كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
وَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْآمِرِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْلِكُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالتَّصَادُقِ ) فِيهِ إشْكَالٌ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ ا هـ ( فَرْعٌ ) ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فُضُولِيٌّ بَاعَ عَبْدَ الْغَيْرِ مِنْ رَجُلٍ وَفُضُولِيٌّ آخَرُ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ آخَرَ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَيْنِ ا هـ فَلْيُرَاجَعْ عِنْدَ قَوْلِهِ دَارٌ فِي يَدِ آخَرَ ادَّعَى رَجُلٌ نِصْفَهَا وَآخَرُ كُلَّهَا ا هـ قَوْلُهُ وَلَغَا تَوْكِيلُ بَائِعِهِ ) أَيْ تَوْكِيلُ الْآمِرِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ تَوْكِيلُ رَبِّ الْعَبْدِ بَائِعَهُ أَيْ لَغَا أَنْ يُوَكِّلَ رَبُّ الْعَبْدِ بَائِعَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ الدَّارَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْبَائِعِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِدْخَالِ فِي الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ ) أَيْ عَرْصَةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ الدَّارَ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَنْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَكَانَ يَقُولُ : أَوَّلًا يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ غَصْبِ الْعَقَارِ هَلْ يَتَحَقَّقُ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ فَيَضْمَنُ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ تَفْسِيرُهُ إذَا غَصَبَ دَارًا فَانْهَدَمَتْ أَوْ أَرْضًا فَانْتَقَضَتْ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ فِي الْغَصْبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
( بَابُ السَّلَمِ ) وَهُوَ بِمَعْنَى السَّلَفِ لُغَةً فَإِنَّهُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهِ لِكَوْنِهِ مُعَجَّلًا عَلَى وَقْتِهِ فَإِنَّ أَوَانَ الْبَيْعِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ وَالسَّلَمُ يَكُونُ عَادَةً بِمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُعَجَّلًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ السَّلَمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَنْعَقِدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ } وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ السَّلَمَ الْمُؤَجَّلَ وَأَنْزَلَ فِيهِ أَطْوَلَ آيَةٍ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ } وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ مَوْجُودٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ أَوْ مَمْلُوكٍ غَيْرِ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ فَبَيْعُ الْمَعْدُومِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِمَا ذَكَرْنَا .
( بَابُ السَّلَمِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ لَا فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي أَحَدِهِمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ وَهُوَ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَقَدَّمَ السَّلَمَ عَلَى الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي السَّلَمِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي الصَّرْفِ قَبْضُهُمَا وَالتَّرَقِّي يَكُونُ أَبَدًا مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ : الْبَيْعُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : أَحَدُهَا بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَبَيْعِ السِّلَعِ بِأَنْوَاعِهَا نَحْوُ بَيْعِ الثَّوْبِ بِالثَّوْبِ وَغَيْرِهِ وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ نَحْوُ بَيْعِ السِّلَعِ بِالْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْعِهَا بِالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ دَيْنًا وَالثَّالِثُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَنِ الْمُطْلَقِ بِالثَّمَنِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَإِنَّهُ يُسَمَّى عَقْدَ الصَّرْفِ يُعْرَفُ فِي كِتَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالرَّابِعُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ فَإِنَّ السَّلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُوَ دَيْنٌ وَرَأْسُ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ عَيْنًا وَقَدْ يَكُونُ دَيْنًا ، وَلَكِنَّ قَبْضَهُ شُرِطَ قَبْلَ افْتِرَاقِ الْعَاقِدَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا فَيَصِيرُ عَيْنًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ : وَخُصَّ بِاسْمِ السَّلَمِ لِيَتَحَقَّقَ إيجَابُ التَّسْلِيمِ شَرْعًا فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَعْنِي تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ وَكَانَ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ الصَّرْفِ بِالسَّلَمِ أَلْيَقُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُودُ السَّلَمِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الظَّاهِرُ الْعَامُّ فِي النَّاسِ سَبَقَ الِاسْمُ لَهُ ا هـ وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ فِي السَّلَمِ هُوَ عَقْدٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الثَّمَنِ عَاجِلًا وَفِي الْمُثْمَنِ آجِلًا يُسَمَّى سَلَمًا وَإِسْلَامًا وَسَلَفًا وَإِسْلَافًا لِمَا فِيهِ مِنْ
تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْحَالِ وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا أَيْضًا مَعَ زِيَادَةِ شَرَائِطَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا لَمْ يَعْرِفْهَا أَهْلُ اللُّغَةِ فَعَنْ هَذَا عَرَفْت فَسَادَ مَا قِيلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ إذَا بِيعَتْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَوْ قِيلَ : بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ لَمْ يَرِدْ الِاعْتِرَاضُ وَرُكْنُ السَّلَمِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ قَالَ : أَسْلَفْت وَقَالَ الْآخَرُ : قَبِلْت وَيُسَمَّى صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ رَبَّ السَّلَمِ وَالْمُسْلِمَ أَيْضًا وَيُسَمَّى الْآخَرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ) وَالْمَعْنَى إذَا تَعَامَلْتُمْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَاكْتُبُوهُ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ مُسَمًّى لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَ الْبُخَارِيُّ وَالضَّبْطُ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَقَدْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا لَا فَلَا ) أَيْ مَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تَقْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمُثَمَّنِ ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُثَمَّنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَلَيْسَا بِمُثَمَّنٍ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الْمَبِيعِ وَلَوْ جَازَ فِيهِ لَانْعَكَسَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ سَلَمًا يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقَالَ الْأَعْمَشُ : يَكُونُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَقَوْلُ عِيسَى أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَصْحِيحِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا غَيْرَ الْأَثْمَانِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْأَثْمَانَ فِيهِمَا كَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقَدْرَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ
رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِيَصِيرَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لَا لِنَفْيِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَيْنُ الْوَاجِبِ حُكْمًا فِي بَابِ السَّلَمِ فَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُؤَدَّى عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ حُكْمًا فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا كَيْلًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا .( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمُثَمَّنِ ) الْمُثَمَّنُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ وَالْمَوْزُونُ فَقَطْ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ فَلَا تَكُونُ مُسْلَمًا فِيهَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ إلَخْ ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ اخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي أَدَخَلُ فِي الْفِقْهِ وَعِلَلِهِ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا ) أَيْ أَوْجَبَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْعَقْدَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَعَامُلِ النَّاسِ ا هـ قَاضِي خَانْ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَأَشْبَهَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ وَلِهَذَا تَسْتَوِي قِيمَتُهُمَا فَصَارَا بِذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ ؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ وَالتَّسَاوِي وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَيْلًا أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَصِحُّ كَيْلًا ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ لَيْسَ بِمَكِيلٍ فَلَا يَصِحُّ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَدَدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ بِسَبَبِ التَّفَاوُتِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَصَارَ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ يُعْرَفُ بِالْكَيْلِ تَارَةً وَبِالْعَدِّ أُخْرَى فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَلْسُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ : لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ مَا دَامَ يَرُوجُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَإِذَا كَسَدَ صَارَ قِطْعَةَ نُحَاسٍ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِهِ فَيَصِحُّ كَسَائِرِ الْمَعْدُودَاتِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اصْطِلَاحَ النَّاسِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَّاك بَيْنَ الْفُلُوسِ وَالنَّقْدَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : وَاللَّبِنُ وَالْآجُرُّ إنْ سُمِّيَ مُلَبَّنٌ مَعْلُومٌ ) ؛
لِأَنَّ آحَادَهُمَا لَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْآلَةِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَمَّا السَّلَمُ فِي الْبَاذِنْجَانِ عَدَدًا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الشَّمْسُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَأَلْحَقَهُ بِالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ هَذَا لَفْظُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ ) أَيْ فَلَا تَرَى جَوْزَةً بِفَلْسٍ وَجَوْزَةً بِفَلْسَيْنِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ فَإِنَّك تَرَى بِطِّيخَةً بِدِرْهَمٍ وَأُخْرَى بِفَلْسٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَأَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ وَتَفْسِيرُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْن يُوسُفَ مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ وَاتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَذَلِكَ كَالدُّرِّ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْأُدُمِ وَالْجُلُودِ وَالْخَشَبِ وَالرُّءُوس وَالْأَكَارِعِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ جِنْسِ الْجُلُودِ وَالْأُدُمِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَطُولًا مَعْلُومًا وَغِلَظًا مَعْلُومًا وَأَتَى بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ وَالْتَحَقَ بِالْمُتَقَارِبِ يَجُوزُ ا هـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ : وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ إلَّا فِي الثِّيَابِ خَاصَّةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : ثُمَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي بَيْضِ النَّعَامِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعَ وَالصِّفَةَ وَالصَّنْعَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَأَمَّا الذَّرِعِي فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْبَوَارِي وَنَحْوِهَا إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالصِّفَةَ وَالنَّوْعَ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُسْتَهْلِكُهَا الْمِثْلَ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ مَصْنُوعُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِذَا اتَّحَدَ الصَّانِعُ وَالْآلَةُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ تَفَاوُتٍ وَقَدْ يُتَحَمَّلُ قَلِيلُ التَّفَاوُتِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يُحْتَمَلُ فِي الِاسْتِهْلَاكَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَانَ مُتَحَمَّلًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا يَسِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعِ ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ ) أَيْ بِأَنَّهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى مُلْحَمًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّنْعَةُ ) أَيْ بِأَنَّهُ عَمَلُ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ أَوْ نَحْوِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ثَوْبَ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ : وَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْوَزْنِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ إذَا كَانَ يَبْقَى التَّفَاوُتُ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَيَّنَ الذُّرْعَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَزْنَ هَلْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَرِيرِ ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُشْتَرَطُ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سَائِرِ الثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَزْنُ مَعَ الذَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَا كَذَلِكَ الْكِرْبَاسُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا فِي الْحَيَوَانِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالسِّنَّ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا } وَلِأَنَّ بَعْدَ بَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْجَهَالَةُ تَقِلُّ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ } وَلِأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَتَتَفَاوَتُ قِيمَتُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالْكِيَاسَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْخَلْقِ وَالسِّيرَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالشِّدَّةِ قَالَ قَائِلُهُمْ أَلَا رُبَّ فَرْدٍ يَعْدِلُ الْأَلْفَ زَائِدًا وَأَلْفٍ تَرَاهُمْ لَا يُسَاوَوْنَ وَاحِدًا وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْخَلِفَاتِ وَالْجَوَاهِرِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ وَالتَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَعْجَلَ فِي الصَّدَقَةِ ، ثُمَّ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِهَا فَرَدَّهَا رُبَاعِيًّا أَوْ اسْتَقْرَضَ لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حَقٌّ مَجْهُولٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَجِبُ لَهُ حَقٌّ مَجْهُولٌ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ
أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّى الْعَصَافِيرِ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَطْرَافُهُ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ كَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَعَدَمِ الضَّابِطِ ، ثُمَّ قِيلَ : هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَمَا فِي اللَّحْمِ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ هُوَ اللَّحْمُ دُونَ الْعَظْمِ وَالْعَظْمُ فِي الرُّءُوسِ وَفِي الْأَكَارِعِ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلَّحْمِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا وَلَا يُدْرَى قَدْرُهُ فَيَصِيرُ قَدْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ اللَّحْمُ مَجْهُولًا وَأَمَّا الْعَظْمُ الَّذِي فِي اللَّحْمِ فَقَلِيلٌ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلَّحْمِ لِقِلَّتِهِ كَمَا فِي عَظْمِ الْأَلْيَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجُلُودُ عَدَدًا ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَكَذَا فِي الْوَرَقِ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فِيهِمَا ضَرْبًا مَعْلُومًا وَطُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً مَعْلُومَةً مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِإِمْكَانِ ضَبْطِهِمَا وَكَذَا إذَا كَانَا يُبَاعَانِ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْوَزْنِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا فِي الْحَيَوَانِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ السَّلَمَ بَاطِلٌ فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا ا هـ وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ : يَجُوزُ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ ) أَيْ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ يَحْدُثُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ بِلَا آلَةٍ وَلَا مِثَالَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَخْ ) فَإِنْ قُلْت : قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قُلْت : قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمَّا وَرَدَ أَصْلَانِ مُتَعَارِضَانِ وَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا : إنَّ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَمَا لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالتَّزْوِيجِ أَوْ الْخُلْعِ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ أَمَةٍ وَسَطٍ قِيَاسًا عَلَى إبِلِ الدِّيَةِ وَغُرَّةِ الْجَنِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا إلَخْ ) وَنُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ شَرْحِ الشَّافِي فَقَالَ : وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْقَتِّ وَزْنًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ ) ؛ لِأَنَّ آحَادَهَا مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بِالْوَزْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُبَاعُ بِالْوَزْنِ فَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ إلَخْ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوَاهِرُ وَاللَّآلِئُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ ؛ لِأَنَّك تَرَى بَيْنَ لُؤْلُؤَتَيْنِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الْمَالِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ فِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُنْقَطِعُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالُوا : وَمَا تَزْهُو ؟ قَالَ : تَحْمَرُّ وَقَالَ : إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَفِي لَفْظٍ { حَتَّى تَبْيَضَّ وَتَأْمَنَ مِنْ الْعَاهَةِ } وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ فِي الْحَالِ إذْ الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَائِزٌ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ بَيْعَ مَالٍ مُعَيَّنٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَالِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ } وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ بَعْدَ الْعَقْدِ يُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ بِمَوْتِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ وُجُودِهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى
التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ عَنْ كُلِّ خَطَرٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ فِي بَابِ السَّلَمِ كَالْوَاقِعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِيهَا لِيَتَمَكَّن مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْمَحِلِّ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّي الْمُسْلَمَ فِيهِ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ رَأْسَ مَالِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا : إنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ لَا إلَى خُلْفٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ شَيْئًا وَكَسَدَتْ حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ أَصْلًا وَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَوْ رَجَا لَا يُعْلَمُ مَتَى تَرُوجُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَانًا مَعْلُومًا فَيَتَخَيَّرُ .( قَوْلُهُ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ ) وَالْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرُ قَوْلِك حَلَّ الدَّيْنُ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالسَّمَكُ الطَّرِيُّ ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي الشِّتَاءِ لِانْجِمَادِ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ السَّمَكُ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ فِي حِينِهِ جَازَ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تَنْقَطِعُ كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَزْعِ عَظْمِهَا وَاخْتِلَافِ رَغَبَاتِهِمْ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ وَزْنًا لَوْ مَالِحًا ) أَيْ إنْ كَانَ السَّمَكُ مَالِحًا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا ؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَدِيدُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ وَبَيَانِ نَوْعِهِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصِّغَارِ مِنْهُ يَجُوزُ وَزْنًا وَكَيْلًا وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسَّمَكُ إلَخْ ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَالِحًا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَمْلُوحًا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي حِينِهِ وَالْأَجَلُ فِي حِينِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ عَيْنِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَاللَّحْمُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : يَجُوزُ إنْ بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَمَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةٍ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخِذِ مِائَةِ رِطْلٍ ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَيَصِحُّ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَهُوَ الْعَظْمُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَتَضَمُّنِ التَّمْرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ النَّوَى وَكَتَضَمُّنِ الْأَلْيَةِ الْعَظْمَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ مِنْ سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ فَمَا يُعَدُّ سَمِينًا فِي الشِّتَاءِ يُعَدُّ مَهْزُولًا فِي الصَّيْفِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَتَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ فَالْمُشْتَرِي يَأْمُرُهُ بِالنَّزْعِ وَالْبَائِعُ يَدُسُّهُ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْمُنَازَعَةِ لَا تَرْتَفِعُ بِبَيَانِ الْمَوْضِعِ وَذِكْرِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ النَّوَى فِي الثِّمَارِ أَوْ الْعَظْمِ فِي الْأَلْيَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ وَلِهَذَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ إحْدَاهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْجَامِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَلَئِنْ سُلِّمَ فِيهِمَا فَهُوَ مُعَايَنٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَالِاسْتِقْرَاضِ فَيُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَقِيلَ : لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ
فِيمَا إذَا أَطْلَقَ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَهُمَا لَا يُجَوِّزَانِهِ فِيهِ وَجَوَابُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْهُ مَعْلُومًا وَهُوَ يُجَوِّزُهُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ .
( قَوْلُهُ وَقَالَا : يَجُوزُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ : لَحْمُ شَاةٍ وَالسِّنَّ بِأَنْ قَالَ : ثَنِيٌّ وَالنَّوْعَ بِأَنْ قَالَ : ذَكَرٌ وَالصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ : سَمِينٌ وَالْمَوْضِعَ بِأَنْ قَالَ : مِنْ الْجَنْبِ وَالْقَدْرَ بِأَنْ قَالَ : عَشْرَةُ أَمْنَاءٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ ) يَعْنِي أَنَّ غَاصِبَ اللَّحْمِ إذَا أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ وَزْنًا ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ ) أَيْ لِقِلَّةِ لَحْمِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ ) أَيْ تَضَمُّنِ اللَّحْمِ شَيْئًا غَيْرُ مَقْصُودٍ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ شَيْءٍ يَرِدُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ فَتَثْبُتُ الْجَهَالَةُ وَهِيَ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ : وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ لِقِلَّةِ الْكَلَإِ وَكَثْرَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَيُفْضِي إلَى الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ : وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْهُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ ا هـ قَوْلُهُ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا إنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنَ الْمِثْلَ قُلْنَا : ذَاكَ مَمْنُوعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ أَلَا تَرَى مَا قَالَ فِي
الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ : وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ لَحْمًا فَشَوَاهُ ، ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَكَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ وَلَا تُوجَدُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : تَضْمِينُ اللَّحْمِ بِالْمِثْلِ قَوْلُهُمَا ، ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْت وَسَطَ غَصْبِ الْمُنْتَقَى رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اسْتَهْلَكَ لَحْمًا قَالَ : عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَنَمْنَعُ الِاسْتِقْرَاضَ وَزْنًا فَنَقُولُ ذَلِكَ مَذْهَبُهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ الْمِثْلُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي مِثْلِ الشَّيْءِ صُورَةٌ وَمَعْنًى فَيَكُونُ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً وَلَيْسَ اسْتِقْرَاضُ اللَّحْمِ كَالسَّلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يُعْلَمُ اللَّحْمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ يَكُونُ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ حَالٌّ مُعَايَنٌ فَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِكْيَالٌ أَوْ ذِرَاعٌ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيعَ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ يَجِبُ فِي الْحَالِ فَلَا يُتَوَهَّمُ فَوْتُهُ وَفِي السَّلَمِ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ فَيُخَافُ فَوْتُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَالتَّقْدِيرُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعَيُّنِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِ الْمُنْكَبِسِ أَوْ التَّجْوِيزُ فِي قِرَبِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ وَيُقَيَّدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قِرَبِ الْمَاءِ أَيْضًا .( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْت مِنْك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِمِلْءِ هَذَا الْإِنَاءِ بِدِرْهَمٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَسَعُ الْإِنَاءَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ بِمُجَازَفَةٍ وَلَا مُكَايَلَةٍ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى إحْدَاهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبُرُّ قَرْيَةٍ وَتَمْرُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَرِيهِمَا آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ { إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ } وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى إقْلِيمٍ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَيْنِهِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ مُعَيَّنَةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشرماني بِبُخَارَى والبساخي بِفَرْغَانَةَ ا هـ قَوْلُهُ لِبَيَانِ الصِّفَةِ يَعْنِي لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا أَيْ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ كالخشرماني بِبُخَارَى وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ مُسَمًّى بِذَلِكَ ثَمَّةَ والبساخي بِفَرْغَانَةَ وَهُوَ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ النِّسْبَةَ فِي الثَّوْبِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ زَنْدَنِيجِيٌّ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الزَّنْدَنِيجِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ سَوَاءٌ نُسِجَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى لَوْ كَانَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ كالخشرماني بِبُخَارَى فَإِنَّهُ يُذْكَرُ لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ فَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ وَإِنْ تَوَهَّمَ انْقِطَاعَ حِنْطَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشَرْطُهُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْأَجَلِ ) كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ جَيِّدَةٌ عَشْرَةُ أَكْرَارٍ إلَى شَهْرٍ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ } مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُهُ الْأَجَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ حَالًّا كَالْمُعَيَّنِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَجَلُ جَائِزًا تَرْفِيهًا لَا شَرْطًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ ظَاهِرًا وَذَلِكَ يَكْفِي لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ كَانَ قَادِرًا بِمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ بِهِ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَوَّلًا قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ غَيْرَ مَالِكٍ لِشَيْءٍ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْجِيلُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } فَشَرَطَ فِيهِ إعْلَامَ الْأَجَلِ كَمَا شَرَطَ إعْلَامَ الْقَدْرِ فَكَانَ لَازِمًا كَالْقَدْرِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ كَالصَّلَاةِ شُرِعَتْ بِوُضُوءٍ فَلَا تُوجَدُ بِدُونِهِ وَالرَّهْنُ شُرِعَ مَقْبُوضًا فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ قَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلْيَدْخُلْ غَاضَّ الْبَصَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَمَنْ قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَمَا رَوَاهُ
حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَخَّصُ هُوَ الْمُؤَجَّلُ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَمَا بِهِ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْأَجَلُ الَّذِي فِيهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ يَكُونُ شَرْطًا ضَرُورَةً وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ هُوَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعَ تَعْيِينِهِ كَالْآبِقِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَرَامٌ وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ رُخْصَةً لِأَجْلِ الْمَفَالِيسِ لِمَا رَوَيْنَا وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةُ لِعُذْرٍ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ وَالْعُذْرُ هُنَا هُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ لِعُسْرَتِهِ وَالْعَجْزُ بِسَبَبِ الْعَدَمِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالتَّمْلِيكِ وَالْإِمْهَالِ إلَى زَمَانِ التَّحْصِيلِ أَوْ الْحَصَادِ فَأَسْقَطَ التَّعْيِينَ لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ وَعَوَّضَ الْأَجَلَ لِتَقُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ مَقَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهَا مَعْقُودٌ بِهِ لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالثَّمَنِ حَتَّى جَازَ اسْتِبْدَالُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّعْيِينِ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ حَتَّى يُقَامَ الْأَجَلُ مَقَامَ التَّعْيِينِ وَلَا يَدْخُلُهُ رُخْصَةٌ ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِعَارِضٍ لِلْعُذْرِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى ظَاهِرًا وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ إذْ لَوْ أَرَادَ التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ لَمَا كَاتَبَهُ أَصْلًا إذْ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ لَهُ وَأَمَّا السَّلَمُ فَعَقْدُ تِجَارَةٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ
يُطَالِبُهُ بِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيُؤَخَّرُ بِالتَّأْجِيلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ فِيهِ يَجِبُ تَسْلِيمُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ التَّحْصِيلِ بِالْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ وَهَذَا يُنَافِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ لِأَجْلِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَمَا كَانَ شَرْعِيَّتُهُ إلَّا نَفْعًا لَهُمْ فَانْقَلَبَ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَالُ : لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ لَمَا جَازَ لِغَيْرِ الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الشَّيْءُ فِي السَّلَمِ لَا يُبَاعُ عَادَةً إلَّا بِأَقَلَّ وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا الْمُحْتَاجُ فَدَلَّنَا إقْدَامُهُ عَلَى هَذَا الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ فَأُقِيمَ ذَلِكَ مَقَامَ الْحَاجَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا مَقَامَ الْخُرُوجِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِمَا وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِمَا رَوَيْنَا وَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَقَلُّهُ شَهْرٌ ) أَيْ أَقَلُّ الْأَجَلِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدِينَ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ كَانَ الشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ فِي حُكْمِ الْآجِلِ وَقِيلَ : ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقِيلَ : أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمُؤَجَّلُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ بَيْنَهُمَا عَادَةً أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي التَّأْجِيلِ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَحَلَّ فِيهِ قَدْرَ
مَا يُؤَجِّلُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى .
قَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَجَلُ جَائِزًا إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا : أَسْلَمْتُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَدِلُّونَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَدِيثٍ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْوَجْهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ حَالٍ ) وَالْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ فَنَقُولُ ذَاكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَالضَّرُورَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَلَكِنْ لَا ضَرُورَةَ فِي سَلَمِ الْحَالِّ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَادِرًا انْتَفَتْ الضَّرُورَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا انْتَفَى الْغَرَضُ وَالْمَقْصُودُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) أَيْ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَمَّةَ بِالثَّلَاثِ بَيَانُ أَقْصَى الْمُدَّةِ فَأَمَّا أَدْنَاهُ فَغَيْرُ مُقَدَّرٍ ا هـ فَتْحٌ وَغَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسَلَّمِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ مُحَقَّقٌ فِيهِ وَكَذَا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ كُلُّ هَذَا تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ) أَيْ تَقْدِيرُ الْأَجَلِ بِشَهْرٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ ) أَيْ شَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا : لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُ قَدْرِهِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْعِوَضِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ احْتِرَازًا عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ بَعْدَ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الْقِيمَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْقِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ قَدْ تُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ ، ثُمَّ يَجِدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدَّهُ وَلَا يَتَّفِقُ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ لِيَبْقَى الْعَقْدُ بِحِسَابِهِ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِكَيْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِوَزْنٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ لِتَوَهُّمِ هَلَاكِهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْعَقْدِ بَعْدَمَا أَنْفَقَ رَأْسَ الْمَالِ فَيَفْسَخَانِهِ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَرُدُّ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ كُلِّ مَوْهُومٍ لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ { : إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ } بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا ؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ
قَبْلُ فَجَهَالَتُهُ لَا تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ فَلَا يَكُونُ مَعْلُومًا أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْبُرِّ فَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بِمَعْرِفَةِ بَعْضِهِ إذْ لَا يَعْلَمُ بِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُودِ هُنَا مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ .قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ ) احْتَرَزَ عَنْ الْمَذْرُوعِ اِ هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا ) أَيْ وَالْمَوْهُومُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ كَالْمُتَحَقِّقِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَوَازِ بِكَوْنِهِ بَيْعَ مَعْدُومٍ وَإِنَّمَا جُوِّزَ إذَا وَقَعَ الْأَمْنُ عَنْ الْغَرَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا بَقِيَ نَوْعُ غَرَرٍ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ كُلِّ مَوْهُومٍ لِشَرْعِهِ ) أَيْ لِشَرْعِ السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَعَ ) أَيْ الدَّلِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ ) أَيْ ثَمَنُ الثَّوْبِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ ) أَيْ عَلَى مِقْدَارِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْ فُرُوعِهِ ) أَيْ وَمِنْ فُرُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَكَانُ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِهِ بَيَانُ مَكَانِ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا : لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُوفِيهِ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ مَوْضِعُ وُجُودِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا وَجَبَ تَسْلِيمُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا الْبَدَلُ الْآخَرُ إذْ الْعَقْدُ يُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَتَعَيَّنُ لَهُ مَوْضِعُ وُجُودِهِ دَلَالَةً مَا لَمْ يُعَيِّنَا لَهُ مَكَانًا آخَرَ بِالنَّصِّ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ ذَلِكَ الْمَكَانُ ؛ لِأَنَّهُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُ النَّقْلِ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ فَاسِدٌ إذْ الْعَقْدُ لَا يَقْتَضِيهِ أَوْ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلنَّهْيِ الْمَعْرُوفِ عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَرَبُّ السَّلَمِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاشْتِرَاطُهُ لَا يَكُونُ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ فِي مِلْكِهِ بَلْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرُ فَيَتَعَيَّنُ ضَرُورَةً كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ وَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَعَيُّنَ مَكَانِ الْعَقْدِ إمَّا بِالتَّعْيِينِ صَرِيحًا أَوْ ضَرُورَةَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ مُتَأَخِّرًا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِتْلَافِ وَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ فَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ وُجُودِ السَّبَبِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ لَمَا جَازَ تَغْيِيرُهُ بِالشَّرْطِ
كَمَكَانِ الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَتَعَيَّنَ مَكَانُ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا عَقَدَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَفَسَادُهُ لَا يَخْفَى فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُعَيِّنَا مَكَانًا آخَرَ بَقِيَ مَجْهُولًا جَهَالَةً فَاحِشَةً فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَفْسُدُ كَاخْتِلَافِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ مَالَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ كَمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَطَبَ فِي الْمُدُنِ أَغْلَى مِنْهُ فِي الْقُرَى وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى ذِكْرِهِ فَكَانَ اخْتِلَافًا فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ وَعِنْدَهُ قَضِيَّةُ الشَّرْطِ حَتَّى اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى ذِكْرِهِ فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ إذَا كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهِيَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلَةٌ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِحِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ اقْتَسَمَا شَيْئًا وَجَعَلَا لِأَحَدِهِمَا مَكِيلًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يَفْسُدَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ فَيُسَلِّمُ فِي مَكَانِ الْبَيْعِ وَمَكَانِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَفِي مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ ، ثُمَّ إذَا عَيَّنَ مِصْرًا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ مِنْ مِصْرٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا بِالْمِصْرِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ مَالَهُ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً لِيَعْمَلَ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَقِيلَ : هَذَا إذَا
لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا فَإِنْ كَانَ عَظِيمًا يَبْلُغُ بَيْنَ نَوَاحِيهِ فَرْسَخًا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنَا نَاحِيَةً مِنْهُ ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مَجْهُولٌ وَقَدْ يَتَبَدَّلُ فَلَا يَعْلَمُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَنْزِلُ حَالَ حُلُولِ الْأَجَلِ عَادَةً وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي مَنْزِلِهِ إلَيْهِ وَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ قِيلَ : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْإِيفَاءِ فِيهِ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِيفَاءَ وَهُوَ يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْحَمْلِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ مُفْسِدًا وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَوْضِعٍ ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِهِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِيفَاءِ ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْحَمْلِ يَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ يُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ بَيَّنَا مَكَانَ الْإِيفَاءِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنَا ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فَلَا يُفِيدُ تَعْيِينُهُ فَيَلْغُو وَقِيلَ : إنْ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ مَكَانَ الْإِيفَاءِ يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِالْتِزَامِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ ، وَإِنْ بَيَّنَ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ فَيَتَعَيَّنُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَعْيِينِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُهُمْ فِيهِ فِي التَّخْرِيجِ فِي أَيِّ مَكَان يَجِبُ تَسْلِيمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
( قَوْلُهُ فَاشْتِرَاطُ النَّقْلِ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطٌ فَاسِدٌ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمِصْرِ أَنْ يُوفِيَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَقْدُ فِي الْمِصْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جَوَانِبِ الْمِصْرِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ الْمُطْلَقَةِ ) يَعْنِي أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ الْوَقْتِ يَتَعَيَّنُ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ جُزْءٍ آخَرَ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُطْلَقَةِ مَا نَصُّهُ هَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ ) أَيْ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ ) يَعْنِي لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْكِفَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ ) أَيْ فَلَا يَتَحَالَفَانِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ) قَالَ الْكَمَالُ : إذْ الْمَالِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ بَلْ بِعِزَّةِ الْوُجُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَقِلَّتِهَا بِخِلَافِ مَالَهُ مُؤْنَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمَا ) قَالَ الْكَمَالُ : وَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا قِيلَ : لَا يَتَعَيَّنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَالشَّرْطُ الَّذِي لَا يُفِيدُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ : يَتَعَيَّنُ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ
وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ ا هـ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَيْ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ ) أَيْ مِنْ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ ) أَيْ وَالْكَافُورِ وَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ يَعْنِي الْقَلِيلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُسْلِمُ فِي أَمْنَاءَ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ أَحْمَالًا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَالْمُرَادُ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ وَإِنَّمَا شَرَطَ قَبْضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يُنْبِئُ عَنْ أَخْذِ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِيَكُونَ حُكْمُهُ عَلَى وَفْقِ مَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالصَّرْفِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِهَذَا قُلْنَا : لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ إذْ الْقَبْضُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمِلْكِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ ، وَالِافْتِرَاقُ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِهِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ ، وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَكُلَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَعَيَّنُ فَلَا يُفِيدُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ حَيْثُ يَثْبُتَانِ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْفَسْخَ بِالرَّدِّ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْعَقْدَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ قَبْضٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ مُطْلَقٌ وَامْتِنَاعُ الْحُكْمِ فِيهِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى السَّبَبِ بَلْ لِحَقِّ
الْمَالِكِ فَإِذَا جَازَ الْتَحَقَتْ الْإِجَازَةُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهُوَ فَوْقَ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا ، وَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ مُعْتَبَرٌ بِالِابْتِدَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتِهِ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَعُودُ صَحِيحًا عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ وَتَعْجِيلُهُ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ إعْلَامُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ وَكَذَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ .
( قَوْلُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا : لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهِ ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ ) أَيْ إذْ فَائِدَةُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ رَدُّ الْمَبِيعِ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا رَدَّ الْمَقْبُوضَ عَادَ دَيْنًا كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ عَيْنَ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ بَلْ يَعُودُ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ رَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ ا هـ ( وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا ) قَالَ الْكَمَالُ : وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَسْقَطَاهُ بَعْدَ إنْفَاقِهِ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِهْلَاكِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ كَانَ بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ الْآنَ فِي مَعْنَى الِابْتِدَاءِ لِلْعَقْدِ إذْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَقْدِ وُجُودٌ شَرْعًا ا هـ قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ) وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ كَقَوْلِ زُفَرَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا إلَخْ ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْكَمَالُ فَإِعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَتَعْجِيلُهُ يَتِمُّ بِهِ خَمْسَةٌ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى مِثْلِهَا خَلَا التَّعْجِيلِ وَتَأْجِيلِهِ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَدَمُ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ لَيْسَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ عَجْزُهُ عِنْدَ الْحُلُولِ وَإِفْلَاسُهُ لَا يُبْطِلُ السَّلَمَ وَقَدْ بَقِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ
بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَجُوزُ فِي النُّقُودِ وَأَنْ لَا يَكُونَ حَيَوَانًا وَانْتِقَادُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ نَقْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَأَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتَيْ الرِّبَا وَعَدَمُ الْخِيَارِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ لَمْ يَتِمَّ ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مِائَتَيْنِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ ) أَيْ وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ النَّقْدِ الْفُلَانِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَالِيَّةَ مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ وَتَسَاوَتْ رَوَاجًا يُعْطِيهِ مِنْ أَيُّهَا وَلَوْ تَفَاوَتَ رَوَاجًا انْصَرَفَ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ مِائَةً دَيْنًا عَلَيْهِ وَمِائَةً نَقْدًا فَالسَّلَمُ فِي الدَّيْنِ بَاطِلٌ ) أَيْ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَصَحَّ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ لِوُجُودِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ بِقَدْرِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ نَقَدَ مِائَتَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، لَكِنَّهُ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ نَقْدِ الْمِائَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَشِيعُ الْبُطْلَانُ الطَّارِئُ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فَبَاعَهُمَا حَيْثُ يَبْطُلُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِيهِ مُقَارَنٌ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ ثَمَنِهِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِمَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَوْ يُضِيفَ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا ، ثُمَّ يَجْعَلُ الْمِائَةَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قِصَاصًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ كَوْنُ الْفَسَادِ طَارِئًا إذْ الدَّيْنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِدَيْنٍ ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَبَطَلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَا دَيْنَ حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَا ثَمَنٍ وَلَا يُقَالُ : لَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الْمِائَةَ وَالْمِائَةَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ نَقَدَ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَفَسَادُهُ مُقَارِنٌ فَيَتَعَدَّى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَسْلَمَهَا إلَيْهِ وَعَشْرَةُ دَنَانِيرَ عَيْنٍ فِي أَكْرَارٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ أَمَّا حِصَّةُ الدَّيْنِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا حِصَّةُ الْعَيْنِ فَلِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّ السَّلَمَ فِي الْكُلِّ بَاطِلٌ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِيهِ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَيَفْسُدُ فِي الْكُلِّ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّيْنِ ، ثُمَّ فَسَادُهُ فِي الْبَعْضِ لَا يَتَعَدَّى عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِمَامُنَا فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِشَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الْمُسْتَحَقَّ فَلَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك } فَهَذَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِيهِمَا قَطْعًا حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزْ أَخْذَ غَيْرِهِمَا بَدَلًا عَنْهُمَا فَفِي التَّوْلِيَةِ تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ وَفِي الشَّرِكَةِ تَمْلِيكُ بَعْضِهِ بِعِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَهُ شَبَهٌ بِالْمَبِيعِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ فِيهِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ كَالْمَبِيعِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ إلَخْ ) وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَضْمُونٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَقَبْضُهُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ا هـ شَرْحٌ تَكْمِلَةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ : وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالِارْتِهَانُ بِرَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ إنْ وُجِدَ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي مَجْلِسِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ إنْ شَرْطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ السَّلَمِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ فَإِذَا جَازَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَفُوتُ الشَّرْطُ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) أَيْ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ احْتِرَازًا عَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ رَبُّ السَّلَمِ سَلَمَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَأَنْ يَبِيعَهُ تَوْلِيَةً وَأَنْ يَبِيعَ مُوَاضَعَةً وَأَنْ يُشْرِكَ فِيهِ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَعَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَشْتَرِ ) رَبُّ الْمَالِ ( مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا ) يَعْنِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك } أَيْ إلَّا سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِك حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعًا لِسُقُوطِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُجْعَلَ رَأْسُ الْمَالِ مَبِيعًا وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَهَا فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَمَّا صَارَتْ بَيْعًا جَدِيدًا مِنْ وَجْهٍ كَانَ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا كَحُكْمِهِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ السَّلَمُ تَنْزِيلًا لِلْخَلَفِ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ فَيَحْرُمُ اسْتِبْدَالُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ كَمَا كَانَ يَحْرُمُ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا جَازَ إبْرَاؤُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ السَّلَمُ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ تَقَايَلَا إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَتَقَايَلَا السَّلَمَ فَأَرَادَ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ قَالَ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ ، اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ تَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْهُ جُزْءًا مَعْلُومًا كَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ حَالَ انْفِسَاخِهِ ) فَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالشَّرْعُ ثَالِثٌ وَعُرِفَ أَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ إلَى الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَخَذَ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ ) أَيْ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ ) أَيْ بِالْإِقَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَصِحَّ وَصَحَّ لَوْ قَرْضًا أَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ هُنَا صَفْقَتَانِ صَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَصَفْقَةٌ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ كِلَاهُمَا بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ قَضَاءً لِلصَّفْقَتَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْبَائِعِ قَضَاءً بِحَقِّهِ فَلَمْ يَصِحَّ وَوُجِدَ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِقَبْضِهِ لَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ بِالْكَيْلِ ثَانِيًا فَلِهَذَا جَازَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي } وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ فِيهِ وَأَمَّا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُكْتَفَى بِالْكَيْلِ فِيهِ مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ قِيلَ : بَيْعُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ رَبِّ السَّلَمِ سَابِقٌ عَلَى شِرَاءِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا لِرَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ قُلْنَا : السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا فَقَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ وَالْمَقْبُوضُ بَدَلٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ حُكْمًا احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِبْدَالِ فَكَانَ بَيْعًا حَقِيقَةً وَلِأَنَّ اسْتِبْدَالَ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِجِنْسِهِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ أَجْوَدَ مِمَّا شَرَطَاهُ جَازَ وَلَوْ حَرُمَ الِاسْتِبْدَالُ بِجِنْسِهِ لَمَا جَازَ فَكَانَ اسْتِبْدَالًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَثَبَتَ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَوَجَبَ الْكَيْلُ ثَانِيًا لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا فَاشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ كُرًّا
فَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْكَيْلَ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ تَقْدِيرًا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا وَلَوْ كَانَ اسْتِبْدَالًا لَلَزِمَ مُبَادَلَةُ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الصَّفْقَتَانِ فَيُكْتَفَى بِكَيْلٍ وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي فَيَقْبِضَهُ لَهُ ، ثُمَّ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ كَيْلٍ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَالْقَفِيزُ ثَمَانِي مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءً عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاقْتَضَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً وَحَازَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيُطَالِبُهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ ، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ أَيْ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ أَيْ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، ثُمَّ اكْتَالَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِنَفْسِهِ صَارَ مُقْتَضِيًا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ لِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمُرَابَحَةِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا سُمِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْكُرُّ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ مُعَيِّنًا لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْعَقْدِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ مُقْتَضَى كُلِّ عَقْدٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَالَهُ فَزَادَ لَمْ تَطِبْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَوَجَبَ رَدُّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبَضَهُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ إقَامَةً لِحَقِّ الْعَقْدِ الثَّانِي ، وَالصَّفْقَتَانِ شِرَاءُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ الْكُرَّ وَالصَّفْقَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَبِّ السَّلَمِ
عِنْدَ قَبْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَصِيرُ بَائِعًا مِنْ رَبِّ السَّلَمِ مَا اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ عَيْنَ حَقِّهِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ وَهَذَا عَيْنٌ قَاصَصَهُ بِهِ وَقَدْ أَخَذُوا فِي صِحَّةِ الْأَمْرِ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ وَعِنْدِي لَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ : اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّك فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ ، ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ بَلْ بِالْكَيْلِ الثَّانِي فَلَمَّا قَالَ لَهُ : اقْبِضْهُ عَنْ حَقِّك وَالْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ صَيْرُورَتِهِ قَابِضًا لِنَفْسِهِ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّةً لِلْقَبْضِ عَنْ الْآمِرِ وَثَانِيًا لِيَصِيرَ هُوَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَقَبِلَ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ : اذْهَبْ فَافْعَلْ مَا تَصِيرُ بِهِ قَابِضًا وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ فَاكْتَالَهُ ، ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَخْ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ ثَانِيًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَحْمَلُهُ ) أَيْ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ ا هـ قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَائِعًا لِرَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ الشِّرَاءِ ) أَيْ فَلَمْ تَجْتَمِعْ الصَّفْقَتَانِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَقَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَاحِقٌ ) أَيْ لِشِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ وَإِنَّهُ أَيْ قَبْضَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارُهُ عَيْنَهُ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ وَهُوَ صِحَّةُ قَبْضِهِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارُهُ إيَّاهُ مُطْلَقًا فَأَخْذُ الْعَيْنِ عَنْهُ فِي
حُكْمِ عَقْدٍ جَدِيدٍ فَيَتَحَقَّقُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ بَائِعِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَسْلَمَ مِائَةً فِي كُرٍّ ، ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَقَبَضَهُ فَلَمَّا حَلَّ السَّلَمُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكُرَّ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ يُرِيدُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ اشْتَرَى مَا بَاعَهُ وَهُوَ الْكُرُّ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا جُعِلَا عِنْدَ الْعَقْدِ كَأَنَّهُمَا جَدَّدَا عَقْدًا وَمِثْلُ هَذَا فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ وَاشْتَرَى الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مَوْزُونًا كَذَلِكَ إلَخْ لَا يَجُوزُ قَبْضُ رَبِّ السَّلَمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حِنْطَةً مُجَازَفَةً أَوْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَأَوْفَاهُ رَبَّ السَّلَمِ فَكَالَهُ مَرَّةً وَتَجَوَّزَ بِهِ يُكْتَفَى بِكَيْلٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَقْدًا بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَهُوَ السَّلَمُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا أَوْ أَسْلَمَ فِي مَعْدُودٍ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْعَدِّ فِي بَيْعِ الْمَعْدُودِ بَعْدَ شِرَائِهِ عَدًّا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِهِ قَضَاءً بِحَقِّهِ ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ : اقْبِضْهُ لِي ، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك فَقَبَضَهُ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً جَازَ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ ) أَيْ فَلَمْ تَجْتَمِعْ صَفْقَتَانِ فَلَمْ يَجِبْ الْكَيْلَانِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ فِي الْقَرْضِ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَزِمَ تَمَلُّكُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً أَوْ تَفَرَّقَ بِلَا قَبْضٍ فِيهِ وَهُوَ رِبًا وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِي الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ سَلَمًا فَلَمَّا حَلَّ اقْتَرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ
بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ فَفَعَلَ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ عَقْدُ مُسَاهَلَةٍ لَا يُوجِبُ الْكَيْلَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مُكَيَالَةً أَوْ مُوَازَنَةً وَلِهَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ الْكَيْلِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّ السَّلَمِ أَنْ يَكِيلَهُ فِي ظَرْفِهِ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ رَبُّ السَّلَمِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ظَرْفًا مِثْلَ الْغَرَائِرِ وَأَمَرَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ الطَّعَامَ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَيَجْعَلَهُ فِي الظَّرْفِ فَفَعَلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَرَبُّ السَّلَمِ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَلَوْ كَانَ مَكَانَ السَّلَمِ مُشْتَرِي بِأَنَّ اشْتَرَى بُرًّا مُعَيَّنًا وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ظَرْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي الظَّرْفِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ صَحَّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ فَلَا يَصِحُّ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ فَجَعَلَ فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ كَالدَّائِنِ إذَا دَفَعَ كِيسًا إلَى الْمَدِينِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِنَ دَيْنَهُ وَيَجْعَلَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَالْمُشْتَرِي يَمْلِكُ الطَّعَامَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَيَصِحُّ أَمْرُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَكُونُ قَابِضًا بِجَعْلِهِ فِي الظَّرْفِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ وَكِيلًا فِي إمْسَاكِهِ الظَّرْفَ فَيَكُونُ الظَّرْفُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا فَكَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاقِعًا فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا اكْتَفَى بِذَلِكَ الْكَيْلَ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالطَّحْنِ أَوْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ يَكُونُ عَلَى الْآمِرِ فِي الشِّرَاءِ وَيَتَقَرَّرُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَفِي السَّلَمِ عَلَى الْمَأْمُورِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ : الْبَائِعُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ نَصًّا لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَكُونُ قَابِضًا لَهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لَهُ هُنَا قُلْنَا : لَمَّا صَحَّ أَمْرُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ صَارَ وَكِيلًا لَهُ ضَرُورَةً وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَلَوْ
كَانَ رَبُّ السَّلَمِ حَاضِرًا وَكَالَهَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ يَصِيرُ قَابِضًا ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ وَلَوْ أَمَرَهُ فِي الشِّرَاءِ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ فَفَعَلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ مُسْتَعِيرًا لِلظَّرْفِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا تَصِحُّ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاقِعًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِ الْبَائِعِ وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَكَانَ الظَّرْفُ لِلْمُشْتَرِي وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهُمَا فِيهِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ صَارَ قَابِضًا لِلْكُلِّ أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ فَمَلَكَهُ بِالِاتِّصَالِ بِهِ كَمَنْ دَفَعَ لِصَائِغٍ فِضَّةً لِيَصْنَعَهَا خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ فِضَّةً قَرْضًا وَكَمَنْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِالِاتِّصَالِ بِمِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَالْخَلْطُ بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ الصَّبَّاغِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ حَيْثُ لَا يَصِيرُ صَاحِبُهُ قَابِضًا بِاتِّصَالِ الصَّبْغِ بِثَوْبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِ الْفِعْلُ وَهُوَ الصَّبْغُ لَا الْعَيْنُ وَالْفِعْلُ لَا يُجَاوِزُ الْفَاعِلَ ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِالثَّوْبِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا ، وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لَهُمَا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ فَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ وَهَذَا الْخَلْطُ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبِدَايَةَ بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ رِضَاهُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ شَرِيكًا لَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا بَدَأَ
بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّيْنُ أَوَّلًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَصِرْ الْبَائِعُ قَابِضًا لَهُ قُلْنَا : وَلَمَّا كَانَ الْعَيْنُ بَعْدَهُ وَخَلَطَهُ فِيهِ صَارَ قَابِضًا لِلْعَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلدَّيْنِ أَيْضًا ضَرُورَةَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَصَارَ مُسْتَعِيرًا لِظَرْفِهِ وَلَمَّا كَانَ الْعَيْنُ بَعْدَهُ وَخَلَطَهُ بِهِ صَارَ خَالِطًا مِلْكَ الْمُشْتَرِي بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَمُسْتَهْلِكًا لَهُ بِإِذْنِهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الدَّيْنِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا لِلْمُشْتَرِي بِوَضْعِهِ فِي ظَرْفِهِ ، ثُمَّ يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ بَعْدَهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا .
( قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ طَعَامٌ بِلَا تَرَدُّدٍ فَإِنْ كَانَ قِيلَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ أَمْرَهُ بِخَلْطِ طَعَامِ السَّلَمِ بِطَعَامٍ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُشْتَرَاةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَنْ اشْتَرَى بُرًّا مُعَيَّنًا ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ مَثَلًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الذِّمَّةِ ) يَعْنِي أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ وَجَعْلُ الدَّيْنِ وَهُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فِي غَرَائِرِ رَبِّ السَّلَمِ مُحَالٌ وَحَقُّهُ فِي الْعَيْنِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ مِنْ الْأَتْقَانِيِّ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يُصَادِفْ أَمْرُهُ مِلْكَهُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ عَيْنًا مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَجَعَلَ فِيهِ مِلْكَ نَفْسِهِ ) حَتَّى إذَا هَلَكَ الْكُرُّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ) أَيْ لَا يَكُونُ قَابِضًا لِدَيْنِهِ بِوَضْعِهِ الدَّرَاهِمَ فِي كِيسِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ ) أَيْ كَيْلُهُ فِي غَرَائِرِهِ كَكَيْلِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا اكْتَفَى إلَخْ ) أَيْ وَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ اكْتَفَى بِذَلِكَ إذَا كَالَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ اسْتِيضَاحٌ عَلَى صِحَّةِ الْأَمْرِ لِمُصَادَفَتِهِ الْمِلْكَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالطَّحْنِ كَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُشْتَرِي لِصِحَّةِ الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِي السَّلَمِ كَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فَإِنْ أَخَذَ رَبُّ السَّلَمِ الدَّقِيقَ كَانَ حَرَامًا لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالِاسْتِبْدَالُ فِي السَّلَمِ حَرَامٌ وَلَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَفِي
السَّلَمِ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَيْ قَبْلَ قَبْضِهِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ يَصِيرُ قَابِضًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَرَائِرُ لَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يَصِيرُ قَابِضًا مَا نَصُّهُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ إلَخْ ) بِأَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرًّا آخَرَ مُعَيَّنًا وَدَفَعَ إلَيْهِ ظَرْفًا لِيَكِيلَهُمَا فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ بَدَأَ ) أَيْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ صَارَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْعَيْنُ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَاقَى مِلْكَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الدَّيْنُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْعَيْنُ فِي يَدِهِ حُكْمًا فَصَارَ الدَّيْنُ أَيْضًا فِي يَدِهِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا فَصَارَ قَابِضًا لِلْكُلِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَصْنَعَهَا خَاتَمًا ) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ قَبَضَهُ ) أَيْ فَفَعَلَ الصَّانِعُ ذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ جَازَ وَصَارَ الْآمِرُ بِالْخَلْطِ قَابِضًا لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَأَ ) أَيْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِكَيْلِ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لَهُمَا ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ ) أَيْ رَبَّ السَّلَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمَّا خَلَطَهُ بِمَكَّةَ فَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ ، ثُمَّ بِالْعَيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَ حِنْطَة الْمُشْتَرِي ي بِحِنْطَةِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَمْتَازُ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا وَالْبَائِعُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ بِقَدْرِ حِنْطَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ ) أَيْ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُقَالُ : هَذَا الْخَلْطُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ لِيَكُونَ بِهِ مُسْتَهْلِكًا ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْعِ إذْنِهِ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِجَوَازِ كَوْنِ مُرَادِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعَيْنِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ ) جَوَابُ سُؤَالٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ الْبَائِعُ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ الْأَمَةُ فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بَقِيَ وَصَحَّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ) يَعْنِي مَاتَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا رَبُّ السَّلَمِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهَا فِي الْأُولَى وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي الثَّانِيَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ فِيهِمَا يَوْمَ قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ بَقَاءُ الْعَقْدِ وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَكَذَا يَبْقَى بَعْدَ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ وَقَدْ عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا كَمَا لَوْ تَقَايَضَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ ، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا وَيَجِبُ رَدُّ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرِ قِيمَةُ الْهَالِكِ لِمَا قُلْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَكْسُهَا شِرَاؤُهَا بِأَلْفٍ ) أَيْ عَكْسُ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ شِرَاءُ الْجَارِيَةِ بِأَلْفٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَوْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِهَا ابْتِدَاءً لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهَا هِيَ الْجَارِيَةُ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهَا ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ فَكَانَتْ عَكْسَ الْأُولَى بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى الْعَقْدُ
بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مُنْقَسِمٌ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ وَالثَّانِي الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَالثَّالِثُ الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الثَّلَاثَةِ وَالرَّابِعُ الْإِقَالَةُ فِي الصَّرْفِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُمَا إذَا تَقَايَلَا فِيهِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّرَادِّ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الصَّرْفِ مَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ وَالْمَقْبُوضُ غَيْرُهُ فَلَا يَمْنَعُ هَلَاكُهُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْمَقْبُوضِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا كَانَ لَهُمَا أَنْ يَرُدَّا غَيْرَهُ بَعْدَ التَّقَايُلِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بَقِيَ ) أَيْ عَقْدُ الْإِقَالَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ) وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَبِيعٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَا تَبْقَى ) أَيْ بَعْدَ هَلَاكِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ حَيْثُ تَصِحُّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ فِيمَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ وَهُوَ رَبُّ السَّلَمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ إذَا تَتَارَكَا السَّلَمَ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَوْبٌ فَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الطَّالِبُ فَعَلَى الْمَطْلُوبِ قِيمَتُهُ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَعَلَى الطَّالِبِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِي ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ كِلَاهُمَا ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ كِلَيْهِمَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالتَّأْجِيلِ لَا لِنَافِي الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْنَا رَدِيئًا وَقَالَ الْآخَرُ : لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا : شَرَطْنَا الْأَجَلَ وَقَالَ الْآخَرُ : لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي اشْتِرَاطَ الْوَصْفِ وَالْأَجَلِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا مَوْصُوفًا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ حَرَامٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الْحَرَامَ وَيُبَاشِرَ الْمُبَاحَ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ فَإِنْ خَرَجَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا مَخْرَجَ التَّعَنُّتِ كَانَ بَاطِلًا وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ ، ثُمَّ تَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ نَقُولَ : لَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ إلَى رَجُلٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ : شَرَطْنَا رَدِيئًا وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ : لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ الصِّحَّةَ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعَ رَدَاءَتِهِ يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَكَلَامُ الْمُتَعَنِّتِ مَرْدُودٌ وَفِي عَكْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ السَّلَمِ شَرْطَ الرَّدِيءِ وَأَنْكَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الشَّرْطَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ : كَانَ لَهُ أَجَلٌ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْأَجَلُ وَهُوَ حَقٌّ لَهُ فَكَانَ بَاطِلًا فَإِنْ
قِيلَ : الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُتَعَنِّتٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَفِيهِ نَفْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِسَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَادَةً فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ قُلْنَا : الْفَسَادُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْأَجَلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِالْفَسَادِ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّفْعُ فِي سُقُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَصْفِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ قَطْعِيٌّ فَيُعْتَبَرُ إنْكَارُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَنِّتٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعَهُ بِسُقُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ وَرَدِّ رَأْسُ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْكَارِ رَبِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ حَيْثُ يُنْكِرُ وُجُوبَ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَادَةً وَإِذَا جُعِلَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ يَرْجِعُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ إلَيْهِ أَيْضًا وَفِي عَكْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ وَأَنْكَرَهُ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ كَرَبِّ الْمَالِ يَقُولُ لِلْمُضَارِبِ : شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ : شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ تَزِدْ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ وَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اتِّفَاقٌ عَلَى شَرَائِطِهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ وَثُبُوتُهُ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ فَإِنْكَارُهُ الْأَجَلَ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعٌ مِنْهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ كَالْمُتَنَاكِحِينَ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَالْآخَرُ بِشُهُودٍ كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ
يَدَّعِي النِّكَاحَ بِالشُّهُودِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذَا صَحَّتْ تَكُونُ شَرِكَةً فِي الرِّبْحِ وَإِذَا فَسَدَتْ تَكُونُ إجَارَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَرْتَفِعُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالْإِنْكَارِ بَقِيَ مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ : تَزَوَّجْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَقَالَتْ هِيَ : تَزَوَّجْتَنِي وَأَنَا بَالِغَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْعَقْدِ بَلْ أَنْكَرَهُ حَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ .
( قَوْلُهُ مَخْرَجُ التَّعَنُّتِ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَنْفَعَهُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَخْرَجَ التَّعَنُّتِ مَا نَصُّهُ لَا مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الصِّحَّةَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُتَعَنِّتِ مِرْوَدٌ فَإِذَا رُدَّ بَقِيَ كَلَامُ الْآخَرِ بِلَا مُعَارِضٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخُصُومَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَضُرُّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ ) يَعْنِي الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ ؛ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِ الصِّحَّةِ مُنْكِرٌ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَالْمُسْلَمُ فِيهِ نَسِيئَةً ؛ لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ قَاطِبَةً عَلَى إعْطَاءِ هَذَا الْعَاجِلِ بِذَاكَ الْآجِلِ وَلَوْلَا أَنَّهُ يَرْبُو عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آجِلًا لَمْ تَطْبُو آرَاؤُهُمْ عَلَيْهِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ ) لَيْسَ هَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْمُتَعَنِّتِ مَرْدُودٌ ) أَيْ فَبَقِيَ قَوْلُ الْآخَرِ بِلَا مُعَارِضٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا وَكَلَامُهُ خُصُومَةٌ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ) أَيْ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ قُلْنَا : الْفَسَادُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْأَجَلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ) أَيْ فَإِنَّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ السَّلَمَ بِدُونِ الْأَجَلِ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَجَلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا فِي أَصْلِ الْأَجَلِ فَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِلْأَجَلِ مَعَ يَمِينِهِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ سَوَاءٌ
كَانَ مُدَّعِيًا لِلْأَجَلِ أَوْ مُنْكِرًا وَالثَّانِي فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَهْرٌ وَقَالَ الْآخَرُ : إنَّهُ شَهْرَانِ فَفِيهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ فَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا الْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالثَّالِثُ فِي مُضِيِّ الْأَجَلِ قَالَ الطَّالِبُ : كَانَ الْأَجَلُ شَهْرًا وَقَدْ مَضَى وَقَالَ الْمَطْلُوبُ : كَانَ شَهْرًا وَلَمْ يَمْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَوَجَّهَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأَجَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَيُنْظَرُ فِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ يَعْنِي أَنَّهُ مَا هُوَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ جَارٍ مَجْرَى الْأَصْلِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شُرِطَ فِي السَّلَمِ الثَّوْبُ الْجَيِّدُ فَجَاءَ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ جَيِّدٌ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَالْقَاضِي يُرِي اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فَإِنْ قَالَا : جَيِّدٌ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَنِّتًا ا هـ ( قَوْلُهُ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ) وَفِي الْهِدَايَةِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَثُبُوتُهُ ) أَيْ
ثُبُوتُ الشَّيْءِ الْمَشْرُوطِ هُنَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمٍ ) أَمَّا السَّلَمُ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَلِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَقَدْ اسْتَصْنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا وَمِنْبَرًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَكِنْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِمِثْلِهِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ وَالِاحْتِجَامِ بِأُجْرَةٍ وَطَلَبِ شَرْبَةِ مَاءٍ مِنْ السَّقَّاءِ بِفَلْسٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلتَّعَامُلِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِلْجَهَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَمْ قَدْرَ مَا يَقْعُدُ فِي الْحَمَّامِ وَكَمْ قَدْرُ مَا يَسْتَعْمِلُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَكَمْ قَدْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّمِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْقِيَاسُ بِمُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ } وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ فِيهِ مَوْجُودٌ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَأَخَذَ بِالْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجْزِ التَّعَامُلُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْنَاعُ فِيهِ وَيَكُونُ سَلَمًا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُهُ ، ثُمَّ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يَجُوزُ بَيْعًا وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ : إنَّهُ وَعْدٌ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا إذَا أَتَى بِهِ مَفْرُوغًا
بِالتَّعَاطِي وَلِهَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ سَمَّاهُ شِرَاءً وَذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَفَصَلَ بَيْنَ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ مَلَكَهُ وَالْمُوَاعَدَةُ تَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَمْلِكُ بِهِ الْبَدَلَ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا قَالَهُ وَالْمَعْدُومُ قَدْ يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا لِلْحَاجَةِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَعَكْسُهُ الْمَاءُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَطَشِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ هُنَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَجِدُ خُفًّا مَصْنُوعًا يُوَافِقُ رِجْلَهُ وَلَا خَاتَمًا يُوَافِقُ أُصْبُعَهُ وَقَدْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ لِلْحَاجَةِ أَصْلُهُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ : الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ فَتَسْمِيَةُ الْعَقْدِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْأَدِيمُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ لِلْعَمَلِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ عَمِلَ بَعْدَهُ وَبَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَمَا جَازَ هَذَا كُلُّهُ وَكَذَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : إذَا جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا فَلِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ سَمَّاهُ شِرَاءً وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ لِلِاسْتِصْنَاعِ شَبَهًا بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ طَلَبَ الصُّنْعِ
فَلِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ قُلْنَا : يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَجْرَيْنَا فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَقِيلَ : يَنْعَقِدُ إجَارَةً ابْتِدَاءً وَبَيْعًا انْتِهَاءً قُبَيْلَ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بَلْ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْإِجَارَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِتَعَذُّرِ جَمْعِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْنِعَ طَلَبَ مِنْهُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَاعْتُبِرْنَاهُمَا جَمِيعًا تَوْفِيرًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ حَظَّهُمَا فَإِنْ قِيلَ : إذَا اعْتَبَرْتُمْ فِيهِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَمَعْنَى الْبَيْعِ وَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُضِيِّ وَلَا يُخَيَّرُ قُلْنَا : الْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ فَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ لِلصَّانِعِ فَسْخُهُ وَكَذَا الْبَيْعُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ لِلضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ اللُّزُومِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ .
( قَوْلُهُ وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَلِلْإِجْمَاعِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا قَالَ الْكَمَالُ : الِاسْتِصْنَاعُ طَلَبُ الصَّنْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعِ خُفٍّ أَوْ مُكَعِّبٍ أَوْ صَفَّارٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا طُولُهُ كَذَا وَسِعَتُهُ كَذَا أَوْ دَسْتًا أَيْ بُرْمَةً يَسَعُ كَذَا وَوَزْنُهُ كَذَا عَلَى هَيْئَةِ كَذَا بِكَذَا وَيُعْطِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا فَيَعْقِدُ الْآخَرَ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَيْنِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ ) أَيْ وَالصَّفَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْثُورِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا ) أَيْ كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ لَا يَعْمَلَ وَلَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مَا يَأْتِي بِهِ وَيَرْجِعَ عَنْهُ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : إذَا اسْتَصْنَعَ لَا يُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَا الْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْأَجْرِ وَإِنْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ وَإِنْ قَبَضَ الصَّانِعُ الدَّرَاهِمَ مَلَكَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَشَبَّهَهَا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنُ الْمُسْتَصْنَعِ فِيهِ ) هَذَا الْمُلْحَقُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْهُ ا هـ قَوْلُهُ الصَّرْمُ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالصَّرْمُ بِالْفَتْحِ الْجِلْدُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ إذَا رَأَى الْمَصْنُوعَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ إذْ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَبْقَى فِيهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهَذَا يُفِيدُ الْفَسْخَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْإِحْضَارِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ إضْرَارًا بِالصَّانِعِ فَرُبَّمَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارَ دُونَ الصَّانِعِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُشْتَرِي لِمَا لَمْ يَرَهُ وَالصَّانِعُ بَائِعٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلصَّانِعِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَصْنِعِ وَقَبْلَ أَنْ يَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَإِذَا رَآهُ وَرَضِيَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْضَارِ أَسْقَطَ خِيَارَهُ وَلَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ الْمُسْتَصْنِعُ ثَبَتَ اللُّزُومُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا .( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ ) أَيْ فَبِرَدِّهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَعُودُ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُؤَجَّلُهُ سَلَمٌ ) أَيْ إذَا أُجِّلَ الْمُسْتَصْنَعُ صَارَ سَلَمًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ ضَرَبَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ كَالْخَلَفِ وَنَحْوِهِ فَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ لَفْظَ الِاسْتِصْنَاعِ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَانَ مُحَافَظَةً قَضِيَّتُهَا أَوْلَى وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِلتَّعْجِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِمْهَالِ وَلَفْظُ الِاسْتِصْنَاعِ مُحْكَمٌ فِيهِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَبِذِكْرِ الْأَجَلِ لَا يَكُونُ لَازِمًا كَعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لِلتَّرْفِيهِ وَتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِصْنَاعُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ يَصِيرُ سَلَمًا لَكَانَ السَّلَمُ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَجَلِ اسْتِصْنَاعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ سَلَمًا لَكَانَ فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ عَمَلَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِلسَّلَمِ كَاشْتِرَاطِ طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّلَمِ لَفَسَدَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْسُدُ إذَا لَمْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ ، لَكِنَّ جَوَازَ السَّلَمِ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ دُونَ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَجَوَازُ الِاسْتِصْنَاعِ ثَبَتَ لِتَعَامُلِ
النَّاسِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى فِيمَا احْتَمَلَاهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ إذَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ لِكَوْنِهِ أَتَى بِحُكْمِ السَّلَمِ وَصَرَّحَ بِهِ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّرْجِيحُ بِالْمَقْصُودِ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ كَفَالَةٌ وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمَنَافِعَ كَانَ إجَارَةً وَلِأَنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ بِاللُّزُومِ وَاللُّزُومُ فِي السَّلَمِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ فِيهِ لَا لِلتَّعْيِينِ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ بِهِ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَلَمًا بِذِكْرِ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ اسْتِصْنَاعًا بِحَذْفِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ يَكُونُ مُتْعَةً وَلَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ بِحَذْفِ الْأَجَلِ نِكَاحًا ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا فِي السَّلَمِ وَقَدْ بَيَّنَّا قَدْرَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ إنْ جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ وَهَذَا إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَكُونُ اسْتِصْنَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لِلْفَرَاغِ لَا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ : إنْ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ سَلَمٌ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِشَيْءٍ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ ذِكْرَ الْأَجَلِ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِعْجَالِ فَلَا يَصِيرُ سَلَمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الصَّانِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِمْهَالِ فَيَكُونُ سَلَمًا وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ
سَلَمًا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرَائِطَ السَّلَمِ مِنْ قِبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَعَدَمِ خِيَارِ الْفَسْخِ لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا( قَوْلُهُ إذَا أُجِّلَ الْمُسْتَصْنَعُ صَارَ سَلَمًا ) حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ الْخِيَارُ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ وَاسْتِقْصَاءُ الْوَصْفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَهُوَ سَلَمٌ ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ ) أَيْ بِأَنَّهُ الْمُزَابَنَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَصَارَ كَالْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ } وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْخِنْزِيرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ ، أَوْ مَاشِيَةٍ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا } وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ آلَةُ الِاصْطِيَادِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَازِي أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَذَا بَيْعًا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ فَكَذَا بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْمَيْتَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا ، وَالْكَلْبُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ وَبِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ } فَلَفْظُ الرُّخْصَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ وَشُرَطَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا ، أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْلِيمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَالْفَهْدِ ، وَالسِّبَاعِ ، وَالطُّيُورِ ) ؛ لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ يَجُوز الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا وَتَقْبَلُ التَّعْلِيمَ عَادَةً فَجَازَ بَيْعُهَا ،
وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مُنْتَفَعٍ بِهِ شَرْعًا فِي الْحَالِ ، أَوْ فِي الْمَآلِ وَلَهُ قِيمَةٌ نَحْوَ الْجَحْشِ ، وَالطِّفْلِ جَازَ بَيْعُهُ ، وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبَّةِ قَمْحٍ وَنُقْطَةِ مَاءٍ وَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا ؛ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا ، وَالْفِيلُ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَمْلًا وَرُكُوبًا وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّلَهِّي ، وَهُوَ مَحْظُورٌ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، وَالْهِرُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا الْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
( بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ ) ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّيْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَمَّا اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ } ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ قَبْلَ الْإِبَاحَةِ وَمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْكَلْبُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ إمَّا اصْطِيَادًا أَوْ حِرَاسَةً ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلْبٍ يَحْفَظُ الْبَيْتَ وَيُخْبِرُ عَنْ الْجَائِي بِنُبَاحِهِ ا هـ وَحَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ إلَى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالْهِرِّ إلَّا الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا مِنْ جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ جَازَ بَيْعُ غَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ ذِكْرَهُ لِلْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ وَكُلُّ مَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْهَا فَهُوَ مِثْلُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْكِلَابَ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُبْتَغَى فِيهَا الْهِرَاشُ وَالْقِمَارُ ، وَحَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو أَنَّهُ قَضَى فِي كُلِّ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كُلِّ كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ وَبَقِيَّةُ السِّبَاعِ يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكَلْبِ وَالْجَامِعُ كَوْنُهَا جَارِحَةً يُنْتَفَعُ بِهَا اصْطِيَادًا وَنَحْوَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : الْبَغِيِّ إلَخْ ) وَالْبَغِيُّ الزَّانِيَةُ قَالَ تَعَالَى { وَمَا كَانَتْ أُمُّك بَغِيًّا } ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ ) إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا كَالْخِنْزِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَبِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ ) أَيْ مِنْ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَلِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : حِينَ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ) أَيْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي الضِّيفَانَ وَالْغُرَبَاءَ فَنُهُوا عَنْ اقْتِنَائِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا وَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ جَائِزٌ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالنَّمِرِ وَالْأَسَدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِيضَاحِ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَضْلِ بْنِ غَانِمٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُجِيزُ بَيْعَ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَلَا أُجِيزُ بَيْعَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَفِي الْكَيْسَانِيَّاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَنْ قَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ :
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ) صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَى لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَلْ لِلتَّلَهِّي وَهُوَ حَرَامٌ فَكَانَ بَيْعَ الْحَرَامِ لِلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي بَيْعِ غَيْرِ الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ فَيَحْتَاجُونَ إلَى تَبْقِيَةِ أَنْفُسِهِمْ لِيَتَحَمَّلُوا أَعْبَاءَ التَّكَالِيفِ كَالْمُسْلِمِينَ فَيُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ الْأَسْبَابُ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ تَحَمُّلِهَا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ لِتَحْصِيلِ مَا تَبْقَى بِهِ الْأَنْفُسُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَضْيِيعِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ مَا جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالصَّرْفِ ، وَالسَّلَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ جَازَ لَهُمْ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّ عَقْدَهُمْ فِيهِمَا كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ ، وَالشَّاةِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا مَا جَازَ فِيهِمَا مِنْهُ مِنْ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ مَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالٌ نَفِيسَةٌ عِنْدَهُمْ فَيُلْحَقَانِ بِنَظِيرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِنَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ إلَّا لِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْخَمْرِ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَصَارَ إجْمَاعًا .
( قَوْلُهُ : وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الرِّبَا ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا سَلَمٌ فِي حَيَوَانٍ وَلَا نَسِيئَةٌ فِي صَرْفٍ ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إلَّا فِي الْخَمْرِ إلَخْ ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا كَالْمُسْلِمِينَ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُمْ أُقِرُّوا بِعَقْدِ الْأَمَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَالًا لَهُمْ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُمْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَفِيهِ نَقْضُ الْأَمَانِ ، وَالرِّبَا مُسْتَثْنًى فِي عُهُودِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْأَمَانِ قَالَ تَعَالَى { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } وَرُوِيَ فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي عُهُودِهِمْ وَمَنْ أَرْبَى ، فَلَا عَهْدَ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا ) حَدَّثَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فِي فَصْلِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ سَمِعْت سُوَيْد بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ عُمَّالُهُ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ فَقَالَ بِلَالٌ أَجَلْ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ : فَلَا تَفْعَلُوا ، وَلَكِنْ وَلَّوْا أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا وَخُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُمْ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْخَرَاجِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الرِّبَا وَلَا بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَيَوَانِ وَالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا النَّسِيئَةُ وَلَا الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا هُمْ فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِسْلَامِ مَا خَلَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَلَا
أُجِيزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنِّي أُجِيزُ بَيْعَهُمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُمَا أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَنْ نَحْوِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً سِوَى الْأَلْفِ فَبَاعَ صَحَّ بِأَلْفٍ وَبَطَلَ الضَّمَانُ ، وَإِنْ زَادَ مِنْ الثَّمَنِ ، فَالْأَلْفُ عَلَى زَيْدٍ ، وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ ) يَعْنِي زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِأَنْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَا تَلْزَمُهُ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ وَتُلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ قَبْلُ ، وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ يُقَابِلُهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي ؛ إذْ لَا يَسْتَفِيدُ بِإِزَائِهِ مَالًا يُقَابِلُهُ وَفَصْلُ الثَّمَنِ يَسْتَغْنِي عَنْ مَالٍ يُقَابِلُهُ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ تَجُوزُ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ بِمُقَابِلَتِهَا شَيْءٌ فَكَذَا تَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ فَصَارَتْ نَظِيرَ بَدَلِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؛ إذْ لَا يُسَلَّمُ لَهُمَا شَيْءٌ بِمُقَابِلَةِ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ فَكَذَا هُنَا لَكِنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ أَنْ تُوجَدَ الْمُقَابِلَةُ تَسْمِيَةً وَصُورَةً حَتَّى تَجِبَ حَسَبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ بِوَاسِطَةِ الْمُقَابِلَةِ صُورَةً ، وَإِنْ لَمْ تُقَابِلْهُ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ يَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْ مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مَالٌ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُهُ صُورَةً وَتَسْمِيَةً فَإِذَا كَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْمُقَابِلَةُ صُورَةً ، فَإِنْ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهَا فَتَصِحُّ ، وَإِنْ
لَمْ يَقُلْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا ، فَلَا تَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْتِزَامًا لِلْمَالِ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ رِشْوَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ ، وَهُوَ حَرَامٌ ، فَلَا يَصِحُّ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ لِلْأَصِيلِ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ يَجُوزُ ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي عَدَمِ الْحُصُولِ فَإِذَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَفِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُرَابَحَةُ حَتَّى إذَا أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْبِسُ الْمَبِيعَ لِأَجْلِ الْمِائَةِ وَيُرَابِحُ عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ بِهِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعَ بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ فَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَرِدَّ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الثَّمَنِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْتَرِدُّ ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ يَسْتَرِدُّ لِكَوْنِهِ فَسْخًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي ظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْكُلِّ حَتَّى يَرْجِعَ الضَّامِنُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَيُرَابِحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَلْفِ وَلَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَذَتْ مِنْ جِهَتِهِ صَارَ هُوَ وَكِيلًا فِيهَا فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ ، أَوْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهَا الْأَجْنَبِيُّ فَيُطَالَبُ بِهَا هُوَ وَحْدَهُ وَهَذَا كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ يُطَالَبُ هُوَ فَقَطْ ، ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هَذَا ، وَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ ، أَوْ تَقَايَلَا يَرُدُّ الزِّيَادَةَ عَلَى الضَّامِنِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ دُونَ الْمُشْتَرِي وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ فَجَعَلَهَا
ظَاهِرَةً فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَلَا يُقَالُ هَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ لَمْ تَظْهَرْ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَخْذُهَا بِأَصْلِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ بِزِيَادَةِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَلْتَزِمْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ زِيَادَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْعَقْدِ فَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ سِوَى الْأَلْفِ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً مِنْ الثَّمَنِ يَصِيرُ كَفِيلًا بِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الْأَلْفُ وَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ جَعْلُهُ زِيَادَةً عَلَى الْأَلْفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ سِوَى الْأَلْفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الثَّمَنِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَجُعِلَ مِنْهُ ثُمَّ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ إحْدَاهَا أَنْ يَقُولَ بِعْهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك مِائَةً سِوَى الْأَلْفِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ سِوَى الْأَلْفِ ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الثَّلَاثَةَ وَحُكْمَهَا فَافْهَمْهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَقْدِ وَأَمَّا إذَا زَادَ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُشْتَرِي ، أَوْ يُعْطِيَ الزِّيَادَةَ مِنْ عِنْدِهِ ، أَوْ يَضْمَنَهَا ، أَوْ يُضِيفَهَا إلَى نَفْسِهِ ، وَإِنْ زَادَهُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي جَازَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ فِيهِ وَمُعَبِّرٌ ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالضَّمَانِ ، وَهُوَ نَظِيرُ الْخُلْعِ ، وَالصُّلْحِ ، وَإِنَّمَا صَارَ سَفِيرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ زِدْتُك عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْك فُلَانٌ وَلَا يُمْكِنُهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ كَالْخُلْعِ ، فَلَا
يَكُونُ مُبَاشِرًا ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ، بَلْ رَسُولًا .
( قَوْلُهُ وَبَطَلَ الضَّمَانُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ عَلَى الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْمُقَابَلَةِ بِالْمَبِيعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ ) أَيْ لِأَنَّهُ صَيَّرَ نَفْسَهُ ضَامِنًا حَيْثُ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمِائَةُ عَلَى الضَّامِنِ مَا نَصُّهُ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَطْلُبَ إنْسَانٌ مِنْ آخَرَ شِرَاءَ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرْغَبُ فِيهِ إلَّا بِأَلْفٍ فَيَجِيءُ آخَرُ فَيَقُولُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ فَيَقُولُ صَاحِبُ الْعَبْدِ بِعْت كَذَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إبَاءٌ وَلَا مُسَاوَمَةٌ وَلَكِنْ إيجَابُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ حَصَلَ عَقِيبَ ضَمَانِ الرَّجُلِ كَانَ كَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَيَكُونُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ دَلَالَةً عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ طَلَّقْت يُجْعَلُ قَبُولًا اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هَذَا كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ ) أَيْ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ مِنْ الثَّمَنِ إلَخْ ) وَأَوْرَدَ الْعَتَّابِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ : إذَا قَالَ مِنْ الثَّمَنِ كَيْفَ يَكُونُ ثَمَنًا وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ ، وَكَذَلِكَ هَذَا بَيْعٌ بِثَمَنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّهُ فَاسِدٌ قُلْنَا : لَهُ الثَّمَنُ مَتَى وَجَبَ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَهُنَا نُثْبِتُ الزِّيَادَةَ تَبَعًا وَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ هَذَا بِبَيْعٍ بِالثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي مَقْصُودًا بَلْ الْبَيْعُ مَقْصُودًا بِأَلْفٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذِهِ زِيَادَةٌ ثَبَتَتْ تَبَعًا عَلَى
غَيْرِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا جَائِزٌ كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ : لَوْ ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ ثَمَنًا وَالْأَجْنَبِيُّ ضَامِنٌ بِهَا لَزِمَ جَوَازُ مُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِهَا كَالْكَفِيلِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصِيلِ أَلَا تَرَى مَنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ وَأَنَا كَفِيلٌ بِهَا فَأَنْكَرَ فُلَانٌ طُولِبَ الْكَفِيلُ بِهَا دُونَ فُلَانٍ فَجَازَ هُنَا كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْتَزِمْهَا إنَّمَا الْتَزَمَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِلَا سَبَبٍ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ لَا عَقْدُهُ ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّ النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبِقِ يَجُوزُ دُونَ بَيْعِهِ ، ثُمَّ إذَا جَازَ النِّكَاحُ ، فَإِنْ وَطِئَهَا كَانَ قَبْضًا لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَا يَكُونُ قَبْضًا لَهَا اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرَاةَ مُزَوَّجَةً يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ فَصَارَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَالْإِعْتَاقِ وَكَالْوَطْءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فِعْلٌ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الذَّاتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ تَقِلُّ فِيهَا فَيُنْتَقَصُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَصَارَ كَنُقْصَانِ السِّعْرِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ اتَّصَلَ بِهَا فَأَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي ذَاتِهَا ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ مُلْحَقٌ بِالْجُزْءِ وَلِهَذَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عُضْوًا مِنْهَا بِالْقَطْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِدَيْنٍ عَلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَكُونُ قَبْضًا ، وَإِنْ تَعَيَّبَ مِنْ جِهَتِهِ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ حُكْمًا ، وَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ، وَالْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَلِفَتْ بِهِ بِثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ ، أَوْ حَقِّهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا .
قَوْلُهُ : لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهَا لَا عَلَى الْكَمَالِ كَمَا فِي مِلْكِ نِصْفِهَا لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِهِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) أَيْ لِوُرُودِ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَالنِّكَاحُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَعْنِي الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ ) وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ قَابِضًا فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا لَا يَكُونُ قَبْضًا إلَخْ ) حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ قَبْلَ الْقَبْضِ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ ) حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ ) أَيْ وَبِالتَّعْيِيبِ يَصِيرُ قَابِضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَنُقْصَانِ السِّعْرِ ) أَيْ بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ كَانْفِقَاءِ عَيْنِهَا مَثَلًا أَوْ قَطْعِ يَدِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ وَاسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا الْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ بِهِمَا يَصِيرُ قَابِضًا وَلَيْسَ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَى الْمَحَلِّ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ وَالْجَوَابُ أَنَّا قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ قَبْضًا فَالْمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يَكُونُ قَبْضًا هُوَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ الَّذِي يُحَصِّلُ الِاسْتِيلَاءَ وَالْعِتْقُ الْحَاصِلُ بِالْعِتْقِ ضَرُورِيٌّ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَمِنْ ضَرُورَةِ إنْهَاءِ الْمِلْكِ كَوْنُهُ قَابِضًا وَالتَّدْبِيرُ مِنْ وَادِيهِ لِأَنَّهُ بِهِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ
لِلْمُدَبَّرِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ هَذَا وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَصَارَ النِّكَاحُ بَاطِلًا وَقَيَّدَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ بَطَلَ الْبَيْعُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ مَعْرُوفَةٌ لَمْ يُبَعْ بِدَيْنِ الْبَائِعِ ، وَإِلَّا بِيعَ بِدَيْنِهِ ) أَيْ إذَا اشْتَرَى شَخْصٌ عَبْدًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ كَانَ لَهُ وَبَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ وَغَابَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ بِدَيْنِهِ ، فَإِنْ غَابَ الْمُشْتَرِي غَيْبَةً مَعْرُوفَةً لَمْ يَبِعْهُ الْقَاضِي بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ بَيْعِهِ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ أَجَابَهُ الْقَاضِي فِي الْمَنْقُولِ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ نَاظِرًا لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ وَنَظَرُهُمَا فِي بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَصِلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ ، وَالْمُشْتَرِي أَيْضًا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ تَرَاكُمِ نَفَقَتِهِ فَإِذَا انْكَشَفَ الْحَالُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ ، فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْقَضَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ فَيَظْهَرُ الْمِلْكُ لِلْغَائِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَقِّهِ فَيَبِيعَهُ الْقَاضِي إحْيَاءً لِحَقِّهِ كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَلَا يُقَالُ هَذَا بَيْعٌ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَيْفَ يُبَاعُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُهُ
ثُمَّ يَبِيعُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ إيفَاءِ الثَّمَنِ ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَيْعَ هُنَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَفِي ضِمْنِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا ، ثُمَّ إذَا بَاعَ وَأَوْفَى ثَمَنَهُ ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ يُمْسِكُهُ لِلْمُشْتَرِي الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ تَبِعَهُ الْبَائِعُ إذَا ظَفِرَ بِهِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا إلَخْ ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ لَا فِي الدَّارِ لِأَنَّ فِي الدَّارِ لَا يَتَعَرَّضُ الْقَاضِي لِذَلِكَ وَلَا يَبِيعُهُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ فِي الْعَبْدِ اسْتِحْسَانًا لِتَسْقُطَ النَّفَقَةُ عَنْ الْبَائِعِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّفَقَةِ فِي الدَّارِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ عَلَى الْغَائِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ ) أَيْ الْمَبِيعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ ) تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْمَعْرُوفَةَ أَنْ يَعْلَمَ أَيْنَ هُوَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَنَظَرَهُمَا ) أَيْ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ بَيْعِ الْقَاضِي لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ يَعْنِي بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْقَاضِي لَيْسَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ فَمَا هِيَ إلَّا لِكَشْفِ الْحَالِ لِيُجِيبَهُ الْقَاضِي إلَى الْبَيْعِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ لَا لِيُثْبِتَ الدَّيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِمْهَا لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ ) أَيْ بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْبَيْعِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَهَذَا طَرِيقُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَتَقْرِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ وَلَيْسَ ثَمَّ خَصْمٌ حَاضِرٌ لَا قَصْدِيٌّ وَلَا حُكْمِيٌّ
فَهُوَ كَمَنْ أَقَامَهَا عَلَى غَائِبٍ لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ وَعَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا تَرْبُو النَّفَقَةُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْقَاضِي نَاظِرٌ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا لِيُثْبِتَ حَقًّا عَلَى الْغَائِبِ لِيَنْزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِهِ لَا يَقْبَلُهَا وَالْإِجْمَاعُ فِي مِثْلِهِ لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهِ إزَالَةُ يَدِ الْغَائِبِ عَمَّا فِي يَدِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ وَحَبْسُهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ شَيْئًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ لِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَرِيكُهُ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ حَتَّى يَنْقُدَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا نَقَدَ الْحَاضِرُ الثَّمَنَ لَا يَأْخُذُ إلَّا نَصِيبَهُ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي قَبْضِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ عَلَى تَقْدِيرِ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ ، وَالثَّانِي فِي حَبْسِ نَصِيبِ الْغَائِبِ عَنْهُ إذَا حَضَرَ ، وَالثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى ، وَالرَّابِعُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى قَبُولِ مَا أَدَّاهُ الْحَاضِرُ مِنْ نَصِيبِ الْغَائِبِ ، عِنْدَهُمَا يُجْبَرُ وَعِنْدَهُ لَا يُجْبَرُ ، وَالْخَامِسُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ مِنْ الْمَبِيعِ إلَى الْحَاضِرِ عِنْدَ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ فَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ وَعِنْدَهُ لَا يُجْبَرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَى الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ وَلَا جَبْرَ وَلَا رُجُوعَ فِي التَّبَرُّعَاتِ ، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِهِ ، فَلَا يَقْبِضُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مُضْطَرًّا لَمَا اُخْتُلِفَ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَكَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلْوِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِنَاءِ السُّفْلِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ مُضْطَرٌّ إلَى أَدَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ كُلِّ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ كُلَّ الثَّمَنِ ، فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَى قَضَاءِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيَصِلَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلْوِ ، وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ
مَالِهِ ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ مِلْكَ الْغَائِبِ يَثْبُتُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ شَخْصَيْنِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَبُولِ الْآخَرِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُطَالَبُ بِمَا يَخُصُّ صَاحِبَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ حَظُّهُمَا فَلِشَبَهِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا عِنْدَ حُضُورِهِ وَلِشَبَهِهِ بِالْوَكِيلِ يَكُونُ مُضْطَرًّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ ، وَهَذَا ، أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْحَضْرَةِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحُكَّامِ ، فَلَا يَكُونُ مُضْطَرًّا وَفِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَا يُمْكِنُهُ فَجُعِلَ مُضْطَرًّا فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِهِ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مَحْضٌ وَلَيْسَ بِمُتَرَدِّدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكَهُ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَقَدْته الدَّرَاهِمَ وَنَقَدْت لَهُ الدَّرَاهِمَ أَيْ أَعْطَيْته فَانْتَقَدَهَا أَيْ قَبَضَهَا وَنَقَدْت الدَّرَاهِمَ وَانْتَقَدْتهَا إذَا أَخْرَجْت مِنْهَا الزَّيْفَ ا هـ وَعَلَى هَذَا فَنَقَدَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِحَرْفِ الْجَرِّ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَنْقُدَهُ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ بِحَذْفِ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ يَنْقُدَ لَهُ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ) أَيْ قَبْلَ إعْطَاءِ الثَّمَنِ فَالْحَاضِرُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ نَصِيبِهِ إلَّا بِنَقْدِ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ الْحَبْسَ بِكُلِّ الثَّمَنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ ) أَيْ إذَا أَفْلَسَ الرَّاهِنُ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَابَ ا هـ ( قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحُكَّامِ ) أَيْ فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَقْبِضَ نَصِيبَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، فَهُمَا نِصْفَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ حَيْثُ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثُلُثُ الْكُرِّ ، وَهَذَا قَاعِدَتُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كُلِّهَا كَالْمَهْرِ ، وَالْوَصِيَّةِ ، الْوَدِيعَةِ ، وَالْغَصْبِ ، وَالْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْزُونِ ، وَالْمَكِيلِ ، وَالْمَعْدُودِ ، وَالْمَذْرُوعِ .( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفٍ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُمَا نِصْفَانِ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَبِيعُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ جَيِّدِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَالَ هَذَا نِصْفَانِ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَقَوْلُهُ أَبِيعُك مُسَاوَمَةٌ لَا إيجَابٌ قَالُوا وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّنْصِيفُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ الذَّهَبُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَثَاقِيلِ وَلَمْ تَتَرَجَّحْ الْفِضَّةُ لِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الْمُبَايَعَاتِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَا وَلَمْ يُوجَدْ الْمُرَجِّحُ صُيِّرَ إلَى قَضِيَّةِ الْإِضَافَةِ وَالْبَيَانِ فَوَجَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قُضِيَ زَيْفٌ عَنْ جَيِّدٍ وَتَلِفَ ، فَهُوَ قَضَاءٌ ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَقَضَاهُ زُيُوفًا ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَهَلَكَتْ ، أَوْ أَنْفَقَهَا ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ ، فَهُوَ قَضَاءٌ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَرْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَمَا يُرَاعَى حَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِمُجَرَّدِ الْجَوْدَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَا قِيَامٌ لَهَا بِذَاتِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا فَتَعَيَّنَ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ ، وَالرُّجُوعُ بِالْجِيَادِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَمَا جَازَ لِكَوْنِهِ اسْتِبْدَالًا ؛ إذْ هُوَ حَرَامٌ فِي الصَّرْفِ ، وَالسَّلَمِ فَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اسْتَوْفَاهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الْجَوْدَةُ ، وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ حَقًّا لَهُ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ ، فَلَا تَنْقُضُ الْقَبْضَ فِي الْأَصْلِ لِأَجْلِهِ كَيْ لَا يَنْعَكِسَ فَيَكُونَ الْأَصْلُ تَبَعًا ، وَالتَّبَعُ أَصْلًا بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَتْلَفَ الرَّهْنَ ، أَوْ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَ مِلْكَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدِينِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ مِلْكًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ ، وَالْغُرَمَاءُ فَلَمْ يَكُنْ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ لِحَقِّهِ .
قَوْلُهُ أَوْ أَنْفَقَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ إلَخْ ) هَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ الثَّانِيَةُ كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ رَجَعَ بِالْجِيَادِ الثَّالِثَةُ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ ، وَنَقَدَ الزُّيُوفَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ ، الرَّابِعَةُ اشْتَرَى الدَّارَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ فَالشُّفْعَةُ بِالْجِيَادِ الْخَامِسَةُ حَلَفَ لَا يَقْضِيَنَّ حَقَّهُ الْيَوْمَ وَعَلَيْهِ جِيَادٌ فَقَضَى زُيُوفًا بَرَّ ا هـ قُنْيَةٌ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلُهُ فَقَضَى زُيُوفًا بَرَّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْأَجْنَاسِ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالْجِيَادِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَفْرَخَ طَيْرٌ ، أَوْ بَاضَ ، أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ ، أَوْلَى بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ ، وَالْبِيضُ صَيْدٌ } وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِكَسْرِهِ وَشَيِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } أَيْ الْبِيضِ ، وَالْفَرْخِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُهَيَّأَةً لِذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاصْطِيَادِ ، فَهُوَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ إلَّا بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلْجَفَافِ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ مَلَكَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ ، أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَعْسَلِ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَنْزَلْ الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكُهُ تَبَعًا لَهَا كَالْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ ، وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِيهَا لِجَرَيَانِ الْمَاءِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ ) أَيْ دَخَلَ كِنَاسَهُ وَالْكِنَاسُ بَيْتُ الظَّبْيِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتَكَسَّرَ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَّرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَا لِلْآخِذِ وَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ تَكَنَّسَ اسْتَتَرَ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ الرُّقَيَّاتِ مَسَائِلَ نَحْوَ هَذَا قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اتَّخَذَ حَظِيرَةً فِي أَرْضِهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ وَاجْتَمَعَ فِيهِ السَّمَكُ فَقَدْ مَلَكَ السَّمَكَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَوْ اُتُّخِذَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَمَنْ أَخَذَ السَّمَكَ فَهُوَ لَهُ قَالَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ فِي أَرْضِهِ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَتَكَسَّرَ فَإِنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِلصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ وَقَدْ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ لِلصَّيْدِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَجَاءَ الْمَطَرُ فَابْتَلَّ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا عَصَرَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْمَاءَ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَالَ : وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِأَجْلِ مَاءِ الْمَطَرِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعُيُونِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا بَاضَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ تَكَسَّرَ فِيهَا فَجَاءَ رَجُلٌ لِيَأْخُذَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ ، فَإِنْ كَانَ مَنَعَهُ إيَّاهُ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى أَخْذِهِ قَرِيبًا مِنْهُ كَانَ الصَّيْدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَمَنْعُهُ مِنْهُ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ ، فَإِنْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَغْلَقَ الْبَابَ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الصَّيْدَ وَلَمْ يَعْلَمْ
فَلَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ فَأَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهِ أَوْ سَدَّ الْكُوَّةَ ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي ثِيَابٍ النِّثَارُ مِنْ السُّكْرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ مَا لَمْ يَكُفَّ ثَوْبَهُ عَلَى السَّاقِطِ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْزَال ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَنْزَالُ جَمْعُ نُزُلٍ يُقَالُ طَعَامٌ كَثِيرُ النُّزُلِ وَالْمَنْزِلِ أَيْ الرَّيْعِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْبَيْعُ ، وَالْقِسْمَةُ ، وَالْإِجَارَةُ ، وَالْإِجَازَةُ ، وَالرَّجْعَةُ ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ ، وَالِاعْتِكَافُ ، وَالْمُزَارَعَةُ ، وَالْمُعَامَلَةُ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالْوَقْفُ ، وَالتَّحْكِيمُ ) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } وَمَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ ، أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا ، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ ؛ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهِ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ ، وَهُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا فِي التَّبَرُّعَاتِ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ } وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ لَا يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكَاتِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ الَّذِي يُحْلَفُ بِهِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ مُطْلَقًا وَذَلِكَ مِثْلُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوِلَايَاتِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ ، وَكَذَا التَّحْرِيضَاتُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } { وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةٍ فَقَالَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا جِئْنَا إلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَنَقُولُ الْبَيْعُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةٍ إنْ بَانَ قَالَ بِعْت مِنْك إنْ كَانَ كَذَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ نَافِعًا ، أَوْ ضَارًّا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك هَذَا إنْ رَضِيَ فُلَانٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا وَقَّتَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةٍ عَلَيَّ ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ، أَوْ يُلَائِمُهُ ، أَوْ فِيهِ أَثَرٌ ، أَوْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ ، أَوْ الثَّمَنِ ، أَوْ التَّأْجِيلَ ، أَوْ الْخِيَارَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَجُوزُ الشَّرْطُ ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى النَّعْلَ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ وَلَا الْعَادَةُ جَرَتْ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَسَدَ الْبَيْعُ ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْقِسْمَةُ وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكٌ أَمَّا الْإِجَارَةُ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْأُجْرَةَ ، وَالْقِسْمَةُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَصَارَا كَالْبَيْعِ ، وَالرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِابْتِدَائِهِ ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ بِهِ ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الصُّلْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَكُونُ بَيْعًا ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ ، وَالِاعْتِكَافُ لَيْسَا مِمَّا
يُحْلَفُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ وَالْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ إجَارَةٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَمْ يُجِزْهُمَا إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونَانِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَيَفْسُدَانِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالْإِقْرَارُ وَالْوَقْفُ لَيْسَا مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ ، وَالْكَذِبِ ، فَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَكُونُ صِدْقًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا بِالْعَكْسِ ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِي الْإِيجَابَاتِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجُحُودِ أَوْ دَعْوَى الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالتَّحْكِيمُ لَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا بِخَطَرٍ وَلَا مُضَافًا إلَى زَمَانٍ بِأَنْ قَالَ الْمُحَكِّمَانِ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ ، أَوْ قَالَا لِعَبْدٍ ، أَوْ كَافِرٍ إذَا أَعْتَقْت ، أَوْ أَسْلَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَنَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَفْوِيضٌ وَتَوْلِيَةٌ فَصَارَ كَالْوَكَالَةِ ، وَالْإِمَارَةِ ، وَالْقَضَاءِ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّحْكِيمَ تَوْلِيَةٌ صُورَةً وَصُلْحٌ مَعْنًى ؛ إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صُلْحٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ يَصِحُّ ، فَلَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ ، وَالِاحْتِمَالِ .
قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِجَازَةُ ) كَذَا فِي الْمَتْنِ وَشَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْإِجَارَةُ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَفِي تَعْلِيقِهَا أَيْ الْإِجَارَةِ بِالشَّرْطِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ أَيْضًا قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْلِيقٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اللَّيْثِ وَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَقَالَ الصَّفَّارُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ ظَهِيرِ الدِّينِ ا هـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ آجَرْتُك دَارِي هَذِهِ رَأْسَ الشَّهْرِ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا جَازَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ الصَّفَّارُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ آخَرَ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت إذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ هَذَا الشَّهْرُ فَقَدْ أَبْطَلْت الْإِجَارَةَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ
الْإِجَارَةِ لِمَجِيءِ الشَّهْرِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخِهَا لِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَسْأَلَةُ الْمُنْتَقَى تَعْلِيقُ إبْطَالِ الْخِيَارِ يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إضَافَةُ الْفَسْخِ إلَى الْغَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ صَحِيحٌ وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ لِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ ا هـ قُلْت وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِجَارَةِ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا وَاسْتُفِيدَ مِمَّا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الْفَسْخِ إلَى الْغَدِ وَغَيْرِهِ تَصِحُّ وَأَنَّ تَعْلِيقَ الْفَسْخِ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ إلَخْ ) وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ فَهَلْ يَجُوزُ يُنْظَرُ فِي الْكَنْزِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فَإِذَا بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ اسْتِخْدَامَهُ شَهْرًا أَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَمَا مَرَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَخْ ) لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ لَا يَصِحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ يُلَائِمُهُ ) أَيْ كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِأَنَّهُمَا لِلْوَثِيقَةِ وَالتَّأْكِيدِ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُؤَكِّدُهُ مُلَائِمٌ لَهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ مُعَيَّنَيْنِ ا هـ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ ) وَأَهْلُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرَى وَالْمَبِيعُ الْآدَمِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ ا هـ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقِسْمَةُ إلَخْ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى
النَّاسِ فَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَشَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِأَحَدِهِمْ وَالْعَيْنُ لِلْبَاقِينَ فَهَذَا فَاسِدٌ وَصُورَةُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ بِأَنْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ وَشَرَطُوا فِيهَا رِضَا فُلَانٍ فَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ آجَرَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ آجَرَهُ إيَّاهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ ا هـ وَقَوْلُهُ وَالْإِجَازَةُ بِالزَّايِ بِأَنْ بَاعَ الْفُضُولِيُّ عَبْدَ فُلَانٍ فَقَالَ أَجَزْته بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَنِي أَوْ يُهْدِيَ إلَيَّ أَوْ عَلَّقَ إجَازَتَهُ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ أَجَزْت الْبَيْعَ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ بَيْعٌ مَعْنًى ( قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ رَاجَعْتُك عَلَى أَنْ تُقْرِضِينِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِابْتِدَائِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ ابْتِدَائِهِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا أَيْضًا ا هـ وَصُورَةٌ أُخْرَى لِفَسَادِ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ رَاجَعْتُك إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُك فَإِنَّهَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعِدَّةِ إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ : وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تَسْكُنَنِي فِي الدَّارِ سَنَةً مَثَلًا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مَا نَصُّهُ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا بِأَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك غَدًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ صُورَةُ فَسَادِ الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا مَعْلُومًا وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبَلَ الْمُدَّعِي عَبْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْآبِقِ لِأَجْلِ مَا ادَّعَى فَقَبِلَ يَكُونُ
الصُّلْحُ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي مُطْلَقًا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ شَرْطُ جَوَازِهِ وَلَا قُدْرَةَ هُنَا فَيَكُونُ الصُّلْحُ فَاسِدًا وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى كَذَا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ ا هـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ فَسَادِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَبْرَأْت ذِمَّتَك عَنْ دَيْنِي بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ فِي رَدِّ الْإِبْرَاءِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَصُورَةُ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَوْ كَفِيلِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ عَنْ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَبْرَأُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ لَفْظَ الصُّلْحِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ فَيَبْطُلُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَزْلُ الْوَكِيلِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ عَزَلْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَ لِي شَيْئًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ ا هـ فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ لِفَسَادِ الْعَزْلِ ( قَوْلُهُ وَالِاعْتِكَافُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ ا هـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِلَّهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا أَصُومَ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ أُبَاشِرَ امْرَأَتِي فِي اعْتِكَافِي أَوْ أَنْ أَخْرُجَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَشَاءُ لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ فَاسِدًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ
أَيَّامٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُعَامَلَةُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك شَجَرِي أَوْ كَرْمِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ ا هـ وَقِيلَ : صُورَةُ فَسَادِ الْمُعَامَلَةِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ وَقَّتَا فِيهَا وَقْتًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَخْرُجُ الثَّمَرَةُ فِيهِ فَيَفْسُدُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُزَارَعَةُ ) بِأَنْ قَالَ زَارَعْتُك أَرْضِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ ا هـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِأَنْ عَقَدَا الْمُزَارَعَةَ وَشَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً أَوْ شَرَطَا أَنْ يَرْفَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ بَذْرَهُ وَيَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْإِقْرَارُ ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَقْرَضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْوَقْفُ ) بِأَنْ قَالَ أَوْقَفْت دَارِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ أَوْقَفْت دَارِي عَلَيْك إنْ أَخْبَرْتنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَالتَّحْكِيمُ ) بِأَنْ قَالَا حَكَّمْنَا هَذَا إنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ ، فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُ قَاضِيًا بِشَرْطِ عَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ ( فَرْعٌ ) يُحْفَظُ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَ نَجْمٌ وَلَمْ تُؤَدِّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ وَالْمَالُ يَصِيرُ حَالًّا فِي حِيَلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْبُيُوعِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْقَرْضُ ، وَالْهِبَةُ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَالنِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْخُلْعُ ، وَالْعِتْقُ ، وَالرَّهْنُ ، وَالْإِيصَاءُ ، وَالْوَصِيَّةُ ، وَالشَّرِكَةُ ، وَالْمُضَارَبَةُ ، وَالْقَضَاءُ ، وَالْإِمَارَةُ ، وَالْكَفَالَةُ ، وَالْحَوَالَةُ ، وَالْوَكَالَةُ ، وَالْإِقَالَةُ ، وَالْكِتَابَةُ ، وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَالْجِرَاحَةِ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، أَوْ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَعَزْلُ الْقَاضِي ) هَذِهِ كُلُّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ } ، وَكَذَا أَبْطَلَ شَرْطَ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { ابْتَاعِي فَاعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } قَالَهُ لَهَا حِينَ أَرَادَ مَوَالِي بَرِيرَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ بَعْدَ مَا أَعْتَقَهَا لَكِنْ الْكِتَابَةَ إنَّمَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْمُفْسِدِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعَامِلَ فُلَانًا ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ وَيَعْمَلَ مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَعَ أَيِّ شَخْصٍ شَاءَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْبَدَلِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ
الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَفْسُدُ إذَا كَانَ الْمُفْسِدُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الزَّائِدِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الصُّلْحُ عَنْ جَنَابَةِ الْعَمْدِ ، الْوَدِيعَةِ ، وَالْعَارِيَّةِ إذَا ضَمِنَهَا رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا حَوَالَةً ، أَوْ كَفَالَةً ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ ، ثُمَّ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِهَا وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ وَلَا مَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى تَكْمِلَةً لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَقْسَامِ وَتَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الشَّيْخُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ وَبِالِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالْحَجِّ ، وَالصَّلَاةِ ، أَوْ التَّوْلِيَاتِ كَالْقَضَاءِ ، وَالْإِمَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ ، الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا ، وَالْمُزَارَعَةُ ، وَالْمُعَامَلَةُ ، وَالْمُضَارَبَةُ ، وَالْوَكَالَةُ ، وَالْكِتَابَةُ ، وَالْكَفَالَةُ ، وَالْوَصِيَّةُ ، وَالْإِيصَاءُ ، وَالْقَضَاءُ ، وَالْإِمَارَةُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْوَقْفُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ ، وَهِيَ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي
مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَسْخُ الْإِجَارَةِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجَارَةِ فَيَجُوزُ مُضَافًا أَلَا تَرَى أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ ، وَهُوَ الْإِقَالَةُ مُعْتَبَرٌ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَالْبَيْعِ ، وَالْمُزَارَعَةِ ، وَالْمُعَامَلَةُ إجَارَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَا يُجِيزُهُمَا إلَّا بِطَرِيقِهِمَا وَيُرَاعِي فِيهَا شَرَائِطَهَا ، وَالْمُضَارَبَةُ ، وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِسْقَاطَاتِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ ، فَهُوَ بِالتَّوْكِيلِ أَسْقَطَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إسْقَاطًا فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ، وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامَاتِ فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالْإِيصَاءُ بِالْمَالِ ، أَوْ بِإِقَامَةِ شَخْصٍ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ ، أَوْ تَوْكِيلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا أَمَّا الْإِيصَاءُ إلَى شَخْصٍ فَلِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ لِلْحَالِ إلَّا مَجَازًا ، وَالْقَضَاءُ ، وَالْإِمَارَةُ تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا الثَّالِثُ ، وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ فَتِسْعَةٌ الْبَيْعُ ، وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ ، وَالْقِسْمَةُ ، وَالشَّرِكَةُ ، وَالْهِبَةُ ، وَالنِّكَاحُ ، وَالرَّجْعَةُ ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ ، وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكَاتٌ ، فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى
الْقِمَارِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إلَخْ ) سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَيْئًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : الْقَرْضُ ) بِأَنْ قَالَ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا مَثَلًا ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْهِبَةُ ) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةُ ) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي جُمُعَةً ا هـ ع أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لِي ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالصَّدَقَةُ مَا نَصُّهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك مَهْرٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ( قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ ) بِأَنْ قَالَ طَلَّقْتُك عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي ( قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ ) بِأَنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِي مُدَّةً سَمَّاهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ ( قَوْلُهُ : وَالْعِتْقُ ) بِأَنْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالرَّهْنُ ) بِأَنْ قَالَ رَهَنْت عِنْدَك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَقْبِضَهُ وَقَبِلَ الْآخَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْإِيصَاءُ ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت إلَيْك عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَتِي أَوْ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْوِصَايَةِ وَإِنْ خَانَ وَتَرَكَ حِفْظَ الْأَمَانَةِ فَالْإِيصَاءُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ( قَوْلُهُ : وَالْوَصِيَّةُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي إنْ أَجَازَ فُلَانٌ ا هـ أَوْ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت بِخِدْمَةِ
عَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ عَلَى أَنْ لَا يُسَلَّمَ الْعَبْدُ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَمَاتَ الْمُوصِي وَالْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ ) بِأَنْ قَالَ شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَنِي كَذَا أَوْ ضَارَبْتُك فِي أَلْفٍ عَلَى النِّصْفِ فِي الرِّبْحِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقِيلَ : صُورَةُ إدْخَالِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِأَنْ عَقَدَا الشَّرِكَةَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ وَشَرَطَا الرِّبْحَ وَالْوَضِيعَةَ نِصْفَيْنِ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَالشَّرِكَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَا الْوَضِيعَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ بَطَلَ الشَّرْطُ لَا الْمُضَارَبَةُ ( قَوْلُهُ : وَالْقَضَاءُ ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلَّيْتُك قَضَاءَ مَكَّةَ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا تُعْزَلَ أَبَدًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقِيلَ : صُورَةُ إدْخَالِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الْقَضَاءِ بِأَنْ قَالَ الْقَاضِي لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَقْضِي لِأَجْلِك عَلَى زَيْدٍ بِشَرْطِ أَنْ تَحُطَّ مِنْ دَيْنِك كَذَا أَوْ تُؤَجِّلَهُ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِمَارَةُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ وَلَّيْتُك إمَارَةَ الشَّامِ مَثَلًا عَلَى أَنْ تُرْكَبَ فَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَا تَبْطُلُ إمْرَتُهُ بِهَذَا ( قَوْلُهُ : وَالْكَفَالَةُ ) بِأَنْ قَالَ كَفَلْت عَنْ غَرِيمِك إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْحَوَالَةُ ) بِأَنْ قَالَ أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْجِعَ عِنْدَ التَّوَى ( قَوْلُهُ : وَالْوَكَالَةُ ) بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك إنْ أَبْرَأْت ذِمَّتِي عَمَّا لَك عَلَيَّ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْوَكَالَةُ مَا نَصُّهُ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك بِشَرْطِ أَنْ لَا أَعْزِلَك فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ عَزْلُهُ مَتَى شَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْإِقَالَةُ ) بِأَنْ قَالَ أَقَلْتُك عَنْ هَذَا الْبَيْعِ إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقِيلَ
: صُورَتُهُ بِأَنْ أَقَالَ الْبَائِعُ مَعَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِذْنُ الْعَبْدِ ) بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَتَوَّقْت إلَى سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ فِي كَذَا فَإِنَّ إذْنَهُ يَكُونُ عَامًّا فِي التِّجَارَاتِ وَالْأَوْقَاتِ إلَى أَنْ يَحْجُرَ الْمَوْلَى لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ ( قَوْلُهُ : وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ ) بِأَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ نَسَبُ الْآخَرِ مِنْهُ أَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ ثَبَتَ نَسَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التَّوْأَمَيْنِ وَيَرِثُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ لِمَا عُرِفَ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَرِثَ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ وَالنَّسَبُ لَا يَفْسُدُ بِهِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي إنْ رَضِيَتْ امْرَأَتِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ) بِأَنْ صَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا الْقَاتِلَ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ فَاسِدٌ وَيَسْقُطُ الدَّمُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ، فَلَا يَحْتَمِلُ الشَّرْطَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْجِرَاحَةُ ) بِأَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً خَطَأً فَصَالَحَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَ الشَّاجُّ زِيَادَةً عَنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ أَوْ كَانَ عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَقْتَصَّ الْمَشْجُوجُ بَعْدَ الشَّهْرِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقِصَاصُ فِي الثَّانِي بَعْدَ الشَّهْرِ بَاطِلٌ لِمَا يُذْكَرُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ ( قَوْلُهُ : وَعَقْدُ الذِّمَّةِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِأَنْ قَالَ الْإِمَامُ لِحَرْبِيٍّ يَطْلُبُ عَقْدَ الذِّمَّةِ ضَرَبْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ
مَثَلًا فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ا هـ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِطَرِيقِ الْإِهَانَةِ أَوْ أَنْ لَا يُظْهِرُوا الْكُسْتِيجَ ( قَوْلُهُ : وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ) أَيْ كَقَوْلِهِ إنْ وَجَدْت بِهِ عَيْبًا أَرُدُّ عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ) بِأَنْ قَالَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ رَدَدْت الْبَيْعَ أَوْ أَسْقَطْت خِيَارِي إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الرَّدُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( قَوْلُهُ الرُّؤْيَةِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالثَّابِتُ فِي الْمُتُونِ الشَّرْطُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَزْلُ الْقَاضِي ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ عَزَلْتُك عَنْ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ : وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتُ الِاخْتِصَاصِ يُخَالِفُهُ فَلِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ ) أَيْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ الصُّلْحُ عَنْ جَنَابَةِ الْعَمْدِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْغَصْبُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْعَمْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ هُنَا ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أُخْرَى ا هـ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ آخِرَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ إذَا تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَطَلِّقْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ ا هـ وَهَذَا تَعْلِيقٌ لَا إضَافَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى ( قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةُ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْكَفَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْعَدَدُ إلَّا بِذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ ) الَّذِي
بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ( قَوْلُهُ : إلَّا مَجَازًا ) أَيْ عَنْ الْوَكَالَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَتِسْعَةٌ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَشَرَةٌ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا عَدَّهَا الشَّارِحُ تِسْعَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَإِجَازَتَهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ا هـ .
( كِتَابُ الصَّرْفِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ بَيْعُ بَعْضِ الْأَثْمَانِ بِبَعْضٍ ) كَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ، أَوْ بِجِنْسِهِ هَذَا فِي الشَّرْعِ ، وَفِي اللُّغَةِ لَهُ تَفْسِيرَانِ : أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ مِنْ الْعِبَادَاتِ صَرْفًا ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } أَيْ لَا نَفْلًا وَلَا فَرْضًا وَسُمِّيَ هَذَا الْبَيْعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةُ ، وَالثَّانِي النَّقْلُ ، وَالرَّدُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وَسُمِّيَ بِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ تَجَانَسَا شُرِطَ التَّمَاثُلُ ، وَالتَّقَابُضُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً ، وَإِلَّا شُرِطَ التَّقَابُضُ ) يَعْنِي إذَا بِيعَ جِنْسُ الْأَثْمَانِ بِجِنْسِهِ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ ، أَوْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسَاوِي ، وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ ، وَالصِّيَاغَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ } إلَى أَنْ قَالَ { مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إلَى أَنْ قَالَ ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ ، فَلَا تُنْظِرْهُ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ
أَحَدِهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ النَّسِيئَةِ ؛ لِأَنَّهَا عَلَى عَرْضِ التَّوَى دُونَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ ، وَالتِّبْرِ ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ خِلْقَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ هَلْ هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ ، أَوْ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ فَقِيلَ : هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّ حَالَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ تَيْسِيرًا فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِيهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَقِيلَ : هُوَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَقْبِضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ نَامَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَجْلِسِ ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ ، أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً صَحَّ إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ لِمَا رَوَيْنَا ، فَلَا يَضُرُّ الْجُزَافُ ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا ، أَوْ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ ، وَالْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُهُ ، وَبِالْأَجَلِ يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ
بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ ، أَوْ الْأَجَلُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَلَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ ، أَوْ الذَّهَبَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً ، ثُمَّ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ وَقَالَ زُفَرُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ حَقُّ الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ قُلْنَا التَّسْوِيَةُ شَرْطٌ وَاجِبٌ عَلَيْنَا فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ بِفِعْلِنَا أَمَّا وُجُودُهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُنْبِئُ عَلَى فِعْلِ الْعِبَادِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ .
( كِتَابُ الصَّرْفِ ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مَرَّ فِي أَوَّلِ بَابِ السَّلَمِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ صَرَفْت الْمَالَ أَنْفَقْته وَصَرَفْت الذَّهَبَ بِالدَّرَاهِمِ بِعْته وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ هَذَا صَيْرَفِيٌّ وَصَيْرَفٌ وَصِرَافَ لِلْمُبَالَغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ فِي الْجَوْدَةِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الصَّيْرَفِيِّ ا هـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ صَرَفَ الدَّرَاهِمَ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ وَأَصْرَفَهَا اشْتَرَاهَا وَلِلدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ صَرْفٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالْقِيمَةِ أَيْ فَضْلٌ وَقِيلَ : لِمَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْفَضْلَ وَيُمَيِّزُ هَذِهِ الْجَوْدَةَ صَرَّافٌ وَصَيْرَفٌ وَصَيْرَفِيٌّ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّرْفِ النَّقْلِ لِأَنَّ مَا فَضَلَ صَرْفٌ عَلَى النُّقْصَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْأَثْمَانِ صَرْفًا إمَّا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى عَاقِدِهِ طَلَبُ الْفَضْلِ وَالزِّيَادَةِ أَوْ لِاخْتِصَاصِ هَذَا الْعَقْدِ بِنَقْلِ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْخَلِيلُ ) قَالَ الْخَلِيلُ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ فِي الْقِيمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ الْمَدِينَةِ { مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ } فَقَالَ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلنَّفْسِ إلَى الْبِرِّ عَنْ الْفُجُورِ وَالْعَدْلُ الْقُرْبَةُ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَمْهَرَةِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَقَالَ قَوْمٌ الصَّرْفُ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَمْهَرَةِ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا
حَدَثًا قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ إحْدَاثِ الْحَدَثِ فِعْلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ اعْتِرَاضَ الْأَتْقَانِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَفْسِيرِ الصَّرْفِ بِالنَّافِلَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَمْهَرَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ وَفِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ الصَّرْفُ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ اللَّهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا عَدْلًا ) الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ فِي ( قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ ) أَيْ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يُقَابِلُهُمَا مِنْ نَحْوِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالثَّوْبِ فِي دَفْعِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَخْ ) رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ لَا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُبَاعُ مِنْهَا غَائِبٌ بِنَاجِزٍ فَإِنِّي أَخَافُ الرَّمَّاءَ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ ، فَلَا تُنْظِرْهُ وَالرَّمَّاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى الرِّبَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ) أَيْ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي الْقَبْضِ
لِأَنَّ خِلْقَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلثَّمَنِيَّةِ وَإِنْ كَانَا مِمَّا يَتَعَيَّنَانِ كَالتِّبْرِ وَالْمَصُوغِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ خِلْقَةً ) أَخْرَجَ مَا هُوَ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ كَالْفُلُوسِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ يَكْفِي التَّقَابُضُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ نَامَا إلَخْ ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَمْ يَكُنْ فُرْقَةً وَلَوْ نَامَا مُضْطَجِعَيْنِ كَانَ فُرْقَةً وَلَا يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ وَلَا الْأَجَلُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَإِنْ أَسْقَطَاهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِتَعَلُّقِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ الِافْتِرَاقِ لَا يَبْطُلُ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعْلُ الصَّرْفِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الْإِعْرَاضِ كَالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ نَامَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ فُرْقَةٌ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ ، فَلَا ، وَعَنْهُ الْقُعُودُ الطَّوِيلُ فُرْقَةٌ دُونَ الْقَصِيرِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَرْسَلَ رَسُولًا يَقُولُ لَهُ بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَقَالَ قَبِلْت كَانَ بَاطِلًا ، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ ؛ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةٍ وَقَامَ قَبْلَ نَقْدِهَا بَطَلَ هَذَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ نَامَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وُجُودُ التَّقَابُضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّرْفِ ، وَلَكِنَّ وُجُودَ التَّقَابُضِ قَبْلَ
التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ حَتَّى إنَّهُمَا لَوْ تَعَاقَدَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى مَشَيَا مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا جَازَ الصَّرْفُ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ يَعْنِي أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ وَالِافْتِرَاقُ الْمُعْتَبَرُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ دُونَ الْمَكَانِ حَتَّى لَوْ قَامَا فَذَهَبَا مَعًا أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا لَا يَبْطُلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ) يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ لَا يَبْطُلُ بِذَهَابِ الْعَاقِدَيْنِ مَعًا وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ وَإِنْ مَشَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِالْمَشْيِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا فَيَبْطُلُ خِيَارُهَا إنْ لَمْ تُفَارِقْ الزَّوْجَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا وُزِنَا فِي الْمَجْلِسِ فَوُجِدَا سَوَاءً فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى فَسَادٍ ، فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ فَكَانَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْمَجْلِسِ كَالْعِلْمِ بِهَا فِي حَالِ الْعَقْدِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ مَا نَصُّهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، فَإِنْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ ) ؛ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ ؛ إذْ النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ جَازَ السَّلَمُ حَتَّى إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ رَبُّ السَّلَمِ قَدْرَ الدَّيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ السَّلَمُ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَمَا صَحَّ لِكَوْنِهِ كَالِئًا بِكَالِئٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنَّ الْمَانِعَ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الدَّيْنِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ وَهُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، أَوْ نَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَدَلَيْ الصَّرْفِ مَبِيعٌ ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا بِالتَّعْيِينِ كَالْمَضْرُوبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْمَصُوغِ ، وَالتِّبْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ .( قَوْلُهُ : فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ ) أَيْ وَثَمَنُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُهُ مِنْهُ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ مَا نَصُّهُ وَلَا يَبْرَأُ بَائِعُهُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ ) أَيْ وَلَا يَبْرَأُ بَائِعُهُ عَنْ الصَّرْفِ عِنْدَهُ أَيْضًا ا هـ ذَخِيرَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا ، فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ أَلْفٌ نَقْدٌ وَأَلْفٌ نَسِيئَةٌ ، فَالْأَلْفُ ثَمَنُ الطَّوْقِ ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ أَمَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ مِثْقَالٍ مَعَ الطَّوْقِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفَيْ مِثْقَالٍ وَنَقَدَ مِنْهُ أَلْفًا كَانَ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الطَّوْقِ ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَبِأَلْفٍ حَالَّةً كَانَ الْحَالُّ ثَمَنَ الطَّوْقِ وَفِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ تَسَامُحٌ فَإِنَّهُ قَالَ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ أَيْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ ، وَالطَّوْقِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّوْقِ الْقِيمَةُ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ ، وَكَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الطَّوْقِ صَارَ مُقَابَلًا بِالطَّوْقِ ، وَالْبَاقِي بِالْجَارِيَةِ قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ قِيمَتِهَا وَلَا فِي بَيَانِ قِيمَةِ الطَّوْقِ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ الثَّمَنَ خِلَافُ جِنْسِ الطَّوْقِ بِأَنْ كَانَ فِضَّةً ، وَالثَّمَنُ ذَهَبٌ ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ بَيَانُ قِيمَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَكَذَا الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ ، فَالْأَلْفُ ثَمَنُ الطَّوْقِ أَيْ الْأَلْفُ الْحَالُّ ثَمَنُ الطَّوْقِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الطَّوْقِ يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّ دِينَهُمَا وَعَقْلَهُمَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ مُبَاشَرَةِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَيَصْرِفُ الْمُتَأَخِّرَ إلَى الْجَارِيَةِ ، وَالْمَقْبُوضَ وَالْحَالَّ إلَى الطَّوْقِ لِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْسُدُ فِي الطَّوْقِ دُونَ الْجَارِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِصَّتِهَا
فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْفَسَادَ مُقَارِنٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ طَارِئٌ ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهُ قَالَ ( وَإِنْ بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ ، فَهُوَ حِصَّتُهَا ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ، أَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِهِمَا ) يَعْنِي يَكُونُ الْمَنْقُودُ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ حِصَّتُهَا ، أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَمْرَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهَا فَلِأَنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { نَسِيَا حُوتَهُمَا } ، وَالنَّاسِي أَحَدُهُمَا وَقَالَ تَعَالَى { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا } ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِمَا بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً ، أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَوَلَدَتْ ، أَوْ حَاضَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا ؛ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ ، أَوْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ حِضْتُمَا ، أَوْ وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْهُمَا لِلْإِمْكَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا نِصْفَهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفَهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ لَا يَبْطُلُ أَيْضًا وَيُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِأَنَّ الْكُلَّ ثَمَنُ السَّيْفِ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ مَعَ الْحِلْيَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ الْمَنْقُودُ عِوَضًا
مِنْهُ وَلِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الثَّمَنِ وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ ( وَلَوْ افْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ دُونَهَا إنْ تَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ ، وَإِلَّا بَطَلَا ) يَعْنِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ ، وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ الضَّرَرِ فَصَارَ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ ، وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِدُونِهِ جَازَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَصَارَ نَظِيرَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ لَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ ، أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ وَالْإِضَافَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَلِّكُ فَيَكُونُ أَعْرَفَ بِجِهَتِهِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِلْيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ خَاصَّةً ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ فِي الْكُلِّ لِمَا بَيَّنَّا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ يَكُونُ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الصَّرْفِ وَيَصِحَّانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصَرْفِ الْمَنْقُودِ إلَى الصَّرْفِ فَحَكَمْنَا بِجَوَازِهِ تَصْحِيحًا لِلْبَيْعِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ بَطَلَ الصَّرْفُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِفَسَادِ الصَّرْفِ وَقَصَدَ جَوَازَ
الْبَيْعِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِدُونِ جَوَازِ الصَّرْفِ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْفِضَّةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِثْلُهُ ، أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّبَا ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَوَازُ ، وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ يَكُونُ الْعَقْدُ مَحْكُومًا بِجَوَازِهِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ ، أَوْ مِثْلَهُ ، أَوْ أَكْثَرَ فَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِالْكَثْرَةِ ، وَالْحُرْمَةِ قَالَ ( وَلَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا صَحَّ فِيمَا قَبَضَ ، وَالْإِنَاءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ) يَعْنِي إذَا بَاعَهُ بِفِضَّةٍ ، أَوْ ذَهَبٍ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ ، وَهُوَ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَا يَشِيعُ ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ أَيْضًا بِالشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهِ ، وَهُوَ عَدَمُ النَّقْدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الصُّنْعُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ ( وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ ، أَوْ رَدَّهُ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِنَاءِ عَيْبٌ ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّهُ ، وَهَذَا الْعَيْبُ كَانَ مَوْجُودًا
عِنْدَ الْبَيْعِ مُقَارِنًا لَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى إنَاءَ فِضَّةٍ وَافْتَرَقَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يُرَدُّ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ ( وَلَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ ؛ إذْ التَّشْقِيصُ لَا يَضُرُّهَا بِخِلَافِ الْإِنَاءِ لَكِنْ إنْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْضَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ هَلَكَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ قَالَ ( وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضِعْفِهِمَا ) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُمَا بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ ، وَإِنَّمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ جِنْسٍ مُقَابَلًا بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ تَقْتَضِي الِانْقِسَامَ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَفِي حَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرٌ لَهُ ، فَلَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ التَّصَرُّفِ لَا يَجُوزُ لِتَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ، ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ كُلِّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ فِي الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَكَذَا
لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا لَا يَصِحُّ لِلتَّنْكِيرِ ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ ، ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهِمَا ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ جَانِبٍ إلَى الثَّوْبِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَنَا أَنَّ فِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ ، وَإِلَى جِنْسِهِ فَسَادَهُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْفَاسِدِ ، وَالصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ ، وَالْفَاسِدَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمُقَيَّدٍ لَا مُقَابَلَةَ الْكُلِّ بِالْكُلِّ بِطَرِيقِ الشُّيُوعِ وَلَا مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُطْلَقَ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلْمُقَيَّدِ ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا عِنْدَ الْوُجُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدًا لِتَعَذُّرِ وُجُودِ ذَاتٍ بِدُونِ صِفَةٍ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلصِّفَةِ ، بَلْ لِلذَّاتِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لَهُ لَمَا صَحَّ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ ، أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُفْسِدِ ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُلِّ بِالْكُلِّ شَائِعًا طَلَبًا لِلصِّحَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ ، ثُمَّ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُمْكِنِ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَلَئِنْ كَانَ تَغْيِيرٌ ، فَهُوَ تَغْيِيرٌ لِلْوَصْفِ لَا تَغْيِيرٌ لِأَصْلِ الْمُقَابَلَةِ ؛ إذْ هِيَ مَوْجُودَةٌ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمُقَابَلَةِ فِيهِ إفَادَةُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ
وَذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ بِأَنْ بَاعَ دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ مَثَلًا فَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِينَارًا ، ثُمَّ افْتَرَقَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَقْبُوضِ كُلِّهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَاهُ لَمَا صَحَّ إلَّا فِي نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبُوضَيْنِ ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الشُّيُوعِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ مُقَابَلًا بِالْمَقْبُوضِ وَنِصْفُهُ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَتَبْطُلُ حِصَّةُ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ ، وَالدِّرْهَمُ الْآخَرُ يَبْقَى فَضْلًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ كُلِّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ ، وَالتَّوْلِيَةُ تُضَادُّ الْمُرَابَحَةَ فَكَانَ إبْطَالًا لَهُ أَصْلًا وَفِي الثَّانِيَةِ طَرِيقُ التَّصْحِيحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ أَيْضًا بِصَرْفِ الْأَلْفِ وَمِائَةٍ إلَيْهِ ، أَوْ الْأَلْفِ وَمِائَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الطُّرُقَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الدِّينَارَ إلَى الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمَ إلَى الدِّرْهَمِ ، وَالدِّينَارَ إلَى الدِّرْهَمِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الدِّرْهَمَيْنِ إلَى الدِّينَارَيْنِ ، وَالدِّرْهَمَ إلَى الدِّينَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَقَلُّ تَغْيِيرًا فَكَانَ ، أَوْلَى وَالثَّالِثَةُ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنْكَرِ ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَيَّنِ لِلتَّضَادِّ بَيْنَهُمَا ؛ إذْ الْمُنْكَرُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ
لِلْبَيْعِ وَفِي الرَّابِعَةِ يَقَعُ الْعَقْدُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ مُقَابَلًا بِالْجِنْسِ ، أَوْ بِخِلَافِهِ ، وَالْفَسَادُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عَارِضٌ بِالْفِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ ؛ إذْ الْقَبْضُ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَصَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ شَرْطٌ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بَعْدَهُ مَوْهُومٌ ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ التَّقَابُضِ وَفِي الِابْتِدَاءِ مُتَحَقِّقٌ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ لِيَنْعَقِدَ صَحِيحًا ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ يَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْبَدَلِ الْآخَرِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَجْزَاءِ ، وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَتُ ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ لَا غَيْرُ قَالَ ( وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ ) يَعْنِي يَجُوزُ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا ، وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ ( وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةً بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةً ) يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ دُونَ الْوَصْفِ ، وَالْغَلَّةُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمُقَطَّعَةُ وَقِيلَ : هُوَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَتَأْخُذُهُ التُّجَّارُ وَلَا تَنَافِي ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَطَّعَةُ قَالَ ( وَدِينَارٍ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ ، أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ ) أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ دَيْنٍ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي
عَلَيْهِ ، أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةً وَدَفَعَ الدِّينَارَ إلَيْهِ ، ثُمَّ تَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ أَمَّا إذَا قَابَلَ الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ قَبْضُهَا وَلَا تَعْيِينُهَا بِالْقَبْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَتَعْيِينَ الْآخَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ بِأَنْ يُتْوَى عَلَيْهِ وَيَسْلَمَ الْمَقْبُوضُ عَنْ التَّوَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّالِمَ بِيَقِينٍ أَزْيَدُ مِنْ الَّذِي عَلَى خَطَرِ التَّوَى فَيَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرِ دَيْنٍ يَصِحُّ لِفَوَاتِ الْخَطَرِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَسْقُطُ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ ، ثُمَّ تَقَاصَّا ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِالصَّرْفِ غَيْرُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالصَّرْفِ دَيْنٌ يَجِبُ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا ، وَالدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَقَعُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ فَيَكُونُ التَّقَاصُّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَدَلَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ ، فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاصَّا تَضَمَّنَ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَانْعِقَادَ صَرْفِ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ مُضَافًا إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ ؛ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ فَثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً كَمَا لَوْ تَبَايَعَا
بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الثَّانِي اقْتِضَاءً فَكَذَا هَذَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَوْجُودًا قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ ، أَوْ حَصَلَ بَعْدَهُ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ التَّقَاصُّ بِدَيْنٍ حَادِثٍ بَعْدَ الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَقَاصًّا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ لِلصَّرْفِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْشَاءَ صَرْفٍ آخَرَ فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقْدًا جَدِيدًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى مَا قَبْلَهُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى سَبْقِ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ آخَرَ مُطْلَقًا مُتَقَدِّمًا كَانَ ، أَوْ مُتَأَخِّرًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَلَوْ صَحَّتْ الْمُقَاصَّةُ بِرَأْسِ الْمَالِ يَصِيرُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلِأَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ رُخْصَةً وَهُوَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْتَصَّ شَيْئًا ، فَلَا ضَرُورَةَ ، فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الدَّيْنِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُجْعَلَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ قَالَ ( وَغَالِبِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ حَتَّى لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا ) وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ ؛ إذْ هُمَا لَا يُطْبَعَانِ عَادَةً بِدُونِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِمَا خِلْقَةً فَيَعْسُرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَخْلُوطِ وَالْخِلْقِيِّ فَيَلْحَقُ الْقَلِيلُ مِنْ الْغِشِّ بِالرَّدَاءَةِ ، وَالرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَيُجْعَلُ الْغِشُّ الَّذِي فِيهِمَا مَعْدُومًا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ اعْتِبَارٌ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغِشُّ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمَا
حَيْثُ تُعْتَبَرُ الْفِضَّةُ ، وَالذَّهَبُ اللَّذَانِ فِيهِ عَلَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْفَرْقِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ( وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ قَالَ ( فَصَحَّ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا ) أَيْ بِالْمَغْشُوشِ مِثْلِهَا عَدًّا ، أَوْ وَزْنًا ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابَلٌ بِالْفِضَّةِ ، أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْآخَرِ ، فَلَا يَضُرُّ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ ، أَوْ الذَّهَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغِشِّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ بِخِلَافِ بَيْعِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ إلَّا فِي الدِّرْهَمَيْنِ ، وَكَذَا إذَا بِيعَتْ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ ، أَوْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ ، وَالزَّائِدُ بِالْغِشِّ عَلَى مِثَالِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ، وَالْجَارِيَةِ وَطَوْقِهَا بِالْفِضَّةِ فَاعْتُبِرَ الْفِضَّةُ ، أَوْ الذَّهَبُ الْمَغْلُوبُ بِالْغِشِّ هُنَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ بِالْفِضَّةِ ، أَوْ الذَّهَبِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ كُلَّهُ فِضَّةٌ ، أَوْ ذَهَبٌ فَيُمْنَعُ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ ، أَوْ الذَّهَبَ الْمَغْلُوبَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً حَالًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ فَإِنْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يَخْلُصَانِ مِنْهُ بِالْإِذَابَةِ فَكَانَا مَوْجُودَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرُ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ ، وَالذَّهَبِ مِنْ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَرِقُ أَوْ يَهْلِكُ وَلَا لَوْنَ لَهُ فِي الْحَالِ أَيْضًا ، فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ
أَصْلًا حَتَّى لَوْ عُرِفَ أَنَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ الَّذِي فِي الْغِشِّ الْغَالِبِ يَحْتَرِقُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ النُّحَاسِ الْخَالِصِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِيهِ اعْتِبَارٌ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا إنْ كَانَ مَوْزُونًا لِلرِّبَا وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْغَطَارِفَةِ ، وَالْعِدَالَيْ ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشَّ ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا لَانْفَتَحَ بَابُ الرِّبَا قَالَ ( ، وَالتَّبَايُعُ ، وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ عَدَدًا ، أَوْ وَزْنًا ، أَوْ بِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشَّ صَارَتْ كَالْفُلُوسِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا عَادَاتُ النَّاسِ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْفُلُوسِ الْعَادَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ بِهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَبِالْوَزْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدَدِ تُعْتَبَرُ بِالْعَدَدِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ أَثْمَانًا ) يُعْنِي مَا دَامَتْ تَرُوجُ ؛ لِأَنَّهَا بِالِاصْطِلَاحِ صَارَتْ أَثْمَانًا فَمَا دَامَ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ مَوْجُودًا لَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي قَالَ ( وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ كَانَتْ لَا تَرُوجُ ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ ، وَهُوَ الِاصْطِلَاحُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ هِيَ سِلْعَةٌ ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ ، فَهِيَ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَالِهَا وَبَاعَهُ بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا دَرَاهِمُ جِيَادٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْجِيَادِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِهَا فِي