كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
وَكَذَا إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْكِتَابَةِ تُنْتَقَضُ الْكِتَابَةُ ، وَإِذَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ صَارَتْ قِنَّةً وَالِاسْتِيلَادُ فِي الْقِنَّةِ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَوْلَدَ رَجُلٌ مُكَاتَبَةَ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا تَنْتَقِضُ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الْكِتَابَةِ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى تَكْمِيلِ الِاسْتِيلَادِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْمِيلِ فِي مُكَاتَبَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَامِلٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ تَنْفَسِخُ فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ ) أَيْ فِي أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهَا نَفْعًا حَيْثُ لَا تَبْقَى مَحَلًّا لِلِابْتِذَالِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَتَبْقَى ) أَيْ الْكِتَابَةُ ( فِيمَا وَرَاءَهُ ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبُ يَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ ضَرُورَةَ تَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهِ نَفْعًا ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ الِانْفِسَاخِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ حَتَّى تَبْقَى مُكَاتَبَةً فِي غَيْرِهِ كَمَا كَانَتْ حَتَّى لَا يَسْقُطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَلْ تَبْقَى مُكَاتَبَةً بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَحَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُسْتَوْلَدِ الْأَوَّلِ قِيمَةُ النِّصْفِ قِنًّا بَلْ يَجِبُ قِيمَةُ النِّصْفِ مُكَاتَبًا وَحَتَّى لَا يَتَعَدَّى انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ إلَى نَصِيبِ الْمُسْتَوْلِدِ وَحَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ وَاطِئًا مُكَاتَبَتَهُ فَافْهَمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ) أَيْ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا لَا تَقْبَلُهُ بِالِاسْتِيلَادِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِتَجَزِّيهِ إذَا عَارَضَهُ حَقٌّ لَازِمٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنِصْفُ عُقْرِهَا ) أَيْ لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ إذَا بَقِيَتْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ
ثُمَّ عِنْدَهُمَا لَمَّا صَارَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْعَجْزِ تَبْقَى مُكَاتَبَةً وَلَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ بِنِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِجَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا انْفَسَخَتْ فِي نَصِيبِ الثَّانِي سَقَطَ نِصْفُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَحَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نِصْفِ الْبَدَلِ فَصَارَتْ مُكَاتَبَةً بِالنِّصْفِ فَصَارَ عِتْقُهَا مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ النِّصْفِ وَالثَّانِي قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَ الْكِتَابَةِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةَ تَكَامُلِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ أَعْنِي فِي حَقِّ سُقُوطِ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ الْأَوَّلُ كَمَا كَانَ ، وَلِهَذَا جَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَمَلُّكِ الْمُكَاتَبَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَاتَّفَقَا عَلَى قِيَامِ الْكِتَابَةِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ يَعْنِي نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ حَتَّى صَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا لَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَتَاقِ أَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا ا هـ ( قَوْلُهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً ) لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا مُقَدَّرًا قِيمَةُ الْمُكَاتَبَةِ ا هـ ا ق ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَطَلَ التَّدْبِيرُ )
بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الثَّانِي لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا اسْتَوْلَدَهَا صَارَ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَمُكَاتَبَةً لَهُ ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَنَّ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي قَبْلَ عَجْزِهَا فِيهَا ظَاهِرُ الْمِلْكِ لَا حَقِيقَتُهُ وَظَاهِرُ الْمِلْكِ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ) أَيْ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ) أَيْ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَاتَبَاهَا فَحَرَّرَهَا أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا وَيَسْتَسْعِيهَا السَّاكِتُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَالْكِتَابَةُ لَا تَمْنَعُ الْعِتْقَ فَعَتَقَتْ كُلُّهَا لِلْحَالِ عِنْدَهُمَا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ ثُمَّ السَّاكِتُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانُ مَا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ فَجَازَ إعْتَاقُ نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ الْفَسَادُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ زِيَادَةً عَلَى مَا أَوْجَبَتْهُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَظْهَرُ مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ عِنْدَهُ يُؤَثِّرُ فِي جَعْلِ الْبَاقِي كَالْمُكَاتَبِ وَهِيَ كَانَتْ مُكَاتَبَةً قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ مُحَقَّقًا لِكِتَابَتِهَا فَلَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ قَبْلَ الْعَجْزِ لِعَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِ الْإِعْتَاقِ فِيهَا فَإِذَا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَثَرُ الْعِتْقِ فِيهَا فَكَانَ لِلسَّاكِتِ الْخِيَارَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَتَاقِ وَهِيَ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ فَإِذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ كَانَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ دَبَّرَ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا فَعِنْدَهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَلَا التَّدْبِيرُ إلَّا بَعْدَ عَجْزِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَجَزَّآنِ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرَانِ عَلَى نَصِيبِهِ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا نَصِيبُهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ
لَا يُنَافِيَانِ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَبَقِيَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَيَنْفَسِخُ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، فَإِذَا عَجَزَتْ ظَهَرَ أَثَرُهُمَا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَتْ كُلُّهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَوْ مُدَبَّرَةً ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ النَّقْلَ ؛ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ فِي حَقِّ مَا يَنْفَعُهَا ثُمَّ تَبْقَى مُكَاتَبَةً عَلَى حَالِهَا إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي الْحَالِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَضْمَنُ الْعُقْرَ فِي الِاسْتِيلَادِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَبْدٌ لَهُمَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَإِنْ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَإِعْتَاقُهُ يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَلَهُ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَإِذَا ضَمَّنَهُ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ ثُمَّ قِيلَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِالتَّقْوِيمِ ، وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ وَهُوَ قِنٌّ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ الْبَيْعُ وَأَشْبَاهُهُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَأَمْثَالُهُ وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ وَلِلْفَائِتِ الْبَيْعُ فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا يَتَمَلَّكُ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ كَمَا إذَا غَصَبَ مُدَبَّرًا أَوْ أَبَقَ وَضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا كَانَ لِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ ، فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ وَيَسْعَى ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَإِعْتَاقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا وَيَضْمَنُ
نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .قَوْلُهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فَبَعْدَ إعْتَاقِ الثَّانِي لَهُ الِاسْتِخْدَامُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَشْبَاهُهُ ) كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمْثَالُهُ ) كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْوَطْءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ ) وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَنَافِعُ الْمَمْلُوكِ ثَلَاثَةٌ الِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَالِاسْتِخْدَامُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالتَّدْبِيرِ تَفُوتُ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الِاسْتِرْبَاحُ وَبِالِاسْتِيلَادِ تَفُوتُ مَنْفَعَتَانِ قَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالِاسْتِرْبَاحُ فَتُوَزَّعُ الْقِيمَةُ عَلَى ذَلِكَ فَتَكُونُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثَ قِيمَتِهَا قِنَّةً ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ { بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى } ( مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَلَهُ مَالٌ سَيَصِلُ لَمْ يُعَجِّزْهُ الْحَاكِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) نَظَرًا إلَى الْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا عَجَّزَهُ وَفَسَخَهَا أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَسَخَ الْقَاضِي الْكِتَابَةَ أَوْ فَسَخَ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ حَتَّى كَانَ التَّأْجِيلُ فِيهَا سَنَةً وَحَالَةُ الْوُجُوبِ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ وَأَوْلَى الْمُدَدِ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ لِلْعَجْزِ وَالْعَجْزُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الْحُلُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْهَالِ مُدَّةٍ فَكَانَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْيِينُ الْمُسَمَّى عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ قَدْ فَاتَ فَوَجَبَ تَخْيِيرُهُ ، كَمَا لَوْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ وَالْإِخْلَالُ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ إخْلَالٌ بِمَا هُوَ غَرَضُ الْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى نَجْمٌ وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ صَارَ كَأَنَّهُ كُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ حَالًا ، وَفِيهِ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ
تُؤَدِّيَ الْمَالَ حَالًا وَإِلَّا رُدِدْت فِي الرِّقِّ فَكَذَا هَذَا وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُفِيدُ إثْبَاتَ الْفَسْخِ ؛ إذْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ فَلَا يَنْفِي ثُبُوتَ الْفَسْخِ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَالتَّأْخِيرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إمْضَاءِ مُوجِبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يُتَوَجَّهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ النَّجْمِ وَلَا بُدَّ لِلْأَدَاءِ مِنْ زَمَانٍ فَاسْتَحْسَنَّا هَذَا الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّعْجِيلِ دُونَ التَّأْخِيرِ نَظَرًا لَهُمَا وَإِظْهَارًا لِلْعُذْرِ ؛ إذْ هِيَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي قَصَصِ الْأَخْيَارِ وَإِمْهَالِ الْمُرْتَدِّ وَإِمْهَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَإِمْهَالِ الْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثًا يُمْهَلُ ، وَقَوْلُهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَهَا يَعْنِي الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعَجْزِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ الْمَوْلَى ذَلِكَ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَفْسَخُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ يَعْنِي أَوْ يَفْسَخُهُ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي بِلَا عُذْرٍ فَمَعَ الْعُذْرِ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقِيلَ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتِمُّ بِقَبْضِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ فَمَا لَمْ يُقْبَضْ لَا تَتِمُّ فَيَفْسَخُهُ مُسْتَبِدًّا بِهِ إذَا فَاتَ غَرَضُهُ كَمَا يَسْتَبِدُّ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا الْعَبْدُ بَعْدَ
الْعَقْدِ صَارَ فِي يَدِهِ فَصَارَ هَذَا فَسْخًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا .
( بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ آخِرًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ وَالْعَجْزَ عَارِضَانِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ هُوَ الْمُنَاسِبَ ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ الْأَصْلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ فَيَقُولُ أَخِّرُونِي ، قَالَ : إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ مَالٌ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أَخَّرْته يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَا أَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا أَرُدُّهُ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا بَلَاءٌ ) أَيْ إظْهَارٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ ) وَمَعْنَى النَّجْمِ هُوَ الطَّالِعُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ التَّأْجِيلِ نَجْمَانِ أَيْ شَهْرَانِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ مِنْ الْوَظِيفَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ ) وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ ) أَيْ رِفْقٍ يُقَالُ رَفَقْت بِهِ وَأَرْفَقْت بِمَعْنًى كَذَا فِي الصِّحَاحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَحَالَةُ الْوُجُوبِ إلَخْ ) يَعْنِي الْفَسْخَ لِلْعَجْزِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِتَوَالِي نَجْمَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ دَلِيلِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى نَجْمٌ صَارَ حَالًّا وَالْعَجْزُ عَنْ الْبَدَلِ الْحَالِّ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الْإِمْهَالِ وَإِبْلَاءِ الْعُذْرِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَوْلَى الْمُدَدِ ) أَيْ أَحَقُّ الْآجَالِ مَا أَجْمَعَ
عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ مَا تَوَافَقَ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ ) أَيْ وَهُوَ النَّجْمُ الثَّانِي فَإِذَا مَضَى الثَّانِي تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَوَجَبَ الْفَسْخُ ا هـ كَاكِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ صَارَ إلَيْهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعَبْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَفِي قَصَصِ الْأَخْيَارِ ) فَإِنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى بَعْدَ الثَّلَاثَةِ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا اسْتَمْهَلَ ثَلَاثًا يُمْهَلُ ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْقَدْرِ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يُنْتَظَرُ عَلَيْهِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ وَالْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِحِلِّيَّتِهِ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ مِنْ الْمُدَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بِالْعَقْدِ صَارَ فِي يَدِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُكَاتَبِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ تَمَكَّنَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِالْأَدَاءِ فَصَارَ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَادَ أَحْكَامَ الرِّقِّ ) أَيْ إذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ وَفَكُّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ إذْ هُوَ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَجْزِ كَانَ لِلْمَوْلَى وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَكَانَ لِمَوْلَاهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ لَمْ يُفْسَخْ وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ) وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تُرِكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَبَطَلَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ مُقْتَصِرًا أَوْ مُسْتَنِدًا لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْبِقُ شَرْطَهُ وَلَا إلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إثْبَاتُ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ ، وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَبْدُ لَا يَصْلُحُ مُعْتَقًا بَعْدَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِك لَا يَصِحُّ وَلَا إلَى الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فِي الْحَالِ تَعَذَّرَ اسْتِنَادُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ قَبْلَ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَعْتِقُ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ أَهْلًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ
وَهُوَ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فَإِذَا جَازَ بَقَاءُ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ وَغَيْرِهِ حَازَ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ إلَى مَقْصُودِهِ وَهُوَ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى قَبْلَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ عَجَّزَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ يَبْطُلُ ، وَاَلَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْمَوْلَى لَازِمٌ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَجْزِ وَالْمَالِكِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْقُدْرَةِ مِنْهُ لِلْعَجْزِ فَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ مَعَ أَقْوَى الْمُنَافِيَيْنِ فَمَعَ أَدْنَاهُمَا أَوْلَى ، أَلَا تَرَى مَمْلُوكِيَّةَ الْعَبْدِ بَاقِيَةً بَعْدَ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ حَتَّى وَجَبَ الْكَفَنُ عَلَى مَوْلَاهُ فَكَذَا هُنَا أَيْضًا تَبْقَى الْمَمْلُوكِيَّةُ لِحَاجَتِهِ وَهِيَ أَشْرَفُ بَلْ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَدِّي لِلِاتِّبَاعِ كَالْأَوْلَادِ وَأُمَّهَاتِهِمْ أَوْ نَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ يَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي مَكَاسِبِهِ وَبِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَتَبْقَى تِلْكَ الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ فَوْقَ حَاجَةِ الْمَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّرْدِيدِ قُلْنَا إنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْبَعْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ حَيًّا قَابِلًا لِلْعِتْقِ كَمَا يُقَدَّرُ الْمَوْلَى حَيًّا مَالِكًا مُعْتِقًا بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا فِي حَقِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِ كَتَجْهِيزِهِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ إنَّهُ يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ إمَّا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَسْتَنِدُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ فَيَكُونُ أَدَاءً خَلْفَهُ كَأَدَائِهِ
بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ الْأَدَاءُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَالْإِسْنَادُ يَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قُلْنَا : نَعَمْ لَكِنْ فِعْلُ النَّائِبِ مُضَافٌ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ شَرْعِيَّةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ صَارَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى يُورَثَ عَنْهُ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ السَّبَبُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَتَمَامُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ، فَكَذَا هُنَا لَمَّا كَانَ السَّبَبُ مُنْعَقِدًا وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَدَاءِ ، وَالْأَدَاءُ جَائِزٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ وُقُوعُ الْعِتْقِ مِمَّا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ كَالْمِلْكِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِمَّا بِأَنْ يُقَامَ التَّرْكُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمَوْلَى وَهُوَ الْأَدَاءُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا مَاتَ عَاجِزًا مَاتَ عَبْدًا وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ وَتَفْسِيرُ الْوَفَاءِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَسْعَى وَيُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَيُجْعَلَ أَدَاؤُهُ كَأَدَائِهِ وَيُحْكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَتَرَكَ مَالًا بِهِ وَفَاءٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّة ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ أَوْلَادِهِ ) أَيْ الْمَوْلُودِينَ أَوْ الْمُشْتَرَيْنَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلٌ ) أَيْ قَوْلُ عَلِيٍّ و ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِك لَا يَصِحُّ ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقَ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ) أَيْ أَوَّلًا فِي الْحَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ ) وَلَا إمْكَانَ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْمَمَاتِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَنِدُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ) أَيْ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْبَدَلِ بِعَرْضِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً عِنْدَ الْقَبْضِ ، وَالْمُكَاتَبُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ ذَلِكَ حَقِيقَةً عِنْدَ الْأَدَاءِ ثُمَّ قَبْضُ خَلَفِ الْمَوْلَى يُجْعَلُ
كَقَبْضِ نَفْسِهِ وَيُجْعَلُ الْمَوْلَى مُعْتِقًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ فَكَذَلِكَ يُجْعَلُ أَدَاءُ خَلَفِ الْمَكَاتِبِ كَأَدَائِهِ وَيُجْعَلُ مُعْتِقًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِحَاجَتِهِ بَلْ هُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ شُرِعَتْ نَظَرًا لِلْمُكَاتَبِ وَرِفْقًا حَتَّى كَانَتْ الْكِتَابَةُ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَسْخِ وَشُرِعَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْفَسْخِ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ فَلَمَّا وَجَبَ إبْقَاءُ الْكِتَابَةِ لِحَاجَةِ الْمَوْلَى فَلَأَنْ يَجِبَ إبْقَاؤُهَا لِحَاجَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْلَى ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى جَعْلِ الْمَوْلَى مُعْتِقًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى جَعْلِ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِعْلٌ وَكَوْنُهُ مُعْتِقًا وَصْفٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْأَفْعَالَ وَلَا يُنَافِي الصِّفَاتِ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مُعْتِقًا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا وَمِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مُعْتَقًا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا وَالْمَوْتُ أَنْفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَأَنْفَى لِكَوْنِهِ مُعْتِقًا مِنْ كَوْنِهِ مُعْتَقًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَمَادَاتِ تُوصَفُ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَلَا تُوصَفُ بِالْمَالِكِيَّةِ فَإِذَا جُعِلَ الْمَوْلَى مُعْتِقًا بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَعْلُ الْمُكَاتَبِ مُعْتَقًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ قِبَلَهُ ) أَيْ قِبَلَ الْمُكَاتَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَوْلَى بِمَوْتِهِ فَحَقُّ الْمُكَاتَبِ وَإِنَّهُ أَلْزَمُ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَلِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَدَاءِ ) أَيْ وَهُوَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْإِسْنَادُ ) إنَّمَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَمَاتَ ) أَيْ الرَّامِي ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أَصَابَهُ )
أَيْ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ ا هـ قَوْلُهُ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ الْمَوْلَى ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فِي حَيَاتِهِ يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَوْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ ، قُلْنَا : ثَبَتَتْ الْحُرِّيَّةُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ لِضَرُورَةِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يُعَدُّ وَمَوْضِعُهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ إحْصَانِهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْحُرِّيَّةُ هُنَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَمَا ثَبَتَ بِالِاسْتِنَادِ ثَبَتَ مِنْ وَجْهٍ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ لَا وَفَاءَ سَعَى كَأَبِيهِ عَلَى نُجُومِهَا وَإِذَا أَدَّى حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ أَبِيهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً مَعَ الْوَلَدِ وَفِي الْكَافِي لَوْ كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَمَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ بَقِيَ خِيَارُهُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهَا ، وَإِذَا أَجَازَ يَبْقَى الْوَلَدُ عَلَى نُجُومِ أُمِّهِ وَإِذَا أَدَّى عَتَقَتْ الْأُمُّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَعَتَقَ وَلَدُهَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَلَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْمَوْلَى وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَالِدِ فِي الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ وَأُمُّهُ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً بَعْدُ وَلَهُمَا أَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةً بِأَنْ يُجِيزَهُ الْمَوْلَى وَيَقُومُ الْوَلَدُ مَقَامَهَا وَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْأُمِّ بِنَفَاذِهِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الِانْعِقَادِ .( قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي لَوْ كَاتِبْ أَمَتَهُ إلَخْ ) وُضِعَ فِي خِيَارِ الْمَوْلَى إذْ فِي خِيَارِ الْأَمَةِ مَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يُورَثُ مِنْ الْحُرِّ فَكَيْفَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ لَكِنَّهَا كَمَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَتْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهَا مِنْ الْحَقَائِقِ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى عَجَّلَ الْبَدَلَ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ عَلَى نُجُومِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ فَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَتِهِ حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى إعْتَاقُهُ كَمَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَكْسَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الْعَقْدَ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَقْتَ الْكِتَابَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوَاتِ الْمَتْبُوعِ ، وَلَكِنْ إذَا عَجَّلَ وَأَعْطَى مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَاؤُهُ بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ فَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ الْمَوْلُودَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مِنْ امْرَأَةٍ لَهُ أَمَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَائِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ .( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ ) أَيْ تَبَعًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي كِتَابَتِهِ ) أَيْ عَلَى حُكْمِ أَبِيهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فَمَاتَ وَتَرَك وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتْبَعُهُ وَلَدُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا عَنْ ابْنٍ حُرٍّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ) يَعْنِي يَرِثُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ حُكِمَ بِعِتْقِ الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضَرُورَةَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ حُرًّا مَاتَ عَنْ ابْنٍ حُرٍّ وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ حُرًّا وَمَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ وَمُكَاتَبًا مَعَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَوَصِيًّا يَرِثُهُ أَوْلَادُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ مِنْ الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ مَاتَ الْحُرُّ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لَا يَرِثَانِهِ ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ كِتَابَةِ أَبِيهِ فَلَا يَظْهَرُ الْإِسْنَادُ فِي حَقِّهِ .( قَوْلُهُ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْإِعْتَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كِتَابَةٌ وَاحِدَةٌ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُكَاتَبَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يَرِثُهُ ابْنُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِي ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا بِالْكِتَابَةِ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ وَقْتِ أَدَاءِ الْبَدَلِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ هَاهُنَا فَكَانَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَا يَرِثُهُ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا فِيهِ وَفَاءٌ بِمُكَاتَبَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقُضِيَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ قَضِيَّةِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَإِنْ تَرَكَ مَالًا وَهُوَ الدَّيْنُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمْ كَانَ الْقَضَاءُ تَقْرِيرًا لِلْكِتَابَةِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ عَلَى حَالِهَا ، فَإِذَا أَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَظَهَرَ لِلِابْنِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ فَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ إثْبَاتِهِ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ حَتَّى لَوْ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ إثْبَاتِهِ مِنْهُ بِأَنْ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ يَعُودُ النَّسَبُ إلَيْهِ ، فَكَذَا الْوَلَاءُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي نَفْسِ الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِكَوْنِ الْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ إذْ الْخُصُومَةُ وَقَعَتْ فِي الْوَلَاءِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْقَضَاءُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُهُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ إذْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ جَانِبِهِ بِالْأَدَاءِ وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَضَاءُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْضِي بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَالْكَفِيلِ وَالْقَضَاءُ بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ يَتَضَمَّنُ
الْقَضَاءُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْوِلَاءَانِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَهَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا صَارَ حُرًّا فِي آخِرِ حَيَاتِهِ انْتَقَلَ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَيْهِ وَانْتُقِضَ الْقَضَاءُ وَهُوَ يَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ النَّقْضِ فَلَا يُفْسَخُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ ، وَالْحُكْمُ بِالْإِرْثِ مِنْ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَالْحُكْمِ بِالْوَلَاءِ لَهُمْ حَتَّى تَنْفَسِخَ بِهِ الْكِتَابَةُ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ فَأَدَّيْت الْكِتَابَةُ أَوْ عَنْ وَلَدٍ فَأَدَّاهَا ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ وَلَا عَنْ وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ ، قَالَ الْإِسْكَافُ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُقْضَ بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا فَهُوَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ مَا لَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ فَتُؤَدِّي الْمُكَاتَبَةُ ، فَإِذَا أَدَّيْت رَجَعَ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ فَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فِي مِيرَاثِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ كَانَ مِيرَاثًا لِلْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَرَّرَ الْقَاضِي حُكْمَ الْكِتَابَةِ حَيْثُ قَضَى بِالْعَقْلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ مَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بَعْدُ وَالْقَضَاءُ بِتَقْرِيرِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِفَسْخِهَا وَلَكِنْ إلْحَاقُ الْوَلَاءِ بِمَوَالِي الْأُمِّ لَا بِسَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ بَلْ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعْتِقَ الْأَبُ فَيَجُرَّ الْوَلَاءَ إلَى مَوَالِيهِ فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ وَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ انْتَقِلْ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ وَلَمْ يَرْجِعْ مَوَالِي الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا عَلَى مَوَالِي الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ فَاخْتَصَمَ مَوَالِي الْأَبِ وَمَوَالِي الْأُمِّ فِي مِيرَاثِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَانَ ذَلِكَ قَضَاءً فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ خُصُومَتَهُمْ وَقَعَتْ فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوَلَاءُ لِأَحَدِ الْمَوْلَيَيْنِ إلَّا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إنْ بَقِيَتْ وَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ وَعَتَقَ الْأَبُ كَانَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِيهِ وَإِنْ
انْتَقَضَتْ كَانَ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَمَوَالِي الْأُمِّ يَقُولُونَ انْتَقَضَتْ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ عَبْدًا وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَمَوَالِي الْأَبِ يَقُولُونَ بَقِيَتْ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ حُرًّا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَيْنَا بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَقَعَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ فَكَانَ الْقَضَاءُ تَعْجِيزًا ثُمَّ إذَا خَرَجَ الدَّيْنُ كَانَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ ) أَيْ فِي إرْثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَعَجَزَ طَابَ لِسَيِّدِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَبَدَّلَ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ آخَرَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ { هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ } وَلَنَا هَدِيَّةٌ قَالَ ذَلِكَ حِينَ أَهْدَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً وَصَارَ كَالْفَقِيرِ يَمُوتُ عَنْ صَدَقَةٍ أَخَذَهَا يَطِيبُ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الْفَقِيرُ يَطِيبُ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ حَالَةَ فَقْرِهِ وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ ثُمَّ وَصَلَ إلَى مَالِهِ وَفِي يَدِهِ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَى الْغَنِيِّ ابْتِدَاءً الْأَخْذِ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ فَلَا يُرَخَّصُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْفَقْرِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاسْتِدَامَةُ فَيَطِيبُ لَهُ ، وَلَوْ أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ عَيْنَ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْمَوْلَى يَطِيبُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَا إشْكَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عِنْدَهُ إذَا عَجَزَ يَمْلِكُ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِلْكًا مُبْتَدَأً حَتَّى تُنْتَقَضَ إجَارَتُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَطِيبُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ فِيهِ نَوْعُ مِلْكٍ فَيَتَأَكَّدُ بِالْعَجْزِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ وَلِهَذَا لَا تُنْتَقَضُ إجَارَةُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ بِالْعَجْزِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطِيبُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ وَحَرُمَ عَلَى الْغَنِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ
فِيهِ وَكَذَا عَلَى الْهَاشِمِيِّ صِيَانَةً لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَوْلَى الْأَخْذُ فَصَارَ كَابْنِ السَّبِيلِ وَصَلَ إلَى مَالِهِ أَوْ فَقِيرٍ اسْتَغْنَى وَفِي يَدِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا .
( قَوْلُهُ { هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ } ) وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخَبَثَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ لَا لِعَيْنِ الْمَالِ فَكَانَ الْخَبَثُ فِي الْجِهَةِ فَلَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْوَسَخِ بِتَبَدُّلِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَنَاوَلُهُ بِجِهَةٍ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي تَنَاوَلَهُ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً ) كَذَا هُوَ فِي عِبَارَةِ النِّهَايَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ كَانَتْ حُرَّةً حِينَئِذٍ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْحَلُّ بَعْدَ التَّبَدُّلِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ مَعَ أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَتْ مُكَاتَبَةً ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ) أَيْ إذَا أَبَاحَهُ لِلْغَيْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى طَعَامًا مَأْكُولًا بَيْعًا فَاسِدًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ أَبَاحَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ لِلْمُبَاحِ لَهُ أَيْضًا ، فَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ وَهَبَهُ يَحِلُّ لِلثَّانِي لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ فَكَذَا هَذَا قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ فَبِالْعَجْزِ لَمْ يَبْطُلْ الْأَدَاءُ السَّابِقُ فَلَمْ يَبْطُلْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا فَحَلَّ لِلْمَوْلَى تَنَاوُلُهُ هَذَا إذَا عَجَزَ بَعْدَ الْأَدَاءِ ، فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَفِي يَدِهِ صَدَقَاتٌ مِنْ الزَّكَاةِ هَلْ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلْمَوْلَى إذَا كَانَ غَنِيًّا أَوْ هَاشِمِيًّا لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي آخَرِ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ مِنْ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يَحِلُّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ
حَتَّى تَنْتَقِضَ إجَارَتُهُ ) أَيْ لَوْ آجَرَ شَيْئًا مِنْ أَكْسَابِهِ ثُمَّ عَجَزَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِذَلِكَ أَوْجَبْت نَقْضَ الْإِجَازَةِ إذَا آجَرَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ ظِئْرًا ثُمَّ عَجَزَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَدَّى ثُمَّ عَجَزَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ جَاهِلًا بِهَا ) أَيْ بِالْجِنَايَةِ ( فَعَجَزَ دَفَعَ أَوْ فَدَى ) يَعْنِي الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ امْتَنَعَ الدَّفْعُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا جَنَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْقِيمَةِ ، فَإِذَا عَجَزَ زَالَ الْمَانِعُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى الْقَاعِدَةِ .قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَا إنْ جَنَى مُكَاتَبٌ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ فَعَجَزَ ) يَعْنِي حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا وَجِنَايَةُ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى وَمُوجِبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْكَسْبُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَضَى بِهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ فَهُوَ دَيْنٌ بِيعَ فِيهِ ) أَيْ إنْ قَضَى بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُوجَبَهُ الْقِيمَةَ وَلَا يَتَغَيَّرُ كَجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الدَّفْعُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَالْمَانِعُ هُنَا مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ انْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ الرِّضَا أَوْ بِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ إذَا أَبَقَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ حَتَّى إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ ، وَكَذَا الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا
يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالْقَضَاءِ ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَقُومُ مَقَامَهُ وَلِهَذَا يَبْقَى الْبَيْعُ إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ .( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ ) أَيْ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْبَيْعِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَكَالْأَجَلِ فِيهِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُؤَدَّى الْمَالُ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ ) ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ وَهُوَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَطْلُوبُ حَيْثُ يَبْطُلُ الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ خَرِبَتْ وَانْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى التَّرِكَةِ وَهِيَ عَيْنٌ ، هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَرَّرُوهُ عَتَقَ ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَكَذَا بِالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْإِنَاثِ مِنْهُمْ الْوَلَاءُ فِيهِ ، وَلَوْ مَلَكُوهُ لَكَانَ لَهُمْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً أَوْ إقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَعْتِقُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُونَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَعْتِقْ ، وَقِيلَ يَعْتِقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَرَّرَهُ بَعْضٌ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إبْرَاءٌ وَلَا إقْرَارٌ بِالِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْبَعْضِ أَوْ اسْتِيفَاءَهُ لَا يُوجِبُ عِتْقَهُ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَيَبْطُلُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا اقْتِضَاءً فَإِذَا بَطَلَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبْرَاءِ بَطَلَ الْمُقْتَضَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِهِ وَبُطْلَانُ الْمُقْتَضِي يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُقْتَضَى بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عِبَارَةً عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ أَوْ الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ لِلْكُلِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَبْرَءُوهُ جَمِيعًا أَوْ أَقَرُّوا بِالِاسْتِيفَاءِ عَتَقَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ
لَا يَعْتِقُ وَكَذَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَ الْكُلِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا أَجَازُوا قَبْضَهُ أَوْ قَبَضَهُ بِأَمْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ نَصِيبِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا الْمُكَاتَبَ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى وَصِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْقَبْضَ وَيَعْتِقُ بِقَبْضِ الْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَعْتِقُ بِقَبْضِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَوْصَى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لِرَجُلٍ فَسَلَّمَهُ الْمُكَاتَبُ إلَيْهِ عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( كِتَابُ الْوَلَاءِ ) هُوَ مِنْ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الْقُرْبِ فَهِيَ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ هَذَا فِي اللُّغَةِ يُقَالُ وَلِيَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ إذَا حَصَلَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ سُمِّيَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةِ بِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَهُوَ الْإِرْثُ يَقْرَبُ وَيَحْصُلُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوَلَايَةِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ النُّصْرَةُ وَالْمَحَبَّةُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَمِنْ آثَارِ التَّنَاصُرِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ بِسَبَبِ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلًى وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ هُوَ السَّبَبُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجَدُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَا مَحَالَةَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَاسْتِيلَادٍ وَمُلْكٍ قَرِيبٍ ) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ هَالِكٌ حُكْمًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْإِحْيَاءِ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمِلْكِ فِي الْأَمْوَالِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَانَ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً لَهُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِحْيَاءِ بِهِ كَالْإِحْيَاءِ
بِالْإِيلَادِ فَيَرِثُ بِهِ كَمَا يَرِثُ الْأَبُ مِنْ وَلَدِهِ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ وَلَاءَ نِعْمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ حَيْثُ أَحْيَاهُ حُكْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ } أَيْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْهُدَى وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَلِأَنَّهُ يَعْقِلُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ } الْحَدِيثَ وَرُوِيَ { أَنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا وَمَاتَ عَنْ بِنْتٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِصْفَ مَالِهِ لِبِنْتِهِ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِبِنْتِ حَمْزَةَ } وَلِأَنَّهَا أَحْيَتْهُ حُكْمًا فَتَرِثُهُ كَالرَّجُلِ وَلَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ وَيَرِثُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ لِانْتِقَالِ فِعْلِ الْوَصِيِّ إلَيْهِ وَكَذَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لَهُ
كِتَابُ الْوَلَاءِ ) إيرَادُ كِتَابِ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِمَا أَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ التَّكَاتُبِ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ اخْتَصَّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الشَّرِيعَةِ يُرَادُ بِهِ الْقَرَابَةُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ أَوْ بِسَبَبِ الْمُوَالَاةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ التَّنَاصُرَ يَحْصُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَلِهَذَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُعْتَقِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ نُصْرَتِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرْفَةِ كَانَ عَاقِلَتُهُمْ أَهْلَ الْحِرْفَةِ وَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ يَنْتَصِرُ بِمَوْلَاهُ وَبِعَصَبَةِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ مَوَالِيهِ مَوْلَاهُ وَعَصَبَتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إحْيَاءٌ مَعْنَوِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ جَزَاءُ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ مَعْنًى فَكَانَ فِي الْإِعْتَاقِ إزَالَةُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الْمَعْنَوِيُّ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ إحْيَاءً مَعْنَوِيًّا وَالنَّسَبُ إحْيَاءٌ حَقِيقِيٌّ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ كَوَلَدِ الزِّنَا لَا يَبْقَى حَيًّا غَالِبًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ إذْ لَا أَبَ لَهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ قُوَّةُ التَّرْبِيَةِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهَا فَكَانَ النَّسَبُ إحْيَاءً حَقِيقِيًّا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْإِحْيَاءُ الْحَقِيقِيُّ كَالْوِلَادِ مَثَلًا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِ الْإِرْثِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِحْيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } إلَّا أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرَحَ الْكَافِي : وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ سَبَبُ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلَى وَلَا إعْتَاقَ هَاهُنَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عَلَى مِلْكِهِ أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ ) أَيْ وَهُوَ زَيْدٌ وَكَانَ عَبْدًا لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَوَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهُ ا هـ أَتَّقَانِي ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَلَّاهُ ) أَمَّا إذَا لَمْ يُخَلِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ ا هـ قَوْلُهُ فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ ) أَيْ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشَرْطُ السَّائِبَةِ لَغْوٌ ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرْطُ سَائِبَةٍ لَغْوٌ ) قَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ أَبَدًا ) ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ عَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَعَتَقَتْ أُمُّهُ مَقْصُودًا فَكَذَا هُوَ يَعْتِقُ مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى أَوْقَعَ الْإِعْتَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَقْصُودًا فَيَكُونُ لِلْجَنِينِ وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتِقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ لِتَيَقُّنِنَا وَقْتَ الْعِتْقِ ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا تَنَاوَلَ الْأَوَّلَ الْإِعْتَاقُ تَنَاوَلَ الْآخَرَ الْإِعْتَاقُ أَيْضًا ضَرُورَةً فَصَارَ مُعْتِقًا لَهُمَا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتِقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ عِتْقِهَا ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ ) وَهُوَ الْأَبُ ( جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ ) ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْأُمِّ لَمْ يُعْتِقْ الْوَلَدَ هُنَا لِحُدُوثِهِ بَعْدَ إعْتَاقِهَا وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِتَعَذُّرِ نِسْبَتِهِ إلَى الْأَبِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْأَبُ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَجَعْلُهُ تَبَعًا لَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ فَيَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً ، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ لِثُبُوتِ نِسْبَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا قَبْلَ الْعِتْقِ بَلْ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ فَصَادَفَهُ الْإِعْتَاقُ ضَرُورَةً فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ الْوَلَاءَ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَبْصَرَ فِتْيَةً لُعْسًا بِخَيْبَرَ فَأَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ وَأُمُّهُمْ مَوْلَاةٌ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرْقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ لِبَعْضِ أَشْجَعَ فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ قَالَ انْتَسِبُوا إلَيَّ وَقَالَ رَافِعٌ بَلْ هُمْ مُوَالِيَّ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَلَاءٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ ،
فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ وَلَاءٌ بِالْعِتْقِ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا تَبَعًا لِأُمِّهِمْ ، وَلَا عَاقِلَةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا مَوَالِيَ فَأُلْحِقُوا بِمَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِكْذَابِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ وَلَدَ الشَّخْصِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ وَلَدًا لِغَيْرِهِ وَبِالْإِكْذَابِ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ عَقْلَهُ كَانَ عَلَى قَوْمِ أَبِيهِ وَقَدْ أَجْبَرَ قَوْمٌ الْأُمَّ عَلَى الْأَدَاءِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَفِي الْوَلَاءِ حِينَ عَقَلَ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِقَوْمِ الْأَبِ مُقْتَصَرًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ مُقْتَصَرٌ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ .
( قَوْلُهُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } ) لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَسَّرَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ اللُّحْمَةَ بِالْقَرَابَةِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَةِ النَّسَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَخْ ) هَذَا الْأَثَرُ الَّذِي عَنْ عُمَرَ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ فَقَالَ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَنَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فَإِذَا أَعْتَقَ أَبُوهُمْ جَرَّ الْوَلَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ ) كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى الْهَامِشِ بِإِزَاءِ قَوْلِهِ الْحُرَّةُ الْأَمَةُ وَكَتَبَ فَوْقَهَا ظَاءً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ وَلَفْظُ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ الْحُرَّةُ كَمَا نَقَلْته فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَعَلَّ مَنْشَأَ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الْأَمَةُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ عِتْقٍ بِعِتْقِهَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْأُمَّ حَدَثَ فِيهَا عِتْقٌ لَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لَهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْحُرَّةُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ الْحُرَّةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَبْصَرَ ) أَيْ بِحُنَيْنٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرَقَةَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ لَقَبٌ لِبَطْنٍ مِنْ
جُهَيْنَةَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ ) يَعْنِي أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ كَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى أَدَاءِ الْعَقْلِ لَا مُتَبَرِّعِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَاقِلَةً حِينَئِذٍ ظَاهِرًا ، فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْأَبِ بِالْإِكْذَابِ ثَبَتَ مِنْ زَمَانِ الْعُلُوقِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ قَضَوْا دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِمْ بِحُكْمِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فُرُوعٌ ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْجَدَّ هَلْ يَجُرُّ الْوَلَاءَ أَمْ لَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي قَالَ الشَّعْبِيُّ : إذَا أَعْتَقَ الْجَدُّ جَرَّ الْوَلَاءَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَجُرُّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ كَذَا فِي الْكَافِي بَيَانُهُ أَنَّ مُعْتَقَةً لِقَوْمٍ تَزَوَّجَهَا عَبْدٌ وَحَصَلَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ يَكُونُ لِمَوْلَى أُمِّهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ الْأَبُ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ الْجَدَّ لَمْ يَجُرَّ الْوَلَاءَ إلَى مَوَالِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِفَرَائِضِهِ الْمَوْسُومِ بِالسِّرَاجِيِّ قَالَ شُرَيْحٌ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ إنَّ الْجَدَّ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ الِابْنِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ إلَى مَوَالِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَقَالَ زُفَرُ : إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا فَالْجَدُّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا يَجُرُّ الْوَلَاءَ ، وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْجَدُّ يَجُرُّ الْوَلَاءَ لَهُمْ إنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَيَثْبُتُ مِنْ الْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي بَابِ النَّسَبِ وَلَنَا أَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ وَتَابِعٌ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ بِدُونِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْأَبِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْجَدُّ وَنَفَى الْأَبُ لَمْ يُلْتَفَتْ
إلَى دَعْوَتِهِ وَبِدَعْوَةِ الْأَبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَمِنْ الْجَدِّ تَبَعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( عَجَمِيٌّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَوَلَدَتْ فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ وَلَاءُ الْمُعَاقَدَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : حُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ أَبِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِيمَا إذَا وَالَى أَحَدًا أَوْ لَمْ يُوَالِ ، وَلَا يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَشْرَفَ لِكَوْنِهِ أَقْوَى فَكَذَا الْوَلَاءُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ حُرٌّ لَهُ عَشِيرَةٌ وَمَوَالٍ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فَيُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أُمِّهِ حَتَّى يَعْتِقَ لِلتَّعَذُّرِ فَصَارَ كَمَنْ لَا أَبَ لَهُ وَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَجَمِيٌّ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ فَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا عَرَبِيَّةً أَوْ مُعْتَقَةً وَكَعَرَبِيٍّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهِ دُونَهَا فَكَذَا الْعَجَمِيُّ ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَرَبِيِّ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُعْتَبَرٌ لِقُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذْ لَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا افْتِخَارُ هُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا وَبَعْدَهُ بِالدِّينِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ سَيِّدُنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قِيلَ لَهُ سَلْمَانُ ابْنُ مَنْ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الضَّعْفُ فِي جَانِبِ الْأَبِ كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْعَبْدِ ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِلْأَبِ مَوْلَى مُوَالَاةٍ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ لَا
يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَكَذَا حُرِّيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بِالِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّ لَهُ نَسَبًا مُعْتَبَرًا وَحُرِّيَّةً ثَابِتَةً فَامْتَنَعَ بِهِ نِسْبَةُ الْوَلَدِ إلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَجَمِيُّ عَرَبِيَّةً ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهُ مِنْهَا لَوْ نُسِبُوا إلَى قَوْمِ أُمِّهِمْ لَنُسِبُوا إلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِمْ وَلَا عُصُوبَةَ بَيْنَهُمْ وَأَوْلَادُ الْمُعْتَقَةِ يُنْسَبُونَ إلَى قَوْمِ أُمِّهِمْ وَهُمْ عَصَبَتُهُمْ ثُمَّ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَضَعَ الْخِلَافَ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَوَضَعَهُ هُنَا فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اتِّفَاقِيٌّ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجِبُ فِي الْجَمِيعِ نِسْبَةُ أَوْلَادِ الْمُعْتَقَةِ إلَى الْمُعْتِقِ مَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُمْ عَرَبِيًّا عَلَى مَا قَالُوا ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَتَرَكَ عَمَّةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُعْتِقَ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَةَ مُعْتِقِهَا كَانَ الْمَالُ لِمُعْتِقِ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَتِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا وَالْأُمُّ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْ كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مُعْتَقَةً كَانَ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأَبِ وَكَذَا إذَا كَانَا ، عَرَبِيَّيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَجَمِيًّا وَالْآخَرُ عَرَبِيًّا .
( قَوْلُهُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُعْتِقُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ ) وَكَذَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِلْمُعْتِقِ فِي مُعْتَقِهِ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ } شَرَطَ لِإِرْثِهِ أَنْ لَا يَدَعَ وَارِثًا وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ يُسْتَحَقُّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْكُلِّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِهِ وَمَا يُشْبِهُ الشَّيْءَ لَا يُزَاحِمُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَلْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بِنْتِ حَمْزَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ بِنْتِ مُعْتِقِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ فَهَذَا هُوَ التَّعْصِيبُ حَقِيقَةً فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا } وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ ، وَلَفْظَةُ الْعَصَبَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ } تَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ يَجُوزُ جَمِيعُ الْمَالِ ، وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ لَا يَرِثُ مَعَ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ فَكَانَ مُؤَخَّرًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِيرَادِ مِنْ حَيْثُ الْمُزَاحِمَةُ لِلْوَارِثِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّشْبِيهَ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ أَوْ التَّقْدِيمَ بَلْ يُثْبِتُ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا فَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ
يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْثِ ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُوجِبُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ لَكِنْ أَخَّرْنَاهُ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } فَجَعَلْنَاهُ مِثْلَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى مَنْ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْعَصَبَةُ وَيَتَأَخَّرُ عَمَّنْ تَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْعَصَبَةُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمُعْتِقُ فَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِنَّ أَوْ مُعْتِقِ مُعْتَقِهِنَّ } وَلِأَنَّ ثُبُوتَ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةُ لِلْمُعْتِقِ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَتْ مُحْيِيَةً لَهُ فَيُنْسَبُ الْمُعْتَقُ بِالْوَلَاءِ إلَيْهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَتْهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مُعْتَقِ مُعْتَقِهَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ النَّسَبِ حَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الْأَوْلَادُ وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَلَا تَكُونُ مَالِكَةً وَالنَّسَبُ فِي النِّكَاحِ بِالْفِرَاشِ وَالْمِلْكِ وَهِيَ لَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ وَفِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لَيْسَ لَنَا إلَّا النِّسْبَةَ بِسَبَبِ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلْمُعْتِقِ وَهِيَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ لِمَا أَنَّهَا تُسَاوِيهِ فِي مِلْكِ الْمَالِ فَيُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّجُلِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَصَبَةً فِيهِ كَالرَّجُلِ ثُمَّ أَثْبَتَ هُنَا الْوَلَاءَ لِلنِّسَاءِ فِيمَا أَعْتَقْنَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَنَفَاهُ عَنْهُنَّ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُنَّ حَتَّى لَا يَرِثْنَ الْوَلَاءَ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُوَرِّثُهُنَّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْخِلَافَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَنْ تَتَحَقَّقُ مِنْهُ النُّصْرَةُ وَالنُّصْرَةُ تَتَحَقَّقُ مِنْ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْعَاقِلَةِ لِيَتَحَمَّلْنَ
الدِّيَةَ كَمَا يَتَحَمَّلُ الرِّجَالُ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ مِنْهُنَّ فَإِذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِرْثِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ ، وَلَوْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَأَخَا مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يُعْطِي لِلْأَبِ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَفِي الثَّانِي خِلَافُ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ ، وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ دُونَ أَخِيهَا وَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَةُ مُعْتَقِهَا كَجِنَايَتِهَا فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُعْتَقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ : هُوَ مَوْلَى عَمَّتِي فَأَنَا أَحَقُّ بِإِرْثِهِ ؛ لِأَنِّي أَعْقِلُ عَنْهَا وَعَنْهُ وَقَالَ الزُّبَيْرُ : هُوَ مَوْلَى أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا فَكَذَا أَرِثُ مُعْتِقَهَا فَقَضَى عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ مَوْلَاهُ وَابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا : الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ الْمُعْتِقِ فَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْمُعْتِقِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا كَانُوا يُفْتُونَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ
إلَى الْمَيِّتِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ مَالٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْقَاضِي لَا يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ظَاهِرًا وَعَلَى هَذَا مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا الِابْنُ وَالْبِنْتُ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْهُمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي النِّهَايَةِ وَالذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ بَيَانُهُ أَنَّ بِالْعِتْقِ تَحْصُلُ الْقُوَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْعَبْدِ مِنْ جِهَةِ مُعْتِقِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ هِيَ الْمَرْأَةَ يُنْسَبُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَمَنْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ حَيْثُ يُقَالُ مُعْتِقُ فُلَانَةَ وَمُعْتِقُ مُعْتِقِ فُلَانَةَ فَإِذَا ثَبَتَ نِسْبَتُهُمَا إلَى الْمَرْأَةِ بِالْوَلَاءِ وَرِثَتْهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ ) وَلَا شَيْءَ لِلْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ وَالْوَلَاءُ بِالْعُصُوبَةِ وَلَا يَظْهَرُ عُصُوبَةُ الْأَبِ مَعَ الِابْنِ ا هـ أَتَّقَانِي ( قَوْلُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ وَعِنْدَهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ كَأَحَدِهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ خَمْسَةَ بَنِي ابْنِ الْمُعْتِقِ وَابْنِ ابْنِ الْمُعْتِقِ مِنْ آخَرَ فَالْمِيرَاثُ أَسْدَاسًا ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ وَعُصُوبَتُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَوَالَاهُ صَحَّ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِرْثُهُ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَهُوَ آخِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهَذَا الْوَلَاءِ أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } قِيلَ : إنَّهَا نَزَلَتْ نَاسِخَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ } وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ وَارِثٍ آخَرَ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ { هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ مُوَالَاةٌ أُخْرَى أَوْ لَمْ تُوجَدْ ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إذَا جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِمَنْ وَالَاهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ سَبَقَ لَهُ عَقْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ كَالْمُعْتَقِ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا وَالْمُرَادُ بِهَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ نَقْلًا عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ وَمَا رَوَاهُ لَيْثٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَدَّدُوا عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَةِ وَبَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مِثْلَ مَذْهَبِنَا وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ
إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ وَبَيْتُ الْمَالِ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا مُسْتَحِقٍّ وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَالٌ ضَائِعٌ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَ تَصَرُّفُهُ أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ كَمَا فِي حَالِ حَضْرَتِهِ ، وَقَوْلُهُمْ : إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } قُلْنَا : الَّذِي وَرَدَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فِي حَقِّ التَّقْدِيمِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَهُ بِالْبَعْضِ عَلَى أُولِي الْأَرْحَامِ فَنُسِخَ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ { أَوْلَى بِبَعْضٍ } وَكَوْنُهُمْ أَوْلَى مِنْهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عِنْدَ عَدَمِهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَصَبَةِ ثُمَّ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَوْلَى يُوجِبُ سُقُوطَ الْآخَرِ وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ } الْمُرَادُ بِهِ الْحِلْفُ الَّذِي كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ هَدْمِي هَدْمُك وَدَمِي دَمُك تَرِثُنِي وَأَرِثُك فَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّنَاصُرِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلِتَقْدِيمِهِ بِالْإِرْثِ عَلَى الْقَرِيبِ فَحَظَرَ الْإِسْلَامُ التَّنَاصُرَ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَوْجَبَ التَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَدَّمَ الْقَرِيبَ عَلَيْهِ بِالْإِرْثِ ثُمَّ شَرَطَ صِحَّةَ هَذِهِ الْمُوَالَاةِ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِرْثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فَيَتَوَارَثَانِ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ قَدْ عَقَلَ عَنْهُ وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا وَحُكْمُهُ
أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْإِرْثُ إذَا مَاتَ وَأَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ إذَا جَنَى وَيُدْخِلُ فِيهِ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ ، وَلَوْ عَقَدَ مَعَ الصَّغِيرِ أَوْ مَعَ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَسْفَلُ عَرَبِيًّا ؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبُ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ وَكَوْنُهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِهِمَا كَمَا فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ الْأَسْفَلُ فَيَأْخُذُ الْأَعْلَى مَالَهُ مِيرَاثًا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتِقُ الْأَسْفَلُ عَبِيدًا عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ عَقْلَ عَبِيدِهِ عَلَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ إذَا ثَبَتَ مِنْ شَخْصٍ يُنَافِي فِي ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْفَسِخُ ضَرُورَةً وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ لِتَأَكُّدِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ
الْقَضَاءِ بِهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحَوُّلِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ صَارَ كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ ، وَكَذَا لَا يَتَحَوَّلُ وَلَدُهُ بَعْدَ مَا تَحَمَّلَ الْجِنَايَةَ عَنْ أَبِيهِ ، وَكَذَا إذَا عَقَلَ عَنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْوَلَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا ) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَخْصًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَوْلًى أَعْتَقَهُ وَمَوْلَى مُوَالَاةٍ كَانَ الْمَالُ لِلْمُعْتِقِ .
( قَوْلُهُ فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَخَّرَ ذِكْرَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عَنْ ذِكْرِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ خِلَافٌ وَلِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُهُ ا هـ قَوْلُهُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُهُ قَالَ الْكَاكِيُّ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْعَقْلِ ا هـ قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بَاطِلٌ لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْفَرْضُ أَوْ التَّعْصِيبُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لَيْسَ هَذَا وَلَا ذَاكَ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ ) وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ إلَخْ ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَكَذَا الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِكَافٍ لِثُبُوتِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الرَّوَافِضِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِمَا رَوَى رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَهُوَ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ } { وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا أَظُنُّهُ مُتَّصِلًا وَلِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَالْمَوْتَى فِي حَقِّ
الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْيَاهُ بِالْعِتْقِ ، وَعَلَى هَذَا زَعَمَتْ الرَّوَافِضُ أَنَّ النَّاسَ مَوْلَى عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّ السَّيْفَ بِيَدِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ فَيَكُونُ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْنَ لَهُمْ هَذَا التَّحَكُّمُ فَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ صَغِيرًا حِينَ أَسْلَمَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بَلْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا مُقَدَّمَيْنِ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْقِتَالِ وَلَكِنَّ الرَّوَافِضُ قَوْمٌ بُهُتٌ وَبِنَاءُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ ، وَمَا رَوَوْا مِنْ الْأَحَادِيثِ ضَعِيفٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ حِينَ سَأَلَ ) السَّائِلُ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ ) تَزْوِيجِهِ وَعَقْلِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَمَاتِهِ ) الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَمِيرَاثِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ لَيْثٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِيلَ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُوَالُونَ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيرَاثَ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ ، وَصُورَةُ عَقْدِ الْوَلَاءِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ مَوْلَايَ جِنَايَتِي عَلَيْك وَجِنَايَتُك عَلَيَّ وَمِيرَاثِي لَك إنْ مِتّ ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْأَعْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا إذَا شَرَطَ مِيرَاثَ الْأَعْلَى لِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَبِنَفْسِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ الْوَلَاءُ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إنْ شَاءَ وَالَى مَعَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ وَالَى مَعَ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ
لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ مِنْ مُعْتِقِهِ وَيَجُرُّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى نَفْسِهِ وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَجِنَايَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا أَدْرَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَعَ مَنْ شَاءَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ تَوْفِيقًا إلَخْ ) فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ { تَمِيمًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِينِي فَيُسْلِمُ عَلَى يَدَيَّ وَيُوَالِينِي فَقَالَ هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك فَأَنْتَ أَحَقُّ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ } ا هـ مِشْكَاةٌ ( قَوْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ هَدْمِي هَدْمُك ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَالْهَدْمُ بِالسُّكُونِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا هُوَ إهْدَارُ دَمِ الْقَتِيلِ يُقَالُ دِمَاؤُهُمْ بَيْنَهُمْ هَدْمٌ أَيْ مُهْدَرَةٌ وَالْمَعْنَى إنْ طُلِبَ دَمُك فَقَدْ طُلِبَ دَمِي وَإِنْ أُهْدِرَ دَمُك فَقَدْ أُهْدِرَ دَمِي لِاسْتِحْكَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَنَا وَهُوَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ يَقُولُونَ دَمِي دَمُك وَهَدْمِي هَدْمُك وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُعَاهَدَةِ وَالنُّصْرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمِيرَاثَ وَالْعَقْلَ ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرَهِ قَبْلَ هَذَا وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا لَفْظُ
الْحَاكِمِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْمُوَالَاةِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ كَافٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُوَالَاةِ بَلْ جَعَلَهُمَا حُكْمًا لَهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا فَافْهَمْ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرَة بِقَوْلِهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ وَتَفْسِيرُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُك وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت ، وَكَذَا إذَا عَقَدَ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ أَيْ عَقَدِ الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَسْفَلِ نَسَبٌ وَلَا يَكُونُ مُعْتَقًا وَلَا يَكُونُ عَرَبِيًّا ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُسْتَرَقُّونَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا إذَا شَرَطَ مِيرَاثَ الْأَعْلَى لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْنَ الْعَرَبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ ا هـ حَيْدَرٌ قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ أَيْ إذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ الْأَسْفَلَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَسْفَلُ عَرَبِيًّا ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ
غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَوَالَاهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ وَلَكِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى عَشِيرَتِهِ وَهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَرِثُونَهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْعَجَمِيِّ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَأَمَّا مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِمَصَالِحِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَلَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ ) أَيْ فِي الصَّحِيحِ ا هـ حَيْدَرٌ ( فَرْعٌ ) اعْلَمْ أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يُخَالِفُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ فِي الْمُوَالَاةِ يَتَوَارَثَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ، وَالثَّانِي : أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ، وَالثَّالِثُ : أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ بِحَضْرَتِهِ وَكَذَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ وَلَائِهِ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا نَقَضَ أَحَدُهُمَا الْمُوَالَاةَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ إلَّا أَنْ يُوَالِيَ الْأَسْفَلُ آخَرَ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَصَارَ الْعَقْدُ لَازِمًا إلَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى النَّقْضِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ عِنْدَنَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ أَنَّهُ حَقٌّ أَوْجَبَهُ بِفِعْلِهِ مُتَبَرِّعًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ وَالَتْ امْرَأَةٌ فَوَلَدَتْ تَبِعَهَا فِيهِ ) يَعْنِي وَلَدَتْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةُ فُلَانٍ وَمَعَهَا صَغِيرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُدْرَ لَهُ أَبٌ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ : لَا بَلْ وَالَيْتَنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ بِالْوَلَاءِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ كَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِنَسَبٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدُ أَنَّهُ وَلَدُهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( كِتَابُ الْإِكْرَاهِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَزُولُ بِهِ الرِّضَا ) وَقِيلَ الْإِكْرَاهُ فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ ، وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ حَمْلُ الْمُكْرَهِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُقَالُ أَكْرَهْته عَلَى كَذَا أَيْ حَمَلْته عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ وَأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكْرَهِ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ، وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ إتْلَافٌ أَنْ يُنْقَلَ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفَاصِيلُهُ وَالْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ مُلْجِئٌ وَغَيْرُ مُلْجِئٍ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ قَاصِرٌ وَهُوَ أَنْ يُكْرِهَهُ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَالْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ الْقَيْدِ أَوْ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَلَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَزْلَ يُؤَثِّرُ فِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَا حَتَّى لَا يَنْفُذَ مَعَهُ فَكَذَا مَعَ هَذَا الْإِكْرَاهِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَدِمُ بِهِ الرِّضَا وَالْأَوَّلُ يُؤَثِّرُ فِي الْكُلِّ فَيُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَى الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهِ أَحَدٍ
وَذَلِكَ مِثْلُ الْإِقْرَارِ وَالْأَكْلِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَّتِهِ آلَةً لَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَيُضَافُ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَقَعُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى قَبُولِ الطَّلَاقِ بِالْمَالِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ لِعَدَمِ الرِّضَا ؛ لِأَنَّ الرِّضَا فِي حَقِّ الْمَالِ شَرْطٌ دُونَ الطَّلَاقِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ وَلَا يُوجِبُ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى وَالِابْتِلَاءُ يَتَحَقَّقُ بِالْخِطَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ وَيَأْثَمُ تَارَةً وَيُؤْجَرُ أُخْرَى كَسَائِرِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَتْلُ النَّفْسِ وَقَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ وَالزِّنَا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ وَيُبَاحُ لَهُ بِالْإِكْرَاهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَيُرَخَّصُ لَهُ بِهِ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادُ الصَّوْمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ .
كِتَابُ الْإِكْرَاهِ ) قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَضْعِ : إنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ نَاسَبَ ذِكْرَ الْإِكْرَاهِ عَقِيبَ الْوَلَاءِ ، وَلِأَنَّ فِي الْإِكْرَاهِ تَغَيَّرَ حَالُ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْإِكْرَاهِ يُحِلُّ مُبَاشَرَةُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ فَكَذَلِكَ بِالْمُوَالَاةِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ تَنَاوُلِ مَالِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ إلَى الْحِلِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَحْدُثُ فِي الْمَحَلِّ إلَخْ ) وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ) وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ بِهِ مُتْلَفًا أَوْ مُزْمِنًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إمَّا لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ ا هـ كِفَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَالْمُلْجِئُ هُوَ الْكَامِلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَعَهُ الرِّضَا عَلَى نَوْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ كَامِلٌ وَيُسَمَّى مُلْجِئًا وَهُوَ الَّذِي يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَقَاصِرٌ وَيُسَمَّى غَيْرَ مُلْجِئٍ وَهُوَ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَالْمُلْجِئُ كَالتَّخْوِيفِ بِقَتْلِ النَّفْسِ وَقَطْعِ الْعُضْوِ وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ الْمُتَوَالِي الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ وَغَيْرُ الْمُلْجِئِ كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ ) أَيْ عَلَى أَيِّ طَرِيقٍ وُجِدَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْمُكْرَهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشَرْطُهُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعَ مَا هَدَّدَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْقَادِرِ عِنْدَ خَوْفِ الْمُكْرَهِ تَحْقِيقَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّهْدِيدِ مِنْ الْقَادِرِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُلْجَأً طَبْعًا وَبِدُونِهِمَا لَا يَصِيرُ مُلْجَأً فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْمَنَعَةَ لَمْ تَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ فَأَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ ، وَفِي زَمَانِهِمَا كَانَ لِكُلِّ مُفْسِدٍ مُتَلَصِّصٍ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَأَفْتَيَا عَلَى مَا شَاهَدَا وَبِهِ يُفْتَى إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ .قَوْلُهُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ ) فَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَة فِي زَمَنِهِمَا لَأَفْتَى بِقَوْلِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ يُعْدِمَانِ الرِّضَا وَالرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَتَفْسُدُ عِنْدَ فَوَاتِ الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِحَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ أَوْ ضَرْبِ سَوْطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدَمُ الرِّضَا وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ إلَّا إذْ كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا ، وَكَذَا الْإِقْرَارُ جُعِلَ حُجَّةً حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْكَذِبِ عَلَى جَانِبِ الصِّدْقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَبْسِ إكْرَاهًا مَا يَجِيءُ بِهِ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبَةِ سَوْطٍ أَوْ بِعَرْكِ أُذُنِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْإِكْرَاهُ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَوَانًا وَذُلًّا أَعْظَمُ مِنْ الْأَلَمِ وَالْإِكْرَاهِ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (
وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ ) أَيْ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ مُكْرَهًا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِهِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي وَفَوَاتُ الشَّرْطِ تَأْثِيرُهُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَالْمُسَاوَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا لِجَوَازِ الْبَيْعِ وَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَا التَّوَقُّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ نَقُولُ لَمَّا وُجِدَ أَصْلُ الْبَيْعِ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يَنْعَدِمْ ذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ كَالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ شَرَطَ لِلْحِلِّ شَرْطًا زَائِدًا وَهُوَ التَّرَاضِي وَنَهَانَا عَنْ التِّجَارَةِ بِدُونِهِ فَكَانَ النَّهْيُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَلَا يَصِيرُ بِهِ الْبَيْعُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَمَا نَهَانَا عَنْ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ إلَّا بِشَرْطِ الْمُمَاثَلَةِ وَأَنَّهُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ فَكَانَ النَّهْيُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ يَصِرْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بَلْ وَقَعَ فَاسِدًا لِعَدَمِ شَرْطِ الْجَوَازِ الزَّائِدِ شَرْعًا فَكَذَا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا النَّهْيِ
وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرِّبَا إلَّا أَنَّ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ هُنَاكَ اتَّصَلَ بِالْمَبِيعِ وَصْفًا ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا اتَّصَلَ بِالْعَاقِدِ وَهَكَذَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كُلِّهَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِالْوَصْفِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فَكَذَا هَذَا حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ يَرْتَفِعُ بِهَا وَهُوَ عَدَمُ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ أَمَّا هُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي ، وَمِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ وَالصَّدْرُ السَّعِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت الدَّيْنَ فَهُوَ لِي فَجَعَلُوهُ فَاسِدًا بِاعْتِبَارِ شَرْطِ الْفَسْخِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى إيفَاءِ الدَّيْنِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ وَيُنْقَضُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الرِّضَا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ بَيْعِ الْمُكْرَهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ رَهْنًا مِنْهُمْ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو شُجَاعٍ وَالْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَالْإِمَامُ الْقَاضِي الْحَسَنُ الْمَاتُرِيدِيُّ قَالُوا لَمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ أَخْذَهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَتَى بِمَعْنَى الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ
وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ حَتَّى جُعِلَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَبِالْعَكْسِ كَفَالَةً ، وَالِاسْتِصْنَاعُ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ سَلَمًا ، فَإِذَا كَانَ رَهْنًا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ يَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ كَالرَّهْنِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَرْهُونَ وَانْتَفَعَ بِهِ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَيَثْبُتُ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّهْنِ وَمِنْ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ مَنْ جَعَلَهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا بَعْضَ أَحْكَامِهِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فَقَالَ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَجَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا ، بَعْضُ أَحْكَامِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلِتَعَامُلِهِمْ فِيهِ ، وَالْقَوَاعِدُ قَدْ تُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَجَوَّزَ الِاسْتِصْنَاعَ لِذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى : وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ جَعَلَهُ بَاطِلًا اعْتَبَرَهُ بِالْهَازِلِ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعِدَةُ دَيْنٌ } فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِيعَادُ لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَقَالَ جَلَالُ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ : صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت مِنْك هَذَا الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى
أَنِّي لَوْ دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَك تَدْفَعُ الْعَيْنَ إلَيَّ ثُمَّ قَالَ : وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعَ الْوَفَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْآخَرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ وَتَفْسِيرُهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِثْلَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي الْمِصْرِ مُتَعَامَلٌ بِهِ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ بَيْعَ الْأَمَانَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ إقْرَارٍ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ : لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتُقِرَّنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ مُكْرَهٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَلْفِ إكْرَاهٌ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبَطَلَتْ عَنْهُ أَلْفٌ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَلْفِ مُكْرَهٌ وَفِي الْأَلْفِ الْأُخْرَى طَائِعٌ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الطَّائِعِ لَا الْمُكْرَهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَلْفٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِأَلْفٍ مِنْ كِيسٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْكِيسِ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقُ الشُّهُودِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى وَالْأَلْفُ غَيْرُ الْأَلْفَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَيَفْعَلَ عَلَى إرَادَةِ الْمُكْرَهِ وَقَدْ اتَّفَقَا فِي الْأَلْفِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ : وَإِنْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا ؛
لِأَنَّهُ إقْرَارُ طَائِعٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَا بِبَعْضٍ مِنْهُ بَلْ أَتَى بِجِنْسٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ إلَخْ ) إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ طَائِعًا أَوْ أَجَازَ طَائِعًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده فِي مَبْسُوطِهِ وَهِبَةُ الْمُكْرَهِ بَعْدَ الْقَبْضِ تُفِيدُ الْمِلْكِ عِنْدَنَا بِالضَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَبَاعَ وَسَلَّمَ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا مِلْكًا فَاسِدًا ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ ) أَيْ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ ا هـ ( قَوْلُهُ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ) أَيْ وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ زَائِدٌ وَلَا يُخِلُّ بِالرُّكْنِ انْعِدَامُ شَرْطِ التَّصَرُّفِ وَلَا يُعْدِمُ الْحُكْمَ أَيْضًا وَلَكِنْ يُثْبِتُ وَصْفَ الْفَسَادِ وَكَانَ الْفَسَادُ ثَابِتًا مَا بَقِيَ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ ا هـ ( فَرْعٌ ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمْ يُعَدَّ جَائِزًا أَبَدًا بِالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا كَانَ يَنْبَغِي لِإِعَادَتِهِ جَائِزًا وَقْتٌ مَعْلُومٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ عَلَى مَذْهَبِكُمْ وَهُنَا فِي أَيِّ وَقْتٍ أَجَازَهُ الْمُكْرَهُ يَعُودُ جَائِزًا عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَصَارَ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ قُلْت إنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ لَهُ شَبَهٌ بِالْبَيْعِ
الْمَوْقُوفِ وَشَبَهٌ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ رِضَا الْمَالِكِ وَقَدْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ فِيهِ شَرْطَ مَا يُفْسِدُهُ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْمَالِكِ وَلَكِنْ فَاتَ رِضَاهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَالِكِ فَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهَانِ وَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الْأَوَّلِ عَادَ جَائِزًا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَبِاعْتِبَارِ الشَّبَهِ الثَّانِي أَفَادَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَمْ تُعْكَسْ ؛ لِأَنَّا مَتَى أَظْهَرْنَا شَبَهَ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَلَمْ نُوجِبْ الْمِلْكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى لِشَبَهِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَمَلٌ فِي حُكْمٍ مَا فَيَبْطُلُ الْعَمَلُ بِالشَّبَهَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ التَّرَاضِي ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ) أَيْ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ذَكَرَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَعْنِي أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ الْفَسْخِ بِجَمِيعِ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِي صُورَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي إلَّا الْإِجَارَةَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهَا وَقَدْ مَرَّ الْبَيَانُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَأَيُّ عَقْدٍ أَجَازَهُ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ
كُلَّهَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ لِعَدَمِ الرِّضَا فَلَمَّا أَقْدَمَ عَلَى إجَازَةِ بَعْضِهَا نَفَذَتْ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ فَجَازَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَجَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ ، وَهُوَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ وَالْمُشْتَرِيَ بَاعَ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْ الْأَيْدِي فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيَّ عَقْدٍ أَجَازَهُ جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ خَاصَّةً وَلَوْ ضَمِنَ أَحَدُهُمْ جَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي بَعْدَهُ دُونَ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ كُلَّهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ فَتَوَقَّفَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ يَجُزْ وَلَكِنْ ضَمِنَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ فِي التَّضْمِينِ تَمْلِيكًا فَيَسْتَنِدُ الضَّمَانُ إلَى وَقْتِ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَجُوزُ الْعُقُودُ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْ مَشَايِخِ بُخَارَى مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ ) أَيْ فَكَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ نَقْضِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي وَهِبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ ا هـ غَايَةٌ ( فَوُلِدَ مِنْهُمْ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ ) أَيْ الْمَرْغِينَانِيُّ وَظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ السَّعِيدُ تَاجُ الْإِسْلَامِ ) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ا هـ قَوْلُهُ وَهُوَ الْبَيْعُ ) أَيْ وَالْهِبَةُ مِنْ آخَرَ وَهُوَ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ لُزُومَ الْبَيْعِ بِهَذَا الْوَجْهِ بَلْ يُجَوِّزُونَهُ إلَى أَنْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الْمُشْتَرِي يَرُدُّ الْمَبِيعَ إلَى الْبَائِعِ أَيْضًا وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ الرَّدِّ فَلِهَذَا سَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمَا عَهِدَ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ
بَيْعٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْبَيْعُ مَوْجُودٌ فِي مِصْرَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمِصْرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَبْضُ الثَّمَنِ طَوْعًا إجَازَةٌ كَالتَّسْلِيمِ طَائِعًا ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ طَوْعًا كَانَ إجَازَةً كَمَا إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَوْ التَّسْلِيمَ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَإِنْ سَلَّمَ طَوْعًا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا صُورَةُ الْعَقْدِ وَالِاسْتِحْقَاقُ فِي الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ بِهِ إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ التَّسْلِيمُ أَوْ الْقَبْضُ عَنْ اخْتِيَارٍ دَلِيلَ الْإِجَازَةِ ، وَفِي الْهِبَةِ يَقَعُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقَبْضِ لَا بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا إكْرَاهًا بِالتَّسْلِيمِ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِ الْمُكْرَهِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ لِيَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُكْرَهُ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِكْرَاهِ لَا يُفِيدُهُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا وَالْهِبَةُ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ وَتُفِيدُهُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَيَنْصَرِفُ الْإِكْرَاهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ .( قَوْلُهُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ ) ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آلَةً لَهُ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ فَصَارَ كَأَنَّهُ دَفَعَ مَالَ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مَبِيعٌ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ غَيْرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ فِي الْفَسْخِ فَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ نَفَذَ مِلْكُهُ فِيهِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتِ نَفَذَ الْكُلُّ بِتَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ فَأَيُّهُمْ ضَمِنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمُكْرَهُ أَحَدَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْكُلُّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَ الْكُلُّ كَالرَّاهِنِ أَوْ الْآجِرِ إذَا
بَاعَ الرَّهْنَ أَوْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ ، فَإِذَا أَجَازَ نَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْمُبَاشِرِ وَالْمُجِيزُ يَكُونُ مَسْقِطًا حَقَّهُ لَا أَنْ يَكُونَ مُمَلِّكًا بِإِجَازَتِهِ وَأَمَّا إذَا ضَمِنَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْمَبِيعِ بَلْ إجَازَةً فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ أَحَدَ بُيُوعِ مَنْ بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا الَّذِي أَجَازَهُ الْمَالِكُ وَلَا يَجُوزُ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَمْلِكُ مَنْ أُجِيزَ شِرَاؤُهُ وَتَبْطُلُ الْبَقِيَّةُ لِوُرُودِ مِلْكٍ بَاتٍّ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ .قَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَخْ ) وَأَمَّا إذَا أَجَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعًا مِنْ تِلْكَ الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ فَكُلُّ بَيْعٍ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ يُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَيَكُونُ إجَازَتُهُ أَحَدَ الْبُيُوعِ تَمْلِيكًا لِلْعَيْنِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْفُذُ مَا سِوَاهُ ا هـ نِهَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ وَحَلَّ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوِهِ كَالضَّرْبِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ وَبِمَا يَخَافُ يَسَعُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ ، وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالِاضْطِرَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ ، وَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ وَالِاضْطِرَارُ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِضَرْبِ السَّوْطِ وَلَا بِالْحَبْسِ حَتَّى لَوْ خَافَ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا فَإِنْ هَدَّدَهُ بِهِ وَسِعَهُ وَإِنْ هَدَّدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ وَهُوَ يُقَامُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ فِيهِ مَا يَكُونُ مُتْلِفًا ، قُلْنَا : لَا وَجْهَ لِلتَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِالْأَدْنَى مِنْهُ فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَلَفَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَثِمَ بِصَبْرِهِ ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُبَاحَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَإِهْلَاكُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ
عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ فَيَأْثَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخُلَفَاءِ وَقَدْ دَخَلَهُ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَقَصَدَ فِي زَعْمِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا يَأْثَمُ كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِيهَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ إذْ الْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ فَيَكُونُ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ قُلْنَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً بَلْ مَعْصِيَةً ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ أَيْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا حَقِيقَةً ، وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ الْجِنَايَةَ فِي الرُّخْصَةِ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا انْتَفَتْ الْعُقُوبَةُ فَقَطْ كَالْعَفْوِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْدِمُ الْجِنَايَةَ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْمُؤَاخَذَةَ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ صَبَرَ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى أَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ اللُّصُوصِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ الْمُتَأَوِّلِينَ أَوْ مِنْ لُصُوصِ أَهْلِ الذِّمَّةِ اجْتَمَعُوا فَغَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخَذُوا رَجُلًا ، وَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذِهِ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ لَحْمَ هَذَا الْخِنْزِيرِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَنَاوُلِهِ بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ إذَا كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ قُتِلَ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } إلَى أَنْ قَالَ { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ { وَمَا لَكُمْ أَنْ لَا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَقَالَ فِي الْأَنْعَامِ { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّك غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيِّتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَالْمُسْتَثْنَى يَكُونُ حُكْمُهُ أَبَدًا عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا مَحَالَةَ فَيَحِلُّ الْمُسْتَثْنَى وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الضَّرُورَةُ بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ أَوْ الْإِكْرَاهِ فَتَنَاوَلَ النَّصُّ بِإِطْلَاقِهِ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَوْ امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ يَأْثَمُ وَهِيَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَفِي وَجْهٍ يُرَخَّصُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ هُوَ الِامْتِنَاعُ وَهُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَسَبُّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَا هُوَ كُفْرٌ أَوْ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ حَتَّى لَوْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يَكُونُ مَأْجُورًا وَفِي وَجْهِ الْعَزِيمَةِ هُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَلَا يُرَخَّصُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَهِيَ قَتْلُ نَفْسِ مَعْصُومٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْهُ وَالزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِحَالٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَصَبَرَ حَتَّى أَتْلَفَ أَثِمَ ) إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا بِالْإِبَاحَةِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَتَّى قُتِلَ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَفَاءٌ فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ حَيْثُ قَصَدَ التَّحَرُّزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الْكُفْرِ وَإِتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ وَقَطْعٍ لَا بِغَيْرِهِمَا يُرَخَّصُ ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ إتْلَافِ مَالِ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَعْضَائِهِ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } وَلِحَدِيثِ { عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك ؟ قَالَ : مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ ، قَالَ : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ } أَيْ فَعُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ ، وَفِيهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا تَفُوتُ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ مُفَوِّتًا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَعْنَى فَيُرَخَّصُ لَهُ إحْيَاءً لِنَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْعُضْوِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يُرَخَّصُ لَهُ قَتْلُ النَّفْسِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا قَطْعُ عُضْوِهِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ يُرَخَّصُ لَهُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُلْجِئُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ فِيهِ أَصْلًا وَغَيْرُهُ وَإِنْ احْتَمَلَهُ عَقْلًا لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ سَمْعًا فَالْتَحَقَ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَيَثْبُتُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ رُخْصَةً لَا إبَاحَةً مُطْلَقَةً وَلَا تَثْبُتُ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ كَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَكَيْفَ يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْكُفْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُثَابُ بِالصَّبْرِ ) أَيْ يَكُونُ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ { هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ } وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعُ عَزِيمَةٌ ، فَإِذَا بَذَلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَلِإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ كَانَ شَهِيدًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ فَقُتِلَ كَانَ شَهِيدًا ، وَلَا يُقَالُ الْكُفْرُ مُسْتَثْنًى فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } كَمَا اسْتَثْنَى الْمَيْتَةَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَرَامًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا رَاجِعٌ إلَى الْعَذَابِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ فَيَنْتَفِي الْعَذَابُ دُونَ الْحُرْمَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ فِيهِ الْحُرْمَةُ فَتَنْتَفِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُنَا لَا تَنْتِفِي فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا وَلَكِنْ لَوْ تَرَخَّصَ جَازَ لِمَا أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَفُوتُ بِهِ وَلَا حَقُّ الْعَبْدِ لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرَهِ .قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا ) خُبَيْبِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ شَهِدَ بَدْرًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا يُرَخَّصُ ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْقَتْلُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَسَقَطَ الْكُرْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ ) ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَأْثَمُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِدِينِهِ وَالْمُكْرَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِالضَّيَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَلِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الْفِرَاشِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لَهَا بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْإِكْرَاهُ الْقَاصِرُ دَرْءَ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا دُونَ الرَّجُلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمُكْرِهِ فَقَطْ ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُكْرَهُ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ ، وَكَذَا حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْ الْمُكْرَهِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَفْعَالِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِهَا فَاعِلُهَا إلَّا إذَا سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ شَرْعًا وَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ الْفَاعِلِ وَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ وَهُنَا لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ فِعْلِهِ بَلْ قُرِّرَ حُكْمُ فِعْلِهِ بِدَلِيلِ
أَنَّهُ يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ ، وَإِثْمُ الْقَتْلِ يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا أَمَّا الْمُكْرَهُ فَلِمَا قَالَهُ زُفَرُ وَأَمَّا الْمُكْرِهُ فَلِحُصُولِ التَّسْبِيبِ مِنْهُ إلَى الْقَتْلِ حَيْثُ أَحْدَثَ فِيهِ مَعْنًى حَامِلًا عَلَى الْقَتْلِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا حُكِمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ الْمُتَغَلِّبَةِ غَالِبٌ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لَأَدَّى إلَى الْفَسَادِ فَيُوجِبُ عَلَى الْكُلِّ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى أَثِمَ إثْمَ الْقَتْلِ وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَمَلَ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ فَصَارَ مَدْفُوعًا إلَى الْقَتْلِ بِمُوجِبِ طَبْعِهِ وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَاتِلٌ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا وَالْمُكْرِهُ بِالْعَكْسِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْإِتْلَافُ دُونَ الْإِثْمِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِطَبْعِهَا كَالسَّيْفِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْقَطْعُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَحَلِّهِ وَكَالنَّارِ فَإِنَّ طَبْعَهَا الْإِحْرَاقُ وَكَالْمَاءِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ وَبِاسْتِعْمَالِ الْآلَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ فَكَذَا هُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ وَالْمَأْمُورُ جَارٍ عَلَى مُوجِبِ طَبْعِهِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ الْمُتْلَفِ يَجِبُ عَلَى الْآمِرِ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَى الْآمِرِ وَأَنَّ
الْمَأْمُورَ آلَةٌ لَهُ إذْ لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَأَنَّ الْآمِرَ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ لَا مُتَسَبِّبٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَسَبِّبًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُتَسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْإِتْلَافِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِي إتْلَافِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُلْقِيَهُ فِي مَالِ إنْسَانٍ فَكَذَا فِي النَّفْسِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دِينِ غَيْرِهِ فَبَقِيَ بِالْفِعْلِ مَقْصُورًا فِي حَقِّهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْآمِرِ فِي الْإِتْلَافِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ مِنْ حَيْثُ التَّلَفُّظُ وَلَا يُجْعَلُ آلَةً لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَوْ نُقِلَ إلَى الْآمِرِ لَمَا عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ ، وَكَذَا قُلْنَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ دُونَ الْإِتْلَافِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَنْتَقِلُ فِي حَقِّ الْحِلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي الذَّبْحِ فِي الدِّينِ وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِدَيْنِهِ ) أَيْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دَيْنِهِ ا هـ قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْإِغْرَاقُ ) أَيْ فَفِي الْجَرْيِ عَلَى مُوجِبِ الطَّبْعِ مُشَابَهَةٌ بِالْآلَةِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقَاتِلُ آلَتَهُ الَّتِي هِيَ السَّيْفُ فِي شَخْصٍ ظُلْمًا فَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ فَكَذَا هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى عَتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَتَاقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَأَعْتَقَ أَوْ طَلَّقَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَعَدَمُ صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَقَارِيرِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يُوجَدُ الرِّضَا ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا فَيَقَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَإِخْوَانِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا ) يَعْنِي عَلَى الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْمُكْرَهُ آلَةٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ إذْ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُعْتِقِ الْبَعْضِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَعِتْقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ عِتْقِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هُنَا وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ
بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرَهِ وَالتَّقْرِيرُ كَالْإِيجَابِ فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرِهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ بِالْحُرِّيَّةِ فِيمَا مَضَى كَاذِبًا وَقَدْ أَرَدْت ذَلِكَ لَا إنْشَاءَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرَهُ لَهُ شَيْئًا لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَتَاقُ ، وَلَوْ قَالَ : خَطَرَ بِبَالِي ذَلِكَ وَلَمْ أُرِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَدْت بِهِ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي شَيْءٌ عَتَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ وَعَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ كَانَ يَنْدَفِعُ بِالْأَقَلِّ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى إيقَاعِهِ ؛ إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ وَيَتَخَلَّصَ ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَأَوْقَعَ التَّوْكِيلَ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ
وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَقَعَ عَلَى التَّوْكِيلِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْإِتْلَافُ وَإِنَّمَا يَتْلَفُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا يُضَافُ التَّلَفُ إلَى التَّوْكِيلِ كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَدْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ فَكَانَ الزَّوَالُ مَقْصُودًا وَجَعَلَ مَا فَعَلَ طَرِيقًا إلَى الْإِزَالَةِ فَيَضْمَنُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِهِ فِيهَا ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ الطَّلَبُ فِيهَا لَحُبِسَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَ ، وَكَذَا الْيَمِينُ وَالظِّهَارُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ فَيَسْتَوِي فِيهِمَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ { حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَخَذُوهُ وَاسْتَحْلَفُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْصُرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَحَلَفَ مُكْرَهًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَوْفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَحْنُ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ } وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ بِهِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ وَكَذَا الرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِهِ
وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ فِي الْحَالِ وَطَلَاقٌ فِي الْمَآلِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْفَيْءُ فِيهِ كَالرَّجْعَةِ فِي الِاسْتِدَامَةِ ، وَلَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ ، وَكَذَا الْخُلْعُ ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ لَزِمَهَا الْبَدَلُ ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ وَهِيَ طَائِعَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً لَا يَلْزَمُهَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُ بِدُونِ الرِّضَا ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حُرًّا فَفَعَلَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ صُنْعٍ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت ثُمَّ فَعَلَ الْمُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَكَانَ مُلْجَأً ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْخُرُوجِ عَنْ حَقٍّ لَزِمَهُ وَذَلِكَ حِسْبَةٌ مِنْهُ لَا إتْلَافُ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَفَعَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَعَلَى الْمُكْرَهُ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مُعَيَّنًا عَنْ كَفَّارَتِهِ فَصَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ بِعِوَضٍ ، وَلَوْ قَالَ : أَنَا أُبْرِئُهُ مِنْ
الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِئَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ ، وَلَوْ قَالَ : أَعْتَقْته حِينَ أَكْرَهَنِي وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ أُعْتِقْهُ لِإِكْرَاهِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ ، وَمَا أَتَى بِهِ غَيْرُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْإِتْلَافُ بِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُمِرَ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَالْإِكْرَاهُ عَلَى إعْتَاقِ النِّصْفِ إكْرَاهٌ عَلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إعْتَاقِ كُلِّهِ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ يَضْمَنُ نِصْفَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّصْفِ فَيَكُونُ آتِيًا بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحِسَابِهِ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ يَجِبُ ، وَقَالَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلُ أَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالِانْتِشَارُ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَى الْمُكْرِهِ لِكَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي الزِّنَا ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ
بِآلَةِ غَيْرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَكَانَ مُقْتَصَرًا عَلَى الْفَاعِلِ ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ دُونَ إحْصَانِ الْمُكْرَهِ فَكَذَا الْحَدُّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْفِعْلِ وَيَتَحَقَّقُ مِنْهَا الزِّنَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا وَلَا تَشْعُرُ بِهِ وَبِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِيهِ فَيُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ إذَا وُجِدَ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْإِلْجَاءُ لَمَا فَعَلَ بِالْفِعْلِ دَفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِكْرَاهِ لِمَا أَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ إهْلَاكَهُ فَلَا يُفِيدُ شَرْعُ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا .
( قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ إلَخْ ) وَالْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالنَّذْرُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ أَنَّ لِصًّا غَالِبًا أَكْرَهَ رَجُلًا حَتَّى جَعْلِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَزْوَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ ، فَهَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ غَيْرِهِ يَعْنِي بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ حَتَّى أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ مُقْفَلَاتٌ مُبْهَمَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رِدِّيدَى : الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنَّذْرُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُبْهَمَاتٌ وُقُوعُهَا وَصِحَّتُهَا مُطْلَقَةً بِلَا قَيْدِ الرِّضَا وَالطَّوَاعِيَةِ وَالْجِدِّ إذَا صَدَرَتْ مِنْ مُكَلَّفٍ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ حُرْمَةَ الْأُمِّ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالدُّخُولِ وَالرِّدِّيدِى بِمَعْنَى الرَّدِّ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ لَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ هَازِلًا يَلْزَمُهُ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ لَا يُبْطِلُهُ الْإِكْرَاهُ وَلِأَنَّ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا وَكُلُّ مَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ الْمُكْرَهُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَلِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحْبَسُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ا هـ ( قَوْلُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَلَوْ
أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُظَاهِرَ مِنْ امْرَأَتِهِ كَانَ مُظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْرِيمِ فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهِ ) أَيْ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ ؛ لِأَنَّهُ عَسَى يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِمَا دُونَ هَذَا فَصَارَ فِي الزِّيَادَةِ إتْلَافًا بِغَيْرِ عِوَضٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دُونَ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَإِنْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ قُلْنَا مَتَى ضَمِنَ بَعْضَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَفَّارَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إتْلَافٌ بِلَا نَفْعٍ يُسْلَمُ لَهُ فَيَضْمَنُ كُلَّهُ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ الضَّمَانُ لِرَبِّهِ عَلَى الْمُكْرَهِ صَارَ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ فَلَا يَصْلُحُ كَفَّارَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ ) أَيْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ ) أَيْ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ طَائِعًا فَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْمُكْرِهِ فَصَلَحَ كَفَّارَةً ، وَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَصَدَقَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ طَائِعٌ ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الظِّهَارِ كَمَا أَمَرَنِي وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِهِ فَكَانَ مُكْرَهًا وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فَبَقِيَ إعْتَاقًا بِلَا عِوَضٍ فَيُسْلَمُ لَهُ فَيَصْلُحُ كَفَّارَةً ا هـ الثَّانِي .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ وَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ هُوَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا حَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ أَحَدَ الرُّكْنَيْنِ ، وَفِي الرُّكْنِ الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا ؛ لِأَنَّ { الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ } وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ وَكُفْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ نَوَيْت الْإِخْبَارَ بَاطِلًا وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْت بَانَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ وَجَوَابُهُ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا نَوَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَصَّدَّقُ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَقَعَ جَوَابًا لِمَا طُلِبَ مِنْهُ ظَاهِرًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَجَابَ إلَيْهِ وَنَوَى
مَا قَصَدَهُ الْمُكْرِهِ مَعَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا طَلَبُوهُ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ فَيُجْعَلُ مُجِيبًا لَهُمْ طَائِعًا ، وَلَوْ قَالَ : أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَبَرُ عَنْ الْبَاطِلِ بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ حَقِيقَةً حَيْثُ أَجَابَ إلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْمَخْلَصِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الصَّلِيبِ أَوْ عَلَى سَبِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خَطَرَ بِبَالِي أَنْ أَسْجُدَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ أَسُبَّ مُحَمَّدًا آخَرَ فَنَوَيْت السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبَبْت غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت السُّجُودَ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِمَا قُلْنَا ، وَلَوْ قَالَ : لَمْ يَخْطِرُ بِبَالِي شَيْءٌ وَنَوَيْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَلْبِي مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ ، وَإِجَابَةُ مَا طُلِبَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ مُرَخَّصٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ حَتَّى لَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ الْعَدُوُّ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ لَأَجْرَاهَا عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ كَفَرَ مِنْ سَاعَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ فِي وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) أَسِيرٌ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إنَّك ارْتَدَدْت فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْفُرْقَةِ وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ تَكَلَّمْت بِذَلِكَ لَكِنْ مُكْرَهًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ وَادَّعَى الْكُرْهَ وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُمَا ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي الْفَرْجِ لَا يَجُوزُ ا هـ سِيَرٌ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ ا هـ
( فَصْلٌ ) وَحُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ قَطْعُهَا كَمَا لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ مَالِهِ ، وَلَوْ قَطَعَهَا يَأْثَمُ الْقَاطِعُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفْسِ ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ طَرَفِ نَفْسِهِ حَلَّ لَهُ قَطْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الطَّرَفِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ قَطْعُهَا إذَا اسْتَأْكَلَتْ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ لِتُلْقِيَن نَفْسَك فِي النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنك وَكَانَ الْإِلْقَاءُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو مِنْهُ وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ خِفَّةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرِيقَ إذَا وَقَعَ فِي سَفِينَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ فِيهِ احْتَرَقَ ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ غَرِقَ فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ .
وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَ رَجُلٍ بِحَدِيدَةٍ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ وَالْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا انْتَقَلَ إلَى الْمُكْرِهِ وَالْآخَرُ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَاطِعِ فَصَارَا قَاتِلَيْنِ لَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِ الْيَدِ عَلَى الْمُكْرَهِ الدِّيَةُ عِنْدَهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا ضَرُورَةً .
وَلَوْ قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَن نَفْسَك مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنك بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فَمَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِالْمُثَقَّلِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُ وَعَلَى الْمُكْرَهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُ .
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ : اُقْتُلْنِي فَعَنْهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ حَقُّهُ فَصَارَ كَإِذْنِهِ بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَثَمَّ لَا ضَمَانَ فَكَذَا هُنَا .
وَإِذَا أُكْرِهَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ بِمَهْرٍ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ فَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ فَلِلْوَلِيِّ الْفِرَاقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ التَّبْلِيغَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِالنُّقْصَانِ وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى تَمْلِكَ إسْقَاطَهُ وَهِبَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( كِتَابُ الْحَجْرِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لَا فِعْلًا بِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ ، وَفِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيَّ مَنْعٍ كَانَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حِجْرًا ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَسُمِّيَ الْعَقْلُ حِجْرًا ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْقَبَائِحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ } أَيْ لِذِي عَقْلٍ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْبَشَرَ أَشْرَفَ خَلْقٍ وَجَعَلَهُمْ بِكَمَالِ حِكْمَتِهِ مُتَفَاوِتِينَ فِيمَا يَمْتَازُونَ بِهِ عَنْ الْأَنْعَامِ وَهُوَ الْعَقْلُ وَبِهِ يَسْعَدُ مَنْ سَعِدَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَكَّبَ فِي الْبَشَرِ الْعَقْلَ وَالْهَوَى وَرَكَّبَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الْهَوَى وَرَكَّبَ فِي الْبَهَائِمِ الْهَوَى دُونَ الْعَقْلَ فَمَنْ غَلَبَ مِنْ الْبَشَرِ عَقْلُهُ عَلَى هَوَاهُ كَانَ أَفْضَلَ خَلْقِهِ لِمَا يُقَاسِي مِنْ مُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمُكَابَدَةِ النَّفْسِ وَمَنْ غَلَبَ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ أَرْدَأَ مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ ذَوِي النُّهَى وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الرَّدَى كَالْجُنُونِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ الْمُوجِبَيْنِ لِنُقْصَانِهِ فَجَعَلَ تَصَرُّفَهُمَا غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُعَامَلَتُهُمَا ضَرَرًا عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَسْتَجِرُّ مَنْ يُعَامِلُهُمَا مَا لَهُمَا بِاحْتِيَالِهِ الْكَامِلِ وَجَعَلَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِمَا خَاصًّا وَعَامًّا وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمَا وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا وَالرِّقُّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ
لِأَجْلِ حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالْإِنْسَانُ إذَا مُنِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْحُرِّ لَا يُقَالُ : إنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى وَلِعَدَمِ نُفُوذِهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْحُكْمِيَّاتِ دُونَ الْحِسِّيَّاتِ وَنُفُوذُ الْقَوْلِ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرَدُّ وَيُقْبَلُ وَالْفِعْلُ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إذَا وَقَعَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لَا فِعْلًا ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَسَيِّدٍ ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ عَدِيمُ الْعَقْلِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ بِالْبُلُوغِ فَيَحْتَمِلُ فِيهِ الضَّرَرُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَمَنْعِ الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ زَالَ فَيَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ كَالْحُرِّ الصَّغِيرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا لَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَارَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الطُّوطِيِّ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ ، وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ ، وَقِيلَ هُوَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ
مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ .
( كِتَابُ الْحَجْرِ ) أَوْرَدَ الْحَجْرَ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ لِمَا أَنَّ بَيْنَهُمَا سَلْبَ الِاخْتِيَارِ إلَّا أَنَّ الْإِكْرَاهَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ فِيهِ سَلْبَهُ عَمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِخِلَافِ الْحَجْرِ فَكَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ وَمَحَاسِنُ الْحَجْرِ النَّظَرُ وَالشَّفَقَةُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ وَالشَّفَقَةُ لِغَيْرِهِ وَدَفْعُ الْأَذَى عَنْهُ كَمَا فِي حَجْرِ الْمَدْيُونِ وَالسَّفِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَحَجْرِ الْمَرِيضِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ حَجْرٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَجْرُ الْحُكْمِيُّ الَّذِي لَا يَصِيرُ تَصَرُّفُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مُفِيدًا حَتَّى إذَا بَاعَ وَحَصَلَ الْقَبْضُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ ) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَنَّ السَّفَهَ وَالْفَلْسَ سَبَبٌ لِلْحَجْرِ اخْتِلَافٌ كَمَا سَيَجِيءُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةً أُخَرَ وَهِيَ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالْمُتَطَبِّبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ } ) أَيْ لِذِي عَقْلٍ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَتَمَادَى فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى إلَّا الَّذِي فِي عَقْلِهِ وَهْيُ فَالْعَقْلُ عَقْلٌ وَالْحِجَا حَاجِزٌ وَالْحِجْرُ حَجْرٌ وَالنُّهَى نَهْيُ قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْهُ ) ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ أُحُدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالرِّقُّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِيلَ الرِّقُّ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ
الْأَشْيَاءُ تُوجِبُ الْحَجْرَ إلَخْ ) حَتَّى يُؤَاخَذَ بِالْأَفْعَالِ حَتَّى إنَّ طِفْلَ يَوْمٍ لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ إذَا مَزَّقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَقِفُ عَلَى الْقَصْدِ الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجَدُ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً وَلَا إمْكَانَ لِرَدِّ مَا هُوَ ثَابِتٌ حِسًّا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الصِّبَا وَالْجُنُونَ يُؤَثِّرَانِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا لِقُصُورٍ فِي فِعْلِهِمَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ فِيهِ ) أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَرَادَ بِالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبَ الَّذِي يُجَنُّ وَلَا يُفِيقُ وَهُوَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ ) يَقْتَضِي أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ بَعْدَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إلَخْ فَانْظُرْهُ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَعَقَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ النَّفَاذُ كَالْعَاقِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَعَقَدَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ فَالْحُكْمُ فِيهِ الْوَقْفُ كَالصَّبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الثَّانِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بِالصَّوَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْتُوهَ الْبَالِغَ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ أَمْ لَا فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ مَالَ إلَى الْوُجُوبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى السُّقُوطِ ا هـ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْوَرَقَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْح أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَفْسَخُهُ ) أَيْ مَنْ عَقَدَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ جَالِبٌ لَهُ وَيَعْلَمَ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدَ بِهِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِهِ مَصْلَحَةٌ فَيُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى إنْ رَأَى فِيهِ ذَلِكَ كَعَقْدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ الْفُضُولِيُّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي الْبَيْعِ مُسْتَقِيمٌ ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قُلْنَا إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ نَفَاذًا كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى فَيُوقَفُ الْكُلُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوا ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمْ فِي حَقِّ الْأَفْعَالِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْقَتْلُ غَيْرَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعُ غَيْرَ الْقَطْعِ فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الذِّمَّةُ ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ الثَّلَاثَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْهُمْ مَا نَصُّهُ قَالَ خُوَاهَرْزَادَهْ أَيْ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ ذَكَرَ الْجَمِيعَ وَأَرَادَ التَّثْنِيَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } وَقَالَ فِي شَرْحِ النَّافِعِ أَرَادَ الصَّغِيرَ وَالْعَبْدَ وَالْمَجْنُونَ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ لَا الَّذِي ذَهَبَ عَقْلُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَ مِثْلِ هَذَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ لَحِقَهُ الْإِجَازَةُ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ يَفْسَخُهُ ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الصَّغِيرُ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَاهُ فَلَحِقَهُ الْإِجَازَةُ فَإِنْ عَقَلَ مَعْنَى الْعَقْدِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ إذَا عَقَدَ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مَعْنَى الْبَيْعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ يَشُوبُهُ ضَرَرٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إذَا تَصَرَّفَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ أَوْ الْمَعْتُوهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا تَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى حَتَّى يَرَى الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى رَأْيَهُ فِيهِ إنْ رَأَى النَّفْعَ فِي النَّقْضِ نَقَضَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ بِالشَّرْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقَبِلَ الشَّارِعُ شَهَادَةَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَمْكَنَ رَدُّهُ فَيُرَدُّ نَظَرًا لَهُمَا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ فَلَا مَرَدَّ لَهُ حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ أَيْضًا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْفُذُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقْبَلُ ، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ الْمَانِعُ فَيُتَّبَعُ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَنْ أَهْلِيَّةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِهِمَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى ضَمِنَ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ } يَقْتَضِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْإِقْرَارَ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ قُلْنَا لَمَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا يَكُونُ إقْرَارَ الْحُرِّ لَا إقْرَارَ الْعَبْدِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { بَلْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } يَقْتَضِي أَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَيَنْفُذُ وَلَا يُقَالُ : إنَّهُ خُصَّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا
هُوَ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُولٌ أَيْضًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ النَّصَّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى الْحُرِّ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَا قُلْنَا يُحْمَلُ الْمَرْوِيُّ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ .( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى إلَخْ ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْلَافُ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ غَيْرِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَمْلُوكًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِصَاصُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ ، وَكَذَا إيجَابُ الْحَدِّ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ سَفْكَ دَمِهِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى بِدَمِهِ وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِدَيْنٍ إنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَقَوْلُ زُفَرَ مَنْقُوضٌ بِإِقْرَارِهِ بِالرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ لَزِمَ إتْلَافُ مَالِ الْمَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِيمَا إذَا كَانَ كَبِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا بِسَفَهٍ ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ سَفَهٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْغَفْلَةِ وَالْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ وَالسَّفَهِ هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجِبِ الشَّرْعِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَتَرْكُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحِجَا وَالسَّفِيهُ مِنْ عَادَتِهِ التَّبْذِيرُ وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُغَنِّي وَاللَّعَّابِ وَشِرَاءِ الْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبَنِ الْفَاحِشِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرُّ وَالْإِحْسَانُ مَشْرُوعٌ وَالْإِسْرَافُ حَرَامٌ كَالْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ } فَهَذَا نَصٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وقَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } وَهَذَا نَصٌّ عَلَى إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَى السَّفِيهِ وَأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ،
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ يُفْنِي مَالَهُ فِي الْجِهَادِ وَالضِّيَافَاتِ حَتَّى اشْتَرَى دَارًا لِلضِّيَافَةِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَآتِيَن عُثْمَانَ وَلَأَسْأَلَنَّهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَاءَ إلَى الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهَا فَأَشْرَكَهُ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَقَالَ كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْكِيَاسَةِ فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَلَّ بِرَغْبَتِهِ أَنَّهُ لَا غَبْنَ فِي تَصَرُّفِهِ ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ بِهَذَا السَّبَبِ وَأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِمَالِهَا حَتَّى رُوِيَ أَنَّهَا كَانَ لَهَا رِبَاعٌ فَهَمَّتْ بِبَيْعِ رِبَاعِهَا لِلتَّصَدُّقِ بِالثَّمَنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَأَنْهَيَنَّ عَائِشَةَ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا لِلتَّصَدُّقِ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ وَاجِبٌ حَقًّا لِإِسْلَامِهِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَالْحِكْمَةُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِتَوَهُّمِ التَّبْذِيرِ ، وَهَذَا قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ وَلِهَذَا يُمْنَعُ مَالُهُ فِي الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ وَمَنْعُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ عَلَيْهِ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ مَا مُنِعَ مِنْ يَدِهِ يُتْلِفُهُ بِلِسَانِهِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا { قِيلَ لَهُ اُحْجُرْ عَلَيْهِ
} وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ كَامِلُ الْعَقْلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ بِخِلَافِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ فَإِنَّهُمَا نَاقِصَا الْعَقْلِ وَلِهَذَا لَمْ يُكَلَّفَا فَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا ، وَلَوْ كَانَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ لَكَانَ رَفْعُ التَّكْلِيفِ أَنْظَرَ لَهُ فَحَيْثُ كَلَّفَهُ الشَّارِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ لَهُ فَكَيْفَ يَنْظُرُ لَهُ وَهُوَ كَامِلُ الْعَقْلِ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِ وَقِلَّةِ تَدْبِيرِهِ مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ وَمُتَابِعًا لِهَوَاهُ وَلِأَنَّ فِي حَجْرِهِ إلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَإِهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ ، وَهُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّبْذِيرِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْحَجْرِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُتَطَبِّبِ الْجَاهِلِ بِأَنْ يَسْقِيَهُمْ دَوَاءً مُهْلِكًا أَوْ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ الدَّوَاءُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ ضَرَرِهِ وَكَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعَوَامَّ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ كَتَعْلِيمِ الِارْتِدَادِ لِتَبِينَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ لِتَسْقُطَ عَنْهَا الزَّكَاةُ وَلَا يُبَالِي بِمَا يُفْعَلُ مِنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ أَوْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَكَالْحَجْرِ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْكِرَاءَ وَيُؤَجِّرُ الْجِمَالَ وَلَيْسَ لَهُ جَمَالٌ وَلَا ظُهْرٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَلَا لَهُ مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابَّ وَالنَّاسُ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُونَ الْكِرَاءَ إلَيْهِ وَيَصْرِفُ هُوَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ فِي حَاجَتِهِ ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْخُرُوجِ يَخْتَفِي فَتَذْهَبُ أَمْوَالُ النَّاسِ وَتَفُوتُ حَاجَتُهُمْ مِنْ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْخَاصِّ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ لِعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَبْلَغُ فِي الْعُقُوبَةِ مِنْ مَنْعِ الْمَالِ وَمَنْعُ الْمَالِ مُفِيدٌ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَتْلَفُ
بِتَصَرُّفَاتِهِ بِأَنْ لَا يَهْتَدِيَ إلَيْهَا لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ فَيَخْسَرُ أَوْ بِالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ أَوْ بِأَنْ يَجْمَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالشَّرِّ وَيُطْعِمَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ وَيُسْرِفَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا لَمْ يُسْلَمْ إلَيْهِ مَالُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } أَمْوَالُنَا لَا أَمْوَالُ السُّفَهَاءِ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ نُطْعِمَهُمْ وَنَكْسُوهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا وَلَا نُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ وَالْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ الذَّرَارِيِّ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ إذَا سُلِّمَ إلَيْهِمْ الْمَالُ ضَيَّعُوهُ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَيْثُ أُضِيفَ الْمَالُ إلَيْنَا لَا إلَى السُّفَهَاءِ وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَمْوَالَهُمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ الصِّغَارَ وَالْمَجَانِينَ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوهَا إسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الصِّغَارَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ تُبَادِرُونَ كِبَرَهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَكْبَرُوا فَلَا يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ بَعْدَ الْكِبَرِ وَهُوَ الْبُلُوغُ فَتُنْزَعُ الْأَمْوَالُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِالْكِبَرِ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ بِالْكِبَرِ ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا } الْآيَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ هُوَ الْخَفِيفُ لُغَةً وَذَلِكَ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ كَالصَّبِيِّ أَوْ بِعَدَمِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ تَمْيِيزٌ أَوْ نَقُولُ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ هُوَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُدَايَنَةِ
نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ثُمَّ قَالَ { وَلِيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ } يَعْنِي الْحَقَّ الَّذِي لَزِمَهُ بِتِلْكَ الْمُدَايَنَةِ ثُمَّ قَالَ { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا } أَيْ الْحَقُّ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُدَايَنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَهُ بِمُعَامَلَتِهِ ، ثُمَّ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْإِمْلَالِ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِ إلَى الْحِسَابِ أَوْ لِقِلَّةِ مُمَارَسَتِهِ بِالْإِمْلَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى فَصَاحَةٍ وَتَأْلِيفِ كَلَامٍ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُمِلَّ عَنْهُ غَيْرُهُ بِإِخْبَارِهِ هُوَ وَإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْيَوْمَ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يُؤَلِّفُ كَلَامًا يُمِلُّهُ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ يُؤَلِّفُ غَيْرَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ دَلِيلٌ لَنَا ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْتَنَعَ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَعَ سُؤَالِ عَلِيٍّ وَكَلَامُ عَلِيٍّ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ لَهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَلِيلٌ لَنَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمَا اسْتَجَازَتْ هَذَا الْحَلِفَ مِنْ نَفْسِهَا مُجَازَاةً عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ ذَلِكَ كَرَاهَةَ أَنْ تُفْنِيَ مَالَهَا فَتُبْتَلَى بِالْفَقْرِ فَتَصِيرُ عِيَالًا عَلَى غَيْرِهَا وَالْمَصِيرُ إلَى هَذَا أَوْلَى لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ نِسْبَةِ السَّفَهِ وَالتَّبْذِيرِ إلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لَا سِيَّمَا مِثْلَ عَائِشَةَ وَهِيَ أَكْرَمُ أَهْلِ الْبَيْتِ الْمُطَهَّرِينَ مِنْ الرِّجْسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ التَّبْذِيرُ وَالْمُبَذِّرُونَ إخْوَانُ الشَّيَاطِينِ وَمَا الْقَائِلُ لِذَلِكَ إلَّا مُكَابِرٌ نَفْسَهُ وَجَاحِدٌ
لِلنُّصُوصِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالنُّصْحِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ } ، وَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَشْرُوعًا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا لَحَجَرَ عَلَيْهِ ، وَفِيمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ ، وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ فَدَعَاهُ فَنَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْ الْبَيْعِ فَقَالَ إنْ كُنْت غَيْرَ تَارِكٍ لِلْبَيْعِ فَقُلْ هَاءَ وَهَاءَ وَلَا خِلَابَةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الْحَجْرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَأَنَّ نَهْيَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ عَزِيمَةً لَمَا وَسِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَصْبِرُ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا كَانَتْ بِيَاعَاتُهُ تَلْزَمُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَحَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ إذَا بَايَعَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَمِعْته يُبَايِعُ وَيَقُولُ لَا خِلَابَةَ لَا خِدَابَةَ } رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ { رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ لَا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ وَكَانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إذَا أَنْتَ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إنْ رَضِيت فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْت فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَرَفَعَ حَجْرَهُ وَأَطْلَقَ عَنْهُ جَازَ إطْلَاقُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ بِالْقَضَاءِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ يَعْنِي حَتَّى يَلْزَمَ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ لَا يَلْزَمُ وَلَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَتَأَكَّدُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنْقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَبِالْقَضَاءِ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ لِيَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِقَضَائِهِ بَعْدَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مَعْنَاهُ وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ هُنَا ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى حَجْرَهُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا فَيَصِيرُ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ .
قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْكِتَابُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ تَزَوَّجَ تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا لِسَلْبِ وِلَايَتِهِ ، فَإِذَا صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي النَّفْسِ وَهِيَ الْأَصْلُ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ التَّبَعُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَنَقُولُ هَذَا حُرٌّ مُخَاطَبٌ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ عَلَى وَجْهِ التَّنْفِيذِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَنْحَجِرُ قِيَاسًا عَلَى الْمُصْلِحِ لِمَالِهِ وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَعَلَى تَصَرُّفٍ يَتَّصِلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا مُخَاطَبًا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفَاتِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ دَلِيلُ اعْتِبَارِ عَقْلِهِ وَالْعَقْلُ دَلِيلٌ ( قَوْلُهُ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ) أَيْ لَا خِدَاعَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَقُلْ { لَا خِيَابَةَ } بِالْيَاءِ كَأَنَّهَا لُثْغَةٌ مِنْ الرَّاوِي أَبْدَلَ اللَّامَ يَاءً ا هـ ابْنُ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَعْتُوهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْتُوهَ الْبَالِغَ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ أَمْ لَا فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ مَالَ إلَى الْوُجُوبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى السُّقُوطِ ا هـ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْحَاشِيَةُ قَبْلَ هَذِهِ بِسِتَّةِ قَوْلَاتٍ فِي قَوْلِهِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ إلَخْ فَانْظُرْهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ هُنَاكَ ( قَوْلُهُ وَكَالْحَجَرِ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ ) ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلُ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ ؛
لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا عَامٌّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَاجِنِ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ مَجَنَ الشَّيْءُ يَمْجُنُ مُجُونًا إذَا صَلُبَ وَغَلُظَ وَقَوْلُهُمْ رَجُلٌ مَاجِنٌ كَأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمُبَذِّرُونَ إخْوَانُ الشَّيَاطِينِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الشَّيْطَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِصَابَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْقِصَّةِ هَلْ وَقَعَتْ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ أَوْ لِأَبِيهِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ ) أَيْ حَتَّى لَوْ رُفِعَ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى الْقَاضِي الْحَاجِرِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ فَقَضَى بِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ لِاتِّصَالِ الْإِمْضَاءِ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ النَّقْضُ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهَذَا مَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى حَجْرَهُ بِنَفْسِ السَّفَهِ ) كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ ا هـ قَالَ الصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْأَجَلُّ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْكَبِيرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْمَعْرُوفِ بِمَازَهْ فِي طَرِيقَتِهِ الْمُطَوَّلَةِ : الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ لِمَالِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَجُوزُ ثُمَّ إنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ السَّفِيهَ إذَا بَلَغَ بَلَغَ مَحْجُورًا أَوْ مُطْلَقًا قَالَ مُحَمَّدٌ : بَلَغَ مَحْجُورًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْلُغُ مُطْلَقًا وَيَحْتَاجُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ عَنْهُ الْمَالُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُمْنَعُ عَنْهُ مَا دَامَ السَّفَهُ قَائِمًا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّرِيقَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ ) أَيْ يَحْكُمُ بِجَوَازِهِ قَاضٍ آخَرُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ إنْ بَلَغَ الْمُدَّةَ مُفْسِدًا ) أَيْ إنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَبَدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } نَهَانَا عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ مَا دَامَ سَفِيهًا وَأَمَرَنَا بِالدَّفْعِ إنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّشْدُ إذْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلِأَنَّ مَنْعَ مَالِهِ لِعِلَّةِ السَّفَهِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ مَا بَقِيَتْ الْعِلَّةُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْله تَعَالَى { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ سُمِّيَ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لَا يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرْنَاهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّهُ حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا ؛ لِأَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً فَيُولَدُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي أَثْنَى عَشْرَةَ سَنَةً فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا حَتَّى لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ مُبَذِّرًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ مَالُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْمَالِ وَلِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ
عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّأْدِيبِ عِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ ، فَإِذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ ، وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ الْأُولَى مَنْعُ أَمْوَالِنَا لَا أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ عَلَى أَصْلِنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ فَعِنْدَهُمَا إذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَدَمُ النُّفُوذِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَاقِلٌ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَضُرُّهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ ، وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّفَهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً مِنْهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ ، فَإِذَا تَرَدَّدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ ؛ لِأَنَّ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِبْقَاءُ مِلْكِهِ نَظَرٌ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ لِيَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ
عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالْجَامِعُ أَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ لِأَحَدٍ هُنَا بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَ الْغَيْرَ حَتَّى لَا يَنْوِيَ مَالَ الْغُرَمَاءِ وَهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْنَعُوهُ وَلِلْقَاضِي عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَائِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِهِمْ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَطْلُبُوا ذَلِكَ أَوْ أَبْرَءُوهُ أَوْ أَوْفَاهُمْ حَقَّهُمْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ حَجْرِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالْهَازِلِ فَإِنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ الْعُقَلَاءِ لِقَصْدِ اللَّعِبِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكَذَا السَّفِيهُ يَخْرُجُ كَلَامُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ عَلَى غَيْرِ نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ فَكُلُّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَالْعِتْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْحَجْرُ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِالرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَعْدَ الْحَجْرِ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ سِوَى الطَّلَاقِ كَالْعَبْدِ وَإِذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لِأَجْلِ النَّظَرِ لِغُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ ثُمَّ هُنَاكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِغُرَمَائِهِ أَوْ
لِوَرَثَتِهِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ فَيَجِبُ نَقْضُهُ مَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ فَكَذَا هُنَا ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى يَسْعَى لِمُعْتَقِهِ وَالْمُعْتَقُ لَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِحَقِّ مُعْتِقِهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ تَدْبِيرُهُ ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُدَبَّرِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ فِي التَّدْبِيرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَخْدِمُهُ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَتَعَذَّرَ إيجَابُ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ بِمَالٍ وَقَبِلَ الْعَبْدُ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَالُ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَاقَاهُ مُدَبَّرًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي حَقِّ الِاسْتِيلَادِ تَوْفِيرُ النَّظَرِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِإِبْقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ وَيَلْتَحِقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَتِهِ كَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالصَّحِيحِ حَتَّى إنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ
بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا ، فَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ لَهَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَكَذَا فِي رَفْعِ حُكْمِ الْحَجْرِ فِي تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا شَاهِدَ لَهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا بِحَقِّ الْعِتْقِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ لَهَا بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ ، فَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَضْلُ ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّتِهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْإِنْفَاقُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَقًّا لِقَرَابَتِهِ وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَلَا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ
لِيُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّتِهِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِ الْمَصْرِفِ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِفِعْلِ الْأَمِينِ ، وَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَغَيْرَهَا بِالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَلَوْ فُتِحَ لَهُ هَذَا الْبَابُ لِيَذَرَ أَمْوَالَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ أَرَادَ حِجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا صُنْعٌ ، وَفِي الْفَرَائِضِ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْمُصْلِحِ ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ كَيْ لَا يُبَذِّرَ وَلَا يُسْرِفَ ، وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ ؛ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ فَصَارَتْ كَالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَيُمْكِنُ مِنْهَا احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ إنْشَاءِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَالْمُؤْنَةُ تَقِلُّ فِيهِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ بَدَنَةً تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يُجَوِّزُ إلَّا الْبَدَنَةَ وَإِنْ جَنَى فِي إحْرَامِهِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ جِنَايَةً يَجْزِي فِيهَا الصَّوْمُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ عَنْ أَذًى وَنَحْوِ
ذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بَلْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ جِنَايَةً لَا يَجْزِي فِيهَا الصَّوْمُ كَالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالتَّطَيُّبِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَالًا أَوْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا ، وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ كَمَا فِي تَبَرُّعَاتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ كَيْ لَا يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ فِيمَا يُتْلِفُ جَمِيعَ مَالِهِ لَا فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ مَالِهِ ، وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالذِّكْرِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالْجَمِيلِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ مُوَافِقَةً لِوَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ نَحْوَ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْتَحْسِنُهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْوَصِيَّةِ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَوْقَافِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا يَسْتَقْبِحُهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَنْفُذُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَحْجُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ جَائِزٌ ، وَفِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَالثَّانِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمَحْجُورِ وَتَدْبِيرَهُ وَطَلَاقَهُ وَنِكَاحَهُ جَائِزٌ وَمِنْ الصَّبِيِّ بَاطِلٌ وَالثَّالِثُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَمِنْ
الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ وَالرَّابِعُ جَارِيَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَمِنْ الصَّبِيِّ لَا يَثْبُتُ .
ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْعَ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ا هـ قَوْلُهُ لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ أَيْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ آخَرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي الشَّرْحِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا بَلَغَ إلَخْ ا هـ وَقَدْ تَأْتِي فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ بَعْدَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ ( قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِالتَّفْرِيعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا بَاعَ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَرَ الْحَجْرَ جَائِزًا نَفَذَ بَيْعُ السَّفِيهِ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَا وَهُمَا لَمَّا رَأَيَا الْحَجْرَ جَائِزًا وَرَدَ التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَانْعَقَدَ بَيْعُ السَّفِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ نَفَذَ كَمَا فِي بَيْعِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا يُجِيزُهُ إذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ مَنْفَعَةٌ بِأَنْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ فِي يَدِ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَحْجُورِ فِي إجَازَةِ هَذَا الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ يَحْصُلُ لَهُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ كَمَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَاعَ وَفِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ إلَّا أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ يَهْلِكُ فِي يَدِهِ لَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي وَلَا نَظَرَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَحْجُورِ فِي الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْزِ لَمْ يَضْمَنْ مَا هَلَكَ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَيَحْصُلُ لَهُ الْمَبِيعُ وَمَتَى أَجَازَ يَزُولُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّمَنُ كَذَا
ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مَحْجُورًا بِدُونِ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ السَّفَهُ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ سَفَهٍ وَرُشْدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَكِنْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى انْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ حَجْرِ السَّفِيهِ حَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَيْنَ حَجْرِ الْمَدْيُونِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي هُوَ أَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ لَا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ وَثَمَّةَ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ الْجُنُونِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَذَا هُنَا فَأَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِمَعْنًى فِيهِ بَلْ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَتَّى لَا يَتْلَفَ حَقُّهُمْ بِتَصَرُّفِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَعْمَلُ حَجْرُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْجَاهِزِينَ ) بِالزَّايِ ا هـ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْحَجِرُ بِمُجَرَّدِ السَّفَهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْحَجِرُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي ا هـ غَايَةٌ هَذِهِ الْقَوْلَةُ الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا وَذَلِكَ قَبْلَ ثَلَاثِ قَوْلَاتٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَتَقَ عِنْدَهُمَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا خَصَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِمَا لَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إعْتَاقُ السَّفِيهِ كَإِعْتَاقِ الْمُصْلِحِ لَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ الْمُكَلَّفِ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا السِّعَايَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا فَلِهَذَا قَالَ نَفَذَ
عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَوُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : إنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ) وَفِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا سِعَايَةَ مُوَافِقٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكَاكِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ السِّعَايَةِ عَلَى عَبْدِهِ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى لَهُ سَعَى لَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا ) أَيْ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعْتِقًا إيَّاهُ وَهُوَ مُدَبَّرٌ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا ) أَيْ فِي غَيْرِ سِعَايَةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَبَطَلَ الْفَضْلُ ) وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَتَصَرُّفِ الْمُصْلِحِ فَلَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَذْهَبُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَسَفَّهُ فِي هَذَا وَيُتَصَوَّرُ السَّفَهُ عَادَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْجُرَانِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : لَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ السَّفَهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ بِهَذَا الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ الْمُعْتَادَ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَوْعُ غَرَضٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ
إلَيْهِ لَذَّةٌ أَوْ رَاحَةُ غَرَضٍ وَبَعْدَ الدُّخُولِ إنْ تَحَقَّقَ غَرَضٌ لَكِنَّهُ مَحْصُورٌ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ عَنْ حَدِّهِ وَالسَّفَهُ مُجَاوَزَةٌ عَنْ الْحَدِّ فِي كُلِّ بَابٍ أَوْ يُقَالُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِعُذْرِ السَّفَهِ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ رَدِّهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِالْهَازِلِ وَالْهَازِلُ وَالْجَادُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَى السَّفِيهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَفْسُدُ ذَلِكَ وَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَكِنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَمِينِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ الْمَحْجُورُ بِأَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ يَبْعَثُ الْقَاضِي ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ ) أَيْ نَفَقَةَ وَلَدِ السَّفِيهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَغَيْرَهَا بِالصَّوْمِ ) يَصُومُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَهُمَا لَوْ ظَاهَرَ هَذَا الْمُفْسِدُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْ مَالِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارٍ سَعَى الْغُلَامُ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافُ مَالِهِ وَاجِبُ النَّقْضِ ثُمَّ لَا يَجْزِيهِ عَنْ ظِهَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ بِالصَّوْمِ لِمَا قُلْنَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ الْمُصْلِحَ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ سَعَى الْغُلَامُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِلسِّعَايَةِ الَّتِي وَجَبَتْ كَذَا هَذَا فَإِنْ صَامَ الْمُفْسِدُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ بِمَنْزِلَةِ مُعْسِرٍ أَيْسَرَ
؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ عَنْهُ مَالُهُ حِينَئِذٍ فَصَارَ قَادِرًا عَلَى الْإِعْتَاقِ بِلَا سِعَايَةٍ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمَا جُعِلَ خَلَفًا فِي الْكَفَّارَةِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْخَلَفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ بَلْ يُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ ) وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّفِيهِ إلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُعْطِيهِ الزَّكَاةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ كَيْ لَا يَفْسُدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ ضَاعَ مِنِّي فَيُطْلَبُ آخَرُ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى مَالِهِ وَلَكِنْ يَدْفَعُ إلَى أَمِينِهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ بِأَمْرِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا يُصَدَّقُ السَّفِيهُ فِي إقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ إذَا كَانَ رَجُلًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ فِي الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُصْلِحَ فِي حَقِّ إثْبَاتِ النَّسَبِ سَوَاءٌ وَالْمُصْلِحُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ ، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُفْسِدَةُ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَلَا تُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهَا فِي الْوَلَدِ وَهِيَ وَالْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، ثُمَّ إذَا صُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ إنْ ثَبَتَ عُسْرُ هَؤُلَاءِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُمْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَكِنَّ السَّفِيهَ أَقَرَّ بِعُسْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالْقَرَابَةِ وَالْعُسْرِ فَيُضَافُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى آخِرِهِمَا ثُبُوتًا وَمَتَى كَانَ الْعُسْرُ ثَابِتًا وَآخِرُهُمَا ثُبُوتًا النَّسَبُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالنَّسَبِ لَا بِالْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ جَائِزٌ فَإِذَا
أَقَرَّ بِالْعُسْرِ بَعْدَ النَّسَبِ يَكُونُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ مُضَافًا إلَى الْعُسْرِ وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ فَقَدْ جُعِلَ مُقِرًّا بِإِيجَابِ مَالٍ عَلَى نَفْسِهِ لَا بِالنَّسَبِ فَلَا يُصَدَّقُ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ لِلْمَرْأَةِ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِيمَا مَضَى إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ فَيَصِيرُ مُقِرًّا بِإِيجَابِ دَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ ا هـ قَوْلُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ الْمَحْجُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَقَدْ اشْتَغَلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَقَالَ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَأَجَازَهُ الْحَاكِمُ يَجُوزُ وَمَا لَا فَلَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ لَيْسَتْ بِبَاطِلَةٍ بَلْ هِيَ مَوْقُوفَةٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا مَصْلَحَةً فَإِذَا رَأَى الْقَاضِي وُقُوعَهَا مَصْلَحَةً يُجِيزُهَا وَإِلَّا يَرُدُّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُهُ فِي خِصَالٍ أَرْبَعَةٍ لَا يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِأَبِيهِ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ مَالَهُ وَلَا يَشْتَرِيَ لَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَفِي الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَصِيُّهُ وَأَبُوهُ وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمْلِكُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ التَّصَرُّفَ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْقَرِيبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْقَاضِي فَنَقُولُ إنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ عَلَى الْعَاجِزِ وَهَذَا قَادِرٌ وَلَكِنْ مَعَ قُدْرَتِهِ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ تَأْدِيبًا وَتَثْقِيفًا وَوِلَايَةُ التَّأْدِيبِ تَكُونُ لِلْقُضَاةِ وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا جَازَ إعْتَاقُهُ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَلَوْ مَاتَ عَنْهُ يَسْعَى فِي
قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِعْتَاقُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا يَصِحُّ أَصْلًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ وَصَايَا الْغُلَامِ الَّذِي قَدْ بَلَغَ مُفْسِدًا مِنْ التَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ قِيَاسًا وَلَكِنْ نَسْتَحْسِنُ أَنَّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْهَا وَمَا تَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْفِسْقِ جَائِزٌ كَمَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ غَيْرِهِ وَمَا يَكُونُ سَفَهًا لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا وَصَايَا الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا تَجُوزُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ فَسَادَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَفَسَادُ هَذَا لِسَفَهِهِ فَمَا وَافَقَ الْحَقَّ لَا يُوصَفُ بِالسَّفَهِ فَيَنْفُذُ وَمَا خَالَفَهُ يُرَدُّ ، وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنْ مَاتَتْ كَانَتْ حُرَّةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِيلَادِ ، كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فَأَمَّا شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ فَقَالَ : يَجُوزُ نِكَاحُ السَّفِيهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَيَجُوزُ طَلَاقُ السَّفِيهِ وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَصَايَا وَادِّعَاءَ الْوَلَدِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْخِصَالُ الَّتِي افْتَرَقَ فِيهَا السَّفِيهُ وَالصَّبِيُّ سِتَّةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْ الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ ) قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ مَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَنَا كَمَا تَصِحُّ وَصَايَا الْمَحْجُورِ بِالسَّفَهِ تَجُوزُ وَصَايَا الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ مَا يَصْنَعُ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي