كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
ذَبَحَ الشَّاةَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَقَطَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا .
قَوْلُهُ : مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ ) يَعْنِي أَنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ فَوْقَ الْعُقْدَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ حَكَى ) أَيْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مُشْكِلٌ إلَخْ ) قَالَ الْجَلَالُ الْخَبَّازِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يَعْنِي مَحَلُّهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَعْلَى الْحَلْقِ وَوَسَطَهُ وَأَسْفَلَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَلْقَ مَحَلًّا لِلذَّبْحِ وَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِالْعُقْدَةِ وَهَكَذَا رَوَى فِي الْفَتَاوَى وَوَضْعُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي الْحِلَّ لِأَنَّهُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْعُقْدَةِ إلَّا أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ فَسَّرَ رِوَايَةَ الْأَصْلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ فَكَانَ الْمُرَادُ بِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَصْلِ الْمُقَيَّدَ فِي الْجَامِعِ ا هـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ مَا نَصُّهُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِكَوْنِ الْعُقْدَةِ مِنْ فَوْقُ أَوْ مِنْ تَحْتُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِ الْحَلْقِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا ذَبَحَ فِي الْأَعْلَى لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى الْعُقْدَةُ مِنْ تَحْتُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْعُقْدَةِ لَا فِي كَلَامِ اللَّهِ وَلَا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ بَلْ الذَّكَاةُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالثَّلَاثِ
مِنْ الْأَرْبَعِ أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَتْ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْحُلْقُومِ أَصْلًا فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَحِلَّ الذَّبِيحُ إذَا قُطِعَ الْحُلْقُومُ وَبَقِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى أَسْفَلِ الْحُلْقُومِ وَبَلَغَنَا أَنَّ وَاحِدًا مِمَّنْ يَتَسَمَّى فَقِيهًا فِي زَعْمِ الْعَوَامّ وَقَدْ كَانَ مُشْتَهِرًا بَيْنَهُمْ أَمْرُ رَمْيِ الذَّبِيحِ إلَى الْكِلَابِ حَيْثُ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى الصَّدْرِ لَا إلَى مَا يَلِي الرَّأْسَ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِمَّنْ أَخَذَ هَذَا أَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِيهِ نَبَأٌ أَوْ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ مِنْ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ ارْتَكَبَ الرَّجُلُ هَوَاهُ فَضَلَّ وَأَضَلَّ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أَوْ اسْتَحَى عَنْ الرُّجُوعِ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ وَخَجِلَ مِنْ الْعَوَامّ كَيْ لَا يُفْسِدَ اعْتِقَادَهُمْ فِيهِ إذَا عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى أَوَّلًا فَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ قَصَّابٌ ذَبَحَ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ ، وَفِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَذْبَحُ الْمَرِيءُ وَالْحُلْقُومُ وَالْوَدَجَانِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت } وَهِيَ عُرُوقُ الْحَلْقِ فِي الْمَذْبَحِ ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوْدَاجِ كُلُّهَا ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِقَطْعِهِنَّ وَهُوَ التَّوْحِيَةُ ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ يَحْصُلُ التَّوْحِيَةُ وَبِقَطْعِ الْوَدَجَيْنِ يَحْصُلُ إنْهَارُ الدَّمِ وَلَوْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَهِيَ الْعُرُوقُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ لَا يَمُوتُ فَضْلًا عَنْ التَّوْحِيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا ، أَوْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ التَّوْحِيَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ إنْهَارُ الدَّمِ .( قَوْلُهُ : وَهُوَ التَّوْحِيَةُ ) هِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَفْعِلَةٌ مِنْ وَحَاهُ إذَا عَجَّلَهُ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَطْعُ الثَّلَاثِ كَافٍ وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَعَظْمٍ وَسِنٍّ مَنْزُوعٍ وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا سِنًّا وَظُفُرًا قَائِمَيْنِ ) وَهَذَا الِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثِ مُطْلَقًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْأَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ أَكْثَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ فَأَمَّا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَمُخَالِفَانِ لِلْأَوْدَاجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ الْآخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ إنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَأَيُّ ثَلَاثٍ مِنْهَا قُطِعَ فَقَدْ قُطِعَ الْأَكْثَرُ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ ، وَالتَّوْحِيَةُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِالْأَكْثَرِ أَيَّهَا كَانَتْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ قَطْعِ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْأَوْدَاجِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالثَّلَاثَةُ جَمْعٌ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْكُلِّ وَلَا
لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَسِنٍّ مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمَذْبُوحُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ } وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَمَا إذَا ذَبَحَ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَنَا قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنْهَرَ الدَّمَ } وَيُرْوَى { أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت } وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْجَلَدِ وَلِأَنَّهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْقُوذَةِ ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا بِضِدِّهِ وَقَوْلُهُ " وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ " لِمَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَصِيبُ الصَّيْدَ فَلَا نَجِدُ سِكِّينًا إلَّا الظِّرَارَ ، أَوْ شِقَّةَ الْعَصَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت وَاذْكُرْ اللَّهَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الظُّفُرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا ، أَوْ ظُفُرًا وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قَائِمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ }
وَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِالْقَائِمِ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ بِظُفُرٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَذْبَحُ الشَّاةَ بِظُفُرٍ مَنْزُوعٍ أَوْ بِقَرْنٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ سِنٍّ مَنْزُوعَةٍ فَيُنْهِرُ الدَّمَ وَيَفْرِي الْأَوْدَاجَ قَالَ أَكْرَهُ هَذَا ، وَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالذَّكَاةُ فِي اللَّبَّةِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ أَيْ اللَّحْيَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِ الْحَلْقِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا كَانَتْ الذَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَصَفْنَا مَقْدُورًا عَلَيْهَا وَهِيَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةٌ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَإِذَا فَرَى الْمُذَكِّي ذَلِكَ أَجْمَعَ فَقَدْ أَكْمَلَ الذَّكَاةَ وَأَصَابَ الذَّكَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا عَلَى تَمَامِهَا وَسُنَّتِهَا فَإِنْ قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ فَفَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةً فَإِنَّ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أُكِلَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْهَا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : لَا تَأْكُلْ حَتَّى تَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَكُلِّ ذَبِيحَةٍ ، قَالَ وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ يَنْحَرُهَا الرَّجُلُ فَهِيَ كَذَلِكَ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أُكِلَ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ
النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي إمْلَائِهِ رِوَايَةَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ قَالَ مُحَمَّدٌ : لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْوَدَجَيْنِ كَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَأُكِلَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ قَطَعَ مِنْ الْحُلْقُومِ أَكْثَرَهُ وَمِنْ الْمَرِيءِ أَكْثَرَهُ وَمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَدَجَيْنِ أَكْثَرَهُ أُكِلَ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ أَخِيرًا لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثًا مِنْهَا أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَتْ حَلَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ اُشْتُرِطَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ مَعَ آخَرَيْنِ وَالثَّالِثَةُ اُشْتُرِطَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَرْعٌ غَرِيبٌ ) ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ إلَخْ أَنَّ النَّارَ يَقَعُ بِهَا الذَّكَاةُ لَوْ جُعِلَتْ عَلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ فَقَطَعَتْ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ حَلَّ الْأَكْلُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَعَلَى الْهَامِشِ حَاشِيَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ خَطِّهِ نَصُّهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ بِالنَّارِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَلَالَةِ النَّصِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَمْرِ الذَّبْحِ ( قَوْلُهُ : { كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ } ) أَنْهَرَ الدَّمَ أَيْ سَيَّلَهُ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهَا
مُدَى الْحَبَشَةِ ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقَلِّمُونَ الْأَظْفَارَ وَيُحَدِّدُونَ الْأَسْنَانَ ، وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ ا هـ غَايَةٌ وَالْمُدَى جَمْعُ مُدْيَةٍ وَهِيَ السِّكِّينُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الظُّفُرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَا يَحِلُّ كُلُّ ذَبْحٍ بِسِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ غَيْرِ مَنْزُوعٍ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَيْسَ بِذَابِحٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُدِبَ حَدُّ الشَّفْرَةِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا ، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا } .( قَوْلُهُ : { وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ } ) أَيْ لِيُعْطِهَا الرَّاحَةَ بِالْإِسْرَاعِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشَّفْرَةُ السِّكِّينُ الْعَظِيمَةُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا ) وَالنَّخْعُ هُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النِّخَاعِ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ { لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ نَخْعِ الشَّاةِ إذَا ذُبِحَتْ } وَتَفْسِيرُهُ مَا ذَكَرْنَا ، وَقِيلَ : أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهَا وَقِيلَ : أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَفِي قَطْعِ الرَّأْسِ زِيَادَةَ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ إلَى الْمَذْبَحِ وَأَنْ يَسْلُخَ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ لِمَا ذَكَرْنَا وَتُؤْكَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِمَعْنًى زَائِدٍ وَهِيَ زِيَادَةُ الْأَلَمِ فَلَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ يُكْرَهُ وَتُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الذَّبْحِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ الْقِبْلَةَ لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَهَا } وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ فَيُكْرَهُ وَتَحِلُّ إذَا بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى تُقْطَعَ الْعُرُوقُ لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ .
قَوْلُهُ : هُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النِّخَاعِ ) قَالَ الْأَكْمَلُ وَالنِّخَاعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِيهَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ يَمْتَدُّ إلَى الصُّلْبِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ بَدَنَ الْحَيَوَانِ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ وَأَعْصَابٍ وَعُرُوقٍ وَأَوْتَارٍ وَمَا ثَمَّةَ شَيْءٌ يُسَمَّى بِالْخَيْطِ أَصْلًا ا هـ قَوْلُهُ : فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ إلَى الْمَذْبَحِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَذْبَحَ الذَّبِيحَةَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَجُرَّهَا بِجِلْدِهَا إلَى الْمَذْبَحِ أَوْ أَنْ يُضْجِعَهَا ، ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَرَّ زِيَادَةُ أَلَمٍ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَذْبَحُ وَيُسَمِّي وَيُوَجِّهُ ذَبِيحَتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ أَمَّا الْحِلُّ فَلِأَنَّ الْإِبَاحَةَ شَرْعًا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ وُجِدَ وَتَوْجِيهُ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّهُ تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَتَرْكُ السُّنَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَفِي الذَّبْحِ مِنْ الْقَفَا زِيَادَةُ أَلَمٍ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ضَرَبَ عُنُقَ جَزُورٍ بِسَيْفٍ فَأَبَانَهَا وَسَمَّى فَإِنْ كَانَ ضَرْبًا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَقَدْ أَسَاءَ ، وَإِنْ كَانَ ضَرْبًا مِنْ قِبَلِ الظَّهْرِ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْأَوْدَاجَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ أُكِلَ وَقَدْ أَسَاءَ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي
الشَّاةِ وَكُلِّ ذَبِيحَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَطَعَ رَأْسَ الشَّاةِ فِي الذَّبِيحَةِ أُكِلَ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ فِي التَّعَمُّدِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ فَقَدْ قَطَعَ الْعُرُوقَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الذَّكَاةِ وَزَادَ فِي أَلَمِهَا زِيَادَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ الْأَكْلَ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا فَإِنْ هِيَ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الذَّكَاةِ ، وَإِنْ قَطَعَ الْعُرُوقَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَقَدْ فَعَلَ الشَّرْطَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَتْ تَعِيشُ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَتَّى تَحِلَّ بِقَطْعِ الْعُرُوقِ ، فَيَكُونَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعِيشُ إلَّا كَمَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الْفِعْلِ السَّابِقِ فَلَا يَحِلُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَذَبْحُ صَيْدٍ اسْتَأْنَسَ وَجَرْحُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ ، أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ فِيمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ وَتَحَقَّقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاتِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ وَعَلِمَ ذَلِكَ يُؤْكَلُ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَا يُؤْكَلُ ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أُكِلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخِيفَ فَوْتُهَا صَارَ ذَكَاتُهَا الْجَرْحُ وَفِي الْكِتَابِ أَطْلَقَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمِصْرِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَالصِّيَالِ كَالنُّدُودِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيدُ ذَكَاتَهُ وَسَمَّى حَلَّ أَكْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ النَّعَمُ الْأَهْلِيُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِيهِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ { كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَقِيقَةُ الْعَجْزِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فَيُصَارُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى أَنَّا لَا
نُسَلِّمُ نُدْرَتَهُ بَلْ هُوَ غَالِبٌ ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّ بَقَرَةً لَوْ تَعَسَّرَتْ عَلَيْهَا الْوِلَادَةُ فَأَدْخَلَ صَاحِبُهَا يَدَهُ وَذَبَحَ الْوَلَدَ حَلَّ أَكْلُهُ ، وَإِنْ جَرَحَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الذَّبْحِ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَذْبَحِهِ يَحِلُّ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَا يَحِلُّ .
( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، ثُمَّ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ إذَا وُجِدَ مِنْهُمَا التَّوَحُّشُ فَإِنَّهُمَا يَحِلَّانِ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّاةِ وَقَالُوا فِي الشَّاةِ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ ، وَفِي خَارِجِ الْمِصْرِ يَحِلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ فَقَدْ لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِيهِمَا لِأَنَّ الْإِبِلَ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا بِمِشْفَرِهَا وَنَابِهَا ، وَالْبَقَرُ بِقَرْنِهِ ، وَيُخَافُ الْقَتْلُ مِنْهُمَا فَيَقَعُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِيهِمَا ، وَإِنْ حَصَلَ التَّوَحُّشُ مِنْهُمَا فِي الْمِصْرِ فَأَمَّا فِي الشَّاةِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ خَارِجَ الْمِصْرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا فَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا وَلَا يُخَافُ مِنْ جِهَتِهَا الْقَتْلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ رَمَى حَمَامَةً أَهْلِيَّةً فِي الصَّحْرَاءِ وَسَمَّى فَلَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى الْمَنْزِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَمَامَةً لَا تَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِهَا ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْبَعِيرِ أَوْ الثَّوْرِ يَنِدُّ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ قَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ فِي الْمِصْرِ لِأَنَّ الْبَعِيرَ يَنِدُّ وَيَصُولُ وَيَمْتَنِعُ ، وَالثَّوْرَ يَنْطَحُ فَيَمْتَنِعُ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت إنْ أَصَابَ قَرْنَ الْبَقَرِ أَوْ الظِّلْفَ فَقَتَلَهَا هَلْ تُؤْكَلُ قَالَ : إنْ أَدْمَى حَلَّ ، وَإِنْ لَمْ يُدْمِ لَا يَحِلَّ لِأَنَّهُ مَتَى أَدْمَى عَلِمْنَا أَنَّ الْجَرْحَ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ ، وَشَرْطُ الْإِبَاحَةِ حُصُولُ الْجَرْحِ فِي اللَّحْمِ وَقَدْ وُجِدَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْمِ فَالْجِرَاحَةُ لَمْ تَصِلْ إلَى اللَّحْمِ فَلَا تَحِلُّ وَهَذَا
لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَصَرُّفٌ فِي الْحَيَوَانِ فَمَتَى خَلَصَ الْجَرْحُ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ حَيَاةٌ حَلَّ ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : نَدَّتْ ) أَيْ نَفَرَتْ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : حَلَّ أَكْلُهُ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَحَكَى فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ فَجَعَلَ الصُّولَ بِمَنْزِلَةِ النَّدِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ ) يَعْنِي أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا كَتَوَحُّشِ الْوَحْشِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : يَحِلُّ أَيْضًا ) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ ) وَإِنَّمَا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِمُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } وَقَالَ تَعَالَى { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } وَقَالَ تَعَالَى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَلِأَنَّ النَّحْرَ أَيْسَرُ فِي الْإِبِلِ ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ أَيْسَرُ فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّنَّةُ مَا هُوَ الْأَيْسَرُ فِيهِ وَإِنْ نَحَرَ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْإِبِلَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ وَحَلَّ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَحِلُّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ وَالنَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ .( قَوْلُهُ : وَكُرِهَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا وَجْهُ الْكَرَاهَةِ فَلِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي أَلَمِهَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الذَّكَاةِ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ ) أَيْ فِي الْحُلْقُومِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ) أَيْ لَا يَصِيرُ الْجَنِينُ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ : إذَا تَمَّ خَلْقُهُ حَلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاتِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ } وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ ، أَوْ الشَّاةَ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينُ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوا إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ } وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } قِيلَ : الْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْحَمُولَةُ الْكِبَارُ فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ لَنَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا حَتَّى يُفْصَلَ بِالْمِقْرَاضِ ، وَيَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا وَكَذَا حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْأَحْكَامِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْأُمِّ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ فَإِذَا كَانَ جُزْءًا لَهَا فَيَكُونُ جَرْحُ الْأُمِّ ذَكَاةً لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الصَّيْدِ وَالْجَامِعُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي الِاثْنَيْنِ عَنْ ذَكَاتِهِمَا اخْتِيَارِيَّةً فَانْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجَرْحُ فِي الصَّيْدِ وَذَبْحِ الْأُمِّ فِي الْجَنِينِ فَصَارَ مِثْلَهُ بَلْ فَوْقَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ قَطْعًا وَالْغَالِبُ فِي الصَّيْدِ الْمَجْرُوحِ السَّلَامَةُ لَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ الْجَرْحُ فِي أَطْرَافِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَهُوَ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ التَّذْكِيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وَحَرَّمَ الْمُنْخَنِقَةَ ، وَالْجَنِينُ مَاتَ خَنْقًا فَيَحْرُمُ بِالْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ
حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ فَوَجَبَ إفْرَادُهُ بِالذَّكَاةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ عَنْهُ فَيَحِلَّ بِهِ ، وَلَا يَحِلَّ بِذَكَاةِ غَيْرِهِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالذَّكَاةِ إخْرَاجُ دَمِهِ لِيَتَمَيَّزَ مِنْ اللَّحْمِ فَيَطِيبَ وَلَا يَكُونَ تَبَعًا لَهَا وَلِهَذَا تَفَرَّدَ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ ، وَيَقْبَلُ الْعِتْقَ وَحْدَهُ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَبِهِ مُنْفَرِدًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ إخْرَاجُ دَمِهِ بِخِلَافِ جَرْحِ الصَّيْدِ لِأَنَّهُ مُخْرِجٌ لِلدَّمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَقُومُ مَقَامَ الذَّبْحِ عِنْدَ الْعَجْزِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءًا لِلْأُمِّ لَحَلَّ أَكْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْأُمِّ مَأْكُولٌ فَلَمَّا لَمْ يُؤْكَلْ قَبْلَ تَمَامِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ لَهَا وَمَا رَوَوْهُ لَا يُعَارِضُ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ - إنْ صَحَّ التَّشْبِيهُ - أَيْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَاشٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ } وَيُقَالُ زَيْدٌ أَسَدٌ أَيْ زَيْدٌ كَأَسَدٍ قَالَ الشَّاعِرُ : فَعَيْنَاكِ عَيْنَاهَا وَجِيدُكِ جِيدُهَا وَلَكِنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْكِ دَقِيقُ أَيْ كَعَيْنَيْهَا فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُرْوَى " ذَكَاةَ أُمِّهِ " بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفْعِ التَّشْبِيهُ ، وَإِلَّا لَفَسَدَ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ هُوَ ذَكَاةٌ لِلْأُمِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذَكَاةِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " ذَكَاةُ الْجَنِينِ " مُبْتَدَأٌ وَذَكَاةُ أُمِّهِ خَبَرٌ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ تُغْنِي عَنْ ذَكَاةِ الْأُمِّ وَهَذَا كَمَا تَقُولُ : كَلَامُ زَيْدٍ كَلَامُ الْقَوْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ وَلَا
يُحْتَاجُ إلَى كَلَامِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ إذَا كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُبْتَدَأِ وَتَأْخِيرُ الْخَبَرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَالْمُتَأَخِّرَ الْخَبَرُ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } أَيْ اذْبَحُوهُ وَكُلُوهُ وَهَذَا مِثْلُ مَا يُرْوَى { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَذِنَ فِي أَكْلِ لَحْمِ الْخَيْلِ } أَيْ إذَا ذُبِحَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا عُرِفَ شُرُوطُهُ وَذُكِرَ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاةَ } أَيْ بِشُرُوطِهَا ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْبَيْعِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِاسْتِثْنَائِهِ ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهَا كَيْ لَا يَنْفَصِلَ مِنْ الْحُرَّةِ وَلَدٌ رَقِيقٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَمَا حَلَّ ذَبْحُ أُمِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْوَلَدِ { وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ } لِأَنَّا نَقُولُ مَوْتُهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِهِ بَلْ يُتَوَهَّمُ إدْرَاكُهُ حَيًّا فَيُذْبَحُ فَلَا يَحْرُمُ ، أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَحْمُ الْأُمِّ فَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ فَكَانَ قَتْلُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِينَ لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْمَقْصُودِ كَمَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ فَمَا ظَنُّكَ بِالْأَجِنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَمْ يَتَذَكَّ جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ وَلَوْ أَنَّ شَاةً ذُبِحَتْ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا وَلَدٌ مَيِّتٌ فَإِنَّ ذَكَاةَ الشَّاةِ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَبَقِيَ مِقْدَارَ مَا يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ لَا آكُلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِقْدَارَ مَا يُذْبَحُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا قَالَ : ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ الْجَنِينُ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : إنَّهُ يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّاةَ أَوْ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ إذَا ذُبِحَتْ وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَوْ حَيٌّ إلَّا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَيَحِلُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : { فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ } ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يُفْصَلَ ) أَيْ عَنْ أُمِّهِ بِقَطْعِ سُرَّتِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ لَا تَكُونُ ذَكَاةٌ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ يَعْنِي : الْجَنِينُ إذَا ذُبِحَتْ أُمُّهُ لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ
الْمَقْدُورِ عَلَى ذَكَاتِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى ذَكَاتِهِ فَفِي الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الذَّبْحُ وَفِي الثَّانِي يُشْتَرَطُ الْجَرْحُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْجَنِينِ لَا ذَبْحٌ وَلَا جَرْحٌ فَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ ا هـ ( فَرْعٌ ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً حَامِلًا لَهُ إنْ تَقَارَبَتْ الْوِلَادَةُ يُكْرَهُ الذَّبْحُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا التَّفْرِيعُ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ عِنْدَهُ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ قَوْلُهُ : إنْ صَحَّ التَّشْبِيهُ ) قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي هَذَا بُعْدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الْمَحْفُوظَةِ فَذَكَاةُ الْجَنِينِ خَبَرٌ لِمَا بَعْدَهُ أَيْ ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ { ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ } وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ إنْ ثَبَتَ فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا فِي : جِئْتُك طُلُوعَ الشَّمْسِ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَا ا هـ مُجْتَبَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ } أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّشْبِيهُ بِحَذْفِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِك زَيْدٌ أَسَدٌ أَيْ ذَكَاةُ الْحَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ كَقَوْلِهِمْ صَوْتُهُ صَوْتُ الْأَسَدِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ .
( فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يُؤْكَلُ ذُو نَابٍ وَمِخْلَبٍ مِنْ سَبُعٍ وَطَيْرٍ ) أَيْ لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالسِّبَاعُ جَمْعُ سَبُعٍ وَهُوَ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً وَالْمُرَادُ بِذِي مِخْلَبٍ مَا لَهُ مِخْلَبٌ هُوَ سِلَاحٌ وَهُوَ مَفْعَلُ مِنْ الْخَلْبِ وَهُوَ مَزْقُ الْجِلْدِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ هُوَ سِبَاعُ الطَّيْرِ لَا كُلُّ مَا لَهُ مِخْلَبٌ وَهُوَ الظُّفُرُ كَمَا أُرِيدُ فِي ذِي نَابٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لَا كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ وَلِأَنَّ طَبِيعَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَيُخْشَى أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ مِنْ طِبَاعِهَا فَيَحْرُمُ إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا تُرْضِعُ لَكُمْ الْحَمْقَاءُ فَإِنَّ اللَّبَنَ يُعْدِي } وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَاحَ أَكْلَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِيلُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَكَرِهُوا أَكْلَ الرَّخَمِ وَالْبُغَاثِ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ .
( فَصْلٌ : فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامِ الذَّبَائِحِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ ؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ شَرْعِيَّةِ الذَّبْحِ التَّوَصُّلُ إلَى الْأَكْلِ وَقَدَّمَ الذَّبْحَ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْمَأْكُولِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ قَالَهُ الْكَاكِيُّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ لِلذَّكَاةِ حُكْمَانِ فِي الْمَذْبُوحِ : حِلُّ الذَّبِيحَةِ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَحُصُولُ الطَّهَارَةِ فِي اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ - فَإِنَّهُ لَا تَلْحَقُ الذَّكَاةُ بِهِمَا - ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعَهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ وَالْحِمَارَ ا هـ ( قَوْلُهُ : { نَهَى عَنْ أَكَلَ كُلِّ ذِي نَابٍ } إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي السِّنْجَابِ وَالْفَنَكِ وَالسَّمُّورِ وَالدَّلَقِ : كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا سَبُعٌ مِثْلُ الثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ النَّابِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ ) وَالِاخْتِطَافُ بِمَعْنَى الْخَطْفِ وَالِانْتِهَابُ بِمَعْنَى النَّهْبِ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاخْتِطَافَ مِنْ فِعْلِ الطَّيْرِ وَالِانْتِهَابَ مِنْ فِعْلِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَلَمَّا كَانَ السَّبُعُ شَامِلًا لِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فُسِّرَ السَّبُعُ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ ، وَالْعَادِي مِنْ عَدَا عَلَيْهِ عُدْوَانًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : هُوَ سِلَاحٌ ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ كُلَّ صَيْدٍ لَا يَخْلُو عَنْ مِخْلَبٍ ا هـ ا ق قَوْلُهُ : وَهُوَ الظُّفُرُ ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنَّ الْحَمَامَةَ لَهَا مِخْلَبٌ ، وَالْبَعِيرَ لَهُ نَابٌ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ ) أَيْ فَإِنَّ الْبَعِيرَ لَهُ نَابٌ وَالْبَقَرُ كَذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ :
وَلِأَنَّ طَبِيعَةَ ) بَيَانٌ لِحِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَنَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ) وَهِيَ الِاخْتِطَافُ وَالِانْتِهَابُ وَالْقَتْلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : إكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ ) أَيْ كَمَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ فِيمَا يُؤْكَلُ كَرَامَةً لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِمَا لِمَا رُوِيَ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ تِلْكَ نَعْجَةٌ سَمِينَةٌ } وَعَنْ { جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ } وَالْمَعْنَى مَا حُكِيَ عَنْ الْمُزَنِيّ أَنَّ السَّبُعَ مَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَعَلَى حُقُوقِهِمْ وَهُمَا لَا يَعْدُوَانِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ السِّبَاعِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ { نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } وَهُمَا مِنْ السِّبَاعِ لِوُجُودِ مَعْنَى السَّبُعِ فِيهِمَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْخَصْمِ أَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ وَمَا رَوَاهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّارِيخُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ فَيُجْعَلُ مَا فِيهِ تَحْرِيمٌ مُتَأَخِّرًا تَعْلِيلًا لِلنَّسْخِ وَقَوْلُهُ : لَا يَعْدُوَانِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ يَعْدُوَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَدْخُلُ فِيهِ ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ ) وَالْهَوَامُّ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ جَمْعُ الْهَامَّةِ وَهِيَ الدَّابَّةُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ ، وَجَمِيعُ الْهَوَامِّ نَحْوُ الْيَرْبُوعِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْقُنْفُذِ مِمَّا يَكُونُ سُكْنَاهُ الْأَرْضَ وَالْجُدُرَ مَكْرُوهٌ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْهَوَامَّ مُسْتَخْبَثَةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَلِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ النَّجَاسَاتِ فِي
الْغَالِبِ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ وَكَذَا جَمِيعُ مَا لَا دَمَ لَهُ ، فَأَكْلُهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ كُلُّهُ مُسْتَخْبَثٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } إلَّا الْجَرَادَ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَدِيثِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ غُرَابُ الزَّرْعِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ الْخَبَائِثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالضَّبُعُ وَالضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَغْلُ ) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُؤْكَلُ أَمَّا الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ فَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَصَارَ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ ، وَالْغُرَابُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَحَسْبُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَنَوْعٌ يَخْلِطُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيْضًا يُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْعَقْعَقُ ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّجَاجِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَأْكُولِهِ الْجِيَفُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْخُفَّاشَ يُؤْكَلُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلِأَنَّ لَهُ نَابًا وَأَمَّا الضَّبُعُ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَيَكُونُ لَحْمُهُ نَابِتًا مِنْهُ فَيَكُونُ خَبِيثًا وَأَمَّا الضَّبُّ وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْحَشَرَاتُ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَخْبِثُهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَاحَ أَكْلَهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ ثُمَّ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الِابْتِدَاءِ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ } ثُمَّ حَرَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ لَا تُحْصَى وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ أَكْلُ الضَّبُعِ وَالضَّبِّ وَمَالِكٌ جَمِيعَ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ اسْتِدْلَالًا بِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ فَلِمَا رُوِيَ
عَنْ ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ { حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا الْبَغْلُ فَلِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَكَانَ كَأَصْلِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الْأُمُّ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : لَا الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَكَذَا الْغُدَافُ أَيْ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ غُرَابُ الْغَيْطِ الْكَبِيرُ مِنْ الْغِرْبَانِ وَافِي الْجَنَاحَيْنِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَالْغُدَافِ مَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ { سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْغُرَابِ فَقَالَ مَنْ يَأْكُلُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسِقًا يَعْنِي قَوْلَهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ } ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ كَالدَّجَاجِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَخْلِطُ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَلَا يُؤْكَلُ الْخُفَّاشُ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُلَّ ذِي نَابٍ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ إذَا كَانَ لَا يَصْطَادُ بِنَابِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ وَنَصَّ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ لَهُ نَابًا ) الْوَاوُ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَيَنْبَغِي حَذْفُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ ) وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ بَقَرَةً يُؤْكَلُ بِلَا خِلَافٍ ا هـ ع .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ الْأَرْنَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكْلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَ الظَّبْيَ .( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ الْأَرْنَبُ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْأَرْنَبُ أُنْثَى وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَفِي لُغَةٍ يُؤَنَّثُ بِالْهَاءِ فَيُقَالُ أَرْنَبَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَيْضًا وَالْجَمْعُ أَرَانِبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَرَوْا جَمِيعًا بَأْسًا بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَمَّا الْوَبْرُ فَلَا أَحْفَظُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْئًا وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْأَرْنَبِ وَهُوَ يَعْتَلِفُ الْبُقُولَ وَالنَّبْتَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ الْوَبْرُ الْوَبْرُ دُوَيْبَّةٌ مِثْلُ الْهِرَّةِ غَبْرَاءُ اللَّوْنِ كَحْلَاءُ لَا ذَنَبَ لَهَا وَالْجَمْعُ ، وِبَارٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ وَالْأُنْثَى وَبْرَةٌ قِيلَ هِيَ مِنْ جِنْسِ بَنَاتِ عِرْسٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السِّبَاعِ ) لَا سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا سِبَاعِ الْوَحْشِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ وَجِلْدَهُ إلَّا الْآدَمِيَّ وَالْخِنْزِيرَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الذَّكَاةِ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ أَصْلٌ وَفِي طَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ الْجِلْدِ تَبَعٌ وَلَا تَبَعَ بِدُونِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ فَإِذَا زَالَتْ طَهُرَتْ كَمَا فِي الدِّبَاغِ وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُودٌ فِي الْجِلْدِ كَالتَّنَاوُلِ فِي اللَّحْمِ ، وَفِعْلُ الْمَجُوسِيِّ قَتْلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَالزَّيْتُ غَالِبٌ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ ، وَالْخِنْزِيرُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الدِّبَاغُ لِنَجَاسَتِهِ ، وَالْآدَمِيُّ لِكَرَامَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ لَحْمُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالْجِلْدُ يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ وَجِلْدَهُ ) قَالَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ مِنْ النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَوْعُ ضَعْفٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ أَثَرَ الذَّكَاةِ فِي إبَاحَةِ اللَّحْمِ إلَخْ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الْحِمَارِ إذَا ذُبِحَ أَنَّ لَحْمَهُ طَاهِرٌ وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فِي الْكَرَاهِيَةِ ( قَوْلُهُ : فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ ) أَيْ لِيَحْصُلَ طَهَارَةُ الْجِلْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ ) يَعْنِي فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَدَهْنِ الْجِلْدِ وَنَحْوِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ) أَيْ فِي سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُؤْكَلُ مَائِيٌّ إلَّا السَّمَكَ غَيْرَ طَافٍ ) وَقَالَ مَالِكٌ يُؤْكَلُ جَمِيعُ حَيَوَانِ الْمَاءِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالسِّبَاعَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِطَهَارَتِهِ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْبَحْرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ } وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءُ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ وَرَوَى جَابِرٌ { أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي الْغَزْوِ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ إنْ كَانَ مَعَكُمْ أَطْعِمُونَا } الْحَدِيثَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّدَاوِي بِدَوَاءٍ اُتُّخِذَ فِيهِ الضِّفْدَعُ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ } وَالصَّيْدُ الْمَذْكُورُ فِيمَا نَلِي مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رُوِيَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ } وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ { فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ عَنْبَرٌ } الْحَدِيثَ هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ
سَمَكًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَكًا فَهُوَ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ وَفِيهَا تَحِلُّ الْمَيْتَةُ وَالْخَنَازِيرُ فَمَا ظَنُّك بِصَيْدِ الْبَحْرِ وَهُوَ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالسِّبَاعِ مُطْلَقَةٌ فَيَتَنَاوَلُ الْبَرِّيَّ وَالْبَحْرِيَّ وَأَمَّا الطَّافِي فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوا } وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِمَا الطَّافِيَ وَلَا دَلِيلَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَيْتَةِ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ حَتَّى يَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا مَاتَ فِيهِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عُرِفَ سَبَبُ مَوْتِهِ كَلَفْظَةِ الْبَحْرِ ، أَوْ بِحَبْسِهِ فِي مَكَان كَالْحَظِيرَةِ الصَّغِيرَةِ الضَّيِّقَةِ الْمُتْلَفَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ ، أَوْ بِابْتِلَاعِ سَمَكَةٍ ، أَوْ بِقَتْلِ طَيْرِ الْمَاءِ إيَّاهَا أَوْ بِانْجِمَادِ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَمَاتَتْ حَلَّ أَكْلُهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ مَوْتِهَا مَعْلُومٌ وَلَوْ مَاتَتْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْمَاءِ ، أَوْ بَرْدِهِ قِيلَ تُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ لِمَوْتِهَا سَبَبًا مَعْلُومًا وَقِيلَ لَا تُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا كَانَ أَوْ بَارِدًا ، وَإِنْ انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْ بَعْضِهِ وَمَاتَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ لَا يُؤْكَلُ ، وَإِنْ كَانَ ذَنَبُهُ فِي الْمَاءِ وَرَأْسُهُ انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ أُكِلَ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ رَأْسِهِ عَنْ الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ مَعْلُومًا بِخِلَافِ خُرُوجِ ذَنَبِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَيِّ سَبَبٍ مَاتَ حَتَّى لَوْ أَبَانَ عُضْوَهُ بِضَرْبٍ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ) أَيْ لِمَنَافِعَ أُخَرَ سِوَى الْأَكْلِ ا هـ ا ق ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ } ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ دَمِيرِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ } وَرَدَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } قُلْنَا هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ ، وَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إنَّمَا تُصْرَفُ إلَى الْجِنْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ وَالْمَيْتَةُ مِنْ الدَّمَوِيَّاتِ كَانَتْ مَعْهُودَةً عِنْدَهُمْ وَكَذَا الدَّمُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَلِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُؤَيَّدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِمِثْلِهِ عَلَى أَنَّ حِلَّ السَّمَكِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { تَأْكُلُونَ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } وقَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } سَمَّاهُ لَحْمًا وَطَعَامًا وَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى الذَّبْحِ ، وَالْكَبِدُ صَارَ حَلَالًا بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } الْآيَةَ ا هـ مُسْتَصْفًى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَرَاهَةُ الطَّافِي لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَأَنْوَاعِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ بِلَا ذَكَاةٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَالْجِرِّيثُ الْجَرِّيُّ مِنْ أَنْوَاعِ السَّمَكِ إنَّمَا أُحِلَّ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ } وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ
شَوْذَبٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ أَبِي طُبَيْخٍ قَالَتْ خَرَجَتْ مَعَ وَلِيدَةٍ لَنَا فَاشْتَرَيْنَا جِرِّيثَةً بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ فَوَضَعْنَاهَا فِي زِنْبِيلٍ فَخَرَجَ رَأْسُهَا مِنْ جَانِبٍ وَذَنَبُهَا مِنْ جَانِبٍ فَمَرَّ بِنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ بِكَمْ أَخَذْت قَالَتْ فَأَخْبَرْته فَقَالَ مَا أَطْيَبَهُ وَأَرْخَصَهُ وَأَوْسَعَهُ لِلْعِيَالِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِرِّيثَ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ فَيَحِلُّ كَسَائِرِ الْأَنْوَاعِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى بَعْضِ الرَّوَافِضِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ أَكْلَ الْجِرِّيثِ وَيَقُولُونَ : إنَّهُ كَانَ دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ فَمُسِخَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِهِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا فِي الْأَصْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجِرِّيثِ فَقَالَ أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَكْرَهُونَهُ فَإِذَا صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةُ الْجِرِّيثِ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ حَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَكَذَا الْجَرَادُ حَلَالٌ سَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ قَتَلَهُ الْآخِذُ ا هـ قَوْلُهُ : مَا نَضَبَ ) النُّضُوبُ ذَهَابُ الْمَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ وَالْمَيِّتِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِانْخِنَاقِ تَحْتَ الْجَمَدِ أَوْ إبَانَةِ بَعْضِهِ أَوْ اصْطِيَادِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهَا ، وَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُؤْكَلُ الْعُضْوُ أَيْضًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا فِي السَّمَكِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِآفَةٍ يَحِلُّ كَالْمَأْخُوذِ ، وَإِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي وَتَنْسَحِبُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مِنْهَا إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ لِأَنَّهُ
مَاتَ بِآفَةٍ ظَاهِرَةٍ وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لَكِنْ حَلَّ الْمُبَانُ هُنَاكَ لِأَنَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ وَمِنْهَا إنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةً أُخْرَى أَوْ قَتَلَهَا طَيْرٌ لِمَاءٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِأَنَّ الْمَوْتَ مُحَالٌ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ ابْتِلَاعُ السَّمَكَةِ أَوْ قَتْلُ الطَّيْرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ ) أَيْ حَلَّ السَّمَكُ بِلَا ذَكَاةٍ كَالْجَرَادِ رَوَيْنَا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ ، أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّ ، وَإِلَّا لَا إنْ لَمْ يَدْرِ حَيَاتَهُ ، وَإِنْ عَلِمَ حَلَّ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ ) لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَخُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ فَيَكُونُ وُجُودُهُمَا أَوْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا عَلَامَةَ الْحَيَاةِ فَيَحِلُّ ، وَعَدَمُهُمَا عَلَامَةُ الْمَوْتِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ فَيَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ بِالشَّكِّ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْجَمِدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَجُوزُ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَاَلَّتِي بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُحَلِّلُ ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهَا خَفِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا إنَّمَا تَحِلُّ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ تَعِيشُ يَوْمًا لَوْلَا الذَّكَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ ، وَإِلَّا فَلَا وَسَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ مَرِيضَةٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ ، وَإِنْ ضَمَّتْ عَيْنَهَا أُكِلَتْ ، وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ ، وَإِنْ قَبَضَتْ رِجْلَهَا أُكِلَتْ ، وَإِنْ نَامَ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ ، وَإِنْ قَامَ شَعْرُهَا أُكِلَتْ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَسْتَرْخِي بِالْمَوْتِ فَفَتْحُ الْفَمِ وَالْعَيْنِ وَمَدُّ الرِّجْلِ وَنَوْمُ الشَّعْرِ عَلَامَةُ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهَا اسْتِرْخَاءٌ ، وَضَمُّ الْفَمِ وَتَغْمِيضُ
الْعَيْنِ وَقَبْضُ الرِّجْلِ وَقِيَامُ الشَّعْرِ لَيْسَتْ بِاسْتِرْخَاءٍ بَلْ هِيَ حَرَكَاتٌ تَخْتَصُّ بِالْحَيِّ فَتَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ وَقَالَ قَاضِيخَانْ : هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ ، وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ أُكِلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَكَلَ الصَّيْدَ وَالْعُضْوَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ تَحَرَّكَ بَعْدَ الذَّبْحِ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ فَفِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَلَامَةَ الْحَيَاةِ وَعَلَامَةُ الْحَيَاةِ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الدَّمُ الْمَسْفُوحُ أَوْ الْحَرَكَةُ ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَامَةُ الْحَيَاةِ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ فَإِنْ عَلِمَ حَلَّ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ أَصْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ : هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ وَقْتَ الذَّبْحِ ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بُدّ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَوْلُهُ : حَلَّ أَكْلُهُ أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ا هـ .
( كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ ) ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ كَالْأُرْوِيَّةِ ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوُعُولِ ، وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى أَفَاعِيلَ كَالْأَرَاوِيِّ فِي جَمْعِ الْأُرْوِيَّةِ ، وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ وَضَحَايَا كَهَدِيَّةٍ ، وَهَدَايَا ، وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ ، وَتُجْمَعُ عَلَى أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ ، وَأَرْطَى ، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ يُذْبَحُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا وَسَبَبِهَا : وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْوَقْتُ وَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ ، اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْبَةَ الْمَالِيَّةَ نَوْعَانِ نَوْعٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ كَالصَّدَقَاتِ وَنَوْعٌ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْأُضْحِيَّةِ ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فَإِنَّهَا تَقَرُّبٌ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ ، وَهُوَ إتْلَافٌ ثُمَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي اللَّحْمِ يَكُونُ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً .
( كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ ) أَوْرَدَ الْأُضْحِيَّةَ بَعْدَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الذَّبْحِ إلَّا أَنَّ الذَّبْحَ أَعَمُّ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْخُصُوصُ يَكُونُ بَعْدَ الْعُمُومِ ا هـ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْأُضْحِيَّةُ فِيهَا لُغَاتٌ ضَمُّ الْهَمْزَةِ فِي الْأَكْثَرِ ، وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ أُفْعُولَةٍ ، وَكَسْرُهَا اتِّبَاعًا لِكِسْرَةِ الْحَاءِ وَالْجَمْعُ أَضَاحِيَّ وَالثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَالْجَمْعُ ضَحَايَا مِثْلُ عَطِيَّةٍ ، وَعَطَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى مِثْلُ أَرْطَاةَ ، وَأَرْطَى ، وَمِنْهُ عِيدُ الْأَضْحَى وَالْأَضْحَى مُؤَنَّثَةٌ ، وَقَدْ تُذَكَّرُ ذَهَابًا إلَى الْيَوْمِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَضَحَّى تَضْحِيَةً إذَا ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الضُّحَى هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ ضَحَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَيَتَعَدَّى بِالْحَرْفِ فَيُقَالُ ضَحَّيْتُ بِشَاةٍ ا هـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ ، وَيُقَالُ ضَحَّى بِكَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا ذَبَحَهُ وَقْتَ الضُّحَى مِنْ أَيَّامِ الْأَضَاحِيّ ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ ، وَلَوْ ذَبَحَ آخِرَ النَّهَارِ ، وَمَنْ قَالَ هِيَ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِمَعْنَى الرِّفْقِ فَقَدْ أَبْعَدَ ا هـ قَوْلُهُ : وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ أُفْعُولَةٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ ، وَهِيَ عَلَى وَزْنِ أَفْعِلَةٍ ا هـ يَعْنِي وَزْنَهَا الْآنَ أَفْعِلَةٍ وَوَزْنُهَا الْأَصْلُ أُفْعُولَةٌ كَمَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَأُعِلَّ ، وَإِعْلَالُهُ ظَاهِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوُعُولِ ) الْوَعْلُ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هُوَ ذَكَرُ الْأُرْوِيَّةِ ، وَهُوَ الشَّاةُ الْجَبَلِيَّةُ ا هـ مِصْبَاحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ طِفْلِهِ ، شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ ) ، وَفِي الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا وَوَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ ، وَأَظْفَارِهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ أُخْرَى وَالتَّعْلِيقُ بِالْإِرَادَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُقِيمِ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ فَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يُلْحَقُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْوَاجِبِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِإِعَادَتِهَا بِقَوْلِهِ { مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْلَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَمَا وَجَبَ إعَادَتُهَا ؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يُضَافُ إلَيْهَا ، وَقْتُهَا يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى ، وَذَلِكَ يُؤْذِنُ بِالْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ ، وَيَحْصُلُ الِاخْتِصَاصُ بِالْوُجُودِ وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْوُجُودِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ لِجَوَازِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى تَرْكِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَلَا يَجْتَمِعُوا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ ، وَلَا تَصِحُّ الْإِضَافَةُ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْأَدَاءِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّوْمَ يَجُوزُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَالْمُسَمَّى بِشَهْرِ الصَّوْمِ رَمَضَانُ وَحْدَهُ ، وَكَذَا الْجَمَاعَةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَالْمُسَمَّى
بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ وَاحِدٌ ؛ وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ بِلَا شَكٍّ ، وَلَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِيهِ بِيَقِينٍ إلَّا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ ، وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يُحْرَجُ وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ فِيمَا رُوِيَ مَا هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَيَّرٍ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يَقَعُ فِي الْمُبَاحِ ، وَالْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ ، وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ، وَالْأُضْحِيَّةُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ ، وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ وَالْإِسْلَامُ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا مِنْ الْمُسْلِمِ ، وَالْإِقَامَةُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَالْيَسَارُ لِمَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ ، وَهُوَ الْغَنِيُّ دُونَ الْفَقِيرِ ، وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْوَقْتُ ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا فَأَيْسَرَ فِيهَا تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ ، وَقْتَهَا ، وَهُوَ غَنِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي بَعْضِ الْوَقْتِ كَالْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِهِ ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْفَقِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَجَعَلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَظِيرَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَقَوْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ لَا عَنْ طِفْلِهِ أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ ، وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَنْ لَا
تَجِبَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ ، وَالسَّبَبُ فِيهَا رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ ، وَيَلِي عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدِهِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيُلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْيَسَارِ فِيهَا وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : يُضَحِّي عَنْهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْخِلَافُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ ، وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهُ تَطَوُّعٌ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ وَلِأَنَّ الْإِرَاقَةَ إتْلَافٌ وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَالْإِعْتَاقِ ، وَكَذَا التَّصَدُّقُ بِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرُ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ كُلَّهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحِّي مِنْ مَالِهِ ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ ، وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ ، كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِهِ أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ، وَقَوْلُهُ شَاةٌ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْبَدَنَةُ كُلُّهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ ،
وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ { جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } ، وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ، وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ السَّبْعَةِ فَعَمَّنْ دُونَهُ أَوْلَى ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ فِيهِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبْعِ ، وَلَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً يَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْهَدْيِ ، وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْوَاحِدَةُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ ، وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ } قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَيِّمُ أَهْلِ الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ لَهُ حَذَفَ الْمُضَافَ ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ { عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ } ، وَلَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَانِ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السُّبْعِ يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ ، وَإِذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَقِسْمَةُ اللَّحْمِ بِالْوَزْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ ، وَلَوْ اقْتَسَمُوهُ جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ وَالْجِلْدِ كَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَكَ مَعَهُ سِتَّةٌ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَيُمْنَعُ عَنْ بَيْعِهَا تَمَوُّلًا ، وَفِي الِاشْتِرَاكِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَجْهُ
الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً ، وَقَدْ لَا يَظْفَرُ بِالشُّرَكَاءِ ، وَقْتَ الشِّرَاءِ فَيَشْتَرِيهَا ثُمَّ يَطْلُبُ الشُّرَكَاءَ ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَحَرَجُوا ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، وَلَا يَشْتَرِي حَتَّى يَجْتَمِعُوا قَدْرَ مَا يُرِيدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْجَوَامِعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَامِعُ اسْمُ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صَنَّفَهُ أَبُو يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَالْعَتِيرَةِ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْعِتَرُ أَيْضًا الْعَتِيرَةُ ، وَهِيَ شَاةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ لِآلِهَتِهِمْ مِثَالُ ذَبْحٍ ، وَذَبِيحَةٍ وَقَدْ عَتَرَ الرَّجُلُ يَعْتِرُ عَتْرًا بِالْفَتْحِ إذَا ذَبَحَ الْعَتِيرَةَ يُقَالُ هَذِهِ أَيَّامُ تَرْجِيبٍ ، وَتِعْتَارٍ وَرُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ يُنْذِرُ نَذْرًا إنْ رَأَى مَا يُحِبُّ يَذْبَحُ كَذَا ، وَكَذَا مِنْ غَنَمِهِ فَإِذَا وَجَبَ ضَاقَتْ نَفْسُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَعْتِرُ بَدَلَ الْغَنَمِ ظِبَاءً ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُغْرِبِ وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانَتْ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ ) مِثْلُ تَحْصِيلِ شَاةٍ تَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَرِعَايَةِ فَرَاغِ الْإِمَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَيَّرٍ إجْمَاعًا ) فَلَمْ يَدُلَّ الْقَصْدُ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ } أَيْ مَنْ قَصَدَ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّخْيِيرَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ) فَإِنْ فَعَلَ الْأَبُ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، وَإِنْ فَعَلَ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ لَا يَضْمَنُ ، وَإِلَّا يَضْمَنُ ا هـ قَاضِيخَانْ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ، وَفِي الْوَصِيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السُّبْعِ ) أَيْ لَا تَجُوزُ مِنْ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَمَا لَا تَجُوزُ مِنْ صَاحِبِ الْقَلِيلِ كَمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَخَلَّفَ امْرَأَةً وَابْنًا ، وَتَرَكَ بَقَرَةً فَضَحَّيَا لَمْ تَجُزْ عَنْهُمَا أَصْلًا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَرْأَةِ أَقَلُّ مِنْ السُّبْعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ ) ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَنِصْفُ سُبْعٍ ، وَنِصْفُ السُّبْعِ لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَإِذَا صَارَ لَحْمًا صَارَ الْبَاقِي لَحْمًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَذَبَحَ غَيْرُهُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمِصْرِ أَنْ يَذْبَحُوا الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَذَبْحُ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ يَجُوزُ لَهُمْ ذَبْحُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْأُضْحِيَّةُ } قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا عَنْهَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ عَنْ الْقَرَوِيِّ إذْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِهِمَا الْجَوَازَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ نَحْرِ الْإِمَامِ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ كَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ ، وَفِي الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ فَيُضَحِّي فِيهِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ ؛ لِأَنَّ ، وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْأَدَاءِ مَكَانُ الْمَحَلِّ ، وَهُوَ الْمَالُ لِإِمْكَانِ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَكَانُ الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ فِي الذِّمَّةِ ، وَالْمَالُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهَا وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ
الْفِطْرِ ، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَتْهُمْ فَيَكُونُ الذَّبْحُ عَقِيبَ صَلَاةٍ مُعْتَبَرَةٍ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَعَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ، وَقِيلَ يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ فَكَانَ أَصْلًا وَالْآخَرُ كَالْخَلَفِ عَنْهُ ، وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْحَسَنِ ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ الْعِيدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَخَّرُوا التَّضْحِيَةَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ ذَبَحُوا ، وَلَا تُجْزِئُهُمْ التَّضْحِيَةُ مَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ الْعِيدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِخُرُوجِ وَقْتِهَا ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يُجْزِئُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إذَا كَانُوا لَا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ تُجْزِئُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ الْغَدِ تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ ، وَقْتُ الصَّلَاةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، وَالصَّلَاةُ فِي الْغَدِ تَقَعُ قَضَاءً لَا أَدَاءً فَلَا يَظْهَرُ هَذَا فِي حَقِّ التَّضْحِيَةِ ، وَقَالَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ تُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ إلَّا الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَجَعَلْنَاهُ عُذْرًا فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَصِيَانَةً لِأَضَاحِيِّهِمْ عَنْ الْفَسَادِ ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْبَلَدِ فِتْنَةٌ ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا وَالٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ فَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ صَارَتْ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَالسَّوَادِ
، وَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ فَصَلَّى ثُمَّ انْكَشَفَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ فَيُحْكَمُ بِالْجَوَازِ صِيَانَةً لِجَمْعِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ شَهَادَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ ، وَوَقْتُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمَقَادِيرِ ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ أَوَّلُهَا أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الظُّلْمَةِ ، وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ ، وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً إنْ كَانَ غَنِيًّا وَسُنَّةً إنْ كَانَ فَقِيرًا ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَسُنَّةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَتْ هِيَ أَفْضَلَ ؛ وَلِأَنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ ، وَقْتِهَا ، وَالتَّصَدُّقُ لَا يَفُوتُ فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَنَظِيرُهُ الطَّوَافُ لِلْآفَاقِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالرُّجُوعِ يَفُوتُ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهَا خَيْرُ مَا وُضِعَ ، وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ، وَكَانَ غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى ظُهْرًا ، وَالصَّوْمُ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةً وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْأُضْحِيَّةَ أَوْ أَوْجَبَ
عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الَّذِي أَوْجَبَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ بِالنَّذْرِ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا إلَّا إذَا كَانَ قَدْرُ قِيمَتِهَا بِخِلَافِ الْغَنِيِّ ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيُجْزِئُهُ التَّصَدُّقُ بِالشَّاةِ عَنْهُ أَوْ بِقِيمَتِهَا ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إذَا الْتَزَمَ التَّضْحِيَةَ بِالنَّذْرِ ، وَعَنَى بِهِ غَيْرَ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَنْذُورِ كَمَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ مَعَ الْوَاجِبِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ ، وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْيَسَارِ ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ النَّذْرَ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مَعَهُ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْغِنَى لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ وَالْإِيجَابُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ ظَاهِرًا ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ إلَى الْوَاجِبِ تَأْكِيدًا لَهُ ، وَنَظِيرُهُ النَّذْرُ بِالْحَجِّ ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى إلَّا إذَا عَنَى بِهِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَلَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ إلَخْ ) لَمْ يَذْكُرْ شَرْحَ قَوْلِهِ فَجْرَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ ) أَيْ لَا مَكَانُ الْمَالِكِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالِاسْتِحْسَانِ ) أَيْ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِيِهَا ) ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي اللَّيْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ ، وَإِذَا اشْتَرَى شَاةً يُرِيدُ أُضْحِيَّةً فِي ضَمِيرِهِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً حَتَّى يُوجِبَهَا بِلِسَانِهِ لَكِنْ الْمَذْهَبُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَنِيًّا لَا يَصِيرُ وَاجِبًا فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَنَوَى بِقَلْبِهِ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعَيُّنِ فِي الْإِيجَابِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّاةُ عِنْدَهُ فَأَضْمَرَ بِقَلْبِهِ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَصِيرُ أُضْحِيَّةً لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَهَا ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تُبَاعُ فَإِنْ بَاعَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا نَفَذَ الْبَيْعُ ، وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ ، وَلَا الْهِبَة بَلْ يَتَصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ ، وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ فَكَذَا هُنَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَقْصُودٌ ، وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ بَلْ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْخَصِيُّ ) ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ } الْأَمْلَحُ الَّذِي فِيهِ مُلْحَةٌ ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَشُقُّهُ شُعَيْرَاتٌ سُودٌ ، وَهِيَ مِنْ لَوْنِ الْمِلْحِ وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ الْوِجَاءُ هُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالثَّوْلَاءِ ) ، وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً ، وَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ ، وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ ، وَالْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً ، وَلَمْ يُتْلَفْ جِلْدُهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ .( قَوْلُهُ : يَشُقُّهُ ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمُغْرِبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمَوْجُوءُ الْمَخْصِيُّ ) سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَرَاهِيَةِ أَيْضًا أَنَّ الْمَوْجُوءَ هُوَ الْمَخْصِيُّ ( قَوْلُهُ : هُوَ أَنْ يَضْرِبَ عُرُوقَ الْخُصْيَةِ بِشَيْءٍ ) قُلْت الْمَخْصِيُّ مَنْزُوعُ الْخُصْيَتَيْنِ وَالْمَوْجُوءُ الَّذِي يَلْوِي عُرُوقَ الْخُصْيَةِ فَيَصِيرُ كَالْخَصِيِّ ا هـ عَيْنِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ وَالْعَرْجَاءِ ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ أَيْ الْمَذْبَحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَقْطُوعِ أَكْثَرِ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْأَلْيَةِ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ ، وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ ، وَلَا خَرْقَاءَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ الْمُقَابَلَةُ قَطْعٌ مِنْ مُقَدَّمِ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ قَطْعٌ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا وَالشَّرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ فِي أُذُنِهَا طُولًا وَالْخَرْقَاءُ أَنْ يَكُونَ عَرْضًا ، وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ جَازَ ، وَكَذَا أَكْثَرُ الذَّنَبِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَجُعِلَ عَفْوًا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الثُّلُثَ إذَا ذَهَبَ وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ يَجُوزُ ، وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَاعْتُبِرَ قَلِيلًا ، وَفِيمَا زَادَ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَاعْتُبِرَ كَثِيرًا ، وَيُرْوَى عَنْهُ الرُّبُعُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَى حِكَايَةَ الْكُلِّ ، وَيُرْوَى أَنَّ ذَهَابَ الثُّلُثِ مَانِعٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ { الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ } ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا
لِلْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخْبَرْت بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ قَوْلِي قَوْلُك قِيلَ هُوَ رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَوْلِي قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِك ، وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيْنَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْأُذُنِ مَقْطُوعًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشَّقِّ مِنْ غَيْرِ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ الْأُذُنِ لَا يَمْنَعُ ثُمَّ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الذَّاهِبِ وَالْبَاقِي مُتَيَسِّرٌ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ ، وَفِي الْعَيْنِ قَالُوا يَشُدُّ عَيْنَهَا الْمَعِيبَةَ بَعْدَ أَنْ جَاعَتْ ثُمَّ يُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ فِي مَوْضِعٍ عَلَّمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثُمَّ يَشُدُّ عَيْنَهَا الصَّحِيحَةَ ، وَيُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْظُرُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فَإِنْ كَانَ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالذَّاهِبُ هُوَ ذَلِكَ الْقَدْرُ ، وَالْهَتْمَاءُ لَا تَجُوزُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ كَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالسَّكَّاءُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا تَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا يَجُوزُ ، وَلَا تَجُوزُ الْجَلَّالَةُ ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ ، وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا ، وَلَا الْجَذَّاءُ ، وَهِيَ الْمَقْطُوعَةُ ضَرْعُهَا ، وَلَا الْمُصَرَّمَةُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْضِعَ فَصِيلَهَا ، وَلَا الْجَدَّاءُ ، وَهِيَ الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ مِنْ التَّضْحِيَةِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالشِّرَاءِ .
وَالْفَقِيرُ لَيْسَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ شَرْعًا فَتَعَيَّنَتْ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهَا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ نِصَابَ الزَّكَاةِ ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ { اشْتَرَيْت كَبْشًا أُضَحِّي بِهِ فَعَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ الْأَلْيَةَ قَالَ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُجْزِئُهُ لِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْفَقِيرُ ؛ لِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَتْ بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ أَوْجَبَ الْفَقِيرُ أُضْحِيَّةً عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَاشْتَرَى أُضْحِيَّةً صَحِيحَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَضَحَّى بِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ كَامِلَةٌ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَالْمُوسِرِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ جَازَ ذَبْحُهَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ عَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ ، وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ فَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ ذَبْحُهُمَا ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ، وَأَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَرَى مِثْلَهَا ، وَأَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ وُجِدَتْ الْأُولَى فَإِنْ أَوْجَبَ الثَّانِيَةَ إيجَابًا مُسْتَأْنَفًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا وَإِنْ أَوْجَبَهَا بَدَلًا عَنْ الْأُولَى فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ أَيَّهُمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُتَّحِدٍ فَاتَّحَدَ الْوَاجِبُ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَقِيرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ لَا تَتَعَيَّنُ لَهَا عِنْدَهُ حَتَّى يَجْعَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأُضْحِيَّةِ بِالْإِيجَابِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يُوضَعْ
لِلْإِيجَابِ ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْخَاصِّ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَوْضُوعٌ لِاسْتِجْلَابِ الْمِلْكِ ، وَالنَّذْرَ بِالْأُضْحِيَّةِ مَوْضُوعٌ لِلْإِزَالَةِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَتَعَيَّنُ لِلْأُضْحِيَّةِ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ الْفَقِيرِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ عُرْفًا ، وَعَادَةً ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ فِي الْعُرْفِ فَقِيرًا اشْتَرَى شَيْئًا لِلْأُضْحِيَّةِ إلَّا وَيُضَحِّي بِهَا لَا مَحَالَةَ فَكَانَ بِهَا مُلْتَزِمًا ، وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِيَذْبَحَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَذُبِحَتْ أَجْزَأَتْهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مُلْحَقٌ بِالذَّبْحِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِالذَّبْحِ حُكْمًا ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْ فَوْرِهَا ، وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدَّمَاتِ الذَّبْحِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ لَا بِالْعَمْيَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَالْعَجْفَاءِ إلَخْ ) ، وَلَا الْجَدْعَاءِ ، وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأَنْفِ ا هـ مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ ( قَوْلُهُ : وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ ، وَلَا مُدَابَرَةٍ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُقَابَلَةُ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ الشَّاةُ الَّتِي قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا قِطْعَةٌ ، وَلَا تَبِينُ ، وَتَبْقَى مُعَلَّقَةً مِنْ قُدُمٍ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُخُرٍ فَهِيَ الْمُدَابَرَةُ ، وَقُدُمٌ بِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى الْمُقَدَّمِ وَأُخُرٌ بِضَمَّتَيْنِ أَيْضًا بِمَعْنَى الْمُؤْخِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا شَرْقَاءَ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ ، وَتَجُوزُ الشَّرْقَاءُ ، وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ طُولًا ، وَكَذَا الْمُقَابَلَةُ ، وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنَاهَا مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا ، وَهِيَ مُتَدَلِّيَةٌ ، وَكَذَا الْمُدَابَرَةُ ، وَهِيَ الَّتِي شُقَّتْ أُذُنَاهَا مِنْ خَلْفِهَا ، وَكَذَا الَّتِي عَلَى أُذُنِهَا كَيٌّ أَوْ سِمَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ ، وَقَطْعُ رُبُعِهَا أَوْ ثُلُثِهَا أَوْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى النِّصْفِ وَبِهِ قَالَا مَانِعٌ ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَا يَضُرُّ الشَّقُّ فِي الْأُذُنِ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِالشَّقِّ ثُلُثٌ أَوْ أَقَلُّ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْجَوَازِ ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْأُذُنَ أَوْ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ أَوْ الْأَلْيَةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا فَاتَ كُلُّهُ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ ، وَإِذَا فَاتَ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْفَائِتُ كَثِيرًا لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ ، وَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ قَلِيلًا تَجُوزُ تَكَلَّمُوا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى النِّصْفِ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا النِّصْفُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَكِنْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الرُّبُعَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ الثُّلُثَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، وَلَا فِقْهَ فِيهِ سِوَى أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ كَثِيرًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ قَالَ { الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ } هَذَا فِي الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالْأَلْيَةِ وَالضَّرْعِ ا هـ وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ ، وَلَا تَجُوزُ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا أَوْ قُطِعَ ضَرْعُهَا فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ ضَرْعِهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَالْأَلْيَةِ إذَا كَانَ الذَّاهِبُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الذَّاهِبُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ جَازَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ نِصْفًا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَ ، وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ ا هـ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ فَإِنْ كَانَ الْفَائِتُ مِنْ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ الثُّلُثَ أَوْ الْأَقَلَّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْهَتْمَاءُ لَا تَجُوزُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا ) أَيْ سَوَاءٌ اعْتَلَفَتْ
أَوْ لَمْ تُعْتَلَفْ ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَفِي رِوَايَةٍ تَجُوزُ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحَةِ كَذَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ ، وَفِي الْمَجْمَعِ ، وَيُضَحِّي بِالْجَمَّاءِ وَالْخَصِيِّ وَالثَّوْلَاءِ وَالْهَتْمَاءِ الَّتِي تُعْتَلَفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالسَّكَّاءُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ عَنْهُ عُضْوٌ كَامِلٌ ا هـ مَنَاسِكُ الْكَرْمَانِيِّ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ ، وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا ) ، وَيَجِيءُ مِنْهُ رِيحٌ مُنْتِنٌ ، وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا ، وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى يَطِيبَ ، وَيَذْهَبَ نَتْنُهَا ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَا الْجِدَاءُ ) الْجِدَاءُ بِالْجِيمِ مَا لَا لَبَنَ لَهَا مِنْ كُلِّ حَلُوبَةٍ لِآفَةٍ أَيْبَسَتْ ضَرْعَهَا وَالْجِدَاءُ مِنْ النِّسَاءِ صَغِيرَةُ الثَّدْيِ ا هـ نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ فَرْعٌ وَلَا يُضَحِّي بِالْخُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إنْضَاجُ لَحْمِهَا هَكَذَا كَانَ يَحْكِي وَالِدِي عَنْ الشَّيْخِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ يَذْكُرُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَصْلًا ، وَيَقُولُ كُلُّ عَيْبٍ يُزِيلُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ يَمْنَعُ ، وَمَا لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ ا هـ ظَهِيرِيَّةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ) ؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ شَرْعًا بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا ، وَيَجُوزُ بِالْجَامُوسِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَقَرِ بِخِلَافِ بَقَرِ الْوَحْشِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ فِي الْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ دُونَ الْوَحْشِيِّ ، وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ ، وَفِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا تُعْتَبَرُ الْأُمُّ ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحِلِّ تُعْتَبَرُ الْأُمُّ .
قَوْلُهُ : وَيَجُوزُ بِالْجَامُوسِ ) ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْجَامُوسُ يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا اسْتِحْسَانًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا تُعْتَبَرُ الْأُمُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى ، وَلَوْ نَزَا كَلْبٌ عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْخَيْزَاخَزِيُّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأُمَّ يَجُوزُ ، وَلَوْ نَزَا شَاةٌ عَلَى ظَبْيٍ قَالَ الْإِمَامُ الْخَيْزَاخَزِيُّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأَبَ يَجُوزُ ، وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ يَجُوزُ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْخَيْزَاخَزِيُّ الْعِبْرَةُ لِلْمُشَابَهَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَتْ أَهْلِيَّةً يَجُوزُ ، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ أَنَّ بَقَرَةً أَهْلِيَّةً نَزَا عَلَيْهَا ثَوْرُ وَحْشٍ فَوَلَدَتْ ، وَلَدًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَقَرَةُ وَحْشِيَّةً وَالثَّوْرُ أَهْلِيًّا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُتَوَلِّدِ الْأُمُّ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ ، وَهُوَ حَيَوَانٌ مُتَقَوِّمٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ ، وَلَيْسَ يَنْفَصِلُ مِنْ الْأَبِ إلَّا مَاءً مَهِينًا لَا خَطَرَ لَهُ ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ ، وَقِيلَ إذَا نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ أَهْلِيَّةٍ فَأَوْلَدَتْ شَاةً يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا ، وَإِنْ وَلَدَتْ ظَبْيًا لَا يَجُوزُ ، وَقِيلَ إنْ وَلَدَتْ الرَّمَكَةُ مِنْ حِمَارِ وَحْشٍ حِمَارًا لَا يُؤْكَلُ ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَرَسًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَرَسِ ا هـ بَدَائِعُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَجَازَ الثَّنِيُّ مِنْ الْكُلِّ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَقَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْجَذَعُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنِيَّاتِ يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بُعْدٍ ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ ، وَمِنْ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ ، وَمِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَذَعُ مِنْ الْبَهَائِمِ قَبْلَ الثَّنِيِّ لَا أَنَّهُ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالشَّاةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَمِنْ الْخَيْلِ فِي الرَّابِعَةِ ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ لِسَنَةٍ ، وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ .
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَذْبَحُوا إلَخْ ) رَوَاهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى جَابِرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَبْحِ الْمُسِنَّةِ وَالثَّنِيُّ مُسِنَّةٌ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مِنْ الضَّأْنِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَذَعَةٌ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ } وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ يُضَحَّى بِهِ قَالَ يُجْزِئُ وَالثَّنِيُّ أَفْضَلُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْجَذَعُ إلَخْ ) ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتِمَّ لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَأَمَّا الْبَقَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا مَا تَمَّتْ لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَظِيمَةَ الْجُثَّةِ أَوْ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ) قَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ مِنْ الشَّاةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ السَّبْعَةِ ، وَقَالَ الْوَرَثَةُ : اذْبَحُوا عَنْهُ ، وَعَنْكُمْ صَحَّ ، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُرِيدًا لِلَّحْمِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ بِشَرْطِ قَصْدِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ وَاخْتِلَافُ الْجِهَاتِ فِيهَا لَا يَضُرُّ كَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الْقُرْبَةُ ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ ، وَلَمْ تُوجَدْ الْقُرْبَةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ مِنْ الْمُسْلِمِ يُنَافِيهَا ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْبَعْضُ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ يُنْزَعُ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ قُلْنَا الْقُرْبَةُ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ لِمَا رَوَيْنَا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ صَغِيرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ بِأَنْ ضَحَّى عَنْ الصَّغِيرِ أَبُوهُ ، وَعَنْ أُمِّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا جَازَ ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا وَقَعَتْ قُرْبَةً ، وَلَوْ ذَبَحُوهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ .
قَوْلُهُ : كَالْقِرَانِ إلَخْ ) ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ جَازَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِالشُّكْرِ عَلَى مَا أَنْعَمَ مِنْ الْوَلَدِ كَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ ، وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزْوِيجِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ شُكْرًا عَلَى نِعْمَةِ النِّكَاحِ ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ } ا هـ بَدَائِعُ فَرْعٌ : فِي الْبَدَائِعِ ، وَلَوْ أَرَادُوا الْقُرْبَةَ بِالْأُضْحِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ أَجْزَأَهُمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَةُ وَاجِبَةً أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ جَزَاءَ الصَّيْدِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَبَعْضُهُمْ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى الِاشْتِرَاكَ ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِعْلٌ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ وَبَعْضُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَا بَعْضَ لَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الِاتِّحَادِ جُعِلَتْ الْجِهَاتُ كَجِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَا يُمْكِنُ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيهِ مَرْدُودًا إلَى الْقِيَاسِ ، وَلَنَا أَنَّ الْجِهَاتِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُورَةً فَهِيَ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكُلِّ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالشُّكْرِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَلَدِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ
، وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزَوُّجِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ النِّكَاحِ ، وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أَوْلِمْ ، وَلَوْ بِشَاةٍ } فَإِذَا أَرَادَ بِهَا الشُّكْرَ أَوْ إقَامَةَ السُّنَّةِ فَقَدْ أَرَادَ بِهَا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الِاشْتِرَاكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ صَغِيرًا إلَخْ ) ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا ، وَهُوَ يُرِيدُ الْأُضْحِيَّةَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ ا هـ بَدَائِعُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَيُؤَكِّلُ غَنِيًّا ، وَيَدَّخِرُ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ كُلُوا ، وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ الِادِّخَارِ { كُلُوا ، وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا } الْحَدِيثَ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ ، وَأَحْمَدُ وَالنُّصُوصُ فِيهِ كَثِيرَةٌ ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ هُوَ ، وَهُوَ غَنِيٌّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لَهُ إطْعَامُ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا .( قَوْلُهُ : كُلُوا ، وَتَزَوَّدُوا إلَخْ ) رَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصَبِّحْنَ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِي قَالَ كُلُوا ، وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا } قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الدِّمَاءِ إلَّا مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَدَمِ الْمُتْعَةِ وَدَمِ الْقِرَانِ وَدَمِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ ، وَهُوَ الْحَرَمُ يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ ، وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ ، وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحَلَّهُ ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَنُدِبَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ الْإِطْعَامُ وَالْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } أَيْ السَّائِلَ وَالْمُعْتَرِضَ لِلسُّؤَالِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا ، وَهَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ فَلَيْسَ لِصِحَابِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ ، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ ، وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ .( قَوْلُهُ : وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْقَانِعُ السَّائِلُ مِنْ قَنَعْت إلَيْهِ إذَا خَضَعْت لَهُ وَسَأَلْته قَنُوعًا وَالْمُعْتَرُّ الْمُتَعَرِّضُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ أَوْ الْقَانِعُ الرَّاضِي بِمَا عِنْدَهُ وَبِمَا يُعْطَى بِغَيْرِ سُؤَالٍ مِنْ قَنَعْت قَنَعًا ، وَقَنَاعَةً وَالْمُعْتَرُّ الْمُتَعَرِّضُ لِلسُّؤَالِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي نَصَائِحِهِ الْكِبَارِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ اقْنَعْ مِنْ الْقَنَاعَةِ لَا مِنْ الْقُنُوعِ تَسْتَغْنِ عَنْ كُلِّ مِعْطَاءٍ ، وَمَنُوعٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ نَحْوَ غِرْبَالٍ وَجِرَابٍ ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَكَانَ لَهُ التَّصَدُّقُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَهَا ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ اسْتِحْسَانًا ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ ، وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ نَحْوَ اللَّحْمِ وَالطَّعَامِ ، وَلَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَعِيَالِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَبِيعَهُ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ ، وَلَوْ بَاعَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ } يُفِيدُ كَرَاهِيَةَ الْبَيْعِ ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَجَائِزٌ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَلَا يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا ، وَلَا تُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا } وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ فَيَنْتَفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ أُقِيمَتْ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بَعْدَهَا مُطْلَقٌ لَهُ ، وَيُكْرَهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا كَمَا فِي الصُّوفِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ لِلْغَنِيِّ بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ بَاعَهُمَا ) أَيْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ إلَخْ ) أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَنُدِبَ أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْقُرَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَلَا يَضُرُّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةً فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ ثُمَّ أَعْطَى الْمُدْيَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِيَ } ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ } .( قَوْلُهُ : فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ وَالنِّيَابَةُ فِي الْمَالِيَّاتِ جَائِزَةٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ ) { قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً قَالَ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً } ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا لَا تَقَرُّبًا .( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ ) ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ ، وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ } ، وَقَالَ جَابِرٌ لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ ، وَلَنَا أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ جَازَ لَهُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ مَا كَانَ قُرْبَةً لِمُسْلِمٍ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ غَلِطَا ، وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ صَحَّ ، وَلَا يَضْمَنَانِ ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْأُضْحِيَّةُ ، وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالذَّبْحِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ ، وَالتَّضْحِيَةُ قُرْبَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ ، وَيَخَافُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْتَرِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا ، وَكَيْفَ لَا يَأْذَنُ لَهُ ، وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْخَيْرِ ، وَتَحْقِيقُ مَا عَيَّنَهُ ، وَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِ مُبَاشَرَتِهِ وَشُهُودِهِ لِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ إذْنًا دَلَالَةً ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ لِأَصْحَابِنَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ ثُمَّ إذَا جَازَ ذَلِكَ عَنْهُمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً ، وَلَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ يُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَيُجْزِئُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحْلِلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ ، وَإِنْ تَشَاحَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ الْمَالِكِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ وَمَنْ
أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ فَقَالَ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِلَا أَمْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا ، وَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْأُضْحِيَّةِ ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يُفَوِّضُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً كَالْقَصَّابِ إذَا شَدَّ رِجْلَ شَاتِهِ لِلذَّبْحِ فَذَبَحَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَضْمَنُ ، وَلَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهَا غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ تَصَدَّقَ بِمَا فَضْلَ ، وَمَنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَ عَنْ أُضْحِيَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْغَصْبِ السَّابِقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَهُ ، وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا تَجُوزُ عَنْ الذَّابِحِ دُونَ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمَغْصُوبَةِ ، وَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً أَجْزَأَتْ الْمَالِكَ عَنْ التَّضْحِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ غَلَطَا إلَخْ ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَوْلُهُ : غَلَطَا هَذَا شَرْطٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ صَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَمْدُ الْغَلَطَ ، وَفِي الْغَلَطِ جَازَ عَنْ صَاحِبِهِ ، وَفِي الْعَمْدِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْأُضْحِيَّةِ ضَمَّنَ الذَّابِحَ قِيمَةَ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْعَمْدِ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الذَّابِحِ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَسَيَجِيءُ هَذَا الْفَرْعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْبَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فَقِيرًا وَاشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا ) أَيْ إذَا كَانَ غَنِيًّا ، وَلَكِنْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَرْعٌ : فِي الْبَدَائِعِ غَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ، وَلَا عَنْ صَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا مَذْبُوحَةً وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ عَنْهُمَا ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَحِّيَ بِأُخْرَى لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ صَاحِبُهَا قِيمَتَهَا حَيَّةً فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَصَارَ ذَابِحًا شَاةً هِيَ مِلْكُهُ فَيُجْزِئُهُ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ مَحْظُورًا فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُمْلَكُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ كَانَ اشْتَرَاهَا
لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ ا هـ فَرْعٌ آخَرُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَحَّى شَاةَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ عَنْهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الشَّاةِ ، وَلَنْ يَثْبُتَ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْأَمْرِ لَا بِنَفْسِهِ ، وَلَا بِنَائِبِهِ ا هـ قَوْلُهُ : وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مُطْلَقًا ) ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي إمْلَاءِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيّ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ مُتَعَمِّدًا عَنْ صَاحِبِهَا يَوْمَ النَّحْرِ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ أَجْزَأَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا هُيِّئَتْ لِلذَّبْحِ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ا هـ غَايَةٌ .
( كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ ) هِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فِي اللُّغَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( الْمَكْرُوهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ ، وَنَصَّ مُحَمَّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَرَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ لَقَّبَهُ بِبَابِ الْكَرَاهِيَةِ ، وَفِيهِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالْقُدُورِيُّ لَقَّبَهُ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةَ الْإِطْلَاقُ ، وَفِيهِ بَيَانُ مَا أَبَاحَ الشَّرْعُ ، وَمَا مَنَعَ ، وَلَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِحْسَانِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَقَبَّحَهُ ، وَلَفْظُ الِاسْتِحْسَانِ أَحْسَنُ فَلُقِّبَ بِهِ أَوْ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ اسْتِحْسَانٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا وَبَعْضُهُمْ لَقَّبَهُ بِكِتَابِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهِ أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرَكَهَا وَهَذَا الْكِتَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ ( فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( كُرِهَ لَبَنُ الْأَتَانِ ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ ، وَكَذَا لَبَنُ الْخَيْلِ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَحْمِهِ عِنْدَهُ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ ، وَلَا تُؤْكَلُ الْجَلَّالَةُ ، وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ أَكْلِهَا وَشُرْبِ لَبَنِهَا } وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ الْجِيَفِ وَالنَّجَاسَاتِ ، وَلَا تَخْلِطُ فَيَتَغَيَّرُ لَحْمُهَا فَيَكُونُ مُنْتِنًا ، وَلَوْ حُبِسَتْ حَتَّى يَزُولَ النَّتْنُ حَلَّتْ ، وَلَمْ تُقَدَّرْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ فِي الْأَصْلِ ، وَقَدَّرَهُ فِي النَّوَادِرِ بِشَهْرٍ ، وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْإِبِلِ وَبِعِشْرِينَ يَوْمًا فِي الْبَقَرِ وَبِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّجَاجَةِ أَمَّا الَّتِي
تَخْلِطُ بِأَنْ تَتَنَاوَلَ النَّجَاسَةَ وَالْجِيَفَ ، وَتَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي لَحْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِهَذَا يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِ جَدْيٍ غُذِّيَ بِلَبَنِ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ ، وَمَا غُذِّيَ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ ، وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ وَرُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ } ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَ يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُذْبَحُ فَذَاكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ ، وَلَوْ سُقِيَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَمْرًا فَذُبِحَ مِنْ سَاعَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ ، وَيُكْرَهُ .
( كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ تُوجَدُ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِ الْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي لَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مَكْرُوهَةٌ ، وَكَذَا جَزُّ صُوفِهَا وَحَلْبُ لَبَنِهَا ، وَإِبْدَالُ غَيْرِهَا مَكَانَهَا ، وَكَذَلِكَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ ثُمَّ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ اخْتَلَفَتْ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ ، وَقَدْ سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ ، وَعَلَيْهِ كَتَبَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَمُخْتَصَرِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَسَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاسْمِ الْكَرَاهِيَةِ ، وَعَلَيْهِ وَضَعَ الطَّحَاوِيُّ مُخْتَصَرَهُ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ سَمَّاهُ فِي مُخْتَصَرِهِ كِتَابَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَسْتَحْسِنُهَا الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ) ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ كُرِهَ لَبَنُ الْأَتَانِ ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ لُحُومُ الْأُتُنِ وَأَلْبَانُهَا ، وَأَبْوَالُ الْإِبِلِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَبَنُ الْخَيْلِ يُكْرَهُ ) وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ شُرْبَهُ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْإِدْهَانُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ، وَلَا الدِّيبَاجَ ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَأَحْمَدُ ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ كَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ { نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ فَكَذَا فِي التَّطَيُّبِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِيهِمَا وَارِدًا فِيمَا هُوَ بِمَعْنَاهَا دَلَالَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَنَعُّمٌ بِتَنَعُّمِ الْمُتْرَفِينَ وَالْمُشْرِفِينَ ، وَتَشَبُّهٌ بِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُرِهَ التَّحْرِيمُ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ، وَكَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِهِمَا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ ، وَمَعْنَى يُجَرْجِرُ يُرَدِّدُ مِنْ جَرْجَرَ الْفَحْلُ إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي
حَنْجَرَتِهِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : قِيلَ صُورَةُ الْإِدْهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ لَا يُكْرَهُ قَالَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إلَخْ ) ، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ فَسَيَجِيءُ مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) إلَخْ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا غَسْلُ قَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ أَوْ يُقَالُ التَّحْرِيمُ فِي اسْتِعْمَالِ ذَهَبِ الدُّنْيَا لَا ذَهَبِ الْجَنَّةِ أَوْ يُقَالُ اسْتِعْمَالُهُ حَرَامٌ عَلَى الْبَشَرِ لَا عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْمُسْتَعْمِلُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ قَوْلُهُ : الْمُتْرَفِينَ ) أَيْ الْمُتَنَعِّمِينَ يُقَالُ أَتْرَفَهُ أَيْ نَعَّمَهُ ، وَأَتْرَفَتْهُ النِّعْمَةُ أَيْ أَطْغَتْهُ كَذَا فِي الدِّيوَانِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ) أَيْ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَالْمِجْمَرَةِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا مِنْ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبَلُّورٍ وَعَقِيقٍ ) أَيْ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي التَّفَاخُرِ بِهِ قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ ، وَلَئِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ جَارِيَةً بِالتَّفَاخُرِ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِمَا ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ { أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ عَيْنُهُ .( قَوْلُهُ : فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ ) التَّوْرُ إنَاءٌ صَغِيرٌ يُشْرَبُ فِيهِ ، وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ ا هـ مُغْرِبٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ الشُّرْبُ مِنْ إنَاءٍ مُفَضَّضٍ وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ ، وَيَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ ) أَيْ يَتَّقِي مَوْضِعَهَا بِالْفَمِ ، وَقِيلَ بِالْفَمِ وَالْيَدِ فِي الْأَخْذِ ، وَفِي الشُّرْبِ ، وَفِي السَّرِيرِ وَالسَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ ، وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي نَصْلِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا ، وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمِشْحَذِ أَوْ فِي حَلْقَةِ الْمِرْآةِ أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا أَوْ مُفَضَّضًا ، وَكَذَا الْمُفَضَّضُ مِنْ اللِّجَامِ وَالرِّكَابِ وَالثَّفْرِ لَا يُكْرَهُ ، وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا كَانَ فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ ، وَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِبَقَائِهِ لَوْنًا لِأَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلًا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَيُكْرَهُ كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ { قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ
رَأَيْت عِنْدَ أَنَسٍ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَصْدًا لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ الْعُضْوُ ، وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يُكْرَهُ فَصَارَ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ ، وَمِسْمَارُ الذَّهَبِ فِي فَصِّ الْخَاتَمِ ، وَكَالْعِمَامَةِ الْمُعَلَّمَةِ بِالذَّهَبِ وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ حَاضِرُونَ فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ يُكْرَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فَقَالَ إنْ وَضَعَ فَاهُ فِي مَوْضِعِ الْفِضَّةِ يُكْرَهُ ، وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ أَيُكْرَهُ ذَلِكَ فَوَقَفَ الْكُلُّ ، وَتَعَجَّبَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ جَوَابِهِ .
قَوْلُهُ : وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ ) أَيْ الْمَشْدُودُ بِهِ يُقَالُ بَابٌ مُضَبَّبٌ أَيْ مَشْدُودٌ بِالضَّبَّاتِ جَمْعُ ضَبَّةٍ ، وَهِيَ حَدِيدَتُهُ الْعَارِضَةُ الَّتِي يُضَبَّبُ بِهَا ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ، وَمِنْهُ ضَبَّبَ أَسْنَانَهُ إذَا شَدَّهَا بِالْفِضَّةِ ا هـ ، وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالضَّبَّةُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ نَحْوِهِ يُشَعَّبُ بِهَا الْإِنَاءُ وَجَمْعُهَا ضَبَّاتٌ مِثْلُ جَنَّةٍ وَجَنَّاتٍ وَضَبَّبْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ عَمِلْت لَهُ ضَبَّةً ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالثَّفْرِ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ وَالثَّفْرُ بِالتَّحْرِيكِ ثَفَرُ الدَّابَّةِ ، وَقَدْ أَثْفَرْتهَا أَيْ شَدَدْت عَلَيْهَا الثَّفْرَ وَدَابَّةٌ مِثْفَارٌ يُرْمَى بِسَرْجِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ ) ، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّقْفِ جَازَ عِنْدَهُ ، وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ ) فَصَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَصْدًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا تَابِعٌ فَلَا يُكْرَهُ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالشُّرْبِ مِنْ الْكَفِّ عَلَى خِنْصَرِهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَصَارَ مِنْ جِنْسِ التَّحَمُّلِ ، وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ ، وَقَالَ الْخَاتَمُ لَمْ يَصِرْ جُزْءًا مِنْ الْكَفِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ : وَكَلَامُ أَبِي يُوسُفَ بَاطِلٌ بِالْمِسْمَارِ ا هـ فَرْعٌ : قَالَ فِي سَيْرِ الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيبَاجِ ، وَفُرُشِ الدِّيبَاجِ لَا يَقْعُدُ عَلَيْهَا ، وَلَا يَنَامُ ، وَأَوَانِي الذَّهَبِ لِلتَّجَمُّلِ لَا يَشْرَبُ فِيهِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ) ، وَهَذَا سَهْوٌ ؛ وَلِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الدِّيَانَاتِ ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ ؛ وَلِأَنَّ خَبَرَهُ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يَعْتَقِدُ فِيهِ حُرْمَةَ الْكَذِبِ ، وَالْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَّا إذَا كَانَ قَبُولُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَتَضَمَّنُ قَبُولَهُ فِي الدِّيَانَاتِ فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الدِّيَانَاتُ فِي ضَمِنَ الْمُعَامَلَاتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا ضَرُورَةً ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الشُّرْبِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ ، وَتَبَعًا لِلْأَرْضِ يَجُوزُ فَكَذَا هُنَا يَدْخُلُ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ خَادِمٌ أَوْ أَجِيرٌ مَجُوسِيٌّ فَأَرْسَلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ مَجُوسِيٍّ لَا يَسَعُهُ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ فِي حَقِّ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ضَرُورَةً لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ هَذَا حَلَالٌ ، وَهَذَا حَرَامٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ ) قُلْت هَذَا لَيْسَ بِسَهْوٍ ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْحِلِّ الْحِلَّ الضِّمْنِيَّ وَبِالْحُرْمَةِ الْحُرْمَةَ الضِّمْنِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ حَاصِلَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ ، وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ يَعْتَقِدُ فِيهِ حُرْمَةَ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ : فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ ، وَمُرَادُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ : فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ فَافْهَمْ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَكَذَا هُنَا يَدْخُلُ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ كَانَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ عَبِيدٌ مِنْ الْعُلُوجِ ، وَكَانُوا يُسْتَعْلَمُونَهُمْ ، وَيُصَدِّقُونَهُمْ عَلَى مَقَالَتِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِي حَقِّ الشِّرَاءِ مِنْهُ ) وَالشِّرَاءُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيُّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ وَالْفَاسِقِ فِي الْمُعَامَلَاتِ ) أَيْ خَبَرُ هَؤُلَاءِ يُقْبَلُ فِيمَا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى سُقُوطِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْتَجْمِعَ لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ لِيُعَامِلَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ ، وَيَبْعَثَهُ إلَى وُكَلَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَا دَلِيلَ مَعَ السَّامِعِ يَعْمَلُ بِهِ سِوَى الْخَبَرِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ لَامْتَنَعَ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ وَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ وَبَابُهُ مَفْتُوحٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ لِلْإِلْزَامِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهَا فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِيهَا حَالُ مُسَالَمَةٍ لَا حَالُ مُنَازَعَةٍ حَتَّى يُخَافُ فِيهَا التَّزْوِيرُ وَالِاشْتِغَالُ بِالْأَبَاطِيلِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ فَإِذَا قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْمُمَيِّزِ ، وَكَانَ فِي ضِمْنِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهَا قَبُولُهُ فِي الدِّيَانَاتِ ، يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ ضِمْنًا لِمَا ذَكَرْنَا حَتَّى إذَا قَالَ مُمَيِّزٌ هَذَا أَهْدَى إلَيْك فُلَانٌ أَوْ قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ الْأَخْذُ ، وَالِاسْتِعْمَالُ حَتَّى جَازَ لَهُ الْوَطْءُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدِّيَانَاتِ صَارَتْ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَاتِ فَيَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْمُعَامَلَاتِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ لَا تَخْلُو عَنْ دِيَانَةٍ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ فِيهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ ، وَكَانَ يَنْسَدُّ بَابُ الْمُعَامَلَاتِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُمَيِّزِ فِيهَا ضَرُورَةً بِخِلَافِ الدِّيَانَاتِ الْمَقْصُودَةِ ؛
لِأَنَّهَا لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا كَالْمُعَامَلَاتِ فَلَا حَرَجَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهَا ، وَكَذَا الْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ مُتَّهَمَانِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَلْتَزِمَانِ الْحُكْمَ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُلْزِمَا غَيْرَهُمَا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَةِ ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مَعَهُمَا ، وَمِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِهَا مَعَهُمَا قَبُولُ قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَهَيَّأُ إلَّا بِقَبُولِ قَوْلِهِمَا ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ قَوْلُ الْمَسْتُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاحَ كَانَ غَالِبًا فِيهِ وَلِهَذَا جَازَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْفَاسِقِ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي خَبَرِهِ فِي الدِّيَانَاتِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ كَمَا فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي زَمَانِنَا وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ إذَا كَانُوا عُدُولًا لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ كَخَبَرِ الْحُرِّ إذَا كَانَ عَدْلًا ، وَمِنْ الْمُعَامَلَاتِ التَّوْكِيلُ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى النِّزَاعِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ نَجَسٌ تَيَمَّمَ ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا تَحَرَّى فِيهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَسْتُورًا فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ تَيَمَّمَ ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ ، وَإِنْ أَرَاقَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِيهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِرَاقَةِ مَعَهُ ، وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ
الْكَذِبِ ، وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ وَأَمَّا الِاحْتِيَاطُ فَأَنْ يَتَيَمَّمَ ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ فَلَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ ضِدِّهِ ، وَمِنْ الدِّيَانَةِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ الْمَقْصُودَانِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا زَوَالُ الْمِلْكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ أَنْوَاعٌ أَحَدُهُمَا خَبَرُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ وَالثَّانِي خَبَرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجَصَّاصِ خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَاتُرُ عِنْدَهُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّالِثُ : حُقُوقُ الْعِبَادِ فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْعَدَدُ وَالْحُرِّيَّةُ ، وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ، وَالرَّابِعُ حُقُوقُ الْعِبَادِ : فِيمَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ يُقْبَلُ فِيهَا عِنْدَهُمَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ ، وَالْخَامِسُ الْمُعَامَلَاتُ فَيُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْثِلَةَ كُلِّ قِسْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَمِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالشَّهَادَةِ .
( قَوْلُهُ : وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حُجَّةٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ خَبَرَ الْوَاحِدِ حُجَّةً فِي كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } ، وَقَالَ تَعَالَى { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرَقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ } ، وَقَدْ تَوَارَثْنَا السُّنَّةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْبَلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ ، وَإِنَّمَا تَرَكُوا الْقِيَاسَ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ قَوْلَهُمَا فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ خَبَرَ الْحُرِّ الْبَالِغِ لَشَقَّ عَلَى النَّاسِ فَجُوِّزَ لِذَلِكَ ، وَقَدْ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ السَّامِعِ مِنْ صِفَةِ الْمُخْبِرِ فَإِذَا رَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ شَيْئًا لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ ثِقَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ هَذَا أَهْدَاهُ إلَيْك مَوْلَايَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَعْتَرِضْ لِشَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْإِذْنُ طَارِئٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالشَّكِّ ، وَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ ثِقَةً فِي الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ أَخْبَارِ الدَّيَّانَاتِ فَإِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ : فِي أَخْبَارِ الدِّينِ فَفِي أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَسِعَهُ الْأَخْذُ وَالِاسْتِعْمَالُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا ا هـ ع ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ
الدَّيَّانَاتِ الْمَقْصُودَةِ ) أَيْ الَّتِي لَمْ تَكُنْ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَاتِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا زَوَالٌ ) أَيْ كَإِخْبَارِ الْعَدْلِ الزَّوْجَيْنِ بِأَنَّهُمَا ارْتَضَعَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَشَهْرُ رَمَضَانَ ) أَيْ الشَّهَادَةُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَثَمَّةَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ يَقْعُدُ ، وَيَأْكُلُ ) أَيْ إذَا حَدَثَ اللَّعِبُ وَالْغِنَاءُ هُنَاكَ بَعْدَ حُضُورِهِ يَقْعُدُ وَيَأْكُلُ ، وَلَا يَتْرُكُ ، وَلَا يَخْرُجُ ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ } فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَتْ الْبِدْعَةُ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ النَّائِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَصْبِرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اُبْتُلِيتُ بِهَذَا مَرَّةً هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ ، وَلَا يَقْعُدُ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ ، وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَعِبٌ وَغِنَاءٌ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَهَا فَلَا يَحْضُرُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ { ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَطْعَمَيْنِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ ، وَأَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ مُنْبَطِحٌ } رَوَاهُ دَاوُد وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ ، وَكَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
اُبْتُلِيتُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْحِرَ وَالْمَعَازِفَ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَفِي لَفْظٍ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَنِّي الْمُجَرَّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَوْ سَمِعَ بَغْتَةً فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ فَهْمَ الْقَوَافِي وَالْفَصَاحَةَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ التَّغَنِّي لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ ، وَلَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَلَوْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ أَوْ عِبَرٌ أَوْ فِقْهٌ لَا يُكْرَهُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً ، وَهِيَ مَيِّتَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً يُكْرَهُ .
( قَوْلُهُ : لَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ النَّائِحَةِ ) لَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ تَرْكِهَا لِاقْتِرَانِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ لِاقْتِرَانِ الْمَعْصِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَهِيَ أَضْعَفُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً إلَّا أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا } وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ } وَرُوِيَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى جَابِرٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ دُعِيَ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ } ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ ) أَيْ حَالَ شَبَابِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ مُحْتَرَمًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ احْتِرَامًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ لَا يَتْرُكُونَ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ امْرَأَةٌ سَأَلَتْ أَبَا يُوسُفَ عَنْ الدُّفِّ أَتَكْرَهُهُ فِي غَيْرِ
الْعُرْسِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي مَنْزِلِهَا وَالصَّبِيِّ قَالَ فَلَا أَكْرَهُهُ ، وَأَمَّا الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ اللَّعِبُ الْفَاحِشُ وَالْغِنَاءُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( حَرُمَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ) أَيْ حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أَيْ فَعَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَحَلَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِهِ وَحَرَّمَ عَلَى ذُكُورِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ } ، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ عَفْوٌ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ كَمَا ذَكَرَ هُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا هَكَذَا وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَضَمَّهُمَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ ، وَفِي لَفْظٍ { نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ ، وَعَنْ { أَسْمَاءَ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِهِ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا قُبِضَتْ عَائِشَةُ قَبَضْتَهَا إلَيَّ فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ فَيُسْتَشْفَى بِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ الشِّبْرِ ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ {
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مُقَطَّعًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَكَذَا الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُكْرَهُ ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ : وَكَذَا تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَلِبْنَتُهُ ، وَهُوَ الْقَبُّ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ .( فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ ) ( قَوْلُهُ : كِسْرَوَانِيَّةٍ ) مَنْسُوبٌ إلَى كِسْرَى ، وَهُوَ لَقَبُ مُلُوكِ الْفَرَسِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إلَّا مُقَطَّعًا ) أَيْ الْيَسِيرَ مِنْهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَحَلَّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : رَحِمَهُ اللَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَانَا أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ } وَالْمَيَاثِرُ شَيْءٌ كَانَتْ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مَرَافِقِ الْحَرِيرِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِدَابَّةٍ عَلَى سَرْجِهَا حَرِيرٌ فَقَالَ هَذَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ ؛ وَلِأَنَّ التَّنَعُّمَ بِالتَّوَسُّدِ وَالِافْتِرَاشِ مِثْلُ التَّنَعُّمِ بِاللُّبْسِ ، وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا رُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ } ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ وَالِاسْتِعْمَالِ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَمُوذَجًا وَنَظِيرُهُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُفْسِدُ فَكَذَا الْكَثِيرُ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ كُرْسِيِّ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ فِي حَقِّهِ إذْ هُمَا لَا
يُلْبَسَانِ فَلَا يَكُونُ نَمُوذَجًا ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَمُوذَجًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ نَمُوذَجًا إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ) ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ أَنَّ مُحَمَّدًا كَرِهَ تِكَّةَ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمَ ، وَقَالَ فِي فَتَاوَى الصُّغْرَى ، وَلَا بَأْسَ بِتِكَّةِ الْحَرِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ) أَيْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ ، وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِمَا ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ، وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْعَلَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ا هـ غَايَةٌ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي سُتَرِ الْحَرِيرِ ، وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَبْوَابِ يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُمَا الْعُمُومَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ ، وَهِيَ تَشْمَلُ اللُّبْسَ وَالتَّوَسُّدَ جَمِيعًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : كَالْقَطَائِفِ مِنْ الْأُرْجُوَانِ ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِيهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِيْثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ الْمِيثَرَةُ بِالْكَسْرِ مِفْعَلَةٌ مِنْ الْوَثَارَةِ يُقَالُ وَثُرَ وَثَارَةً فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ ، وَأَصِلُهَا مِوْثَرَةٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكِسْرَةِ الْمِيمِ ، وَهِيَ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ تُعْمَلُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ دِيبَاجٍ وَالْأُرْجُوَانُ صِبْغٌ أَحْمَرُ وَيُتَّخَذُ كَالْفِرَاشِ الصَّغِيرِ ، وَيُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ صُوفٍ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ تَحْتَهُ عَلَى الرِّحَالِ فَوْقَ الْجِمَالِ ، وَيَدْخُلُ مَيَاثِرُ السُّرُوجِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُ كُلَّ مِيْثَرَةٍ حَمْرَاءَ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ ا هـ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَاوِ مَعَ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ :
وَهُوَ زِيُّ الْأَكَاسِرَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ حَلَالٌ ، وَهُوَ الْعَلَمُ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ ، وَهُوَ التَّوَسُّدُ وَالِافْتِرَاشُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ كَامِلٍ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّدَ وَالِافْتِرَاشَ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالٌ ، وَهُوَ مَعَ كُلٍّ امْتِهَانٌ فَقَصُرَ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مِنْ اللُّبْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْكَامِلُ إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ بَلْ كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلُّبْسِ وَنَمُوذَجًا ، وَتَرْغِيبًا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمِرْفَقَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وِسَادَةُ الِاتِّكَاءِ ا هـ قَوْلُهُ : نَمُوذَجًا ) النَّمُوذَجُ بِالْفَتْحِ وَالْأُنْمُوذَجُ بِالضَّمِّ تَعْرِيبُ نموده ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَذَّةَ مَا وُعِدَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ ، وَيَرْغَبُ فِي سَبَبٍ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إذْ هُمَا لَا يُلْبَسَانِ ) أَيْ ، وَإِنَّمَا يُتَّخَذُ مِنْهُمَا الْكُرْسِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكُونُ الْجُلُوسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ أُنْمُوذَجًا إلَى الْكَامِلِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ : فَلَا يَكُونُ أَيْ الْكُرْسِيُّ فِي الدُّنْيَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلُبْسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ أَوْ خَزٌّ ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُسْدَى بِالْحَرِيرِ ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَصِيرُ ثَوْبًا إلَّا بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ أَوْ نَقُولُ لَا يَكُونُ ثَوْبًا إلَّا بِهِمَا فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَجْهَيْنِ فَيُعْتَبَرُ آخِرُهُمَا ، وَهُوَ اللُّحْمَةُ ؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمَنْظَرِ فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلُبْسُ مَا سَدَاه حَرِيرٌ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السَّدَى وَزَّانُ الْحَصَى مِنْ الثَّوْبِ خِلَافُ اللُّحْمَةِ ، وَهُوَ مَا يُمَدُّ طُولًا فِي النَّسْجِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلُحْمَتُهُ قُطْنٌ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُلْحَمُ مِنْ الثِّيَابِ مَا سَدَاه إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ إبْرَيْسَمٍ ، وَمِنْهُ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَتِهِ ا هـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلُحْمَةُ الثَّوْبِ مَا يُنْسَجُ عَرْضًا بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ لُغَةً ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثَعْلَبٌ وَاللُّحْمَةُ بِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ وَالْفَتْحُ لُغَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : الْخَزَّ ) الْخَزُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَتَشْدِيدِ الزَّايِ ، وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُتَّخِذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ نَقُولُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ ، وَهُوَ تَرْكِيبُ السَّدَى بِاللُّحْمَةِ فَكَانَ صَيْرُورَتُهُ ثَوْبًا مُضَافًا إلَيَّ اللُّحْمَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا تَعَلَّقَ وُجُودُهُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي إبَاحَةَ الْعَتَّابِيِّ وَنَحْوِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ اللُّحْمَةَ هِيَ الَّتِي تَظْهَرُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي أَنَّ السَّدَى لَوْ كَانَ ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ يُكْرَهُ لُبْسُهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَعَكْسُهُ حَلَّ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ ) أَرَادَ بِهِ عَكْسَ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرَهُ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرْبِ فَقَطْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلُّحْمَةِ غَيْرَ أَنَّ فِي الْحَرْبِ ضَرُورَةً ، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ } ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ ، وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ مِنْهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إمَّا حَرِيرٌ خَالِصٌ أَوْ مَخْلُوطٌ ، وَهُوَ نَوْعَانِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ سُدًى أَوْ لُحْمَةً ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالْبِطَانَةِ ، وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا ؛ لِأَنَّ الْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ فَلَا يَكُونُ ثَوْبًا .( قَوْلُهُ : لِمَعَرَّةِ السِّلَاحِ ) أَيْ شِدَّتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : الْقَزِّ ) الْقَزُّ مُعَرَّبٌ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسَمُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَزُّ وَالْإِبْرَيْسَمُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ ا هـ مِصْبَاحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَتَحَلَّى الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا بِالْخَاتَمِ وَالْمِنْطَقَةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ ) لِمَا رَوَيْنَا غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ مُسْتَثْنَى تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ وَرَدَ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ فِضَّةٍ ، وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ فِي طَلَبِهِ مَالًا عَظِيمًا فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَالتَّشْوِيشُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَا يَتَخَتَّمُ بِغَيْرِ الْفِضَّةِ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ } وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ { رَجُلًا جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ ثُمَّ عَادَ ، وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا شَرٌّ مِنْهُ هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ } وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِحَجَرٍ يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ حَرَامٌ لِمَا رَوَيْنَا ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ } ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ ضَرُورَةُ التَّخَتُّمِ وَالنَّمُوذَجِ ، وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْأَدْنَى ، وَهِيَ الْفِضَّةُ وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا
، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ الْحَجَرِ ، وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّنْيَةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَخَتَّمَ إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ يَخْتِمُ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ أَيْ فِي ثُقْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ ، وَلَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى مِثْقَالٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اتَّخِذْهُ مِنْ الْوَرِقِ ، وَلَا تُزِدْهُ عَلَى مِثْقَالٍ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ وَحَرُمَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ ) ، وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : مِنْ الْفِضَّةِ ) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ ) فِي بِئْرِ أَرِيسٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمَنْ النَّاسِ إلَخْ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ ، وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْفَصِّ يَكُونُ فِيهِ الْحَجَرُ فِيهِ مِسْمَارُ ذَهَبٍ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ النَّهْيَ حَيْثُ قَالَ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْقَضَّةِ ، وَمَنْ النَّاسِ مَنْ أَبَاحَ التَّخَتُّمَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالصُّفْرِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْكِتَابِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا التَّخَتُّمَ بِالْيَشْبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَأَنَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ أَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ فَأَمَّا الْيَشْبُ وَنَحْوُهُ فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ بِهِ كَالْعَقِيقِ فَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) نَقَلَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ ، وَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زُمُرُّدٍ فَلَا بَأْسَ ، وَإِنْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ أَوْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ رَبِّي اللَّهُ أَوْ نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ آخَرُ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ ، وَفِي الْأَجْنَاسِ ، وَيَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى ، وَلَا يَلْبَسُهُ فِي الْيُمْنَى ، وَلَا فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصَابِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ
وَسَوَّى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ ، وَهُوَ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ إلَخْ ) قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ التَّخَتُّمُ إنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً إذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى التَّخَتُّمِ بِأَنْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى التَّخَتُّمِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ ) أَيْ يَحِلُّ شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكُ بِالْفِضَّةِ ، وَلَا يَحِلُّ بِالذَّهَبِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحِلُّ بِالذَّهَبِ أَيْضًا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ { عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ كِلَابٍ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ } ؛ وَلِأَنَّ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصْلُ الْحُرْمَةُ فِيهِمَا فَإِذَا حَلَّ التَّضْبِيبُ بِأَحَدِهِمَا حَلَّ بِالْآخِرِ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا حَرَامٌ إلَّا لِلضَّرُورَةِ ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْأَدْنَى ، وَهُوَ الْفِضَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَعْلَى فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ فِيمَا رُوِيَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْفِضَّةِ حَيْثُ أَنْتَنَتْ ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِي السِّنِّ وَالْمَرْوِيَّ فِي الْأَنْفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ فِي الْأَنْفِ عَدَمُ الْإِغْنَاءِ فِي السِّنِّ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّخَتُّمَ جَازَ لِأَجْلِ الْخَتْمِ ثُمَّ لَمَّا ، وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْأَدْنَى لَا يُصَارُ إلَى الْأَعْلَى ، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَنْفِ فَكَذَا هُنَا ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَصَّ عَرْفَجَةَ بِذَلِكَ كَمَا خَصَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِأَجْلِ الْحَكَّةِ فِي جِسْمِهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ ) وَالشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : كِلَابٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِالْكَافِ ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ وَادٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعَرَبِ فِي حَدِيثِهَا طُولٌ وَلِلْعَرَبِ فِيهَا أَشْعَارٌ ا هـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْكُلَابُ وِزَانُ غُرَابٍ مَاءٌ لِبَنِي تَمِيمٍ ، وَكَانَ بِهِ ، وَقْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ ، وَهُوَ عَنْ الْيَمَامَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَكُرِهَ إلْبَاسُ ذَهَبٍ وَحَرِيرٍ صَبِيًّا ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ أَيْضًا كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا الصَّبِيَّ ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ .( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَكَرِهَ إلَخْ ) ، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يُكْرَهُ ا هـ ع
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ ، وَمُخَاطٍ وَالرَّتَمُ ) أَيْ لَا تُكْرَهُ الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ ، وَلَا الرَّتَمُ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ حَمْلُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ ، وَتَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْأَعَاجِمِ ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَمْسَحُونَ بِأَطْرَافِ أَرْدِيَتِهِمْ ، وَفِيهَا نَوْعُ تَجَبُّرٍ ، وَتَكَبُّرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ ، وَلَا الرَّتَمُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ مَنَادِيلَ الْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِمَسْحِ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَلِحَمْلِ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ لَوْ حَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ يُكْرَهُ كَالتَّرَبُّعِ وَالِاتِّكَاءِ فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَا إذَا كَانَا لِحَاجَةٍ ، وَيُكْرَهَانِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالرَّتَمُ هِيَ الرَّتِيمَةُ ، وَهِيَ خَيْطُ التَّذَكُّرِ يُعْقَدُ فِي الْأُصْبُعِ ، وَكَذَلِكَ الرَّتَمَةُ قَالَ الشَّاعِرُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِكُمْ فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ ، وَقِيلَ الرَّتَمُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ هَلْ يَنْفَعَنْكَ الْيَوْمَ إنْ هَمَّتْ بِهِمْ كَثْرَةُ مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ وَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ عَمَدَ إلَى هَذَا الشَّجَرِ فَشَدَّ بَعْضَ أَغْصَانِهِ بِبَعْضٍ فَإِذَا رَجَعَ ، وَأَصَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ لَمْ تَخُنِّي امْرَأَتِي ، وَإِذَا أَصَابَهُ قَدْ انْحَلَّ قَالَ خَانَتْنِي هَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الثِّقَاتِ إلَّا أَنَّ اللَّيْثَ ذَكَرَ الرَّتَمَ بِمَعْنَى الرَّتِيمَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تُشْتَبَهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ ، وَهِيَ خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى زَعْمِهِمْ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ،
وَذَكَرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَالرَّتِيمَةُ مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّهَا تُرْبَطُ لِلتَّذَكُّرِ عِنْدَ النِّسْيَانِ ، وَلَيْسَتْ كَالتَّمِيمَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِهَا } ، وَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ التَّمِيمَةِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِيهَا إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ ، وَتَأْوِيلُ الرُّقَى فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ التَّدَاوِي بِالْحُقْنَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَكَبُّرًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ ، وَمَنْ فَعَلَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَنَظِيرُهُ التَّرَبُّعُ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءُ قَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ نَخْوَةً ، وَتَكَبُّرًا ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَتَعْقَادُ الرَّتَمِ ) وَالتِّعْقَادُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْدِ عَلَى وَزْنِ التِّفْعَالِ كَالتَّلْعَابِ وَالتَّهْذَارِ وَالْبَيْتُ بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ هَلْ يَنْفَعَنك بِلَفْظِ هَلْ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْفُقَهَاءُ رَوَوْهُ فِي كُتُبِهِمْ لَا يَنْفَعَنك بِحَرْفِ النَّفْيِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ لَا يَدْخُلُ فِي النَّفْيِ إلَّا نَادِرًا فِي الشِّعْرِ ، وَقَوْلُهُ : هَمَّتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الثِّقَاتِ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَمْتَ بِتَاءِ الْخِطَابِ لِمُذَكَّرٍ عَلَى حَذْفِ إحْدَى الْمِيمَيْنِ ، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحْسِنْ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَالتَّمَائِمُ ) التَّمَائِمُ جَمْعُ تَمِيمَةٍ ، وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ فَأَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ { مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ } كَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَمَامُ الدَّوَاءِ وَالشِّفَاءِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا شِرْكًا ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا دَفْعَ الْمَقَادِيرِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِمْ وَطَلَبُوا دَفْعَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دَافِعُهُ ا هـ ابْنُ الْأَثِيرِ .
( فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا ) ، وَهَذَا كَلَامٌ فِيهِ خَلَلٌ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ ، وَكَفَّيْهَا فَيَكُونُ تَحْرِيضًا عَلَى النَّظَرِ إلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ ، وَإِلَى تَرْكِ النَّظَرِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُمَا ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَقْصُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ فِيهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ لَا أَنَّهُ لَا يَكُفُّهُمَا ، وَإِنَّمَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَوْضِعُهُمَا ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } مَوَاضِعُهَا ؛ وَلِأَنَّ فِي إبْدَائِهِمَا ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَالْإِعْطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَالَطَةِ فِيهَا ضَرُورَةً كَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ } إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ ، وَهُمَا الْعُضْوَانِ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَدَمَ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ فِي تَغْطِيَتِهِ بَعْضَ الْحَرَجِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً ، وَمَا عَدَا مَا اسْتَثْنَى مِنْ الْأَعْضَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } قَالُوا ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا ، وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا
لَمْ يَكُنْ ثَوْبٌ يَبِينُ حَجْمُهَا فِيهِ فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَةٍ وَرَاءَ ثِيَابِهَا حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ حَجْمُ عِظَامِهَا لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } ؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى لَمْ تَصِفْ ثِيَابُهَا مَا تَحْتَهَا مِنْ جَسَدِهَا يَكُونُ نَاظِرًا إلَى ثِيَابِهَا ، وَقَامَتِهَا دُونَ أَعْضَائِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا نَظَرَ إلَى خَيْمَةٍ فِيهَا امْرَأَةٌ ، وَمَتَى كَانَ يَصِفُ يَكُونُ نَاظِرًا إلَى أَعْضَائِهَا .( فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ ) قَوْلُهُ : ( لَا أَنَّهُ لَا يَكُفُّهُمَا ) قُلْت مَعْنَى كَلَامِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْحُرَّةِ إلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيضِ عَلَى النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ ، وَلَا يَدُلُّ التَّرْكِيبُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِهِ مَوَاضِعُهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَذَكَرَ الزِّينَةَ ، وَأَرَادَ مَوْضِعَهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا يُفِيدُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَعَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَتَانِ فِي الْقَدَمِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا ، وَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ ، وَفِيهِ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا يُقَالُ رَاحَ يُرِيحُ وَرَاحَ يَرَاحُ ، وَأَرَاحَ يُرِيحُ إذَا وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّيْءِ وَالثَّلَاثَةُ قَدْ رُوِيَ بِهَا الْحَدِيثُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى إلَى وَجْهِهَا إلَّا الْحَاكِمُ وَالشَّاهِدُ ، وَيَنْظُرُ الطَّبِيبُ إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مَعَ الشَّهْوَةِ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا لِلضَّرُورَةِ إذَا تَيَقَّنَ بِالشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا ، وَفِي نَظَرِ الْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا أَوْ الشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ ، وَفِي نَظَرِ الطَّبِيبِ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ ضَرُورَةٌ فَيُرَخَّصُ لَهُمْ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِمْ فَصَارَ كَنَظَرِ الْخَتَّانِ وَالْخَافِضَةِ ، وَكَذَا يَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ لِلْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ ، وَكَذَا لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ ، وَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي أَنْ يَقْصِدَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمَ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقَبِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ هَذَا وَقْتَ الْأَدَاءِ ، وَأَمَّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً إنْ أَمْكَنَ ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَتَرَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ ثُمَّ يَنْظُرُ ، وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا اسْتَطَاعَ ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً { اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا ، وَلَا كَفَّيْهَا ، وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِوُجُودِ الْمُحَرِّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى وَقَالَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا ، وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ ، وَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ ، وَكَانَتْ تَكْبِسُ رِجْلَيْهِ ، وَتَفْلِي رَأْسَهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسِّ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَفَى بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا مَأْمُونًا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى لَا يَكُونُ الْمَسُّ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ كَالصَّغِيرَةِ وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ الشَّابَّ إذَا كَانَ لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الْعَجُوزِ فَالْعَجُوزُ تَشْتَهِي بِمَسِّ الشَّابِّ ؛ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ بِمَلَاذِ الْجِمَاعِ فَيُؤَدِّي إلَى الِاشْتِهَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاشْتِهَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ كَمَا لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الصَّغِيرِ لَا يَشْتَهِي الصَّغِيرُ أَيْضًا بِمَسِّهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ يُغَسِّلُهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ الدَّقُّ وَالسُّلُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : تَحَرُّزًا عَنْ الْقَبِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَأَمَّا الْإِشْهَادُ وَالْقَضَاءُ فَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْوَجْهِ وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ فَكَانَ فِيهِمَا الضِّرْوَةُ وَلِلضَّرُورَةِ الْمَاسَةِ أَثَرُ إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ كَضَرُورَةِ الْمَخْمَصَةِ يُبَاحُ بِهَا تَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ صُورَةِ الْمُعَامَلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَ الْمَجْهُولَةِ الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ مَاسَةٌ ، وَفِيهِ حَرَجٌ فَأَبَحْنَا النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ ، وَلَمْ يُبَحْ حَالَ الشَّهْوَةِ ، وَأَمَّا حَالُ إرَادَةِ النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ فَلِأَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ مَا حُرِّمَ لَعَيْنِهِ ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَالنَّظَرُ عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يَصِيرُ سَبَبًا لِلْوَطْءِ الْحَلَالِ لَا لِلزِّنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ ) أَيْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتُمَرِّضَهُ ) يُقَالُ مَرَّضَهُ أَيْ قَامَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَتَفْلِي رَأْسَهُ ) مِنْ بَابِ رَمَى ا هـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَلَيْت رَأْسِي فَلْيًا مِنْ بَابِ رَمَى نَقَّيْته مِنْ الْقَمْلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ ) ، وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَوْرَةَ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاكْتَفَى بِذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلِيلَ هُنَاكَ ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ بِرِفْقٍ ، وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ ، وَفِي السَّوْأَةِ بِضَرْبٍ إنْ لَجَّ .( قَوْلُهُ : بِرِفْقٍ ) ، وَلَا يُنَازِعُهُ إنْ لَجَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ ) ، وَلَا يَضْرِبُهُ إنْ لَجَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ ) ، وَمَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ أَيْ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أُمِنَتْ الشَّهْوَةُ وَالْفِتْنَةُ ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ النَّاظِرَ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتْمًا مَعَ الْخَوْفِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ نَظَرِهَا وَنَظَرِهِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ ، وَهِيَ كَالْمُتَحَقِّقِ حُكْمًا فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَإِذَا اشْتَهَتْ هِيَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِنْهَا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوُقُوعِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ لِلْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ ، وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَحْتَاجُونَ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَجُوزُ ، وَهِيَ الْأَصَحُّ ، وَمَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ جَازَ مَسُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَلَا
يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ .( قَوْلُهُ : وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ نَظَرِهِ وَنَظَرِهَا ) حَيْثُ كَانَ نَظَرُ الرَّجُلِ حَرَامًا وَغَضُّ بَصَرِهَا مُسْتَحَبًّا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى دُخُولِ الْحَمَّامِ ، وَإِلَى أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِهَا مُتَجَرِّدَةً وَالنِّسَاءُ تَدْخُلُ عَلَيْهَا فَلَوْ لَمْ نُجَوِّزْ النَّظَرَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَضْيِيقِ الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْجَوَازِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَهِي الْمَرْأَةَ غَالِبًا كَمَا لَا يَشْتَهِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَإِذَا جَازَ النَّظَرُ إلَى الرَّجُلِ كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا وَوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَحْتَاجُونَ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَعْمَلُ مُتَجَرِّدًا عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَيَغْلِبُ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهَا النَّظَرَ إلَيْهِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ أَمَتِهِ وَزَوْجَتِهِ ) مَعْنَاهُ عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجِك ، وَأَمَتِك } ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ } ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ مُبَاحًا لَمَا تَجَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهِ ؛ وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ النَّظَرِ ، وَهُوَ الْمَسُّ وَالْغَشَيَانُ مُبَاحٌ فَالنَّظَرُ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ ، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ } ؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ أَكْثَرَ النَّظَرَ إلَى سَوْأَتِهِ عُوقِبَ بِالنِّسْيَانِ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَقْتَ الْوِقَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أَوْ تَمَسُّ هِيَ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّك عَلَيْهِ هَلْ تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ لَا إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ هُنَا هِيَ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْرِكَةِ أَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ ) أَيْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَ مِنِّي ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ } ، وَهَذَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ لِمَا قُلْنَا ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَوَجْهِ مَحْرَمِهِ وَرَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَسَاقِهَا ، وَعَضُدِهَا لَا إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا ، وَفَخِذِهَا ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ مَحْرَمِهِ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَ ، وَلَا يَجُوزُ إلَى ظَهْرِهَا إلَخْ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } الْآيَةَ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْسَ الزِّينَةِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَيْنِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالشَّعْرِ ، وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعَا الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ ، وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوَاضِعِ الزِّينَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ ، وَلَا احْتِشَامٍ ، وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا بِثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً ، وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً فَلَوْ أُمِرَتْ بِالسَّتْرِ عَنْ مَحَارِمِهَا لَحَرَجَتْ حَرَجًا عَظِيمًا ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ وَالشَّهْوَةَ فِيهَا بَلْ تُعْدِمُهُ بِخِلَافِ الْأَجَانِبِ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ ، وَإِنْ كَانَ بِزِنًا ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالزِّنَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَّا إلَى وَجْهِهَا ، وَكَفِّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزَّانِي لَا بِطَرِيقِ النِّعْمَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ حُرْمَةِ النَّظَرِ فَيَبْقَى حَرَامًا عَلَى مَا كَانَ ؛ وَلِأَنَّ خِيَانَتَهُ قَدْ ظَهَرَتْ مَرَّةً فَلَا يُؤْتَمَنُ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْفَاحِشَةِ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ بِنْتُ مَنْ زَنَى بِهَا أَوْ أُمُّهَا وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ ، وَهُوَ بِالْحُرْمَةِ وَالْحَرَجُ
أَيْضًا مُنْتَفٍ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ عَادَةً بِسَبَبِ السِّفَاحِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُرْمَةَ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِ مَحَارِمِهِ وَبَطْنِهَا فَجَعَلَ حَالَهَا كَحَالِ الْجِنْسِ فِي النَّظَرِ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ لَمَا ثَبَتَ حُكْمُ الظِّهَارِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَهْرُهَا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ لَمَا وَقَعَ تَشْبِيهًا بِالْمُحَرَّمِ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَلَمْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الظِّهَارِ .قَوْلُهُ : وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ ) الدُّمْلُوجُ وَزَّانُ عُصْفُورٍ مَعْرُوفٌ وَالدُّمْلُجُ مَقْصُورٌ مِنْهُ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ ) أَيْ فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ ا هـ خَانْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَمَسُّ مَا حَلَّ النَّظَرُ إلَيْهِ ) أَيْ مِنْ مَحَارِمِهِ أَوْ مِنْ الرَّجُلِ لَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ { ، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُقَبِّلُ رَأْسَ فَاطِمَةَ ، وَيَقُولُ أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ } ، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِهَا فَقَبَّلَهَا وَعَانَقَهَا ، وَقَالَ مَنْ قَبَّلَ رِجْلَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ ، وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ مَعَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ } ، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْرَمًا ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ بِسَبِيلٍ مِنْهَا إلَّا إذَا خَافَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ فَحِينَئِذٍ لَا يَمَسُّهَا ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا ، وَلَا يَخْلُو بِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ } فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَوْعُ زِنَا وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِالْمَحَارِمِ أَشَدُّ ، وَأَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ الْكُلُّ ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَيَالِيِهَا إلَّا ، وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا } ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا ، وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ ، وَإِذَا خَافَهَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَنَّا أَوْ شَكَّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبُ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا تَتَلَفَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تَصِلَ حَرَارَةُ عُضْوِهَا إلَى عُضْوِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ
الثِّيَابَ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَأَمَةُ غَيْرِهِ كَمَحْرَمِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَحَالُهَا مَعَ جَمِيعِ الرِّجَالِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحَارِمِهَا ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى أَمَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ ، وَقَالَ أَلْقِ عَنْكِ الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا كَالْمَحَارِمِ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا إلَّا مَوْضِعَ الْمِئْزَرِ قُلْنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ بَلْ أَوْلَى لِكَمَالِ الشَّهْوَةِ فِيهَا ، وَقِلَّتِهَا فِي الْمَحَارِمِ ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ النَّظَرَ إلَى ظَهْرِهَا لَا يَجُوزُ لِابْنِهَا لِصِحَّةِ ظِهَارِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَهَذَا خُلْفٌ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَأَمَةُ غَيْرِهِ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحُكْمُ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَالْحَمْلِ وَالْإِنْزَالِ مَعَ أَمَةِ غَيْرِهِ كَالْحُكْمِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ مَعَ الْمَحَارِمِ ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَاءِ ضَرُورَةً فِي إبْدَاءِ مَوَاضِعِ زِينَتِهَا الْبَاطِنَةِ مِنْ الْأَجَانِبِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا تُشْتَرَى لِأَجْلِ خِدْمَةٍ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَخَارِجَ الْبَيْتِ فَتَكُونُ مُتَشَمِّرَةً لِلْأَعْمَالِ مُتَجَرِّدَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَارِجَ الْبَيْتِ فَتَكُونُ مَكْشُوفَةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَارِجَهُ فَلَوْ حَرُمَ عَلَيْهَا إبْدَاءُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَحَرُمَ عَلَى الْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَيْهَا لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ ، وَمَا ضَاقَ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ ، وَكَذَا فِي الْمَسِّ ضَرُورَةٌ ؛ لِأَنَّ أَمَةَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ تَحْتَاجُ أَنْ تَخْدُمَ زَوْجَ مَوْلَاتِهَا ، وَتَغْمِزَ رِجْلَهُ ، وَكَذَا أَمَةُ الِابْنِ تَحْتَاجُ أَنْ تَخْدُمَ أَبَا الِابْنِ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْإِبَاحَةِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ لَا مَكْشُوفًا ، وَلَا غَيْرَ مَكْشُوفٍ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى حَمْلِهَا وَالنُّزُولِ بِهَا فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِأَنْ يَأْخُذَ بَطْنَهَا أَوْ ظَهْرَهَا كَمَا فِي الْمَحَارِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ ) أَيْ ضَرَبَ عِلَاوَتَهَا أَيْ رَأْسَهَا ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ الشِّرَاءَ ، وَإِنْ اشْتَهَى ) أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يَمَسَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالذِّرَاعِ وَالرَّأْسِ ، وَتَقْلِيبِ شَعْرِهَا ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فَيَجُوزُ مَسُّهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا يَجُوزُ كَالنَّظَرِ إلَّا إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ ، وَتَحِلُّ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَالِجَهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعَوْرَةِ ، وَإِنْ عُدِمَ بِالسُّتْرَةِ فَمَعْنَى الشَّهْوَةِ بَاقٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَعَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ يَبْعَثُهَا فِي حَاجَةٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ ، وَلَا يَجِدُ مَحْرَمًا يَخْرُجُ مَعَهَا ، وَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا ، وَيُنْزِلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَمَةَ الْمَرْأَةِ قَدْ تَكْبِسُ رِجْلَ زَوْجِهَا ، وَتَخْلُو بِهِ ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَوُجُودُ الْحَاجَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ .قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِلضَّرُورَةِ ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابِّ مَسَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِالنَّظَرِ كِفَايَةً ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ بَأْسًا لِضَرُورَةِ الْعِلْمِ بِبَشَرَتِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ ) وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُمَا وَاَلَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ .( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَلَا تُعْرَضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ ) يَعْنِي لَا تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ كَذَلِكَ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ كَالْفَحْلِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } ، وَهُمْ ذُكُورٌ مُؤْمِنُونَ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ هَذَا الْخِطَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْخَصِيَّ ذَكَرٌ يَشْتَهِي ، وَيُجَامِعُ ، وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ جِمَاعًا ؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَا تَفْتُرُ فَصَارَ كَالْفَحْلِ ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَهِي ، وَيُسْحِقُ ، وَيُنْزِلُ وَحُكْمُهُ كَأَحْكَامِ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَقَطْعُ تِلْكَ الْآلَةِ كَقَطْعِ عُضْوٍ آخَرَ مِنْهُ فَلَا يُبِيحُ شَيْئًا كَانَ حَرَامًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ الِاخْتِلَاطَ مَعَ النِّسَاءِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولَى الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ } فَقِيلَ هُوَ الْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ لِعُمُومِ النُّصُوصِ ، وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا يَحِلُّ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ بَلْ هُوَ مِنْ الْفُسَّاقِ فَيُبْعَدُ عَنْ النِّسَاءِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَنَّثًا لِتَكَسُّرٍ وَلِينٍ فِي أَعْضَائِهِ وَلِسَانِهِ ، وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَقَدْ رَخَّصَ لَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي الِاخْتِلَاطِ بِالنِّسَاءِ ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى { أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ } ، وَقِيلَ الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِالنِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا هَمُّهُ بَطْنُهُ ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْآيَةَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ ، وقَوْله تَعَالَى { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } مُحْكَمٌ فَنَأْخُذُ بِهِ وَنَقُولُ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الْبَاطِنَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَحِينَئِذٍ لَا
بَأْسَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَعَبْدُهَا كَالْأَجْنَبِيِّ ) أَيْ عَبْدُ الْمَرْأَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ الرِّجَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِنَاثِ ؛ لِأَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى { أَوْ نِسَائِهِنَّ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُشْكِلُ ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهَا إلَى مَا تَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَيْهَا لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ الْجَوَازِ فِي حَقِّهَا ، وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ يُفِيدُ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمَحَارِمِ لِحَاجَةِ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ كَالْمَحْرَمِ لَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ بَلْ هُوَ مَحْرَمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ ، وَلَا زَوْجٍ وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ لَا فِي الذُّكُورِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يُشْكِلُ بَلْ هُوَ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى { أَوْ نِسَائِهِنَّ } الْحَرَائِرُ ، وَلَمْ تَدْخُلْ الْإِمَاءُ فِيهَا فَبَيَّنَ حُكْمَهُنَّ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَ الْحَرَائِرِ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ الْحُكْمَ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ ، وَهُنَّ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَتْ بَيَانًا لِحُكْمِهِنَّ ، وَكَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا
مُؤَقَّتَةٌ فَصَارَتْ كَالْمُزَوَّجَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ ، وَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَجَازَ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِلَا إذْنِهَا ، وَعَنْ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا ، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت ؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّةَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ ، وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ وَالْعَزْلُ يُخِلُّ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ تَنْقِيصَ حَقِّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ، وَيَنْفَرِدُ بِهِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ إلَّا بِإِذْنِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَكْمِيلٌ لِحَقِّهَا وَالْوَطْءُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِذْنُ إلَى مَوْلَاهَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مَنْكُوحَةً فَالْإِذْنُ إلَى الْمَوْلَى فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَفِي كِتَابِ الْآثَارِ أَيْضًا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعَزْلِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا لَا حَقُّ مَوْلَاهَا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَلَدَ حَقُّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَيْهِ كَالْحُرَّةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا خَوْفًا مِنْ الْوَلَدِ السُّوءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ ا هـ .
( فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا ، وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ { أَلَا لَا تُوطَأُ الْحُبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ } هَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُدَّعَى الْوَلَدُ فَيَهْلِكُ مَعْنًى إذْ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ مَعْنًى أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ ، وَيُثَقِّفُهُ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إرَادَةُ الْوَطْءِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ دُونَ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ مَبْطَنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّمَكُّنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْمِلْكِ وَالْيَدِ فَانْتَصَبَ سَبَبًا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ تَيْسِيرًا فَكَانَ السَّبَبُ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ ، وَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ ، وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا الِاسْتِبْرَاءُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ ، وَإِدَارَةِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ ، وَهِيَ فَرَاغُ الرَّحِمِ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا لِخَفَاءِ الشَّغْلِ فَيُعْتَبَرُ تَحَقُّقُ
السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَثْنَائِهَا ، وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ ، وَقَبْلَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ لَا يَعْتَدُّ بِهِ إذَا الْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ سَبَبَهُ ، وَكَذَا لَا يَعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا لِمَا بَيَّنَّا ، وَيَجِبُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ ، وَهُوَ آخِرُ الْأَوْصَافِ ، وَيُجْتَزَأُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا ، وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ ، وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْحِلِّ وَالْحُرْمَةُ لِمَانِعٍ ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ وَرُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ ، وَهُوَ سَبَبٌ مُتَعَيِّنٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَلَوْ أَقَالَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا يَقُولُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَالْآنَ مَلَكَهَا ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ لَا يَجِبُ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ
دَيْنٌ يَجْتَزِأُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى وَعَدَمِهِ ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَوْ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ ، وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطَأْهَا ، وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ ، وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ أَوْ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ زَمَنُ نَفْرَةٍ فَلَا يَكُونُ دَاعِيًا إلَى الْوَطْءِ ، وَكَذَا لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ، وَفِي الْمُشْتَرَاةِ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، وَيُفْضِي إلَى الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَكُونُ أَصْدَقُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِي الْمَسْبِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِمَا رَوَيْنَا ، وَفِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ بِالشَّهْرِ ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْحَيْضِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ ، وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ دُونَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ ، وَإِنْ
ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَرَكَهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَاقَعَهَا ، وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَعَنْهُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ ، وَعَنْ زُفَرَ سَنَتَانِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ ، وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قَرَبَهَا ، وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا ، وَيَقْبِضَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً ، وَلَا مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً مِنْهُ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ
يَشْتَرِيهَا ، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُظَاهِرُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الدَّوَاعِي كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ، وَكَالْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَبَبَ الْحَرَامِ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ ، وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُقَبِّلُ ، وَهُوَ صَائِمٌ ، وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ ، وَهُنَّ حُيَّضٌ }
( قَوْلُهُ : فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ ) ، وَهُوَ طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَنْ الْحَمْلِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ مُسْتَحَبٌّ ، وَهُوَ أَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَبْرِئُهَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا وَوَاجِبٌ ، وَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ صِيَانَةً لِمَائِهِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا عَلَقَتْ مِنْهُ ، وَلَنَا أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ وَحَقُّهُ قَائِمٌ فِي الْوَطْءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الصِّيَانَةِ يَحْصُلُ بِاسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْطَاسٍ ) مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : يُسْتَبْرَأْنَ ) بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ ) ، وَقَالَ النَّخَعِيّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الصِّيَانَةَ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ ، وَقَالَ الْبَتِّيُّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ مَاءِ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ : كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ ) أَيْ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ا هـ خَانْ ( قَوْلُهُ : وَالْكِتَابَةِ ) أَيْ بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْجَارِيَةِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَغَيْرُ ذَلِكَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بِجَارِيَةٍ يَجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْفَقِيرِ ، وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ إلَى سَنَةٍ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَالدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ) أَيْ بِأَنْ بَاعَهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمَمْلُوكُ )
أَيْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ اسْتِحْسَانًا بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ عَبْدِهِ لَهُ ، وَلَهُ أَنْ يُجْزِئَ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ رَقَبَتَهُ ، وَمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَ مُكَاتَبِهِ ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَمِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ) أَيْ كَأُخْتِ الْبَائِعِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ جَارِيَةٍ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ ، وَأَبُوهُ اسْتَمْتَعَ بِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ ) أَيْ ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْبِكْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِدَارَةُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحِكَمِ ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْيَدِ وَالْحِكْمَةُ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْ فِي الْمُشْتَرَاةِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ ، وَفِي الْمُشْتَرَاةِ الْبِكْرِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَهَا أَيْضًا ، وَهُوَ وُجُوبُ
الِاسْتِبْرَاءِ ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْحِكْمَةُ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تُوطَأُ وَالْبِكْرُ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ ، وَلَا يَدُورُ مَعَ الْحِكْمَةِ فَاعْتُبِرَ تَحَقُّقُ السَّبَبِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الشَّغْلِ ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الشَّغْلِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ قُلْت يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْوَاطِئِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ ، وَأَمَّا الْبِكْرُ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُجَامِعُهَا فَيَسْبِقُ الْمَاءُ فَتَحْبَلُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ فَيَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ أَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ الْأَسْبَابِ إلَخْ ) قَالَ قَاضِيخَانْ ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ نِفَاسِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ
( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَفِي الْأَصْلِ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي فَرْجٍ فَارِغٍ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ ، وَشَرْطُهُ تَوَهُّمُ شَغْلِ الرَّحِمِ وَالْحِكْمَةُ صِيَانَةُ الْوَلَدِ رَجُلٌ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ بِكْرٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ الْجَارِيَةِ أَوْ يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ بِالْإِرْثِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ا هـ فَقَوْلُهُ : أَوْ اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَيْ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُكَمِّلًا لِلْمِلْكِ فِي جَمِيعِ الْأَمَةِ أَمَّا لَوْ مَلَكَ ابْتِدَاءً جُزْءًا مِنْ أَمَةٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ قَلِيلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ كَثِيرًا ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتِمَّ حِينَئِذٍ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَعْتَدُّ بِالْحَاصِلِ ) أَيْ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْحَاصِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ) أَيْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ ) أَيْ بَعْدَمَا اسْتَبْرَأَهَا وَحَاضَتْ فِي حَالِ مَجُوسِيَّتِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَفِي الْآبِقِ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ أَبْقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى صَاحِبِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا ، وَلَوْ أَخَذُوهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ آبِقَةٌ ، وَأَحْرَزُوهَا فِي دَارِهِمْ مَلَكُوهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِذَا عَادَتْ إلَى مَوْلَاهَا فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْآبِقَةِ فِي الْمَتْنِ هِيَ الَّتِي أَبْقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَمْ يُحْرِزْهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ
رَجَعَتْ إلَى مَوْلَاهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَحَرُمَ الْوَطْءُ حَرُمَ دَوَاعِي الْوَطْءِ أَيْضًا مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ بَأْسًا ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ ، وَلَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ هَذَا الْمَعْنَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الدَّاعِيَ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ ) أَيْ وُقُوعُ الدَّاعِي ا هـ قَوْلُهُ : عَلَى اعْتِبَارِ الْحَبَلِ وَدَعْوَةِ الْبَائِعِ ) أَيْ الْوَلَدِ الْمُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْحَائِضِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا حَرُمَ فِي الْحَيْضِ لِمَعْنَى الْأَذَى ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّوَاعِي ا هـ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَحَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً ، وَكَذَا الْإِقَالَةُ ا هـ قَالَ قَاضِيخَانْ رَجُلٌ بَاعَ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ إقَالَةِ كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَقَايَلَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا تَقَايَلَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجِبُ ا هـ
( فَرْعٌ ) وَإِذَا زَنَتْ أَمَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ صِيَانَةُ الْمَاءِ عَنْ الْخَلْطِ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا ، وَلَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَبَهَا صَارَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } لَكِنْ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبَلِ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبِّ النَّابِتِ ، وَلَا نَبَاتَ قَبْلَ الْحَبَلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا ) أَيْ بِإِيَاسٍ ا هـ قَالَ قَاضِيخَانْ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً ، وَقَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِذَلِكَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَقْرَبُهَا سَنَتَيْنِ ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْمَشَايِخُ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمَأْخُوذُ بِهِ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَاحْتَالَ فِي إسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ وَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْتَالَ لِلْإِسْقَاطِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ } ، وَإِنْ بَاعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ
وَطَهُرَتْ ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ لِانْعِدَامِ هَذَا النَّهْيِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْحِيلَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي إلَخْ ) ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَالْحِيلَةُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا قَبَضَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ ، وَلَا عِدَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ ، وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ ، وَلَا يُسَلِّمُ الْجَارِيَةَ إلَيَّ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُزَوِّجُهَا الْمُشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ يَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا النَّوْعِ شُبْهَةً فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا اشْتَرَاهَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَالتَّزْوِيجُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ تَحِيضَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً قَبْلَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي قَوْلِهِمْ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ يَتَزَوَّجُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ ثُمَّ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ الْمَوْلَى ثُمَّ يَشْتَرِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ
الْجَارِيَةِ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ الزَّوْجُ بِهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً ، وَلَا مُعْتَدَّةً أَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِذَا فَسَدَ النِّكَاحُ تَصِيرُ مُعْتَدَّةً قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِبْرَاءُ ا هـ قَاضِيخَانْ ( قَوْلُهُ : هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ) لَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَيَقْبِضُهَا بَلْ قَالَ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا هُوَ ، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أَوْ يَشْتَرِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ ، وَإِنْ خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَشْتَرِيهَا ، وَلَا يُطَلِّقُهَا فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ زَوَّجْتُهَا مِنْك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ أُطَلِّقُهَا مَتَى شِئْتَ أَوْ يَقُولَ زَوَّجْتهَا مِنْك عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَشْتَرِهَا مِنِّي الْيَوْمَ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ ، وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا خِيفَ عَلَى الْمُحَلِّلِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ) تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ