كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
بِحُدُوثِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لِعُذْرِ الْإِعْسَارِ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ بَطَلَ ذَلِكَ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ رَقَبَةً بَطَلَ صَوْمُهُ ، وَتَقَدُّمُ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ التَّفْرِيقَ عِنْدَنَا ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ كِتَابِ الْفُصُولِ ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ ، وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قَضَائِهِ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَجَّرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرُفِعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيقُهُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّفْرِيقُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ ، وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ،
وَهُوَ الْعَجْزُ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ ، وَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ ا هـ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونُ هَذَا تَرَكَ الْإِنْفَاقَ لَا لِعَجْزٍ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ جَازَ قَضَاؤُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ ) وَفِي الْبَدَائِعِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَقَدَّرُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيهَا بِخُصُوصِ مِقْدَارٍ ، وَلِأَنَّهُ كَانَ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ قَدْ زَالَ فَتَزُولُ بِزَوَالِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ ) رَدَّ هَذَا التَّنَاقُضَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ ، وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى هَامِشِ الْمَتْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا ) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارٍ مِنْهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَرِزْقِ الْقَاضِي ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ كَالْمَهْرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ لَوَجَبَ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَالْمَهْرِ ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْمَهْرِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَقَعَ الْعِوَضَانِ عَلَى مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْمِلْكِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الِاحْتِبَاسُ لِأَجْلِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ، وَصِيَانَةِ مَائِهِ أُوجِبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ كَرِزْقِ الْقَاضِي لَمَّا كَانَ مَشْغُولًا بِحُقُوقِهِمْ وَجَبَ لَهُ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَكَذَا الِاحْتِبَاسُ فَيَجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ جَزَاؤُهُ صِلَةً ، وَالصِّلَاتُ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقَّ الزَّوْجِ وَحَقَّ الشَّرْعِ فَمِنْ حَيْثُ الِاسْتِمْتَاعُ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَإِصْلَاحُ الْمَعِيشَةِ حَقُّ الزَّوْجِ ، وَمِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ الْوَلَدِ وَصِيَانَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الزِّنَا حَقُّ الشَّرْعِ فَبِاعْتِبَارِ حَقِّهِ عِوَضٌ ، وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ فَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَسْتَحْكِمُ إلَّا بِحُكْمِ الْقَاضِي أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا ،
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ ، وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى النَّسَفِيَّةِ وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَأْخُذْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ هَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَلَمْ تَسْتَوْفِ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ ، وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا ) يَعْنِي بِأَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا ، وَامْتَنَعَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ فَلَا تُمْلَكُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِفَرْضٍ أَوْ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى مِقْدَارٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ إذَا لَمْ يُعْطِهَا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَتْ أَكَلَتْ مَعَهُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِيرُ دَيْنًا بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ ع قَوْلُهُ وَبِاعْتِبَارِ حَقِّ الشَّرْعِ صِلَةٌ ) قَالَ الرَّازِيّ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ الصِّلَاتِ لَا يَسْتَحْكِمُ الْوُجُوبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا ) وَهَذَا حَقٌّ ، وَقَدْ تَمَّ الْوَجْهُ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ ، وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ ، هَذَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ لَهَا شَبَهَانِ شَبَهٌ بِالصِّلَةِ وَشَبَهٌ بِالدُّيُونِ فَإِنْ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا تَسْقُطُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا بِهَا سَقَطَتْ كَسَائِرِ الصِّلَاتِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ ، وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَاسْتِدَانَتُهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ ، وَمَا لَزِمَ بِاسْتِدَانَتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا بِاسْتِدَانَتِهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي ، فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا الدَّيْنُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ أَيْضًا لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ قُلْنَا إنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ أَقْوَى فِي إبْطَالِ الصِّلَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ لِلِاسْتِحْكَامِ إلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدٍ ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ تَبْطُلُ الْأَهْلِيَّةُ فَيَسْتَحْكِمُ بِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِهَا ، وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يُسْتَرَدُّ ذَلِكَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحْتَسَبُ لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى ، وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ هُمَا
يَقُولَانِ إنَّهَا أَخَذَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِبَاسِ فَتَبَيَّنَ أَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا عَلَيْهِ فَتَرُدُّهُ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا فَقَضَاهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمَقْبُوضَ ، وَكَمَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَكَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُقَاتِلَةِ إذَا أُسْلِفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ ، وَلَنَا أَنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ ، وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ هُنَاكَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ هَلَكَ ، وَهُنَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا ، وَبِخِلَافِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ سَبَبِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ ، وَهُنَا وَقَعَ صَحِيحًا لَازِمًا ، وَرِزْقُ الْقَاضِي مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ ، وَالنَّظَرُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيُعْطَى لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ ) قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَتَسْقُطُ فِي مُدَّةٍ مَضَتْ إلَّا إذَا سَبَقَ فَرْضُ قَاضٍ أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ فَتَجِبُ لِمَا مَضَى مَا دَامَا حَيَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي أَصْلِ الْوِقَايَةِ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ ، وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِي السُّقُوطِ ، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ ، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ الْخَصَّافُ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا ، وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا ا هـ كَلَامُ قَاضِي خَانْ ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ أَيْ إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ ا هـ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى ، وَتَسْقُطُ أَيْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ ا هـ شُمُنِّيٌّ ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ قَبْضٍ سَقَطَتْ أَيْ وَبَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ ا هـ شُمُنِّيٌّ وَقَوْلُهُ سَقَطَ الْمَفْرُوضُ إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ قَاضٍ أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَمَرَهَا يَعْنِي الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَبْطُلُ أَيْضًا ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ اسْتِدَانَتَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا تَسْقُطُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ لَهَا زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ بِأَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَأَكَّدُ تَأْكِيدَهَا فَتَسْقُطُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عِنْدَهُ ، وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا صِلَةٌ ) الصِّلَةُ بَذْلُ مَالٍ شَرَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِشَيْءٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ ) فَاسْتَدَانَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ فِي هَذَا الدَّيْنِ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ ، وَعَلَّلَ وَقَالَ لِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي جُعِلَ كَأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي اسْتَدَانَ ، وَلَوْ كَانَ هُوَ اسْتَدَانَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ قُلْتُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَحْكَمَ هَذَا إلَخْ ) وَجَعَلْتُمُوهُ مُؤَكِّدًا لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِاسْتِحْكَامِهِ بِالْقَضَاءِ ) أَيْ كَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ إلَخْ ) سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ يُسْتَرَدُّ مِنْهَا ) ، وَكَذَا يُسْتَرَدُّ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ وَلَا يُرَدُّ قِيمَةُ الْهَالِكِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْتَرَدُّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً قِيَاسًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِ
النَّفَقَاتِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ ، وَفِي عَامَّةِ نُسَخِ أَصْحَابِنَا مِثْلُ شَرْحِ الْكَافِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ، وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالتُّحْفَةِ ، وَخُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ ) لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِ الْهِبَةِ ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الرَّازِيّ قُلْنَا إنَّهَا صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الصِّلَاتِ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُنَا يَسْقُطُ بِالْهَلَاكِ إجْمَاعًا ) أَيْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ ) وَمَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ فِيهِ ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا فِي الْمَهْرِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ سَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصِّلَاتِ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ تَسْقُطُ فِي الصَّحِيحِ ، وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ إنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلِّ لَا إلَى خُلْفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا كَانَ دِينًا لَا يَسْقُط بِالْمَوْتِ ، وَهَذَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ أُخْرَى بَعْدَمَا بِيعَ مَرَّةً بِيعَ ثَانِيًا ، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ، وَلَيْسَ مِنْ الدُّيُونِ مَا يُبَاعُ فِيهِ مِرَارًا إلَّا دَيْنَ النَّفَقَةِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ ، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دِينًا آخَرَ حَادِثًا بَعْد الْبَيْعِ ، وَلَا كَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ ، وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ يُبَاعُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْلَ بَعْدَ الْعَجْزِ
ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا مَعْنَاهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ ، وَبِهِ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَبِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ التَّبْوِئَةِ وَيَجِيءُ بَيَانُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ كَالْمَهْرِ ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ فِي النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ظَهَرَ وُجُوبُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي حَقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَأَكْسَابِهِ كَمَا فِي دُيُونِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى لِأَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا أَوْفَاهَا الْمَوْلَى نَفَقَتَهَا لَا يَبْقَى حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا تَزَوَّجَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً أَوْ أَمَةً بَعْدَ التَّبْوِئَةِ حَيْثُ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْمَهْرُ عَلَيْهِمَا ، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُبَاعَانِ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بَلْ يُؤْمَرَانِ بِالسِّعَايَةِ ا هـ قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ مُدَبَّرًا تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُكَاتَبًا مَا لَمْ يَعْجِزْ فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِيهَا ا هـ قَوْلُهُ تَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِكَسْبِهِ يَعْنِي لَا بِرَقَبَتِهِ
لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الدُّيُونِ يُبَاعُ فِيهِ مَرَّةً ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا بِيعَ فِي الْمَهْرِ مَرَّةً وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِأَنْ لَمْ يَفِ الثَّمَنُ بِكُلِّ الْمَهْرِ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ أَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا بِيعَ فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لَا فِي النَّفَقَاتِ الَّتِي لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً بَعْدُ وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ فِيهَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي بِيعَ فِيهَا أَوَّلًا غَيْرُ هَذِهِ النَّفَقَةِ الَّتِي وَجَبَتْ ثَانِيَةً قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ أَوْ الْمُدَبَّرِ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِمَوْلَاهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْأَبِ ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدُهَا يَكُونُ حُرًّا ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ حُرٍّ عَلَى مَمْلُوكٍ ، وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ وَلَدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً ، وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا ، وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا ، وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَكُونُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ ، وَلِهَذَا يَكُونُ
كَسْبُهُ لَهُ ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ ، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ ) لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا ، وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا ، وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ ، وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ فَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ ، وَلَا يُقَالُ إنْ خِدْمَةَ الْمَوْلَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ شَرْعًا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ فَيَكُونَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا بِحَقٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرَّةُ إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا كَانَ التَّفْوِيتُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيتَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا شَرْعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ كَمَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُنَّ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا فَتَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا شَرْعًا كَالْحُرَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْحُرَّةِ ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا
لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قُلْنَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بَعْدَهُ ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى بَوَّأَهَا مَنْزِلًا أَوْ لَمْ يُبَوِّئْهَا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ .( قَوْلُهُ وَتَبْوِئَتُهَا ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَبَوَّأْته دَارًا أَسْكَنْته إيَّاهَا وَبَوَّأْت لَهُ كَذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَلَّى ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا ) أَيْ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ ، وَلَا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقُّهَا إذْ هِيَ مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ { أُسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } أَيْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَهَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهَا كَالنَّفَقَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ السُّكْنَى مَعَ النَّاسِ يَتَضَرَّرَانِ بِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا ، وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَسْكَنَ أَمَتَهُ مَعَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا ، وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ ، وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ كَفَاهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ اشْتَكَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْإِيذَاءَ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَمَنَعَهُ ، وَفِي الْغَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا عِنْدَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُمْ النَّظَرُ ، وَالْكَلَامُ مَعَهَا ) أَيْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا ، وَيَتَكَلَّمُوا مَعَهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَعَهَا ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللَّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ ، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ، وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ فِي كُلِّ عَامٍ هُوَ الصَّحِيحُ ،
وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ بِشَهْرٍ فِي الْمَحَارِمِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ) بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ { فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ } { مِنْ وُجْدِكُمْ } ) أَيْ مِنْ غِنَاكُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدَةً ، وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ قَالَ الْكَمَالُ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ تَسْكُنُ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا ، وَجَعَلَ لَهَا مَرَافِقَ ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا ، وَلَوْ شَكَّتْ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا أَوْ يُؤْذِيَهَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَيْهِ أَسْكَنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ أَخْيَارٍ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي اللَّبَاثِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا ، وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ
الْأَبُ أَوْ كَافِرًا ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ ، وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ ، وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ ، وَيَذْكُرُ مَعَهَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانَا ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ ، وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْغُزَاةِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَزُورَ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا خَصِيًّا كَانَ أَوْ فَحْلًا ، وَكَذَا أَبُوهَا الْمَجُوسِيُّ ، وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَحَدُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ اثْنَا عَشَرَ ، وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِامْرَأَةٍ ، وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجُ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ فَقَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَرُوِيَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ } وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ
حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ ا هـ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفُرِضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ ، وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا ) أَيْ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَائِبِ بِشَرْطِ أَنْ يُقِرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهَا مِنْ الْوَدِيعَةِ ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الدَّفْعِ ، وَلَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُمْ بِحَقِّ الْأَخْذِ لِأَنَّهُمْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا سِيَّمَا هُنَا ، فَإِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ ، وَلَا هُمْ خَصْمٌ عَنْهُ فِي إثْبَاتِ الْمَالِ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤْخَذُ مِنْهُ تَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ وَأَقَرَّ بِالْمَالِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَحَدَهُمَا إمَّا النَّسَبَ وَالزَّوْجِيَّةَ أَوْ الْمَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ أَيْ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوْ إلَى الْبَيْعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً لِلْمَضْرُوبِ ، وَإِنْ أُخِذَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَفِيلٌ فَحَسَنٌ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ
كَانَ عَجَّلَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً أَوْ مُطَلَّقَةً قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ التَّكْفِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي النَّفَقَةِ مَعْلُومٌ ، وَهُوَ الزَّوْجُ ، وَفِي الْمِيرَاثِ مَجْهُولٌ ، وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يَحْلِفُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُعْطِي الْكَفِيلَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا نَظَرًا لِلْغَائِبِ ، وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَنَفَقَةُ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِدُونِ رِضَاهُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ إثْبَاتَ الْمَالِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ لِيُقْضَى لَهَا فِي مَالِ الْغَائِبِ أَوْ لِتُؤْمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يُقْضَى لَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهَا ، وَلَا يُقْضَى بِالنِّكَاحِ ، وَتُعْطَى النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ نَظَرًا لَهَا ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ ، وَصَدَّقَهَا أَوْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ كَانَتْ آخِذَةً لِحَقِّهَا ، وَإِلَّا
فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا يُقْضَى بِبَيِّنَتِهَا ، وَيَثْبُتُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذُكِرَ هُنَا
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفُرِضَ ) أَيْ الْإِنْفَاقُ ا هـ ع قَالَ الرَّازِيّ يَعْنِي إذَا غَابَ شَخْصٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَلِلْغَائِبِ زَوْجَةٌ يُقِرُّ الْمُودَعُ بِزَوْجِيَّتِهَا فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَبَوَيْهِ ) أَيْ وَكَذَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ كَفِيلٌ مِنْهَا ) أَيْ بِالنَّفَقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنَّسَبِ ) وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَهُ فَيَقُولَ عِنْدَ مَنْ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَبِالنَّسَبِ ا هـ فَتْحٌ بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ وَبِأَنَّ الْمَالَ لِلْغَائِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْغَائِبُ ضَرُورَةً ) أَيْ لِكَوْنِ مَا أَقَرَّ بِهِ مِلْكَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مُضَارِبِهِ ) أَيْ مُضَارِبِ الْغَائِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ ) كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ فِيهِ ) وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ التَّكْفِيلِ إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهَا أَنَّهَا مَا أَخَذَتْ النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ ) أَيْ لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصِّغَارِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الْكِبَارِ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثِ يَعْنِي يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ ، وَلَا يُقْضَى لِغَيْرِهِمْ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ
الْإِيفَاءُ وَالْإِعَانَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِكَوْنِهَا مُجْتَهِدًا فِيهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَلَمَّا كَانَ وُجُوبُهَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَا يُقْضَى لَهُمْ بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ الْغَائِبِ ، تَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الدُّيُونِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُوبُهَا إلَى الْقَضَاءِ ، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَقَدْ جُعِلَ مَالُ الْوَلَدِ الْغَائِبِ فِي حُكْمِ مَالِهِمَا أَمَّا فِي الْوَلَدِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ إعَانَةً ، وَأَمَّا فِي الْوَالِدَةِ فَلِأَنَّهَا مِثْلُ الْوَالِدِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ ، وَقَدْ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي } فَإِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْوَالِدِ ، وَلِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ أَوْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى ، وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَالْإِنَاثُ فَلِعَجْزِهِمْ صَارُوا فِي مَعْنَى الصِّغَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ مَنْ سِوَاهُمْ فَإِنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى الدُّيُونِ بَلْ هِيَ صِلَةٌ يَتَأَكَّدُ حُكْمُهَا بِالْقَضَاءِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ ا هـ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ بِدَلِيلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ دِيَانَةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ لَا تَجِبَ النَّفَقَةُ فَلَا يُعَيَّنُ
عَلَيْهِ قَوْلُ الْوُجُوبِ إلَّا الْقَضَاءُ بِهِ فَيَنْتَفِي تَأْوِيلُهُ ، وَيَتَقَرَّرُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ ، وَفِي الْكَافِي لَوْ أَنْفَقَ الْمَدْيُونُ أَوْ الْمُودَعُ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ ، وَلَا يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ ، وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْغَائِبِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحْفُوظٌ لَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ا هـ ، وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ مَا نَصُّهُ ، وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ ، وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ ) وَإِيفَاءُ حَقٍّ وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ مَالِهِ جَائِزٌ وَالْقَضَاءُ بِنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ إيفَاءٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْغَائِبِ ، وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إيجَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ ، وَقَالَ : الْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَهُ الطَّرَسُوسِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْكَفِيلِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَالْقُضَاةُ إنَّمَا يَقْبَلُونَ الْبَيِّنَةَ الْيَوْمَ عَلَى النِّكَاحِ لِلْفَرْضِ ، وَيَفْرِضُونَ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَفْرِضُ لَا تَحْتَاجُ
الْمَرْأَةُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُخَلِّفْ لَهَا النَّفَقَةَ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا لِمَا رُوِيَ { أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ، وَفِيمَا رَوَاهُ عَنْهَا مُسْلِمٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا } الْحَدِيثَ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَلِأَنَّهَا بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ ، وَلَنَا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا نَدْعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِيمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ زِيَادَةُ قَوْلِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى } ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ إخْرَاجِهِنَّ وَخُرُوجِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ } وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى عَلَى الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّهِ صِيَانَةً لِمَائِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِمَا ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ مُضَارَّتِهِنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ } فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَتَضَرَّرَتْ فَأَيُّ ضَرَرٍ وَأَيُّ تَضْيِيقٍ أَشَدُّ مِنْ مَنْعِ النَّفَقَةِ مَعَ الْحَبْسِ بِحَقِّهِ ، وَأَيُّ جَرِيمَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْآيَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَائِنِ قُلْنَا صَدْرُ الْآيَةِ عَامٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِذِكْرِ حُكْمٍ يَخُصُّ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فِي آخِرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِمْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } يَتَنَاوَلُ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ ثُمَّ لَا يُبْطِلُ عُمُومَهُ بِقَوْلِهِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَتَخْصِيصُ الْحَامِلِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّنْ عَدَاهَا إذْ لَوْ نُفِيَ لَنُفِيَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّ أَيْضًا إذَا كَانَتْ حَائِلًا ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْحَامِلُ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِهَا لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْمَشَاقِّ بِالْحَمْلِ وَطُولِ مُدَّتِهِ أَوْ لِإِزَالَةِ الْوَهْمِ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سُقُوطُهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ ، وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا كَعُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ حَتَّى قَالَتْ لِفَاطِمَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا لَا خَيْرَ لَك فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُقَالُ إلَّا لِمَنْ ارْتَكَبَ بِدْعَةً
مُحَرَّمَةً ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمَّا حَدَّثَ الشَّعْبِيُّ عَنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَصَى وَحَصَبَ بِهِ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ لَهُ وَيْلَك أَتُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَصَارَ مُنْكَرًا فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَالثَّانِي لِاضْطِرَابِهِ فَإِنَّهُ جَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَجَاءَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ، وَهُوَ غَائِبٌ ، وَجَاءَ مَاتَ عَنْهَا ، وَجَاءَ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَلَمَّا اضْطَرَبَ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَالثَّالِثُ أَنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ بِتَطْوِيلِ لِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا فَلَعَلَّهَا أُخْرِجَتْ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وَهُوَ أَنْ تُفْحِشَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ فَتُؤْذِيَهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ إلَّا أَنْ يُفْحِشَ عَلَيْكُمْ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِفَاطِمَةَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، وَعَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً ، وَشَرْطُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهِ وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ السُّكْنَى ، وَلِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ رُخْصَةً لِعِلَّةٍ ، وَقَوْلُهُ النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِإِزَائِهِ بَلْ لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ
بِحَقِّ الزَّوْجِ ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبُ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ الْحِلِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا فَاتَ التَّمْكِينُ حِسًّا بِنَحْوِ الْمَرَضِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَوَجَبَتْ فِي مَالِ الْحَمْلِ كَنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ، وَثَانِيهَا أَنَّ امْرَأَتَهُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَبَتَّ طَلَاقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَوْلَاهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكُهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِشَخْصٍ ، وَحَمَّلَهَا الْآخَرُ لَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمْلِ ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمُضِيِّهِ ، وَرَابِعُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا لِلْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ ، وَلَا لِمُعْتَدَّةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَيْسَ بِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِبَادَةً ، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهَا مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً ، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِانْعِدَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِهِمْ ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ
بَلْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ وَنَحْوُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْثُ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُضَافَةٌ إلَى الزَّوْجِ ، وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ مِنْهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرِدَّتُهَا بَعْدَ الْبَتِّ تُسْقِطُ نَفَقَتُهَا لَا تَمْكِينُ ابْنِهِ ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا ، وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ الزَّوْجِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّمْكِينِ غَيْرَ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَافْتَرَقَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ ، وَعَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ ، وَهُوَ لَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ
الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ إلَخْ ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو اللَّيْثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ أَيْضًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمُبَانَةِ ) وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةُ إذْ لَا بَيْنُونَةَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ، وَلَهَا السُّكْنَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ طَلِّقْنِي إلَخْ ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الثَّلَاثِ عَلَى أَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً هِيَ تَمَامُ الثَّلَاثِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) لَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ هَذَا ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَسَبَهُ إلَى مُسْلِمٍ قَالَ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا عَلِمْت ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَدَمُ طَعْنِ السَّلَفِ فِيهِ ، وَعَدَمُ الِاضْطِرَابِ ، وَعَدَمُ مُعَارِضٍ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ ، وَالْمُتَحَقِّقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضِدُّ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور ا هـ ( قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا إلَخْ ) قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ رَبِّنَا وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا الْقِيَاسَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُجَّةً بِهِمَا إذْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ عَيْنَهُمَا لَذَكَرَهُمَا ا هـ شَرْحُ الْبَدَائِعِ لِلْهَدْيِ ( قَوْلُهُ صِيَانَةً لِمَائِهِ ) وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا
نَفَقَةَ ، وَلَا سُكْنَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ ) أَيْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا وَلَا نَفَقَةُ فِي مَالِ الزَّوْجِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا وَاجِبَةً فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِقَوْلِهِ { وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ } فَنُسِخَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ بِالْمِيرَاثِ ، وَبِقَوْلِهِ { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } فَأَوْجَبَ نَفَقَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَقَطَعَهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ هِلَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوْقَافِهِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَقِفُ الْأَرْضَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَفُقَرَاءِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إذَا قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي فَجَاءَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَدًا فَقِيرًا كَانَ مَخْلُوقًا فِي الْبَطْنِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يُوصَفُ بِالْفَقْرِ ، وَإِنَّمَا الْفَقِيرُ مَنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُحْتَاجُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْوَلَدَ فِي بَطْنِهَا مُحْتَاجًا إلَى شَيْءٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ ) وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ ، وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالنَّفَقَةِ احْتِرَازًا عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ
بِمَعْصِيَتِهَا فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَوَاجِبَةٌ لَهَا فَيَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ ا هـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَإِنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَالرِّدَّةِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ا هـ فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ظَاهِرُهُ نَفْيُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ وُجُوبِ السُّكْنَى ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَيْ لَا تَسْتَحِقُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَهُوَ النَّفَقَةُ ، وَوَجْهُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَاهِرٌ ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلَا مُخَالَفَةَ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَلَهَا السُّكْنَى ا هـ قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ ) قَالَ الرَّازِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِلَا مَعْصِيَةٍ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ ، وَذَا لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا ) لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ ، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِحَقٍّ عَلَيْهَا ، وَالْحَبْسُ لِحَقٍّ عَلَيْهَا مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ كَالْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إلَخْ ) وَلَوْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ا هـ مُسْتَصْفَى قَالَ الرَّازِيّ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا
أَوْ ارْتَدَّتْ فَحُبِسَتْ أَوْ لَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فَجَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ ) حَتَّى قَالُوا إذَا ارْتَدَّتْ وَلَمْ تُحْبَسْ بَعْدُ فَلَهَا النَّفَقَةُ ا هـ مُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ) أَيْ وَهُوَ الْحَبْسُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَخْ ) لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلرِّدَّةِ هُنَا فِي التَّفْرِيقِ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ ) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ فَلَأَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَ { السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } أَوْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ بِمَا تَلَوْنَا ، وَهُوَ نَفَقَةٌ لِلْوَلَدِ ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ لِمَا تَلَوْنَا وَتَقْيِيدُهُ بِالطِّفْلِ وَالْفَقِيرِ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِهَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا أَوْ كَبِيرًا ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَالْبَالِغَ إذَا كَانَ ذَكَرًا ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ لِتُرْضِعَ ) أَيْ لَا تُجْبَرُ أُمُّ الصَّغِيرِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ ، وَالْإِرْضَاعَ نَفَقَةٌ لَهُ فَكَانَ عَلَى الْأَبِ ، وَرُبَّمَا تَعْجِزُ عَنْ إرْضَاعِهِ ، وَامْتِنَاعُهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ غَالِبًا ، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فَإِلْزَامُهَا إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إضْرَارًا بِهَا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } ، وَتُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ كَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْخَبْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً ، وَلَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ النِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا غَيْرُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ
أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَتِهِ ، وَيُحْمَلُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَا إذَا طَلَّقَهَا ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا ) أَيْ يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تَرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَالْحَضَانَةَ لَهَا ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ تُرْضِعُهُ ، وَتَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَحْمِلُ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَيْهِ أَوْ تُرْضِعُهُ فِي فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تَدْخُلُ بِهِ الدَّارَ إلَى أُمِّهِ هَذَا إذَا كَانَ يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ ، وَكَانَ الْوَلَدُ يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ ضَيَاعِهِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ، وَقَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ شَرِيفَةً ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً ) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أُمِّ الصَّبِيِّ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَوْ فِي عِدَّتِهِ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } الْآيَةَ ، وَهُوَ أَمَرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ ، وَهُوَ آكَدُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْكَنْسِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَعُذِرَتْ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَلَا تُعْذَرُ ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ ، وَالْأَوَّلُ
رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا ، وَالشَّهَادَةُ لَهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً ) أَيْ الْأُمُّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا ، وَلَا هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتَرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تَرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ ، وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ، وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا ، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالْأَبَوَيْنِ ، وَلِهَذَا
يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ ، وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ قَالَ الْكَمَالُ وَأَطْلَقَهُ فَعَمَّ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ حَتَّى إذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَطْ فَلِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا يُعْطِي مِنْهُ أَجْرَ رَضَاعِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُحْتَبِسَةٌ لِغَرَضٍ آخَرَ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً ، أَمَّا الْوَلَدُ فَنَفَقَتُهُ لِلْحَاجَةِ وَبِغِنَاهُ انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً ) وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَسْتَأْجِرُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا ) أَيْ إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ) وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ يُسَبِّبُ تَمْرِيضَهُ وَمَوْتَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا أُمَّهُ ) أَيْ لَا تُسْتَأْجَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ ) وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا ) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا لَمْ تَجُزْ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ ) صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ فَتْحٌ ، وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ كَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْخُلَاصَةِ فِي الْإِجَارَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ
وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الرَّحِمِ اللَّاتِي لَهُنَّ حَضَانَتُهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ خِدْمَتُهُ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَى أَبِي الْوَلَدِ ، وَاسْتِئْجَارُ خَادِمِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَمَا جَازَ فِي الْأُمِّ جَازَ فِي خَادِمِهَا ، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ فِي خَادِمِهَا ، وَكَذَا مُدَبَّرَتُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَتَهَا جَازَ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ إلَخْ ) يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَبٍ ، وَالْجَدُّ لِأُمٍّ ، وَإِنْ عَلَوَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وُجِدَ أَنَّهُ ) يَدْخُلُ فِيهِ جَدَّاتُهُ لِأَبِيهِ ، وَجَدَّاتُهُ لِأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَوْ فُقَرَاءَ ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ نَفَقَةٌ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ ا هـ مُحِيطِ ( قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ ) أَيْ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي اتِّكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ تَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْأَبِ إذَا كَانَ كَسُوبًا ا هـ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ا هـ }
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ ) أَيْ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِسَبَبِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ دُونَ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادِ فَلِمَا تَلَوْنَا ، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ ، وَلَا يُجْبَرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ ، وَلَا تُسْتَحَقُّ الصِّلَةُ لِلْحَرْبِيِّ لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَادٌ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } بِخِلَافِ الْعِتْقِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ وَارِثًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ } مُطْلَقًا ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ ، وَمَعَ اتِّحَادِ الدِّينِ آكَدُ ، وَدَوَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ أَشَدُّ فِي الْقَطِيعَةِ مِنْ حِرْمَانِ النَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ ، وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادَةِ ) مِثْلُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا ) وَأَمَّا الْوَلَدُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ ا هـ رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ وَأَبُوهُ كَافِرٌ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ إسْلَامَهُ وَارْتِدَادَهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا أَوْ اُعْتُبِرَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ ا هـ قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَصْلُ الْعِلَّةِ ) أَيْ ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَفِي النَّفَقَةِ الْعِلَّةُ ) أَيْ هِيَ الْقَرَابَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثِّنْتَيْنِ ) أَيْ هُمَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَالْإِرْثُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ أَحَدٌ ) أَمَّا الْأَبَوَانِ فَإِنَّ لَهُمَا تَأْوِيلًا فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمَا فِي مَالِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَصَارَ أَوْلَى بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ ، وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ أَوْ اعْتِبَارُ التَّأْوِيلِ فِي مَالِ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ فَلِمَا تَلَوْنَا ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَرَوَى الْخَصَّافُ وَالْحَسَنُ أَنَّ الْوَلَدَ الْبَالِغَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْأَبَ يَخْتَصُّ بِالْوِلَايَةِ فِي الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا ) يَعْنِي تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِصِغَرِهِ أَوْ لِأُنُوثَتِهِ أَوْ لِعَمًى أَوْ لِزَمَانَةٍ ، وَكَانَ هُوَ مُوسِرًا لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ ، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِالْيَسَارِ ، وَيَجِبُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فَجَعَلَ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِرْثُ فَيَتَقَدَّرُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِهِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمَا ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ
مُعْسِرًا فَهُوَ عَاجِزٌ ، وَلَا تَجِبُ هَذِهِ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ فَقِيرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ نَحْوَهُ تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالِابْنُ فَقِيرٌ زَمِنٌ وَنَحْوُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ عَاجِزًا ، وَالِابْنُ فَقِيرٌ كَسُوبٌ يُنْفِقُ عَلَى الْأَبِ فَضْلَ كَسْبِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ ، وَيُجْبَرُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالْكَسْبِ ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَسُوبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ كَسُوبٍ آخَرَ ، وَيُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِ أَبِيهِ الصِّغَارِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ كَالْمَيِّتِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ إخْوَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ، وَفِيهِ أَنَّ الِابْنَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ امْرَأَةِ أَبِيهِ ذَكَرَهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ نَفَقَةَ خَادِمِ الْأَبِ لَا تَجِبُ عَلَى الِابْنِ إلَّا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ، وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ ، وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ، وَقَالُوا
الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِنَفَقَتِهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الِابْنُ غَائِبًا وَالْأَبُ فَقِيرٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ لِلنَّفَقَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ زَالَتْ بِبُلُوغِ الْوَلَدِ رَشِيدًا إلَّا فِيمَا يَبِيعُهُ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ ، وَلَيْسَ فِي بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِينٌ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ حَالَ حَضْرَتِهِ ، وَلَا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ فَصَارَ كَالْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ مُسْتَحَقِّي النَّفَقَةِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَهُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ كَالْوَصِيِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَتِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ ، وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَيْعُهُ مِنْ الْحِفْظِ إذَا بَاعَ الْعُرُوضَ صَارَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِهِ ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ حَضْرَتِهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحِفْظِ لَهُ لَا لِلْأَبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَةَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ ) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ مُودَعُ الْغَائِبِ عَلَى أَبَوَيْ الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودَعُ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا
نِيَابَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِيهِ حَقًّا ، وَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَازُ الْأَخْذِ لَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ كَالْمُودَعِ يَقْضِي الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ ثُمَّ إذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِهِ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مِلْكُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَادِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ فَبَاعُوا قُمَاشَهُ وَعُدَّتَهُ وَجَهَّزُوهُ بِثَمَنِهِ وَرَدُّوا الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَرَثَةِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا ، وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ حَجُّوا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ فَبَاعُوهُ فَلَمَّا وَصَلُوا إلَى مُحَمَّدٍ سَأَلَهُمْ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ { وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا ) أَيْ لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ عِنْدَ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَقَدْ وَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عَنْ الْمَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا لِلِاحْتِبَاسِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَلِهَذَا
لَوْ سَرَقَتْ النَّفَقَةَ الْمُعَجَّلَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ تُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهَا ، وَبِعَكْسِهِ لَوْ بَقِيَتْ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فِي مُدَّةٍ بَعْدَ الْمُدَّةِ يُفْرَضُ لِلزَّوْجَاتِ ، وَلَا يُفْرَضُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَعَنْ هَذَا إذَا أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمُدَّةِ يَسْتَرِدُّ فِي الزَّوْجَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ دُونَ الْأَقَارِبِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا فَقَدَّرُوا الْفَاضِلَ بِالشَّهْرِ ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي نَفَقَةُ الصَّغِيرِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ ) لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَفِي زَكَاةِ الْجَامِعِ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَسَوَّى بَعْدَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَالزَّوْجَاتِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا قَصُرَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِمَمْلُوكِهِ ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِمَمْلُوكِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هُمْ إخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
{ كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَقَالَ أَنَسٌ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَّةُ وَصِيَّتِهِ ذَلِكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، وَهُوَ يُغَرْغِرُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَبَى فَفِي كَسْبِهِ وَإِلَّا أُمِرَ بِبَيْعِهِ ) أَيْ إنْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا بِبَقَاءِ الْمَمْلُوكِ حَيًّا ، وَبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ جَارِيَةً لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا أُمِرَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْإِبْطَالُ إلَى خُلْفٍ كَلَا إبْطَالٍ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لَا إلَى خُلْفٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُقَالُ لَهَا اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَيَكُونُ إبْطَالًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَلَا عَلَى بَيْعِهَا ، وَلَكِنْ يُعْنَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ يَبِيعَ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ ، وَعَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ، وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُعْنَى ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ ، وَالْأَصَحُّ
الْأَوَّلُ ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْهَا أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَصَّافِ وَفِي الْمُحِيطِ يُجْبَرُ صَاحِبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبَرْ لَتَضَرَّرَ شَرِيكُهُ بِهَلَاكِ الدَّابَّةِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنْ أَبَى مَوْلَاهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا اكْتَسَبَا ، وَأَكَلَا مِنْ كَسْبِهِمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ إذْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى يَدًا ، وَهَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْكَسْبِ ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الزَّمِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهِيَ تَجِبُ ) أَيْ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا مُوسِرِينَ فَنَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَفِي الْخَانِيَّةِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاقِعَاتٌ النَّاطِفِيِّ ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ ، وَاعْتُبِرَتْ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ فَرْعٌ قَالَ فِي النُّقَايَةِ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ بَالِغَةً وَالِابْنِ زَمِنًا عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً بِهِ يُفْتَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ) أَيْ وَهُوَ مَا فِي الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ لِزَمَانَةٍ ) زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ ، وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا ، وَالْقَوْمُ زَمْنَى مِثْلُ مَرْضَى ، وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمِنٌ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ يُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ مُحْتَاجًا وَالِابْنُ مُوسِرًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ كَسُوبًا ، وَالِابْنُ أَيْضًا كَسُوبًا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْكَسْبِ وَنَفَقَةِ الْأَبِ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ ، وَاعْتَبَرَهُ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي كَسْبِ قَرِيبِهِ ، وَلَا عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ إذَا كَانَ هُوَ كَسُوبًا ، وَفِي فَتَاوَى الْخُلَاصَةِ ، وَفِي الْأَصْلِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ مُعْسِرَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَى
أَحَدِهِمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِلْمُحِيطِ وَلِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِشَرَفِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ ، وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْيَسَارُ هُنَا مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ ) وَهُوَ نِصَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَهُوَ مِلْكُ مَا يَبْلُغُ مِائَتِي دِرْهَمٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ ) أَيْ الْبَالِغِ الْغَائِبِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ إلَخْ ) وَهَذَا إذَا كَانَ الِابْنُ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا جَازَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ ، وَيَأْخُذَ النَّفَقَةَ مِنْهُ ، وَهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَا يُفْرَضُ لِلزَّوْجَةِ بِشَيْءٍ ) يَعْنِي حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ تِلْكَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ ) وَيَسْتَدِينُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْمُسْتَدِينُ عَلَى الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكُونُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مُسْقِطًا لِمَا اسْتَدَانَ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ
الْهِدَايَةِ ، وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ ، وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدَانَةٍ لَا يَكُونُ مُحْصِنًا لَهَا مِنْ السُّقُوطِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا السِّغْنَاقِيُّ ا هـ طَرْسُوسِيٌّ ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي إلَخْ ) وَاسْتَدَانُوا حَتَّى احْتَاجُوا إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدِينُوا بَلْ أَكَلُوا مِنْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا ، وَإِلَى هَذَا مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَنَصَرُوهُ وَقَيَّدُوا إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ بِهِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ) وَالْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَأْكُلُونَ وَتَلْبَسُونَ فَإِذَا أَلْبَسَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ ، وَهُوَ يَلْبَسُ مِنْهُمَا الْفَائِقَ كَفَى بِخِلَافِ إلْبَاسِهِ نَحْوَ الْجُوَالِقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَتَوَارَثْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُلْبِسُونَهُمْ مِثْلَهُمْ إلَّا عَنْ الْإِفْرَادِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا ) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِصِنَاعَةِ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمَعْنَى الْبِنَاءِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ جَارِيَةٌ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً لَا يُؤَاجَرُ مِثْلُهَا بِأَنْ كَانَتْ حَسَنَةً يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ الْفِتْنَةُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْإِجْبَارَ نَوْعُ قَضَاءٍ ،
وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ ، وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ ، وَلَيْسَ فَلَيْسَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ ) كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ دَعْوَى حِسْبَةً فَيُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ ، وَلَا بِدْعَ فِيهِ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي ، وَبِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ ، وَكَذَا النَّخْلُ وَالزَّرْعُ ، وَالْمُودَعُ وَالْمُلْتَقِطُ إذَا أَنْفَقَا عَلَى الْوَدِيعَةِ وَاللُّقَطَةِ ، وَالدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا كَانَ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ فَرْعٌ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مَالِكًا كَانَ أَوْ لَا مِثَالُهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ ، وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ ، وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ ، وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ ، وَمِثْلُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْجَارِيَةُ ، وَمِثْلُهُ أَوْصَى بِدَارٍ لِرَجُلٍ ، وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى السُّكْنَى لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَإِنْ انْهَدَمَتْ فَقَالَ صَاحِبُ السُّكْنَى أَنَا أَبْنِيهَا وَأَسْكُنُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَصَاحِبِ الْعُلْوِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ السُّفْلُ وَامْتَنَعَ صَاحِبُهُ مِنْ بِنَائِهِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَهُ وَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْهُ حَتَّى يُعْطَى مَا غَرِمَ فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ، وَكَذَا لَوْ
أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِثَمَرِهَا لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا ، وَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِثَجِيرِهِ لِآخَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا لِأَنَّ الْكَسْبَ يُبَاعُ لِعَلْفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا أَقُولُ فِيمَا عَنْ مُحَمَّدٍ ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا ، وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدُ وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ قِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ا هـ فَتْحٌ
( كِتَابُ الْإِعْتَاقِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ بِهِ يَصِيرُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى صَارَ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ ، وَعَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَغْيَارِ ، وَعَلَى دَفْعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ وَإِزَالَةِ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ ، وَالْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ مُطْلَقًا ، وَعَتَاقُ الطَّيْرِ جَوَارِحُهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ الْقُوَّةِ ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ ، وَطَارَ مِنْ وَكْرِهِ ، وَالْحُرِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْخُلُوصِ لُغَةً يُقَالُ أَرْضٌ حُرَّةٌ لَا خَرَاجَ فِيهَا ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوصٍ حُكْمِيٍّ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ يُسَمَّى إعْتَاقًا وَتَحْرِيرًا ، وَهُوَ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ ، وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ ، وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ } قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ ، وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِمَمْلُوكِهِ بِأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ ، وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَمُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقْتُك نَوَاهُ أَوْ لَا ) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ بِقَوْلِهِ لِمَمْلُوكِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَتَى بَدَلُ قَوْلِهِ أَنْتَ
مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَقَوْلِهِ وَجْهُك حُرٌّ أَوْ رَأْسُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ عُنُقُك أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك نَوَى الْعِتْقَ بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُكَلَّفًا ، وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمِلْكِ ، وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ الْأَهْلِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا أَوْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِمَا فَصَارَ حَالُهُمَا مُنَافِيًا ، وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَاهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ بِأَنْ قَالَا أَعْتَقْته ، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ ، وَجُنُونُهُ مَعْهُودٌ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَا إذَا قَالَ فِي حَالِ صَبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ إذَا بَلَغْت أَوْ أَفَقْت فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ رَأْسُك حُرٌّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ يَقَعُ فِي جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا ، وَقَالَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ لِاخْتِصَاصِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ يُدَيَّنُ ، وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يُدَيَّنُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِلَا مِلْكٍ وَلَا رِقٍّ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى )
أَيْ بِقَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك عَتَقَ إنْ نَوَى لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُحْتَمَلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ ، وَانْتِفَاءُ السَّبِيلِ يَحْتَمِلُ بِالْعِتْقِ وَبِالْإِرْضَاءِ حَتَّى لَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ فِي اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ فَصَارَ مُجْمَلًا ، وَالْمُجْمَلُ لَا يَتَعَيَّنُ بَعْضُ وُجُوهِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ ، وَنَفْيُهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ ، وَلَئِنْ احْتَمَلَ زَوَالُ الْيَدِ بِالْعِتْقِ فَهُوَ مُحْتَمَلُ الْمُحْتَمَلِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ نَفْيِ السَّبِيلِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَسْتَدْعِي الْعِتْقَ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فَنِيَ عُمْرِي ، وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَكَذَلِكَ كِنَايَاتُ الْعِتْقِ مِثْلُ قَوْلِهِ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي ، وَخَلَّيْت سَبِيلَك ، وَلَوْ قَالَ أَطْلَقْتُك ، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتَ بَائِنٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ هُوَ يَقُولُ إنَّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ اتِّصَالًا مِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِسْقَاطِ الْمِلْكِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالطَّلَاقُ رَفْعُ الْقَيْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَالْجَمَادِ ، وَبِالْعِتْقِ يَحْيَا فَيَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالْمَرْأَةُ قَادِرَةٌ بَعْدَ التَّزَوُّجِ عَلَى حَالِهَا غَيْرَ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْبُرُوزِ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ النِّكَاحِ فَإِذَا طَلَّقَهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ بَلْ يَرْتَفِعُ عَنْهَا الْمَانِعُ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْقُوَّةِ أَقْوَى مِنْ إزَالَةِ الْمَانِعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يُسْتَعَارَ الْأَضْعَفُ لِلْأَقْوَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تُزِيلُهُمَا ، وَأَلْفَاظُ الطَّلَاقِ لَا تُزِيلُ إلَّا مِلْكَ الْمُتْعَةِ فَالْمَوْضُوعُ لِلْأَضْعَفِ لَا يَجُوزُ اسْتِعَارَتُهُ لِلْأَقْوَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَجَازِ أَنْ لَا يَكُونَ عَمَلُ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ الْمَجَازِ أَقْوَى مِنْ عَمَلِهِ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ أَطْلَقْتُك لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْيِيبِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك ، وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ .
( كِتَابُ الْإِعْتَاقِ ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّلَاقَ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ ذُلِّ رِقِّ الْمُتْعَةِ ، وَالْإِعْتَاقُ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ ذُلِّ مِلْكِ الرَّقَبَةِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعِتْقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قُدِّمَ لِمُنَاسِبَةِ النِّكَاحِ ، ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ ا هـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتْقًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً بِفَتْحِ الْأَوَائِلِ ، وَالْعِتْقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ فَهُوَ عَاتِقٌ ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَعْتَقْته فَهُوَ مُعْتَقٌ عَلَى قِيَاسِ الْبَابِ ، وَلَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ فَلَا يُقَالُ عَتَقْته ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَارِعِ لَا يُقَالُ عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَهُوَ ثُلَاثِيٌّ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ ، وَلَا أَعْتَقَ هُوَ بِالْأَلِفِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ بَلْ الثُّلَاثِيُّ لَازِمٌ ، وَالرُّبَاعِيُّ مُتَعَدٍّ وَلَا يَجُوزُ عَبْدٌ مَعْتُوقٌ لِأَنَّ مَجِيءَ مَفْعُولٍ مِنْ أَفَعَلْته شَاذٌّ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ عَتِيقٌ فَعِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، وَجَمْعُهُ عُتَقَاءُ مِثْلُ كُرَمَاءُ ، وَرُبَّمَا قِيلَ عَتَاقٌ مِثْلُ كِرَامٍ ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ أَيْضًا بِغَيْرِ هَاءٍ ، وَبِمَا ثَبَتَتْ فَقِيلَ عَتِيقَةٌ ، وَجَمْعُهَا عَتَائِقُ ا هـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْكَسْرِ لَيْسَ مَصْدَرًا ، وَفِي الصِّحَاحِ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بِالْكَسْرِ عَتْقًا ، وَعَتَاقًا ، وَعَتَاقَةً ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عَتْقًا ، وَعِتْقًا ، وَعَتَاقًا ، وَعَتَاقَةً ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ الْإِعْتَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ،
وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ بِهَا يَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ ، وَالْوِلَايَاتِ عِنْدَهُمَا ، وَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً إلَخْ ) يُقَالُ أَعْتَقَ رَقَبَةً إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ، وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ مِلْكَ الصَّاحِبِ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْلِ فِي رَقَبَتِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ الْحَبْلَ مِنْ رَقَبَتِهِ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْعُنُقُ فَجُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْإِنْسَانِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ذَنْبُهُ فِي رَقَبَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ خَصَّ الْأَمَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَعْتِقُ كَالْأَمَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْعِتْقَ لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَرْجِ مَعَ الرِّقِّ يَجْتَمِعَانِ ، وَفِي لِسَانُك حُرٌّ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ لِسَانُ الْقَوْمِ ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ عَتَقَتْ ، وَفِي الدُّبُرِ وَالْإِسْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ ، وَفِي الْعُنُقِ رِوَايَتَانِ ، وَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي ذَكَرُك حُرٌّ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ هُوَ ذَكَرٌ مِنْ الذُّكُورِ ، وَفُلَانٌ فَحْلٌ ذَكَرٌ ، وَهُوَ ذَكَرُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ لَا مِلْكَ لَهُ ) عَنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ لِلْعَبْدِ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَا أَعْتَقْته ، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ ) أَوْ نَائِمٌ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ ) أَيْ لَا أَسْتَعْمِلُهُ فِي عَمَلٍ مَا ا هـ وَقَالَ فِي
تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ ، وَسَمَّى عَمَلًا مُعَيَّنًا أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا جَعَلَهُ حُرًّا فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ أَوْ جَعَلَهُ حُرًّا عَنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ يَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْبَعْضَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِلَا مِلْكٍ إلَخْ ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْكِنَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي الْكِنَايَاتِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْتَمِلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ ) يَعْنِي لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنِّي بِعْتُك أَوْ لِأَنِّي كَاتَبْتُك أَوْ لِأَنِّي أَعْتَقْتُك فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِيَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ مُجْمَلًا ) أَيْ مُحْتَمَلًا ، وَالْمُحْتَمَلُ إلَخْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ، وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ ، وَقَالَ فِي الْهَارُونِيِّ يَعْتِقُ إذَا نَوَى ا هـ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يَعْتِقُ ، وَإِنْ نَوَى كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زَوَالَ الْيَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ ) وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا مِنْ حَيْثُ الْمُطَالَبَةُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَيْ بِهَذِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي ، وَهَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ ) أَيْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ يَقَعُ الْعِتْقُ أَمَّا قَوْلُهُ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ ، وَقَدْ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهِ ، وَالنِّدَاءُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَيَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْوَصْفِ فِيهِ إذَا أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ مِنْ الْفَرْقِ إلَّا إذَا كَانَ اسْمُهُ حُرًّا فَنَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا إثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي حَتَّى لَوْ نَادَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ كَعَتِيقٍ ، وازاد عَتَقَ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُغَيَّرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ فُلَانَ اسْمَ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ النَّاصِرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } وَابْنَ الْعَمِّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا { وَإِنِّي خِفْت الْمَوَالِيَ } وَالْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ ، وَالْمَوْلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لَكِنَّ الْأَسْفَلَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ لِاسْتِحَالَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً ، وَلَهُ نَسَبَ مَعْرُوفٌ ، وَالْمُوَالَاةُ نَوْعُ مَجَازٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَدْنَى ضَرُورَةً تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ، وَاسْتَوَى فِيهِ الْخَبَرُ وَالنِّدَاءُ وَالْإِنْشَاءُ كَالصَّرِيحِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ مَوْلَاتِي أَوْ يَا مَوْلَاتِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْمُوَالَاةَ فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً لِكَوْنِهِ خِلَافَ
الظَّاهِرِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ عَادَةً لَا التَّحْقِيقُ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي قُلْنَا الْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَا أَمْكَنَ ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ ، وَقَدْ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا مَالِكِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَقْتَضِي إعْتَاقَهُ إيَّاهُ ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَالَ فِي الْكَافِي يَعْتِقُ إذَا قَالَ يَا سَيِّدِي ، وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي فُلَانَ وِلَايَةَ الدَّعْوَةِ لَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ لِمِثْلِهِمَا يُولَدُ ذَلِكَ ، وَإِذَا ثَبَتَ عَتَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ النَّسَبُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فِي الْوَلَدِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلِقَ حُرًّا إذَا كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتِيقٌ مِنْ وَقْتِ مِلْكِهِ ، وَكَذَا فِي غَيْرِ الِابْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ مِثْلُهُ لِمِثْلِهَا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ ، وَيَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ التَّحْرِيرِ لِكَوْنِهِ مِنْ لَوَازِمِهِ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِيهِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ وَالْأُبُوَّةَ سَبَبٌ لِحُرِّيَّةِ الْمَمْلُوكِ ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ أَوْ مِثْلُ الْمُدَّعِي لِمِثْلِهِمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَيُرَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ، وَقَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا بِحَقِيقَتِهِ لِكَوْنِهِ إخْبَارًا عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ فَيُصَارُ إلَيْهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِاسْتِحَالَةِ أَكْلِهَا ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا ، وَمِنْ
شَرْطِهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الِاحْتِمَالِ ثُمَّ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ لِعَارِضٍ فَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ مَجَازًا كَمَا لَوْ كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ ، مُسْتَحِيلٍ بِأَنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ، وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَثَبَتَ مِنْهُ فَيَخْلُفُهُ لَوَازِمُهُ ، وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ ، وَعِنْدَهُ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ بِمَعْنَى أَنَّ التَّكَلُّمَ بِكَلَامٍ وَإِرَادَةَ ، مَا وُضِعَ لَهُ أَصْلٌ ، وَالتَّكَلُّمَ ، بِذَلِكَ الْكَلَامِ ، وَإِرَادَةَ ، غَيْرِهِ مَجَازٌ خَلَفٌ عَنْ الْأَصْلِ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ - وَهُوَ الْمُتَكَلَّمُ بِهِ - صَالِحًا ، بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا حَتَّى يَكُونَ عَامِلًا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ الَّذِي يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ ، وَلَا مَعْنًى ، لِمَا قَالَا لِأَنَّ الْمَجَازَ مَأْخُوذٌ مِنْ جَاز زَيْدٌ يَجُوزُ إذَا انْتَقَلَ ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ أَوْصَافِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ اللَّفْظَ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِلُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَمَّا الْمَعَانِي فَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا حَتَّى يُجْعَلَ مَجَازًا خَلَفًا عَنْ الْحَقِيقَةِ ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ : هَذَا حُرٌّ أَوْ حِمَارٌ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ هَذَا الْجِدَارُ فَعَبْدُهُ يَعْتِقُ ، وَتَلْزَمُهُ الْأَلْفُ لِصِحَّةِ التَّكَلُّمِ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ وَالدَّيْنِ فِي مُطْلَقِ أَحَدِهِمَا خِلَافًا لَهُمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ ، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا ابْنِي قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا
بِوَاسِطَةٍ ، وَهُوَ الْأَبُ ، وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ بِكَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجِبِ بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى ، وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي النِّكَاحِ ، وَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا أَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِحَّةَ الْمَجَازِ تَعْتَمِدُ صِحَّةَ التَّكَلُّمِ بِهِ عِنْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ، وَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ ) أَيْ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا ابْنِي وَيَا أَخِي ، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك إلَى آخِرِهِ أَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ يَا ابْنِي فَلِأَنَّ ، النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى ، وَاسْتِحْضَارُهُ ، مَوْصُوفًا بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ ثَبَتَ تَصْدِيقًا لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِتَعَذُّرِ الْبُنُوَّةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي إذْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَائِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ يَا أَخِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِوَاسِطَةٍ ، وَتِلْكَ لَمْ تَثْبُتْ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا ابْنُ أَوْ يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ ، وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الِابْنِ مُكَبَّرًا أَوْ مُصَغَّرًا ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ هُوَ ابْنُ أَبِيهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَادًى بِأَنْ قَالَ هَذَا ابْنٌ لَمْ يَعْتِقْ لِمَا ذَكَرْنَا فَمَعَ النِّدَاءِ أَوْلَى ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك فَلِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الْحُجَّةُ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى : { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أَيْ بِحُجَّةٍ ، وَيُذْكَرُ ، وَيُرَادُ بِهِ الْيَدُ وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَلَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ نَوَى فَكَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ صَارَ نَفْيُهُ تَعَرُّضًا لِنَفْيِ الْيَدِ وَالْحُجَّةِ لَا الْمِلْكِ ، وَالْيَدُ تَنْتَفِي بِالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ ، وَلَوْ عَتَقَ بِهِ لَزَالَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْتِفَاءَ الْمِلْكِ ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى فَلَا يَعْتِقُ ، وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ لِلْمَوْلَى سَبِيلًا عَلَى مَمْلُوكِهِ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَنَفْيُهُ مُطْلَقًا يُفِيدُ نَفْيَ الْمِلْكِ ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ وَعَتَقَ ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ ، وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَأَمَّا أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، وَذَكَرْنَا فِيهِ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً ، وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً فَلَا يَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَتَقَ بِمَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ ) أَيْ عَتَقَ بِقَوْلِهِ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ فَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ ، وَلَوْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ كَافِ التَّشْبِيهِ ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي
الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَلَوْ وَصَفَهُ وَلَمْ يُضِفْ فَقَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ ، وَبَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ ، وَالرَّأْسُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجُمْلَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَاتُك ذَاتُ حُرٍّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمِلْكِ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ) يَعْنِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِتَمَلُّكِ قَرِيبِهِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا الْوِلَادُ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى الصِّلَاتِ فَيُنَاطُ بِأَقْرَبِ الْقَرَابَاتِ ، وَهُوَ الْوِلَادُ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ ، وَغَيْرُ الْوِلَادِ مُلْحَقٌ بِالْأَجَانِبِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَوَضْعِ الزَّكَاةِ وَالشَّهَادَاتِ وَحِلِّ الْحَلِيلَةِ وَامْتِنَاعِ التَّكَاتُبِ عَلَيْهِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهَا بِالْوِلَادِ قِيَاسًا أَوْ اسْتِدْلَالًا لِنُزُولِهَا عَنْ قَرَابَةِ الْوِلَادِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَغَيْرُهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي حُرْمَةِ الْقَطْعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا حَرُمَ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ صِيَانَةً لِلْقَرِيبِ عَنْ ذُلِّ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالِاسْتِفْرَاشِ قَهْرًا فَيُؤَدَّى إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ صِيَانَةً ، وَلِلصِّيَانَةِ عَنْ الْقَطْعِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ } أَشَارَ إلَى الْمُنَافَرَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الضَّرَائِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } أَيْ اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصَوْهُ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَرْحَامَ هِيَ الَّتِي تَجِبُ صِيَانَتُهَا وَوَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا فَكُلُّ مَا كَانَ الذُّلُّ فِيهِ أَقْوَى فَالْقَطِيعَةُ فِيهِ أَشَدُّ فَكَانَتْ الصِّيَانَةُ عَنْهُ أَوْجَبَ وَالتَّعْلِيلُ بِالْوِلَادِ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِغَيْرِهِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنَّمَا لَا يَتَكَاتَبُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ، وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ ، وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً ، وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ يَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ فَلِهَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْوِلَادِ عَلَى الْكَسُوبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ فَكَذَا التَّكَاتُبُ عَلَى أَنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَا تُوجِبُ تَفَاوُتًا فِي الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَيْضًا تَتَفَاوَتُ أَحْكَامُهُمْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ كَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ حَتَّى لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ ، وَيَقْتُلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَكَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ، وَعَلَى الْكَسُوبِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبَاءِ دُونَ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ ثُمَّ لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي عَدَمِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ فَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ ، وَلَوْ مَلَكَ الْحَرْبِيُّ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِيهَا لَمْ يَعْتِقْ ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُسْلِمُ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا ، وَيَعْتِقُ عِنْدَهُ ، هُوَ يَقُولُ إنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ فَيَمْلِكُ إزَالَتَهُ بِالْعِتْقِ ، وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهُ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ ، وَلَوْ طَرَأَ
الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَرْبِيِّ أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ فَالْمُقَارِنُ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْحُرِّيَّةَ حَتَّى لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَأَزَالَ يَدَهُ عَنْهُ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرِقَّ بِيَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاسْتِرْقَاقِ بِالِاسْتِيلَاءِ .
( قَوْلُهُ وازاد ) مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيِّ يَا حُرُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَسْفَلُ ) أَيْ فِي الْعَتَاقَةِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ ) هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا كَذَا فِي التُّحْفَةِ ، وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْعُيُونِ قَالَ لَا يَعْتِقُ بِالنِّدَاءِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ يَا مَوْلَايَ ، وَيَا حُرُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ ) وَبِقَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي ) أَفَادَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلْعِتْقِ عَتَقَ ، وَهَكَذَا فِي يَا سَيِّدَتِي ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَعْتِقُ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَتَقَ فِي يَا سَيِّدِي لَا فِي سَيِّدَتِي ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِيهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبُهُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِثْلُهُ فِي السِّنِّ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِمِثْلِ الْمُدَّعِي فِي السِّنِّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَا الْمُشَاكَلَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا ، وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدُ حَالِكٌ أَوْ بِالْقَلْبِ وَسِنُّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ ابْنَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ لِمِثْلِهِمَا ) أَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا بِيَا ابْنِي ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ فَإِنْ كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ تَضَمَّنَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ الْوَصْفِ تَحْقِيقًا لَهُ كَمَا سَلَفَ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ إلَّا تَبَعًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ
الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيَعْتِقُ ا هـ قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ إذَا قَالَ يَا ابْنِي يَا بِنْتِي يَا أَبِي فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى لِأَنَّ النِّدَاءَ لَا يُرَادُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى إلَّا إذَا ذَكَرَ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يَا مَوْلَايَ يَعْتِقُ لِأَنَّ فِي الْمَوْضُوعِ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى ، وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا خَالِي يَا عَمِّي أَوْ قَالَ يَا أَبِي يَا جَدِّي أَوْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي أَوْ يَا خَالَتِي أَوْ يَا أُخْتِي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّدَاءِ هُوَ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى لَكِنَّ الِاسْتِحْضَارَ إذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى وَصْفٍ يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادَى كَانَ اسْتِحْضَارًا لَهُ بِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ فَيَعْتِقُ إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا وَنَادَاهُ بِقَوْلِهِ يَا حُرُّ فَلَا يَعْتِقُ ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ بِلَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى وَصْفٍ لَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِنْ جِهَةِ الْمُنَادِي كَانَ النِّدَاءُ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ لَا لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ يَا ابْنِي لِأَنَّ الْمُخْتَلَقَ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ ابْنًا لِلْمُنَادِي بِالنِّدَاءِ بِلَفْظِ الِابْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْيَدُ بِهِ أَكْثَرُ ) لَعَلَّهُ وَأُرِيدَ بِهِ ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ) وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهَ النَّفَقَةَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ } إلَخْ ) فَالرَّحِمُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَرَابَةِ ، وَالْمَحْرَمُ عِبَارَةٌ عَنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ ا هـ رَازِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ وَبِكُرْهٍ وَسُكْرٍ ) أَيْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِسُكْرٍ بِأَنْ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ ، وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ بِالْمَالِ وَالْكِتَابَةِ مَشْرُوعَانِ ، وَإِنْ عَرِيَا عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا أَصْلُ الْعِتْقِ ، وَلَا يَخْتَلُّ بِهِ إزَالَةُ الرِّقِّ ، وَكَذَا عِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الرِّضَا ، وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ } وَالْهَازِلُ لَا يَرْضَى بِالْحُكْمِ ، وَلَا يُرِيدُهُ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ بِنِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ، وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِينَ خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ عُتَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى } ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ، وَذَكَرُوا لِلْعِتْقِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً مِنْهَا الْإِعْتَاقُ ،
وَمِنْهَا دَعْوَى النَّسَبِ ، وَمِنْهَا الِاسْتِيلَادُ ، وَمِنْهَا مِلْكُ الْقَرِيبِ ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ وَمِنْهَا إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ ثُمَّ مَلَكَهُ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَأَلْفَاظُ الْعِتْقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ ، وَالْإِعْتَاقُ عَلَى وُجُوهٍ مُرْسَلٌ ، وَمُعَلَّقٌ ، وَمُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى نَوْعَيْنِ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قُرْبَةٌ وَمَعْصِيَةٌ وَمُبَاحٌ كَالْعِتْقِ لِأَجْلِ إنْسَانٍ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ .قَوْلُهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ ، وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ مُكْرَهًا ) قَوْلُهُ مُكْرَهًا بِالنَّصْبِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَمِنْهَا زَوَالُ يَدِ الْكَافِرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً حَامِلًا عَتَقَتْ هِيَ وَحَمْلُهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقَ الْأُمَّ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَرَّرَهُ عَتَقَ فَقَطْ ) أَيْ إنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَتَقَ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأُمَّ لَمْ يُضَفْ إلَيْهَا الْإِعْتَاقُ ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا تَبَعًا لِلْحَمْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا يَعْتِقُ ، وَالْحَمْلُ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ ، وَلِهَذَا يَعْتِقُ تَبَعًا لِلْأُمِّ فَلَأَنْ يَعْتِقَ إذَا أَفْرَدَهُ أَوْلَى ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ شَرْطُ الْجَوَازِ ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِتْقِ ، وَلِهَذَا جَازَ عِتْقُ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ ، وَلِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَلَى تَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ حَيًّا لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ فَكَأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِكَوْنِهِ حَيًّا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ عَلَى مَالٍ بِأَنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأُمِّ صَحَّ الْعِتْقُ ، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ ، وَلَا عَلَى الْأُمِّ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقِ لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى أَمَتِهِ دَيْنٌ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ ، وَاشْتِرَاطُ الْعِوَض عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ لَا يَجُوزُ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْخُلْعِ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَرْأَةَ لَا يَسْتَفِيدَانِ بِالْعَقْدِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا
يَسْقُطُ عَنْهُمَا حَقُّ الْغَيْرِ ، وَمَعَ هَذَا جَازَ اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي فِي عَدَمِ حُصُولِ الْفَائِدَةِ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَيَثْبُتُ لَهُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَبْلُ فَإِنَّ نَفْسَهُ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمَوْلَاهُ فَكَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَسُلِّمَ الْمُعَوَّضُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ فِي بَطْنِهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ عِنْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا ، وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدُ الزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا ، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ هُوَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَالَدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ
وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً ، وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مِمَّا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَالْأَبَ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ لِلتَّعْرِيفِ ، وَالْأُمُّ لَا تُشْهَرُ ، وَخَيْرَهُمَا فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْمِلْكِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّقَّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَالْمِلْكُ هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ الشَّخْصُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَهُوَ حَقُّهُ ، وَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ ، وَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ دُونَ الرِّقِّ ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا لِأَنَّهُ حَقُّهُ ، وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ، وَيَتَبَيَّنُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَلَدِ الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الرِّقَّ وَالْمِلْكَ كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ ، وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَاءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَهَا بِمَا ذَكَرْنَا ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ
الْوَالِدُ بِهِ فَلِهَذَا قُلْنَا عَلِقَ حُرًّا فِي حَقِّهِ فَلَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا ) فَرْعٌ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَةِ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَلَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَعْتَقْتنِي قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَيَكُونُ حُرًّا تَبَعًا لِي ، وَقَالَ الْمَوْلَى أَعْتَقْتُك بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ ، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ، وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَامَّةُ النُّسَخِ هُنَا بِالتَّأْنِيثِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّذْكِيرِ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَلَدَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَكُونُ رَقِيقًا لِمَوْلَاهُ وَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا كَأَبِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ يَكُونُ حُرًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ أَمَةٍ مُدَبَّرَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدَبَّرًا تَبَعًا لِأُمِّهِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِالتَّأْنِيثِ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ ، وَقَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ حَيْثُ قَالَ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا كَوَلَدِ الْحُرَّةِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْخُلُ فِي تَدْبِيرِهَا لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا ، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا ا هـ قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ثَمَّ الْمُرَادُ الْوَلَدُ الَّذِي كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ
التَّدْبِيرِ أَوْ الْوَلَدُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أَمَّا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ قَبْلَهُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِهَا أَمَّا الَّذِي كَانَ حَمْلًا فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ ، وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَهُ فَفِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى ، وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وِلَادَتِهَا فَقَالَ وَلَدْتِيهِ ( قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ ، وَغَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ ) هُوَ تَمَكُّنُ الشَّخْصِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، وَهُوَ حَقُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الرِّقَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَرِقَّاءَ لِعَبِيدِهِ فَكَانَ سَبَبُ رِقِّهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ كُفْرَ أُصُولِهِمْ أَوْ الرِّقُّ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةٌ إلَى نَفْعِهِمْ ، وَإِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَالْمُلْكُ فِيهَا كَامِلٌ ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ ، وَلَا تَدْخُلُ الْمُكَاتَبَةُ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الْأَيْمَانِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَتَّى جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا ، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ ، وَقَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي بَابِ الظِّهَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ لِي ) وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ فِيهَا ا هـ .
( بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ ، وَسَعَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَعْتِقُ كُلُّهُ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ ، وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ ، وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَلَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ذَاتَ الْقَوْلِ ، وَهُوَ الْعِلَّةُ ، وَحُكْمَهُ ، وَهُوَ زَوَالُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّجْزِيءُ ، وَكَذَا الرِّقُّ لَا يَتَجَزَّى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ ، وَالْحُرِّيَّةُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ جَانِبَ الرِّقِّ فَجَعَلَهُ رَقِيقًا عَلَى مَا كَانَ ، وَقَالَ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْبَعْضِ الَّذِي أَعْتَقَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَعْضُ حُرًّا ، وَهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كُلُّهُ حُرًّا ، لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتَقَ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ } ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ كَالْإِعْلَامِ إثْبَاتُ الْعِلْمِ فَلَا يَتَجَزَّأُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ كُلِّفَ عِتْقَ بَقِيَّتِهِ } وَتَكْلِيفُ الْعِتْقِ فِي الْبَاقِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ فَإِذَا بَقِيَ فِيهِ بَقِيَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةُ عَدَمِ التَّجْزِيءِ ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إزَالَةُ الرِّقِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَامَّةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ إلَّا مَا هُوَ حَقُّهُ ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا وَرَاءَهُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِأَنَّ حَقَّهُ ، وَهُوَ الْمِلْكُ يَقْبَلُ
الْوَصْفَ بِالتَّجْزِيءِ كَمَا إذَا أَزَالَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَيَبْقَى الرِّقُّ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَتَقَ كُلُّهُ حَيْثُ يَزُولُ الرِّقُّ تَبَعًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الرِّقَّ كَانَ لِأَجْلِهِمْ فَإِذَا فَرَغَ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ زَالَ الرِّقُّ ضَرُورَةً ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا ، فَإِذَا بَقِيَ الْمِلْكُ فِي بَعْضِهِ فَلَا يَزُولُ الرِّقُّ لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّةِ الْبَعْضِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ يَمْنَعُهُ فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِجَعْلِهِ مُكَاتَبًا إذْ هُوَ مَالِكٌ يَدًا لَا رَقَبَةً ، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ كَالْمُكَاتَبِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْعَجْزِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ إلَّا التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ بِالْإِزَالَةِ ، وَكَذَا فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَجَازَ إزَالَتُهُ قَصْدًا ، وَلَا لَهُمَا حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ سُدُسُهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فِي الْكُلِّ لِمَا ذَكَرْنَا .
( بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ ) لَمَّا ذَكَرَ إعْتَاقَ الْكُلِّ شَرَعَ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ كَمَالُهُ ، وَنُقْصَانُهُ بِعَارِضٍ ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي الثَّانِي اخْتِلَافٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاخْتِلَافِ ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فَاسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ ، وَالثَّانِي قَلِيلٌ فَأَخَّرَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا كَرُبْعُك حُرٌّ ، وَنَحْوَهُ فَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك أَوْ شِقْصٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَقِيَاسُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَيَّنُ سُدُسُهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ مِنْ عَبْدِهِ فَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ ا هـ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ ) قَالَ الرَّازِيّ فِيمَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ عَلَى حَوَاشِي شَرْحِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ ، وَلَا بَعْضُهُ بَلْ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الشِّقْصِ ، وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ بِالسِّعَايَةِ ، وَلِهَذَا كَانَ رَقِيقًا فِي شَهَادَاتِهِ ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَمَا دَامَ يَسْعَى فَهُوَ مُكَاتَبٌ ، وَيَجِبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الْبَاقِي بِالِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الْإِعْتَاقِ فَإِذَا زَالَ كُلُّ مِلْكِهِ يَعْتِقُ حِينَئِذٍ كُلُّهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي غَيْرَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَهُنَا السَّبَبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَجَلٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ شَخْصَيْنِ فَانْتَقَلَ الْحَقُّ مِنْ السَّيِّدِ إلَى الْمُكَاتَبِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ ، وَالشَّيْءُ مَهْمَا بَقِيَ قُبِلَ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِذَا اضْمَحَلَّ فَلَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا يَعْتِقُ
كُلُّهُ ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ ا هـ كَافِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ ، وَقَالَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ ، وَالْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ ، وَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ تَصْوِيرُ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَنَا فَإِذَا أَعْتَقَ مِنْ الْعَبْدِ شِقْصَهُ ثَبَتَ الْعِتْقُ فِيهِ ، وَفِي عَامَّةِ الْأَشْقَاصِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ حُرًّا عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُعْتَقُ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ ، وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْجَهْلِ بِحَقِيقَةِ الْإِعْتَاقِ فَنَقُولُ يَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الرِّقِّ فَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّعْفِ يُقَالُ رَقَّ الشَّيْءُ إذَا ضَعُفَ وَخَفِيَ أَثَرُهُ وَرَقَّ الثَّوْبُ إذَا ضَعُفَ مِنْ طُولِ اللِّبْسِ ، وَثَوْبٌ رَقِيقٌ إذَا كَانَ ضَعِيفَ النَّسْجِ وَالتَّرْكِيبِ ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَعْفٍ حُكْمِيٍّ فِي الْآدَمِيِّ ، وَالْمُرَادُ مِنْ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ حَالٌ حُكْمِيَّةٌ فِي الْمَحَلِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَصِحُّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ ، وَإِيرَادُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ مُصَحِّحٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ فِي الْمَحَلِّ ، وَأَنَّهُ مَعْنًى وَرَاءَ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعْنًى يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ يُوجَدُ فِي الْمَحَلِّ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ ، وَقَبُولُ الْمَحَلِّ ثَابِتٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الرِّقُّ مَعْنًى وَرَاءَ الْمِلْكِ ضَرُورَةً ، وَالْعِتْقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ يُقَالُ عَتَقَ الْفَرْخُ إذَا قَوِيَ ، وَطَارَ عَنْ وَكْرِهِ ، وَمِنْهُ عَتَاقُ الطَّيْرِ ، وَهِيَ جَوَارِحُهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ الْقُوَّةِ ، وَالْخَمْرَةُ إذَا تَقَادَمَ عَهْدُهَا تُسَمَّى
عَتِيقًا لِاخْتِصَاصِهَا بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ ، وَالْكَعْبَةُ تُسَمَّى عَتِيقًا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ لِلتَّمَلُّكِ عَنْ نَفْسِهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي الْمَالِكِيَّةِ ، وَالْغَرَضُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ تَمَلُّكُ الْأَشْيَاءِ بِأَسْبَابِهَا ، وَسَيَأْتِيك التَّقْرِيبُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ الْإِعْتَاقُ إذَا وُجِدَ يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ وَالرِّقُّ فَبِنَا أَنْ نَنْظُرَ أَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً أَمْ يَثْبُتُ زَوَالُهُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِزَوَالِ الرِّقِّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْثِيرُ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ، وَفِي إزَالَةِ الرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا ، وَعِنْدَهُمَا تَأْثِيرُ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ، وَفِي إزَالَةِ الْمِلْكِ ضِمْنًا ، وَتَبَعًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا هُوَ أَنَّ الرِّقَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الضَّعْفِ ، وَالْإِعْتَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ يَكُونُ بِإِزَالَةِ الضَّعْفِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ فَلَوْ كَانَ الْإِعْتَاقُ يَتَجَزَّأُ يَلْزَمُ نَوْعُ مُحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ عَمَلًا بِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ لَازِمُهُ الْعِتْقُ ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُتَعَدِّي إلَّا أَنْ يَثْبُتَ لَازِمُهُ كَالْكَسْرِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِانْكِسَارِ ، وَإِذَا ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْعِتْقُ فِي سَائِرِ الْأَبْعَاضِ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي الشِّقْصِ يَكُونُ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَلِأَبِي حَنِيفَة أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ، وَيَثْبُتُ زَوَالُ الرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَبَيَانُهُ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِ أَوْ كُفْرِ أُصُولِهِ حَيْثُ اسْتَنْكَفُوا عَنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الرِّقَّ لِيَكُونُوا عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى الِاسْتِنْكَافِ أَوْ يَكُونُ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى إقَامَةِ التَّكَالِيفِ فَثَبَتَ أَنَّ الرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ أَوْ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِسَبِيلٍ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ثُمَّ يَبْطُلُ حَقُّ غَيْرِهِ ضِمْنًا وَقَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَصْدًا لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْآخَرِ أَوْ يَفْسُدُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ فَلَوْ جَعَلْنَا تَأْثِيرَ الْإِعْتَاقِ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ قَصْدًا وَابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً ، وَأَنَّهُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الشَّرْعِ ، وَلَوْ جَعَلْنَا تَأْثِيرَهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا وَابْتِدَاءً كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَمَحَّضُ حَقًّا لَهُ فَيَثْبُتُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ تَأْثِيرُهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ قَصْدًا ، وَالْمِلْكُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجْزِيءِ ، وَإِلَّا ثُبُوتًا فَكَانَ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّئًا ا هـ كَلَامُ الْعِمَادِيِّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ كَالْإِعْلَامِ إلَخْ ) وَالْعِتْقُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَظْهَرُ بِهَا سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ ، وَإِثْبَاتُهُ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ ، وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ أَيْ حَالَةٌ حُكْمِيَّةٌ فِي الْمَحَلِّ يَصِحُّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ بِاعْتِبَارِهَا ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهِ لَا
يَكُونُ إلَّا بِبَقَاءِ الرِّقِّ ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَالْعِتْقِ فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشِّقْصِ قَوِيًّا مُتَّصِفًا بِالْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ ، وَالْبَعْضُ ضَعِيفًا زَائِلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ عُقُوبَةُ الْكُفْرِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مُتَجَزِّئَيْنِ لَمْ يَكُنْ الْإِعْتَاقُ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةً ، وَإِلَّا يَلْزَمُ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ أَوْ عَكْسُهُ ، وَصَارَ كَالتَّطْلِيقِ وَالطَّلَاقِ ، وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا ثَبَتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ كُلُّهُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَلَا يَتَجَزَّأُ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ ) حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ تَصِيرُ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ ) فَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ يَسْقُطُ الْقَوَدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَكْلِيفُ الْعِتْقِ فِي الْبَاقِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ ) وَالرِّقِّ فِي الْبَاقِي ، وَإِلَّا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ ) أَيْ إضَافَةُ الْعِتْقِ ا هـ ( قَوْلُهُ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ ) أَيْ لِلْعَبْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي كُلِّهِ ) إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ يَمْنَعُهُ ) أَيْ الْعَبْدُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْكُلِّ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا أَوْ يَضْمَنَ لَوْ مُوسِرًا ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ ، وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْكُلِّ بِعِتْقِ الْبَعْضِ ، وَعَدَمُ ثُبُوتِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ، وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُهُ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ } وَهَذَا قَسْمٌ ، وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشِّرْكَةَ ، وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ مَالِيَّةُ نَصِيبِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ ، وَأَلْقَتْهُ فِي صَبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صَبْغِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فَكَذَا هُنَا غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَالِ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَلْبُوسِهِ ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ لِأَنَّ بِذَلِكَ اعْتِدَالَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِتَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ الْمُعْتِقُ مِنْ الْقُرْبَةِ ، وَإِيصَالُ بَدَلِ حَقِّ السَّاكِتِ إلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بِحُكْمِ الْحَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا
يُقَوَّمُ لِلْحَالِ ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ سَابِقٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ قَائِمًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ هَالِكًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ وَالْقِيمَةِ فَادَّعَى السَّاكِتُ ، أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لِلْحَالِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ ، وَيُقَوَّمُ لِأَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَالسَّاكِتُ ثُمَّ التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ فَعَدَمُ رُجُوعِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَمَا ضَمِنَ لِعَدَمِ وُجُوبِ السِّعَايَةِ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجْزِيءِ ، وَأَمَّا التَّخْرِيجُ عَلَى قَوْلِهِ فَخِيَارُ الْعِتْقِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ لَمْ يَزُلْ الرِّقُّ عِنْدَهُ وَخِيَارُ التَّضْمِينِ لِجِنَايَةِ الْمُعْتَقِ عَلَى نَصِيبِهِ بِالْإِفْسَادِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَاتُ سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ ، وَالِاسْتِسْعَاءُ لِاحْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَبْدِ ، وَرُجُوعُ الْمُعْتِقِ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ ، وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمْنًا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْكُلَّ لَهُ ، وَقَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْبَاقِيَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ إنْ شَاءَ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتِقِ السَّاكِتُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى لِاحْتِبَاسِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي النِّصْفِ لِوُجُودِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْآخَرِ فَيَكُونُ وَلَاءُ الْعَبْدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعِ
أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ أَدَّى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي دَيْنٍ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ قَدْ فُكَّتْ ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِيهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلْزَمُ لَهُ كَالْمَرْهُونِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ نَوْعُ عِتْقٍ ، وَالْكِتَابَةَ اسْتِسْعَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِلَّا فَالْأَرْبَعُ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ ، وَصِيًّا أَوْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَتَقَ ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ شَرِيكُهُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ سِوَى السِّعَايَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ ، وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِعَدَمِ جِنَايَتِهِ وَرِضَائِهِ ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ ، وَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ أَيْ لَا يُشَدِّدُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ غُلَامٌ لَنَا قَدْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَخِي الْأَسْوَدِ وَأُمِّي فَأَرَادُوا عِتْقَهُ ، وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَعْتِقُوا أَنْتُمْ فَإِذَا بَلَغَ فَإِنْ رَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ أَعْتَقَ ، وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بَقِيَ رَقِيقًا ، وَالسِّعَايَةُ تَثْبُتُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ ثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا ، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ يُبْنَى عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْمُحَالِ ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّيْنِ ، وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ { فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ } ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِعِتْقِهِ أَوْ بِالسِّعَايَةِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي { فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ } بِالْوَاوِ ، وَهِيَ لَا تُنَافِي التَّرْتِيبَ وَلَا التَّرَاخِيَ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ
مَا عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَنْ الثِّقَةِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا نَدْرِي أَهُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالَهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ ، وَهُمَا الرَّاوِيَانِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى هِيَ مَكْذُوبَةٌ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُتَجَزِّئًا ، وَإِنْ شَاءَ مُضَافًا ، وَيَنْبَغِي إذَا أَضَافَهُ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ مَعْنًى ، وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِيهَا فَإِنْ ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِي الْإِعْتَاقِ وَالسِّعَايَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ ، وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ خَمْسَ خِيَارَاتٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ ، وَأَنْ يُدَبِّرَهُ ، وَعَلِمْت حُكْمَهُ ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ ، وَأَنْ يُكَاتِبَهُ ، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ ، وَلَوْ عَجَزَ اسْتَسْعَى ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ عَنْ السِّعَايَةِ يُؤَجِّرُهُ جَبْرًا ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ قَدْرًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ عَلَى قِيمَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْثَرُ ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ أَكْثَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُحَرِّرَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالِاسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ فَيَأْخُذَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ، وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ السِّعَايَةِ فَعَلَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى
الِاسْتِسْعَاءِ غَيْرُ هَذَا ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ تَنْفُذُ عَلَيْهِ جَبْرًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ إلَخْ ) وَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهُ احْتَبَسَتْ ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ السِّعَايَةَ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا لَا إذَا كَانَ مُوسِرًا لِأَنَّا نَقُولُ الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ ، وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ فَافْهَمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صِبْغِهِ ) أَيْ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ إمْسَاكَهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيهِ ) وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ عِنْدَ يَسَارِهِ ، وَذَا لَا يَنْفِي وُجُوبَ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بِوَصْفِ التَّخْيِيرِ ، وَفَائِدَةُ الْقِسْمَةِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغِنَى ) وَيَسَارُ الْغِنَى أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اعْتِدَالَ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) أَيْ جَانِبِ الْمُعْتِقِ ، وَجَانِبِ السَّاكِتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ ) أَيْ حَالُ الْمُعْتِقِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ ) وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ حَالَةُ الْإِعْتَاقِ ا هـ مُسْتَصْفَى قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ فِي الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ حَالَةُ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ كَمَا فِي الْغَصْبِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْيَسَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ) أَيْ فِي حَالَتَيْ الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَاتُ ) يَعْنِي مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ
وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِمْهَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ ) وَأَرَادَ بِالتَّوَابِعِ التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ وَالِاسْتِيلَادَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ضِمْنًا ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ ، وَذَلِكَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَالْمُسْتَسْعَى كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الْمُعْتِقُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ضِمْنًا أَيْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ ثَبَتَ ضِمْنًا ، وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي ، وَفِي حَالِ إعْسَارِ الْمُعْتَقِ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى إذَا أَيْسَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ ، وَعِنْدَنَا لَا يَرْجِعُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِأَنَّ مُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ فَهَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَيَسْتَفِيدُ بِهِ عِتْقًا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى كَالْمُكَاتَبِ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَفَدْ بِهَذَا الضَّمَانِ عِتْقٌ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ قَبْلَ الضَّمَانِ فَمَا قَضَى بِهِ دِينًا وَجَبَ عَلَى الْمَوْلَى لِيَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُعْسِرٌ ، وَضَمَانُ الْعِتْقِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْسِرِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمَوْلَى الْمُعْسِرِ لِعُسْرَتِهِ ، وَتَعَذَّرَ إزَالَةُ مِلْكِ الشَّرِيكِ مَجَّانًا لِضَرُورَةٍ أَوْجَبْنَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ حَصَلَتْ لَهُ فَكَانَ هَذَا إيجَابُ ضَمَانٍ عَلَى الْعَبْدِ بِعِوَضٍ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ ) وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ لَهُ خِيَارَاتٌ خَمْسٌ ، وَفِي الْمَتْنِ جَعَلَ لَهُ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ مَاتَ
السَّاكِتُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مَا كَانَ لَهُ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا تَوْرِيثُ الْخِيَارِ بَلْ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْخِيَارَ لِلْمُوَرِّثِ ثَابِتٌ فِي الْوَرَثَةِ فَإِنْ شَاءُوا أَعْتَقُوا ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَسْعَوْا الْعَبْدَ ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتِقَ فَإِنْ ضَمَّنُوهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ يَمْلِكُ نَصِيبَهُمْ كَمَا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْمُوَرِّثِ ، وَإِنْ اخْتَارُوا الْإِعْتَاقَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَالْوَلَاءُ فِي هَذَا النَّصِيبِ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ ، وَالْمُكَاتَبُ لَا تُورَثُ عَيْنُهُ ، وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ ، وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا وَرِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى ) لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ ) الْإِعْتَاقُ وَالتَّضْمِينُ وَالِاسْتِسْعَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ صَبِيًّا وَالْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَالْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ لِوَلِيِّهِ ، وَالتَّضْمِينُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَرُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ قِيلَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا لِيَخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ
الصَّغِيرِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا التَّضْمِينُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتِبَ ، وَلَكِنْ قَالَ سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ ، وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعَ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً ، وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِمَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا ، وَهُوَ الْمَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ ) يَعْنِي فِي التَّضْمِينِ أَوْ السِّعَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ ) فَالْعِتْقُ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَتَجَزَّأُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ إلَخْ ) لَهُ أَنَّ عُسْرَةَ الْعَبْدِ أَظْهَرُ مِنْ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِعُسْرَتِهِ فَأُولَى الْكُلُّ دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ بِالشَّرِيكِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ ا هـ كَافِي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ سَعَى لَهُمَا ) أَيْ لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ أَعْتَقْت نَصِيبَك مِنْهُ سَعَى لَهُمَا الْعَبْدُ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ ، وَعَلَى نَفْسِهِ بِالتَّكَاتُبِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِرْقَاقُهُ ، وَيَسْتَسْعِيهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ مُكَاتَبُهُ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ عَبْدُهُ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ لَا يَبْطُلُ بِالْيَسَارِ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، وَهُنَا تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ جِهَتِهِ بِالسِّعَايَةِ وَرَدُّ قَوْلِهِ أَعْتَقَهُ شَرِيكِي أَوْ قَبُولُهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ذَلِكَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُمَا السِّعَايَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي زَعْمِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُوسِرٌ ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ ، وَلَا يَجِبُ لَهُ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِإِعْتَاقِهِ ، وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا
مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لِلْمُعْتِقِ مِنْهُمَا ، وَكُلٌّ يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ إلَخْ ) أَرَادَ بِالْعِتْقِ الْإِعْتَاقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ ) أَيْ لِلسَّاكِتِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ قَبُولُهُ ) أَيْ قَبُولُ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَقْتَ السِّعَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ ) أَيْ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى حُرِّيَّتِهِ ا هـ قَوْلُهُ يُمْنَعُ السِّعَايَةَ ) أَيْ عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا ) أَيْ فِي قِيمَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ ) أَيْ هُنَا لِأَنَّهُ يَقُولُ شَرِيكِي أَعْتَقَ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا ) أَيْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا ، وَعَكَسَ الْآخَرُ وَمَضَى ، وَلَمْ يَدْرِ عَتَقَ نِصْفُهُ ، وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا ) أَيْ لَوْ عَلَّقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عِتْقَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلِ شَخْصٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَكَسَ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ ذَلِكَ تِلْكَ الدَّارَ بِعَيْنِهَا غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُدْرَ أَدْخَلَ أَمْ لَا عَتَقَ نِصْفُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا ، وَسَعَى لَهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ عَلَى التَّمَامِ ، لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَك عَلَى أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِلْجَهَالَةِ فَكَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي حِنْثَ صَاحِبِهِ وَيَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ ضَرُورَةً فَيَسْعَى الْعَبْدُ لَهُمَا كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا ، وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ مَعَ التَّيَقُّنِ بِخِلَافِهِ كَمَنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ مُعَيَّنَةً فَنَسِيَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ سَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهَا مِنْهُنَّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِصِدْقِ أَحَدِهِمَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَا كَاذِبَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا أَوْ صِدْقِ أَحَدِهِمَا ، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِعُ بِالتَّوْزِيعِ كَمَا إذَا
أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ وَنَسِيَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّذَكُّرِ ، وَكَمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُعْتِقِ مِنْهُمَا بِالتَّنْقِيصِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْإِسْقَاطِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ السِّعَايَةُ لَهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا لِمَا بَيَّنَّا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا يَسْعَى لَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُعْسِرِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِقْدَارِ ، وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي اعْتِبَارِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَذْهَبَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَخْفَى مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ) أَيْ ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ لَمْ يَسْعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ لِلْمُوسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السِّعَايَةَ ، وَالْمُعْسِرُ يَتَبَرَّأُ عَنْ السِّعَايَةِ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُوسِرِ ، وَدَعْوَاهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ ، وَيَثْبُتُ الْإِبْرَاءُ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَطْلِيقِ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا ، وَلَوْ قَالَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ طَالِقٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُجْهِلُ ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا كَانَ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا لِأَنَّ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِدَامَةُ نِكَاحِهَا ، وَتَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الْمَجْهُولَةِ لَا تُتَصَوَّرُ ، وَلِلْبَيَانِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ عَيَّنْت الْمَيِّتَةَ صُدِّقَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يَرِثُ مِنْهَا ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَى الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتَا جَمِيعًا إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ عَيَّنَتْ الَّتِي مَاتَتْ أَوَّلًا لَمْ يَرِثْ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ سَقَطَ مِيرَاثُهُ عَنْ الْأُولَى بِالِاعْتِرَافِ ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ لِتَعَيُّنِهَا لِلطَّلَاقِ ، وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ تُعْرَفْ وَرِثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ مِيرَاثِهَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مِنْ إحْدَاهُمَا
وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبَيَانِ وَرِثَتَا مِيرَاثَ امْرَأَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تَسْتَحِقُّهُ ، وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ جَامَعَ إحْدَاهُمَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى أَوْ طَلَّقَهَا تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ ا هـ بِاخْتِصَارٍ ، وَفِي الْبَابِ فُرُوعٌ أُخَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَصْلِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَا نَصُّهُ رَجُلٌ قَالَ : أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي أَحْرَارٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ وَأَمَةٌ عَتَقَتْ الْأَمَةُ ، وَمِنْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ عَتَقَتْ الْأَمَةُ ، وَمِنْ الْعَبِيدِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَثَلَاثَةُ إمَاءٍ عَتَقَ مِنْ الْإِمَاءِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثُهَا ، وَمِنْ الْعَبِيدِ كَذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَأَمَتَانِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ أَمَةٍ ، وَنِصْفُ كُلِّ عَبْدٍ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتَيْنِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ يَعْتِقُ النِّصْفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَلَا يَكُونُ الْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ ، وَلَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا أُمُّ وَلَدِي ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ كَانَ الْبَيَانُ إلَى الْوَارِثِ ا هـ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ مَنْ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ ، وَمَنْ لَا تَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ سَعَى ) أَيْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَا عَلَى عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَحَدِهِمَا ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَتَفَاحَشَتْ فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَبِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ عَنْهُ ، وَهُوَ الْعَبْدُ ، وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَسُقُوطُ نِصْفِ السِّعَايَةِ مَعْلُومٌ ، وَالْمَجْهُولُ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الْحَانِثُ مِنْهُمَا فَغَلَبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ ، وَفِي هَذِهِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ هُوَ الْغَالِبُ فِيهَا فَامْتَنَعَ الْقَضَاءُ لِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَبْدٌ وَأَمَةٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ الْيَوْمَ فَالْعَبْدُ حُرٌّ ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَالْأَمَةُ حُرَّةٌ ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَدْخَلَ أَمْ لَا لَا يَعْتِقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْعِتْقِ ، وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ هُوَ الْحَانِثُ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ يَقُولُ أَنَا مَا حَنِثْت ، وَإِنَّمَا حَنِثَ صَاحِبِي فِي الْأَمَةِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ مِنْهَا وَفَسَدَ نَصِيبِي بِعِتْقِ نَصِيبِهِ ، وَالْآخَرُ يَقُولُ كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ فَيَفْسُدُ نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ الْآخَرَ هُوَ الْحَانِثُ فِي عَبْدِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى يَكُونَ مُقِرًّا بِفَسَادِ نَصِيبِهِ حَتَّى لَوْ تَقَابَضَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا لِإِقْرَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْآخَرِ ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ مَا اشْتَرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَى حُرًّا بِعَبْدٍ
فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِإِقْرَارِهِمَا ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَبْقَى عَبْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِلْكِهِ لِإِقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْعَبْدَيْنِ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُوَصِّلُهُمَا إلَى الْعِتْقِ لِإِقْرَارِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِمَا ثُمَّ إذَا لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إقْرَارُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ ، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ سَعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْحَالِفِ بِعِتْقِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ فِيهِ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِدَعْوَى حِنْثِهِ ، وَلَمْ يَسْعَ لِلْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ الْحَالِفِ فِيهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْعَى فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ النِّصْفَ حُرٌّ بِيَقِينٍ ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ رَجُلٌ وَاحِدٌ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا ، وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ، وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ، وَإِذَا صَحَّ الشِّرَاءُ ، وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الْبَائِعِ ثُمَّ مَلَكَهُ وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ ، وَبِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا
بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ ، وَالْآخَرَ بِوُجُودِهِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ دَائِرٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فَلَا يُتْرَكُ الْجَزَاءُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الْكَائِنِ وَبِغَيْرِ الْكَائِنِ ، فَيَقَعُ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْكَائِنِ لَا بِغَيْرِ الْكَائِنِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُتَصَوَّرُ فِي الْكَائِنِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ ، وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارُهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِتْقِ عَبْدِهِ ) يَعْنِي بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ ، وَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ ، وَلَمْ يَدْرِ أَدَخَلَ أَمْ لَا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إجْمَاعًا ا هـ رَازِيٌّ قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا إنْسَانٌ صَحَّ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحِنْثِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَبِيعُ عَبْدَهُ ، وَزَعْمُ الْمُشْتَرِي فِي الْعَبْدِ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ ، وَمَوْلَاهُ يُنْكِرُ صَحَّ ، وَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُمَا ، وَاجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ الْآنَ ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ ، وَطَلُقَتْ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى هُوَ مُقِرٌّ بِوُجُودِ شَرْطِ الثَّانِيَةِ ، وَبِالثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْأُولَى ، وَقِيلَ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ ، وَالْآخَرُ بِوُجُودِهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ تَحَقُّقُهُ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهِ قُلْنَا ذَاكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي حُرٌّ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُمَارِي فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَاضِي ، وَكَذَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِخِلَافِ إنْ دَخَلَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ ، وَلَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِنُزُولِ الْعِتْقِ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَا يُوجِبُ إقْرَارَهُ بِنُزُولِ الطَّلَاقِ ا هـ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لَكِنْ بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُطَالَعَةِ الْمَقَالَةِ ظَنًّا أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ ا
هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ عَتَقَ حَظُّهُ ، وَلَمْ يَضْمَنْ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ ) وَإِنَّمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لِمَا رَوَيْنَا ، وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي فِيهِ مِنْهُ ، وَتَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا لِمَا بَيَّنَّا هُنَاكَ ، وَقَوْلُهُ ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ مَعَ آخَرَ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِمْهَارِ أَوْ الْإِرْثِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الِابْنَ فِي نَصِيبِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ فَمَلَكَاهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ ، لَهُمَا أَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَهُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إعْتَاقٌ لَهُ ، وَلِهَذَا يُجْتَزَأُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْت نَصِيبِي بِخِلَافِ مَا إذَا وِرْثَاهُ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الشَّرِيكَ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْعِتْقِ ، وَهُوَ مُبَاشَرَةُ أَسْبَابِهِ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهَا إعْتَاقٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمَا حَتَّى يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ كَالِاسْتِيلَادِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَضَمَانُ الْفَسَادِ يَسْقُطُ بِالرِّضَا كَضَمَانِ الْإِتْلَافِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَكَانَ أَقْوَى فَإِذَا سَقَطَ الْأَقْوَى بِهِ فَالْأَضْعَفُ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ ، وَدَلَالَةُ الرِّضَا مُسَاعِدَةٌ عَلَى الْقَبُولِ ، وَهَذَا فِي الشِّرَاءِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِهِمَا فَقَدْ شَارَكَهُ فِي
الْعِلَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ ، وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَأَمْثَالِهِ فَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبُولُ أَحَدِهِمَا شَرْطًا لِصِحَّةِ قَبُولِ الْآخَرِ لَكِنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقَبُولُ مِنْهُمَا صَارَ قَبُولُهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَاحِدَةً كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ فِيهَا قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ ، وَهُوَ آيَةٌ ثُمَّ إذَا قَرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ الْكُلُّ فَرْضًا فَإِذَا صَارَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَقَدْ بَاشَرَهَا فَلَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْحَالِفِ حَيْثُ يَرْجِعُ الضَّارِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ هُنَاكَ قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ ، وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ الضَّارِبُ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ الشَّرْطُ ، وَهُوَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ التَّضْمِينُ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فَجُعِلَتْ رَاضِيَةً بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ قُلْنَا حُكْمُ الْقَرَارِ يَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِتَعْلِيقِهِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةِ الرِّضَا وَوُجِدَ ذَلِكَ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ ، وَأَمَّا هَذَا الضَّمَانُ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْعُدْوَانِ ، وَهُوَ الْإِتْلَافُ أَوْ الْإِفْسَادُ فَكَذَا لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالرِّضَا صَرِيحًا أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ دُونَ الشَّرْطِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ عَالِمًا بِأَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى سَبَبِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ مُبْطَنٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ يَقُولُ لِغَيْرِهِ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ ، وَهُوَ طَعَامُ الْآمِرِ ، وَالْآمِرُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ
طَعَامُهُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَضْمَنُ لِلْآمِرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ابْنُهُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَبَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ ) لِأَنَّ الْبَائِعَ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَهَذَا لِأَنَّ عِلَّةَ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابُ ، وَالْقَبُولُ ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ جَارِيَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ بِالنِّكَاحِ فَمَلَكَهَا الزَّوْجُ مَعَ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ النِّصْفِ لِشَرِيكِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَا مَلَكَاهَا بِإِرْثٍ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ أُمِّ الْوَلَدِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا مَلَكَا عَبْدًا هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ قَبِلَاهُ جَمِيعًا مِنْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ أَوْ مُعْسِرًا ا هـ فَالِابْنُ فِي قَوْلِهِ ، وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ عَتَقَ حَظُّهُ ) أَيْ زَالَ مِلْكُهُ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَزُلْ جَمِيعُ الْمِلْكِ اتِّفَاقًا فَإِذَا سَعَى الِابْنُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَضْمَنْ ، وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا قَالَ الْكَمَالُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ خَاطَبَ الْبَائِعُ الْأَبَ وَالْآخَرَ مَعًا فَقَالَ بِعْتُكُمَا هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَبِلَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالْهِبَةِ ) وَلَا يَضُرُّ الشُّيُوعُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ الْإِرْثِ ) قَالَ فِي الْكَافِي بِأَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِ عَمِّهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا فَوَرِثَهُ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمٍّ لَهُ آخَرُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَعْتِقُ عَلَى أَبِيهِ ، وَلَا يَضْمَنُهُ أَبُوهُ لِشَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ صُورَتُهُ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمِّ زَوْجٍ يَكُونُ نِصْفُ الْعَبْدِ لِلزَّوْجِ الَّذِي هُوَ أَبٌ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجٌ وَأَبٌ ، وَلَهَا عَبْدٌ هُوَ أَبُو زَوْجِهَا فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ كَانَ الْعَبْدُ مِيرَاثًا نِصْفُهُ لِزَوْجِهَا الَّذِي هُوَ الِابْنُ وَالْبَاقِي لِأَبِي الْمَرْأَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ فِي غَيْرِ الْإِرْثِ ) أَيْ نِصْفَ
قِيمَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكَ نِصْفَهُ ) قُيِّدَ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ بِشِرَاءِ النِّصْفِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَهُ بِالْإِعْتَاقِ ) أَيْ الِاخْتِيَارِيِّ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى الشِّرَاءِ ، وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ ، وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ ، وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ مُخْتَارًا ، وَلَهُ أَنَّ شَرْطَ التَّضْمِينِ مَعَ الْعِتْقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ بِرِضَا مَنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ ، وَلَمَّا بَاشَرَ الْعَقْدَ مَعَهُ مُخْتَارًا ، وَهُوَ عِلَّةُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ كَانَ رَاضِيًا بِإِفْسَادِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِهِ صَرِيحًا ، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ عِلَّةُ الْعِلَّةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إعْتَاقَهُ يَثْبُتُ اخْتِيَارًا بِالشِّرَاءِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَى بِالشِّرَاءِ عِتْقَهُ عَنْهَا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وِرْثَاهُ ) حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ لِلشَّرِيكِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَهَذَا ضَمَانُ إفْسَادٍ ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَوْنُهُ رَاضِيًا بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فَقَالَ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ التَّمَلُّكِ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَمَانُ إفْسَادٍ وَبَسْطُهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعِتْقِ ضَمَانَانِ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ، وَلَا يُسْقِطُهُ الرِّضَا بِسَبَبِهِ ، وَذَلِكَ ضَمَانُ الِاسْتِيلَادِ فَلَوْ
اسْتَوْلَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهَا لَهُ ، وَمِنْ حُكْمِ ضَمَانِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا ضَمَانَ الِاسْتِيلَادِ ضَمَانَ تَمَلُّكٍ لِأَنَّهُ وُضِعَ الِاسْتِيلَادُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي التَّمَلُّكَ فَأَثْبَتْنَاهُ ، وَضَمَانُ إتْلَافٍ ، وَهُوَ ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ ، وَيُقَالُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ فِي عِتْقِ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ يُمَلِّكْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَتَّى يُثَابُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَفْسُدَ بِهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَضَمَانُ إفْسَادٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي هَذَا الْإِفْسَادِ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ بِعِتْقِهِ قَصْدًا فَاسِدًا أَثِمَ بِهِ أَمَّا وَضْعُ الْعِتْقِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لُزُومَهُ ثُمَّ كَوْنُ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ضَمَانَ إتْلَافٍ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا ، وَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ا هـ قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَضْمَنُ لِلْآمِرِ شَيْئًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ هُوَ بِهَذِهِ الْمُشَارَكَةِ مُبَاشِرٌ سَبَبَ إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَجَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ إذَا أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَتَنَاوَلَهُ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ طَعَامُهُ لَا يَكُونُ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ شَيْئًا ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ إلَخْ ) سَقَطَ مِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ ، وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَهُ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ الْأَبُ مَا بَقِيَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَبَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَرَكَهَا سَهْوًا ، وَقَدْ ذَكَرَهَا القوجحصاري فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ ، وَشَرَحَ فِيهِ الْخُطْبَةَ ، وَالْأَلْفَاظَ الْأَعْجَمِيَّةَ الَّتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنْ بَدَأَ الْأَجْنَبِيُّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ ثُمَّ
اشْتَرَى الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَالْأَجْنَبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ قَالَ الْكَمَالُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ لِأَنَّ دَلَالَةَ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا بِقَبُولِهِ الْبَيْعَ مَعَهُ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَيَضْمَنُ الْأَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ مُشَارَكَتِهِ مَعَ الْأَبِ فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ ، وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الضَّمَانِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ إنْ كَانَ مُوسِرًا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِاحْتِبَاسِ الْمَالِكِيَّةِ عِنْدَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمَّنَهُ الشَّرِيكُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ كَالْخِلَافِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ ) أَيْ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ دَبَّرَهُ وَاحِدٌ ، وَحَرَّرَهُ آخَرُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ ، وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتَقَ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا لَا مَا ضَمِنَ ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مُوسِرِينَ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ آخَرُ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَهُ لِلسَّاكِتِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا الْعَبْدُ كُلُّهُ صَارَ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَإِعْتَاقُ الْمُعْتِقِ بَاطِلٌ ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالْعِتْقِ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِأَنَّ مُوجَبَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَمَّا كَانَ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَبِّرِ وَفَسَدَ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُدَبِّرَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ قِنًّا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نَصِيبِهِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَاسِدٌ بِإِفْسَادِ شَرِيكِهِ حَيْثُ سَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقَ الِانْتِفَاعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ ، وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ غَيْرَهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ سَبَبَا ضَمَانِ تَدْبِيرِ الْمُدَبِّرِ ، وَإِعْتَاقِ هَذَا الْمُعْتِقِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ لِيَكُونَ الضَّمَانُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمَضْمُونَاتِ عِنْدَنَا حَتَّى جَعَلْنَا الْغَصْبَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ حَتَّى صَحَّحْنَا
إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عِنْدَهُ وَضَمِنَهُ ثُمَّ عَادَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْطُلَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ فِيمَا إذَا غَصَبَ إبْرِيقَ ذَهَبٍ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ بَعْدَمَا انْكَسَرَ الْإِبْرِيقُ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَصْبُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ مُعَاوَضَةً فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِي التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقْتَ التَّدْبِيرِ لِكَوْنِهِ قِنًّا عِنْدَ ذَلِكَ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ ، ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا ، وَالضَّمَانُ يَتَقَدَّرُ بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى مَا قَالُوا ، وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ ، وَإِنْ ظَهَرَ فِي حَقِّ الِاسْتِسْعَاءِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ السَّاكِتِ فِي حَقِّهِ ، وَلِأَنَّ السَّاكِتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، وَلَوْ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ وُجِدَ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْمُدَبِّرِ نَصِيبَ السَّاكِتِ ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَ
الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ ، وَثُلُثُهُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ نَصِيبَهُ وَحَصَلَ لَهُ الثُّلُثُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ فَتَمَّ لَهُ الثُّلُثَانِ ، وَلِلْمُعْتِقِ الثُّلُثُ الَّذِي كَانَ مِلْكَهُ لَا غَيْرُ ، وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ الْمُدَبِّرُ يَمْلِكُ نَصِيبَ السَّاكِتِ بِالضَّمَانِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الْمُعْتِقُ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ مِنْ الْوَلَاءِ ، وَلِلْمُدَبِّرِ الثُّلُثُ ، لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْمُعْتِقِ نَصِيبَ الْمُدَبِّرِ ضَمَانُ حَيْلُولَةٍ لَا ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِالضَّمَانِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ بِخِلَافِ نَصِيبِ السَّاكِتِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ الْمُدَبِّرُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي ، وَهُوَ وَقْتُ التَّدْبِيرِ ، وَنَصِيبُ السَّاكِتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَافْتَرَقَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ مُتَجَزِّئًا عِنْدَهُمَا صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا لِلَّذِي دَبَّرَهُ ، وَصَارَ مُتَمَلِّكًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآخَرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ هَذَا الضَّمَانُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ وَكَذَا ضَمَانُ التَّدْبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ الْمُضَارِبُ بِالنِّصْفِ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدَيْنِ ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ عَتَقَا ، وَضَمِنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ، وَهُوَ ضَمَانُ إعْتَاقٍ ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا قُلْنَا هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ هُوَ إفْسَادٌ لَا ضَمَانُ سِرَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَعْتَقَهُمَا أَفْسَدَ كُلًّا مِنْهُمَا
بِالْإِعْتَاقِ لِكَوْنِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَلَا يَظْهَرُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقَا ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي التَّضْمِينِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سِرَايَةِ الْفَسَادِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْإِفْسَادُ ، وَلَا التَّمَلُّكُ ، وَلَا الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ ) أَيْ لِجَمَاعَةٍ مُوسِرِينَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَحَرَّرَهُ آخَرُ ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ ، وَحَرَّرَهُ بِمَعْنَى ثُمَّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَلِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ ضَمَّنَ السَّاكِتُ الْمُدَبِّرَ ، وَالْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ إلَخْ ) وَأَرَادَ السَّاكِتُ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ ا هـ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَرَادُوا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ بِسَبِيلِ التَّغْلِيبِ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَا يُرِيدُ الضَّمَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ قِيمَةَ الْعَبْدِ قِنًّا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا ، وَإِذَا ضَمِنَ الثُّلُثَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ حِصَّتَهُ فَضَمَّنَهُ السَّاكِتُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ، وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضَمِنَ أَعْنِي ثُلُثَهُ قِنًّا ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَالْعِتْقِ إلَخْ ) لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ إذْ هُوَ عِتْقٌ مُضَافٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَوَجَّهَ لِلسَّاكِتِ إلَخْ ) أَيْ وَهُوَ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَمْ يُدَبِّرْ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَإِعْتَاقُ هَذَا الْمُعْتِقِ ) فَإِنَّهُ تَغَيَّرَ نَصِيبُ الْمُدَبِّرِ وَالسَّاكِتِ حَيْثُ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ، وَبَطَلَ ذَلِكَ بِعِتْقِ الْمُعْتِقِ حَيْثُ اسْتَحَقَّ بِهِ الْعَبْدُ خُرُوجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ التَّضْمِينِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ إذْ هُوَ الْأَصْلُ ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّ بِهِ يَعْتَدِلُ
جَانِبُ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَدَلَ مِلْكِهِ وَجَبَ فِي تَحَقُّقِ الْمُعَادَلَةِ أَنْ يَمْلِكَ مُعْطِيهِ ، وَهُوَ الضَّامِنُ مَا دَفَعَ لَهُ بَدَلَهُ فَحَيْثُ أَمْكَنَ هَذَا لَا يُعْدَلُ عَنْهُ ، وَلِهَذَا كَانَ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى أَصْلِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ جَعَلَهُ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَإِذَا جُعِلَ الضَّمَانُ فِيمَا هُوَ عُدْوَانٌ ضَمَانَ مُعَاوَضَةٍ فَفِي الْعِتْقِ وَشُعَبِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ ) وَالْمُرَابَحَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِذْ كَانَ الْأَصْلُ ) أَيْ فِي الضَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْإِعْتَاقِ لِأَجْلِ التَّدْبِيرِ ) لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُكَاتَبٌ أَوْ حُرٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُكَاتَبِ بِفَسْخِهِ حَتَّى يَقْبَلَ الِانْتِقَالَ فَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمُدَبِّرُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ مُدَبَّرًا ) فَإِنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ مُتَمَكِّنًا قَبْلَ عِتْقِهِ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ إلَى مَوْتِهِ فَامْتَنَعَ بِعِتْقِهِ كُلُّ ذَلِكَ ، وَهَذَا مَعْنَى الْإِفْسَادِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا أَفْسَدَهُ مُدَبَّرًا ، وَالْمُدَبَّرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدَبَّرُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ مُوسِرٌ ضَمِنَ نَصِيبَ الْآخَرِ مُدَبَّرًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ بِالضَّمَانِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا ) فَلَوْ كَانَ قِيمَتُهُ قِنًّا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا ضَمِنَ لَهُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّ ثُلُثَيْهَا ، وَهِيَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثَهَا وَهُوَ الْمَضْمُونُ سِتَّةٌ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْكَافِي ، وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَمْلُوكِ ثَلَاثٌ الِاسْتِخْدَامُ ، وَالِاسْتِرْبَاحُ بِوَاسِطَةِ الْبَيْعِ ، وَقَضَاءُ
الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَبِالتَّدْبِيرِ بِفَوْتِ الِاسْتِرْبَاحِ ، وَيَبْقَى الْآخَرَانِ وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِعَيْنِ الْمَمْلُوكِ ، وَبِبَدَلِهِ أَيْ ثَمَنِهِ ، وَبَقِيَ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي ، وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ فَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا نَقَلَتْهُ عَنْ الْكَمَالِ مِنْ كَوْنِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَالَ إلَى أَنَّ قِيمَتَهُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ قَدْرُ ثُلُثِ قِيمَتِهَا أَمَةً لِأَنَّ لِلْمَالِكِ فِي مَمْلُوكِهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَقَضَاءُ دُيُونِهِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بَعْدَهُ فَبِالتَّدْبِيرِ يَنْعَدِمُ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي ، وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحِ ، وَتَبْقَى مَنْفَعَتَانِ ، وَبِالِاسْتِيلَادِ تَبْقَى وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ الِاسْتِخْدَامُ ، وَتَنْعَدِمُ اثْنَتَانِ فَتُوَزَّعُ الْقِيمَةُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ا هـ مُسْتَصْفَى لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ ا هـ اق ( قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ قِنًّا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُنْظَرُ بِكَمْ يُسْتَخْدَمُ مُدَّةَ عُمُرِهِ مِنْ حَيْثُ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قِيمَتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا ا هـ قَاضِي خَانْ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ طَرِيقَتُهُ فِي مِثْلِهِ الْإِشْعَارِ بِالْخِلَافِ فَقِيلَ قِيمَتُهُ قِنًّا ، وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْقِيَمَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَنَافِعِ الْمُمْكِنَةِ ، وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْمَمْلُوكِ بِعَيْنِهِ وَبَدَلِهِ ، وَفَاتَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ ، وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ وَالسِّعَايَةِ
وَالْبَدَلِ ، وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ ، وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ ، وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي ، وَأَمَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ فَثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا ، وَبَقِيَ مِلْكُ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَقِيلَ خِدْمَتُهَا مُدَّةَ عُمُرِهَا عَلَى الْحَزْرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مُدَّةَ عُمُرِ أَحَدِهِمَا وَمِنْ مَوْلَاهَا ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا ، وَبَقِيَتْ الرَّقَبَةُ ا هـ قَوْلُهُ وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُضَمِّنُهُ ) أَيْ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُلُثِهِ قِنًّا ا هـ ( قَوْلُهُ ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ ) أَيْ ، وَهُوَ ثُلُثُهُ قِنًّا ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ ) فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا ) وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِك ، وَأَنْكَرَ تَخْدُمُهُ يَوْمًا ، وَتَتَوَقَّفُ يَوْمًا ) أَيْ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا ، وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونَ حُرَّةً ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا الْمُنْكِرُ أَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُحَالَ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ بِدَعْوَى انْتِقَالِهَا إلَى شَرِيكِهِ ، وَلَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَسْتَخْدِمُهَا فَكَذَا هَذَا ، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِخْدَامُ ، وَصَارَتْ مَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةً عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ ثُمَّ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ
لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُنْكِرُ الِاسْتِيلَادَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا ، وَتَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ ؛ الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِدَامَةِ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا أَدَّتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى الْمُنْكِرِ عَتَقَ كُلُّهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ ، وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَثَبَتَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ ، وَهُوَ النِّصْفُ ، وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مِنْ شَرِيكِهِ وَبِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ ، وَذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَكَذَا هَذَا فَيَكُونُ إقْرَارُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ أَيْضًا لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ مِلْكِهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ تَخْدُمَهُ يَوْمًا ، وَيَوْمًا لَا ، وَلَا يُصَارُ إلَى السِّعَايَةِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِدَامَةِ بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهَا فَتَعَيَّنَتْ السِّعَايَةُ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِعِتْقِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ لِلْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِدَامَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ فَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ عَلَيْهِ لِلتَّعَذُّرِ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ عَتَقَتْ لِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ ، وَلَوْ جَنَتْ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا كَانَ النِّصْفُ مَوْقُوفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالنِّصْفُ عَلَى الْجَاحِدِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا ، وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَالْمُكَاتَبَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّصْفُ عَلَى الْمُنْكِرِ ،
وَأَدَّتْ النِّصْفَ لِأَنَّهُ فِي مَالِ سَيِّدِهَا ، وَكَسْبُهَا مَالُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا لِأُمِّ وَلَدٍ تَقَوُّمٌ ) أَيْ لَيْسَ لَهَا قِيمَةٌ ، وَقَالَا لَهَا قِيمَةٌ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحْرَزَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْءً وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا فَتَكُونُ مُتَقَوِّمَةً كَالْمُدَبَّرِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ ، وَاسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ آيَةُ بَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ إذْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ كَالْمُدَبَّرِ ، وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى ، وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَضِيَّتُهُ الْحُرِّيَّةُ وَزَوَالُ التَّقَوُّمِ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِمُعَارِضٍ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } أَوْ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ ، وَلِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يُتَقَوَّمُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِيَمْلِكَ لَا لِيَصِيرَ مَالًا مَمْلُوكًا ، وَلَكِنْ مَتَى أُحْرِزَ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا ، وَيَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ تَبَعًا فَإِذَا حَصَّنَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ظَهَرَ أَنَّ إحْرَازَهَا كَانَ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَالنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ فَكَانَتْ مُحْرَزَةً إحْرَازَ الْمَنْكُوحَاتِ فَلَا تَتَقَوَّمُ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ يَنْفَصِلُ عَنْ التَّقَوُّمِ كَالْمَنْكُوحَةِ ، وَلِهَذَا لَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِ الْمَوْلَى ،
وَلِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْكَمَالِ آيَةُ اتِّحَادِ النَّفْسَيْنِ فَصَارَتْ كَنَفْسِهِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ وَكَيْفَ تَبِيعُوهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُمْ ، وَدِمَاؤُهُنَّ بِدِمَائِكُمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَمَلُ هَذَا السَّبَبِ فِي الْحَالِ فِي إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا إذْ قَصْدُهُ اسْتِفْرَاشُهَا إلَى الْمَمَاتِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَتْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ ، وَقَبْلَهُ الْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ إذْ التَّعْلِيقَاتُ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ أَسْبَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةً عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَظَهَرَ أَثَرُ الِانْعِقَادِ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً ، وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِ وَمَا يَدِينُ كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَلِأَنَّا حَكَمْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا ، وَوُجُوبُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّقَوُّمِ .
( قَوْلُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً يَوْمًا أَنْ تُرْفَعَ عَنْهَا الْخِدْمَةُ يَوْمًا ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ عَلَيْهَا سَبِيلٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا ) يَعْنِي لَيْسَ لَهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا سَبِيلَ ) يَعْنِي لِلْمُقِرِّ بِالِاسْتِيلَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ لَهُمَا أَنَّ الْمُقِرَّ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْ عَلَى شَرِيكِهِ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ، وَلَا سِعَايَةَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَمَانَ التَّمَلُّكِ عَلَى شَرِيكِهِ دُونَ السِّعَايَةِ ، وَامْتَنَعَتْ الْخِدْمَةُ عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا لَا يَكُونُ لِلْمُنْكِرِ الِاسْتِخْدَامُ فَكَذَا هَذَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ ، وَمَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْمُقِرِّ لِإِنْكَارِهِ الِاسْتِيلَادَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ ، وَلَوْ كُذِّبَ فَلَهُ نِصْفُهَا ، وَكَانَ النِّصْفُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَأَثْبَتْنَاهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا يَوْمًا ، وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً يَوْمًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمَّا الْمُقِرُّ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْغَيْرِ ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ السِّعَايَةَ لِلِاسْتِخْرَاجِ عَنْ الرِّقِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهَا ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْمِلْكَ فِيهَا إلَى ثُبُوتِهِ ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا قِنَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا
لِلْمُنْكِرِ ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ ) لِأَنَّهَا قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ ، وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا هُوَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ قَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا إلَخْ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَسْتَسْعِيهَا ، وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُنْكِرِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِدْمَةُ دُونَ الِاسْتِسْعَاءِ ، وَقَالَا لَهُ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ الْخِدْمَةِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ك قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ ، وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ ، وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَا احْتِبَاسَ وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ عَنْ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ ا هـ قَوْلُهُ وَذَلِكَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ) فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقِرُّ كَالْمُسْتَوْلِدِ بِنَفْسِهِ حُكْمًا نَعَمْ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاخَذَ بِإِقْرَارِهِ فَيَمْتَنِعُ اسْتِخْدَامُهُ
وَاسْتِسْعَاؤُهُ ، وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ ، وَلَا يَسْرِي قَوْلُهُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَيُبْقِي حَقُّهُ عَلَى مَا كَانَ ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ هَذَا لَا إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا مِنْ الِانْقِلَابِ ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الِانْقِلَابِ ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ إنْ كَانَ صَادِقًا كَانَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا بِحَالٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ لِلْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخِدْمَةِ ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا خِدْمَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَنِصْفُ الْخِدْمَةِ ثَابِتٌ لَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحَرَّرَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْءً وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا ) أَيْ ، وَكَذَا يَمْلِكُ كَسْبَهَا انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ ) إذَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِبْطَالُ بِالْبَيْعِ ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّقَوُّمِ انْتَهَى كَافِي ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى ، وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَتْ ، وَهَذَا هُوَ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ ، وَالْفَائِتُ لَيْسَ إلَّا مُكْنَةَ الْبَيْعِ ، وَهُوَ لَا يَنْفِي التَّقَوُّمَ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ ، وَالْآبِقِ ، وَامْتِنَاعُ سِعَايَتِهَا لِغُرَمَاءِ الْمَوْلَى أَوْ لِوَرَثَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا مَثَلًا لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى حَاجَتِهِ كَيْ يَضِيعَ نَسَبُهُ وَمَاؤُهُ ، وَهَذَا مَانِعٌ يَخُصُّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُدَبَّرِ فَلِذَا افْتَرَقَا فِي السِّعَايَةِ وَعَدَمِهَا ، وَهَذَا أَيْ الِانْتِفَاعُ الْمُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ دَلَالَةُ التَّقَوُّمِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيهَا لِعَدَمِ
عَقْدِ النِّكَاحِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَلَا زِيَادَةَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ سَعَتْ لَهُ ، وَهَذَا آيَةُ التَّقَوُّمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي إحْدَاهُمَا ثَبَتَ فِي الْأُخْرَى ، وَكَذَا وَلَدُ الْمَغْرُورِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ الْمَغْرُورَ يَضْمَنُ قِيمَةَ وَلَدِهِ مِنْهَا عِنْدَهُ انْتَهَى ، وَقَوْلُهُ وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا قَالَ الْكَمَالُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَتَيْنِ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْبَاقِي مَنْفَعَةٌ مِنْ ثَلَاثِ فَحِصَّتُهَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَيُسْتَخْدَمُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ الْخِلَافَ ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ) قَالَ الْكَمَالُ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ إنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ الْمِلْكِ بَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْهُ تَثْبُتُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْوَطْءَ يَثْبُتُ ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالِاسْتِخْدَامَ وَالْإِجَارَةَ بِالْإِجَارَةِ ، وَاللَّازِمُ الْخَاصُّ هُوَ مِلْكُ الْكَسْبِ ، وَلَا كَلَامَ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ حَتَّى لَا يَكُونُ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِالْمِلْكِ ، وَإِنْ ثَبَتَ مَعَهُ وَالْآدَمِيُّ وَإِنْ صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَالًا لِأَنَّهُ خُلِقَ لَأَنْ