كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
أَنْ يَمْشِيَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لِغَنِيٍّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ } قَالُوا وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْتَزَمَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِكَوْنِهِ أَشَقَّ عَلَى الْبَدَنِ وَإِنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَسُوءُ خُلُقُهُ وَيُجَادِلُ رَفِيقَهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنْ لَا أَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ { يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهُمَا يَمْشِي فِي حَجِّهِ ، وَجَنَائِبُهُ تُقَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ
( قَوْلُهُ : فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَلَوْ حَجّ رَاكِبًا يُجْزِئُهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ ا هـ وَوُجُوبُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ( قَوْلُهُ : قِيلَ : يَمْشِي مِنْ الْمِيقَاتِ ) وَعَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَوَاهُ صَحَّ عِنْدِي لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِالْحَجِّ وَالْحَجُّ ابْتِدَاؤُهُ الْإِحْرَامُ وَانْتِهَاؤُهُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا الْتَزَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ : يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْ بَيْتِهِ وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي النَّذْرِ ا هـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَشْيَ مِنْ بَيْتِهِ فَأَقُولُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي النَّذْرِ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعُرْفَ كَمَا قَالَ ، وَلَفْظُ النَّاذِرِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ لِمَا قُلْنَا فَلَا يُوجِبُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ كَمَا قَالَ فَنَقُولُ : لَفْظُ النَّاذِرِ نُفُوذُ دَلَالَةِ الْعُرْفِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ فِي الْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( تَنْبِيهٌ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ حَجَّ الْآفَاقِيُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا فَعِنْدَنَا رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْهِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ رَاكِبًا } فَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى وَلِأَنَّ فِي الرُّكُوبِ إنْفَاقًا وَمُؤْنَةً بِالْمَالِ وَعَوْنًا عَلَى قُوَّةِ النَّفْسِ لِقَضَاءِ النُّسُكِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَكَانَ أَفْضَلَ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ : أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلِلْمَاشِي فَضْلٌ عَلَى
الرَّاكِبِ كَفَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِيِ } وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا نَاقَتُهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَلِلْحَاجِّ الْمَاشِي بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهُ وَيَضَعُهُ سَبْعُمِائِةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ أَلْفٍ } وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْصَى بَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ يَحُجُّوا مُشَاةً وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَجُّ مِنْ بِمَكَّةَ وَحَوَالَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ؛ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي حَقِّهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ تُخِلُّ بِنُسُكِ الْحَجِّ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِبَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ اُخْرُجُوا حَاجِّينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ مُشَاةً فَإِنَّ لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَجَّ مَاشِيًا مِنْ مَكَّةَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِهَذَا تَفْضِيلَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا لَهَا وَمَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ لَهُ أَفْضَلُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا ا هـ كَرْمَانِيٌّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ : الْحَاجُّ إذَا خَرَجَ رَاكِبًا كَانَ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُجْهَدُ الْإِنْسَانَ ، وَيُسِيءُ خُلُقَهُ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَأْثَمَ فِي إحْرَامِهِ فِي آخِرِ أَمْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ : إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ ) أَيْ فَإِذَا قَرُبَتْ ، وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ ، وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْفَقِيهِ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ
أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اشْتَرَى مُحْرِمَةً حَلَّلَهَا وَجَامَعَهَا ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ يُجَامِعَهَا ، وَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلْهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَقَصِّ ظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ ثُمَّ يُجَامِعُهَا ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحَلِّلْهَا بِالْمُجَامَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ وَقَعَ التَّحْلِيلُ بِهِ صُورَةً لَمْ يَقَعْ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْدِيمِ مَحْظُورِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ ، وَبِهِ يَقَعُ التَّحْلِيلُ فَلَمْ يَقَعْ الْجِمَاعُ قَبْلَ التَّحْلِيلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْمُجَامَعَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلْهَا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْحُرَّةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ نَفْلٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا خِلَافًا لَهُ هُوَ يَقُولُ : إنَّ إحْرَامَهَا صَحَّ وَلَزِمَ فِي حَالٍ لَيْسَ لِلزَّوْجِ ، وَلَا لِلْمَوْلَى فِيهِمَا حَقٌّ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُبْطِلَاهُ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ بَاعَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُبْطِلَهُ ، وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا فَكَذَا لِلْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَا لِلِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْبَقَاءُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ فَيُشْتَرَطُ إذْنُهُمَا فِيهِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ ، فَإِذَا وُجِدَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَعَ لَازِمًا ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ فَسْخَهُ فَكَذَا الْمُشْتَرِي ، وَفِي الْإِحْرَامِ يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ فَكَذَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْخُلْفِ فَإِذَا كَانَ لَهُ التَّحْلِيلُ لَا
يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلَوْ أَذِنَ لِامْرَأَتِهِ بِالْحَجِّ النَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ .
( كِتَابُ النِّكَاحِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْعِبَادَاتِ شَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ ؛ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الْعِبَادَاتِ لِمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِبَقَاءِ الْعَابِدِينَ وَنَسْلِهِمْ وَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَنْزِلَةً مِنْ الْعِبَادَاتِ حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ عِنْدَنَا ، وَفِيهِ آثَارٌ فِي تَوْعِيدِ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ وَتَحْرِيضِ مَنْ رَغِبَ فِيهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شَامِلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ سَبَبًا لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ ، وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ وَلَهُ فَضَائِلُ أُخَرُ مِنْ انْتِظَامِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَوَاعِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالطَّبْعِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ : قَصْدًا عَنْ عَقْدٍ تُمْلَكُ بِهِ الْمُتْعَةُ ضِمْنًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَيَدْخُلُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فِيهَا ضِمْنًا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُهُ ثُمَّ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ تَفْسِيرُ النِّكَاحِ شَرِيعَةً وَلُغَةً ، وَسَبَبُهُ وَشَرْطُهُ وَرُكْنُهُ وَحُكْمُهُ وَصِفَتُهُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَهُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ إذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا وَهُوَ مَجَازٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَمٌّ ، وَالنِّكَاحُ هُوَ الضَّمُّ حَقِيقَةً قَالَ الشَّاعِرُ ضَمَمْت إلَى صَدْرِي مُعَطَّرَ صَدْرِهَا كَمَا نَكَحَتْ أُمُّ الْغُلَامِ صَبِيَّهَا أَيْ كَمَا ضَمَّتْ ، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ
بِالتَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ
( كِتَابُ النِّكَاحِ ) ( قَوْلُهُ : وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْحَقُّ أَنَّ الْجِهَادَ أَيْضًا سَبَبٌ لَهُمَا ؛ إذْ نَقْلُ الْمَوْصُوفِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ أَعَنَى مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ يُصَحِّحُ قَوْلَنَا : إنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ فَالْحَقُّ اشْتِرَاكُهُمَا فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَحْصُلْ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ ؛ إذْ الْغَالِبُ حُصُولُ الْقَتْلِ بِهِ أَوْ الذِّمَّةِ دُونَ إسْلَامِ أَهْلِ الدَّارِ فَقُدِّمَ لِلْأَكْثَرِيَّةِ فِي ذَلِكَ ا هـ وَأَخَّرَ صَاحِبُ الْقُدُورِيِّ النِّكَاحَ عَنْ الْمُعَامَلَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ التَّكْلِيفِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ ، وَهُوَ الْمَقْصِدُ مِنْ الْفِطْرَةِ كَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَالصَّلَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ ، وَمَا يُضَاهِيهَا وَمُعَامَلَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالضَّمَانَاتِ وَمَا يَحْكِيهَا وَمَا هُوَ جَامِعٌ لَهُمَا كَالْأَنْكِحَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَتَقْدِيمُ الْبَسِيطِ عَلَى الْمُرَكَّبِ مِنْ فَضَائِلِ الْعُقُولِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَوَاعِي الشَّرْعِ إلَخْ ) فَأَمَّا دَوَاعِي الشَّرْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا دَوَاعِي الْعَقْلِ فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُحِبُّ أَنْ يَبْقَى اسْمُهُ وَلَا يُمْحَى رَسْمُهُ وَمَا ذَاكَ غَالِبًا إلَّا بِبَقَاءِ النَّسْلِ ، وَأَمَّا الطَّبْعُ فَإِنَّ الطَّبْعَ الْبَهِيمِيَّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَدْعُو إلَى تَحْقِيقِ مَا أُعِدَّ مِنْ الْمُبَاضَعَاتِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْمُضَاجَعَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلَا مَزْجَرَةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الشَّرْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ بِدَوَاعِي الطَّبْعِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَشْرُوعَاتِ ا هـ أَكْمَلُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : هُوَ عَقْدٌ إلَخْ ) وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا نِكَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ : مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّفِينَ مَعَ
قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَنَذْكُرُ أَوْ كَلَامِ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهُوَ عَقْدٌ وُضِعَ لِتَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ بِالْأُنْثَى قَصْدًا ، وَالْقَيْدُ الْآخَرُ لِإِخْرَاجِ شِرَاءِ الْأَمَةِ لِلتَّسَرِّي ، وَالْمُرَادُ وَضْعُ الشَّارِعِ لَا وَضْعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَهُ ، وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ إلَّا الْمُتْعَةَ ا هـ قَوْلُهُ : قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ ) أَيْ وَصَاحِبُ الصِّحَاحِ وَطِلْبَةِ الطَّلَبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ ) وَعَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى النَّجَاشِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ صَوْبَ غَادِيَةٍ ) الْغَادِيَةُ سَحَابَةٌ تَنْشَأُ صَبَاحًا ا هـ ص ( قَوْلُهُ : فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ ) قُلْت : وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى غَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ نِكَاحًا كَالتَّسَرِّي وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوَطْءِ لَا مَحَالَةَ ا هـ سَرُوجِيٌّ
وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْأَوَّلُ الْمَحَلُّ الْقَابِلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ لَهُ وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَصِفَتُهُ إمَّا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ سُنَّةٌ وَعِنْدَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ ) أَيْ النِّكَاحُ سُنَّةٌ وَعِنْدَ شِدَّةِ الِاشْتِيَاقِ وَاجِبٌ لِيُمْكِنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الزِّنَا وَاجِبٌ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ ، وَعِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ سُنَّةٌ حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ النَّفَلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْعِبَادَةُ أَوْلَى مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَشَرَعَ الْمُعَامَلَاتِ لِلْعِبَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ عَلَى دِينِي وَدِينِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَيْهِ سَبِيلًا فَلْيُجَاهِدْ فِي سَبِيلِ } اللَّهِ فَجَعَلَ النِّكَاحَ مِنْ الدِّينِ ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ الِاشْتِغَالَ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَقَدْ { هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَتَخَلَّوْا لِلْعِبَادَةِ وَيُطَلِّقُوا نِسَاءَهُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَنَاكَحُوا تَوَالَدُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهَى بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } هَذَا أَمْرٌ وَقَدْ عُرِفَ مُقْتَضَاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } وَلِأَنَّ فِيهِ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ ؛ إذْ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِمَصَالِحِ الْبَدَنِ ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِخَارِجِ الْبَيْتِ وَدَاخِلِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ بِالْوَاحِدِ ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِنَانٌ
بِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْمَوْصُوفِ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنْ تَحَمُّلَ سُوءِ الْخُلُقِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَبْرَارِ ، وَفِيهِ انْضِمَامُ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى غَايَةَ الِانْضِمَامِ إذْ لَا بَقَاءَ لِهَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِالِالْتِئَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } وَهَذِهِ الْوُجُوهُ يُتَرَجَّحُ بِهَا عَلَى التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ فَإِنْ قِيلَ : إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مَدَحَ يَحْيَى بِكَوْنِهِ سَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ مَنْ لَا يَأْتِيَ النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ لَمَا اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ بِتَرْكِهِ قُلْنَا : نَحْنُ لَا نُنْكِرُ فَضْلَ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ بِهِ ، وَلَكِنْ نَقُولُ : الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ أَفْضَلُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ فِي شَرِيعَتِنَا فَصَارَتْ الْعِشْرَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْعُزْلَةِ كَمَا نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْخِصَاءُ
( قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ الْمَحَلُّ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَمِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : شَرْطُهُ الْخَاصُّ بِهِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ يَذْكَرُ ا هـ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ : وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ ؛ إذْ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ا هـ قَالَ الشَّيْخ بَاكِيرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَشَرْطُهُ الْخَاصُّ : حُضُورُ شَاهِدَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا لِلِانْعِقَادِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ : شَرْطُهُ الَّذِي لَا يَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَبِالْبُلُوغِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ ، وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) أَيْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ بِالتَّعَاطِي ا هـ قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ : حَتَّى لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ : زَوَّجْتُك نَفْسِي مِنْك بِدِينَارٍ فَدَفَعَ الدِّينَارَ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ شَيْئًا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ ا هـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ : وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ الْأَبْضَاعِ مِنْ الْهَتْكِ ا هـ ( قَوْلُهُ : النِّكَاحُ سُنَّةٌ ) أَيْ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ سُنَّةٌ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ فَدَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ
وَالْإِنْفَاقِ ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا ، فَقِيلَ : فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَقِيلَ : وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَقِيلَ : مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ : سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ الِاسْتِحْبَابَ وَكَثِيرًا مَا يُتَسَامَحُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ ا هـ مَعَ اخْتِصَارِ قَوْلِهِ وَقِيلَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ أَيْ وَقِيلَ وَاجِبُ عَيْنٍ كَالْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : هُوَ يَقُولُ إلَخْ ) أَيْ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلْيَتَزَوَّجْ ) أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلْيُجَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ذَكَرَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ وَصَحَّحَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ ) أَيْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ مِنْ النَّافِلَةِ فَمَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَفْضَلِ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطْعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ ) قَالَ شَمْسُ الدِّينِ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي إيثَارِ الْإِنْصَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قُلْت : ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ انْضِمَامُ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى ) أَيْ وَبِهِ يَحْصُلُ الْإِعْفَافُ ا هـ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ ، وَكَذَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ } وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { زَفَفْنَا امْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ أَمَا يَكُونُ مَعَهُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ } وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ } وَقَالَ الْفُقَهَاءُ : الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْخِصَاءُ ) الْخِصَاءُ هُوَ الِاعْتِزَالُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الرُّهْبَانُ كَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي ، أَوْ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي ، وَالْآخَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَاخْتَصَّ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَاضِي ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ ، وَهُوَ إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا ، وَلَيْسَ لَهُ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظٌ يُنْبِئُ عَنْ الثُّبُوتِ ، وَهُوَ الْمَاضِي دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ لَا بِاللُّغَةِ فَكَانَ مَا يُنْبِئُ عَنْ الثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمَا الثُّبُوتُ دُونَ الْوَعْدِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا ، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : زَوِّجْنِي ، فَيَقُولُ : زَوَّجْتُك ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ وَقَوْلُهُ : زَوَّجْتُك امْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقَالُ : لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : هُوَ تَوْكِيلٌ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ قَبُولُهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ بِالْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَقَدْ قَامَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَبْطُلُ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : زَوِّجْنِي يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ عَادَةً لَا سَوْمًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِقَوْلِهِ : زَوَّجْتُك بَعْدَ قَوْلِهِ : زَوِّجْنِي كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَلْحَقَ الْوَلِيَّ بِذَلِكَ عَارٌ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : جِئْت خَاطِبًا بِنْتَك أَوْ لِتُزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا انْعَقَدَ وَلَزِمَ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ
الْعَيْنِ فِي الْحَالِ ) أَيْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ عَنْ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي الْحَالِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ وَلَا مَجَازًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ وَالنِّكَاحُ لِلضَّمِّ حَتَّى يُرَاعَى فِيهِ مَصَالِحُ الْمُتَنَاكِحِينَ وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكَةِ أَصْلًا حَتَّى لَا يُرَاعَى فِيهِ إلَّا مَصَالِحُ الْمَالِكِ وَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ شَرْطٌ وَالْكِنَايَةُ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ ؛ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ ، وَكَذَا الْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ : وَهَبْتُك لِأَهْلِك فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } وَرَدَا فِي النِّكَاحِ وَلَا يُقَالُ الِانْعِقَادُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خَاصٌّ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { خَالِصَةً لَك } ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الِاخْتِصَاصُ وَالْخُلُوصُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِمَنْ آتَى مَهْرَهَا فِي قَوْلِهِ { إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً } وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } وَالْحَرَجُ بِلُزُومِ الْمَهْرِ دُونَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَبِنَفْيِ الْمَهْرِ تَحْصُلُ الْمِنَّةُ الَّتِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهَا لَا بِإِقَامَةِ لَفْظٍ مَقَامَ لَفْظٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخُلُوصُ فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ : التَّمْلِيكُ
مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ ، وَالْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إلَخْ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِ : تَزَوَّجِي فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِهِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ، وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُحَرِّمٌ عَلَيْهِ أَمَتَهُ ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَبْطَلَ مَالِكِيَّةَ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ ثَبَتَ لَهَا بِالنِّكَاحِ ضَرْبُ مِلْكٍ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَوَاجِبِ النِّكَاحِ مِنْ طَلَبِ الْقَسْمِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ عَنْ الْعَزْلِ وَغَيْرِهَا وَبِالتَّمْلِيكِ بَطَلَ ذَلِكَ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً مَحْضَةً ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ : لَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِمْ : لِلشُّجَاعِ أَسَدٌ ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِمَالُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ بِهِ غَيْرُ مَالٍ قُلْنَا طَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ فِيهِ فَصَارَ كَالْهِبَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَقَالَ : إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْتُهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ دَعْوَى النِّكَاحِ وَبِلَفْظِ السَّلَمِ قِيلَ يَنْعَقِدُ ، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَكَذَا فِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْقَرْضِ قِيلَ يَنْعَقِدُ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْقَبْضِ يَثْبُتُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَبِالْجُعْلِ يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ أَوْصَيْت
لَك بِبِنْتِي لِلْحَالِ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ ، وَالِانْعِقَادُ بِاعْتِبَارِهِ ، وَفِيهِ خِلَافُ الْكَرْخِيِّ هُوَ يَقُولُ : إنَّ الْمُسْتَوْفَى فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ حَقِيقَةٍ ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - بَدَلَهُ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَتَثْبُتُ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَهُمَا قُلْنَا : الْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ التَّأْبِيدُ مِنْ شَرْطِهِ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ ، وَالتَّأْقِيتُ مُفْسِدٌ لَهُ فَتَثْبُتُ الْمُضَادَّةُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَصِحُّ الِاسْتِعَارَةُ وَلَوْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِجَازَةِ بِالزَّايِ وَالرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ إنْ ذُكِرَ الْمَهْرُ وَإِلَّا فَالنِّيَّةُ وَمَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كِنَايَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فَاحْفَظْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عِنْدَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ أَوْ أَعَمِيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ ) يَعْنِي يَنْعَقِدُ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا إذَا وُجِدَتْ عِنْدَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ يَعْنِي بِهِ حُضُورَ الشُّهُودِ وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِحُضُورِهِمْ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانُ
الْبَتِّيُّ : يَجُوزُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، وَكَذَا فَعَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ يَجُوزُ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا أَعْلَنُوا ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ } وَعَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَشَرَطَ كِتْمَانَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ } وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ } وَأُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ : هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ فَلَا أُجِيزُهُ وَلَا يَلْزَمُنَا مَا رَوَوْا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا نُفُوذُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْغَيْرِ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ ) وَفِي الْبَدَائِعِ : وَالْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ا هـ غَايَةٌ وَفِي التَّجْرِيدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ فِي الْمَجْلِسِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْفَوْرِ قَالَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ( قَوْلُهُ : بِلَفْظَيْنِ ) الْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ مَا يَخُصُّ الْحَقِيقَةَ ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَإِنَّمَا قَيَّدَ انْعِقَادَهُ بِاللَّفْظِ لِيُخْرِجَ الْكِتَابَةَ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ رَجُلٌ عَلَى شَيْءٍ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَكَتَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقِيبَهُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الْكَاتِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا ) وَفِي الْيَنَابِيعِ يُرِيدُ بِالْمُسْتَقْبَلِ لَفْظَ الْأَمْرِ ، وَفِيهِ : وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ مِثْلِ أَتَزَوَّجُك وَأُنْكِحُك ا هـ تَتَارْخَانِيَّةُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ انْعِقَادُهُ بِلَفْظَيْنِ ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى فِيهِ الْوَاحِدُ طَرَفَيْ الْعَقْدِ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ اسْتِحْسَانًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّ الْحُقُوقَ فِي الْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ فَلَوْ تَوَلَّى الْوَاحِدُ طَرَفَيْ الْبَيْعِ أَفْضَى إلَى التَّنَافِي ، وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ ، فَإِنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ لَا يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهِ ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ فِيهِ ، وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ لَا يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِهَا بَلْ هُوَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهَا كَذَا فِي الْغَايَةِ ، وَبَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ مَذْكُورَةٌ فِي الشَّرْحِ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الثَّانِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الثَّالِثَ .
ا هـ ( قَوْلُهُ : زَوِّجْنِي ) أَيْ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُكَ قَبِلْتُ ( قَوْلُهُ : فَيَلْحَقُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ عَارٌ ) وَيُقَالُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) أَيْ حَيْثُ لَا عَارَ فِي رَدِّهِ ( قَوْلُهُ : فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا إلَخْ ) وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ : قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى ذَلِكَ صَحَّ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْصُرُهُ السَّوْمُ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْإِيجَابَ ا هـ غَايَةٌ قَالَ : زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ فَقَالَ : قَبِلْت ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ صَحَّ ، وَإِنْ قَالَ : قَبِلْت ، وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَبَعٌ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ : لَوْ قَالَ : زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ : ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لَا يَنْعَقِدُ ، وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : يَنْعَقِدُ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ صِرْتِ امْرَأَةً لِي فَقَالَتْ : نَعَمْ أَوْ صِرْتُ لَك ، اخْتِيَارُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ ) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا مَجَازًا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً } إلَخْ ) وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْهَا النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَبَ مِنْهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ فَقَالَتْ : وَهَبْت نَفْسِي مِنْك ، وَقَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا كَذَا فِي الْمَطْلَعِ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ ا هـ وَأَيْضًا إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً كَانَ الْعَقْدُ هِبَةً نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
تَوْضِيحِهِ فِي فَصْلِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّا نَقُولُ : الِاخْتِصَاصُ وَالْخُلُوصُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُلُوصُ أَمْرَيْنِ : الِانْعِقَادُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَشَرْعِيَّتُهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ يَلْزَمُ كَثْرَةُ الِاخْتِصَاصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ عَنْ أَمَتِهِ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَإِمَامُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ رَجُلًا وَهَبَ ابْنَتَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُزْءٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي سُقُوطٍ ) أَيْ الَّذِي لَا يَجُوزُ خُلُوُّ النِّكَاحِ عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْمَهْرِ ) أَيْ لَا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الْمَجَازَ لَا يَخْتَصُّ بِحَضْرَةِ الرِّسَالَةِ ا هـ تَنْقِيحُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( قَوْلُهُ : دُونَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ ) خُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْصَحِ الْعَرَبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَهَائِمِ وَالْغِلْمَانِ وَالْمَحَارِمِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : وَالسَّبَبِيَّةُ ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ فَإِطْلَاقُ السَّبَبِ ، وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ مِنْ أَقْوَى طُرُقِ الْمَجَازِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا ) أَيْ النِّيَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا اسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُوجِبُ بِالْكِنَايَةِ أَرَدْت بِهَا عَقْدَ النِّكَاحِ فَلَا اعْتِبَارَ حِينَئِذٍ إلَّا لِإِقْرَارِهِ بِالْتِزَامِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِالْكِنَايَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ لَا يَنْعَقِدُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْعَقِدُ
بِلَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ بِأَنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بِعْتُك نَفْسِي أَوْ قَالَ الْأَبُ بِعْت ابْنَتِي مِنْك بِكَذَا وَكَذَا بِلَفْظِ الشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَأَجَابَتْ بِنَعَمْ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيّ يَقُولُ بِانْعِقَادِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ حَيْثُ قَالَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْتهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا سَقَطَ الْحَدُّ ا هـ وَكَذَا فِي الْغَايَةِ السُّرُوجِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَالْمَمْلُوكُ بِهِ ) أَيْ مَنْفَعَتِهِ ، وَهِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ : طَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ مِلْكًا هُوَ سَبَبُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلِّهِ ( قَوْلُهُ : وَبِلَفْظِ السَّلَمِ قِيلَ يَنْعَقِدُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَيَنْعَقِدُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ ) أَيْ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا فِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ ) قِيلَ : لَا يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَقِيلَ : يَنْعَقِدُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ فَفِي الْمَنْفَعَةِ أَوْلَى ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ : وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَأَنَّ مَنْشَأَهُمَا الرِّوَايَتَانِ ا هـ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْقَرْضِ قِيلَ يَنْعَقِدُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِلْمُسْتَقْرِضِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِالْجَعْلِ يَنْعَقِدُ إلَخْ ) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ ا هـ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ : النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ
: جَعَلْتُ لَك نَفْسِي بِأَلْفٍ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَ قَبِلْت يَكُونُ نِكَاحًا ، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي دَعْوَى الْجَامِعِ إذَا قَالَ : جَعَلْتُ ابْنَتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ كَانَ نِكَاحًا لِلْمَعْنَى ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي ، وَفِي الْمُحِيطِ : وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ وَبِلَفْظِ الرَّجْعَةِ إنْ كَانَتْ مُبَانَةً ا هـ وَفِي الرَّهْنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ : لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقَالَةِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْفَسْخِ مَوْضُوعَةٌ وَكَذَا الصُّلْحُ لِكَوْنِهِ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ لَا لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ : يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ ا هـ غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ ا هـ فَتْحٌ وَأَمَّا لَفْظُ الرَّدِّ هَلْ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إمْلَاءَ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ، فَقَالَتْ : رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك ، فَقَالَ الزَّوْجُ : قَبِلْت كَانَ نِكَاحًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ : وَالرَّدُّ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ ا هـ تَتَارْخَانِيَّةُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ : آجَرْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ يَقُولَ الْأَبُ : آجَرْت ابْنَتِي مِنْك بِكَذَا وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ الشُّهُودَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ خِلَافُ الْكَرْخِيِّ ) وَمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالتَّأْقِيتُ مُفْسِدٌ لَهُ ) أَيْ وَالتَّأْقِيتُ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً ) أَيْ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ : اسْتَأْجَرْت دَارَك بِابْنَتِي هَذِهِ أَيْ أَوْ أَسْلَمْتهَا إلَيْك فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ ) أَيْ النِّكَاحُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ ) أَيْ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِعْتَاقِ
وَالْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِيدَاعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ إلَخْ ) وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ تَنْعَقِدُ بِهِ الشُّبْهَةُ حَتَّى يَسْقُطَ بِهِ الْحَدُّ وَيَجِبُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ لَا يَعْلَمَانِ إلَخْ ) وَلَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ كَالطَّلَاقِ وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا ) أَيْ مِنْ مَشَايِخِنَا ، وَذَلِكَ كَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ عِنْدَ حُرَّيْنِ ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ أَوْ بِقَوْلِهِ : يَصِحُّ ا هـ وَقَوْلُهُ : عِنْدَ حُرَّيْنِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ : ثُمَّ قَوْلُ الشَّيْخِ عِنْدَ حُرَّيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُضُورُهُمَا لِإِسْمَاعِهِمَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَحْدُودَيْنِ ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَحْدُودَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ إذْ بَعْدَهُ يَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا ( قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ } ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ا هـ فَتْحٌ وَالشُّهُودُ الْحُضُورُ إمَّا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحَضْرَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ شَاهِدٍ كَالسُّجُودِ جَمْعِ سَاجِدٍ ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ إلَخْ ) وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَوْ حَضَرَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِمَا مِمَّا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَاحْتِيجَ إلَى الْأَدَاءِ لِجَحْدِ النِّكَاحِ فَشَهِدَا بِهِ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِمَّنْ الْعَقْدُ
بِحُضُورِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَانَتْ بِحُضُورِهِمَا هَذَا ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَوَازُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَاسْتَبْعَدَ نَفْيَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ وَلَا سُنَّةَ وَلَا إجْمَاعَ فِي نَفْيِهَا وَحَكَى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا عَلِمْت أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَقْبَلُهَا عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ هُنَا ، وَيُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ مِمَّا يُمْنَعُ فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ عَقْلًا بَيْنَ تَصْدِيقِ مُخْبِرٍ فِي إخْبَارِهِ بِمَا شَاهَدَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ عَدْلًا تَقِيًّا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَمْلُوكَ الْمَنَافِعِ وَلَا شَرْعًا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ مِنْ اللَّهِ بِالرِّقِّ وَيُقْبَلُ إخْبَارُهُ كَيْفَ وَلَيْسَ الشَّرْطُ هُنَا كَوْنَ الشَّاهِدِ مِمَّنْ يُقْبَلُ أَدَاؤُهُ وَكَذَا جَازَ بِدَعْوَى الزَّوْجَيْنِ وَلَا أَدَاءَ لَهُمَا ، وَغَايَةُ مَا يُلْمَحُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا ، وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ تَصَرُّفُ التَّحَقُّقِ بِالْجَمَادَاتِ فِي حَقِّ الْعُقُودِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَلَا حُضُورٍ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ لَا يُدْعَوْنَ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ عَادَةً فَكَانَ حُضُورُهُمَا كَلَا حُضُورٍ فَحَاصِلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ الْخَطَرِ وَلَا خَطَرَ فِي إحْضَارِ مُجَرَّدِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ ، وَكَذَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَذَا النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ عَنْ الرِّجَالِ فَشَمِلَ هَذَا الْوَجْهُ نَفْيَ شَهَادَةِ الْكُلِّ وَاعْتِبَارِهِ أَوْلَى أَنْ يَنْفِيَ شَهَادَةَ السُّكَارَى حَالَ سُكْرِهِمْ وَعَرْبَدَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَذْكُرُونَهَا بَعْدَ الصَّحْوِ وَهَذَا
الْوَجْهُ الَّذِي أَدِينُ بِهِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ عِنْدَنَا حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَهُ ، وَسَيُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهَ - تَعَالَى - ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَنْعَقِدُ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ ، وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى ، وَهُوَ صَوْنُ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا ، وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَحْرُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا ، وَعَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَهُ الشَّرَائِعُ مِنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَيَزْدَادُ بِالطَّاعَةِ وَيُنْتَقَصُ بِالْمَعْصِيَةِ فَجُعِلَ نُقْصَانُ الدِّينِ كَنُقْصَانِ الْحَالِ بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ هُنَا لِتَيَقُّنِهِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَوْنِ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ يَبْطُلُ بِابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَبِابْنَيْ أَحَدِهِمَا ، وَكَذَا بِالْمَسْتُورَيْنِ وَبِعَدُوَّيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ
مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ ثُمَّ قِيلَ : الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا ، وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الَأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِحَضْرَةِ السُّكَارَى صَحَّ إذَا فَهِمُوا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَأُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصَمَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى سَمِعَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ الزَّوْجِ ، وَالْآخَرُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ أُعِيدَ فَسَمِعَ الَّذِي كَانَ سَمِعَ كَلَامَ الزَّوْجِ كَلَامَ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ كَلَامَ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجُوزُ
( قَوْلُهُ : حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ ) وَأَجَازَ النِّكَاحَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَعًا الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَصْحَابُهُ وَكَذَا فِي إشَارَةِ ابْنِ حَنْبَلٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَجَوَّزَهُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ ا هـ غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ : وَأَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْمُنْفَرِدَاتِ لِأَنَّهُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْعَقِدُ ، وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : إنَّهُ ) أَيْ الْفَاسِقَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ) أَيْ حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ) أَيْ لِأَنَّ الْغَيْرَ مِنْ جِنْسِ الْفَاسِقِ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ ) أَيْ لِأَنَّ تَقَلُّدَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِمَامِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : إنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا ) أَيْ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ ) أَيْ كَالصِّغَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ ) أَيْ وَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ : الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَنَقَلَ عَنْ أَبْوَابِ الْأَمَانِ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَعَلَى هَذَا جَوَّزَهُ بِالْأَصَمِّينَ وَالنَّائِمِينَ وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ وَرَقَةٍ : وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ فَلَا يَجُوزُ
بِالْأَصَمَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخِطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ : إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ لِيَخْطُبَنِي ثُمَّ تُشْهِدُ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا أَمَّا لَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي التَّفْرِيعِ ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَنْ الْفِقْهِ وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ زَادَ النَّائِمِينَ وَنَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَسْمَعَا مَعًا كَلَامَهُمَا مَعَ الْفَهْمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ ا هـ إذْ لَوْ سَمِعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ أُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ سِوَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا ، وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا مَعًا وَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا لَمْ يَجُزْ وَعَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُمَا أَنْ يُعَبِّرَا مَا سَمِعَا جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَحَكَى عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِيهِ ، وَجَعَلَ الظَّاهِرَ عَدَمَ الْجَوَازِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا ) قَالَ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ كَلَامَهُمَا ، وَفِي نَظْمِ الزندويستي الْأَصَحُّ أَنَّ سَمَاعَهُمَا مَعًا شَرْطٌ ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ ا هـ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالنَّائِمِينَ وَالْأَصَمِّينَ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْعَاقِدَيْنِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ تَزْوِيجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ ) يَعْنِي بِشَهَادَةِ ذِمِّيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُمَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ انْعِقَادِهِ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ لَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ بَاشَرَ عَقْدَهَا نَفَذَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّجُلِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّطْرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّنَاكُرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُنْكِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَجَاحَدَا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ تُقْبَلُ ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِغَيْرِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرَيْنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَالَا : كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ
فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا دُونَهُ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا لِإِثْبَاتِهِمَا فِعْلَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَثْبُتُ فِعْلُهُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ فَجَحَدَهُ فَأَقَامَ الْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى لَهُ بِهِ قَاضِي فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ فِعْلِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ أَسْلَمَا ثُمَّ أَدَّيَا الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا قَالَا : كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ
قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ ) قُلْت : وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الذِّمِّيِّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مُسْلِمَةٍ لَوْ بَاشَرَ الذِّمِّيَّانِ عَقْدَ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنْ كَانَا وَلِيَّيْنِ لَهَا أَوْ وَكِيلَيْنِ نَفَذَ عَلَى الزَّوْجِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ثُمَّ وَقَفْت عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْغَايَةِ وَهَاكَ عِبَارَتَهَا ، وَفِي الْمَبْسُوطِ : وَلَهُمَا طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ يَصْلُحُ وَلِيًّا لِلذِّمِّيَّةِ فِي تَزْوِيجِهَا وَقَابِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ رُكْنٌ لِلْعَقْدِ ، وَالشَّهَادَةُ شَرْطُهُ ، فَإِذَا قَامَ الَّذِي بِرُكْنِهِ فَبِشَرْطِهِ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ ) أَيْ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى عَلَى مَا مَرَّ ا هـ غَايَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَأَسْلَمَا وَشَهِدَا بِالْعَقْدِ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَالْأَبُ حَاضِرٌ صَحَّ وَإِلَّا لَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ الْمُزَوِّجُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَكُونُ شَاهِدًا مَعَ الرَّجُلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ غَائِبًا ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا فَلَا يَنْتَقِلُ كَلَامُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ فَيَبْقَى الرَّجُلُ وَحْدَهُ شَاهِدًا وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا وَقَعَ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ امْرَأَةً فَعَقَدَتْ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى ، وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ : عِنْدَ رَجُلٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ امْرَأَتَيْنِ وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ مُبَاشَرَتُهُ حَقِيقَةً يُجْعَلُ مُبَاشِرًا حُكْمًا وَإِلَّا فَلَا ؛ وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا ، وَكَذَا الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ جُعِلَ عَالِمًا تَقْدِيرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَتَهَا الْبَالِغَةَ بِرِضَاهَا بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ جَازَ بِحَضْرَتِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ لَا لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَعَقَدَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ
امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ جَازَ إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ فَزَوَّجَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فَتَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَى الْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ زَوَّجَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالُوا : هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ أَصْحَابِنَا ، فَإِنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى فَيَصْلُحُ شَاهِدًا ، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى هَذَا الْأَمَةُ ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ : لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ : هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ
( قَوْلُهُ : وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ حُكْمًا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَهِيَ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ بِنَقْلِ مُبَاشَرَةِ الْأَبِ إلَيْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا وَأَقُولُ : أَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي نِكَاحٍ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُزَوِّجَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا ، وَإِذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْضًا صَارَ هُوَ الْمُزَوِّجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ شَاهِدًا ا هـ أَكْمَلُ ( قَوْلُهُ : كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ) وَكَذَا قَوْلُهُ : صَغِيرَتَهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَةَ يَقُومُ وَالِدُهَا مَقَامَ شَاهِدٍ هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ ) أَيْ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْدِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ : لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْعِبَارَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ حَتَّى تَنْتَقِلَ عِبَارَتُهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ مُزَوِّجًا لَا شَاهِدًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ ) أَيْ أَوْ أَمَتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمِمَّا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِ السَّيِّدِ يَظْهَرُ أَنَّ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ
السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحُضُورِهِمَا مَعَ شَاهِدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا ، وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ ؛ وَلِذَا خَالَفَ فِي صِحَّتِهَا الْمَرْغِينَانِيُّ قَالَ وَقَالَ أُسْتَاذِي : فِيهِمَا رِوَايَتَانِ أَيْ فِي وَكِيلِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْوَاعٌ النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ أَنْوَاعٌ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي : الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ ، وَهُنَّ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَأُصُولُهُنَّ وَحَلَائِلُ فُرُوعِهِ وَحَلَائِلُ أُصُولِهِ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ وَأَنْوَاعُهُنَّ كَالنَّسَبِ وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ حُرْمَةُ الْجَمْعِ ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ أَوْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ ، وَالْحُرَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ ، وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ : الْمُحَرَّمَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ ، وَالنَّوْعُ السَّادِسُ الْمُحَرَّمَةُ لِعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ ، وَالنَّوْعُ السَّابِعُ الْمُحَرَّمَةُ لِلتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ مَمْلُوكَهَا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ كُلِّ نَوْعٍ بِدَلِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( حَرُمَ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ وَإِنْ بَعُدَتَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بَنَاتٌ ؛ إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً ، وَالْبِنْتُ هِيَ الْفَرْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } أَيْ أَصْلُهُ وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ } وَلِكَوْنِ الْبِنْتِ اسْمًا لِلْفَرْعِ يَتَنَاوَلُ النَّصُّ الْوَارِدُ عَلَى بَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ بَنَاتِ أَوْلَادِهِمَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَيَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ
الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ : ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ ، وَهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ فَهُنَّ أَقْرَبُ مِنْ أَوْلَادِهِنَّ ، وَكَذَا حَرَّمَ بَنَاتِ الْأَخِ فَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَكُنَّ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ هَؤُلَاءِ تَعْظِيمُ الْقَرِيبِ وَصَوْنُهُ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْرَاشِ اسْتِخْفَافًا بِهِ ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا وَلِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو عَنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ جَرَيَانِ الْخُشُونَةِ بَيْنَهُمَا فَيُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ
( فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ) الْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَبَّدَةُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } إلَى قَوْله تَعَالَى { وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } وَأَرْبَعٌ بِالصِّهْرِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبُ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ وَمِثْلُهُنَّ بِالرَّضَاعِ ، وَالْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ سَبْعٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَتَزْوِيجُ الْخَامِسَةِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَتَزْوِيجُ الْأَرْبَعِ فِي عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَكَذَا تَزْوِيجُ أُخْتِهَا وَأَمَةِ الرَّجُلِ إذَا كَاتَبَهَا وَالْمُشْرِكَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَذَا فِي الْمَنْثُورِ ا هـ مُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ وَهُنَّ فُرُوعُهُ ) أَيْ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأُصُولُهُ ) أَيْ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا ) أَيْ فَتَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلْنَ ا هـ ( قَوْلُهُ : إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ ) فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ ) أَيْ وَإِنْ نَزَلْنَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأُصُولِهِنَّ ) أَيْ وَإِنْ عَلَوْنَ ا هـ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَتَحْرُمُ مَوْطُوآتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَمَوْطُوآتُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى { هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } أَيْ أَصْلُهُ ) أَيْ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ الْمُتَشَابِهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : مِنْ تَحْتِهَا ) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي
خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً ) لِأَنَّ الْأُمَّ عَلَى هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ إلَخْ ) وَفِي الْبَدَائِعِ اسْمُ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّةَ مَجَازًا وَلِهَذَا كَانَ مَنْ نَفَى ذَلِكَ صَادِقًا وَهُوَ مِمَّا تُعْلَمُ بِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُ الْأُمِّ عَلَى الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ النَّصُّ الْجَدَّاتِ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأُمَّ مُرَادٌ بِهِ الْأَصْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِرَادَتِهِ مَجَازًا فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْعُرْفِ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْبِنْتِ عَلَى الْفَرْعِ حَقِيقَةً ؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي حُرْمَةِ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرُ بَعْضِ الشُّرُوحِ ثُبُوتُهُ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصِّ الْأَخَوَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا حَقِيقَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُمِّ امْرَأَتِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَتَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ جَدَّاتُهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ : إنَّ أُمَّ الزَّوْجَةِ لَا تَحْرُمُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا ، وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } ذَكَرَ أُمَّهَاتَ النِّسَاءِ وَعَطَفَ عَلَيْهِنَّ الرَّبَائِبَ ثُمَّ أَعْقَبَهُمَا ذِكْرُ الشَّرْطِ ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَتُقَيَّدُ حُرْمَتُهُمَا بِالدُّخُولِ أَوْ يُقَالُ : إنَّ الْمَوْصُولَ وَقَعَ صِفَةً لَهُمَا فَتَقَيَّدَا بِالدُّخُولِ ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ وَهُوَ كَلَامٌ تَامٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الثَّانِي فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ؛ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحَمْلِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رُجُوعُهُ إلَيْهِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَيْ أَطْلِقُوهُ ، وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْآيَةُ مُبْهَمَةٌ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُمْ :
يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا ، وَهُوَ الْأَصْلُ قُلْنَا : ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَتَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهَا فَإِنَّك إذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ تَقْتَصِرُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَذْكُورِ آخِرًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُمَا أَصْلًا لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ الْإِضَافَةُ ، وَفِي نِسَائِكُمْ حَرْفُ الْجَرِّ وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُمَا لَمَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَوْصُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِيهَا ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ قَالَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِنْتِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا ) أَيْ بِنْتِ امْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ فِيمَا تَلَوْنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ فِي النَّصِّ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ } الْمُرَادُ مَا طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الثَّانِيَةِ لَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا لَبُونًا أَوْ مَخَاضًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْحِجْرِ لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ قَبِيحِ فِعْلِهِمْ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } { وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا } وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ اكْتَفَى فِي الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } وَلَوْ كَانَ الْحِجْرُ شَرْطًا لَمَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الثَّانِي فِي النَّفْيِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا لَكِنْ
غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُنَا الْمَنْفِيُّ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِهِمَا لَقِيلَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ أَوْ كَانَ يَنْفِي الِاثْنَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ وَحَيْثُ اكْتَفَى بِنَفْيِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدُهُ وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ : لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَقْتَ التَّزَوُّجِ وَجُعِلَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَكَلَّفَهَا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ هِيَ الَّتِي فِي حِجْرِهِ دُونَ الْكَبِيرَةِ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْقَطِيعَةِ ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ، وَاشْتِرَاطُ الْحِجْرِ مَذْكُورٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ فَانْتِفَاؤُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ : وَرَبَائِبُكُمْ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُنَّ بِخِلَافِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُنَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُنَّ
قَوْلُهُ : لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ ) أَيْ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ آبَاءٍ عَلَوْنَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ أُمَّهَاتٍ عَلِيَّاتٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَأُمُّ امْرَأَتِهِ ) إذَا كَانَ نِكَاحُ الْبِنْتِ صَحِيحًا أَمَّا بِالْفَاسِدِ فَلَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إلَّا إذَا وَطِئَ بِنْتَهَا ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ : إنَّ أُمَّ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ إلَخْ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَالِكًا مَعَ الْجُمْهُورِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا ) وَلَا تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا ) كَمَنْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَشَرْطُ الدُّخُولِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَكَذَا هُنَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْصُولَ ) وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَهُمَا لَمَّا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَاخْتَلَفَ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْأَصْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : الْوَصْفُ الْوَاحِدُ لَا يَقَعُ عَلَى مَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبِنْتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا ) فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَتْ يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ الْبِنْتِ وَفِيهِ خِلَافٌ زِيدَ ا هـ مَبْسُوطٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ فِي حَجْرِ غَيْرِهِ ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ ) أَيْ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ حِينَئِذٍ إجْمَاعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُقَالُ : إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ ) أَيْ الدُّخُولِ
وَكَوْنِ الرَّبِيبَةِ فِي الْحِجْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ ) أَيْ فَلِذَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا وَجَازَ لِلِابْنِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَإِنْ بُعْدَا ) أَيْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ وَإِنْ بَعُدَ الْأَبُ وَالِابْنُ بِأَنْ كَانَ أَبَ الْأَبِ أَوْ أَبَ الْأُمِّ أَوْ أَبَ أُمِّ الْأَبِ ، وَإِنْ عَلَا أَوْ كَانَ ابْنُ الِابْنِ ، وَإِنْ سَفَلَ أَمَّا امْرَأَةُ الْأَبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } فَيَتَنَاوَلُ مَنْكُوحَةَ الْأَبِ وَطْئًا وَعَقْدًا صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْآبَاءِ يَتَنَاوَلُ الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَفِي النَّفْيِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَعَانِيهِ فِي النَّفْيِ ، وَأَمَّا امْرَأَةُ الِابْنِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } وَلَفْظُ الْأَبْنَاءِ يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَوْلَادِ ، وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ الِابْنِ وَلَا الْأَبِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْكُلُّ رَضَاعًا ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَهُنَّ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ وَبَنَاتُ إخْوَتِهِ وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ وَأُمُّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتُهَا وَامْرَأَةُ أَبِيهِ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَفِي حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا
قَوْلُهُ : بِأَنْ كَانَ أَبَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَبُو ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَبَ الْأُمِّ ) الَّذِي فِي خَطِّ لِلشَّارِحِ أَبُو ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَبَ أُمِّ الْأَبِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَبُو ا هـ وَاسْمُ الْأَبِ يَتَنَاوَلُ الْأَجْدَادَ وَالْأَبَ الْحَقِيقِيَّ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي الْجَمِيعِ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا كَمَا مَرَّ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْمَحَلَّيْنِ ثَبَتَ نَصًّا وَقَدْ مَرَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ النَّهْيَ لَكَانَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ نَفْيٌ ) أَيْ مَعْنًى ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا صُورَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ } إلَخْ ) وَسُمِّيَتْ حَلِيلَةً ؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِلِابْنِ مِنْ الْحِلِّ ، أَوْ لِأَنَّهَا تَحِلُّ فِرَاشَهُ ، وَهُوَ يَحِلُّ فِرَاشَهَا مِنْ الْحُلُولِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَوْلَادِ ، وَإِنْ سَفَلُوا ) فَتَحْرُمُ امْرَأَةُ ابْنِ ابْنِهِ وَامْرَأَةُ ابْنِ بِنْتِهِ ا هـ أَقْطَعُ ، فَإِنْ قِيلَ : ابْنُ الِابْنِ لَا يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَعْدِيَةُ هَذَا التَّحْرِيمِ إلَيْهِ مَعَ هَذَا التَّقْيِيدِ قُلْنَا مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُذْكَرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ صُلْبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ } وَالْمَخْلُوقُ مِنْ التُّرَابِ هُوَ الْأَصْلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ كَيْ ( قَوْلُهُ : وَبَنَاتُ إخْوَتِهِ ) أَيْ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ } وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَمَذْهَبُ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ عُثْمَانُ يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَأَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا تَلَوْنَا وَمَا تَلَاهُ مَخْصُوصٌ بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ شَرِكَةٍ فَكَذَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَالْأَخْذُ بِالْمُحَرَّمِ أَوْلَى احْتِيَاطًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَبِيعَهَا ) أَيْ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ وَلَا الْمَوْطُوءَةَ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ : لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا ؛ إذْ النِّكَاحُ مُلْحَقٌ بِالْوَطْءِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ قُلْنَا نَفْسُ الْعَقْدِ لَيْسَ بِوَطْءٍ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ وَطْئًا عِنْدَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ وَوُجُودُ الْوَلَدِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ ، وَحَالُ صُدُورِهِ خَالٍ عَنْهُ فَيَصِحُّ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنِكَاحِ أُخْتِهَا ، وَالْأُخْرَى
مَنْكُوحَةٌ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا وَنَحْنُ نَقُولُ : لَوْ جَامَعَ الْمَنْكُوحَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا ، وَلَوْ جَامَعَ الْمَمْلُوكَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَإِذَا حَرَّمَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ حَلَّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَا تَحِلُّ بِالْكِتَابَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْأَمَةَ مِنْ إنْسَانٍ لَا تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَحِيضَ الْمَمْلُوكَةُ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْهُ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا تَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ ، وَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ ، وَكَذَا تَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ ، وَأَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فَصَارَ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَذَا بِالتَّزْوِيجِ الصَّحِيحِ هُوَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَتَحْرُمُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِحْرَامُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصَّوْمُ ، وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا فَلَا يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى وَإِنْ وَطِئَهُمَا حُرِّمَتَا جَمِيعًا حَتَّى تَخْرُجَ إحْدَاهُمَا مِنْ مِلْكِهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا ) أَيْ عَقْدًا ا هـ فَتْحٌ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِمِلْكِ نِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فِي الْوَطْءِ كَذَا فِي التَّكْمِلَةِ ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ ( قَوْلُهُ : نِكَاحًا وَوَطْئًا ) وَهَذَانِ تَمْيِيزَانِ لِنِسْبَةٍ إضَافِيَّةٍ وَالْأَصْلُ بَيْنَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ وَوَطْئِهِمَا مَمْلُوكَتَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ } إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } إلَخْ غَرِيبٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ عُثْمَانُ : يَجُوزُ ) أَيْ وَالظَّاهِرِيَّةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ ) يَعْنِي إذَا مَلَكَ مَحَارِمَهُ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وَإِنْ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ شَرِكَةٍ ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَخْصٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَكَذَا بِهَذِهِ الْآيَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ : قِيلَ : الظَّاهِرُ أَنَّ عُثْمَانَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَالْإِجْمَاعُ اللَّاحِقُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِخِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَالْمُرَجَّحُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ ) ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَإِنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ ) ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ ) ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَشْهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا وَطِئَ أَمَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا
قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأَمَةَ جَازَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا ) أَيْ بِاعْتِرَافِكُمْ فَيَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا وَاطِئًا حُكْمًا ، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ بِاعْتِرَافِكُمْ ؛ لِأَنَّكُمْ عَلَّلْتُمْ عَدَمَ جَوَازِ وَطْءِ الْأَمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ بِلُزُومِ الْجَمْعِ وَطْئًا حُكْمًا ، وَقُلْتُمْ : إنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ السَّابِقِ قَامَ حَتَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ، وَمَا قِيلَ حَالَةَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ جَامِعًا وَطْئًا بَلْ بَعْدَ تَمَامِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ فَبِتَعَقُّبِهِ لَيْسَ بِدَافِعٍ فَإِنَّ صُدُورَهُ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ جَمْعًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ حَيْثُ كَانَ هُوَ حُكْمَهُ ، وَهُوَ لَازِمٌ بَاطِلٌ شَرْعًا ، وَمَلْزُومُ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلُ ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي صَفَحَاتِ كَلَامِهِمْ مَوَاضِعُ عَلَّلُوا الْمَنْعَ فِيهَا بِمِثْلِهِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ فَلَيْسَ لَازِمًا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَلَا يَضُرُّ بِالصِّحَّةِ ، وَيُمْنَعُ بِالْوَطْءِ بَعْدَهَا لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ : وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلَ الْعِلَّةَ غَيْرَ مُقَارِنَةٍ لِلْمَعْلُولِ أَمَّا مَنْ يَجْعَلَ الْعِلَّةَ مُقَارِنَةً لِلْمَعْلُولِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ) فَعَلَى هَذَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِمُجَرَّدِ التَّمْلِيكِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا بِالتَّزْوِيجِ ) أَيْ قَوْلُ الشَّارِحِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ أَرَادَ بِهِ التَّزْوِيجَ الصَّحِيحَ لَا الْفَاسِدَ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا ) أَيْ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُوضَعْ
لِلْوَطْءِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِدَعْوَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى ) أَيْ حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِسَبَبٍ ، وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ ) وَلَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رُدَّتْ الْمَبِيعَةُ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ أَوْ طَلُقَتْ الْمَنْكُوحَةُ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ كَمَا كَانَ أَوَّلًا ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ وَلَمْ يَدْرِ الْأُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَطَلَ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَا يَجُوزُ ، وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ الْجَهَالَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِإِلْزَامِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ كَالْمُعَلَّقَةِ ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ قَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا ، وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ ، وَقَوْلُهُ فِي عَقْدَيْنِ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُمَا بِيَقِينٍ ، وَقَوْلُهُ لَا يَدْرِي الْأُولَى احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا دَرَى مَنْ هِيَ الْأُولَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ عَقْدُ الْأُولَى ، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْأُولَى مَا دَامَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْعِدَّةِ ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الثَّانِيَةِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمُعْتَدَّةِ دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا دُونَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتَهَا ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ التَّزَوُّجَ بِأُخْتِهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ : مَعْنَى مَسْأَلَةِ أَنْ تَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا هِيَ
الْأُولَى ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَيَقْضِي لَهُمَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ أَمَّا إذَا قَالَتَا : لَا نَدْرِي أَيُّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلُ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ ، وَجَهَالَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ : لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَيَقْضِي لَهُمَا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُمَا شَيْءٌ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَعْلِيلِهِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا ، وَإِذَا جَازَ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَجَبَ الْمَهْرُ كَامِلًا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا وَقَعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي ؛ وَلِهَذَا قَالَ : يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْخِلَافِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ إذْ لَا يَتَنَصَّفُ قَبْلُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَوْلُهُ : وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ ، وَكَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ يَجِبُ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ ) أَيْ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ الْمُقَدَّرَةُ ذَكَرًا وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ : يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرَ الْأُخْتَيْنِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَالْخَوَارِجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا ، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا ، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا ، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى } { وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ } وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُنَّ يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِبِنْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِالْمُشْرِكَةِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَذَكَرَ النَّهْيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِإِزَالَةِ وَهْمِ الْجَوَازِ فِي الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا ، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا لَتَوَهَّمَ أَنَّ الْعَكْسَ يَجُوزُ لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ : وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا ، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْكُبْرَى الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ وَصُورَةُ الْعَمَّتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةَ الْأُخْرَى وَصُورَةُ الْخَالَتَيْنِ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَالَةَ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ : أَيَّةٌ فُرِضَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُتَصَوَّرُ جَوَازُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ حَتَّى لَوْ جَازَ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ : لَمَّا ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَجْهٍ فَالْأَحْوَطُ الْحُرْمَةُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَطِيعَةُ الرَّحِمِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا
( قَوْلُهُ : وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ) طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ ، وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ ، وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا ، وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ ) أَيْ تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : مَعَ الْجَهَالَةِ ) أَيْ مَعَ جَهْلِ الْمُحَلَّلَةِ مِنْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصُ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةً لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَمْ تَدْرِ الْأُولَى ) وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا تَدْرِي الْأُولَى ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَا : نِصْفُ الْمَهْرِ لَنَا عَلَيْهِ لَا يَعْدُونَا فَنَصْطَلِحُ عَلَى أَخْذِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا كَامِلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كَمَالِهِ حُكْمُ الْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ ا هـ وَالْحَالُ أَنَّهُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِمَا تَحَقَّقَ عَدَمُ لُزُومِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ا هـ قَوْلُهُ : وَفِيهِ نَظَرٌ ) مَحَلُّ النَّظَرِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ ) يَعْنِي جِنْسًا أَوْ قَدْرًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ
ذَكَرًا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ : { فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ } فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ بِفَرْضِ وَصْلِهَا ، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا ) فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّهْيِ ، وَالْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ ) ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ا هـ غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ { رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ } وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي خَصِيفٍ فَالْوَجْهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ } فِي الصَّحِيحَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ ) لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ ا هـ أَوْ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ وَفِي الْحُرُمَاتِ يُؤَكِّدُ وَيُبَالِغُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { لَا تَبِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ } فَقَدْ كَرَّرَ شَرْطَ الْمُمَاثَلَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ لِلتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ كَذَا هَاهُنَا ا هـ كَاكِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ ) وَلَمْ يُرِدْ صِغَرَ السِّنِّ وَكِبَرَهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ وَلَا رَضَاعَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ ) أَيْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَالَ : وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ا هـ غَايَةٌ وَقَوْلُهُ : وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَإِنَّمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } وَلِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لِحَلَّلَهَا لِلْمُطَلَّقِ ثَلَاثًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ نَاظَرَهُ : أَنْتَ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَى الْمَرْأَةِ بِتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهَا إلَيْهَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } وَالنِّكَاحُ هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ عَلَى الِابْنِ مَا وَطِئَ أَبُوهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ } حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الَّذِي نَاظَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِرِدَّتِهَا فَقَدْ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَيْهَا فَكَيْفَ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت عَلَى غَيْرِك فَقَالَ : أَقُولُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ : أَنْكَرَ عَلَى خَصْمِهِ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ بِهِ وَجَعَلَ الرَّجْعَةَ إلَيْهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لَحَلَّلَهَا لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قُلْنَا : الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ وَالزَّانِي لَيْسَ بِزَوْجٍ ؛ وَلِهَذَا لَا يُحَلِّلَهَا وَطْءُ الْمَوْلَى وَتَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرِّمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ
لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَافٌ لَهُ فَذَاتُ الْوَطْءِ لَا تَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَاهَرَةَ تَثْبُتُ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَبِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَبِوَطْءِ الْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ فَصَارَ كَالرَّضَاعِ حَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ ؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لَكِنْ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَأَدَّى إلَى فَنَاءِ الْأَمْوَالِ أَوْ تَرْكِ الزَّوَاجِ وَلِلضَّرُورَةِ أُبِيحَتْ حَوَّاءُ عَلَيْهَا السَّلَامُ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ جُزْؤُهُ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ حَتَّى صَارَ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَا الْعَكْسُ فِي حَقِّهَا وَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ كَالْجِمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَإِنْ وَصَلَ حَرَارَةُ الْبَدَنِ إلَى يَدِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ : إنْ وَجَدَ الْحَجْمَ تَثْبُتُ ، وَفِي مَسِّ الشَّعْرِ رِوَايَتَانِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ مُكْرَهًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّكِئَةً حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : النَّظَرُ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ يَكْفِي لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشِّقِّ ، وَالشَّهْوَةُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى بَعْدَ التَّرْكِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ ، وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا
إنْ كَانَتْ مُنْتَشِرَةً حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَطَلَبَ امْرَأَتَهُ وَأَوْلَجَهَا بَيْنَ فَخِذَيْ ابْنَتِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا مَا لَمْ تَزْدَدْ انْتِشَارًا وَوُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكْفِي وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُنْزِلَ حَتَّى لَوْ أَنْزَلَ عِنْدَ اللَّمْسِ أَوْ النَّظَرِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ لِانْقِضَاءِ الشَّهْوَةِ ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ دُبُرَ الْمَرْأَةِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْحَرْثِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْوَلَدِ وَفِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ يُعْتَبَرُ تَحَرُّكُ الْقَلْبِ ، وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ وَلِذَا لَوْ وَقَفَتْ عَلَى الشَّطِّ فَنَظَرَ إلَى الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ : بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ مُشْتَهَاةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ خَمْسٍ وَمَا دُونَهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ إنْ كَانَتْ عَبْلَةً ضَخْمَةً كَانَتْ مُشْتَهَاةً ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ جَامَعَ صَغِيرَةً فَأَفْضَاهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَلَوْ كَبِرَتْ الْمَرْأَةُ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الْحُرْمَةِ فَلَمْ تَخْرُجْ بِالْكِبَرِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ وَنَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ بِشَهْوَةٍ كَمَسِّ الرَّجُلِ وَنَظَرِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ ) أَيْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ ) الشَّهْوَةُ قَيْدٌ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ الزِّنَا عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْنِيُّ بِهَا تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ ، وَيَحْرُمُ الزَّانِي عَلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } ) وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَقَالَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا } ) خَرَّجَهُ الْجُوزَجَانِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ } إلَخْ ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ إلَخْ ) ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْكِنَايَةِ وَابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَابْنُ عَبَّاسٍ ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ ا هـ غَايَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ } غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ أَرَأَيْت لَوْ بَالَ أَوْ صَبَّ خَمْرًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَمْلُوكٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ
اسْتِعْمَالُهُ فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَرَامًا وَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِإِثْبَاتِ الزِّنَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ زِنًا بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَطْئًا هَذَا لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضَعَّفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَلَى مَا طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ : فِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ضَعُفَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قُضَاةِ الْعِرَاقِ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَفَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ ا هـ وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ مُغَلَّطَةً فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَيْسَتْ التَّحْرِيمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَحْرِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقُ ؛ وَلِذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ فَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ هِيَ الْمُصَاهَرَةُ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَجْنَبِيَّ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّكَ ، وَلَا مُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا فَالصِّهْرُ زَوْجُ الْبِنْتِ مَثَلًا لَا مَنْ زَنَى بِبِنْتِ الْإِنْسَانِ فَانْتَفَتْ الصِّهْرِيَّةُ ، وَفَائِدَتُهَا أَيْضًا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفِرُ مِنْ الزَّانِي بِبِنْتِهِ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِهِ بَلْ يُعَادِيهِ فَأَنَّى يُنْتَفَعُ بِهِ فَالْمَرْجِعُ الْقِيَاسُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرَّمًا إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ
سَبَبُ الْوَلَدِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَالْوَلَدُ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } فَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْقُبْحِ ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ صِفَةَ الْقُبْحِ صَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ ، وَهُوَ الْوَطْءُ كَالتُّرَابِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ صَارَ الْمَنْظُورُ صِفَةَ الْمَاءِ فِي إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ لَا صِفَةَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : إنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا سَبِيلُهُ النِّعْمَةُ وَالْكَرَامَةُ ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَيْسَ بِمَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا ) يُقَالُ ابْنُ فُلَانَةَ وَفُلَانٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ ) أَيْ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْعِدَّةِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : حَتَّى صَارَ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا أَيْ وَإِنْ عَلَتْ فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً ، وَابْنَتُهَا وَإِنْ سَفْلَتَ وَكَذَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا هَذَا إذَا لَمْ يُفِضْهَا الزَّانِي فَلَوْ أَفْضَاهَا لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْحُرُمَاتُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ وَعَلِمَ كَوْنَهُ مِنْهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا وَقَدْ يُقَالُ : إذَا كَانَ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ تَنْتَشِرُ
بِهَا الْآلَةُ مُحَرَّمًا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا أَفْضَاهَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَى الْخِلَافِ الْآتِي مَعَهُ ، وَإِنْ انْتَشَرَ مَعَهُ أَوْ زَادَ انْتِشَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَطْءُ السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِفْضَاءِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فِي الْقُبُلِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْكَاكِيُّ : ثُمَّ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ ، وَمَا رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَصِحَّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، قَالَ الرَّبِيعُ : كَذَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَالْعِرَاقِيُّونَ لَمْ يُثْبِتُوا الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ وَمَا جَعَلَهُ الْبَعْضُ غَيْرَ ثَبْتٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ ) أَيْ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشِّقِّ إلَخْ ) وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ ، وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ ، وَفِيهِ بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَابَ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إلَخْ ) فِي الصَّحِيحِ ا هـ هِدَايَةٌ وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا هُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى أَنْ يَمِيلَ قَلْبُهُ وَيَشْتَهِيَ جِمَاعَهَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ :
وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُنْزِلَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : ثُمَّ شَرْطُ الْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ أَنْ لَا يُنْزِلَ فَإِنْ أَنْزَلَ قَالَ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ : تَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ، وَالْإِنْزَالُ لَا يُوجِبُ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ ، وَالْمُخْتَارُ لَا يَثْبُتُ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ حَالَ الْمَسِّ إلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ حَرُمَتْ ، وَإِلَّا لَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ وَطِئَ دُبُرَ الْمَرْأَةِ إلَخْ ) قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَمَّا لَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ حُرْمَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّوَاطَةِ حَتَّى تَحْرُمَ عَلَيْهِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ ا هـ وَفِي الْغَايَةِ : وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَقِيلَ : يُوجِبُهَا ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَسٌّ وَزِيَادَةٌ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ : وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَوَّلًا أَصَحُّ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْجُزْئِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ ) خِلَافًا لِمَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمِرْآةِ مِثَالُهُ لَا هُوَ ، وَبِهَذَا عَلَّلُوا الْحِنْثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِ فُلَانٍ فَنَظَرَهُ فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْرِيمُ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ بِنَاءً عَلَى نُفُوذِ الْبَصَرِ مِنْهُ فَيَرَى نَفْسَ الْمَرْئِيِّ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ ، وَمِنْ الْمَاءِ ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ
الْإِبْصَارِ مِنْ الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ بِوَاسِطَةِ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ وَإِلَّا لَرَآهُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِانْطِبَاعِ مِثْلِ الصُّورَةِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِي الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِيهِ إذَا كَانَ صَافِيًا فَيَرَى نَفْسَ مَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى سَمَكَةً رَآهَا فِي مَاءٍ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِلَا حِيلَةٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً ) أَيْ حَالًا أَوْ مَاضِيًا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ : إذَا وَطِئَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءٌ هُوَ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ كَإِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ : الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ ثَابِتٌ فِيهِمَا ، وَالْعَادِيُّ مُنْتَفٍ عَنْهُمَا فَتَسَاوَيَا وَالْقِصَّتَانِ عَلَى خِلَافِ الْغَايَةِ لَا يُوجِبَانِ الثُّبُوت الْعَادِيَّ وَلَا يُخْرِجَانِ الْعَادَةَ عَنْ النَّفْيِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا ) وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَرِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتَ مُعْتَدَّتِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ : يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ مَحَارِمِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا لَهُمْ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَأَنْ لَا تُنْكَحَ امْرَأَةٌ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ } وَإِمَامُنَا فِيهِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً ، وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْمُطَلَّقَةِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِهِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْفِرَاشِ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا ، وَالْقَاطِعُ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ قَدْ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ غَيْرَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ وَلِهَذَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَصَارَ كَالرَّجْعِيِّ وَلِأَنَّ فِي تَزَوُّجِ أُخْتِهَا زِيَادَةَ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا ، وَهِيَ فِي النِّكَاحِ وَالْحَدِّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْحِلِّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا ، وَلَمْ يُوجَدْ ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ
يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا أَثَرُ الْمِلْكِ وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِيهَا لَا تَمْنَعُ تَزَوُّجَ الْأُخْتِ فَالْأَثَرُ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ نِكَاحُ أُخْتِ أُمِّ الْوَلَدِ لِضَعْفِ الْفِرَاشِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا قَوِيَ الْفِرَاشُ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَقَبْلَهُ يَجُوزُ ، فَإِذَا قَوِيَ الْفِرَاشُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا كَيْ لَا يَكُونَ مُسْتَلْحَقًا لِنَسَبِ وَلَدِ أُخْتَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى ، وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا بَعْدَ لِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَا يَضُرُّ نِكَاحُ الْأُخْتِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَعُودُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعُودُ ، وَفِي بُطْلَانِ نِكَاحِ أُخْتِهَا لَهُ رِوَايَتَانِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِ مُعْتَدَّتِهِ ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ ( اعْلَمْ ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيهَا لِأَنَّ مَنْعَهَا عَنْ التَّزَوُّجِ لِصَوْنِ مَاءِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ ) أَيْ مِثْلَ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ ا هـ وَقَوْلُهُ : بَائِنٌ أَيْ أَوْ ثَلَاثٌ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ فِي الْعِدَّةِ ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَالرَّجْعِيِّ ) أَيْ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا ) أَيْ بِالْأُخْتِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ فِي النِّكَاحِ ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِيهِ : مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ لَيْسَ زِنًا مُسْتَعْقِبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ رِوَايَةً فِي عَدَمِ الْحَدِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنْ سَلِمَ أَيْ وُجُوبُ الْحَدِّ كَمَا فِي عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ انْقِطَاعُ الْحِلِّ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : أَثَرُ النِّكَاحِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَبِهِ يَقُومُ هُوَ مِنْ وَجْهٍ ، وَبِهِ تَحْرُمُ الْأُخْتُ مِنْ وَجْهٍ ، وَبِهِ تَحْرُمُ مُطْلَقًا ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ
يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَكَذَا الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ا هـ وَقَوْلُهُ : فِي الْكَنْزِ : وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِ مُعْتَدَّتِهِ شَامِلٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : فَإِنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ ثَلَاثٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَيَكْفِي ذَلِكَ لِدَرْءِ الْحَدِّ ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ الْحِلَّ مُنْتَفٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ إمْسَاكًا لَا اسْتِمْتَاعًا بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ فِي حَقِّ الْحِلِّ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ فَصَارَ جَامِعًا نَظَرًا إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْحِلِّ ) فَكَانَ الزِّنَا مُتَحَقِّقًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : وَقَالَا : يَجُوزُ إلَخْ ) عِنْدَهُمَا لَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْمُعْتَقَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حُكْمًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : فَالْأَثَرُ أَوْلَى ) أَيْ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَثَرِ لَا يَرْبُو عَلَى حُكْمِ الْحَقِيقَةِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ : لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى ) أَيْ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ فُرُشِ الْخَمْسِ ، وَلَا بَأْسَ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا ) أَيْ وَأَرْبَعًا سِوَاهَا ا هـ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ) أَيْ كَمَا إذَا مَاتَتْ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَمَتِهِ وَسَيِّدَتِهِ ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَمَتِهِ وَحَرُمَ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ يُوجِبُ لَهُ عَلَيْهَا التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهَا وَقَرَارَهَا فِي بَيْتِهِ وَخِدْمَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَيُوجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةَ وَالْقَسْمَ ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يُشْرَعُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ التَّوَادُّ وَالْإِحْسَانُ ، وَمَقْصُودُ الرِّقِّ الِامْتِهَانُ وَالْقَهْرُ بِسَبَبِ مَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ الْكُفْرِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِلتَّضَادِّ
قَوْلُهُ : حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَمَتِهِ ) أَيْ وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا ا هـ فَتْحٌ ( فَرْعٌ ) لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَحَرُمَ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ سِوَى سَهْمٍ مِنْهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا نَصُّهُ : وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ نِكَاحُ أَمَتِهِ وَلَا لِلسَّيِّدَةِ نِكَاحُ عَبْدِهَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ حُكِيَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهِ ، وَحُكِيَ غَيْرُهُ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُوجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْقَسْمَ ) أَيْ وَالْمَنْعَ مِنْ الْعَزْلِ إلَّا بِإِذْنٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ ) فَإِنْ قِيلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ يَجْتَمِعَانِ بِجِهَتَيْنِ ، وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا مَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً بِجِهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمَمْلُوكَةً بِجِهَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ كَالْأَبِ يَكُونُ ابْنًا لِأَبِيهِ قُلْنَا : الْمَرْأَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَالِكَةٌ وَبِالتَّزَوُّجِ بِعَبْدِهَا يَكُونُ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَةُ الْمِلْكِ ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِلْكَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ قَاهِرًا ، وَالْمَمْلُوكُ مَقْهُورًا وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ عَلَيْهَا لِلْمِلْكِ ، وَنَفَقَتُهَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلنِّكَاحِ فَيَتَقَاصَّانِ فَيَمُوتَانِ جُوعًا ا هـ كَاكِيٌّ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فُسِخَ النِّكَاحُ وَتَبِعَتْهُ بِالْمَهْرِ كَمَنْ دَايَنَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَعِنْدَنَا سَقَطَ الدَّيْنُ فِيهِمَا وَلَا
يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ابْتِدَاءً ، وَلَا بَقَاءً لِلتَّنَافِي كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ لَوْ اشْتَرَى الْقِنُّ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ إلَخْ ) فَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي صِحَّتِهِ ، وَلَا السَّكْرَانُ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهُ فِي صَحْوِهِ ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِّ الزَّجْرُ وَلَا يَحْصُلُ مَعَ الْجُنُونِ وَالسُّكْرِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَشْرَعُ نِكَاحَ أَمَتِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِهِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُمَا وَكَذَا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ : يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْمَجُوسِيَّةِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَاقَعَ مَلِكُهُمْ أُخْتَهُ ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَرُفِعَ كِتَابُهُمْ فَنَسَوْهُ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : يَجُوزُ وَطْءُ الْمُشْرِكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِجَوَازِ وَطْءِ سَبَايَا الْعَرَبِ ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ } وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ ، أَوْ نَقُولُ : هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ ، وَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مِنْ جَوَازِ وَطْئِهِنَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَالَةُ الْحَاضِرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَثَنِيَّ أَيْضًا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْمَجُوسِيَّةِ ) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ ا هـ فَتْحٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَجُوسِ عَبَدَةُ النَّارِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْوَثَنِيَّةِ ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَعْبُدُ الْوَثَنَ ، وَهُوَ الصَّنَمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ : وَمِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْكَافِرَةُ بِكُفْرٍ مَخْصُوصٍ لَا تَحِلُّ الْوَثَنِيَّةُ لِلْمُسْلِمِ وَتَحِلُّ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَحَدٍ وَالْمَجُوسِيَّةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ ، وَتَحِلُّ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ ) قَالَ أَحْمَدُ : مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بَاطِلٌ ، وَاسْتَعْظَمَهُ جِدًّا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ) أَيْ وَمَالِكٌ لَكِنَّهُ قَالَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : سُنُّوا بِهِمْ ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ طَرِيقَتَهُمْ يَعْنِي عَامِلُوهُمْ مُعَامَلَتَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْأَمَانِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ ) قَالَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِمَا تَلَوْنَا ) وَهُوَ قَوْلُهُ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ } ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَحُمِلَ الْمُحْصَنَاتُ فِي الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ وَلِلْجُمْهُورِ مَا تَلَوْنَا وَالْمُشْرِكُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى { لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ } وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ الْحَرَائِرُ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا ، وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ ) أَيْ الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا ا هـ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْعَلَ أَيْ التَّزْوِيجُ بِالْكِتَابِيَّةِ وَلَا تُؤْكَلَ ذَبِيحَتُهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ ، وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا لِافْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ مِنْ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، أَوْ تَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى ، وَهِيَ حُبْلَى فَتُولَدُ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا ، وَالْكِتَابِيُّ مِنْ يُقِرُّ بِنَبِيٍّ وَيُؤْمِنُ بِكِتَابٍ ، وَالسَّامِرِيَّةُ مِنْ الْيَهُودِ أَمَّا مَنْ آمَنَ بِزَبُورِ دَاوُد وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَنَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى : قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلُّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا ، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ : وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ الْعُزَيْرَ إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ ا هـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي رَضَاعِ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْأَئِمَّةِ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا ا هـ فَتْحٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحُهُنَّ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَمْ يُحَرِّمْ نِكَاحَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَوَائِلِ وَحَرَّمَتْهُ الْإِمَامِيَّةُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَيْسَتْ الْعِفَّةُ شَرْطًا بَلْ هُوَ لِلْعَادَةِ أَوْ
لِنَدْبِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُوا غَيْرَهُنَّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا ، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالصَّابِئَةِ ) أَيْ حِلُّ تَزَوُّجِ الصَّابِئَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا ، وَهَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ ، فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسُوا بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ فَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَاهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَقِيلَ : فِيهِمْ الطَّائِفَتَانِ وَقِيلَ : هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَؤُنَّ الزَّبُورَ ، وَهُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ ، وَهُمْ بِنَفْسِهِمْ يَعْتَقِدُونَ الْكَوَاكِبَ آلِهَةً وَيُضْمِرُونَ ذَلِكَ ، وَلَا يَسْتَجِيزُونَ إظْهَارَ مَا يَعْتَقِدُونَ أَلْبَتَّةَ فَبَنَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ وَبَنَيَا عَلَى مَا يُضْمِرُونَ ، وَقَالَ السُّدِّيَّ : هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ كَالسَّامِرَةِ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ هُمْ قَوْمٌ يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إلَى الْكَعْبَةِ أَخَذُوا مِنْ كُلِّ دِينٍ شَيْئًا ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَلَوْ أَوْرَدْنَاهُ لَطَالَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مُنَاكَحَتِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا نَشَأَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى اشْتِبَاهِ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلٌّ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ
( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى إلَخْ ) قَالَ السُّرُوجِيُّ نَقْلًا عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ عِنْدَهُ : هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَؤُنَّ الزَّبُورَ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ ا هـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ : وَهُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ أَيْ إيَّاهَا يُظْهِرُونَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الرَّاجِعِ إلَى الْقِرَاءَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ يَقْرَءُونَ ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الْمَفْعُولَ مُقَدَّمًا لِيُفِيدَ الْمَقْصُودَ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُظْهِرُونَ مِنْ مُعْتَقَدِهِمْ سِوَى الْقِرَاءَةِ ، وَلَمْ نُقَدِّرْهُ مُتَّصِلًا مُؤَخَّرًا لِأَنَّ مُفَادَ التَّرْكِيبِ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَا غَيْرُهُمْ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُودِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ وَقَفْت بَعْدَ هَذَا عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي بِخَطِّهِ فَوَجَدَتْ عِبَارَتَهُ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ كَمَا نَقَلْته عَنْ السُّرُوجِيِّ فَلَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُمْ الَّذِينَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ الَّذِي ا هـ وَقَوْلُهُ وَهُمْ أَيْ هَذَا الصِّنْفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِمْ اخْتِلَافًا ) هُوَ مَنْصُوبٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُحْرِمَةِ وَلَوْ مُحْرِمًا ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجَ الْمُحْرِمَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا مُحْرِمًا أَوْ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ لَهَا مُحْرِمًا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ } وَفِي رِوَايَةٍ { وَلَا يَخْطُبُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا ، وَهُوَ حَلَالٌ } وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : قَدْ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ } قَالَ الطَّحَاوِيُّ : نَقَلَةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يُحْتَجُّ بِرِوَايَاتِهِمْ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ، وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي ، وَلَوْ جُعِلَ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ ، وَهُوَ الْوَطْءُ لَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ أَوْ فِي إفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَا فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَبْقَى النِّكَاحُ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لِابْتِدَائِهِ لَكَانَ مُنَافِيًا لِبَقَائِهِ كَالرَّضَاعِ وَلَا تَأْثِيرَ لِثُبُوتِ الْحِلِّ كَالرَّجْعَةِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ عِنْدَهُ ، وَكَذَا لَا تَأْثِيرَ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ كَتَزَوُّجِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَحَدِيثُ عُثْمَانَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ
لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ أَيْ لَا يَطَأُ الْمُحْرِمُ ، وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ الْوَطْءِ ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ ، وَلَا يُعَارَضُ بِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ } ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ يَزِيدَ لَا تُعَارِضُ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِهَذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ : وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقِهِ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ الْبِنَاءَ بِهَا مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ - أَيْضًا - ضَعِيفٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ : رَفَعَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ ، وَهُوَ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ : هُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ ، وَوَصْلُهُ غَلَطٌ وَبَيْنَ وَجْهِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ فِقْهٍ ، وَثَبَتَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَلَا تُعَادِلُهُمْ رُوَاةُ حَدِيثِهِ
( قَوْلُهُ : حَلَّ تَزَوُّجُ الْمُحْرِمَةِ إلَخْ ) أَمَّا الْوَطْءُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ } ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ ، وَالثَّانِي لَا يُنْكِحْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ قَالَ الْعَسْكَرِيُّ : وَمَنْ فَتَحَ الْكَافَ مِنْ الثَّانِي فَقَدْ صَحَّفَ ، وَالْحَاءُ مِنْ قَوْلِهِ : لَا يَنْكِحْ مَكْسُورَةٌ كَمَا رَوَاهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ ، وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ فِي أَحْكَامِهِ فِي الْحَجِّ ا هـ مِنْ الْمُحَرَّرِ الْمُذَهَّبِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُهَذَّبِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ وَقَوْلُهُ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ يَقُولُ لَوْ أَحْرَمَ قَاضٍ وَلَهُ نَائِبٌ فِي بَلْدَةٍ عَقَدَ أَنْكِحَةً فَعُقُودُهُ بَاطِلَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ا هـ مُقْنِعْ شَرْحِ مَجْمَعٍ لِابْنِ الْأَضْرَبِ ( قَوْلُهُ : وَفِي رِوَايَةٍ { وَلَا يَخْطُبْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ حَلَالٌ ) وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا تَأْثِيرَ لِثُبُوتِ الْحِلِّ كَالرَّجْعَةِ ) يَعْنِي لَوْ رَاجَعَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ كَانَتْ رَجْعَتُهُ صَحِيحَةً بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الْخَصْمِ الرَّجْعَةُ سَبَبٌ يَثْبُتُ الْحِلِّ بِهِ فِي الْوَطْءِ ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعًا عَنْهُ فَكَذَا النِّكَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ : كَتَزَوُّجِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا ) وَصُورَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا
لِأَجْلِ الظِّهَارِ فَكَذَا الْمُحْرِمُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ : وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : فَإِنْ قِيلَ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ وَلَا يَخْطُبْ } قِيلَ لَهُ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَطَأَ الْمُحْرِمُ وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ نَفْسِهَا لِتُوطَأَ بِظَاهِرِ خَبَرِنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ : وَلَا يَخْطُبْ وَلَا يَلْتَمِسْ الْوَطْءَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْغَلَطِ وَالرَّدِّ إذْ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الْغَلَطِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ ) أَيْ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْأَصَمِّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَمَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً ) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَيَجُوزُ بِالْمُسْلِمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ بِشَرْطَيْنِ : عَدَمُ الطَّوْلِ ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فَإِذَا انْتَفَيَا أَوْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْحُكْمُ ، وَهُوَ الْحِلُّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ أَوْ أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَوْ الشَّرْطِ ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ ضَرُورِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ ، وَهُوَ مَوْتٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْإِهْلَاكِ حِسًّا وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِالْمُسْلِمَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وَلَفْظُ النِّسَاءِ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْإِمَاءُ وَالْحَرَائِرُ وَمَا تَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّفْيِ وَلَا لِلْإِثْبَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ غَايَةَ دَرَجَاتِ الْوَصْفِ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ ، وَالنِّكَاحُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَطَأَ الْحُرَّةَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً فَلَا يَبْقَى حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الطَّوْلِ يُفِيدُ الْكَرَاهِيَةَ عِنْدَ وُجُودِهِ ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يُفِيدُ
الِاسْتِحْبَابَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَيْرِ وَلَا يَنْفِي جَوَازَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمُحْصَنَاتِ أَيْضًا بِالْإِيمَانِ فَقَضِيَّتُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ تَجُوزَ الْأَمَةُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ وَهُمْ مَنَعُوهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ تَرْكُ أَصْلِهِ وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ جَوَّزُوهُ ، وَفِيهِ إرْقَاقُ الْوَلَدِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَقَدْ نَاقَضُوا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ إرْقَاقَ الْوَلَدِ لَمَا جَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُطْلَقًا بِالْأَمَةِ الْآيِسَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَلَكَانَ جَائِزًا لِلْمَجْبُوبِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَنْكِحُ الْأَمَةَ عِنْدَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ، وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحُرِّ فَجَعَلُوا مِلْكَهُ أَزْيَدَ عَلَى مِلْكِ الْحُرِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ عِنْدَهُمْ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُجِيزُوا لَهُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ كَالْحُرِّ وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَعْنًى وَقَوْلُهُ تَعْرِيضُ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ إرْقَاقُ الْجُزْءِ ؛ لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْحُرِّيَّةِ ، وَالنُّطْفَةُ لَا تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ ، وَلَا بِالرِّقِّ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ ، وَلَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَاقِرًا أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّزَوُّجِ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْوَلَدِ
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَيْدُ الْحُرِّ غَيْرُ مُفِيدٍ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُجِيزُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَكَانَ الصَّوَابُ إبْدَالَهُ بِالْمُسْلِمِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِهِ وَعَنْهُمَا كَقَوْلِنَا ا هـ وَفِي الذَّخِيرَةِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَوْ حُجَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالطَّوْلُ صَدَاقُ الْحُرَّةِ وَلَا تُرَاعَى الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ ) أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ ، وَالْأَمْرُ الْعَدَمِيُّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِحُكْمٍ عَدَمِيٍّ وَلَا وُجُودِيٍّ ا هـ غَايَةٌ لَا يُقَالُ الْوَصْفُ بِالْإِيمَانِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } إذْ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إجْمَاعًا لِتَقْيِيدِهَا بِالْإِيمَانِ فِيهَا فَإِنَّا نَقُولُ : تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ شُرِعَ مُقَيَّدًا وَمُطْلَقًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ ) كَقَوْلِهِ ذِي الطَّوْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ ) أَيْ بِالْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ ) أَيْ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْوَلَدِ عَلَى
الرِّقِّ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَكَوْنِ الْعَبْدِ أَبًا لَا إثْمَ لَهُ فِي ثُبُوتِ رِقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهُ حُرًّا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( قَوْلُهُ فَبَطَلَ مَا ذَكَرَ ) وَلَئِنْ قَالَ : فِيهِ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْوَلَدِ الْحُرِّ ، قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا بِحَرَامٍ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ أَصْلُ الْوَلَدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ لَا عَكْسِهِ ) أَيْ يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوْلَ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ بِالْأَمَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهَا ضَرُورِيًّا فِي حَقِّهِ عِنْدَهُ وَقَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ عِنْدَهُ حَتَّى جَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى عِنْدَهُ لَكِنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِاحْتِرَامِ الْحُرَّةِ كَيْ لَا يَلْحَقَهَا زِيَادَةُ غَضَاضَةٍ بِإِدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْمَنْعُ لِحَقِّهَا فَيَرْتَفِعُ بِرِضَاهَا ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ } وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا } يَتَنَاوَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِنُقْصَانِهِ وَشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُ تُنَصَّفُ نَفْسِ الْحِلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَأَظْهَرْنَا النُّقْصَانَ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ كَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ ، وَفِي الْأَحْوَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا مُنْفَرِدَةً ، وَلَا يَجُوزُ حَالَةَ الِانْضِمَامِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ ) وَهُوَ إجْمَاعٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ } الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ { وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ } وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ قَالَ : وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ } قَالَ : وَهَذَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : تَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ ، وَعَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ ، فَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُقَوِّي الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْعَكْسُ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ، وَالْحُرَّةُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا ، أَوْ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالتَّزَوُّجِ بَعْدَمَا أَبَانَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ حُكْمَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَالِاحْتِيَاطُ الْمَنْعُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي قَسْمِهَا غَيْرُهَا ؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلْحِنْثِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحِنْثِ وُجُودُ الشَّرْطِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ ، وَهَذَا لَيْسَ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا عُرْفًا( قَوْلُهُ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ) أَيْ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ ) قُيِّدَ بِالْبَائِنِ ؛ لِأَنَّ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ هَذَا ) أَيْ لَا يُقَالُ : تَزَوَّجَ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَ ، وَهِيَ مُبَانَةٌ مُعْتَدَّةٌ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَالنَّصُّ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا ؛ إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ يَنْتَظِمُ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِالتِّسْعِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ ثِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ مَثْنَى ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ بِالْوَاوِ ، وَهِيَ لِلْجَمْعِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا ، وَمِثْلُهُ عَنْ النَّخَعِيّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجُ : يَجُوزُ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لِكَوْنِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مُكَرَّرًا وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ ، وَأَقَلُّ التَّكْرَارِ مَرَّتَانِ فَيَكُونُ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ غَيْرَ مَحْصُورٍ ؛ لِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يُفِيدُ التَّكْرَارُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَهَؤُلَاءِ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعْت عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لَكِنْ تُفِيدُ تَكْرَارَ النَّاكِحِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْجَمْعِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلَا تُفِيدُ الْجَمْعَ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْله تَعَالَى { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ أَوْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَلِطَائِفَةٍ أُخْرَى ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلِطَائِفَةٍ أُخْرَى أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُصِيبُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثٌ ، وَلَا يُفْهَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ مِرَارًا ، وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ يُنْبِئُ عَنْ التَّكْرَارِ لِيَسْتَقِيمَ هَذَا الْمَعْنَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فَكَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى كَمَا زَعَمُوا لَمَّا كَانَ لِذِكْرِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ مَعْنَى ؛ لِأَنَّ مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لَا إلَى نِهَايَةٍ وَحَصْرٍ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَأَرْبَعٍ ) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ أَيْ وَحَلَّ أَيْضًا تَزْوِيجُ أَرْبَعٍ ا هـ عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَأَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ ، وَقَالُوا : إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَوْفَ أَنْ يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ ) وَفِي الْبَدَائِعِ أَدْنَى مَا يُرَادُ بِالْمَثْنَى مَرَّتَانِ وَبِالثَّلَاثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قُلْت : هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ أَدْنَى مَا يُرَادُ مِنْ ثَلَاثٌ سِتَّةٌ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : أَوْ ثُلَاثَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَوْ ثَلَاثًا بِالنَّصْبِ ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ مَالِكٌ : لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا لِلْعُمُومَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ لِلنِّعْمَةِ فَيُتَنَصَّفُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ تَزْدَادُ بِالشَّرَفِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحُ التِّسْعِ لَا لِغَيْرِهِ
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ حَتَّى مَلَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا لَمْ يَقُلْهُ مَالِكٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ لَهُ زَوَاجٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ لِلسَّيِّدِ إجَازَتُهُ أَوْ رَدُّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ ) وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَزَاهُ السُّرُوجِيُّ إلَى الْمَحَلِّيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ ) تَوْضِيحُ مُرَادِهِ : أَنَّ الْحِلَّ الثَّابِتَ بِالنِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى إنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ نَصَّفَ الرِّقُّ لِلْمَرْأَةِ مَالَهَا مِنْ ذَلِكَ الْحِلِّ حَتَّى إذَا كَانَتْ تَحْتَ الرَّجُلِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ يَكُونُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ فَلَمَّا نَصَّفَ رِقُّهَا مَالَهَا وَجَبَ أَنْ يُنَصِّفُ رِقُّهُ مَالَهُ ، وَلِلْحُرِّ تَزَوُّجُ أَرْبَعِ ، وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ بَقِيَ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } نَظَرًا إلَى عُمُومِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي إطْلَاقِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَمَةِ نَظَرًا إلَى الْعُمُومِ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمْ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا هُمْ الْمُخَاطَبُونَ الْأَوَّلُونَ وَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْأَحْرَارَ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُبْلَى مِنْ زِنًا لَا مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَلَا يَحِلُّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ إسْقَاطُهُ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ سَقْيِهِ بِمَاءِ الْغَيْرِ لَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ ؛ وَلِهَذَا لَا تَرْتَفِعُ الْحُرْمَةُ بِإِذْنِهِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِحِكْمَةٍ فَإِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حِكْمَةٌ لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالزَّانِي الَّذِي حَبِلَتْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَرْتَبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ النِّكَاحِ لِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ لَا لِلْحَمْلِ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي ، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْحَمْلِ لَمَا اخْتَلَفَ ، وَامْتِنَاعُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } ؛ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ حِدَّةً كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُرْمَةِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَسَادُ النِّكَاحِ كَحُرْمَتِهِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ فَفَاتَ الِاحْتِبَاسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحِلُّ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ أَيْ لَا الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الزِّنَا ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ وَذَلِكَ عِنْدَ ثُبُوتِ
النَّسَبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا رَوَاهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَاعْتَمَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْمَنْعُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ وَزُفَرَ وَمَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالِامْتِنَاعُ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ) وَهُوَ الْحَمْلُ بِثَابِتِ النَّسَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالزَّانِي ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَبَلُ مِنْ زِنًا مِنْهُ جَازَ النِّكَاحُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَالًا إلَى النَّوَازِلِ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ زِنًا مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحُ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ ، وَإِذَا جَازَ فِي الْخِلَافِيَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَطَؤُهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ : لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَقِيلَ : لَهَا النَّفَقَةُ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ ، وَإِنْ وَجَبَتْ مِنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عِنْدَنَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ إلَى الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّ عُذْرَهَا سَمَاوِيٌّ ، وَهَذَا يُضَافُ إلَى فِعْلِ الزِّنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَكَمَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَا تُبَاحُ دَوَاعِيهِ ، وَقِيلَ : لَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَأَنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى الَّتِي زَنَتْ حَيْثُ جَازَ تَزْوِيجُهَا وَحَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ مِنْ الزِّنَا لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ ، وَإِلَّا لَمَنَعَ مَعَ تَجْوِيزِهِ فِي مَقَامِ الِاحْتِيَاطِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُحَقَّقِ وَالْمَوْهُومِ فِي الشَّغْلِ الْحَرَامِ ثَابِتٌ شَرْعًا لِوُرُودِ عُمُومِ النَّهْي فِي الْمُحَقَّقِ وَهُوَ مَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ النِّكَاحِ ) أَيْ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ :
كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا ) أَيْ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الْحَرْبِيِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الزِّنَا لَا نَسَبَ لَهُ ، وَهُنَا النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ كَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكٍ ) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ مَنْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بِمِلْكِ يَمِينٍ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ ؛ وَلِهَذَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِاحْتِمَالِ الشَّغْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ النِّكَاحِ شِرَاءٌ ، وَلَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي رَحِمٍ فَارِغٍ لَكِنَّ الْفَرَاغَ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا ؛ لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ ، أَوْ نَقُولُ : يَكُونُ دَلِيلُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ لَا فِيمَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ فَيَجِبُ التَّعَرُّفُ بَعْدَهُ وَقِيلَ : لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَتَقَابَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ زِنًا ) أَيْ حَلَّ نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ يَجُوزُ ، وَكَذَا نِكَاحُ الزَّانِي ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَنْعُهُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { وَالزَّانِيَةِ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ أَنَّ { رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي
أُحِبُّهَا ، وَهِيَ جَمِيلَةٌ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَمْسِكْهَا إذًا } وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْوَطْءُ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ فِي حَالَةِ الزِّنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ { وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ الزَّانِيَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُشْرِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ لَجَازَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إخْبَارًا عَنْ رَغْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ فِي الْآخَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ الْفَاسِقَ لَا يَرْغَبُ إلَّا فِي نِكَاحِ مِثْلِهِ وَقِيلَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ }
( قَوْلُهُ : وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ إلَخْ ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ هَذَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ لِلزَّوْجِ بَعْدَ كُلِّ وَطْءٍ وَلَوْ زِنًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : لَا أُحِبُّ لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ ا هـ وَفِي الْمُشْكِلَاتِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ ) أَيْ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَابَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عِنْدَ هَذَا الْإِيرَادِ وَجَوَابَ شَارِحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى فَإِنَّ مُرَادَنَا أَنَّهُ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ عَنْ حَمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْجَوَابِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْأَوْلَى أَعْنِي كَوْنَهُ دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ ، وَمَحَلُّ الْفَرَاغِ مُحْتَمَلٌ ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِالْفَرَاغِ لَا يَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ شَرْعًا فَلَا مُوجِبَ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لَكِنَّ صِحَّتَهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلِيلِ اعْتِبَارِهِ أَمَارَةَ الْفَرَاغِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ ادِّعَاءُ وَضْعٍ شَرْعِيٍّ ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا عُرِفَ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّحَّةِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهَا دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْمُحَقَّقِ فَلَا ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ
الشَّغْلِ ) أَيْ بِالْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ كَشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزَّوْجِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا خِلَافَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ وَافَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ وَهُمَا أَثْبَتَا جَوَازَ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِلَا نِزَاعٍ ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْجَامِعِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا قَالَ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ا هـ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى أَصْلًا ، وَفِيهِ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِالِاسْتِحْبَابِ لِلزَّوْجِ ، قِيلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ السَّوْقِ ، وَصَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا ، وَلَا وُجُوبًا يُخَالِفُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةً وَالْأُخْرَى يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يَجُوزُ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَافْتَرَقَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُسَمَّى لَهَا ) أَيْ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلَّتِي جَازَ نِكَاحُهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَقْسِمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مُقَابَلٌ بِهِمَا فَيَكُونُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا فَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا سَلِمَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَمُدَبَّرًا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْعَبْدِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّتِي لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُزَاحِمَةً لِلَّتِي تَحِلُّ فَيَكُونُ لَهَا كُلُّهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَحِمَارًا أَوْ جِدَارًا أَوْ ذَكَرًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ وَالْمُحَرَّمَةُ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِيهِ ، وَلَوْ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَادَّعَى الْمُنَاقَضَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عِنْدَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ وَمِنْ ضَرُورَةِ دُخُولِهَا فِيهِ انْقِسَامُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الدُّخُولَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ
يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ مُطْلَقًا بَالِغًا مَا بَلَغَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُهُمَا وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُجَاوَزَةِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ وَرِضَاهَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَدُخُولِهَا تَحْتَهُ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الَّتِي لَا تَحِلُّ ، وَأَمَّا الِانْقِسَامُ فَلِلِاسْتِحْقَاقِ بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ ، وَكَذَا سُقُوطُ الْحَدِّ عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِ صُورَةِ الْعَقْدِ لَا مِنْ حُكْمِ الِانْعِقَادِ عَلَيْهَا ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ ثُمَّ قَرَّبَهَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عِنْدَهُ وَأَمَّا الِانْقِسَامُ فَمِنْ حُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ( قَوْلُهُ : وَقَالَا : يَقْسِمُ ) وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِمَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا ) كَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَلْفًا ، وَمَهْرُ مِثْلِ الْمُحَرَّمَةِ أَلْفَانِ وَالْمُحَلَّلَةِ أَلْفًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : وَلَوْ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا ) أَيْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَادَّعَى الْمُنَاقَضَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) أَيْ بِهَذَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الِانْقِسَامُ ) أَيْ انْقِسَامُ الْبَدَلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلِلِاسْتِحْقَاقِ بِاعْتِبَارِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ ) أَيْ وَاَلَّتِي تَحِلُّ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِالدُّخُولِ تَحْتَ الْعَقْدِ فَكَانَ جَمِيعُ الْبَدَلِ لِلدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعَقْدِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ وَاشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْلِيلُهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَنِصْفًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الشِّيعَةُ وَخَالَفُوا عَلِيًّا وَأَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ } مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَثَبَتَ نَسْخُهُ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمِ النِّكَاحِ عَنْهَا وَانْتِفَاءِ شَرْطِهِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِرْثِ وَصِحَّةِ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالشُّهُودِ ، وَلَا هِيَ مِمَّا مَلَكَتْهُ الْأَيْمَانُ فَيَجِبُ حِفْظُ الْفَرْجِ وَالتَّبَاعُدُ عَنْهَا ؛ إذْ هِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ وَعَنْهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا ، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إنَّك تَائِهٌ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَرُوِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ الْمُتْعَةُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْجَوَابُ عَمَّا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهُنَّ النِّكَاحُ ، وَالْمَهْرُ يُسَمَّى أُجْرَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ ثُمَّ بَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ( قَوْلُهُ : وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ ) أَيْ لِامْرَأَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الْمَوَانِعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ جَائِزٌ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ وَمَا حَكَاهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِهَا فَخَطَأٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ : نِسْبَتُهُ إلَيْهِ غَلَطٌ ا هـ وَقَالَ السُّرُوجِيُّ : وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ ، وَنَقْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ عَنْهُ سَهْوٌ ا هـ وَفِي الْمَنَافِعِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ خُذِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَتَمَتَّعَ بِك أَوْ لِأَسْتَمْتِعَ بِك أَوْ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك أَيَّامًا وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَالْفَرْقُ بِذِكْرِ لَفْظِ التَّزَوُّجِ فِي الْمُؤَقَّتِ دُونَ الْمُتْعَةِ وَكَذَا بِالشَّهَادَةِ فِيهِ دُونَ الْمُتْعَةِ ، وَفِي الْمُحِيطِ كُلُّ نِكَاحٍ مُؤَقَّتٍ مُتْعَةٌ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ إلَّا بِلَفْظِهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ ) ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ ) ذَكَرَهُ فِي الْعَارِضَةِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُؤَقَّتُ ) أَيْ وَبَطَلَ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُتْعَةِ وَقَالَ زُفَرُ : هُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَشُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ؛ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ قُلْنَا : هُوَ فِي مَعْنَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ جَعَلْتُك وَكِيلًا بَعْدَ مَوْتِي يَكُونُ وَصِيَّةً وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُك وَصِيًّا فِي حَيَاتِي يَكُونُ وَكِيلًا ، وَكَذَا لَوْ أَعْطَى الْمَالَ مُضَارَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ يَكُونُ قَرْضًا وَلَوْ شَرَطَهُ لِرَبِّ الْمَالِ يَكُونُ بِضَاعَةً ، وَإِذَا اعْتَبَرَ الْمَعْنَى صَارَ مُتْعَةً بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا بِخِلَافِ الْمُؤَقَّتِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَالْإِجَارَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مُدَّةً لَا يَعِيشُ مِثْلَهُمَا إلَيْهَا صَحَّ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَبَّدِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّأْقِيتَ هُوَ الْمُعَيِّنُ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَجْهُولَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُطْلَقًا ، وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ ، وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ ، وَهُوَ قَوْلُ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَسْعَهُ أَنْ يَطَأَهَا ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ ؛ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي إيَّاهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لَأَجَابَهَا بِمَا طَلَبَتْ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهَا ، وَلِأَنَّهُ قَضَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ ؛ وَلِهَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ يَقِينًا ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ إذَا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَحَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي وَفَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَاذِبٌ ، وَكَذَا اللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شَهَادَةٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا بِيَقِينٍ ، وَيَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ الْكَذِبَ بِيَقِينٍ ثُمَّ يُجْعَلُ قَضَاءُ الْقَاضِي إنْشَاءً ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ ، وَمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا فَقَضَى
الْقَاضِي بِذَلِكَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : لَا تَحِلُّ لَا لِلْأَوَّلِ ، وَلَا لِلثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ : تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي ، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَأْتِيهَا الْأَوَّلُ سِرًّا وَالثَّانِي عَلَانِيَةً ، وَقَدْ جَعَلَ لَهَا زَوْجَيْنِ ، وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْوُجُوهِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَنْفُذُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ : هَذَا مِلْكِي ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ، وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةً فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ ذَكَرَ سَبَبًا مُعَيَّنًا صَارَ عَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي إنْشَاءً مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَبَبًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَالْإِرْثِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اتِّفَاقًا ، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ ، وَفِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا فَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَفِي التَّدْبِيرِ جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : مُدَّةً لَا يَعِيشُ مِثْلُهُمَا إلَيْهَا صَحَّ النِّكَاحُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُؤَقَّتَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ ، وَفِي الْمُتْعَةِ أَتَمَتَّعُ أَوْ أَسْتَمْتِعُ ا هـ يَعْنِي مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ مُتْعَةٍ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الشُّهُودِ فِي الْمُتْعَةِ ، وَتَعْيِينُ الْمُدَّةِ ، وَفِي الْمُؤَقَّتِ الشُّهُودُ وَتَعَيُّنُهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُطْلَقًا ) أَيْ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ يَوْمِ مَوْتِهَا صَحَّ ا هـ خُلَاصَةٌ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ إلَخْ ) لَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقَاضِي إنْشَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ فَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ ، أَوْ هِيَ ادَّعَتْ النِّكَاحَ أَوْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَذِبًا وَبَرْهَنَتْ زُورًا فَقَضَى بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ نَفَذَ ظَاهِرًا فَتُطَالِبُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ وَبَاطِنًا فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ وَلَهَا تَمْكِينُهُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمَعْنَى مِنْ النَّفَاذِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالتَّحْرِيمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : ثُمَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِتْيَانِهَا بِالطَّرِيقِ الْبَاطِلِ إثْمٌ يَا لَهُ مِنْ إثْمٍ غَيْرَ أَنَّ الْوَاطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِلٍّ ، وَقَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ أَوْجَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ ) أَيْ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ إلَخْ ) فَلَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ أَوْ عَلَى الرَّجُلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ ادَّعَى الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ذَكَرَهُ الزَّعْفَرَانِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ ) أَيْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ ) أَيْ عِنْدَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ) أَيْ وَتَحِلُّ لِلثَّانِي ا هـ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ عَلَى الْغَيْرِ أَحْيَانًا بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ وَأُخْتِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي ) قَالَ الْكَاكِيُّ : ثُمَّ فِيمَا قَالَا تَعْطِيلُ التَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي وَلَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ ا هـ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ صَدَّرَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ السَّرَخْسِيِّ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِهِمَا بَاطِنًا رِوَايَتَانِ إذَا ادَّعَى كَذِبًا ، وَجْهُ الْمَانِعِيَّةِ أَنَّ
الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا عِوَضٍ ا هـ .
( بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ : جَازَ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا : وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَنْفُذُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ، فَلَوْلَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لَمَا مُنِعَ عَنْ الْعَضْلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ } وَقَدْ رَوَوْا فِي كُتُبِهِمْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَيْسَ لَهَا صِحَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ : لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ يَعْنِي عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } وقَوْله تَعَالَى { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وقَوْله تَعَالَى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وقَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وَهَذِهِ الْآيَاتُ تُصَرِّحُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهَا مَنْسُوبٌ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَنْكِحْنَ وَحَتَّى تَنْكِحَ ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ صَادِرٌ مِنْهَا ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { فِيمَا فَعَلْنَ } وَ { أَنْ يَتَرَاجَعَا } صَرِيحٌ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَفْعَلُ وَهِيَ الَّتِي تَرْجِعُ ، وَمَنْ قَالَ لَا
يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ فَقَدْ رَدَّ نَصَّ الْكِتَابِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ؛ وَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فَتَكُونُ لَهَا الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهَا كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَاسْتِدْلَالهمَا بِالنَّهْيِ عَنْ الْعَضْلِ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ مُبَاشَرَتِهَا الْعَقْدَ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بَعْدَمَا نُهِيَ عَنْهُ وَهَذَا كَمَنْ يَقُولُ : نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِي حَقُّ الْقَتْلِ لَمَا نُهِيت عَنْهُ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ صَحَّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إنْشَاءُ الْعَقْدِ لَمَا صَحَّ كَالرَّقِيقِ وَالصِّغَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ ، وَقَوْلُهُ : نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ .
( بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَلَّلَاتُ شَرَعَ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُحَلَّلَةً شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا الْوَلِيُّ وَالْكُفْءُ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ لَا يَثْبُتُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وِلَايَةٌ ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ وَالْمُسْلِمُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ ، وَكَذَا الْعَبْدُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَوْلَى الشُّرُوطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا غَالِبًا الشَّرْطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ ، الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ : وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَتَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِمَامَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : الْأَوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ كَأَغْنِيَاءَ جَمْعُ غَنِيٍّ ( قَوْلُهُ : نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ ) إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَنْفُذُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا ) أَيْ أَصِيلَةً كَانَتْ أَوْ وَكِيلَةً ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ } إلَخْ ) قَالَ الرَّازِيّ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَمَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ
ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِأَنَّ النِّكَاحَ صَادِرٌ مِنْهَا ) ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا } إلَخْ ) وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ فِي أَمْثَالِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ كُلُّ ذَاتِ بَعْلٍ سَتَئِيمُ يُضْرَبُ لِتَحَوُّلِ الزَّمَنِ بِأَهْلِهِ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْأَوَّلِ : أَفَاطِمُ إنِّي هَالِكٌ فَتَثَبَّتِي وَلَا تَجْزَعِي كُلُّ النِّسَاءِ تَئِيمُ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا رَضِيَتْ ، وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : { أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } ) وَيُرْوَى مِنْ أَبِيهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ) لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ ا هـ ق ( قَوْلُهُ : وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالنَّهْيِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَمَّا الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ لَا تَمْنَعُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ إذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْخِطَابِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ لِلْأَزْوَاجِ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ } أَيْ لَا تَمْنَعُوهُنَّ حِسًّا حَبْسًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ ) أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يَتْرُكُ آنِفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ
الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَأَنَّهُ مَنَعَهُ دَفْعًا لَهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءٌ أَحْيَاءٌ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَقَرَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى لَوْ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَحْفَظَ هَذِهِ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ، وَإِذَا جَازَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ ا هـ .
قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ لِجَهْلِهَا بِأَمْرِ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَتْ الصَّغِيرَةَ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ بِخِلَافِهَا فَيُحْمَلُ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَاسْتِئْمَارِهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { : لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ، قَالُوا وَكَيْفَ إذْنُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : تَسْكُتُ } وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَمْرُ وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، فَيَكُونُ الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبًا كَالِاسْتِئْمَارِ فِي الثَّيِّبِ ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِذَلِكَ بَلْ فِيهِ { الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ ، فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ أَحَقُّ بِنَفْسِ الْبِكْرِ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا عَارَضَهُ الْمَنْطُوقُ يُقَدَّمُ الْمَنْطُوقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى وَأَحَادِيثُنَا تَنُصُّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا } ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ مَعَهُ ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } يَتَنَاوَلُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا
وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْأَبُ مَهْرَهَا بِرِضَاهَا دَلَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ أَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ } ؛ وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا رَاجِحَةٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيهِ لَا عَنْهُ ، وَالضَّحِكُ صَارَ رِضًا دَلَالَةً ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ بِمَا سَمِعَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَالْكَرَاهِيَةِ وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا ، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا بَلْ حُزْنٌ عَلَى مُفَارَقَةِ أَهْلِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ دَمْعَهَا إنْ كَانَ بَارِدًا يَكُونُ رِضًا ، وَإِنْ كَانَ حَارًّا لَا يَكُونُ رِضًا وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ لَهَا بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ عَنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا : أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ رَجُلٍ وَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : أُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ ، وَإِنْ قَالَ : مِنْ جِيرَانِي أَوْ مِنْ بَنِي عَمِّي إنْ كَانُوا جَمَاعَةً يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةٌ بِدُونِهِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ هُوَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَبًا لِأَبٍ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشْتَرَطُ وَسُوِّيَ بَيْنَ الِاسْتِئْذَانِ وَبَيْنَ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِالتَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ مُقَاتِلٍ : إذَا بَلَغَهَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْهَا ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى الْإِجَازَةِ بِخِلَافِ سُكُوتِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ نَصًّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُكُوتَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ رَدًّا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ، وَقَالَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِحَضْرَتِهَا فَسَكَتَتْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًا ، وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَأَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَإِنْ سَكَتَتْ بَقِيَا مَوْقُوفَيْنِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا بَطَلَا ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ إجَازَةٌ لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ رِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَافِرًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ هُوَ الْوَلِيُّ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا وَرَسُولُ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَلَهَا نَظَائِرُ وَهِيَ الشَّفِيعُ إذَا أَخْبَرَ بِبَيْعِ الْمَشْفُوعِ وَالْوَكِيلُ إذَا أَخْبَرَ بِالْعَزْلِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَخْبَرَ بِالْحَجْرِ وَالْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ ، أَحَدُهَا مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْكَنَ تَلَقِّيهُ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ كَإِخْبَارِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ لَا الْعَدَدُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْهُ ثَانِيهَا مَا
هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ قِيلَ هُوَ كَالْأَوَّلِ ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَاتُرُ ثَالِثُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ وَفِيهِ إلْزَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَدَعْوَى الْحُقُوقِ عِنْدَ الْحُكَّامِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ رَابِعُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ وَفِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَإِخْبَارِ الْبِكْرِ بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهَا يَلْزَمُهَا الْعَقْدُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَسْكُتَ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ الطَّلَبِ ، وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إنْ تَصَرَّفَ يَلْزَمُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَلَّمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَخَامِسُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ وَلَا عَدَالَةٍ وَلَا بُلُوغٍ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهَا عِنْدَنَا وَإِنْ رَدَّتْهُ بَطَلَ وَإِنْ سَكَتَتْ عِنْدَ اسْتِئْذَانِ وَلِيِّهَا لَهَا فَهُوَ إذْنٌ مِنْهَا ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ أَهُوَ الصِّغَرُ أَوْ الْبَكَارَةُ فَعِنْدَنَا الصِّغَرُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ فَانْبَنَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ فَدَخَلَ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا حَتَّى تَبْلُغَ فَتُشَاوَرَ لِعَدَمِ الْبَكَارَةِ ، وَعِنْدَنَا لَهُ تَزْوِيجُهَا لِوُجُودِ الصِّغَرِ وَحَاصِلُ وَجْهِ قَوْلِهِ أَنْ أَلْحَقَ الْبِكْرَ الْكَبِيرَةَ بِالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ إجْبَارِهَا فِي النِّكَاحِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِأَمْرِ النِّكَاحِ وَعَاقِبَتِهِ ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِأَمْرِ النِّكَاحِ هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بَلْ هُوَ مَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِمَّنْ جَهِلَهُ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ مُنْتَفٍ ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا تَجْهَلُ بَالِغَةٌ مَعْنَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَحُكْمِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا ) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ ) أَيْ يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَدْرِ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا كَذَا فِي الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ا هـ وَقَوْلُهُ : فَسَكَتَتْ الْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ الِاخْتِيَارِيُّ فَلَوْ أَخَذَهَا سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ أَخَذَ بِفِيهَا فَخَلَصَتْ فَرَدَّتْ ارْتَدَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فِي التَّجْنِيسِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا جَازَ وَلَوْ تَبَسَّمَتْ يَكُونُ إذْنًا فِي الصَّحِيحِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ ) أَيْ
وَلَيْسَ بِرَدٍّ حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ يَنْفُذُ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَتْ لَا أَرْضَى ، ثُمَّ قَالَتْ رَضِيت لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ ا هـ غَايَةٌ وَكَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا بِالِاسْتِئْمَارِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا اعْتِبَارُهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى أَوْ عَدِيمُهُ إذْ الْإِحْسَاسُ بِكَيْفِيَّتَيْ الدَّمْعِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا لِخَدِّ الْبَاكِي وَلَوْ ذَهَبَ إنْسَانٌ يَحْبِسُهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْمَقْصُودِ ، وَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ ) أَيْ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ قِلَّةً وَكَثْرَةً ، وَقَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا إلَّا بِرِضَاهَا غَيْرَ أَنَّ رِضَاهَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُضْعِفُ ظَنَّ كَوْنِهِ رِضًا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ لَا يَصِحَّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فَمَا لَمْ تَعْلَمْ ثُبُوتَهَا لَا تَرْضَى وَصِحَّةُ الْعَقْدِ بِلَا تَسْمِيَةٍ هُوَ فِيمَا إذَا رَضِيت بِالتَّفْوِيضِ وَقَنَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى السُّكُوتِ وَكَوْنُ الظَّاهِرِ مِنْ الْأَبِ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِمَا يَرْبُو عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي رِضَاهَا بِتَرْكِهِ لِذَلِكَ فَقَدْ لَا تَخْتَارُ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ ، أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَنَفَاذُ تَزْوِيجِ الْأَبِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَاهَا كَالْوَكِيلِ غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَهَا جُعِلَ
دَلَالَةً شَرْعًا فَإِذَا عَارَضَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ أَوْ تَسْمِيَةُ النَّاقِصِ صَارَ مُحْتَمَلًا عَلَى السَّوَاءِ لِكَوْنِهِ لِلرِّضَا أَوْ لِخَوْفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِهِ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ الِاحْتِمَالُ مُسَاوِيًا بَلْ الرَّاجِحُ جَنْبَةُ الرِّضَا فَمَا اُكْتُفِيَ إلَّا بِالْمَظْنُونِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا ا هـ قَوْلُهُ : أَوْ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يُشْتَرَطُ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا لِغَرَضٍ يَفُوقُ الْمَهْرَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَسَوَّى ) أَيْ الْمُصَنِّفِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًا ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ عَرَفَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا ) أَيْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ ) أَيْ كَمَا لَوْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : : لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ إجَازَةٌ لَهُمَا ) وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ مُتَعَاقِبَيْنِ بِإِذْنِهَا فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا إذَا عُلِمَ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْمُتَقَدِّمُ بَطَلَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ زَوَّجَهَا ) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ) ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رِضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ ) أَيْ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ ) أَيْ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ أَجْنَبِيَّانِ عِنْدَهُمَا ا هـ زَاهِدِيٌّ ، وَكَذَا عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى جَامِعِ قَاضِي خَانْ الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرَسُولُ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ اتِّفَاقًا ا هـ ( قَوْلُهُ :
خِلَافًا لَهُمَا ) أَيْ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا الْوَاحِدُ كَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ كَالرَّسُولِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ ) أَيْ لِيَكُونَ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ كَالثَّيِّبِ ) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ سُكُوتَهَا عِنْدَ اسْتِئْمَارِهَا الْأَجْنَبِيَّ يَكُونُ رِضًا ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَكْثَرَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ جَعْلَ السُّكُوتِ رِضًا ضَرُورِيٌّ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَ اسْتِئْمَارِهَا الْأَجْنَبِيَّ ، وَقَوْلُهُ كَالثَّيِّبِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا ، هَكَذَا ذَكَرُوا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ } ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ فَإِنَّ الْبِكْرَ أَيْضًا تُشَاوَرُ وَكَذَا الرِّضَا بِالْقَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَلْ رِضَاهَا يَتَحَقَّقُ تَارَةً بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهَا رَضِيت وَقَبِلْت وَأَحْسَنْت وَأَصَبْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك أَوْ لَنَا وَنَحْوِهَا ، وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ كَطَلَبِ مَهْرِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا أَوْ تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَقَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ بِالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْزَاءٍ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِئْذَانِ وَالرِّضَا وَأَنَّ رِضَاهُمَا قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا ، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً ، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دَلَالَةً لِحَيَائِهَا دُونَ الثَّيِّبِ ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا قَدْ قَلَّ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُهَا عَلَى الرِّضَا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَالِي إلَخْ ) بِأَنْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ زِنًا فَهِيَ بِكْرٌ ) حَتَّى تَكُونَ أَحْكَامُهَا كَأَحْكَامِ الْبِكْرِ فِي التَّزْوِيجِ فَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَلِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا ، وَمِنْهُ الْبُكْرَةُ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَالْبَاكُورَةُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ وَكُلُّ مَنْ بَادَرَ إلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ وَأَبْكَرَ ، وَيُقَالُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ أَيْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ، هُوَ يَقُولُ إنَّ الْبِكْرَ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ عُذْرَتُهَا قَائِمَةٌ وَالثَّيِّبُ مَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا وَهَذِهِ قَدْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا فَتَكُونُ ثَيِّبًا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ يَرُدُّهَا إذَا وَجَدَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَنَا أَنَّ الْبِكْرَ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسُكُوتِهَا لِأَجْلِ حَيَائِهَا ، وَهَذَا مَعْنًى قَائِمٌ وَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَرُدَّهَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ النَّاسِ فِي اشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ صِفَةُ الْعُذْرَةِ وَهَذِهِ بِكْرٌ ، وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ فَيَرُدُّهَا وَالْحُكْمُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَعَلَّقَ بِاسْمٍ وَهُوَ بَاقٍ وَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا ؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا ، وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ لِلثَّوَابِ الْعَائِدِ جَزَاءَ عَمَلِهِ وَالْمَثَابَةُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي كُلِّ عَامٍ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { : الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ } ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبَاتِ
بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ وَلِأَبْكَارِهِمْ لَا تَدْخُلُ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا يَرُدُّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذْنُهَا صُمَاتُهَا } خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّهَا تَسْتَحِي فَكَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْحَيَاءُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْبَكَارَةِ فِي ذَلِكَ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَقْوَى فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ الرِّضَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَيْضًا إذَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَوْلُ فَقَطْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِاسْمِ الثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارِ لَا بِالْحَيَاءِ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً وَكَذَا الشِّرَاءُ تَعَلَّقَ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَقَدْ فَاتَ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَعَلَّقَ بِالسَّلِيمِ مِنْ الْعَيْبِ ، وَالزِّنَا عَيْبٌ وَلَا يُقَالُ النَّصُّ وَرَدَ فِي حَيَاءِ الْبِكْرِ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَيَاءِ الْفَسَادِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ وَرَدَ لِأَجْلِ الْحَيَاءِ لَا لِجِهَتِهِ فَيَتَنَاوَلُهُ قَطْعًا إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ دُونَ جِهَتِهِ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَعْظَمُ حَذَارِ النِّسْبَةَ إلَى الْفَسَادِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَدَبَ إلَى السَّتْرِ ، وَفِي إلْزَامِهَا النُّطْقَ إشَاعَةُ الْفَسَادِ مَعَ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ زِنَاهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي بَعْدَ التَّكْرَارِ عَادَةً بَلْ تَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً ، وَكَذَا إذَا أُخْرِجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَعُرِفَتْ بِهِ فَلَا تُخْفِيهِ وَلَوْ خَلَا بِهَا زَوْجُهَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُنَّةٍ أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ ، وَإِنْ
وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ .( قَوْلُهُ : فَقَدْ بَكَّرَ وَأَبْكَرَ ) أَيَّ وَقْتٍ كَانَ غَايَةٌ قَوْلُهُ : إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ) أَيْ بِأَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِالْوَثْبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي مَادَّةِ بَكَرَ الْبِكْرُ الْعَذْرَاءُ وَالْجَمْعُ أَبْكَارٌ وَالْمَصْدَرُ الْبَكَارَةُ ، وَقَالَ فِي مَادَّةِ عَذَرَ وَالْعُذْرَةُ الْبَكَارَةُ وَالْعَذْرَاءُ الْبِكْرُ وَالْجَمْعُ الْعَذَارَى وَالْعَذَارَى وَالْعَذْرَاوَاتُ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّحَارَى ا هـ ( قَوْلُهُ : فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ وَطْأَهَا يُزِيلُ الْحَيَاءَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْأَبْكَارِ وَيَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ ، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا إذَا زَنَتْ مَرَّةً لَا يَزُولُ حَيَاؤُهَا عِنْدَ الْوَلِيِّ وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ الزَّانِي لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الزِّنَا مِنْهَا ، وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ حَيَائِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ لَهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا الزَّوْجُ : بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ هِيَ : بَلْ رَدَدْت ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَقَالَ زُفَرُ : الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّرْطِ أَوْ الْبَائِعُ ، فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ لِمَا قُلْنَا وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَادَّعَتْ أَنَّهَا رَدَّتْ النِّكَاحَ حِينَ بَلَغَتْ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُهُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَزِمَ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ اللُّزُومُ هُنَا وَبِخِلَافِ دَعْوَى خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الصِّغَرِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَهِيَ بِدَعْوَاهَا الْفَسْخَ تُرِيدُ إبْطَالَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ فِي وَقْتٍ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إسْنَادُ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ عِنْدَ الْقَاضِي أَدْرَكْت الْآنَ وَفَسَخْت صَحَّ ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ : لَا تُصَدَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ ؛ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقُّهَا وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَادَّعَتْ أَنَّهَا فَسَخَتْ حِينَ عَلِمَتْ لَمْ تُصَدَّقْ بِالْإِسْنَادِ إلَى وَقْتِ الْعِلْمِ لِمَا بَيَّنَّا ثَمَّ فِي مَسْأَلَةِ
الْكِتَابِ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةَ أَنَّهَا أَجَازَتْ النِّكَاحَ حِينَ أُخْبِرَتْ وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا رَدَّتْ حِينَ أُخْبِرَتْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اللُّزُومَ فَتَرَجَّحَتْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ فِيهِ عَلَى أَمْرٍ عَدَمِيٍّ وَهُوَ السُّكُوتُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَهُوَ بَدَلٌ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا إقْرَارٌ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَدَلُ وَهِيَ الْمَسَائِلُ السِّتُّ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الدَّعَاوَى وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى لِلنَّاصِحِيِّ أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَنْكَرَ الْأَبُ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْكَبِيرَةِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ فِيهِمَا ، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا عَلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْيَمِينِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ الْبَدَلِ لَا لِامْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِالنِّكَاحِ نَفَذَ إقْرَارُهَا وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ ) وَصُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى بِكْرٍ بَالِغَةٍ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا سَكَتَتْ ، وَقَالَتْ بَلْ رَدَدْت ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ) أَيْ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَهُ وَبِهِ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ) وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ ، وَقَالَ الْعَبْدُ : لَمْ أَدْخُلْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا ، وَعِنْدَهُ لِلْعَبْدِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، مَبْنَى الْخِلَافِ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَاءً ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالرَّدُّ عَارِضٌ ) أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ الْعَوَارِضِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ ) أَيْ وَكَالشَّفِيعِ إذَا قَالَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ أَمْسِ وَطَلَبْت الشُّفْعَةَ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ سَكَتَ ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : ثَمَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ) قَالَ الْكَمَالُ ، ثُمَّ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا عُمِلَ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى النَّفْيِ بَلْ عَلَى حَالَةٍ وُجُودِيَّةٍ فِي مَجْلِسٍ خَاصٍّ يُحَاطُ بِطَرَفَيْهِ أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ الشَّاهِدُ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ فَأَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ تُقْبَلُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْجَوَامِعِ ا هـ فَتْحٌ (
قَوْلُهُ : فَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ ) أَيْ لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ فَإِنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى السُّكُوتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَجَازَتْ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ أَوْ أَجَازَتْ حِينَ عَلِمَتْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ ، وَكَذَا هُوَ فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْفِقْهِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَقَامَ الْأَبُ أَوْ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الرَّدِّ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى ، فَتَحَصَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السُّكُوتَ لَمَّا كَانَ مِمَّا تُحَقَّقُ الْإِجَازَةُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْإِجَازَةِ كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْ بِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْإِثْبَاتِ ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُجِزْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً فَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ لَهَا لِظُهُورِ دَلِيلِ السَّخَطِ دُونَ الرِّضَا وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا قَوْلُ وَلِيِّهَا بِالرِّضَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ فِيهِ إلَخْ ) أَيْ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ الرَّدِّ فَكَانَتْ أَوْلَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا ) أَيْ فَتَذْهَبُ مِنْ عِصْمَتِهِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ ) فَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ الْمَسَائِلُ السِّتُّ ) قَالَ الْكَمَالُ وَزِيدَ عَلَيْهَا دَعْوَى الْأَمَةِ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَجَمَعْتهَا فِي هَذَيْنِ
الْبَيْتَيْنِ نِكَاحٌ وَفَيْئَةٌ إيلَاؤُهُ وَرِقٌّ وَرَجَعَ وَلَاءُ نَسَبْ وَدَعْوَى الْإِمَاءِ أُمُومِيَّةً ، فَلَيْسَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَجَبْ ( قَوْلُهُ : وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الدَّعَاوَى ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِيهَا ، وَقِيلَ يَتَأَمَّلُ الْقَاضِي فِي حَالِ الْمُدَّعِي فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ التَّعَنُّتُ قَضَى بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ ) أَيْ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا فَأَنْكَرَتْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُهُمَا : إلَخْ ) ، وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُمَا : وَأَنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْلِفُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ، وَالْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ ) ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ وِلَايَةٌ إذَا كَانَ حُرًّا لَا لِحَاجَةٍ ، وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ انْعِدَامِ الشَّهْوَةِ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ثَيِّبًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا ؛ لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُشَاوَرُ لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ بِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَوَجَبَ الِانْتِظَارُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ ، إلَّا أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى حَالًا فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ فِي النَّفْسِ وَهُوَ أَعْلَى رُتْبَةً أَوْلَى وَأَحْرَى وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَفَى بِهِمْ حُجَّةً ، وَحَكَى الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ { وَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ ، وَقَالَ : لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ } وَإِنَّمَا زَوَّجَهَا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالنُّبُوَّةِ بِدَلِيلِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُزَوِّجْ أَحَدًا بِالنُّبُوَّةِ وَلَوْ كَانَ زَوَّجَ بِهَا لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنَعَ الْأَوْلِيَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ وَزَوَّجَ هُوَ وَذَكَرَ
هَذَا الْحَدِيثَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا { الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ } ، ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ الْكَبِيرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي الصَّغِيرَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَعْجَزُ وَأَمَسُّ حَاجَةً ؛ لِأَنَّ الْخَاطِبَ قَدْ لَا يَنْتَظِرُ إلَى الْبُلُوغِ فَيَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ عَقْدِهِ لِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَظْهَرْنَاهُ فِي عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِتَكَرُّرِهِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } أَيْ فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى هَكَذَا فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ؛ وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبُلُوغِ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهَا لِقُدْرَتِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَاعْتِدَالِ عَقْلِهَا بِهِ ، وَلِهَذَا تُوَجَّهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ إلَيْهَا فَمَنْ أَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنَعَهَا قَبْلَهُ فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ لِوَلِيِّهَا فِي مَالِهَا حَالَةَ الصِّغَرِ فَإِذَا بَلَغَتْ انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهَا فَكَذَا الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الْقَوَاعِدِ كَمَا فِي الْغُلَامِ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ آدَمِيَّتِهَا وَإِلْحَاقِهَا بِالْبَهَائِمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا بِرِضَاهَا وَلَا بِغَيْرِ رِضَاهَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ قَابِلًا لِلنِّكَاحِ ، فَيَكُونُ بَاطِلًا ؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمَّا ثَبَتَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ كَانَ ثُبُوتُهَا فِي صِغَرِهَا وَهِيَ أَعْجَزُ وَأَوْلَى