كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِتَرْعَى غَنَمِي خَاصَّةً مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهَذَا أَجِيرُ الْوَحَدِ ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الرَّاعِي إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ الَّتِي تَحْدُثُ ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ يَجُوزُ وَفِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَجِبُ وَعَلَيْهِ رَعْيُ الْأَوْلَادِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ بَزَّاغٌ أَوْ فَصَّادٌ لَمْ يَعْتَدْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْفِعْلُ الْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا حَدَّ الْقَاضِي أَوْ عَزَّرَ وَمَاتَ الْمَضْرُوبُ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَدَقِّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الثَّوْبِ وَرِقَّتَهُ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى قُوَّةِ الطِّبَاعِ وَضَعْفِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْجَرْحِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلِيمِ وَهُوَ غَيْرُ السَّارِي فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمُعْتَادَ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ ، وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ النِّصْفُ ، حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرَأَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهِيَ مِنْ أَنْدَرِ الْمَسَائِلِ وَأَغْرَبِهَا حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ وَبِالْهَلَاكِ أَقَلُّ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ حَجَّامٌ أَوْ بَزَّاغٌ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ أَيْضًا إذَا شَرَطَ عَلَى الْحَجَّامِ وَالْبَزَّاغِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْرِي لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْقَصَّارِ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَرَّقُ صَحَّ ؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ فَصَّادٌ ) فَصَدَ الْفَصَّادُ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَهُوَ فِي الْآدَمِيِّ وَبَزَغَ مِنْ حَدِّ فَتَحَ وَهُوَ فِي الْحَيَوَانِ يُقَالُ بَزَغَ الْبَيْطَارُ الدَّابَّةَ إذَا شَقَّهَا بِالْمِبْزَغِ وَهُوَ مِثْلُ مِشْرَطِ الْحَجَّامِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَهُ الْكَاكِيُّ ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْبَطْرُ الشَّقُّ فِي جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُقَالُ بَطَرْت الْجِلْدَ أَبْطُرُهُ وَأَبْطِرُهُ بَطْرًا وَهُوَ أَصْلُ بِنَاءِ الْبَيْطَارِ وَقَالُوا رَجُلٌ بَيْطَرٌ وَبِيَطْرٌ وَمُبَيْطِرٌ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ مِنْ عَمَلِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَرْقِهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ ؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ الْإِتْيَانَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ دُونَ الْمُفْسِدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفَسَادَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِخَرْقٍ فِي الْعَمَلِ بِالدَّقِّ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثَّوْبُ أَوْ لِخُشُونَةٍ فِي الْمِدَقَّةِ أَوْ لِخَلَلٍ فِي الثَّوْبِ بِأَنْ كَانَ فِيهِ حَصَاةٌ أَوْ فَسَادُ طَيٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالرَّجُلُ إذَا كَانَ بَصِيرًا فِي صَنْعَتِهِ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْبَحْثِ عَنْ الْخَلَلِ وَالْمُرَاقَبَةِ فِي الدَّقِّ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَالْمُسْتَأْجِرُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ انْتَفَى الْإِذْنُ بِالْفَسَادِ ضَرُورَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ التَّقْصِيرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوضَعَ ثَلَاثُ أَوْرَاقٍ وَيُقَالَ لِلْحَجَّامِ اضْرِبْ بِمِشْرَطِك عَلَى هَذِهِ الْأَوْرَاقِ وَانْفُذْهُ مِنْ الِاثْنَيْنِ دُونَ
الثَّالِثِ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حَاذِقٌ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ) هَذَا نَقَلَهُ قَاضِيخَانْ فِي جِنَايَةِ فَتَاوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ ) أَيْ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْعَمَلِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ سُمِّيَ أَجِيرًا خَاصًّا وَأَجِيرَ وَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِهَا فَيَسْتَحِقُّهُ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْعَمَلِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعَمَلِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا ، وَإِنْ نُقِضَ الْعَمَلُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نُقِضَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي خَيَّاطٍ خَاطَ ثَوْبَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لِلْخَيَّاطِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى رَبِّ الثَّوْبِ وَلَا يُجْبَرُ الْخَيَّاطُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَانَ يَجِبُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الَّذِي فَتَقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْعَمَلَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَقَضَ عَمَلَهُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَخِطْ ، وَكَذَلِكَ الْإِسْكَافُ وَالْمَلَّاحُ حَتَّى إذَا رَدَّ الْمَلَّاحُ السَّفِينَةَ أَوْ نَقَضَ الْإِسْكَافُ الْخِيَاطَةَ أُجْبِرَ عَلَى إعَادَتِهَا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَجِيرَ وَحَدٍ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ الْغَنَمِ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرَ الْوَحَدِ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّةِ
فِي أَوَّلِهِ ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَرْعَى الْغَنَمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فَيَصِيرَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَقْدُهُ عَلَى الْعَمَلِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ الْعَمَلِ فَيَقُولُ اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلْحَصَادِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى أَجِيرَ وَحَدٍ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ ، وَلَوْ شَرَطَ حُكْمَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَقَالَ عَلَى أَنْ تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي أَوْ أَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ شَهْرًا كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ بِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَوَّلِهِ ، وَقَوْلُهُ شَهْرًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ أَجِيرَ وَحَدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا يُغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ .
( قَوْلُهُ وَالْمَطَرِ ) حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاِتِّخَاذِ الطِّينِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَطَرَ فِي الصَّحْرَاءِ ذَلِكَ بَعْدَ مَا خَرَجَ الْأَجِيرُ إلَى الصَّحْرَاءِ لَا أَجْرَ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يُوجَدْ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْمَرْغِينَانِيُّ ا هـ دِرَايَةٌ قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَمَا يُولَدُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَفْسَ الْعَمَلِ أَوْ وَصْفَ الْقِصَارَةِ ؛ لِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ هَذَا الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ وَرُبَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ وَصْفُ الْقِصَارَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَرُبَّمَا لَا يَتَأَتَّى فَكَانَ فِيهِ جَهَالَةٌ وَغَرَرٌ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَجَعَلْنَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِهَذَا الزَّمَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الْمَنْفَعَةُ لَا وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ وَصْفُ الْقِصَارَةِ الْأَحْكَامُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ إذَا سَلَّمَ النَّفْسَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَصْفُ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْخَاصِّ لَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مَنَافِعَ نَفْسِهِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ يَسْتَحِقُّ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ وَصْفَ الْقِصَارَةِ وَمِنْهَا أَنَّ فِي الْأَجِيرِ
الْخَاصِّ لَوْ خَاطَ ثُمَّ نَقَضَ الْخِيَاطَةَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَنْفَعَةَ النَّفْسِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَسْتَحِقُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ كَذَا قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ نَوْعَ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ رَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأُجْرَةِ ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فَيَقْعُدُ عِنْدَهُ طَوِيلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَتْ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَتَوَانَى فِي حِفْظِهِمَا وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَخَذَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى مِلْكِهِ صَحَّ وَصَارَ نَائِبًا مِنَّا بِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ ، وَإِنَّمَا الْخَرْقُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَتُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي كَالْمُودَعِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ ) كَمَا إذَا ضَاعَ أَوْ سُرِقَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ ا هـ ق ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِعَمَلِهِ ) كَالْفَسَادِ فِي الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالتَّخْرِيقِ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ ق ( قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ ) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ) حَتَّى لَا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ لَا يَأْخُذَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْفَظُهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ ) أَيْ وَلَا يَتَسَلَّمُ الْعَيْنَ فِي الْعَادَةِ بَلْ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الْعَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَأَخَذَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّانِي ) أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ ) أَيْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ ) فَفَسَدَ مِنْ عَمَلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ ا هـ كَاكِيٌّ ( وَقَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ ) يَعْنِي أَنَّ مَنْفَعَةَ أَجِيرِ الْوَحَدِ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ ) وَعَلَى هَذَا أَجِيرُ الْقَصَّارِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ ؛ لِأَنَّ التِّلْمِيذَ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَلَا يَضْمَنُ وَيَضْمَنُ الْأُسْتَاذُ وَلَا يَرْجِعُ الْأُسْتَاذُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى التِّلْمِيذِ ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ وَفِي الدُّكَّانِ وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ مَسَافَةً وَحَمْلًا ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَجْرُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ تَسْمِيَتَيْنِ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا فِي الثَّوْبِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِجَعْلِ الْعَمَلِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ زَمَانَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ أَيْ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ زَمَانَيْنِ يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجَعْلِ الْمَنْفَعَةِ مُتَرَدِّدًا فِي دُكَّانٍ بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ وَإِنْ سَكَّنْته عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ بَيْنَ حِمْلَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ بِأَنْ قَالَ لَهُ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنَّك إنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبِخَمْسَةٍ ، وَإِنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حَدِيدٍ فَبِعَشَرَةٍ ، وَكَذَا لَوْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ جَازَ ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
فِي الْبُيُوعِ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا مُجْمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ مُفَصَّلًا لِيَهْتَدِيَ الطَّالِبُ إلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعِلَّتِهَا فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَإِنَّمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى نَوْعَيْنِ مَعْلُومَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ كَمَا إذَا خَيَّرَهُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَوْضِعِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَالْمَذْكُورُ هُنَا وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الْيَوْمِ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي غَدٍ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ أَيْضًا وَالْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْغَدِ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَوْمَ وَالْغَدَ لِلتَّعْجِيلِ وَالتَّرْفِيهِ لَا غَيْرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ غَدًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمًّى فِي الْوَقْتَيْنِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ مُفْسِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ بِعْتُك حَالًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمُؤَجَّلًا بِأَلْفَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ ، وَذِكْرَ الْغَدِ لِلْإِضَافَةِ فَهَذَا حَقِيقَتُهُ وَاسْتِعْمَالُهُمَا لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّعْجِيلِ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ يُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ وَبَدَلُهُمَا مَعْلُومٌ فَصَارَ
نَظِيرَ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ إذْ تَعَيُّنُ الْعَمَلِ مَعَ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصِرْنَا إلَى الْمَجَازِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا إذْ مَقْصُودُهُمَا الصِّحَّةُ دُونَ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدَ لِلْإِضَافَةِ وَالْكَلَامَ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى مَجَازِهِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ فِي ذِكْرِ الْيَوْمِ وَهُوَ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا الصِّحَّةُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَجَازِ ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْقِيتِ مُفْسِدٌ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَتَعَيُّنَ الْوَقْتِ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فَيَفْسُدُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَيْ لَا يَفْسُدَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَفِي الْغَدِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَهُوَ التَّرْفِيهُ بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ وَالتَّعْلِيقُ فَتَرَكْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّرْفِيهِ يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ كَمَا قَالَ زُفَرُ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِلْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَنُقْصَانُ الْأَجْرِ فِي الْغَدِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِلتَّرْفِيهِ لَا تَكُونُ أُجْرَتُهُ أَنْقَصَ ، فَإِذَا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَذَكَرَ الْغَدَ لِلتَّعْلِيقِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْيَوْمِ إلَّا تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَفْسُدْ ، فَإِذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّرْهَمُ ، فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ فَسَدَ لِوُجُودِ تَسْمِيَتَيْنِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْزِلُ بِمَجِيءِ الْغَدِ وَالتَّسْمِيَةُ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فَيَفْسُدُ لِاجْتِمَاعِ تَسْمِيَتَيْنِ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ
لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ مُوجَبٌ فِي الْعَمَلِ الْآخَرِ فَكَانَا عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَدَلٍ مُسَمًّى عَلَى الِانْفِرَادِ مَعْلُومٌ فَافْتَرَقَا ، فَإِنْ خَاطَهُ فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي الْغَدِ فَتُعْتَبَرُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَتُعْتَبَرُ الثَّانِيَةُ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ ، وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغَدِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْضَى إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ وَالصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ وَالْمَنْفَعَةَ مَجْهُولَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا يُدْرَى أَيُّ الْعَمَلَيْنِ تَقَرَّرَ وَأَيُّ التَّسْمِيَتَيْنِ تَجِبُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا بِالْعَمَلِ وَبِهِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ وَبِخِلَافِ التَّرْدِيدِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا كَمَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَعْلُومٌ فَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ لَهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ مَتَى وَجَبَ بِالتَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ
عِنْدَ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَجِبُ وَالْإِجَارَةُ تَفْسُدُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَةً مَعْلُومَةً ، فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ وَعِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ يَجِبُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُجْعَلُ التَّسْلِيمُ لَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَقَلُّ الْبَدَلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ ضَرَرًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَقَلِّهِمَا ضَرَرًا ، وَكَذَا يَجُوزُ إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِمِائَةٍ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَتَيْنِ أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسِينَ أَوْ هَذَا الدُّكَّانَ بِعِشْرِينَ ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ .
( قَوْلُهُ مَسَافَةً وَحَمْلًا ) رَاجِعَانِ لِلدَّابَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرًا مَعْلُومًا فَذَلِكَ جَائِزٌ كَرَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشْرَةٍ أَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ دَابَّتَيْنِ أَوْ فِي مَسَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَقَالَ قَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مَعْلُومٌ فِي حَالِ وُجُوبِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا فَقَالَ إنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمَانِ أَوْ قَالَ لِلصَّبَّاغِ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَلَكَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَلَكَ دِرْهَمَانِ فَذَلِكَ أَيْضًا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ بِالْعَمَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ صَاحِبِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ، فَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعَةً لَمْ يَجُزْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اكْتَرَى دَابَّةً ، وَقَالَ إنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا ، وَإِنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا أَوْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِهَذَا أَصْلًا فَقَالَ الْإِجَارَةُ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجْرًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى
بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الثَّالِثَةَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْحَوَانِيتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسَافَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَنْوَاعِ الْخِيَاطَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ وَفِي الزِّيَادَةِ لَا يَجُوزُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا بَاعَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَيَّاطُ فِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي الْإِجَارَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَجْرِي فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَا لَا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ ) قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ الْآخَرُ فَاسِدٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ ) أَيْ فَإِنَّهُ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُنْقَصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ ، كَذَا ذَكَرَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، فَإِنْ خَاطَهُ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ ) بَيَانُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِتَأْقِيتِ الْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبْقَى التَّسْمِيَةُ الْأُولَى فِي الْغَدِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ يَجْتَمِعُ فِيهِ تَسْمِيَتَانِ وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَإِذَا كَانَ لِلتَّرْفِيهِ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ الْمُضَافَةُ إلَى الْغَدِ مَوْجُودَةً فِي الْيَوْمِ أَيْضًا فَيَجْتَمِعُ تَسْمِيَتَانِ أَيْضًا فِي الْيَوْمِ فَيَلْزَمُ الْبَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ وَاحِدٍ
فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ لَا لِلْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ فَاجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَيَفْسُدُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْيَوْمِ بَاقٍ إلَى الْغَدِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ فَاجْتَمَعَ فِي الْغَدِ أَيْضًا تَسْمِيَتَانِ وَالْخِيَاطَةُ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُوقِعُهُمَا فِي الْمُنَازَعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ ) أَيْ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ لِلتَّرْفِيهِ لَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ ) أَيْ لَا لِلتَّوْقِيتِ لِلْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ لِتَوْقِيتٍ لَمْ تَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْوَقْتُ وَالْعَمَلُ ا هـ قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَمَّا كَانَ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ بَقِيَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ فَاجْتَمَعَ تَسْمِيَتَانِ فِي الْغَدِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي لِهَذَا بِاعْتِبَارِ التَّزَاحُمِ وَفِي الْيَوْمِ لَمْ يَجْتَمِعْ تَسْمِيَتَانِ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الثَّانِيَةَ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ عَدَمٌ فِي الْحَالِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْغَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ فِي الصَّحِيحِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) أَيْ وَالْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَدَّادًا ) قَالَ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ ) وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِقُّ الْأَقَلَّ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبُوا مِنْ كُلِّ مُسَمًّى نِصْفَهُ وَاخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ، فَإِنْ أَمْسَكَ الدَّارَ وَلَمْ يَسْكُنْ فِيهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أَقَلُّ التَّسْمِيَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةٍ زَائِدَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَوَجَبَ بِالتَّخْلِيَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ بِلَا شَرْطٍ ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ فِي الْحَضَرِ إذْ هُوَ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ إذْ الْمُطْلَقُ يُقَيَّدُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الْمُتَعَارَفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى خِدْمَةِ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَشَقُّ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ فَرَسًا لِلرُّكُوبِ وَعَيَّنَ الرَّاكِبَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ لِلتَّفَاوُتِ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَكِّنَ فِيهِ حَدَّادًا ؛ لِأَنَّهُ أَضَرُّ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَوْلَى يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَوْلَى فِيهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَكَذَا لِهَذَا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَلَكَ الْمَوْلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ لَا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ وَأَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ ذَلِكَ فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِجَارَةِ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ وَعُرِفَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُلْزِمٌ وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ ، وَلَوْ سَافَرَ بِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ سَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأُجْرَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ .
( قَوْلُهُ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَتَنَاوَلُهُ ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُؤْنَةَ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ مِنْ الرَّجُلِ الرَّحَى فَيَحْمِلُهَا فَتَنْقَضِي الْإِجَارَةُ قَالَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ يَجِيءُ فَيَأْخُذُهَا قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ ) أَيْ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِلَا خِدْمَةٍ دُونَ الْوَارِثِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَأْخُذُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ عَبْدٍ مَحْجُورٍ أَجْرًا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَمِلَ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَمَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ لَا تُضْمَنُ عِنْدَنَا فَيَبْقَى الْمَدْفُوعُ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّصَرُّفَ نَافِعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْفَرَاغِ سَالِمًا ، ضَارٌّ عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَالنَّافِعُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَجُوزُ فَتَخْرُجُ الْأُجْرَةُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْجُورٌ عَنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْمَوْلَى لَا عَنْ تَصَرُّفٍ يَنْفَعُ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُهُ الْهِبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ تَمَحَّضَ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا إذَا جَازَتْ يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى الْأَجْرُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ ، وَلَوْ لَمْ تَجُزْ ضَاعَ مَنَافِعُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مَجَّانًا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ ، فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إلَى الْعَاقِدِ وَمَتَى صَحَّ قَبْضُهُ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ قِيمَتُهُ وَإِذَا ضَمِنَ صَارَ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَنْفَعَةَ عَبْدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَمَّا يَنْفَعُهُ مِنْ
التَّصَرُّفَاتِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْهِبَةِ وَجَوَازُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ نَفْعٌ مَحْضٌ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَجْرُ الَّذِي يَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَجْرُ الْمِثْلِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ ، فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ .( قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ الْأَجْرَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَمَلِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فِيمَا عَمِلَ قَبْلَ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا هَلَكَ مِنْ الْعَمَلِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ ) أَيْ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ نَقْضُهَا بَعْدَ اخْتِيَارِ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا لِلْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ شَيْئًا فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ كَانَ مَلَكَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ عِتْقِهِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُ الْعَبْدِ مَا أَكَلَ مِنْ أَجْرِهِ ) مَعْنَاهُ إذَا غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا فَآجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ الْأُجْرَةَ فَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا تَأْوِيلَ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ إجَارَتَهُ نَفْسَهُ جَائِزَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ الْغَاصِبُ مُتَعَدِّيًا بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَالْإِتْلَافِ فَيَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ يَكُونُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ ، وَهَذَا الْمَالُ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَلَا فِي يَدِ نَائِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَالْعَبْدَ لَيْسَ فِي يَدِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَمَا فِي يَدِهِ يَكُونُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَيْضًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وَأَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِحِرْزِهِ إذْ هُوَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ عَنْ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ عَنْهُ ، وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ لَا يَكُونُ مَعْصُومًا لَهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْبَدَلُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُبْدَلِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا بَدَلُهَا وَلِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ آجَرَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَأَكَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِهِ وَمِنْ وَجْهٍ كَفِعْلِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِرَقَبَتِهِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفِّرُ عَلَيْهِ حَظَّهُمَا فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَالِكِ عِنْدَ بَقَاءِ
الْأَجْرِ فِي يَدِهِ فَقُلْنَا الْمَالِكُ أَحَقُّ بِهِ وَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَقُلْنَا لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا أَكَلَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اُكْتُسِبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَاسْتَهْلَكَ الْبَائِعُ كَسْبَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِهِ وَهُوَ الْمَبِيعُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ مُتَعَدِّيًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَذْلِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ فَيَضْمَنُهُ عِنْدَ التَّعَدِّي كَالْأُمِّ ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْغَاصِبُ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ ، وَلَوْ آجَرَ الْعَبْدَ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْكَسْبُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ الْمَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ آجَرَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ا هـ ( قَوْلَهُ كَانَ الْأَجْرُ لَهُ ) أَيْ لَا لِلْمَالِكِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَكْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ وَجَدَهُ رَبُّهُ أَخَذَهُ ) أَيْ لَوْ وَجَدَ مَوْلَى الْعَبْدِ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَسْرُوقِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَبْقَ مُتَقَوِّمًا حَتَّى لَا يُضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمَالِكُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ ) أَيْ وَلَوْ قَبَضَ الْعَبْدُ أُجْرَتَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ جَازَ قَبْضُهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَتَصَرُّفُهُ نَفْعٌ مَحْضٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي عَبْدٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ فَصَحَّ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ ) وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأَجْرِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَتِهِ يَحْصُلُ بِأَدَائِهِ إلَى الْعَبْدِ فِيمَا إذَا آجَرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَأَمَّا إذَا آجَرَهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وِلَايَةُ قَبْضِ الْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا بِوَكِيلٍ عَنْ الْعَاقِدِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ آجَرَ عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ وَالْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا لِأَنَّ تَنْكِيرَهَا مُفْسِدٌ فَيَتَعَيَّنُ عَقِيبَهَا ، فَإِذَا انْصَرَفَ الْأَوَّلُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ انْصَرَفَ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الشَّهْرَ الْأَوَّلَ وَتَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ .( قَوْلُهُ تَحَرِّيًا ) أَيْ طَلَبًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَانْصَرَفَ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الشَّهْرَ الْأَوَّلَ ) أَيْ لَوْ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اسْتَحَقَّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ، وَلَوْ عَمِلَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ اسْتَحَقَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ) أَيْ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ شَهْرَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ فَالْأَوَّلَانِ بِدِرْهَمَيْنِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ وَمَرَضِهِ حُكِّمَ الْحَالُ ) مَعْنَاهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا مَثَلًا ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ أَبَقَ أَوْ مَرِضَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَ إسْنَادَهُ إلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَقَالَ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ يُحَكَّمُ الْحَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ ، وَوُجُودُهُ فِي الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْمَاضِي فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ الْإِنْكَارُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَعَرَّضًا لِنَفْيِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقَنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي ، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ وَاخْتَلَفَا فِي بَيْعِ الثَّمَرِ مَعَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ فِي يَدِهِ الثَّمَرُ ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحْكِيمٌ لِلْحَالِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا لَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمَيْنِ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَهُوَ آبِقٌ أَوْ مَرِيضٌ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ حِينَ أَخَذْتُهُ ، وَقَالَ الْمُؤَاجِرُ مَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَاعَةٍ قَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ جَاءَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَبَقَ حِينَ أَخَذْته أَوْ مَرِضَ حِينَ أَخَذْته وَكَذَّبَهُ الْمُؤَاجِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَاجِرِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَنَخْتِمُ الْبَابَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ إجَارَةِ الرَّقِيقِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي قَالَ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ الْمُعْتَادَةَ مَعْلُومَةٌ وَوَقْتَهَا مَعْلُومٌ فَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ السَّحَرِ إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ ، وَإِنَّمَا يَخْدُمُهُ كَمَا يَخْدُمُ النَّاسَ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ فِيهِ إلَى الْخِدْمَةِ هَذَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنَامُونَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَيَنْتَبِهُونَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَحْتَاجُ الْأَجِيرُ إلَى أَنْ يَقُومَ قَبْلَهُ لِيُهَيِّئَ لَهُ أَسْبَابَ الْوُضُوءِ وَيُوقِدَ النَّارَ وَالسِّرَاجَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَيَّدْنَاهُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ ) أَيْ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت الْأَشْجَارَ دُونَ الثِّمَارِ وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ اشْتَرَيْتهَا مَعَ الثِّمَارِ قَالُوا يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الثِّمَارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ لَهُ ، وَإِنْ
كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْأَجْرِ وَعَدَمِهِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ وَالصَّانِعِ فِي الْمَخِيطِ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً ، وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا أَوْ فِي لَوْنِ الصَّبْغِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ أَوْ فِي الْأُجْرَةِ بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْته لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ بِأَجْرٍ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْكُلِّ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الثَّوْبِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ ، فَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ مِنْ جِهَةٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ مُخَالِفٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ فِي الصِّفَةِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَضْمَنَ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الصَّبْغِ ، ثُمَّ رَبُّ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ خِلَافًا لِيُضَمِّنَهُ أَوْ لِيُثْبِتَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُنْكِرٌ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ، وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ
فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الصَّانِعُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْعَمَلِ وَيُقَاطِعُهُ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُقَاطَعَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِأَجْرٍ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالدَّفْعِ لِلْعَمَلِ إلَى مَنْ يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْأَجْرِ لِلْعِلْمِ بِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ وَقِيَامِ حَالِهِ بِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الدُّكَّانَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِظَاهِرِ الْمُعْتَادِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ إذْ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا غَيْرُ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَا الْيَدِ يَدْفَعُ الْمُدَّعَى بِالْيَدِ ، ثُمَّ إذَا بِيعَتْ بِجَنْبِ مَا فِي يَدِهِ دَارٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِمَا قُلْنَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ أَصْفَرَ ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ ا هـ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْخَيَّاطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ ا هـ .
( بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُفْسَخُ بِالْعَيْبِ ) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ عَنْ الْعَيْبِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ فَاتَ رِضَاهُ فَيُفْسَخُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَنَافِعُ وَهِيَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَمَا وُجِدَ مِنْ الْعَيْبِ يَكُونُ حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي حَقِّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْعَيْبِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدُ يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَقَطَ خِيَارُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الضَّيْعَةِ وَالرَّحَى ) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَدْ فَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْإِجَارَةَ فِي الرَّحَى لَا تَنْفَسِخُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ ، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ فَبَنَاهُ الْمُؤَجِّرُ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَهُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ
الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ لَكِنْ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ .
( بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ ) ذَكَرَ الْفَسْخَ آخِرًا ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ إنَّمَا يَلِي الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ إذَا كَانَ الْمُؤَاجِرُ حَاضِرًا ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَحَدَثَ بِالْمُسْتَأْجَرِ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ أَوْ دَابَّةً لِيَرْكَبَهُ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ أَوْ دَارًا فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ ، وَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَادِثُ سُقُوطَ بَيْتٍ مِنْهَا فَمَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَالْإِجَارَةُ لَهُ لَازِمَةٌ ، فَإِنْ بَنَى الْمُؤَاجِرُ مَا سَقَطَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَاجِرُ غَائِبًا فَحَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ ، وَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّ أَثَرَ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ وَالدَّابَّةِ إذَا مَرِضَتْ وَالدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَحُدُوثُ عَيْبٍ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ
الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ ، وَهَذَا النَّقْصُ حَصَلَ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَالنَّقْصُ بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ثُمَّ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ كَامِلًا كَالْمُشْتَرِي إذَا رَضِيَ بِالْمَعِيبِ ثُمَّ إذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُمَا أَوْ حُضُورَ نَائِبَيْهِمَا شَرْطُ الْفَسْخِ ، فَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ شَاهِدًا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَائِبًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ إلَخْ ) وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ثُمَّ بَنَاهُ الْآجِرُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ وَلَا لِلْآجِرِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ فَائِتَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ أَصْلُ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ فُسْطَاطٍ وَفِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ لَوْ فَاتَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ قَالَ وَاَلَّذِي يَنْفَسِخُ بِالِانْهِدَامِ يَعُودُ بِالْبِنَاءِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ثُمَّ إذَا دُبِغَ جِلْدُهَا يَعُودُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ فَكَذَا هَذَا ، بِخِلَافِ السَّفِينَةِ إذَا نُقِضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا ثُمَّ رُكِبَتْ وَأُعِيدَتْ سَفِينَةً لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَى
الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ بَعْدَ النَّقْضِ إذَا أُعِيدَتْ صَارَتْ سَفِينَةً أُخْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَلْوَاحًا وَجَعَلَهَا سَفِينَةً يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَأَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي إجَارَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنْهُ فَسَخَ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ فَكَمَا لَا تَبْطُلُ فِي الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ فِيهَا وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَالْمَنَافِعُ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ هِيَ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَيْنِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ ، وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ عَاقِدًا وَلَا رَاضِيًا بِهِ وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْقَى عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ وَارِثُهُ وَالْمَنْفَعَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُورَثُ ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ فَكَذَا الْإِجَارَةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَهُمَا بِعِوَضٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ إذْ الْوِرَاثَةُ خِلَافَةٌ وَلَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ لِيَكُونَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ ثَابِتًا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَالْمَنْفَعَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَبْقَى لِتُورَثَ وَاَلَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ لِيَخْلُفَهُ الْوَارِثُ فِيهَا فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ كَعَقْدِ النِّكَاحِ يَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَرَثَتُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَا كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ ) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ
الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ كَالْمُقَارِنِ قُلْنَا الشُّرُوطُ يُرَاعَى وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ كَالْهِبَةِ وَكَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا مَاتَ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ لَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ ، وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ فَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ الْمَالِ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى أَنْ تُسْتَحَقَّ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكُونُ الْأُجْرَةُ مُسْتَحَقَّةً مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ بَقَائِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فِي الْعَاقِدِ لِغَيْرِهِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ بَابِ إجَارَةِ الظِّئْرِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبَقًا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَبِمَوْتِ الْوَكِيلِ لَا وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ إجَارَةِ الْأَصْلِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَرْضَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْوَصِيُّ وَمَاتَ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ، وَكَذَلِكَ لَا تَبْطُلُ إجَارَةُ الظِّئْرِ بِمَوْتِ وَالِدِ الصَّبِيِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِنْ مَاتَتْ الظِّئْرُ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَكَانَ لَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِحَسَبِ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يَذْكَرْ فِيهِ الْقِيَاسَ وَلَا الِاسْتِحْسَانَ ،
وَنَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ نَقَلَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ ، فَقَالَ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ حَجْرُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَرُجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَجْرِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ا هـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِانْتِقَاضِ هُوَ الْقِيَاسُ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِكَمَالِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَلَفِ شَيْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ ، وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِيهِ إذْ الْمَبِيعُ عَيْنٌ تَبْقَى وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيُحْتَمَلُ الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ شَرَعَ فِي الْبَيْعِ لِلتَّرَوِّي حَتَّى إذَا كَانَ فِيهِ غَبْنٌ وَخَسَارَةٌ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقَعُ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ تَأَمُّلٍ فَيُمْكِنُ أَنْ تُصَادِفَ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَيُحْتَاجُ إلَى إزَالَتِهِ فَيَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهُ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بَغْتَةً بَلْ يَتَقَدَّمُهُ السَّوْمُ وَالتَّأَمُّلُ فِي الْمُوَافِقِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّرَوِّي بَعْدَهُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَلَا يُفِيدُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِعُيُوبٍ مُضِرَّةٍ كَالْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَبِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ فِيهِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ فِيهِمَا مُوجِبٌ لِلْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، فَكَذَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلضَّرُورَةِ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ
يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي الْبَيْعِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْفَسْخِ وَلَا الْمُضِيِّ فِيهَا وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْمَنَافِعِ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْفَعَةِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا مُلِكَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرُّؤْيَةِ ) أَيْ تُفْسَخُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ مَا لَمْ يَرَهُ لِلْجَهَالَةِ قُلْنَا الْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَيْهَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَوَازُ ، ثُمَّ إذَا رَآهُ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَا رِضَا بِدُونِ الْعِلْمِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } وَالْإِجَارَةُ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ فَيَتَنَاوَلُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَفْظًا أَوْ دَلَالَةً .
قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ فَوَاتَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ دُونَ الْإِجَارَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الْمَبِيعِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ ، وَقَدْ طُلِبَ إلَيْهِ التَّسْلِيمُ أَوْ لَمْ يُطْلَبْ ثُمَّ تَحَاكَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ فِي بَاقِي السَّنَةِ وَلَا لِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ تَعَيَّبَ الْبَاقِي أَمَّا هَاهُنَا فَالْعَقْدُ مُتَعَدِّدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَانْفِسَاخُهُ فِيمَا مَضَى لَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَ ) تَنْفَسِخُ ( بِالْعُذْرِ وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِهِ ) أَيْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ( إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ ) أَيْ بِالْعَقْدِ ( كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ فَسَكَنَ الْوَجَعُ أَوْ لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامَ الْوَلِيمَةِ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ حَانُوتًا لِيَتَّجِرَ فَأَفْلَسَ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِسَفَرٍ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لَا لِلْمُكَارِي ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْإِعْذَارِ إلَّا بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ وَمَذْهَبُ شُرَيْحٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا ؛ لِأَنَّهَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ كَالْعَارِيَّةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالْعَارِيَّةِ قُلْنَا هِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَلْزَمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْبَيْعِ وَكَوْنُهُ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّلَمَ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ وَيَلْزَمُ إذَا وَقَعَ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، ثُمَّ الْمَنَافِعُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَ الْعُذْرُ فِيهَا كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ إذْ الْمَعْنَى يَجْمَعهُمَا وَهُوَ عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِهِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْعُذْرِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُذْرٌ ظَاهِرٌ وَفِي الْمُضِيِّ فِيهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْعَيْبِ فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ وَلُزُومُهُ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا الْعَقْدُ فِي حُكْمِ الْمُضَافِ فِي حَقِّ
الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ فِي عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ تَمْنَعُ اللُّزُومَ فِي الْحَالِ كَالْوَصِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تَنْتَقِضُ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ ، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا انْفَسَخَ وَإِلَّا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْعُذْرُ الظَّاهِرُ مِثْلُ اسْتِئْجَارِ الْحَدَّادِ لِقَلْعِ الضِّرْسِ ، ثُمَّ سَكَنَ الْوَجَعُ ، أَوْ الطَّبَّاخِ لِيَطْبُخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ وَقَوْلُهُ أَوْ آجَرَهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ أَيْ آجَرَ الدُّكَّانَ ، ثُمَّ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَسْخِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبِيعُ الدَّارَ أَوَّلًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ضِمْنًا لِبَيْعِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ أَوَّلًا ثُمَّ يَبِيعُ قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ دَيْنٌ بِعِيَانٍ أَوْ بِبَيَانٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ إذْ بِالْكُلِّ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ فَيَتَضَرَّرُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ فَبَدَا لَهُ مِنْهُ لِلْمُكَارِي أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ يُعْذَرُ ، وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي لَا يُعْذَرُ ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ بِالسَّفَرِ يَلْزَمُهُ مَشَقَّةٌ وَضَرَرٌ وَرُبَّمَا يَفُوتُ مَا يُسَافِرُ لِأَجْلِهِ كَالْحَجِّ وَطَلَبِ
الْغَرِيمِ ، وَالْمُكَارِي لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الضَّرَرُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عُذْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِهِ مِثْلَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ شُرَيْحٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تُفْسَخُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَيْضًا كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ( فَرْعٌ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْبَيْعَ أَبْطَلْنَا حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحُبِسَ بِهِ فَبَاعَة فَهَذَا عُذْرٌ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَةِ الدَّيْنِ إلَّا بِبَيْعِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِيهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ الْمُشْتَرِي فِيهَا وَنَقْضُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ فِيهَا ، فَإِنْ نَقَضَهُ كَانَ مُنْتَقِضًا وَلَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى فَرَغَتْ الدَّارُ مِنْ الْإِجَارَةِ تَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيْعُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْقَدِيمُ وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ قَالَ لَا سَبِيلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَى نَقْضِ الْبَيْعِ فِيهَا وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ فِيهَا ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْهُ وَلِلْمُشْتَرِيَّ قَبْضُ الدَّارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهَا لِلْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهَا ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ مُحَمَّدٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَلَكِنَّهُ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنَّمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فِي
مُخْتَصَرِهِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَخْذِ إلَّا إذَا طَالَبَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَفَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ جَائِزًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ ، وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فَإِذَا نَقَضَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَقْضُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةُ فِيهَا كَالْعَيْبِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ بِدَارِهِ لِرَجُلٍ بَعْدَ مَا آجَرَهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ ) ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَافِي رُجْحَانُ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ هَذَا مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قَالَ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ وَهِيَ بِعَيْنِهَا ثُمَّ بَدَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقْعُدَ فَلَا يَخْرُجُ فَهَذَا عُذْرٌ ؛
لِأَنَّهُ قَدْ تَتَعَلَّقُ مَصْلَحَتُهُ بِالسَّفَرِ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ لَهُ أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ فَرَجَعَ يَعْنِي الْغَرِيمُ أَوْ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْدَفَعَتْ ، وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَوْ لَزِمَهُ غَرِيمٌ أَوْ خَافَ أَمْرًا أَوْ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوبَ مَعَهُ كَانَ هَذَا عُذْرًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْت لَك وَأَرَادَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ ، وَإِنْ عَرَضَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشُّخُوصَ فِيهِ مَعَ دَابَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ رَسُولًا يَتْبَعُ الدَّابَّةَ ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ غَرِيمُهُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَقَعُ بِالدَّابَّةِ وَلَا مَانِعَ فِي حَقِّهَا ، وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ مُمْكِنٌ فَانْتَفَى الضَّرَرُ فَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا كَانَ ، وَإِنْ عَطِبَتْ كَانَ هَذَا عُذْرًا ؛ لِأَنَّهُ يُعَجِّزُهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَكُونُ عَجْزًا عَنْ تَسْلِيمِ دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِدَابَّةٍ يَحْمِلُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ ) رَوَى الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ أَوْ أَصَابَ إبِلَهُ دَاءٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ فَاحْتَرَقَ شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ وَشَرْطُ الضَّمَانِ فِيهِ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى سَهْمًا فِي مِلْكِهِ فَأَصَابَ إنْسَانًا حَيْثُ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدِّي ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا بِعُذْرٍ وَالتَّسَبُّبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدِّي لِيَلْتَحِقَ بِالْعِلَّةِ ، وَإِحْرَاقُ الْحَصَائِدِ فِي مِثْلِهِ مُبَاحٌ فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ ، ثُمَّ تَحَرَّكَتْ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي تَحْرِيكِهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُضْطَرِبَةً يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَلَا يُعْذَرُ فَيَضْمَنُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكِيرِ فِي دُكَّانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ وَضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ وَخَرَجَ شَرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا فِيمَا فَعَلَ بَلْ كَانَ مُتَعَدِّيًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ إلَخْ ) مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ أَيْ نُثِرَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَذُكِرَتْ هُنَا تَلَافِيًا لِمَا فَاتَ ا هـ وُجِدَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ الشَّيْخِ الشَّلَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ هَادِيَةً ) هَادِيَةٌ وَهَادِئَةٌ بِالْهَمْزِ مَعْنَاهُمَا سَاكِنَةٌ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْعَلَاةُ السِّنْدَانُ وَالْجَمْعُ الْعُلَا وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ عَلَاةٌ تُشَبَّهُ بِهَا فِي صَلَابَتِهَا يُقَالُ نَاقَةٌ عَلَاةُ الْخَلْقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ) أَيْ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ هُوَ الْعَامِلُ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ أَيْضًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَلَيْسَتْ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِحَذَاقَتِهِ وَالْآخَرُ يَتَوَلَّى الْقَبُولَ بِوَجَاهَتِهِ وَإِذَا وَجَدْنَا لَهُ سَبِيلًا إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا وَالْقَبُولُ جَائِزًا لَهُمَا إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا وَرَاءَهُ فَأَمْكَنَنَا إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي التَّقَبُّلِ وَالْعَمَلِ اقْتِضَاءً ، وَلَوْ صَرَّحَا بِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ فَعَمِلَ أَحَدُهُمَا مَا قَبِلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ مَا قَبِلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا هُنَا ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبَلُ ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ ) وَالطَّحَاوِيُّ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِيَاسِ ، وَقَالَ عِنْدِي الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ ) أَيْ بِنِصْفِ مَا يَتَقَبَّلُ ا هـ كَاكِيٌّ ( فَرْعٌ ) وَفِي الْمُحِيطِ اشْتَرَطَ عُقْبَةً لِلْأَجِيرِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا اثْنَانِ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا وَيَرْكَبُ الْآخَرُ وَلَمْ يُبَيِّنَا مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ لِلْعُرْفِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الْعُقْبَةِ إلَّا مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ رُكُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّمَانِ أَوْ الْفَرْسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اكْتِرَاءَ الْعُقْبَةِ أَيْ الظَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ ا هـ مِعْرَاجٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ صَحَّ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَحْمَلَ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَهُوَ الْمِهَادُ ، وَالدُّثُرَ وَهُوَ مَا يُلْقِيهِ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مَا يُلْقِيهِ الرَّاكِبُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ ) أَيْ رُؤْيَةُ الْمُكَارِي الْمَحْمَلَ أَجْوَدُ ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَخْ ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بَعِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا إلَى مَكَّةُ لِيَحْمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَحْمَلًا فِيهِ رَجُلَانِ وَمَا لَهُمَا مِنْ الْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ فَرَآهُمَا وَلَمْ يَرَ الْوِطَاءَ وَعَلَى الْآخَرِ زَامِلَةٌ عَلَيْهِ كَذَا مَخْتُومًا مِنْ السَّوِيقِ وَمَا يَكْفِي مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ وَمَا يَصْلُحُ مِنْ الْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَعَالِيقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ هَدَايَا مَكَّةَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَهُوَ فَاسِدٌ قِيَاسًا لِجَهَالَةِ الْحَمْلِ ، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ جَرَى بِهِ وَيَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَإِدَاوَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ كَذَا فِي الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَجَازَ اسْتِحْسَانًا أَيْ لِلتَّعَارُفِ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَحْمَلِ وَالْوِطَاءِ وَالدُّثُرِ وَالْمَعَالِيقِ وَتَقْدِيرِ الزَّادِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَهُ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ ) أَيْ أَنَّ أَجْسَامَ النَّاسِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ يَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ ) أَيْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يُرَ الْوِطَاءُ ) يَعْنِي يَجُوزُ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا ا هـ وَالْوِطَاءُ الْفُرُشُ الْمَفْرُوشَةُ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِمِقْدَارٍ زَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ ) أَيْ إنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الزَّادَ وَلَا يَرُدُّونَ بَدَلَهُ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَارُفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ إذَا نَفَذَ مَا عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعُرْفَ بَيْنَهُمْ جَرَى بِرَدِّهِ عِنْدَ نَفَاذِهِ وَلَنَا أَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُقَدَّرًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَصَارَ كَالْمَاءِ ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ يَرُدُّونَ فَلَا يَلْزَمُنَا عُرْفُ الْبَعْضِ أَوْ يُحْمَلُ فِعْلُ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً ، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ .قَوْلُهُ رَدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ ) أَيْ وَكَذَا غَيْرُ الزَّائِدِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ ) ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُطْلِقَ ، أَمَّا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ لَا يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ ، وَلَوْ سَرَقَ أَوْ هَلَكَ بِغَيْرِ أَكْلٍ أَوْ بِأَكْلٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ يُسْتَبْدَلُ بِلَا خِلَافٍ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ مُضَافًا ) أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ وَالْمَنَافِعُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً ، وَلِهَذَا قُلْنَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إضَافَتُهُ لَا يَجُوزُ إضَافَةُ فَسْخِهِ أَيْضًا إلَى الزَّمَانِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِهِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ إجَارَةٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا يُجِيزُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا إجَارَةٌ فَيَجُوزُ إضَافَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ إضَافَتُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً فَيَجُوزُ إضَافَتُهَا وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالنَّذْرِ لَكِنْ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ بَلْ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا ، وَالْإِيصَاءُ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّخْصِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْوَصِيَّةُ وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ إذْ الْإِيصَاءُ فِي الْحَالِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَإِضَافَتُهُمَا إلَى الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ
فَجَعْفَرٌ ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءُ الدَّيْنِ ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَمَا شَاكَلَهَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لِلْحَالِ ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ ، وَأَمَّا الْإِمَارَةُ وَالْقَضَاءُ فَمِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ ) قُلْت وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ بِإِضَافَتِهَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ كَأَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا شَهْرًا بِكَذَا أَوْ يَقُولَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ مَثَلًا آجَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةً بِعَشْرَةٍ أَوْ قَالَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ آجَرْتُك دَابَّتِي هَذِهِ رَأْسَ شَعْبَانَ شَهْرًا بِكَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ لَا تَجُوزُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إضَافَةُ الْإِجَارَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزَةٌ ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ الْمُخْتَارُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ ، وَكَذَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَوْ أَرَادَ نَقْضَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ النَّقْضُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِي هَذَا الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِيمَا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَالْآجِرُ بِالنَّقْضِ يُرِيدُ إبْطَالَ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدِ حَقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي رَهْنِ الْجَامِعِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ : فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ
الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ ا هـ شَرْحُ الْوِقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ وَفَسْخُهَا مُعْتَبَرٌ بِهَا فَتَجُوزُ إضَافَتُهُ ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ قُلْت إذَا كَانَ الْمَعْنِيّ بِإِضَافَتِهَا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَصِحُّ إذْ فَسْخُهَا يُعْتَبَرُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَاَلَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ سَابِقًا ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَقُولُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مُضَافًا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَى قَوْلِهِ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيضَاحٌ مِنْهُ لِصِحَّةِ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ مَعْدُومَةً لَكِنْ اُسْتُحْسِنَ جَوَازُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَلِذَا قَالُوا إنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي حُكْمِ عُقُودٍ لِانْعِقَادِهَا سَاعَةً فَسَاعَةً وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُضَافَةٌ فَلَا خَفَاءَ حِينَئِذٍ فِي جَوَازِ إضَافَتِهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ بَانَ لَك أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّتِي أَرَادَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا كَيْفَ وَالشَّارِحُ يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِضَافَةُ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَافْهَمْ تَرْشُدْ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَقَاصِدَهُ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ .
( كِتَابُ الْمُكَاتَبِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْكِتَابَةُ تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ ، وَفِي اللُّغَةِ مَدَارُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى الْجَمْعِ وَمِنْهُ كَتَبَ النَّعْلَ وَالْقِرَبَ أَيْ خَرَزَهُمَا وَالْكُتَبُ الْخُرَزُ الْوَاحِدَةُ كُتْبَةٌ وَمِنْهُ كَتَبَ الْبَغْلَةَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ شُفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ وَالْكَتِيبَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ الْجَيْشِ مُجْتَمِعَةً ، وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهُوَ أَظْهَرُ ، ثُمَّ شَرْطُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ قَائِمًا بِالْمَحِلِّ وَأَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَاجِلًا وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا وَرَغْبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَحْكَامِهَا حَالًا وَمَآلًا ، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ أَخَصَّ بِنَفْسِهِ وَكَسْبِهِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ ، وَثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، وَلِهَذَا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ ، وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ وَمِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ لِلْحَالِ وَثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَلْفَاظُهَا أَنْ يَقُولَ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
كِتَابُ الْمُكَاتَبِ ) ذِكْرُ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي كِتَابَ الْمُكَاتَبِ وَكِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا ، وَقِيلَ فِي وَجْهٍ مُنَاسَبَةُ إيرَادِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهِ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، وَقَوْلُنَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَقَوْلُنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ وَالشَّرَائِطُ وَجَرَيَانُهُ فِي غَيْرِ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنْ جُوِّزَتْ اسْتِحْسَانًا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمَمْلُوكِ ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ وَقَبِلَ صَحَّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَكُلُّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الطَّلَبُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ وَلَا الْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِذْنِ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لَنَا أَنَّ الِابْتِغَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إذْ الْكَلَامُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَفِي زَمَانٍ قَلِيلٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّحْصِيلُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُنَجَّمًا وَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَجْزَ الطَّارِئَ يُبْطِلُهَا فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى بِخِلَافِ السَّلَمِ الْحَالِّ حَيْثُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِيهِ أَهْلٌ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إيفَاءِ مَا الْتَزَمَ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ حَتَّى صَحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِنَا فَإِنَّ
الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْدُومِ فَجَعَلْنَا الْأَجَلَ عِوَضًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْقُدْرَةِ لِيُمْكِنَهُ التَّحْصِيلُ فِي الْمُدَّةِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَامِحُهُ وَلَا يُطَالِبُهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ الطَّلَبُ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ نَحْوَهُ وَفِي الْحَالِ وَلِأَنَّ إعْسَارَهُ فِي الْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ فِي الْمَجْلِسِ أَضْعَافَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْجَوَازُ ، وَلِأَنَّ عُقُودَ الْمُدَايَنَةِ يَعْتَمِدُ صِحَّتَهَا الْأَهْلِيَّةُ دُونَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَضَائِهِ حَتَّى جَازَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِجُمْلَةٍ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْطٌ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُعَيَّنًا إلَّا فِي السَّلَمِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ } ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ قَبُولُ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدْبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ ، وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ الْخَيْرَ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ لِلْإِبَاحَةِ وَاشْتِرَاطُهُ عِلْمَ الْخَيْرِ فِيهِمْ خَرَجَ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُ إلَّا إذَا عَلِمَ فِيهِ الْخَيْرَ ، وَقَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قُلْنَا الْأَمْرُ يَكُونُ لِلنَّدْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُنَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ فَكَذَا
الْكِتَابَةُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ عِنْدِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ الْخَيْرَ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ أَصْلًا فَيَكُونُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ مُفِيدًا لِلنَّدْبِيَّةِ يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ وَعَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ الْخَيْرَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } الْآيَةَ فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِلنَّدَبِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ جَازَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ هُوَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ ، وَلَوْ فَعَلَ جَازَ ، وَقِيلَ الْوَفَاءُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحُ وَقِيلَ الْمَالُ وَالْخَيْرُ يُرَادُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } أَيْ مَالًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرِ أَيْ مَالٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَسُوبَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أُوقِيَّاتٍ فَهُوَ رَقِيقٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ فَلَا يُسَلِّمْ لِلْعَبْدِ الْمُعَوَّضَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيهِ فَمَذْهَبُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَبِهِ يَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُسَلَّمُ
لَهُمَا مِنْ الْبَدَلِ وَمَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى قَدْرَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ عَنْ الْمَوْلَى وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الْبَدَلُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْكِتَابَةَ وَارِدَةً عَلَى الذِّمَّةِ كَالْعِتْقِ وَمَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْكُلَّ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ لِمَا رَوَيْنَا ، وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ بَعْضُ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا ضَرْبُ الْمَالِ عَلَى عَبْدِهِ مُنَجَّمًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ لِيَقَعَ الْعِتْقُ عِنْدَهُ قُلْنَا مُوجَبُ الْكِتَابَةِ هُوَ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْجَمْعِ وَهُوَ الْجَمْعُ لِحُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا عَلَى نُجُومٍ لَا يُسَمَّى مُكَاتَبًا وَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَنَهْيُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَيَمْلِكُ أَخْذَ كَسْبِهِ بِلَا إذْنِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ فِي ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهَا ، وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ الْعِتْقُ يَثْبُتُ بِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهِ
كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ عَقِيبَهُ لَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ كَانَ الْمَوْلَى يَتَضَرَّرُ بِخُرُوجِ عَبْدِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَنَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الْإِجَارَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْحَالِ تَأَخَّرَ مِلْكُ الْبَدَلِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَطُّ رُبْعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْبَدَلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِسْقَاطِهِ إذْ الْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي شَيْئًا وَضِدُّهُ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي الْآيَةِ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ فَكَذَا هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْقُرْآنِ فِي النَّظْمِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ بِكَلِمَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَا ارْتِبَاطَ لِأَحَدِهِمَا بِالْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحُكْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى حُكْمِ الْأُخْرَى أَمَّا هُنَا فَالثَّانِيَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالْأُولَى إذْ الْبَدَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْأُولَى هُوَ الْبَدَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَعَنْ الْكَلْبِيِّ الْمُرَادُ بِالْإِيتَاءِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَفْظُ الْإِيتَاءِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّمْلِيكِ لَا لِلْحَطِّ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ بَلْ هُوَ
الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَفِي الرِّقَابِ } فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي الْآيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَالْقِرَانَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ ، وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ ) وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ يَعْنِي فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ بِلَا أَجَلٍ يُطَالِبُ الْوَلِيُّ الْعَبْدَ بِمَا قَبِلَ ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْفَسْخِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ فَوَاتُ لُزُومِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، فَإِنْ قَالَ أَخِّرْنِي وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أُخِّرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ؛ لِأَنَّ الْإِيفَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ تَعْجِيلٌ دُونَ تَأْخِيرٍ كَالْمَدْيُونِ إذَا قَالَ أَبِيعُ عَبْدِي هَذَا وَأَقْضِي حَقَّهُ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَيُؤَجِّلُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَكَذَا هُنَا كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ مُكَاتَبَةِ الصَّغِيرِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا لَهُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ جَازَ وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ أَدَّى عَنْهُ رَجُلٌ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَعْتِقْ لِأَنِّي لَوْ أَجَزْت هَذَا لَأَجَزْت لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَدَّى عَنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ يَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا لَأَجَزْت لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الْأَجْنَبِيِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا انْبَنَى عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا مِنْ الصَّبِيِّ وَلَا مِنْ نَائِبِهِ
، وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ لِمَقْصُودٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْقَصْدُ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهُ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ فَلَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهُ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَبِلَ عَنْهُ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إدْرَاكِهِ ، فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْقَابِلُ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ } ) وَالْكِتَابُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْعِتَابِ وَالْمُعَاتَبَةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ كَاتَبْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ الْعَبْدُ قَبِلْت ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْدُ كِتَابَةً لِمَا يُكْتَبُ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَعَلَى الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ وَلَمْ يُسَمَّ بِهَذَا الِاسْمِ سَائِرُ الْعُقُودِ ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْكِتَابَةِ لِئَلَّا تَبْطُلَ التَّسْمِيَةُ كَالْقَارُورَةِ سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ لِقَرَارِ الْمَائِعِ فِيهَا وَلَا يُسَمَّى الْكُوزُ وَنَحْوُهُ قَارُورَةً ، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ الْمَائِعَ لِئَلَّا تَبْطُلَ الْأَعْلَامُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِيهِ أَهْلٌ ) أَيْ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلسَّلَمِ هُوَ الْحُرُّ وَالْحُرُّ قَادِرٌ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلْأَشْيَاءِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَإِنْ أَدَّيْت إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِالْأَدَاءِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَلَا يَكُونُ هَذَا كِتَابَةً ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مَعْنَى الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِالْبَدَلِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ أَيْ يَصِيرُ الْمَوْلَى قَابِضًا لَهُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْلَى
اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَبَيَانُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْكِتَابَةِ فِي مَسَائِلَ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ هُنَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدَّى عَنْهُ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ يُورَثُ عَنْهُ مَعَ أَكْسَابِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ يَعْتِقُ وَلَدُهَا ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ الْمَوْلَى عَنْهُ فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى عَنْ الْأَلْفِ الْعَبْدَ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبُ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ ، وَلَوْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى إلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا ، فَإِنْ قَبِلَهَا عَتَقَ ، وَكَذَا لَوْ رُدَّ إلَيْهِ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابَةِ وَخِلَافُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَكُونُ الْبَدَلُ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ فَمَتَى قَبِلَ يَزُولُ الْمُعَوَّضُ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ عَلَى قِيمَةِ رَقَبَتِك وَقَبِلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ إلَخْ ) ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مِنْ الْخَيْرِ الْمَذْكُورِ إقَامَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَدَاءُ الْفَرَائِضِ ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ إلَى آخِرِ } الْحَدِيثِ ) وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَم هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَذْهَبُ زَيْدٍ إلَخْ ) وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ كَذَا فِي شَرَحَ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا ارْتِبَاطَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا ارْتِبَاطَ لِأَحَدِهِمَا فِي الْأُخْرَى ( قَوْلُهُ وَعَنْ الْكَلْبِيِّ الْمُرَادُ بِالْإِيتَاءِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا حُجَّةَ لِلْخَصْمِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالِ اللَّهِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى أَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَأُجْرَةِ الْإِجَارَاتِ ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ مَالُ اللَّهِ عَلَى أَمْوَالِ الْقُرَبِ كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْعُشْرِ وَخُمْسِ الْغَنِيمَةِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِعْطَاءِ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ صَدَقَاتِنَا لِيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا إذَا قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلَ النَّجْمُ كَذَا وَآخِرُهُ كَذَا ، فَإِذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِلَّا فَقِنٌّ ) يَعْنِي يَكُونُ مُكَاتَبًا بِهَذَا الْقَوْلِ مِثْلَ مَا يَكُونُ مُكَاتَبًا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَكُونَ مُكَاتَبًا بِهِ ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ فُصُولُ الْأَدَاءِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَى عَبْدِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْمَالِ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمُدَّةِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْكِتَابَةَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ حَتَّى كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمُضَارِبِ قَرْضًا وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِرَبِّ الْمَالِ بِضَاعَةً ، وَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ هُنَا مُفَسَّرًا فَيَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ الْكِتَابَةَ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ أَقْوَى وَقَوْلُهُ إذَا أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ لَا بُدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَيَحْتَمِلُ الضَّرِيبَةَ وَبِهِ تَتَرَجَّحُ جِهَةُ الْكِتَابَةِ ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِنٌّ أَيْ إنْ لَمْ تُؤَدِّهِ فَأَنْتَ رَقِيقٌ فَضْلَةٌ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ إلَّا بِالْكِتَابَةِ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةُ وَلِأَنَّ التَّقْسِيطَ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّخْفِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَيْسَتْ بِمُكَاتَبَةٍ بَلْ يَكُونُ إذْنًا اعْتِبَارًا بِالتَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَالتَّنْجِيمُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْكِتَابَةِ حَتَّى يُجْعَلَ تَفْسِيرًا لَهَا ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي
سَائِرِ الدُّيُونِ ، وَقَدْ تَخْلُو الْكِتَابَةُ عَنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَكُونُ مُكَاتَبًا وَهُوَ الْأَصَحُّ .
قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ الضَّرِيبَةَ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالضَّرِيبَةُ وَاحِدَةُ الضَّرَائِبِ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الْأَرْصَادِ وَالْجِزْيَةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ ضَرِيبَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ غَلَّتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَقَبِلَتْ فَهَذَا مُكَاتَبَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ، وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ ذَلِكَ الشَّهْرَ كَانَ جَائِزًا ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ تَعْتِقْ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبِي يُوسُفَ وَوُجِدَتْ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ وَهِشَامٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي السِّيَاقِ وَالْجَوَابِ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ هَذِهِ بِمُكَاتَبَةٍ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ ، وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا وَأَدَّتْ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّهْرِ لَمْ تَعْتِقْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلَمْ تُؤَدِّهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ وَأَدَّتْهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ تَعْتِقْ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي الْفَضْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الْمَرْوَزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ أَرَادَ بِإِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ، وَبِالْأُخْرَى قَوْلَهُ فَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةُ ) وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْأَدَاءُ مُنَجَّمًا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ
أَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِصُورَتِهِ فَلَا يُغَيَّرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ ) أَيْ إذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْمَالِ بِالتَّكَسُّبِ ، وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ فَيُطْلَقُ لَهُ الْخُرُوجُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( دُونَ مِلْكِهِ ) أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَصْلُ الْبَدَلِ يَجِبُ لِلْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ الْمُنَافِي ، إذْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَيَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بِمُقَابَلَتِهِ مَالِكِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا ، فَإِذَا تَمَّ لِلْمَوْلَى الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ تَمَّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَتَمَامُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعِتْقِ فَيَعْتِقُ لِضَرُورَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَتَقَ بِعِتْقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ مَجَّانًا ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ ، وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ .( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ ) أَيْ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لِضَعْفِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَرِمَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهَا ) لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَكَسْبِهَا لِتَتَوَصَّلَ إلَى الْمَقْصُودِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُصُولُ الْحُرِّيَّةِ لَهَا ، وَالْبَدَلُ لِلْمَوْلَى بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا أَحَقَّ بِمَالِهَا وَنَفْسِهَا ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْغَرَضُ الْمُبْتَغَى بِالْكِتَابَةِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مُلْحَقٌ بِالْإِجْزَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عِوَضُهُ وَهُوَ الْعُقْرُ عِنْدَ إتْلَافِهِ بِالْوَطْءِ وَانْتَفَى الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَرِمَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى مَوْلَاهُ أَوْ رَقِيقِ مَوْلَاهُ أَوْ مَتَاعِهِ فَهُوَ هَدَرٌ كُلُّهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا جَنَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ فِي جِنَايَتِهَا عَلَى الْمَوْلَى وَجِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهَا هَدَرٌ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَمَا جَنَى عَلَيْهَا فَأَرْشُ ذَلِكَ لِلْمَوْلَى وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَجِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَلْزَمُ الْمَوْلَى وَجِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ تَلْزَمُ الْمُكَاتَبُ ، وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ أَوْ مَالِهِ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَنَى عَلَى صَاحِبِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ جِنَايَةُ الْمَوْلَى عَلَى مُكَاتَبِهِ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقَوَدَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَمْدًا يَجِبُ الْقَوَدُ لِمَا عُرِفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ يَرُدُّهُ الْمَوْلَى فِي الرِّقِّ وَيَفْسَخُ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَفِي الْجَائِزَةِ لَا يَفْسَخُ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ جَمِيعًا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ عَيْنٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مِائَةٍ لِيَرُدَّ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ وَصَيْفًا فَسَدَ ) أَمَّا الْكِتَابَةُ عَلَى الْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ ، وَهَذَا لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي عَقْدٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ لِصِحَّتِهِ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِصِحَّتِهِ إلَى تَسْمِيَةٍ حَتَّى يَجُوزَ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَمَعَ نَفْيِهِ فَكَذَا إذَا سَمَّى مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ إذْ هِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ ، وَكَذَا جِنْسُهَا مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ وَهُوَ النَّقْدَانِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَفَسَدَ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا حَتَّى فِي النِّكَاحِ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ فَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهَا تَنْصِيصٌ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَكُونُ فَاسِدًا ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ قِيمَتُهُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهَا ، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَاسِدَةً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ قَصْدًا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا قَصْدًا وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ تَجِبُ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ حُكْمًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ بِالْعِجْلِ لَا تَجُوزُ وَتَجُوزُ
تَبَعًا لِأُمِّهِ ، وَكَذَا بَيْعُ الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ تَبَعًا لِأُمِّهِ ، وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ وَلَا فِي فَسَوْخِهَا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مِثْلُهَا فِي الذِّمَّةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى عَيْنِ الْغَيْرِ جَائِزَةٌ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا الْعَبْدُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ ، وَإِنْ عَجَزَ رَدَّ فِي الرِّقِّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ مَوْهُومَةٌ فَصَارَ كَالْمَهْرِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَيْنَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطُ الصِّحَّةِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَتَسْلِيمُ تِلْكَ الْعَيْنِ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ عَيْنٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ بِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ وَبِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً رَضِيعَةً جَازَ فَعَلَى مَا هُوَ تَابِعٌ فِيهِ وَهُوَ الصَّدَاقُ أَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الْقُدْرَةُ ، وَلِهَذَا جَازَ مَعَ نَفْيِ الصَّدَاقِ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ الْمُكَاتَبُ بِمَكَاسِبِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُرِّيَّةُ الْيَدِ فِي الْحَالِ وَتَتَرَاخَى حُرِّيَّةُ الرَّقَبَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَوْ جَازَ هَذَا لَثَبَتَتْ حُرِّيَّةُ الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعَاقُبِ فَيَكُونُ
إعْتَاقًا بِبَدَلٍ وَلَا يَكُونُ كِتَابَةً ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّتَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ مَقْصُودُهُ لَا يَنْعَقِدُ وَلِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ لَكَانَ الْأَدَاءُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذْ الْإِجَارَةُ تَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْدِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ مِنْ أَكْسَابِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَكَسْبُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ مِلْكٌ لَهُ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالِ الْمَوْلَى لَا مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْعَبْدُ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْعَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى ضَرُورَةً ، وَلَوْ أَجَازَ صَاحِبُ الْعَيْنِ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ ، فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِلْمُكَاتَبِ مِلْكُ كَسْبِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِحَاجَةٍ إلَى الْأَدَاءِ مِنْ الْمَكَاسِبِ وَلَا حَاجَةَ إذَا كَانَ الْبَدَلُ عَيْنًا ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَجَازَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجِزْ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ قِيمَةِ الْعَيْنِ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّى لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ تِلْكَ الْعَيْنَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ وَذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ كَذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ قَالَ لَهُ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا ، وَقَدْ وُجِدَ الْأَدَاءُ فَيَعْتِقُ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ فَأَدَّاهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لَمْ تَصِرْ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ بِتَسْمِيَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ أَصْلًا فَيَعْتِقُ إنْ أَدَّى بِاعْتِبَارِ صَرِيحِ التَّعْلِيقِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَا يَعْتِقُ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ مَيْتَةٍ ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ وَيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى كَاتَبَهُ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ إذْ الْكَلَامُ فِي عَيْنٍ اكْتَسَبَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فِي يَدِ الْعَبْدِ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَتُقَسَّمُ الْمِائَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَلَى قِيمَةِ وَصِيفٍ وَسَطٍ فَمَا أَصَابَ الْوَصِيفَ عَنْهُ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى وَصِيفٍ فَكَذَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَدْرِ جَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى وَجَهَالَةُ الْمُسْتَثْنَى هِيَ جَهَالَةُ وَصِيفٍ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فَكَذَا جَهَالَةُ الْبَاقِي لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَلَهُمَا أَنَّ بَدَلَ
الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيفَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَتَسْمِيَةُ الْقِيمَةِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ كَمَا بَيَّنَّا فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ تَسْمِيَةً يَصْلُحُ اسْتِثْنَاءً وَمَا لَا فَلَا فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ مُفْسِدَةً ، وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الدَّنَانِيرِ بِإِزَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي رَدَّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِإِزَاءِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مُكَاتَبَةٌ فَتَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ وَلِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَجَازَتْ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ بَيْعٌ فِي كِتَابَةٍ فَلَا تَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ فَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا لَيْسَ بِبَدَلٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا فِي صُورَةِ
التَّعْلِيقِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ ، وَكَذَا الْخِنْزِيرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَانْعَقَدَ بِهِمَا الْعَقْدُ وَمُوجَبُ الِانْعِقَادِ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ ، وَأَمَّا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ فَلَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بِهِمَا فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ صَرِيحًا .
قَوْلُهُ وَكَذَا جِنْسُهَا مَجْهُولٌ ) قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ أَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ فَلِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا تَصْلُحُ مَهْرًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى قِيمَةِ هَذَا الْعَبْدِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ، وَأَمَّا الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ شَيْئَيْنِ مُعَاوَضَةً وَتَعْلِيقًا فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ اعْتَبَرْنَا يَعْتِقُ أَمَّا الْمُعَاوَضَةُ فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصِيرُ عِوَضًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ أَدَّى لَمْ يَعْتِقْ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ الْجِنْسِ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ إذَا أَدَّى أَقْصَى قِيمَتَهُ وَهِيَ مَلْفُوظَةٌ فَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِأَدَائِهَا كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ ثُمَّ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَا يَعْدُوهُمَا ، وَكَذَا إذَا قَوَّمَ الْمُقَوِّمُونَ ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ أَقْصَى الْقِيمَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ، فَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا كُلُّ مَا عَيَّنَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ عَرْضٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ ، فَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ فُلَانٍ هَذِهِ جَازَتْ الْمُكَاتَبَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى مِثْلِهَا ، فَإِنْ أَدَّتْ غَيْرَهَا عَتَقَتْ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ كَاتَبَنِي عَلَى
أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهَا مِنْ مَالِ فُلَانٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَصِيفًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَيَّدَ بِهِ إذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ أَوْ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ ) هَذَا حُكْمُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخُصَّ أَبَا يُوسُفَ وَأَنْ لَا يُذْكَرَ بِكَلِمَةِ عَنْ ا هـ كَاكِيٌّ وَبِمَعْنَاهُ فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ) أَيْ بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَالَ فِي الْعَقْدِ إنْ أَدَّيْت الْخَمْرَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ لَمْ يَجُزْ ، فَإِنْ أَدَّى الْمَيْتَةَ أَوْ الدَّمَ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالشَّرْطِ ، وَقَالَ إذَا أَدَّيْت الْمَيْتَةَ أَوْ الدَّمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِقَضِيَّةِ التَّعْلِيقِ لَا بِقَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْمُسَمَّى وَزِيدَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدَ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْعَبْدُ يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُزَادُ عَلَيْهِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْمُسَمَّى وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ فِي الْفَاسِدِ ذَكَرَهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَسَادِ لَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِ الْمَوْلَى فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى قِيمَتَهُ أَيْضًا لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ وَالْمُكَاتَبَةُ مُعَاوَضَةٌ فَتَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ تَابِعٌ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَلَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ
إذْ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ مُعَلَّقٌ بِأَدَاءِ الْعِوَضِ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِمُطْلَقِ الْأَدَاءِ ، فَإِذَا كَانَ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ عِوَضًا كَثَوْبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ عِوَضًا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْقِيمَةِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى تَصِيرَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ ، وَلِهَذَا صِيرَ إلَيْهَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَضَمَانِ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ .( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ ) أَيْ الْقِيمَةُ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ ذَكَرَهُ بِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقِيمَتُهُ تُعْرَفُ إمَّا بِتَصَادُقِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِمَّا بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ، ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فَإِنْ اتَّفَقَ الِاثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً لَهُمْ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ أَقْصَى الْقِيمَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ ) أَيْ ، وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ ) أَيْ صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ كَالْعَبْدِ وَالْوَصِيفِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ فَالْعَيْنُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ وَالْقِيمَةُ أَيْضًا أَصْلٌ ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهَا فَاسْتَوَيَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ بِأَنْ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ وَكَالْبَيْعِ ، وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا مُعَاوَضَةً لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْوَصِيفِ وَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ فَلَا تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ بِالْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فِي الْبَدَلِ كَالنِّكَاحِ وَصَارَ كَالْجَهَالَةِ فِي الْأَجَلِ فَإِنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى الْعَطَاءِ وَنَحْوِهِ كَالْحَصَادِ صَحَّ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايِقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ وَهُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ مَالٍ فِي الِابْتِدَاءِ إذْ الْبَدَلُ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَفِي الِانْتِهَاءِ ، وَإِنْ كَانَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ لِكَوْنِهِ يُقَابِلُ الرَّقَبَةَ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الْمِلْكَ عَنْهُ لِكَوْنِ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ مَالِيَّةَ نَفْسِهِ فَشَابَهُ النِّكَاحَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فَاحِشَةٌ فِيهِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ حَيْثُ يَفْسُدُ وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْقِيمَةِ جَهَالَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصُّوفِ فِي الْحَالِ ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَبْدِ
جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَخَفَّتْ الْجَهَالَةُ ، وَلِهَذَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى عَبْدٍ يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا فَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَجَهَالَةُ جِنْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا تَمْنَعُ فِي الْكُلِّ .قَوْلُهُ لَا نَوْعَهُ ) كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَصِفَتَهُ ) جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ ) يَعْنِي صَحَّ هَذَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْعَصِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَيٌّ أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا وَفِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ تَمْلِيكُهَا وَتَمَلُّكُهَا إذْ الْمَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضُ يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَلُّكًا مِنْ الْمَوْلَى فِي الْحَالِ عِوَضًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى إيجَابِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُسَمَّى وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ فَفِي الْكِتَابَةِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فَكَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى الْقِيمَةِ ، وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْقِيمَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَبْقَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا أَصْلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَتَقَ بِقَبْضِهَا ) أَيْ بِقَبْضِ قِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ
الْآخَرِ لِلْآخَرِ وَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إذْ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَقْدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ أَوْ قِيمَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ فِي الْكَافِي هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ وَنَجْمِ الدِّينِ الْأَفْطَسِ وَالرَّحَبِيِّ وَالنَّيْسَابُورِيّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والتمرتاشي ، وَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يَعْتِقُ ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ ابْتِدَاءً وَبَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلَى قِيمَتِهَا صَحِيحًا عَلَى حَالِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ صَحِيحًا عَلَى الْخَمْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَخَرَجَتْ الْخَمْرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبِأَدَاءِ غَيْرِ الْبَدَلِ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ أَوْ كَاتَبَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَعْتِقُ بِاعْتِبَارِهِ وَيَضْمَنُ لِمَوْلَاهُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ ) لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّيِّدِ مِنْ الْعَقْدِ الْوُصُولُ إلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَقْصُودَ الْعَبْدِ مِنْهُ الْوُصُولُ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقَانِ فِي الْحَضَرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ وَيُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْمُسَامَحَةِ وَاسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ النَّاسِ كَيْ يَكْثُرَ مُعَامِلُوهُ فَتَكْثُرَ بُيُوعُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا فَيْصَلُ إلَى مَقْصُودِهِ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ وَقَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْدَادِ وَالِاخْتِصَاصِ بِنَفْسِهِ وَمَنَافِعِ نَفْسِهِ وَأَكْسَابِهِ وَأَنْ لَا يَتَحَكَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَتَحْصِيلَ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ كَيْفَمَا شَاءَ وَيَنْفَرِدَ بِهِ لِأَنَّ التَّحْصِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ خُصُوصًا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ التَّحْصِيلِ وَمَظِنَّةُ الرِّبْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } فَكُلُّ شَرْطٍ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَمَقْصُودِهِ فَيَبْطُلُ هُوَ دُونَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى
وَمُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِمَا حَظَّهُمَا ، فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا تَمْكُنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَدَلِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِهِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ تُشْبِهُ الْإِعْتَاقَ ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَخْتَصُّ بِجَانِبِ الْعَبْدِ فَاعْتُبِرَ إعْتَاقًا فِي هَذَا الشَّرْطِ وَالْإِعْتَاقُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ سَائِبَةٌ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَالْإِعْتَاقُ صَحِيحٌ .
قَوْلُهُ وَيُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيُمْلَكُ الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّار وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ الْبَيْعُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِمَا وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَيْفَمَا كَانَ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، وَقَالَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ تَصَرُّفَ الْمُكَاتَبِ لِنَفْسِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدُّيُونِ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى مَوْلَاهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرٍ مُطْلَقٍ كَالْوَكِيلِ عَلَى أَصْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّ النُّقْصَانَ الْكَثِيرَ تَبَرُّعٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ مِنْ الثُّلُثِ وَتَبَرُّعُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ ) أَيْ وَكُلُّ شَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَبْطُلْ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الشَّرْطُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْسِعَةِ وَلِهَذَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقَعَ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ بَدَلٍ حَرَامٍ أَوْ كَاتَبَ جَارِيَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً أَوْ تَخْدُمَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْخِدْمَةِ وَقْتًا أَوْ كَاتَبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ ، وَلَكِنَّهَا إذَا أَدَّتْ الْأَلْفَ عَتَقَتْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْكِتَابَةِ وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُهَا كَمَا إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ لَا
يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَّجِرَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي صُلْبِ الْكِتَابَةِ فَالْكِتَابَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ ) أَيْ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ كَالْبَيْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْأَدَاءِ ) أَيْ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ صِفَةَ الْبَدَلِ وَيَقَعَ عَلَى الْوَسَطِ كَالنِّكَاحِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا إذَا اشْتَرَطَ خِدْمَةً مَجْهُولَةً ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ تُشْبِهُ الْإِعْتَاقَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ ا هـ ق .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ ) لِأَنَّهُ بَابُ الِاكْتِسَابِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَهْرَ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَقَدْ أَطْلَقَ لَهُ بَابَ الِاكْتِسَابِ فَيَمْلِكُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اكْتِسَابٌ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى بَاقٍ فِيهَا فَيَمْنَعُهَا مِنْ الِاسْتِبْدَادِ بِنَفْسِهَا وَفِيهِ تَعْيِيبُهَا وَرُبَّمَا تَعْجِزُ فَيَبْقَى هَذَا الْعَيْبُ فَيَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى ضَرَرٌ وَلَيْسَ مَقْصُودُهَا أَيْضًا بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا الْمَالَ ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهَا التَّحْصِينُ وَالْإِعْفَافُ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَسْبُ الْمَالِ فَيَجُوزُ لَهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَالتَّزْوِيجُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُونَهُ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ ) هَذَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ أَجْنَبِيًّا أَمَّا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اكْتِسَابُ الْمَالِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ ا هـ ق وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ الْمُكَاتَبُ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَمْلِكُ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ ابْنَتَهُ مَمْلُوكَةٌ لِمَوْلَاهُ وَأَمَتُهُ لَا حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُ الْمَوْلَى فِي ابْنَتِهِ دُونَ أَمَتِهِ ، وَلَوْ عَجَزَ وَحَاضَتْ ابْنَتُهُ حَيْضَةً هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاءٌ فِيهَا جَدِيدٌ وَيَلْزَمُهُ فِي أَمَتِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهَا ) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ وَإِنَّا نَقُولُ الْمَهْرُ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْمِلْكِ فِي الذَّاتِ لَا فِي الْمَنَافِعِ وَهُوَ حَقُّ السَّيِّدِ ، فَإِنْ عَتَقَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ النِّكَاحَ يَجُوزُ ذَلِكَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ إنَّمَا كَانَ لَا يَجُوزُ بِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا عَتَقَتْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ وَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا بَاشَرَتْ الْعِتْقَ بِرِضَاهَا وَنَفَذَ بَعْدَ الْعَتَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعِتْقِ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ ، وَكَذَا الْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ إذْ الْبَيْعُ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُهُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَى يَدِهِ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي مِثْلَهُ ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ قَدْ يَكُونُ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ ، فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَجَازَتْ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ إذْ لَا طَرِيقَ لِجَوَازِهَا إلَّا هُوَ ، وَبِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لِغَيْرِهِ الْحُرِّيَّةَ مَقْصُودًا لِلْحَالِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مَا هُوَ مِثْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ وَكَذَا لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ مَقْصُودًا وَلِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُهُ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ وَالِدَيْهِ وَلَا وَلَدَهُ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا وَالْمُكَاتَبُ لَا يُكَاتِبُ وَلِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِينَ لِلْمَوْلَى حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ بَيْعُهُمْ وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمَوْلَى فِيهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَلَاءُ لَهُ
إنْ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ ) أَيْ الْوَلَاءُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ أَدَّى الثَّانِي الْكِتَابَةَ بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمُعْتِقُهُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ عِنْدَ عِتْقِ الثَّانِي وَكَانَ مِلْكُهُ تَامًّا فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ ضَرُورَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لِسَيِّدِهِ ) أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي الْمَالَ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ بَلْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى لَا لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْإِعْتَاقِ فَيَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَيَخْلُفُهُ فِيهِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ وَلِعِتْقِهِ ضَرْبَ اتِّصَالٍ إلَى تَصَرُّفِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ بِسَبَبِهِ مِنْهُ فَجُعِلَ الْمُكَاتَبُ كَالنَّائِبِ عَنْ مَوْلَاهُ وَفِعْلُ النَّائِبِ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَصْلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ نَائِبِهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ ، وَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا وَالْوَلَاءُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ جَرِّ الْوَلَاءِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ مَوْلَى الْجَارِيَةِ هُنَاكَ لَيْسَ بِمُعْتِقٍ مُبَاشَرَةً بَلْ تَسْبِيبًا بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْأُمُّ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالتَّعَذُّرِ عِنْدَ عَدَمِ عِتْقِ الْأَبِ ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَيَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ .
( قَوْلُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ ) وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ هِدَايَةٌ بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَوْقَ الْكِتَابَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُعَاوَضَةٌ حَتَّى تُقَالَ وَتُفْسَخَ وَلَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ ، أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ بِنَفْسِ قَبُولِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ إلَى أَدَاءِ الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُ الْإِقَالَةَ وَالْفَسْخَ ، وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمُكَاتَبِ فَفِي تَجْوِيزِهِ إثْبَاتُ أَمْرٍ لِلْمُكَاتَبِ فَوْقَ حَالِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ ا هـ ق .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا التَّزَوُّجُ بِلَا إذْنٍ ) أَيْ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْيِيبَ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَمْ يُطْلَقْ لَهُ إلَّا عُقُودٌ تُوَصِّلُهُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ كُلُّ عَقْدٍ فِيهِ اكْتِسَابُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْحَجْرِ وَحُكْمُهُ فِيهِ كَحُكْمِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ اكْتِسَابَ مَالٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَيَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ لِمَا أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا لَا غَيْرُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا وَلِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي الرَّقَبَةِ .قَوْلُهُ فَجَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا ) ، وَإِنَّمَا شُرِطَ اتِّفَاقُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَمِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بَاقٍ فَلَا يَنْفَرِدُ الْعَبْدُ أَيْضًا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ ) لِأَنَّهُ مَا تَبَرَّعَ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ إذْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ضِيَافَةٍ وَإِعَارَةٍ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ وَهِيَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ لَا يَهَبُ بِعِوَضٍ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَا يَمْلِكُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالتَّكَفُّلُ وَالْإِقْرَاضُ ) لِأَنَّهُمَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَالَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَالِ أَوْ فِي النَّفْسِ ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَرُّعٌ .
( قَوْلُهُ لِيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْمُجَاهِزُونَ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْجِيمِ مَعَ الْهَاءِ وَالزَّايِ وَالْمُجَاهِزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّكَفُّلُ ) وَحُكْمُ كَفَالَتِهِ فِي الْحَالِ كَكَفَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَصِحُّ فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا فِي الْحَالِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ إلَخْ ) حَتَّى لَوْ أَقْرَضَ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَجُوزُ كَمَا نَقُولُ فِي قَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَيَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ الْفَاسِدِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِالْأَمْرِ أَوْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ، وَقَدْ قَالُوا لَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى كَفَالَتَهُ أَوْ هِبَتَهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي مَالِهِ ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ إذَا أَجَازَ عِتْقَ الْوَارِثِ وَهِبَتَهُ لِمَالِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَافِي وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ بِالْمَالِ وَلَا بِالْبَدَلِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَكَذَلِكَ قَبُولُ الْحَوَالَةِ ، فَإِنْ كَفَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ عَجَزَ لَمْ تَلْزَمْهُ تِلْكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا ، وَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ ، وَبَيْعُ نَفْسِهِ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ، وَلَوْ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَبْدِ بِمُقَابَلَةِ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ، وَبَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْوَكَالَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ( قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ ا هـ وَأَفَادَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَارْجِعْ إلَيْهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ ) أَيْ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ ، وَكَذَا لَا يُوَكِّلُ بِهِ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ شَاغِلًا لِرَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَلِكَسْبِهِ بِالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَزْوِيجُ عَبْدِهِ ) وَلَوْ عَتَقَ عَبْدُهُ وَأَجَازَ التَّزْوِيجَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَاقَتْ عَقْدًا بَاطِلًا إذْ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ بَاطِلٌ غَيْرُ مَوْقُوفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ عِتْقِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ بِهِ وَقَعَ بَاطِلًا ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ أَجَزْت تِلْكَ الْوَكَالَةَ يَكُونُ هَذَا تَوْكِيلًا ابْتِدَاءً ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ ذَا زَوْجَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَا فِي الْأَوْضَحِ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالَأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ وَلَا يَمْلِكُ مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ شَيْئًا مِنْهُ ) لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ الِاكْتِسَابَ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكِتَابَةِ مَمْلُوكِ الصَّغِيرِ ، وَالْمُضَارِبُ وَشَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا التِّجَارَةَ وَالتَّزْوِيجُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَمْلِكُونَهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْمَنَافِعِ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَثَبَتَ ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ تَصْلُحُ مَهْرًا ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا صَلَحَتْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِغَيْرِ الْمَالِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَامًّا فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكُلِّ مَنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ خَاصًّا فِي التِّجَارَةِ كَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَمْلِكُونَهُ وَجَعَلَ فِي النِّهَايَةِ شَرِيكَ الْمُفَاوَضَةِ كَالْمُكَاتَبِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ ، وَجَعْلُهُ كَالْمَأْذُونِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتَبَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِمَالِكٍ رَقَبَتَهُ وَالْعِتْقُ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِعْتَاقُ صَارَ مُكَاتَبًا مِثْلَهُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا تَعَذُّرَ فِي حَقِّهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلًا لِلْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّلَةَ وَهِيَ الْعِتْقُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَلَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ ، ثُمَّ ذِكْرُ الْأَبِ وَالِابْنِ هُنَا وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِمَا بَلْ جَمِيعُ مَنْ لَهُ قَرَابَةُ الْوِلَادِ يَدْخُلُونَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ، ثُمَّ الْوَالِدَانِ وَعَنْ هَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً يَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ فِي الرِّقِّ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًا وَلَا مُؤَجَّلًا ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ حَقِيقَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَبِالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ ، وَالْوَالِدَانِ
تَبَعِيَّتُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا بِاعْتِبَارِ الْبَعْضِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِبَعْضٍ لَهُ فَاخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ لِذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَخَاهُ وَنَحْوَهُ لَا ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ غَيْرِ الْوِلَادِ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنِّكَاحِ ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ ، وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا غَيْرَ أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدُ لَا يَكْفِي فِي غَيْرِهَا حَتَّى لَا يُخَاطَبَ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِمَحِلِّهِ وَلِأَنَّ هَذِهِ قَرَابَةً تُشْبِهُ بَنِي الْأَعْمَامِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَدَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ ، وَتُشْبِهُ الْوِلَادَ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَحُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي النِّكَاحِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْوِلَادِ فِي الْعِتْقِ وَبِبَنِيَّ الْأَعْمَامِ فِي الْكِتَابَةِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ عَلَى عَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ نُفُوذًا مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ
يُبْطِلَهُ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ .( قَوْلُهُ يَدْخُلُونَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا ) أَيْ تَبَعًا لَهُ حَتَّى يُرَدُّونَ إلَى الرِّقِّ بِعَجْزِهِ فَلَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَبَقِيَتْ كِتَابَتُهُمْ بَعْدَ عَجْزِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا ) أَيْ وَلَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أُمَّ وَلَدِهِ مَعَ وَلَدِهِ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فِيهِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } وَلَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَجَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَوْ مَلَكَهَا بِدُونِ الْوَلَدِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَصَارَ كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ وَحْدَهَا بِدُونِهِ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَتَقَرَّرُ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ فَيَتَقَرَّرُ لِلْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ لَكَانَ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ أَوْ كَانَ الِاسْتِيلَادُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ فَيَنْفَسِخُ بِانْفِسَاخِ الْمُكَاتَبَةِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْفَسْخِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ أَقْوَى فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِمَا هُوَ دُونَهُ وَمَالُ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا تَبَعًا لِوَلَدِهَا مِنْهُ وَمَا يَثْبُتُ تَبَعًا يَثْبُتُ بِشَرَائِطِ الْمَتْبُوعِ ، وَلَوْ ثَبَتَ بِدُونِ الْوَلَدِ
لَثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَلَدٌ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ وَكَسْبُهُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَتْبَعُهُ فِي التَّكَاتُبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ فَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ إذْ لَا يَنْقَطِعُ بِالدَّعْوَةِ اخْتِصَاصُهُ ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي كِتَابَتِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ تَسْرِي إلَيْهِ الصِّفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ الثَّابِتَةُ فِي الْأُمِّ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ ، فَإِذَا سَرَى إلَيْهِ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ فَكَانَتْ هِيَ أَحَقَّ بِهِ وَبِكَسْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا ، وَقَدْ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَوْلَى عَنْهُ .( قَوْلُهُ فَيَتْبَعُهُ فِي التَّكَاتُبِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتَبَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْمُغْنِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّيَ وَلَا يَمْلِكُ وَطْءَ أَمَتِهِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا أَنَّ لَهُ فِي مِلْكِ مُكَاتَبِهِ يَدًا بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ عِنْدَ الدَّعْوَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهُ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَارِيَةِ الِابْنِ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ وَادَّعَى الْوَلَدَ ا هـ دِرَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْأَوْصَافِ الْحُكْمِيَّةِ فَكَانَ مُكَاتَبًا تَبَعًا لَهَا فَكَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ ، وَقَدْ انْقَطَعَ يَدُ الْمَوْلَى عَنْهَا بِالْعَقْدِ فَكَذَا عَنْ وَلَدِهَا فَكَانَتْ هِيَ أَحَقُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَصَارَ كَنَفْسِهَا وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَلَوْ قُتِلَ هَذَا الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَحَقُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَا الْكِتَابَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَعَنْ وَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ فَقُتِلَ الْوَلَدُ حَيْثُ تَكُونُ قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَكُونُ الْأُمُّ أَحَقَّ بِهَا ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي الْكِتَابَةِ هُنَا بِالْقَبُولِ عَنْهُ وَالْقَبُولُ وُجِدَ مِنْهُمَا فَيَتْبَعُهُمَا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبُولِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَ بِمُجَرَّدِ التَّبَعِيَّةِ وَفِيهَا الْأُمُّ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِإِذْنِ حُرَّةٍ بِزَعْمِهَا فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَدُهَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُعْطِيهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةُ لَهُ ، وَكَذَا إذَا غَرَّهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ مَوْلَى الْغَارِّ ، وَإِنْ غَرَّهُ حُرٌّ رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغُرُورِ كَضَمَانِ الْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحُرِّ فِي الْحَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا ، وَكَذَا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ هُوَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ بِالْمَهْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَحُكْمُ الْغُرُورِ يَثْبُتُ بِالتَّزْوِيجِ دُونَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا رَغْبَةً فِي حُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهَا فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَصَارَ مَغْرُورًا كَالْحُرِّ فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ أَحْرَارًا بِالْقِيمَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ كَالْحُرِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَوْلُودٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَتَرَكْنَا هَذَا فِي الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى وَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ فِي الْحُرِّ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ وَفِي الْعَبْدِ بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا ، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا فَإِنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ وَتَشْهَدُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِهَذَا الْمَعْنَى .قَوْلُهُ وَإِنْ غَرَّهُ ) أَيْ إذَا زَوَّجَهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ لَا إذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَتَزَوَّجَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ فَرَدَّتْ فَالْعُقْرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ ) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَوَطِئَهَا ، ثُمَّ رَدَّهَا بِحُكْمِ الْفَسَادِ عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ صَحِيحًا تَارَةً وَيَقَعُ فَاسِدًا أُخْرَى ، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ يَنْتَظِمَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَوْعَيْهِمَا فَكَانَا مَأْذُونَيْنِ فِيهِمَا كَالتَّوْكِيلِ بِهِمَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُؤَاخَذَانِ بِهِ فِي الْحَالِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ بِشِرَاءٍ ) هَذَا ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَلَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ) هَذَا حَاشِيَةٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بِنِكَاحٍ أُخِذَ بِهِ مُذْ عَتَقَ ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَوَطِئَهَا يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَكَذَلِكَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَلَا مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْكَفَالَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا وَطِئَهَا بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ تَنَاوَلَ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ حَيْثُ يُؤَاخَذُ بِالْعُقْرِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَيَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُسَلِّمُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ فَكَانَ هَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَمَا وَجَبَ ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ الْحَدُّ وَمَا يَجِبُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ ضَمَانِ التِّجَارَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُقَابَلًا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ وَالْهَدِيَّةَ الْيَسِيرَةَ وَالضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ الْتَحَقَتْ بِالتِّجَارَةِ حَتَّى صَارَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا وَتَنَاوَلَهَا الْإِذْنُ بِتَنَاوُلِهِ التِّجَارَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي نَفْسِهَا تَبَرُّعًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَجَبَ الْعُقْرُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنْ الْكَسْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ وَلَا عَقْدُ الْكِتَابَةِ فَيَتَأَخَّرُ مَا وَجَبَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْتِزَامِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ بَعْدَ الْعِتْقِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا ، أَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَافْتَضَّهَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَكَذَلِكَ الْعُقْرُ يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا إذَا كَانَ الْمَوْلَى أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا أَيْضًا ا هـ .
{ فَصْلٌ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا أَوْ عَجَزَتْ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ ) لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِبَدَلٍ وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَآجِلَةٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيَّتَهُمَا شَاءَتْ ، وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ وَلَدِهِ لِلْحَاجَةِ فَيَتَمَلَّكُهَا قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إعْتَاقَ أَوْلَادِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُمْ فَصَارَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِهَا وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا لِكَوْنِهَا أَخَصَّ بِنَفْسِهَا وَأَكْسَابِهَا وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْبَدَلَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا بِمُقَابَلَتِهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا سَلِمَتْ لَهَا بِجِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَرْضَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَجَّانًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ مَالًا تُؤَدَّى كِتَابَتُهَا مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِوَلَدِهَا لِثُبُوتِ عِتْقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ
دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِنْ حَرُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى إذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا كَسَائِرِ أَوْلَادِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا .فَصْلٌ } ( قَوْلُهُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى وَمَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةُ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ وَوَلَدُهَا وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُرَدُّ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ فِي الْحَالِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِيهَا فَتَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَكَسْبُهَا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا بِالْبَدَلِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ كِتَابَةَ أُمِّ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ كَكِتَابَةِ الْإِمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } بَيَانُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَالْمِلْكُ فِيهَا بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ اسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ ، فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ فِيهَا بَاقِيًا جَازَ كِتَابَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ مَمْلُوكٍ وَمَمْلُوكٍ فَإِنْ قِيلَ رِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ ، قِيلَ لِرِقِّهَا قِيمَةٌ فِي السِّعَايَةِ وَإِنَّمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْعُقُودِ وَالْبِيَاعَاتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَلِأَنَّ فِي كِتَابَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إيصَالَ حَقِّهَا إلَيْهَا مُعَجَّلًا فَجَازَتْ لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُدَبَّرَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسْتِحْقَاقُهَا مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَجَازَتْ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ مُدَبَّرٌ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَالَ : إنْ شَاءَ الْعَبْدُ سَعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثِي قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ التَّدْبِيرُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا تَرَى فَلِأَجْلِ هَذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الَّذِي قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ كِتَابَتِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي : وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخَيَّرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي الْفَضْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ا هـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَتَقَتْ مَجَّانًا بِمَوْتِهِ ) أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهَا وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ حُكْمِهِ عِتْقُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مَجَّانًا وَتُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَئِنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلنَّظَرِ لَهَا وَالنَّظَرُ لَهَا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لِيَتْبَعَهَا أَوْلَادُهَا فِي الْعِتْقِ وَتَسْلَمَ لَهَا أَكْسَابُهَا فَيُجْعَلَ كَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْإِيفَاءِ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلِأَنَّ دُخُولَ أَوْلَادِهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا تَبَعًا لَهَا ؛ لِأَنَّ لِلتَّبَعِ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ عَنْهَا فَقَطْ وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ نَظَرًا لَهَا وَلَوْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِبَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَبِالْأَدَاءِ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَبْطُلُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ فَقِيرًا ) أَيْ لَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا كَاتَبَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْخِيَارُ وَالْمِقْدَارُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ التَّجَزِّي فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّيًا بَقِيَ مَا وَرَاءَ الثُّلُثِ عَبْدًا وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ عِتْقِ الثُّلُثِ فَتَوَجَّهَ لِعِتْقِهِ جِهَتَانِ كِتَابَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَسِعَايَةٌ مُعَجَّلَةٌ فَيُخَيَّرُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَفِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَقَلُّهُمَا أَعْسَرَ أَدَاءً لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهُ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ الدِّينِ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً وَعِتْقُ بَعْضِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ حَالًّا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ ثُلُثَا الْقِيمَةِ
بِالتَّدْبِيرِ حَالًّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّهُمَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ بِلَا خِيَارٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمِقْدَارِ فَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُهُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَادَفَتْ كُلَّهُ فَيَكُونُ الْبَدَلُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ ، وَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ فَيَبْطُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ كُلُّهُ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا إذَا أَعْتَقَ ثُلُثَهُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ثُلُثُهُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى كُلَّ الْبَدَلِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ مُسْتَحَقًّا بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَمَا عَتَقَ كُلُّهُ بِالْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَتَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ قُوبِلَ بِمَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ فَانْصَرَفَ كُلُّهُ إلَى مَا يَصِحُّ كَرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لَزِمَ الْأَلْفُ كُلُّهُ مُقَابِلًا بِمَا بَقِيَ وَهِيَ الطَّلْقَةُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ وَالتَّدْبِيرُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ
بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَانَ الْبَدَلُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةً وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِقَدَرِهِ أَمَّا هُنَا فَالْكِتَابَةُ وَقَعَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَمَالِيَّةُ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَتْ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ الْبَدَلُ بِإِزَاءِ الثُّلُثَيْنِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَدَّى فِي حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ قَدْ بَطَلَ فَبَطَلَ التَّقْدِيرُ الَّذِي قُلْنَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا كَاتَبَهَا ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ كُلُّهُ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَأَنَّ نَفْسَهَا كَانَتْ سَالِمَةً لَهَا بِتِلْكَ الْجِهَةِ وَلَوْ أَدَّتْ الْبَدَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ صَحَّ الْأَدَاءُ وَعَتَقَتْ بِهِ لِبُطْلَانِ اسْتِحْقَاقِهَا بِالْأَدَاءِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ .قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ ) أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ قَوْلَهُ آنِفًا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ وَالشَّرْطُ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ا هـ قَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ ) أَيْ وَهُوَ الثُّلُثُ ا هـ ( قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ بِالتَّدْبِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَهَذَا التَّصَرُّفُ نَافِعٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ مَجَّانًا أَوْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى لَهُ جِهَةُ الْحُرِّيَّةِ مُهْدَرَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا ) لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَمَاتَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا : يَسْعَى فِي الْأَصْلِ مِنْهُمَا فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ تَجَزِّيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ أَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ مَجَّانًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ التَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ الثُّلُثُ فَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابَلًا بِمَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ وَهُوَ الثُّلُثَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ وَكَذَا الْمَوْلَى كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مُقَابَلًا بِالتَّحْرِيرِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا ، وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى لَكِنَّهَا تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَمِنْ الْعَبْدِ بِحُصُولِ غَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ وَبِسَلَامَةِ أَكْسَابَهُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ خَاصَّةً وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ نَفْعًا مَحْضًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفٍ حَالٍّ صَحَّ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّ وَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَالِ ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا فَلَا رِبًا وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي ؛ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَجْرِيَ هَذَا الْعَقْدُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ إذْ الْعَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَالْأَجَلُ أَيْضًا رِبًا مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا بِالْأَجَلِ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَجْدِيدُ الْعَقْدِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ حَالَةٍ .( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَفِي الْحِلْيَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ ) كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُكَاتَبِ خَمْسَمِائَةٍ مُعَجَّلَةً بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَكَانَ رِبًا ) أَيْ وَهُوَ حَرَامٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَسَيِّدِهِ وَلِهَذَا نَصَّ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ أَوْ مُكَاتَبِ الْغَيْرِ مُؤَجَّلًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ مُعَجَّلًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا ا هـ دِرَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَاتَ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا ) مَعْنَاهُ أَنَّ مَرِيضًا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الزِّيَادَةَ وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ وَصَارَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدُونِ الْمَالِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ كَانَ الْمَرِيضُ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا فَإِذَا تَمَلَّكَهُ مُؤَجَّلًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ حَتَّى أُجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ مِنْ حَقِّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَجَرَيَانِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَحَقِّ الْحَبْسِ بِالْمُسَمَّى كُلِّهِ فِيمَا إذَا بَاعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا بِالْبَدَلِ وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطُ مَعْنًى فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْمَالَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ وَأَصْلُهُ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ دَارًا قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تُعَجِّلَ ثُلُثَيْ جَمِيعِ
الثَّمَنِ وَالثُّلُثُ عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ وَعِنْدَهُ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَجِّلَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَالْبَاقِي عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْأَجَلِ تُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الثَّمَنِ وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَارِثَ يَصِيرُ مَمْنُوعًا عَنْ الْمَالِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ كَمَا يَصِيرُ مَمْنُوعًا بِنَفْسِ التَّبَرُّعِ وَتَبَرُّعُ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَجَمِيعُ الثَّمَنِ هُنَا بَدَلُ الرَّقَبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ عِنْدَهُ الْأَجَلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ مِنْ الثُّلُثِ .( قَوْلُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ) أَيْ التَّأْجِيلَ ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ إذْ بِتَأْجِيلِ الْمَالِ أُخِّرَ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إجَازَتِهِمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ يُجِيزُوا أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا حَصَلَتْ فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقِيمَةِ كَانَتْ حَقَّ الْمَرِيضِ فِي الْأُولَى حَتَّى كَانَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِقِيمَتِهِ فَتَأْخِيرُهَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ ، وَهُنَا وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلَا تَأْجِيلَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( حُرٌّ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى عَتَقَ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَهُوَ مُكَاتَبٌ ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ حُرٌّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ : كَاتِبْ عَبْدَك فُلَانًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَقَبِلَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَدَّى أَلْفًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِأَدَائِهِ فَيَعْتِقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْعَبْدِ وَإِجَازَتِهِ كَمَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَإِذَا بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ وَقَبُولِهِ فَصَارَ إجَازَتُهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَقَبُولِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَوْ قَبِلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ وَكَّلَهُ بِهِ كَانَ يَنْفُذُ فَكَذَا إذَا أَجَازَهُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُهُ فَأَدَّى عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَلَوْ ضَمِنَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ قِيَاسًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعْلِيقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ فِيمَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَشْرُوطِ مَوْقُوفَةً فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْعَبْدِ وَتَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقِيلَ هَذِهِ هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَحَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ تَبَرَّعَ أَدَاءَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَقِيلَ : يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ إنْ أَدَّاهُ بِضَمَانٍ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ غَيْرَ الْوَاجِبِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْمَالَ فِي
الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَإِنْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِهِ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ لَهُ فَتَمَّ أَدَاؤُهُ هَذَا إذَا أَدَّى عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كُلَّهُ وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ سَوَاءٌ أَدَّى بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَ حُكْمُ الْأَدَاءِ مَوْقُوفًا فَيَرْجِعُ كَمَا إذَا تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَبَرَّعَ عَنْهُ إنْسَانٌ بِبَعْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِذَلِكَ قَدْ حَصَلَ ، وَهِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِقَدْرِهِ مِنْ الْبَدَلِ وَهُنَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْرَأَ بِأَدَائِهِ وَكَذَا لَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ إجَازَةِ الْعَبْدِ الْعَقْدَ ثُمَّ أَجَازَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى سَوَاءٌ أَدَّى الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ إلَّا إذَا أَدَّاهُ عَنْ ضَمَانٍ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِالْإِجَارَةِ نَفَذَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ مُبَرِّئًا لِلْمُكَاتَبِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنَّ الضَّمَانَ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ فَسَادِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( وَإِنْ كَاتَبَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ صَحَّ ) أَيْ كَاتَبَهُمَا الْمَوْلَى وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْحَاضِرُ لِسَيِّدِهِ : كَاتِبْنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا فَقَبِلَ الْحَاضِرُ جَازَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَمَنْ بَاعَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي عَبْدِهِ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ دُونَ عَبْدِ غَيْرِهِ لِعَدَمِهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى خَاطَبَ الْحَاضِرَ قَصْدًا وَجَعَلَ الْغَائِبَ تَبَعًا لَهُ وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى فِيهَا أَوْ الْمَضْمُومُ إلَيْهَا فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَهَا حَتَّى يَعْتِقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ وَالْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا قَبُولٍ مِنْ الْغَائِبِ كَمَا لَوْ كَاتَبَ الْحَاضِرُ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ إنْ أَدَّيْته إلَيَّ فَفُلَانٌ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْغَائِبِ فَكَذَا هَذَا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْغَائِبِ تَبَعًا اسْتَغْنَى عَنْ شَرْطِ رِضَاهُ وَيَنْفَرِدُ بِهِ الْحَاضِرُ وَيُطَالَبُ الْحَاضِرُ بِكُلِّ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ عَلَيْهِ دُونَ الْغَائِبِ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ الْغَائِبِ وَلَا رَدُّهُ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُؤَاخَذُ الْغَائِبُ بِالْبَدَلِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنُ الْكِتَابَةِ أَصْلًا ، وَلَوْ اكْتَسَبَ شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْحَاضِرُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْغَائِبَ
سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا فَكَانَ الْبَدَلُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْأُمِّ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَقْصُودًا وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا لَهَا وَكَذَا وَلَدُهَا الْمُشْتَرَى ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَ لَمْ يُعْتِقْ الْغَائِبَ وَسَقَطَ حِصَّةُ الْحَاضِرِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيُؤَدِّي الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَبْقَى عَلَى نُجُومِ وَالِدِهِ إذَا مَاتَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَيٌّ أَدَّى عَتَقَا ) أَيْ أَيُّهُمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَا لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِمَا وَهُوَ أَدَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَصْلٌ فِيهِ وَأَمَّا إذَا دَفَعَ الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا إلَيْهِ كَمَا إذَا أَدَّى وَلَدُ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ ) أَيْ لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا أَدَّى إلَى الْمَوْلَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ عَتَقَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ كَمَا إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْبَدَلَ وَعِنْدَهُ أَوْلَادُهُ وَآبَاؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَإِنْ عَتَقُوا مَعَهُ لِكَوْنِهِمْ أَتْبَاعًا ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ
أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ يَطْلُبُ نَفْعًا مُبْتَدَأً بِخِلَافِ مُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ لَاسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مِنْ جِهَتِهِ .قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيهِ ) يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُؤْخَذُ غَائِبٌ بِشَيْءٍ ) أَيْ لَا يُطَالِبُ الْمَوْلَى الْغَائِبَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا فَصَارَ نَظِيرَ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَدَّى الْبَدَلَ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَبُولُهُ لَغْوٌ ) أَيْ قَبُولُ الْغَائِبِ لَغْوٌ لَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا رَدُّهُ لَغْوٌ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ نَفَذَتْ وَتَمَّتْ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِرَدِّهِ كَمَنْ كَفَلَ بِدَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَاتَبَتْ الْأَمَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ لَهَا صَحَّ وَأَيٌّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا أَنَّ الْأُمَّ أَوْ الْأَبَ الرَّقِيقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَيَكُونُ دُخُولُ الْوَلَدِ فِي كِتَابَتِهَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَدُخُولِ الْغَائِبِ فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ ، وَأَيُّهُمْ أَدَّى يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ ، وَقَبُولُ الْأَوْلَادِ الْكِتَابَةَ وَرَدُّهُمْ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمْ يُؤَدُّونَهَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى حَيْثُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمْ وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمْ وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا وَلَوْ اكْتَسَبُوا شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ وَلَوْ أَبْرَأَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُمْ لَا يَصِحُّ وَلَهَا يَصِحُّ فَتَعْتِقُ وَيَعْتِقُونَ مَعَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ مَعَ الْغَائِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ .
( بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ لَهُمَا أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ حَظَّهُ بِأَلْفٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَهُ فَعَجَزَ فَالْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْإِعْتَاقِ هَلْ يَتَجَزَّأُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ إذْ هِيَ تُفِيدُ الْحُرِّيَّةَ فِي الْحَالِ يَدًا وَفِي الْمَآلِ رَقَبَةً فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ عِنْدَهُ وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ بِالْكِتَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَفَائِدَةُ إذْنِهِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَ بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَابِضُ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ مِنْهُ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيَصِيرُ الْمُكَاتَبُ أَخَصَّ بِهِ ، فَإِذَا قَضَى بِهِ دَيْنَهُ اخْتَصَّ بِهِ الْقَابِضُ وَسُلِّمَ لَهُ كُلُّهُ كَرَبِّ الْوَدِيعَةِ إذَا أَذِنَ لِلْمُودَعِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ فَقَضَى لَمْ يَبْقَ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ ، كَذَا هَذَا إلَّا إذَا نَهَاهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَيَصِحُّ نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ نِصْفُ كَسْبِهِ لَهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ فِيهِ أَحَدٌ لِكَوْنِ نِصْفِهِ مُكَاتَبًا وَالنِّصْفُ لَلشَّرِيك الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ قِنٌّ فَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ فَإِذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَيْنِهِ صَحَّ إذْنُهُ وَتَمَّ بِالْقَضَاءِ دَيْنُهُ بِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَلَا يَرْجِعُ الْإِذْنُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَبْدُ وَلَوْ رَجَعَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا بِخِلَافِ مَا
إذَا تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِقَضَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ ، أَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ مَهْرٍ ثُمَّ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ عَنْهُ حَيْثُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْبَائِعِ وَالْمَرْأَةِ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِوُجُوبِ دَيْنِ الْمُتَبَرِّعِ عَلَيْهِمَا فَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الْآذِنُ مَرِيضًا وَأَدَّى مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ صَحَّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَهُ صَحَّ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِعَيْنِ مَالٍ وَفِي الْأَوَّلِ بِالْمَنَافِعِ إذْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مَوْجُودًا حَالَةَ الْإِذْنِ فَالتَّبَرُّعُ بِالْمَنَافِعِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بَلْ يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا الْكِتَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنًا بِكِتَابَةِ كُلِّهِ فَإِذَا كَاتَبَهُ صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا كَاتَبَ نَصِيبَهُ بِالْأَصَالَةِ وَنَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَيَكُونُ مُكَاتَبًا لَهُمَا وَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ بَيْنَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْعَجْزِ وَبَعْدَهُ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ صَارَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَانَ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَفْسَخَ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ إذْ لَا يَخْرُجُ نَصِيبُهُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَئُولُ إلَى ذَلِكَ وَبِخِلَافِ الْعِتْقِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِالشَّرْطِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ، وَلَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي كَاتَبَ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَاتَبَ كُلَّهُ بِأَلْفٍ
لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ بَدَلَ نَصِيبِهِ وَإِنْ كَاتَبَ نَصِيبَهُ فَقَطْ بِأَلْفٍ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا أَخَذَ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَانَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ إلَّا بَعْضُهُ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا بِالْأَدَاءِ عَتَقَ كُلُّهُ وَيَرْجِعُ السَّاكِتُ عَلَى شَرِيكِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِلَّا فَعَلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَكْسَابِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ ، وَلَوْ كَاتَبَهُ السَّاكِتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ صَارَ مُكَاتَبًا لَهُمَا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ لَمْ يَتَكَاتَبْ مِنْ قَبْلُ فَصَحَّ كِتَابَتُهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَنَفَذَ كِتَابَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ السَّاكِتَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ فَإِذَا كَاتَبَهُ كَانَ فَسْخًا مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ وَأَيُّهُمَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ نَصِيبِهِ لَا يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ ، وَتَعَلَّقَ عِتْقُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُسَمَّى فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا مَعًا فَالْوَلَاءُ لَهُمَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ قَدَّمَ أَحَدَهُمَا صَارَ كَمُكَاتَبِهِمَا حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا يَعْتِقُ نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَبْقَى نَصِيبُ صَاحِبِهِ مُكَاتَبًا ، وَلَا ضَمَانَ وَلَا سِعَايَةَ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ فَيُخَيَّرُ السَّاكِتُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ وَالْإِعْتَاقِ وَاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَبَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ وَمِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي الْيَسَارِ وَفِي الْإِعْسَارِ سَعَى فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ نَصِيبِ
أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَيَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ وَإِبْرَائِهِ وَهِبَتِهِ نَصِيبَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ قِبَلَهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ وَالْعِتْقِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا وَبِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ لَمْ يَبْرَأْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُمَا وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِهِ فَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْكُلَّ حُكْمُهُ ظَاهِرٌ .( بَابٌ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ كِتَابَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ شَرَعَ فِي كِتَابَةِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ وَأَطْلَقَ كِتَابَةَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكِتَابَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ بِكِتَابَتِهِمَا حَتَّى يَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِبَيَانِهِمَا جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَمَةٌ بَيْنَهُمَا كَاتَبَاهَا فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَعَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ شَرِيكُهُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَهُوَ ابْنُهُ ، وَأَيٌّ دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ صَحَّ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ كُلُّهَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ بِالْقِيمَةِ وَيَغْرَمُ الْعُقْرَ لَهَا ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَجَزِّي اسْتِيلَادِ الْمُكَاتَبَةِ فَعِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَاسْتِيلَادُ الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ ، فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا وَلَهُ فِي نِصْفِهَا مِلْكٌ وَهُوَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ وَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الْآخَرِ مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ وَقَالَا يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مَا أَمْكَنَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَدَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً تَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلَدِ لِإِمْكَانِ التَّكْمِيلِ بِالتَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا قَابِلَةً لِلنَّقْلِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُهُ فَرَجَّحْنَا الِاسْتِيلَادَ فَكَمَّلْنَاهُ وَفَسَخْنَا الْكِتَابَةَ فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ وَهِيَ لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَالْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ
الْمُكَاتَبُ وَتَبْقَى فِيمَا وَرَاءَهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ مُدَبَّرَةً مُشْتَرَكَةً فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُهَا ؛ إذْ التَّدْبِيرُ يَمْنَعُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَلَا يُقَالُ لِمَ لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ ضِمْنًا لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ ؟ لِأَنَّا نَقُولُ فِي انْفِسَاخِهَا ضَرَرٌ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا فِي الْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا تَنْفَسِخُ فِيمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَقْبَلُ التَّجَزِّيَ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْمُدَبَّرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ وَيَقْتَصِرُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ وَالْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ كَالتَّدْبِيرِ فَلَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَقْتَصِرُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ وَادَّعَاهُ الْآخَرُ فَقَدْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَةٍ نِصْفُهَا مِلْكٌ لَهُ فَتَصِحُّ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، فَإِذَا عَجَزَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جُعِلَ كَأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّكْمِيلِ قَائِمٌ وَالْمَانِعُ مِنْ التَّكْمِيلِ الْكِتَابَةُ وَقَدْ زَالَتْ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضَى عَمَلُهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ فَيَضْمَنُ لِلْآخَرِ نِصْفَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ لِتَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ وَنِصْفَ عُقْرِهَا وَضَمِنَ الْآخَرُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَظَهَرَ بِالْعَجْزِ وَبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّهُ وَطِئَ
أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَزِمَهُ كَمَالُ الْعُقْرِ وَأَيُّهُمَا دَفَعَ الْعُقْرَ إلَى الْمُكَاتَبَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْأَوَّلِ تَكْمِيلًا لِلِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُفْسَخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ عَلَى مَا مَرَّ وَإِذَا صَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَوَطِئَ الثَّانِي صَادَفَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَلَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الضَّمَانِ الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُمَا صَارَتْ كُلُّهَا مُكَاتَبَةً لِلْمُسْتَوْلِدِ بِنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا تَتَضَرَّرُ بِسُقُوطِ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لَهُ بِكُلِّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ ضَرُورِيٌّ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ حُكْمُ التَّمَلُّكِ فَبَقِيَ الْكُلُّ لِلْأَوَّلِ كَمَا كَانَ وَالْمُكَاتَبَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي الْعُقْرَ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا وَبِأَبْدَالِ مَنَافِعَهَا وَلَوْ عَجَزَتْ وَرُدَّتْ فِي الرِّقِّ تَرُدُّ إلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مُكَاتَبَةً مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ
الْقِيمَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَفِي نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ وَالْأَقَلُّ مُتَيَقِّنٌ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْعَجْزِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ لِمَا مَرَّ ، وَالْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بِخِلَافِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ بِالْغُرُورِ وَلَا كَذَلِكَ التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَدَبَّرَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا هُوَ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ النَّسَبُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هُنَا ( وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ لِلْإِمْكَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنِصْفُ عُقْرِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ بِحِسَابِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ قَدْ صَحَّتْ عَلَى مَا مَرَّ وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ .
قَوْلُهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهَا الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْهَا حِينَ عَجَزَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ مُكَاتَبَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ فَوَجَبَ الْعُقْرُ كُلُّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ كَسْبًا لَهَا ، ثُمَّ لَمَّا عَجَزَتْ كَانَ ذَلِكَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَ عَنْهُ نَصِيبُهُ وَبَقِيَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الْعُقْرِ فَإِنْ كَانَ أَدَّى الْعُقْرَ إلَيْهَا قَبْلَ الْعَجْزِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهَا وَأَمَّا الشَّرِيكُ السَّاكِتُ فَقَدْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ كُلُّهَا مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ فَيَغْرَمُ عُقْرًا كَامِلًا وَعَلَى اعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ يَغْرَمُ عُقْرًا كَامِلًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ بَيْنَهُمَا وَوَطْءُ الرَّجُلِ مُكَاتَبَتَهُ يُوجِبُ الْعُقْرَ كَوَطْءِ مُكَاتَبَةِ الْغَيْرِ ، وَإِنْ أَدَّى الْعُقْرُ إلَيْهَا صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهَا أَدَّى إلَى شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الْعُقْرَ صَارَ كُلُّهُ حَقًّا لَهُ بِالْعَجْزِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا تَكَامَلَ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَوَّلِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الثَّانِي وَلَمْ يَغْرَمْ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَضَمِنَ عُقْرًا كَامِلًا لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْءِ أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ ، وَلَكِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْآخَرِ لَهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَاسْتِيلَادُ الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ ) يَأْتِي تَعْلِيلُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ فِي الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاسْتِيلَادُ الْمُدَبَّرَةِ يَتَجَزَّأُ ) يَأْتِي تَعْلِيلُهُ فِي هَذِهِ الصَّفْحَةِ مِنْ الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُهُ ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ