الرَّفْعُ .
فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْآخِرِ عَمَّا يُرِيدُ .
وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ .
رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ .
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَمَكْحُولٍ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ ، أَنَّهُ يَصِحُّ ، وَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ قِبَلِ الْمَهْرِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، وَهَذَا كَذَلِكَ وَلَنَا ، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الشِّغَارِ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا جَلَبَ ، وَلَا جَنْبَ ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ } .
وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ سَلَفًا فِي الْآخَرِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْنِي ثَوْبَك عَلَى أَنَّ أَبِيعَك ثَوْبِي .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّ فَسَادَهُ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ .
قُلْنَا : لَا بَلْ فَسَادُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَمْلِيكَ الْبِضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا مَهْرًا لِلْأُخْرَى ، فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ بِشَرْطِ انْتِزَاعِهِ مِنْهُ إذَا ثَبَتَ
هَذَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ : عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى .
أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ ، وَلَا يُسَمِّي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الشِّغَارِ } ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك .
وَيَكُونُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرَ الْأُخْرَى وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ .
} هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : { وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَك ، وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَك ، وَأُزَوِّجُك أُخْتِي .
} رَوَاهُ مُسْلِمُ .
وَهَذَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ لِصِحَّتِهِ ، وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُعْمَلَ بِالْجَمِيعِ .
وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي نِكَاحِ إحْدَاهُمَا تَزْوِيجَ الْأُخْرَى ، فَقَدْ جَعَلَ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَ الْأُخْرَى ، فَفَسَدَ ، كَمَا لَوْ لَفَظَ بِهِ ، فَأَمَّا إنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا ، فَقَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجُنِي ابْنَتَك ، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ ، أَوْ مَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ ، صِحَّتُهُ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى صَدَاقًا ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ .
وَقَالَ الْخِرَقِيِّ : لَا يَصِحُّ ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد ، عَنْ الْأَعْرَجِ ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنَ بْنَ
الْحَكَمِ ابْنَتَهُ ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ ، وَكَانَا جَعَلَا صَدَاقًا ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ : هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلِأَنَّهُ شَرَطَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا لِنِكَاحِ الْأُخْرَى ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّيَا صَدَاقًا يُحَقِّقُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِمُفْسِدِ لِلْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ نِكَاحِ الْمُفَوِّضَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ الشَّرْطُ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَلِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي عَقْدٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك ثَوْبِي بِعَشْرَةِ ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي ثَوْبَك بِعِشْرِينَ .
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّشْرِيكِ ، فَأَمَّا إذَا قَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك ، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ وَبُضْعُ الْأُخْرَى .
فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّشْرِيكِ ، فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مُسَمًّى ( 5485 ) فَصْلٌ : وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا سَمَّيَا صَدَاقًا ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَ وَلِيُّهُ صَاحِبَهُ ، فَيَنْقُصَ الْمَهْرُ لِهَذَا الشَّرْطِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا احْتَجْنَا إلَى ضَمَانِ النَّقْصِ ، صَارَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا ، فَبَطَلَ .
وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي ( الْجَامِعِ ) ، أَنَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَدْرًا مَعْلُومًا يَصْحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَلْفٍ ، عَلَى أَنَّ لِي مِنْهَا مِائَةً .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 5486 ) فَصْلٌ : وَإِنْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا مَهْرًا دُونَ الْأُخْرَى ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ فِي إحْدَاهُمَا ، فَفَسَدَ فِي الْأُخْرَى .
وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا خَلَا مِنْ صَدَاقٍ سِوَى نِكَاحِ الْأُخْرَى ، وَيَكُونُ فِي الَّتِي سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رِوَايَتَانِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةً وَشَرْطًا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي هَكَذَا .
( 5487 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : زَوَّجْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ ، عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك وَتَكُونُ رَقَبَتُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِك .
لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا سِوَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ وَإِذَا زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ ، عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا ، صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا .
وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً ، وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا ، لَمْ يَصِحَّ الصَّدَاقُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ ، فَيَفْسُدُ الصَّدَاقُ ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
( 5488 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ ) مَعْنَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ مُدَّةً ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : زَوَّجْتُك ابْنَتِي شَهْرًا ، أَوْ سَنَةً ، أَوْ إلَى انْقِضَاءِ الْمَوْسِمِ ، أَوْ قُدُومِ الْحَاجِّ .
وَشِبْهَهُ ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً .
فَهَذَا نِكَاحٌ بَاطِلٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَقَالَ : نِكَاحُ الْمُتْعَةِ حَرَامٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِيهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ غَيْرُ حَرَامٍ ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَنْصُورٍ سَأَلَ أَحْمَدَ عَنْهَا ، فَقَالَ : يَجْتَنِبُهَا أَحَبُّ إلَى .
وَقَالَ فَظَاهِرُ هَذَا الْكَرَاهَةُ دُونَ التَّحْرِيمِ .
وَغَيْرُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَمْنَعُ هَذَا ، وَيَقُولُ : فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ فِي تَحْرِيمِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ .
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَحْرِيمُهَا عُمَرُ ، وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَعَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ مَالِكٌ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ ، وَاللَّيْثُ فِي أَهْلِ مِصْرَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْآثَارِ وَقَالَ زُفَرُ : يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ .
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهَا جَائِزَةٌ .
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ عَطَاءِ وَطَاوُسٍ .
وَبِهِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَجَابِرٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشِّيعَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِيهَا ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : { مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَأَنْهَى عَنْهُمَا ، وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا ؛ مُتْعَةُ النِّسَاءِ ، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ .
} وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ ، فَيَكُونُ مُؤَقَّتًا ، كَالْإِجَارَةِ .
وَلَنَا مَا رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي ، أَنَّهُ حَدَّثَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } .
وَفِي لَفْظٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ .
} .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إنِّي كُنْت أَذِنْت لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ .
} رَوَاهُ مَالِكٌ ، فِي ( الْمُوَطَّأِ ) وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ ، فَقَالَ قَوْمُ : فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَنَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِيقَاتَ النَّهْيِ عَنْهَا ، وَقَدْ بَيَّنَهُ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ فِي حَدِيثِهِ ، أَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ قَوْمٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّهِ ثُمَّ حَرَّمَهُ ، ثُمَّ أَحَلَّهُ ثُمَّ حَرَّمَهُ ، إلَّا الْمُتْعَةَ .
فَحَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ ، ثُمَّ أَحَلَّهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ حَرَّمَهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ ، مِنْ الطَّلَاقِ ، وَالظِّهَارِ ، وَاللِّعَانِ ، وَالتَّوَارُثِ ، فَكَانَ بَاطِلًا ، كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْبَاطِلَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ ، فَرَوَى أَبُو بَكْرٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ : لَقَدْ كَثُرَتْ الْقَالَةُ فِي الْمُتْعَةِ ، حَتَّى قَالَ
فِيهَا الشَّاعِرُ : أَقُولُ وَقَدْ طَالَ الثَّوَاءُ بِنَا مَعًا يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ هَلْ لَك فِي رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ آنِسَةٌ تَكُونُ مَثْوَاك حَتَّى مَصْدَرِ النَّاسِ فَقَامَ خَطِيبًا ، وَقَالَ : إنَّ الْمُتْعَةَ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ .
فَأَمَّا إذْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا ، وَنَهْيِهِ عَنْهَا ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى عَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهُ ، وَبَقِيَ عَلَى إبَاحَتِهِ .
( 5489 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ ، إلَّا أَنَّ فِي نِيَّتِهِ طَلَاقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ ، أَوْ إذَا انْقَضَتْ حَاجَتُهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ : هُوَ نِكَاحُ مُتْعَةٍ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُ ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْوِيَ حَبْسَ امْرَأَتِهِ وَحَسْبُهُ إنْ وَافَقَتْهُ ، وَإِلَّا طَلَّقَهَا .
( 5490 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ ، لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ ) .
يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا ، مِثْلُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا إنْ قَدِمَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ .
وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، قَالَهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ، وَلَا يُسَافِرَ بِهَا وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مَانِعٌ مِنْ بَقَاءِ النِّكَاحِ ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ، وَيُفَارِقُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعَ النِّكَاحِ .
( 5491 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِلّهَا لِزَوْجِ كَانَ قَبْلَهُ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَسَوَاءٌ قَالَ : زَوَّجْتُكَهَا إلَى أَنْ تَطَأَهَا .
أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا ، أَوْ أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا لِلْأَوَّلِ طَلَّقَهَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ : لَا يَصِحَّ .
وَفِي الثَّالِثَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثُ حَسَنُ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ .
وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : { الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ مَلْعُونٌ ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
} وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ ؟ .
قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : هُوَ الْمُحَلِّلُ .
لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ .
} وَرَوَى الْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْت عُمَرَ ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ ، وَهُوَ يَقُولُ : وَاَللَّهِ لَا أُوتَى بِمُحِلٍّ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا .
وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ إلَى مُدَّةٍ ، أَوْ فِيهِ شَرْطٌ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ .
( 5492 ) فَصْلٌ : فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلَ قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ وَنَوَاهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ نَوَى التَّحْلِيلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا .
قَالَ .
إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ، وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ، وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ .
قَالَ : هُوَ مُحَلِّلٌ ، إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِحْلَالَ ، فَهُوَ مَلْعُونٌ .
وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَوَى نَافِعٌ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : امْرَأَةٌ تَزَوَّجْتُهَا ، أُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا ، لَمْ يَأْمُرْنِي ، وَلَمْ يَعْلَمْ .
قَالَ : لَا ، إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ ، إنْ أَعْجَبَتْك أَمْسِكْهَا ، وَإِنْ كَرِهْتَهَا فَارِقْهَا قَالَ : وَإِنْ كُنَّا نَعُدُّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِفَاحًا .
وَقَالَ : لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ ، وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً ، إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحِلّهَا .
وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَجَاءَ رَجُلُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ لَهُ إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، أَيُحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ ؟ قَالَ : مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ .
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَبَكْرٍ الْمُزَنِيّ ، وَاللَّيْثِ ، وَمَالِكٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : الْعَقْدُ صَحِيحٌ .
وَذَكَرِ الْقَاضِي فِي صِحَّتِهِ وَجْهًا مِثْلَ قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى طَلَاقَهَا لِغَيْرِ الْإِحْلَالِ ، أَوْ مَا لَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا شُرِطَ لَا بِمَا قُصِدَ ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَشَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ ، لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ نَوَى ذَلِكَ ، لَمْ يَبْطُلُ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مَا يَدُلُّ عَلَى إجَازَتِهِ .
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ :
قَدِمَ مَكَّةَ رَجُلٌ ، وَمَعَهُ إخْوَةٌ لَهُ صِغَارٌ ، وَعَلَيْهِ إزَارٌ ، مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ رُقْعَةٌ ، وَمِنْ خَلْفِهِ رُقْعَةٌ ، فَسَأَلَ عُمَرَ ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا ، فَقَالَ لَهَا : هَلْ لَك أَنْ تُعْطِيَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ شَيْئًا ، وَيُحِلُّك لِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ إنْ شِئْت فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ .
قَالَ : نَعَمْ ، وَتَزَوَّجَهَا ، وَدَخَلَ بِهَا .
فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَدْخَلَتْ إخْوَتَهُ الدَّارَ .
فَجَاءَ الْقُرَشِيُّ يَحُومُ حَوْلَ الدَّارِ ، وَيَقُولُ : يَا وَيْلَهُ ، غُلِبَ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَأَتَى عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، غُلِبْت عَلَى امْرَأَتِي .
قَالَ : مَنْ غَلَبَك ؟ قَالَ : ذُو الرُّقْعَتَيْنِ .
قَالَ : أَرْسِلُوا إلَيْهِ .
فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ ، قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ : كَيْفَ مَوْضِعُك مِنْ قَوْمِك ؟ قَالَ : لَيْسَ بِمَوْضِعِي بَأْسٌ .
قَالَتْ : إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَك : طَلِّقْ امْرَأَتَك .
فَقُلْ : لَا ، وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا .
فَإِنَّهُ لَا يُكْرِهُك .
وَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ .
فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَتُطَلِّقُ امْرَأَتَك ؟ قَالَ : لَا ، وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا .
قَالَ عُمَرُ : لَوْ طَلَّقْتَهَا لَأَوْجَعْت رَأْسَك بِالسَّوْطِ .
وَرَوَاهُ سَعِيدٌ ، عَنْ هُشَيْمٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ نَحْوًا مِنْ هَذَا ، وَقَالَ : مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .
وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ الشَّرْطُ عَلَى الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَرَ بِهِ عُمَرُ بَأْسًا وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
وَقَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحْلِيلَ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ شَرَطَهُ .
أَمَّا حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ ، يَعْنِي أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَذْكُرْ
إسْنَادَهُ إلَى عُمَرَ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هُوَ مُرْسَلٌ .
فَأَيْنَ هُوَ مِنْ الَّذِي سَمِعُوهُ يَخْطُبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ : لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا .
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ قَصَدَ التَّحْلِيلَ ، وَلَا نَوَاهُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحَلَّ النِّزَاعِ .
( 5493 ) فَصْلٌ : فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِلَّهَا قَبْلَ الْعَقْدِ ، فَنَوَى بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَا شَرَطُوا عَلَيْهِ ، وَقَصَدَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ ، صَحَّ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ وَشَرْطِهِ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ .
وَإِنْ قَصَدَتْ الْمَرْأَةُ التَّحْلِيلَ أَوْ وَلِيُّهَا دُونَ الزَّوْجِ ، لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَإِبْرَاهِيمُ : إذَا هَمَّ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ ، فَسَدَ النِّكَاحُ قَالَ أَحْمَدُ : كَانَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالتَّابِعُونَ يُشَدِّدُونَ فِي ذَلِكَ .
قَالَ أَحْمَدُ : الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ ؟ " .
وَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِشَيْءِ ، إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
وَلِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي إلَيْهِ الْمُفَارَقَةُ وَالْإِمْسَاكُ ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَمْلِكُ رَفْعَ الْعَقْدِ ، فَوُجُودُ نِيَّتِهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْعَقْدِ ، وَلَا مِنْ رَفْعِهِ ، فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَا : إنَّمَا لَعَنْهُ إذَا رَجَعَ إلَيْهَا بِذَلِكَ التَّحْلِيلِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ ، فَكَانَ زَانِيًا ، فَاسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ لِذَلِكَ .
( 5494 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا ، فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ ، ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ لِيَنْفَسِخ النِّكَاحُ بِمِلْكِهَا لَهُ ، لَمْ يَصِحَّ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَأَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ، فَاشْتَرَى عَبْدًا ، فَأَعْتَقَهُ ، وَزَوَّجَهَا إيَّاهُ ، فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ عُمَرُ ، يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا ، وَهَذَا فَاسِدٌ لَيْسَ بِكُفْءٍ ، وَهُوَ شِبْهُ الْمُحَلِّلِ .
وَعَلَّلَ أَحْمَدُ فَسَادَهُ بِشَيْئَيْنِ ؛ : أَحَدُهُمَا ، شَبَهُهُ بِالْمُحَلِّلِ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهُ إيَّاهَا لِيُحِلَّهَا لَهُ وَالثَّانِي ، كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا ، وَتَزْوِيجُهُ لَهَا فِي حَالِ كَوْنِهِ عَبْدًا أَبْلَغُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي عَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَشَدُّ مِنْ الْمَوْلَى ، وَالسَّيِّدُ لَهُ سَبِيلٌ إلَى إزَالَةِ نِكَاحِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَتِهِ ، بِأَنْ يَهَبَهُ لِلْمَرْأَةِ ، فَيَنْفَسِخَ نِكَاحُهُ بِمِلْكِهَا إيَّاهُ ، وَالْمَوْلَى بِخِلَافِ ذَلِكَ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ، إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَبْدُ التَّحْلِيلَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْفَسَادِ نِيَّةُ الزَّوْجِ ، لَا نِيَّةُ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَنْوِ .
وَإِذَا كَانَ مَوْلَى وَلَمْ يَنْوِ التَّحْلِيلَ ، فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِمُعْتِقِهِ إلَى فَسْخِ نِكَاحِهِ ، فَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّتِهِ .
( 5495 ) فَصْلٌ : وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ فَاسِدٌ ، يَثْبُتُ فِيهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ ، وَلَا الْإِبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَلِّلًا ، وَسَمَّى الزَّوْجَ مُحَلَّلًا لَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْحِلُّ لَمْ يَكُنْ مُحَلِّلًا وَلَا مُحَلَّلًا لَهُ .
قُلْنَا : إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْحِلُّ ، كَمَا قَالَ : { مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ } .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا } .
وَلَوْ كَانَ مُحَلَّلًا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرُ مُحَلَّلًا لَهُ ، لَمْ يَكُونَا مَلْعُونَيْنِ .
( 5496 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا عَقَدَ الْمُحْرِمُ نِكَاحًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ، أَوْ عَقَدَ أَحَدٌ نِكَاحًا لِمُحْرِمٍ أَوْ عَلَى مُحْرِمَةٍ ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا تَزَوَّجَ لِنَفْسِهِ ، أَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ لِغَيْرِهِ ، كَكَوْنِهِ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ، وَلَا يُنْكَحُ ، وَلَا يَخْطُبُ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَإِنْ عَقَدَ الْحَلَالُ نِكَاحًا لَمُحْرِمٍ ، بِأَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لَهُ ، أَوْ وَلِيَّا عَلَيْهِ ، أَوْ عَقَدَهُ عَلَى مُحْرِمَةٍ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ ، لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ لَهُ وَكِيلُهُ فَقَدْ نَكَحَ وَحَكَى الْقَاضِي فِي كَوْنِ الْمُحْرِمِ وَلِيًّا لِغَيْرِهِ رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَا تَصِحُّ .
وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالثَّانِيَةُ ، تَصِحُّ .
وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ ، لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ الْمُفْسِدِ لِلْحَجِّ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِيهِ بِكَوْنِهِ وَلِيًّا فِيهِ لِغَيْرِهِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَصِحُّ لِلْمُحْرِمِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ .
وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَجِّ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ .
( 5497 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَأَيُّ الزَّوْجَيْنِ وَجَدَ بِصَاحِبِهِ جُنُونًا ، أَوْ جُذَامًا ، أَوْ بَرَصًا ، أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ ، أَوْ قَرْنَاءَ ، أَوْ عَفْلَاءَ ، أَوْ فَتْقَاءَ ، أَوْ الرَّجُلُ مَجْنُونًا ، فَلِمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ : ( 5498 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ خِيَارَ الْفَسْخِ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِعَيْبِ يَجِدُهُ فِي صَاحِبِهِ فِي الْجُمْلَةِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَابْنِهِ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ : لَا تُرَدُّ الْحُرَّةُ بِعَيْبِ .
وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِعَيْبِ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا ، فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارَ ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ ، فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةِ ، وَلَا يَكُونُ فَسْخًا ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعَيْبِ لَا يَقْتَضِي فَسْخَ النِّكَاحِ ، كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ وَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَلَنَا أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ ، كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي عَقَدَ النِّكَاحِ ، فَجَازَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ ، كَالصَّدَاقِ ، أَوْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ، فَجَازَ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ ، أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ فِي الْآخَرِ كَالْمَرْأَةِ .
وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُيُوبِ ، فَلَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، وَهُوَ الْوَطْءُ ، بِخِلَافِ الْعُيُوبِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَإِنْ قِيلَ : فَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ .
قُلْنَا : بَلْ يَمْنَعُهُ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ نَفْرَةً تَمْنَعُ قُرْبَانَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَسَّهُ ، وَيُخَافُ مِنْهُ التَّعَدِّي إلَى نَفْسِهِ وَنَسْلِهِ ، وَالْمَجْنُونُ
يُخَافُ مِنْهُ الْجِنَايَةُ ، فَصَارَ كَالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ .
الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي عَدَدِ الْعُيُوبِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْفَسْخِ ، وَهِيَ فِيمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ ثَمَانِيَةٌ : ثَلَاثَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الزَّوْجَانِ ؛ وَهِيَ : الْجُنُونُ ، وَالْجُذَامُ ، وَالْبَرَصُ .
وَاثْنَانِ يَخْتَصَّانِ الرَّجُلَ ؛ وَهُمَا الْجَبُّ ، وَالْعُنَّةُ .
وَثَلَاثَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ ؛ وَهِيَ الْفَتْقُ ، وَالْقَرْنُ ، وَالْعَفَلُ وَقَالَ الْقَاضِي : هِيَ سَبْعَةٌ .
جَعَلَ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ شَيْئًا وَاحِدًا ، وَهُوَ الرَّتْقُ أَيْضًا ، وَذَلِكَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْأَدَبِ ، وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْقَرْنُ عَظْمٌ فِي الْفَرْجِ يَمْنَعُ الْوَطْءَ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا يَكُونُ فِي الْفَرْجِ عَظْمٌ ، إنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِيهِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ ، أَنَّ الْعَفَلَ كَالرَّغْوَةِ فِي الْفَرْجِ ، يَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ .
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَيْبًا نَامِيًا وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : الرَّتْقُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ مَسْدُودًا .
يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مُلْتَصِقًا لَا يَدْخُلُ الذَّكَرُ فِيهِ .
وَالْقَرْنُ وَالْعَفَلُ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فَيَسُدّهُ ، فَهُمَا فِي مَعْنَى الرَّتْقِ ، إلَّا أَنَّهُمَا نَوْعٌ آخِرُ .
وَأَمَّا الْفَتْقُ فَهُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَجْرَى الْبَوْلِ وَمَجْرَى الْمَنِيِّ .
وَقِيلَ : مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ .
وَذَكَرَهَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ سَبْعَةً ، أَسْقَطُوا مِنْهَا الْفَتْقَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا سِتَّةً ، جَعَلَ الْقَرْنَ وَالْعَفَلَ شَيْئًا وَاحِدًا .
وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْفَسْخُ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ ، فَإِنَّ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ يُثِيرَانِ نَفْرَةً فِي النَّفْس تَمْنَعُ قُرْبَانَهُ ، وَيُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى النَّفْسِ وَالنَّسْلِ ، فَيَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ ، وَالْجُنُونُ يُثِيرُ نَفْرَةً وَيُخْشَى ضَرَرُهُ ، وَالْجَبُّ وَالرَّتْقُ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوَطْءُ ، وَالْفَتْقُ يَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ وَفَائِدَتَهُ ، وَكَذَلِكَ الْعَفَلُ ، عَلَى قَوْلِ مَنْ
فَسَّرَهُ بِالرَّغْوَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعَيْبِ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِجَسَدِهِ بَيَاضٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَهَقًا أَوْ مِرَارًا ، وَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ بَرَصًا ، أَوْ كَانَتْ بِهِ عَلَامَاتُ الْجُذَامِ ، مِنْ ذَهَابِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ ، فَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ جُذَامًا ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالثِّقَةِ ، يَشْهَدَانِ لَهُ بِمَا قَالَ ، ثَبَتَ قَوْلُهُ ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ ، أُرِيتَ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ ، وَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ شَهِدَتْ بِمَا قَالَ الزَّوْجُ ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا الْجُنُونُ ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، سَوَاءٌ كَانَ مُطْبِقًا أَوْ كَانَ يُجَنُّ فِي الْأَحْيَانِ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَسْكُنُ إلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يُغْمَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَزُولُ ، فَذَلِكَ مَرَضٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ .
فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ ، وَدَامَ بِهِ الْإِغْمَاءُ ، فَهُوَ كَالْجُنُونِ ، يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ ، وَأَمَّا الْجَبُّ ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ذَكَرِهِ مَقْطُوعًا ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا لَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ ، وَيَغِيبُ مِنْهُ فِي الْفَرْجِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُمْكِنُ .
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَضْعُفُ بِالْقَطْعِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوَطْءِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ فِي الْعُنَّةِ ، وَلِأَنَّ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِمِثْلِهِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ لَهُ ذَكَرٌ قَصِيرٌ ( 5500 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَلَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ ، فَلَمْ يُفْسَخْ بِهِ النِّكَاحُ ، كَالْعَمَى
وَالْعَرَجِ ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ ، وَلَا نَصَّ فِي غَيْرِ هَذِهِ وَلَا إجْمَاعَ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى هَذِهِ الْعُيُوبِ ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ .
وَأَبُو حَفْصٍ : إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلَهُ وَلَا خَلَاءَهُ فَلِلْآخَرِ الْخِيَارُ .
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ بِهِ الْبَاسُورُ ، وَالنَّاصُورُ ، وَالْقُرُوحُ السَّيَّالَةُ فِي الْفَرْجَ ، لِأَنَّهَا تُثِيرُ نَفْرَةً ، وَتَتَعَدَّى نَجَاسَتُهَا ، وَتُسَمَّى مَنْ لَا تَحْبِسُ نَجَوْهَا الشَّرِيمَ ، وَمَنْ لَا تَحْبِسُ بَوْلَهَا الْمَشُولَةَ ، وَمِثْلُهَا مِنْ الرِّجَالِ الْأَفِينُ قَالَ أَبُو حَفْصٍ : وَالْخِصَاءُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ فِيهِ نَقْصًا وَعَارًا ، وَيَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ يُضْعِفُهُ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ ابْنَ سَنَدِرُّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ خَصِيٌّ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَعْلَمْتهَا ؟ قَالَ : لَا .
قَالَ : أَعْلِمْهَا ، ثُمَّ خَيِّرْهَا .
وَفِي الْبَخَرِ ، وَكَوْنِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ خُنْثَى ، وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَثْبُتُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْرَةً وَنَقْصًا وَعَارًا ، وَالْبَخَرُ : نَتِنُ الْفَمِ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : هُوَ نَتِنُ فِي الْفَرْجِ ، يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ .
وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يُسَمَّى أَيْضًا بَخَرًا وَيُثْبِتُ الْخِيَارَ ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لَهُ ، فَإِنَّ نَتِنَ الْفَمِ يُسَمَّى بَخَرًا ، وَيَمْنَعُ مُقَارَبَةَ صَاحِبِهِ إلَّا عَلَى كُرْهٍ وَمَا عَدَا هَذِهِ فَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، وَجْهًا وَاحِدًا ، كَالْقَرَعِ ، وَالْعَمَى ، وَالْعَرَجِ ، وَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ ، وَلَا يُخْشَى تَعَدِّيهِ .
وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا ، إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ : إذَا وَجَدَ الْآخَرَ عَقِيمًا يُخَيَّرُ .
وَأَحَبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ ، وَقَالَ : عَسَى امْرَأَتُهُ تُرِيدُ الْوَلَدَ وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ
النِّكَاحِ ، فَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ ، وَلَوْ ثَبَتَ بِذَلِكَ لَثَبَتَ فِي الْآيِسَةِ ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ ، فَإِنَّ رِجَالًا لَا يُولَدُ لَأَحَدِهِمْ وَهُوَ شَابٌّ ، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَهُوَ شَيْخٌ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْهُمَا .
وَأَمَّا سَائِرُ الْعُيُوبِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا فَسْخٌ عِنْدَهُمْ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 5501 ) الْفَصْلُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ إذَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ عَيْبًا ، وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، كَالْأَبْرَصِ يَجِدُ الْمَرْأَةَ مَجْنُونَةً أَوْ مَجْذُومَةً ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمَجْبُوبُ الْمَرْأَةَ رَتْقَاءَ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا خِيَارٌ ؛ لِأَنَّ عَيْبَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَانِعَ لَصَاحِبِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَيْبِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلُهُ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، لَا خِيَارَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ ، وَلَا مَزِيَّةَ لَأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبهِ ، فَأَشْبَهَا الصَّحِيحَيْنِ .
وَالثَّانِي ، لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ غُرَّ عَبْدٌ بِأَمَةٍ .
( 5502 ) فَصْلٌ : وَإِنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، يَثْبُتُ الْخِيَارُ .
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ جُبَّ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي وَقْتِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي النِّكَاحَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ مُقَارِنًا ، فَأَثْبَتَهُ طَارِئًا ، كَالْإِعْسَارِ وَكَالرِّقِّ ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ إذَا قَارَنَ ، مِثْلُ أَنْ تَغِرَّ الْأَمَةُ مِنْ عَبْدٍ ، وَيُثْبِتُهُ إذَا طَرَأَتْ الْحُرِّيَّةُ ، مِثْلُ إنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ ، فَحُدُوثُ الْعَيْبِ بِهَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، كَالْإِجَارَةِ .
وَالثَّانِي ، لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ ، أَشْبَهَ الْحَادِثَ بِالْمَبِيعِ .
وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي الْإِجَارَةِ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : إنْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ ، أَثْبَتِ الْخِيَارَ ، وَإِنْ حَدَثَ بِالْمَرْأَةِ ، فَكَذَلِكَ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَالْآخَرِ ، لَا يُثْبِتُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ سَابِقًا ، فَتَسَاوَيَا فِيهِ لَاحِقًا ، كَالْمُتَبَايِعِينَ .
( 5503 ) فَصْلٌ : وَمِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ ، أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِهَا وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَلَا يَرْضَى بِهَا بَعْدَهُ ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا فِي الْعَقْدِ ، أَوْ بَعْدَهُ فَرَضِيَ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ ، فَأَشْبَهَ مُشْتَرِيَ الْمَعِيبِ .
وَإِنْ ظَنَّ الْعَيْبَ يَسِيرًا فَبَانَ كَثِيرًا ، كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَرَصَ فِي قَلِيلٍ مِنْ جَسَدِهِ ، فَبَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا رَضِيَ بِهِ ، وَإِنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ، فَبَانَ بِهِ غَيْرُهُ ، فَلَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرْضَ بِهِ ، وَلَا بِجِنْسِهِ ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، كَالْمَبِيعِ إذَا رَضِيَ بِعَيْبٍ فِيهِ ، فَوَجَدَ بِهِ غَيْرَهُ .
وَإِنْ رَضِيَ بِعَيْبٍ ، فَزَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ ، كَأَنْ بِهِ قَلِيلٌ مِنْ الْبَرَصِ ، فَانْبَسَطَ فِي جِلْدِهِ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ رِضًى بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ .
( 5504 ) فَصْلٌ : وَخِيَارُ الْعَيْبِ ثَابِتٌ عَلَى التَّرَاخِي ، لَا يَسْقُطُ ، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى بِهِ ، مِنْ الْقَوْلِ ، أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ الزَّوْجِ ، أَوْ التَّمْكِينِ مِنْ الْمَرْأَةِ .
هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ : فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ ، فَسَكَتَتْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ ، ثُمَّ طَالَبَتْ بَعْدُ ، فَلَهَا ذَلِكَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَمَتَى أَخَّرَ الْفَسْخَ مَعَ الْعِلْمِ وَالْإِمْكَانِ ، بَطَلَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ ، كَاَلَّذِي فِي الْبَيْعِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي ، كَخِيَارِ الْقِصَاصِ ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ يَمْنَعُهُ ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ضَرَرَهُ فِي الْمَبِيعِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مَالِيَّتَهُ أَوْ خِدْمَتَهُ ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ عَيْبِهِ .
وَهَاهُنَا الْمَقْصُودُ الِاسْتِمْتَاعُ ، وَيَفُوتُ ذَلِكَ بِعَيْبِهِ .
وَأَمَّا خِيَارُ الْمُجْبَرَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالْمَجْلِسِ ، فَهُوَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُتَحَقِّقٍ ( 5505 ) فَصْلٌ : وَيَحْتَاجُ الْفَسْخُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، فَهُوَ كَفَسْخِ الْعُنَّةِ ، وَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ .
وَيُخَالِفُ خِيَارَ الْمُعْتَقَةِ ؛ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( 5506 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا فَسَخَ قَبْلَ الْمَسِيسِ ، فَلَا مَهْرَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ، وَادَّعَى أَنَّهُ مَا عَلِمَ ، حَلَفَ ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ : ( 5507 ) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْفَسْخَ إذَا وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنْ كَانَ مِنْهَا ، فَالْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا ، فَسَقَطَ مَهْرُهَا ، كَمَا لَوْ فَسَخَتْهُ بِرَضَاعِ زَوْجَةٍ لَهُ أُخْرَى ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ ، فَإِنَّمَا فَسَخَ لَعَيْبٍ بِهَا دَلَّسَتْهُ بِالْإِخْفَاءِ ، فَصَارَ الْفَسْخُ كَأَنَّهُ مِنْهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فَسْخَهَا لِعَيْبِهِ ، كَأَنَّهُ مِنْهُ ؛ لِحُصُولِهِ بِتَدْلِيسِهِ ؟ قُلْنَا : الْعِوَضُ مِنْ الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا ، فَإِذَا اخْتَارَتْ فَسْخَ الْعَقْدِ مَعَ سَلَامَةِ مَا عَقَدَتْ عَلَيْهِ ، رَجَعَ الْعِوَضُ إلَى الْعَاقِدِ مَعَهَا ، وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ لِأَجْلِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهَا ، لَا لِتَعَذُّرِ مَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا ، فَافْتَرَقَا .
( 5508 ) الْفَصْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْفَسْخَ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ ، وَيَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ ، فَلَا يَسْقُطُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهَا ، وَلَا بِفَسْخٍ مِنْ جِهَتِهَا ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، فِي " الْمُجَرَّدِ " فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَجِبُ الْمُسَمَّى .
وَالْأُخْرَى ، مَهْرُ الْمِثْلِ ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا فُرْقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِيهِ مُسَمًّى صَحِيحٌ ، فَوَجَبَ الْمُسَمَّى ، كَغَيْرِ الْمَعِيبَةِ ، وَكَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ، أَنَّهُ وُجِدَ بِشُرُوطِهِ وَأَرْكَانِهِ ، فَكَانَ صَحِيحًا ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْسَخْهُ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْسَخْهُ لَكَانَ صَحِيحًا ، فَكَذَلِكَ إذَا فَسَخَهُ ، كَنِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ ، وَلِأَنَّهُ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصِّحَّةِ مِنْ ثُبُوتِ الْإِحْصَانِ وَالْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَسَائِرُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا جَازَ إبْقَاؤُهُ وَتَعَيَّنَ فَسْخُهُ .
وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الْفَسْخَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مِنْ حِينِهِ ، غَيْرَ سَابِقٍ عَلَيْهِ ، وَمَا وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا عَلَى غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ ، لَمْ يَصِرْ الْعَقْدُ فَاسِدًا ، وَلَا يَكُونُ النَّمَاءُ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَمَةً ، فَوَطِئَهَا ، لَمْ يَجِبْ بِهِ مَهْرُهَا ، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ .
( 5509 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ : إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ وُجِدَ مِنْهُ رِضًا ، أَوْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ، كَالدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ ، أَوْ تَمْكِينِهَا إيَّاهُ مِنْ الْوَطْءِ ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَسَقَطَ ، كَمَا لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ فَرَضِيَهُ .
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ .
( 5510 ) الْفَصْلُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِيهِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، يَرْجِعُ بِهِ .
وَالْأُخْرَى : لَا يَرْجِعُ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ : كُنْت أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فَهِبْتُهُ ، فَمِلْت إلَى قَوْلِ عُمَرَ : إذَا تَزَوَّجَهَا ، فَرَأَى جُذَامًا أَوْ بَرَصًا ، فَإِنَّ لَهَا الْمَهْرَ بِمَسِيسِهِ إيَّاهَا ، وَوَلِيُّهَا ضَامِنٌ لِلصَّدَاقِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَرْجِعُ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا اسْتَوْفَى بَدَلَهُ ، وَهُوَ الْوَطْءُ ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا فَأَكَلَهُ .
وَلَنَا مَا رَوَى مَالِكٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ قَالَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ ، فَمَسَّهَا ، فَلَهَا صَدَاقُهَا ، وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا .
وَلِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ، فَكَانَ الْمَهْرُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ غَرَّهُ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرِمَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ فَالتَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ .
وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عِلْمِ الْوَلِيِّ ، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْعِلْمِ ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ : إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ غَرِمَ ، وَإِلَّا اسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ ؛ أَنَّهُ مَا عَلِمَ ، ثُمَّ هُوَ عَلَى الزَّوْجِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ كَانَ أَبًا ، أَوْ جَدًّا ، أَوْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرَاهَا ، فَالتَّغْرِيرُ مِنْ جِهَتِهِ ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ
أَنْ يَرَاهَا ، كَابْنِ الْعَمِّ ، وَالْمَوْلَى ، وَعَلِمَ غَرِمَ ، وَإِنْ أَنْكَرَ ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إذَا رَدَّتْ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ ، تَرَكَ لَهَا قَدْرَ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ ، لِئَلَّا تَصِيرَ كَالْمَوْهُوبَةِ .
وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ ، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالْقَاضِي .
وَلَنَا ، عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يَغْرَمُ ، أَنَّ التَّغْرِيرَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَغْرَمْ ، كَمَا لَوْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ .
وَعَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِكُلِّ الصَّدَاقِ ، أَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْهَا ، فَرَجَعَ بِكُلِّ الصَّدَاقِ ، كَمَا لَوْ غَرَّهُ الْوَلِيُّ .
وَقَوْلُهُمْ : لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَرَاهَا .
لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ عُيُوبَ الْفَرْجِ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهَا ، وَكَذَلِكَ الْعُيُوبُ تَحْتَ الثِّيَابِ ، فَصَارَ فِي هَذَا كَمَنْ لَا يَرَاهَا ، إلَّا فِي الْجُنُونِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى مَنْ يَرَاهَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا .
وَأَمَّا الرُّجُوعُ بِالْمَهْرِ ، فَإِنَّهُ لَسَبَبٍ آخِرَ ، فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَتْهُ إيَّاهُ ، بِخِلَافِ الْمَوْهُوبَةِ .
( 5511 ) فَصْلٌ : إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِهَا عَيْبٌ ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْتِزَامِ نِصْفِ الصَّدَاقِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ .
وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ، فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ الْفَسْخُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَهَاهُنَا اسْتَقَرَّ الصَّدَاقُ بِالْمَوْتِ ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ .
( 5512 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَلَا سُكْنَى لَهَا ، وَلَا نَفَقَةَ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِمَرْأَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ .
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْفَسْخِ ، كَمَا تَبِينُ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ زَوْجُهَا عَلَيْهَا رَجْعَةً ، فَلَمْ تَجِبْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : { إنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ } .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَائِلًا ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا ، فَلَهَا النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَالِ حَمْلِهَا ، فَكَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةِ .
وَفِي السُّكْنَى رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْقَاضِي : لَا نَفَقَةَ لَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ، وَفِي الْآخَرِ : لَهَا النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ ، وَالْحَمْلُ لَاحِقٌ بِهِ ، وَبَنَوْهُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا صِحَّتَهُ فِيمَا مَضَى .
( 5513 ) فَصْلٌ : وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالصَّغِيرِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ تَزْوِيجُهُمْ مِمَّنْ بِهِ أَحَدُ هَذِهِ الْعُيُوبِ ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْعَقْدِ فَإِنْ زَوَّجَهُمْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَقَارَهُ لِغَيْرِ غِبْطَةٍ وَلَا حَاجَةٍ .
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ ، صَحَّ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُمْ مَعِيبًا لَا يَعْلَمُ عَيْبَهُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمْ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ ، وَالْحَظُّ فِي الْفَسْخِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ زَوَّجَهُمْ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُمْ إيَّاهُ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُمْ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ .
( 5514 ) فَصْلٌ : وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ بِمَعِيبِ بِغَيْرِ رِضَاهَا .
بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ إذَا عَلِمَتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَالِامْتِنَاعُ أَوْلَى .
وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَعِيبًا ، فَلَهُ مَنْعُهَا ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
قَالَ أَحْمَدُ مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُزَوِّجَهَا بِعِنِّينٍ ، وَإِنْ رَضِيت السَّاعَةَ تَكْرَهُهُ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِنَّ النِّكَاحَ ، وَيُعْجِبُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْجِبُنَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي هَذَا دَائِمٌ ، وَالرِّضَى غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِدَوَامِهِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ إذَا كَانَتْ عَالِمَةً فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ ، فَيَتَضَرَّرُ وَلِيُّهَا وَأَهْلُهَا ، فَمَلَكَ الْوَلِيُّ مَنْعَهَا ، كَمَا لَوْ أَرَادَتْ نِكَاحَ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ .
وَالثَّانِي ، لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَهُ مَنْعُهَا مِنْ نِكَاحِ الْمَجْنُونِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ نِكَاحِ الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا عَلَيْهَا خَاصَّةً .
وَفِي الْأَبْرَصِ وَالْمَجْذُومِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا ، وَالضَّرَرَ عَلَيْهَا ، فَأَشْبَهَا الْمَجْبُوبَ وَالْعِنِّينَ .
وَالثَّانِي ، لَهُ مَنْعُهَا ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا مِنْهُ ، فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِهِ ، وَيُخْشَى تَعَدِّيهِ إلَى الْوَلَدِ ، فَأَشْبَهَ التَّزْوِيجَ بِمَنْ لَا يُكَافِئُهَا .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوْلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا فِيهِ ضَرَرًا دَائِمًا ، وَعَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا ، فَمَلَكَ مَنْعَهَا مِنْهُ ، كَالتَّزْوِيجِ بِغَيْرِ كُفْءٍ .
فَأَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ ، وَرَضِيَا بِهِ ، جَازَ ، وَصَحَّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَيُكْرَهُ لَهُمَا ذَلِكَ ؛ لِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، مِنْ أَنَّهَا وَإِنْ رَضِيت الْآنَ ، تَكْرَهُهُ فِيمَا بَعْدُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ
الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا وَمَنْعَهَا مِنْ هَذَا التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُمْ ، وَيَنَالُهُمْ الضَّرَرُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ فَأَمَّا إنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِالزَّوْجِ ، وَرَضِيَتْهُ الْمَرْأَةُ ، لَمْ يَمْلِكْ وَلِيُّهَا إجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي دَوَامِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ دَعَتْ وَلِيَّهَا إلَى تَزْوِيجِهَا بِعَبْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهَا ، وَلَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ ، لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ .
( 5515 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ ، وَزَوْجُهَا عَبْدٌ ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ .
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَغَيْرُهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ بَرِيرَةَ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : { كَاتَبَتْ بَرِيرَةُ ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَوْجِهَا ، وَكَانَ عَبْدًا ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا .
} قَالَ عُرْوَةُ : وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رَوَاهُ مَالِكٌ ، فِي " الْمُوَطَّأِ " ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ .
، وَلِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي كَوْنِهَا حُرَّةً تَحْتَ عَبْدٍ ، فَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ ، فَبَانَ عَبْدًا ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا فِرَاقُهُ ، وَإِنْ رَضِيت الْمُقَامَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِرَاقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا .
وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى .
( 5516 ) فَصْلٌ : وَإِنْ عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، وَأَبِي قِلَابَةَ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ وَقَالَ طَاوُسٌ ، وَابْنُ سِيرِينَ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَهَا الْخِيَارُ ؛ لِمَا رَوَى الْأَسْوَدُ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيَّرَ بَرِيرَةَ ، وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا .
} رَوَاهُ النَّسَائِيّ .
وَلِأَنَّهَا كَمُلَتْ بِالْحُرِّيَّةِ ، فَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ ، كَمَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَلَنَا ، أَنَّهَا كَافَأَتْ زَوْجَهَا فِي الْكَمَالِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ .
فَأَمَّا خَبَرُ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ، فَقَدْ رَوَى عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا .
وَهُمَا أَخَصُّ بِهَا مِنْ الْأَسْوَدِ ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنُ أَخِيهَا وَابْنُ أُخْتِهَا وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ ، عَنْ إبْرَاهِيم ، عَنْ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا .
فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ ، يُقَالُ لَهُ : مُغِيثٌ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَغَيْرُهُ .
وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ : كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدِ .
قَالَ أَحْمَدُ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ قَالَا فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ : إنَّهُ عَبْدٌ .
رِوَايَةُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَعَمَلُهُمْ ، وَإِذَا رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ ، فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ حُرٌّ عَنْ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِذَاكَ قَالَ : وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ ، فَلَا يُفْسَخُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَالْحُرُّ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَالْعَبْدُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ، وَيُخَالِفُ الْحُرُّ الْعَبْدَ ؛
لِأَنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ ، فَإِذَا كَمُلَتْ تَحْتَهُ تَضَرَّرَتْ بِبَقَائِهَا عِنْدَهُ ، بِخِلَافِ الْحُرِّ .
( 5517 ) فَصْلٌ : وَفُرْقَةُ الْخِيَارِ فَسْخٌ ، لَا يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَاقِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : لِمَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ؟ قَالَ : لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّجُلُ .
وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لِاخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ ، فَكَانَتْ فَسْخًا ، كَالْفَسْخِ لِعُنَّتِهِ أَوْ عَتَهِهِ .
( 5518 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : فَإِنْ أَعْتَقَ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ ، أَوْ وَطِئَهَا ، بَطَلَ خِيَارُهَا ، عَلِمَتْ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ خِيَارَ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّرَاخِي ، مَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ؛ عِتْقِ زَوْجِهَا ، أَوْ وَطْئِهِ لَهَا ، وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا وَمِمَّنْ قَالَ : إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ؛ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ ، وَنَافِعٌ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَتَادَةُ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ : لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ وَلِلشَّافِعِي ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ؛ أَظْهَرُهَا كَقَوْلِنَا .
وَالثَّانِي ، أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ .
وَالثَّالِثُ ، أَنَّهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
وَلَنَا ، مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، فِي " الْمُسْنَدِ " ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ ، قَالَ : سَمِعْت رِجَالًا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ ، مَا لَمْ يَطَأْهَا ، إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ ، وَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا } .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ أَيْضًا .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد ، { أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ ، عَبْدٍ لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا : إنْ قَرُبَك فَلَا خِيَارَ لَك } .
وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا أَعْلَمُ لِابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ ، فَثَبَتَ ، كَخِيَارِ الْقِصَاصِ ، أَوْ خِيَارٍ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُتَحَقِّقٍ ، فَأَشْبَهَ مَا قُلْنَا .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَمَتَى عَتَقَ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ ، سَقَطَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالرِّقِّ ،
وَقَدْ زَالَ بِعِتْقِهِ ، فَسَقَطَ ، كَالْمَبِيعِ إذَا زَالَ عَيْبُهُ .
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ وَطِئَهَا بَطَلَ خِيَارُهَا ، عَلِمَتْ بِالْخِيَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ : أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ وَإِنْ أُصِيبَتْ ، مَا لَمْ تَعْلَمْ ، فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا ، فَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ ، وَالْحَكَمِ ، وَحَمَّادٍ ، وَالثَّوْرِيِّ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَمْكَنَتْ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ عِلْمِهَا ، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ تُصَبْ .
وَلَنَا ، مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ وَرَوَى مَالِكٌ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ ، يُقَال لَهَا : زَبْرَاءُ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ ، فَعَتَقَتْ ، قَالَتْ : فَأَرْسَلَتْ إلَى حَفْصَةَ ، فَدَعَتْنِي ، فَقَالَتْ : إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسَّك زَوْجُك ، فَإِنْ مَسَّك ، فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ .
فَقُلْت : هُوَ الطَّلَاقُ ، ثُمَّ الطَّلَاقُ [ ثُمَّ الطَّلَاقُ ] .
فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا وَقَالَ مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : إنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا .
وَلِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ ، فَيَسْقُطُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مَعَ الْجَهَالَةِ ، كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ ، فَإِذَا وَطِئَهَا ، وَادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِالْعِتْقِ ، وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ خَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، مِثْلُ أَنْ يَعْتِقَهَا سَيِّدُهَا فِي بَلَدٍ آخِرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهَا ، لِكَوْنِهِمَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ اشْتَهَرَ ذَلِكَ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ .
وَإِنْ عَلِمَتْ الْعِتْقَ ، وَادَّعَتْ الْجَهَالَةَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا
خَوَاصُّ النَّاسِ ، فَالظَّاهِرُ صِدْقُهَا فِيهِ .
وَلِلشَّافِعِي فِي قَبُولِ قَوْلِهَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ .
( 5519 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ رَجُلَانِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَعَنْهُ : لَهَا الْخِيَارُ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الطَّارِئَةَ بَعْدَ عِتْقِهَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ ، فَالْمُقَارِنَةُ أَوْلَى ، كَإِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ : إنْ عَتَقَا مَعًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ .
وَمَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِعَبْدِهِ سُرِّيَّةً ، وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا ، صَارَا حُرَّيْنِ ، وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إصَابَتُهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ هَكَذَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فِي مَنْ وَهَبَ لِعَبْدِهِ سُرِّيَّةً ، أَوْ اشْتَرَى لَهُ سُرِّيَّةً ، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا ، لَا يَقْرَبُهَا إلَّا بِنِكَاحِ جَدِيدٍ .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ ، بِمَا رَوَى نَافِعٌ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عَبْدًا لَهُ كَانَ لَهُ سُرِّيَّتَانِ ، فَأَعْتَقَهُمَا وَأَعْتَقَهُ ، فَنَهَاهُ أَنْ يَقْرَبَهُمَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ .
وَلِأَنَّهَا بِإِعْتَاقِهَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً ، فَلَمْ يُبَحْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا ، كَالْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ ، فَعَتَقَا ، لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفَسِخْ بِإِعْتَاقِهَا وَحْدهَا .
فَلَأَنْ لَا يَنْفَسِخَ بِإِعْتَاقِهِمَا مَعًا أَوْلَى .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا .
أَنَّ لَهَا فَسْخَ النِّكَاحِ .
وَهَذَا تَخْرِيجٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا قَبْلَ الْعِتْقِ .
( 5520 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ عَبْدٌ وَأَمَةٌ مُتَزَوِّجَانِ ، فَأَرَادَ عِتْقَهُمَا ، الْبِدَايَةُ بِالرَّجُلِ ؛ لِئَلَّا يَثْبُتَ لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ عَلَيْهِ فَيُفْسَخَ نِكَاحُهُ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ، وَالْأَثْرَمُ ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهُ { كَانَ لَهَا غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ ، فَتَزَوَّجَا ، فَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَهُمَا .
فَقَالَ لَهَا : فَابْدَئِي بِالرَّجُلِ قَبْلَ الْمَرْأَةِ } .
وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ ، أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ لِلرَّجُلِ : إنِّي بَدَأْت بِعِتْقِك لِئَلَّا يَكُونَ لَهَا عَلَيْك خِيَارٌ .
( 5521 ) فَصْلٌ : إذَا عَتَقَتْ الْمَجْنُونَةُ وَالصَّغِيرَةُ ، فَلَا خِيَارَ لَهُمَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْلٌ لَهُمَا ، وَلَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ ، وَلَا يَمْلِكُ وَلِيُّهُمَا الِاخْتِيَارَ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ الشَّهْوَةُ ، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ كَالِاقْتِصَاصِ .
فَإِذَا بَلَغْت الصَّغِيرَةُ ، وَعَقَلَتْ الْمَجْنُونَةُ ، فَلَهُمَا الْخِيَارُ حِينَئِذٍ ؛ لِكَوْنِهِمَا صَارَتَا عَلَى صِفَةٍ لَكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمٌ ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ بِزَوْجَيْهِمَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْفَسْخَ ، فَإِنْ كَانَ زَوْجَاهُمَا قَدْ وَطِئَاهُمَا ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُمَا ، لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ انْقَضَتْ وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ : لَهُمَا الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُمَا ، فَلَا يَكُونُ تَمْكِينُهُمَا مِنْ الْوَطْءِ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَى ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ ، وَلَا يُمْنَعُ زَوْجَاهُمَا مِنْ وَطْئِهِمَا .
( 5522 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ لِنَفْسَيْنِ ، فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا ، فَلَا خِيَارَ لَهَا ، إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا .
إنَّمَا شَرَطَ الْإِعْسَارَ فِي الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ يَسْرِي عِتْقُهُ إلَى جَمِيعِهَا ، فَتَصِيرُ حُرَّةً ، وَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ ، وَالْمُعْسِرُ لَا يَسْرِي عِتْقُهُ ، بَلْ يَعْتِقُ مِنْهَا مَا أَعْتَقَ ، وَبَاقِيهَا رَقِيقٌ ، فَلَا تَكْمُلُ حُرِّيَّتُهَا ، فَلَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ حِينَئِذٍ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ .
حَكَاهَا أَبُو بَكْرٍ ، وَاخْتَارَهَا ؛ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ مِنْهُ ، فَإِنَّهَا تَرِثُ ، وَتُورَثُ ، وَتَحْجُبُ بِقَدْرِ مَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْحُرَّةِ الْكَامِلَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَحْكَامِ ، وَأَيْضًا مَا عَلَّلَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ ، فَلَا يُفْسَخُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، وَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا .
فَصْلٌ : وَلَوْ زَوَّجَ أَمَةً قِيمَتُهَا عَشْرَةٌ بِصَدَاقٍ عِشْرِينَ ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ، ثُمَّ مَاتَ ، وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَغَيْرَ مَهْرِهَا بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ ، عَتَقَتْ ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَهَا الْخِيَارُ .
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ ، عَتَقَ ثُلُثُهَا فِي الْحَالِ .
وَفِي الْخِيَارِ لَهَا وَجْهَانِ ، فَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ مَهْرِهَا شَيْءٌ عَتَقَ مِنْهَا بِقَدْرِ ثُلُثِهِ ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ كُلُّهُ عَتَقَتْ كُلُّهَا ، وَلَهَا الْخِيَارُ حِينَئِذٍ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ لَهَا الْخِيَارَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا ، فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ بِتَمْكِينِهِ مِنْ وَطْئِهَا .
وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْهُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهَا .
فَأَمَّا إنْ عَتَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ، فَلَا خِيَارَ لَهَا ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ؛ لِأَنَّ فَسْخَهَا النِّكَاحَ يَسْقُطُ بِهِ صَدَاقُهَا ، فَيَعْجِزُ الثُّلُثُ عَنْ كَمَالِ قِيمَتِهَا ، فَيَرِقُّ ثُلُثَاهَا ، وَيَسْقُطُ خِيَارُهَا ، فَيُفْضِي إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا إلَى إسْقَاطِهِ ، فَيَسْقُطُ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ ، لَهَا الْخِيَارُ .
فَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ لِسَيِّدِهَا نِصْفَ الْمَهْرِ ، فَإِذَا اُسْتُوْفِيَ عَتَقَ ثُلُثَاهَا ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَهُ ، يَعْتِقُ ثُلُثُهَا .
( 5524 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ ، وَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا مَهْرَ لَهَا ، وَإِنْ اخْتَارَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ إنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا اخْتَارَتْ الْمُقَامَ ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مُسْقِطٌ ، وَإِنْ فَسَخَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِشَيْءٍ ، وَهُوَ لِلسَّيِّدِ فِي الْحَالَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فِي مِلْكِهِ ، وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْحَالَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : إنْ كَانَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعِتْقِ ، فَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ، فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ ، فَصَارَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ ، فِيهِ مُسَمًّى صَحِيحٌ ، اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ قَبْلَ الْفَسْخِ ، فَأَوْجَبَ الْمُسَمَّى ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْسَخْ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْفَسْخِ ، لَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَحِيحًا ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُفْسِدُهُ ، وَيَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، مِنْ الْإِحْلَالِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَالْإِحْصَانِ ، وَكَوْنِهِ حَلَالًا .
وَأَمَّا إنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا مَهْرَ لَهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لِلسَّيِّدِ نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ ، فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا ، فَسَقَطَ مَهْرُهَا ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ ، أَوْ ارْتَدَّتْ ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ
يَفْسَخُ نِكَاحَهَا رَضَاعُهُ .
وَقَوْلُهُ : وَجَبَ لِلسَّيِّدِ .
قُلْنَا : لَكِنَّ بِوَاسِطَتِهَا وَلِهَذَا سَقَطَ نِصْفُهُ بِفَسْخِهَا ، وَجَمِيعُهُ بِإِسْلَامِهَا وَرِدَّتِهَا ( 5525 ) فَصْلٌ : وَلَوْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً ، فَفُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَهُوَ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فِي مِلْكِهِ لَا بِالْفَرْضِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَجَبَ ، وَالْمَوْتُ لَا يُوجِبُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ .
وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْضِ ، فَلَا شَيْءَ ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ مُسَمًّى وَجَبَ نِصْفُهُ .
( 5526 ) فَصْلٌ : فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي نِكَاحٍ ، وَلَا نِكَاحَ هَاهُنَا .
وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا بَاقٍ ، فَيُمْكِنُ فَسْخُهُ ، وَلَهَا فِي الْفَسْخِ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ رَجْعَتَهُ لَهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا ، فَتَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عِدَّةٍ أُخْرَى إذَا فَسَخَتْ ، فَإِذَا فَسَخَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ ، وَثَبَتَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عِدَّةٍ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَفْسَخْ .
فَإِنْ قِيلَ : فَيَفْسَخُ حِينَئِذٍ ؟ قُلْنَا : إذًا تَحْتَاجُ إلَى عِدَّةٍ أُخْرَى .
وَإِذَا فَسَخَتْ فِي عِدَّتِهَا ، ثَبَتَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ، وَلَمْ تَحْتَجْ إلَى عِدَّةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَالْفَسْخُ لَا يُنَافِيهَا وَلَا يَقْطَعُهَا ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أُخْرَى ، وَيَنْبَنِي عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ .
فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ ، بَطَلَ خِيَارُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهَا اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَ جَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ ، وَذَلِكَ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْمَقَامِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا حَالَةٌ يَصِحُّ فِيهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ ، فَصَحَّ اخْتِيَارُ الْمُقَامِ ، كَصُلْبِ النِّكَاحِ .
وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا ، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي ، وَلِأَنَّ سُكُوتَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ لِجَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ ، اكْتِفَاءً مِنْهَا بِذَلِكَ فَإِنْ ارْتَجَعَهَا ، فَلَهَا الْفَسْخُ حِينَئِذٍ ، فَإِنْ فَسَخَتْ ، ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا ، بَقِيَتْ مَعَهُ بِطَلْقَةِ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ .
وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أُعْتِقَ ، رَجَعَتْ مَعَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا ، فَمَلَكَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ، كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ .
( 5527 ) فَصْلٌ : فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا ، وَقَبْلَ اخْتِيَارِهَا ، أَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ بَعْدَ الْعِتْق ، وَقَعَ طَلَاقُهُ ، وَبَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ زَوْجٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ، فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَنَفَذَ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْ .
وَقَالَ الْقَاضِي : طَلَاقُهُ مَوْقُوفٌ .
فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّهَا مِنْ الْخِيَارِ ، وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ وَقَعَ .
وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ ، كَهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .
وَبَنَوْا عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي نِكَاحٍ مَفْسُوخٍ وَلَنَا ، أَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ ، فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَوَقَعَ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا ، أَوْ كَمَا لَوْ لَمْ تَخْتَرْ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَسْخَ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ مِنْ حِينِهِ ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ ، إذْ الْحُكْمُ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تُبْتَدَأُ مِنْ حِينِ الْفَسْخِ ، لَا مِنْ حِينِ الْعِتْقِ ، وَمَا سَبَقَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، يُثْبِتُ الْإِحْصَانَ وَالْإِحْلَالَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَانَ الْفَسْخُ سَابِقًا عَلَيْهِ لَانْعَكَسَتْ الْحَالُ وَقَوْلُ الْقَاضِي : إنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهَا مِنْ الْفَسْخِ .
غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْفَسْخِ ، مَعَ زِيَادَةِ وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَتَقْصِيرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ حِينِ طَلَاقِهِ ، لَا مِنْ حِينِ فَسْخِهِ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ مُبْطِلًا لَحَقِّهَا ، لَمْ يَقَعْ وَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ الْفَسْخَ ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، سَوَاءٌ فَسَخَ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا ، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ : إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ
، سَقَطَ مَهْرُهَا ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْفَسْخِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ ، فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالطَّلَاقِ .
وَهَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ أَسْلَمْت الْكَافِرَةُ .
فَصْلٌ : وَلِلْمُعْتَقَةِ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، غَيْرُ مُجْتَهَدٍ فِيهِ ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حَاكِمٍ ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، فَافْتَقَرَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ ، كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ .
( 5529 ) فَصْلٌ : وَإِذَا اخْتَارَتْ الْمُعْتَقَةُ الْفِرَاقَ ، كَانَ فَسْخًا لَيْسَ بِطَلَاقٍ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَذَهَبَ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، إلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ .
قَالَ مَالِكٌ : إلَّا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ، فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا .
وَاحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ زَبْرَاءَ حِينَ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْفِرَاقَ ، فَمَلَكْت الطَّلَاقَ كَالرَّجُلِ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ } .
وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ ، فَكَانَتْ فَسْخًا ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا ، أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بِرَضَاعِهِ ، وَفِعْلُ زَبْرَاءَ لَيْسَ بِحُجَّةِ ، وَلَمْ يَثْبُت انْتِشَارُهُ فِي الصَّحَابَةِ .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ قَالَتْ : اخْتَرْت نَفْسِي ، أَوْ فَسَخْت النِّكَاحَ .
انْفَسَخَ .
وَلَوْ قَالَتْ : طَلَّقْت نَفْسِي .
وَنَوَتْ الْمُفَارَقَةَ ، كَانَ كِنَايَةً عَنْ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ ، فَصَارَ كِنَايَةً عَنْهُ ، كَالْكِنَايَةِ بِالْفَسْخِ عَنْ الطَّلَاقِ .
( 5530 ) فَصْلٌ : وَإِنْ عَتَقَ زَوْجُ الْأَمَةِ ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْكَمَالِ فِي الزَّوْجَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ ، وَلِذَلِكَ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُطْلَقًا ، فَبَانَتْ أَمَةً ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ .
وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مُطْلَقًا ، فَبَانَ عَبْدًا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ ، وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِدَامَةِ ، لَكِنْ إنْ عَتَقَ وَوَجَدَ الطَّوْلَ لِحُرَّةٍ ، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، تَقَدَّمَ ذَكَرُهُمَا .
( 5531 ) فَصْلٌ : وَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ ، فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا : زِدْنِي فِي مَهْرِي .
فَفَعَلَ ، فَالزِّيَادَةُ لَهَا دُونَ سَيِّدهَا ، سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ، وَسَوَاءٌ عَتَقَ مَعَهَا ، أَوْ لَمْ يَعْتِقْ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِيمَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ثُمَّ عَتَقَا جَمِيعًا ، فَقَالَتْ الْأَمَةُ : زِدْنِي فِي مَهْرِي .
فَالزِّيَادَةُ لِلْأَمَةِ لَا لِلسَّيِّدِ .
فَقِيلَ : أَرَأَيْت إنْ كَانَ الزَّوْجُ لِغَيْرِ السَّيِّدِ ، لِمَنْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ ؟ قَالَ : لِلْأَمَةِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا ، لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا ، ثُمَّ بَاعَهَا ، فَزَادَهَا زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا ، فَالزِّيَادَةُ لِلثَّانِي .
وَقَالَ الْقَاضِي : الزِّيَادَةُ لِلسَّيِّدِ الْمُعْتِقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَاقِ تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَتَكُونُ كَالْمَذْكُورَةِ فِيهِ .
وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الزِّيَادَةِ إنَّمَا ثَبَتَ حَالَ وُجُودِهَا ، بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ سَيِّدِهَا عَنْهَا ، فَيَكُونُ لَهَا ، كَكَسْبِهَا وَالْمَوْهُوبِ لَهَا وَقَوْلُنَا : إنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ بِالْعَقْدِ .
مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا ، وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ صَدَاقًا ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا فِيهَا ، وَكَانَ لِسَيِّدِهَا ، فَإِنَّ هَذَا مُحَالٌ ، وَلِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وُجِدَ بَعْدَ الْعِتْقِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَقَدُّمِ الْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْمُعْتَقِ فِيهِ حِينَ التَّزْوِيجِ لَلَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ ، وَكَانَ لَهُ نَمَاؤُهُ .
وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نُطِيلَ فِيهِ .
بَاب أَجَلِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ الْعِنِّينُ : هُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْإِيلَاجِ .
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَّ .
أَيْ : اعْتَرَضَ ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ يَعِنُّ إذَا أَرَادَ إيلَاجَهُ ، أَيْ يَعْتَرِضُ ، وَالْعَنَنُ الِاعْتِرَاضُ .
وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَعِنُّ لِقُبُلِ الْمَرْأَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، فَلَا يَقْصِدُهُ .
فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ كَذَلِكَ فَهُوَ عَيْبٌ بِهِ ، وَيُسْتَحَقُّ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ ، بَعْدَ أَنْ تُضْرَبَ لَهُ مُدَّةٌ يُخْتَبَرُ فِيهَا ، وَيُعْلَمُ حَالُهُ بِهَا .
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعَطَاءٌ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَقَتَادَةُ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ .
وَعَلَيْهِ فَتْوَى فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، مِنْهُمْ ؛ مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَشَذَّ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، وَدَاوُد ، فَقَالَا : لَا يُؤَجَّلُ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي ، فَبَتَّ طَلَاقِي ، فَتَزَوَّجْت بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ ، فَقَالَ : تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك } .
وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ مُدَّةً .
وَلَنَا ، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً .
وَرَوَى ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ .
وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ ، كَالْجَبِّ فِي الرَّجُلِ ، وَالرَّتْقِ فِي الْمَرْأَةِ ، فَأَمَّا الْخَبَرُ ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ فَإِنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا تُضْرَبُ لَهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ ، وَطَلَبِ
الْمَرْأَةِ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : إنِّي لِأَعْرُكَهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ طَلَاقِهِ ، فَلَا مَعْنَى لِضَرْبِ الْمُدَّةِ .
وَصَحَّحَ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ ) .
وَلَوْ كَانَ قَبْلَ طَلَاقِهِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَيْهَا .
وَقِيلَ : إنَّهَا ذَكَرَتْ ضَعْفَهُ ، وَشَبَّهَتْهُ بِهُدْبَةِ الثَّوْبِ مُبَالَغَةً ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ) وَالْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ .
( 5532 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ لَا يَصِلُ إلَيْهَا ، أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فِيهَا ، خُيِّرَتْ فِي الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ ، كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عَجْزَ زَوْجِهَا عَنْ وَطْئِهَا لِعُنَّةٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَالْمَرْأَةُ عَذْرَاءُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَقَالَ الْقَاضِي : هَلْ يَسْتَحْلِف أَوْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الطَّلَاقِ .
فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ ، أَوْ أَنْكَرَ وَطَلَبَتْ يَمِينَهُ فَنَكِلَ ، ثَبَتَ عَجْزُهُ ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ أَجَّلَ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ .
وَلَنَا قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِعُنَّةٍ ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضِ ، فَضُرِبَتْ لَهُ سَنَةً لِتَمُرَّ بِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ يُبْسٍ زَالَ فِي فَصْلِ الرُّطُوبَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ زَالَ فِي فَصْلِ الْحَرَارَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ انْحِرَافِ مِزَاجٍ زَالَ فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ .
فَإِذَا مَضَتْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ ، وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأَهْوِيَةُ فَلَمْ تَزُلْ ، عُلِمَ أَنَّهُ خِلْقَةٌ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، أَنَّهُ قَالَ : أَهْلُ الطِّبِّ يَقُولُونَ : الدَّاءُ لَا يَسْتَجِنُّ فِي الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ، ثُمَّ يَظْهَرُ .
وَابْتِدَاءُ السَّنَةِ مُنْذُ تَرَافُعِهِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْقَائِلِينَ بِتَأْجِيلِهِ .
قَالَ مَعْمَرٌ فِي حَدِيثِ عُمَرَ : يُؤَجَّلُ سَنَةً : مِنْ يَوْمِ مُرَافَعَتِهِ ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَمْ يَطَأْ ، فَلَهَا الْخِيَارُ ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِحُكْمِ
حَاكِمٍ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهَا فَتَفْسَخَ هِيَ .
فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَلَا يَفْسَخُ حَتَّى تَخْتَارَ الْفَسْخَ وَتَطْلُبَهُ ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا ، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ ، كَالْفَسْخِ لِلْإِعْسَارِ ، فَإِذَا فَسَخَ فَهُوَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ يُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ، وَتَكُونُ تَطْلِيقَةٌ ؛ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ لِعَدَمِ الْوَطْءِ ، فَكَانَتْ طَلَاقًا ، كَفُرْقَةِ الْمُولِي .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا خِيَارٌ ثَبَتَ لِأَجْلِ الْعَيْبِ ، فَكَانَ فَسْخًا ، كَفَسْخِ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الْعَيْبِ .
( 5533 ) فَصْلٌ : فَإِنْ اتَّفَقَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ عَلَى الرَّجْعَةِ ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ عَنْهُ ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ .
فَإِذَا تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى طَلَاقٍ ثَلَاثٍ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا قَوْلًا ثَانِيًا ، أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ تَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، فَحَرَّمَتْ النِّكَاحَ ، كَفُرْقَةِ اللِّعَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لِأَجْلِ الْعَيْب ، فَلَمْ تَمْنَعْ النِّكَاحَ ، كَفُرْقَةِ الْمُعْتَقَةِ ، وَالْفُرْقَةِ فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ .
وَأَمَّا فُرْقَةُ اللِّعَانِ فَإِنَّهَا حَصَلَتْ بِلِعَانِهِمَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يُحَرِّمُ الْمُقَامَ عَلَى النِّكَاحِ ، فَمَنَعَ ابْتِدَاءَهُ ، وَيُوجِبُ الْفُرْقَةَ ، فَمَنَعَ الِاجْتِمَاعَ ، وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ .
وَلَوْ رَضِيت الْمَرْأَةُ بِالْمُقَامِ ، أَوْ لَمْ تَطْلُب الْفَسْخَ ، لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ ، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ مَعَ هَذِهِ الْفُرُوقِ ؟ .
( 5534 ) فَصْلٌ : وَمَنْ عُلِمَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ الْوَطْءِ لَعَارِضٍ ؛ مِنْ صِغَرٍ ، أَوْ مَرَضٍ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ يَزُولُ ، وَالْعُنَّةُ خِلْقَةٌ وَجِبِلَّةٌ لَا تَزُولُ .
وَإِنْ كَانَ لَكِبَرٍ ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ ، ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ لِجَبٍّ ، أَوْ شَلَلٍ ، ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَيْئُوسٌ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِهِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الذَّكَرِ مَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ بِهِ ، فَالْأَوْلَى ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِنِّينِ خِلْقَةً .
وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي هَلْ يُمْكِنُ الْوَطْءُ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا ؟ رُجِعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ .
( 5535 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الْخَصِيُّ ، فَإِنَّ الْخِرَقِيِّ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ ، وَلَمْ يُفْرِدْهُ بِحُكْمٍ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ ، فِي أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا ، فَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُمْكِنٌ ، وَالِاسْتِمْتَاعَ حَاصِلٌ بِوَطْئِهِ .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ وَطْأَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَطْءِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ فَيَفْتُرُ بِالْإِنْزَالِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ وَالْمَوْجُورِ ، وَهُوَ الَّذِي رُضَّتْ خُصْيَتَاهُ ، وَالْمَسْلُولِ الَّذِي سُلَّتْ خُصْيَتَاهُ ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُنْزِلُ ، وَلَا يُولَدُ لَهُ .
( 5536 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ قَالَ : قَدْ عَلِمَتْ أَنِّي عِنِّينٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَهَا .
فَإِنْ أَقَرَّتْ ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ ، فَلَا يُؤَجَّلُ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا عَلِمَتْ عُنَّةَ الرَّجُلِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، مِثْلُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِعُنَّتِهِ ، أَوْ تُضْرَبَ لَهُ الْمُدَّةُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ ، فَيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ الْمُدَّةُ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ .
فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ ؛ عَطَاءٌ ، وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ .
وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : يُؤَجَّلُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنِّينًا فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ وَلَنَا أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ ، وَدَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عَالِمَةً بِهِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ ، كَمَا لَوْ عَلِمَتْهُ مَجْبُوبًا ، وَلِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الْمُدَّةِ ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ ، فَكَذَلِكَ إذَا رَضِيَتْ بِهِ فِي الْعَقْدِ ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَلَوْ أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّهَا تَكُونُ فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ .
احْتِمَالٌ بَعِيدٌ ؛ فَإِنَّ الْعُنَّةَ جِبِلَّةٌ وَخِلْقَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ ظَاهِرًا ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْمُدَّةِ .
فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا الْعِلْمَ بِعُنَّتِهِ ، فَأَنْكَرَتْهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ ، ثَبَتَ نِكَاحُهَا ، وَبَطَلَ خِيَارُهَا .
( 5537 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَسَكَتَتْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ ، ثُمَّ طَالَبَتْ بَعْدُ ، فَلَهَا ذَلِكَ ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ تَرَافُعِهِ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا اخْتِلَافًا .
وَذَلِكَ لِأَنَّ سُكُوتَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الرِّضَى ؛ لِأَنَّهُ زَمَنٌ لَا تَمْلِكُ فِيهِ الْفَسْخَ ، وَلَا الِامْتِنَاعَ مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا مُسْقِطًا لِحَقِّهَا ، كَسُكُوتِهَا بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَقَبْلَ انْقِضَائِهَا .
وَلَوْ سَكَتَتْ بَعْدَ الْمُدَّةِ ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ ، وَثُبُوتِ عَجْزِهِ ، فَلَا يَضُرُّ السُّكُوتُ قَبْلَهُ .
( 5538 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ قَالَتْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ : قَدْ رَضِيت بِهِ عِنِّينًا .
لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدُ .
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ ، أَنَّهَا مَتَى رَضِيَتْ بِهِ عِنِّينًا ، بَطَلَ خِيَارُهَا ، سَوَاءٌ قَالَتْهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، أَوْ بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، وَلَا نَعْلَمُ فِي بُطْلَانِ خِيَارِهَا بِقَوْلِهَا ذَلِكَ بَعْد انْقِضَاء الْمُدَّةِ خِلَافًا ، فَأَمَّا قَبْلَهَا فَإِنْ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْجَدِيدِ : لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْفَسْخِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ، فَلَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهُ قَبْلَهَا ، كَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ حَقَّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَنَا ، أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَسَقَطَ خِيَارُهَا ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَكَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الْعُنَّةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْفَسْخِ مَوْجُودَةٌ ، وَإِنَّمَا الْمُدَّةُ لِيُعْلَمَ وُجُودُهَا ، وَيَتَحَقَّقُ عِلْمُهَا ، فَهِيَ كَالْبَيِّنَةِ فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ وَيُفَارِقُ الشُّفْعَةَ ؛ فَإِنَّ سَبَبَهَا الْبَيْعُ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ رَضِيت الْمَرْأَةُ بِالْإِعْسَارِ ، ثُمَّ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ ، مَلَكَتْهُ ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا ، فَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ ، ثُمَّ طَالَبَتْ بِالْعُنَّةِ ، كَانَ لَهَا ذَلِكَ ؟ قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ مَا يَجِبْ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، لَمْ يَسْقُطْ ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ ، فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ ، وَلِأَنَّ الْإِعْسَارَ يَعْقُبُهُ الْيَسَارُ ، فَتَرْضَى بِالْمُقَامِ رَجَاءَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْمُولِي يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ ، وَيَطَأَ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ، فَأَمَّا الْعِنِّينُ إذَا رَضِيَتْهُ ، فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَجْزِ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ ، وَهُوَ مَعْنَى لَا يَزُولُ فِي الْعَادَةِ ، فَافْتَرَقَا .
( 5539 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ اعْتَرَفَتْ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً ، بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا .
أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا ، يَقُولُونَ : مَتَى وَطِىءَ امْرَأَتَهُ مَرَّةً ، ثُمَّ ادَّعَتْ عَجْزَهُ ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا ، وَلَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ ، مِنْهُمْ ؛ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَالْحَسَنُ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَابْنُ هَاشِمٍ ، وَمَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : إنْ عَجَزَ عَنْ وَطْئِهَا أُجِّلَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ وَطْئِهَا ، فَثَبَتَ حَقُّهَا ، كَمَا لَوْ جُبَّ بَعْدَ الْوَطْءِ .
وَلَنَا ، أَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي هَذَا النِّكَاحِ ، وَزَوَالُ عُنَّتِهِ ، فَلَمْ تُضْرِبْ لَهُ مُدَّةٌ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْجِزْ ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ ، مِنْ اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ ، تَثْبُتُ بِوَطْءِ وَاحِدٍ ، وَقَدْ وُجِدَ .
وَأَمَّا الْجَبُّ ، فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِهِ الْعَجْزُ فَافْتَرَقَا .
( 5540 ) فَصْلٌ : وَالْوَطْءُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ ، هُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ ، فَكَانَ وَطْئًا صَحِيحًا ، فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا ، لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ إلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ هَاهُنَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ ، فَاعْتُبِرَ تَغْيِيبُ جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ حُصُولُ حُكْمِ الْوَطْءِ .
وَالثَّانِي ، يُعْتَبَرُ تَغْيِيبُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ ، لِيَكُونَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْمَقْطُوعِ مِثْلُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الصَّحِيحِ وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ كَهَذَيْنِ .
( 5541 ) فَصْلٌ : وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَطْءِ ، فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِحْلَالُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَلَا الْإِحْصَانُ .
وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْقُبُلِ حَائِضًا ، أَوْ نُفَسَاءَ ، أَوْ مُحْرِمَةً ، أَوْ صَائِمَةً ، خَرَجَ عَنْ الْعُنَّةِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْعُنَّةِ ؛ لِنَصِّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَالْإِبَاحَةُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ ، أَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ وَلَنَا ، أَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَحَلِّ الْوَطْءِ ، فَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ يَضُرُّهَا الْوَطْءُ ، وَلِأَنَّ الْعُنَّةَ الْعَجْزُ عَنْ الْوَطْءِ ، وَلَا يَبْقَى مَعَ وُجُودِ الْوَطْءِ ، فَإِنَّ الْعَجْزَ ضِدُّ الْقُدْرَةِ ، فَلَا يَبْقَى مَعَ وُجُودِ ضِدِّهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ أَحْكَامٌ يَجُوزُ أَنْ تَنْتَفِيَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهَا لِمَانِعٍ ، أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ ، وَالْعُنَّةُ فِي نَفْسِهَا أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ ، لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مَعَ انْتِفَائِهِ فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ ، فَلَيْسَ بِوَطْءٍ فِي مَحَلِّهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ
تَنْتَفِي بِهِ الْعُنَّةُ ؛ لِأَنَّهُ أَصْعَبُ ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ أُقْدَرُ .
( 5542 ) فَصْلٌ : وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً ، لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ الْعُنَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهَا .
وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُنَّةِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النِّسَاءِ ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا .
وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يُخْتَبَرُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى .
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُنَّةَ خِلْقَةٌ وَجِبِلَّةٌ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ النِّسَاءِ ، فَإِذَا انْتَفَتْ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ ، لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَلَنَا ، أَنَّ حُكْمَ كُلِّ امْرَأَةٍ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهَا ، وَلِذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ فِي حَقِّهِنَّ ، فَرَضِيَ بَعْضُهُنَّ ، سَقَطَ حَقُّهَا وَحْدَهَا دُونَ الْبَاقِيَاتِ ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالْعَجْزِ عَنْ وَطْئِهَا ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهَا لَا يَزُولُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا .
وَقَوْلُهُ : كَيْفَ يَصِحُّ عَجْزُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى ؟ قُلْنَا : قَدْ تَنْهَضُ شَهْوَتُهُ فِي حَقِّ إحْدَاهُمَا ، لِفَرْطِ حُبِّهِ إيَّاهَا ، وَمَيْلِهِ إلَيْهَا ، وَاخْتِصَاصِهَا بِجَمَالٍ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأُخْرَى .
فَعَلَى هَذَا ، لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَصَابَهَا ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، فَعَنَّ عَنْهَا ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَعِنَّ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى ، فَفِي نِكَاحٍ دُون نِكَاحٍ أَوْلَى .
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ : لَا يَصِحُّ هَذَا ، بَلْ مَتَى وَطِئَ مَرَّةً ، لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ أَبَدًا .
( 5543 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ جُبَّ قَبْلَ الْحَوْلِ ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي وَقْتِهَا كَأَنَّ الْخِرَقِيِّ أَرَادَ : إذَا ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةُ فَلَمْ يُصِبْهَا حَتَّى جُبَّ ، ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْحَالِ .
لِأَنَّنَا نَنْتَظِرُ الْحَوْلَ لِنَعْلَمَ عَجْزَهُ ، وَقَدْ عَلِمْنَاهُ هَاهُنَا يَقِينًا ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِظَارِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ سَائِرَ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ ؛ فَإِنَّ الْخِيَارَ هَاهُنَا إنَّمَا ثَبَتَ بِالْجَبِّ الْحَادِثِ ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يَثْبُتُ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَتَيَقَّنْ عُنَّتَهُ ، وَالْجَبُّ حَادِثٌ ، فَلَمَّا ثَبَتَ الْفَسْخُ بِهِ ، عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ .
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْفَسْخَ هَاهُنَا بِالْجَبِّ الْحَادِثِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ مَقْصُودَ الْعُنَّةِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ ، وَمُحَقِّقٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 5544 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهَا ، وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ ، أُرِيَتْ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ ، فَإِنْ شَهِدْنَ بِمَا قَالَتْ ، أُجِّلَ سَنَةً وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عُنَّةَ زَوْجِهَا ، فَزَعَمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا ، وَقَالَتْ : إنَّهَا عَذْرَاءُ .
أُرِيَتْ النِّسَاءَ ، فَإِنْ شَهِدْنَ بِعُذْرَتِهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَيُؤَجَّلُ .
وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُزِيلُ عُذْرَتَهَا ، فَوُجُودُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ عُذْرَتَهَا عَادَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا ، وَإِنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا .
وَهَلْ تُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، تُسْتَحْلَفُ ؛ لِإِزَالَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ ، كَمَا يُسْتَحْلَفُ سَائِرُ مَنْ قُلْنَا : الْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَالْآخَرُ ، لَا تُسْتَحْلَفُ ؛ لِأَنَّ مَا يَبْعُدُ جِدًّا لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ ، كَاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ، وَكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ قَبْلَ ضَرْبِ الْأَجَلِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بَعْد ضَرْب الْمُدَّةِ ، وَشَهِدَ النِّسَاءُ بِعُذْرَتِهَا ، لَمْ تَنْقَطِع الْمُدَّةُ .
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مِنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا .
وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ شَهِدَ النِّسَاءُ بِزَوَالِ عُذْرَتِهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، فَيَسْقُطُ حُكْمُ قَوْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ كَذِبُهَا .
وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِسَبَبٍ آخِرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَسْبَابِ .
( 5545 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا ، وَادَّعَى أَنَّهُ يَصِلُ إلَيْهَا ، أُخْلِيَ مَعَهَا فِي بَيْتٍ ، وَقِيلَ لَهُ : أَخْرِجْ مَاءَك عَلَى شَيْءٍ .
فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ ، جُعِلَ عَلَى النَّارِ ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ ، وَبَطَلَ قَوْلُهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَحَكَى الْخِرَقِيِّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ ؛ إحْدَاهُمَا ، أَنَّهُ يُخَلَّى مَعَهَا ، وَيُقَالُ لَهُ : أَخْرِجْ مَاءَك عَلَى شَيْءٍ .
فَإِنْ أَخْرَجَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعِنِّينَ يَضْعُفُ عَنْ الْإِنْزَالِ ، فَإِذَا أَنْزَلَ تَبَيَّنَّا صِدْقَهُ ، فَنَحْكُمُ بِهِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِنِّي ، جُعِلَ عَلَى النَّارِ ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِبَيَاضِ الْبَيْضِ ، وَذَاكَ إذَا وُضِعَ عَلَى النَّارِ تَجَمَّعَ وَيَبِسَ ، وَهَذَا يَذُوبُ ، فَيَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ، فَيُخْتَبَرُ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا مَتَى عَجَزَ عَنْ إخْرَاجِ مَائِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ ، الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَجَنْبَتُهُ أَقْوَى ، فَإِنْ فِي دَعْوَاهُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ ، وَسَلَامَةَ نَفْسِهِ مِنْ الْعُيُوبِ ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَالْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ ، فَقَوَّيْنَا قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ ، كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى الَّتِي يَسْتَحْلِفُ فِيهَا .
فَإِنْ نَكِلَ ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
} قَالَ الْقَاضِي : وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَسْتَحْلِفَ ، بِنَاءً عَلَى إنْكَارِهِ دَعْوَى الطَّلَاقِ ، فَإِنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ ، كَذَا هَاهُنَا .
وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ الْخِرَقِيِّ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينهَا .
حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِصَابَةِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا ، لِأَنَّ قَوْلَهَا مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ ، وَالْيَقِينُ مَعَهَا .
وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِوَطْئِهِ ، بَطَلَ حُكْمُ عُنَّتِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ، لَمْ تُضْرَبْ لَهُ مُدَّةٌ .
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ضَرْبِ الْمُدَّةِ ، انْقَطَعَتْ .
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ .
وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ مِنْهُ ، ثَبَتَ حُكْمُ عُنَّتِهِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ يُزَوَّجُ امْرَأَةً لَهَا حَظٌّ مِنْ الْجَمَالِ ، وَتُعْطَى صَدَاقَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَيُخَلَّى مَعَهَا ، وَتُسْأَلُ عَنْهُ ، وَيُؤْخَذُ بِمَا تَقُولُ ، فَإِنْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ يَطَأُ ، كَذَبَتْ الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفَسْخِ وَصَدَاقُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
وَإِنْ كَذَّبَتْهُ ، فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ، وَصَدَاقُ الثَّانِيَةِ مِنْ مَالِهِ هَاهُنَا ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى سَمُرَةَ ، فَشَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَيْهَا زَوْجُهَا ، فَكَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ ، فَكَتَبَ إلَيْهِ ، أَنْ زَوِّجْهُ بِامْرَأَةِ ذَاتِ جَمَالٍ يُذْكَرُ عَنْهَا الصَّلَاحُ ، وَسُقْ إلَيْهَا الْمَهْرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَنْهُ ، فَإِنْ أَصَابَهَا فَقَدْ كَذَبَتْ ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فَقَدْ صَدَقَتْ .
فَفَعَلَ ذَلِكَ سَمُرَةُ ، فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ : لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ .
فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يَشْهَدُهُ امْرَأَتَانِ ، وَيُتْرَكُ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ ، وَيُجَامِعُ امْرَأَتَهُ ، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا
نَظَرَتَا إلَى فَرْجِهَا ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ رُطُوبَةُ الْمَاءِ فَقَدْ صَدَقَ ، وَإِلَّا فَلَا .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ ذَلِكَ ، إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ فِي الْإِيلَاءِ ، وَلِمَا قَدَّمْنَا .
وَاعْتِبَارُ خُرُوجِ الْمَاءِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَأُ وَلَا يُنْزِلُ ، وَقَدْ يُنْزِلُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ ، فَإِنَّ ضَعْفَ الذَّكَرِ لَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ الظَّهْرِ وَنُزُولَ الْمَاءِ ، وَقَدْ يَعْجِزُ السَّلِيمُ الْقَادِرُ عَنْ الْوَطْءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ ، أَوْ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ ، يَكُونُ عِنِّينًا ، وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا مُدَّتَهُ سَنَةً ، وَتَزْوِيجُهُ بِامْرَأَةِ ثَانِيَةٍ ، لَا يَصِحُّ لِذَلِكَ أَيْضًا ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ عَنْ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى ، وَلِأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ مُؤَقَّتًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ ، فَهُوَ نِكَاحٌ بَاطِلٌ ، وَالْوَطْءُ فِيهِ حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَازِمًا ، فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالثَّانِيَةِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ بِذَلِكَ تَخْلِيصَ نَفْسِهَا ، فَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فِيهِ ، وَلَيْسَتْ بِأَحَقَّ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا مِنْ الْأُولَى ، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ عَنْ الْوَطْءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ ، لَمْ تَثْبُتْ عُنَّتُهُ بِذَلِكَ ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الَّذِي ذَكَرُوهُ ، أَنْ يَثْبُتَ عَجْزُهُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي اخْتَبَرُوهُ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ عُنَّتِهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَجْزِهِ ، فَلَأَنْ لَا تَثْبُتَ بِدَعْوَى غَيْرِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْلَى .
( 5546 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا قَالَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ : أَنَا رَجُلٌ .
لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحٍ النِّسَاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَبَقَ ، فَقَالَ : أَنَا امْرَأَةٌ .
لَمْ يَنْكِحْ إلَّا رَجُلًا .
الْخُنْثَى : هُوَ الَّذِي لَهُ فِي قُبُلِهِ فَرْجَانِ ؛ ذَكَرُ رَجُلٍ ، وَفَرْجُ امْرَأَةٍ .
وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى } .
وَقَالَ تَعَالَى { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } .
فَلَيْسَ ثَمَّ خَلْقٌ ثَالِثٌ .
وَلَا يَخْلُو الْخُنْثَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا ، أَوْ غَيْرَ مُشْكِلٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا بِأَنْ تَظْهَرَ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ ، فَهُوَ رَجُلٌ لَهُ أَحْكَامُ الرِّجَالِ ، أَوْ تَظْهَرَ فِيهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ ، فَهُوَ امْرَأَةٌ لَهُ أَحْكَامُهُنَّ .
وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا ، فَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَلَا النِّسَاءِ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي نِكَاحِهِ ، فَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَجُلُ ، وَأَنَّهُ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى نِكَاحِ النِّسَاءِ ، فَلَهُ نِكَاحُهُنَّ .
وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ ، يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى الرِّجَالِ ، زُوِّجَ رَجُلًا ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إيجَابُ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا وَعِدَّتِهَا .
وَقَدْ يَعْرِفُ نَفْسَهُ بِمَيْلِ طَبْعِهِ إلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَشَهْوَتِهِ لَهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ فِي الْحَيَوَانَات بِمَيْلِ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى وَمَيْلِهَا إلَيْهِ ، وَهَذَا الْمَيْلُ أَمْرٌ فِي النَّفْسِ وَالشَّهْوَةُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ عَلَامَاتِهِ الظَّاهِرَةِ ، فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ ، فِيمَا يَخْتَصُّ هُوَ بِحُكْمِهِ .
وَأَمَّا الْمِيرَاثُ وَالدِّيَةُ ، فَإِنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُقَلِّلُ مِيرَاثَهُ أَوْ
دِيَتَهُ ، قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ ادَّعَى مَا يَزِيدُ ذَلِكَ ، لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ .
وَمَا كَانَ مِنْ عِبَادَاتِهِ وَسُتْرَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ الْقَاضِي : وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِمَامَةِ ، وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ، وَمَا لَا يُثْبِتُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ .
وَإِذَا زُوِّجَ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ خِلَافَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ الَّذِي زُوِّجَهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ ، وَمُدَّعٍ مَا يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَ تَزْوِيجِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، ثُمَّ قَالَ : أَنَا امْرَأَةٌ ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ ؛ لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْهُ .
وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ : أَنَا رَجُلٌ .
لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى يَبِينَ أَمْرُهُ .
وَذَكَرَهُ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِي .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ مَذْهَبٌ لِلشَّافِعِي ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ مَا يُبِيحُ لَهُ النِّكَاحَ .
فَلَمْ يُبَحْ لَهُ ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهُ بِنِسْوَةٍ ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ : إنِّي رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهِمَا ، فَكَذَلِكَ ، فِي نِكَاحِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ نَفْسَهُ كَمَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ فِي حَقِّهِ ، فَحُرِّمَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ .
( 5547 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ أَوْ أُصِيبَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِزَائِلِ الْعَقْلِ ، رُجِمَا إذَا زَنَيَا ، وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ الْحُرَّانِ فِيمَا وَصَفْت سَوَاءٌ .
ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْبَاب شَرَائِطَ الْإِحْصَانِ .
وَنَحْنُ نُؤَخِّرُهُ إلَى الْحُدُودِ ، فَإِنَّهُ أَخَصُّ بِهِ .
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
كِتَابُ الصَّدَاقِ الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : يَعْنِي عَنْ طِيبِ نَفْسٍ ، بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقِيلَ : النِّحْلَةُ : الْهِبَةُ ، وَالصَّدَاقُ فِي مَعْنَاهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَسْتَمْتِعُ بِصَاحِبِهِ ، وَجَعَلَ الصَّدَاقَ لِلْمَرْأَةِ ، فَكَأَنَّهُ عَطِيَّةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ .
وَقِيلَ : نِحْلَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلنِّسَاءِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } .
وَأَمَّا السُّنَّةُ ؛ فَرَوَى أَنَسٌ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَدْعَ زَعْفَرَانَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْيَمْ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تَزَوَّجْت امْرَأَةً .
فَقَالَ : مَا أَصْدَقْتهَا ؟ .
قَالَ : وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ .
فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَك ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةِ } .
وَعَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتَقَ صَفِيَّةَ ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ .
( 5548 ) فَصْلٌ : وَلِلصَّدَاقِ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ ؛ الصَّدَاقُ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَالْمَهْرُ ، وَالنِّحْلَةُ ، وَالْفَرِيضَةُ ، وَالْأَجْرُ ، وَالْعَلَائِقُ ، وَالْعُقْرُ ، وَالْحِبَاءُ .
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَدُّوا الْعَلَائِقَ .
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْعَلَائِقُ ؟ قَالَ : مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ } .
وَقَالَ عُمَرُ : لَهَا عُقْرُ نِسَائِهَا .
وَقَالَ مُهَلْهَلٌ : أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي جَنْبٍ وَكَانَ الْحِبَاءُ مِنْ أَدَم لَوْ بأبانين جَاءَ يَخْطُبُهَا خَضَّبَ مَا وَجْهُ خَاطِبٍ بِدَمِ يُقَال : أَصْدَقْت الْمَرْأَةَ وَمَهَرْتُهَا .
وَلَا يُقَال : أَمْهَرْتهَا .
( 5549 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَعْرَى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُزَوِّجُ بَنَاتَه وَغَيْرَهُنَّ وَيَتَزَوَّجُ ، فَلَمْ يَكُنْ يُخْلِي ذَلِكَ مِنْ صَدَاقٍ .
وَقَالَ لِلَّذِي زَوَّجَهُ الْمَوْهُوبَةَ : { هَلْ مِنْ شَيْءٍ تَصَدَّقَهَا بِهِ ؟ .
فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا .
قَالَ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ .
فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا ، فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ .
} وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَلِلْخِلَافِ فِيهِ ، وَلَيْسَ ذِكْرُهُ شَرْطًا ؛ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } .
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً ، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا .
( 5550 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً رَشِيدَةً ، أَوْ صَغِيرَةً عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ، فَأَيُّ صَدَاقٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، إذَا كَانَ شَيْئًا لَهُ نِصْفٌ يُحَصَّلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ فُصُول : ( 5551 ) الْفَصْلُ الْأَوَّل : أَنَّ الصَّدَاقَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ، لَا أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ مَالًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا .
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَدَاوُد وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ابْنَتَهُ بِدِرْهَمَيْنِ ، وَقَالَ : لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا لَحَلَّتْ .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ : هُوَ مُقَدَّرُ الْأَقَلِّ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ : أَقَلُّهُ مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ .
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : خَمْسَةُ دَرَاهِمَ .
وَعَنْ النَّخَعِيِّ : أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا .
وَعَنْهُ عِشْرُونَ .
وَعَنْهُ عِشْرُونَ .
وَعَنْهُ رِطْلٌ مِنْ الذَّهَبِ .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : خَمْسُونَ دِرْهَمًا .
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : { لَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ } .
وَلِأَنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِهِ عُضْوٌ ، فَكَانَ مُقَدَّرًا كَاَلَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ .
وَلَنَا ، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي زَوَّجَهُ : { هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصَدَّقَهَا ؟ قَالَ : لَا أَجِدُ .
قَالَ : الْتَمِسْ ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ ، تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَرَضِيَتْ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ .
فَأَجَازَهُ .
} أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : { لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى امْرَأَةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدِهِ طَعَامًا ، كَانَتْ لَهُ حَلَالًا } .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، فِي الْمُسْنَدِ .
وَفِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : { كُنَّا نَنْكِحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبْضَةِ مِنْ الطَّعَامِ } .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ .
وَلِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } .
يَدْخُلُ فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ .
وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَتِهَا ، فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ ، كَالْعَشَرَةِ وَكَالْأُجْرَةِ .
وَحَدِيثُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ ، رَوَاهُ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ .
وَرَوَوْهُ عَنْ جَابِرٍ ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ خِلَافَهُ .
أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَهْرِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا ، أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .
وَقِيَاسُهُمْ لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ اسْتِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْجُمْلَةِ ، وَالْقَطْعُ إتْلَافُ عُضْوٍ دُونَ اسْتِبَاحَتِهِ ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ وَحَدٌّ ، وَهَذَا عِوَضٌ ، فَقِيَاسُهُ عَلَى الْأَعْوَاضِ أَوْلَى .
وَأَمَّا أَكْثَرُ الصَّدَاقِ ، فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } .
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ ، أَنَّ عُمَرَ أَصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفًا .
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : خَرَجْت وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَنْهَى عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَاقِ ، فَذَكَرْت هَذِهِ الْآيَةَ : { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا } .
قَالَ أَبُو صَالِحٍ : الْقِنْطَارُ مِائَةُ رِطْلٍ .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا وَعَنْ مُجَاهِدٍ : سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ .
( 5552 ) فَصْلٌ : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَغْلِيَ الصَّدَاقَ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً ، أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً } .
رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ .
وَعَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَلَا لَا تُغْلُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا ، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ ، كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيُغْلِيَ بِصَدَقَةِ امْرَأَتِهِ ، حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي قَلْبِهِ ، وَحَتَّى يَقُولَ : كُلِّفْت لَكُمْ عِلْقَ الْقِرْبَةِ .
} أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ ، وَأَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا .
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : { سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَدَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : ثَنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشُّ .
فَقُلْت : وَمَا نَشُّ ؟ قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةِ .
} أَخْرَجَاهُ أَيْضًا .
وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ، فَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَثُرَ رُبَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ، فَيَتَعَرَّضُ لِلضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
( 5553 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ مَا جَازَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ ، أَوْ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ ، مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ ، وَالْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ ، وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَمَنَافِعِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا ، جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا .
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ ، بِإِسْنَادِهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْكِحُوا الْأَيَامَى ، وَأَدُّوا الْعَلَائِقَ .
قِيلَ : مَا الْعَلَائِقُ بَيْنَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ ، وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ } .
وَرَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنَافِعُ الْحُرِّ لَا تَكُونُ صَدَاقًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } .
وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ يَجُوزُ الْعِوَضُ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ ، فَجَازَتْ صَدَاقًا ، كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ .
وَقَوْلُهُمْ : لَيْسَتْ مَالًا .
مَمْنُوعٌ ؛ فَإِنَّهَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا وَبِهَا .
ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا ، فَقَدْ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمَالِ فِي هَذَا ، فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ .
وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا ، عَنْ أَحْمَدَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخْدُمَهَا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ؟ قِيلَ لَهُ : فَامْرَأَةٌ يَكُونُ لَهَا ضِيَاعٌ وَأَرْضُونَ ، لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَعْمُرَهَا ؟ ، قَالَ : لَا يَصْلُحُ هَذَا : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ مَعْلُومَةً جَازَ ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً لَا تَنْضَبِطُ فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا .
كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ مَسْأَلَةَ مُهَنَّا عَلَى أَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ .
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ ، عَنْ أَحْمَدَ التَّزْوِيجُ عَلَى بِنَاءِ الدَّارِ ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ ، وَعَمَلِ شَيْءٍ ، جَائِزٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ ، فَجَازَ أَنْ
يَكُونَ صَدَاقًا كَالْأَعْيَانِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَأْتِيَهَا بِعَبْدِهَا الْآبِقِ مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ ، صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَنْهُ .
وَإِنْ أَصْدَقَهَا الْإِتْيَانَ بِهِ أَيْنَ كَانَ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ .
( 5554 ) فَصْلٌ : وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا ، لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَبُو عُبَيْدٍ : يَصِحُّ ، وَلَنَا أَنَّ الْحُمْلَانَ مَجْهُولٌ ، لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى حَدٍّ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا شَيْئًا .
فَعَلَى هَذَا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا : لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ .
( 5555 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَصْدَقَهَا خِيَاطَةَ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ ، فَهَلَكَ الثَّوْبُ ، لَمْ تَفْسُدْ التَّسْمِيَةُ ، وَلَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ تَسْلِيمِ مَا أَصْدَقَهَا بِعَيْنِهِ لَا يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا قَفِيزَ حِنْطَةٍ فَهَلَكَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ خِيَاطَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَى الْعَمَلِ فِيهِ تَلَفٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى عِوَضِ الْعَمَلِ ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ عَبْدِهَا صِنَاعَةً فَمَاتَ قَبْلَ التَّعْلِيمِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ خِيَاطَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الثَّوْبِ لَمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مُقَامَهُ مَنْ يَخِيطُهُ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ خِيَاطَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ خِيَاطَةُ نِصْفِهِ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ نِصْفِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَجْرِ خِيَاطَتِهِ إلَّا أَنْ يَبْذُلَ خِيَاطَةَ أَكْثَرِ مِنْ نِصْفِهِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ خَاطَ النِّصْفَ يَقِينًا ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْد خِيَاطَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ أَجْرِهِ .
( 5556 ) فَصْلٌ : وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ صِنَاعَةٍ أَوْ تَعْلِيمَ عَبْدِهَا صِنَاعَةً صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَجَازَ جَعْلُهَا صَدَاقًا كَخِيَاطَةِ ثَوْبِهَا .
وَإِنْ أَصْدَقِهَا تَعْلِيمَهُ أَوْ تَعْلِيمَهَا شِعْرًا مُبَاحًا مُعَيَّنًا أَوْ فِقْهًا أَوْ لُغَةً أَوْ نَحْوًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجُوزُ أَخَذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهَا جَازَ وَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَجَازَ صَدَاقًا كَمَنَافِعِ الدَّارِ .
( 5557 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَعْلِهِ صَدَاقًا .
فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : أَكْرَهُهُ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ : لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى نَعْلَيْنِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ يَعْنِي رِوَايَتَيْنِ .
قَالَ وَاخْتِيَارِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَاللَّيْثِ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَكْحُولٍ ، وَإِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ طَوِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصَدَّقَهَا ؟ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إزَارُك إنْ أَعْطَيْتهَا جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك فَالْتَمِسْ شَيْئًا قَالَ لَا أَجِدُ .
قَالَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ .
فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُعَيَّنَةٌ مُبَاحَةٌ ، فَجَازَ جَعْلُهَا صَدَاقًا كَتَعْلِيمِ قَصِيدَةٍ مِنْ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ .
وَوَجْهُ الرَّاوِيَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْفُرُوجَ لَا تُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } وَالطَّوْلُ الْمَالُ .
وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا عَلَى سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ لَا تَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَك مَهْرًا } رَوَاهُ النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ .
وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَتَعْلِيمِ الْإِيمَانِ .
وَلِأَنَّ
التَّعْلِيمَ مِنْ الْمُعَلِّمِ ، وَالْمُتَعَلِّمُ مُخْتَلَفٌ ، وَلَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ فَأَشْبَهَ الشَّيْءَ الْمَجْهُولَ .
فَأَمَّا حَدِيثُ الْمَوْهُوبَةِ فَقَدْ قِيلَ : مَعْنَاهُ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَيْ زَوَّجْتُكَهَا لِأَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ كَمَا زَوَّجَ أَبَا طَلْحَةَ عَلَى إسْلَامِهِ فَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ أَتَى أُمَّ سُلَيْمٍ يَخْطُبُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ، فَقَالَتْ : أَتَزَوَّجُ بِك وَأَنْتَ تَعْبُدُ خَشَبَةً نَحَتَهَا عَبْدُ بَنَى فُلَانٍ ؟ إنْ أَسْلَمْت تَزَوَّجْت بِك .
قَالَ فَأَسْلَمَ أَبُو طَلْحَةَ ، فَتَزَوَّجَهَا عَلَى إسْلَامِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ذِكْرُ التَّعْلِيمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا لِذَلِكَ الرَّجُلِ ؛ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ النَّجَّادُ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، فَأَمَّا عَلَى الْأُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُعَلِّمُهَا إيَّاهُ ؛ إمَّا سُورَةً مُعَيَّنَةً أَوْ سُوَرًا أَوْ آيَاتٍ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ السُّوَرَ تَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ ، وَهَلْ تَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ قِرَاءَةٍ مُرَتَّبَةٍ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ وَالْقِرَاءَاتُ تَخْتَلِفُ فَمِنْهَا صَعْبٌ كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ ، وَسَهْلٌ فَأَشْبَهَ تَعْيِينَ الْآيَاتِ .
وَالثَّانِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ وَكُلُّ حَرْفٍ يَنُوبُ مَنَابَ صَاحِبهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَيِّنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ قِرَاءَةً وَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ الْيَوْمَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ وَلِلشَّافِعِي فِي هَذَا وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ .
( 5558 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ لَا يُحْسِنُهَا نَظَرْت ، فَإِنْ قَالَ : أُحَصِّلُ لَك تَعْلِيمَ هَذِهِ السُّورَةِ صَحَّ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا مَنْ لَا يُحْسِنُهَا كَالْخِيَاطَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يُحَصِّلُهَا لَهُ ، وَإِنْ قَالَ : عَلَيَّ أَنْ أُعَلِّمَك فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْخِيَاطَةَ لَيَخِيطَ لَهُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ .
( 5559 ) فَصْلٌ : فَإِنْ جَاءَتْهُ بِغَيْرِهَا ، فَقَالَتْ : عَلِّمْهُ السُّورَةَ الَّتِي تُرِيدُ تَعْلِيمِي إيَّاهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي عَيْنٍ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ إيقَاعُهُ فِي غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَأَتَتْهُ بِغَيْرِهِ ، فَقَالَتْ : خِطْ هَذَا ، وَلِأَنَّ الْمُتَعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعَلُّمِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
وَلِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَعْلِيمِهَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَعْلِيمِ غَيْرِهَا ، وَإِنْ أَتَاهَا بِغَيْرِهِ يُعَلِّمُهَا ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعْلِيمِ ، وَلِأَنَّ لَهَا غَرَضًا فِي التَّعَلُّمِ مِنْهُ ، لِكَوْنِهِ زَوْجَهَا تَحِلُّ لَهُ وَيَحِلُّ لَهَا ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْلِيمُ غَيْرِهَا ، لَمْ يَلْزَمْهَا التَّعَلُّمُ مِنْ غَيْرِهِ ، قِيَاسًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ .
( 5560 ) فَصْلٌ : فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا فَعَلَيْهِ أَجْرُ تَعْلِيمِهَا ، فَإِنْ اخْتَلَفَا ، فَقَالَ : عَلَّمْتُكَهَا فَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعْلِيمِهَا ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا بَعْد أَنْ تَعَلَّمَتْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا ، وَإِنْ عَلَّمَهَا السُّورَةَ ثُمَّ أُنْسِيَتْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى لَهَا بِمَا شَرَطَ ، وَإِنَّمَا تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ لَقَّنَهَا الْجَمِيعَ وَكُلَّمَا لَقَّنَهَا آيَةً أُنْسِيَتْهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ تَعْلِيمًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَعْلِيمًا وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَأَفْضَى إلَى أَنَّهُ مَتَى قَرَأَهَا فَقَرَأَتْهَا بِلِسَانِهَا مِنْ غَيْرِ حِفْظٍ كَانَ تَلْقِينًا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَلْقِينًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَقَّنَهَا الْآيَةَ وَحَفِظَتْهَا ، فَأَمَّا مَا دُونَ الْآيَةِ فَلَيْسَ بِتَلْقِينٍ وَجْهًا وَاحِدًا .
( 5561 ) فَصْلٌ : فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا السُّورَةَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِ تَعْلِيمِهَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَّمَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ : أَحَدُهُمَا ، عَلَيْهِ نِصْفُ أَجْرِ تَعْلِيمِهَا ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً ، فَلَا يُؤْمَنُ فِي تَعْلِيمِهَا الْفِتْنَةُ .
وَالثَّانِي يُبَاحُ لَهُ تَعْلِيمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ سَمَاعُ كَلَامِهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَفِي تَعْلِيمِهَا السُّورَةَ الْوَجْهَانِ .
وَإِنْ أَصْدَقَهَا رَدَّ عَبْدِهَا مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الرَّدِّ ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ أَجْرِ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ نِصْفُ الرَّدِّ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الرَّدِّ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ أَجْرِهِ .
( 5562 ) فَصْلٌ : وَلَوْ أَصْدَقَ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَصِحُّ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } وَلَنَا أَنَّ الْجُنُبَ يُمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَعَ إيمَانِهِ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَقٌّ فَالْكَافِرُ أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ ، مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ } فَالتَّحَفُّظُ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ ، فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا ؛ فَإِنَّ السَّمَاعَ غَيْرُ الْحِفْظِ وَإِنْ أَصْدَقَهَا أَوْ أَصْدَقَ الْمُسْلِمَةَ تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَمْ يَصِحّ فِي الْمَذْهَبَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَدِّلٌ مُغَيِّرٌ .
وَلَوْ أَصْدَقَ الْكِتَابِيُّ الْكِتَابِيَّةَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا مُحَرَّمًا .
( 5563 ) الْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الصَّدَاقَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ، وَرَضُوا بِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ } ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، فَيُعْتَبَرُ رِضَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ .
فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ الْأَبَ فَمَهْمَا اتَّفَقَ هُوَ وَالزَّوْجُ عَلَيْهِ ، جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِيمَا مَضَى ، وَلِذَلِكَ زَوَّجَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْنَتَهُ وَجَعَلَا الصَّدَاقَ إجَارَةَ ثَمَانِي حِجَجٍ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الزَّوْجَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ الْأَبِ اُعْتُبِرَ رِضَى الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ ، لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَهَا وَهُوَ عِوَضُ مَنْفَعَتِهَا فَأَشْبَهَ أَجْرَ دَارِهَا وَصَدَاقَ أَمَتِهَا .
فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا الْوَلِيُّ فِي الصَّدَاقِ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ إنْ جُعِلَ الصَّدَاقُ مَهْرَ الْمِثْلِ فَمَا زَادَ صَحَّ وَلَزِمَ ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ .
( 5564 ) الْفَصْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ يُتَمَوَّلُ عَادَةً ، بِحَيْثُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَقِيَ لَهَا مِنْ النِّصْفِ مَالٌ حَلَالٌ .
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ : لَهُ نِصْفٌ يُحَصَّلُ ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ ، كَالْمُحَرَّمِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ، وَمَا لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ ، وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَقِشْرَةِ جَوْزَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ فِيهِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَالْمَبِيعِ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ مِمَّا يُتَمَوَّلُ عَادَةً وَيُبْذَلُ الْعِوَضُ فِي مِثْلِهِ عُرْفًا ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَعْرِضُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَا يَبْقَى لِلْمَرْأَةِ إلَّا نِصْفُهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى لَهَا مَالٌ تَنْتَفِعُ بِهِ .
وَيُعْتَبَرُ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، لَا نِصْفُ عَيْنِ الصَّدَاقِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا جَازَ ، وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَتُهُ .
مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ ، فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّتْهُ ، فَلَهَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا فَلَهَا رَدُّهُ كَالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إذَا كَانَ الْعَيْبُ كَثِيرًا ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا ، فَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ .
وَلَنَا أَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ ، فَرُدَّ بِهِ الصَّدَاقُ ، كَالْكَثِيرِ ، وَإِذَا رَدَّتْهُ ، فَلَهَا قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ ، فَيَبْقَى سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، كَمَا لَوْ غَصَبَهَا إيَّاهُ فَأَتْلَفَهُ ، وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ مِثْلِيًّا ، كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ، فَرَدَّتْهُ ، فَلَهَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَإِنْ اخْتَارَتْ إمْسَاكَ الْمَعِيبِ ، وَأَخْذَ أَرْشِهِ فَلَهَا ذَلِكَ ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ .
وَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَهَا ، ثُمَّ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا خُيِّرَتْ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ ، وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ أَرْشِ عَيْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَيَثْبُتُ فِيهِ ذَلِكَ ، كَالْبَيْعِ ، وَسَائِرِ فُرُوعِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، فَيَثْبُتُ فِيهَا هَا هُنَا مِثْلُ مَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
( 5566 ) فَصْلٌ : وَإِنْ شَرَطَتْ فِي الصَّدَاقِ صِفَةً مَقْصُودَةً ، كَالْكِتَابَةِ وَالصِّنَاعَةِ ، فَبَانَ بِخِلَافِهَا ، فَلَهَا الرَّدُّ ، كَمَا تُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ وَهَكَذَا إنْ دَلَّسَهُ تَدْلِيسًا يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ ، مِثْلُ تَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ ، وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ ، وَتَضْمِيرِ الْمَاءِ عَلَى الْحَجَرِ ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، فَلَهَا الرَّدُّ بِهِ ، وَإِنْ وَجَدَتْ الشَّاةَ مُصَرَّاةً فَلَهَا رَدُّهَا وَرَدُّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ، وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا ، عَنْ أَحْمَدَ ، فِي مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ ذِرَاعٍ فَإِذَا هِيَ تِسْعُمِائَةٍ : هِيَ بِالْخِيَارِ ، إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الدَّارَ ، وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَةَ أَلْفِ ذِرَاعٍ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ .
وَهَذَا فِيمَا إذَا أَصْدَقَهَا دَارًا بِعَيْنِهَا عَلَى أَنَّهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ ، فَخَرَجَتْ تِسْعَمِائَةٍ ، فَهَذَا كَالْعَيْبِ فِي ثُبُوتِ الرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا مَقْصُودًا ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ الْعَبْدَ كَاتِبًا ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ .
وَجَوَّزَ أَحْمَدُ الْإِمْسَاكَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ رَضِيَتْ بِهَا نَاقِصَةً ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا مَعَ الْإِمْسَاكِ أَرْشًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ نَقْصِهَا ، أَوْ رَدَّهَا وَأَخْذَ قِيمَتِهَا .
( 5567 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَخَرَجَ حُرًّا ، أَوْ اُسْتُحِقَّ ، سَوَاءٌ سَلَّمَهُ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ، تَظُنُّهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا فَخَرَجَ حُرًّا ، أَوْ مَغْصُوبًا ، فَلَهَا قِيمَتُهُ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَدِيمِ قَوْلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْمَغْصُوبِ كَقَوْلِنَا ، وَفِي الْحُرِّ كَقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْحُرِّ بِإِشَارَتِهِ إلَيْهِ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَاهُ حُرًّا .
وَلَنَا ، أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى التَّسْمِيَةِ ، فَكَانَ لَهَا قِيمَتُهُ ، كَالْمَغْصُوبِ ، وَلِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِقِيمَتِهِ ، إذْ ظَنَّتْهُ مَمْلُوكًا ، فَكَانَ لَهَا قِيمَتُهُ ، كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَعِيبًا فَرَدَّتْهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : أَصْدَقْتُك هَذَا الْحُرَّ ، أَوْ هَذَا الْمَغْصُوبَ .
فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِلَا شَيْءٍ ، لِرِضَاهَا بِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، أَوْ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهِ إيَّاهَا ، فَكَانَ وُجُودُ التَّسْمِيَةِ كَعَدَمِهَا ، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ : " سَوَاءٌ سَلَّمَهُ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ " يَعْنِي أَنْ تَسْلِيمَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا ، لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ ، وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
( 5568 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَصْدَقَهَا مِثْلِيًّا ، فَبَانَ مَغْصُوبًا فَلَهَا مِثْلُهُ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ فِي الْإِتْلَافِ وَإِنْ أَصْدَقَهَا جَرَّةَ خَلٍّ ، فَخَرَجَتْ خَمْرًا أَوْ مَغْصُوبَةً ، فَلَهَا مِثْلُ ذَلِكَ خَلًّا لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ الْقَاضِي : : لَهَا قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ .
وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ خَلًّا ، فَرَضِيَتْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ ، فَكَانَ لَهَا بَدَلُ الْمُسَمَّى كَالْحُرِّ ، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَبَانَ حُرًّا ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ أَوْجَبَ قِيمَةَ الْخَمْرِ ، فَالْخَمْرُ لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَإِنْ أَوْجَبَ قِيمَةَ الْخَلِّ ، فَقَدْ اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ فِي إيجَابِ قِيمَتِهِ ، فَفِي إيجَابِ مِثْلِهِ أَوْلَى .
( 5569 ) فَصْلٌ : وَإِنْ قَالَ : أَصْدَقْتُك هَذَا الْخَمْرَ - وَأَشَارَ إلَى الْخَلِّ - أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا - وَأَشَارَ إلَى عَبْدِهِ - صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ ، وَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْأُسُودَ .
وَأَشَارَ إلَى أَبْيَضَ .
أَوْ هَذَا الطَّوِيلَ .
وَأَشَارَ إلَى قَصِيرٍ .
( 5570 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدَيْنِ ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا ، صَحَّ الصَّدَاقُ فِيمَا تَمَلَّكَهُ وَلَهَا قِيمَةُ الْآخَرِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَاحِدًا ، فَخَرَجَ نِصْفُهُ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ ، وَبَيْنَ إمْسَاكِ نِصْفِهِ وَأَخْذِ قِيمَةِ بَاقِيهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ ، فَكَانَ لَهَا الْفَسْخُ ، كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَعِيبًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَا تَقُولُونَ بِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فِي الْجَمِيعِ ، وَتَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ كُلِّهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ، كَمَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ؟ قُلْنَا : إنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ ، إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ ، وَهَا هُنَا الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ ، وَلَا عَيْبَ فِيهِ وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ ، فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ .
أَمَّا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ ، فَإِنَّهُ إذَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ ، صِرْنَا إلَى الثَّمَنِ ، وَلَيْسَ هُوَ بَدَلًا عَنْ الْمَبِيعِ ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ ، فَرَجَعَ فِي رَأْسِ مَالِهِ ، وَهَا هُنَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا رَجَعَ إلَى قِيمَةِ الْحُرِّ مِنْهُمَا ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ .
وَالْعَبْدُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ قِيمَتِهِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا ، فَفِيهِ عَيْبٌ ، فَجَازَ رَدُّهُ بِعَيْبِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدَيْنِ ، فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ ، فَلَهَا الْعَبْدُ وَحْدَهُ صَدَاقًا ، وَلَا شَيْءَ لَهَا سِوَاهُ .
وَلَنَا أَنَّهُ أَصْدَقَهَا حُرًّا ، فَلَمْ تَسْقُطْ تَسْمِيَتُهُ إلَى غَيْرِ شَيْءٍ ، كَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا .
آخِرُ الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنْ رُبْعِ النِّكَاحِ مِنْ أَجْزَاءِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ
( 5571 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ ، فَلَمْ يُبَعْ ، أَوْ طُلِبَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَلَهَا قِيمَتُهُ .
نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ عِوَضًا ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَالْبَيْعِ .
وَلَنَا أَنَّهُ أَصْدَقَهَا تَحْصِيلَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ ، فَصَحَّ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى رَدِّ عَبْدِهَا الْآبِقِ مِنْ مَكَان مَعْلُومٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ جَعَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ عِوَضًا ، وَإِنَّمَا الْعِوَضُ تَحْصِيلُهُ وَتَمْلِيكُهَا إيَّاهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ وَدَفْعُهُ إلَيْهَا ، وَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ صَدَاقِهَا إلَيْهَا ، فَلَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا يَمْلِكُهُ .
وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَيْهِ ؛ لِتَلَفِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، أَوْ طُلِبَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ، فَلَهَا قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى قَبْضِ الْمُسَمَّى الْمُتَقَوِّمِ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ ، كَمَا لَوْ تَلِفَ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَعَلَ لَهَا مِثْلِيًّا ، فَتَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ ، وَجَبَ لَهَا مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَيْهِ .
( 5572 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ ؛ صَحَّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ .
فَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَقَالَ الْقَاضِي : يَلْزَمُهَا قَبُولُهَا ، قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ .
وَلَنَا أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا أَخْذُ قِيمَتِهِ ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَلِأَنَّهُ عَبْدٌ وَجَبَ صَدَاقًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعِيبًا ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَا يَلْزَمُ أَخْذُ قِيمَةِ الْإِبِلِ ، وَإِنَّمَا الْأَثْمَانُ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ ، كَمَا أَنَّ الْإِبِلَ أَصْلٌ ، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ أَيِّ الْأُصُولِ شَاءَ ، فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ قَبُولُهُ لَهَا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ ، فَلَا يُنَاقِضُ بِهَا ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قِيَاسُ الْعِوَضِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْوَاضِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى غَيْرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، ثُمَّ يَنْتَقِضُ بِالْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ .
( 5573 ) فَصْلٌ : وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا صَحَّ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَإِنْ طُلِبَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَلَهَا قِيمَتُهُ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ .
وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ .
فَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ مَعَ إمْكَانِ شِرَائِهِ ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهَا الْعِوَضَ فِي عِتْقِ أَبِيهَا .
( 5574 ) فَصْلٌ : وَلَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ إلَّا مَعْلُومًا يَصِحُّ بِمِثْلِهِ الْبَيْعُ .
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يَصِحُّ مَجْهُولًا ، مَا لَمْ تَزِدْ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَادِمٍ ، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا : يُقَوَّمُ الْخَادِمُ وَسَطًا عَلَى قَدْرِ مَا يَخْدُمُ مِثْلَهَا .
وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ ، أَوْ أَمَةٍ ، أَوْ فَرَسٍ ، أَوْ بَغْلٍ ، أَوْ حَيَوَانٍ مِنْ جِنْسٍ مَعْلُومٍ ، أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُذْكَرُ جِنْسُهُ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَلَهَا الْوَسَطُ .
وَكَذَلِكَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ ، وَعَشَرَةُ أَرْطَالِ زَيْتٍ .
وَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، كَثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ ، أَوْ عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَيْتٍ ، أَوْ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ فِي الْعَامِ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْوَسَطِ ، فَيَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ .
وَفِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ .
} وَهَذَا قَدْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ فِيهِ الْمَالَ ، فَثَبَتَ مُطْلَقًا كَالدِّيَةِ ، وَلِأَنَّ جَهَالَةَ التَّسْمِيَةِ هَا هُنَا أَقَلُّ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِنِسَائِهَا مِمَّنْ يُسَاوِيهَا فِي صِفَاتِهَا وَبَلَدِهَا وَزَمَانِهَا وَنَسَبِهَا ، ثُمَّ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ ، فَهَاهُنَا مَعَ قِلَّةِ الْجَهْلِ فِيهِ أَوْلَى وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ فِيهِ الْجَهَالَةَ بِحَالٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ مَجْهُولًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إنْ
تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ، أَوْ قَمِيصٍ مِنْ قُمْصَانِهِ ، أَوْ عِمَامَةٍ مِنْ عَمَائِمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ ، لِأَنَّ ؛ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا ، فِي مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ : جَائِزٌ ، فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةَ عَبِيدٍ ، تُعْطَى مِنْ أَوْسَطِهِمْ ، فَإِنْ تَشَاحَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ .
قُلْت : وَتَسْتَقِيمُ الْقُرْعَةُ فِي هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ هَا هُنَا يَسِيرَةٌ ، وَيُمْكِنُ التَّعْيِينُ بِالْقُرْعَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ تَكْثُرُ ، فَلَا يَصِحُّ .
وَلَنَا أَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ مَجْهُولًا ، كَعِوَضِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَلِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ ، وَكَمَا لَوْ زَادَتْ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَأَمَّا الْخَبَرُ ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِمَّا يَصْلُحُ عِوَضًا ، بِدَلِيلِ سَائِرِ مَا لَا يَصْلُحُ ، وَأَمَّا الدِّيَةُ ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ ، لَا بِالْعَقْدِ ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فِي تَقْدِيرِهَا ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ أَصْلًا ، ثُمَّ إنَّ الْحَيَوَانَ الثَّابِتَ فِيهَا مَوْصُوفٌ بِسِنِّهِ ، مُقَدَّرٌ بِقِيمَتِهِ ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ فِي الْأَمْرَيْنِ ؟ ثُمَّ لَيْسَتْ عَقْدًا ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ بَدَلُ مُتْلَفٍ ، لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّرَاضِي ، فَهُوَ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ ، فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهَا عِوَضٌ فِي عَقْدٍ يُعْتَبَرُ تَرَاضِيهِمَا بِهِ ؟ ثُمَّ إنَّ قِيَاسَ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةٍ أُخْرَى ، أَصَحُّ وَأَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَدَلِ مُتْلَفٍ ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ الصَّحِيحَةِ ، كَمَا تَجِبُ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ ، وَلَا نَصِيرُ إلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ ، وَلَوْ
بَاعَ ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُطْلَقٍ فَأَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنَّا نَصِيرُ إلَى تَقْوِيمِهِ ، وَلَا نُوجِبُ الْعَبْدَ الْمُطْلَقَ ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُطْلَقِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي الْقَبَائِلِ وَالْقُرَى أَنْ يَكُونَ لِنِسَائِهِمْ مَهْرٌ لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ إلَّا بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ فَحَسْبُ ، فَيَكُونُ إذًا مَعْلُومًا ، وَالْوَسَطُ مِنْ الْجِنْسِ يَبْعُدُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ، لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ وَاخْتِلَافِهَا ، وَاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ .
وَأَمَّا تَخْصِيصُ التَّصْحِيحِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ، فَلَا نَظِيرَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا يُصَارُ إلَيْهِ ، فَكَيْف يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالتَّحَكُّمِ ؟ وَأَمَّا نُصُوصُ أَحْمَدَ عَلَى الصِّحَّةِ فَتَأَوَّلَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٍ ، ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَيْهِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ ، وَمَنْ قَالَ بِصِحَّتِهَا ، أَوْجَبَ الْوَسَطَ مِنْ الْمُسَمَّى ، وَالْوَسَطُ مِنْ الْعَبِيدِ السِّنْدِيُّ ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى التُّرْكِيُّ وَالرُّومِيُّ ، وَالْأَسْفَلَ الزِّنْجِيُّ وَالْحَبَشِيُّ ، وَالْوَسَطَ السِّنْدِيُّ وَالْمَنْصُورِيُّ .
قَالَ الْقَاضِي : وَإِنْ أَعْطَاهَا قِيمَةَ الْعَبْدِ ، لَزِمَهَا قَبُولُهَا ، إلْحَاقًا بِالْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ .
( 5575 ) فَصْلٌ : وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مُعَجَّلًا ، وَمُؤَجَّلًا ، وَبَعْضُهُ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةٍ ، فَجَازَ ذَلِكَ فِيهِ كَالثَّمَنِ .
ثُمَّ إنْ أُطْلِقَ ذِكْرُهُ اقْتَضَى الْحُلُولَ ، كَمَا لَوْ أُطْلِقَ ذِكْرُ الثَّمَنِ .
وَإِنْ شَرَطَهُ مُؤَجَّلًا إلَى وَقْتٍ ، فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ .
وَإِنْ أَجَّلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلَهُ ، فَقَالَ الْقَاضِي : الْمَهْرُ صَحِيحٌ .
وَمَحَلُّهُ الْفُرْقَةُ ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ : إذَا تَزَوَّجَ عَلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ ، لَا يَحِلُّ الْآجِلُ إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ .
وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ ، وَقَالَ الْحَسَنُ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ : يَبْطُلُ الْأَجَلُ ، وَيَكُونُ حَالًّا ، وَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَقَتَادَةُ : لَا يَحِلُّ حَتَّى يُطَلِّقَ ، أَوْ يَخْرُجَ مِنْ مِصْرِهَا ، أَوْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا .
وَعَنْ مَكْحُولٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَالْعَنْبَرِيِّ : يَحِلُّ إلَى سَنَةٍ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ الْمَهْرَ فَاسِدٌ ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَجْهُولُ الْمَحَلِّ ، فَفَسَدَ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ .
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْعَادَةُ فِي الصَّدَاقِ الْآجِلِ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إلَى حِينَ الْفُرْقَةِ ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَعْلُومًا بِذَلِكَ .
فَأَمَّا إنْ جَعَلَ لِلْآجِلِ مُدَّةً مَجْهُولَةً ، كَقُدُومِ زَيْدٍ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ ، وَنَحْوِهِ ، لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْمُطْلَقُ لِأَنَّ أَجَلَهُ الْفُرْقَةُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَهَا هُنَا صَرَفَهُ عَنْ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَبَقِيَ مَجْهُولًا ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَبْطُلَ التَّسْمِيَةُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ التَّأْجِيلُ وَيَحِلُّ .
( 5576 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مُحَرَّمٍ ، وَهُمَا مُسْلِمَانِ ، ثَبَتَ النِّكَاحُ ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ .
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ : ( 5577 ) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا سَمَّى فِي النِّكَاحِ صَدَاقًا مُحَرَّمًا ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ ، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ ؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ .
وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، قَالَ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ : إذَا تَزَوَّجَ عَلَى مَالٍ غَيْرِ طَيِّبٍ ، فَكَرِهَهُ .
فَقُلْت : تَرَى اسْتِقْبَالَ النِّكَاحِ ؟ فَأَعْجَبَهُ .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، ثَبَتَ النِّكَاحُ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ ، فُسِخَ ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَفْسَدَهُ بِأَنَّهُ نِكَاحٌ جُعِلَ الصَّدَاقُ فِيهِ مُحَرَّمًا ، فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الشِّغَارِ .
وَلَنَا أَنَّهُ نِكَاحٌ لَوْ كَانَ عِوَضُهُ صَحِيحًا كَانَ صَحِيحًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ عِوَضُهُ فَاسِدًا ، كَمَا لَوْ كَانَ مَغْصُوبًا أَوْ مَجْهُولًا ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَفْسُدُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ ، فَلَا يَفْسُدُ بِتَحْرِيمِهِ كَالْخُلْعِ ، وَلِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ لَا يَزِيدُ عَلَى عَدَمِهِ ، وَلَوْ عَدِمَ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا ، فَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ ، مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ؛ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْمَرُّوذِيِّ فِي الْمَالِ الَّذِي لَيْسَ بِطَيِّبِ ، وَذَلِكَ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِتَسْمِيَتِهِ فِيهِ اتِّفَاقًا .
وَمَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ مَا كَانَ فَاسِدًا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَهُوَ بَعْدَهُ فَاسِدٌ ، كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، فَأَمَّا إذَا فَسَدَ الصَّدَاقُ لِجَهَالَتِهِ أَوْ عَدَمِهِ ، أَوْ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ ، فَإِنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ .
لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، وَقَوْلُ
الْخِرَقِيِّ : " وَهُمَا مُسْلِمَانِ " .
احْتِرَازٌ مِنْ الْكَافِرِينَ إذَا عُقِدَ النِّكَاحُ بِمُحَرَّمٍ ، فَإِنَّ هَذِهِ قَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهَا .
( 5578 ) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ فَسَادَ الْعِوَضِ يَقْتَضِي رَدَّ الْمُعَوَّضِ وَقَدْ تَعَذُّرَ رَدُّهُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ ، فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فَاسِدٍ ، فَقَبَضَ الْمَبِيعَ ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ .
فَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَقَرَّ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، فَكَذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمَوْتَ يَقُومُ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ وَتَقْرِيرِهِ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَا يَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَهُ لَهَا .
وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَهَا الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا كَانَ لَهَا الْمُتْعَةُ ، فَكَذَلِكَ إذَا سَمَّى لَهَا تَسْمِيَةً فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ كَعَدَمِهَا .
وَذَكَرَ الْقَاضِي ، فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا ، وَبَيْنَ مَنْ سَمَّى لَهَا مُحَرَّمًا كَالْخَمْرِ ، أَوْ مَجْهُولًا كَالثَّوْبِ وَفِي الْجَمِيعِ رِوَايَتَانِ ؛ إحْدَاهُمَا ، لَهَا الْمُتْعَةُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْعَقْدِ يُوجِبُ رَفْعَ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ ، لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِي نِصْفِ الْمُسَمَّى لَتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ ، فَكَانَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ أَوْلَى فَفِي مَهْرِ الْمِثْلِ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِي أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ .
وَالثَّانِيَةُ ، أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ
قَدْ أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَيَتَنَصَّفُ بِهِ كَالْمُسَمَّى .
وَالْخِرَقِيُّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، فَأَوْجَبَ فِي التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَفِي الْمُفَوِّضَةِ الْمُتْعَةَ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمُفَوِّضَةَ رَضِيَتْ بِلَا عِوَضٍ ، وَعَادَ إلَيْهَا بُضْعُهَا سَلِيمًا ، وَإِيجَابُ نِصْفِ الْمَهْرِ لَهَا لَا وَجْهَ لَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ ، فَفِي إيجَابِ نِصْفِ الْمَهْرِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا أَوْ إسْقَاطٌ لِلْمُتْعَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا ، وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ .
وَأَمَّا الَّتِي اشْتَرَطَتْ لِنَفْسِهَا مَهْرًا ، فَلَمْ تَرْضَ إلَّا بِعِوَضٍ ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْعِوَضُ الَّذِي اشْتَرَطَتْهُ ، فَوَجَبَ لَهَا بَدَلُ مَا فَاتَ عَلَيْهَا مِنْ الْعِوَضِ ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا خُولِفَ هَذَا فِي الْمُفَوِّضَةِ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا ، فَفِيمَا عَدَاهَا يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ .
( 5579 ) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ إذَا سَمَّى لَهَا تَسْمِيَةً فَاسِدَةً ، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَزُفَرُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَصَاحِبَاهُ : يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِأَقَلِّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ، لَمْ يُقَوَّمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ .
وَلَنَا أَنَّ مَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، كَالْمَبِيعِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ ، فَإِنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَجِبْ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا وَجَبَ لَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
قِيلَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَقَلُّ الْمَهْرِ ، وَلَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ .
( 5580 ) مَسْأَلَةٌ قَالَ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا ، وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفَيْنِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ أَخَذَهُ .
وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِ ابْنَتِهِ لِنَفْسِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ ، أَنَّهُ لَمَّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ ، اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ عَشَرَةَ آلَافٍ ، فَجَعَلَهَا فِي الْحَجِّ وَالْمَسَاكِينِ ، ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ : جَهِّزْ امْرَأَتَك .
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَقَالَ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ : يَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا فَعَلَ ذَلِكَ ، فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ ، لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَدَاقِهَا لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ إلَّا لِلزَّوْجَةِ ، لِأَنَّهُ عِوَضُ بُضْعِهَا ، فَيَبْقَى مَجْهُولًا ، لِأَنَّنَا نَحْتَاجُ أَنَّ نَضُمَّ إلَى الْمَهْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ، فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } فَجَعَلَ الصَّدَاقَ الْإِجَارَةَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمِهِ ، وَهُوَ شَرْطٌ لِنَفْسِهِ ، وَلِأَنَّ لِلْوَالِدِ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَنَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، فَإِذَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ ، يَكُونُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ ، وَلَهُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ .
مَمْنُوعٌ ، قَالَ الْقَاضِي : وَلَوْ شَرَطَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ لِنَفْسِهِ ، صَحَّ ؛ بِدَلِيلِ قِصَّةِ
شُعَيْبٍ ، فَإِنَّهُ شَرَطَ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ .
وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا ، وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا ، فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ، رَجَعَ الزَّوْجُ فِي الْأَلْفِ الَّذِي قَبَضَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ نِصْفَ الصَّدَاقِ ، وَالْأَلْفَانِ جَمِيعُ صَدَاقِهَا ، فَرَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِمَا ، وَهُوَ أَلْفٌ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ أَلْفًا ، فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِهِ ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ قَدْ قَبَّضَهَا الْأَلْفَيْنِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا ، سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ أَلْفٌ ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَلْفٌ لِلزَّوْجَةِ يَأْخُذُ الْأَبُ مِنْهَا مَا شَاءَ .
وَقَالَ الْقَاضِي : : يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَقَالَ : نَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ ، لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النِّصْفَ وَلَمْ يُحَصَّلْ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا النِّصْفُ ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ ، فَإِنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَاءَ ، وَيَتْرُكَ مَا شَاءَ ، وَإِذَا مَلَكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ .
( 5581 ) فَصْلٌ : فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ، كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى لَهَا .
ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي ، فِي " الْمُجَرَّدِ " ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا بَطَلَ احْتَجْنَا أَنَّ نَرُدَّ إلَى الصَّدَاقِ مَا نَقَصَتْ الزَّوْجَةُ لِأَجْلِهِ ، وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ ، فَيَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ .
وَإِنْ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ ، عَلَى أَنْ تُعْطِيَ أَخَاهَا أَلْفًا ، فَالصَّدَاقُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُزَادُ فِي الْمَهْرِ مِنْ أَجَلِهِ ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَلَنَا ، أَنَّ جَمِيعَ مَا اشْتَرَطَتْهُ عِوَضٌ فِي تَزْوِيجِهَا ، فَيَكُونُ صَدَاقًا لَهَا ، كَمَا
لَوْ جَعَلَهُ لَهَا ، وَإِذَا كَانَ صَدَاقًا انْتَفَتْ الْجَهَالَةُ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُشْتَرِطُ ، لَكَانَ الْجَمِيعُ صَدَاقًا ، وَإِنَّمَا هُوَ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مُجْحِفًا بِمَالِ ابْنَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُجْحِفًا بِمَالِهَا ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ، وَكَانَ الْجَمِيعُ لَهَا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَهُ سَائِرُ أَوْلِيَائِهَا .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ .
( 5582 ) فَصْلٌ : فَإِنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إلَيْهِ ، رَجَعَ فِي نِصْفِ مَا أَعْطَى الْأَبَ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَرَضَهُ لَهَا ، فَنَرْجِعُ فِي نِصْفِهِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ نِصْفِهِ ، وَيَكُونَ مَا أَخَذَهُ الْأَبُ لَهُ ، لِأَنَّنَا قَدَّرْنَا أَنَّ الْجَمِيعَ صَارَ لَهَا ، ثُمَّ أَخَذَهُ الْأَبُ مِنْهَا ، فَتَصِيرُ كَأَنَّهَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهَا .
وَهَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا لَهَا وَأَلْفًا لِأَبِيهَا ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَهَلْ يَرْجِعُ فِي الْأَلْفِ الَّذِي قَبَضَهُ الْأَبُ ، أَوْ عَلَيْهَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
( 5583 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا صَغِيرًا فَكَبِرَ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَإِنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ إلَيْهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، أَوْ تَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَهُ زَائِدًا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَصْلُحُ صَغِيرًا لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ كَبِيرًا ، فَيَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَخْذَ مَا بَذَلَتْهُ لَهُ مِنْ نِصْفِهِ .
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحْكَامٌ ؛ مِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ .
وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهُ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْآثَارُ ، وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ الْيَوْمَ فَعَلَى أَنَّهَا تَمْلِكُهُ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ أَعْطَيْتهَا إزَارَك ، جَلَسْت وَلَا إزَارَ لَك } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ لِلْمَرْأَةِ ، لَا يَبْقَى لِلرَّجُلِ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ تَمْلِكُ بِهِ الْعِوَضَ بِالْعَقْدِ ، فَمُلِكَ فِيهِ الْعِوَضُ كَامِلًا كَالْبَيْعِ وَسُقُوطُ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ ، لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ جَمِيعِهِ بِالْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ ، سَقَطَ جَمِيعُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ مَلَكَتْ نِصْفَهُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ نَمَاءَهُ وَزِيَادَتَهُ لَهَا ، سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ ، مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا ، وَإِنْ كَانَ مَالًا زَكَاتِيًّا فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ، فَزَكَاتُهُ عَلَيْهَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ أَوْ تَلِفَ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا وَلَوْ زَكَّتْهُ ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ، كَانَ ضَمَانُ الزَّكَاةِ كُلِّهَا عَلَيْهَا .
وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ ، إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا ، فَإِنْ مَنَعَهَا مِنْهُ ، وَلَمْ يُمَكِّنْهَا مِنْ قَبْضِهِ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ
الْغَاصِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، فَهَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِهَا ، أَوْ مِنْ ضَمَانِهِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، بِنَاءً عَلَى الْمَبِيعِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي بَابِهِ .
الْحُكْمُ الثَّانِي ، أَنَّ الصَّدَاقَ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ حُكْمًا ، كَالْمِيرَاثِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ ، فَمَا يَحْدُثُ مِنْ النَّمَاءِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا آخَرَ ، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَخْتَارَهُ ، كَالشَّفِيعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ ، كَالْوَجْهَيْنِ .
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } .
أَيْ لَكُمْ أَوْ لَهُنَّ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ النِّصْفَ لَهَا وَالنِّصْفَ لَهُ ، بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَقِفْ الْمِلْكُ عَلَى إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، كَالْإِرْثِ ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنَقْلِ الْمِلْكِ ، فَنُقِلَ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِهِ ، كَالْبَيْعِ وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ .
وَلَا تَلْزَم الشُّفْعَةُ ؛ فَإِنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِيهَا الْأَخْذُ بِهَا ، وَمَتَى أَخَذَ بِهَا ثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، وَقَبْلَ الْأَخْذِ مَا وُجِدَ السَّبَبُ .
وَإِنَّمَا اُسْتُحِقَّ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ ، وَمُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ ، كَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُفَوَّضٌ إلَى اخْتِيَارِهِ فَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ نَظِيرُ الطَّلَاقِ ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ نَظِيرُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُطَلِّقِ ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ حُكْمٌ لَهَا ، وَثُبُوتُ أَحْكَامِ الْأَسْبَابِ بَعْدَ مُبَاشَرَتِهَا لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِ أَحَدٍ ، وَلَا إرَادَتِهِ .
فَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَهَا بِهِ فَمَنَعَتْهُ ، فَعَلَيْهَا الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ مُطَالَبَتِهِ ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ
حَصَلَ فِي يَدهَا بِغَيْرِ فِعْلِهَا ، وَلَا عُدْوَانَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ تَضْمَنْهُ ، كَالْوَدِيعَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُطَالَبَتِهِ لَهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ .
وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ التَّلَفَ أَوْ النَّقْصَ كَانَ قَبْلَ الطَّلَاقِ .
وَقَالَتْ : بَعْدَهُ .
فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُهُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الضَّمَانَ لِمَا تَلِفَ أَوْ نَقَصَ فِي يَدِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهَا بِحُكْمِ قَطْعِ الْعَقْدِ ، فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ إذَا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ .
وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَأَمَّا الْمَبِيعُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْنَعَ وَإِنْ سَلَّمْنَا فَإِنَّ الْفَسْخَ إنْ كَانَ مِنْهُمَا ، أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ التَّسَبُّبُ إلَى جَعْلِ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي يَدِهِ ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ مِنْ الْمَرْأَةِ فِعْلٌ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي دَارِهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا .
( 5584 ) فَصْلٌ : وَلَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا ، فَلَهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي نِصْفُ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى فِيهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَهَا جَمِيعُهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَطْءِ مَوْجُودٌ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَصَّفَ بِهِ الْمَهْرُ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، فَإِنْ لُحُوقَ النَّسَبِ لَا يَقِفُ عَلَى الْوَطْءِ عِنْدَهُ ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ .
فَأَمَّا إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَيْضًا ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ ، وَنِصْفُ الصَّدَاقِ الثَّانِي .
بِغَيْرِ خِلَافٍ .
الْحُكْمِ الثَّالِثِ ، أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا زَادَ بَعْدَ الْعَقْدِ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ ، كَعَبْدٍ يَكْبَرُ أَوْ يَتَعَلَّمُ صِنَاعَةً أَوْ يَسْمَنُ ، أَوْ مُتَمَيِّزَةً ، كَالْوَلَدِ وَالْكَسْبِ وَالثَّمَرَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً أَخَذَتْ الزِّيَادَةَ ، وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ ، فَالْخِيرَةُ إلَيْهَا ، إنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ إلَيْهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا لَا يَلْزَمُهَا بَذْلُهَا وَلَا يُمْكِنُهَا دَفْعُ الْأَصْلِ بِدُونِهَا ، فَصِرْنَا إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ إلَيْهِ نِصْفًا زَائِدًا ، فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّهَا دَفَعَتْ إلَيْهِ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لَا تَضُرُّ وَلَا تَتَمَيَّزُ ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الرُّجُوعُ إلَّا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا وَلَا لِوَلِيِّهَا التَّبَرُّعُ بِشَيْءٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا .
وَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا ، وَلَا يَخْلُو أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ مُتَمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ ، فَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا ، كَعَبْدَيْنِ تَلِفَ أَحَدُهُمَا ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْبَاقِي وَنِصْفِ قِيمَةِ التَّالِفِ ، أَوْ مِثْلِ نِصْفِ التَّالِفِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَات الْأَمْثَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا ، كَعَبْدٍ كَانَ شَابًّا فَصَارَ شَيْخًا ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ ، أَوْ نَسِيَ مَا كَانَ يُحْسِنُ مِنْ صِنَاعَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ ، أَوْ هَزْلٍ ، فَالْخِيَارُ إلَى الزَّوْجِ ، إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَقْتَ مَا أَصْدَقَهَا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ النَّقْصِ عَلَيْهَا ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِهِ نَاقِصًا ، فَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ نَاقِصًا ، وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ النَّقْصِ مَعَ هَذَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ .
وَقَالَ الْقَاضِي :
الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ، كَالْمَبِيعِ يُمْسِكُهُ وَيُطَالِبُ بِالْأَرْشِ .
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : الزِّيَادَةُ غَيْرُ الْمُتَمَيِّزَةِ تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ ، فَأَشْبَهَتْ زِيَادَةَ السُّوقِ .
وَلَنَا أَنَّهَا زِيَادَةٌ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا ، فَلَمْ تُنَصَّفْ بِالطَّلَاقِ ، كَالْمُتَمَيِّزَةِ ، وَأَمَّا زِيَادَةُ السُّوقِ فَلَيْسَتْ مِلْكَهُ ، وَفَارَقَ نَمَاءَ الْمَبِيعِ ، لِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ الْعَيْبُ ، وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى الزِّيَادَةِ ، وَسَبَبُ تَنْصِيفِ الْمَهْرِ الطَّلَاقُ ، وَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَهَا ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الْمَفْرُوضِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً ، كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى نِصْفِ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ ، وَالْمَفْرُوضُ لَمْ يَكُنْ سَمِينًا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ ، وَالْمَبِيعُ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ ، فَتَبِعَهُ ثَمَنُهُ فَأَمَّا إنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ مِنْ وَجْهٍ وَزَادَ مِنْ وَجْهٍ ، مِثْلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ صَنْعَةً وَيَنْسَى أُخْرَى ، أَوْ هَزْل وَتَعَلَّمَ ، ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْعَيْنِ وَالرُّجُوعُ إلَى الْقِيمَةِ .
فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى نِصْفِ الْعَيْنِ جَازَ ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَذْلِ نِصْفِهَا ، فَلَهَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ هُوَ مِنْ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهَا ، فَلَهُ ذَلِكَ لِأَجْلِ النَّقْصِ ، وَإِذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا ، رَجَعَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا .
( 5585 ) فَصْلٌ : فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ تَالِفَةً وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، رَجَعَ فِي نِصْفِ مِثْلِهَا ، وَإِلَّا رَجَعَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا أَقَلُّ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ أَوْ إلَى حِينِ التَّمْكِينِ مِنْهُ ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ إنْ زَادَتْ ، فَالزِّيَادَةُ لَهَا تَخْتَصُّ بِهَا ، وَإِنْ نَقَصَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَالنَّقْصُ مِنْ ضَمَانِهِ .
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً ، فَهِيَ لَهَا ، تَنْفَرِدُ بِهَا ، وَتَأْخُذُ نِصْفَ الْأَصْلِ .
وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَ النِّصْفَ وَيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ ، وَبَيْنَ أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ وَتَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ النِّصْفِ غَيْرَ زَائِدَةٍ .
وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا وَبَيْنَ مُطَالَبَتِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ غَيْرَ نَاقِصٍ .
( 5586 ) فَصْلٌ : إذَا أَصْدَقَهَا نَخْلًا حَائِلًا ، فَأَطْلَعَتْ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَقْتَ مَا أَصْدَقَهَا ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً ، فَأَشْبَهْت الْجَارِيَةَ إذَا سَمِنَتْ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلْعُ مُؤَبَّرًا أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأَصْلِ ، وَلَا يَجِبُ فَصْلُهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَأَشْبَهَ السِّمَنَ وَتَعَلُّمَ الصِّنَاعَةِ .
فَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ الرُّجُوعَ فِيهَا مَعَ طَلْعِهَا ، أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ لَا يَجِبُ فَصْلُهَا .
وَإِنْ قَالَ : اقْطَعِي ثَمَرَتَك ، حَتَّى أَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ .
لَمْ يَلْزَمْهَا ، لِأَنَّ عُرْفَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ إلَّا بِالْجُذَاذِ ، بِدَلِيلِ الْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يَعُدْ إلَى الْعَيْنِ إلَّا بِرِضَاهَا ، فَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ : اُتْرُكْ الرُّجُوعَ حَتَّى أَجُذَّ ثَمَرَتِي وَتَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ ، أَوْ ارْجِعْ فِي الْأَصْلِ وَأَمْهِلْنِي حَتَّى أَقْطَعَ الثَّمَرَةَ .
أَوْ قَالَ الزَّوْجُ : أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى إذَا جَذَذْت ثَمَرَتَك رَجَعْت فِي الْأَصْلِ ، أَوْ قَالَ : أَنَا أَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ وَأَصْبِرُ حَتَّى تَجُذِّي ثَمَرَتَك .
لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَبُولُ قَوْلِ الْآخِرِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يَعُدْ إلَى الْعَيْنِ إلَّا بِرِضَاهُمَا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهَا قَبُولُ مَا عَرَضَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَذَلَتْ لَهُ نِصْفَهَا مَعَ طَلْعِهَا ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَ الْعَيْنَ نَاقِصَةً فَرَضِيَ بِهَا ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، جَازَ وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ الشَّجَرِ ، كَالْحُكْمِ فِي النَّخْلِ .
وَإِخْرَاجُ النُّورِ فِي الشَّجَرِ بِمَنْزِلَةِ الطَّلْعِ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَحَرَثَتْهَا ، فَتِلْكَ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ ، إنْ بَذَلَتْهَا لَهُ بِزِيَادَتِهَا ، لَزِمَهُ قَبُولُهَا ، كَالزِّيَادَاتِ الْمُتَّصِلَةِ كُلِّهَا
، وَإِنْ لَمْ تَبْذُلْهَا ، دَفَعَتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا .
وَإِنْ زَرَعَتْهَا ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ النَّخْلِ إذَا أَطْلَعَتْ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا بَذَلَتْ نِصْفَ الْأَرْضِ مَعَ نِصْفِ الزَّرْعِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ ، بِخِلَافِ الطَّلْعِ مَعَ النَّخْلِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا يَنْقُصُ بِهَا الشَّجَرُ ، وَالْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالزَّرْعِ وَتَضْعُفُ .
الثَّانِي : أَنَّ الثَّمَرَةَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّخْلِ ، فَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ ، وَالزَّرْعُ مِلْكُهَا أَوْدَعَتْهُ فِي الْأَرْضِ ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ ، كَالطَّلْعِ سَوَاءً .
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ .
وَمَسَائِلُ الْغِرَاسِ كَمَسَائِلِ الزَّرْعِ .
فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْحَصَادِ ، وَلَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ زَادَتْ وَلَا نَقَصَتْ ، رَجَعَ فِي نِصْفِهَا ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِالزَّرْعِ أَوْ زَادَتْ بِهِ رَجَعَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ، إلَّا أَنْ يَرْضَى بِأَخْذِهَا نَاقِصَةً ، أَوْ تَرْضَى هِيَ بِبَذْلِهَا زَائِدَةً .
( 5587 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أَصْدَقَهَا خَشَبًا فَشَقَّتْهُ أَبْوَابًا ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ لِزِيَادَتِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُسْتَعِدًّا لِمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ التَّسْقِيفِ وَغَيْرِهِ .
وَإِنْ أَصْدَقَهَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ، فَصَاغَتْهُ حُلِيًّا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ، فَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ نِصْفِهِ .
وَإِنْ بَذَلَتْ لَهُ النِّصْفَ ، لَزِمَهُ الْقَبُولُ ، لِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَنْقُصُ بِالصِّيَاغَةِ ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَعِدًّا لِمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُ قَبْلَ صِيَاغَتِهِ ، وَإِنْ أَصْدَقَهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا ، فَكَسَرَتْهُ ، ثُمَّ صَاغَتْهُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ نِصْفِهِ ، لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي يَدِهَا ، وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُ نِصْفِهِ ؛ لِزِيَادَةِ الصِّنَاعَةِ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا فِيهِ ، وَإِنْ عَادَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَمَرِضَ ثُمَّ بَرِيءَ .
وَإِنْ صَاغَتْ الْحُلِيَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَهُ الرُّجُوعُ كَالدَّرَاهِمِ إذَا أُعِيدَتْ .
وَالثَّانِي : لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهَا جَدَّدَتْ فِيهِ صِنَاعَةً ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَاغَتْهُ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً ، فَهَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ ، فَعَادَتْ إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى ، فَهَلْ يَرْجِعُ فِي نِصْفِهَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ .
( 5588 ) فَصْلٌ : وَحُكْمُ الصَّدَاقِ حُكْمُ الْبَيْعِ ، فِي أَنَّ مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا لَا يَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ ، وَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : مَا كَانَ مُتَعَيِّنًا فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا ، كَالْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ ، وَالرِّطْلِ مِنْ زَيْتٍ مِنْ دِنٍّ ، لَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ ، كَالْمَبِيعِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَبِيعِ رِوَايَةً أُخْرَى ، أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَهَذَا أَصِلُ ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخِرَ أَنَّ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ ، كَالْمَهْرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَذْلٌ لَا يَنْفَسِخُ السَّبَبُ الَّذِي مُلِكَ بِهِ بِهَلَاكِهِ ، فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، كَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هِبَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا صَدَاقَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا ، وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِيهِ ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا جَازَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهَا إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ ، وَمَا لَا تَصَرُّفَ لَهَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ .
وَإِنْ مَنَعَهَا الزَّوْجُ قَبْضَهُ ، أَوْ لَمْ يُمَكِّنْهَا مِنْهُ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ فَضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ .
وَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا ، عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الْغُلَامِ ، فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ ، فَقَالَ : إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ ، فَهُوَ لَهَا ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ ، فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ .
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَعَلَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا : هُوَ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ .
إذَا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَبْطُلْ الصَّدَاقُ بِتَلَفِهِ ، وَيَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : يَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ تَلَفَ الْعِوَضِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي الْمُعَوَّضِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ ، كَالْمَبِيعِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ هُوَ الْقِيمَةُ ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ .
وَلَنَا أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَعَ وُجُودِهَا إذَا تَلِفَتْ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهَا ، فَالْوَاجِبُ بَدَلُهَا ، كَالْمَغْصُوبِ وَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ ، وَفَارَقَ الْمَبِيعَ إذَا تَلِفَ فَإِنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ ، وَزَالَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ التَّالِفَ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ ؛ أَحَدُهَا ، أَنْ يَتْلَفَ بِفِعْلِهَا ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا مِنْهَا ، وَيَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ ضَمَانُهُ .
وَالثَّانِي ، تَلِفَ بِفِعْلِ الزَّوْجِ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَيَضْمَنُهُ لَهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَالثَّالِثُ ، أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ ، فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِضَمَانِهِ ، وَبَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمُتْلِفِ .
الرَّابِعُ ، تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ .
( 5589 ) فَصْلٌ : إذَا طَلَّقَ الْمَرْأَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ تَصَرَّفَتْ فِي الصَّدَاقِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا ، مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ ، فَهَذَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، وَلَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ ؛ لِزَوَالِ مِلْكِهَا ، وَانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهَا .
فَإِنْ عَادَتْ الْعَيْنُ إلَيْهَا قَبْلَ طَلَاقِهَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي يَدِهَا بِحَالِهَا ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ، حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ ، لِأَنَّنَا نَمْنَعُ ذَلِكَ ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَإِنَّ حَقَّ الْوَالِدِ سَقَطَ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْوَلَدِ بِكُلِّ حَالٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِبَذْلِهِ ، وَالزَّوْجُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، بَلْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ ، فَإِذَا وُجِدَ كَانَ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ أَوْلَى .
وَفِي مَعْنَى هَذِهِ التَّصَرُّفَات الرَّهْنُ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ ، لَكِنَّهُ يُرَادُ لِلْبَيْعِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، فَفِي الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ إبْطَالٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ، فَإِنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ ، وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ ، فَجَرَتْ مَجْرَى الرَّهْنِ .
فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ إقْبَاضِ الْهِبَةِ أَوْ الرَّهْنِ ، أَوْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا ، لَا تُجْبَرُ عَلَى رَدِّ نِصْفِهِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَقَدَتْهُ فِي مِلْكِهَا ، فَلَمْ تَمْلِكْ إبْطَالَهُ ، كَاللَّازِمِ ، وَلِأَنَّ مِلْكَهَا قَدْ زَالَ ، فَلَمْ تَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهَا .
وَالثَّانِي ، تُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا زِيَادَةَ فِيهَا .
وَلِلشَّافِعِي
قَوْلَانِ ، كَهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ .
فَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ تَقْبِيضِ الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ ، وَلُزُومِ الْبَيْعِ ، فَلَمْ يَأْخُذْ قِيمَةَ النِّصْفِ حَتَّى فُسِخَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ فِي الْقِيمَةِ .
الثَّانِي تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ ، كَالْوَصِيَّةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَهَذَا لَا يُبْطِلُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ ، وَيَكُونُ وُجُودُ هَذَا التَّصَرُّفِ كَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ ، وَلَمْ يَمْنَعْ الْمَالِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ ، فَلَا يَمْنَعُ مَنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ الرُّجُوعِ ، كَالْإِيدَاعِ وَالْعَارِيَّةِ .
فَأَمَّا إنْ دَبَّرَتْهُ ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ ، أَوْ تَعْلِيقُ نِصْفِهِ ، وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ ، فَلَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ كَالْوَصِيَّةِ .
وَلَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهِ ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ مَنْ نِصْفُهُ مُدَبَّرٌ نَقْصٌ ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى حَاكِمٍ حَنَفِيٍّ فَيَحْكُمَ بِعِتْقِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَدَبَّرَتْهَا ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ، إنْ قُلْنَا : تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ فَهِيَ كَالْعَبْدِ ، وَإِنْ قُلْنَا : لَا تُبَاعُ .
لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي نِصْفِهَا .
وَإِنْ كَاتَبَتْ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ ، لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ .
وَإِنْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ ، وَقُلْنَا : الْكِتَابَةُ تَمْنَعُ الْبَيْعَ .
مَنَعَتْ الرُّجُوعَ .
وَإِنْ قُلْنَا : لَا تَمْنَعُ الْبَيْعَ .
احْتَمَلَ أَنْ لَا تَمْنَعَ الرُّجُوعَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَمْنَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ يُرَادُ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ، فَمَنَعْت الرُّجُوعَ كَالرَّهْنِ .
الثَّالِثُ : تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يُرَادُ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ، كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ ، فَهَذَا نَقْصٌ ، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ
أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهِ نَاقِصًا ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحَقِّهِ نَاقِصًا ، وَبَيْنَ الرُّجُوعِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، فَإِنْ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْمُسْتَأْجَرِ ، صَبَرَ حَتَّى تَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قُلْتُمْ فِي الطَّلْعِ الْحَادِثِ فِي النَّخْلِ : إذَا قَالَ : أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ الثَّمَرَةُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ الْمِنَّةُ لَهُ ، فَلَا يَلْزَمُهَا قَبُولُ مِنَّتِهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ فِي سَقْيِ الثَّمَرَةِ ، وَوَقْتِ جُذَاذِهَا ، وَقَطْعِهَا لِخَوْفِ الْعَطَشِ أَوْ غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
( 5590 ) فَصْلٌ : فَإِنْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا ، فَهَلْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ : فَإِنْ قُلْنَا : لَهُ أَخْذُهُ .
فَأَخَذَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَ الزَّوْجُ ، رَجَعَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ ، وَطَالَبَ الشَّفِيعُ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يُقَدَّمُ الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالنِّكَاحِ ، وَحَقُّ الزَّوْجِ ثَبَتَ بِالطَّلَاقِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ إذَا بَطَلَ بَطَلِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ .
وَالثَّانِي : يُقَدَّمُ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآن وَالْإِجْمَاعِ ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ النِّصْفِ الْبَاقِي بِنِصْفِ مَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ الْجَمِيعَ .
( 5591 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي قَدْرِهِ ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى مَبْلَغِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَا ادَّعَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى مَبْلَغِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْهُمَا ؛ فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ نَحْوُهُ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بِكُلِّ حَالٍ .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُسْتَنْكَرًا ، وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ مَهْرًا لَا يَتَزَوَّجُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ ، وَمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَتَحَالَفَانِ ، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكِلَ الْآخِرُ ، ثَبَتَ مَا قَالَهُ ، وَإِنْ حَلَفَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْعَقْدِ ، وَلَا بَيِّنَةَ ، فَيَتَحَالَفَانِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، تَحَالَفَا وَفُسِخَ النِّكَاحُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ .
وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ فِي التَّحَالُفِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ، وَلِأَنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ ، فَقَدْ رَضِيَتْ بِأَمَانَتِهِ .
وَلَنَا ، أَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، قِيَاسًا عَلَى الْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى ، وَعَلَى الْمُودَعِ إذَا
ادَّعَى التَّلَفَ أَوْ الرَّدَّ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ كَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّحَالُفِ يُفْضِي إلَى إيجَابِ أَكْثَرِ مِمَّا يَدَّعِيهِ أَوْ أَقَلِّ مِمَّا يُقِرُّ لَهَا بِهِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةً فَادَّعَتْ ثَمَانِينَ وَقَالَ : بَلْ هُوَ خَمْسُونَ أَوْجَبَ لَهَا عِشْرِينَ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ .
وَلَوْ ادَّعَتْ مِائَتَيْنِ ، وَقَالَ : بَلْ هُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ ، فَأَوْجَبَ مِائَةً لَأَسْقَطَ خَمْسِينَ يَتَّفِقَانِ عَلَى وُجُوبِهَا .
وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُوَافِقْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا ، لَمْ يَجُزْ إيجَابُهُ ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا ، فَلَا حَاجَةَ فِي إيجَابِهِ إلَى يَمِينِ مَنْ يَنْفِيهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي إيجَابِهِ ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ ؛ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ .
وَمَا ادَّعَاهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهَا اسْتَأْمَنَتْهُ ، لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَجْعَلْهُ أَمِينَهَا ، وَلَوْ كَانَ أَمِينًا لَهَا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَمِينَةً لَهُ ، حِينَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَدَمُ الْإِشْهَادِ ، فَقَدْ تَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ ، فَتَمُوتُ أَوْ تَغِيبُ أَوْ تَنْسَى الشَّهَادَةَ ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَكُلُّ مَنْ قُلْنَا : الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَهُوَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِيمَا يَجُوزُ بَذْلُهُ ، تُشْرَعُ فِيهِ الْيَمِينُ ، كَسَائِرِ الدَّعَاوَى فِي الْأَمْوَالِ .
وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي ، أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُشْرَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي النِّكَاحِ .
( 5592 ) فَصْلٌ : فَإِنْ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَادَّعَتْ هِيَ أَكْثَرَ مِنْهُ رُدَّ ، إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا يَمِينًا .
وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَالَفَا ؛ فَإِنَّ مَا يَقُولُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ لِلصِّحَّةِ ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِيَمِينِ مِنْ صَاحِبِهِ ، كَالْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى ، وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي عَدَمِ الظُّهُورِ ، فَيُشْرَعُ التَّحَالُفُ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ .
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْبَاقُونَ عَلَى أُصُولِهِمْ .
( 5593 ) فَصْلٌ : فَإِنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ .
فَقَالَتْ : بَلْ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ .
وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَهْرَ الْمِثْلِ ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَقِيمَةُ الْأَمَةِ فَوْقَ ذَلِكَ ، حَلَفَ الزَّوْجُ وَوَجَبَتْ لَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يُوَافِقُ الظَّاهِرَ ، وَلَا تَجِبُ عَيْنُ الْعَبْدِ ، لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي مِلْكِهَا مَا يُنْكِرُهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْأَمَةِ مَهْرَ الْمِثْلِ ، أَوْ أَقَلَّ ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا .
وَهَلْ تَجِبُ الْأَمَةُ أَوْ قِيمَتُهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : تَجِبُ عَيْنُ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّنَا قَبِلْنَا قَوْلَهَا فِي الْقَدْرِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إدْخَالُ مَا يُنْكِرُهُ فِي مِلْكِهَا .
وَالثَّانِي ، تَجِبُ لَهَا قِيمَتُهَا ، لِأَنَّ قَوْلَهَا إنَّمَا وَافَقَ الظَّاهِرَ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ ، فَأَوْجَبْنَا لَهَا مَا وَافَقَتْ الظَّاهِرَ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، أَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالْأَمَةُ أَكْثَرَ مِنْهُ ، وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا تَحَالَفَا .
وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّ الْيَمِينَ لَا يُشْرَعُ فِي هَذَا كُلِّهِ .
( 5594 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ ، فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ، مَا ادَّعَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تُبْرِئُهُ مِنْهُ .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَنْكَرَ صَدَاقَ امْرَأَتِهِ ، وَادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيمَا يُوَافِقُ مَهْرَ مِثْلِهَا ، سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّى مَا لَهَا ، أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ ، أَوْ قَالَ : لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا .
وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَحُكِيَ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ، وَالدُّخُولُ بِالْمَرْأَةِ يَقْطَعُ الصَّدَاقَ .
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ أَصْحَابُهُ : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَ الصَّدَاقِ ، كَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ ، أَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِيمَا تُعَجِّلُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إلَّا بِقَبْضِهِ ، فَكَانَ الظَّاهِرُ مَعَهُ .
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } وَلِأَنَّهُ ادَّعَى تَسْلِيمَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَلَمْ يُقْبَلْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى تَسْلِيمَ الثَّمَنِ ، أَوْ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ .
( 5595 ) فَصْلٌ : فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهَا أَلْفًا ثُمَّ اخْتَلَفَا ، فَقَالَ : دَفَعْتهَا إلَيْك صَدَاقًا .
وَقَالَتْ : بَلْ هِبَةً فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي نِيَّتِهِ كَأَنْ قَالَتْ : قَصَدْت الْهِبَةَ .
وَقَالَ : قَصَدْت دَفْعَ الصَّدَاقِ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِلَا يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ ، وَلَا تَطَّلِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى نِيَّتِهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِ ، فَقَالَتْ : قَدْ قُلْت خُذِي هَذَا هِبَةً أَوْ هَدِيَّةً .
فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَقْدًا عَلَى مِلْكِهِ ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ بَيْعَ مِلْكِهِ لَهَا ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، كَأَنْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ ، فَدَفَعَ إلَيْهَا عِوَضًا ، ثُمَّ اخْتَلَفَا ، وَحَلَفَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهَا ذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا ، فَلِلْمَرْأَةِ رَدُّ الْعَرْضِ ، وَمُطَالَبَتُهُ بِصَدَاقِهَا .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ ، فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقِ أَلْفٍ ، فَبَعَثَ إلَيْهَا بِقِيمَتِهِ مَتَاعًا وَثِيَابًا ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ مِنْ الصَّدَاقِ ، فَلَمَّا دَخَلَ سَأَلَتْهُ الصَّدَاقَ ، فَقَالَ لَهَا : قَدْ بَعَثْت إلَيْك بِهَذَا الْمَتَاعِ ، وَاحْتَسَبْتُهُ مِنْ الصَّدَاقِ .
فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : صَدَاقِي دَرَاهِمُ : تَرُدُّ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ ، وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِصَدَاقِهَا .
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إذَا لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ صَدَاقٌ ، فَأَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا احْتَسَبَتْ بِهِ مِنْ الصَّدَاقِ ، وَادَّعَتْ هِيَ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ هِبَةٌ .
فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهَدِيَّتِهِ ، كَالثَّوْبِ وَالْخَاتَمِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَلَنَا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهَا ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَالِكِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْدَعْتُك
هَذِهِ الْعَيْنَ .
قَالَتْ : بَلْ وَهَبْتهَا .
( 5596 ) فَصْلٌ : إذَا مَاتَ الزَّوْجَانِ ، وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا ، قَامَ وَرَثَةُ كُلِّ إنْسَانٍ مَقَامَهُ ، إلَّا أَنَّ مَنْ يَحْلِفُ مِنْهُمْ عَلَى الْإِثْبَاتِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ ، وَمَنْ يَحْلِفُ عَلَى النَّفْي يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ .
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ ، فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَرْأَةِ التَّسْمِيَةَ ، وَأَنْكَرَهَا وَرَثَةُ الزَّوْجِ جُمْلَةً ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ .
قَالَ أَصْحَابُهُ : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، لِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّفَاتُ وَالْأَوْقَاتُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَقَالَ زُفَرُ : بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الصَّدَاقِ .
وَلَنَا أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَعَاقِدَانِ ، قَامَ وَرَثَتُهُمَا مَقَامَهُمَا ، كَالْمُتَبَايِعِينَ .
وَمَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ لَتَقَادَمَ الْعَهْدِ ، وَلَا يَتَعَذَّر الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ ، كَقِيَمِ سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ .
( 5597 ) فَصْلٌ : وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ ، قَامَ الْأَبُ مَقَامَ الزَّوْجَةِ فِي الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ الصَّدَاقِ ، فَسُمِعَتْ يَمِينُهُ فِيهِ ، كَالزَّوْجَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى بَلَغَتْ وَعَقَلَتْ ، فَالْيَمِينُ عَلَيْهَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ هُوَ لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ مِنْ جِهَتِهَا ، فَإِذَا أَمْكَنَ فِي حَقِّهَا ، صَارَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا ، كَالْوَصِيِّ إذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ قُبِلَ يَمِينُهُ فِيمَا يَحْلِفُ فِيهِ .
فَأَمَّا أَبُو الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ ، فَلَا تُسْمَعُ مُخَالَفَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ قَوْلُهَا مَقْبُولٌ فِي الصَّدَاقِ ، وَالْحَقُّ لَهَا دُونَهُ .
وَأَمَّا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ ، فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ ، إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ فِي بِنْتِ تِسْعٍ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ .
وَلَوْ زَوَّجُوهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، ثَبَتَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ .
فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ، فَالْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ .
( 5598 ) فَصْلٌ : إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ، وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ نَظَرْنَا فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ وَجَبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِاخْتِلَافِ ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَهِيَ مُقِرَّةٌ بِنَقْصِهَا عَمَّا يَجِبُ لَهَا بِدَعْوَى الزَّوْجِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ ، ذَلِكَ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ ، فَإِنْ قُلْنَا : الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ .
فَلَهَا الْمُتْعَةُ ، وَإِنْ قُلْنَا : الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ .
قُبِلَ قَوْلُهَا مَا ادَّعَتْ مَهْرَ مِثْلِهَا .
هَذَا إذَا طَلَّقَهَا ، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، فُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا : الْقَوْلُ قَوْلُهُ .
فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ .
( 5599 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا الْمُتْعَةُ .
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } وَمَتِّعُوهُنَّ وَرُوِيَ { أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا ، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ .
فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ ، فَقَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ ، امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْت } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَصْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ دُونَ الصَّدَاقِ فَصَحَّ مِنْ غَيْرِهِ ذِكْرُهُ كَالنَّفَقَةِ .
وَسَوَاءٌ تَرَكَا ذِكْرَ الْمَهْرِ ، أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ .
فَيَقْبَلُهُ كَذَلِكَ .
وَلَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ ، وَلَا فِي الثَّانِي .
صَحَّ أَيْضًا .
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : لَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، لِأَنَّهَا تَكُونُ كَالْمَوْهُوبَةِ .
وَلَيْسَ بِصَحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ فِيمَا إذَا قَالَ : زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ .
فَيَصِحُّ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ، وَمَا صَحَّ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ ، صَحَّ فِي الْأُخْرَى .
وَلَيْسَتْ كَالْمَوْهُوبَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ الْمُزَوَّجَةَ بِغَيْرِ مَهْرٍ تُسَمَّى مُفَوِّضَةً ، بِكَسْرِ الْوَاو وَفَتْحِهَا ، فَمِنْ كَسَرَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ ، مِثْلُ مُقَوِّمَةٍ ، وَمِنْ فَتَحَ أَضَافَهُ إلَى وَلِيِّهَا .
وَمَعْنَى
التَّفْوِيضِ الْإِهْمَالُ ، كَأَنَّهَا أَهْمَلَتْ أَمْرَ الْمَهْرِ ، حَيْثُ لَمْ تُسَمِّهِ ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِر : لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا يَعْنِي مُهْمَلِينَ .
وَالتَّفْوِيضُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ؛ تَفْوِيضُ بُضْعٍ ، وَتَفْوِيضُ مَهْرٍ .
فَأَمَّا تَفْوِيضُ الْبُضْعِ ، فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ ، وَفَسَّرْنَاهُ ، وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إطْلَاقُ التَّفْوِيضِ ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْمَهْرِ ، فَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الصَّدَاقَ إلَى رَأْيِ أَحَدِهِمَا ، أَوْ رَأْيِ أَجْنَبِيٍّ ، فَيَقُولُ : زَوَّجْتُك عَلَى مَا شِئْت ، أَوْ عَلَى حُكْمِك أَوْ عَلَى حُكْمِي ، أَوْ حُكْمِهَا ، أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ .
وَنَحْوِهِ .
فَهَذِهِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا إلَّا بِصَدَاقٍ ، لَكِنَّهُ مَجْهُولٌ ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَالتَّفْوِيضُ الصَّحِيحُ ، أَنْ تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ الْجَائِزَةُ الْأَمْرُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ، أَوْ بِتَفْوِيضِ قَدْرِهِ ، أَوْ يُزَوِّجَهَا أَبُوهَا كَذَلِكَ .
فَأَمَّا إنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ أَبِيهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا ، بِغَيْرِ إذْنِهَا فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ التَّفْوِيضُ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى .
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ تَفْوِيضُهُ .
فَإِذَا طَلُقَتْ الْمُفَوِّضَةُ الْبُضْعَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ الْوَاجِبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَيُوجِبُ
نِصْفَهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، كَمَا لَوْ سَمَّى مُحَرَّمًا .
وَقَالَ مَالِكٌ ، وَاللَّيْثُ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : الْمُتْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } فَخَصَّهُمْ بِهَا فَيَدُلُّ أَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ وَالتَّفَضُّلِ ، وَالْإِحْسَانُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ تَخْتَصَّ الْمُحْسِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَلَنَا ، قَوْله تَعَالَى : { وَمَتِّعُوهُنَّ } .
أَمْرٌ ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ } .
وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ يَقْتَضِي عِوَضًا ، فَلَمْ يُعْرَ عَنْ الْعِوَضِ ، كَمَا لَوْ سَمَّى مَهْرًا .
وَأَدَاءُ الْوَاجِبِ مِنْ الْإِحْسَانِ ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا .
( 5600 ) فَصْلٌ : فَإِنْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا نِصْفُ مَا فَرَضَ لَهَا ، وَلَا مُتْعَةَ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَطَاءٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ ، يَسْقُطُ الْمَهْرُ .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَرِيَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْمُتْعَةُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا .
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } .
وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ ، فَتُنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ .
( 5601 ) فَصْلٌ : وَمَنْ أَوْجَبَ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ ، لَمْ تَجِبْ لَهَا مُتْعَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ سُمِّيَ لَهَا صَدَاقٌ أَوْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا لَكِنْ فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ .
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، فِي مَنْ سُمِّيَ لَهَا .
وَهُوَ قَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ : لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْحَسَنِ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَأَبِي قِلَابَةَ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } .
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { قُلْ لِأَزْوَاجِكَ } إلَى قَوْلِهِ { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُفَوِّضَةً أَوْ مُسَمًّى لَهَا ، مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَهَا ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا إذَا طَلُقَتْ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا أَعْلَمُ ، رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالْمُتْعَةِ إلَّا لِمَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ ، إلَّا حَنْبَلًا ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعًا .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدِي لَوْلَا تَوَاتُرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ بِخِلَافِهَا .
وَلَنَا : قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ } .
ثُمَّ قَالَ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } .
فَخَصَّ الْأُولَى بِالْمُتْعَةِ ، وَالثَّانِيَةَ بِنِصْفِ الْمَفْرُوضِ ، مَعَ تَقْسِيمِهِ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ ، وَإِثْبَاتِهِ لِكُلِّ قِسْمٍ حُكْمًا ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ ، وَهَذَا يَخُصُّ مَا ذَكَرُوهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ
بِالْمَتَاعِ فِي غَيْرِ الْمُفَوِّضَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ؛ لِدَلَالَةِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا ، جَمْعًا بَيْنَ دَلَالَةِ الْآيَاتِ وَالْمَعْنَى ، فَإِنَّهُ عِوَضٌ وَاجِبٌ فِي عَقْدٍ ، فَإِذَا سُمِّيَ فِيهِ عِوَضٌ صَحِيحٌ ، لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ ، كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ ، وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا ، فَلَمْ تَجِبْ لَهَا عِنْدَ الْفُرْقَةِ ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا .
فَصْلٌ : وَلَوْ طَلَّقَ الْمُسَمَّى لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، أَوْ الْمُفَوِّضَةَ الْمَفْرُوضَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، فَلَا مُتْعَةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَّا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ .
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ : أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ ، كَالرِّوَايَتَيْنِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ .
إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمَتِّعَهُمَا .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، فَقَالَ : أَنَا أُوجِبُهَا عَلَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا ، فَإِنْ كَانَ سَمَّى صَدَاقًا ، فَلَا أُوجِبُهَا عَلَيْهِ ، وَأَسْتَحِبُّ أَنْ يُمَتِّعَ وَإِنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا .
وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِعُمُومِ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا ، وَدَلَالَتِهَا عَلَى إيجَابِهَا .
وَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ بِهَا ، فَلَمَّا امْتَنَعَ الْوُجُوبُ لِدَلَالَةِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ ، وَدَلَالَةِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ ، تَعَيَّنَ حَمْلُ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ .
وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ، فَلَا مُتْعَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ الْعَامَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا ، وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ الْمُطَلَّقَاتِ ، وَلِأَنَّهَا أَخَذَتْ الْعِوَضَ الْمُسَمَّى لَهَا فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ ، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا بِهِ سِوَاهُ ، كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ .
( 5603 ) فَصْلٌ : وَالْمُتْعَةُ تَجِبُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ ، لِكُلِّ زَوْجَةٍ مُفَوِّضَةٍ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ ، وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ ، وَالْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ .
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا مُتْعَةَ لِلذِّمِّيَّةِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا ، فَلَا مُتْعَةَ .
وَلَنَا عُمُومُ النَّصِّ وَلِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ نِصْفِ الْمَهْرِ فِي حَقِّ مَنْ سُمِّيَ ، فَتَجِبُ لِكُلِّ زَوْجَةٍ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ كَنِصْفِ الْمُسَمَّى ، وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْعِوَضِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ ، كَالْمَهْرِ .
( 5604 ) فَصْلٌ : فَأَمَّا الْمُفَوِّضَةُ الْمَهْرَ ، وَهِيَ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَى مَا شَاءَ أَحَدُهُمَا ، أَوْ الَّتِي زَوَّجَهَا غَيْرُ أَبِيهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا ، أَوْ الَّتِي مَهْرُهَا فَاسِدٌ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَا مُتْعَةَ لَهَا .
هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الَّتِي مَهْرُهَا فَاسِدٌ .
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ ، أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ ، كَالْمُفَوِّضَةِ الْبُضْعَ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ خَلَا عَقْدُهَا مِنْ تَسْمِيَةٍ صَحِيحَةٍ ، فَأَشْبَهَتْ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْءٌ .
وَلَنَا ، أَنَّ هَذِهِ لَهَا مَهْرٌ وَاجِبٌ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَصَّفَ ، كَمَا لَوْ سَمَّاهُ .
أَوْ نَقُولُ : لَمْ تَرْضَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، فَلَمْ تَجِبْ الْمُتْعَةُ ، كَالْمُسَمَّى لَهَا .
وَتُفَارِقُ الَّتِي رَضِيَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؛ فَإِنَّهَا رَضِيَتْهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، وَعَادَ بُضْعُهَا سَلِيمًا ، فَعَوَّضَتْ الْمُتْعَةَ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
( 5605 ) فَصْلٌ : وَكُلُّ فُرْقَةٍ يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمُسَمَّى ، تُوجِبُ الْمُتْعَةَ ، إذَا كَانَتْ مُفَوِّضَةً ، وَمَا يَسْقُطُ بِهِ الْمُسَمَّى مِنْ الْفُرَقِ ، كَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالْفَسْخِ بِالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ ، إذَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا ، لَا تَجِبُ بِهِ مُتْعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ نِصْفِ الْمُسَمَّى ، فَسَقَطَتْ فِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ ، كَمَا تَسْقُطُ الْأَبْدَالُ بِمَا يُسْقِطُ مُبْدَلَهَا .
( 5606 ) فَصْلٌ : قَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، وَلَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا ، ثُمَّ وَهَبَ لَهَا غُلَامًا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ .
قَالَ : لَهَا الْمُتْعَةُ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْقَضِي بِهَا الْمُتْعَةُ ، كَمَا لَا يَنْقَضِي بِهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى ، وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهَا قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تَنْقَضِي بِالْهِبَةِ ، كَالْمُسَمَّى .
( 5607 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ، فَأَعْلَاهُ خَادِمٌ ، وَأَدْنَاهُ كُسْوَةٌ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهَا ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ أَنْ يُزِيدَهَا ، أَوْ تَشَاءَ هِيَ أَنْ تُنْقِصَهُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ ، فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
وَالْوَجْهُ الْآخِرُ قَالُوا : هُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مُعْتَبَرٌ بِهَا ، كَذَلِكَ الْمُتْعَةُ الْقَائِمَةُ مَقَامَهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُجْزِئُ فِي الْمُتْعَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ، كَمَا يُجْزِئُ فِي الصَّدَاقِ ذَلِكَ .
وَلَنَا ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ ، وَلَوْ أَجْزَأَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ سَقَطَ الِاخْتِلَافُ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِحَالِ الْمَرْأَةِ لَمَا كَانَ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ ، أَعْلَاهَا خَادِمٌ ، هَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا مَتَّعَهَا كُسْوَتَهَا دِرْعًا وَخِمَارًا وَثَوْبًا تُصَلِّي فِيهِ .
وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَالْحَسَنُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَعْلَى الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكُسْوَةُ .
وَنَحْوُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَدْنَاهَا قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَعَطَاءٌ ، وَمَالِكٌ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي ، قَالُوا : دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يُرْجَعُ فِي تَقْدِيرِهَا إلَى الْحَاكِمِ .
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَرِد الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ ، وَهُوَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْحَاكِمِ ، كَسَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ "
رِوَايَةً ثَالِثَةً : أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمَا يُصَادِفُ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ .
فَيَجِبُ أَنْ تَتَقَدَّرَ بِهِ .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَضْعُفُ لِوَجْهَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا ، أَنَّ نَصَّ الْكِتَابِ يَقْتَضِي تَقْدِيرَهَا بِحَالِ الزَّوْجِ ، وَتَقْدِيرُهَا بِنِصْفِ مَهْر الْمِثْلِ يُوجِبُ اعْتِبَارَهَا بِحَالِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا لَا بِزَوْجِهَا .
الثَّانِي ، أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَاهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ لَكَانَتْ نِصْفَ الْمَهْرِ ، إذْ لَيْسَ الْمَهْرُ مُعَيَّنًا فِي شَيْءٍ وَلَا الْمُتْعَةُ .
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسِ : أَعْلَى الْمُتْعَةُ الْخَادِمُ ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكُسْوَةُ .
رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ .
وَقَدَّرَهَا بِكُسْوَةٍ تَجُوزُ لَهَا الصَّلَاةُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْكُسْوَةَ الْوَاجِبَةَ بِمُطْلَقِ الشَّرْعِ تَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ ، كَالْكُسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَالسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ .
وَرَوَى كَنِيفُ السُّلَمِيُّ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمَاضُرَ الْكَلْبِيَّةَ ، فَحَمَّمَهَا بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ .
يَعْنِي مَتَّعَهَا .
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : الْعَرَبُ تُسَمِّي الْمُتْعَةَ التَّحْمِيمَ .
وَهَذَا فِيمَا إذَا تَشَاحَّا فِي قَدْرِهَا ، فَإِنْ سَمَحَ لَهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْخَادِمِ ، أَوْ رَضِيت بِأَقَلِّ مِنْ الْكُسْوَةِ ، جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ بَذْلُهُ ، فَجَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، كَالصَّدَاقِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ مَتَّعَ امْرَأَةً بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَتْ : مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ .
( 5608 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَوْ طَالَبَتْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا ، أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ .
فَإِنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ فَرَضَ لَهَا أَقَلَّ مِنْهُ فَرَضِيتَهُ ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفَوِّضَةَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ الْمَهْرِ فَوَجَبَتْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ .
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا .
فَإِنْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى فَرْضِهِ ، جَازَ مَا فَرَضَاهُ ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ، سَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ غَيْرَ عَالَمِينَ بِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ : لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ بِغَيْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا مَعَ عِلْمِهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ مَا يَفْرِضُهُ بَدَلٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْدَلُ مَعْلُومًا .
وَلَنَا أَنَّهُ إذَا فَرَضَ لَهَا كَثِيرًا ، فَقَدْ بَذَلَ مِنْ مَالِهِ فَوْقَ مَا يَلْزَمُهُ ، وَإِنْ رَضِيت بِالْيَسِيرِ ، فَقَدْ رَضِيت بِدُونِ مَا يَجِبُ لَهَا ، فَلَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ بَدَلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْبَدَلَ غَيْرُ الْمُبْدَلِ ، وَالْمَفْرُوضُ إنْ كَانَ نَاقِصًا فَهُوَ بَعْضُهُ .
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَزِيَادَةٌ ، فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ بَدَلًا ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا لَمَا جَازَ مَعَ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ يُبْدِلُ مَا فِيهِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا ، وَقَدْ رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجُلٍ { : أَتَرْضَى أَنِّي أُزَوِّجُك فُلَانَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ : أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ .
فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَنِي فُلَانَةَ ، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا ، وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا ، وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتهَا عَنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ
، فَأَخَذَتْ سَهْمَهُ ، فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ .
} فَأَمَّا إنْ تَشَاحَّا فِيهِ ، فَفَرَضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِسِوَاهُ .
فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ ، لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهَا حَتَّى تَرْضَاهُ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا بِفَرْضِهِ مَا لَمْ تَرْضَ بِهِ ، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ .
وَإِنْ فَرَضَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِهِ ، وَلَا يَثْبُتُ لَهَا مَا لَمْ تَرْضَ بِهِ .
وَإِنْ تَشَاحَّا ، وَارْتَفَعَا ، إلَى الْحَاكِمِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا إلَّا مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مَيْلٌ عَلَيْهِ ، وَالنُّقْصَانَ مِيلٌ عَلَيْهَا ، وَالْعَدْلُ الْمِثْلُ ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْرَضُ بَدَلُ الْبُضْعِ ، فَيُقَدَّرُ بِهِ ، كَالسِّلْعَةِ إذَا تَلِفَتْ فَرَجَعَا فِي تَقْوِيمِهَا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ .
وَيُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى إمْكَانِ فَرْضِهِ .
وَمَتَى صَحَّ الْفَرْضُ صَارَ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، فِي أَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ ، وَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ مَعَهُ .
وَإِذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ ، لَزِمَ مَا فَرَضَهُ ، سَوَاءٌ رَضِيَتْهُ أَوْ لَمْ تَرْضَهُ .
كَمَا يَلْزَمُ مَا حَكَمَ بِهِ .
( 5609 ) فَصْلٌ : وَإِنْ فَرَضَ لَهَا أَجْنَبِيٌّ مَهْرَ مِثْلِهَا ، فَرَضِيَتْهُ ، لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ ، وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا حَاكِمٍ .
فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهَا مَا فَرَضَهُ لَهَا ، فَرَضِيَتْهُ ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا ، وَيَسْتَرْجِعُ مَا أَعْطَاهَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ ، مَا صَحَّ ، وَلَا بَرِئَتْ بِهِ ذِمَّةُ الزَّوْجِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الزَّوْجِ فِي قَضَاءِ الْمُسَمَّى ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي قَضَاءِ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ غَيْرُ الْمُسَمَّى .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ، رَجَعَ نِصْفُهُ إلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ حِينَ قَضَى بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ ، فَيَعُودُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ هُوَ .
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، وَذَكَرُوا وَجْهًا ثَالِثًا ، أَنَّهُ يَرْجِعُ نِصْفُهُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ .
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجْهًا لَنَا ثَالِثًا .
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَضَى الْمُسَمَّى عَنْ الزَّوْجِ ، صَحَّ ، ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، رَجَعَ نِصْفُهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ فَسَخَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا بِفِعْلِ مِنْ جِهَتِهَا ، رَجَعَ جَمِيعُهُ إلَيْهِ .
وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخِرِ ، يَرْجِعُ إلَى مَنْ قَضَاهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( 5610 ) فَصْلٌ : وَيَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُفَوِّضَةِ ، بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ إلَى الْمُتْعَةِ بِالطَّلَاقِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ ، قَوْلًا وَاحِدًا .
وَلَا يَجِيءُ عَلَى أَصِلْ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ لَتَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ ، كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ .
وَلَنَا ، أَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ ، فَكَانَ وَاجِبًا ، كَالْمُسَمَّى ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ ، لَمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ ، كَمَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ الْمَهْرِ ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ يُفْضِي إلَى خُلُوِّهِ عَنْهُ ، وَإِلَى أَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَمَلَكَ الزَّوْجُ الْوَطْءَ وَلَا مَهْرَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَلَ غَيْرَ الْمُسَمَّى لَهَا بِالطَّلَاقِ إلَى الْمُتْعَةِ كَمَا نَقَلَ مَنْ سُمِّيَ لَهَا إلَى نِصْفِ الْمُسَمَّى لَهَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَعَلَى هَذَا لَوْ فَوَّضَ الرَّجُلُ مَهْرَ أَمَتِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا ، ثُمَّ فُرِضَ لَهَا الْمَهْرُ ، كَانَ لِمُعْتِقِهَا أَوْ بَائِعِهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فِي مِلْكِهِ .
وَلَوْ فَوَّضَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا ، ثُمَّ طَالَبَتْ بِفَرْضِ مَهْرِهَا بَعْدَ تَغَيُّرِ مَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ دَخَلَ بِهَا ، لَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَوَافَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ ، إلَّا فِي الْأَمَةِ الَّتِي أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
( 5611 ) فَصْلٌ : وَيَجُوزُ الدُّخُولُ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ إعْطَائِهَا شَيْئًا ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُفَوِّضَةً أَوْ مُسَمًّى لَهَا .
وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالْحَسَنُ ، النَّخَعِيُّ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَمَالِكٍ : لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا .
قَالَ الزُّهْرِيُّ : مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَخْلَعُ إحْدَى نَعْلَيْهِ ، وَيُلْقِيهَا إلَيْهَا .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ ، أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ .
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطِهَا دِرْعَك .
فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا .
} وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، قَالَ : { لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطِهَا شَيْئًا .
قَالَ : مَا عِنْدِي .
قَالَ : أَيْنَ دِرْعُك الْحَطْمِيَّةُ ؟ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ .
وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، فِي الَّذِي زَوَّجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا .
وَرَوَتْ عَائِشَةُ ، قَالَتْ : { أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا ، قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا .
} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ عَلَى قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ .
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ شَيْئًا ، مُوَافَقَةً لِلْأَخْبَارِ ، وَلِعَادَةِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ،
وَلِتَخْرُجَ الْمُفَوِّضَةُ عَنْ شَبَهِ الْمَوْهُوبَةِ ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِلْخُصُومَةِ .
وَيُمْكِنُ حَمَلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسِ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ .
وَاَللَّهُ أَعْلَم .
( 5612 ) مَسْأَلَةٌ ؛ قَالَ : ( وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ ، وَقَبْلَ الْفَرْضِ ، وَرِثَهُ صَاحِبُهُ ، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا ) أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَرْضًا وَعَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ هَاهُنَا صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، فَيُورَثُ بِهِ ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّصِّ .
وَأَمَّا الصَّدَاقُ ، فَإِنَّهُ يَكْمُلُ لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَرَبِيعَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ : لَا مَهْرَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ وَرَدَتْ عَلَى تَفْوِيضٍ صَحِيحٍ قَبْلَ فَرْضٍ وَمَسِيسٍ ، فَلَمْ يَجِبْ بِهَا مَهْرٌ كَفُرْقَةِ الطَّلَاقِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا فِي الْمُسْلِمَةِ وَكَقَوْلِهِمْ فِي الذِّمِّيَّةِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَا يَكْمُلُ ، وَيَتَنَصَّفُ وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ ، كَالرِّوَايَتَيْنِ .
وَلَنَا : مَا رُوِيَ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
قَضَى لِامْرَأَةٍ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا زَوْجُهَا صَدَاقًا ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ ، فَقَالَ : لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا ، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ .
فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانِ الْأَشْجَعِيُّ ، فَقَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ ابْنَةِ وَاشِقٍ مِثْلَ مَا قَضَيْت .
} قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَلِأَنَّ الْمَوْتَ مَعْنَى يَكْمُلُ بِهِ الْمُسَمَّى ، فَكَمَلَ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمُفَوِّضَةِ ، كَالدُّخُولِ .
وَقِيَاسُ الْمَوْتِ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَتِمُّ بِهِ النِّكَاحُ فَيَكْمُلُ بِهِ الصَّدَاقُ ، وَالطَّلَاقُ يَقْطَعُهُ وَيُزِيلُهُ قَبْلَ إتْمَامِهِ ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَمْ تُجِبْ بِالطَّلَاقِ وَكَمَلَ
الْمُسَمَّى بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يَكْمُلْ بِالطَّلَاقِ ، وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَإِنَّهَا مُفَارِقَةٌ بِالْمَوْتِ ، فَكَمَلَ لَهَا الصَّدَاقُ كَالْمُسْلِمَةِ ، أَوْ كَمَا لَوْ سَمَّى لَهَا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ وَالذِّمِّيَّةَ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصَّدَاقِ فِي مَوْضِعٍ ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَا هَاهُنَا .
( 5613 ) فَصْلٌ : قَوْلُهُ : " مَهْرُ نِسَائِهَا " .
يَعْنِي مَهْرُ مِثْلِهَا مِنْ أَقَارِبِهَا .
وَقَالَ مَالِكٌ تُعْتَبَرُ بِمَنْ هِيَ فِي مِثْلِ كَمَالِهَا وَمَالِهَا وَشَرَفِهَا ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَقْرِبَائِهَا ؛ لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ دُونَ الْأَقَارِبِ .
وَلَنَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا .
وَنِسَاؤُهَا أَقَارِبُهَا .
وَمَا ذَكَرَهُ فَنَحْنُ نَشْتَرِطُهُ ، وَنَشْتَرِطُ مَعَهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نِسَاءِ أَقَارِبِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ .
وَقَوْلُهُ : لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَقَارِبِ .
لَا يَصِحُّ ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُطْلَبُ لِحَسَبِهَا ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ ، وَحَسَبُهَا يَخْتَصُّ بِهِ أَقَارِبُهَا ، فَيَزْدَادُ الْمَهْرُ لِذَلِكَ وَيَقِلُّ ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَيُّ وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ لَهُمْ عَادَةٌ فِي الصَّدَاقِ ، وَرَسْمٌ مُقَرَّرٌ ، لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ ، وَلَا يُغَيِّرُونَهُ بِتَغَيُّرِ الصِّفَاتِ ، فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الصِّفَاتِ .
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ ، فِي مِنْ يُعْتَبَرُ مِنْ أَقَارِبِهَا ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا مِنْ نِسَائِهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا .
فَاعْتَبَرَهَا بِنِسَاءِ الْعَصَبَاتِ خَاصَّةً .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ : لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا ، مِثْلُ أُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ بِنْتِ عَمِّهَا .
اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ .
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ نِسَائِهَا .
وَالْأُولَى أَوْلَى ؛ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ بِرْوَعَ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ
بِمِثْلِ مَهْرِ نِسَاءِ قَوْمِهَا .
} وَلِأَنَّ شَرَفَ الْمَرْأَةِ مُعْتَبَرٌ فِي مَهْرِهَا ، وَشَرَفُهَا بِنَسَبِهَا ، وَأُمُّهَا وَخَالَتُهَا لَا تُسَاوِيَانِهَا فِي نَسَبِهَا ، فَلَا تُسَاوِيَانِهَا فِي شَرَفِهَا ، وَقَدْ تَكُونُ أَمُّهَا مَوْلَاةً وَهِيَ شَرِيفَةٌ ، وَقَدْ تَكُونُ أُمُّهَا شَرِيفَةً وَهِيَ غَيْرُ شَرِيفَةٍ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، فَأَقْرَبُ نِسَاءِ عَصَبَاتِهَا إلَيْهَا أَخَوَاتُهَا ، ثُمَّ عَمَّاتُهَا ثُمَّ بَنَاتُ عَمِّهَا ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ .
وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُنَّ فِي مِثْلِ حَالِهَا ؛ فِي دِينِهَا ، وَعَقْلِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَيَسَارِهَا وَبَكَارَتِهَا وَثُيُوبَتِهَا ، وَصَرَاحَةِ نَسَبِهَا ، وَكُلِّ مَا يَخْتَلِفُ لِأَجْلِهِ الصَّدَاقُ ، وَأَنْ يَكُنَّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ عَادَاتِ الْبِلَادِ تَخْتَلِفُ فِي الْمَهْرِ .
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَاعْتُبِرَتْ الصِّفَاتُ الْمَقْصُودَةُ فِيهِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَصَبَاتِهَا مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهَا ، فَمِنْ نِسَاءِ أَرْحَامِهَا ، كَأُمِّهَا وَجَدَّاتِهَا وَخَالَاتِهَا وَبَنَاتِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ، فَأَهْلُ بَلَدِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَنِسَاءُ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهَا ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَهَا ، زِيدَ لَهَا بِقَدْرِ فَضِيلَتِهَا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا خَيْرٌ مِنْهَا ، نَقَصَتْ بِقَدْرِ نَقَصَهَا .
( 5614 ) فَصْلٌ : وَلَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا حَالًّا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ ، فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ .
وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
وَلَا يَلْزَمُ كَالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِ الْمُتْلَفِ ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ ، فَكَانَتْ بِحُكْمِ مَا جَعَلَ مِنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ ، فَلَا يَعْتَبِرُ بِهَا غَيْرُهَا ، وَلِأَنَّهَا عَدَلَ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَبْدَالِ فِي مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ فِي تَأْجِيلِهَا تَخْفِيفًا عَنْهُ ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ نِسَائِهَا تَأْجِيلَ الْمَهْرِ ، فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : يُفْرَضُ حَالًّا ؛ لِذَلِكَ .
وَالثَّانِي يُفْرَضُ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا مُؤَجَّلٌ .
وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَنَّهُمْ إذَا زَوَّجُوا مِنْ عَشِيرَتِهِمْ خَفَّفُوا ، وَإِنْ زَوَّجُوا غَيْرَهُمْ ثَقَّلُوا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ .
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ؛ فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلَ مُتْلَفٍ ، يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلَفِ ، كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ .
قُلْنَا : النِّكَاحُ يُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ ، فَإِنَّ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ الْمَقْصُودُ بِهَا الْمَالِيَّةُ خَاصَّةً ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِينَ ، وَالنِّكَاحُ يُقْصَدُ بِهِ أَعْيَانُ الزَّوْجَيْنِ ، فَاخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِهِمْ ، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ ، وَالْمَهْرُ يَخْتَلِفُ بِالْعَادَاتِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ تَخْفِيفُ مُهُورِ نِسَائِهِمْ ، وَجَبَ مَهْرُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ خَفِيفًا ، وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ وَأَشْرَفَ مِنْ نِسَاءِ مَنْ عَادَتُهُمْ تَثْقِيلُ الْمَهْرِ ، وَعَلَى هَذَا مَتَى كَانَتْ عَادَتُهُمْ التَّخْفِيفَ لِمَعْنَى ، مِثْلُ الشَّرَفِ أَوْ الْيَسَارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .