كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
كَالْمُودَعِ فَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَقُّ الْحَبْسِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ حُكْمًا فَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُسْتَرِدًّا لَهُ ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَبَسَهُ عَنْهُ ثُمَّ هَلَكَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا بِالْحَبْسِ أَوْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ حَبْسِهِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ ) يَعْنِي يَهْلَكُ بِالثَّمَنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ كَالْغَصْبِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ فَبِالْحَبْسِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا كَالْمُودَعِ يَمْنَعُ الْوَدِيعَةَ عَنْ صَاحِبِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ كَالرَّهْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَبَسَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّ حَبْسَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا بِهِ وَأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَذَا حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ يَكُونُ مَحْبُوسًا مِنْ أَوَّلِ مَا يُوجَدُ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ وَلَهُمَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْمُبَادَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بَلْ يَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ كَالرَّهْنِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ ، وَالْحَبْسُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ لَمَا ثَبَتَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ قُلْنَا : إنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ يَمْلِكَانِ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَمَا شُرِطَ فِيهِ يَلْزَمُهُمَا بِخِلَافِ الشَّفِيعِ ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَمَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا فِي الثَّانِي
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ عَلَى الْأَمِينِ شَيْءٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْعًا فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ الْمُودَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ ) أَيْ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُوَكِّلِ ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَبْضُ لِلْوَكِيلِ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ مِنْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ : فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا الرَّهْنُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ وَالْمَغْصُوبُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْمُشْتَرِي إذَا حَبَسَهُ الْوَكِيلُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فَفِيهِ خِلَافٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ كَالرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الرَّهْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ كَالْمَبِيعِ يَهْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ زُفَرُ : يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ لَيْسَ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ فَصَارَ بِالْحَبْسِ غَاصِبًا وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ
كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ الْوَكِيلُ قَدْ عَيَّنَ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فِي الْمُشْتَرِي حَيْثُ اشْتَرَاهُ لَهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا أَنْ يُعَيِّنَ حَقَّ الْوَكِيلِ فِي الثَّمَنِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِحَقٍّ فَلَمْ يَكُنْ غَاصِبًا ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالثَّمَنِ سَقَطَ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْفَضْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الْمَبِيعِ ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ كُلُّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَائِعٍ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَحْبِسُ الْمُشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا ، وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَشْرَةً فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْفَضْلِ وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْغَضَبِ فِي عَكْسِ هَذَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ عَشْرَةً فَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْخَمْسَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ أَصْلًا ا هـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً مَثَلًا وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخَمْسَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ عَشْرَةً فَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخَمْسَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي
يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِهِ ) يَعْنِي لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا قَالَ زُفَرُ ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْحَبْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا إلَخْ ) فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ قُبَيْلَهُ : إنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إذًا أَنْ يُقَالَ : إنَّهُمَا يَمْلِكَانِهِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَيَتِمُّ بِهِ الْفَرْقُ ا هـ تَأَمَّلْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِمَا قَبْضُ الْعَاقِدِ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْوَكِيلُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَفِي حُكْمِ صِحَّةِ التَّقَابُضِ هُوَ كَوَكِيلٍ تَعَلَّقَ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ ، فَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ تَمَّ الْعَقْدُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ حَصَلَتْ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَكَلَامُ الرَّسُولِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُرْسِلِ فَيَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ الْمُرْسِلِ فَيَكُونُ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارِفٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ وَعَزَاهُ إلَى خُوَاهَرْزَادَهْ وَهَذَا مُشْكِلٌ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَغَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ لَا تَضُرُّ وَعَزَاهُ إلَى وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ وَإِطْلَاقُهُ وَإِطْلَاقُ سَائِرِ الْكُتُبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُفَارَقَةَ الْمُوَكِّلِ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَفِي قَوْلِهِ تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا جَائِزٌ وَإِنَّمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ فَجَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ ، وَهَذَا فِي الصَّرْفِ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ ، وَأَمَّا فِي السَّلَمِ ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ ، وَأَمَّا بِأَخْذِهِ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ يَبْقَى الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَبِيعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَمَنُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا( قَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ ) قُلْت هَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ ، فَإِذَا حَضَرَ الْأَصِيلُ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّائِبُ ا هـ ع
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الدِّرْهَمِ فِي عَشْرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ اللَّحْمِ ، وَقَدْ صَرَفَهُ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ خَيْرٍ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ لَحْمًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَرْطَالٍ مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِيهِ بَدَلُ مِلْكِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشْرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشْرَةٍ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ مُقَدَّرٌ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوَافِقًا بِمِثْلِهِ عِنْدَهُ كَمَا إذَا أَمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ بِمِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا
تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلِاخْتِلَافِ ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ فِيهَا شَرْطٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْوَكِيلِ ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ فَيَنْفُذُ وَفِي ضِمْنِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا وَالْعَشَرَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعِشْرِينَ فَبِنُفُوذِ الْعِشْرِينَ تَنْفُذُ الْعَشَرَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُوَافَقَةُ شَرْطٌ فِيهِ
( قَوْلُهُ : وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ ) وَهَذَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا ا قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَكَالَة فِي الشِّرَاءِ ، وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشْرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْآمِرَ مِنْهَا عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ لِلْمَأْمُورِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ كَمَا تَرَى وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَكَّلَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ } وَلِأَنَّهُ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ سِعْرَ اللَّحْمِ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ ، فَإِذَا زَادَ فَقَدْ فَعَلَ خَيْرًا فَلَزِمَ الْآمِرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ السَّمِينِ لَا الْمَهْزُولِ وَهَذَا مَهْزُولٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ ) وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا الزِّيَادَةُ الْقَلِيلَةُ كَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَنِصْفِ رِطْلٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ الْآمِرُ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الزِّيَادَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ ) ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ : إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ جَوَابِ إشْكَالُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ ) الْفَرْضُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ يُسَاوِي كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً فَكَيْفَ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ ) مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ ، وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ حَتَّى ( لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ ) كَانَ الْمُشْتَرِي لَهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ نَفْسَ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ فِيهِمَا لِلْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي أَتَى بِهِ الْوَكِيلُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْوَكَالَةِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَكَانَ مُخَالِفًا بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ ، وَفِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ الدَّاخِلِ فِيهَا شِرَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَحَدٍ فَكُلُّ شَيْءٍ أَتَى بِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِهِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ إلَّا ذَاتُهُ دُونَ صِفَاتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ فَيَكُونُ مُوَافِقًا بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ خَالَفَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْآمِرِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ قَدْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ؛
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَخَالَفَ فَسَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ : مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ الْغَدْرُ بِالْمُسْلِمِ وَهُوَ حَرَامٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَقَعُ شِرَاؤُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ لِنَفْسِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ ) ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ فَيَنْعَزِلُ فِي ضِمْنِ الْمُخَالَفَةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ هَذَا الْوَكِيلُ رَجُلًا فَاشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِحَضْرَتِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُمْكِنُ نَقْلُ كَلَامِهِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ حَضَرَهُ رَأْيُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالرَّسُولِ فَلَا يَتَصَرَّفُ مِنْ عِنْدِهِ بِشَيْءٍ بَلْ يُبَلِّغُ الرِّسَالَةَ ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ خَالَفَ فَلَا يَنْفُذُ ، وَالْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنْهُ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ يَجُزْ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلَعُ وَالْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا ذَكَرْنَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ ) قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا خَالَفَ فِي الثَّمَنِ لَا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى جِنْسٍ غَيْرِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوَكِّلُ ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ صَحَّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ بِخِلَافِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِعْتَاقِ ، وَإِذَا وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فَطَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَعْتَقَ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ عِبَارَتُهُ فِي أَوَّلِ وَكَالَةِ الْعُيُونِ وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ النَّوَازِلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَطَلَّقَ الثَّانِي لَا يَقَعُ ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ ذَلِكَ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَأَجَازَ ذَلِكَ يَجُوزُ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وُجِدَ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ حَقِيقَةُ الْوَكَالَةِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَانَ الْوَكِيلُ رَسُولًا يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُوَكِّلِ ، وَطَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ لَيْسَ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَقَعْ نَقْلًا لِكَلَامِ
الْمُوَكِّلِ ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا وَكَّلَ بِنَقْلِ كَلَامِهِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ ) أَيْ إنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا قَالَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى مُطْلَقٍ مِنْ الثَّمَنِ ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ كَانَ الْمُشْتَرَى لِصَاحِبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُضِيفُ الشِّرَاءَ إلَى مَالِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةَ التَّعَيُّنِ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِهِ وَتَعَيُّنُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَلِهَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَدِينُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَالِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَادَةً فَلَا يَرْتَكِبُهُ وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ شَرْعًا وَعُرْفًا فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ ثُمَّ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى عَدَمِهَا أَوْ يَخْتَلِفَا فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَاتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاتِّفَاقِهِمَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَاتِّفَاقُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى النَّقْدِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ
يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ وَيَكُونُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ غَاصِبًا فِيمَا إذَا نَوَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ مِثْلُ دَلَالَةِ إضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَجْرِيَ عَلَى عَوَائِدِهِ ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ لِلْعَاقِدِ ؛ لِأَنَّ مَا يُطْلِقُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ عَيَّنَ الْمُحْتَمَلَ بِهِ فَصَارَ كَحَالَةِ التَّكَاذُبِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ وَهُوَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا ، وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا فَلَا يَصِيرُ بِتَرْكِهَا مُخَالِفًا فَيَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَى النَّقْدِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُحَكِّمَ أَوَّلًا الْإِضَافَةَ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِمَنْ أُضِيفَ عَقْدُ السَّلَمِ إلَى مَالِهِ ثُمَّ النِّيَّةُ فَيَكُونُ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ بِالْعَقْدِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى النِّيَّةِ وَإِنْ تَكَاذَبَا فَيُحَكَّمُ النَّقْدُ ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الشِّرَاءِ فِيمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْضُرْهُ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ يَكُونُ لِلْعَاقِدِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ لِلنَّقْدِ فِيهِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ
عَلَى وُقُوعِهِ لِمَنْ نُقِدَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَفَرَّقَ هَذَا الْقَائِلُ لِأَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْفَرْقِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يُضَفْ الْعَقْدُ إلَى مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْوَكَالَةُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إنَّمَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ بِنِيَّةِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ بِصَرِيحِ ذِكْرِهِ أَوْ يَشْتَرِي بِمَالِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ ) لَا الدَّفْعَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ ، فَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ا هـ غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ أَوْ يُطْلِقَ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي قَوْلِهِ فَيَكُونَ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ ، وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ ) فَقَالَ الْمُوَكِّلُ : اشْتَرَيْتَهُ لِي وَقَالَ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي ا هـ قَوْلُهُ : لِأَنَّ لِلنَّقْدِ فِيهِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ ) حَتَّى إذَا لَمْ يَنْقُدْ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ السَّلَمُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت لِلْآمِرِ وَقَالَ الْآمِرُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَلِلْمَأْمُورِ ) مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ الْمَأْمُورُ : اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَى الْوَكِيلِ ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ أَخْبَرَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ أَوْ مَيِّتًا ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِشِرَائِهِ وَالْعَبْدُ حَيٌّ قَائِمٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ إجْمَاعًا مَنْقُودًا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَالْمُخْبَرُ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْإِشْهَادِ فَيُصَدَّقُ كَقَوْلِهِ لِمُطَلَّقَتِهِ رَاجَعْتُك وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَكَذَّبَتْهُ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَبِهَذَا وَقَعَ التَّقَصِّي عَنْ الْوَلِيِّ إذَا أَقَرَّ عَلَى مَوْلِيَّتِهِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ شَرْعًا لِعَدَمِ الشُّهُودِ إذْ هُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشُهُودٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ ، فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِهِ شَرْعًا بِدُونِ الْإِشْهَادِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا حِينَ أَخْبَرَ فَقَالَ هَلَكَ عِنْدِي بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ فِيهِ ، وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ
قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته لَك وَقَالَ الْآمِرُ لَا بَلْ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَصَحَّ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَفِي ضِمْنِهِ يَكُونُ الْعَبْدُ لِلْآمِرِ تَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ بِأَنْ كَانَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَفِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ
( قَوْلُهُ : مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا ، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ صَدَرَ وَالْعَبْدُ هَالِكٌ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَخْ فَمِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ : اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ الْمَأْمُورُ فَقَالَ : اشْتَرَيْتُ لَك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتُهُ فَمَاتَ وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتَهُ وَمَاتَ عِنْدَك ، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته لِنَفْسِك قَالَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ
عَيْنِهِ وَالثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ وَقَالَ الْوَكِيلُ : اشْتَرَيْت وَقَبَضْت وَهَلَكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ا هـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُوَ هَالِكٌ فَتَنَبَّهْ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) مُعَيَّنًا حَيًّا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ ( الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ) مُعَيَّنًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ ( الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ) مُعَيَّنًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ ( الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ) مُعَيَّنًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ ( الْقَوْلُ لِلْآمِرِ ) مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ ( الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ) مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ ( عِنْدَهُ لِلْآمِرِ وَعِنْدَهُمَا لِلْمَأْمُورِ ) مُنْكِرًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ ( الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مُنْكِرًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ ( الْقَوْلُ لِلْآمِرِ اتِّفَاقًا ) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ ) وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ إلَخْ ) بَقِيَ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُوَ هَالِكٌ وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ أَوْ غَيْرُ مَنْقُودٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ
حَاضِرًا وَصَرَّحَ الْوَكِيلُ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِهَا فَتَأَمَّلْ ا هـ قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ قَالَ : بِعْنِي هَذَا لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْآمِرُ أَخَذَهُ فُلَانٌ ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ الْآخَرُ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ ، فَإِنِّي أَشْتَرِيه لَهُ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ فَقَالَ فُلَانٌ أَنَا أَمَرْتُهُ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْنِي لِفُلَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ بَعْدَهُ صَارَ مُنَاقِضًا فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْعَبْدُ لِلْمُوَكِّلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ آمُرْهُ بِهِ ) أَيْ إلَّا أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ الْمُشْتَرَى لَهُ لَمْ آمُرْهُ بِالشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُهُ بَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ) أَيْ إلَى فُلَانٍ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونُ لَهُ بِالتَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ قَدْ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي ، فَإِذَا سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى فُلَانٍ الْمُشْتَرَى لَهُ وَأَخَذَهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بِالْمُعَاطَاةِ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ لِلْعُرْفِ وَلِوُجُودِ التَّرَاضِي بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ }
( أَيْ وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَمَرْتُهُ ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقِرِّ لَهُ ، فَإِذَا عَادَ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ لِأَنَّهُ عَادَ حِينَ انْتَفَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ) يَعْنِي لَمَّا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَانَتْ الْعُهْدَةُ لِلْآخِذِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَذَا فَسَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ : وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ الَّذِي لَهُ الْمَالُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ قَالَ جَائِزٌ ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا هِيَ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ لِلْآمِرِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَ لَهُ ثَمَنَهُمَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَيَكُونُ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا حِيلَةً لِتَحْصِيلِهِمَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالنَّفَاذِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَائِهِمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ وَبِالْأَكْثَرِ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ ) أَيْ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ الشِّرَاءُ وَبِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ يَعْنِي لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالْعَبْدَيْنِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَيَكُونُ أَمْرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ضَرُورَةً فَالشِّرَاءُ بِخَمْسِمِائَةٍ مُوَافَقَةٌ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى شَرٍّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمُصَرَّحَ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ قَدْ حَصَلَ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ بِفَوْقِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَصَلَ مُطْلَقًا بِلَا تَقْدِيرِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَكِنَّ غَرَضَهُ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ قَدْرُ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ لِيَحْصُلَ غَرَضُهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِشِرَاءِ هَذَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَى صَحَّ ، وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَوَكَّلَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَاشْتَرَى جَازَ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْمَأْمُورِ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ أَسْلِمْ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك إلَى فُلَانٍ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فُلَانًا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ مُتَعَيِّنًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ لَهُمَا أَنَّ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَيْنًا كَانَا أَوْ دَيْنًا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ سَوَاءً كَمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ حَتَّى إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَلْفَ وَلَا الْبَائِعَ وَلَا الْمَبِيعَ جَازَ التَّوْكِيلُ فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ بِمَالِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَسَاكِينِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ آجَرَ حَمَّامًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْمَرَمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْأُجْرَةِ عَبْدًا يَسُوقُ الدَّابَّةَ وَيُنْفِقُ عَلَى الدَّابَّةِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ
الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ مُتَعَيِّنًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النُّفُوذَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ وَلِهَذَا لَوْ قَيَّدَهَا بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ وَأُسْقِطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ ثُمَّ بِقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ بَاطِلًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك مَنْ شِئْتَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ لِتَعَيُّنِهِ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ أَوَّلًا قَابِضًا لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ وَتَعْيِينُ الْمَبِيعِ تَعْيِينٌ لِلْبَائِعِ فَكَانَ بِهِ مَعْلُومًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ وَلِأَنَّ الْفَقْرَ يَنْتَصِبُ نَائِبًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَقَبَضَ حَقَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فَيَكُونُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَقْبِضُهُ لَهُ مَعْلُومًا فَيَصِحُّ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَمَّامِ وَنَحْوُهَا فَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ ، فَإِنَّمَا جَازَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجِدُ الْأُجْرَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأُقِيمَ الْحَمَّامُ مَقَامَ الْمُؤَجَّرِ فِي الْقَبْضِ ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ بِأَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بَعْد الشِّرَاءِ بِهِ فَلِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا ، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِبُطْلَانِ الدَّيْنِ إذْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ ، فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا وَكَلَامُنَا فِيهَا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا
بَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِالشِّرَاءِ وَعَزَاهُ إلَى الزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ لَهُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ بِهِ ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمُعَيَّنِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا لَهُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ بِالتَّمْلِيكِ لَا تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ لِلْمَجْهُولِ فَكَانَ تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّرْفِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَاطِي فَيَكُونُ لِلْآمِرِ
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً بِسَبِيلِ التَّعَاطِي لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَبَيْعُ التَّعَاطِي جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمَا عَزَّ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ خَسَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ غَرِيمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ شَيْئًا ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَبِيعَ أَوْ الْبَائِعَ جَازَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَهُمَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَفُسُوخِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَكَمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ إذَا كَانَتَا عَيْنًا لَا يَتَعَيَّنَانِ إذَا كَانَتَا دَيْنًا وَلِهَذَا إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى الْمُشْتَرِي ) الْمُرَادُ بِالْمُشْتَرِي هُنَا الْوَكِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَصُّهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَوَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ ) هَكَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا كَانَ فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ كَشَطَهُ وَكَتَبَ مَكَانَهُ اسْتَهْلَكَ وَكَتَبَ تَحْتَهُ بِخَطِّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا نَصُّهُ أَيْ الْآمِرُ أَوْ الْوَكِيلُ ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا بِالْهَلَاكِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ ا هـ مَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ أَوْ أُسْقِطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إنَّمَا قُيِّدَ
بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاك لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَأَقُولُ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ فَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ فَقَالَ بِالِاسْتِهْلَاكِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ كَمَا فِي الْهَلَاكِ لِتَعَيُّنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك مَنْ شِئْت ) أَيْ أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عِنْدَك مِنْ الْعَيْنِ مَنْ شِئْت أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ كَانَ التَّوْكِيلُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَبَضَ حَقَّهُ ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي قَبْضِ حَقِّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْأُجْرَةُ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ الْأَجْرُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ أَمَةٍ ) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ أَمَةٍ ( بِأَلْفٍ دَفَعَ إلَيْهِ فَاشْتَرَى فَقَالَ : اشْتَرَيْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تُسَاوِي أَلْفًا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَأْمُورُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ لَا تَلْزَمُ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ إذْ الْأَمْرُ تَنَاوَلَ أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَيَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَلِأَنَّ فِيهِ غَبْنًا فَاحِشًا فَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُخَالِفَ الْآمِرَ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَلْفٍ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَلِلْآمِرِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْآمِرُ الْأَلْفَ إلَى الْمَأْمُورِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَتَلْزَمُ الْأَمَةُ الْمَأْمُورَ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَمَةِ خَمْسَمِائَةٍ فَظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَخَالَفَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَقَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ثُمَّ إذَا حَلَفَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ لِانْتِقَاضِ مِلْكِ الْآمِرِ بِالْفَسْخِ
قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ أَيْضًا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْمُورِ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ فَقَدْ وَافَقَ الْآمِرُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ هَذَا ) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ ( وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا ) فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ بِالْفَسْخِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ هَذَا ) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ ( وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَقَالَ الْآمِرُ بِنِصْفِهِ ) وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ ( تَحَالَفَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ وَمَالَ أَبُو مَنْصُورٍ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ قَالُوا وَمُرَادُهُ التَّحَالُفُ لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ يَمِينِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُدَّعِي وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّحَالُفِ يَمِينَ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُنْكِرِ إذْ ذَاكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْمُوَكِّلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلَوْلَا مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا فَكَانَ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِمَا ادَّعَى مِنْ الثَّمَنِ إذَا حَلَفَ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينَ الْمَأْمُورِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى
لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ : إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يُصَدَّقُ فِيمَا قَالَ وَفِي التَّحَالُفِ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَهَذَا فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ بِأَلْفٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْآمِرُ : أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهُ لِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتَنِي بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَلْزَمُ الْعَبْدُ الْمَأْمُورَ لِمُخَالَفَتِهِ ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ ) أَيْ وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الْآمِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ قَوْلَ أَبِي مَنْصُورٍ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي جَعْفَرٍ أَصَحَّ ا هـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَاضِي خَانْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّصْحِيحِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ك ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ بَقِيَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَهُوَ الْوَكِيلُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُوَكِّلُ فَوَجَبَ التَّحَالُفُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُدَّعِي ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ فَقَالَ لِسَيِّدِهِ اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ قَالَ : اشْتَرَيْته فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ ) أَيْ لَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَالْآمِرُ هُوَ الْعَبْدُ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْوَكِيلِ فَقَالَ الْوَكِيلُ لِسَيِّدِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَا أَشْتَرِي عَبْدَك لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ ، وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ : اشْتَرَيْته وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِ الْعَبْدِ كَانَ الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْوَكِيلِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى فِيهِمَا مَجَّانًا وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْمُعْتَقِ الْأَلْفُ وَأَصْلُهُ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ ، وَشِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بَيْعًا حَقِيقَةً غَيْرُ مُمْكِنٍ إمَّا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ أَوْ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ فَجُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْإِعْتَاقِ لِوُجُودِ إزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْبَيْعِ فَإِذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِلْعَبْدِ صَارَ الْبَائِعُ مُعْتِقًا فَيَلْزَمُهُ الْوَلَاءُ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبُولِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهُ فَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِ الْعَبْدِ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْبَيْعِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى الْعِتْقِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمَوْلَى وَلَعَلَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لُزُومِ وَلَائِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ
الْعَقْدِ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ إذْ الْكُلُّ بَيْعٌ وَالْوَكِيلُ أَصِيلٌ فِيهِ فِي الْحَالَيْنِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُقُوقُ فِي الْحَالَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ وَهُنَا أَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعْقِبُ لِلْوَلَاءِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ وَالْآخَرُ بَيْعٌ وَأَحْكَامُهُ خِلَافُ الْعِتْقِ فَلَا يَدُلُّ رِضَاهُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الرِّضَا بِالْآخِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ ، فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ أَلْفٌ مِثْلُهَا ثَمَنًا أَوْ بَدَلَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ بَطَلَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى مَا أَدَّاهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ كَسَبَ عَبْدَهُ فَكَانَ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ فَلَا يَصْلُحُ مِلْكُهُ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَالْمَالِكُ لِلْعَبْدِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ، وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِلْعَبْدِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْعِتْقِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ وَالْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْوَكِيلِ وَذَكَرَ فِي وَكَالَةِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَفِي وَكَالَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقَ وَالْمَالُ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ كَتَوْكِيلِهِ بِشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ فَيُطَالَبُ بِبَدَلِهِ الْوَكِيلُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ وَكِيلَ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلَفْظُ الْبَيْعِ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْعِتْقِ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْبَيْعِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ لَهُ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ حُقُوقُهُ فَيُطَالَبُ الْآمِرُ كَمَا إذَا كَانَ الْآمِرُ بِبَيْعِ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ هُوَ الْمَوْلَى حَيْثُ يَكُونُ الطَّلَبُ بِالْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَى
دُونَ الْوَكِيلِ لِمَا قُلْنَا( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى الْمُعْتَقِ ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ سَيِّدِهِ إلَخْ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ لِلْمَوْلَى بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ ) أَيْ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ : اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ كَانَ الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْآمِرِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْعَبْدَ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الشِّرَاءِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ ، وَالْعَبْدُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ حَبْسَ الْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَدَلَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْمُودَعِ إذَا اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ وَإِذَا أَضَافَ الشِّرَاءَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي لِنَفْسِي عَتَقَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعَبْدَ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَتَى بِجِنْسٍ آخَرَ مِنْ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ وَشِرَاؤُهُ قَبُولُ الْعِتْقِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ يَنْفُذُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ، وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لِفُلَانٍ عَتَقَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْبَيْعَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَالْعِتْقَ مَجَازٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ
عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ إذْ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْأَصْلُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْأَصْلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فَتَعَارَضَ الْأَصْلَانِ فَتَسَاقَطَا فَيَرْجِعُ إلَى غَرَضِ الْمَوْلَى ، فَإِنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ التَّصَرُّفَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى يُرِيدُ الْإِعْتَاقَ إذْ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا إعْتَاقٌ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَا يَرْضَى بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا إلَى الْحُرِّيَّةِ لِيَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ الثَّمَنُ هُنَا يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ دُونَ ذِمَّةِ الْآمِرِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ لِلْآمِرِ فَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَتَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ فَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ هُوَ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَلَا يُقَالُ الْعَبْدُ هُنَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْوَكِيلُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ زَالَ الْحَجْرُ هُنَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مُقْتَرِنًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْعَبْدِ يُكْتَفَى بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ وَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِقَوْلُهُ : لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَبَاعَهُ يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَضْمُونِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ ا هـ .
( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَعَبِيدِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا : يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعَ مُنْقَطِعَةٌ فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ مِلْكِهِ لَهُ وَلَهُ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ فَيَكُونُ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ تَمَكَّنَتْ شُبْهَتُهُ وَبِخِلَافِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهَمِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَتَبَايُنُ الْأَمْلَاكِ لَا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ كَالْمُتَصَرِّفِ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَمَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا وَأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الرِّبْحِ فَلَا يَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَبِيعُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ كَالْوَكِيلِ فَجَوَّزُوا فِيهِمَا الْبَيْعَ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَلَى هَذَا لَنَا أَنْ نَمْنَعَ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُطْلِقْ لَهُ الْمُوَكِّلُ ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ لَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِعْ مِمَّنْ شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ
يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْوَكَالَةِ وَالْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ يَجُوزُ وَبَيْعُ الْمُضَارِبِ وَشِرَاؤُهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ يَجُوزُ هُنَا عِنْدَهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَفِي الْوَكِيلِ رِوَايَتَانِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ عَلَى إحْدَاهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَنَحْوُهَا
( فَصْلٌ ) هَذَا الْفَصْلُ عَقَدَهُ لِلْبَيْعِ وَذَكَرَهُ بَعْدَ فَصْلِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِزَالَةَ تَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِثْبَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَذَلِكَ مِثْلُ قَرَابَةِ الْوِلَادِ ) كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأُمِّهِ وَوَلَدِهِ ، وَإِنْ سَفَلَ ا هـ قَوْلُهُ : وَعَبِيدُهُ ) أَيْ وَمُكَاتَبُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ) وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِمَا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَائِدَةٌ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مُلْحَقٌ بِالْقِيمَةِ وَسَيَأْتِي هُنَا عَنْ النِّهَايَةِ مِثْلُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ ) أَلَا تَرَى أَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ مُتَبَايِنًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ أَبِيهِ فَلَمَّا تَبَايَنَ الْمِلْكُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ كَانَ عَقْدُهُ مَعَهُمْ بَيْعًا وَشِرَاءً كَالْعَقْدِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَكِيلِ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ أَصْلًا فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَالْبَيْعُ مِنْهُ كَالْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مِنْ مُكَاتَبِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ فِي الْمُكَاتَبِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ عَبْدِهِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ
مَوْلَاهُ فَبَيْعُهُ مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّ مِلْكَ مِلْكِهِ لَهُ وَلَهُ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ لِنَفْسِهِ وَلَا بَيْعُهُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَجُزْ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ ، وَإِنْ عَلَوَا أَوْ بَاعَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ ، وَإِنْ سَفَلُوا أَوْ بَاعَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ الزَّوْجَةِ إذَا بَاعَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ أَمَرَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَجَازَ لَهُ مَا صَنَعَ فَبَيْعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) ثُمَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إذَا لَمْ يُجَبْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقُلْنَا لَوْ جَازَ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فِي الْأَحْكَامِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَزِيدًا وَمُسْتَنْقِصًا أَيْضًا وَمُخَاصِمًا فِي الْعَيْبِ وَمُخَاصِمًا وَفِيهِ مِنْ التَّضَادِّ مَا لَا يَخْفَى وَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْ مِنْ نَفْسِك أَوْ اشْتَرِ مِنْ نَفْسِك لَمْ يَجُزْ أَيْضًا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ
الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَتَبَايُنُ الْأَمْلَاكِ إلَخْ ) أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ التَّبَايُنِ لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلِمَنَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَجَوَّزُوا ) أَيْ فَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ لِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ الْبَيْعَ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْفَرْقِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ بِالْعَرَضِ وَالنَّسِيئَةِ ) يَعْنِي الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَخْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ يَتَقَيَّدُ بِالتَّعَارُفِ وَالتَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَيَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِهَا بِمَوَاقِعِهَا ، وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ النَّاسِ ، وَبَيْعُ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِعَشْرَةٍ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمُعْتَادِ وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْفَحَمِ وَالْجَمَدِ بِأَيَّامِ الْحَاجَةِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعُ بِالْعَرَضِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِهِ وَلَا بِالْهِبَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَقْدٍ أَوْ بِقِيمَةٍ وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ أَوْ بِالْعَرَضِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ : بِعْهُ وَاقْضِ بِهِ دَيْنِي أَوْ لِلنَّفَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الثَّمَنِ وَالتَّضَجُّرِ مِنْ الْعَرَضِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا فِي الْعُرْفِ وَلَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَبِيعَ يَحْنَثُ بِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ
وَالْيَمِينُ تَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَالْوَكَالَةِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْهِبَةِ ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَلَا الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فِي مَرَضِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ إبْطَالُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً نَسَبَهَا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَلَا يُتَّهَمُ وَالْمَسَائِلُ الْمُسْتَشْهَدُ بِهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبِيعُ مَالَهُ وَيَشْتَرِي مَالَ الْآخَرِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الشِّرَاء لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْمُوَكِّلِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُخَالَفَةِ فِيهِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ بَاقِيَةً وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا زَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ
( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ ) أَيْ أَوْ الدَّنَانِيرِ ا هـ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ رَوَى الْحَسَنُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُخْتَلِفِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ غَدًا أَوْ بَيْعِهِ غَدًا فَعَتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ غَدٍ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَقَدْ نَقَلْتُ عِبَارَتَهُ قُبَيْلَ بَابِ الْهَدْيِ فَارْجِعْ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ ) قَالَ فِي التَّتِمَّةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ ثُمَّ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ شَرْحِ بُيُوعِ الْكَافِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ قِيلَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ ) وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ وَإِقْدَامُ الْوَكِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تُهْمَةٍ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الْحَاجَةِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ مُتَعَارَفٌ مَا نَصُّهُ فَالْعُرْفُ
مُشْتَرَكٌ ا هـ كَافِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا : فَإِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ هَذَا بَيْعٌ رَابِحٌ وَذَاكَ بَيْعٌ خَاسِرٌ وَذَاكَ بَيْعٌ عَدْلٌ فَلَوْلَا أَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَكُونُ بَيْعًا لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيَسْتَحِقُّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَمَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ إلَّا وَيُقَابِلُهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الشِّرَاءُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لَمَّا رَأَى فِيهِ الْخُسْرَانَ أَلْحَقَهُ بِالْآمِرِ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِأَنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ا هـ فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ إلَخْ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً نَسَبَهَا إلَيْهِ ) نَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ أَنَّ تَقْيِيدَ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْجَمَدِ وَالْفَحْمِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ الْإِطْلَاقُ يَعْنِي لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانِ الْأُضْحِيَّةِ وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَسَائِلُ مَمْنُوعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ يَتَقَيَّدُ فَنَقُولُ إنَّمَا يُقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْغَرَضِ لَا بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ شِرَاءِ الْفَحْمِ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَرْدِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشِّتَاءِ ، وَالْغَرَضُ مِنْ شِرَاءِ الْجَمَدِ دَفْعُ ضَرَرِ الْحَرِّ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالصَّيْفِ حَتَّى لَوْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ بِأَنْ
وُجِدَ التَّوْكِيلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ تَرَبُّصَ الْفَحْمِ كَالْحَدَّادِينَ وَغَيْرِهِمْ أَوْ تَرَبُّصَ الْجَمَدِ كَالْفَقَّاعِينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يَتَقَيَّدُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ تُقَيَّدُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ بِالْغَرَضِ لَا بِالْعَادَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ خُرُوجُهُ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي أَيَّامِ تِلْكَ السَّنَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْمَسَائِلُ ) أَرَادَ بِهَا مَسَائِلَ شِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَالْأُضْحِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُقَايَضَةُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَخْ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا وَثَمَنًا وَيَفْتَرِقُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ الَّتِي تَصْحَبُ الْأَثْمَانَ فَعَلَى أَيِّهِمَا دَخَلَ الْبَاءُ يُجْعَلُ ذَلِكَ ثَمَنًا وَالْآخَرُ مَبِيعًا ، فَإِذَا كَانَ بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَنَاوَلَهُ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسِ فِيهَا وَهُوَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ) أَيْ تَقَيَّدَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ شِرَاؤُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْبَيْعِ يُلَاقِي مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِي الشِّرَاءِ مِلْكُ غَيْرِهِ وَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ فَاعْتُبِرَ إطْلَاقُهُ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ وَبِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْإِطْلَاقِ فِي الشِّرَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ لَاشْتَرَاهُ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَبِزِيَادَةٍ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ إطْلَاقِ الْآمِرِ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ بِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ الْمَوْصُوفُ مِنْهُ ثَمَنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا ثُمَّ قَدَّرَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ هُنَا بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَاحِشٌ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَيُعْذَرُ فِيمَا يَشْتَبِهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا لَا يَشْتَبِهُ لِفُحْشِهِ وَلِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً إلَّا عَمْدًا وَقِيلَ حَدُّ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَفِي
الْحَيَوَانِ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعَقَارِ خُمُسُ الْقِيمَةِ وَفِي الدَّرَاهِمِ رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ يَحْصُلُ لِقِلَّةِ الْمُمَارَسَةِ فِي التَّصَرُّفِ فَكُلَّمَا كَانَتْ الْمُمَارَسَةُ فِيهِ أَقَلَّ كَانَ الْغَبْنُ فِيهِ أَكْثَرَ فَيُعْفَى عَنْ التَّفَاوُتِ بِحَسَبِ الْمُمَارَسَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مَعْفُوًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَقِيلَ لَا يَتَحَمَّلُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ أَيْضًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ سِعْرُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَوْزِ وَالْجُبْنِ لَا يُعْفَى فِيهِ الْغَبْنُ ، وَإِنْ قَلَّ ، وَلَوْ كَانَ فَلْسًا وَاحِدًا
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ جَعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مَعْفُوًّا ) وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمَجْمَعِ فَقَالَ : وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ الْعَقْدُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا كَنِصْفِ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ فِي الْعُرُوضِ وَدِرْهَمٍ فِي الْحَيَوَانِ وَدِرْهَمَيْنِ فِي الْعَقَارِ قَالَ شَارِحُهُ هَذَا بَيَانٌ لِلْغَبْنِ الْيَسِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ دَهٍ نُيَمّ وَفِي الْحَيَوَانِ دَهٍ يازده وَفِي الْعَقَارِ دَهٍ دوايزده لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَوَّلِ وَيَقِلُّ فِي الْأَخِيرِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْأَوْسَطِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ بِشَيْءٍ هَذَا كُلُّهُ إلَخْ ) أَيْ جَوَازُ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا ا هـ وَقَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ وَبِهِ يُفْتِي ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ صَحَّ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُ فَبِنِصْفِهِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَادٍ أَوْ هُوَ عَيْبٌ وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا ؛ لِأَنَّ بَيْعَ النِّصْفِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ جُمْلَةً فَيَحْتَاجُ إلَى التَّفْرِيقِ فَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْبَاقِي بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ وَلَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ قُلْنَا : ضَرَرُ الشَّرِكَةِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ بَيْعِ الْكُلِّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ ) أَيْ أَوْ جُزْءًا مَعْلُومًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَيَجُوزُ مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا ) سَوَاءٌ بَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَبِعْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا ) أَيْ فَهُمَا جَعَلَاهُ كَالشِّرَاءِ وَهُوَ فَرْقُ بَيْنَهُمَا ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الْعُمُومَ وَالْإِطْلَاقَ فِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ، وَأَمَّا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَيَعْتَبِرُ الْمُتَعَارَفَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا سَوَاءٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ مَا لَمْ يَشْتَرِ الْبَاقِيَ ) أَيْ فِي الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَى نِصْفَهُ يَتَوَقَّفُ شِرَاؤُهُ ، فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَكِيلَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الْإِمْسَاكِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شِرَاءِ كُلِّهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا فَشِقْصًا حَتَّى يَشْتَرِيَ الْكُلَّ ، فَإِذَا اشْتَرَى الْكُلَّ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الشِّرَاءَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ حَتَّى رَدَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ التُّهْمَةُ دُونَ الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يُصَادِفُ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إطْلَاقُهُ وَالْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى شِرَاءِ الْبَاقِي وَلَا يُقَالُ : إنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَبِكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فَيَتَوَقَّفُ كَشِرَاءِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا لِغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَا هُنَا شِرَاءُ النِّصْفِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ لِعَدَمِ النَّفَاذِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ أَمْرَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْآمِرَ وَإِلَّا لَزِمَ الْمَأْمُورَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ
بَيْنَ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمَأْمُورِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ يُتَوَهَّمُ رَفْعُهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فَقَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بَقِيَ مُخَالِفًا ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْآمِرُ لَمْ يَنْفُذْ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : إنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ صَرِيحًا نَفَذَ عَلَيْهِ ، وَالْإِعْتَاقُ إجَازَةٌ مِنْهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَنَاوَلَتْ مَحِلًّا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَتِهِ فَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قُلْت فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ وَالثَّلَاثَةُ ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ إلَّا فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَإِنْ ابْتَاعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَزِمَ الْآمِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ وَلَوْ اخْتَصَمَ الْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ الْبَاقِيَ وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْوَكِيلَ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا مَضَرَّةٌ وَيَكُونُ التَّشْقِيصُ فِيهِ عَيْبًا كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءٍ لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ وَلَا يَكُونُ التَّبْعِيضُ فِيهِ عَيْبًا فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَزِمَ الْآمِرَ نَحْوُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ كُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى نِصْفَ الْكُرِّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَزِمَ الْآمِرَ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا لَزِمَ الْآمِرَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعَدَدِيِّ فَاشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهَا لَزِمَ الْآمِرَ ا هـ قَوْلَهُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْآمِرُ فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ نَفَذَ عِتْقُهُ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا فَاشْتَرَى نِصْفَهُ جَازَ عِتْقُ الْآمِرِ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْوَكِيلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ عِتْقُ الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ رَدَّهُ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَا بِإِقْرَارٍ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرٌّ فِي النُّكُولِ لِعَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْمَبِيعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِقْرَارِ وَلَا إلَى الْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَادِثًا كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ أَوْ يَكُونَ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ يَحْدُثُ فِي مِثْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَادِثٍ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ وَكَذَا إذَا كَانَ حَادِثًا لَكِنَّهُ لَا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ رَدَّهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ وَلَا إقْرَارٍ لِعِلْمِهِ بِكَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الْقَاضِي بِأَنْ لَا يَعْرِفَ تَارِيخَ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ لِيَظْهَرَ التَّارِيخُ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ أَوْ النِّسَاءُ وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِلرَّدِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْبَيْعَ وَكَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ ، وَكَذَا النُّكُولُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا رَدُّ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ
فِي هَذَا النَّوْعِ بِإِقْرَارٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَلَا يَتَعَدَّى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ ، وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِرِضَاهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ حَصَلَ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُكْرَهًا فَانْعَدَمَ التَّرَاضِي وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ فَجُعِلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَكِنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ قَاصِرٍ وَهُوَ الْإِقْرَارُ فَعَمِلْنَا بِهِمَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ قَاصِرٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ حُجَّةً عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ غَيْرَ حَادِثٍ أَوْ كَانَ حَادِثًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَرَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَزِمَ الْوَكِيلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهُ يَكُونُ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ إذْ لَا يُكَلِّفُهُ الْقَاضِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ فَكَانَ الْحَقُّ مُتَعَيِّنًا فِي الرَّدِّ قُلْنَا : الرَّدُّ بِالتَّرَاضِي بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْمُوَكِّلُ ثَالِثُهُمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ بَلْ يَثْبُتُ حَقُّهُ أَوَّلًا فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إذَا عَجَزَ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّدِّ ثُمَّ إذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ أَوْ بِزِيَادَةِ حُدُوثٍ فِيهِ يَنْتَقِلُ إلَى الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ فَلَمْ
يَكُنْ الرَّدُّ مُتَعَيِّنًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نُزُولًا مِنْ اللُّزُومِ إلَى أَنْ لَا يُخَاصِمَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ( قَوْلُهُ : وَتَأْوِيلُ اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْبَيِّنَةَ أَوْ الْإِبَاءَ أَوْ الْإِقْرَارَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَاضِي بِأَنَّ الْعَيْبَ قَدِيمٌ أَمْ لَا أَوْ يَعْلَمُ الْقَاضِي يَقِينًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَيْبِ لَا يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ مَثَلًا وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَارِيخَ الْبَيْعِ مَتَى كَانَ فَيَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحُجَجِ عَلَى أَنَّ تَارِيخَ الْبَيْعِ مُنْذُ شَهْرٍ حَتَّى يَظْهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَاعَ نَسِيئَةً فَقَالَ أَمَرْتُك بِنَقْدٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَطْلَقْت فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ بَاعَ نَسِيئَةً فَقَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِنَقْدٍ وَقَالَ الْوَكِيلُ أَمَرْتَنِي بِبَيْعِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى التَّقْيِيدِ حَتَّى لَا تَصِحَّ بِدُونِ بَيَانِ النَّوْعِ بَعْدَ الْجِنْسِ أَوْ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك أَنْ تَشْتَرِيَ لِي دَابَّةً لَا يَصِحُّ ، وَلَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك فِي مَالِي لَيْسَ لَهُ إلَّا الْحِفْظُ ، فَإِذَا كَانَتْ مَبْنَاهَا عَلَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَمَا إذَا أَنْكَرَ الْآمِرُ أَصْلًاقَوْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ ) لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّةِ تَحْقِيقِهِ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَقَعُ مُطْلَقًا وَقَدْ يَقَعُ مُقَيَّدًا وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْخُصُوصَ وَالْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْمُضَارَبَةِ لِلْمُضَارِبِ ) أَيْ بَاعَ الْمُضَارِبُ نَسِيئَةً فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَهُ بِنَقْدٍ وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَطْلَقْتَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْإِطْلَاقُ وَالْعُمُومُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ مِنْ شِرَاءٍ وَبَيْعٍ وَإِبْضَاعٍ وَتَوْكِيلٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَإِيدَاعٍ بِذِكْرِ لَفْظَةِ الْمُضَارَبَةِ بِهِ فَقَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَمَنْ ادَّعَاهُ فِيهَا كَانَ مُدَّعِيًا لَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِسُقُوطِ الْإِطْلَاقِ بِاتِّفَاقِهِمَا فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا شَائِبَةُ الشَّرِكَةِ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ يَقْتَضِيهِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ عِنْدَهُمَا وَإِلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ التُّجَّارِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَطْلَقْتَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ) وَفِي قَوْلِ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعُلَمَاؤُنَا اسْتَحْسَنُوا فِي الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِنَاؤُهَا عَلَى الْعُمُومِ وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ رَبُّ الْمَالِ ادَّعَى زِيَادَةَ شَرْطٍ وَالْمُضَارِبُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا شَائِبَةُ الشَّرِكَةِ ) يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَلَكِنْ تَصِيرُ شَرِكَةً فِي الْآخِرِ إذَا رَبِحَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَخَذَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ أَوْ كَفِيلًا فَتَوَى عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ كَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ثُمَّ الثَّمَنُ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَا الرَّهْنُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الرَّهْنِ وَلَا الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ نِيَابَةً عَنْ الْآمِرِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ وَيَمْلِكُ الْآمِرُ مَنْعَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَلَوْلَا أَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ لَكَانَ مِثْلَهُ وَفِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هُنَا الْحَوَالَةُ ؛ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ وَقِيلَ الْكَفَالَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا ، فَإِنَّ التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَاتَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُفْلِسَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَوَى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا لَمْ يَتْوَ دَيْنُهُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالتَّوَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَتَوَى بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوَى فِيهَا بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ ، وَإِنَّمَا يَتْوَى بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّوَى تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمَ بِهِ ثُمَّ يَمُوتَ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ أَخَذَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ قَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ عَبْدًا فَبَاعَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ وَأَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْوَكِيلِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْكَفَالَةِ فِي الرَّهْنِ ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا فَقَالَ : بِعْهُ وَارْتَهِنْ لِي بِهِ رَهْنًا فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا فَعَلَهُ نَائِبُهُ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَخْذَ الرَّهْنِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ ضَمَانٍ وَيَصِيرُ مُسْتَبْدِلًا مُسْتَوْفِيًا فِي الْعَاقِبَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ عِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ وَلَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَكَّدٍ بِالرَّهْنِ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَيْرِ
مُؤَكَّدٍ يَصِيرُ مُخَالِفًا وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ بِثَمَنٍ ثِقَةٍ فَارْتَهِنْ رَهْنًا أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ التَّوَثُّقُ بِهِ لِأَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِلدَّيْنِ أَوْ مُقَارِبٌ لَهُ فَصَلَحَ وَثِيقَةً لَهُ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ مَا يُفْضِي إلَى الْحَقِيقَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ تَوْثِيقَ الْكَثِيرِ بِحَبْسِ الْقَلِيلِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآمِرِ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّوَثُّقِ مَرْجِعُهُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ بِالرَّدِّ مُبْطِلًا لَهُ فَيَضْمَنُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَتْوَى عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْوَافِي أَوْ أَخَذَ بِثَمَنِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ ا هـ قَوْلُهُ : الْمُرَادُ بِالتَّوَى إلَخْ ) أَخَذَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا مِنْ الْكَافِي فَقَدْ قَالَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَتْوَى الْمَالَ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَفِي اخْتِيَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فِيهِ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ كَالْخُصُومَةِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ دُونَ صَاحِبِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَالْوَكَالَةُ حُكْمُهَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ فَإِذَا أُفْرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَإِذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ بِلَا بَدَلٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا
إلَى الرَّأْيِ وَالْخُصُومَةِ ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ لَكِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِي التَّكَلُّمِ فِي مَجْلِسٍ الْقَاضِي مُتَعَذِّرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّلْبِيسِ عَلَى الْقَاضِي وَإِلَى الشَّغَبِ ، وَالرَّأْيُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ سَابِقًا عَلَى الْخُصُومَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِسَمَاعِهِ الْخُصُومَةَ وَهُوَ سَاكِتٌ فَائِدَةٌ ، وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْعِتْقُ بِلَا بَدَلٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ إلَّا إذَا قَالَ : طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِأَيْدِيهِمَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَفْوِيضًا فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا أَوْ يَكُونُ تَعْلِيقًا فَيُشْتَرَطُ فِعْلُهُمَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَيْئَيْنِ لَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَحْدَهُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ أَحَدِهِمَا ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا طَلْقَةً وَالْآخَرُ طَلْقَتَيْنِ لَا يَقَعُ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ فَرَدُّ أَحَدِهِمَا كَرَدِّهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِاسْتِرْدَادِهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ بِدُونِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهِ مُمْكِنٌ وَلِلْمُوَكِّلِ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ وَاحِدٍ ، فَإِذَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ إذْ أَمْرُهُ تَنَاوَلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لَا مُتَفَرِّقَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِثْلُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَاقْتِضَاؤُهُ مِثْلُ اسْتِرْدَادِ الْوَدِيعَةِ
( قَوْلُهُ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُكُمَا بِبَيْعِ عَبْدِي وَخُلْعِ امْرَأَتِي أَمَّا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَلَّطٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ بِانْفِرَادِهِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ بِالْمُبَادَلَةِ إذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِالْمُبَادَلَةِ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَنْفُذُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَكِيلُ الْآخَرُ أَوْ الْمُوَكِّلُ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ وَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَمَشُورَتِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى وَالْوَكِيلُ الْآخَرُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ لَا يَتَوَقَّفُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْوَكِيلِ وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالتَّزْوِيجِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَالٍ إذَا فَعَلَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْوَكِيلُ الْآخَرُ وَأَمَّا الْوَكِيلَانِ بِالْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَالْوَكِيلَانِ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَعْتِقَ وَيُطَلِّقَ وَكَذَا الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَهَى إلَى قَبْضِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا اثْنَانِ بِالِاجْتِمَاعِ وَالْقَبْضِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ بِتَسْلِيمِ مَا وَهَبَ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا
صَحَّتْ الْهِبَةُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَسَلَّمَ الْمَالَ إلَيْهِمَا فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا جَازَ وَأَمَّا الْوَصِيَّانِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالْوَكِلَيْنِ بِالْبَيْعِ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْرُوفَةٍ فَذَكَرَهَا فِي الْوَصَايَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَطَلَاقٍ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : الْأَوَّلُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِالطَّلَاقِ وَالثَّانِي إذَا وَكَّلَهُمَا بِالْعَتَاقِ وَالثَّالِثُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ ، وَالرَّابِعُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَأَمَّا فِي الْخُصُومَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا الْمَعْنَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ صَاحِبِهِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ ) وَلَكِنَّهُمَا لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ الِانْفِرَادُ فِي الْخُصُومَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ وَرَأْيُ الِاثْنَيْنِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْوَاحِدِ فَرِضَاهُ بِرَأْيِهِمَا لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْهُودَ بَيْنَ النَّاسِ هُوَ الِانْفِرَادُ بِالتَّكَلُّمِ صِيَانَةً لِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّغَبِ وَتَحَرِّيًا لِلصَّوَابِ إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ عِنْدَ كَثْرَةِ اللَّغَطِ وَفِي الِاجْتِمَاعِ إخْلَالٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَلَمَّا وَكَّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا صَارَ رَاضِيًا بِخُصُومَةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ تَوْكِيلِهِمَا وَذَا بِأَنْ يَتَنَاوَبَا
الْأَمْرَ بِرَأْيِهِمَا ، وَإِنَّمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّكَلُّمِ ا هـ كَافِي قَوْلُهُ : وَطَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْعِتْقُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا أَوْ أَرَدْتُمَا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِمَا فَلَا يَنْزِلُ عِنْدَ مَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَمْرُ امْرَأَتِي بِأَيْدِيكُمَا فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّأْيَ إلَيْهِمَا لَا إلَى أَحَدِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَحْدَهُ ) حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِلَا رَأْيِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك ) أَيْ لَا يُوَكِّلُ الْوَكِيلُ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ يَقُولَ لَهُ : اعْمَلْ بِرَأْيِك ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فِي الْحُقُوقِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَلَا نَهْيُهُ عَنْهُ وَيَمْلِكُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِدُونِ رِضَاهُ ، فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهِ وَوَكَّلَ كَانَ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ ، وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ نَظِيرُ اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ ثُمَّ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَلَا بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِعَزْلِ الْخَلِيفَةِ لَهُمَا لَكِنْ لَا يَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَلِيفَةَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ هُوَ أَوْ وَلَّاهُ الْقَاضِي بِإِذْنِهِ وَالْمُوَكِّلُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِمَوْتِهِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ ) وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الرَّأْيِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيَمْلِكُهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ) أَيْ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ التَّوْكِيلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَيَمْلِكُ نَهْيَ الْوَكِيلِ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَوُكِّلَ كَانَ الثَّانِي وَكِيلًا ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ ، وَقَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِذَلِكَ جَازَ تَوْكِيلُهُ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لَا وَكِيلَ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ عُزِلَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلَانِ وَلَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ جَازَ عَزْلُهُ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِصُنْعِ الْأَوَّلِ وَعَزْلُ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ مِنْ صَنِيعِ الْأَوَّلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ وَكَّلَ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَاعَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ صَحَّ ) أَيْ إنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ أَوْ عَقَدَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ جَازَ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ حُضُورُ رَأْيِهِ ، وَقَدْ حَصَلَ بِهِ وَكَذَا لَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ حُضُورُ رَأْيِهِ قَدْ حَصَلَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِإِذْنِهِ ، وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي جَازَ عَقْدُهُ فِي غَيْبَتِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاسْتِعْمَالِ رَأْيِهِ فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ لَهُمَا الْبَدَلَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِدُونِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي نُقْصَانِهِ فِي الشِّرَاءِ وَفِي الزِّيَادَةِ فِي الْبَيْعِ وَفِي اخْتِيَارِ مَنْ يُعَامِلَانِهِ بَلْ هُوَ مَقْصُودُهُ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِمَا مَعَ تَقْدِيرِ الْبَدَلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ اسْتِعْمَالُ رَأْيِهِ فِي مُعْظَمِ الْأَمْرِ وَهُوَ تَقْدِيرُ الْبَدَلِ ، وَقَدْ حَصَلَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْوَكَالَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ عَادَةً وَهُوَ زِيَادَةُ الْبَدَلِ ، وَقَدْ حَصَلَ بِتَقْدِيرِ الْبَدَل وَمَا عَدَاهُ كَالْفَضْلَةِ فَلَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالتَّوْكِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ وَكَذَا ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَالْعُيُونِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَالْعَقْدُ هُوَ السَّبَبُ لِلُّزُومِ ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ
الْمُبَاشِرِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَقَدَهُ وَالْأَوَّلُ غَائِبٌ فَأَجَارَهُ أَوْ عَقَدَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَتِهِ وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا يَنْفُذُ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ عَلَّقَهُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ وَكَّلَ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بَاعَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ صَحَّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ فَأَمَرَ الْوَكِيلُ رَجُلًا بِبَيْعِهِ قَالَ : إنْ بَاعَهُ وَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَاضِرٌ جَازَ ذَلِكَ ، وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ رَجُلٌ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَسَلَّمَ الْبَيْعَ قَالَ جَائِزٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ لِمَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُ الَّذِي وَكَّلَهُ أَوْ يُجِيزَ أَمْرَهُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ بِنَاءَ الْوَكَالَةِ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولَ لَهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ : مَا صَنَعْتُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ مَا صَنَعَ وَلَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ ذَلِكَ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ بَاعَهُ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ جَازَ الْبَيْعُ وَصَارَ كَأَنَّ الْوَكِيلَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ وَلَوْ بَاعَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يُجِيزَهُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ الثَّانِي سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَبِغَيْرِ حَضْرَتِهِ ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ
عَقَدَ الْوَكِيلُ الثَّانِي إلَى قَوْلِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ إلَخْ ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ فَأَجَازَ صَحَّ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَتَيْ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا لَوْ كَانَ قَوْلُهُ جَازَ رَاجِعًا لِمَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَكَذَا لَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ إلَخْ فَائِدَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَتْنِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ وَكَالَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الثَّانِي أَوْ آجَرَ وَالْأَوَّلُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ جَازَ فَقَدْ شَرَطَ الْإِجَازَةَ مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِلْجَوَازِ ، وَإِنْ حَصَلَ الْبَيْعُ أَوْ الْإِجَارَةُ مِنْ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْقِيَامِ عَلَى الدَّارِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ مَا ذَكَرَ مُطْلَقًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَوْكِيلَ الْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَيَكُونُ الثَّانِي فُضُولِيًّا وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ حَضْرَةِ الْمُجِيزِ مَا لَمْ يُجِزْ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِجَازَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةٍ يَكْفِي حُضُورُ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَى هَذَا أَحَدِ وَكِيلَيْ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ إذَا أَمَرَ صَاحِبَهُ
فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ آجَرَ جَازَ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يُجِزْ الْآمِرُ الثَّانِي أَوْ الْمَالِكُ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي جَازَ عَقْدُهُ فِي غَيْبَتِهِ ) أَيْ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ ا هـ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الثَّمَنِ يَمْنَعُ النُّقْصَانَ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَرُبَّمَا يَزِيدُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا الثَّمَنِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُبَاشِرَ لِلْبَيْعِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُهْدَةِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ إلَخْ ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ ، فَإِنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ جَازَ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَقَدَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ الثَّانِي حَالَ غَيْبَةِ الْأَوَّلِ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ أَوْ بَاعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ جَازَ لِأَنَّهُ حَصَلَ رَأْيُهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ أَوْ بَاعَ لَهَا أَوْ اشْتَرَى لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إنْكَاحَ غَيْرِهِ وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْوِيضِهَا إلَى الْقَادِرِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى النَّظَرِ ، وَالرِّقُّ يُزِيلُ الْقُدْرَةَ وَالْكُفْرُ يَقْطَعُ الشَّفَقَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا مَصْلَحَةَ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ ، فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَمْوَالِهِمْ مَوْقُوفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَى النَّظَرِ وَالنَّظَرُ يَحْصُلُ بِاتِّفَاقِ الْمِلَّةِ ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهَا دَاعٍ إلَى النَّظَرِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي الْحَالِ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ ، فَإِذَا أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَقَرَّرَتْ جِهَةُ انْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ فَيَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ تَزَوُّجِهِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّوَقُّفِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ فَصَارَ نَظِيرَ إعْتَاقِ الصَّبِيِّ وَطَلَاقِهِ وَهِبَتِهِ حَيْثُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهَا فِي الْحَالِ وَنِكَاحُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْوَلِيُّ أَوْ الْقَاضِي فَيَتَوَقَّفُ ، فَإِذَا أَسْلَمَ نَفَذَتْ فَصَحَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا بَطَلَ وَبِخِلَافِ
تَصَرُّفَاتِهِ فِي مَالِهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَمِلْكُهُ قَائِمٌ ثَابِتٌ فِي أَمْوَالِهِ مَا دَامَ حَيًّا فَيَنْفُذُ بِلَا تَوَقُّفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
( بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشَّيْءِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِهِ ، وَإِتْمَامُهُمَا يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَمَا لَمْ يَقْبِضْ فَالْخُصُومَةُ قَائِمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ إنْكَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْمَطْلُ وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُرَافَعَةِ ثَانِيًا فَيَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ قَطْعًا لِمَادَّتِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُصُومَةِ الِاسْتِيفَاءُ إذْ هِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَالْوَكِيلُ بِالشَّيْءِ يَمْلِكُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَمَعْنَى التَّقَاضِي الطَّلَبُ فِي الْعُرْفِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهُوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْقَبْضُ ؛ لِأَنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ قَضَى يُقَالُ قَضَى دَيْنَهُ وَاقْتَضَيْت مِنْهُ دَيْنِي أَيْ أَخَذْت وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ فَكَانَ أَوْلَى إذْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةٌ فَصَارَ بِمَعْنَى الْخُصُومَةِ مَجَازًا فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهَا تَوْكِيلًا بِهَا تَوْكِيلًا بِإِتْمَامِهَا إذْ الْمُطَالَبَةُ لَا تَنْتَهِي إلَّا بِالْقَبْضِ وَلِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْخُصُومَةَ غَيْرُ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَهِيَ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَيَخْتَارُ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا مَنْ هُوَ أَلَدُّ النَّاسِ خُصُومَةً وَأَكْثَرُهُمْ كَذِبًا وَخِيَانَةً وَأَقَلُّهُمْ دِينًا وَحَيَاءً وَيَخْتَارُ فِي الْقَبْضِ مَنْ هُوَ أَوْفَى النَّاسِ أَمَانَةً وَأَكْثَرُهُمْ وَرَعًا فَمَنْ يَصْلُحُ لِلْخُصُومَةِ عَادَةً لَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهِ فَالتَّوْكِيلُ بِخُصُومَتِهِ لَا يَدُلُّنَا عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَكْسِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْقَبْضُ وَكَذَا الْمُطَالَبَةُ غَيْرُ الْقَبْضِ فَالْوَكِيلُ بِهَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِيَانَاتِ فِي الْوُكَلَاءِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ
بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِيهِمَا
( بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ ) لَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } حَتَّى تُرِكَتْ حَقِيقَتُهَا إلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ أَخَّرَ ذِكْرَ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ عَمَّا لَيْسَ بِمَهْجُورٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ قِبَلَ أَهْلِ بَلْدَةِ كَذَا فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَوْمَ التَّوْكِيلِ وَمَا يَحْدُثُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ قِبَلَ فُلَانٍ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَكُونُ مَوْجُودًا يَوْمَ التَّوْكِيلِ ا هـ خُلَاصَةَ الْفَتَاوَى قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ قَبْضَ الدَّيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ الْوَكِيلُ بِتَقَاضِي الدَّيْنَ لَهُ الْقَبْضُ اتِّفَاقًا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِعَلَامَةِ النُّونِ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي أَوْ بِالْخُصُومَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْخِيَانَةَ ظَهَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ خُصُوصًا فِي الْوُكَلَاءِ عَلَى بَابِ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ ) لِأَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ بَلْ يَفْهَمُونَ الْمَجَازَ فَصَارَ الْمَجَازُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِزُفَرَ أَنَّ الْخُصُومَةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ
قَوْلِهِ زُفَرُ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِدَايَتِهِ فِي الْخُصُومَةِ لَا بِأَمَانَتِهِ فِي الْقَبْضِ إذْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْبَضُ الدَّيْنُ بِمِلْكِ الْخُصُومَةِ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ وَكَذَا إذَا جَحَدَ الْغَرِيمُ فَأَقَامَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَكُونُ خَصْمًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِهَا إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ يَهْتَدِي إلَيْهَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْأَصْلِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ دَيْنٌ فَلَهُ قَبْضُهُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ غَلَّةِ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْحَادِثَ وَفِي سَرِقَةِ الْجَامِعِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ صَحَّ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ فَقَبَضَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَطْلُوبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَى الْمُوَكِّلَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَقَالَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنَّ الْخُصُومَةَ تَسْقُطُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْعَيْنَ لَا يَكُونُ خَصْمًا إجْمَاعًا وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ الْقَاضِي كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِ الْغَائِبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ عَبْدٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ مِنْ الَّذِي الْعَبْدُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ غَابَ الْمُوَكِّلُ فَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ فَقَالَ أَقِفْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ يَحْضُرُ الْغَائِبُ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى
رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا فَلَوْ بِرَهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ الْعَيْنَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ إلَّا فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْ الْعَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَكَذَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَعْتَقَهُ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهُمَا حَتَّى يُوقَفَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اسْتِحْسَانًا وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ التَّوْكِيلَ إذَا وَقَعَ بِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ وَقَعَ بِالْقَبْضِ لَا غَيْرُ وَيُمْكِنُ حُصُولُهُ بِلَا خُصُومَةٍ بِأَنْ لَا يَجْحَدَ ذُو الْيَدِ مِلْكَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ وَكِيلًا فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَدْخُلُ غَيْرُهُ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِالتَّمَلُّكِ كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحْصِيلُ إلَّا بِهَا وَالْخُصُومَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَكَانَ وَكِيلًا بِهَا ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ حَقِّهِ حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ وَمَعْنَى التَّمَلُّكِ سَاقِطٌ حُكْمًا حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِلَا قَضَاءٍ
وَلَا رِضًا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالتَّمَلُّكِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمُوَكِّلِ بَلْ هُوَ بَدَلُ حَقِّهِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلِاسْتِيفَاءِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ ، وَمَسْأَلَتُنَا أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ ، فَإِنَّهُ خَصْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ خَصْمٌ قَبْلَ الْأَخْذِ ، فَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ ، فَإِنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ فَلَيْسَ بِوَكِيلٍ بِالْمُبَادَلَةِ فَصَارَ رَسُولًا وَأَمِينًا مَحْضًا فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْحُقُوقُ بِالْقَابِضِ وَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ قِيَاسًا حَتَّى لَا يَجِبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ ، فَإِذَا حَضَرَ أُمِرَ الْخَصْمُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَعَلَى قَصْرِ الْيَدِ وَالْوَكِيلُ خَصْمٌ فِي حَقِّ الْيَدِ فَحَسْبُ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ فَتَقْصُرُ يَدُهُ عَنْهُ كَمَا إذَا أَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ قَصْرِ الْيَدِ
( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِنَقْلِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا لِقِصَرِ الْيَدِ اسْتِحْسَانًا وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوقَفَ الْأَمْرُ بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَطَلَتْ لِقِيَامِهَا عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي قَصْرِ الْيَدِ خَاصَّةً أَنَّ الْوَكِيلَ فِي نَفْسِ الْقَبْضِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَجُعِلَ خَصْمًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْقَبْضِ احْتِيَاطًا ، فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ تُعَادُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ وَالْقِيَاسَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ فَقَالَ : فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَكِيلًا بِالتَّمَلُّكِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ فِي قَبْضِ الْخَمْرِ كَمَا لَا يُوَكَّلُ فِي تَمَلُّكِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَمَلُّكٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَالْمُسْلِمُ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ حُكْمًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ لَكِنْ لَمَّا أَخَذَ الْمَقْبُوضَ كَانَ عَلَى الْقَابِضِ مِثْلُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا ( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ إلَخْ ) إشَارَةٌ إلَى مَطْلَعِ نُكْتَةِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي كَأَنْ وَكَّلَهُ بِتَمَلُّكِ مِثْلِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ مُبَادَلَةً وَالْمَأْمُورُ بِالْمُعَاوَضَةِ يَكُونُ أَصِيلًا فِي حُقُوقِ الْمُعَاوَضَةِ ا هـ قَارِئُ
الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلِاسْتِيفَاءِ ) يَعْنِي أَنَّ الدُّيُونَ ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا إلَّا أَنَّ الْمَقْبُوضَ جُعِلَ لَهُ حُكْمَ عَيْنِ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى اسْتِيفَاءِ عَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبْضِ وَكَذَا إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَالْقِسْمَةِ ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ الْمُقَاسَمَةَ فَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَخَذَ نَصِيبَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ خَصْمٌ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِرَدِّ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ الْعَيْبِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ رَضِيَ بِذَلِكَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَانَ خَصْمًا حَتَّى إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْوَاهِبَ أَخَذَ الْعِوَضَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْوَكِيلُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ ) إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ صَحَّتْ وَقُضِيَ بِذَلِكَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمَسْأَلَتُنَا أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ ) أَيْ مِنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَجِبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ ) بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْوَكِيلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ ) أَيْ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا ) أَيْ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ وَعِنْدَهُ يَصِحُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهَا ؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ وَالصُّلْحَ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ وَلَوْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْخُصُومَةِ مَهْجُورَةً لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا يَتَقَيَّدُ بِجَوَابٍ هُوَ خُصُومَةٌ عِنْدَهُمَا لِقَصْدِهِ الْإِنْكَارَ وَلِهَذَا يَخْتَارُ فِيهَا الْأَهْدَى فَالْأَهْدَى فِي الْخُصُومَةِ وَهَذَا هُوَ الْعُرْفُ وَالْوَكَالَةُ تَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا تَتَقَيَّدُ بِالتَّقْيِيدِ صَرِيحًا وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّ وِلَايَتَهُمَا أَوْفَرُ قُلْنَا التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ إذَا كَانَ خَصْمُهُ مُحِقًّا وَالْخُصُومَةُ يُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الْجَوَابِ عُرْفًا مَجَازًا ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ فَذِكْرُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ شَائِعٌ أَوْ لِخُرُوجِهِ بِمُقَابِلَتِهَا أَوْ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ تَكُونُ فِيهِ الْخُصُومَةُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ ، فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ مَجَازًا
فَيَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ ، وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهَا الْجَوَابُ مُطْلَقًا أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالْجَوَابِ فَيَقُولُ لَهُ أَجِبْ خَصْمَك وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْخُصُومَةِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَابِ لِيَصِحَّ تَوْكِيلُهُ قَطْعًا وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْكَارِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا بِالْإِنْكَارِ ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا لَا يَصِحُّ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ عَيْنًا ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ مُطْلَقَ الْجَوَابِ وَهُوَ بِنَعَمْ إنْ كَانَ خَصْمُهُ مُحِقًّا أَوْ بِلَا إنْ كَانَ مُبْطَلًا فَكَذَا لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِالْإِنْكَارِ عَيْنًا فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهِ فَسَادَهُ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ صِحَّتُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ أَوْلَى لِصِحَّتِهِ بِيَقِينٍ قَطْعًا بِلَا احْتِمَالِ الْفَسَادِ ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَوْكِيلًا بِالْإِنْكَارِ فَقَطْ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَيْنًا فَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا بِالْإِنْكَارِ فَيَمْلِكُهُ وَتَنْصِيصُهُ عَلَيْهِ يُرَجِّحُ تِلْكَ الْجِهَةَ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَابِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ فَصَحَّحَهُ مِنْ الطَّالِبِ دُونَ الْمَطْلُوبِ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ عَلَى مَا يَخْتَارُ وَالْمَطْلُوبُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِمَا فِيهِ إضْرَارٌ بِالطَّالِبِ وَلِأَنَّ الطَّالِبَ يَثْبُتُ حَقُّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ فِي حَقِّهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ
الْإِنْكَارِ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يُعَارِضُهُ الْمَجَازُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْحَقِيقَةِ ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بِإِقَامَتِهِ فَإِقْرَارُهُ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَا إقْرَارُ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَمُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَقَالَ تَعَالَى { قُلْ إصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ } وَلَيْسَ فِي إقْرَارِهِ خَيْرٌ لَهُمْ وَهُمَا يَقُولَانِ : إنَّ الْمُرَادَ بِالْخُصُومَةِ الْجَوَابُ مَجَازًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَوَابٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إقْرَارٌ وَالْجَوَابُ يَسْتَحِقُّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ مُخْتَصًّا بِهِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي غَيْرِهِ ، فَإِذَا أَقَرَّ فِيهِ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَكِنْ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّا بِمَالِ الصَّغِيرِ لِغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إنْكَارُهُ وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ بِالْإِقْرَارِ ، وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ جُعِلَ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا بِالِاجْتِهَادِ
فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي صَحَّ وَإِلَّا لَا ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِبُطْلَانِ الْحَقِّ أَوْ كَانَ وَكِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِلُزُومِ الْحَقِّ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الَّذِي وَكَّلَهُ قَدْ اسْتَوْفَاهُ قَالَ يُقْضَى عَلَى الَّذِي لَهُ الْمَالُ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ ، وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ إنْ لَمْ يَقْضِ عَلَى الَّذِي لَهُ الْمَالُ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إقْرَارُهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَهُوَ لَازِمٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ بِالْخُصُومَةِ فِي شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ خَصْمٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وَكَّلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى الَّذِي وَكَّلَهُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ غَيْرِهِ
وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ قَوْلُهُ : وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَخْ قَالَ الْكَاكِيُّ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَكِّلَ لِيَتَنَاوَلَ اسْمَ الْمُوَكِّلِ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ جَوَابَ الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوَكِّلُهُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ سِوَى أَنَّ مَعْنَى الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُوَكِّلِ فَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعِي هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَإِقْرَارُ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَى مُوَكِّلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ وَالْإِقْرَارِ مُسَالَمَةً وَمُسَاعَدَةً فَكَانَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْخُصُومَةِ تَضَادٌّ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مَا يُضَادُّهُ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ صُلْحُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مَعَ أَنَّ الصُّلْحَ أَقْرَبُ إلَى الْخُصُومَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُقِرَّ عَلَيَّ فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ لَفْظَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِقْرَارَ فَلَوْ تَنَاوَلَهُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ مُطْلَقًا ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ خِلَافِيَّةٌ لَيْسَ إيرَادُهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ فِيهِ ) أَيْ فِي الْإِقْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ : دُونَ أَحَدِهِمَا عَيْنًا ) أَيْ أَحَدَ الْجَوَابَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِخُرُوجِهِ بِمُقَابِلَتِهَا ) كَمَا سُمِّيَ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةً فِي قَوْله تَعَالَى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } لِخُرُوجِ الْجَزَاءِ فِي مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَيَصِحُّ إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُفِيدُ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ ) صَوَابُهُ الْإِقْرَارُ قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ ) وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ وَهُوَ حِفْظُ الْمَالِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ حِفْظًا بَلْ هُوَ إضَاعَةٌ ، فَإِذَا أُخِذَ الْمَالُ مِنْ الْغَرِيمِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا لِلتَّنَاقُضِ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا مَالًا لِلصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ فَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ
الْوِلَايَةِ وَالْوِصَايَةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلَ بِمَالٍ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَوَكَّلَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ صَحَّحْنَا هَذِهِ الْوَكَالَةَ صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ فَبَطَلَ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا ، وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِيهِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ حَتَّى لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَلَزِمَ الْعَبْدَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمِنَ الدَّيْنَ لِلْغُرَمَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا ، فَإِنْ قَبِلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدِينَ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ سَاعِيًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ قُلْنَا ذَلِكَ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَك ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَلَوْ قَبَضَهُ مِنْ الْمَدِينِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَهْلَكْ عَلَى الطَّالِبِ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ الْكَفَالَةُ وَتَصِحَّ الْوَكَالَةُ كَعَكْسِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ ثُمَّ ضَمِنَ الْوَكِيلُ الدَّيْنَ صَحَّ الضَّمَانُ وَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفَالَةُ أَقْوَى مِنْ الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا لَازِمَةً فَتَصْلُحُ نَاسِخَةً لَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِهِمَا
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قِيلَ الدَّائِنُ إذَا وَكَّلَ الْمَدِينُ إلَخْ ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ صَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُون أَنْ يُبْرِئَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّيْنِ صَحَّ ، وَإِذَا أَبْرَأ نَفْسَهُ بَرِئَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَإِذَا أَبْرَأ نَفْسه لَا يَبْرَأُ وَفِي حَوَالَةِ الْأَصْلِ الْمُحْتَالُ لَهُ إذَا وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِالْمَالِ كَفِيلٌ فَوَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ فَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رَسُولٌ وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِنَفْسِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ فِي يَدِ آخَرَ وَغَابَ فَأَقَامَ مَنْ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهُ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِالْخُصُومَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُوقَفَ الْأَمْرُ كَمَا لَا يُقْضَى بِالْبَيْعِ لِبُطْلَانِ الْبَيِّنَةِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ لِقِصَرِ يَدِهِ عَنْ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِصُورَةِ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِنَقْلِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعِتْقِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ وَغَابَ فَأَقَامَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ حَيْثُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالتَّمْلِيكِ ، وَالتَّمَلُّكِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ قَضَاءَ الدُّيُونِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْثَالِهَا لَا
بِأَعْيَانِهَا فَصَارَ خَصْمًا كَالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالْقِسْمَةِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ وَكِيلًا بِالتَّمْلِيكِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الدَّيْنِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يَقْبِضَهُ خَالِصُ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِوُجُوبِ دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَى الدَّيْنَ إلَى الطَّالِبِ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ وَثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَادَّعَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ رَبَّ الْمَالِ وَيَسْتَحْلِفَهُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ فَكَانَ الْحَلِفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ دُونَ النِّيَابَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ تَوْكِيلٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَمَا قَبَضَهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَهُ عَلَى الْغَرِيمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ رِسَالَةٌ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ بِالِاسْتِقْرَاضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْقَبْضِ إلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنْ يَقُولَ : إنَّ فُلَانًا وَكَّلَنِي بِقَبْضِ مَالَهُ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَا بُدَّ لِلرَّسُولِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُرْسِلِ بِأَنْ يَقُولَ أَرْسَلَنِي إلَيْك وَقَالَ لَك أَقْرِضْنِي فَصَحَّ مَا ادَّعَيْنَاهُ أَنَّ هَذَا رِسَالَةٌ مَعْنًى وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزَةٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ غَيْرُ مُخْلَصٍ عَلَى قَوْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَأَنْ لَوْ كَانَ رَسُولًا لَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَقَبْضُ الْوَكِيلِ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا حُجَّةً عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الدَّيْنَ ثَانِيًا إنْ لَمْ يَجْرِ اسْتِيفَاؤُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ لَوْ بَاقِيًا ) أَيْ رَجَعَ الْغَرِيمُ بِمَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَانْقَطَعَ حَقُّ الطَّالِبِ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِمَالُ فِيهِ حَيْثُ قَبَضَ دَيْنَهُ مِنْهُ ثَانِيًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ضَاعَ لَا ) أَيْ إنْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِإِقْرَارِهِ صَارَ مُحِقًّا فِي قَبْضِهِ الدَّيْنَ ، وَإِنَّمَا ظَلَمَهُ الطَّالِبُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثَانِيًا وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَلَهُ أَلْفٌ آخَرُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَاقْتَسَمَا الْأَلْفَ الْعَيْنَ نِصْفَيْنِ فَادَّعَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنَّ الْمَيِّتَ اسْتَوْفَى مِنْهُ الْأَلْفَ حَالَ حَيَاتِهِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَالْمُكَذِّبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَرْجِعُ بِهَا الْغَرِيمُ عَلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُكَذِّبَ ظَلَمَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَظَلَمَ هُوَ الْمُصَدِّقَ بِالرُّجُوعِ بِمَا أَخَذَهُ الْمُكَذِّبُ وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ زَعَمَ أَنَّهُ بَرِئَ عَنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ إلَّا أَنَّ الِابْنَ الْجَاحِدَ ظَلَمَهُ وَمَنْ ظُلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَمَا أَخَذَهُ الْجَاحِدُ دَيْنٌ عَلَى الْجَاحِدِ
وَدَيْنُ الْوَارِثِ لَا يُقْضَى مِنْ التَّرِكَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُصَدِّقَ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ، فَإِذَا كَذَّبَهُ الْآخَرُ وَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ لَمْ تَسْلَمْ لَهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ فَبَقِيَتْ خَمْسُمِائَةٍ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُصَدِّقِ فَيَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِرْثِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا إذَا ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ ) أَيْ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُوجِبٌ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ ضَمَّنَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ فَمَعْنَى التَّشْدِيدِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ وَصُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ أَنْ يَقُولَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ : نَعَمْ أَنْتَ وَكِيلُهُ لَكِنْ لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَكَالَةَ وَيَأْخُذَ مِنِّي ثَانِيًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِّي ظُلْمًا فَهَلْ أَنْتَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنِّي ثَانِيًا فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ فَيَكُونُ صَحِيحًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الطَّالِبُ ثَانِيًا غَصْبٌ ، وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الْوَكِيلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ وَالْأَمَانَاتُ لَا تَجُوزُ بِهَا الْكَفَالَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ إلَخْ ) أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ فِي الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ هَذَا تَسْلِيمٌ لَا يُبْرِئُهُ عَنْ الدَّيْنِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَصِيُّ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَارِثُهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إقْرَارَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِسِوَاهُ وَقُلْنَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ مَا يَقْبِضُهُ خَالِصُ مَالِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَمْرُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْوَكِيلِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَإِنْ قُلْت : يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا صَدَّقَهُ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَيْهِ قُلْت : إنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُودَعُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الْقَبْضِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يُجْبِرْهُ الْقَاضِي عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِحَقِّ الْقَبْضِ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ ) أَيْ صَدَّقَ الْغَائِبُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ الْوَكِيلَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا دَفَعَ الْغَرِيمُ إلَيْهِ الدَّيْنَ ثَانِيًا ) لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمَّا لَمْ
يُصَدِّقْهُ فِي دَعْوَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ فَأُمِرَ بِالدَّفْعِ ثَانِيًا إلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ هَذَا الْمَالَ بِأَمْرِك وَوَكَالَتِك لِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ وَالْغَرِيمُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمَا حُجَّةً ) أَيْ الْغَرِيمِ وَالْوَكِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْقَبْضِ وَلَكِنَّ الْمُوَكِّلَ يَظْلِمُهُ فِيمَا يُطَالِبُهُ ثَانِيًا فَلَمَّا كَانَ أَمِينًا كَانَ مُحِقًّا فِي الْقَبْضِ ثُمَّ لَمَّا أَخَذَ الْغَرِيمُ مِنْ الْوَكِيلِ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَظْلُومًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ ، وَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَكُونُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبِيلٌ لَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ ثُمَّ الْغَائِبُ إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالدَّفْعِ فَكَانَ لَهُ اتِّبَاعُ الذِّمَّةِ فَأَمَّا الْوَكِيلُ ، فَإِنَّمَا قَبَضَ مَالَ الدَّافِعِ فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ ) مَعْنَاهُ أَنْ يَضْمَنَ الْكَفِيلُ نَظِيرَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ عَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِهِ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ لِلْمَدْيُونِ الْمَالَ
الَّذِي يَأْخُذُهُ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَدْيُونِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِهَذَا الْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَقَدْ مَزَجَ بِأَكْبَرَ فِي شَرْحِهِ هَكَذَا ( إلَّا إذَا ضَمَّنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ ) بِأَنْ قَالَ الْوَكِيلُ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ ، فَإِنِّي ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ ) أَيْ يَضْمَنُ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَلَمْ يَرْضَ بِقَبْضِهِ إلَّا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ تَحْصِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ وَانْقَطَعَ الرَّجَاءُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُكَذِّبَهُ صَرِيحًا أَوْ يَسْكُتَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَزَعْمُهُ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ أَنَّهُ قَبْضٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَكَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصْدِيقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلطَّالِبِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَصَادَقَانِ ظَاهِرًا إلَّا عَلَى حَقٍّ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى فُضُولِيٍّ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ لَمْ يَمْلِكْ اسْتِرْدَادَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ، وَلَوْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْغَائِبِ وَلَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الطَّالِبَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ وَأَخَذَ مِنِّي الْمَالَ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حَقِّ الطَّالِبِ عَنْ الْمَدْفُوعِ وَهُوَ
قَبْضُهُ الْمَالَ بِنَفْسِهِ مِنْهُ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ فَتُنْتَقَضُ يَدُ الْوَكِيلِ ضَرُورَةً وَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ ضِمْنًا ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَقْصُودًا وَلَوْ ادَّعَى الْغَرِيمُ عَلَى الطَّالِبِ حِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَكَّلَ الْقَابِضَ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَلَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَمَا أَدَّى إلَى الطَّالِبِ بِنَفْسِهِ فَادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفْعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ حَلَّفَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ وَوَرِثَهُ غَرِيمُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَخَذَهُ مِنْهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا ضَمَّنَهُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الْوَكَالَةَ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ ، وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ لِلْوَكِيلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّحْلِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خَصْمٌ وَلَمْ يَثْبُتْ بِلَا حُجَّةٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُحَلَّفُ
أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ) الْغَرِيمُ ( عَلَى الْوَكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ) بِنَاءً ( عَلَى ادِّعَائِهِ ) فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ فَالْغَرِيمُ يَضْمَنُ الْوَكِيلَ إنْ ضَاعَ الْمَالُ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمَا وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ فَتَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي الْوَكَالَةِ ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ رَجَاءَ إجَازَةِ الْغَائِبِ ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ ا هـ مَا قَالَهُ بَاكِيرٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ ، فَإِنِّي ضَامِنٌ لِهَذَا الْمَالِ إنْ عُقِدَ الضَّمَانُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ إلَخْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَظِيرَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْغَرِيمُ مِنْ الْمَدْيُونِ كَمَا قَدَّمْنَا فَتَنَبَّهْ ( قَوْلُهُ : وَصُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ عَلَى مَعْنَى التَّخْفِيفِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَعْنَى التَّشْدِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَزَعْمُهُ ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْمُنْتَقَى لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مَا نَصُّهُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : حَالَةُ التَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ وَمَعَ عَدَمِهِ وَحَالَةُ التَّكْذِيبِ وَحَالَةُ السُّكُوتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ مِنْهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ
مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ الشُّفْعَةُ لِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي حَتَّى لَا يَلْزَمَ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الدَّيْنِ ، فَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ فِي يَدِهِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ وَكِيلٌ ، فَإِذَا أَخْلَفَ ذَلِكَ الظَّنَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ قَبْضَهُ وَقَعَ حَقًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ أَقُولُ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَحْوَالَ فِيمَا إذَا ضَاعَ الْمَقْبُوضُ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا يَضْمَنُ وَهِيَ مَا إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَضَمِنَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ لَا ضَمَانَ بِهَا وَهِيَ مَا إذَا صَدَّقَهُ وَلَمْ يَضْمَنْهُ وَالْكُلُّ مَفْهُومٌ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْكَنْزِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا الْأُولَى مِنْ أَحْوَالِ الضَّمَانِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ أَيْ مَعَ كَوْنِهِ صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْهَا فَدَاخِلَتَانِ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَهِيَ حَالَةُ عَدَمِ الضَّمَانِ فَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَاعَ لَا فَتَنَبَّهْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ قَالَ إنِّي وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَصَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِقَبْضِ مَالِ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَصَدَّقَهُ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَالِ نَفْسِهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا مَنَعَ قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ وَكِيلِ الْمُودَعِ فِي زَعْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْعِ مِنْ الْمُودِعِ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَكَذَا هَذَا ، وَلَوْ سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ الْوَكَالَةَ يَضْمَنُ الْمُودَعُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُودَعَ أَنَّهُ مَا وَكَّلَهُ ، فَإِذَا نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا حَلَفَ ضَمِنَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُودَعَ ظَالِمٌ فِي تَضْمِينِهِ إيَّاهُ وَهُوَ مَظْلُومٌ وَالْمَظْلُومُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ لَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ رَجَعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ بَعْدَمَا دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ وَأَنْكَرَ الْمُودَعُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِنْ كَانَتْ ضَاعَتْ فِي يَدِهِ أَيْ يَدِ الْوَكِيلِ فَهَلْ لِلْمُودِعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ الْمُودَعُ مَعَ التَّصْدِيقِ بِلَا تَضْمِينٍ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ مُحِقٌّ فِي الْأَخْذِ وَلَكِنَّ الْمُوَكِّلَ ظَلَمَ فِي الْأَخْذِ ثَانِيًا بِالتَّضْمِينِ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ بِالتَّصْدِيقِ وَشَرْطُ الضَّمَانِ احْتِيَاطًا مِنْ تَكْذِيبِ الْغَائِبِ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَجْلِ ضَمَانِهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ التَّكْذِيبِ ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْغَائِبَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالرَّابِعُ أَنْ يَدْفَعَ بِلَا تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْغَائِبَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْغَائِبِ ، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجَاءُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ ا هـ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهَا قَبْلَ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ ) أَيْ فِيهَا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ الْمُودَعُ مَعَ التَّصْدِيقِ بِلَا تَضْمِينٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ ) صَادِقٌ بِمَا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ مَعَ التَّكْذِيبِ وَبِمَا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ بِلَا تَصْدِيقٍ وَلَا تَكْذِيبٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ ضَمِنَهُ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ ا هـ ك
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَصَدَّقَهُ ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ الْوَدِيعَةِ وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُودِعَ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَصَدَّقَهُ دَفَعَ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِمَوْتِهِ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا وَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَصَدَّقَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْوَارِثِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ كَمَا يَدْفَعُ إلَى الْوَارِثِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ بَلْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْيَدِ خَصْمًا وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مَاتَ وَأَوْصَى إلَيْهِ وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَالُ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْمَالِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا عَلَى الْمُقِرِّ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ وَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ إذْ الْقَضَاءُ فِي خَالِصِ مَا لَهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَصَدَّقَهُ الْمَدِينُ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَّقَهُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ
وَجْهٍ وَدَعْوَى لِبَرَاءَةِ نَفْسِهِ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَيْهِ وَتَحَقَّقَ مَوْتُ صَاحِبِ الْمَالِ بَرِئَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِصِحَّةِ أَمْرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْوَارِثُ وَأَنْكَرَ وِصَايَتَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا لَهُ وِلَايَةُ إتْبَاعِ الْغَرِيمِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِوَكَالَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَبُّ الدَّيْنِ وَأَنْكَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي بِالدَّفْعِ لَمْ يَصِحَّ فِي حَيَاتِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّيْسِيرِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ دَفَعَ الْمَالَ ) أَيْ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَقَالَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ إنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ مِنِّي يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ إذَا لَمْ يُنْكِرْ الْوَكَالَةَ ، وَإِنَّمَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ وَفِي ضِمْنِ دَعْوَاهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُحِقًّا عِنْدَهُ فِي طَلَبِ الدَّيْنِ لَمَا اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْهُ الدَّيْنَ فَقَالَ أَوْفَيْتُك ، فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ ، فَإِذَا كَانَ إقْرَارًا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي زَعْمِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ صَرِيحًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ اسْتَوْفَى مِنْهُ لَمْ يَحْلِفْ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ ) أَيْ الْغَرِيمُ يَتْبَعُ رَبَّ الْمَالِ فَيَسْتَحْلِفُهُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَالطَّالِبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
قَوْلُهُ : وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَقَالَ زُفَرُ أُحَلِّفُهُ عَلَى عِلْمِهِ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يُدَّعَى قِبَلَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالْوَصِيِّ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَصِحَّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا جَازَ أَنْ تُسْمَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْخُصُومَةِ جَازَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ لِيَنْكُلَ فَيَثْبُتَ هَذَا الْمَعْنَى وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ سَقَطَتْ خُصُومَتُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَاتَّبَعَ رَبَّ الْمَالِ وَاسْتَحْلَفَهُ ) ، فَإِنْ حَلَفَ مَضَى الْأَدَاءُ ، وَإِنْ نَكَلَ يُتْبَعُ الْقَابِضُ فَيُسْتَرَدُّ مَا قَبَضَ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي أَمَةٍ وَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ وَكَّلَهُ بِرَدِّ جَارِيَةٍ بِسَبَبِ عَيْبٍ فِيهَا فَقَالَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَاكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَصِحُّ الْقَضَاءُ وَيَلْزَمُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْقَضَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ ، فَإِذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِيهِ أَمْكَنَ نَزْعُهُ مِنْهُ وَدَفْعُهُ إلَى الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ حَقَّ الطَّلَبِ فِي الدَّيْنِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِتَحَقُّقِ الْمُوجِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَكِيلِ اسْتِيفَاؤُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْغَرِيمُ مَا يُسْقِطُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْبُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ ثُبُوتُ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَأَى الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حَقِّهِ فِي الرَّدِّ أَصْلًا وَقَالُوا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ يُرَدُّ فِيهِمَا لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْخَطَأِ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا عِنْدَهُمَا فَأَمْكَنَ التَّدَارُكُ فِيهِمَا وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ مَا لَمْ يَسْتَحْلِفْ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا رَضِيتُ بِهَذَا الْعَيْبِ ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ الرِّضَا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي وَحَلِفِهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي ) قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ فَيُرَدُّ كَمَا فِي الدَّيْنِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْبَائِعُ عِلْمَهُ أَمَّا لَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَعِنْدَنَا لَا يَحْلِفُ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا تَأْخِيرٍ إلَى حُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَحَلَّفَهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بَلْ يُؤَخَّرُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ ) ، وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ، فَإِذَا سَقَطَ الْبَيْعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِأَجْلِ هَذَا يُؤَخَّرُ الرَّدُّ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ ) نَظَرًا لِلْغَرِيمِ وَالْبَائِعِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ لِلْغَرِيمِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ ا هـ قَوْلُهُ وَالْبَائِعُ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةً يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَتُرَدُّ الْعَشَرَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ النَّقْدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَصْحِبُ دَرَاهِمَ الْآمِرِ فِي كُلِّ مَكَان وَيُنْفِقُ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَشْتَرِيهِ لَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا تَحْقِيقًا لِغَرَضِ الْآمِرِ وَنَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ فَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَفِي دَفْعِ مَالٍ آخَرَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِوُجُودِ الطَّالِبِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَعَهُ مَالُ الْمُوَكِّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ هَذَا تَوْكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ أَيْ تَكُونُ الْعَشَرَةُ الَّتِي حَبَسَهَا عِنْدَهُ لَهُ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا وَلَا تُرَدُّ الْعَشَرَةُ الْمَحْبُوسَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ مَسْأَلَةَ الْإِنْفَاقِ بَلْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَلَيَّ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَ الْأَلْفَ عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الَّتِي حَبَسَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الَّتِي دَفَعَ وَلَكِنِّي أَدَّعِ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَره اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْوَكَالَةِ ، وَإِنْ كَانَتَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَعِنْدَنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِهَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فَإِذَا أَنْفَقَ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّل وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْأَمْرَ فَيُرَدُّ مَالُ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ لَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمَّا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ خَالَفَ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَأَنْفَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ تَصَدَّقَ عَنْ الْآمِرِ بِعَشَرَةٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ ضَامِنًا
لِلْعَشَرَةِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَائِمَةً فَأَمْسَكَهَا الْوَكِيلُ وَتَصَدَّقَ مِنْ عِنْدِهِ بِعَشَرَةٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ لَهُ بِعَشَرَتِهِ ، وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ دِينَارًا إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَ الْمَأْمُورُ دِينَارًا مِنْ عِنْدَ نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ دِينَارَ الْآمِرُ لِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ ثَوْبًا فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ جَازَ شِرَاؤُهُ لِلْآمِرِ وَيَكُونُ الدِّينَارُ لَهُ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دِينَارًا لِيَقْضِيَ غَرِيمًا لَهُ فَقَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ الدِّينَارَ لِنَفْسِهِ جَازَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَرُدُّ الْعَشَرَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ) أَيْ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ) ، وَإِذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ : ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَلْفَ الَّتِي احْتَبَسَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونَ مُتَطَوِّعًا فِيمَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَقَدْ بَطَلَتْ جِهَةُ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ ) فَكَانَ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ
الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا فِيمَا فَعَلَ كَالْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ إمَّا لِنَفْسِهِ أَوْ الْوَارِثِ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعْنَى الشِّرَاءِ فَوَرَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ ) أَمَّا الْإِنْفَاقُ شِرَاءٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَجْهَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بَلْ صَحَّ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا حَتَّى رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ا هـ غَايَةٌ
( بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهَا إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسٍ مِنْ الطَّالِبِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ عَزْلُهُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ اخْتِفَاءِ الْمَطْلُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا أَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ الطَّالِبِ أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذْ هُوَ لَمْ يَطْلُبْ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْعَزْلُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُبَاشِرَ الْخُصُومَةَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْخُصُومَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ الْوَكَالَةُ لَهُ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِأَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنْفَذِ ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِجَعْلِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَزْلَهُ وَتَوْكِيلَهُ مِنْ
غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا دَائِمًا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ وَكَالَةٌ تَنْفَعُ وَلَا عَزْلٌ يَمْنَعُ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي مَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ الْمُعَلَّقَةَ ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَةَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَرَادَ عَزْلَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْمُنَجَّزَةِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ
( بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ ) أَخَّرَ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ لِمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ ثُبُوتِهَا فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ ) أَيْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ ) أَيْ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ اسْتِنَابَةٌ ، فَإِذَا عَزَلَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَيَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ قَدْ أَخَذَهُ حَتَّى جَعَلَ لَهُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ : إنِّي أَخَافُ أَنْ تَغِيبَ فَوَكِّلْ وَكِيلًا إنْ غِبْت أُخَاصِمُهُ فَيُقْضَى لِي عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الطَّالِبِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا إلَّا بِعِلْمِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْإِمَام مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ وَيَكُونَ بِعَزْلِهِ إيَّاهُ خَارِجًا عَنْ وَكَالَتِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ عَدْلٍ وَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ عَزَلَ الرَّاهِنُ الْمُسَلَّطَ عَلَى الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُ الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى ثُمَّ عَزَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي فَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ ) أَيْ بِأَنْ وَكَّلَ الطَّالِبُ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ عَزْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَاتِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الرَّجُلِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ قَالَ نُصَيْرٌ تَجُوزُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا تَجُوزُ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا لِاخْتِلَافِ تَفْسِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا تَكُونَ لَازِمَةً وَيَرِدُ عَلَيْهَا الْعَزْلُ وَنُصَيْرٌ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ جَائِزًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إنَّمَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ ، وَإِنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ، فَإِنَّا نُبْطِلُهُ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إذَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ قَوْلِي مَتَى أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ ثُمَّ يَقُولُ أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ يُسْقِطُ حَقَّ نَفْسِهِ وَجَوَازَ الْوَكَالَةِ لِحَقِّهِ ، وَالْمَرْءُ يَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ مِثْلُ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَلَنَا أَنَّ الْعَزْلَ خِطَابٌ مُلْزِمٌ مَقْصُودٌ وَحُكْمُ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ كَخِطَابِ الشَّرْعِ حَتَّى إذَا بُدِّلَ بِالنَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّسْخِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ وَلِأَنَّ فِي انْعِزَالِهِ إضْرَارًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِذَلِكَ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِيهِ حُكْمِيٌّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْمَحِلِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ وَالرَّسُولُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى إذَا أَرْسَلَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَزَلَهُ قَبْلَ التَّبْلِيغِ انْعَزَلَ ؛ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ وَنَاقِلٌ لَهَا فَيَكُونُ عَزْلُهُ رُجُوعًا عَنْ الْإِيجَابِ وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْجَبَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ ، فَإِنَّهُ يَعْقِدُ بِعِبَارَةٍ مِنْ عِنْدِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَأَمْثَالِهِ وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّوْكِيلُ فِيهِ إيجَابًا ، وَإِنَّمَا الْإِيجَابُ مِنْ الْوَكِيلِ فَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْعِبَارَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ وَالرَّسُولُ لَيْسَ بِأَصِيلٍ فِي شَيْءٍ مَا فَافْتَرَقَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُبَلِّغِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا نُعِيدُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ
الْوَكِيلُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ ، وَلَوْ جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ لَمْ أُوَكِّلْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَزْلًا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ ) أَيْ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَتَنْصَرِفُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَمِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا عَقَدَ أَوْ سَلَّمَ يَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ ، فَإِنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ ) يَعْنِي الْعَزْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْوَكَالَةِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْعَزْلِ وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ فَقَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ الْمُوَكِّلُ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ قَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ وَعَلِمَ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ ا هـ قُلْت وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُوَكِّلُ ، فَإِذَا عَلِمَ انْعَزَلَ وَهُوَ حِينَئِذٍ نَظِيرُ مَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْوَكَالَةِ حَتَّى يَبْلُغَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ ا هـ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي رَدِّ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ
وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا وَلُحُوقُهُ مُرْتَدًّا ) يَعْنِي تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ لِقِيَامِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مَا يُشْتَرَطُ لِلِابْتِدَاءِ وَشُرِطَ فِي الْجُنُونِ أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَيْ مُسْتَوْعِبًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ السَّمَاءَ أَيْ اسْتَوْعَبَهَا ؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ كَالْمَوْتِ وَقَلِيلَهُ كَالْإِغْمَاءِ وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَوْلٌ كَامِلٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ حَتَّى الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ حَوْلًا مَعَ اخْتِلَافِ فُصُولِهِ آيَةُ اسْتِحْكَامِهِ أَمَّا مَا دُونَ الْحَوْلِ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْتِ ، وَالْمُرَادُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ ؛ لِأَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ثُمَّ جُنَّ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ أَمْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا التَّصَرُّفَ فَصَارَ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالنِّكَاحِ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ
بِنَفْسِهِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِهِ أَيْضًا ثُمَّ لَا تَعُودُ بِالْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَا تَبْطُلُ وَكَالَةُ الْمَرْأَةِ بِارْتِدَادِهَا مَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهَا وَكَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا بَعْدَ ارْتِدَادِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا ، وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا إلَّا إذَا وَكَّلَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا فَكَذَا لَا يُزَوِّجُهَا وَكِيلُهَا ، وَلَوْ وَكَّلَتْ وَكِيلًا فِي حَالِ رِدَّتِهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ صَحَّ كَالْمُعْتَدَّةِ إذَا وَكَّلَتْ وَكِيلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَتْهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا ؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَهَا إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَصَارَ مَعْزُولًا مِنْ جِهَتِهَا وَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ ، وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا بَعْدَ اللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلِهَذَا لَا يَعُودُ مِلْكُهُ فِي مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَيُعْتَقْنَ بِهِ كَمَا يُعْتَقْنَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّصَرُّفِ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ فَلَا مِلْكَ وَلَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَالْعَجْزُ بِعَارِضِ اللِّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالتَّوْكِيلُ إطْلَاقٌ ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا لِبَقَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي وَهُوَ الْعَقْلُ
وَالْقَصْدُ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ لَحِقَ الْمُوَكِّلَ وَحَقُّهُ بَاقٍ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ أَفَاقَ ، وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ وَلِحَاقِهِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَتَاتِ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْوَكِيلِ ، فَإِنَّ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ لِعَجْزِهِ ، وَقَدْ زَالَ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا كَانَتْ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا ) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ دَائِمٌ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْأَطِبَّاءِ الْحُمَّى الدَّمَوِيَّةَ اللَّازِمَةَ بِالْمُطْبِقَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الَّذِي أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَدَامَ مُتَّصِلًا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ الْحُمَّى الْمُطْبَقَةُ بِفَتْحِ الْبَاء وَهِيَ الدَّائِمَةُ ا هـ قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ ) أَيْ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ا هـ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ كَالْعَدْلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَنْعَزِلُ قِيَاسًا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ صَحَّ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ لَهُ إبْطَالُهُ ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُ الْمُوَكِّلِ زَمَانًا دَائِمًا فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ النِّيَابَةِ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ أَهْلِيَّةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَقَدْ بَطَلَتْ وَهَذَا فِي شَيْءٍ يَقْبَلُ الْعَزْلَ فَأَمَّا فِي شَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْدِيدِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْجَائِزِ لِأَنَّهُ يَتَلَاشَى
فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهُ أَهْلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَطَلَبَ خَصْمَهُ ثُمَّ جُنَّ الْمُوَكِّلُ أَوْ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَالرَّاهِنُ إذَا سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ جُنَّ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَتْلِ الْحِرَابُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا بِنْيَةٌ صَالِحَةٌ لِلْحِرَابِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ثُمَّ قَدَّرَ مُدَّةَ اللِّحَاقِ بِأَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ قَالَ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّا بَقَّيْنَاهَا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَوْدِ قَدْ بَطَلَ بِالْحَوْلِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا فَصَارَ كَالْجُنُونِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ، وَإِذَا اسْتَوْعَبَ السَّنَةَ تَبْطُلُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَخْ ) وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَبَطَلَ وَالْبَاطِلُ لَا يَعُودُ بِخِلَافِ أَمْلَاكِهِ ، فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ أَنْ تَعُودَ وَلِأَنَّ اللِّحَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْوَكَالَةَ ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا أَبْطَلَهَا كَالْجُنُونِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَدَمَ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ انْعَزَلَ بَلْ لِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ ثَوْبِي بِبَغْدَادَ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، فَإِذَا عَادَ جَازَ بَيْعُهُ
فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ ) بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَالْفَرْقُ إلَخْ ) كَمَا قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ عَادَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عَادَ فَعَادَ حُقُوقُهُ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَافْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَزِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَنْعَزِلُ بِالِافْتِرَاقِ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَرَّحًا بِهَا وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَكَيْفُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَزِلَ بِدُونِ عِلْمِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَبْطُلُ بِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ مُصَرَّحًا بِهَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ جَازَ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ هَذَا الْوَكِيلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ
( قَوْلُهُ : تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ ) يَعْنِي أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ ( قَوْلُهُ : فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ ) بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ ) وَلَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ الْوَكِيلُ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ وَغَيْرُ الْمَعْهُودِ خَارِجٌ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَهُمَا ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَجَزَ مُوَكِّلُهُ لَوْ مُكَاتَبًا وَحَجَرَهُ لَوْ مَأْذُونًا ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَائِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا تَلْزَمُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قِيَامُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْوَكِيلِ وَجَهْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ حُكْمِيٌّ كَمَا إذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ هَذَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِحَجْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ أَوْ الْحَجْرَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ فَيَخْرُجُ وَكِيلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَكَذَا لَا يُوجِبُ عَزْلَ وَكِيلِهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ كُوتِبَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَذِنَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ تُعَدَّ الْوَكَالَةُ الَّتِي بَطَلَتْ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُعَدَّ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَالْإِذْنِ الثَّانِي ، وَلَوْ عَزَلَ الْمَوْلَى وَكِيلَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا يَنْعَزِلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَجْرٌ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَامًّا فَكَانَ بَاطِلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ فِعْلُهُ الْحُكْمِيُّ فِيهِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ وَالْمُرَادُ بِتَصَرُّفِهِ مَا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الِامْتِثَالِ فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَهَذَا أَصْلُهُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا هُوَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِطَلَبِ الْوَكَالَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِامْتِثَالِ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتَحَقُّقِ عَجْزِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْإِيقَاعِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ ، وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِيقَاعِ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْوَكِيلِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْإِيقَاعِ ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُلَعِ ثُمَّ خَلَعَهَا الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ فَتَعَذَّرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا الزَّوْجُ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ الْوَكِيلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الزَّوْجِ يَقَعُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ وَكِيلُهُ أَيْضًا قَادِرًا عَلَى الْإِيقَاعِ فَتَبْقَى الْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا وَمَا لَا فَلَا ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ لِفَسَادِ بَيْعٍ فَالْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْقَدِيمَ قَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ إقَالَةٍ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْوَكِيلُ ثَالِثُهُمَا وَالْوَكَالَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثَانِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُوَكِّلَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِهِبَةِ شَيْءٍ فَوَهَبَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ عَدَمِ حَاجَةِ الْوَاهِبِ إلَى الْهِبَةِ ، وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَكِيلُ فَرَجَعَ الْمُوَكِّلُ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُشْبِهُ الْهِبَةُ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَا تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَعْدَمَا بَاعَ يَتَوَلَّى حُقُوقَ الْعَقْدِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَانِيًا بِحُكْمِهَا أَمَّا الْوَكَالَةُ بِالْهِبَةِ تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ ، فَإِذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَلَا هِبَةَ وَلَا وَكَالَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْهِبَةِ ثَانِيًا ، وَلَوْ
وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُمْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ ، وَقَدْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ ، فَإِذَا عَادَ عَادَتْ الْوَكَالَةُ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ أَمَتِهِ فَأَعْتَقَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَكَالَةٌ مُضَافَةٌ لِانْعِدَامِ الْمَحِلِّ وَقْتَ التَّوْكِيلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أُسِرَتْ وَأَسْلَمَتْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا تَنْصَرِفُ إلَى الْحُرَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا تَنْصَرِفُ عِنْدَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْأَمَةَ ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ ثُمَّ آجَرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً إلَخْ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَهَا زَوْجٌ فَوَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَلَمَّا طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ قُلْت فَقَدْ صَحَّ تَوْكِيلُهَا بِهِ مَعَ عَجْزِهَا عَنْهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ الْمَوْتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَانْصَرَفَ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إضَافَةِ التَّوْكِيلِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ مِمَّا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ ا هـ غَايَةٌ
( كِتَابُ الدَّعْوَى ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ ) أَيْ الدَّعْوَى أَنْ يَدْعُوَ الشَّيْءَ إلَى نَفْسِهِ فِي حَالَةِ الْخُصُومَةِ وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مُنَازِعٌ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُنَازَعَةٍ أَوْ مُسَالَمَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : ادَّعَى فُلَانٌ شَيْئًا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا قَالَ لِي وَمِنْهُ دَعْوَةُ النَّسَبِ بِالْكَسْرِ وَالدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَأْدُبَةِ وَقِيلَ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْمُدَّعِي يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَهُ حُجَّةٌ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُسَمِّيهِ مُدَّعِيًا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا يُسَمِّيهِ مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا وَلَا يُقَالُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ وَالدَّعْوَى اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَالْفِعْلُ ادَّعَى افْتَعَلَ وَالْمَصْدَرُ ادِّعَاءٌ افْتِعَالٌ وَأَلْفُ دَعْوَى لِلتَّأْنِيثِ فَلَا يُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُدَّعٍ وَالْمَفْعُولُ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَالُ مُدَّعَى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ ثُمَّ شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ لِإِيجَابٍ وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى شَيْئًا مَعْلُومًا لِيُمْكِنَ
إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَمَكَّنَ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ بِهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْجَوَابُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ ) أَيْ لَا يُتْرَكُ إذَا تَرَكَ بَلْ يُجْبَرُ هَذَا لِمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ فَمِنْهَا مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ حَدٌّ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمَحْدُودِ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ فِيهِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَصَاحِبِ الْيَدِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَشْتَمِلُ كَلَامُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَلَا يَصِيرُ خَصْمًا بِالتَّكَلُّمِ فِي النَّفْيِ ، فَإِنَّ الْخَارِجَ لَوْ قَالَ لِذِي الْيَدِ : هَذَا الشَّيْءُ لَيْسَ لَك لَا يَكُونُ خَصْمًا وَمُدَّعِيًا مَا لَمْ يَقُلْ هُوَ لِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَشْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى النَّفْيِ فَيُكْتَفَى بِهِ مِنْهُ ، فَإِنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَك كَانَ خَصْمًا بِهَذَا الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ هُوَ لِي فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَقِيلَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ هُوَ الْمُدَّعِي وَهَذَا
صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَحِدَّةِ ذَكَاءٍ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْكَلَامُ مِنْ شَخْصٍ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ إنْكَارٌ فِي الْمَعْنَى كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ ، فَإِنَّهُ مُدَّعٍ لِلرَّدِّ صُورَةً وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ مَعْنًى فَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ لِيَتَحَقَّقَ الْإِنْكَارُ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْمَدِينُ إذَا ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءَ الطَّالِبِ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي شَغْلَ ذِمَّتِهِ وَالْمَدِينُ الْبَرَاءَةَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ صَارَ الشَّغْلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَدِينُ بِدَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ صَارَ مُدَّعِيًا خِلَافَ الْأَصْلِ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي وَضْعِ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا كَمَا فِي الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَالْمُطَلَّقَةِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوْ بَقَاءَهَا