كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
وَقَوْلُهُ : لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَالِغَةِ وَأَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلَا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الرَّأْيِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَا تُوجِبُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ شَيْئًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا الْبَكَارَةُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانُهُ ، وَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَالِهَا إجْمَاعًا ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ إجْمَاعًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَكَذَا الصَّغِيرَةُ ، وَقَوْلُهُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ يَعْنِي أَوْلَاهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ، وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ لَا فِي الصِّغَارِ ، ثُمَّ الْأَبُ وَأَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ إلَّا الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ إلَّا الْعَمَّ مِنْ الْأُمِّ ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ كَذَلِكَ ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ، ثُمَّ عَصَبَةُ الْمَوْلَى ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَالْمِيرَاثِ عِنْدَهُمَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْجَدِّ مِثْلُ شَفَقَةِ الْأَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْجَدُّ كَمَا فِي الْأَبِ وَالِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ الرَّازِيّ ادَّعَى مُحَمَّدٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَهُ ، ثُمَّ السُّلْطَانُ وَلَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي فِي تَزْوِيجِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ إلَّا إذَا شَرَطَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي عَهْدِهِ ، وَمَنْشُورِهِ وَلَوْ زَوَّجَ الصِّغَارَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَجَازَ مَا صَنَعَ ، قِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ اسْتِحْسَانًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ ) أَيْ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ا هـ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ ) وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ ا هـ فَتْحٌ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عِنْدَهَا تِسْعُ سِنِينَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ إلَخْ ) يُقَالُ ثِيبَتْ الْمَرْأَةُ تَثْيِيبًا إذَا صَارَتْ ثَيِّبًا وَالثِّيَابَةُ وَالثُّيُوبَةُ فِي مَصْدَرِهَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ : سَلَمَةَ إلَخْ ) إنَّمَا هُوَ عُمَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي ذَخَائِرِ الْعَقَبِيِّ فِي مَنَاقِبِ ذَوِي الْقُرْبَى ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِدَلِيلِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ ) وَلَوْ كَانَ تَزْوِيجُهُ بِالنُّبُوَّةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْمَوْلَى ؛ إذْ النُّبُوَّةُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا قُصُورَ فِيهَا وَالْعَبَّاسُ وَإِنْ كَانَ عَمَّهَا وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا أَوْ تَأَدَّبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : { الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ } ) وَيُرْوَى النِّكَاحُ فِي الْعَصَبَاتِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) أَيْ السَّرَخْسِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَثْبُتُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْقَرِيبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : مِنْ الْقُصُورِ ) أَيْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَكَرُّرِهِ ) أَيْ بِأَنْ بَاعَ وَلِيُّهُ ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَابَ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الظَّفْرُ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ لِمَوْتِهِ أَوْ لِنِسْيَانِهِ أَوْ يَتَطَرَّقُ عَلَى الْعِوَضِ التَّوَى فَلَمْ يُمْكِنْ
إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ ) أَيْ فِي الْمَجْنُونِ ( قَوْلُهُ : أَوْ نُقْصَانُهُ ) أَيْ فِي الصَّغِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ ) أَيْ الْمُصَنِّفِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ ) الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ ، وَقَدْ عَتِهَ عَتَهًا وَعَتَاهَةً وَعَتَاهِيَةً قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْمِصْبَاحِ عَتِهَ عَتَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَعَتَاهًا بِالْفَتْحِ نَقَصَ عَقْلُهُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ لُغَةٌ فِي عُتِهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَتَاهَةً بِالْفَتْحِ وَعَتَاهِيَةً بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بَيِّنُ الْعَتَهِ ا هـ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ { : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيُّ وَالنَّائِمُ وَالْمَعْتُوهُ } هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ ا هـ وَفِي الصِّحَاحِ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَالتَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ رَجُلٌ عَتَاهِيَةٌ وَهُوَ الْأَحْمَقُ ا هـ وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ التَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ ، ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى إلَخْ ) وَلَوْ كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُزَوِّجْهَا الْكُلُّ ا هـ مُخْتَصَرُ الْمُحِيطِ فَإِنْ عَقَدَ كُلٌّ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بَطَلَ الْجَمِيعُ ا هـ كَشْفُ شَرْحٍ بَزْدَوِيٍّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمِيرَاثِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ أَذِنَ لَهُ ) أَيْ فِي تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ ) أَيْ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا بَلَغَا فِيمَا إذَا زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا خِيَارَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُشْرَعْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّظَرِ صِيَانَةً عَنْ الْإِفْضَاءِ إلَى الضَّرَرِ ، وَإِذَا صَحَّ النَّظَرُ قَامَ عَقْدُ الْوَلِيِّ مَقَامَ عَقْدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا مَلَكَا أَنْفُسَهُمَا كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ إذَا عَتَقَتْ ، وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الشَّفَقَةِ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهَا قَاصِرَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِشَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَقَدْ أَثَّرَ النُّقْصَانُ حُكْمًا حَتَّى امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ نَفَّذْنَاهُ فِي الْحَالِ وَلِقُصُورِهَا أَثْبَتْنَا لَهُمَا الْخِيَارَ فِي الْمَآلِ لِيُزَالَ الضَّرَرُ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَيُضَافَ إلَى اخْتِيَارِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَبْرَأُ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ عُهْدَةِ الْيَتَامَى بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ تَامَّا الْوِلَايَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْمَعْتُوهَةُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا ، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الِابْنُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَلَا خِيَارَ فِي الْأَبِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ ؛ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعَبْدُ
الصَّغِيرُ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِيَ حَتَّى إذَا زَوَّجَهُمَا الْقَاضِي وَالْأُمُّ يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ تُبْنَى عَلَى الرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ ، وَشَفَقَةُ الْأُمِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَبِ فَكَانَا كَالْأَبِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى ، وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ أَيْ لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهِ ضَعْفًا إذْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَكَذَا فِي سَبَبِهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الْوَلِيِّ النَّظَرَ وَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيُوقَفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَوِيٌّ وَهُوَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِحَيْضَتَيْنِ وَقَدْ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ ؛ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَوْلَى لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ وُجِدَ الْآنَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِرِضَاهَا فَكَانَ الِاخْتِيَارُ مِنْهَا دَفْعًا لِلْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ لَا رَفْعًا لَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ ، وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَمْرٌ يَسْتَقِلُّ بِهِ الدَّافِعُ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ وِلَايَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ
الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْخَصْمِ دُونَ الْحَكَمِ ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ النِّكَاحُ بِدُونِ رِضَاهَا فَكَذَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ إلَّا بِدَفْعِ مَا كَانَ ثَابِتًا فَمَلَكَتْ دَفْعَهُ ضِمْنًا وَلَا يُقَالُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَافِعَةً لِلزِّيَادَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِمَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ ، فَبِمَاذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهَا ؟ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ تُبْطِلُ حَقًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِدَفْعِ زِيَادَةِ الْحَقِّ عَلَيْهَا لَهُ ، وَهُوَ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ حَقٍّ عَلَيْهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَتَرَجَّحَ رِعَايَةُ حَقِّهَا لِذَلِكَ وَفِي الصَّغِيرِ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى الْكَمَالِ وَلَمْ يَزْدَدْ الْمِلْكُ بِالْبُلُوغِ وَلَكِنْ احْتَجْنَا إلَى الْفَسْخِ لِتَوَهُّمِ تَرْكِ النَّظَرِ مِنْ الْوَلِيِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَهُوَ خَفِيٌّ مَوْهُومٌ إذْ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا لَمَا نَفَذَ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلِهَذَا تَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْخَلَلِ يَشْمَلُهُمَا فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ ، ثُمَّ إذَا فُسِخَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : بِشَرْطِ الْقَضَاءِ ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ) يَعْنِي آخَرَ ، وَقَوْلُهُ : الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا ، ثُمَّ رَجَعَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا ) أَيْ مِنْ { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ } ا هـ قَوْلُهُ : فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثُمَّ الْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ ، فَخِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالسُّكُوتِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الْخِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَعِلْمُ النِّكَاحِ شَرْطٌ وَعِلْمُ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَمَّا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْخِيَارِ لَهَا أَيْ لِلْمُعْتَقَةِ لَا لِلْمُخَيَّرَةِ ؛ لِأَنَّ جَهْلَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ جَهْلٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا ) وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ ، ثُمَّ أَفَاقَ كَانَ لَهُمَا الْخِيَارُ ا هـ عِمَادِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ ) هَذِهِ عِبَارَةُ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَهَذَا أَوْلَى ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُمَا الْخِيَارَ ا هـ فُصُولٌ فِي ( قَوْلِهِ : لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ ) وَلَا خِلَافَ فِي
ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ خِيَارُ الْعِتْقِ فَيُطَلِّقُ إنْ شَاءَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي الْفُرْقَةِ فِي مَوَاضِعَ هَذِهِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَكُلُّهَا فَسْخٌ ، وَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَكُلُّهَا طَلَاقٌ وَبِإِبَاءِ زَوْجِ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ وَهِيَ طَلَاقٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرْقَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ : فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ فُرْقَةٌ حُكْمُهَا بِغَيْرِ طَلَاقِ فَقْدُ كُفْءٍ كَذَا وَنُقْصَانُ مَهْرٍ وَنِكَاحٌ فَسَادُهُ بِاتِّفَاقِ مِلْكُ إحْدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَعْضِ زَوْجٍ وَارْتِدَادٌ كَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ جَبٌّ وَعُنَّةٌ وَلِعَانٌ وَإِبَاءُ الزَّوْجِ فُرْقَةً بِطَلَاقِ وَقَضَاءُ الْقُضَاةِ فِي الْكُلِّ شَرْطٌ غَيْرَ مِلْكٍ وَرِدَّةٍ وَعَتَاقِ وَقَوْلُهُ : بِاتِّفَاقٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ نِكَاحَهَا جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْفُرْقَةُ مِنْهُ بِطَلَاقٍ عِنْدَهُمَا وَفَسْخٍ عِنْدَهُ ، وَقَوْلُهُ : عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ فَهِيَ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةٌ وَقَعَتْ إلَّا فِي اللِّعَانِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَكُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ : رَجُلٌ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ لَهُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ
الرِّدَّةَ لَا تَكُونُ طَلَاقًا وَإِبَاءَ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ يَكُونُ طَلَاقًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رِدَّتُهُ وَإِبَاؤُهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَلَاقٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ وَإِبَاؤُهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ) أَيْ فَإِنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا قَضَاءٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ ) أَيْ حَيْثُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بَلْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ضِمْنًا ) أَيْ لِدَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا قَصْدًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَمَّا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ ) أَيْ وَالزَّوْجُ يَبْقَى مِلْكُهُ الثَّابِتُ ، ثُمَّ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ضِمْنًا لَهُ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ تُبْطِلُ حَقًّا إلَخْ ) وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ حَيْثُ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِاخْتِيَارِهِ أَمَّا الْمَرْأَةُ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا الضَّرَرِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهَا فِي النِّكَاحِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ) ، وَهَذَا فَائِدَةُ كَوْنِ الْفُرْقَةِ فَسْخًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَفْسُوخَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ يَجِبُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ، وَأَثَرُ الْفَسْخِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ وَاخْتِيَارُهَا ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ بِسُكُوتِهَا إنْ عُلِمَتْ بِكْرًا لَا بِسُكُوتِهِ مَا لَمْ يَرْضَ وَلَوْ دَلَالَةً ) أَيْ بَطَلَ خِيَارُهَا بِسُكُوتِهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ إنْ كَانَ لَهَا عِلْمٌ بِالنِّكَاحِ ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْغُلَامِ بِالسُّكُوتِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِثْلُ الْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ ، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا مَا لَمْ تَقُلْ رَضِيت أَوْ يُوجَدُ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالْغُلَامِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ، وَشُرِطَ عِلْمُهَا بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِالنِّكَاحِ فَعُذِرَتْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِتَعْلَمَ الْأَحْكَامَ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ حَيْثُ تُعْذَرُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ خِيَارَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَفَرَّغُ لِتَعْلَمَ الْأَحْكَامَ لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ ، ثُمَّ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ بَلْ لِتَوَهُّمِ خَلَلٍ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا ، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ ، وَإِنْ رَأَتْهُ بِاللَّيْلِ تَخْتَارُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْت نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ فَدَعَا شُهُودًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا
النِّكَاحُ وَلَمْ تُعْذَرْ وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا ، وَلَوْ اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي لِشَهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ ، ثُمَّ تَبْدَأُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا ، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ فَسْخًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْنَى بِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ وَأَمَّا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ ، وَتَزْوِيجُ الْأَخِ وَالْعَمِّ صَحِيحٌ نَافِذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَوَارَثَا قَبْلَ الْفَسْخِ ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ بِهِ ثَابِتٌ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ انْتَهَى النِّكَاحُ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَتَوَارَثَانِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا لَوْ وُجِدَ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ وَالْفَاسِدِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَرْضَ وَلَوْ دَلَالَةً ) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت وَلَوْ دَلَالَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ ) أَيْ حَالَةِ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ) أَيْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ا هـ فَكَمَا لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا لَوْ زَوَّجَتْ ثَيِّبًا بَالِغَةً لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا حَالَةَ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ ثَيِّبٌ بَالِغَةٌ ، وَلَوْ زُوِّجَتْ بِكْرًا بَالِغَةً أَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ لِلْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ ، وَلَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الثَّيِّبِ لَا يَبْطُلُ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الثَّيِّبِ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ لِيُفِيدَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إلَخْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) أَيْ بَلْ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ ا هـ وَالْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا بِأَنْ كَانَتْ حَاضَتْ فِي مَجْلِسٍ ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَهَا النِّكَاحُ ، أَوْ مَجْلِسِ بُلُوغِ خَبَرِ النِّكَاحِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً وَجَعَلَ الْخَصَّافُ إخْبَارَ الْبِكْرِ مُمْتَدًّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَالَ هُوَ إلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ إلَخْ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثَيِّبًا فَوَقْتُ خِيَارِهَا الْعُمُرُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ ، وَكَذَا الْغُلَامُ عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُهُمْ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِمَّا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ : خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ
دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مُشْكِلٍ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُبْطِلُهُ ، وَهَذَا يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ ضَرُورَةً إذْ تَبَدُّلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَسْتَلْزِمُهُ ظَاهِرًا وَفِي الْجَوَامِعِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حِينَ بَلَغَهَا أَوْ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْطُلْ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِلِسَانِهَا ، أَوْ يُوجَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ طَوْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ وَفِيهَا لَوْ قَالَتْ كُنْت مُكْرَهَةً فِي التَّمْكِينِ صُدِّقَتْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خَدَمَتْهُ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَيْ فَيَمْتَدُّ خِيَارُ الْعِتْقِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارَيْ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ ، احْتِيَاجُهُ إلَى الْقَضَاءِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي حَتَّى مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ فَسْخِهَا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعِتْقِ بِالسُّكُوتِ إلَخْ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ بِكْرٌ بِخِلَافِ الْغُلَامِ وَالثَّيِّبِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَمْ يُجْعَلْ فِي حَقِّهِمَا رِضًا وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكُلٍّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الذَّكَرِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ لِمَا عَنْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ يَعُمُّهُمَا لَا يُقَالُ الْغُلَامُ يَتَمَكَّنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ التَّخَلُّصِ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ لِلذُّكْرَانِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ
الْخِيَارِ وَمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَّا لِلْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ يَلْزَمُهُ وَهُنَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّهُ لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَلَكَ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ وَفِي الْحَوْلِ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ فَقَالَ فَسَخْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ ، وَهَذَا حَسَنٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ ، وَالرَّابِعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ شَرْعًا مُعْتَبَرٌ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ دُونَ الْبُلُوغِ ، وَالْخَامِسُ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ الثَّابِتِ بِإِثْبَاتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سُكُوتِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ لِلشُّهُودِ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا وَلَمْ تُعْذَرْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْ وَمَا قِيلَ لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرَ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا ، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ ، وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا يُتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى
مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا ) أَيْ بَلْ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ فَلَوْ جَدَّدَ بَعْدَهُ مَلَكَ الثَّلَاثَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا وَمِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ إلَخْ ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ قَصْدًا ، وَذِكْرُ الصَّحِيحِ لِإِخْرَاجِ الْفَاسِدِ وَالنَّافِذِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ ، وَذِكْرُ اللَّازِمِ احْتِرَازٌ مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَقَوْلِي قَصْدًا احْتَرَزْت بِهِ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهَا فَسْخٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا نَافِذًا لَازِمًا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ ) وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ بِمَوْتٍ مَنْ أَحَدِهِمَا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا تَفْتَقِرُ الْفُرْقَةُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْفَاسِدِ ) أَيْ فَإِنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ حِلُّ الْوَطْءِ وَالتَّوَارُثِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ فَرْعُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا وَلِلْكَافِرِ وِلَايَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ سَنَةٌ ، وَقِيلَ أَكْثَرُ السَّنَةِ ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي التَّنْجِيسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ شَيْئًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّقْدِيرَاتِ فَيُفَوِّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي ، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ حَالَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ لَكِنْ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا سُلِبَ وِلَايَتَهُ فَتُزَوَّجُ وَلَا تَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَلَا تُزَوَّجُ وَتَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ كَالنَّائِمِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إنْ فَاتَ بِانْتِظَارِ إفَاقَتِهِ تُزَوَّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا وَإِلَّا اُنْتُظِرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ صَغِيرٍ ا هـ قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سُلْطَانًا أَوْ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَلَمْ أَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِهِمْ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةُ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَ
مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ فَأَمَّا الْفِسْقُ فَهَلْ يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ كَالْكُفْءِ ؟ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فِيهِ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَلَهُ الْوِلَايَةُ بِلَا خِلَافٍ فَمَا فِي الْجَوَامِعِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَاسِقًا فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ كُفْءٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ نَعَمْ إنْ كَانَ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَتَأْتِي هَذِهِ ا هـ قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ ) هَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ لِأَبٍ ، ثُمَّ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ، ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ ، ثُمَّ لِلْعَمَّاتِ ، ثُمَّ لِلْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ، ثُمَّ لِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ ) ، وَقِيلَ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ لَهَا حَالَةً تَكُونُ فِيهَا عَصَبَةٌ وَفِي الْغَايَةِ ، قِيلَ قَرَابَةُ الْأَبِ كَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا يُقَدَّمْنَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ مِمَّنْ يَرِثُ الْفَرْضَ ، ثُمَّ قَالَ : وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّ تَرْتِيبَهُمْ كَتَرْتِيبِ الْإِرْثِ فَأَوْلَاهُمْ الْفُرُوعُ ، ثُمَّ الْأُصُولُ ، ثُمَّ فُرُوعُ الْأَبِ ، ثُمَّ فُرُوعُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَمَا ذُكِرَ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ، ثُمَّ الْقَاضِي ، وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ نِسْبِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ فَالْإِنْكَاحُ إلَى الْقَاضِي ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ، وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ } جَعْلُ جِنْسِ الْإِنْكَاحِ لِجِنْسِ الْعَصَبَاتِ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ ؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُوهُمْ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا لَهُمْ عَلَى صِيَانَةِ الْقَرِيبِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا لِانْتِسَابِهِمْ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَلَهُمَا أَنَّ
ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِنَظَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ يُقَدَّمُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ ، وَذَا لَا يَنْفِي ثُبُوتَهَا لَهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ يَكُونُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَتُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَصَبَاتُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ فَكَذَا هَذَا أَوْ نَقُولُ إنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيَنْتَظِمُهُمْ مَا رَوَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ لِلْحَاكِمِ ) أَيْ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِلْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } ، وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصِّغَارَ إلَّا إذَا شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّقْلِيدِ ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الْمُوصِي ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ ) قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ ، وَكَذَا أَوْلَادُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ، ثُمَّ عَصَبَةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ ا هـ بَزَّازِيٌّ ( فَرْعٌ ) مُعْتَقَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالْوَلَاءِ وَالْوَلَاءُ بِكَمَالِ الْعِتْقِ وَكَمَالُهُ يَثْبُتُ بِهِمَا فَانْعَدَمَ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنْكَاحُ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ يَجُوزُ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهَا وَدَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ يَصِحُّ فِي الْأُخْتِ لَا فِي الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ ا هـ بَزَّازِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ) ، وَقَالَ فِي الْكَافِي الْجُمْهُورُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا إلَخْ ) فَإِنَّا نَرَى شَفَقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ ، بَلْ قَدْ تُرَجَّحُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ السُّلْطَانِ ، وَمَنْ وَالَاهُ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمَا : إنَّمَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ بَلْ ثُبُوتُهَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ بِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ ؛ لِأَنَّهَا بِالذَّاتِ لِحَاجَتِهَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِ دَاعِيَةُ تَحْصِيلِ حَاجَتِهَا فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ
الْعَصَبَاتِ لِكُلٍّ مِنْ حَاجَتِهَا بِالذَّاتِ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجَازَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ بِنْتَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إثْبَاتُ جِنْسِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَى الْعَصَبَاتِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا هُوَ حَالَ وُجُودِهِمْ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُمْ حَالَ عَدَمِهِمْ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا إثْبَاتِهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْمَعْنَى وَقِصَّةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا لَا شَكَّ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا السُّلْطَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ بِقَوْلِهِ { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى ، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَعَرُّضِ الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ بِالنَّفْيِ وَحُجِّيَّتِهِ ، وَقَوْلُهُ : فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِمُحَمَّدٍ وَبِالْمَعْنَى الصِّرْفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُنَاقَشُ فِيهِ بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْأَثَرِ لَا الْقِيَاسُ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قِيَاسٌ مُقَابِلُهُ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ظَنَّهُ خِلَافَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُتَمَسِّكَ لَهُ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُ بَحْثِهِ مُعَارَضَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ ، وَقَالُوا الْعَصَبَاتُ تَتَنَاوَلُ الْأُمَّ ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَيَثْبُتُ لِأَهْلِهَا إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ مُقَدَّمُونَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ تَرِثُ مِنْهُ الْأُمُّ كُلَّ الْمَالِ ، وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا إلَخْ ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَهُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ) ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ لِزُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ مَعَ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا أَوْ صَغِيرًا وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ ، بَيَانُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَزْوِيجِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَدَخَلَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ وَمَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كُتِبَ إلَيْهِ لِيُقَدِّمَ رَجُلًا فِي صَلَاةِ جِنَازَةِ الصَّغِيرِ فَلِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ وَلَوْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاقِيَةً لَمَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقَدَّمَ غَيْرَهُ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ثَمَّ قَدْرُ الْغَيْبَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ غَايَةٌ فَاعْتُبِرَ بِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الْحَاضِرِ الْخَاطِبِ إلَى اسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ
نَظَرِيَّةٌ وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ الْكُفْءُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ وَابْنُ سَلَمَةَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الشَّهْرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ كُوفَةَ إلَى الرَّيِّ وَهُوَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مَرْحَلَةً وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الرَّيِّ إلَى بَغْدَادَ وَهُوَ عِشْرُونَ مَرْحَلَةً ، وَفِي الرَّوْضَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَا تَخْتَلِفُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَذْهَبُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءُ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ : أَنْ لَا يُوقَفَ لَهُ عَلَى أَثَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ جَابَلْقَا إلَى جَابَلْسَا وَهُمَا مَدِينَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ : هَذَا رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ زُفَرَ هَذِهِ الْمَسَافَةُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا .
قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ ) أَيْ حَتَّى تَبْلُغَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ ) أَيْ لَا الْأَبْعَدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ ) أَيْ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ كَذَا هُنَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ صَغِيرًا ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَاضِلِ وَالْغَائِبِ أَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ فَتَنْتَقِلُ إلَى السُّلْطَانِ ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ إلَيْهِ وَالْغَائِبَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَافْتَرَقَا فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ وَالْحَضَانَةَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ عَلَى قِيَامِ وِلَايَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ صَحَّ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْلَبْ الْوِلَايَةَ شَرْعًا بِغَيْبَتِهِ أَجَابَ بِمَنْعِ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ) ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَبَوَانِ بِأَنْ ادَّعَيَا وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ا هـ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا أَحْسَنُ ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَاسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ ، وَعَنْ هَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً ، وَهَذَا أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ وَفِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ ا هـ فَتْحٌ ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ كَذَا فِي الْغَايَةِ ا هـ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ) وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَصِلَ الْخَبَرُ إلَى الْخَاطِبِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إلَخْ ) بِأَنْ كَانَ جَوَّالًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ مَفْقُودًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مُخْتَفِيًا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : جَابَلْسَا ) فِي الْقَامُوسِ جَابَلْصَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ ) أَيْ لَا تَبْطُلُ وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ بِمَجِيءِ الْأَقْرَبِ ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ بِمَجِيئِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ لَا الْأَبُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الِابْنِ وَلِهَذَا تَعُمُّ وِلَايَتُهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ فَكَانَ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ وَالْأَصْلِيِّ لِوُجُودِ الْعَجْزِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ فِي الطَّارِئِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ زَالَتْ بِبُلُوغِهَا عَاقِلَةً فَلَا تَحْدُثُ بَعْدَهُ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَجْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ ، وَعِنْدَ حُضُورِهِمَا يُقَدَّمُ الْأَبُ احْتِرَامًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ مَعَ الِابْنِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ .( قَوْلُهُ : وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ ) أَيْ شَرْعًا لِانْفِرَادِهِ بِالْأَخْذِ بِالْعُصُوبَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ ) أَيْ بِأَنْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصْلِيُّ ) أَيْ بِأَنْ بَلَغَتْ مَجْنُونَةً ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْعَارِضِ وَالْعَارِضُ هُوَ الطَّارِئُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ ) وَلَا يَبْعُدُ إذْ فِي الِابْنِ قُوَّةُ الْعُصُوبَةِ وَفِي الْأَبِ زِيَادَةُ الشَّفَقَةِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةٌ ا هـ فَتْحٌ
( فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ ) الْكُفْءُ النَّظِيرُ لُغَةً يُقَالُ كَافَأَهُ أَيْ سَاوَاهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ } اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { : أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ } ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ كَالِازْدِوَاجِ وَالصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ وَتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَيَتَضَرَّرُ الْأَوْلِيَاءُ بِهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا .
فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ ) الْأَكْفَاءُ جَمْعُ كُفْءٍ كَأَقْفَالٍ جَمْعُ قُفْلٍ ا هـ فَتْحٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ ثَبَتَتْ لَهُ ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ فَصْلُ الْكَفَاءَةِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ ) أَيْ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُمَا جَازَ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِمَا رَوَى جَابِرٌ إلَخْ ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْد الْبَرّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً ) أَيْ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا بِخِلَافِ جَانِبِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ ) ، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ ) أَيْ وَإِلَّا فَفِي الدُّنْيَا ثَابِتٌ فَضْلُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْعَجَمِيِّ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ ) لِمَا ذَكَرْنَا وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَبْقَى أَحْكَامُهُ مِنْ إرْثٍ وَطَلَاقٍ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ، وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا ، ثُمَّ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ ) أَيْ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا رَضِيَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْكُلِّ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلَهُمَا أَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ إذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَبْقَى حَقُّ الْبَاقِينَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ ) قَالَ الْكَمَالُ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَاتِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْوَلِيِّ دَلَالَةُ الرِّضَا كَقَبْضَةِ الْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى السَّكْتِ فَظَهَرَ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْعَاقِدُ الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُ الزَّوْجُ بِهَا حَيْثُ كَانَ لَهُ التَّفْرِيقُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِيمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُمْ الْفَسْخُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَانَ لِلْعَاقِدِ الْفَسْخُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ أَنْ يَطَأَهَا مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ نَعَمْ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا تَزَوَّجْتُك عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَعَسَى لَا يَرْضَى فَيُفَرَّقُ فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا ) قَالَ الرَّازِيّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ ا هـ وَصِفَةُ التَّفْرِيقِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي : فَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ بَيْنَ هَذِهِ الْمُدَّعِيَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا ) أَيْ بَلْ فَسْخًا ا هـ قَالَ
الرَّازِيّ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ ، وَهَذَا فَسْخٌ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا ا هـ ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعُقْرُ ا هـ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ) أَيْ وَزُفَرُ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَبْضُ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا ) ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَكَذَا التَّجْهِيزُ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا فَفَارَقَتْهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي .( قَوْلُهُ : كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَخْ ) وَفِي الْحَلْوَانِيِّ لَوْ رَضِيَ الْوَلِيُّ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ، ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ اعْتِرَاضٌ بِخِلَافِ الْبَائِنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي ) أَيْ كَالشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ بِيعَ ثَانِيًا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الثَّانِي ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا السُّكُوتُ ) أَيْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ مِنْ الْوَلِيِّ رِضًا ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِهَا إلَّا إذَا سَكَتَ إلَى أَنْ تَلِدَ ، فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً .( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً ) ، وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ نَسَبًا فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا ، وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ وَدِيَانَةً وَمَالًا وَحِرْفَةً ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَقَعُ بِهَا التَّفَاخُرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَزَوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَالْمَبِيعِ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَوْلُهُ : فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ أَيْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَلِيًّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ فَاطِمَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعُمَرُ عَدَوِيٌّ وَهِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَيَجْمَعُهُمَا قُرَيْشٌ ، وَكَذَا الْعَرَبُ غَيْرُ قُرَيْشٍ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَا يَكُونُ سَائِرُ الْعَرَبِ أَكْفَاءً لِقُرَيْشٍ لِمَا تَبَيَّنَ ، وَالْمَوَالِي لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِلْعَرَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ } وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَإِنَّمَا يَفْتَخِرُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ ؛ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِأَيْدِي الْعَرَبِ وَكَانَ لِلْعَرَبِ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَإِذَا تَرَكُوهُمْ أَحْرَارًا فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ وَالْمَوَالِي هُمْ الْمُعْتَقُونَ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا بَنُو هَاشِمٍ ، ثُمَّ قُرَيْشٌ ، ثُمَّ الْعَرَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ النَّاسِ الْعَرَبَ ، وَمِنْ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا فَخْرَ } وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ إذَا وَلَدَتْ حَلِيلَةُ بَاهِلِيٍّ غُلَامًا زَادَ فِي عَدَدِ اللِّئَامِ وَقَالَ آخَرُ : وَلَوْ قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ عَوَى الْكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبِ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَتَتَكَافَأُ دِمَاؤُنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ وَلَوْ قَتَلْت بَاهِلِيًّا لَقَتَلْتُك بِهِ } ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى دَنَاءَتِهِمْ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا عُرِفُوا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ ، وَقَوْلُهُ : وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا يَعْنِي تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْعَجَمِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ ، وَكَذَا الرِّقُّ ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ زَوَالُ الْعَيْبِ فَيُفْتَخَرُ بِهِمَا ، وَقَوْلُهُ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ يَعْنِي مَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّسَبِ فِي التَّعْرِيفِ إلَى الْأَبِ وَتَمَامُهُ الْجَدُّ فَلَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِيهِمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهِمَا ، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَبَ الْوَاحِدَ كَالْأَبَوَيْنِ ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ كُفْرُ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا وَالدَّلِيلُ عَلَى
ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي التَّعْرِيفِ حَيْثُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَكْفِي النِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَقَعُ اللَّبْسُ فِيهَا لِعَدَمِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِي مِصْرَ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْكُفْرَ يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ امْتَدَّ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَطَالَ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ ، وَقَوْلُهُ : وَدِيَانَةً وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تَنْبَنِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَغَيْرُ كُفْءٍ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ كُفْءٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ، وَقَوْلُهُ : وَمَالًا أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحَسَبُ الْمَالُ } ؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ وَهُوَ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ حَالًّا وَبِالنَّفَقَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَقَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي الْغِنَى هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ مَلَكَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْفَائِقَةِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ ذَا
جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفْئًا ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ ، وَقِيلَ إنَّ النَّفَقَةَ تُعْتَبَرُ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ يَكُونُ كُفْئًا ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا لَا يَكُونُ كُفْئًا ، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَهُوَ كُفْءٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيُعَدُّ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لِإِثْبَاتٍ لَهُ وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٍ ، قَوْلُهُ : وَحِرْفَةً أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرَفِ وَهِيَ الصَّنَائِعُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَفْتَخِرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَيُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ إلَى أَنْفَسَ مِنْهَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ كَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ وَالدَّبَّاغِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْحِرَفِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ .
( قَوْلُهُ : وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ فِي الدِّيَانَةِ ، ثُمَّ صَارَ دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ ) وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَيُقَالُ حَسَبُهُ دِينُهُ وَيُقَالُ مَالُهُ وَالرَّجُلُ حَسِيبٌ ، وَقَدْ حَسُبَ حَسَابَةً بِالضَّمِّ مِثْلُ خَطُبَ خَطَابَةً قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ قَالَ وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْآبَاءِ ا هـ جَوْهَرِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ شَيْئًا ا هـ ( قَوْلُهُ : { وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ } ) قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبَنُو بَاهِلَةَ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ غِيلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهُ إلَيْهَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ ) النِّقْيُ بِكَسْرِ النُّونِ ا هـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّقْيُ مُخُّ الْعَظْمِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ ، وَقَدْ أَطْلَقَ ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ
قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ } ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَبَوَانِ فِيهِمَا إلَخْ ) وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ أَيْضًا هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ ا هـ فَتْحٌ وَفِي الْغَايَةِ وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ } ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ، وَكَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَمَوْلَى الْعَرَبِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَوْلَاةِ الْهَاشِمِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفْئًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ ) ، وَهَذَا حَسَنٌ بِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ أَيْضًا ا هـ فَتْحٌ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفْئًا لَا يُفَرَّقُ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضِعَةِ نَسَبِهِ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْوَضِيعُ الدَّنِيءُ مِنْ النَّاسِ وَيُقَالُ فِي حَسَبِهِ ضِعَةٌ ، وَضِعَةٌ الْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ ا هـ قَوْلُهُ : وَهُوَ ) أَيْ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ ) ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِالنَّفَقَةِ إلَخْ ) وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ
إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفْئًا وَمَعْنَاهُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ لَهَا بِالْيَدِ وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ ابْنِ شُجَاعٍ جَعَلَ الْأَصَحَّ مِلْكَ نَفَقَةِ شَهْرٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ فِي النَّفَقَةِ تُعْتَبَرُ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ سَنَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِبَ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا ) أَيْ فَيَكْتَفِي بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٌ ) الْغَادِي الذَّاهِبُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ وَالرَّائِحُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا مُطْلَقُ الذَّهَابِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ يُتِمَّ مَهْرَهَا ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا ، فَإِذَا فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا ، وَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى ، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا لَا حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ ، وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَتَفَاخَرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ يُعْتَبَرُ مَهْرُ قَبِيلَتِهَا بِمَهْرِهَا فَيَرْجِعُ الضَّرَرُ عَلَى الْقَبِيلَةِ كُلِّهَا فَكَانَ لَهُمْ دَفْعُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ : الْمَسْأَلَةُ تُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ الْوَلِيُّ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَهِيَ رَاضِيَةٌ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهَا الْمَهْرُ فَتَزَوَّجَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِتْمَامِ ؛ لِأَنَّهَا تُسْقِطُهُ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ إقَامَةُ حَقِّ الْوَلِيِّ
كَمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُتِمُّ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إقَامَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ) أَيْ نَقْصًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا يَكُونُ عَفْوًا ا هـ مُسْتَصْفَى ، وَقَوْلُهُ : مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا ) أَيْ فَالثَّابِتُ الْتِزَامُ حَدِّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ فَرْعُ قِيَامِ مُكْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَنْ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِتَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ ا هـ هِدَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ) أَيْ لَوْ زَوَّجَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ غَيْرَ كُفْءٍ بِأَنَّ زَوَّجَ ابْنَهُ أَمَةً أَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِأَنْ زَوَّجَ الْبِنْتَ وَنَقَّصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُمَا غَيْرَ كُفْءٍ وَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ عِنْدَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ فَإِذَا فَاتَتْ فَاتَ النَّظَرُ وَبِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ النَّظَرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَوُفُورُ الشَّفَقَةِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَايَةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ } وَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَهْرَ مِثْلِهِمَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ عَلَى
عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَتَزَوَّجَ عُمَرُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلِهَذَا اسْتَأْذَنَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَكَلَامُنَا فِي الصَّغِيرَةِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِأُمِّهَا وَعُمَرَ وَابْنِهِ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا زَادَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذْ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَهْرَ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْفَضِيلَةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ قَلِيلًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اتَّسَعَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ فَتُوحَ الْبِلَادِ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمُهُورِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَسَاقَ إلَيْهَا مِائَةَ جَارِيَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَتَزَوَّجَ ابْنُ عَبَّاسٍ شُمَيْلَهْ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجَ أَنَسٌ امْرَأَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ) أَيْ تَزْوِيجُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَبِغَبْنٍ فَاحِشٍ ا هـ عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ ا هـ ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتَه وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرَهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَتِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّظَرَ وَعَدَمَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَيْسَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ بَاطِنٍ فَالضَّرَرُ كُلُّ الضَّرَرِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ وَإِدْخَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَكْرُوهَ عَلَى الْآخَرِ وَالنَّظَرُ كُلُّ النَّظَرِ فِي ضِدِّهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَأَمْرُ الْمَالِ سَهْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِ مَا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ بَاطِنًا يُعْتَبَرُ دَلِيلُهُ فَيُعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ النَّظَرِ قَائِمٌ هُنَا وَهُوَ قُرْبَةُ الْقَرَابَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى وُفُورِ الشَّفَقَةِ مَعَ كَمَالِ الرَّأْيِ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمِّ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْعَصَبَاتِ وَنُقْصَانِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُمْ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يُبْنَى الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ لَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبِرَتْ فَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا
بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوِيهِ مَا نَصُّهُ : غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ جَدُّهُ مُعْتَقَ قَوْمٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا صَارَ مُسْلِمًا وَلِلصَّغِيرَةِ آبَاءً أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ الصَّغِيرَةُ فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ فَلَا يَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ ، وَكَذَا لَوْ انْعَدَمَتْ الْكَفَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ا هـ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَلَغَتْ وَأَجَازَتْ لَمْ يَنْفُذْ ا هـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِعَشَرَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ذَكَرَهَا هُنَا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا لَهُمَا أَنَّ وِلَايَةَ الْآبَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرُ فِي هَذَا الْعَقْدِ ، وَعِنْدَ تَرْكِ النَّظَرِ كَانَ الْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَجَانِبِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْآبَاءِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ
تَصَرُّفُهُ وَلَهُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لِكَمَالِ رَأْيِهِ وَوُفُورِ شَفَقَتِهِ لَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ الْفَاحِشَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ مَطْلُوبَةٍ لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهَا إلَّا بِهِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ نَظَرًا وَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا حَتَّى لَوْ عُرِفَ الْأَبُ بِالْمَجَانَةِ وَسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ وَبِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّةَ هُوَ الْمَالُ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ يُعَدُّ ضَرَرًا وَلَا يُعَدُّ نَظَرًا فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا قُلْنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ) أَيْ وَيَثْبُتُ الْمَالُ كُلُّهُ فِي ذِمَّةِ الصَّغِيرِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَيَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَيَبْطُلُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ ) أَيْ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ا هـ غَايَةٌ ، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَالتَّسْمِيَةَ لَا تَجُوزُ ، وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ ا هـ طَرْسُوسِيٌّ وَغَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَايَةِ إلَخْ ) وَعَزَاهُ فِيهَا لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ : زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ ) أَيْ وَهِيَ ثَمَنُ دِرْعِهِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَفْضَلُ النَّاسِ
( فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ ) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ ؟ قَالَتْ نَعَمْ ، قَالَ تَزَوَّجْتُك فَعَقَدَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لِرَجُلٍ : أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ } الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ وَلَمْ يَسْلَمْ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهِ ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَهْرًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالْخُلْعِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ إذَا صَالَحَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُضَافًا إلَيْهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ الْتَزَمَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ .
فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا ) مِنْ أَحْكَامِ الْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ وَيَبْقَى الرَّسُولُ نَذْكُرُهُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ إذْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، غَيْرَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْوَلِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَانِيَةً لِلْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَأَوْرَدَهَا ثَانِيَةً فِي التَّعْلِيمِ لِبَابِ الْأَوْلِيَاءِ ، ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْفُضُولِيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْإِجَازَةِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى الْوَلِيِّ الْمُجِيزِ فَنَزَلَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ كَالشَّرْطِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْقِبْ بِنَفْسِهِ حُكْمَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالْوَلِيِّ إنْ نُظِرَ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَإِنْ نُظِرَ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْفَصْلِ لِلْوَكِيلِ أَوْ لَا وَبِالذَّاتِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ ) أَيْ الصَّغِيرَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : مِنْ نَفْسِهِ ) بِغَيْرِ إذْنِهَا فَيَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ أَوْ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ ) أَيْ وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ اثْنَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَمُعَبِّرٌ ) أَمَّا كَوْنُهُ مُعَبِّرًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ عِبَارَةَ الْعَقْدِ صَدَرَتْ مِنْهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَفِيرًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَيْسَتْ بِرَاجِعَةٍ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْمُوَكِّلِ ا هـ ق ( قَوْلُهُ : وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ ) أَيْ دُونَ التَّعْبِيرِ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِالْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
الْأَبُ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَإِلَّا فَبَيْعُ الْأَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ بَلْ الْوِلَايَةُ وَالْأَصَالَةُ ، ثُمَّ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ : زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُولَ قَبِلْت ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ التَّفْرِقَةَ طَلَاقًا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نُفُوذِهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا إلَيْهَا ، فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي إنَّمَا أَرَدْت لِأَعْلَمَ هَلْ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ؟ وَأَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا } ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الزَّوْجِ الْكُفْءِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ إجَازَةٌ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ خَامِسَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ أَحَدٍ حَتَّى لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بِأَنْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ وَأَجَازَ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ فِي بَعْضِهِنَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الصَّبِيَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ
أَحَدٍ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتِبِ إذَا تَكَفَّلَ بِمَالٍ ، ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ ، ثُمَّ أَجَازَ هَذِهِ الْوَكَالَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ نَفَذَتْ الْوَكَالَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ جَائِزَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ قَابِلَةٌ لِلِالْتِزَامِ وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعِتْقِ ظَهَرَ مُوجَبُهُ ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ وَالْوَصِيَّةُ فَالْإِجَازَةُ فِيهِمَا إنْشَاءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَسْتَدْعِي عَقْدًا سَابِقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : أَجَزْت أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ تُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أَجَزْت أَنْ تَكُونَ وَكِيلِي فِي ذَلِكَ كَانَ تَوْكِيلًا صَحِيحًا وَكَذَا لَوْ قَالَ : أَجَزْت أَنْ يَكُونَ مَالِي وَصِيَّةً لِفُلَانٍ كَانَتْ وَصِيَّةً صَحِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : أَجَزْت عِتْقَ عَبْدِي أَوْ أَجَزْت أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ أَجَزْت أَنْ تَكُونَ فُلَانَةُ امْرَأَتِي لَا يَصِحُّ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا إنْشَاءً وَلَا يُمْكِنُ انْعِقَادُهَا لِعَدَمِ الْمُجِيزِ حَالَ صُدُورِهَا لَغَتْ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَالَامَةُ نَفَذَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ ) أَيْ عَلَى التَّوَقُّفِ إنَّمَا الضَّرَرُ فِي إبْرَامِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى إذَا رَأَى ) أَيْ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ لَا يَحْصُلُ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَا يَتَّفِقُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) أَيْ لِلْبَائِعِ بِتَرَاخِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى اخْتِيَارِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ فَعَدَمُ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَلَى عَقْدِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ يُرْجَى نَفْعُهُ وَاسْتِعْقَابُهُ حُكْمَهُ ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَوَجَبَ انْعِقَادُهُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا رَأَى إلَخْ فَقَوْلُهُ : لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِهِ فَيَلْغُو مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ إذَا أَيِسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مِمَّا يَمْنَعُ وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وَإِنْ أُرِيدَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فُضُولِيٌّ فَمُنَوَّعٌ بَلْ أَهْلُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إثْبَاتِ حُكْمِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا ا هـ قَوْلُهُ : انْعَقَدَ مَوْقُوفًا ) أَيْ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ثَبَتَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ فُسِّرَ الْمُجِيزُ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ ، سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا ، وَقَالَ فِي فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ مِنْ النِّهَايَةِ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ
الْعُقُودَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبْطُلُ وَالشِّرَاءُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ بَيَانُهُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَاعَ مَالَهُ وَاشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَنَحْوَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ نَفَذَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً وَلَا يَنْفُذُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِمَّا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ بَاطِلَةً غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ ، كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ ا هـ وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزُ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا وَلَوْ أَرَادَ بِالْمُجِيزِ هُنَا الْمُخَاطَبَ مُطْلَقًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَهُ مُجِيزٌ ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ لِيَصِحَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فُضُولِيٌّ وَلَوْ قَبِلَ عَقْدَهُ آخَرُ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْعَقْدُ شَامِلًا لِلْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُخَاطَبٍ بَلْ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ إمْضَائِهِ فَقَطْ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَجْنَبِيٌّ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ
مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا تَطْلُقُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ عَادَتْ وَدَخَلَتْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ ، كَذَا فِي الْجَامِعِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذَا الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَعُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُجِيزُ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْإِمْضَاءِ يَنْدَرِجُ الْمُخَاطَبُ فِي ذِكْرِ الْعَقْدِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ الْفُضُولِيُّ فَإِنَّ اسْمَ الْعَقْدِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالشَّطْرَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ : وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُعْقَدَانِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ ) وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانًا وَهُوَ غَائِبٌ ، أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ آخَرُ : اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتهَا مِنْهُ حِينَ قَالَ الرَّجُلُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْته مِنْهَا حِينَ قَالَتْ ذَلِكَ جَازَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فُضُولِيٌّ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَلَغَهُمَا فَأَجَازَا لَا يَنْفُذُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَتَوَقَّفُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ يَتَوَقَّفُ ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ الْوَاحِدِ أَصْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ مِثْلُ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ بِنْتِ ابْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ فِي دَرَجَتِهِ حَتَّى يُزَوِّجَهُمَا بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا غَيْرَهُ فِي دَرَجَتِهِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَقُومُ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَالشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَقُومُ مَقَامَ شَخْصَيْنِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
مَأْمُورًا يَتَوَقَّفُ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِذْنِ فِي النُّفُوذِ لَا فِي جَعْلِ غَيْرِ الْعَقْدِ عَقْدًا كَمَا إذَا جَرَى ذَلِكَ بَيْنَ فُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ فُضُولِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَجَازَهُ نَفَذَ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ : خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى كَذَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا فَقَبِلَتْ جَازَ ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَرَ عَنْ إذْنٍ لَا يَصِحُّ فَبِدُونِ الْإِذْنِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْوَاحِدِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ شَطْرًا حَالَةَ الْحَضْرَةِ حَتَّى يَبْطُلَ بِقِيَامِ أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كُلُّ الْعَقْدِ حُكْمًا لِحَقِّ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَشَخْصَيْنِ وَكَلَامُهُ كَكَلَامَيْنِ فَيُقَدَّرُ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْكَلَامَيْنِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ كَلَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ كَالْكَلَامَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْوِلَايَةِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَكَلَامَيْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ بَعْضُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْقَبُولُ فَيَصِيرَ عَقْدًا مُعْتَبَرًا وَلَا بَقَاءَ لِلْكَلَامِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ يَتَلَاشَى وَيَضْمَحِلُّ وَإِنَّمَا يُعَدُّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ حُكْمِهِ فَمَتَى أَفَادَ حُكْمًا يَبْقَى بِاعْتِبَارِهِ فَتَعْمَلُ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا فَلَا وَالْعَقْدُ التَّامُّ لَهُ حُكْمٌ وَبَعْضُ الْعَقْدِ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا فَصَارَتْ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتِهِمَا فَكَانَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِاثْنَيْنِ مَعْنًى وَهُنَا لَا
تَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَبَقِيَتْ عِبَارَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلْعَقْدِ وَبِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْيَمِينُ حُكْمٌ فَيَبْقَى بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ النِّكَاحُ تَعْلِيقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا بُطْلَانُهُ بِقِيَامِهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ مِنْ جَانِبِهَا وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَغَيْرِهِ عَقْدٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهِ جَوَازُ الشَّرْطِ وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ : لِأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَلَوْ تَكَلَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ صَرِيحًا يَتَوَقَّفُ بِأَنْ قَالَ : زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلْت عَنْ فُلَانٍ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ الْكَبِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَبَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَكِيلٌ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً نَفَذَ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مِنْ جِهَتِهَا .
( قَوْلُهُ : أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانًا وَهُوَ غَائِبٌ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ لَهَا مِنْهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ مِنْهَا لَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ لَا يَجُوزُ ) أَيْ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ قَوْلُهُ : وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ ) أَيْ مَوْقُوفًا اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ مَأْمُورًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ غَائِبَةً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مُوَكِّلِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَتَوَقَّفُ ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَخَالَفَ بِامْرَأَتَيْنِ ) يَعْنِي إذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِمَا لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ وَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ إذْ الْوَطْءُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُنْكَرَةُ ضِدُّهَا وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيُّنُ التَّفْرِيقِ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا أَيَّتَهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَنْكُوحَةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ثَلَاثًا ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْبَيَانِ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ الْمِيرَاثُ وَمَهْرُ إحْدَاهُمَا بَيْنَهُمَا لَهُمَا وَيَلْزَمُهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِأَمَةٍ ) أَيْ لَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِالنِّكَاحِ مُخَالِفًا بِتَزْوِيجِهِ الْأَمَةَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُخَالِفٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمَةُ الْغَيْرِ أَمَّا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ ؛
لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَلَهُمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهِ ، وَكَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيءِ إنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَزَوَّجُ الْكُفْءَ وَغَيْرَ الْكُفْءِ طَلَبًا لِتَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ وَإِلْغَاءُ إطْلَاقِهِ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَلَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَوْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فَرَكِبَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ لُغَةً وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ إنْسَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانَ فَصَلُحَ مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِ عُرْفًا لَفْظِيًّا وَلَفْظُ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى السَّوَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ أَمَةً يَحْنَثُ ، وَالْعُرْفُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَاللَّحْمِ مُشْتَهِرٌ وَفِي الْمَرْأَةِ مُشْتَرَكٌ وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الْمَرْأَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ وَلَوْ زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي قَوْله
تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ } ، وَكَذَا الْعُرْفُ جَارٍ بِتَزَوُّجِ الصَّغِيرَةِ كَتَزَوُّجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِعَائِشَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِغَيْرِ مَوَاضِعِ التُّهَمِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ الصَّغِيرَةَ وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ امْرَأَةً أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِلْإِطْلَاقِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ ، وَلَوْ كَانَ كُفْئًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ إجْمَاعًا ، وَكَذَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْعُرْفِ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ بِأَنْ وَجَدَ الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً وَحَوَّلَهَا إلَى مُوَكِّلِهِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ وَفِي التَّحْرِيرِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْفَرْقَ ، ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا فِيهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِيهِ وَلَا تَنْتَهِي بِهِ الْوَكَالَةُ لِلْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ فَصَارَ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ ) وَفِي النِّهَايَةِ الشَّاهِيَةِ هَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْمُعَيَّنَةِ وَتَوَقَّفَ نِكَاحُ الْأُخْرَى عَلَى الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهَا فُضُولِيٌّ فِي الْأُخْرَى ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ ) أَيْ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْآمِرُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ يَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقَ وَأَمَّا إذَا أَجَازَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَخْ ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ غَايَةٌ أَمَّا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَلِطُولِ الْحُرَّةِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُحِيطِ الْكَفَاءَةُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا لِأَجْلِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ ، وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ تَزَوُّجُ الْأُمَرَاءِ بِالْإِمَاءِ ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ فَظَهَرَتْ نَبَطِيَّةً فَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ الْكَفَاءَةُ فِي النِّسَاءِ
غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَيُرْوَى غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِأَوْلِيَائِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَمِيرِ إذَا تَزَوَّجَ وَضِيعَةً وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَقِيلَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ ) أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْتُمْ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْنَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْوَاقِعُ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ تَزَوُّجُهُمْ بِالْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِ الْمُكَافِئَاتِ ، فَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِتَزْوِيجِ الْمُكَافِئَاتِ لِيَنْصَرِفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ ) أَيْ لَا لَفْظِيٌّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : جَازَ بِالْإِجْمَاعِ ) ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ ) يُنْظَرُ فِي هَذَا وَفِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبِنْتِ قَارِظٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ ) وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ ا هـ غَايَةٌ
( بَابُ الْمَهْرِ ) لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مُوجَبُهُ النِّكَاحُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْمَهْرِ ، وَكَذَا مَعَ نَفْيِهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : إنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ التَّوَالُدُ وَالِازْدِوَاجُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْمَهْرِ .
( بَابُ الْمَهْرِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَهْرُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ إيَّاهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ ا هـ وَالْمَهْرُ لَهُ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ ، الصَّدَاقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالْأَجْرُ وَالْفَرِيضَةُ وَالْعَلَائِقُ وَالْعُقْرُ وَهُوَ غَالِبٌ فِي الْإِمَاءِ وَالْحِبَاءِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَالَ لَهَا عُقْرُ نِسَائِهَا يُقَالُ أَصْدَقَهَا وَلَا يُقَالُ أَمْهَرَهَا بَلْ مَهَرَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي الصِّحَاحِ أَمْهَرَهَا وَمَهَرَهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَهَرَ الْمَرْأَةَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَأَمْهَرَهَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَتَزَوَّجَهَا بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ ) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ ) وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْمَهْرُ كَالثَّمَنِ ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ لَا ثَمَنَ لَا يَصِحُّ فَكَذَا النِّكَاحُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَفْسُدَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ السَّابِقِ ، ثُمَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ وَسَنَذْكُرُهُ قُلْنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ اُعْتُبِرَ حُكْمًا شَرْعًا وَإِلَّا لَمَا تَمَّ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ بِلَا رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ ، فَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ كَانَ حُكْمًا ، وَإِذَا ثَبَتَ بِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا كَانَ شَرْطُ عَدَمِهِ شَرْطًا فَاسِدًا وَبِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنُهُ فَلَا يَتِمُّ دُونَ رُكْنِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ بِعْت بِكَذَا لَا مُجَرَّدُ بِعْت هَذَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ
كَالْمُسَمَّى فِي كَوْنِهِ دَيْنًا فَإِنْ هَلَكَ وَبِهِ وَفَاءٌ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُتْعَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَهُ بِالْمُتْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَهَا حَبْسُهُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يُحْبَسُ بِخَلَفِهِ كَالرَّهْنِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِالْقِيمَةِ ، وَجْهُ الْآخَرِ أَنَّهَا دَيْنٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّهَا ثِيَابٌ وَهِيَ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمُتْعَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجِ الرَّهْنَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَمَنَعَتْهُ حَتَّى هَلَكَ هَلْ تَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْهُ بِحَقٍّ وَفِي الْأَخِيرِ تَضْمَنُ تَمَامَهُ ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَنْعِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ تَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمُتْعَةِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهَا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ ) يَعْنِي لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ الْمَالُ جُزْءًا فَيَتِمُّ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَقْدٌ يَسْتَلْزِمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي مَفْهُومِهِ زِيَادَةُ شُرُوطٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ يَثْبُتُ زِيَادَةُ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ شَرْعًا عَلَى الدَّعْوَى وَيُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَهْرَ أَيْضًا وَاجِبٌ شَرْعًا فِيهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا حُكْمًا لَهُ حَيْثُ أَفَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ إنْ لَمْ يُسَمِّ إبَانَةَ شَرَفِ الْمَحَلِّ أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } ، قَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِهِ
وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ حُكْمًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } ، فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ وَكَانَ وَاجِبًا لَيْسَ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ الْحُكْمُ وَأَمَّا أَنَّهُ إبَانَةٌ لِشَرَفِهِ فَلِعَقْلِيَّةِ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُشْرَعْ بَدَلًا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ تَسْمِيَتِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَدَلَ النَّفَقَةُ ، وَهَذَا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ فَلَا يُسْتَهَانُ بِهِ ، وَإِذَا فُقِدَ تَأَكَّدَ شَرْعًا بِإِظْهَارِ شَرَفِهِ مَرَّةً بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَمَرَّةً بِإِلْزَامِ الْمَالِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَهْرَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ التَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمِهِ كَالْمِلْكِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ذِكْرُهُ ، ثُمَّ يَثْبُتُ هُوَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ انْتَهَى كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَازْدِوَاجٍ ) أَيْ لُغَةً ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ ) ، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ انْتَهَى هِدَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى يَجُوزَ وَزْنُ عَشَرَةٍ تِبْرًا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِخِلَافِ نِصَابِ السَّرِقَةِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : أَقَلُّهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ : أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ، وَعَنْهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَقَلُّهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدَّرَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا ، وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ : مَا جَازَ أَنْ يُمْلَكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ { عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَمْ سُقْت إلَيْهَا ؟ فَقَالَ : زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { : مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَدُّوا الْعَلَائِقَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ ؟ قَالَ : مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ { : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ سُورَةُ كَذَا
وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } وَيُرْوَى { أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا } وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ { أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ بِنَعْلَيْنِ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِوَضِ فِيهِ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاعْتِبَارُهُ بِالْإِجَارَةِ أَشْبَهُ لِكَوْنِ الْمَهْرِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ { : لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ لَكِنْ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يَصِيرُ حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَقَلُّ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ الْمَرْأَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ حُقُوقِهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَاقَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْفَلَسِ ، وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ نَظِيرُ { قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَلِيٍّ لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَأَرَادَ
الْبِنَاءَ بِهَا : أَعْطِهَا شَيْئًا ، فَقَالَ عَلِيٌّ : مَا عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ ، } وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَهَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ عَلِيٍّ وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ جَابِرٌ فِي آخِرِهِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا صَلَحَ بَدَلًا لِوَطْئِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَصْلُحَ لِلْأَبَدِ ؛ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } فَمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ جَعَلَهُ مَهْرًا وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا وَإِنَّمَا قَالَ : بِمَا مَعَك أَيْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَفِيهِ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَاقِ حَدٌّ لَكَانَ الدَّانَقُ وَالْحَبَّةُ وَالْفَلْسُ صَدَاقًا لِلْبُضْعِ ، فَيَكُونُ دُونَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ لِقِلَّتِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْحَبَّةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذْ كُلُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحُرَّةِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمَةِ ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَوَازِ أَيْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ، وَلَيْسَ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَهْرَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمَرْأَةُ قَدْ لَا تَرْضَى أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ غَالِبًا وَهُوَ الْعَادَةُ وَمَهْرُ مِثْلِ
الْحُرَّةِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْأَمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا قَالَ وَمَا يَقْطَعُ شَغَبَهُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَهْرَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُشْرَعْ بِدُونِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ وَخَطَرِهِ وَلَوْ صَلُحَ الْفَلْسُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ بِخَطِيرٍ مَهْرًا لَمْ يَظْهَرْ خَطَرُهُ وَلَجَازَ بِدُونِ الْمَهْرِ إذْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي هَذَا أَفْسَدُ ؛ لِأَنَّ حَبَّةَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا يَعُدُّهَا أَحَدٌ مَالًا ، وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَتْ لَا يَأْخُذُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِدُونِ الْمَالِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) لَوْ تَزَوَّجَهَا بِدِينَارٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُكْمِلُ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ الْوَبَرِيُّ ا هـ غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ ) أَيْ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ ) هُوَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى نَقَلَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْعَشَرَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَقَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ) أَيْ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَقَلَّ مِمَّا حَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ النَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُمَا : تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ ) أَيْ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ) أَيْ وَالطَّبَرَانِيُّ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : وَيُرْوَى { أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا } ) مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ ) أَيْ ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ) أَيْ فِي التَّمْهِيدِ ا هـ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَافِظُ الْمُغْرِبِ تُوُفِّيَ بِشَاطِبَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْمُبْهَمَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ ) أَيْ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَقَلِّ الْمَهْرِ فِي الْغَايَةِ قَالَ عِيَاضٌ لَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ ذَهَبٍ وَذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى
دِينَارَيْنِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عِنْدِي لَا وَجْهَ لَهُ ؛ لِأَنَّ وَزْنَهَا مَجْهُولٌ وَالصَّدَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت بَلْ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ عِنْدَ تَعْجِيلِهَا وَقَبْضِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ) حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا رُوِيَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْغَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاسْتَدَلُّوا بِمَنْعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلِيًّا مِنْ الدُّخُولِ عَلَى فَاطِمَةَ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ أَيْ نَدْبِ تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا تَأَلُّفًا لِقَلْبِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا خَالَفَ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَكَذَا يُحْمَلُ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْتِمَاسِ خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهُ تَقْدِيمُ شَيْءٍ تَأَلُّفًا وَلَمَّا عَجَزَ قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ { زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَبِهِ تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ ، } ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ
عَنْ أَبِي دَاوُد { أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُعْطِيَهَا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ ، فَقَالَ : أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا } ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدِيثُ النَّعْلَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِيهِ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَتُرِكَ وَحَدِيثُ الْعَلَائِقِ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ تُسَاوِيَانِ عَشَرَةً وَكَوْنِ الْعَلَائِقِ يُرَادُ بِهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهَا إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ بَعْدَهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ } فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ فِي دَلَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْقَطْعِيِّ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا تَامًّا كَانَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامِّ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِنَاءً عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَنَّ لُزُومَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ أَوْ نَدْبَهُ كَانَ وَاقِعًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى
ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي كَوْنُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إعْمَالًا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْإِحْلَالِ بِمُطْلَقِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ زِيَادَةً عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُقْتُرِنَ النَّصُّ نَفْسُهُ بِمَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبَهُ { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ إيمَانُهُمْ } ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُجْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَ النَّصُّ مَعْلُومِيَّةَ الْمَفْرُوضِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَالِاتِّفَاقَ أَنَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكِينَ كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا وَكَوْنُ الْمَهْرِ أَيْضًا مُرَادًا بِالسِّيَاقِ ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْله تَعَالَى { خَالِصَةً لَك } يَعْنِي نَفْيَ الْمَهْرِ خَالِصَةً لَك وَغَيْرِك { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ } مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَك لَا يَسْتَلْزِمُهُ تَقْدِيرُهُ بِمُعَيَّنٍ ا هـ مَعَ حَذْفٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ ضَعِيفٌ ) قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا ) أَيْ فَإِنْ سَمَّى الْعَشَرَةَ أَوْ دُونَ الْعَشَرَةِ ( فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ ) فَأَمَّا إذَا سَمَّى عَشَرَةً ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بِهِ ، وَكَذَا بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُعْقَدُ لِلْأَبَدِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مُوَاجِبِهِ وَأَمَّا إذَا سَمَّى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ ؛ فَلِأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَيَتَأَكَّدُ بِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ ، وَقَالَ زُفَرُ : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَارَ كَعَدَمِهِ قُلْنَا فَسَادُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَتَجَزَّأُ حَقًّا لِلشَّرْعِ ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ الْوَطْءَ وَالْمَوْتَ حَيْثُ يَجِبُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ وَهِيَ كَالْوَطْءِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ مُفْرَدًا بِشُرُوطِهِ فَلِقَصْدِهِ ذَلِكَ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَكَذَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا سَمَّى عَشَرَةً وَمَا دُونَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا إذَا سَمَّى أَكْثَرَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ظَاهِرٌ يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ الْعَشَرَةِ .
( قَوْلُهُ : فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمَوْتِ ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَوْتُهَا وَمَوْتُهُ وَاقْتِصَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَوْتِهِ اتِّفَاقِيٌّ قَالَهُ الْكَمَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لُزُومُهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلُ لَازِمًا لَكِنْ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهَا يَوْمَ كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِكَسَادِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ ) أَيْ لِأَنَّ انْتِهَاءَهُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ بِتَمَامِهِ فَيَسْتَعْقِبُ مُوَاجِبَهُ الْمُمْكِنَ إلْزَامُهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْإِرْثِ وَالنَّسَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَوْتَهَا أَيْضًا كَذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَعَدَمِهِ ) كَمَا لَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ ) فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ ) أَيْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنِصْفِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَالَهُ الْكَمَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ) أَيْ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ ) أَيْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ الشُّفْعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ كَالْوَطْءِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ كَالْوَطْءِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ ) وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وَنِصْفُ الْمُسَمَّى خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَانْعِدَامِهِ وَفِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ النِّصْفُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَلَوْنَا وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : الْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ وَمُرَادُهُ قِيَاسَانِ بَيَانُهُ أَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ جَمِيعِ الْمَهْرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْدَ عَرْضِ نَفْسِهَا عَلَيْهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِيهِ أَيْضًا عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ إلَيْهَا سَالِمًا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا شَيْءٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِهَا كَالتَّقَايُلِ فِي الْبَيْعِ فَتَعَارَضَا فَرَجَعْنَا إلَى النَّصِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّصِّ حَيْثُ رُجِعَ إلَى النَّصِّ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِالْخَلْوَةِ وَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى فِيهِمَا بَلْ يَجِبُ كُلُّ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُتْعَةُ فِي الثَّانِي وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ مِثْلَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَرَدَّ فِي الْغَايَةِ هَذَا الْجَوَابَ فَقَالَ : لَا يَجُوزُ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ زِيَادَةُ التَّخْصِيصِ بِهِ ، وَهَذَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْقِيَاسَ يُعَارِضُ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فَمَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا
عَارَضَهُ الْقِيَاسُ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً لَا عَلَى الْيَقِينِ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالْقِيَاسِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْحَوَاشِي سُؤَالًا فَقَالَ : فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ تَرْكُهُمَا بَلْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا قُلْنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيفَ عَمَلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إيجَابِ النِّصْفِ وَالْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إسْقَاطِ النِّصْفِ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَوَاشِي الْأَصْلُ إذَا تَعَارَضَ الْحُجَّتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى تَهَاتَرَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْآيَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ ، أَمَّا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ أَوْ بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا يَسْقُطَانِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ مِنْ حُكْمِ جَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ يُشْبِهُ التَّعَارُضَ صُورَةً فَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ إشْكَالًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ، أَحَدُهَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ هُنَا ، وَالثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا لَا يُتْرَكَانِ بَلْ يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ
تَرْكُهُمَا هُنَا ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ قَالَ مُتَعَارِضَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الثَّلَاثَةِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْحُجَّتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى الْأَضْعَفِ لَا إلَى الْأَقْوَى كَالْآيَتَيْنِ مَثَلًا إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى السُّنَّةِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ السُّنَّتَانِ يُصَارُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ صَارَ هُنَا لِتَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ إلَى الْكِتَابِ فَجَوَابُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ فَلِهَذَا صَارَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَارُضِ .
ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ ) ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَحُكْمُ هَذَا التَّنْصِيفِ يَثْبُتُ عِنْدَ زُفَرَ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَيَعُودُ النِّصْفُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ ، وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَارِيَةَ الْمَهْرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ لِلْمَرْأَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهَا عِنْدَهُ ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ عِتْقِهَا بِنِصْفِهَا لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ وَلَوْ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ نَفَذَ فِي الْكُلِّ ، وَكَذَا إذَا بَاعَتْ وَوَهَبَتْ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عِنْدَنَا ، وَإِذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضَمَّنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ وَلَوْ وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِشُبْهَةٍ فَحُكْمُ الْعَقْدِ كَحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَسَنَذْكُرُ لِحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ بِلَا دُخُولٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِبِكْرٍ فَدَفَعَهَا فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا لَيْسَ كَالدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ كَمَا لَهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ا
هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ) وَفِي الْمَبْسُوطِ ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةً فَلَهَا الثَّوْبُ وَالْخَمْسَةُ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ ، وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ وَاعْتِبَارَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَالثَّوْبُ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ ا هـ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثَوْبٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا سَيُعْلَمُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا ) أَيْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ جَائِزٌ ، وَهَذَا النَّصُّ إلَخْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ ) أَيْ مَا إذَا سَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ الْخَالِي عَنْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا ) أَيْ لِلتَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ ) أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إشْكَالًا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ إشْكَالٌ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ فِي مِثْلِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَأَكَّدُ وَيَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ ، وَكَذَا بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ وَلَمْ يَمَسَّ حَتَّى مَاتَ فَرَدَّدَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ أَرَى لَهَا مَهْرَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ : { أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رُؤَاسٍ حَيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ } ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَأَبُو سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْت } قَالَ : فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسَانِيدُهَا صِحَاحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :
لَا يُقْبَلُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَمْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْعَشَرَةِ وَفِيهِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ حَقُّهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الْوُجُوبَ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَهَا أَنْ تُبْرِئَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ .( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ إلَخْ ، وَقَوْلُهُ : إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ ) ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ ا هـ قَوْلُهُ : كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً ) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَرَدَّدَهُمْ ) أَيْ شَهْرًا وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ مُدَّةَ الشَّهْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ) الْوَكْسُ النَّقْصُ وَالشَّطَطُ الْعُدْوَانُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ ) وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْبَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تِزْوَعُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ ا هـ غَايَةٌ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ ، وَالْكَسْرُ خَطَأٌ وَفِي الصِّحَاحِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعُوِّلَ إلَّا خروع وَعَتُودٌ اسْمُ وَادٍ ا هـ قَوْلُهُ : بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ ) أَيْ وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَمَتِّعُوهُنَّ ، } أَمْرٌ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَكَذَا كَلِمَةُ حَقًّا وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ وَذِكْرُ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ مَنْ يَخْشَاهَا } مَعَ أَنَّهُ مُنْذِرٌ لِلْكُلِّ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ إلَّا مَنْ يَخْشَى صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُنْذِرْ غَيْرَهُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا لَمْ يَأْتَمِرْ إلَّا الْمُتَّقِي وَالْمُحْسِنُ خُصَّا بِالذِّكْرِ وَمَا ذَكَرُوهُ يَلْزَمُهُمْ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْمُتْعَةُ ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا إلَخْ ) أَيْ وَلَا يَتَنَصَّفُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِي الْمَفْرُوضِ بِالْعَقْدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ عِنْدَهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ ) أَيْ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } ) أَيْ وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةَ صَرْفِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ إلَى النَّدْبِ ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ قَصْرِ الْمُحْسِنِ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبَاتِ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فَلَا يَكُونُ صَارِفًا لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ لَفْظِ حَقًّا وَعَلَى ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ ) أَيْ الْمُتْعَةُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ ، وَقِيلَ حَالُهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : هُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { بِالْمَعْرُوفِ } ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ ، ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى أَقْوَى وَمَعَ هَذَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا يَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا تَجِبُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا بِشَهْوَةٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ اشْتَرَاهَا وَكِيلُهُ مِنْهُ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ يَجِبُ وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُسَمِّ ، ثُمَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ ،
وَقِيلَ كُلُّهُ وَيَجِبُ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَهِيَ دِرْعٌ إلَخْ ) دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا ا هـ صِحَاحٌ ( قَوْلُهُ : وَخِمَارٌ ) وَهُوَ مَا يُخَمَّرُ بِهِ الرَّأْسُ أَيْ يُغَطَّى ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَمِلْحَفَةٌ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا ا هـ ع ( قَوْلُهُ : لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ) أَيْ وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ فَكَذَا خَلَفُهُ ا هـ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : عَلَى { الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَصُيِّرَ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشَرَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ ) أَيْ الْمُتْعَةُ ( قَوْلُهُ : كَالطَّلَاقِ ) أَيْ بِالطَّلَاقِ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا وَإِنْ وُحِّدَتْ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا حُكْمُهُ فَلَا مُتْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ ا هـ قَوْلُهُ : وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ ) أَيْ وَلَا تُسْتَحَبُّ أَيْضًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ ) أَيْ الصَّغِيرُ إذَا زَوَّجَهُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ ، ثُمَّ بَلَغَ فَفَسَخَ النِّكَاحَ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ ، وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إلَّا هَذِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ امْرَأَتِهِ فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى حَتَّى فَسَدَ النِّكَاحُ فَلَا مَهْرَ لِلْمَوْلَى عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهِ عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ وَلَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ مَنْ يَشْتَرِيهَا لَهُ وَوَكَّلَ الْمَوْلَى مَنْ يَبِيعُهَا فَاشْتَرَاهَا وَكِيلُ الزَّوْجِ مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى فَقَدْ بَطَلَ الْمَهْرُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُتْعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ كُلُّهُ وَيَجِبُ النِّصْفُ إلَخْ ) ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُهُورِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ ، ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَسَمَّى لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا الزَّائِدُ عَلَى الْمُسَمَّى بَعْدَهُ بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّانِي وَيَسْقُطُ الزَّائِدُ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَتَنَصَّفُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالزَّائِدُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَفْرُوضِ بَعْدَهُ دُونَ الزَّائِدِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعْيِينٌ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَسْقُطُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْمَوْتِ عَنْهَا وَيَجِبُ هَذَا الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعْيِينٌ لَهُ لَوَجَبَ مَعَهُ كَمَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا ، ثُمَّ زَادَهَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمُسَمَّى فَيَجِبَانِ جَمِيعًا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِمَا تُلِيَ الْفَرْضُ الْمَوْجُودُ عَنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فِي الْغَايَةِ : وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا عُمُومَ لَهُ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَنَاوِلُ لِلذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلصِّفَاتِ إلَّا بِقَيْدٍ فَلَا يُقَيَّدُ بِوَصْفٍ دُونَ وَصْفٍ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عُمُومٌ وَلَا خُصُوصٌ فَاسْتَحَالَ كَلَامُهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ ) لَا يَخْفَى أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فُرِضَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَتَنَصَّفُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَصْلَ الْمَهْرِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ا هـ مُجْتَبَى ( قَوْلُهُ : وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْآخَرَ كَقَوْلِهِمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُهُ : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فُرِضَ بِالْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ وَقُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَذَا فِي الْعَقْدِ وَالْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُسَمًّى فِيهِ فَلَا يَتَنَصَّفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ ) حَتَّى كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فُرِضَ لَهَا الصَّدَاقُ أَنَّهُ أَوْجَدَهُ فِي الْعَقْدِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ : وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ بَعْدَمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ وَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدُ اللَّفْظِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَقَّ التَّقْيِيدُ بِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَمَتِّعُوهُنَّ } وَالْفَرْضُ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ لَدَى الْعَقْدِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا عُمُومَ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى ) أَيْ غَيْرَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُرَادٌ اتِّفَاقًا فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمُطْلَقِ وَلَا عُمُومَ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَنَاوِلُ
لِلذَّاتِ إلَخْ ) أَمَّا الْعُمُومُ فَقَدْ نَفَاهُ وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ خَاصٌّ لِيَسْتَحِيلَ كَلَامُهُ ، وَقَوْلُهُ : فَلَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِمُقَيَّدٍ قُلْنَا يُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ فَانْتَفَى الْإِطْلَاقُ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَوْ رَافَعَتْهُ لِيَفْرِضَ لَهَا فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ نَفْسُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّ الْفَرْضَ لِتَعْيِينِ كَمِّيَّتِهِ لِيُمْكِنَ دَفْعُهُ وَهُوَ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ فِي النَّصِّ الْمُتَعَارَفِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ عَقَدَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَهُ تَقْدِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الدَّارَ وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمُتْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ ، ثُمَّ بَاعَهَا بِهِ الدَّارَ فَإِنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الدَّارَ شِرَاءً بِالْمَهْرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالدَّارُ لَهَا فَتَرُدُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِلصَّدَاقِ بِالشِّرَاءِ ، وَالشِّرَاءُ لَا يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ حَطُّهَا ) يَعْنِي مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ جَوَازَ الْحَطِّ وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَازَ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَقْصُودًا ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ الْبُضْعَ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا تَصِحُّ فَتَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } ؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْضِ الْمَهْرِ وَلِهَذَا جَازَ فَرْضُهُ فِيهِ إذَا لَمْ يُفْرَضْ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَ حَالَةَ الزِّيَادَةِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فَيُسْتَنَدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ بِمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ فِي الْعَقْدِ شَيْئًا ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ بُضْعَهَا بِلَا مَهْرٍ عِنْدَهُ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ ، فَيَكُونُ الْمَفْرُوضُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ فَرْضِهِ .( قَوْلُهُ : وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ إلَخْ ) وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ النِّكَاحِ حَالَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا لَهُمَا لَكِنْ الْقُدُورِيُّ ذَكَرَ صُورَةَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ قَابِلٌ ا هـ طَرْسُوسِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَلْوَةُ بِلَا مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمِ فَرْضٍ كَالْوَطْءِ ) حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ كَامِلًا كَمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَدِيدِ : يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } ، الْآيَةَ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ } ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذٍ ، وَمِثْلُهُ حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ؛ وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ ، وَقَالَ تَعَالَى { : وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ } أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بَعْدَ الْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْفَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ عَلَى مَا مَرَّ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْخَلْوَةَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْخَلْوَةُ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ الْمَانِعِ ، وَالْخَلْوَةُ إنَّمَا جُعِلَتْ كَالدُّخُولِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَمَعَ الْمَانِعِ لَا يَتَمَكَّنُ فَلَا تَكُونُ
صَحِيحَةً وَالْمَوَانِعُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ حِسِّيٌّ وَطَبْعِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَرَضُ أَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ ، وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَرِّي عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا ، وَكَذَا النِّفَاسُ وَالْإِحْرَامُ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَانِعٌ شَرْعًا لِمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ مِنْ الدَّمِ وَالْقَضَاءِ لِفَسَادِ الْإِحْرَامِ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ مَانِعٌ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا يَلْزَمُهُمَا بِالْجِمَاعِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِفْسَادِ فَإِنْ قِيلَ فِي النَّفْلِ لُزُومُ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَرَمَضَانَ قُلْنَا اللُّزُومُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى فَيَتَقَدَّرُ بِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ عَفْلَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَجِبُ بِخَلْوَتِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ : إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلَ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ أَوْ يَتَنَاوَمُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَمْنَعَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا
تَمْنَعُ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ قَالَ هِشَامٌ كَانَ مُحَمَّدٌ يَرَى لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى ، ثُمَّ رَجَعَ قَالَ مُحَمَّدٌ : كُنْت قُلْت بِالرِّقَّةِ هَذَا ، ثُمَّ رَجَعْت وَقُلْت يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَفِي الْجَوَارِي لَا يُكْرَهُ وَتَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا كَلْبٌ عَقُورٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقُورًا فَإِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ مَعَهُ ، ثُمَّ إنَّمَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَا فِي مَكَان يَأْمَنَانِ عَنْ اطِّلَاعِ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا أَوْ يَهْجُمُ كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالْحَمَّامِ ، وَكَانَ شَدَّادٌ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ يَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَتْ فِي الظُّلْمَةِ وَهُمَا كَالسُّتْرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ ذَهَبَ بِامْرَأَتِهِ إلَى رُسْتَاقٍ فَرْسَخَيْنِ بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقِ الْجَادَّةِ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً ، وَإِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ الطَّرِيقِ إلَى مَكَان خَالٍ كَانَتْ صَحِيحَةً وَلَوْ حَجَّ بِهَا فَنَزَلَ فِي مَفَازَةٍ مِنْ غَيْرِ خَيْمَةٍ ، فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً ، وَكَذَا فِي الْجَبَلِ وَفِي الْبَيْتِ غَيْرِ الْمُسَقَّفِ تَصِحُّ ، وَكَذَا عَلَى سَطْحِ الدَّارِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى مُطْلَقًا قَالُوا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَوَانِبِهِ سَاتِرٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ شَدَّادٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ تَصِحُّ إذَا كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي بُسْتَانٍ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا فَهِيَ خَلْوَةٌ ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ
الْخَلْوَةُ ، وَكَذَا السُّتْرَةُ الْقَصِيرَةُ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ رَجُلٌ رَآهُمَا وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهَا ، ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ دَخَلَ هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ هَكَذَا اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ تَصِحُّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نَائِمَةً وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَلَوْ رَدَّتْ أُمُّهَا الْبَابَ وَلَمْ تَغْلِقْ وَهُمَا فِي خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي سَاحَةِ الْخَانِ يَنْظُرُونَ مِنْ بَعِيدٍ فَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ لَهُمَا فِي النَّظَرِ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَإِلَّا فَتَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى زَاوِيَةٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى سُتْرَةٍ لَا تَقَعُ أَبْصَارُهُمْ عَلَيْهِمَا وَقَدْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْبَيْتُ فِي دَارٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَلْوَةُ فِي الْحَجَلَةِ وَالْقُبَّةِ صَحِيحَةٌ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إنْ خَلَوْت بِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ ) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ ا هـ قُنْيَةٌ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ ) أَيْ وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجَبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا مَرَّ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى السَّبَبِ ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْخَلْوَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : حِسِّيٌّ ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَطَبْعِيٌّ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ كَكَوْنِ الْمَرْأَةِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ ا هـ وَقَالَ الرَّازِيّ أَمَّا الْمَانِعُ الْحِسِّيُّ فَكَمَرَضِ أَحَدِهِمَا ا هـ ( فَرْعٌ ) وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ امْرَأَتِهِ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ا هـ دِيَاتُ الْخُلَاصَةِ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ ؛
لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ فَقَوْلُهُ : وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا أَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بَحْثًا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِلَا عُذْرٍ ، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ أَقْعَدُ بِالدَّلِيلِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْنَعُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَيَجْعَلُهُ إثْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ شَعْرَاءَ ) أَيْ خَشِنَةً ا هـ قَامُوسٌ قَوْلُهُ : وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ ) وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا جَارِيَتُهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ ا هـ خُلَاصَةٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي أَمَتِهِ رِوَايَتَانِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَتَعَدَّى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَتْ فِي الظُّلْمَةِ إلَخْ ) وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ أَلَا تَرَى إلَى الْمَنْعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَالْإِبْصَارُ لِلْإِحْسَاسِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهَا ) أَيْ فَمَكَثَتْ ا هـ خُلَاصَةٌ ( قَوْلُهُ : فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى ، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعِدَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ
الْوَطْءُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ا هـ .
( فَرْعٌ ) وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ يَدْخُلُ بِهَا إذَا بَلَغَتْ ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعٍ ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَسِيمَةً تُطِيقُ الْجِمَاعَ يَدْخُلُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخِتَانِ قِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ ؛ لِأَنَّهُ لِلطَّهَارَةِ وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَقِيلَ إذَا بَلَغَ عَشْرًا ، وَقِيلَ تِسْعًا .( قَوْلُهُ : وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخِتَانِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ بَلَغَ وَلَدِي الْخِتَانَ فَلَمْ أَخْتِنْهُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَخَّرَ الْخِتَانَ عَنْ عَشْرِ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ ؛ لِأَنَّ عَشْرَ سِنِينَ نِهَايَةُ وَقْتِ الْخِتَانِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَيُؤْمَرُ بِالْخِتَانِ حَتَّى يَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّطْهِيرِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ الْخِتَانَ عَنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا بُلُوغُ الْغُلَامِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ ، وَقَالَ احْتَلَمْت يُقْبَلُ قَوْلُهُ : وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ احْتَلَمْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا ) يَعْنِي خَلْوَتُهُ بِهَا بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا وَفِي الْمَجْبُوبِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ كَالْخَصِيِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ ، وَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَاسْتَحَقَّتْ كَمَالَ الْمَهْرِ بِالِاتِّفَاقِ ، قِيلَ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ مَجْبُوبًا ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ وَالْخَصِيُّ هُوَ الَّذِي قُلِعَتْ خُصْيَتَاهُ ا هـ عَيْنِيٌّ ، وَقَدْ فَسَّرَ الْعَيْنِيُّ فِي بَابِ الْعِنِّينِ الْمَجْبُوبَ بِمَا فَسَّرَهُ هُنَا ، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ فِي فَصْلِ الْعِنِّينِ مَا نَصُّهُ وَالْمَجْبُوبُ وَهُوَ الَّذِي قُطِعَ ذَكَرُهُ أَصْلًا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ وَالْخَصِيُّ كَالْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّ لَهُ آلَةً تَنْتَصِبُ وَيُجَامِعُ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحْبَلُ وَهُوَ الَّذِي سُلَّتْ أُنْثَيَاهُ ا هـ فَقَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا يَحْبَلُ يُشْكِلُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْمَجْبُوبِ الَّذِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مِنْ قَطْعِ ذَكَرِهِ فَقَطْ وَبَقِيَتْ أُنْثَيَاهُ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِيمُ مَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَمْلِ الْمَجْبُوبِ الَّذِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ عَلَى مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الطَّوَاشِي ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ عِنِّينًا ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي آلَتِهِ فُتُورٌ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمَجْبُوبِ خِلَافٌ ) قَالَ الْحَدَّادِيُّ ، وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا إجْمَاعًا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا يُجَامِعُ وَالْمَجْبُوبُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْآلَةِ فَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ خَلْوَةُ الْمَرِيضِ فَلَأَنْ لَا تَصِحَّ خَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْعِنِّينِ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُ مُتَصَوَّرٌ ا هـ قَوْلُهُ : يُدَارُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ ) يُعْطِي أَنَّ خَلْوَةَ الْخَصِيِّ صَحِيحَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ إلَخْ ) قَالَ
الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الْمَجْبُوبِ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الدُّخُولُ حُكْمًا لِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَخْ ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِنِّينِ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَجْبُوبِ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا ) أَيْ تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ فَلَا يَصْدُقَانِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا صَحَّتْ الْخَلْوَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَقَامُوهَا فِي حَقِّ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَنِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ ، وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ .
( قَوْلُهُ : تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ ) أَيْ احْتِيَاطًا ا هـ ع ( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً ) أَيْ لِلْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ إلَخْ ) نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالْمُسْتَحَقِّ وَلِذَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ يَثْبُتُ وَإِنْ عُلِمَ بِخِلَافِهِ فَلَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْزِلُ أَوْ لَا رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً ، وَقَوْلُهُ : وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ وَتَتَدَاخَلَ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْوَلَدِ أَيْ وَحَقُّ الْوَلَدِ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ تَأَمُّلًا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ إلَخْ ) مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خَلْوَةٍ فَاسِدَةٍ تَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا بَلْ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْبَعْضِ مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا وَسَاقَ مَا
ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَظَاهِرُهُ ضَعْفُ مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً ) فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ بِعَدَمِ الشَّغْلِ وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يُخَصَّ الصَّغِيرُ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرِيضُ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ ا هـ كَمَالٌ وَفِي فُصُولِ الْأَسْرُوشَنِيُّ قَالَ وَرَأَيْت فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا خَلَا بِهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ هَلْ يَكُونُ إجَازَةً قَالَ يَكُونُ إجَازَةً ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفْسُ الْخَلْوَةِ لَا تَكُونُ إجَازَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَاعْلَمْ إلَخْ ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَى بِامْرَأَتِهِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ بَنَاتُهَا ا هـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِالْأُمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالرَّجْعَةِ ) يَعْنِي إذَا خَلَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمِيرَاثِ ) أَيْ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ مِنْهُ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا يَرِثُ مِنْهَا لِلِاحْتِيَاطِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ ) أَقُولُ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ بَائِنٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ بَائِنٌ فَالثَّانِي أَوْلَى فَيَلْزَمُ لُحُوقُ الْبَائِنِ الْبَائِنَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَفْيُهُ ا هـ مُجْتَبَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ أَنْ تَقَعَ احْتِيَاطًا ا هـ قَوْلُهُ : مُشْكِلٌ لَا إشْكَالٌ وَانْظُرْ مَا كَتَبْته عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَخْرَجَ الْمُتْعَةَ لَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مُسْتَحَبًّا وَزِيَادَةً ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ يَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَتَكُونُ الْمُتْعَةُ لَهَا مُسْتَحَبَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْحَصْرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ قَامَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْمُتْعَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ : تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالطَّلَاقِ فَتَجِبُ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَلَا يَجِبُ لَهَا ثَانِيًا وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تُجَامِعُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ ، وَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ وَجَبَ كُلُّ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ
بِالْجَمِيعِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِنَّمَا الدُّخُولُ يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَيُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا مُتْعَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ وَقَوْلُهُ : إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَوَقَعَ بِهِ السَّمَاعُ ؛ لِأَنَّهَا مُفَوِّضَةٌ نَفْسَهَا لِوَلِيِّهَا وَلِلزَّوْجِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا لِلزَّوْجِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ مُسَمًّى ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ : غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا إلَخْ ) وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ فَالْمُتْعَةُ لَهَا وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالنَّصِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ ) أَيْ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَبْرُ صَدْعِ الْإِيحَاشِ لَا الْمَهْرُ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا فَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ ) وقَوْله تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } أَمَّا إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهُنَّ ؛ لِأَنَّهُنَّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } ، ثُمَّ قَالَ { وَمَتِّعُوهُنَّ } أَوْ يُرَادُ بِمَتِّعُوهُنَّ إيجَابُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَكِسْوَتِهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُسَمَّى لَهَا فَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَدْخُولَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } وَهُنَّ مَدْخُولَاتٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ ) وَعُلِمَ أَنْ لَا جِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الشِّغَارِ وَخِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ لِلْأَمْهَارِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ وَفِي التَّزْوِيجِ عَلَى خِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ وَعَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا إذْ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الشِّغَارِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ } ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِيجَابُ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِتَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ وَلَا بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إخْلَائِهِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْمَالِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ فِي بُضْعٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبُضْعِ صَدَاقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاشْتِرَاكُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ
رَجُلَيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِصَلَاحِيَّةِ الِاشْتِرَاكِ ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ مَنْكُوحَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى أَيْضًا لَيْسَ بِمَالٍ وَالشَّارِعُ إنَّمَا شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وَخِدْمَةُ الْحُرِّ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً إذْ لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فَعِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا فَلَا تُجْعَلُ مَالًا فَصَارَتْ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ وَجْهُ قَوْلِهِ فِي التَّعْلِيمِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ { : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ : هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ : سُورَةُ كَذَا وَكَذَا السُّوَرُ الَّتِي سَمَّاهَا فَقَالَ : قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ، وَيُرْوَى أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا } وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِبَرَكَةِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا كَتَزَوُّجِ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى
إسْلَامِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ؛ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ فَلَا يَصْلُحُ صَدَاقًا لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ كَتَعْلِيمِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَفْرُوضَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ نِصْفٌ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِدْمَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ وَلِهَذَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ ؛ وَلِأَنَّهَا مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغُصُوبِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا وَهُنَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا تَسْتَحِقُّ خِدْمَتَهُ بِحَالٍ فَانْعَدَمَتْ الضَّرُورَةُ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِأَمْرِهِ فَلَا تَنَاقُضَ وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ وَلِقِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى
أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ انْكِشَافِ مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَمْ يَجُزْ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُجِزْ مَوْلَاهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِرِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ خِدْمَتِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى تَسْلِيمُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا ) أَيْ وَلَهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالْتَزَمَهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ : لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ ) أَيْ صَدَاقًا فِيهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقِيلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا وَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ : عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِك فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ ا هـ كَمَالٌ ( فَرْعٌ مِنْ الْغَايَةِ ) لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ جَازَ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى فَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ فَلِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا يُكْمِلُ مَهْرَهَا عِنْدَ فَوَاتِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : إذْ الْمُسَمَّى ) أَيْ وَهُوَ الْبُضْعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَيْسَ بِمَالٍ ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إيجَارُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الشِّغَارِ } إلَخْ ) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا شِغَارَ إلَخْ ) وَالنَّفْيُ رَفْعُ الْوُجُودِ فِي الشَّرْعِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ صَدَاقٌ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي وَهُوَ مِنْ الشُّغُورِ وَهُوَ الْخُلُوُّ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِيهِ فَأَيْنَ الْخُلُوُّ ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا يُقَالُ شَغَرَ الْبَلَدُ إذَا خَلَا مِنْ
النَّاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا ) ، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ ا هـ فَتْحٌ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ بِنْتِهِ مَنْكُوحَةً كُلَّهَا صَدَاقًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ إذَا دُفِعَ لِشَخْصَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ) قَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الشِّغَارِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَا لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْمَهْرِ ، وَالنَّهْيُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ الْمَهْرِ ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ إذَا كَانَ مُجَاوَزًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ ) أَيْ فِي الْجَامِعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ إلَخْ ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَقَالَ الثَّلَاثَةُ تَجِبُ الْخِدْمَةُ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ ) أَيْ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ إلَخْ ) وَقُلْنَا الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَتَقَوُّمُهَا فِي الْعُقُودِ لِضَرُورَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِذَا مَنَعْنَا الشَّرْعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَمْ يَثْبُتْ تَقَوُّمُهَا وَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا وَقِيمَةُ الشَّيْءِ خَلَفٌ عَنْهُ وَشَرْطُ الْخَلَفِ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا بِحَالٍ فَلَا يَقُومُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ قَوْلُهُ : لِدَعْمِ الْإِحْرَازِ أَيْ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى
وَلَا يُتَصَوَّرُ إحْرَازُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا ) وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَفِي قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ) كَذَا بِخَطِّهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ لَهُنَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : إنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ ) أَيْ حَيْثُ يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ ) أَيْ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهَا غَنَمَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا ) أَيْ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ ) أَيْ سَنَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ إلَخْ ) وَفِي الْمُحِيطِ وَيَجُوزُ إصْدَاقُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ النَّاسِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ ) أَيْ وَهِيَ مَالٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ خِدْمَتُهُ لَهَا إذْ الْعَادَةُ اشْتِرَاطُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ مَالِهِمَا أَيْ يَقُومُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَصَالِحِ مَالِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ فِي الدِّرَايَةِ بِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ حَوْلًا لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنْ يَزْرَعَ لَهَا أَرْضًا وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ يَصِحُّ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ ) أَيْ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ ا هـ هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمِهِ ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةَ لَقَصَّ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْحُرُّ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ) أَيْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ وَوَهَبَتْ لَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ الْمَهْرِ فَقَبَضَتْهَا كُلَّهَا ، ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَقْبُوضَ كُلَّهُ لِلزَّوْجِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ فَكَذَا فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ أَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ وَوَهَبَتْ الْأَلْفَ أَوْ وَهَبَتْ الْعَرْضَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ) هَذِهِ جُمْلَةٌ تَضَمَّنَتْ ثَلَاثَةَ فُصُولٍ ، الْأَوَّلُ : فِيمَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ جَمِيعِهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَلَمْ تَبْرَأْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْبَرَاءَةَ بِهِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا يَسْتَحِقُّ ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ فَكَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : وَهَبْتَنِي جَارِيَتَك فَقَالَ الْمَوْلَى : لَا بَلْ زَوَّجْتُكهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى حِلِّهِ لِمَا قُلْنَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ عَبْدًا لِأَحَدِ ابْنَيْهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِأَخِيهِ ،
ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ فَإِنَّ الْأَخَ الْوَاهِبَ يَضْمَنُ لِأَخِيهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ سُلِّمَ لَهُ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ النِّصْفُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَكَذَا هَذَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ نَظِيرُهُ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْبَائِعِ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَهِيَ جِهَةُ الْمُشْتَرِي وَكَذَا فِي هِبَةِ الْمَرِيضِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَهِيَ الْجِهَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ لَهُ وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَهِيَ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَدَّعِي أَنَّهَا مِلْكُهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ ذِي الْيَدِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ تَصَرُّفِ ذِي الْيَدِ وَيَدَّعِي حُصُولَهَا لَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْبَائِعِ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُخْتَلِفَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِإِنْكَارِهِ الْآخَرَ وَعَدَمِ الْحُجَّةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي : فِيمَا إذَا قَبَضَتْ نِصْفَ الْمَهْرِ ، ثُمَّ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ جَمِيعَ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ وَغَيْرَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ كَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَكَذَا إذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ
؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ؛ وَلِأَنَّ هِبَةَ مَا فِي الذِّمَّةِ حُطَّ وَهُوَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ هُوَ كُلُّ الْمَهْرِ حُكْمًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَهْرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَمَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِنْشَاءُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَلِهَذَا لَا تَتَنَصَّفُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ لَتَنَصَّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ عَقْدَ مُبَادَلَةٍ وَمُغَابَنَةٍ فَلَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ وَمُرَابَحَةٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَهَبْ مِنْ الْمَقْبُوضِ شَيْئًا وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ : فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَوَهَبَتْهُ لَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ
يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِجِهَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَمَا تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ رَدُّهُ بِأَنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُمْنَعُ رَدُّهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ قَبَضَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّبَ عَيْبًا فَاحِشًا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ الْعَيْنَ فَصَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْ مِثْلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا الْعَرْضُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّهَا جُوِّزَتْ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ فِي الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي التَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لِمَا بَيَّنَّا وَيَأْتِي خِلَافُ زُفَرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَيُّنِهَا ، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ شَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا ، وَهَذَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ لَهُ
رِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ) وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّعَيُّنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ عَيْنِ مَا أَخَذَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ غَيْرُ مَا قَبَضَتْهُ فَصَارَتْ هِبَةُ الْمَقْبُوضِ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ فَلَمْ يُسَلَّمْ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ مَا قَبَضَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ) أَيْ وَلَا هِيَ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ إلَخْ ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْهِبَةِ مِنْ الزَّوْجِ صَارَتْ مُسْتَهْلِكَةً لِلصَّدَاقِ وَكَأَنَّهَا قَبَضَتْ ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَتْ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَحْصُلْ لَهُ النِّصْفُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ ) أَيْ بَلْ بِالْهِبَةِ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ ) إذْ مَقْصُودُ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِمَقَاصِدِهَا فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ لَا يُطَالَبُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ آخَرَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ؛ وَلِأَنَّ هِبَةَ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ وَالدَّيْنُ يَتَعَيَّنُ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَمَّا تَعَيَّنَ وَصَلَ إلَى الزَّوْجِ عَيْنُ الْمَهْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَمُحَالٌ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِعَيْنِ مَا سُلِّمَ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ ) وَلَا يُقَالُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ
بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ ؛ لِأَنَّ ذَا بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ ، وَنَظِيرُهُ مَنْ ادَّعَى أَنَّك غَصَبْت مِنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ اسْتَقْرَضْتهَا لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا لِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَلْفِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ ) وَفِي قَاضِي خَانْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جَارِيَتُك وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ بِسَبَبٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْمَالُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ ، وَفِي الْجَامِعِ قَالَ لَك هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي عِنْدَك وَدِيعَةٌ وَلَا مُضَارَبَةٌ بَلْ أَقْرَضْتُكهَا فَلَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ ) أَيْ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَكَانَ الْمَقْبُوضُ هُوَ كُلُّ الْمَهْرِ حُكْمًا ) أَيْ فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ نِصْفَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ) أَيْ كَالزِّيَادَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ عَلَى التَّمَامِ مِثْلَ مَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمِائَةِ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي
جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ ، وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ سِتَّةِ أَسْطُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا هُوَ يَدْفَعُهَا غَيْرُهُ وَلَا هِيَ تَرُدُّ غَيْرَهُ ا هـ ، مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَيْنٍ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ مَا وَهَبَتْ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الْإِسْقَاطِ يَتَعَيَّنُ ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَبَضَتْ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْحَيَوَانُ أَوْ الْعَرْضُ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى عَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهَذَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَ الْحَيَوَانِ وَنَوْعَ الْعَرْضِ بِأَنْ قَالَ عَلَى فَرَسٍ أَوْ عَلَى حِمَارٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مُطْلَقَ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقَ الْعَرْضِ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ ) أَيْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَعْنِي يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَقَبَضَتْهُ فَوَهَبَتْهُ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ عَرْضَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ بِعِوَضٍ وَكَانَ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ وَوَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ ، الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ إنَّمَا سُلِّمَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِالْهِبَةِ وَتَبَدُّلُ الْمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَّى وَأَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ ) لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ ، إحْدَاهُمَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا وَيَشْتَرِطَ لَهَا مَعَهُ شَيْئًا آخَرَ يَنْفَعُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا مَثَلًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَيُسَمِّي خِلَافَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا ، وَقَوْلُهُ : فَإِنْ وَفَّى أَيْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ مَهْرًا ، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى لَهَا شَيْئًا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْمَضْمُومُ إلَى الْمَهْرِ مَالًا كَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَحَقُّ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ } ، وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَالتَّزَوُّجِ وَالْمُسَافَرَةِ بِهَا وَالتَّسَرِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَتْ مَرْدُودَةً وَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَاهُمْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَهُ أَحَقَّ أَيْ بِالْإِيفَاءِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ الْفَسْخُ عِنْدَ
فَوَاتِهِ ، وَقَوْلُهُ : وَأَقَامَ بِهَا أَيْ أَقَامَ بِهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَلْفُ فِيهِ لِوُجُودِ رِضَاهَا بِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ مَهْرًا ، وَقَوْلُهُ : وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُمْ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ، فَلَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَالْأَلْفَانِ عِنْدَ إخْرَاجِهَا وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ ، فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْبُضْعِ بَدَلَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَامَةَ إنَّمَا تُذْكَرُ لِلتَّرْغِيبِ فَعِنْدَ فَوَاتِهَا لَا تَنْعَدِمُ التَّسْمِيَةُ ، وَكَذَا الْإِخْرَاجُ فَيَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَتَفْسُدُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقَامَةَ وَالْإِخْرَاجَ مَقْصُودٌ عُرْفًا فَاخْتِلَافُهُمَا كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ حَالَةٍ تَسْمِيَتَانِ بَلْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَكَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى
التَّفَاوُتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ مُنْجَزَةٌ وَالْأُخْرَى مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَا فَتَفْسُدَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ ، وَالْمُنْجَزُ لَا يَنْعَدِمُ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ وَتَمَامُهُ يَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَطَّتْهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ ، وَإِنْ خَطَّتْهُ غَدًا فَبِدِرْهَمَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً أَنَّ الْخَطَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا وَلَا مُخَاطَرَةَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ ، لَكِنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا هَكَذَا ذَكَرَ الْفَرْقَ فِي الْغَايَةِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ عَلَى أَلْفَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً عَلَى أَلْفٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا وَلَكِنْ جُهِلَ الْحَالُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الثَّمَنَيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا مَعْلُومًا فَيَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ .
( قَوْلُهُ : فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ) يُرِيدُ إذَا سَمَّى لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرُهُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ ) أَيْ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَلْفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَالْهَدِيَّةِ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقِصُ مِنْ الْأَلْفِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى ، وَعِنْدَنَا مَتَى كَانَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ لَهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فِيهِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لَا يُكْمِلُ ، مِثَالُ الْأَوَّلِ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَخَاهَا يُكْمِلُ عِنْدَ إبَائِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَجْنَبِيًّا لَا يُكْمِلُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلِهِ ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى أَيْ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَاسْتَحْكَمَ الْمُسَمَّى مَهْرًا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بِعِوَضٍ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَالًا وَجَبَ الرُّجُوعُ بِعِوَضِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَنَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِانْعِدَامِ الرِّضَا بِالْمُسَمَّى كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِي إلَيْهَا هَدِيَّةً أَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَشْرَةً فَصَاعِدًا يَجِبُ
ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْحَرَامُ وَلَا يُكْمِلُ مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْحَرَامِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهُ بِفَوَاتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : { أَحَقُّ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ } ) أَيْ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ) أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ ) أَيْ لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَرِضَاهُ بِالْأَلْفِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ذُكِرَ لِلْبُضْعِ بَدَلَانِ ) أَيْ وَهُمَا الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ ) أَيْ الْمَهْرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَفْسُدُ ) أَيْ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ نَشَأَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ فَلَمَّا خَالَفَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ نَفْعًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَرْفَعَ مِنْ الْآخَرِ وَمَعْنَى التَّحْكِيمِ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ أَرْفَعْهُمَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْأَرْفَعُ لِرِضَاهَا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ أَوْكَسِهِمَا أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا الْأَوْكَسُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْبَدَلَ الْأَصْلِيَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ ، وَعِنْدَهُمَا الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْمُسَمَّى ، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا إيجَابُ الْأَوْكَسِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَلَا تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْأَقَارِيرِ وَلِهَذَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْبُضْعِ كَالْقِيمَةِ فِي الْمَبِيعِ إذْ الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجَبَ لَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَدَلُ فِيهِمَا بِالتَّسْمِيَةِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ فَإِنْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تُحَكَّمُ مُتْعَةُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ كَمَهْرٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَكِنْ نِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَى الْمُتْعَةِ عَادَةً فَيَجِبُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ يُعْطِي أَيَّهُمَا شَاءَ لِانْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ ، وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَالْخِيَارُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ عِنْدَهُمَا .
قَوْلُهُ : حُكِّمَ مَهْرُ مِثْلِهَا ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَقَالَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ وَالْفَضْلَ مَشْكُوكٌ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَصَارَ كَالْخُلْعِ ) أَيْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْإِعْتَاقِ ) أَيْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَقَارِيرِ ) أَيْ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ هِدَايَةٌ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ كَانَ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَقَدْ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَقِيَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فِي حُكْمِ الْمُسَمَّى فَوَجَبَ تَنْصِيفُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهَا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى رُبَّمَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْبُضْعِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ مُعَادِلٌ كَالْقِيمَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْمُسَمَّى إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَلَمَّا فَسَدَتْ صُيِّرَ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ مَا قَاسَا ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالْإِعْتَاقَ وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ