كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَفِي مَالِ الْآمِرِ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي بِهَا عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِطَرِيقِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ فَكَذَا الرُّجُوعُ بِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثِلَةِ ثُمَّ مَسَائِلُ الْمَعَاقِلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَثِيرَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَالضَّابِطُ الَّذِي يَرُدُّ كُلَّ جِنْسٍ إلَى أَصْلِهِ أَنْ يُقَالَ أَنَّ حَالَ الْقَاتِلِ إنْ تَبَدَّلَ حُكْمًا بِسَبَبِ حَادِثٍ فَانْتَقَلَ مِنْ وَلَاءٍ إلَى وَلَاءٍ لَمْ تَنْتَقِلْ جِنَايَتُهُ عَنْ الْأُولَى قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ ، وَذَلِكَ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَعَبْدٍ إذَا جَنَى ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبُ يَجُرُّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى قَوْمِهِ وَلَا تَتَحَوَّلُ الْجِنَايَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ هَذَا الْغُلَامُ بِئْرًا ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِحَالَةِ الْحَفْرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ بَعْدَ الْحَفْرِ وَلَمْ يَبِعْهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا .قَوْلُهُ قَضَى بِهَا أَوْ لَمْ يَقْضِ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مَوْلًى لِقَوْمِ أَبِيهِ عِنْدَ عِتْقِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ الْأَبُ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ يَوْمَئِذٍ وَالْجِنَايَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْزَامُهَا عَلَى قَوْمِ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ مَوْلًى لَهُمْ وَقْتَ الْجِنَايَةِ ا هـ غَايَةٌ
وَمِنْ نَظِيرِهِ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا فَجَنَى جِنَايَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَتَاقَةَ أَقْوَى وَجِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وَالَاهُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَتَحَوُّلِ الْوَلَاءِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَلَا تَبَدُّلَ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْقَاتِلِ وَلَكِنْ ظَهَرَتْ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ فِيهِ تَحَوَّلَتْ الْجِنَايَةُ إلَى الْأُخْرَى وَقَعَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْ لَمْ يَقَعْ ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَعْوَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَأَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ بِالْجِنَايَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ حَالُ الْجَانِي وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ الْحَالَةُ الْخَفِيَّةُ وَلَكِنَّ الْعَاقِلَةَ تَبَدَّلَتْ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا غَيْرُ فَإِنْ قَضَى بِهَا عَلَى الْأُولَى لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الثَّانِيَةِ وَإِلَّا قَضَى بِهَا عَلَى الثَّانِيَةِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ جُعِلَ مِنْ دِيوَانِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَكِنْ لَحِقَ الْعَاقِلَةَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ اشْتَرَكُوا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ إلَّا فِيمَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ وَتَأَمَّلَ فِيهِ أَمْكَنَهُ تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ وَرَدُّ كُلِّ وَاقِعَةٍ مِنْ النَّظَائِرِ وَالْأَضْدَادِ إلَى أَصْلِهَا ، وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الرَّشَادِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلْعِبَادِ وَيَشْرَحُ صُدُورَهُمْ لِلسَّدَادِ .
( كِتَابُ الْوَصَايَا ) الْإِيصَاءُ لُغَةً طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ ( الْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ) يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الصَّلَاةِ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى حَالِ قِيَامِهِ بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُك غَدًا كَانَ بَاطِلًا فَهَذَا أَوْلَى إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ وَخَافَ الْهَلَاكَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ تَحَقَّقَ مَا كَانَ يَخَافُهُ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ الْمَآلِيّ ، وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَأَحْوَجَهُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ صَرَفَهُ إلَى حَاجَتِهِ الْحَالِيِّ فَشَرَعَهَا الشَّارِعُ تَمْكِينًا مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَضَاءً لِحَاجَتِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ ، وَمِثْلُهُ الْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا لِمَا فِيهَا مِنْ إضَافَةِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ وَأَجَازَهَا الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ كَمَا بَقِيَ فِي قَدْرِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ وَقَدْ نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } وَالسُّنَّةُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ }
وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ .
ثُمَّ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَارِثِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْت فَالشَّطْرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قُلْت فَالثُّلُثَ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ } ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الزَّوَالِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُظْهِرْهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ وَأَظْهَرُهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ تَحَرُّزًا عَمَّا يَتَّفِقُ لَهُمْ مِنْ التَّأَذِّي بِالْإِيثَارِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ } وَفَسَّرُوهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِالْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ .
( كِتَابُ الْوَصَايَا ) قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُنِي ) أَيْ بِالْفَرْضِ وَإِلَّا فَلَهُ عَصَبَةٌ كَثِيرَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ قُلْت فَالشَّطْرَ ) الشَّطْرُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ أَفَأُوصِي بِالشَّطْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَضْبُوطٌ بِالْجَرِّ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ إذْ هُوَ الظَّاهِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ الثُّلُثُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ رَفْعُ الثُّلُثِ وَنَصْبُهُ فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ يَكْفِيك الثُّلُثُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَوْ عَكْسُهُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْطِ الثُّلُثَ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ تَذَرْ ) مُبْتَدَأٌ وَخَيْرٌ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إنَّ مِنْ إنَّكَ فَالتَّقْدِيرُ تَرْكُك أَوْلَادَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَصِحُّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا لِقَاتِلِهِ وَوَارِثِهِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ } وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَاتِلَ مُبَاشَرَةً عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ لَيْسَ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً فَلَا يَتَنَاوَلُهُ ، وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } ، وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَتَأَذَّى بِإِيثَارِ الْبَعْضِ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَعَكْسُهُ لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ فِي هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ وَهُوَ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهُ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهُ وَإِنْ صَارَ وَارِثًا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ جَازَ إقْرَارُهُ
؛ لِأَنَّ إرْثَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ ، وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لَهَا وَأَمَّا إذَا وَرِثَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ بِابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ وَلِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْكُلِّ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْوَرَثَةُ } وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ } وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ تَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ لَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ بِالْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ الْإِجَازَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَيَرُدُّوا تِلْكَ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ سَاقِطَةً لِعَدَمِ مُصَادِفَتِهَا الْمَحَلَّ وَكُلُّ سَاقِطٍ فِي نَفْسِهِ مُضْمَحِلٌّ مُتَلَاشٍ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ تِلْكَ الْإِجَازَةُ سَاقِطَةً مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فِي مَالِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا مَرَضَ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّهِمْ لَكِنْ ذَلِكَ الثُّبُوتَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ فَإِذَا مَاتَ ظَهَرَ أَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ وَأَنَّ الْإِجَازَةَ صَادَفَتْ مَحَلَّهَا لِاسْتِنَادِ حَقِّهِمْ إلَى أَوَّلِ
الْمَرَضِ فَصَارَ كَإِجَازَتِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِنَادُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ فَإِجَازَتُهُمْ حِينَ وَقَعَتْ فِي حَيَاتِهِ وَقَعَتْ بَاطِلَةً وَمَا وَقَعَ بَاطِلًا لَا يَكُونُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ الِاسْتِنَادِ ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ تَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ يَثْبُتُ لَهُمْ مُجَرَّدُ الْحَقِّ فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ بَقِيَ حَقًّا عَلَى حَالِهِ لَا حَقِيقَةً وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازُوهَا بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهَا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً فَتَلْزَمُ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ كَانَ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُتَزَوِّجًا بِجَارِيَةِ الْمُورِثِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَأَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثُ وَهُوَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُجِيزِ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَهُ وَيَكُونُ لَهُ ثُلُثَا الْوَلَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَيُبْطِلُهَا الْوَارِثُ فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ مِلْكًا لِلْوَارِثِ حَقِيقَةً فَإِذَا أَجَازَ صَارَ مُمَلِّكًا لَهُ مِنْ جِهَتِهِ ضَرُورَةً وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَرَتْ مِنْ الْمُوصِي وَصَادَفَتْ مِلْكَهُ حَالًا وَمَآلًا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ
مَالِهِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِحَوَائِجِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مَشْغُولًا بِحَاجَتِهِ مِنْ مَالٍ فَإِذَا أَوْصَى صَارَ مَشْغُولًا بِهَا لَكِنَّ لِلْوَرَثَةِ نَقْضَهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَقِلًا إلَى مِلْكِهِمْ وَسَقَطَ حَقُّهُمْ وَنَفَذَ الْعَقْدُ السَّابِقُ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَرِيضًا فَأَجَازَ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إسْقَاطُ الْحَقِّ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَإِجَازَتِهِ الْعِتْقَ وَالْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ مُحَابَاةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَا وَفِي تَمَلُّكِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا يَتَمَلَّكُ وَفِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِجَازَةُ فِيهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجُوزُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ لَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهَا لِلْجِنَايَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَلَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَرَثَةِ ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهَا لِلْقَاتِلِ كَمَا لَا يَرْضَوْنَهَا لِأَحَدِهِمْ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ ) أَيْ كَمَا فِي حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِلْوَارِثِ بِالثُّلُثِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِالثُّلُثِ وَبِغَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوَاهُ مَا نَصُّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ تُجِيزَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ { سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لَا قَالَ بِنِصْفِهِ قَالَ لَا قَالَ بِثُلُثِهِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ } أَمَّا الْجَوَازُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ كَائِنٌ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ فَيَزُولُ الْمَنْعُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَ أَصْحَابُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } وَأَمَّا الْجَوَازُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِمَا قُلْنَا ا هـ قَوْلُهُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْ الْبَعْضُ فَفِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى الرَّجُلُ بِنِصْفِ مَالِهِ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِلْمُوصَى لَهُ رُبُعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَرُبُعَانِ لِلِابْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ
يُجِيزُوا فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَالثُّلُثَانِ لِلِابْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ أَجَازَ وَاحِدٌ وَلَمْ يُجِزْ الْآخَرُ جَازَ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمَا أَجَازَا وَيُعْطَى لَهُ رُبُعُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُجِيزَا يُعْطَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَجْعَلُ الْمَالَ عَلَى اثْنَيْ عَشْرَ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ، فَالرُّبُعُ لِلَّذِي أَجَازَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ فَهِيَ لِلْمُوصَى لَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ إلَخْ ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ لِلْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ ثَبَتَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَصَحَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُوصِي الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ } الْآيَةَ وَالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ اُلْتُحِقُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بَاطِلَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةَ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ وَإِنْ فَعَلَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْمَالَ حَالَ حَيَاتِهِ فَكَذَا مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ مَمَاتِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُوصِي الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ إلَخْ ) يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لِفُقَرَاءِ النَّصَارَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْبِيعَةِ ا هـ قَاضِيخَانْ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلِأَنَّ مَنْ جَازَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لَهُ جَازَ وَصِيَّتُهُ لِلْمُسْلِمِ كَالْمُسْلِمِ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ ) أَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي بَابِ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ إذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ لِلْحَرْبِيِّ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ } الْآيَةَ ، وَلِأَنَّ فِي دَفْعِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى حَرْبِنَا فِي تَكْثِيرِ مَا لَهُمْ إضْرَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالسِّلَاحِ وَبِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا تَصِحُّ لِلْحَرْبِيِّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَطَلَ رَدُّهَا وَقَبُولُهَا فِي حَيَاتِهِ ) أَيْ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَبَرَانِ قَبْلَ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ غَدًا فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا رَدَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي لَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ رَدَّهُ فَبَطَلَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ شَرْطٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ سَيَجِيءُ بَيَانُهَا بَعْدَ هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ وَرَدُّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا يُنْظَرُ إلَى رَدِّهِ وَلَا إلَى إجَازَتِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَإِذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مِلْكَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَبُولِهِ لَا تَصِيرُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَقْبَلَ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ لَيْسَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَا فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ حَتَّى يَقْبَلَ أَوْ يَمُوتَ فَيَكُونَ مَا أَوْصَى لَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَمَوْتِهِ كَقَبُولِهِ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجَعَلُوا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا كَانَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَمَاتَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ وَتَكُونُ السِّلْعَةُ مَوْرُوثَةً عَنْ الْمُشْتَرِي إلَى هُنَا لَفْظُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَدَبَ النَّقْصُ مِنْ الثُّلُثِ ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ ؛ لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرِيبِ بِتَرْكِ مَالِهِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الثُّلُثَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى التَّمَامِ فَتَفُوتُهُ الصِّلَةُ عَلَى الْقَرِيبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِمَا لَأَنْ يُوصَى بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصَى بِالرُّبُعِ وَلَأَنْ يُوصَى بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصَى بِالثُّلُثِ وَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ فُقَرَاءَ } الْحَدِيثَ ، وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ الْفَقْرُ وَالْقَرَابَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ مِنْ الْقَرِيبِ وَقِيلَ الْأُولَى أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْهِبَةِ رِضَاهُمْ وَقِيلَ يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَضِيلَةٍ وَهِيَ الصَّدَقَةُ أَوْ الصِّلَةُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا أَيَّهُمَا شَاءَ أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا .
( قَوْلُهُ الْكَاشِحِ ) الْكَاشِحُ الَّذِي يُخْفِي عَدَاوَتَهُ فِي كَشْحِهِ وَالْكَشْحُ مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ إلَى الضِّلْعِ وَقِيلَ الْكَاشِحُ الَّذِي أَعْرَضَ وَوَلَّاك كَشْحَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَقَهْرِهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي ذِي الرَّحِمِ الصَّدِيقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ الْأُولَى ) أَيْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَلَكَ بِقَبُولِهِ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَمْلِكُ بِدُونِ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَبُولِ كَالْمِيرَاثِ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّهَا خِلَافَةٌ حَتَّى تَثْبُتَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَتَثْبُتُ جَبْرًا مِنْ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِدُونِ قَبُولِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ أَعْمَى أَوْ دِنَانٍ مُكَسَّرَةٍ أَوْ بِزِبْلٍ مُجْتَمَعٍ فِي دَارِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَنَقْلُ الْمُكَسَّرِ وَالزِّبْلِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقَبُولِ ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِلْجَنِينِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ عَنْهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكَ بِقَبُولِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْقَبُولُ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ : قَبُولٌ بِالصَّرِيحِ وَقَبُولٌ بِالدَّلِيلِ فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبِلْت وَالدَّلِيلُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونَ مَوْتُهُ قَبُولًا لِوَصِيَّتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ لِكَوْنِهِ فَرْضًا وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ تَبَرُّعٌ وَبِالْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَكِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ وَحَقُّ الشَّارِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَالتَّبَرُّعِ ، وَقَالَ { عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ } .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا لَهُ ) إلَّا أَنْ يُبَرِّئَ الْغُرَمَاءُ الْمُوصِيَ مِنْ الدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ عَدَمِهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ الدَّيْنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ فِي قَوْله تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ ) أَيْ يَقُولُ الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ثُمَّ هُمَا جَمِيعًا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ ا هـ قَالَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت لِمَ قُدِّمَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فِي الشَّرِيعَةِ قُلْت لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُشْبِهَةً لِلْمِيرَاثِ فِي كَوْنِهَا مَأْخُوذَةً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَانَ إخْرَاجُهَا مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ بِهَا فَكَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةً لِلتَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ النُّفُوسَ مُطْمَئِنَّةٌ إلَى أَدَائِهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ بَعْثًا عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى إخْرَاجِهَا مَعَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ أَوْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالصَّبِيُّ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ يَافِعٍ وَهُوَ الَّذِي رَاهَقَ الْحُلُمَ ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُ بِتَحْصِيلِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ يَبْقَى مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّبَرُّعِ حَالَ حَيَاتِهِ لِلنَّظَرِ لَهُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَنْعَكِسُ النَّظَرُ فَتَنْفُذُ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالصَّبِيُّ فِي الْإِرْثِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْبَالِغِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَنَا أَنَّهَا تَبَرُّعٌ فَلَا تَصِحُّ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِي النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِاعْتِبَارِ أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا بِاعْتِبَارِ مَا يُتَّفَقُ بِحُكْمِ الْحَالِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ وَإِنْ تَضَمَّنَ نَفْعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَتَصْحِيحَ وَصِيَّتِهِ يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مُلْزِمٍ وَالْأَثَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ فَسُمِّيَ يَافِعًا مَجَازًا وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ كَانَتْ فِي الْقُرْبِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ كَانَتْ فِي تَجْهِيزِهِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا النَّفْعُ ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا كَامِلَةٌ ، وَإِنَّمَا مُنِعَا لِحَقِّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى حَالِ سُقُوطِ
حَقِّ الْمَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ .( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهَا تَبَرُّعٌ ) مَحْضٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ أُعْتِقْت ثُمَّ مِتّ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُكَاتَبُ ) أَيْ لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُكَاتَبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فَلَا تَصِحُّ كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ ، وَلَوْ أَجَازَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ جَازَتْ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ إنْشَاءٌ لِلْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِلَفْظَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْعِتْقَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَجُوزُ بِلَفْظَةِ الْإِجَازَةِ وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ أَوْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لَهُ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ إذْ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرِّيَّةُ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ نَوْعَيْ مِلْكٍ : حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَمَجَازِيٌّ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُجَازِي ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اللَّفْظُ وَعِنْدُهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ
الْمُطْلَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَابِلُ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ أَوْ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ فَتَصِحُّ فِيمَا يُقْبَلُ وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَا يُقْبَلُ كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَيَعْتِقُ مَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَعْتِقُ الْآخَرُ وَتَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ حَتَّى إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا إذَا أُعْتِقْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ يَصِحُّ وَيَعْتِقُ إذَا مَلَكَ عَبْدَ الْعِتْقِ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَأُعْتِقَ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ وَهُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكٍ قَابِلٍ لَهُ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ كَمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ فِي هَذَا النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الِاسْتِقْبَالِ ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ تَنَاقُضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِوَايَتَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ وَكَيْفَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَوَابِ .
( قَوْلُهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ إلَخْ ) لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ وَضْعَ الْوَصِيَّةِ لِلِاسْتِقْبَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُهُ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَلِّكَهُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ الْوَصِيَّةُ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَصِيَّةُ تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَتُشْبِهُ الْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِالْحَمْلِ فَلِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ ثُمَّ شَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِيهِمَا ، مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَيْ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يَعْتَبِرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يَعْتَبِرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وَلَدَتْ إلَخْ ) هَذَا إذَا كَانَ زَوْجُ الْحَامِلِ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَالشَّرْطُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ مَيِّتًا لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ إذَا أَتَتْ بِهِ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ حُكْمًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ بَعْدَ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْوَطْءَ إذَا كَانَ حَلَالًا وَالزَّوْجُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا أُحِيلَ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَبَلِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي إلَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ ا هـ مُحِيطٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ ) أَيْ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَقْبِضَ عَنْهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَارِيَةِ لَفْظًا ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهُ ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ إذْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَوْلًا وَفِعْلًا بِأَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَوْلًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً بِأَنْ يَفْعَلَ بِالشَّيْءِ الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَفِعْلًا بِأَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ ، وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الشِّرَاءُ بِهِ فَإِنَّ الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ تَكُونُ بِالصَّرِيحِ وَبِالدَّلَالَةِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي بِالْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ الصُّفْرَ آنِيَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ فِي قَطْعِ مِلْكِ الْمَالِكِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَنْعِ أَوْلَى وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ إذَا فَعَلَهُ فِيهِ ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فَهُوَ رُجُوعٌ ، وَكَذَا إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ بِقُطْنٍ ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ مِنْ الْغَاصِبِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ اسْمُهُ وَصَارَ عَيْنًا آخَرَ غَيْرَ الْمُوصَى بِهِ ، وَكَذَا أَوْصَى بِسَوِيقٍ فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ بِدَارٍ فَبَنَى فِيهَا أَوْ بِقُطْنٍ فَحَشَا بِهِ أَوْ بِبِطَانَةٍ
فَبَطَّنَ بِهَا أَوْ بِظِهَارَةٍ فَظَهَّرَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ وَحْدَهُ لِلِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِهِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا أَوْ وَهَبَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ لَا تَعُودُ الْوَصِيَّةُ وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا اسْتِهْلَاكٌ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ تَجْصِيصِ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا وَهَدْمِ بِنَائِهَا وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّبَعِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا مَعْنًى ، وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ فَصَارَ تَمْرًا لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ فَصَارَ زَبِيبًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ فِي السَّلَمِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالْكُفُرَّى فَصَارَ رُطَبًا حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِلتَّبَدُّلِ ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِبِيضٍ فَصَارَ فَرْخًا ، وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجُحُودُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا ) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ قِيلَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ كَانَ فِي حَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْبَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ فَقَطْ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا
وَلِهَذَا كَانَ جُحُودُ التَّوْكِيلِ عَزْلًا وَجُحُودُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ إقَالَةً وَلِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْمَاضِي كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ فَكَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا ، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَقِيقَتِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ طَلَاقًا ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ رِبًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ الذَّاهِبَ الْمُتَلَاشِيَ ، وَلَوْ قَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا ، وَكَذَا إذَا قَالَ فَهُوَ لِفُلَانٍ وَإِرْثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تُبْطِلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي وَلَمْ تَكُنْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِسَوِيقٍ ) فِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ هَذَا نَظِيرَ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَجَعَلَ فِي الْكِفَايَةِ هَذَا نَظِيرَ الْخَلْطِ بِغَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا اسْتِهْلَاكٌ ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الشَّاةَ بِالذَّبْحِ فَقَطْ وَجَعَلَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الرُّجُوعِ دَلَالَةَ مَا إذَا نَقَصَ الْمُوصِي الْمُوصَى بِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْبَقَاءِ إلَى يَوْمِ الْمَوْتِ وَمَثَّلَ لَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَقَالَ الْأَقْطَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ بِالْمَوْتِ وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ لَا تَبْقَى إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَدَلَّ عَلَى الرُّجُوعِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إلَخْ ) وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَا أُوصِي لَهُ فَهُوَ رُجُوعٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوَكِّلْهُ فَهُوَ كَذِبٌ وَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَا أُوَكِّلُهُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ فَهُوَ عَزْلٌ ا هـ أَجْنَاسٌ فِي الْغَصْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ إلَخْ ) فِي النِّهَايَةِ تَأْخِيرُ الْمُصَنِّفِ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ا هـ كَاكِيٌّ وَجَعَلَ فِي الْمَجْمَعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُخْتَارًا لِلْفَتْوَى ا هـ .
( بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْصَى لِذَا بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ لَهُمَا ) أَيْ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلثَّانِي لِوُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى عَلَى مَا مَرَّ .( بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ تُجِزْ ) قَيَّدَ بِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعُهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْوَصَايَا فِي الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ بِكُلٍّ وَثُلُثٍ فَالْكُلُّ مَقْسُومٌ أَسْدَاسًا مَعَ الْإِجَازَةِ وَالثُّلُثُ مَعَ عَدَمِهَا نِصْفَيْنِ وَقَالَا أَرْبَاعًا فِيهِمَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنُهُمَا أَثْلَاثًا ) مَعْنَاهُ مَعَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا مَزِيدَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فَيَجْعَلُ السُّدُسَ سَهْمًا ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْهُ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عِنْدَهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَصَارَا سَوَاءً وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَيْسَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا نَصٌّ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَسَّمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَالسُّدُسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ، وَوَجْهُهُ أَنْ نَقُولَ لَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُدْفَعُ الثُّلُثَانِ إلَى صَاحِبِ الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهَا فِي الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيُصِيبُ صَاحِبُ الثُّلُثِ السُّدُسَ وَصَاحِبُ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يُصِيبُ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَالْآنَ كَذَلِكَ لِأَنَّ السُّدُسَ نِصْفُ الثُّلُثِ بَلْ يَجِبُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ رُبُعُ الْمَالِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ، وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَسَّمَ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثَانِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ ثُمَّ الثُّلُثُ وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ أَوَّلًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فَانْكَسَرَ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةً فَصَارَتْ سِتَّةً وَصَارَ الثُّلُثُ سَهْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهُ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي سَهْمًا وَاحِدًا لِيَصِيرَ مَعَ السَّهْمِ الْمَأْخُوذِ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فَسَلَّمَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْآخَرِ
فَيَنْتَصِفُ فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَمَّا انْكَسَرَ بِالنِّصْفِ ضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٍ فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَصِيرُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ ضِعْفَ مَا كَانَ وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفَانِ ضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ تِسْعَةً وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ ضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ ثَلَاثَةً وَهِيَ رُبُعُ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ نَقُولُ إذَا صَارَ الْمَالُ اثْنَيْ عَشَرَ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ بَقِيَ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي جَمِيعَهُ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ لَا يَدَّعِي إلَّا سَهْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ حَقِّي فِي الثُّلُثِ ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ وَصَلَ إلَيَّ سَهْمَانِ بَقِيَ حَقِّي فِي سَهْمَيْنِ فَلَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ السَّهْمَيْنِ ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ مُعْطًى لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَبَقِيَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ سَهْمٌ فَصَارَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ رُبُعُ الْمَالِ فَأَفَادَتْ الْإِجَازَةُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِهِمَا لَكِنَّ التَّخْرِيجَ مُخْتَلِفٌ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ ، وَوَجْهُ تَخْرِيجِهِمَا أَنْ نَقُولَ اجْتَمَعَ هُنَا وَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ وَوَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ فَجَعَلْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهُ ثَلَاثَةً وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَدَّعِي ثُلُثَهُ سَهْمًا فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةٍ : رُبُعُهُ وَهُوَ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ا هـ مُصَفَّى .
( وَلَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ وَالتَّفْضِيلَ وَامْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي السِّعَايَةِ وَأُخْتَيْهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَقَعَتْ بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ نَفَاذُهَا بِحَالٍ فَتَبْطُلُ أَصْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاطِلُ وَالتَّفْضِيلُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ وَأُخْتَيْهَا ؛ لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جَمِيعِ حَقِّهِ بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَيَخْرُجَ الْكُلُّ مِنْ الثُّلُثِ ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيمَتُهَا تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَفِي الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ تَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالْمُحَابَاةِ فَإِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ مِثْلَهُ وَمَعَ هَذَا يَضْرِبُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ .
( قَوْلُهُ وَهَذَا يُنْتَقَضُ بِالْمُحَابَاةِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا انْتِقَاضَ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ بِالثَّمَنِ لِتَمَلُّكِهِ الْعَيْنَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ بَطَلَ وَبِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ بَاطِلَةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحِيحَةٌ ، وَقَالَ زُفَرُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُهُ فِي الْحَالِ ، وَذَكَرَ نَصِيبَ الِابْنِ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَقَوْلُهُ أَوْصَيْت بِنَصِيبِ ابْنِي أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ ، وَمِثْلُهُ سَائِغٌ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } أَيْ أَهْلَهَا وَلَنَا أَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ وَصِيَّةً بِمَالِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ إذَا كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَدُلُّ عَلَى الْمَسْئُولِ وَهُمْ الْأَهْلُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلَهُ الثُّلُثُ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمْ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّ ) وَيَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً بِنِصْفِ الْمَالِ إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِلَّا كَانَ لَهُ الثُّلُثُ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ بَيَانُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ سَوَّى هُنَا بَيْنَ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى لَهُ السُّدُسُ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ جَعَلَ السُّدُسَ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَجَعَلَهُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا فَهَذَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فَقَطْ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ نَصِيبُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ ، وَهَذَا فِي عُرْفُهُمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ السُّدُسِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُعْطَى لَهُ الثُّلُثُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ا هـ هِدَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ ) ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَتَضَمَّنُ السُّدُسَ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ سُدُسُ مَالِي لَهُ السُّدُسُ ) يَعْنِي سُدُسًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ وَالْمُعَرَّفُ إذَا أُعِيدَ مُعَرَّفًا كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يَهْلِكُ مَا هَلَكَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى الْبَاقِي كَذَلِكَ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَنَا أَنَّ حَقَّ بَعْضِهِمْ يُمْكِنُ جَمْعُهُ فِي الْبَعْضِ الْمُتَعَيَّنِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَفِيهِ جَمْعٌ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْبَعْضِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِدِرْهَمٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَشَرَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْجِنْسُ كُلُّهُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ إذَا كَانَ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ بَقِيَّةِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَهْلِكُ الْهَالِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَنْ لَوْ اسْتَوَى الْحَقَّانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الْآخَرِ فَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ كَمَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دُيُونٌ وَوَصَايَا وَرَثَةٍ ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالْإِرْثُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا وَهُنَا الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْإِرْثِ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ حَقَّ الْوَرَثَةِ عَنْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ إذْ لَا يَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ
الْبَعْضُ فِي الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .( قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ ) أَيْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً ) بِأَنْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ فَأَوْصَى بِثُلُثِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ لِرَجُلٍ فَهَلَكَ صِنْفَانِ وَبَقِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَعْنِي بَقِيَ الْإِبِلُ أَوْ بَقِيَ الْبَقَرُ أَوْ بَقِيَ الْغَنَمُ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ ) أَيْ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ ) فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْبَاقِي ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ دُورًا لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ أَوْ بِثُلُثِ دُورِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّقِيقِ وَالدُّورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْمُقَاسَمَةِ فِيهِمَا وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَنْ اجْتِهَادٍ عِنْدَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ بَلْ يَتَعَذَّرُ وَلَا قَضَاءَ هُنَا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ إجْمَاعًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ جَمْعُهُ جَبْرًا بِالْقَضَاءِ أَمْكَنَ جَمْعُهُ تَقْدِيرًا ، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِدُونِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ إيفَاءَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ بِأَحَدٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَثُلُثُ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ ) أَيْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دَفَعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْعَيْنِ ثُمَّ كُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَهُوَ الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي الْحَقِيقَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ مَزِيَّةً عَلَى الدَّيْنِ ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِاعْتِبَارِهِ تَنَاوَلَتْهُ الْوَصِيَّةُ فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَثْلَاثًا فَيُصَارُ إلَيْهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُوَ مَيِّتٌ لِزَيْدٍ كُلُّهُ ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبِثُلُثِ مَالِهِ وَعَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ لَهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَمْرٍو لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يَسْلَمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا وَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّ الْآخَرِ مِثَالُهُ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِفُلَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مِتّ وَهُوَ فَقِيرٌ فَمَاتَ الْمُوصِي وَفُلَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ غَنِيٌّ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِعَبْدِ اللَّهِ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَكَانَ الْحَرْفُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ ثُمَّ خَرَجَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِزَيْدٍ نِصْفُهُ ) أَيْ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَعَمْرٌو مَيِّتٌ كَانَ لِزَيْدٍ نِصْفُ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ التَّنْصِيفَ فَلَا يَتَكَامَلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ حَيْثُ يَكُونُ لِلْحَيِّ كُلُّ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى كَلَامٌ يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَالْمَذْكُورُ وَصِيَّةٌ بِكُلِّ الثُّلُثِ وَالتَّصْنِيفُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ يَتَكَامَلُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ ، وَلَوْ قَالَ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ بَلْ نِصْفَهُ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ بِدَلِيلِ { لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثُلُثِهِ وَلَا مَالَ لَهُ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُ عِنْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِشَخْصٍ وَلَا مَالَ لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصَى بِهِ عَيْنًا أَوْ نَوْعًا مُعَيَّنًا وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ بِنَوْعٍ مِنْ مَالِهِ كَثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ اكْتَسَبَ غَنَمًا آخَرَ أَوْ عَيْنًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَاسْتَفَادَهَا ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ نَوْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الشَّاةَ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ } وَعَيْنُ الشَّاةِ لَا تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ مَالِيَّتُهَا فِيهَا ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ وَبِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا وَقِيلَ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ ، وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْغَنَمِ
عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كَالْبَقَرِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثُلُثِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَهْمٌ لِلْفُقَرَاءِ وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ثَلَاثٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَخْمَاسًا فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ سَهْمٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ أَسْبَاعًا ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْآيَتَيْنِ اثْنَانِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ اثْنَانِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً فَيُقَسَّمُ أَسْبَاعًا وَلَهُمَا أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَالْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِهِمَا الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } وَلَا يَحْتَمِلُ مَا بَيْنَهُمَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى لِتَعَذُّرِ إرَادَةِ الْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدَةِ فَيُتَنَاوَلُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثٌ فَتَبْلُغُ السِّهَامُ خَمْسَةً وَلَيْسَ فِيمَا تَلِي دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَتَيْنِ نَكِرَةٌ وَكَلَامُنَا فِي الْمَعْرِفَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنَكَّرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ
يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُنَّ فِي الْعُرْفِ وَاَللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ مَوَالٍ لَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ ، وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِنَّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ أُولَئِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ وَلَا يُقَالُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِالْمَالِ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي لَمْ يَعْتِقْنَ حَالَ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَهُنَّ لَمَلَكْنَهُ حَالَ نُزُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ لِكَوْنِ الْعِتْقِ وَالتَّمْلِيكِ مُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ وَالْعِتْقُ يَنْزِلُ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ إمَاءٌ فَكَذَا تَمَلُّكُهُنَّ يَقَعُ وَهُنَّ إمَاءٌ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَمْلِيكَهُنَّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَصُرِفَ إلَيْهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ وَلَهُمْ نِصْفُهُ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ لِزَيْدٍ النِّصْفُ مِنْهُ وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُلُثُهُ لِزَيْدٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَأْخَذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ كَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصْرِفُهُ إلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمِائَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمِائَةٍ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ وَبِأَرْبَعِمِائَةٍ لَهُ وَبِمِائَتَيْنِ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } عَلَى الْمُسَاوَاةِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأُولَى لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ هُوَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الثَّانِيَةِ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً كَانَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونَانِ كَجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَتَا كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك أَوْ أَدْخَلْتُك مَعَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَيَتَعَذَّرُ جَعْلُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا فَاعْطُوهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ رَأَى الْوَصِيُّ أَنْ يُعْطِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ قَصْدَهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ فَيَسْعَى فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَيَجْعَلُهُ وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَاعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ فَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا هَذَا فَيُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ ( عَزَلَ الثُّلُثَ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا ) أَيْ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا عَزَلَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَانِ ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَقَدَّمْنَا عَزْلَ الْمَعْلُومِ وَفِي الْإِفْرَازِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ وَالْآخَرُ أَلَدُّ وَأَلَجُّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا أَفْرَزْنَا ثُلُثًا عَلِمْنَا أَنَّ فِي
التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ بِبَيَانِهِ فَإِذَا بَيَّنُوا شَيْئًا أَخَذَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ فَرِيقٍ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُنَا أَلْزَمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقَ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ .( قَوْلُهُ فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ ) وَلَوْ قَالَ هَكَذَا صَحَّ كَلَامُهُ وَيَكُونُ إنْفَاذُهُ مِنْ الثُّلُثِ لَا غَيْرُ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ جَوَازُهَا مِنْ الثُّلُثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ ) فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَجْهُولٌ أَيْ قَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَكِنَّهُ دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَصِيَّةٌ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ ا هـ ( قَوْلُهُ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ ) أَيْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ ) لَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَ وَصِيَّتُهُ لِلْوَارِثِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ لَهُمَا وَالشَّرِكَةُ تُثْبِتُ حُكْمًا لِلتَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ مِنْ الْآخَرِ ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ كَائِنٍ ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَا إلَى إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَيَبْطُلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْبِضُ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا وَيُشَارِكُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فَيَبْطُلُ حَتَّى يَبْطُلَ الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَفِي الْإِنْشَاءِ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذَا إذَا تَصَادَقَا ، أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ أَوْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ شَرِكَةَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِ
حَقِّهِ وَبُطْلَانِ حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ وَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَبْطُلُ كَمَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ لِثَلَاثَةٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيًّا وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَلَاثَةِ ثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَوْبٍ فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هُوَ وَالْوَارِثُ يَجْحَدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك أَوْ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَلَا أَدْفَعُ إلَيْكُمْ شَيْئًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَتَبْطُلُ كَمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا مَا بَقِيَ ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِجَهَالَةٍ طَارِئَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمُوا الْبَاقِيَ زَالَ الْمَانِعُ فَعَادَتْ صَحِيحَةً عَلَى مَا كَانَتْ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ ) أَيْ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ يُعْطَى ثُلُثَا الثَّوْبِ الْجَيِّدِ وَلِصَاحِبِ الرَّدِيءِ يُعْطَى ثُلُثَا الثَّوْبِ الرَّدِيءِ وَلِصَاحِبِ الْوَسَطِ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا ثَوْبٍ ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا قُسِّمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْوَسَطِ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْآخَرَانِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ
الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ أَوْ الرَّدِيءُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَيِّدُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ أَوْ الْوَسَطُ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الرَّدِيءُ وَصَاحِبُ الْوَسَطِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ أَجْوَدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِمَا حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ مِنْ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِإِيصَالِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَاجِبَةٌ وَهُمْ فِي احْتِمَالِ بَقَاءِ حَقِّهِ وَبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ وَفِيمَا قُلْنَا إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَتَحْصِيلُ غَرَضِ الْمُوصِي مِنْ التَّفْضِيلِ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَضَاعَ ثَوْبٌ ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ ) أَيْ مِنْ الثَّوْبَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ) أَيْ الرَّدِيءَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ ) أَيْ مِنْ الثَّوْبَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْجَيِّدَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِبَيْتِ عَيْنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَقُسِّمَ وَوَقَعَ فِي حَظِّهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا مِثْلُ ذَرْعِهِ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّ الدَّارَ تُقَسَّمُ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ نِصْفُ الْبَيْتِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فَتَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ وَيَتَوَقَّفُ الْبَاقِي عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ ثُمَّ إذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ إذَا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ عَيْنُ الْبَيْتِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَوْصَى بِهِ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِي الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَنْفِيذِهَا فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ تَنْفِيذًا لِوَصِيَّةٍ فِي بَدَلٍ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِيصَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْكَمَالِ ظَاهِرًا ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ
وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ تَابِعٌ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ كُلَّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَبَطَلَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُوصَى بِهِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِفْرَازِ صَارَ كَأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفِيذٌ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ الْبَيْتِ جَمِيعِهِ مِنْ الَّذِي وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ ، وَلِأَنَّ مُرَادَ الْمُوصِي مِنْ ذِكْرِ الْبَيْتِ تَقْدِيرُهُ بِهِ غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ التَّقْدِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَإِذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ عَمِلْنَا بِالتَّقْدِيرِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ وُقُوعِ الْبَيْتِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَأَرَادَ التَّمْلِيكَ عَلَى اعْتِبَارِ وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ بِاعْتِبَارَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعِتْقَ ذَلِكَ الْوَلَدُ تَقَيَّدَ فِي حَقِّ الْعِتْقِ بِالْوَلَدِ الْحَيِّ لَا فِي حَقِّ الطَّلَاقِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُوصِي وَالدَّارُ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَالْبَيْتُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ يُقَسَّمُ نَصِيبُ الْمُوصِي بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى عَشْرَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تِسْعَةٌ لِلْوَرَثَةِ وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْبَيْتِ وَهُوَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَهُمْ بِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا نِصْفَ الْبَيْتِ الَّذِي صَارَ لَهُ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْ الدَّارِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا فَتُجْعَلُ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا سَهْمًا فَصَارَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ وَهُمْ بِنَصِيبِهِ كُلِّهِ إلَّا الْبَيْتَ
الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَجْعَلُ كُلَّ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ سَهْمًا فَصَارَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ وَأَرْبَعَةٌ لَهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْإِقْرَارُ مِثْلُهَا ) أَيْ الْإِقْرَارُ بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ ، مِثْلُ الْوَصِيَّةِ بِهِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ إنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمَا وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ النِّصْفِ أَوْ قَدْرِ النِّصْفِ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى إنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ .( قَوْلُهُ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُمَا ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكٍ إلَخْ ) تَقَدَّمَ هَذَا الْفَرْعُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَلْفِ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ آخَرَ فَأَجَازَ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَدَفَعَهُ صَحَّ وَلَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَدَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَجَازَ كَانَ مِنْهُ هَذَا ابْتِدَاءَ تَبَرُّعٍ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ لِلْقَاتِلِ أَوْ لِلْوَارِثِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَهُ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَيَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ إقْرَارُ أَحَدِ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ فِي ثُلُثِ نَصِيبِهِ ) مَعْنَاهُ إذَا اقْتَسَمَ الِابْنَانِ تَرِكَةَ أَبِيهِمَا وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ لَهُمَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالْهَالِكِ فَيَهْلِكُ عَلَيْهِمَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا لَهُ بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ وَبِثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَخِيهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ أَخِيهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَيُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَدَّى إلَى مَحْظُورٍ وَهُوَ أَنَّ الِابْنَ الْآخَرَ بِمَا يُقِرُّ بِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَيَزْدَادُ نَصِيبُهُ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ خَلَفٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِمَا حَيْثُ يَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْمُقِرُّ لَهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ إنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا إذَا سَلَّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفَ ذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ بَلْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْمُسَاوَاةُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَلِهَذَا
لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ فَأَقَرَّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ لَا يَزِيدُ حَقُّهُ عَلَى الثُّلُثِ ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ لَسَاوَاهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ ، وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ حَيْثُ يَكُونُ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ فَيُسَاوِيهِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ أَيْضًا سَاوَاهُ فَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ هَالِكًا عَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ فَيَزْدَادُ نَصِيبُهُ عَلَى الثُّلُثِ ) فِيهِ نَظَرٌ ا هـ كَذَا بِخَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ ا هـ ( فَرْعٌ لَطِيفٌ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرِكَةٌ فِيهَا دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَقَسَّمَهُ الْوَرَثَةُ ثُمَّ جَاءَ الْغَرِيمُ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الدَّيْنِ بِمَا يَخُصُّهُ فِي ثُلُثِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَانْقَسَمَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ بَنِينَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ الْأَلْفِ وَهَذَا إذَا أَخَذَهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي جُمْلَةً أَمَّا إذَا ظَفَرَ بِأَحَدِهِمْ يَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ لِلْوَارِثِ ضِعْفَ ذَلِكَ ) وَلَوْ كَانَ الْبَنُونَ ثَلَاثَةً وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوهَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَصَدَّقَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ عِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ ثُلُثَ كُلِّ التَّرِكَةِ لَهُ وَالثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْبَنِينَ أَثْلَاثًا فَنَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَلِثُلُثِهِ ثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ تِسْعَةُ ثُلُثِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالْبَاقِي وَهُوَ سِتَّةٌ بَيْنَ الْبَنِينَ أَثْلَاثًا لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ، وَلِلْمُقِرِّ سَهْمَانِ فَيُقَسَّمُ مَا فِي يَدِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ فَصَارَ خَمْسَةً لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةً وَلَهُ اثْنَانِ وَعِنْدَنَا يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ لِمَا مَرَّ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ حَافِظُ الدِّينِ فِي كَافِيهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ السَّاعَاتِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَجْمَعِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَرَجَا مِنْ ثُلُثِهِ فَهُمَا لَهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَهَا حَتَّى تَقْضِيَ بِهِ دُيُونَهُ ، وَتُنَفِّذَ مِنْهُ وَصَايَاهُ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأُمِّ أَوَّلًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَا يَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِبَيْعِهَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ عَتَقَهَا فَوَلَدَتْ وَكَمَا إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ حَتَّى يُبَاعَ أَوْ يَعْتِقَ مَعَهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ الْأُمِّ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهِمَا جَمِيعًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا تُنْتَقَضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ لَا يُقَابِلُ الْأَصْلَ بَلْ بَعْضَهُ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا بِيعَا بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي أَوْ وَلَدَتْ
الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ وَقُبِضَ الْوَلَدُ مَعَ الْأُمِّ ، وَذَلِكَ لَا يُبَالَى بِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي النَّقْضِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي مُحَابَاةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُمَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ خَالِصًا لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَهُمَا وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ بَطَلَ كَهِبَتِهِ وَإِقْرَارِهِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ لِابْنِهِ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ لَهُ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالدَّيْنِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ وَهُوَ وَارِثٌ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَالْهِبَةُ حُكْمُهَا مِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَافِرًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ وَارِثٌ بِسَبَبٍ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ إيثَارِ الْبَعْضِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَأَقَرَّ لِأَخِيهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَبِيهِ الْمُقِرِّ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَهُ يَكُونُ بَاطِلًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَارِثَةً بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَالْإِقْرَارُ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حَالَ صُدُورِهِ فَيَلْزَمُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَهُ فَلِهَذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَافْتَرَقَ فِي الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ غَيْرُ وَارِثَةٍ بِأَنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أَعْتَقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَقِيلَ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَيَقَعُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ تَقَعُ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا تَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ الْمَوْتَ فَهِبَتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَغَلُ بِالتَّدَاوِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ بِهِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَحْرِيرُهُ فِي مَرَضِهِ وَمُحَابَاتُهُ وَهِبَتُهُ وَصِيَّةٌ ) أَيْ حُكْمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ لَا حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنْجَزَةٌ فِي الْحَالِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ إذَا الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِضَافَةِ لَا حَالَةُ الْعَقْدِ وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَكُلُّ مَرَضٍ بَرَأَ مِنْهُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِحَالِ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَبِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ .بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ ) لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِوُقُوعِهِ تَبَرُّعًا فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَلَكِنْ أَخَّرَهُ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الدَّلَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ ) لِمَا أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا يُتَّهَمُ فِي الْهِبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَسْعَ إنْ أُجِيزَ ) أَيْ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَهِيَ تَجُوزُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَيَسْقُطُ بِالْإِجَازَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ حَابَى فَحَرَّرَ فَهِيَ أَحَقُّ وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا ) أَيْ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّنْفِيذِ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ مَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الدُّيُونِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِ الْمَوْتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَكَذَا الْحَقُّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ فِي السَّبَبِ وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحَقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَتْ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهَا لَا
بِصِيغَتِهَا حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ وَيَمْلِكَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دَفَعَتْ الْأَضْعَفَ وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي وَلَا يُقَالُ إنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ بَيَانُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُعْتِقِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا ثُمَّ اسْتَرَدَّ الْمُعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الثَّانِي وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ اسْتَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ مَا أَصَابَ الْمُعْتِقُ الثَّانِي لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمُعْتِقُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَالسَّبِيلُ فِي الدَّوْرِ قَطْعُهُ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ عَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ) تَبِعَهُ فِيهِ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ أَوْلَى عِنْدَهُمَا فَقَالَ فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى وَقَالَ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَتَنَبَّهْ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ وَقَالَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ) أَيْ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ ) مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبُعِ وَالسُّدُسِ لَا يُقَدِّمُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ ) أَيْ الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ ) كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْقُرْبِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا إذَا اسْتَوَتْ يُقَدِّمُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِلِاسْتِوَاءِ وَاتِّحَادِ الْمُسْتَحَقِّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ حَتَّى يَأْخُذَ الشَّفِيعُ ) أَيْ بِالشُّفْعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَمْلِكَهُ ) أَيْ الْبَيْعَ بِالْمُحَابَاةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ تَنْفُذْ بِخِلَافِ الْحَجِّ ) ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعِتْقِ ، وَقَالَا يُعْتَقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِيَ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهِ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ ، وَهَذَا الْبِنَاءُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ وَلَا سَبِيلَ لِإِنْكَارِهِ ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدٌ فَيُعْتَقَ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ فَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي صِحَّتِهَا فَلَا تَصِحُّ بِالشَّكِّ وَلَا كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ لِأَنَّ الْمُوصِيَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَصَارَ الْمُوصَى لَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ لَا أَقَلُّ مِنْ مِائَةٍ فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمِائَةِ فَأُعْتِقَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَرْفُ وَصِيَّتِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِكُلِّ مَالِهِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيَعْتِقَ فَلَمْ يُجِيزُوا فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَقَالَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ فَجَنَى وَدَفَعَ بَطَلَتْ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَمَاتَ الْوَلِيُّ فَجَنَى الْعَبْدُ وَدَفَعَ بِالْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَمِلْكُ الْمُوصِي بَاقٍ إلَى أَنْ يَدْفَعَ وَبِهِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ .( قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً خَطَأً فَحُكْمُهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِعِتْقِهِ إذَا جَنَى جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا دَفَعُوهُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءُوا فَدَوْهُ فَإِنْ دَفَعُوهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّفْعَ يُبْطِلُ حَقَّ الْمَالِكِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ مَنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ بَاعَ أَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا صَحَّ الْإِبْطَالُ لِأَنَّ حَقَّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ مَنْ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ الْمَالِكِ وَإِنْ اخْتَارُوا الْفِدَاءَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي مَالِهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِطَهَارَةِ الْعَبْدِ بِالْفِدَاءِ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ فَدَى لَا ) أَيْ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ وَكَانَ الْفِدَاءُ فِي أَمْوَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَجْنِ .( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ طَهُرَ ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَالْوَارِثُ فِي مَرَضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ أَوْ يُبَرْهِنَ عَلَى دَعْوَاهُ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَبْدٌ وَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ ، وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَالِهِ سِوَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ فَيَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ مَالِهِ غَيْرَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَذَهَبَ الثُّلُثُ بِالْعِتْقِ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَكَانَ مُنْكِرًا لِاسْتِحْقَاقِهِ ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَرَثَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ فَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ سِوَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَالْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّهُ ، وَكَذَا الْعَبْدُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ
حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَصْمًا وَهُوَ نَظِيرُ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَفِيهِ الْمَقْذُوفُ فَيَكُونُ خَصْمًا بِذَلِكَ ، وَكَذَا السَّرِقَةُ الْحَدُّ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِرْدَادُ الْمَالِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُومَتِهِ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ .( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ ) فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا ) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ ( وَالْعَبْدُ عِتْقًا ) أَيْ فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ( فَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ دَيْنًا وَعَبْدُهُ عِتْقًا فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ صَدَّقْتُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيُسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَقَضِيَّةُ الدَّفْعِ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ ، وَقَالَ آخَرُ هَذَا الْأَلْفُ لِي كَانَ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا هُمَا سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ ، وَذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ
فَقَالَ لَوْ تَرَكَهُ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي دَيْنًا وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودَعِي وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا اسْتَوَيَا وَأُعْطِيَا مَنْ أَوْدَعَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَدِيعَةَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُورَثُ حَيًّا فَقَالَ صَدَّقْتُمَا ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُورَثِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ عَيْنَ التَّرِكَةِ كَإِقْرَارِهِ الْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَافْتَرَقَا وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَّفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجَعَلَ الْأَصَحَّ خِلَافَهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ وَإِنْ أَخَّرَهَا كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِالْأَهَمِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحَجَّ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ فَقَطْ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وَقَالَ تَعَالَى { فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } مَكَانَ قَوْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا بِالْكِتَابِ دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا دُونَ الْأُضْحِيَّةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى حَتَّى تُقَدَّمَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَكْثَرُ تَغْلِيظًا مِنْهُمَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي التَّحْرِيرِ عَنْهَا دُونَهُمَا ثُمَّ تُقَدَّمُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى
وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ حُرْمَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ أَغْلَظَ وَأَقْوَى دُونَهَا وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِمَا بَيَّنَّا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَتْ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ عَلَى التَّعَاقُبِ يَسْتَوُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ إذَا اتَّحَدَ وَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا كُلِّهَا يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُوصِيَ يَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ عَادَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءً مِنْ صَلَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ لَا يَشْتَغِلُ بِالنَّفْلِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَيَتْرُكُ الْقَضَاءَ عَادَةً ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْخِفَّةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ أَوْصَى لِآدَمِيٍّ مَعَ الْوَصَايَا بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الْآدَمِيُّ مُعَيَّنًا قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ فَمَا أَصَابَ الْقُرْبُ صُرِفَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرْبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ فَتَكُونُ كُلُّ جِهَةٍ مِنْهَا مُسْتَحَقَّةً بِانْفِرَادِهَا ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الْآدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلَا يُقَسَّمُ بَلْ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحَقٌّ مُعَيَّنٌ .
قَوْلُهُ وَلَا يَجْعَلُ الْجَمِيعَ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَلِزَيْدٍ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ غَيْرُ الْأُخْرَى وَلَا يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ إذَا أَوْصَى بِهَا فَأَمَّا بِدُونِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَيْهَا بَلْ تَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ وَإِذَا أَوْصَى يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ كَمَا وَجَبَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثُ النَّفَقَةَ إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَلَى صِفَةٍ ، وَقَدْ عُدِمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيُؤْتَى بِهَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى عَبْدٌ بِمَالٍ قَدَّرَهُ فَضَاعَ بَعْضُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ ) وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا قَالَ أَنَا أَحُجُّ مِنْ مَنْزِله بِهَذَا الْمَالِ مَاشِيًا لَا يُعْطَى لَهُ ذَلِكَ وَيَحُجُّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا فَالْوَصِيَّةُ انْصَرَفَتْ إلَى الْحَجِّ الْمَعْرُوفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ ) وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ ضَمِنُوا النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُحَصِّلُوا مَقْصُودَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي الثَّانِي حَصَّلُوا مَقْصُودَهُ وَزِيَادَةً ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ ، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُكْتَبُ لَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لِلتِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ وَعَمَلُهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ } الْحَدِيثَ وَالْمُرَاد بِالْمَتْلُوِّ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ الثَّوَابِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَهُ وَطَنٌ وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ يَتَجَهَّزُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَكَذَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ حَيْثُ حَلَّ .
( قَوْلُهُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ ) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ عَمَلِ إلَخْ ) الْحَدِيثَ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ } وَالْخُرُوجُ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ مِثْلُهُ ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَحَجَّ عَنْهُ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاجِّ عَنْ نَفْسِهِ إذَا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يُحَجَّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ } حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ الْمُلَاصِقِ بِالْجِوَارِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرَاضِيِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا جَارُ الرَّجُلِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ جَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ أَنْ يَبَرَّهُمْ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقِينَ وَغَيْرَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ وَالِاخْتِلَاطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا } هَكَذَا وَهَكَذَا قُلْنَا هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَارِ السَّاكِنِ وَالْمَالِكِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَالِاخْتِصَاصَ بِهِ ثَبَتَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إلَّا بِالتَّمْلِيكِ مِنْهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ
أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْأَرْمَلَةِ تَدْخُلُ ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا ، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ ) قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى فَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِجِيرَانِي الْمُلَاصِقِينَ لِدَارِهِ فَكُلُّ دَارٍ كَانَتْ تَلْزَقُهُ فَالْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ مَنْ فِيهَا مِنْ الْمَكَانِ وَغَيْرِهِمْ عَبِيدًا كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا نِسَاءً كَانُوا أَوْ رِجَالًا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ذِمَّةً كَانُوا أَوْ مُسْلِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ أَوْ بَعُدَتْ إنْ كَانُوا مُلَازِقِينَ الدَّارَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثُّلُثُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْجِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ يَضُمُّهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَجَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَعْوَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَؤُلَاءِ جِيرَانُهُ فِي كَلَامِ النَّاسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ سَوَاءٌ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِثُلُثِ مَالِهِ لِجِيرَانِهِ فَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لِلسُّكَّانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الدُّورِ الَّتِي يَجِبُ لِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ دَارٌ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ جِيرَانِهِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَقَدْ قَالَ هِلَالٌ الرَّأْيُ أَنَّ الْجَارَ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْوَصِيَّةِ بِهَذَا لَجَازَ فِي الشُّفْعَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ ) قَالَ فِي وَجِيزِهِمْ إذَا أَوْصَى لِجِيرَانِهِ أُعْطِي أَرْبَعُونَ جَارًا مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبَ أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعُونَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا } ) الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ هَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ وَرَاوِيهِ مَطْعُونٌ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالصِّهْرُ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهُ كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَأَشْبَاهِهِنَّ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّتِي يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النَّسَبِ سَبْعًا { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ بَائِنٍ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَالْبَائِنَ يَقْطَعُهُ ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا .( قَوْلُهُ صَفِيَّةُ ) صَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ ) ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَهْلُهُ زَوْجَتُهُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مَمَالِيكِهِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَبَّدٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } ، وَقَالَ تَعَالَى { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلَّا امْرَأَتَهُ0 } وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةً لِلزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ النَّصُّ وَالْعُرْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } { فَقَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا } وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَخْتَانُهُ إلَخْ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي إمْلَائِهِ إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِأَخْتَانِي بِثُلُثِ مَالِي فَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الزَّوْجِ فَهَؤُلَاءِ أَخْتَانُهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَبِنْتُ أُخْتٍ وَخَالَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ زَوْجٌ وَلِزَوْجِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْحَامٌ فَكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَخْتَانُهُ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ فِيهِ سَوَاءٌ أُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِ ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ فَكَانُوا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ وَمِنْ أَهْلِ بَيْتٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْآبَاءِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَآلِهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ جِهَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً فَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْهُمْ ، وَكَذَا أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ نَسَبِهِ كَآلِهِ وَجِنْسِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ وَالْجَدُّ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ النَّسَبِ وَالْجَدَّ أَصْلُ نَسَبِ أَبِيهِ ، وَقَالَ فِي الْكَافِي لَوْ كَانَ الْأَبُ الْأَكْبَرُ حَيًّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُضَافِ لَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَلَوْ أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ لِجِنْسِهَا أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهَا لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ لَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَا يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَالْوَارِثُ وَتَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مِثْلِ أَبِي طَالِبٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَقْرِبَاءِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيٍّ فَمَنْ اكْتَفَى بِإِدْرَاكِ الْإِسْلَامِ صَرَفَهُ إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ شَرَطَ إسْلَامَهُ صَرَفَهُ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا غَيْرُ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ لَهُمَا أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْقَرِيبِ حَقِيقَةً لِلْكُلِّ إذْ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَكُونُ اسْمًا لِكُلِّ مَنْ قَامَتْ بِهِ فَيَتَنَاوَلُ مَوَاضِعَ الْخِلَافِ ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَكَذَا فِي أُخْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا تُخَالِفُ الْأُخْتَ فِي الْأَحْكَامِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِي إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَرْكِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَيَّدَهُ بِالْأَبِ الْأَدْنَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ أَقْرِبَاءَ عَادَةً وَمَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ مِنْهُ عُقُوقًا إذْ الْقَرِيبُ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى
غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ غَيْرِهِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلِهَذَا عَطَفَ الْقَرِيبَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ وَلَوْ كَانَا مِنْهُمْ لَمَا عُطِفُوا عَلَيْهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَقِيلَ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي أَقْرِبَاءِ الْإِنْسَانِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَثْرَةٌ ، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِمْ كَثْرَةٌ لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُمْ فَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ إلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَجَدَّةِ أُمِّهِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُرَادُ بِالْجَمْعِ الْمَثْنَى فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا فِي الْأَنْسَابِ فَمُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ نَسَبٍ وَفِيهِ لَا تَدْخُلُ قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَهِيَ لِعَمَّيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَفْظُ الْجَمْعِ يُرَادُ بِهِ الْمُثَنَّى فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُكْتَفَى بِهِمَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ لَهُ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ كَانَ
لِلْعَمِّ نِصْفُ مَا أَوْصَى بِهِ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ فِيهِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذَ هُوَ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيَحْرُزُ الْوَاحِدُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيَرُدُّ النِّصْفَ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ فَلِهَذَا يُعْطَى لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُرَدُّ إلَى الْوَرَثَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَمٌّ وَعَمَّةٌ اسْتَوَيَا ) ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقُّوا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَخْوَالٌ مَعَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّمِّ إلَيْهِمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِهِمَا ، وَلَوْ انْعَدَمَ الْمَحْرَمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَلَا يَخْتَصُّ الْأَعْمَامُ بِالْوَصِيَّةِ دُونَ الْأَخْوَالِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا .
قَوْلُهُ أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ) وَهُوَ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ أَوْ أَوَّلُ أَبٍ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيٍّ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى عَلَوِيٌّ لِأَقْرِبَائِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ ) لِأَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَوَلَدَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ فَكَيْفَ دَخَلُوا فِيهِ هُنَا ) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَنْسَابِهِ حَقِيقَةً النِّسْبَةُ وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ الْأُمِّ كَالْأَبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى أَبِيهِ بِالدَّعْوَةِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِهِ انْقِطَاعُهَا عَنْ الْأُمِّ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَمْعُ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَكُلُّهُ لِلْعَمِّ عِنْدَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُ الْعَمُّ كُلَّهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَةٌ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ ) أَيْ لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ شَيْءٌ يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ وَهِيَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ أَوْ إخْوَتِهِ كَذَلِكَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ ، وَلِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ فَكَانَتْ هِيَ الْعِلَّةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَصَّ عَلَى الْوِرَاثَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ بِقَدْرِهَا ثُمَّ شَرْطُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى حَتَّى تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ مَنْ هُوَ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصَى قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لِوَرَثَتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْوَرَثَةِ مُوصًى لَهُ آخَرُ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا أَصَابَ الْوَرَثَةُ جُمِعَ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَبَدًا ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَيَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَصْلِنَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافَةٌ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُوَرِّثُ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ لَهُ وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ يَفْنَى ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُجَوِّزُ لِلْوَصِيَّةِ بِهَا الْحَاجَةُ وَهِيَ تَشْمَلُ الْكُلَّ إذْ الْمُوصِي مُحْتَاجٌ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا الْمُوصَى لَهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا تُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ( خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ
إلَى الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ تِلْكَ السَّنَةُ فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ يُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِإِمْكَانِ قِسْمَةِ عَيْنِ الدَّارِ أَجْزَاءً وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا ، وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَعْدَلَ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ ظَاهِرًا بِأَنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَيُمْنَعُونَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ .
( بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَنَافِعِ وَهِيَ الْأَعْرَاضُ وَأَخَّرَهَا عَنْ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ هِيَ الْأَصْلُ لِكَوْنِ الْعَيْنِ قَائِمَةً بِذَاتِهَا دُونَ الْعَرْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ إلَخْ ) وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجَهُ إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ هِدَايَةٌ يَعْنِي إذَا أَوْصَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِيَسْتَخْدِمَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حَسَبِ مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي فَإِذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي مِصْرِ الْمُوصِي فَمَقْصُودُ الْمُوصِي أَنْ يَخْدُمَهُ الْعَبْدُ فِي الْمِصْرِ بِدُونِ أَنْ تَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِ مِصْرِ الْمُوصِي فَمَقْصُودُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُ عِنْدَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَوْ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَخْدُمَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ بِالْإِفْصَاحِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَهْلِهِ فَكَذَا إذَا عُلِمَ عِنْدَ أَهْلِهِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالصَّرِيحِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الثُّلُثِ ) وَكَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَخْدُمُهُمْ أَثْلَاثًا ) فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصِي بِخِدْمَتِهِ وَكِسْوَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِمَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُؤْنَةٌ فَتَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ وَقُلْنَا الْعَبْدُ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا بِالنَّفَقَةِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ وَيَنْتَفِعُ وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ فَإِذَا اشْتَغَلَ بِالْخِدْمَةِ صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ تَنْمُو الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُعَدًّا لِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَهَا وَبَوَّأَهَا فَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى .
( فَرْعٌ ) أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِنَفْسِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا بِالْخِدْمَةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا فَلَوْ كَانَ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ الدَّارِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا الْفَصْلَ لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا مَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَسْكُنُ لَهُ وَلِأَجْلِهِ فَإِذَا سَكَنَ بِنَفْسِهِ جَازَ أَيْضًا وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ فَلَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ تِلْكَ الْغَلَّةِ وَلَوْ سَكَنَ هُوَ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ السُّكْنَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمَلُّكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَلَكَ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعَيْنِ وَفِي الْعَيْنِ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ سَوَاءٌ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ إذَا
تَمَلَّكَهَا وَلَنَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا مِنْ الْغَيْرِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ فَكَذَا هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِمَا حَصَلَتْ وَهُوَ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ وَهُمَا غَيْرَانِ مُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ أَمْكَنَهُمْ اسْتِرْدَادُ الْغَلَّةِ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِرْدَادُ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا فَكَانَ هَذَا أَوْلَى ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمَوْتِهِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ يَعُودُ الْعَبْدُ أَوْ الدَّارُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْحَالِ مِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتْ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ ثُمَّ مَاتَ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَحْدَهَا وَإِنْ قَالَ لَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي أَبَدًا كَانَ لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَثَمَرَتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مَا عَاشَ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّهُ دَائِمًا وَبِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمَ إلَّا إذَا زَادَ أَبَدًا فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهُ دَائِمًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ زَادَ أَبَدًا لَهُ هَذِهِ الثَّمَرَةُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ كَغَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَيْ إذَا زَادَ فِي الثَّمَرَةِ لَفْظَةَ أَبَدًا صَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَوْجُودَ وَمَا سَيُوجَدُ فِيهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ إذْ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَنَاوَلَ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا الْمَوْجُودُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ ، وَإِنَّمَا
كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا مَجَازًا فَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرَةٌ يَتَنَاوَلُ الْمَجَازَ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ تَنَاوَلَهُمَا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ .قَوْلُهُ وَلَا تَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ أَوْ بِثَمَرَةِ أَرْضِهِ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَبَدِ وَقَعَ عَلَى الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَبَدَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تِلْكَ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَالْمُوصَى لَهُ مَا دَامَ حَيًّا فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ لَهُ وَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَعَادَ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَالثِّمَارُ الْقَائِمَةُ تَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَا ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ لَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا سَيَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ لَكِنْ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ غَيْرِهَا ، وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالْوَلَدُ الْمَوْجُودُ فِي الْبَطْنِ يُسْتَحَقُّ بِجَمِيعِ الْعُقُودِ تَبَعًا وَبِالْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَا يُسْتَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِصُوفِ غَنَمِهِ إلَخْ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى بِالصُّوفِ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
( بَابُ وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُ فَيُورَثُ فَكَذَا هَذَا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً فِي مُعْتَقَدِهِمْ بَقِيَ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَسْجِدَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذِّمِّيُّ فِيهَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ يُتْرَكُونَ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا كَذَلِكَ الْبِيعَةُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ فَإِنَّهَا لِمَنَافِعِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً عَنْ حُقُوقِهِمْ فَكَانَ مِلْكُهُ فِيهَا ثَابِتًا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُورَثُ الْمَسْجِدُ أَيْضًا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِقَوْمٍ مُسَمَّيْنَ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَيَيْنِ .
( بَابُ وَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ ) لَمَّا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ذِمِّيٌّ جَعَلَ دَارِهِ إلَخْ ) مَعْنَاهُ جَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَهُمْ إحْدَاثُ الْبِيَعِ فِيهِ كَالْقُرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ مُسْلِمًا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ صَارَ مِيرَاثًا فَكَذَلِكَ هَذَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَالَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُضَافًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّمَا يُورَثُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ بِمَا لَا يَكُونُ قُرْبَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا ( قَوْلُهُ لِنَاسٍ مُعَيَّنِينَ ) أَيْ يُحْصَى عَدَدُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِدَارِهِ كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَوَصِيَّةِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمِنٍ بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِدَارِهِ أَنْ تُبْنَى كَنِيسَةً لِقَوْمٍ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ صَحَّتْ كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ حَرْبِيٍّ إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُبْنَى دَارُهُ كَنِيسَةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةً وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرَ الْمَعْصِيَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ قُرْبَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَنَحْنُ أَمَرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ ، فَيَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فِي مُعْتَقَدِهِمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ ثُمَّ الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ بِنَائِهَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا أَنَّ الْبِنَاءَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَانِي بِأَنْ يَصِيرَ مُحَرَّرًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَنِيسَةُ لَمْ تَصِرْ مُحَرَّرَةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتُوَرَّثَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرَ أَنَّ ثُبُوتَ مُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ امْتَنَعَ فِيمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ فَيَبْقَى فِيمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا يُوَرَّثُ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ هَذَا إذَا أَوْصَى بِبِنَائِهَا فِي الْقُرَى وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ فِي الْأَمْصَارِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ تُذْبَحَ خَنَازِيرُهُ وَيُطْعَمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ
مُعَيَّنِينَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُسْرَجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ بِأَنْ تُغْزَى التُّرْكُ وَهُوَ مِنْ الرُّومِ سَوَاءٌ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَفِي مُعْتَقَدِهِمْ أَيْضًا قُرْبَةٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ أَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ أَوْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِأَنْ تُسْرَجَ مَسَاجِدُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَتَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا النَّوْعَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ تَسْرِيجِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُمْ أَنْ يَصْرِفُوهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا هُوَ بَلْ يَفْعَلُونَ بِهِ مَا شَاءُوا ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ وَصَاحِبُ الْهَوَى إذَا كَانَ لَا يَكْفُرُ فَهُوَ فِي حَقِّ الْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ عَلَى
الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصَايَاهَا ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ فَجَعَلَهَا كَالذِّمِّيَّةِ ، وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فِي النِّهَايَةِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَا تَصِحَّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْأَشْبَهُ أَنْ تَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ صَاحِبُ الْكِتَابِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ، وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةُ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ الْمُرْتَدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالذِّمِّيَّةِ فَيَجُوزُ مِنْهَا مَا جَازَ مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَمَا لَا فَلَا وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى الْحَرْبِيُّ لِمُسْلِمٍ فَلِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّمْلِيكِ مُنَجَّزًا كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا فَكَذَا مُضَافًا ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ ؛ لِأَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّنَا ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَمَانِ وَالْأَمَانُ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ وَرَثَتِهِ ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَيَجُوزُ وَقِيلَ إذَا كَانَ
وَرَثَتُهُ مَعَهُ لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ ، وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ مَالِهِ أُخِذَتْ الْوَصِيَّةُ وَرُدَّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُسْتَأْمِنٍ مِثْلِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ دَبَّرَهُ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِوَصِيَّةٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَالذِّمِّيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا تَصِحُّ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ مِنْهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِهِمْ حُكْمًا حَتَّى يُمَكَّنَ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ ، وَلَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لِوَارِثِهِ لَا يَجُوزُ كَالْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ ، وَلَوْ أَوْصَى لِخِلَافِ مِلَّتِهِ جَازَ اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مُمْتَنِعٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالْمُسْلِمِ ، وَلَوْ أَوْصَى لِمُسْتَأْمِنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( بَابُ الْوَصِيِّ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقِبَل عِنْدَهُ وَرَدَّ عِنْدَهُ يَرْتَدُّ ) أَيْ عِنْدَ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَرُدَّ عِنْدَهُ بَلْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَا يَرْتَدُّ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ لَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَدُّ رَدُّهُ فَيَبْقَى وَصِيًّا عَلَى مَا كَانَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ ، وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا .( بَابُ الْوَصِيِّ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ إلَخْ ) وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ قَبُولَ الْوَصِيِّ يَصِحُّ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ يَقَعُ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصِي فَلَوْ وَقَفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي وَلَمْ يُسْنِدْ وَصِيَّتَهُ إلَى أَحَدٍ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا وَالْقَبُولُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَى الْمَوْتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيْعُهُ التَّرِكَةَ كَقَبُولِهِ ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ التَّرِكَةَ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ كَقَبُولِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ فَصَارَ قَبُولًا ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَبُولًا لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ ، وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَمَّا الْإِيصَاءُ فَخِلَافُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ .( قَوْلُهُ كَقَبُولِهِ نَصًّا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونَ وَصِيًّا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيُّ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْقَبُولَ يَكُونُ مَرَّةً بِالدَّلَالَةِ وَمَرَّةً يَكُونُ بِالْإِفْصَاحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْإِيصَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ قَاضٍ مُذْ قَالَ لَا أَقْبَلُ ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَالَ أَقْبَلُ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ حِينَ قَالَ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءَ لِأَنَّ فِيهِ مَضَرَّةً بِالْمَيِّتِ ، وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَعْلَى أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَصِحُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ أَوْ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ ، وَنَصَّبَ غَيْرَهُ ، وَرُبَّمَا عَجَزَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ ، وَيُنَصِّبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ مُتَصَرِّفًا فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ أَقْبَلُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَ مَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أَقْبَلُ ) مِنْ بَعْدِ هَذَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ ، مُلْحَقٌ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ إلَخْ ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ كَمَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِالْمَيِّتِ فِي بُطْلَانِ الْإِيصَاءِ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِالْوَصِيِّ فِي بَقَاءِ الْإِيصَاءِ وَلُزُومِهِ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ فَلِمَ تَحَمَّلْتُمْ ضَرَرَ الْوَصِيِّ دُونَ ضَرَرِ الْمُوصِي حَيْثُ قُلْتُمْ لَا يَبْطُلُ الْإِيصَاءُ بِقَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ فَقَالَ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الضَّرَرَيْنِ جَمِيعًا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى وَالْأَعْلَى هُنَا ضَرَرُ الْمَيِّتِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ بِمَجْبُورٍ بِشَيْءٍ وَضَرَرَ الْوَصِيِّ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ فَتَحَمَّلَ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَى عَبْدٍ وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ بَدَلَ بِغَيْرِهِمْ ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي ، وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ ، وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجِ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً ، وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا ، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا ، وَالْمُعَادَاةُ الدِّينِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ، وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ ، وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ ، وَالصَّبِيُّ كَالْقِنِّ فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَى عَبْدٍ ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ تَجِيءُ بَعْدَ هَذَا ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ إلَخْ ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُسْلِمِ يُوصِي إلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ إلَى حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ مُتَّهَمٍ مَخُوفٍ عَلَى مَالِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَعْنَى الْبُطْلَانِ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَمْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَفِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ وَالرِّقَّ مُنَافٍ لِلْوِلَايَةِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ فَلِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْوَصِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إلَيْهِ لَا تُتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ أَيْضًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَى عَبْدِهِ ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ صَحَّ ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ جَازَ الْإِيصَاء إلَيْهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا ، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوْ الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ إذْ كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلصِّغَارِ مَنْعُهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ فِي الدَّيْنِ ، وَالْآخَرُ فِي الْعَيْنِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ نَقُولُ يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ ، وَتَغْيِيرُ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَصْلِ الْإِيصَاءِ ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُمْ أَوْ
بَعْضُهُمْ كِبَارًا لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَلَا يُفِيدُ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ مِثْلُ وِلَايَةِ الْمُوصِي لِكَوْنِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ مُسْتَفَادَةً مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي ثُمَّ وِلَايَةُ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَيْسَتْ بِمُتَجَزِّئَةٍ حَيْثُ لَا يُقَالُ إنَّ وِلَايَتَهُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَوِلَايَةُ الْعَبْدِ مُتَجَزِّئَةٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَاتِ وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَهَذَا نَقَضَ الْمَوْضُوعَ فَلَا يَجُوزُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا أَيْ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ تَجْزِئَةُ الْوِلَايَةِ وَفِيهَا تَجْزِئَةُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلِي بَيْعَ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي بَيْعِ نَفْسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ ) احْتَرَزَ بِالْمُخَاطَبِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْتَبِدِّ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْدَادَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَعَنْ عَبْدِ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَحْجُرَهُ وَيَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَلَا يَبْقَى الِاسْتِبْدَادُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ ) هَذَا جَوَابٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ إلَخْ يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَتَجَزَّأُ لَكِنْ إنَّمَا صِرْنَا إلَى التَّجَزِّي كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً ) وَالظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ التَّجَزِّي فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٌ فِيهِ مُضْطَرِبٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَنَا فِي هَذَا الْقِيلِ نَظَرٌ
لِأَنَّ الْكِبَارَ الثِّقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ كُلَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بِلَا اضْطِرَابٍ كَالطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَأَبِي اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَالْقُدُورِيِّ فِي التَّقْرِيبِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ لِلْكَافِي وَصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ فِيهَا وَفِي شَرْحِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى عَبْدِهِ أَرَأَيْت لَوْ كَبِرَ الصِّغَارُ أَمَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي ، وَحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْمُوصَى إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَأَتَتْ الْأَمَانَةُ ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا ، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ ، وَلَا وَصِيَّ لَهُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ ) أَيْ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوَصِيَّةِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( فَرْعٌ ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَوْصِيَاءُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ مُضْطَلِعٌ لِلْقِيَامِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ ، وَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ غَيْرُ مُضْطَلِعٍ لِلْقِيَامِ بِهِ أَيَّدَهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَوَصِيٌّ مَخُوفٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ فَيُخْرِجُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُقِيمُ فِيهَا مَنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ ) وَهُوَ وَصِيُّ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي إبْقَائِهِ إلَخْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَهُمَا مُتَفَرِّقًا حَيْثُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَّ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَحْدَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الثَّانِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِشْرَاكُ مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ إشْرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِمَا مَعًا ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ عَاجِزًا لَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَّا وَكَّلَ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
فَيَثْبُتُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا فَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَتَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي ، وَقَدْ كَانَتْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَذَلِكَ ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوصِي إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَصَارَ كَمَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ إذْ رَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى ، وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا ، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَهَا هُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ ، وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا ، وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا ، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتُهَا فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ ) لِأَنَّ
فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ ( وَحَاجَةِ الصِّغَارِ وَالِاتِّهَابِ لَهُمْ ) لِأَنَّهُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ ، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ إحْيَاءٌ لِلصِّغَارِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ ( وَرَدِّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَمْلِكُهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ ، وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ ، وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَكَذَا حِفْظُ الْمَالِ كُلُّ ذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ ( وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَعِتْقِ عَبْدٍ عُيِّنَ ) لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ ( وَالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا ، وَمِنْ أَخَوَاتِهَا بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ الْمَالِ ، وَجَمِيعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ لَا تَخْفَى ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقُ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ .
( قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ) أَيْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ سَتَأْتِي قَرِيبًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ ) وَكَانَ أَبُو مُوسَى الرَّازِيّ يَقُولُ هَكَذَا وَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِمَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ جَارِيَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافَ وَإِنْ كَانَ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ فَقَالَ فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَثَّلَ شِرَاءَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَمَعَهُ مَالٌ فَكَفَّنُوهُ وَدَفَنُوهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالِاتِّهَابُ لَهُمْ ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ وَلِأَنَّهُ تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَوْ جُنَّ أَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَصَّى الْوَصِيُّ وَصِيَّ التَّرِكَتَيْنِ ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ ، وَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَوَصِيِّ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مِثْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ، وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ فَكَذَا الْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْمُوصَى إلَيْهِ ، وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ ، وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْجَدُّ ، وَيَنْعَزِلُ هُوَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ ، وَإِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ ثُمَّ الْجَدُّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِيصَاءَ فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةٌ ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيُنَزَّلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِي التَّرِكَتَيْنِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ بَلْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ
تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ ، وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِهِ بِتَوْكِيلٍ أَوْ إيصَاءٍ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا إذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ إلَى الثَّانِي فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي وَصِيُّهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا صَارَ الثَّانِي أَيْضًا وَصِيَّهُمَا وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَكُونُ لِلثَّانِي خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ جَازَ ذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقُ الِاسْتِحْسَانِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَوْصَى إلَيْهِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَعِيشُ أَبَدًا وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ تَكُونَ أُمُورُهُ ضَائِعَةً فَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِأَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ فَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ ) أَيْ مِنْ الْمَيِّتِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ ( قَوْلُهُ تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ ) حَتَّى كَانَ لَهُ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ ) مَالُ نَفْسِهِ الَّذِي يَتْرُكُهُ وَتَرِكَةُ مُوصِيهِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ ، وَلَوْ عَكَسَ لَا ) أَيْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ ، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ ، وَالْوَصِيُّ أَيْضًا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَنَفَذَتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ ، وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ ، أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ، وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أُفْرِزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْبَيْعِ فِي مَالِ الصِّغَارِ ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْكِبَارِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ ، وَهَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْع فَلَا يَضْمَنُ
قَوْلُهُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ ) أَيْ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ كَبِيرًا غَائِبًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي الْعَقَارِ أَوْ فِي الْعُرُوضِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً ثُمَّ مَاتَ وَاسْتَوْلَدَهَا وَارِثُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَلِيفَةَ الْمَيِّتِ لَمَا ثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ بَاعَهَا الْمُوَرِّثُ مِنْ آخَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَكُونَ غُرُورُهُ كَغُرُورِهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ مَعَ مُوَرِّثِهِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ) أَيْ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَيَأْخُذُ ثُلُثَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ ، وَالْوَرَثَةَ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهُمَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَتْ قِسْمَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ وَالْغُيَّبِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ النَّظَرِ أَنْ يُفْرِزَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَإِنْ هَلَكَ نَصِيبُهُ فِي يَدِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي حَيْثُ جَازَتْ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ حَيْثُ لَا تَجُوزُ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَكَانَ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتُهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْمُفْرَزُ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ إلَخْ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَوْهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتِقُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي أَيْدِيهِمْ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخْذُهُ حَظِّ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ ) أَيْ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ، وَالْقَاضِي نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ ، وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ ، وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَصَحَّ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي ، وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ إفْرَازٌ ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعٌ حَتَّى جَازَ أَخْذُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً وَأَمَّا مَا لَا يُكَالُ ، وَلَا يُوزَنُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهِ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ ، وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْقِسْمَةُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إلَخْ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ مَيَّزَ الثُّلُثَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ هَلَكَ مِنْ الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ تَتَكَامَلْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلَا يَصْلُحُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْغَائِبِ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ قَبُولَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ ) أَيْ صَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَلَوْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ ، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ .قَوْلُهُ صَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَبْدًا لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ ) صُورَتُهُ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَيَبِيعُ الْوَصِيُّ الْعَبْدَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ قَالَ بَيْعُهُ جَائِزٌ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا عَلَى الْعَبْدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ ) حَتَّى يَأْخُذُوا كَسْبَهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَكُونُ الْبَيْعُ مُبْطِلًا لِحَقِّهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُبْطِلُوا الْبَيْعَ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ الْوَصِيُّ إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ هَلَاكِ ثَمَنِهِ عِنْدَهُ ) مَعْنَاهُ إذَا أَوْصَى بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَهُ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ ، وَلَمْ يُسَلَّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ ، وَهُوَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا ، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَهَا ، وَمَحِلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ ، وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ ، وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ حَيْثُ لَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْقَاضِيَ تَعْطِيلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّقَلُّدِ بِهَذِهِ الْأَمَانَةِ خَشْيَةَ لُزُومِ الضَّمَانِ فَتَتَعَطَّلُ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ ، وَأَمِينُهُ سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ
لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ كَمَا فِي سَائِرِ دُيُونِ الْمَيِّتِ ، وَفِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ غُنْمَهُ لَهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ ) أَيْ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا أَمَرَ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكِي ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ بَاعَ عَبْدَهُ ، وَاسْتَحَقَّ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ ) أَيْ إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ، وَاسْتُحِقَّ الْمَالُ الْمَبِيعُ رَجَعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي حِصَّتِهِ ) أَيْ الصَّبِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ احْتِيَالُهُ بِمَالِهِ لَوْ خَيْرًا لَهُ ) أَيْ يَجُوزُ احْتِيَالُ الْوَصِيِّ بِمَالِ الْيَتِيمِ إذْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ بِأَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَمْلَأَ إذْ الْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَمْلَأَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَوَالَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، وَلَا يَرَى رُجُوعَ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ أَوْ شِرَاؤُهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، وَلَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ ، وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ ، وَالْوَصِيُّ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ تَبَرُّعٌ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ ، وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ لِلصَّغِيرِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا كَانَ لِلْيَتِيمِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ لِلصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَظْهَر الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ ، وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ
عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضِعْفِ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَبِهِ يُفْتَى .قَوْلُهُ أَوْ يَرْغَبُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِضِعْفِ الثَّمَنِ ) الْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ ) هَذَا حُكْمُ الْوَصِيِّ وَأَمَّا الْأَبُ إذَا بَاعَ عَقَارَ الصَّغِيرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَحْمُودًا عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَسْتُورًا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الِابْنُ لَمْ يَنْقَضِ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَاسِقًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الِابْنُ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيْعُهُ عَلَى الْكَبِيرِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَى الْعَقَارِ ، وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا ، وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَاعَ الْعَقَارَ ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلَّهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَإِذَا ثَبَتَتْ فِي الْبَعْضِ ثَبَتَتْ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ ، وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا كَالْمَنْقُولِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ ) أَيْ الْوَصِيُّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ ، وَوَصِيُّ الْأَخِ أَوْ الْعَمِّ أَوْ الْأُمِّ فِي مَالٍ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لِلصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَكَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْحِفْظِ بِخِلَافِ مَالٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ غَيْرَ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا الْوَصِيُّ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَلِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ ) أَيْ لِنَفْسِهِ أَمَّا إذَا اتَّجَرَ لِلصَّغِيرِ يَجُوزُ قَالَ قَاضِيخَانْ يَتَّجِرُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِلْيَتِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ يُضَارِبُ فِي مَالِهِ وَيَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً وَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الرَّهْنِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ رَهَنَ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا لِلْيَتِيمِ صَحَّ لِأَنَّ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ ا هـ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ أَوْ الْمَيِّتِ فَإِنْ فَعَلَ وَرَبِحَ يَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلَّمُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَلَهُ أَخْذُهُ مُضَارَبَةً ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعِمَادِيُّ ذُكِرَ فِي بَابِ الْمُصَرَّاةِ مِنْ بُيُوعِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ إلَى أَبِ الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَلِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجَارَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ الْعِمَادِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَأَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَأَنْ يُبْضِعَ وَيُشَارِكَ ، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ مُضَارَبَةً كَانَ مَا اشْتَرَى كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ بَعْضِ الرِّبْحِ مِنْ
مَالِ الْوَرَثَةِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يُعْطَى لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ ا هـ وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُودَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَيُبْضِعَ وَيَتَّجِرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَدْفَعَ مُضَارَبَةً وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَكَذَا الْأَبُ ا هـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الصَّبِيِّ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً وَأَنْ يُشَارِكَ بِهِ غَيْرَهُ وَفِي الْمُنْتَقَى الْوَصِيُّ يَأْخُذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً ا هـ وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَيَدْفَعُ مَالَهُ أَيْ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً وَيَحْتَالُ عَلَى الْأَمْلِيَاءِ لَا عَلَى الْأَعْسَرِ وَلَا يُقْرِضُ وَيَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إلَّا الْعَقَارَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مَالِهِ رَاجِعٌ لِلْكَبِيرِ لِقُرْبِهِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي هَذَا تَابِعٌ لِلْفَخْرِ الزَّيْلَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ وَفِي الْهِدَايَةِ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ فِيهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِمَا أَنَّهُ حِفْظٌ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ أَمَّا الْعَقَارُ فَمُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ قَالَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ ا هـ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ رَاجِعًا إلَى مَالِ الْكَبِيرِ وَقَدْ أَفْصَحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ قَالَ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ
جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْعَقَارِ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَيُوصِي إلَى رَجُلٍ وَيَتْرُكُ ابْنًا غَائِبًا قَالَ كُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْوَصِيُّ فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعَقَارِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وِلَايَةُ الْأَبِ وَهُوَ الْوَصِيُّ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْعُرُوضِ عَلَى وَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَكَذَلِكَ وَصِيُّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَقْضِي مِنْ ذَلِكَ وَيَبِيعُ الْمَنْقُولَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِمَّا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَقَدْ يَكُونُ حِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ مَحْفُوظٌ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَمَنْ أَرَادَ تَحْصِينَ مَالِهِ وَحِفْظَهُ صَرَفَهُ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ ، وَالْعُرُوضُ يُسْرِعُ إلَيْهَا التَّلَفُ وَحِفْظُ بَدَلِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَيْسَرُ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ وَالْفَسَادِ وَقَالُوا لَوْ خِيفَ هَلَاكُ الْعَقَارِ أَوْ هَلَاكُ بِنَائِهِ يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ أَيْضًا عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ حِفْظًا وَلَا يَتَّجِرُ الْوَصِيُّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ التِّجَارَةَ يُبْتَغَى بِهَا الرِّبْحُ دُونَ الْحِفْظِ فَلَا يَمْلِكُ ا هـ وَفِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ : وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ أَيْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ هَكَذَا فِي الْأَوْضَحِ ا هـ وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا اتَّجَرَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ
فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ ا هـ وَفِي الْكَافِي فِي بَابِ الرَّهْنِ مِثْلُهُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ الْوَصِيُّ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ فَبَاعَ مَتَاعَهُ فَأَخَذَ رَهْنًا أَوْ اشْتَرَى لِأَجْلِ الْيَتِيمِ فَرَهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ جَازَ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ وَالتِّجَارَةُ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِلِاسْتِيفَاءِ وَالْإِيفَاءِ ا هـ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مازه الْمَعْرُوفِ بِالْحُسَامِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ : وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْعَقَارَ وَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي ، وَالْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِفْظِ نَظَرًا لَهُ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَالْإِجَارَةُ أَمَّا التِّجَارَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَبَيْعُ الْعَقَارِ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُ الْعَقَارِ أَوْ هَلَاكُ بِنَاءِ الْعَقَارِ هَلْ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَوْ قِيلَ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْحِفْظِ ا هـ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ الْكَنْزِ مُحَشَّاةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ جَلَالِ الدِّينِ التُّبَّانِيِّ وَكَتَبَ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي مَالِهِ أَيْ فِي مَالِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَجَعَلَ رَابِطَةً تَحْتَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فِي مَالِهِ رَاجِعَةً لِلْكَبِيرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي مَالٍ تَرَكَهُ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي مَالٍ تَرَكَهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الطِّفْلِ مِنْ الْجَدِّ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ مِيرَاثَهُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ ، وَلَنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِيصَاءِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِأَوْلَادِهِ مِنْ تَصَرُّفِ الْجَدِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ كَالْأَبِ ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى الْأَبُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا دُونَ غَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ .