كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ السَّفَرَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَأَقَامَ الْبُلُوغَ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَتَّى عَلَّقَ التَّكْلِيفَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى ، وَإِنَّمَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ تَصِرْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَجِبُ بَدَلُهَا أَيْضًا وَعِنْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِيهَا وَهُوَ زَمَانُ حُدُوثِهَا تَصِيرُ هِيَ مَقْبُوضَةً فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ لَمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أَصْلًا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْدُومُ كَالْمُسْتَوْفَى لَجَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ عَجَّلَهَا أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهَا فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ فَصَحَّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْحَالِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيهِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةَ وَلَيْسَ بِمُضَافٍ صَرِيحًا فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالتَّصْرِيحِ عَلَى خِلَافِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ حَتَّى يُسْلِمَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ ، ثُمَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِالْقَصْدِ صَرِيحًا وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ
الْعَقْدِ ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا صَحَّ ، وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَلَمْ تَقْبِضْهَا لَمَنَعَتْ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ كَالْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ فَجَازَ إبْرَاءُهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا جَائِزَانِ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَبِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ وَجَازَ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَكَذَا بِهَا الدَّيْنُ ، أَمَّا جَوَازُ الْكَفَالَةِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ فَهَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ حُكْمًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ فَلَوْ اسْتَوْفَى الْأُجْرَةَ هُنَا حَقِيقَةً جَازَ فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا سَمَّى لَهَا بِرِضَاهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمِثْلِهِ عَادَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَّلَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا قَبْلَ حُلُولِهِ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تَسَلَّمَتْ الدَّارَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَقَوْلُهُ لِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا إلَخْ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَهِدْنَا ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ حُكْمًا إذَا
كَانَ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ الْحَيَّ يُتَصَوَّرُ مَوْتُهُ ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا تَقْبَلُ الْعَقْدَ أَصْلًا حَتَّى فِي حَالِ وُجُودِهَا عَلَى مَا بَيِّنَاهُ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ فِي وُجُودِهَا جَوَازُهُ بَلْ بُطْلَانُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى أَنَّ مَا اعْتَبَرَهُ قَلْبٌ وَمَا اعْتَبَرْنَاهُ تَغْيِيرٌ فَكَانَ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا وَتَسْلِيمُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَجْرِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْهَا الْمَنَافِعُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا تَسْلِيمَ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَقَامَ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ وَجَبَ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا كَمَا إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمُؤَجِّرُ الْمِفْتَاحَ إلَيْهِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ سَكَنَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا
إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَسَافَةٍ فَالتَّسْلِيمُ فِي غَيْرِهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْبَدَلَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى مُدَّةٍ فَسَلَّمَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَبَضَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا شَهْرًا لِلرُّكُوبِ قِيلَ لَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ وَالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِلْخِيَاطَةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاهُنَا قُيُودًا لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ أَحَدُهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ تَمَكَّنَ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا تَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَهُوَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا وَهُوَ قَرِيبُهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَمْ تَصِرْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا )
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ تُمْلَكْ الْمَنَافِعُ يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ قُلْنَا لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَمَّا جَازَ التَّفَرُّقُ مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ بَطَلَ مَا قَالُوا ، ا هـ قَوْلُهُ وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ رَجُلٌ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ سَنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وُهِبْت مِنْك جَمِيعُ الْأَجْرِ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ أَوْ قَالَ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَمَّا مَضَى وَلَا يَصِحُّ عَمَّا يُسْتَقْبَلُ وَلَوْ كَانَ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ شَرْطًا فِي الْإِجَارَةِ ، ثُمَّ وُهِبَ مِنْهُ الْأَجْرُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أَجْرَ رَمَضَانَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً جَازَ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وُهِبَ مِنْهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ وُهِبَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ جَازَ إجْمَاعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَا فِي الْبَعْضِ ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِبَةُ الْبَعْضِ حَطٌّ تُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَهِبَةُ الْجَمِيعِ لَا تُلْحَقُ بِالْعَقْدِ
فَتَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ ، وَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَهِيَ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِالْبَرَاءَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّرْفِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ غُصِبَتْ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ ) أَيْ لَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الْأَجْرُ كُلُّهُ فِيمَا إذَا غُصِبَتْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَإِنْ غُصِبَتْ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ بِحِسَابِهَا لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَا حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ؟ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَنْفَسِخُ ، وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ وَالْفَتْوَى لَا تَنْتَقِضُ .( قَوْلُهُ سَقَطَ الْأَجْرُ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعْجِيلُ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ أَصْلًا فَلَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ زَمَانَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ فِي الْكُلِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الْمَنْفَعَةِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا فَقَالَ إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا فِي إجَارَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ أَوْ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّةِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ لِلْمُسْتَوْفِي أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودٌ فَيَجِبُ الْبَدَلُ بِحِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ فَيَسْتَحِقَّ الْكُلَّ ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي أَنَّهُ إذَا خَاطَ الْبَعْضَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ فَصَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَفِي الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ مُسْلَمًا إلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً فَفِي خِيَاطَتِهِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ إذْ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ فَيَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ ، وَلِهَذَا إذَا فَرَغَهُ فِي مَنْزِلِهِ يَجِبُ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا فِي سُكْنَى الدَّارِ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ رَوَى الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَتْ مِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ ) وَإِذَا اشْتَرَطَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ أَوْ تَأْخِيرَهُ فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ لِمَا أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ قَضِيَّةِ الْمُعَادَلَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ ) أَيْ وَهِيَ لَمْ تَصِرْ مُسْلَمَةً إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُهُ بِبَدَلِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ) وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَ بَعْضَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا سَنَةً عَلَى أَنْ تُعْطِيَ الْأُجْرَةَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ بَدَلُهُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ ) أَيْ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَقْصُودٌ بِالِانْتِفَاعِ وَأَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ لَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ كَمَا يَفْرُغُ مِنْ تَسْلِيمِ أُجْرَةِ سَاعَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ سَاعَةٍ أُخْرَى عَلَى التَّوَالِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ مَفْقُودٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْخَبَّازِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ ) يَعْنِي لِلْخَبَّازِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَجْرِ إذَا أَخْرَجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَغَ فَيَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ كَالْخَيَّاطِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ ، هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْخَبَّازِ لَمْ يَكُنْ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ ، ثُمَّ احْتَرَقَ هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ إذْ الْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِوَضْعِهِ فِيهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، وَلَوْ احْتَرَقَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَاحْتَرَقَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِخِيَاطَةِ بَعْضِهِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَهُ قِيمَةٌ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالْإِخْرَاجِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ احْتَرَقَ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَّازُ يَخْبِزُ فِي مَخْبِزِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْخُبْزُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَيْسَ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ
التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَبَزَ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ هَلَكَ هُنَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ عِنْدَهُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا مَضْمُونٌ ، أَمَّا إذَا صَارَ ضَامِنًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَحِينَ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ كَانَ رَمَادًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَدْخَلَ رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ خُبْزًا فَلَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ قَالُوا لَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ لَا بِصُنْعِهِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّهُ أَوْفَى عَمَلَهُ وَصَارَ الْخُبْزُ مُنْتَفَعًا بِهِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ ا هـ قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْخَبَّازِ إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ أَقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْجَوَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَعَنْ هَذَا قَالُوا الْجَوَابُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ
أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ صُنْعِهِ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ ، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ فَوَضَعَهُ وَهُوَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَقَدْ فَرَغَ فَإِنْ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ وَصَارَ مُسْلِمًا لَهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلَاكُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُ فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ دَقِيقًا مِثْلَ الدَّقِيقِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ مَخْبُوزًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا مَضْمُونٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِوَضْعِهِ فِي مَنْزِلِ مَالِكِهِ كَمَا لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ بِذَلِكَ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ صَارَ صَاحِبُ الدَّقِيقِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا وَأَسْقَطَ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلَمْ لَهُ الْعَمَلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ خُبْزًا فَصَارَ الْعَمَلُ مُسْلَمًا لَهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ وَلَا أُضَمِّنُهُ الْحَطَبَ وَالْمِلْحَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْتَرِقَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الِاحْتِرَاقِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ مِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ فِي بَيْتِهِ وَإِنْ
احْتَرَقَ الْخُبْزُ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي هَذَا هُوَ ضَامِنٌ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَنَتْهُ يَدَاهُ بِتَقْصِيرِهِ بِالْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَإِنْ ضَمِنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا فَقَدْ وَصَلَ الْعَمَلُ إلَيْهِ مَعْنًى لِوُصُولِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْأَجْرُ ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَةَ دَقِيقِهِ لَمْ يَصِلْ الْعَمَلُ إلَيْهِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ فَاحْتَرَقَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ) فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ ضَامِنٌ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ ) أَيْ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ ) أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْ ضَمَانِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ هُنَا ) أَيْ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ ) أَيْ لِلطَّبَّاخِ أَنْ يَطْلُب الْأُجْرَةَ بَعْدَ مَا غَرَفَ الطَّبِيخَ ؛ لِأَنَّ الْغَرْفَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ يَطْبُخُ لِلْوَلِيمَةِ وَإِنْ كَانَ يَطْبُخُ قَدْرًا خَاصَّةً لِأَهْلِ الْبَيْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْفُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعَادَةُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ ) أَرَادَ بِالْغَرْفِ وَضْعَ الطَّعَامِ فِي الْقِصَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ يَطْبُخُ لِلْوَلِيمَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْوَكِيرَةُ طَعَامُ الْبِنَاءِ وَالْخُرْسُ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَمَا تُطْعِمُهُ النُّفَسَاءُ نَفْسَهَا خُرْسَةٌ وَطَعَامُ الْخِتَانِ إعْذَارٌ وَطَعَامُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ نَقِيعَةٌ وَكُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ مَأْدُبَةٌ وَمَأْدُبَةٌ جَمِيعًا وَيُقَالُ فُلَانٌ يَدْعُو النَّقْرَى إذَا خَصَّ وَفُلَانٌ يَدْعُو الْجَفْلَى أَوْ الْأَجْفَلِيَّ إذَا عَمّ قَالَهُ الْقُتَبِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْبَانِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي أَرْضِهِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُشَرِّجَهُ ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ التَّشْرِيجُ كَإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عَادَةً وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ وَبِخِلَافِ الْخُبْزِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَسَدَ بِالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَا أَقَامَهُ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّشْرِيجِ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ أَوْ بِالتَّشْرِيجِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنْ لَبَّنَ الْأَجِيرُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُسْلِمَهُ وَذَلِكَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ فِي الْخُبْزِ .
( قَوْلُهُ إنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّ رَبَّ اللَّبِنِ لَا يَكُونُ قَابِضًا حَتَّى يَجِفَّ اللَّبِنُ وَيَنْصِبَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يُشْرِجَهُ فَإِنْ هَلَكَ اللَّبِنُ قَبْلَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَدِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَجْرُ حَتَّى يُسْلِمَهُ مَنْصُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُشْرَجًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّسْلِيمُ هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ اللَّبِنِ وَلَكِنْ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَصِحُّ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَقَامَهُ وَعِنْدَهُمَا مَا لَمْ يُشْرِجْهُ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُشْرِجْهُ وَتَشْرِيجُ اللَّبِنِ تَنْضِيدُهُ وَضَمُّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ إلَخْ ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ فَيُبْنَى بِهِ فَصَارَ كَالْخُبْرِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَتْ مُنْتَفَعًا بِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِالطَّارِئِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسَادِ كَمَا بَعْدَ التَّشْرِيجِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا لِلْأَجْرِ ) أَيْ يَحْبِسُ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا ظَهَرَ عَمَلُهُ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا بِالِاسْتِتَارِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِيهِ بِالْإِظْهَارِ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ فِيمَا لِعَمَلِهِ أَثَرٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَسَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِمِلْكِهِ بِإِذْنِهِ فَصَارَ كَالْقَبْضِ بِيَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ شَخْصًا بِأَنْ يَزْرَعَ لَهُ أَرْضَهُ حِنْطَةً مِنْ عِنْدِهِ قَرْضًا فَزَرَعَهَا الْمَأْمُورُ صَارَ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا صَبَغَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قُلْنَا اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصَّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَالرِّضَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا رَاضِيًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَصَبْغِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِيهِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَى الْمَنْزِلِ وَيُمْكِنُ الْعَامِلُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْهُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ
فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ ، نَظِيرُهُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يُوفِيَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي نَقْدِهِ مِنْ عِنْدِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ فِي يَدِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ قُلْنَا إنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا الْقَبْضِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ عَلَى يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ وَلَا أَجْرَ ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالْأُجْرَةِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِهِ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَبْسِ عِنْدَهُمَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَبْسِ ، ثُمَّ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْعَيْنِ غَيْرَ مَعْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَعْمُولَةً وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَهُوَ الْعَمَلُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِتَسْلِيمِ بَدَلِهِ إلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ لَا يَحْبِسُ لِلْأَجْرِ ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ عَرْضٌ يَفْنَى وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ وَلَا لَهُ أَثَرٌ يَقُومُ
مَقَامَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ عَلَى الْجُعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَأَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقِصَارَةِ بِلَا نَشًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ وَالْإِسْكَافِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ أَنْ يَحْبِسُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا لَهُمْ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ مِمَّا عَمِلُوا حَتَّى يَقْبِضُوا الْأَجْرَ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْضُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَ الْأَجْرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ يَحْبِسُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ، وَأَمَّا الْحَمَّالُ وَالْجَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لَهُمْ حَبْسُ مَا حَمَلُوهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهِ قَائِمٌ وَلَا تَأْثِيرَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فِي يَدِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَمَّالِ يَطْلُبُ أُجْرَةً بَعْدَ مَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ إلَخْ ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ ، وَأَمَّا الْقَصَّارُ إذَا قَصَّرَ الثَّوْبَ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ ؟ قَالُوا إنْ ظَهَرَ أَثَرُ عَمَلِهِ فِي الثَّوْبِ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَاسْتَجَهْ أَوْ بِالدَّقِّ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ إلَّا الْغَسْلَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مَسْتُورًا ، وَقَدْ ظَهَرَ بِعَمَلِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي دُكَّانِهِ أَمَّا إذَا خَاطَ الْخَيَّاطُ أَوْ صَبَغَ الصَّبَّاغُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ (
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ ) يُرْوَى قَوْلُهُ كَالْحَمَّالِ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ جَمِيعًا وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا الْكَرْخِيُّ جَمِيعًا فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَقَدْ مَرَّ آنِفًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْوَى هُنَا بِالْحَاءِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَى الدَّابَّةِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْجَمَّالِ بِالْجِيمِ فَكَانَ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ ) أَيْ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ إذَا شُرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْخِدْمَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِلَا عَقْدٍ لِتَعَيُّنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ ) لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِجُمْلَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْحِنْطَةَ فَعَادَ إنْ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ مِنْك مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى أَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ يَجِبُ نِصْفُ الْأَجْرِ بِالذَّهَابِ وَإِنْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك حَتَّى أَحْمِلَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةُ كَانَتْ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَفِي الْأُولَى كَانَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى هَاهُنَا وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ فَاسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّتِهِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلَهُ فِي السَّفِينَةِ
ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شُرِطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ ) وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ مَثَلًا عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فَهُوَ مُطْلَقٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيمَا لَمْ يُشْتَرَطْ وَالصُّنَّاعُ يَعْمَلُونَ فِي الْعَادَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ وَبِأُجَرَائِهِمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ وَأَجِيرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوفِيَهُ بِاسْتِعَانَةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي إيفَاءِ الدَّيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ لِلْجَوَابِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ إنْ رَدَّهُ لِلْمَوْتِ ) مَعْنَاهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِمَكَّةَ مَثَلًا أَوْ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَيْهِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرُ فِي الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَةِ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ وَفَّى بِالْمَشْرُوطِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ هُوَ بِرَدِّهِ جَانٍ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ فِي الْأَجْرِ بِخِلَافِ نَقْلِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْحَمْلَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لَهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرُ لِلذَّهَابِ فِي نَقْلِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ مُقَابَلٌ بِالْحَمْلِ دُونَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ مُؤْنَةً قُلْنَا الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ وَضْعُ الطَّعَامِ هُنَاكَ وَعِلْمُ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا رَدَّهُ فَقَدْ نَقَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَمَا إذَا نَقَضَ الْخَيَّاطُ الْخِيَاطَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ ، وَلَوْ وَجَدَهُ غَائِبًا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ، وَلَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ لِيُوصَلَ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا وَعَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِقَطْعِ
الْمَسَافَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ ، وَأَمَّا الْإِسْمَاعُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ إلَخْ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى الْبَصْرَةِ إلَى فُلَانٍ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا قَدْ مَاتَ فَرَدَّ الْكِتَابَ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفْ ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ وَلَمْ يَرُدَّ إلَى الْمُرْسِلِ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الذَّهَابِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَحْمِلْ الْكِتَابَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَى هُنَا لَفْظُ قَاضِيخَانْ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا انْتَقَضَ بَطَلَ الْأَجْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِإِيصَالِ الْكِتَابِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَمْ مُقَابَلٌ بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ مُقَابِلٌ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِالْكِتَابِ لَا بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَجَوَابِهِ إلَى الْكَاتِبِ ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ يَسِيرٌ لَا يُقَابِلُ بِهِ الْبَدَلَ غَالِبًا لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ ، ثُمَّ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَقَعَ فِي الذَّهَابِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَجْرُ الذَّهَابِ وَلَمْ يَقَعْ
قَطْعُهَا فِي الْعَوْدِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَجِبْ أَجْرُهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْبَعْضِ فَوَجَبَ الْأَجْرُ بِحِسَابِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ إلَى الْبَصْرَةِ فَحَمَلَ بَعْضَهُ ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حَمْلِ كِتَابٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ هُوَ إيصَالُ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا حَمْلُهُ وَإِنَّمَا الْحَمْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالْأَجْرُ يُقَابَلُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ دُونَ الْوَسِيلَةِ فَإِذَا رَدَّ الْكِتَابَ وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ عَمَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ ، ثُمَّ فَتَّقَهُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ عَمَلَهُ فَكَذَا هُنَا صَارَ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَحَمَلَهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَغْدَادَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ لَهُ حَيًّا وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ حَيْثُ يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ وَمَا إذَا لَمْ يَنْقُضْ عَمَلَهُ بَلْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَإِمْكَانِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الطَّعَامِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ لَمْ يُبَلِّغْ الرِّسَالَةَ فَرَجَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا يَرْضَى الْمُرْسِلُ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَخْتُومٌ يَعْنِي لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ مَخْتُومًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
الْحَلْوَانِيُّ لَا نُسَلَّمُ هَذَا الْفَصْلَ فَالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ فَأَمَّا فِي الطَّعَامِ إذَا رَجَعَ بِالطَّعَامِ وَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ .
( بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِلَا بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يُعْمَلُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلِغَيْرِهَا ، وَكَذَا الْحَوَانِيتُ تَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى ، وَلِهَذَا تُسَمَّى مَسْكَنًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ إجَارَتُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَزْرُوعِ وَاللَّابِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ مُنْفَرِدًا ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السُّكَّانِ لَا تَضُرُّ بِهَا بَلْ تَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا ؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِتَرْكِ السَّكَنِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّكْنَى وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَمَلِ كَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى وَبِهِ تَتِمُّ السُّكْنَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلَ الدَّوَابُّ فِي عُرْفِنَا ؛ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ بِبُخَارَى تَضِيقُ عَنْ سُكْنَى النَّاسِ فَكَيْفَ تَتَّسِعُ لِإِدْخَالِ الدَّوَابِّ ، وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ فِي الْكُوفَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا ) لِأَنَّ فِي نَصْبِ الرَّحَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرَرًا ظَاهِرًا
؛ لِأَنَّهَا تُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً وَالْمُرَادُ بِالرَّحَا رَحَا الْمَاءِ أَوْ رَحَا الثَّوْرِ ، وَأَمَّا رَحَا الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ النَّصْبِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى عَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا لَهُ تَكْسِيرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّارِ ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَدُقَّ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ ثِيَابَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا يُوهِنُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ الْبِنَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَكُلُّ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ جَارٍ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّهُ بِهِ ، وَلَوْ قَعَدَ الْحَدَّادُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِعَمَلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْحَالُ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ السُّكْنَى وَفِي الْحِدَادَةِ وَأَخَوَاتِهَا السُّكْنَى وَزِيَادَةٌ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ وَسُلِّمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَذَا هَذَا ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْ
الِانْتِفَاعِ ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ .
( بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا ) ( قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا ) أَيْ كَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَسْرِ الْحَطَبِ ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الدَّارِ إذْ رَبْطُ الدَّوَابَّ فِي مَوْضِعِ السُّكْنَى إفْسَادٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَسْكُنُ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي الْمُجَرَّدِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا انْتِصَابُ قَوْلِهِ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا عَلَى الْحَالِ وَيُفْهَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَدَمُ إسْكَانِهِ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَيَجُوزُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَانْتِصَابِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُفْهَمُ عَدَمُ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَفِي سُكْنَى نَفْسِهِ مُتَلَبِّسًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فَكَانَ فِي مَنْعِهِ عَنْ إسْكَانِهِ غَيْرُ إشَارَةٍ إلَى مَنْعِهِ عَنْ سُكْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ فَلَأَنْ لَا يُمَلِّكَهَا غَيْرُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ قَصَّارًا فَأَرَادَ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ حَدَّادًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَضَرَّتُهُمَا وَاحِدَةً أَوْ مَضَرَّةُ الْحَدَّادِ أَقَلَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَضَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ ، وَكَذَلِكَ الرَّحَى ، وَالْمُسْلِمُ وَالْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَالْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُتَوَصَّلُ
بِهِ إلَى إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْلِكُ إقَامَةَ مَصَالِحِ دُنْيَاهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تِجَارَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَحَى الْيَدِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ يُمْنَعُ عَنْهُ وَإِلَّا لَا هَكَذَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا فِعْلَهُ إتْلَافًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْلَافُ لَا يُقَابَلُ بِالْأَجْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ ) أَيْ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْتهَا لِلْحِدَادَةِ وَالْآجِرُ يَقُولُ لِلسُّكْنَى دُونَ الْحِدَادَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِئْجَارِهَا لِلزِّرَاعَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا عَمَلًا غَيْرَ أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَمِنْهُ مَا يُفْسِدُ الْأَرْضَ وَمِنْهُ مَا يُصْلِحُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ كَيْ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا شَاءَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ ، وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ كَمَا إذْ اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فِي وَقْتِ الزِّرَاعَةِ كَفَى وَصَارَ كَأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَكُنْ فَعَادَتْ صَحِيحَةً ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ اللَّابِسَ ، ثُمَّ أَلْبَسَ شَخْصًا عَادَتْ صَحِيحَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبَخَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ .
( قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ إلَخْ ) أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ جَازَ الْعَقْدُ بِلَا بَيَانِ النَّوْعِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي جَمِيعِهِ مَعْلُومَةٌ لَمَّا جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَصَحَّ دَخَلَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَيَدْخُلَانِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِفَاعُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ أَوْ الْبَيْتَ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالشُّرْبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ يَقُولُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ تَمْلِكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُمَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَلَدِنَا فَالشُّرْبُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَمَوَّلُونَ بِالْمَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا إلَّا بِالشَّرْطِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَعْمَلُ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا بَدَا لَهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ) يَعْنِي نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَجْرَ الْمِثْلِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا ) أَيْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا
بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَ الِارْتِفَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالِارْتِفَاعِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَعُودُ جَائِزًا ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ قَاضِيخَانْ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ) أَيْ جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُقْصَدُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَادَةً فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً ) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا غَيْرَ مَشْغُولَةٍ بِبِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَذَلِكَ بِقَلْعِهِمَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا حَالَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَفِي تَرْكِهِمَا عَلَى الدَّوَامِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ الزَّرْعَ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَإِنْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا وَجَبَ تَرْكُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ تَرْكُهُ بِالْمُسَمَّى وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الْعَقْدِ وَإِعَادَتِهِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا تَقْرِيرُهُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا وَرِعَايَةً لِحَقِّهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْلَعَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا تُؤَجَّرُ
بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ الزَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ ) يَعْنِي عِنْد مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ قِيمَةَ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَإِذَا كَانَتْ أَرْضُهُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ تَضَرَّرَ بِهِ فَكَانَ لَهُ دَفْعُ هَذَا الضَّرَرِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ ، وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَرَجُّحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي التَّرْكِ بِخِلَافِ الْقَلْعِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَارِيَّةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا ) لِأَنَّ الْحَقَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَإِذَا رَضِيَ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ ) لِأَنَّ الرَّطْبَةَ لَا نِهَايَةَ لَهَا كَالشَّجَرِ فَتُقْلَعُ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا يُقْلَعُ الشَّجَرُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ لَا مِثْلٍ إلَى أَنْ يُدْرِكَ ) أَيْ يُتْرَكُ الزَّرْعُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَنَظَائِرَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ آنِفًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالدَّابَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ ) يَعْنِي يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ لَهَا مَنَافِعَ مَعْلُومَةً وَيُعْتَادُ اسْتِئْجَارُهَا فَجَازَ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَعْهُودَةِ .( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ إلَخْ ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ اتَّحَدَ الْجَوَابُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةَ وَالْغَصْبُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَلْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَارِغًا وَفِي الزَّرْعِ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ ، فَفِي الْغَصْبِ يَلْزَمُ الْقَلْعُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّرَاعَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ يُتْرَكُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ اسْتِحْسَانًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا إلَّا أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الزِّرَاعَةِ بِجِهَةِ الْعَارِيَّةُ وَلِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُتْرَكُ ، قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ ) أَيْ إنْ أَطْلَقَ لَهُ الرُّكُوبَ أَوْ اللُّبْسَ جَازَ أَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ أَوْ يُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّاكِبِ وَاللَّابِسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الزِّرَاعَةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَالْحَمْلَ وَاللُّبْسَ يَخْتَلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَّ لَهُ فِيهَا وَخَالَفَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ وَلَا أَجَرَ لَهُ كَمَا فِي الزِّرَاعَةِ وَذُكِرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُغْنِي وَذُكِرَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْخُلَاصَةِ ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا يَشَاءُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ فَلَوْ أَرْكَبَهَا أَوْ أَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْبَسَ أَوْ لَبِسَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُفْسِدَ وَهُوَ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْفَسَادُ ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ التَّعْيِينَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ لَبِسَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْبَسَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ لَهُ مَنْ يَلْبَسُ وَمَنْ يَرْكَبُ فَأَلْبَسَ أَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ حَيْثُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ فَأَرْكَبَ غَيْرَهُ أَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ
مِنْ الِابْتِدَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَيَّدَ بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَيُعْتَبَرُ فَإِذَا خَالَفَ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِثْلُهُ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ ) أَيْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَخَالَفَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى أَحَدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ ) يَعْنِي فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالدُّورِ لِلسُّكْنَى لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ حَتَّى إذَا شَرَطَ سُكْنَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا خَارِجٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لِلسُّكْنَى مِثْلُ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ كَاللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ يَرْكَبُهَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَلْبَسُهُ ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ قِدْرًا لِلطَّبْخِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَطْبُخُ فِيهَا ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَزْرَعُ فِيهَا ، وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ قَالَ الْقُدُورِيُّ هُنَا فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمُ فِي الْإِجَارَةِ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِرُكُوبِ شَخْصٍ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ شِئْت ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الرُّكُوبَ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَصَارَ الرُّكُوبَانِ مِنْ شَخْصَيْنِ كَالْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِنْ قَالَ تُرْكِبُ مَنْ شِئْت صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَخْصًا بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ صِحَّتِهِ لَمَّا لَحِقَ الْمَالِكُ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي بَعْضِ الرُّكُوبِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَجَازَ كَمَا فِي الْأَرْضِ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ ، ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فِي إطْلَاقِ الرُّكُوبِ وَاسْتَعْمَلَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الرَّاكِبِ ، وَكَذَا فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ إلَخْ ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ إلَى اللَّيْلِ فَوَضَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى جَاءَ اللَّيْلُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مَكَّنَهُ مِنْ
اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الثَّوْبِ إلَيْهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَهَى بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْإِذْنُ فِي اللُّبْسِ كَانَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ا هـ بَدَائِعُ وَمِنْهَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ فَرَكِبَهَا إلَى مَكَان آخَرَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ إلَى الْمَكَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَكِنْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْلُكُونَهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا غَاصِبًا بِسُلُوكِهِ وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ ، ثُمَّ رَجَعَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ) وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ ا هـ قَوْلُهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ ) أَيْ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَرُبَّ خَفِيفٍ يَكُونُ رُكُوبُهُ أَضَرَّ عَلَى الدَّابَّةِ لِجَهْلِهِ وَرُبَّ ثَقِيلٍ لَا يَضُرُّ رُكُوبُهُ بِالدَّابَّةِ لِعِلْمِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ ) أَيْ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ أَيْضًا وَفِي الْحَانُوتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ الْقَصَّارَ وَالْحَدَّادَ وَالطَّحَّانَ وَلَوْ أَقْعَدَ صَارَ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلَّمَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلِمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهِنُ الدَّارَ وَلَا يُشْبِهُ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ سَلِمَ تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا كَمَا
قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَرَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَاللُّبْسِ ) فَلَوْ اسْتَأْجَرَ فُسْطَاطًا وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً فَنَصَبَهُ وَسَكَنَ فِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ عِنْدَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَالْمِلْحِ ) يَعْنِي لَوْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ كُرٍّ مِنْ بُرٍّ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَخَفُّ مِنْهُ فِي الضَّرَرِ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضَرَّ مِنْهُ كَالْمِلْحِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِشَيْءٍ يَكُونُ رَاضِيًا بِكُلِّ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ دَلَالَةً دُونَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْجِنْسِ كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَوْ كَانَ مُفِيدًا وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَمَنْعِ كُرٍّ مِنْ شَعِيرٍ بَلْ الشَّعِيرُ أَخَفُّ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ حَتَّى لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ فَائِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ تِبْنًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ ، ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ، وَقَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا وَزْنًا أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَيْهَا بِالِانْبِسَاطِ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا أَوْ آجُرًّا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا أَكْثَرَ ،
وَكَذَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ أَيْضًا فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ مَتَى كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْإِذْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْإِذْنُ فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَخَفَّ ضَرَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
( قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ يَرْجِعُ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ إلَى مِثْلِ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ وَيَرْجِعُ قَوْلُهُ وَالسِّمْسِمِ إلَى قَوْلِهِ أَقَلَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بَلْ أَخَفُّ مِنْهَا ، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الشَّعِيرِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ضَمِنَ إذَا عَطِبَتْ فَلَوْ كَانَ مِثْلًا لَهَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ عَمْرٍو بِذَلِكَ الْكَيْلِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ جَمِيعًا نَظِيرَ قَوْلِهِ أَقَلَّ ، وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُتَعَدِّدَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا جَازَ وَإِنْ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ يَجِبُ حُكْمُهُ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ سَقَطَ التَّعْيِينُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةِ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةِ عَمْرٍو وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الصِّفَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَاحِدٌ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا مَكِيلًا آخَرَ ثِقْلُهُ كَثِقْلِ الْحِنْطَةِ وَضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِثْلَ مَا سَمَّاهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا سَمَّاهُ فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ أَقَلَّ لِخِفَّتِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى أَقَلَّ مِمَّا شَرَطَ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا فَزَرَعَ نَوْعًا آخَرَ ضَرَرُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى
فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةٍ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا شَرَطَهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْمَنْفَعَةِ اسْتِحْقَاقٌ لِمَا دُونَهَا وَلَيْسَ بِاسْتِحْقَاقٍ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مَنْفَعَتُهُ لَا لِلثِّقَلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مَنٍّ مِنْ قُطْنٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هَاهُنَا لَيْسَ لِلثِّقَلِ لَكِنْ لِلْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُطْنَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا وَالْحَدِيدُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الثِّقْلِ أَوْ أَخَفُّ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الرُّكُوبِ لَيْسَ هُوَ بِالثِّقْلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْحِذْقِ فِي الرُّكُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ ثَقِيلَ الْبَدَنِ الَّذِي يُحْسِنُ الرُّكُوبَ لَا يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ وَالْخَفِيفَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ يَضُرُّ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَ أَضَرَّ إلَخْ ) وَلَوْ خَالَفَ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَ يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مُوَافِقٌ ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ بِالْإِذْنِ وَفِيمَا زَادَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ بِالْكُلِّ وَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ ا هـ دِرَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ ) وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا الرَّاكِبُ الْخَفِيفُ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ كَالْجُنَاةِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقْلِهِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ، وَقَوْلُهُ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ تَقْيِيدُهُ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ الرَّاكِبُ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ ثِقْلَ الرَّاكِبِ مَعَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يَجْتَمِعَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَقَالَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ ، ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ وَإِنْ شَاءَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ كُلَّ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ وَهَا هُنَا وُجِدَ إرْكَابُ الْغَيْرِ مَعَ رُكُوبِ نَفْسِهِ فَرُكُوبُهُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ عَلَى ضَمَانِ الْإِرْكَابِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ نُقْصَانَ ضَمَانٍ مِنْهُ ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَهَا هُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْأَجْرِ قُلْنَا إنَّمَا يَنْتَفِي الْأَجْرُ عِنْدَ وُجُودِ الضَّمَانِ إذَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ فِي مِلْكِهِ وَهَا هُنَا لَمْ يَمْلِكْ بِهَذَا الضَّمَانِ شَيْئًا مِمَّا شَغَلَهُ بِرُكُوبِ نَفْسِهِ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا شَغَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا أَجْرَ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لِيَسْقُطَ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الضَّرَرَ فِي الدَّابَّةِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ ثِقْلِ الرَّاكِبِ وَخِفَّتِهِ فَلِهَذَا تَوَزَّعَ الضَّمَانُ نِصْفَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا سَأَلَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَقَدْ مَلَكَ نِصْفَ الدَّابَّةِ مِنْ حِينِ ضَمِنَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ أَنَّهُ إذَا أَرْكَبَ غَيْرَهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْكُلِّ ، وَإِذَا رَكِبَهَا بِنَفْسِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِنَفْسِهِ مُخَالِفٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِغَيْرِهِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَتْلَفُ بِالثِّقَلِ ) بَلْ بِالْجَهْلِ بِالرُّكُوبِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ ) أَيْ عَدَدُ الرَّاكِبِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إلَّا أَنَّ رُكُوبَ أَحَدِهِمَا
مَأْذُونٌ فِيهِ وَرُكُوبُ الْآخَرِ لَيْسَ بِمَأْذُونِ فِيهِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ مَعَ نَفْسِهِ مَتَاعًا فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الثِّقَلِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَمْتِعَةِ الثِّقَلُ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الثِّقَلِ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُوزَنُ الرَّجُلُ وَالْمَحْمُولُ حَتَّى يُعْرَفَ قَدْرُ مَا زَادَ عَلَى رُكُوبِهِ ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا تُعْرَفُ بِالْقَبَّانِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيُسْأَلُونَ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ بِأَيِّ قَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى رُكُوبِهِ فِي الثِّقَلِ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَرْكَبْ عَلَى الْحَمْلِ فَأَمَّا إذَا رَكِبَ عَلَى الْحِمْلَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ ثِقْلُ الْحَمْلِ وَالرَّاكِبِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَصِيرُ أَدَقَّ لِلدَّابَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْجُنَاةِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ ) الْجُنَاةُ جَمْعُ الْجَانِي كَالْبُغَاةِ جَمْعُ الْبَاغِي وَالْقُضَاةُ جَمْعُ الْقَاضِي ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الرَّاكِبِ وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقْلُ وَالْخِفَّةُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِرَاحَةِ كَثْرَتُهَا وَقِلَّتُهَا بَلْ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الْجُنَاةِ حَتَّى إذَا جَرَحَ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ سَبْعَ جِرَاحَاتٍ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا ا هـ يَعْنِي إذَا جَرَحَ وَاحِدٌ إنْسَانًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً خَطَأً وَالْآخَرُ جِرَاحَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ خَطَأً فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا فَكَذَلِكَ هُنَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ مَنْ رَكِبَ لَا الثِّقَلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ) لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ إتْلَافَهَا ا هـ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ) أَيْ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ ) أَيْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ وَجَبَ مُقَابَلًا بِالْمَنَافِعِ ، وَقَدْ
حَصَلَتْ مُسْتَوْفَاةً ا هـ ق ( قَوْلُهُ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إلَخْ ) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ لِلذَّخِيرَةِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ مَا نَصُّهُ فِي التَّضْمِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَهَذَا إذَا أَرْدَفَهُ حَتَّى صَارَ الْأَجْنَبِيُّ كَالتَّابِعِ لَهُ فَأَمَّا إذَا أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الدَّابَّةِ وَأَوْقَعَهَا فِي يَدٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَصَارَ ضَامِنًا وَالْأَجْرُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ ق ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ الرَّاكِبُ ) أَيْ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ ) أَيْ عَلَى الرَّاكِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعِيرًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحِمْلِ الْمُسَمَّى مَا زَادَ ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مُقَدَّرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ مَا زَادَ الثِّقْلُ ؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقْلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ مِثْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيَكُونُ إهْلَاكًا أَوْجَبَ الضَّمَانَ هُنَا بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ ذَلِكَ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْمُسَمَّى أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُقَدَّرَةٍ فَزَادَ لَمْ يُوجِبْ بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ بَلْ أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِيهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَفِيمَا إذَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِ الْمَأْذُونِ فِيهِ هَلَكَتْ بِالْمَجْمُوعِ فَتَسْقُطُ حِصَّةُ الْمَأْذُونِ وَيَجِبُ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى حَتَّى لَوْ حَمَّلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ ، ثُمَّ حَمَّلَهَا الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِالزِّيَادَةِ وَحْدِهَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِالزِّيَادَةِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حِنْطَةِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَفَاوَتُ فِي حَقِّ الْحَمْلِ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشْرَ مَخْتُومًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبَلَغَتْ الْمَكَانَ الَّذِي سَمَّاهُ ، ثُمَّ عَطِبَتْ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ كَامِلًا وَعَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ بِقَدْرِ مَا زَادَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ الْكُلِّ وَبَعْضُهُ مَأْذُونٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ الْحَمْلِ الْمَأْذُونِ وَيَجِبُ حِصَّةُ الْبَاقِي وَلِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الثِّقَلِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ صَارَ الْكُلُّ عِلَّةً وَاحِدَةً فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا تَصْلُحُ عِلَّةً ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ صَاحِبَ الْعِلَّةِ وَصَاحِبَ الْعِلَلِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ كَمَا لَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا سَبْعَ جِرَاحَاتٍ وَجَرَحَ الْآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَيْهِ قِيمَتُهَا تَامًّا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى اسْتَكْرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَجَعَلَ فِي الْجَوَالِقِ عِشْرِينَ مَخْتُومًا وَأَمَرَ الْمُكَارِيَ أَنْ يُحْمَلَ هُوَ عَلَيْهَا فَحُمِلَ هُوَ وَلَمْ يُشَارِكْهُ الْمُسْتَكْرِي فِي الْحَمْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ وَلَوْ حَمَلَاهُ جَمِيعًا يَعْنِي الْمُكَارِي وَالْمُسْتَكْرِي وَوَضَعَاهُ عَلَى الدَّابَّةِ يَضْمَنُ الْمُسْتَكْرِي رُبْعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْجُوَالِقَيْنِ فَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُوَالِقًا وَوَضَعَاهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ
جَمِيعًا لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا وَيُجْعَلُ حِمْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ ، وَالثِّقَلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ خِلَافُ الْخِفَّةِ وَالثِّقْلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْحِمْلُ وَالثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ الثَّقَلَانُ ؛ لِأَنَّهُمَا قُطَّانُ الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُمَا ثَقَّلَاهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَضْمَنُ إلَخْ ) هَذَا إذَا حَمَلَ الْأَكْثَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا إذَا حَمَلَ الْمُسَمَّى ، ثُمَّ حَمَلَ الزِّيَادَةَ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّحْنِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا أَيْ وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ مَا زَادَ الثِّقَلُ ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ فِي الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٍ ) أَيْ كَعَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مَثَلًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَزَادَ ) أَيْ بِأَنْ طَحَنَ أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا مَثَلًا ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ إلَخْ ) لِمَا أَنَّ الطَّحْنَ يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَمَا طَحَنَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ انْتَهَى إذْنُ الْمَالِكِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي الطَّحْنِ مُخَالِفٌ فِي جَمِيعِ الدَّابَّةِ مُسْتَعْمِلٌ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَهَا أَمَّا الْحِمْلُ فَيَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ فِي الْبَعْضِ مُسْتَعْمِلٌ بِالْإِذْنِ وَفِي الْبَعْضِ مُخَالِفٌ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ دِرَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ ) أَيْ يَضْمَنُ بِهِمَا إذَا هَلَكَتْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُعْتَادًا ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَكَانَتْ هَالِكَةً بِالْمَأْذُونِ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذْ السَّوْقُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ لِلْمُبَالَغَةِ فَصَارَ كَضَرْبِ الزَّوْجَةِ وَالْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْقَاضِي الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ أَوْ فَصْدِ الْفَصَّادِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَكَذَا الْفَصْدُ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالْوَاجِبِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرَ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى لِفَهْمِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّرْبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ضَرْبُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الصَّغِيرَ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ ضَرْبَ مِثْلِهِ لِلتَّأْدِيبِ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لِإِصْلَاحِ الصَّغِيرِ فَكَانَ مُعِينًا بِهِ إذْ مَنْفَعَتُهُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ إيَّاهُ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الضَّرْبِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الصَّغِيرِ كَالْوَاقِعِ لَهُ لِقِيَامِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ جُعِلَتْ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ ، وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِ كَوَضْعِهِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالضَّرْبِ صَحَّ مِنْ الْأَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ وِلَايَةِ ضَرْبِهِ تَأْدِيبًا وَإِذَا صَحَّ كَانَ
الْمُعَلِّمُ مَعِينًا لِلْأَبِ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَلْمُعَلِّمِ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ أَيْضًا فِيمَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ ؛ لِأَنَّ مَا رَأَى مِنْ التَّأْدِيبِ لَمْ يَصِرْ مَنْقُولًا إلَيْهِ لَأَنْ يَصِحَّ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَالزَّائِدُ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ مَا جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَتِهِمْ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْكَبْحِ ) يُقَالُ كَبَحَهُ بِاللِّجَامِ إذَا رَدَّهُ بِهِ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ مَا نَصُّهُ أَيْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ ا هـ كَاكِيٌّ ، وَنَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ بَابِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ مِنْ فَرَائِضِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ إيَّاهُ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مُعَلِّمٌ ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ يَضْمَنْ وَهُمَا لَوْ ضَرَبَا يَضْمَنَانِ فِي إجَارَةِ الْعُيُونِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْمُعَلِّمُ أَوْ الْأُسْتَاذُ إذَا ضَرَبَا الصَّبِيَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ ضَمِنَا وَلَوْ ضَرَبَا بِإِذْنِهِمَا لَا يَضْمَنَانِ وَالْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَهُ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَيْضًا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ إذَا ضَرَبَ ابْنَهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَدَبِ فَمَاتَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَا يَرِثُهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ وَيَرِثُهُ وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَلَى الْمَضْجَعِ فَمَاتَتْ يَضْمَنُ وَلَا يَرِثُهَا فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ مَعَ الِابْنِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ أَوْ الْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ ) مَعْنَاهُ لَوْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَوْ أَوْكَفَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ وَلَا خِلَافَ فِي جِنْسِ السَّرْجِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْإِسْرَاجِ وَالْإِكَافِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَإِنْ أَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ تَنَاوَلَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ كَمَا فِي السَّرْجِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَإِذَا رَضِيَ بِالسَّرْجِ يَكُونُ رَاضِيًا بِمِثْلِهِ مِنْ الْإِكَافِ ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحِمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبِسَطُهُ الْآخَرُ فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالْحَدِيدِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَاتِ فَقَالَ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا يَضْمَنُ فَكَانَ الْمُطْلَقُ مَحْمُولًا عَلَى الْقَدْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ قَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَسَّاحَةِ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسُلُوكِ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا ) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا وَسَلَكَ هُوَ غَيْرُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَوْعَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ وَبَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأُجْرَةِ وَالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ يَجِبُ الضَّمَانُ ، وَالْمَحْظُورُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَإِنْ سَلِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَدَمُ التَّفَاوُتِ ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقِينَ تَفَاوُتٌ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَجَعَلَاهُ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ .
قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَلَوْ تَكَارَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ وَرَكِبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ اكْتَرَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ ، ثُمَّ رَكِبَهُ كَانَ ضَامِنًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهَذَا إذَا كَانَ حِمَارًا لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ عَادَةً ، أَمَّا إذَا كَانَ يُسْرَجُ وَيُرْكَبُ بِالسَّرْجِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرُّكُوبُ وَالسَّرْجُ آلَةٌ لَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِوَضْعِ السَّرْجِ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ، وَقَدْ فَصَّلَ أَصْحَابُنَا هَذَا وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَ إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ سَرْجٍ وَلَا إكَافٍ فَلَمَّا آجَرَهُ كَذَلِكَ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَقَالُوا وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَهُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَهُ أَنْ يُسْرِجَهُ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَأَسْرَجَهُ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَرْكَبُ فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَالسَّرْجُ أَثْقَلُ عَلَى الدَّابَّةِ ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا زَادَ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ صُورَةً وَمَعْنًى ، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا عُرْيَانَا ، وَقَدْ رَكِبَ مَعَ السَّرْجِ ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ عَلَى السَّرْجِ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ وَالسَّرْجِ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ ضَمَانُ قَدْرِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانَا
فَأَسْرَجَهُ فَكَانَ السَّرْجُ كَالْحِمْلِ الزَّائِدِ عَلَى الرُّكُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَرَكِبَ وَحَمَلَ مَعَهُ حِمْلًا يَضْمَنُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ عَطِبَتْ فَكَذَا هَذَا ؛ لِأَنَّ السَّرْجَ صَارَ كَزِيَادَةِ الْحِمْلِ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِجَامٌ فَأَلْجَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُلْجِمُ بِذَاتِ اللِّجَامِ ، وَكَذَلِكَ إذَا بَدَّلَهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتْلَفُ بِهِ فَلَمْ يَضْمَنُ بِإِلْجَامِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا ) كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْعُيُونِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ حَقَائِقُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ ) أَيْ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ مَنَوَيْنِ وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا ا هـ حَقَائِقُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ الْكُلَّ وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ ) أَيْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ إنْ هَلَكَ الْقُمَاشُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ ، وَقَوْلُهُ الْكُلَّ عَائِدٌ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ إلَى هُنَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَمِيعِهَا جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ فَاحِشٌ ، وَلِهَذَا لَيْسَ لِلْمُودِعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَحْرِ ، وَلَوْ سَلِمَ يَجِبُ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ .
( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيمَا إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشُّرُوطِ مِنْ مَبْسُوطِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِهِ بِنَفْسِهِ فَحَمَلَهُ عَلَى دَوَابِّهِ أَوْ عَبِيدِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَكَانَ لَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الطَّعَامِ ، وَقَدْ أَوْفَاهُ كَمَا الْتَزَمَ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا ؛ لِأَنَّهُ مَا فَارَقَ الطَّعَامَ حِينَ ذَهَبَ مَعَهُ وَلَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ لَهُ طَرِيقًا فَحَمَلَهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الطَّعَامِ إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فِي أَيِّ الطَّرِيقِينَ حَمَلَهُ وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ ضَمِنَهُ إنْ غَرِقَ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلتَّلَفِ فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ رَاكِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ مَعَ مَا مَعَهُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا آمِنٌ وَالْآخَرُ مَخُوفٌ فَحَمَلَهُ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ فَإِنْ تَلِفَ كَانَ ضَامِنًا وَإِنْ سَلِمَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُودِعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي طَرِيقِ الْبَحْرِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ وَأَذِنَ بِالْبُرِّ مَا نَقَصَ ) أَيْ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ حِنْطَةً يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأَرْضِ بِزَرْعِ الرَّطْبَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلْحَمْلِ فَأَرْدَفَ مَعَهُ غَيْرَهُ أَوْ زَادَ عَلَى الْمَحْمُولِ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ بِحِسَابِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَلْفِتُ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَشْرُوطَ وَزَادَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الضَّمَانُ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ زِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ ، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا مِثْلَ وَزْنِهِ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ نَظِيرُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا أَجْرَ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِهِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَأْذُونًا فِيهِ وَغَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ ، وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ وَالْأُجْرَةُ وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ الْحِنْطَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِخِيَاطَةِ قَبَاءٍ وَأَمَرَ بِقَمِيصٍ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَلَهُ أَخْذُ الْقَبَاءِ وَدَفْعُ أَجْرِ مِثْلِهِ ) مَعْنَاهُ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبَهُ قَمِيصًا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ إذَا خَاطَهُ قَبَاءً وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَدَفَعَ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ قِيلَ أَرَادَ بِالْقَبَاءِ الْقُرْطَقَ وَهُوَ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْأَتْرَاكُ مَكَانَ الْقَمِيصِ وَهُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْقَمِيصُ إذَا قُدَّ مِنْ قُبُلٍ كَانَ قَبَاءَ طَاقٍ ، وَقَبَاءُ طَاقٍ إذَا خِيطَ جَانِبَاهُ كَانَ قَمِيصًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقُرْطَقِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَفِي غَيْرِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ حَتْمًا وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي الْكُلِّ وَإِطْلَاقُهُ يَدًا عَلَى ذَلِكَ وَجْهُهُ أَنَّ الْقَبَاءَ وَالْقَمِيصَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَأَجْزَاؤُهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْكُمُّ وَالذَّيْلُ وَالدِّخْرِيصُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْكُلِّ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرَ جِنْسِ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُخَالِفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَبَقِيَ غَاصِبًا مَحْضًا وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سَدُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ فَصَارَ مُوَافِقًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ مِنْ حَيْثُ التَّقْطِيعُ وَالْقَالَبُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى الْخِلَافِ ضَمِنَهُ قِيمَتُهُ وَصَارَ الثَّوْبُ لِلْخَيَّاطِ وَإِنْ مَالَ إلَى الْوِفَاقِ يَأْخُذُ الْقَبَاءَ وَيُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا مُقَابَلَا بِخِيَاطَةِ الْقَمِيصِ فَإِذَا خَالَفَ فَاتَ رِضَاهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَالْخَيَّاطُ لَمْ يَخِطْهُ مَجَّانًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ
لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ أَوْ شَبَهِهِ وَلَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى عَقْدٌ وَلَا شُبْهَةٌ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَلَا يَجِبُ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا مُخَالِفًا لِمَا وَصَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ، وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْقَبَاءِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْهَيْئَةِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوُجُودِ الِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ حَيْثُ السَّتْرُ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي نَفْسِ الْخِيَاطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نُحَاسًا فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَبَهًا مِنْ الْأَوَانِي فَضَرَبَ لَهُ خِلَافَهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَكَذَا هَذَا( قَوْلُهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُ شَبَهًا ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّبَهُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُشْبِهُ الذَّهَبَ فِي لَوْنِهِ وَهُوَ نُحَاسٌ أَحْمَرُ يُضَافُ إلَيْهِ أَشْيَاءُ وَيُسْبَكُ مَعَهَا فَيَكْتَسِبُ لَوْنَ الذَّهَبِ وَالشَّبَهُ أَيْضًا وَالشَّبِيهُ مِثْلُ كَرِيمٍ وَالشَّبَهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمُشَابِهِ ا هـ
( بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ وَتُفْسَخُ فَتُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَالْبَيْعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِالْعَقْدِ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ وَتَصِيرُ بِهِ مَالًا فَتُعْتَبَرُ الْإِجَارَةُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَأَشْبَاهِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعَمِّرَهَا أَوْ يُرَمِّمَهَا ، وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةً عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى كَمَا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَكَمَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْأَجْرِ أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْإِحْرَازِ وَمَا لَا بَقَاءَ لَهُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الْأُجْرَةُ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا كَافٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَاسِدِ مِنْهَا إلَّا أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُلْحَقٌ بِصَحِيحِهِ
لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ وَكَانَتْ الضَّرُورَةُ بَاقِيَةً مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الصَّحِيحِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إلْحَاقِهَا بِهِ فَيَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ فِي قَدْرِ مَا وُجِدَ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ فِي الْمُسَمَّى بَالِغًا مَا بَلَغَ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فِيهِ عَقْدٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَلَا يَتَقَوَّمُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا نِهَايَةَ لِلْمَجْهُولِ وَلَا لِغَيْرِ الْمُسَمَّى فَيَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ .
( بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ) قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ الشُّرُوطُ ) أَيْ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ مَاؤُهُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ أَنْ لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَكُلُّ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ يُفْسِدُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بُنِيَتْ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَالْمُمَاكَسَةِ فَتَفْسُدُ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ لِمَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ) أَيْ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْبَيْعَ أَفْسَدَهَا وَأَرَادَ بِالشُّرُوطِ شُرُوطًا لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ لَا كُلَّ شَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَجْرَ إذَا رَجَعَ مِنْ بَغْدَادَ صَحَّ ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَّا إذَا مَاتَ بِبَغْدَادَ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ الذَّهَابِ وَالشُّرُوطُ الَّتِي تُفْسِدُهَا كَاشْتِرَاطِ تَطْيِينِ الدَّارِ وَمَرَمَّتِهَا أَوْ تَعْلِيقِ بَابٍ عَلَيْهَا أَوْ إدْخَالِ جِذْعٍ فِي سَقْفِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَرْيِ نَهْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ ضَرْبِ مُسَنَّاةٍ عَلَيْهَا أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ أَنْ يُسَرْقِنَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ رَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً ، كُلُّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَجَهَالَةُ بَعْضِ الْأَجْرِ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْبَاقِي فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَجْرِهِ أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ
فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَتُفْسِدُهُ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ فَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْإِجَارَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ حَذْفِ كَلَامٍ فِي الْبَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقَالُ ) مِنْ الْإِقَالَةِ لَا مِنْ الْقَوْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مِثْلَ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً ) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ ) مِثَالٌ لِجَهَالَةِ بَعْضِ الْأُجْرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَاَلَّتِي لَا تُفْسِدُ : وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي السُّكْنَى فَسُكْنَى غَيْرِهِ لَا يَضُرُّ بِالدَّارِ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلْبَسَ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ مُوجَبَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَابِضُ وَحْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ هُنَا لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ السُّكْنَى لَا لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الْأُجْرَةِ وَكَلَامُ الْوَلْوَالِجِيِّ السَّابِقُ وَغَيْرِهِ يُفْصِحُ بِذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا نَصُّهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ
دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَنْزِلَهَا هُوَ وَأَهْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُعْطِيَ أَجْرَ حَارِسِهَا أَوْ نَوَائِبِهَا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا فِيمَا سَكَنَ بَالِغًا مَا بَلَغَ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْقَدْرِ فَأَمْكَنَنَا تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ بِهَا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقِيمَةِ لِلْمَنَافِعِ ثَبَتَ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُهَا بِالتَّسْمِيَةِ مَا أَمْكَنَ ، وَقَدْ أَمْكَنَ ، أَمَّا هَاهُنَا بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ وَإِلَى الْحَارِسِ وَلَمْ تَقَعْ نَائِبَةٌ لَا يَدْرِي أَيَّ قَدْرٍ يُعْطِيهِ فَكَانَ بَعْضُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْقِيمَةِ لِجَمِيعِ الْمُسَمَّى فَتَجِبُ قِيمَتُهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا ا هـ فَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَخْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَفِي الْحَاصِلِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ عِنْدَنَا وَأَحْمَدَ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَالصَّحِيحِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا ثُمَّ آجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ آجَرَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ عِنْدَنَا وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ ، فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ يَطِيبُ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَقُلْنَا هَذَا رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ جِهَةِ الْآجِرِ ، وَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَمَامُهُ فِي مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي الْكُلِّ ) لَهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتُعْتَبَرُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ وَفِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ إذَا فَسَدَتْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَذَا فِي بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْإِجَارَةُ إذَا فَسَدَ يُعْتَبَرُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا ) أَيْ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا بَقَاءَ لَهَا فَكَمَا تُوجَدُ تَتَلَاشَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَوَّمَتْ بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَخْ ) وَإِذَا لَمْ تَتَقَوَّمْ فِي أَنْفُسِهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُوِّمَ الْعَقْدُ بِهِ وَسَقَطَ مَا زَادَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لَهُ ) وَالتَّبَعُ يَثْبُتُ بِحَسَبِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ يَجِبُ الْمُسَمَّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَقَدْ أَسْقَطَا الزِّيَادَةَ وَالْإِسْقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ التَّسْمِيَةِ لَكِنْ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهَا لِرِضَاهُ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ التَّقَوُّمُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ
يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ) أَيْ بَيْعًا فَاسِدًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ آجَرَ دَارًا كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ انْصَرَفَ إلَى الْوَاحِدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَفَسَدَ الْبَاقِي لِلْجَهَالَةِ كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهُمَا وَافَقَاهُ فِي الشُّهُورِ وَأَجَازَا الْعَقْدَ فِي الْكُلِّ فِي الصُّبْرَةِ ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَا يُمْكِنُ رَفْعُ الْجَهَالَةِ فِيهَا وَالصُّبْرَةُ مُتَنَاهِيَةٌ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِالْكَيْلِ فَلِهَذَا أَجَازَاهُ فِي الْكُلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ الْمُخَالِفَ لِلدَّلِيلِ لَا يُعْتَبَرُ ثُمَّ إذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ كَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَسْخِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبِتَسْمِيَتِهِ جُمْلَةَ الشُّهُورِ تَصِيرُ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَتَصِحُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ أَوَّلَهُ سَاعَةً ) ( صَحَّ فِيهِ ) لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ عَنْ الْمُضِيِّ ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَيَوْمِهَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ السَّاعَةِ حَرَجًا عَظِيمًا وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْفَسْخُ فِي رَأْسِ الشُّهُورِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّيْلَةِ
الْأُولَى وَيَوْمِهَا عُرْفًا أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَ فُلَانٍ رَأْسَ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَفِي يَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَنْفَسِخْ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِهِ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَوْقِيفُهُ إلَى وَقْتٍ يَمْلِكُ فِيهِ الْفَسْخَ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ أَبُو نَصِيرِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَسَخْت رَأْسَ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا فَكَذَا فَسْخُهُ ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْمُعَجَّلِ أُجْرَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيمِ زَالَتْ الْجَهَالَةُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَكُونُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ إلَخْ ) هَكَذَا ذَكَرُوهُ فِي كُلِّ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحُكْمِ سَنَةٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي نَفَقَاتِ الْخَانِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْهَادِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ الْقَاضِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً ؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فَرَضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ لِكُلِّ شَهْرٍ كَذَا فَقَالَتْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْت امْرَأَتَك صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ فَلَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَمَّا مَضَى دُونَ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا فَمَضَى بَعْضُ السَّنَةِ أَوْ بَعْضُ الشَّهْرِ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَعَنْ السَّنَةِ الْأُولَى ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صَحَّ فِي شَهْرٍ فَقَطْ ) أَيْ وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ ) أَيْ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَفْرَادُهُ مَعْلُومَةٌ ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ صِفَةَ الْعَامَّةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهَا عَلَى الْعُمُومِ يُرَادُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا ) فَإِنْ قِيلَ كَمَا أَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مَعْلُومٌ فَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الثَّانِي مَعْلُومٌ فَلِمَ خَصَّصْتُمْ الْأَوَّلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ ؟ قُلْنَا إنَّمَا اُخْتُصَّ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ وَحُصُولُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الشُّهُورِ حَتَّى إذَا سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مِثْلُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَتَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ ) فَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الدَّارِ حَلَفَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا فَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَصَارَ يَتَقَاضَى الْأُجْرَةَ آخِرَ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ فِي
رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ آجِرًا ، وَلَوْ طَلَبَ أُجْرَةَ شَهْرٍ لَمْ يَسْكُنْهُ بَعْدُ يَحْنَثُ ا هـ فَتَاوَى الطَّبَرِيِّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ) ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يُهَلُّ فِيهَا الْهِلَالُ فَإِذَا أُهِلَّ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْجَائِزَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُفْسَخَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّ خِيَارَ الْفَسْخِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ هَذَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أُجْرَةَ كُلِّ شَهْرٍ ) يَعْنِي بَعْدَ مَا سَمَّى الْأُجْرَةَ جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ شَهْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَحَّ وَجَبَ أَنْ تُقَسَّمَ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَقْدِ ) يَعْنِي ابْتِدَاءَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ كَالْأَجَلِ وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَقِيبَهُ لِمُدَّتِهَا لَصَارَ مُنْكَرًا مَجْهُولًا وَبِهِ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ الصَّحِيحَ فَتَعَيَّنَ عَقِيبَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ ابْتِدَاؤُهُ عَقِيبَ الْيَمِينِ وَلَا عَقِيبَ النَّذْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ السَّبَبِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ تُعْتَبَرُ الْأَهِلَّةُ وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ ) يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ حِينَ يُهَلُّ الشَّهْرُ أَوْ كَانَ أَوَّلُهَا بِالتَّعْيِينِ كَذَلِكَ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْمُدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهَا بَعْدَ مَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا
كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } وَالْأَيَّامُ بَدَلٌ عَنْ الْأَهِلَّةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا } وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ وَلَا تَعَذُّرَ إلَّا فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الْأَخِيرِ فَيُكَمَّلُ ، وَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْهِلَالِ تَعَذَّرَ الْبَاقِي أَيْضًا بِالْأَهِلَّةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ مِمَّا يَلِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَجَمِيعُ الْأَشْهُرِ الَّتِي بَعْدَهُ قَبْلَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُحَالٌ ، فَإِذَا كَمُلَ مِنْ الثَّانِي انْتَقَصَ الْآخَرُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ ، وَكَذَا كُلُّ شَهْرٍ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِالْأَيَّامِ ضَرُورَةً وَنَظِيرُهُ الْعِدَّةُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ .
قَوْلُهُ وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ ) أَيْ كَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ فِي رَمَضَانَ رَجُلًا وَهُمَا فِي رَجَبٍ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ غُرَّةِ رَمَضَانَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يُبْصَرُ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بِقَوْلِهِ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الشَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ هُوَ أَوَّلُ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَجُوزُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَعَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ جَمِيعًا قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ هَلَّ الْهِلَالُ وَأُهِلَّ وَدَفَعَ الْأَصْمَعِيُّ هَلَّ وَقَالَ لَا يُقَالُ إلَّا أُهِلَّ وَأَهْلَلْنَا نَحْنُ إذَا رَأَيْنَا الْهِلَالَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا ) أَيْ فَالسَّنَةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا ا هـ وَلْيُعْلَمْ أَنِّي قَدْ كَتَبْت حَاشِيَةً نَافِعَةً مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْكَنْزِ فِي أَوَّلِ بَابِ الطَّلَاقِ وَفُرِّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَلْتُرَاجَعْ فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ ) أَيْ فَيَكُونُ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ } وَلِتَعَارُفِ النَّاسِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْت عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْته أَنَّ لِي غِلْمَانًا وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ ، وَقَالَ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَّ بَيْتٍ فَإِنَّهُ تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ وَتُصَبُّ فِيهِ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ فَقَالُوا يُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَمَّامِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ عَنْ الْخُرُوجِ ، وَقَدْ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَاجْتِمَاعُهُنَّ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْفِتَنِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ أَنْتُنَّ مِنْ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَأَمَرَتْ بِإِخْرَاجِهِنَّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَحْتَجْنَ إلَيْهِ لِلِاغْتِسَالِ مِثْلَ الرِّجَالِ بَلْ حَاجَتُهُنَّ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ قَدْ يَضُرُّ ، وَقَدْ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ بِهِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَكَرَاهَةُ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَدْفَعُونَ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مِقْدَارُ الْقُعُودِ فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِوُرُودِهِ عَلَى إتْلَافِ الْعَيْنِ مَعَ الْجَهَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحَجَّامِ ) أَيْ جَازَ أَخْذُ أَجْرِ الْحِجَامَةِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ } وَلِأَنَّهُ جَرَى التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا عَمَلِيًّا ، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَحِلُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ } قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ قَالَ نَعَمْ } .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَجَّامِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْحَجَّامُ فَلِمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ } ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لَمْ يُعْطِهِ وَفِي رِوَايَةِ السُّنَنِ ، وَلَوْ عَلِمَهُ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِ ، وَحَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالتِّجَارَةِ مُسْنِدًا إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ { حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ } وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ أُبِيحَ اسْتِيفَاؤُهُ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ فَإِنْ قُلْت حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ } فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ ؟ قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ فَلَوْ كَانَ خَبِيثًا لَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْخُبْثِ عَلَى الْكَرَاهَةِ طَبْعًا مِنْ حَيْثُ الْمَرْأَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالدَّنَاءَةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ رَاوِيَهُ لَيْسَ كَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالْفِقْهِ فَلَا يُعَارِضُ الْحَدِيثُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُعْمَلُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ } وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ نَجَسٌ مَهِينٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ .( قَوْلُهُ إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبُ التَّيْسِ ) الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ التَّيْسِ لِيُنْزِيَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ النَّزْوُ إلَّا بِنَشَاطِ التَّيْسِ وَلَيْسَ فِي يَدِ الْعَبْدِ إحْدَاثُ النَّشَاطِ فَكَانَ اسْتِئْجَارًا عَلَى عَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْمُؤَجَّرُ ا هـ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ عَسْبُ الْفَحْلِ مَاؤُهُ فَرَسًا كَانَ أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَعَسْبُهُ أَيْضًا ضِرَابُهُ يُقَالُ عَسَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ يَعْسِبُهَا عَسْبًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَيْهِ فَإِنْ إعَارَةَ الْفَحْلِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَمِنْ حَقِّهَا إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَوَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ عَسْبِ الْفَحْلِ ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَقِيلَ يُقَالُ لِكِرَاءِ الْفَحْلِ عَسْبٌ وَعَسَبَ فَحْلَهُ يَعْسِبُهُ أَيْ أَكْرَاهُ وَعَسَبْت الرَّجُلَ إذَا أَعْطَيْته كِرَاءَ ضِرَابِ فَحْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي فِيهِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْأَذَانِ وَالْحَجِّ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ وَكَوْنُهُ عِبَادَةً لَا يُنَافِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَعَهِدَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَإِنْ اُتُّخِذْت مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا } وَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى وَقَعَتْ كَانَتْ لِلْعَامِلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى عَمَلٍ وَقَعَ لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُعَلِّمُ إلَّا بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلِّمِ فَيَكُونُ مُلْتَزِمًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَالْفِقْهِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْأَجِيرُ ، وَكَذَا الْأَجْرُ يَكُونُ لِلْآمِرِ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَنْهُ نِيَابَةً ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ فِيهِمَا بَلْ أَهْلِيَّةُ الْآمِرِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكَافِرَ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمَ وَمَا لَا فَلَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَقَالُوا بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ وَكَانَ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ
الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى يَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّ مَنْ يَعْلَمُ حِسْبَةً وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِ ذَلِكَ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا ، وَقَالُوا الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُفْتَى بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا ثُمَّ قَالَ وَفِي رَوْضَةِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ يَقُولُ فِي زَمَانِنَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأَجْرِ قَالَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ ) أَيْ حَتَّى لَوْ تَعَيَّنَ بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُفْتِي وَاحِدًا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَنَصُّ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِنَا ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ عَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَلَّ مَنْ يَعْلَمُ حِسْبَةً ) وَذَكَرَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى : الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ لَا يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْحِرَفِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ اخْتَارُوا قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَنَحْنُ أَيْضًا نُفْتِي بِالْجَوَازِ إلَى هُنَا لَفْظُ التَّتِمَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيُعَلِّمَ غُلَامَهُ أَوْ وَلَدَهُ شِعْرًا أَوْ أَدَبًا أَوْ حِرْفَةً مِثْلَ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ إنَّ بَيَّنَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا لِيُعَلِّمَهُ هَذَا الْعَمَلَ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُدَّةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ تَعَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ إذَا سَلَّمَ الْأُسْتَاذُ نَفْسَهُ لِذَلِكَ ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَيَنْعَقِدُ لَكِنْ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ عَلَّمَ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا تَعْلِيمُ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالْخَطِّ وَالْهِجَاءِ وَالْحِسَابِ عَلَى هَذَا ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُحَذِّقَهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّ التَّحْذِيقَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّمِ وَالْحَذَاقَةُ لِمَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّمِ دُونَ الْمُعَلِّمِ وَلِأَنَّ الْحَذَاقَةَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ
تَنْتَهِي إلَيْهِ فَكَانَ مَجْهُولًا جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْخَاء الثَّانِيَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ الثَّانِيَةِ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةِ خَيْزَاخَزَ مِنْ قُرَى بُخَارَى ا هـ جَوَاهِرُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِقُّ هُوَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْئًا إذْ الْمُبَادَلَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ لِلْمَعْصِيَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُضَافًا إلَى الشَّارِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرَعَ عَقْدًا مُوجِبًا لِلْمَعْصِيَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ مُشْتَرَكَانِ فِي مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَمَلٍ هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ رَجُلًا لِيَقْتُلَ لَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيَقُومَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُقِيمَ الْحُدُودَ جَازَ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَازَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَشَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى الْحِدَاءِ وَقِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَهْوٌ وَلَعِبٌ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْمَعَاصِي وَاللَّعِبِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَقَدْ حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ شَهِدَ أَبَا وَائِلٍ فِي وَلِيمَةٍ فَجَعَلُوا يُغَنُّونَ فَحَلَّ أَبُو وَائِلٍ حَبْوَتَهُ وَقَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَلَاهِي ) كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ ، أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِكَاتِبٍ يَكْتُبُ لَهُ غِنَاءً وَنَوْحًا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَلِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ وَالطَّبْلُ إنَّمَا يَكُونُ مَنْهِيًّا إذَا كَانَ لِلَّهْوِ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَطَبْلِ الْعُرْسِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيُشْهَرَ ذَلِكَ وَيُعْلَنَ بِهِ النِّكَاحُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهَةِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ يَجُوزُ
؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ لَهُمَا أَنَّ لِلْمَشَاعِ مَنْفَعَةً وَتَسْلِيمَهُ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ أَوْ بِالتَّهَايُؤِ ، وَلِهَذَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ بِأَنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَكَالْعَارِيَّةِ وَهِيَ أَقْرَبُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا أَنَّهَا بِلَا عِوَضٍ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَمَا جَازَا عَارِيَّةً ، فَإِذَا جَازَتْ إعَارَتُهُ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّائِعِ فِي مَنْعِ التَّبَرُّعِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي مَنْعِ الْمُعَاوَضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الشَّائِعِ لَا تَجُوزُ وَبَيْعُهُ يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَشَاعِ لَا يُمْكِنُ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمِلْكُ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَأَمْكَنَ فِيهِ فَيَجُوزُ وَالِانْتِفَاعُ حِسِّيٌّ فَلَا يُمْكِنُ بِمَشَاعٍ فَيَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ دُونَ إجَارَتِهِ لِمَا قُلْنَا وَالتَّخْلِيَةُ اُعْتُبِرَتْ تَسْلِيمًا فِي مَحَلٍّ يُتَمَكَّنُ وَفِي الْمَشَاعِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا مِنْ الْقَبْضِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ تَسْلِيمًا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّهَايُؤِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ حُكْمًا لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَسْبِقُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِثُبُوتِ كَوْنِهِ حُكْمًا فَفَسَدَ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ لَا شُيُوعَ فِي حَقِّهِ إذْ الْكُلُّ فِي يَدِهِ غَيْرَ أَنَّ النِّصْفَ
بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِغَيْرِهَا وَهُوَ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ زَوْجَيْ الْمِقْرَاضِ لِقَرْضِ الثِّيَابِ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشُّيُوعُ يَظْهَرُ حُكْمًا لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَارِئٌ ، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ شَائِعًا وَهُوَ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّ كَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الشُّيُوعَ إنَّمَا كَانَ مُفْسِدًا لِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الْقَبْضِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَالْعَارِيَّةَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِهِ لِوُجُودِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ وَصَارَ كُلُّهُ عَارِيَّةً فَلَا شُيُوعَ وَالْحِيلَةُ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُلَّ ثُمَّ يَفْسَخَ فِي النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْهِبَةِ أَوْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ نَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا آجَرَ بَعْضَ مِلْكِهِ أَوْ آجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَهُوَ فَاسِدٌ سَوَاءٌ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ قُلْت صَحَّحَ فِي الْحَقَائِقِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ فِي نَظْمِ الْخِلَافِيَّاتِ وَقَالَ الْقَاضِي إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ فَاسِدَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَإِنْ آجَرَ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَلَوْ مِنْ ثَالِثٍ لَا يَجُوزُ فِي الْأَظْهَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْوَقْفِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَ مُحَمَّدٍ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَفِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَهُ النَّسَفِيُّ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ الْمَحْبُوبِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَفِي الْمُغْنِي إنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا قُلْت شَاذٌّ مَجْهُولُ الْقَائِلِ فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفَسَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَلَمْ يُجَوِّزْ رَهْنَ الْمَشَاعِ وَلَا هِبَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ قُلْت إنَّهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْقَبْضُ ، وَالْإِشَاعَةُ تُؤَثِّرُ فِي الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ ) الْمَذْكُورُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَدَائِعِ جَوَازُ إجَارَةِ النَّصِيبِ عِنْدَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُسْتَأْجِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ لِلْمَشَاعِ مَنْفَعَةً ) وَجْهُ قَوْلِهِمَا
أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ جَوَازِهَا إقَامَةُ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَتْ كَبَيْعِ الْعَيْنِ ثُمَّ بَيْعُ الْعَيْنِ يَصِحُّ فِي الشَّائِعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي يُبْطِلُهَا الشُّيُوعُ يَسْتَوِي فِيهَا الشَّرِيكُ وَغَيْرُ الشَّرِيكِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ رَهَنَ الْمَشَاعَ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ غَيْرِ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ فَهَا هُنَا لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ ثَبَتَ أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ الْإِجَارَةَ فَوَجَبَ أَنْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ مَشَاعًا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الشَّرِيكِ وَكَمَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ اثْنَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فُرُوعٌ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَفِيمَا لَا يُقْسَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ شَرِيكًا فِي الْعَقَارِ فَيَسْتَأْجِرُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ كُلَّهُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ آجَرَا دَارًا لَهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرِينَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ ، وَالْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ صَحِيحَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ عَقَارٍ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَلَا مِنْ أَرْضٍ جَرِيبًا أَوْ جَرِيبَيْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَبَيْعُ الْمَشَاعِ يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ، وَرَهْنُ الْمَشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا
يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ ، وَهِبَةُ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ وَفِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ وَفَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا وَقْفُ الْمَشَاعِ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْوَقْفَ مَشَاعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُ الْمَشَاعِ جَائِزٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاطِلٌ ، وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَشَاعًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ الْعَقْدُ مَتَى حَصَلَ فِي غَيْرِ الْمَشَاعِ فَاعْتَرَضَ الشُّيُوعُ فِي الْبَعْضِ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ لَمْ تُنْقَضْ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ ، وَإِنْ بَقِيَتْ مَشَاعًا ، وَكَذَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي الْحَيِّ كَمَا كَانَ جَائِزًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَقَدْ صَرَّحَ أَنَّ إجَارَةَ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ ثُمَّ قَالَ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ وَأَمَّا إجَارَةُ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ فَقَدْ رَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لَا يَجُوزُ مَعَ الشَّرِيكِ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ ، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ
غَيْرُ صَحِيحَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْقِسْمَةِ كَالدَّارِ وَغَيْرِهَا أَوْ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ كَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ صَاحِبَاهُ وَالشَّافِعِيُّ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْمُسَمَّى عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَالِانْتِفَاعُ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُمْ يَجِبُ ، وَهَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؟ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالُوا إنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ وَبَعْضُهُمْ عَوَّلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَالُوا إنَّهَا فَاسِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ فِي طَرِيقَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَقَرْضُ الْمَشَاعِ جَائِزُ الْإِجْمَاعِ مَرَّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ قَرْضُ الْمَشَاعِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَشَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ فِيهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَفْسُدُ كَإِجَارَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِلزِّرَاعَةِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ الشَّائِعَ وَإِنْ كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ وَالتَّهَايُؤُ حُكْمٌ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ يَسْبِقُهُ أَوْ يَقْتَرِنُ بِهِ وَحُكْمُ الْعَقْدِ يَعْقُبُهُ فَلَا يَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ إذَنْ لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْحَقِيقَةُ وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ وَهِيَ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ عَقْدٌ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَذَلِكَ فَاسِدٌ فَتَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ إلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ فَصَارَ كَرَجُلٍ آجَرَ
دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ وَاشْتَرَطَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِدَارٍ أُخْرَى لِلْمُؤَاجِرِ فَذَاكَ فَاسِدٌ فَكَذَا هَذَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْجَمِيعِ يَعْنِي فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ وَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ كَمَوْتِ أَحَدِ الْمُؤَجِّرَيْنِ أَوْ أَحَدِ الْمُسْتَأْجَرِينَ وَغَيْرِ الطَّارِئِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ فِي الِابْتِدَاءِ وُجُوبُ الْمُهَايَأَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الثَّانِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا ) بَلْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَفَسَدَ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فَلْتُرَاجَعْ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ فَصَارَ كَاسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا أَوْ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَقَدْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بَلْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ حَضَانَةُ الصَّبِيِّ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَخِدْمَتُهُ وَتَرْبِيَتُهُ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَإِنَّمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الشَّاةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَالْعَيْنُ قَدْ تَدْخُلُ تَبَعًا لِلْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ لَهُ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَدْخُلُ الصَّبْغُ فِيهِ تَبَعًا وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ فِعْلُ الصِّبَاغَةِ لَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ مَقْصُودًا فَافْتَرَقَا وَقِيلَ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِقِيَامِ مَصَالِحِ الصَّبِيِّ بِهِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الثَّدْيِ وَمَنْفَعَةُ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ اسْتِحْقَاقُ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَجَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الشَّاةِ فِي الْمُدَّةِ لَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْجَوَابَ عَمَّا إذَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَجْهُولَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِهِمَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةً عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَا يُشَاحِحُهَا بَلْ يُعْطِيهَا مَا طَلَبَتْ وَيُوَافِقُهَا عَلَى مُرَادِهَا ، وَالْجَهَالَةُ إذَا لَمْ تُفِضْ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةِ طَعَامٍ بِخِلَافِ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِجَرَيَانِ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فِيهَا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرَطَتْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا عِنْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَرَطَتْ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً عِنْدَ الْفِطَامِ وَلَمْ تُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا جَازَ أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَالُوا مَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَدْفَعَ الطَّعَامَ مَكَانَهُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنْ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ حَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى بَدَلَ الدَّرَاهِمِ طَعَامًا ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى بَدَلَ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ سَمَّى الطَّعَامَ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ وَوَصْفَهُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةَ فِي الذِّمَّةِ أَثْمَانٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ
الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السَّلَمِ وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ أَيْضًا مَعَ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ .
( قَوْلُهُ وَقِيلَ الْعَقْدُ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ ) أَيْ وَالْخِدْمَةُ تَبَعُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْخِدْمَةُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا ) أَيْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَسَطُ إذَا لَمْ يُوصَفْ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا وَجَبَ الْوَسَطُ مِنْهُ كَالْمَهْرِ وَالدِّيَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ عَلَى طَعَامِهَا وَكَسَوْتهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الظِّئْرَ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا قَالَ جَائِزٌ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَيَعْقُوبُ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَسَمَّى الْكِسْوَةَ فَوَصَفَ جِنْسَهَا وَضَرْبَهَا وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَنْ الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مَانِعَةٌ مِنْ الصِّحَّةِ كَمَا فِي سَائِرِ عُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ ) أَيْ لَيْسَتْ بِمَانِعَةٍ لِذَاتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْجَهَالَةِ غَايَةٌ قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ لِأَنَّ لَهُ حَمْلًا وَمُؤْنَةً ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي الْكِسْوَةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْأَجَلِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْكِسْوَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَجَلِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا بِكُلِّ حَالٍ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ الزَّوْجُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ يَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ يَشِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَأَنْ يَمْنَعَ الصَّبِيَّ الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَالسَّهَرَ بِاللَّيْلِ يُضْعِفُهَا وَيُذْهِبُ جَمَالَهَا فَكَانَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ ، كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ الصِّيَامِ تَطَوُّعًا لَكِنْ إذَا ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَنْكُوحَةُ الْمَجْهُولَةُ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ تَصِيرُ رَقِيقًا وَلَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ رَضِيَ بِالْإِجَارَةِ فَأَرَادُوا مَنْعَهُ مِنْ غَشَيَانِهَا مَخَافَةَ الْحَبَلِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ مَوْهُومٌ وَالْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ ضَرَرٌ مُحَقَّقٌ وَتَحَمُّلُ الضُّرِّ النَّاجِزِ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مَوْهُومٍ أَمْرٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ ) فَإِنْ لَقِيَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَلَهُ غَشَيَانُهَا وَلَا يَسَعُ الظِّئْرَ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَلَا يَسَعُ أَهْلَ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ ذَلِكَ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ ) ( فَسَخَتْ ) أَيْ إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ تَفْسَخُ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحُبْلَى وَالْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّغِيرِ وَهِيَ يَضُرُّهَا أَيْضًا الرَّضَاعُ فَكَانَ لَهَا وَلَهُمْ الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَعَنْ الصَّبِيِّ ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ ، وَكَذَا لَوْ تَقَيَّأَ لَبَنَهَا لِأَهْلِهِ الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَارِقَةً ؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلَى مَتَاعِهِمْ وَعَلَى حُلِيِّ الصَّبِيِّ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً بَائِنًا فُجُورُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالْفُجُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا فِي اعْتِقَادِهَا وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ فِي هَذَا فَوْقَ عَيْبِ الْكُفْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ فِي نِسَاءِ بَعْضِ الرُّسُلِ كَامْرَأَتَيْ نُوحٍ وَلُوطٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَمَا بَلَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ هَكَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ وَلِلظِّئْرِ أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْأَذَى مِنْهُمْ ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا بِمَا لَا تَعْرِفُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مَا تُبْلَى بِهِ مِنْ الْمُقَاسَاةِ وَالسَّهَرِ ، فَإِذَا جَرَّبَتْ ذَلِكَ وَعَرَفَتْ أَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ ، وَكَذَا إذَا عَيَّرُوهَا بِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ عَلَى مَا قِيلَ : تَجُوعُ الْحُرَّةِ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا ، وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَوْ الظِّئْرُ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ ، وَلَوْ مَاتَ أَبُو الصَّبِيِّ لَا تُنْتَقَضُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ إذْ هِيَ
كَالنَّفَقَةِ ، وَلَوْ سَافَرَتْ الظِّئْرُ أَوْ أَهْلُ الصَّبِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ إلَّا إذَا خَرَجَ الْآخَرُ مَعَهُ
( قَوْلُهُ إذَا حَبِلَتْ الْمُرْضِعَةُ أَوْ مَرِضَتْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ وَلَا لِلْمُسْتَرْضِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَهُمْ الْخِيَارُ ) أَيْ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَاجِرَةً ) أَيْ زَانِيَةً ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالْفُجُورِ ) أَيْ عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ عَيْبُ الْفُجُورِ إلَخْ ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وقَوْله تَعَالَى { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ } أَيْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْكَافِرِينَ تَنْبِيهًا أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ الْوَصْلَةُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَفِيهِ نَوْعُ تَنْبِيهٍ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وَصْلَتَهُنَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُغْنِيهِنَّ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا إذَا عَصَيْنَ وَخَالَفْنَ الْأَمْرَ وقَوْله تَعَالَى { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ } أَيْ فِي نِكَاحِ عَبْدَيْنِ صَالِحَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا اسْتَصْلَحْنَاهُمْ ا لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ { فَخَانَتَاهُمَا } أَيْ فِي الدِّينِ أَيْ كَفَرَتَا وَلَمْ يُسْلِمَا وَلَمْ يَنْصَحَا لِلرَّسُولَيْنِ بِالْمُسَاعِدَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِيلَ كَانَتَا مُنَافِقَتَيْنِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَانَتَاهُمَا بِالنِّفَاقِ وَلَمْ تَفْجُرْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهَا عَادَةٌ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَا يَسَعُ الظِّئْرَ أَنْ تُطْعِمَ أَحَدًا مِنْ طَعَامِهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْأَكْلِ دُونَ الْإِطْعَامِ فَإِنْ زَارَهَا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا ، وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهَا تُخِلُّ بِإِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهَا ؛ لِأَنَّ صِلَةَ الْأَقَارِبِ
وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَرَجَ الْآخَرُ مَعَهُ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ إلَى مَنْزِلِهَا وَهِيَ مَأْمُونَةٌ عَلَيْهِ وَفِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كِسْوَةٍ إنْ سُرِقَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ ) ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الصَّبِيِّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا ، وَهَذَا مِنْهُ عُرْفًا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ مِنْهُ وَالطَّعَامُ وَالثِّيَابُ عَلَى الْوَالِدِ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَهُوَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَيْهَا إصْلَاحُ طَعَامِ الصَّبِيِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ الطَّعَامَ فَلَيْسَ عَلَى الظِّئْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الطَّعَامَ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَهْلِهِ وَعَلَيْهَا أَنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ وَهُوَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْحَضَانَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا تُرْضِعُ صَبِيًّا فِي بَيْتِهَا فَجَعَلَتْ تُوجِرُهُ بِلَبَنِ الْغَنَمِ وَتَغْذُوهُ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ الْحَوْلَيْنِ وَلَهَا لَبَنٌ لَمْ تُرْضِعْهُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَوْ لَيْسَ لَهَا لَبَنٌ فَلَا أَجْرَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِرْضَاعَ مَا يَقَعُ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ وَمَا وَرَاءَهُ يَكُونُ إطْعَامًا وَلَا يَكُونُ إرْضَاعًا فَلَمْ تَأْتِ بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ، فَإِنْ جَحَدَتْ ذَلِكَ ، وَقَالَتْ أَرْضَعْته فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَبْقَى إلَّا إذَا أُرْضِعَ بِلَبَنِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بَيِّنَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ لَهُ ظِئْرًا ، فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ كَانَ مِثْلَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْأَجْرُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إرْضَاعُهَا ، وَقَدْ فُقِدَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْإِرْضَاعِ فَإِذَا أَتَتْ بِهِ بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَائِبِهَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا فِي الْخِيَاطَةِ وَأَشْبَاهِهَا وَتَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ زِيَادَةً لَا عَلَى عَمَلٍ مِنْهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ غَيْرَ مُسَلَّمٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ ، فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ مَتَاعِهِ أَوْ ثِيَابِهِ فِي يَدِهَا لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لِوُرُودِ
الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ آجَرَتْ الظِّئْرُ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ تُرْضِعُ صَبِيًّا لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَهْلُهَا الْأَوَّلُونَ حَتَّى يَفْسَخُوهَا فَأَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَغَتْ فَقَدْ أَثِمَتْ وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ الْأَجْرُ كَامِلًا ، وَلَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ كَامِلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَأْثَمَ قُلْنَا الْوَجْهُ أَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ فِي الرَّضَاعِ يُشْبِهُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْخَيَّاطِ ثُمَّ لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحَدٍ حَقِيقَةً لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا فَلِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا وَلِشَبَهِهَا بِأَجِيرِ الْوَحَدِ تَأْثَمُ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي صَاحِبُ النِّهَايَةِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الظِّئْرُ إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ هَلْ هِيَ أَجِيرٌ وَحَدٌ أَوْ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ ؟ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ وَالْمَسَائِلُ مُتَعَارِضَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى أَجِيرِ الْوَحَدِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ دُفِعَ الْوَلَدُ إلَيْهَا لِتُرْضِعَهُ فَهِيَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ ، وَإِنْ حَمَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَهِيَ أَجِيرٌ وَحَدٌ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالظِّئْرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْأَوَّلِينَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَوْ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ جِنْسِهِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْعَمَلَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْعَقْدِ قَائِمَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطُ لَا يَصْلُحُ حُكْمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ قَائِمًا بِهِ ، فَإِذَا نَسَجَ أَوْ حَمَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِّ وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَكَذَا قَالُوا ، وَفِيهِ إشْكَالَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ وَالثَّانِي
أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِّ قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي فِي الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ يُجِيزُونَ حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ ، وَقَالُوا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَارُفِ ، وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّ النَّصَّ يَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً فَالنَّصُّ يَخْتَصُّ بِالتَّعَامُلِ أَلَا نَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهِ وَخُصَّ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بِالتَّعَامُلِ وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَمْ يُجَوِّزُوا هَذَا التَّخْصِيصَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ بِخِلَافِ الِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ بِهِ جَرَى فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَيُخَصُّ الْأَثَرُ ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مِنْ الْمَحْمُولِ أَوْ مِنْ الْمَطْحُونِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ يُعْطِيه مِنْهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى مَا جَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَحْمُولَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ مِنْ الْمَحْمُولِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ ، فَإِذَا عَمِلَ الْأَجِيرُ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورَةِ وَمَتَى مَا جَعَلَ الْمَحْمُولَ بَعْضَهُ لَهُ وَالْبَعْضَ الْبَاقِيَ أُجْرَةً بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ حَمَلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَلَكهُ بِالْعَقْدِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرُ الْعَمَلِ مَعَ تَقْدِيرِ الدَّقِيقِ يُوجِبُ كَوْنَ
الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَنَفْعُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا ، وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفَسَدَ الْعَقْدُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا إنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ ذَكَرَ قَوْلَهُمَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا ، وَإِنْ لَمْ يُفْرِغْهُ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَيُرَجَّحُ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَقْصُودًا دُونَ الْوَقْتِ وَتَقْدِيرُ الْمَعْمُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا تُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ ، وَإِنَّمَا تُقَدَّرُ بِالْوَقْتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا سَمَّى عَمَلًا ، وَقَالَ فِي الْيَوْمِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي الْغَدِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْيَوْمَ هُنَا لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ
غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ وَالْخَبْزُ مَعْقُودًا عَلَيْهِمَا مَقْصُودًا حَتَّى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا كَالْعَمَلِ ، وَقَدْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي جَعْلِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُسْتَأْجِرِينَ وَرَغَبَاتِهِمْ ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الْعَمَلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ خَوْفًا مِنْ بَطَالَةِ الْعَامِلِ وَمُضِيِّ الْوَقْتِ بِلَا عَمَلٍ ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ الْأُجَرَاءِ أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ كَيْ يَفْرُغَ مِنْهُ بِالْعَجَلَةِ وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَرِيحَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ كَيْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَفَسَدَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ دَفَعَ ) بِلَا ضَمِيرٍ كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ ، وَلَوْ دَفَعَهُ بِالضَّمِيرِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ يَحُوكُهُ ثَوْبًا عَلَى النِّصْفِ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلٍ وَالثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا أَوْ رَجُلًا يَحْمِلُ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ مَحْمُولًا ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ طَحَّانًا يَطْحَنُ طَعَامًا بِقَفِيزِ دَقِيقٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُجِيزُونَ ذَلِكَ مِثْلَ نَصِيرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا وَبَيَّنَ صِفَتَهُ عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ لِلْحَائِكِ أَجْرًا لِعَمَلِهِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفْتِي بِجَوَازِهِ بِنَسَفَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ قَالَ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَرْثِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ إبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ ، أَمَّا فَسَادُ الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا مَعْدُومًا وَمَا هُوَ بَعْضُ الثَّوْبِ وَبَعْضُ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَكَانَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ حِنْطَةً إلَى طَحَّانٍ يَطْحَنُهَا بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقٍ هَذِهِ الْحِنْطَةُ ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ كِتَابِ الْآثَارِ مُسْنَدًا إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { مَرَّ بِحَائِطٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْجَرْته فَقَالَ لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ } وَالثَّانِي أَنَّ الْعَمَلَ لِحُكْمِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ إنْ صَادَفَتْ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الِابْتِدَاءِ فَفِي الِانْتِهَاءِ صَادَفَتْ مَحَلًّا مُشْتَرَكًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَمِلَ صَارَ شَرِيكًا ، وَلَوْ وَقَعَ الْعَمَلُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ كَمَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَّانِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ فَإِذَا صَادَفَ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ ابْتِدَاءً وَمُشْتَرَكًا انْتِهَاءً لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَيَمْتَنِعُ وَصْفُ الصِّحَّةِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعَمَلِهِ مَجَّانًا فَإِذَا سَلَّمَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمُسَمَّى كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الزِّيَادَةَ ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى بِأَنْ سَمَّى الْأَجْرَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ، وَكَذَا إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُؤَدِّيَ نَوَائِبَهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا الْمُسْتَأْجِرُ ، وَلَمْ يُؤَدِّ نَوَائِبَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا
بَلَغَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَسْكُنَهَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ ، فَإِنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ ، وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى فِي الْحَقِيقَةِ كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ ، وَإِنَّمَا كَانَ الثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَشَايِخُ بَلْخٍ فَإِنَّمَا جَوَّزُوا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بِذَلِكَ حَيْثُ احْتَاجُوا إلَيْهِ وَوَجَدُوا لَهُ نَظِيرًا وَهُوَ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ جَعْلُ الْأَجْرِ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ يُعْرَفُ بِهِ حُكْمُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْصِرَ لَهُ قَفِيزَ سِمْسِمٍ بِمَنٍّ مِنْ دُهْنِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِيَغْرِسَ شَجَرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الشَّجَرِ وَأَجْرُ مَا عَمِلَ كَذَا فِي الشَّامِلِ ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَغْزِلَ هَذَا الْقُطْنَ أَوْ هَذَا الصُّوفَ بِرِطْلٍ مِنْ غَزْلِهِ ، وَعَلَى هَذَا اجْتِنَاءُ الْقُطْنِ بِالنِّصْفِ وَدِيَاسُ الدُّخْنِ بِالنِّصْفِ وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ بِالنِّصْفِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ ) الْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ وُجِدَ التَّسْلِيمُ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالنَّسَفِيُّ ) هُوَ أَبُو عَلِيٍّ أُسْتَاذُ الْحَلْوَانِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا إلَخْ
) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ قَفِيزًا مِنْ الدَّقِيقِ الْجَيِّدِ وَلَا يَقُولُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا طَحَنَ يُعْطِيهِ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ مِنْ الدَّقِيقِ إنْ شَاءَ فَيَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ بِدِرْهَمٍ خَيَّاطَةً أَوْ صِبَاغَةً أَوْ خُبْزًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُجِيزُهَا اسْتِحْسَانًا وَنَجْعَلُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَاف اِ هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِهَذَا الْعَمَلِ هَذَا الْيَوْمَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قَالَ ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا الْيَوْمَ جَعَلَ الْيَوْمَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَجْعَلْ الْيَوْمَ مُدَّةً وَلَكِنْ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِهَذَا الْعَمَلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ فَكَانَ الْعَقْدُ مُقْتَضِيًا لَهُ فَلَا يَفْسُدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى لَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى ) لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالسَّرْقَنَةِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ فِيهِ نَفْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِفِعْلِهِ أَثَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً أَوْ كَانَ الرِّيعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا لَا يَخْرُجُ الرِّيعُ إلَّا بِالْكِرَابِ مِرَارًا وَبِالسَّرْقَنَةِ ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِ الْجَدَاوِلِ وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ الْقَابِلُ عَادَةً بِخِلَافِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى إلَى الْقَابِلِ عَادَةً وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ كَرْيُ الْأَنْهَارِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَتَنَاوَلُ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ دُونَ الْجَدَاوِلِ ، وَاسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَهَا بِأَرْضٍ أُخْرَى لِيَزْرَعَهَا الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ حَرَامٌ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَكَذَا السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ كَتَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ بِقَوْلِهِ
فِي جَوَابِهِ لَهُ فِي الْكِتَابِ إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ وَأَصَابَتْك الْحَيْرَةُ وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً ، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْقَاعِدَةِ فَقَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَلَمْ يَبْقَ دَيْنًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّسِيئَةُ ؟ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَارَةَ أُجِيزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي بِمَا عِنْدَهُ مِنْهَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُ بَاقِيَةٌ ، ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُ فَيَكُونُ بَيْعَ الْمَوْجُودِ بِالْمَوْجُودِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا ) كَرَبْت الْأَرْضَ أَكْرُبُهَا كَرْبًا وَكِرَابًا إذَا أَثَرْتهَا لِلزَّرْعِ وَفِي الْمَثَلِ الْكِرَابُ عَلَى الْبَقَرِ أَيْ لَا تُكْرَى الْأَرْضُ إلَّا بِالْبَقَرِ يَعْنُونَ أَنَّ مُمَارَسَةَ كُلِّ أَمْرٍ جُرِّبَ بِآلَتِهِ ، وَفِي لَفْظِ الْمَثَلِ خِلَافٌ يُعْرَفُ فِي الْمُسْتَقْصَى وَكَرْيُ النَّهْرِ حَفْرُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ إلَخْ ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ مَا كَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ إنَّمَا تُسْتَأْجَرُ الْأَرَاضِي لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ خَاصَّةً فَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ خَاصَّةً كَالْكِرَابِ وَالزِّرَاعَةِ وَالسَّقْيِ يَكُونُ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ وَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤَجِّرُ خَاصَّةً يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْعَقْدِ مُفْسِدًا لَهُ كَشَرْطِ إبْقَاءِ السِّرْقِينِ وَرَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَيْ التَّثْنِيَةِ وَتَكْرَارِ الْكِرَابِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ فِي التَّثْنِيَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا التَّثْنِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً عِنْدَ الْبَعْضِ وَأَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَصَارَ مُفْسِدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ إلَخْ ) قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إجَارَةِ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ ا هـ قَوْلُهُ وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ ) الْحِنَّائِيُّ رَجُلٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ كَذَا نُقِلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْأَتْقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ الْحِنَّائِيُّ ) اسْمُ رَجُلٍ مُحَدِّثٍ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ
مُجَالَسَتَهُ إيَّاهُ زَلَّةً هَذَا كُلُّهُ شَطَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْأَحْمَرِ وَهِيَ حَاشِيَةٌ كَتَبَهَا الشَّارِحُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً ) يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءً إنَّمَا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا كَافٍ لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ وَهُوَ الْجِنْسُ فِي الْقُوهِيِّ فَكَذَا فِي الْمَنَافِعِ إذَا اتَّفَقَتْ وُجِدَ الْجِنْسُ فَيَحْرُمُ النَّسَاءُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ ، رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُمْلَكُ لِلْحَالِ بَلْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّأْخِيرُ ثَبَتَ مَعْنَى النَّسَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ) أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتَجُوزُ فِي الشَّائِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمْلُ النِّصْفِ شَائِعًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَضُرٌّ بِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ حِسِّيَّانِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا فِي الشَّائِعِ ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَرُمَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ فَيُحْتَمَلُ وُرُودُهُ عَلَى الشَّائِعِ وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ لَهُ وَإِلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ وَبِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْمَنْفَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ ، وَبِخِلَافِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيهِ لِعَجْزٍ عَنْ
التَّسْلِيمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا ، فَإِذَا تَحَقَّقَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجَبَ الْأَجْرُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَامِلًا لِغَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّرِيكِ هُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنَافِعِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا إذْ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مُحَالٌ وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكٌ لَهُ إذْ الْمِلْكُ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِسَبَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ بِالْإِيجَارِ لَهُ صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى ) أَيْ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي مَحَلٍّ هُوَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَقَدْ أَرْضَاهُ الْأَجِيرُ فَيَجِبُ الْأَجْرُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَازُ نَصِيبُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَكُلُّ جُزْءٍ فَرَضْته فِي الشَّائِعِ فَلِلْعَامِلِ فِيهِ نَصِيبٌ فَيَكُونُ عَامِلًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ لِنَفْسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ يَزْرَعُهَا فَزَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى ) لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَرَاحِ وَنَصْبِ الْخِيَمِ ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُهُ أَقَلُّ ضَرَرًا بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا وَيُبَيِّنَ جِنْسَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ ، فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَلَغَ مَكَّةَ فَلَهُ الْمُسَمَّى ) لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِجَهَالَةِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا ، فَإِذَا حَمَلَ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَشَاحَّا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ ) إذْ الْفَسَادُ بَاقٍ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبِالْحَمْلِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً ، ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا
يَجِبُ الْأَجْرُ لِمَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا إلَخْ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ الْأَرْضَ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ ، فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا أَفْسَدَتْهَا ، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيُّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا تُحْتَمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّكْرَارِ ؛ لِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَائِدَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ ، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ ثُمَّ أَسْقَطَا الْأَجَلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَوَانِ الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَمَا فِي الصَّرْفِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ إذَا أُسْقِطَ ذَلِكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْتَمِلُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ اخْتَصَمَا رَدَدْت الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَصِيرَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَسَدَ الْعَقْدُ فَأَرَادَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ اخْتِصَامِهِمَا ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّاهُ
مِنْ الْكِرَاءِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا التَّعْيِينَ بِالْفِعْلِ كَالتَّعْيِينِ بِالْقَوْلِ فِي حَالَةٍ لَهَا حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَنْعَقِدُ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَوْ عَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّ فَكَذَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ مَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ ، فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ وَأَرَادَ بِهِ الْحَمْلَ الْمُعْتَادَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ فَهَلَكَ الْحِمَارُ يَجِب أَنْ يَضْمَنَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ فِي الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِذْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُعْتَادَ وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَكَيْفَ ، وَقَدْ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِالْحَمْلِ الْمُعْتَادِ اسْتِحْسَانًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ ) الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَجِيرٌ خَاصٌّ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ ) مَعْنَاهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ ( وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ ) إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا وَعَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحِلِّهِ لِيَسْلَمَ مِنْ النَّقْضِ ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ ، فَإِذَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ الْمُدَّةَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَقَبُّلُ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ السَّلَمِ مَعَ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَبُولُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَيْعُ لَمَّا كَانَ يُلَاقِي الْعَيْنَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَا بَاعَهُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْأَوَّلُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ وَأَجِيرٌ خَاصٌّ ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ وَاحِدٍ ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ وَالْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ ، وَإِنْ
لَمْ يَعْمَلْ ، وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَاصَّ وَحُكْمُهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ أَشْخَاصٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ فَمِنْ هَذِهِ الْوَجْهِ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا ، وَإِنْ نَقَصَ الْعَمَلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ ) يَعْنِي : الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا إذَا عَمِلَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْعِوَضُ ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ .
( بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْأَجِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ لَا مُؤَاجِرٌ ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ ا هـ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْقَصَّارُ وَالصَّبَّاغُ وَالْخَيَّاطُ وَالصَّائِغُ وَكُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَمَلِهِ دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالْوَقْتِ دُونَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ لِيُقَصِّرَ مَعَهُ أَوْ لِيَخِيطَ مَعَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ سَمَّاهُ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا كَذَا أَوْ كُلُّ يَوْمٍ بِكَذَا أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا هُوَ الْخَاصُّ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، وَأَجِيرُ الْوَحَدِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ الْوَاحِدِ ، وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْعَقْدُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَالْعَقْدُ فِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ عِنْدَنَا الْقَصَّارُ وَالْخَيَّاطُ وَالْإِسْكَافُ وَكُلُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجِيرُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ
الرَّجُلُ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا أَوْ لِيَخْرُجَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ وَحَدٌ ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَهَى عَمَلُهُ بِمُدَّةٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ ) الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَجَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ أَوْ تَعْرِيفٌ لِمَا يُذْكَرُ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ا هـ كَاكِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ ) سَوَاءٌ هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْمُكَابِرَةِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَقَالَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا هَلَكَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حِفْظًا سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ إلَّا بِالْحِفْظِ فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْعَقْدِ فَيُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ وَكَمَا إذَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ الْعَارِيَّةُ ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ ا التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَكَالْغَصْبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْمُكَابَرَةِ وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ الْحَالُ بَلْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَالْغَصْبِ وَالْقَبْضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، عَكْسُهُ الْوَدِيعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ بَلْ الْعَمَلُ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ تَبَعًا أَوْ اقْتِضَاءً لَا مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ حَبْسِ الْعَيْنِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ إلَّا بِحَبْسِ الْعَيْنِ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ ، وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ لَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ فَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحَدِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ بِأَجْرٍ ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَقْصُودًا بِبَدَلٍ
وَبِخِلَافِ مَا إذَا أُتْلِفَ بِعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا ضَمِنَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحِفْظَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْعَمَلُ إلَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ فَكَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى الْيَوْمَ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِهِ تَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَفَسَدَتْ ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ فِيهِ مُفْسِدًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضِّ مُوَنٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ غَالِبٍ لَا يُتَحَفَّظُ مِنْ مِثْلِهِ مِثْلَ حَرِيقٍ غَالِبٍ أَوْ عَدُوٍّ مُكَابِرٍ أَوْ سَارِقٍ كَذَلِكَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُ الْأَجِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ يَدُ ضَمَانٍ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ أَنَّ يَدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ يَدُ ضَمَانٍ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ لِلْعَمَلِ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ مَا أَفْسَدُوا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ أَوْ ضَاعَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَرُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ وَمِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّنَّاعِ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ أَنْ يُضَيِّعُوا أَمْوَالَهُمْ ، وَهَذَا كَانَ مِنْ رَأْيِهِ بَدِيًّا ثُمَّ رَجَعَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ الْأَجِيرُ رَدَدْت وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عِنْدَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأَجْرِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ا هـ بَدَائِعُ ( فَرْعٌ آخَرُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا ضَمَّنَهُ إنْ شَاءَ
ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَقْصُورًا أَوْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ وَحَدَثَتْ بِفِعْلِهِ زِيَادَةٌ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَعَلَى الْأَجِيرِ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَأْخُذْ أَجْرَ الْقِصَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ الْمَحَلُّ قَبْلَ وُصُولِ الْعَمَلِ إلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَقِيقَةً فَأَشْبَهَ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ مَتَى يَجِبُ الْأَجْرُ لِلْعَامِلِ ، وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ بَابُ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْأَجِيرُ ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ، وَكَذَا لَوْ سُرِقَ ، وَكَذَا جَمِيعُ الْعُمَّالِ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ جِنَايَةٌ ا هـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمَّنَهُ مَقْصُورًا وَأَعْطَى الْأُجْرَةَ ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَقْصُورٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَخْ ) وَقَوْلُهُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهَلَاكُ الْأَمَانَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَثَرُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ ) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ وَأَجِيرِ الْوَحَدِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَمِلَ مَا عَمِلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْفِعْلَ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبَ وَالسَّلِيمَ ، وَالتَّخَرُّقُ لِضَعْفٍ فِي الثَّوْبِ وَلَئِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ الدَّقُّ الْمُصْلِحُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَئِنْ كَانَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَهُوَ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ وَلَنَا أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ دَقَّ الثَّوْبَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ ، فَإِذَا تَلِفَ كَانَ التَّلَفُ حَاصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَصَفَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الدَّقِّ فَأَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ بِخِلَافِ مُعِينِ الْقَصَّارِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَعَمَلُ الْمُتَبَرِّعِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِعَانَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَبِخِلَافِ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَمَلَ الْمُصْلِحَ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الْعَمَلِ إفْسَادٌ ، وَإِنَّمَا السَّلَامَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْعَمَلِ لَا تُجَاوِزُ الْمُعْتَادَ وَبَعْدَ ذَلِكَ السِّرَايَةُ
وَالِاقْتِصَارُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قُوَّةِ الْمَحِلِّ فِي احْتِمَالِ الْأَلَمِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ مَعْرِفَتُهُ وَالْخَارِجُ عَنْ الْوُسْعِ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِحَالٍ ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ التَّخَرُّقِ مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِ الْقَصَّارِ يَعْرِفُ بِالنَّظَرِ فِي الثَّوْبِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِيهِ وَهُوَ سَاقِطُ الْعِبْرَةِ فِيمَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ بِالْتِزَامِهِ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ حَتَّى إذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَأَ يَكُونُ مَعْذُورًا وَبِخِلَافِ أَجِيرِ الْوَحَدِ لِمَا نُبَيِّنُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ لِأَنَّهُ أَجِيرُ الْوَحَدِ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ وَأَجِيرُ الْوَحَدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَيَجِبُ عَلَى الْأُسْتَاذِ مَا أَفْسَدَهُ التِّلْمِيذُ بِعَمَلِهِ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ دُونَ التِّلْمِيذِ ، ثُمَّ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبِ ، وَلَوْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي زَحَمَ النَّاسَ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَزَلَقَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ بَدَائِعُ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ فَيَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا تَخَرَّقَ مِنْ دَقِّهِ أَوْ مِنْ مَدِّهِ أَوْ مِنْ غَمْزِهِ أَوْ بَسْطِهِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبَّاغُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَضْمَنُ أَيْضًا فِي طَبْخِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُطْبَخُ ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْ مُرِّهِ أَوْ حَذْفِهِ أَوْ مَا تُعَالَجُ بِهِ السَّفِينَةُ لِلسَّيْرِ ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ إذَا سَقَطَ مَا حَمَلَهُ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ عَثَرَ فَسَقَطَ مَا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ وَالْمُكَارَى إذَا كَانَ مِنْ سَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ الَّذِي شَدَّهُ عَلَى الْمَتَاعِ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ وَفَسَدَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَضْمَنُونَ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْمَتَاعُ مِنْ فَسَادٍ يَلْحَقُهُ مِنْهُ عِنْدَ حَمْلِهِ سَفِينَتَهُ أَوْ بِسَوْقِهِ لِدَابَّتِهِ أَوْ قَوْدِهِ ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى كَمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ إذَا تَعَدَّى وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَمَلِهِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ عَلَاءُ الدِّينِ
الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدَاهُ اسْتِحْسَانًا أَوْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأَجْرٍ فَدَقَّهُ دَقَّ الْمِثْلَ وَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِمَا سَيَجِيءُ ا هـ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ تِلْمِيذِهِ ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحَدِ ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ ، وَلَوْ تَخَرَّقَ بِدَقِّ أَجِيرِ الْقَصَّارِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأُسْتَاذِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَقَّ أَجِيرُ الْقَصَّارِ ثَوْبًا فَخَرَقَهُ فَضَمَانُهُ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُونَ الْأَجِيرِ لِأَنَّا نَقَلْنَا فِعْلَهُ إلَى الْأُسْتَاذِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ وَطِئَ الْأَجِيرُ عَلَى ثَوْبِ الْقَصَّارِ مِمَّا لَا يُوطَأُ عَلَيْهِ فَخَرَقَهُ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ فَاقْتَصَرَ الْإِتْلَافُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي وَطْئِهِ ، وَلَوْ وَطِئَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَتَخَرَّقَ كَانَ ضَامِنًا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي بَسْطِهِ وَوَطْئِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ أَمْرٍ فَيَضْمَنُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ ؛ لِأَنَّ الْأُسْتَاذَ أَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ بِالْإِضَافَةِ فَتَأَمَّلْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُضَمِّنُ بِهِ بَنِي آدَمَ ) يَعْنِي مِمَّنْ غَرَقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ ، وَلِهَذَا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا إذَا كَانَ بِالْجِنَايَةِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ .( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ ) وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الرَّضِيعِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْحَمَّالُ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَجْرُهُ بِحِسَابِهِ ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ عَمَلٌ سَلِيمٌ وَالْمُفْسَدَ غَيْرُ دَاخِلٍ فَيَضْمَنُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا ، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ فَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ ، وَإِنْ مَالَ إلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا صَارَ مُتَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْكَسْرُ بِصُنْعِهِ بِأَنْ زَلَقَ أَوْ عَثَرَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ ؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّمَ الْعَمَلَ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ وَلَا يُخَيَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ إلَخْ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَسَرَهُ عَمْدًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَيْدٌ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ بَعْدَ مَا انْتَهَى إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْأَجْرُ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ صَاعِدٍ النَّيْسَابُورِيِّ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَضْمَنُهُ فِي مَوْضِعِ الْحَمْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ قُلْنَا لَمَّا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ حُكْمًا إذَا الْحِمْلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَحْمُولًا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا ابْتِدَاءً وَفِي الْحَقِيقَةِ ابْتِدَاؤُهُ سَلِيمٌ ، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ ، فَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحُكْمِيِّ فَلَا أَجْرَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى مِنْ عَمَلِهِ أَصْلًا ، وَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الْحَقِيقِيِّ فَلَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى ، وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَةُ هَاهُنَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَهُ فِي مَكَانِ الْكَسْرِ فَقَدْ جَعَلَ الْمَتَاعَ أَمَانَةً عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ حُمِلَ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَالْأَجْرُ يَجِبُ فِي حَالَةِ الْأَمَانَةِ ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا فِي حَالَةِ الْكَسْرِ وَهَذِهِ حَالَةٌ أُخْرَى ا هـ كَاكِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخِيَارُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ جِهَتَا الضَّمَانِ الْقَبْضُ وَالْإِتْلَافُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْقَبْضِ يَوْمَ الْقَبْضِ ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْإِتْلَافِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ
الضَّمَانُ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِالْقَبْضِ فَكَانَ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِتْلَافُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبَانِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْإِتْلَافُ وَالثَّانِي الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْتَزَمَ الْوَفَاءَ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَمَلِ الْمُصْلِحِ ، وَقَدْ خَالَفَ وَالْخِلَافُ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ بِالْعَقْدِ ، وَإِنْ شَاءَ بِالْإِتْلَافِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْقَدْرِ الْفَائِتِ فَقَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ الصَّفْقَةُ فِي الْمَنَافِعِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَفَرُّقِهَا ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ ا هـ ( وَقَوْلُهُ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ عَمَلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ا هـ وَانْظُرْ فِي الصَّفْحَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ عِنْدَ الْقَوْلَةِ الَّتِي عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْأَتْقَانِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالرَّاعِي بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ يَرْعَى لِلْعَامَّةِ فَمَا تَلِفَ مِنْ سَوْقِهِ وَضَرْبِهِ إيَّاهَا بِخِلَافِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ وَإِذَا سَاقَ الدَّوَابَّ عَلَى الشِّرْعَةِ فَازْدَحَمَتْ عَلَى الْقَنْطَرَةِ وَدَفَعَتْ بَعْضُهَا بَعْضًا فَسَقَطَتْ فِي الْمَاءِ وَعَطِبَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ؛