كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ مِنْهُمَا يَجِبُ ثَمَنُ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا قُلْنَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَا وَلَمْ يَهْلَكَا حَيْثُ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَكَذَا لِلتَّعْيِينِ بِخِلَافِ الْهَالِكِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَصَحَّ خِيَارُ التَّعْيِينِ إلَخْ ) وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ يُورَثُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَوْلُهُ : يُورَثُ يُنْظَرُ كَلَامُ الشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَمَّ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ فِيهِ مَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ يُورَثُ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ ) نُسْخَةٌ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَبِيعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ ) نُسْخَةٌ أَوْ يَشْتَرِيَ ( قَوْلُهُ : عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهَا شَاءَ ) أَيْ وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ وَثَمَنُ الْكُلِّ مُتَّفِقٌ أَوْ مُخْتَلِفٌ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : وَالْحَاجَةُ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ مُتَحَقِّقَةٌ ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى زَوْجِ خُفٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السُّوقِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الرُّؤَسَاءِ أَوْ مِنْ الدَّهَّاقِينِ أَوْ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ فَيُحْمَلُ إلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ حَتَّى يَخْتَارَ مَا يُوَافِقُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ) أَيْ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فُوِّضَ إلَيْهِ الْأَمْرُ يَأْخُذُ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَرْبَعَةِ ) أَيْ وَإِنْ انْعَدَمَتْ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بِتَعَيُّنِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَكَوْنِ الْجَهَالَةِ ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِلْحَاجَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) أَيْ فِي جَامِعِهِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : هُوَ الصَّحِيحُ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ ا هـ كَيْ ( قَالَ قَوْلُهُ : ل فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) أَيْ فِي جَامِعِهِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : هُوَ الصَّحِيحُ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ
أَيَّتُهَا كَانَتْ عِنْدَهُمَا ) أَيْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ حَتَّى لَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هَهُنَا قُلْنَا قَوْلُهُ فِي خِيَارِ النَّقْدِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ تَعْلِيقٌ فَلَا يُلْحَقُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ الْأَثَرُ وَارِدًا فِي حَقِّهِ ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ مِنْ جِنْسِ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حَرْفُ التَّعْلِيقِ فَكَانَ الْأَثَرُ وَارِدًا فِي حَقِّهِمَا مَعْنًى ، كَذَا قِيلَ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ شُرِطَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَعْنِي الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ جُوِّزَ لِلْمُشْتَرِي لِلْحَاجَةِ ) أَيْ إلَى اخْتِيَارِ الْأَرْفَقِ وَالْأَوْفَقِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَرُدُّ جَانِبَهُ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّبَ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الْآخَرُ أَمَانَةً حَتَّى إذَا هَلَكَ لَا يَغْرَمُ لِأَجْلِهِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ هُوَ أَدْنَى مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا لَا غَيْرُ ، وَإِنَّمَا قَبَضَ الْآخَرَ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعَ إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا لَا لِيَتَمَلَّكَهُ وَلَا عَلَى
سَوْمِ الشِّرَاءِ ، وَقَدْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا هُنَا فَبَقِيَ الْآخَرُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِسَبَبِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْأَمَانَةِ مَا نَصُّهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ هَلَكَا مَعًا إلَخْ ) أَيْ وَلَوْ كَانَ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ فَهَلَكَتْ مَعًا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَا ذُكِرَ ك ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ هَلَكَا عَلَى التَّعَاقُبِ إلَخْ ) وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُخْتَلِفًا بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً وَثَمَنُ الْآخَرِ عِشْرِينَ فَقَالَ الْبَائِعُ هَلَكَ الَّذِي ثَمَنُهُ عِشْرُونَ أَوَّلًا ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي هَلَكَ الَّذِي ثَمَنُهُ عَشَرَةً أَوَّلًا كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَتَحَالَفَانِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا هَلَكَا مَعًا وَلَزِمَهُ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ دَيْنًا عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْفَضْلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْهَالِكِ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِتَعَيُّنِهِ ا هـ .
قَالَ ( وَلَوْ اشْتَرَيَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّ نَصِيبَهُ إذَا أَجَازَ الْآخَرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَطَلَ هَذَا بِإِبْطَالِ الْآخَرِ خِيَارَهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ خِيَارُهُمَا لَا خِيَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالرَّدِّ وَلِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَبَتَ لَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ وَفِي رَدِّ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ إذْ الْمَبِيعُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مُتَعَيَّبٍ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلَوْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا لَرَدَّهُ مَعِيبًا بِهَا إذْ هِيَ عَيْبٌ فِي الْأَعْيَانِ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُمَا الرِّضَا بِرَدِّ أَحَدِهِمَا لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الرَّدِّ وَقَوْلُهُ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ قُلْنَا هَذَا الضَّرَرُ يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إيجَادِ شَرْطِ الرَّدِّ وَهُوَ مُسَاعَدَةُ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عَلَى الرَّدِّ وَالْبَائِعُ يَتَضَرَّرُ بِتَصَرُّفِ الرَّادِّ فَكَانَتْ رِعَايَةُ جَانِبِ الْبَائِعِ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ الْبَائِعُ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ بِالْبَيْعِ لَهُمَا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ رَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ فِي مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ فِي مِلْكِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَاةَ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَهُوَ التَّزْوِيجُ ، وَإِنْ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَرِضَاهُ لِمَا
قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْعَيْبُ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ قُلْنَا : هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَإِنْ حَدَثَ فِي يَدِ الْبَائِعِ .( قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَيَا شَيْئًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ بِخِيَارِ الْعَيْبِ بِدُونِ صَاحِبِهِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رَجُلَانِ اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِمَا لَهُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ يُؤْمَرُ الْآخَرُ بِرَدِّهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَقِيهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ أَرَادَ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ فِي الْفَسْخِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكُلِّيَّ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ وِلَايَةُ الرَّدِّ لَا الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ كَانَ لِلْإِجَازَةِ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ يَتِمُّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ بِلَا خِيَارٍ فَإِذَا كَانَ الرَّدُّ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ شُرِطَ لَهُمَا جَمِيعًا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الرَّدِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الرَّدِّ ا هـ .
قَالَ ( وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ وَكَانَ بِخِلَافِهِ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخْيِيرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ دُونَهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا ، وَكَذَا أَرْطَالًا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَبَنٌ أَوْ حَمْلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَوْ قَالَ يَخْبِزُ كَذَا صَاعًا أَوْ يَكْتُبُ كَذَا قَدْرًا يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرْنَا وَشَرْطُهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَبَرِ قَدْرُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَاتِبِ وَالْخَبَّازِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ الرَّدِّ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَلَوْ ابْتَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْكِتَابَةَ وَالْخَبْزَ وَكَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَنَسِيَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ رَدَّهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَإِذَا نَسِيَهُ فَقَدْ تَغَيَّرَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ أَوْ نَحْوَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ لِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلَوْ اخْتَلَفَ يَفْسُدُ عَلَى مَا
يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ كَاتِبٌ ) أَيْ حِرْفَتُهُ ذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ أَوْ تَرَكَهُ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ : وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَنْ شَرَطَ صِفَةً فَوَجَدَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِهَا وَتِلْكَ الصِّفَةُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِمَارًا عَلَى أَنَّهُ أَتَانٌ فَإِذَا هُوَ ذَكَرٌ أَوْ شَاةٌ عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ فَإِذَا هِيَ فَحْلٌ وَمَسَائِلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ عَلَى خِلَافِ الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَهَا وَلَهُ فِي الصِّفَةِ غَرَضٌ فَإِذَا فَاتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الصِّفَةُ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الْأَغْرَاضُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ أَوْ بَاعَهُ شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ صِفَةً فَوَجَدَهَا زَائِدَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَإِذَا هِيَ بِكْرٌ فَتَكُونُ الصِّفَةُ الزَّائِدَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ كَمَا شَرَطَ وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْعَبْدُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي شَرَطَهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَبِيعِ لَدَخَلَ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا
هَذَا سَبِيلُهُ كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَبِيعَ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَاةً ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ انْتِفَاخَ الْبَطْنِ وَتَحَرُّكَ مَا فِيهِ قَدْ يَكُونُ لِدَاءٍ فَكَانَ غَرَرًا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْبَيْعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ غَرَرًا وَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ صِفَةٌ مَحْضَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِلَابُهَا أَصْلًا وَهُنَالِكَ الْمَقْصُودُ الْوَلَدُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَاشْتِرَاطُ مَالٍ مَجْهُولٍ مَعَ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَيْضًا جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجَوَابِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَبَلِ فِي الْجَوَارِي هَلْ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُوجِبُ قِيَاسًا عَلَى النَّاقَةِ لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ثَمَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُوجِبُ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ فِي الْجَوَارِي عَيْبٌ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلْبَرَاءَةِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْحَبَلِ فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَفِي وُجُودِهَا غَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ ، وَقَالَ إنْ اشْتَرَاهَا لِيَتَّخِذَهَا ظِئْرًا فَشَرَطَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زِيَادَةً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَفِي وُجُودِهَا خَطَرٌ فَصَارَتْ كَالنَّاقَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ اتِّخَاذَهَا ظِئْرًا كَانَ جَائِزًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا
حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ ) أَيْ كَمَا إذَا شَرَطَ فِي الْفَرَسِ أَنَّهَا هِمْلَاجٌ وَفِي الْكَلْبِ أَنَّهُ صَائِدٌ حَيْثُ يَصِحُّ وَمِنْهُ شَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُ كَوْنِ الثَّمَنِ مَكْفُولًا بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ) أَيْ وَلَوْ مَاتَ هَذَا الْمُشْتَرِي انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى وَرَثَتِهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك ) أَيْ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَنْسَى فِي مِثْلِهَا ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يُمْسِكُ بِالْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَدَمَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ أَصْلٌ وَالْوُجُودَ فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ أَصْلٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ ) أَيْ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَفِي جَعْلِ الْوَصْفِ مُقَابَلًا بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ يَلْزَمُ جَعْلُهُ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ ا هـ .
( بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) قَالَ ( شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ إذْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إلَّا الِاسْمُ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ أَوْ هُوَ مَعْدُومٌ لِمَا ذَكَرْنَا { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ } أَيْ مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَرْئِيٍّ لِلْمُشْتَرِي وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذْ لَمْ يُوَافِقْهُ رَدَّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمُعَايَنِ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ { حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا إلَيْهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا حَاضِرَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ مَلَكَهَا فِيمَا بَعْدُ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ لَجَازَ ، وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا غَائِبَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ جَازَ فَبَطَلَ زَعْمُهُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَقَوْلُهُ ، وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ، وَإِنْ كَانَ رَضِيَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ فَسْخِهِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ لَا بِمُوجِبِ الْخِيَارِ .
( بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) لَمَّا شَرَعَ بِذِكْرِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ قَدَّمَ مَا كَانَ تَأْثِيرُهُ أَكْثَرَ فِي الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى التَّوَالِي وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ : مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَالْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى حُرٍّ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْغَلَّةِ كَالْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ حَتَّى لَا يَتِمَّ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ حَتَّى لَا تَتِمَّ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَاكَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ وَالْإِضَافَةِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَيْسَ غَيْرَ شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى مَالٍ عَلَى عَيْنٍ وَالْقِسْمَةِ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ وَلَوْ تَبَايَعَا مُقَايَضَةً ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ لَا مَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْقُطْ
خِيَارُ الرُّؤْيَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَدَدْت يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ خِلَافُهُمْ فِي الْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ ) أَيْ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ سَوَاءً رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَتْ لَهُ أَوْ عَلَى خِلَافِهَا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جِرَابًا فِيهِ أَثْوَابٌ هَرَوِيَّةٌ أَوْ زَيْتًا فِي زَقٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَ شَيْئًا وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دُرَّةً فِي كُمِّي صِفَتُهَا كَذَا أَوْ ثَوْبًا فِي كُمِّي صِفَتُهُ كَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مُتَنَقِّبَةٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءً سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا وَسَوَاءً أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي بَلْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا : لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ كَصَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَالذَّخِيرَةِ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك شَيْئًا بِعَشَرَةٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ } إلَخْ ) وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ عَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَتْ
حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهَذَا لِوُجُودِ مَسَائِلَ اتِّفَاقِيَّةٍ لَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ فِيهَا مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّمِّ كَمِسْكٍ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ شَمِّهِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ شَمِّهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ غَيْرُ مُعَرِّفَةٍ لِلْمَقْصُودِ الْآنَ ، وَكَذَا شِرَاءُ الْأَعْمَى يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْوَصْفِ لَهُ فَأُقِيمَ فِيهِ الْوَصْفُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُشَاهَدِ ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ عَدَدَ ذُرْعَانِهِ يُرِيدُ تَشْبِيهَهُ بِذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ لَا بِقَيْدِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى لُزُومِ ذِكْرِ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْغَائِبُ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْوَصْفِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُشَاهَدِ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا ) أَيْ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ ( وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا انْتَفَى رِضَا أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فَكَذَا رِضَا الْآخَرِ إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ وَلَا يَزُولُ بِهِ إلَّا بِالرِّضَا وَهُوَ بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْآخَرِ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ أَصْلًا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَنَا لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاعَ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ : إنَّك قَدْ غُبِنْتَ فَقَالَ لِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ إنَّك قَدْ غَبَنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي فِيمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ وَلِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَظُنُّهُ خَيْرًا مِمَّا رَأَى فَيَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَلَوْ رَدَّهُ الْبَائِعُ لَرَدَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَزْيَدُ مِمَّا ظَنَّهُ وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فِيهِ الْخِيَارُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ ) أَيْ بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ أَيْ كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْأَصَالَةِ فِي الْعَقْدِ وَيَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ لِلْأَصَالَةِ وَلَا يُقَالُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ مُعَلَّقًا بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَى هُوَ الْجَهَالَةُ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ فَيَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ ) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : بَاعَ ) الظَّاهِرُ اشْتَرَى ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ ( وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ ) أَيْ يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ التَّصْرِيحِ وَالدَّلَالَةِ وَمُرَادُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَلَا يَسْقُطُ ، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ إلَّا فِي ضِمْنِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا رَآهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ جَهَالَةُ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْجَهَالَةُ تَزُولُ بِالرُّؤْيَةِ وَالْخِيَارُ يَسْقُطُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ يَسْقُطُ بِزَوَالِ الْعَيْبِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ فَسْخَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُتَّصِلًا بِهَا لِزَوَالِ سَبَبِهِ إلَّا أَنَّهُ مَلَكَ الْفَسْخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَزُولُ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُسْتُمَ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِلْمَعْنَى مَعَ أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ لِثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَكَذَا لَا يَتَوَقَّفُ لِإِطْلَاقِهِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ فَسْخٌ فَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُسْقِطُهُ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ التَّعْيِيبُ أَوْ تَصَرُّفٌ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ صَرِيحًا أَوْ
دَلَالَةً ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ بِهَا الْخِيَارُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بَاتٌّ مُطْلَقٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَأَذِنَ الْآكِرُ أَنْ يَزْرَعَهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَزَرَعَهَا بَطَلَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا قَبْلَهَا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ ، وَأَمَّا قَبْلَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّؤْيَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْبَائِعِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُوجِبُ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ ) أَيْ وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِخُلُوصِ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ : كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمُطْلَقَ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْإِجَارَةِ ) أَيْ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَتَلْزَمُ الْبَيْعَ فَلَمَّا لَزِمَ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ شَرْعًا بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَجَبَ تَقْدِيرُ قَيْدٍ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يُوجِبْ مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ عَدَمَهُ إذَا رَآهُ وَحَاصِلُهُ تَقْدِيرٌ مُخَصَّصٌ بِالْعَقْلِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمُسَاوَمَةِ ) يُقَالُ سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ عَرَضَهَا وَذَكَرَ ثَمَنَهَا ا هـ قَوْلُهُ : لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ) أَيْ لِأَنَّ خِيَارَهُ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَرَى أَبْطَلْت خِيَارِي فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِدَلَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ صَرِيحًا كَانَ الرِّضَا أَوْ دَلَالَةً ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ ( وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا وَظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا وَدَاخِلِ الدَّارِ ) ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ يَكْفِي لِتَعَسُّرِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَرُؤْيَةُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقَعُ بِهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ أَشْيَاءُ فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ بِالْبَاقِي إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرَادَ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ ، وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ تَتَفَاوَتُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِالْبَاقِي لِلتَّفَاوُتِ وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ وَصْفُ الْبَاقِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِ الثَّوْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ نَشْرِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَا يُعْرَفُ كُلُّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ ، قُلْنَا قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِالْبَعْضِ
عَلَى الْبَعْضِ مِنْهُ وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآدَمِيِّ ، وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ قِيَمُ الرَّقِيقِ بِتَفَاوُتِهِ وَسَائِرُ الْجَسَدِ تَبَعٌ لَهُ وَالْكَفَلُ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ ذَلِكَ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ كَافِيَةٌ كَالْآدَمِيِّ وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَظْهَرُ السِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَيُعْرَفُ بِهِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقِلَّتُهُ وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ضَرْعِهَا وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ وَفِيمَا يُشَمُّ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي دُفُوفِ الْغَازِي لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ إدْرَاكِهِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ رُؤْيَةَ خَارِجِ الدَّارِ كَرُؤْيَتِهَا كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبَاقِي وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ إذَا رَأَى صَحْنَ الدَّارِ سَقَطَ خِيَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي خَارِجِهَا وَقَالَ زُفَرُ : لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ بُيُوتَهَا الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ وَالْعُلْوِيَّةَ وَالسُّفْلِيَّةَ وَمَرَافِقَهَا وَمَطَابِخَهَا وَسُطُوحَهَا تَخْتَلِفُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَقْصُودٌ فَالنَّظَرُ إلَى الْخَارِجِ أَوْ إلَى الصَّحْنِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِنَّ دُورَهُمْ كَانَتْ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ وَلَمْ تَخْتَلِفْ إلَّا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَفِي كَوْنِهَا جَدِيدَةً أَوْ عَتِيقَةً وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا فَاكْتَفَوْا بِهِ لِذَلِكَ ، وَأَمَّا الْيَوْمَ بِخِلَافِهِ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ يُكْتَفَى بِهَا لِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهَا وَلَوْ رَأَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ مِنْ خَارِجِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَالَ ( وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ لَا نَظَرِ رَسُولِهِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَكُونُ كَنَظَرِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوَكِّلُ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِمَا فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ بَعْدَهُ أَوْ كَأَنْ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُوَكِّلِ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَكَذَا ضَمِنَا بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِيهِ وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَخِيَارُهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَلَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فَكَانَ نَاقِصًا وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالْقَبْضُ يَتَضَمَّنُ السُّقُوطَ لِكَوْنِهِ كَامِلًا ضَرُورَةً فَإِذَا انْفَصَلَ السُّقُوطُ عَنْ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ قَصْدًا أَوْ قَبْلَهُ بِالرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ إذْ لَمْ يُوَكِّلْهُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَلَا يَتَنَوَّعُ الْقَبْضُ مَعَهُ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَبْضُ التَّامُّ فَكَذَا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا
فِي الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ أَنْ يَقُولَ فِي التَّوْكِيلِ كُنْ وَكِيلِي فِي الْقَبْضِ وَفِي الْإِرْسَالِ كُنْ رَسُولِي فِيهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ ، وَبِقَوْلِهِ وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ اُحْتُرِزَ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ نَظَرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَنَظَرِ الْمُوَكِّلِ فَقَيَّدَهُ بِالْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّسُولَ بِهِ ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ لَا يَكُونُ كَنَظَرِ الْمُرْسِلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي انْتِفَاءِ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِتَعَذُّرِهِ عَادَةً وَشَرْعًا وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا وَلَزِمَ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ حَبَّةٍ حَبَّةٍ مِنْهَا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَآهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ فِي التَّبَعِ إذَا عُرِفَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى بَطْنَهُمَا وَظَهْرَهُمَا وَسَائِرَ أَعْضَائِهِمَا إلَّا الْوَجْهَ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَأَى وَجْهَهُمَا ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ وَلِذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَفِي الدَّوَابِّ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَلِ ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فَيَسْقُطُ بِرُؤْيَتِهِمَا وَلَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا مِنْهَا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ : لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا تَتَفَاوَتَ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَإِذَا رَأَى الْبَعْضَ وَرَضِيَ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ رِضًا بِالْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا رَأَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِثْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ تُعْرَفُ حَالَ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّمُوذَجِ وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ
فِي وِعَاءَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مَتَى كَانَا فِي وِعَاءَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التُّحْفَةِ ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوِعَاءِ وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ نَحْوِ الثِّيَابِ فِي صُنْدُوقٍ وَالْبَطَاطِيخِ فِي شَرِيجَةٍ وَنَحْوِ الرُّمَّانَاتِ وَالسَّفَرْجَلَاتِ فِي قُفَّةٍ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَةً فِي الْبَاقِي وَيَكُونُ عَلَى خِيَارِهِ مَا لَمْ يَرَ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تَعْرِفُ الْبَاقِيَ لِلتَّفَاوُتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَرَأَى الْوَجْهَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَلَامَتُهُ ) أَيْ عَلَامَةُ الشَّيْءِ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّمُوذَجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ يَحْمِلُ السِّمْسَارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرَاهُ فَإِنْ أَعْجَبَهُ اشْتَرَاهُ وَالنَّمُوذَجُ بِفَتْحِ النُّونِ بِمَعْنَى الْأُنْمُوذَجِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُغْرِبٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ ) أَيْ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْكَافِي إذَا كَانَ أَرْدَأَ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوصِلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ
الِاخْتِلَافُ لَا يُوصِلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ ) أَيْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَلِهَذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ ا هـ شَرْحُ مَنَارٍ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً ) أَيْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْأَصَحُّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ ) أَيْ فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ ) ثُمَّ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرُ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا ) اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا أَيْ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا مَا نَصُّهُ فَلَوْ رَأَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَدْ قَالُوا إنْ قَالَ أَهْلُ الصَّنْعَةِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ إلَى الْقَوَائِمِ كَانَ شَرْطًا فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ ) أَيْ اللَّمْسِ بِالْيَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُعْرَفُ بِهِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقِلَّتُهُ ) أَيْ فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَجُسَّهُ فَلَهُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السِّمَنَ لَا
يَظْهَرُ مِنْ الصُّوفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ ) أَيْ الشَّاةِ الَّتِي تُؤْخَذُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ رُؤْيَةَ دَاخِلِ الدَّارِ ) نُسْخَةٌ خَارِجَ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ خَارِجَ مَا نَصُّهُ هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السَّطْرِ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا فِي خَارِجِهَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَدَاخِلُ الدَّارِ ، وَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ إذَا رَأَى الدَّارَ مِنْ خَارِجٍ يَبْطُلُ خِيَارُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلُ الدَّارِ أَبْنِيَةً فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا أَبْنِيَةٌ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَرَ دَاخِلَهَا ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ هُوَ الْمَقْصُودُ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَسْقُطُ خِيَارُهُ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ ) أَيْ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا ) وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ يُكْتَفَى بِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْأَشْجَارِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ رُءُوسِ الْأَشْجَارِ وَرُؤْيَةِ خَارِجِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَقَالَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبُسْتَانِ بَاطِنُهُ فَلَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ وَرُءُوسِ الْأَشْجَارِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ رَأَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ مِنْ خَارِجِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ لَوْنَ الدُّهْنِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ بِلَوْنِ الْقَارُورَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ رَأَى دُهْنًا إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ ، وَإِنَّمَا رَأَى مِثَالَهُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا مَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى فَرْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ عَنْ شَهْوَةٍ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا عَنْ شَهْوَةٍ فِي الْمِرْآةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي الْمَاءِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ كَمَا هُوَ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعْرَفُ حَالَ حَقِيقَتِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ شَيْئًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ فَإِنَّهُ إذَا قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ بِرِضَا الْمُشْتَرِي يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ وَإِنْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ سَوَاءً رَضِيَ بِالْمَقْلُوعِ أَوْ لَمْ يَرْضَ إذَا كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْمُو وَبِالْقَلْعِ لَا يَنْمُو وَبِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ صُنْعِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ فَمَعَ صُنْعِهِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ
وَالسَّلْقِ وَنَحْوِهِمَا فَرُؤْيَةُ الْبَعْضِ لَا تَكُونُ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَيْبُ ثُمَّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ ، وَقَالَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَبَصَلِ الزَّعْفَرَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى جَمِيعَهُ وَلَا يَكُونُ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ مُبْطِلًا خِيَارَهُ وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْبَعْضِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ إلَى أَنْ يَرَى جَمِيعَهُ فَيَرْضَى أَوْ يَرُدَّ ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْقَلْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَخَافُ إنْ قَلَعْته لَا يَصْلُحُ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ ، وَقَالَ الْبَائِعُ أَخَافُ إنْ قَلَعْته لَا تَرْضَى بِهِ قَالَ مَنْ تَطَوَّعَ بِالْقَلْعِ جَازَ وَإِنْ تَشَاحَّا عَلَى ذَلِكَ فَسَخَ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِجْبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) أَيْ حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ لَا يُخْفِي صُورَةَ الدُّهْنِ وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ ) أَيْ إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ نَاظِرًا إلَيْهِ مَكْشُوفًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَرَى عَيْبَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُوَكِّلِ ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الشَّرْطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ :
بِأَنْ قَبَضَهُ ) أَيْ الْوَكِيلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : مَسْتُورًا ) أَيْ ثُمَّ رَآهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ ) ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْضًا تَامًّا ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَبَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ فَلَمَّا بَطَلَ بِهَذَا الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا الْقَبْضُ تَامًّا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلَخْ ) وَنُقِضَ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَالثَّانِيَةُ لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقُولُ بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا لِلْقَبْضِ الصَّحِيحِ بَلْ ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ) أَيْ بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ا هـ .
قَالَ ( وَصَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ إذَا اشْتَرَى بِجَسِّ الْمَبِيعِ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ وَفِي الْعَقَارِ بِوَصْفِهِ ) أَمَّا صِحَّةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَصَارَ كَالْبَصِيرِ ، وَأَمَّا سُقُوطُ خِيَارِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُفِيدُ الْعِلْمَ لِمَنْ اسْتَعْمَلَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَصِيرِ وَقَوْلُهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّ الْمَبِيعِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ الْجَسُّ مِنْهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يَجُسَّ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا رَوَيْنَا وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاكْتَفَى بِالْوَصْفِ فِي الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِهِ وَالْوَصْفُ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ كَمَا فِي السَّلَمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ بَعْدَ مَا وُصِفَ لَهُ فَكَذَا فِي حَقِّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ أُقِيمَ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ وَإِجْرَاءِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ لَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِهِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ يُشْتَرَطُ مَسُّ الْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ مَعَ الْوَصْفِ ، وَإِنْ أَبْصَرَ بَعْدَ الْوَصْفِ وَبَعْدَمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ بِهِ وَانْبَرَمَ فَلَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلِأَنَّ خِيَارَهُ قَدْ سَقَطَ بِهِ فَلَا يَعُودُ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ
قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَسَقَطَ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَالْبَصِيرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُمْكِنُ جَسُّهُ وَذَوْقُهُ وَشَمُّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِسُقُوطِ خِيَارِهِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْوَصْفِ لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْبَصِيرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ مَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْكَامِلَ فِي حَقِّهِ يَثْبُتُ بِهَذَا فَأَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ كَالثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَكَذَا فِي حَقِّهِ ) أَيْ فَإِذَا رَضِيَ الْأَعْمَى بِالْوَصْفِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الْبَصِيرِ ا هـ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان إلَخْ فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُ صِفَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ ، وَقَالَ وُقُوفُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ ) أَيْ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى إلَخْ مَا نَصُّهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ الْقَائِمَ مَقَامَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي السَّلَمِ وَوُجُوبُ إجْرَاءِ الْمُوسَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَكَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ لَازِمٍ
لِلْأُمِّيِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرَ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ ) أَيْ كَأَنَّهُ كَانَ أَعْمَى عِنْدَ الْعَقْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ لَهُ رَدُّهُمَا ) ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تُغْنِي عَنْ رُؤْيَةِ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فَبَقِيَ خِيَارُهُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ فَيَجُوزُ رَدُّهُمَا لِمَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ { لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ } فَيَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ضَرُورَةً وَلَا يُقَالُ خِيَارُهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَفِي مَنْعِ الْفَسْخِ فِيهِ وَحْدَهُ إبْطَالٌ لَهُ فَكَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : نَحْنُ لَا نَمْنَعُ خِيَارَ الْفَسْخِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا نَقُولُ إذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ فُسِخَ فِيهِ وَفِي الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْرِيقِ فَكَانَ فِيهِ عَمَلًا بِمُوجِبِهِ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَرَهُ يَرُدُّهُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي رَآهُ بِالثَّانِي لِمَا أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَلَا يَكُونُ فَسْخًا لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الصَّفْقَةُ كَمَا لَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِالصَّفْقَةِ ، وَكَذَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ تَامٍّ قَبْلَ الْقَبْضِ إذْ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يُفَرِّقُ فِي الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ رَضِيَا بِالْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا فَلَزِمَ وَتَمَّ ، وَلِهَذَا أَفَادَ الْعَقْدُ فِيهِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفَ وَلَوْ كَانَ فِي رِضَاهُمَا خَلَلٌ لَمَا أَفَادَ يُحَقِّقُهُ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ ثَبَتَ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى فَالتَّفْرِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ فِي الْفَسْخِ إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ تَمَامِهِ
إلَّا الْفَسْخُ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يَنْفَسِخُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي وَلَوْ كَانَ يَمْنَعُ التَّمَامَ لَمَلَكَهُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَصَارَ نَظِيرُ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ كَمَا صَارَا نَظِيرَيْهِ فِيهِ أَيْ نَظِيرَيْ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ ) أَيْ كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَا يُرَدُّ الْبَاقِي وَهُنَا وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ يُرَدُّ الْآخَرُ إذَا رُدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ رَدَّ أَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ رُدَّ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْبَاقِي عَيْبُ الشَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْعَيْبِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ مَا لَمْ يَرَهُ إذَا رَآهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ ، وَلِهَذَا يَرُدُّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ
الْمَعِيبَ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بَلْ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِرَدِّ أَحَدِهِمَا فَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَعْنَى فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لُزُومُ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ تَرْوِيجُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِجَوْدَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدَاءَةِ الْآخَرِ وَفِي مَنْعِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ أَيْضًا ضَرَرٌ إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْبَيْعِ أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مَالِيٌّ وَضَرَرُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِيٍّ بَلْ هُوَ بُطْلَانُ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ مَتَى أَلْزَمْنَاهُ رَدَّ كِلَيْهِمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّهُ بِرَدِّ الْكُلِّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ وَضَرَرُ الْبَيْعِ مَوْهُومٌ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ بَيْعُ الْمَعِيبِ بِثَمَنٍ جَيِّدٍ فَيُدْفَعُ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا ثُمَّ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَكُونُ لَهُ رَدُّهُمَا إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ إذَا قُبِضَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ جَمِيعًا أَوْ يَرُدَّهُ جَمِيعًا ، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِلْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِاعْتِبَارِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْحَبَّةِ وَأَمْثَالِهَا فَصَارَ الْكُلُّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا فِي حَقِّ الرَّدِّ ، وَلِهَذَا جَعَلَ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ رُؤْيَةَ الْبَاقِي كَمَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَحَقَّ أَحَدَ الْمُخْتَلِفَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْآخَرِ لَا
حَقِيقَةً وَلَا اعْتِبَارًا وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ لَهُ الْخِيَارُ لِوُجُودِ النُّقْصَانِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَكِيلِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ كَذَا فِي الشَّامِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي رَآهُ بِالثَّانِي ) أَيْ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي وَهُوَ { نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ } ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا أَفَادَ الْعَقْدَ ) هَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا ؛ لِأَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَارَا نَظِيرَيْهِ فِيهِ ) أَيْ نَظِيرَيْ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ .
قَالَ ( وَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ ) أَيْ لَا يُورَثُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَمَا لَا يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ لِلْعَاقِدِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ وَصْفٌ لَهُ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى مَا رَأَى خُيِّرَ إنْ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَبِيعِ حَصَلَ بِالرُّؤْيَةِ الْأُولَى وَقَدْ رَضِيَ بِهِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ رِضَاهُ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِدُونِ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلِّمَةً لَهُ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ .( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فِي شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْجَهْلِ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ الصِّفَةِ يُحَقِّقُ الْعِلْمَ بِصِفَاتِهِ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ فَانْتَفَى الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ ) أَيْ كَأَنْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَ رَآهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ إيَّاهَا فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا أَوْ رَأَى ثَوْبًا فَلُفَّ فِي ثَوْبٍ وَبِيعَ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ ، وَكَذَا سَبَبُ اللُّزُومِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ التَّغَيُّرَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الشَّابَّةَ تَكُونُ عَجُوزًا بِطُولِ الْمُدَّةِ قَالَ ( وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَنَقُولُ إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي إذَا نَظَرَ إلَى مَمْلُوكٍ أَوْ دَابَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّذِي رَأَيْته عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ وَلَمْ يُصَدَّقْ الْمُشْتَرِي فِي قَلِيلِ الْمُدَّةِ وَاعْتُبِرَ الشَّهْرُ قَلِيلًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ غَالِبًا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ مَا نَصُّهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتُكَهُ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ هُوَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْعٍ بَاتٍّ أَوْ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْغَالِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ كَوْنُ الْمُشْتَرِي يَرَى الْمَبِيعَ فَدَعْوَى الْبَائِعِ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرِي تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ لَا لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إلَّا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الرُّؤْيَةِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ ( وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلًا وَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ لَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ فَصَارَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ مِمَّنْ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ عَبْدَهُ الْجَانِي مِنْ رَبِّ الْجِنَايَةِ حَتَّى سَقَطَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ حَيْثُ يَعُودَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْعُذْرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَقَّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَضْعَفُ مِنْهُمَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ وُهِبَ رَدَّهُ ) أَيْ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الرِّضَا فَلَوْ جَازَ رَدُّ الْبَاقِي يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي خِيَارِ الْقَبُولِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ فِي خِيَارِ الْقَبُولِ لَمْ يَجُزْ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ بِمُقَابِلِهِ عَرْضٌ مَالِيٌّ حَتَّى إذَا بَطَلَ بَطَلَ لَا إلَى بَدَلٍ ، وَأَمَّا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ ثَوْبًا دُونَ ثَوْبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَهِيَ تَتِمُّ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى السَّلِيمِ وَالظَّاهِرُ وَالسَّلَامَةُ فَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَمَامُ الصَّفْقَةِ لِتَمَامِ الرِّضَا وَالتَّفْرِيقِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ جَائِزٌ ، ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ إنْ شَاءَ لِغَرَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ أَيْ عَادَ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ بِأَنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ فِي الْبَيْعِ وَبِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي الْهِبَةِ ، وَكَذَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ فَسْخُ مَا نَصُّهُ أَيْ مَحْضٌ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيِّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ
وَالْفُرُوعِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ سَنَةَ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْإِمَامُ الْقُدُورِيُّ هُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا الْحَكِيمُ وَالْقُدُورِيُّ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَهُوَ تِلْمِيذُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَهُوَ تِلْمِيذُ الْكَرْخِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ ) أَيْ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُسْقِطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا ا هـ فَتْحٌ .
( بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ ) وَهُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ فَكَانَتْ السَّلَامَةُ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ صَرِيحًا لِكَوْنِهَا مَطْلُوبَةً عَادَةً فَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَتَخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ كَمَا إذَا فَاتَ الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ الْمَشْرُوطُ فِي الْعَقْدِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ نَحْوُهُ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلِكَوْنِ السَّلَامَةِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَعِيبَ حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ { وَمَرَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ { وَكَتَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كِتَابًا بَعْدَ مَا بَاعَ فَقَالَ فِيهِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْدَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا فَلَا تَكُونُ أَصْلًا وَلَا مُزَاحِمًا لَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ بِالْإِتْلَافِ قَصْدًا وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَعْلَمَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ .
( بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ ) ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ ) أَيْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ التُّجَّارِ وَالْمَعْرُوفُ بِالْعُرْفِ كَالْمَشْرُوطِ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ ) الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَسَدِ وَالْخِلْقَةِ وَالْخِبْثَةُ مَا كَانَ فِي الْخُلُقِ وَالْغَائِلَةُ هُوَ سُكُوتُ الْبَائِعِ عَمَّا يَعْلَمُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ مَكْرُوهٍ ا هـ وَالْعَدَاءُ بِالْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ ابْنُ خَالِدِ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ خَالِدٍ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا خِبْثَةَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَرَادَ بِالْخِبْثَةِ الْحَرَامَ كَمَا عَبَّرَ عَنْ الْحَلَالِ بِالطَّيِّبِ وَالْخِبْثَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ رَقِيقٌ لَا أَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَحِلُّ سَبْيُهُمْ كَمَنْ أُعْطِيَ عَهْدًا أَوْ أَمَانًا أَوْ مَنْ هُوَ حُرٌّ فِي الْأَصْلِ ا هـ فَقَوْلُهُ : نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ ) بِنَصْبِ بَيْعٍ وَرَفْعِهِ ، النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا بَيْعُ الْمُسْلِمِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَنْصُوبٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ غَيْرَ الْمُسْلِمِ جَازَ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمَا يَتَضَمَّنُ خِيَانَةً أَوْ غَبْنًا ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ الْمُسْلِمَ يَرَى لَهُ مِنْ النُّصْحِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرَى لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا
هـ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُ الْمَعِيبِ وَأَخْذُ نُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الضَّرَرُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُخْرِجَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِ النُّقْصَانِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِمَّا رَضِيَ بِهِ وَالْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِالْعَيْبِ أَيْضًا يُمْكِنُ تَدَارُكُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي أَخْذِ النُّقْصَانِ ا هـ ( فَرْعٌ ) لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ ) أَيْ وَكَمَا إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ ) أَيْ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا رَأَى ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ دَلَالَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ عَيْبٌ ) ؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ قَالَ ( كَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ ) ثُمَّ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا يَكُونُ عَيْبًا وَيَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَإِنْ عَاوَدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَكُونُ عَيْبًا حَادِثًا غَيْرَ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْأَوَّلِ بِالْبُلُوغِ فَيَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا فَإِنَّ الْبَوْلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ وَبَعْدَهُ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ وَالْإِبَاقَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَالسَّرِقَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَهُمَا بَعْدَهُ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ ثُمَّ وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِزَوَالِ الْأَوَّلِ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَوُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ يَرُدُّهُ بِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ ، وَكَذَا إذَا وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ يَرُدُّهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّرِقَةُ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِلْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا فَإِنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى حَيْثُ أَحْوَجَهُ إلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ طَعَامًا مِنْ الْمَوْلَى لِيَبِيعَهُ يَكُونُ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ يَأْتَمِنُهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَلَوْ سَرَقَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ نَحْوَ الْفَلْسِ وَالْفَلْسَيْنِ لَا يَكُونُ عَيْبًا وَلَوْ نَقَّبَ الْبَيْتَ يَكُونُ عَيْبًا ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ وَفِي الْإِبَاقِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ يَكُونُ عَيْبًا بِالِاتِّفَاقِ إنْ أَبَقَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ رَجُلٍ
كَانَ عِنْدَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَقَ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى الْمَوْلَى أَوْ إلَى غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَنْزِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْوَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلُ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا وَبُيُوتُهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَ ( وَالْجُنُونُ ) لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ فَسَادٌ فِي الْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ مَعْدِنُهُ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ وَالْجُنُونُ انْقِطَاعُ ذَلِكَ الشُّعَاعِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ حَتَّى لَوْ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ وَعَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ غَبَنَ ذَلِكَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ : لَا تُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ جُنُونٌ عِنْدَ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَزُولُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَتَّى يُعَاوِدَهُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَمِقْدَارُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ إلَخْ ) أَرَادَ بِهَذَا بَيَانَ مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا إلَخْ وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ فَبَيَّنَ الْعَيْبَ بِهَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الِامْتِنَاعَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْبَوْلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ ) وَالضَّعْفُ قَبْلَ الْبُلُوغِ شَامِلٌ فِي الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا ثُمَّ عِنْدَ الْبُلُوغِ تَكْمُلُ أَعْضَاؤُهُ وَيَشْتَدُّ فَكَذَا هَذَا فَإِذَا بَلَغَ وَمَعَ هَذَا بَالَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِمَعْنًى آخَرَ سِوَى ذَلِكَ الضَّعْفِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ ثُبُوتُ ضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَيْبًا لَازِمًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِاتِّحَادِ السَّبَبِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ الْحَالَانِ عُلِمَ أَنَّ السَّبَبَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ هَذَا الْعَيْبُ ثَابِتًا عِنْدَ الْبَائِعِ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَلَا يُعْرَفُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزُولَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ حَدَثَ النَّوْعُ الْآخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ كَالْعَبْدِ إذَا حُمَّ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ هَذَا الثَّانِي غَيْرَ ذَلِكَ النَّوْعِ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِهِ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ التُّحْفَةِ مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْجُنُونِ ) وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ الْبَلْخِيّ أَنَّ الْجُنُونَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَرُدَّ بِالْجُنُونِ إذَا جُنَّ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ إذَا كَانَ الْجُنُونُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ أَيْضًا وَوَجْهُ ذَلِكَ
أَنَّ سَبَبَهُ فِي الصِّغَرِ الضَّعْفُ الشَّامِلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهُوَ يَزُولُ بِالْكِبَرِ كَمَا فِي ضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَفِي حَالَةِ الْكِبَرِ لِفَسَادٍ اخْتَصَّ بِهِ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ؛ لِأَنَّ ضَعْفَ الدِّمَاغِ لَا يُوجِبُ الْجُنُونَ بَلْ يُوجَدُ فِيهِ مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِهِ ، وَلِهَذَا يَظْهَرُ آثَارُ الْعَقْلِ فِي الصِّغَارِ ثُمَّ يَزْدَادُ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ فَكَانَ الْجُنُونُ ثَابِتًا لِفَسَادٍ فِيهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ ) أَيْ بِخِلَافِ الْإِبَاقِ وَنَظَائِرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ جُنُونٌ عِنْدَ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ غَبَنَ ذَلِكَ الْأَوَّلَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَكُونُ إلَّا لِفَسَادٍ فِي مَحَلِّ الْعَقْلِ وَهُوَ الدِّمَاغُ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ ظَهَرَ فَهُوَ بِذَلِكَ السَّبَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَالْبَخَرُ وَالدَّفَرُ وَالزِّنَا وَوَلَدُهُ فِي الْجَارِيَةِ ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ تَكُونُ عَيْبًا فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الِافْتِرَاشُ وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَا فِي الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الِاسْتِخْدَامُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُخِلُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهُ مِنْ بَعْدُ وَكَوْنُهُ أَدْفَرَ أَوْ أَبْخَرَ أَوْ زَانِيًا أَوْ وَلَدَ زِنًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْقُرْبَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ يَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَاحِشَ مِنْ الْبَخَرِ وَالدَّفَرِ يَكُونُ مِنْ دَاءٍ وَهُوَ عَيْبٌ وَاتِّبَاعُ النِّسَاءِ يَشْغَلُهُ عَنْ الْخِدْمَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَالْعُيُوبُ كُلُّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمُعَاوَدَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرُدَّ إلَّا الزِّنَا فِي الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَمَالِي لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَالِغَةً وَقَدْ كَانَتْ زَنَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا ، وَإِنْ لَمْ تَزْنِ عِنْدَهُ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِالْأَوْلَادِ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَبَقَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَهَا وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ بِبَيِّنَةٍ فَعَيْبُ الْإِبَاقِ لَازِمٌ لَهَا أَبَدًا وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ أَيْضًا لَا يُشْتَرَطُ مُعَاوَدَتُهُ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا عِنْدَهُ ، وَكَذَا مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَدَةٍ عِنْدَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الزِّنَا فِي الْغُلَامِ عَيْبٌ كَالسَّرِقَةِ قُلْنَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالزِّنَا وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا عَادَةً إلَّا إذَا كَثُرَ مِنْهُ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِهِ عَنْهُ ، وَكَذَا حَدُّهُ أَعْظَمُ وَهُوَ قَطْعُ الْيَدِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَهُوَ الْجَلْدُ قَالَ ( وَالْكُفْرُ ) يَعْنِي فِي
الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ هُوَ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَتَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْعَيْبُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْبَادَ الْكَافِرِ وَإِذْلَالَهُ مَطْلُوبُ الْمُسْلِمِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ ( وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ ) ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ وَاسْتِمْرَارَ الدَّمِ أَمَارَةُ الدَّاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مُرَكَّبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ فَإِذَا لَمْ تَحِضْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِدَاءٍ فِيهَا وَذَلِكَ الدَّاءُ هُوَ الْعَيْبُ ، وَكَذَا الِاسْتِحَاضَةُ لِدَاءٍ فِيهَا وَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ ارْتَفَعَ إلَّا إذَا ذَكَرَ سَبَبَهُ وَهُوَ الدَّاءُ أَوْ الْحَبَلُ فَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدَهُمَا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الِارْتِفَاعِ أَقْصَى غَايَةِ الْبُلُوغِ وَهُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا وَيُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ مَعَ ذَلِكَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَتُرَدُّ بِنُكُولِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُرَدُّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ لِضَعْفِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَصَحَّ الْفَسْخُ لِلْعَقْدِ الضَّعِيفِ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ ، قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَلَوْ ادَّعَى انْقِطَاعَهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَفِي الْمَدِيدَةِ تُسْمَعُ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ أَنَّهَا سَنَتَانِ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَأَحْسَنَ دَعْوَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَأَلَ الْقَاضِي الْبَائِعَ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا
ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِقِيَامِهِ فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ لِلْبَائِعِ قَالَ فِي الْكَافِي لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ انْقِطَاعَهُ فَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِهِمْ ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ دُرُورُ الدَّمِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ وَاشْتُرِطَ لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِيهَا قَوْلُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ ، وَقَالَ ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حَيْثُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرُدُّ بِعَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْبَخَرِ وَالدَّفَرِ ) الْبَخَرُ رَائِحَةٌ مُتَغَيِّرَةٌ مِنْ الْفَمِ وَكُلُّ رَائِحَةٍ سَاطِعَةٍ فَهِيَ بَخَرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ بُخَارِ الْقِدْرِ أَوْ بُخَارُ الدُّخَانِ وَهَذَا الْبَخُورُ الَّذِي يَتَبَخَّرُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالدَّفَرُ نَتِنُ رِيحِ الْإِبِطِ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ الدَّفَرُ النَّتِنُ رَجُلٌ أَدْفَرُ وَامْرَأَةٌ دَفْرَاءُ وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ يَا دَفَارُ مَعْدُولٌ وَقَدْ شَمَمْت دَفَرَ الشَّيْءِ وَدَفْرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا ، وَأَمَّا الذَّفَرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ حِدَةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتِنٍ وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ قِيلَ : الرِّوَايَةُ هُنَا وَالسَّمَاعُ بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : دُونَ الْغُلَامِ ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَدَهُ سَارِقًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخِزَانَةِ وَالْأَمْوَال فَإِذَا كَانَ زَانِيًا لِمَ لَا يَكُونُ عَيْبًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْجَوَارِي وَالْخَدَمِ قِيلَ إذَا كُنَّ مَسْتُورَاتٍ يُمْكِنُهُنَّ حِفْظُ أَنْفُسِهِنَّ وَإِذَا شَغَلَهُ الْمَوْلَى بِالْعَمَلِ رُبَّمَا لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ ا هـ ( فَرْعٌ ) النِّكَاحُ عَيْبٌ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا وَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْجَ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ حَرَامٌ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجٌ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَلْزَمُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَعِدَّةُ الْجَارِيَةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ عَيْبٌ وَعَنْ الْبَائِنِ لَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ لَا يَرُدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ نُقْصَانٌ ظَاهِرٌ وَعَلَى رِوَايَةِ
الْمُضَارَبَةِ يَرُدُّ ؛ لِأَنَّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْوِلَادَةُ عَيْبٌ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّ التَّكَسُّرَ الَّذِي يَحْصُلُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى نَفْسُ الْوِلَادَةِ عَيْبٌ فِي بَنِي آدَمَ وَفِي الْبَهَائِمِ لَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) وَالْعُسْرُ عَيْبٌ وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِشِمَالِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَجْنَاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْكُفْرُ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَإِذَا هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ قَالَ كُلُّ هَذَا عَيْبٌ يَرِدُ مِنْهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَلَّمَا يَرْغَبُ فِي صُحْبَةِ الْكَافِرِ وَيَنْفِرُ عَنْهُ فَكَانَ الْكُفْرُ سَبَبًا لِنُقْصَانِ الثَّمَنِ لِفُتُورِ الرَّغْبَةِ فَكَانَ عَيْبًا وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَافِرِ إلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ فَاخْتَلَفَتْ الرَّغْبَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : يَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعْبِدَ الْكَافِرَ وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَسْتَعْبِدُونَ الْعُلُوجَ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ رَاجِعٌ إلَى الدِّيَانَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِقَوْلِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرَهَا وَيَحْلِفُ الْمَوْلَى مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ بِنُكُولِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ وَهَذَا عَلَى قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي
مَسْأَلَةِ الْبَكَارَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : لَيْسَتْ بِبِكْرٍ ، وَقَالَ الْبَائِعُ : هِيَ بِكْرٌ فِي الْحَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَكَارَةُ ، وَإِنْ قُلْنَا : هِيَ ثَيِّبٌ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْمُشْتَرِي بِشَهَادَتِهِنَّ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَحَقُّ الْفَسْخِ حَقٌّ قَوِيٌّ وَبِشَهَادَتِهِنَّ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي تَوْجِيهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ أَنَّهَا بِكْرٌ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ بِشَهَادَتِهِنَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ هُنَا تُرَدُّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَا تَحِيضُ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْخُصُومَةُ مَا لَمْ يَدَّعِ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِسَبَبِ الدَّاءِ أَوْ الْحَبَلِ فَإِنْ ادَّعَى بِسَبَبِ الْحَمْلِ يُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَإِنْ قُلْنَ لَيْسَتْ بِحُبْلَى لَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِسَبَبِ الدَّاءِ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي ( قَوْلُهُ : قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ ) فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْأَمَةِ فَتُرَدُّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ نُكُولُ الْبَائِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمَدِيدَةِ تُسْمَعُ ) وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَاَلَّتِي يَرْتَفِعُ حَيْضُهَا زَمَانًا فَهَذَا كُلُّهُ عَيْبٌ وَفَسَّرَ فِي التُّحْفَةِ أَدْنَى ذَلِكَ الزَّمَانِ بِشَهْرَيْنِ ا هـ قَوْلُهُ : وَأَحْسَنَ دَعْوَاهُ ) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ سَبَبَهُ وَهُوَ الدَّاءُ أَوْ الْحَبَلُ .
ا هـ .
قَالَ ( وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ ) ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ يَدُلُّ عَلَى الدَّاءِ وَتُنْتَقَصُ بِسَبَبِهِ قِيمَتُهُ قَالَ ( وَالدَّيْنُ ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ يَكُونُ مَشْغُولًا بِهِ وَيُقَدَّمُ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَوْلَى قَالَ ( وَالشَّعْرُ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ وَيُورِثَانِ الْعَمَى قَالَ ( فَلَوْ حَدَثَ آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ أَوْ رُدَّ بِرِضَا بَائِعِهِ ) أَيْ لَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ بِالرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَالِمًا عَنْ الْعَيْبِ الثَّانِي وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِنُقْصَانٍ بَعْدَمَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ وَهُوَ امْتِنَاعُهُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ قَمِيصًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الرِّبَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ وَهُنَا امْتَنَعَ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً يُقَابِلُهَا وَتَصِيرُ مَقْصُودَةً بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً كَمَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ وَهُوَ النِّصْفُ ، وَأَمَّا بِالْمَنْعِ حُكْمًا كَمَا إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ نَقَصَ أَوْ زَادَ ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْفَائِتَ صَارَ حَقًّا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ وَوَجَبَ
عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ مَانِعًا لِذَلِكَ الْجُزْءِ حُكْمًا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ إنْ أَمْكَنَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْمَنْعِ حُكْمًا فَاعْتُبِرَ الْحُكْمِيُّ لِلضَّرُورَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهُوَ سَالِمٌ فَإِذَا عُرِفَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى إذَا كَانَ عُشْرَ الْقِيمَةِ مَثَلًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَثُلُثُهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَيَرُدُّ مَعَهُ نُقْصَانَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْمُبْدَلِ كَرَدِّهِ فَصَارَ رَادًّا لِكُلِّ الْمَبِيعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ ، وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِيَنْدَفِعَ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ وَبَعْدَمَا تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لَوْ رَدَّ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عَنْهُ وَيَعُودُ إلَيْهِ مَعِيبًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا ثُمَّ لَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْمَبِيعِ بِعَيْبِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالضَّرَرِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ عَلَى الْبَائِعِ إذَا رَضِيَ بِأَخْذِ الْمَعِيبِ وَلَا يُقَالُ مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُشْتَرِي أَوْلَى عِنْدَ تَعَارُضِ الْحَقَّيْنِ لِمَا أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ عَلَيْهِ وَصَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيُرَجِّحُ مُرَاعَاةَ حَقِّهِ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُنَافِي عِصْمَةَ مَالِ الْعَاصِي ، أَلَا
تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ لَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ صُنْعِهِ .( قَوْلُهُ : مَشْغُولَةً بِهِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَشْغُولًا بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ ) أَيْ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِتَعَذُّرِ الرَّدِّ لِحَقِّ الْبَائِعِ فَلَمَّا رَضِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَصِيرِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الثَّمَنَ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا بِالْأَخْذِ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ ثَمَّةَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا فَلَا يَقَعُ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى بَيْعِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي نُقْصَانَ الْعَصِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الرَّدِّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ مَعَ حُدُوثِ عَيْبٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَفِي عِبَارَةِ الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَيُصَارُ إلَيْهِ بِدُونِ قَوْلِهِ أَصْلًا وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْمُرَادِ أَيْ فَيُصَارُ إلَى الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ا هـ
قَالَ ( وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بَعِيرًا وَنَحْوَهُ فَوَجَدَ مِعَاهُ فَاسِدًا حَيْثُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ النَّحْرَ إفْسَادٌ لِلْمَالِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ عُرْضَةً لِلنَّتِنِ وَالْفَسَادِ ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ فَاخْتَلَّ قِيَامُ مَالِيَّتِهِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَإِتْلَافِهِ كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ طَعَامًا فَقَتَلَهُ أَوْ أَكَلَهُ قَالَ ( وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ كَذَلِكَ لَهُ ذَلِكَ ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ لِزِيَادَةٍ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ ( وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) لِأَنَّهُ صَارَ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ إذْ الرَّدُّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِالْقَطْعِ بِرِضَا الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَهُ ثُمَّ بَاعَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قِبَلَهُ بِالْخِيَاطَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْعَيْبِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ قَالَ ( فَلَوْ قَطَعَهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ صَبَغَهُ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ ) يَعْنِي لَوْ بَاعَهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ إذْ الْفَسْخُ فِي الْأَصْلِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَمَعَ الزِّيَادَةِ أَيْضًا لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا فَكَذَا الْفَسْخُ إذْ هُوَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِلَّا لَمَّا كَانَ فَسْخًا وَلَوْ أَخَذَهُ لَكَانَ
رِبًا أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ لَا تَأْثِيرَ لِلْبَيْعِ لِلِامْتِنَاعِ قِبَلَهَا فَلَا يَصِيرُ بِهِ حَابِسًا بِخِلَافِ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ خِيَاطَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ الْمَبِيعَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَصِيرُ بِالْبَيْعِ بَعْدَهَا حَابِسًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي مِثْلِهَا تَبَعٌ مَحْضٌ لِكَوْنِهَا وَصْفًا لَهُ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُتَّصِلَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ ، فَالْمُتَّصِلَةُ ضَرْبَانِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَالْجَمَالِ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمَا وَالْمُنْفَصِلَةُ أَيْضًا نَوْعَانِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْفَسْخِ فِيهَا مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا وَلَا تَبَعًا لِانْفِصَالِهَا وَلَا إلَى الْفَسْخِ فِي الْأَصْلِ وَحْدَهُ بِدُونِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ تَبْقَى الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِهِ بِلَا عِوَضٍ ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ هَذَا النَّوْعِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْفَسْخِ فَإِذَا فُسِخَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَبِيعٍ بِحَالٍ مَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ لِلْعَيْنِ ، وَلِهَذَا لَا يَتْبَعُ الْكَسْبُ الْكَاسِبَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ حَتَّى لَا تَكُونَ أَكْسَابُهُمْ مِثْلَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا أَنْ يَكُونَ رِبًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ لِلْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِالثَّمَنِ ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَبِمِثْلِهِ يَطِيبُ الرِّبْحُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ
بِالضَّمَانِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ { رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَقَالَ الْبَائِعُ غَلَّةُ عَبْدِي فَقَالَ أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِيهِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَا الْبَائِعِ فَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ لِكَوْنِهِ مُفَوِّتًا لَهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِيهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ فَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُفَوِّتًا بِالْإِخْرَاجِ بَلْ كَانَ مُمْتَنِعًا قِبَلَهُ وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمَلَّكًا لَهُ بِالْقَطْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ فِي وَقْتٍ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا رَجَعَ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لَهُ إلَّا بِقَبْضِهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ الْخِيَاطَةُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْعَيْبِ فِي مِلْكِ الْأَبِ فَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِهِ ثُمَّ حَصَلَ التَّمْلِيكُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ قَالَ ( أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ الْخِيَاطَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَمَا لَا يَمْنَعُ مَوْتَ الْعَبْدِ وَإِعْتَاقَهُ أَمَّا الْمَوْتُ فَإِنَّمَا لَا يَمْنَعُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي مَحَلِّ الْحَيَاةِ ثَبَتَ بِاعْتِبَارِهَا فَيَنْتَهِي بِانْتِهَائِهَا وَامْتِنَاعُ رَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ ،
وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْمُرَادُ بِهِ إعْتَاقٌ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ يَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ إلَى غَايَةِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ فَتَعَذَّرَ رَدُّهُ وَلِهَذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ كَالْإِعْتَاقِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَهُوَ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ مِلْكُهُ فَكَانَ كَالْعِتْقِ بِلَا عِوَضٍ وَالْكِتَابَةُ مِثْلُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا كَالْبَيْعِ ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ مَا دَامَ حَيًّا ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مَوْهُومٌ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ وَلَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ
عَنْهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَرُدُّهُ مَوْلَاهُ وَيَتَوَلَّاهُ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَكَانَ حُقُوقُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَجَزَ وَاطَّلَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَتَوَلَّاهُ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ قَالَ ( فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ قَتَلَهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) أَمَّا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الرَّدَّ امْتَنَعَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ مُنْتَفِعًا بِهَذَا الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ الضَّمَانَ مَعْنًى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ دُنْيَوِيٌّ فَصَارَ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيَكُونُ إنْهَاءً لِلْمِلْكِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ فَعَلَ فِيهِ نَحْوَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْعَيْنُ قَائِمٌ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوع فَصَارَ نَظِيرَ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ ، وَأَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْمَبِيعِ مَا يُقْصَدُ بِشِرَائِهِ وَيُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَقَتْلِ الْعَبْدِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا لَا
تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ مَقْصُودٌ بِالشِّرَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الرَّدَّ مَتَى امْتَنَعَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْقَتْلِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَمَتَى امْتَنَعَ لَا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَالْهَلَاكِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ انْتَقَصَ أَوْ زَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ أَوْ تَوَابِعِهِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ كَمَا إذَا بَاعَ الْبَعْضَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فِي الْكُلِّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَيَتَعَيَّبُ بِالتَّبْعِيضِ وَأَكْلُ الْكُلِّ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَالْبَعْضُ أَوْلَى وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَا فِي الْمُزَالِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي .
قَوْلُهُ : حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالرَّدِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ أَوْ قَبْلَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْعَيْبِ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ بِالنُّقْصَانِ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ لَيْسَ لِحَقِّ الْبَائِعِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِحُصُولِ الزِّيَادَةِ فِيهِ بِالْخِيَاطَةِ فَكَانَ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ بِالْخِيَاطَةِ لَا بِالْبَيْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ كَانَ لَحْمًا فَشَوَاهُ أَوْ كَانَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ ثُمَّ بَاعَهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِحَابِسٍ لِلْمَبِيعِ بَلْ امْتَنَعَ الرَّدُّ قَبْلَ الْبَيْعِ لِحَقِّ الشَّرْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ) يَعْنِي لَوْ قَطَعَهُ وَخَلَطَهُ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ صَبَغَهُ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ بِالنُّقْصَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَا نَصُّهُ أَيْ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ لَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) أَيْ إذَا رَضِيَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الزِّيَادَةِ فَإِذَا أَبَى الْمُشْتَرِي الرَّدَّ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ ، وَقَالَ الْبَائِعُ لَا أُعْطِيك نُقْصَانَ الْعَيْبِ وَلَكِنْ رُدَّ عَلَيَّ الْمَبِيعَ حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْك جَمِيعَ الثَّمَنِ قَالَ ح س لَيْسَ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ ، وَقَالَ م لَهُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُتَّصِلَةٌ إلَخْ ) الزِّيَادَةُ
الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْأَصْلِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ ا هـ غَايَةٌ وَعِمَادِيَّةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا قُلْنَا ) أَيْ لِأَجْلِ مَا قُلْنَا وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ قُلْنَا إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ بِلَا مَالٍ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا كَذَا نُقِلَ قَوْلُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَكَالْقَتْلِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ يَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ لِلتَّمَلُّكِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمِلْكُ فِيهِ بِعَارِضِ الْكُفْرِ أَعْنِي أَنَّهُ وَقَعَ جَزَاءً لِلْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَاقٍ ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْهُ لِلْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ وَبِهَذَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ الْحُكْمِيِّ ) أَعْنِي الرَّدَّ امْتَنَعَ بِتَعَلُّمِ الشَّرْعِ لَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ ) ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْكِتَابَةُ مِثْلُ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ ) أَيْ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْحَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا ) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَتْلَ الْمَوْلَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ لَوْ كَانَ خَطَأً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَخَذَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِمَا ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ فَتَمَزَّقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ خِلَافًا لَهُمَا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الطَّعَامَ أَوْ الثَّوْبَ بِسَبَبٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَكْلَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ يُقْصَدُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِهِ ، وَكَذَا اللُّبْسُ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ يُقْصَدُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِهِ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ الْعَيْنِ لِمَا طُلِبَ فِيهِ لِأَصْلِ التَّخْلِيقِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ كَالزَّائِلِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ كَالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ ) فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ عِوَضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِهِ امْتَنَعَ ) أَيْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ الرَّدُّ قَبْلَ التَّمْلِيكِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ زَادَ زِيَادَةً مَانِعَةً مِنْ الرَّدِّ أَوْ الْإِعْتَاقِ ) مِثَالُ الِامْتِنَاعِ مِنْ جِهَتِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ ا هـ قَوْلُهُ : فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ ) أَيْ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ كُلَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يُرَدُّ بَعْضُهُ ) أَيْ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِي بَعْضِهِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ مُبْطِلُ الْحَقِّ فِي الْكُلِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ ( وَلَوْ اشْتَرَى بَيْضًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ جَوْزًا وَوَجَدَهُ فَاسِدًا يُنْتَفَعُ بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ) ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ إلَّا إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كُسِرَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ قُلْنَا : رَضِيَ بِكَسْرِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ رِعَايَةُ حَقِّهِمَا بِالرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَلَوْ عَلِمَ بِصِفَتِهِ قَبْلَ الْكَسْرِ رَدَّهُ لِإِمْكَانِهِ قَالَ ( وَإِلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا قَالُوا هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْبَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ ، وَكَذَا فِي الْجَوْزِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُوقَدُ فِيهِ قِشْرُهُ كَمَا فِي مَوَاضِعِ الزِّجَاجَيْنِ فَقِيلَ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ اللُّبِّ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِشْرِ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَصَارَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَقِيلَ يَرُدُّ الْقِشْرَ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ دُونَ الْقِشْرِ فَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبِّهِ فَاتَ مَحَلُّ الْبَيْعِ فَكَانَ بَاطِلًا ، وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ هَذَا إذَا ذَاقَهُ فَتَرَكَهُ فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَمَا ذَاقَهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ آكِلًا لِلْبَعْضِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الطَّعَامِ هَذَا إذَا كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ وَلَوْ كَسَرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ دَلِيلُ الرِّضَا وَقَالُوا هَذَا إذَا وَجَدَهُ خَاوِيًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَلِيلُ
لُبِّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لِلْعَلَفِ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْعَيْبِ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالُوا فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْفَاسِدِ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ بِسَبَبِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِحِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَصَّلَ ثَمَنَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَمَنُهُ عَلَى أَجْزَائِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا عُرِفَ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ .( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ ) أَيْ كَالْقَرْعِ الْمَرِّ وَالْبَيْضِ الْمَذِرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ يَرُدُّ الْقِشْرَ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ) هُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : هَذَا إذَا كَسَرَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ ) لَا يَظْهَرُ وَجْهُ هَذَا التَّفْصِيلِ بَعْدَمَا قُرِّرَ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هُنَاكَ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْفَاسِدِ ) أَيْ فَصَارَ كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَفِي الْقِيَاسِ يَفْسُدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَقِيلَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ا هـ .
قَالَ ( وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَوْ بِرِضَا لَا ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَقِيلَ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ يَرُدُّهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْكُلِّ وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَجُعِلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي الْإِقَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْعَقَارِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مَا بَاعَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِنُكُولٍ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ فَسْخٌ فِي الْكُلِّ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ بِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ قُلْنَا قَدْ
صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَبَطَلَ إقْرَارُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِإِقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى بَائِعِهِ فَلَا يَصِيرُ فَسْخًا فِي حَقِّهِ كَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مُضْطَرٌّ إلَى الْقَضَاءِ مِنْ جِهَتِهِ فَانْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مَنْسُوبٌ إلَى الْمُكْرِهِ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ إلَّا فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ كَمَا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَضْرِبَهُ ، وَأَمَّا فِيمَا لَا يَصْلُحُ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يُوقِعُهُمَا بِكَلَامِهِ وَالْمُكْرِهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِيهِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَالْقَاضِي لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا بَاشَرَ سَبَبَ الْفَسْخِ وَهُوَ النُّكُولُ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالْعَيْبِ كَانَ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ فَلَا يَلْزَمُ بَائِعَهُ قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَأَبَى الْقَبُولَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا وَالْفَسْخُ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِنُكُولِهِ بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَيْثُ يَكُونُ رَادًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَاحِدٌ وَقَدْ فُسِخَ وَالْمَوْجُودُ هُنَا بَيْعَانِ فَبِفَسْخِ أَحَدِهِمَا لَا يَنْفَسِخُ الْآخَرُ فَإِذَا عَادَ قَدِيمُ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِظُهُورِ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ لَبَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ
بِهِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَكَانَ لِأَبِي الْبَائِعِ أَنْ يَدَّعِيَ وَلَدَ الْمَبِيعَةِ الْمَوْلُودَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْفَسْخِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً حُبْلَى وَلَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُ الْفَسْخِ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ وَهِيَ ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ وَسُقُوطُ دَعْوَى الْأَبِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الْفَسْخ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْحَوَالَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَسْخِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا فِي حَقِّ مَا مَضَى حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةُ مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْقَائِلِ بِأَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَجَعَلَ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ الْفَسْخُ أَيْضًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ عَادَ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَا يُنَافِيهِ فَيَتَمَكَّنُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى دَوْرٌ وَتَنَاقُضٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ يُقَالُ يُجْعَلُ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي .
( قَوْلُهُ : لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْأَوَّلَ وَيَفْعَلَ مَا يُحِبُّ مَعَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي إقْرَارِ الْأَصْلِ فَقَالَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَ مَعَ بَائِعِهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَصِرْ مُكَذِّبًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الْجَارِيَةِ سَلِيمَةً فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ ) أَيْ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ) أَيْ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا خُصُومَةَ فَكَذَا هَذَا ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي الدَّارِ شُفْعَةٌ فَأَسْقَطَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ فِيمَا بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ بِالتَّرَاضِي تَجَدَّدَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ اشْتَرَى ثَانِيًا مَا بَاعَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُرَدُّ إذَا قَبِلَهُ بِلَا قَضَاءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ عِنْدَهُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَتَفَاوَتْ الرَّدُّ بِالرِّضَا وَالْقَضَاءِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّدُّ ) أَيْ بِالْعَيْبِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : بَعْدَ الْقَبْضِ ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي
الثَّانِي الْمَبِيعَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ قَبِلَهُ فَلَهُ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ بِالتَّرَاضِي ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ بَيْعًا فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ فَإِنَّهُ إذَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا وَعَلِمْت أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ ا هـ كَمَالٌ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا لَمْ يَبِعْ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَ ذَلِكَ الرَّدُّ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، أَمَّا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ثُمَّ رُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِعَيْبٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبِلَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ ذَلِكَ رَدًّا بِاصْطِلَاحِهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَإِذَا قَبِلَهُ بِالْقَضَاءِ بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَهُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي انْفَسَخَ بِفَسْخِ الْقَاضِي فَصَارَ كَأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا وَلَكِنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ لَمْ يَنْفَسِخْ بِفَسْخِ الثَّانِي فَيَمْلِكُ الْخُصُومَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ ) وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ ا هـ هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ
الْأَتْقَانِيُّ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ إذَا جَحَدَ الْعَيْبَ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ ) هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ شَارِحَا الْهِدَايَةِ الْأَكْمَلِ وَالْقَوَّامُ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ زُفَرَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ : كَانَ رَاضِيًا بِحُكْمِ السَّبَبِ ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْمَقَالَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ ) هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَكَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ لَكِنْ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ مَعَ مُوَكِّلِهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ مُوَكِّلِهِ أَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَتَمَامُهُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْوَاهِبِ زَكَاةُ مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ ) أَيْ وَلَا يُجْعَلُ الْمَوْهُوبُ عَائِدًا إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي حَقِّ زَكَاةِ مَا مَضَى ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا وَهَبَ دَارَ الْآخَرِ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ عَادَ الْمَوْهُوبُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ خَرَجَتْ الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَيْهِ ، أَمَّا الشُّفْعَةُ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الرَّدِّ وَحُكْمُ الرَّدِّ يَظْهَرُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بِاعْتِبَارِ وِلَايَةٍ كَانَتْ
لَهُ زَمَانَ الْعُلُوقِ وَهُوَ مَعْنًى سَابِقٌ عَلَى الرَّدِّ وَقَدْ بَطَلَ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِيهَا بَلْ يَبْقَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ وِلَايَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ، وَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الرَّدِّ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّدِّ فِي إبْطَالِهَا وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَسْتَدْعِي عِنْدَنَا دَيْنًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَكِنْ يُبَرْهِنُ أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ ) أَيْ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ بَعْدَ دَعْوَى الْعَيْبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ وَأُخِذَ مِنْهُ الثَّمَنُ فَرُبَّمَا يُثْبِتُ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْبَائِعِ فَيَكُونُ اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ وَفِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ وُجُوبَ دَفْعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَنْكَرَ تَعَيُّنَ حَقِّهِ بِدَعْوَى الْعَيْبِ وَكَانَ وُجُوبُ دَفْعِ الثَّمَنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ بِإِزَاءِ تَعَيُّنِ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ يُبَرْهِنُ أَيْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ وَكَيْفِيَّةُ إثْبَاتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ لَا أَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي يَدَّعِيهِ وُجِدَ بِالْمَبِيعِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَيْبُ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَالَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَهُ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الرَّدَّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فُسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِهِ فِي الْحَالَيْنِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ ، وَصُورَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدِي وَذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى قِيَامِ الْعَيْبِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ
وَقِيَامِهِ فِي الْحَالِ هَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُحَلِّفُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ وَلِأَنَّ الدَّعْوَى مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا التَّحْلِيفُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ قِيَامُ الْعَيْبِ لِلْحَالِ ثُمَّ يَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ ، وَإِنْ نَكَلَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا لِثُبُوتِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَيِّنَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْلِفُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْبَيِّنَةِ تَرَتُّبُ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِلْزَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْيَمِينِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْعَيْبِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ شُرِعَ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ هُنَا لَا تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ تَنْشَأُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَكَلَ ثَبَتَ قِيَامُ الْعَيْبِ بِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ تَنْشَأُ خُصُومَةٌ أُخْرَى فَيَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ وَهِيَ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا تَقَدَّمَ إلَى الْقَاضِي يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ صَارَ خَصْمًا فَيَسْأَلُهُ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ
نَكَلَ ثَبَتَ أَنَّهَا مِلْكُهُ ثُمَّ تَنْشَأُ خُصُومَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا وَهَذَا تَحْلِيفٌ لِإِنْشَاءِ الْخُصُومَةِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا قَالَ ( وَإِنْ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ دَفَعَ إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي شُهُودِي بِالشَّامِ اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ فَإِنْ حَلَفَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حُجَّتِهِ مَتَى أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ ، وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ لَزِمَ الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ حَيْثُ لَا يَكُونُ النُّكُولُ حُجَّةً فِيهَا ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْلِفْ فِيهَا وَكَيْفِيَّةُ التَّحْلِيفِ مَا بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلِأَجْلِ هَذَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ حَتَّى يَظْهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَإِنْ اسْتَبَانَ وَجْهُ الْحُكْمِ بِأَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ فَنَكَلَ رَدَّ الْمَبِيعَ وَإِلَّا أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الثَّمَنِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ ) أَيْ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي التَّسْلِيمِ لَا فِي الْمَبِيعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ ) أَيْ إنْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُحَلِّفُهُ ) أَيْ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ ا هـ أَقْطَعُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ مَا لَمْ يَثْبُتْ حُصُولُهَا عِنْدَهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِحُصُولِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُنْكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَنْكَرَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَثْبِتْ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ حَصَلَ عِنْدَكَ فَإِنْ أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ حُجَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْعِلْمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ جُنَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَا أَبَقَ وَلَا سَرَقَ وَلَا بَالَ عَلَى فِرَاشٍ كَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَوْلُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي
حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ إلَخْ ) فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ قَطُّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْبَيِّنَةِ تَرْتِيبُ الْيَمِينِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْته إلَيْهِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ) أَيْ إنْ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَالَ شُهُودِي بِالشَّامِ ) أَيْ مَثَلًا فَأَمْهِلْنِي حَتَّى أُحْضِرَهُمْ أَوْ آتِيك بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ مِنْ قَاضٍ بِالشَّامِ لَا يُسْمَعُ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحْلَفُ الْبَائِعُ وَيُقْضَى بِدَفْعِ الثَّمَنِ إنْ حَلَفَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ ) فِيهِ إيهَامٌ إذْ لَمْ يَذْكُرْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَحْلِفُهُ أَعَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى عَدَمِ قِيَامِهِ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّمْسِ الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَصِلْ عِوَضُهُ إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ لَزِمَ الْبَيْعُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ حُكْمُ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ إقْرَارٌ فَيَصِحَّانِ جَمِيعًا فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعَيْبِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ ادَّعَى إبَاقًا لَمْ يَحْلِفْ بَائِعُهُ حَتَّى يُبَرْهِنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَبَقَ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حَلَفَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا حَتَّى يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَيْبَ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَقَوْلُهُ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك الرَّدَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَقَدْ كَانَ أَبَقَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ ذُهُولٌ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصَّغِيرِ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَلَا يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ يُوجِبُ الرَّدَّ ، وَكَذَا لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ حَالَةُ التَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْبَتَاتِ هُنَا ، وَإِنْ كَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي تَسْلِيمَهُ سَلِيمًا فَيَكُونُ مُدَّعِيًا لِلْعِلْمِ بِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ قَالَ إنَّ الْمُودِعَ
قَبَضَ الْوَدِيعَةَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ فِعْلَ غَيْرِهِ ، وَكَذَا الْوَكِيلُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ الثَّمَنَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ أَنْ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَهَذَا فِي الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْقَاضِي وَلَا يُعْرَفُ أَهِيَ حَادِثَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا ، وَأَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهَا كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ أَوْ النَّاقِصَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِتَيَقُّنِهِ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي بِهِ وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقِهِ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُيُوبَ أَنْوَاعٌ : أَحَدُهَا - أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِلْحَاكِمِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِي - مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَمَعْرِفَتُهُ إذَا أَنْكَرَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ فَيُقْبَلُ فِي قِيَامِ الْعَيْبِ لِلْحَالِ وَتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ قَوْلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَدْلٌ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الرِّضَا بِهِ وَالثَّالِثُ - عَيْبٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ كَالرَّتْقِ وَالْعَفَلِ فَيَقْبَلُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَالِ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثِقَةٍ ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ قَبِلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْبَائِعِ وَالرَّابِعُ - عُيُوبٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِلْقَاضِي وَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهَا الْأَطِبَّاءُ وَلَا النِّسَاءُ كَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ ( وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ حَتَّى إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْبَائِعُ كُنْت بِعْتُك مَعَهُ غَيْرَهُ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِيهِ وَحْدَهُ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي بَقَاءَ بَعْضِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْآخَرِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ لِمَا بَيَّنَّا .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ ) أَيْ فَيَكُونُ غَرَضُ الْبَائِعِ مِنْ هَذَا الْيَمِينِ عَدَمَ وُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا ا هـ كَيْ فَإِذَا وُجِدَ فِي حَالَةٍ كَانَ بَارًّا ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطَيْنِ إنَّمَا يُنَزَّلُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْلِيفُ عَلَى الْبَتَاتِ هُنَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى يَمِينُ الرَّدِّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ صَحِيحًا فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقَةٍ ) أَيْ بِبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا أَوْ بِنُكُولِ الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْعَفَلِ ) الْعَفَلُ شَيْءٌ مُدَوَّرٌ يَخْرُجُ بِالْفَرْجِ وَلَا يَكُونُ فِي الْأَبْكَارِ ، وَإِنَّمَا يُصِيبُ الْمَرْأَةَ بَعْدَمَا تَلِدُ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهَا الْأَطِبَّاءُ وَلَا النِّسَاءُ كَالْإِبَاقِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِبَاقِ وَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُشَاهَدُ عِنْدَ الْخُصُومَةِ كَذَلِكَ نَحْوُ السَّرِقَةِ وَالْبَوْلِ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْجُنُونِ ، إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ وَالْحَالَةُ وَاحِدَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا قُصِدَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَكَذَا الْمُودَعُ إذَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي بَقَاءَ بَعْضِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ ) لَا يَظْهَرُ وَجْهُ هَذَا الدَّلِيلِ الثَّانِي إذْ لَا يَصِحُّ
إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهُ انْعَكَسَ الْأَمْرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ، وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ ) أَيْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِمَا قُلْنَا كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ جَارِيَتَيْنِ وَاتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَلَكِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَبَضْت أَحَدَهُمَا لَا غَيْرُ ، وَقَالَ الْبَائِعُ قَبَضَهُمَا جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا ) يَعْنِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ السَّلِيمَ وَيَرُدَّ الْمَعِيبَ بَلْ يَأْخُذُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ أَحَدِهِمَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِهِمَا وَالتَّفْرِيقُ فِي الْقَبْضِ كَالتَّفْرِيقِ فِي الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَمُؤَكِّدًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْمَقْبُوضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَمَّتْ فِيهِ لِتَنَاهِيهَا فِي حَقِّهِ قُلْنَا تَمَامُ الصَّفْقَةِ تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فِي الْإِتْمَامِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ حَبْسَ الْمَبِيعِ لَمَّا تَعَلَّقَ بُطْلَانُهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِقَبْضِ كُلِّهِ وَيَبْقَى بِبَقَاءِ جُزْئِهِ فَكَذَا تَمَامُ الصَّفْقَةِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ لَا يَتِمُّ بِبَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ إذْ هِيَ لَا تَقْبَلُ التجزي فِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ ( وَلَوْ قَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ ) ، وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِضَمِّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ، وَلَنَا أَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَيَكُونُ الْفَسْخُ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا وُجِدَ فِيهِ عِلَّةُ الرَّدِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَتَخَيَّرْ فِي الْبَاقِي لِتَمَامِهِ بِالْقَبْضِ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَيْ لَا يَتَفَرَّقَ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ قَبْلَ
التَّمَامِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا وَتَضَرُّرِ الْبَائِعِ مِنْ قِبَلِ تَدْلِيسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ، كَذَا ذُكِرَ خِلَافُ زُفَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلَفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا الْعَيْبُ عِنْدَ زُفَرَ كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ خَاصَّةً ، فَكَذَا قَبْلَهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَفِيهِ تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ كَانَ قَبْلَهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتِمَّ هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَزَوْجَيْ الْخُفِّ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ ) أَيْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إنَّ الْإِمَامَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجِيزُ رَدَّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَمْنَعُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ زُفَرَ لَا يُجِيزُ رَدَّ أَحَدِهِمَا لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الشَّارِحِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ آنِفًا وَفِي مُخْتَلَفِ الرِّوَايَةِ أَنَّ زُفَرَ يُجِيزُ رَدَّ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمَنْظُومَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَزَوْجَيْ الْخُفِّ إلَخْ ) تَقُولُ اشْتَرَيْت زَوْجَيْ حَمَامٍ وَأَنْتَ تَعْنِي ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَعِنْدِي زَوْجَا نِعَالٍ ، وَقَالَ تَعَالَى { مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } ا هـ صِحَاحٌ .
قَالَ ( وَلَوْ وَجَدَ بِبَعْضِ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ عَيْبًا رَدَّهُ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَتَقْدِيرًا ، وَإِنْ كَانَ أَشْيَاءَ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ وَالتَّقَوُّمَ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِاعْتِبَارِ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْضِمَامِ إذْ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا فَإِذَا كَانَتْ الْمَالِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الِاجْتِمَاعِ صَارَ الْكُلُّ فِي حَقِّ الْبَيْعِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَلِهَذَا يُسَمَّى بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُرُّ وَنَحْوُهُ ، وَكَذَا جَعَلَ رُؤْيَةَ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِذَا كَانَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا وُجِدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ وِعَاءَيْنِ وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْعَيْبُ وَحْدَهُ قَالَ ( وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ لَمْ يُخَيَّرْ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ وَلَوْ ثَوْبًا خُيِّرَ ) يَعْنِي لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ لَمْ يُخَيَّرْ فِي رَدِّ الْبَاقِي ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الثَّوْبِ خُيِّرَ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا تُعَدُّ عَيْبًا ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُمَا وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّ الْعَاقِدِ وَتَمَامُهُ بِرِضَا الْعَاقِدِ لَا بِرِضَا الْمَالِكِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ فِيهِ عَيْبٌ وَقَدْ كَانَ وَقْتُ الْبَيْعِ فَيَرُدُّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ لِتَفْرِيقِ
الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ قَالَ ( وَاللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ وَالْمُدَاوَاةُ رِضًا بِالْعَيْبِ ) ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ اسْتِبْقَائِهِ وَإِمْسَاكِهِ ، وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالسُّكْنَى بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ اللُّبْسَ وَنَحْوه لَيْسَ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهِ فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ هُنَاكَ شُرِعَ لِلِاخْتِبَارِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبُ مَرَّةً يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِاخْتِبَارِ فَلَوْ جُعِلَ اخْتِيَارًا لِلْإِجَازَةِ لَفَاتَ فَائِدَةُ خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَمْ يُشْرَعْ لِلِاخْتِبَارِ ، وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلرَّدِّ لِيَصِلَ إلَى رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحِلُّ بِلَا مِلْكٍ جَعَلَ مُمْسِكًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِمْسَاكِ وَالرِّضَا قَالَ ( لَا الرُّكُوبُ لِلسَّقْيِ أَوْ لِلرَّدِّ أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ ) أَيْ لَا يَكُونُ الرُّكُوبُ لِسَقْيِهَا الْمَاءَ أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا الْعَلَفَ رِضًا بِالْعَيْبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَقَدْ لَا تَنْقَادُ وَلَا تَنْسَاقُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا إلَّا إذَا رَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الرُّكُوبِ بِأَنْ كَانَ الْعَلَفُ فِي عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا تَنْسَاقُ وَلَا تَنْقَادُ وَقِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًا كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَلِغَيْرِهِ يَكُونُ رِضًا إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ .( قَوْلُهُ : إذْ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا ) أَدْنَى الْقِيمَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ وَلَوْ كَانَتْ كِسْرَةَ خُبْزٍ لَا يَجُوزُ ا هـ قُنْيَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ لِشِرَاءِ الْعَلَفِ ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ لِشِرَاءِ عَلَفِهَا أَمَّا الرُّكُوبُ لِشِرَاءِ عَلَفِ غَيْرِهَا لَا يَكُونُ رِضًا ا هـ .
قَالَ ( وَلَوْ قَطَعَ الْمَقْبُوضَ بِسَبَبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ ) مَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَقَطَعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْقَطْعُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ قُطِعَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ لَكِنَّ الْقَطْعَ غَيْرُ الْوُجُوبِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَعَذَّرَ الرَّدُّ وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّبٌ وَقَدْ حَدَثَ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَتَلَ بِسَبَبٍ كَأَنْ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ رِدَّةٍ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ ، وَلِهَذَا يَقَعُ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيَكُونُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ فَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ وُجِدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَرَوَى ابْنُ الْمَنْذُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلِمَ فَالسَّبَبُ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ يُوجِبُ انْفِصَالَ
الْوَلَدِ لَا مَوْتَ الْأُمِّ إذْ الْغَالِبُ فِي الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ ، وَلَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْ بَدَّلَهُ بِحِسَابِهِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالسَّرِقَةِ وَالنَّفْسُ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحْسَمُ وَلَا تُقْطَعُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ تَوَقِّيًا عَنْ الْهَلَاكِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَا يُنْتَقَضُ فِي النِّصْفِ ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْقَتْلَ عِنْدَ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُنْتَقَضُ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُمْسِكَ الْعَبْدَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ كَالِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْأَخْذِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقُطِعَ بِهِمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَعِنْدَهُ لَا يَرُدُّهُ بِغَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ قُطِعَتْ بِهِمَا فَيَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ بِسَبَبِ مَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ يَرْجِعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ الرُّبْعُ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَقُطِعَ عِنْدَ الْأَخِيرِ أَوْ قُتِلَ يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ هُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ
الْقَطْعَ أَوْ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اسْتِحْقَاقٌ عِنْدَهُ وَفِيهِ يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا عَيْبٌ فَيَرْجِعُ مَنْ لَمْ يُفَوِّتْ الرَّدَّ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ ثُمَّ هُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الرَّدَّ بِالْبَيْعِ قَبْلَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بِرِضَاهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذَا وَفِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِوُجُوبِ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قُتِلَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُقَالُ يُنْتَقَضُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مَرِيضًا وَمَاتَ عِنْدَهُ وَبِمَا إذَا قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ وَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَبِمَا إذَا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ وَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ بِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا ، وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَرِيضُ وَالْمَقْطُوعُ عِنْدَ الْبَائِعِ مَاتَا بِزِيَادَةِ الْآلَامِ وَتَرَادُفِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَزِنَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْجَلْدَ وَالْقَتْلُ غَيْرُهُ فَلَا يُؤَاخَذُ الْبَائِعُ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ ( وَلَوْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْكُلَّ وَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَعُدَّ الْعُيُوبَ وَفِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ لَهُ قَوْلَانِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عِنْدَهُ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ
لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَبَيْعِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ : هَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ : لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ مُنَاظَرَةٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً فِي مَوْضِعِ الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَوْ غُلَامًا فِي ذَكَرِهِ عَيْبٌ أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ بِهِ هَكَذَا حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُدْخِلُ فِيهِ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ قُلْنَا الْغَرَضُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ الْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ لِيَمْلِكَهُ أَوْ لِيُبْرِئَهُ بَلْ هَذَا بَيَانٌ لِاتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ السَّلَامَةِ وَالْعَقْدُ قَابِلٌ لِذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا وَهُوَ يَعْلَمُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ بِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ كُلِّ حَقٍّ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَقُّ الْقَائِمُ لَا غَيْرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ إيجَادُ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْمَوْجُودَ
وَقْتَ الْعَقْدِ بِالْبَرَاءَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَرَجَعَ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَكَانَ ذِكْرُهُ هُنَا أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : مَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا ) هَذَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا أَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَيْبِ فَإِذَا كَانَ عَالِمًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبَاحَ الدَّمِ أَوْ كَوْنَهُ مُسْتَحَقَّ الْقَطْعِ عَيْبٌ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ وَالْعِلْمُ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً حُبْلَى ) أَيْ وَقَدْ دَلَّسَ الْبَائِعُ الْحَمْلَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا إلَى غَيْرِ سَارِقٍ هَكَذَا فِي أَصْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَصَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِ السَّرِقَةِ لَا بِنُقْصَانِ الْقَطْعِ وَتَعْلِيلُهُ مَبْسُوطٌ فِي الْغَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا ) أَيْ وَاجِبَ الْقَطْعِ وَغَيْرَ وَاجِبِهِ فَيَرْجِعُ بِمَا بَيْنَهُمَا ا هـ فِرِشْتَا وَمُصَفَّى ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ الرَّدِّ بِجِنَايَةٍ إلَخْ ) فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَئِنْ سَلَّمَ إلَخْ ) أَنَّهَا وِفَاقِيَّةٌ فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَقَطْ ا هـ قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ؛ لِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ فَاتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَاضُهُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ ا هـ .
( بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ) الْبَيْعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ إذَا خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ ، وَبَاطِلٌ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا وَفَاسِدٌ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَمَوْقُوفٌ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَامْتَنَعَ تَمَامُهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ .
( بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ بِنَوْعَيْهِ اللَّازِمِ وَغَيْرِ اللَّازِمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا ذَاتًا وَصِفَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ جُمْلَةُ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا أَوْ ثَمَنُهُ أَوْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَوْ ثَمَنُهُ أَوْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ بَائِعِهِ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ فَسْخُهُ أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرْطًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ أَوْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ أَوْ يَكُونُ فِي الْمَبِيعِ عَرْضٌ أَوْ فِي ثَمَنِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَوْ بَيْعُ مَا يَقْبِضُهُ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَشْتَرِي بِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ وَالْأَتْبَاعِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ وَإِنْ تَبَعَّضَ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ التَّسْلِيمُ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ كَجَهَالَةِ كَيْلِ الصُّبْرَةِ وَعَدَدِ الثِّيَابِ الْمُعَيَّنَةِ ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبِيعِ أَوْ ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَوْ بَيْعِهِمَا وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبِيعِ حَقًّا لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَكَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ فَاسِدٌ ، وَقَالَ فِي
مَوْضِعٍ مَوْقُوفٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ ، وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَعْنَاهُ لَا حُكْمَ لَهُ فَكَانَ فَاسِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ تَفْسِيرُ اشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ لِلْبَائِعِ كَمَا إذَا قَالَ : عَلَيَّ أَنْ أَهَبَ لَك وَأَقْرِضَ لَك وَكَاشْتِرَاطِهَا لِلْمُشْتَرِي نَحْوَ إنْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي وَكَاشْتِرَاطِهَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، كَمَا إذَا قَالَ : عَلَيَّ أَنْ تُعْتِقَهُ أَوْ تُدَبِّرَهُ وَكَاشْتِرَاطِهَا لِإِنْسَانٍ آخَرَ نَحْوُ إنْ قَالَ أَنْ تُقْرِضَ فُلَانًا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بَيْعُ الرَّهْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْعُ الطَّيْرِ الَّذِي طَارَ مِنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْآبِقِ وَكَذَلِكَ إذَا تَمَكَّنَ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَهُوَ بَيْعُ الْغَرَرِ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْبَائِعُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِحُّ مِنْ الْغَاصِبِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ نَحْوَ إنْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي
هَذَا ؛ لِأَنَّهُ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ } وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ : بِعْتُك هَذَا بِقَفِيزَيْنِ حِنْطَةً أَوْ بِقَفِيزَيْنِ شَعِيرًا وَهَذَا بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ } كَمَا إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِكَذَا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَبِكَذَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الْأَلْيَة مِنْ الشَّاةِ الْحَيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِيجَابُ الذَّبْحِ عَلَى الْبَائِعِ ضَرَرٌ بِهِ ، وَكَذَا بَيْعُ الْأَتْبَاعِ كَبَيْعِ نِتَاجِ الْفَرَسِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلَةِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَفِي اللَّبَنِ غَرَرٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ كَبَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ جَازَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَكَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَشِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُصَنَّفَ الْقُدُورِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَّبَ الْبَابَ بِالْفَاسِدِ وَإِنْ ابْتَدَأَ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ مُضْمَحِلُّ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَالْفَاسِدُ مُضْمَحِلُّ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ كَالْجَوْهَرِ إذَا تَغَيَّرَ وَاصْفَرَّ يُقَالُ فَسَدَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِشَيْءٍ يُقَالُ بَطَلَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ أَنَّهُ الْمُوَصِّلُ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الدِّينِ الَّتِي شُرِّعَتْ لَهَا الْعُقُودُ لِيَنْدَفِعَ التَّغَالُبُ وَالْوُصُولُ إلَى
الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّحَّةِ ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَعَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ ثُمَّ إنْ أَفَادَ الْمِلْكَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ تَمَامَهُ إذْ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي قَوْلِهِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فَالشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَصْفِهِ بَلْ بِأَصْلِهِ وَالْبَاطِلَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ حَقِيقَةً عَلَى الْبَاطِلِ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ أَصْلًا فَقَابَلُوهُ بِهِ وَأَعْطَوْهُ حُكْمًا يُبَايِنُ حُكْمَهُ وَهُوَ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا بِتَبَايُنِهِمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ لَازِمٌ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ وَفِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِ مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ يَتَصَادَقَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فِي الْعُرْفِ لَكِنْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ، وَلِهَذَا وَجَّهَ بَعْضُهُمْ الْأَعَمِّيَّةَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ وَالسُّوسِ بَطَلَ اللَّحْمُ وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ فَاعْتُبِرَ
مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا أَدْخَلَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِشُمُولِهِ الْمَكْرُوهَ ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ وَصْفِ الْكَمَالِ بِسَبَبِ وَصْفِ مُجَاوِرِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ ) لِعَدَمِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ ( فَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقِيلَ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ كَالْحُرِّ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَالًا عِنْدَ الْبَعْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِثْلَ الْمَوْقُوذَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ بِيعَتْ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ بِيعَتْ بِعَيْنٍ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا حَتَّى يَمْلِكَ وَيَضْمَنَ بِالْقَبْضِ ، بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تَضْمَنَ وَلَا تَمْلِكَ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا وَفِي تَمَلُّكِهَا بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ وَسَائِلُ وَالْمَقْصُودُ تَحْصِيلُهَا فَكَانَ بَاطِلًا إهَانَةً لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِأَنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ مَا يُقَابِلُهَا وَفِيهِ إعْزَازٌ لَهُ لَا لَهَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَبَعٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ هُوَ الْمَبِيعُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَبِيعَتْ بِعَيْنٍ مُقَايَضَةً صَارَ فَاسِدًا فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا بَاطِلًا فِي حَقِّهَا وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ
صَاحِبُ الْمُحِيطِ ؛ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ فَصَارَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا وَجَعَلَهُ الْبَزْدَوِيُّ كَالْمَيْتَةِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ الْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَوْ بِيعَ الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ اقْتِضَاءً ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ : إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ مُلِكَ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ بِالْمَحَلِّ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ فِي نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ ذِكْرُهُ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهُ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِيعَ مَعَهُ وَلَوْ كَانَ كَالْحُرِّ لَبَطَلَ وَيُؤَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَقْبُوضَانِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَهُمَا مَالٌ حَقِيقَةً ، وَلِهَذَا يُمْلَكُ مَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَيَضْمَنَانِ بِهِ ضَرُورَةً كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ بِهِ ، وَلَهُ أَنَّ شُبْهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ
الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا بَلْ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَحْدَهُ وَيَدْخُلُ فِي حَقِّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ وَقِيلَ : لَا يَدْخُلُ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِيهِ فِي حَقِّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ حَتَّى يَنْقَسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا لَا غَيْرُ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا فَإِذَا بَطَلَتْ لِعَدَمِ مَحِلِّهِ بَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ وَذَلِكَ لِانْعِدَامِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى التَّرَاضِي وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي عَقِيبَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْهَاهُ الْبَائِعُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ التَّقَوُّمَ بِدَلِيلِ حِلِّ الْإِتْلَافِ بِلَا ضَمَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ صَلَحَ ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فَكَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْفَاسِدُ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَمْلِكَ ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَبْدًا فَعَتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ قَوْلُهُ : بِأَنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ) أَيْ الْخَمْرُ إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيهَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ الْعَقْدُ إلَخْ ) كَأَنَّهُ جَوَابٌ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَى أَصْلِنَا مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَاتِ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ فَقَالَ لَمَّا كَانَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ انْعَقَدَ التَّدْبِيرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى ) أَيْ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ بِدَلِيلِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ ) احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ ا هـ ق ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ ) أَيْ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَصْلًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَفِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّهُ
بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ) أَيْ حَتَّى لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا تُفِيدُ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بَلْ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَمَّهُ مَعَ عَبْدِ الْبَائِعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ عَبْدَهُ يَدْخُلُ فِي شِرَائِهِ لِيُثْبِتَ الْمِلْكَ فِي حَقِّ عَبْدِ الْبَائِعِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِيُثْبِتَ حُكْمَ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا كَمَالِ الْمُشْتَرِي ا هـ .
قَالَ ( وَالسَّمَكِ قَبْلَ الصَّيْدِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الِاصْطِيَادِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يُمْلَكْ فَلَا يَجُوزُ ثُمَّ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحَظِيرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْحَظِيرَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي بَيْعِ الْآبِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ فِي الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَاءِ وَخَارِجِهِ ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ السَّمَكُ الْحَظِيرَةَ بِاحْتِيَالِهِ بِأَنْ سَدَّ عَلَيْهِ فُوَّهَةَ النَّهْرِ أَوْ سَدَّ مَوْضِعَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُبِسَ فِيهِ بِاحْتِيَالِهِ صَارَ آخِذًا لَهُ وَمَلَكَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ فَصَارَ كَطَيْرٍ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ الْحَظِيرَةَ لِلِاصْطِيَادِ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ مَلَكَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِنْ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهِ الْمَدْخَلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ
حِيلَةٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ .( قَوْلُهُ : لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ ) سَيَأْتِي فِي الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ مَا يُخَالِفُهُ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا اجْتَمَعَتْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَالٍ لِأَخْذِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْنَ الْخُرُوجَ كَمَا إذَا أَفْرَخَ الصَّيْدُ فِي أَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ مَكَانًا فَإِذَا اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ا هـ .
قَالَ ( وَالطَّيْر فِي الْهَوَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ وَبَعْدَهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا إذَا كَانَ يَطِيرُ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صَيْدًا قَبْلَ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَكَان يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَخَذَهُ وَسَلَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْآبِقِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِهِ الصَّيْدُ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ، وَلِهَذَا لَوْ بَاضَ فِيهَا بَيْضًا أَوْ تَنَكَّسَ الصَّيْدُ أَوْ تَكَسَّرَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ إيَّاهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ فِيهِ النَّحْلُ حَيْثُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْعَسَلَ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالْأَشْجَارِ ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ كَالثِّمَارِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ أَرْضَهُ لِذَلِكَ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِلِاصْطِيَادِ أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَدَخَلَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ تَعَقَّلَ بِهِ مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّ التَّهْيِئَةَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَطَّ طَسْتًا لِيَقَعَ فِيهِ الْمَطَرُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ذَيْلَهُ عِنْدَ النِّثَارِ لِيَقَعَ فِيهِ الشَّيْءُ الْمَنْثُورُ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ كَانَ الصَّيْدُ لَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِي الطَّيْرِ لَا يَكُونُ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
قَالَ ( وَالْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ ) فَالْحَمْلُ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَالنِّتَاجُ مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْحَمْلُ { لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تَنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْبَلُ الَّتِي نَتَجَتْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضَرْعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ { نَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا وَالْحَبَلَةُ هُوَ الْحَبَلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْجَنِينُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْلِ وَهُوَ مَصْدَرٌ ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ التَّاءُ لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ إنْ كَانَ أُنْثَى وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْحَمْلُ وَالنِّتَاجُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَا يَبِيعُ الْحَمْلَ وَالنِّتَاجَ ، وَإِنَّمَا بَطَلَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ لِمَعْنَى الْغَرَرِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تُنْتِجُ تِلْكَ النَّاقَةُ أَمْ لَا تُنْتِجُ إنْ بَقِيَتْ فَرُبَّمَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُنْتِجَ وَتَلِدَ ا هـ .
قَالَ ( وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ وَصُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَبَنٌ فِي ضَرْعٍ وَسَمْنٌ فِي لَبَنٍ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهُ يَدِرُّ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاخًا مِنْ الرِّيحِ وَلَيْسَ فِيهِ لَبَنٌ .( قَوْلُهُ : فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَازُ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ ، وَكَذَا إذَا بَاعَ دَقِيقًا فِي هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ زَيْتًا فِي هَذَا الزَّيْتُونِ أَوْ دُهْنًا فِي السِّمْسِمِ أَوْ عَصِيرًا فِي الْعِنَبِ أَوْ سَمْنًا فِي اللَّبَنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَدَائِهِ إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ فَإِذَا أَفْضَى الْبَيْعُ إلَى ذَلِكَ لَزِمَ مَا قُلْنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ ) لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فِيهِ وَلَا قَدْرُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ كَسْرُ الصَّدَفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا قُلْنَا هُوَ مَجْهُولٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ تُرَابَ الذَّهَبِ وَالْحُبُوبَ فِي غِلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَيُمْكِنُ تَجْرِبَتُهَا بِالْبَعْضِ أَيْضًا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَاللُّؤْلُؤُ فِي الصَّدَفِ ) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
قَالَ ( وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا رَوَيْنَا ) وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ لِقِيَامِهِ بِهِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللَّبَنِ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْخِضَابِ وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ وَالصُّوفُ يُقْطَعُ فَيَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَصَارَ مَالِيَّةُ اللَّحْمِ فِيهَا مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَكَوْنُهُ مَقْطُوعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلِ بِمُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ لِلتَّعَامُلِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ .( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ ) أَيْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَيَوَانِ فَلَمَّا كَانَ تَبَعًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ مَقْصُودًا بِإِرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا ) أَيْ وَكُلُّ مَا يَزْدَادُ مِنْهَا يَزْدَادُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِدُونِ الْعَقْدِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعَقْدُ لَمْ يُوجِبْ الضَّرَرَ فَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَيَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا مَعْلُومًا مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ حَيْثُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ ، وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا إنْ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الْفَسَادِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَلَّدَ الْحَيَوَانَ وَذَبَحَهُ وَسَلَّمَهُ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ خَمْرًا ثُمَّ تَخَلَّلَتْ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَقَّهُ وَسَلَّمَهُ ، لِأَنَّ فَسَادَهُ لِاحْتِمَالِ الْعَدَمِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فِي أَغْلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً ؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَعْلُومٌ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ بِهِ فَيُقَالُ هَذَا بَاقِلِّيٌّ وَهَذِهِ حِنْطَةٌ وَلَا يُقَالُ لِلْبِطِّيخِ هَذَا بِزْرٌ وَهُوَ الْفَارِقُ وَهَذَا فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جَازَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ كَالْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِي الْجِذْعِ الْمُتَعَيِّنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي الْجَهَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ا هـ قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ رَضِيَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ اتِّفَاقًا فَيُسَلِّمُهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَيَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ بَاعَ جِذْعًا مِنْ سَقْفٍ أَوْ آجُرًّا مِنْ حَائِطٍ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ مِنْ دِيبَاجٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا ) أَيْ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَخْذِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ النَّوَاةَ فِي التَّمْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا إلَّا بِضَرَرٍ ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ حَبَّ هَذَا الْقُطْنِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ هَكَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي نَزْعِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَقَّهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَقَّ التَّمْرَ وَالْبِطِّيخَ وَأَخْرَجَ النَّوَى وَالْبِزْرَ وَسَلَّمَ لَا يَعُودُ صَحِيحًا لِاحْتِمَالٍ فِي وُجُودِهِمَا زَمَانَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ الْجِذْعُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ
مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ وَالْبَزْرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ بِزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : كَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ ، أَمَّا إذَا كَانَ كِرْبَاسًا لَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ ا هـ .
قَالَ ( وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ أَوْ بِغَوْصِ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فِيهِ مُفَصَّلًا وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ ) بِالْقَافِ وَالنُّونِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ وَهُوَ مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ وَرُوِيَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَايِصِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهُوَ غَوْصُ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ أَوْ غَوْصُ الرَّجُلِ فِي الْبَحْرِ لِأَجْلِ اللُّؤْلُؤِ ا هـ عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ ) أَيْ وَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ ا هـ ق ( قَوْلُهُ : وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّرْبَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَالِكًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } وَهَذَا الْوَجْهُ مِمَّا سَمَحَ بِهِ خَاطِرُ الْأَتْقَانِيُّ كَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ ) أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ تُفْسِدُ الْبَيْعَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ ا هـ ق .
قَالَ ( وَالْمُزَابَنَةِ ) وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُزَابَنَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلَ كَيْلِهَا خَرْصًا وَالْمُخَاضَرَةُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ ، وَكَذَا بَيْعُ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ خَرْصًا لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ { وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ } وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمْثَالُهُ مِنْ النُّصُوصِ لَا تُحْصَى كُلُّهَا مَشْهُورَةٌ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ وَالتَّفَاضُلُ مُحَرَّمٌ بِهِ ، وَكَذَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّفَاضُلِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَاضَلَا بِيَقِينٍ أَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى الْعَرَايَا فِيمَا رَوَاهُ الْعَطَايَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ
بُسْتَانِهِ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعْرَى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَلَا يَرْضَى أَنْ يُخْلِفَ الْوَعْدَ فَيَرْجِعُ فِيهِ فَيُعْطِيهِ قَدْرَهُ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ بَدَلَهُ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَصَارَ بَائِعًا مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَهُوَ جَائِزٌ لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَسُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ عَمَّا أَعْطَاهُ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ أَنْفَقَ فِي الْوَاقِعَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَيْهِ فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَسَكَتَ عَنْ السَّبَبِ كَذَا فَسَرَهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى كَيْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَشَاهِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّهُ بَيْعٌ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْمُزَابَنَةِ ) قَالَ فِي الْفَائِقِ الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِالثَّلَاثِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ كَذَا وَقَعَ سَمَاعُنَا مِرَارًا بِفَرْغَانَةَ وَبُخَارَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا عَلَى النَّخِيلِ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا وَقَدْ يَكُونُ تَمْرًا إذَا جَفَّ فَقُلْنَا بِالثَّلَاثِ حَتَّى يَعُمَّهُمَا جَمِيعًا وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمَجْذُوذِ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا فَقُلْنَا بِالِاثْنَيْنِ وَلَوْ رَوَيَا بِالثَّلَاثِ فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْ بِالِاثْنَتَيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : خِرْصًا ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الْخَاءِ ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَرَصْت النَّخْلَ خَرْصًا مِنْ بَابِ قَتَلَ حَذِرْت ثَمَرَهُ وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا ) وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخِرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ ( قَوْلُهُ : فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مُقْتَصِرَةٌ ا هـ .
قَالَ ( وَالْمُلَامَسَةِ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ ) وَهَذِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ وَقَدْ نَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهَا بِمَا رَوَيْنَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يَقْلِبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يُنْبَذَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ وَيُنْبَذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِلتَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَيَكُونُ قِمَارًا فَصَارَ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ أَلْقَيْت عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَفِي الْمُغْرِبِ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَاللِّمَاسِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ : إذَا لَمَسْت ثَوْبَك أَوْ لَمَسْت ثَوْبِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا فَإِذَا لَمَسْتُك فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَبَذْته إلَيْك أَوْ يَقُول الْمُشْتَرِي إذَا نَبَذْته إلَيَّ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ إذَا أَلْقَيْت الْحَجَرَ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد الْمُلَامَسَةُ أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يُقَلِّبُهُ .
قَالَ ( وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ جَازَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَحُكْمُهُ إذَا قَبَضَهُمَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَثَوْبٌ مِنْ ثَوْبَيْنِ ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ تُفْضِي إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي مَا يُسَلِّمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي مَا يَتَسَلَّمُ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْقِيمَةِ وَجَهَالَةِ الصُّبْرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ ، وَلَوْ قَالَ بِعْت أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ فَقَبِلَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي الثَّانِي بِفِعْلِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ الْخِيَارَ ثَبَتَتْ الْجَهَالَةُ وَكَثُرَتْ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي اخْتِيَارُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إلَّا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ الْآخَرَ فَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا فَقَلَّتْ الْجَهَالَةُ فَلَمْ تُؤَثِّرْ ا هـ أَقْطَعُ .
قَالَ ( وَالْمَرَاعِي وَإِجَارَتِهَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَلَأُ دُونَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا جَائِزٌ إذَا كَانَ مَالِكًا لَهَا ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ بِنَبَاتِهِ فِي أَرْضِهِ مَا لَمْ يُحْرِزْهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ : فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ { وَثُمُنُهُ حَرَامٌ } وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُحْرِزْهُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يُمْنَعُ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُمْ الِانْتِفَاعَ بِشُرْبِ الْمَاءِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ وَإِذَا طَلَبَ أَحَدٌ الْمَاءَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُخَلِّيَهُ يَدْخُلُ فَيَأْخُذُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُخْرِجُ لَهُ هُوَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ فِيهِ ، وَكَذَا لَهُمْ الِاحْتِشَاشُ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ الْعَيْنِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ فَغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ أَوْلَى وَأُجِيزَتْ فِي الظِّئْرِ وَالصَّبْغِ لِكَوْنِهَا آلَةً لِلْعَمَلِ بَيْعًا وَضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَجُوزُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهَا أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُمَا هَذَا إذَا نَبَتَ
الْحَشِيشُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَنْبَتَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ سَقَاهَا أَوْ حَدَّقَ حَوْلهَا أَوْ هَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ مَلَكَهُ وَجَازَ بَيْعُهُ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ فَلَا تَنْقَطِعُ بِدُونِ الْحِيَازَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْكَلَأِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ مَا تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَالْأَشْجَارُ لَهَا سَاقٌ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهَا إذَا نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالنَّبَاتِ فِيهَا وَالْكَمْأَةُ كَالْكَلَأِ وَلِذَا لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِضَوْءِ النَّارِ وَالِاصْطِلَاءِ بِهَا وَالْإِيقَادِ مِنْ لَهِيبِهَا بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْجَمْرِ شَيْئًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ .( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ ) أَيْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِحْرَازِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ ) أَيْ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ : وَقِيلَ : لَا يَمْلِكُهُ ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا تَنْقَطِعُ بِدُونِ الْحِيَازَةِ ) أَيْ وَسَوْقُ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ : يَنْبَغِي أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَمْلِكُ بِنَاءَهَا وَيَكُونُ بِتَكَلُّفِهِ الْحَفْرَ وَالطَّيَّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكَلُّفِهِ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ ( وَالنَّحْلِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْحِمَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالزُّنْبُورِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفِعًا بِهِ وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَالًا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكِوَارَةِ صَحَّ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ ، وَقَالَ الشَّيْءُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَبِهِ يُفْتَى ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ تَبَعًا لِلْكُوَّارَاتِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مُطْلَقًا ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ فِي كُوَّارَاتِهَا عَسَلٌ فَاشْتَرَى الْكُوَّارَاتِ بِمَا فِيهَا جَازَ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكُوَّارَةِ صَحَّ ) الْكُوَّارَاتُ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّشْدِيدِ كَذَا رَأَيْت فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ بِتَصْحِيحِ الْمُطَرِّزِيُّ وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا فِي التَّهْذِيبِ وَرُوِيَ أَيْضًا كِوَارٌ وَكِوَارَةٌ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ ) ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا وَأَجْمَعُوا أَنَّ بَيْعَ هَوَامِّ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ وَالْوَزَغُ وَالْعَظَايَةُ وَالْقَنَافِذُ وَالْجُعَلُ وَالضَّبُّ وَهَوَامُّ الْأَرْضِ كُلُّهَا ، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مِنْ الضَّفَادِعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسَّلَاحِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا السَّمَكَ ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا كَانَ الدُّودُ مِنْ وَاحِدٍ وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْهُ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَيْضُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ امْرَأَةٌ أَعْطَتْ بَذْرَ الْقَزِّ وَهُوَ بَذْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ امْرَأَةً فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَيْلَقُ لِصَاحِبَةِ الْبَذْرِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ
مِنْ بَذْرِهَا وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الْبَقَرَ إلَى إنْسَانٍ بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ حَدِيثَةُ الْبَقَرِ وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرِ ثَمَنُ الْعَلَفِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَةَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ ( وَيُبَاعُ دُودُ الْقَزِّ وَبَيْضُهُ ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي بَيْضِهِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدُّودَ مِنْ الْهَوَامِّ وَبَيْضُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ وَبَيْضِهَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّودَ يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَكَذَا بَيْضُهُ فِي الْمَآلِ فَصَارَ كَالْجَحْشِ وَالْمَهْرِ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَعَامَلُوهُ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا .( قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ ) أَيْ إلَّا إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ فَيُجِيزُهُ تَبَعًا لِلْقَزِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ لِلتَّعَامُلِ ا هـ .
قَالَ ( وَالْآبِقِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَ دُودِ الْقَزِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَهُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ عَوْدُهُ إلَى مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْآبِقِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ بِآبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِعَاجِزٍ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ قَبْضَهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ مَانِعٌ عَنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَقَبْضُ الضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ لِتَأَكُّدِ قَبْضِ الضَّمَانِ بِاللُّزُومِ وَالْمِلْكِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ يُوجِبُ الْمِلْكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ قَبْضِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فَكَانَ أَضْعَفَ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْأَقْوَى وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي اللُّقَطَةِ وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ قَالَ هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ آبِقٌ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ إذْ لَا
يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ أَبَقَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ عَادَ حَيْثُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَوْدِهِ يَكْفِي لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَا كَانَ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعُودُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ فِيهِ قَائِمَةٌ فَكَانَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ فَيَنْعَقِدُ غَيْرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيَفْسُدُ فَإِذَا آبَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَادَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَبَيْعِ الْمَرْهُونِ ثُمَّ افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ وَلَوْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتِ الْعِتْقِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ جَازَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَكْفِي فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ ( إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ ) أَيْ الْآبِقِ إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْآبِقِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ لِرَجُلٍ أَبَقَ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى مَوْلَاهُ فَقَالَ إنَّ عَبْدَك قَدْ أَخَذْته وَهُوَ عِنْدِي فِي الْبَيْتِ فَبِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَخَذَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ عِنْدَهُ فَبِعْهُ مِنِّي فَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ بِمَا قَالَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَتِهِ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُرْسَلُ فِي حَاجَتِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ ) أَيْ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُقَيَّدَ وَلِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَالَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ ) أَيْ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْأَمَانَةَ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا ) أَيْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ غَاصِبًا وَقَبْضُ الْغَصْبِ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ) أَيْ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ وَقَدْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ هَلْ يَعُودُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا سَلَّمَهُ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ
كَمَا إذَا بَاعَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالثَّلْجِيِّ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَجِبُ كَوْنُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ فِي الْآبِقِ وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ فَكَانَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ إذَا افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَفَسْخِ الْقَاضِي لِلْبَيْعِ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبُولِهِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ الْفَسْخِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ أَوْ تَخَاصَمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ وَارْتِفَاعُ الْمُبْطِلِ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ بَلْ مَعْدُومًا فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَوَجْهُ الْفَسَادِ قِيَامُ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ مُفْسِدٌ لَا مُبْطِلٌ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَكَانَ بَاطِلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ ( وَلَبَنِ امْرَأَةٍ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ مِنْ أَمَةٍ وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ وَالِامْتِهَانِ بِالْبَيْعِ إلَّا مَا حَلَّ فِيهِ الرِّقُّ وَهُوَ لَا يَحِلُّ اللَّبَنُ ؛ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ فَتَمَحَّضَ بِمَحِلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ ؛ لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ وَكَوْنُهُ مَشْرُوبًا ضَرُورِيّ لِأَجْلِ الْأَطْفَالِ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَنَظِيرُهُ مِلْكُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِاقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِبْقَاءِ النَّسْلِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُضْعَ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى جَازَ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَبَيْعُ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ لَبَنِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَا يُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ مُبْتَذَلٌ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَبَنِ امْرَأَةٍ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنَ حم قَالَ : قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ سَيْهُوبٍ يَقُولُ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ : جَوَازُ إجَارَةِ الظِّئْرِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ لَبَنِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْإِجَارَةُ ثَبَتَ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ سَبِيلُهُ الْأَمْوَالَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالًا لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً عَلَى أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ فَلَمَّا جَازَ إجَارَةُ الظِّئْرِ ثَبَتَ أَنَّ لَبَنَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَذَكَرَ فِي إجَارَةِ الْعُيُونِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ ) أَيْ شُرْبُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ يَحْرُمُ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ صَبَّهُ فِي الْعَيْنِ الرَّمِدَةِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ إذَا عُرِفَ دَوَاءً ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ ( وَشَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ لِلْخَرَزِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِهِ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرَزِ ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ كَالْخَمْرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَنَجَاسَتَهُ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحِلِّ ، وَإِنَّمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْأَسَاكِفَةِ ؛ لِأَنَّ خَرْزَ النِّعَالِ وَالْأَخْفَافِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْخَرْزَ يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى ثُمَّ لَا حَاجَةَ إلَى شِرَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ الْأَسَاكِفَةُ لَا يَجِدُونَ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ إلَّا بِالشِّرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُمْ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَيُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ وَلَا بَأْسَ لِلْأَسَاكِفَةِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مَالًا وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ ) قَالَ تَعَالَى { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ } ( قَوْلُهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى ) أَيْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ أَخَفُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ طَاهِرٌ وَلَحْمَهَا لَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ ) أَيْ غَالِبًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ لِلْأَسَاكِفَةِ أَنْ يُصَلُّوا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فِي حَقِّهِمْ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا وَهُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيَتَجَمَّعُ فِي ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ ) أَيْ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا وَهِيَ فِي الْخَرَزِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَطْ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .