كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقَعُ ؛ لِأَنَّهُمَا ارْتَدَّا مَعًا ؛ لِأَنَّ تَمَجُّسَ النَّصْرَانِيَّةِ كَإِحْدَاثِ أَصْلِ الْكُفْرِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَإِحْدَاثُهَا كَإِحْدَاثِ الرِّدَّةِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَرْأَةُ تُقَرُّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالِانْتِقَالُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُجْعَلُ كَالْإِنْشَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَهَوَّدَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ فَيَقُولُ إنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا ، فَيَكُونُ إحْدَاثُهَا كَالِارْتِدَادِ بِخِلَافِ الْيَهُودِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَمَجَّسَتْ وَحْدَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ تَهَوَّدَتْ لَا تَقَعُ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ : وَلَوْ ارْتَدَّا أَوْ أَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ ) هَذَا إذَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمَا فَإِنْ لَحِقَ فَسَدَ لِلتَّبَايُنِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : قَالَ زُفَرُ تَبَيَّنَ ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُقَالُ إنَّ ارْتِدَادَهُمْ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْمَذْكُورُ فِي الْحُكْمِ بِارْتِدَادِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْعُهُمْ الزَّكَاةَ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ أَنَّ مَنْعَهُمْ كَانَ لِجَحْدِ افْتِرَاضِهَا وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ لَازِمٌ وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاهُمْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ لِجَوَازِ قِتَالِهِمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِمْ حَقًّا شَرْعِيًّا وَعَطَّلُوهُ ا هـ .
( بَابُ الْقَسْمِ ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ الْأَقْسَامِ ، وَالنَّصِيبُ مِنْ الْخُبْزِ كَالطَّحْنِ لِلدَّقِيقِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ وَالْجَوْهَرِيُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ وَالْجَدِيدَةُ كَالْقَدِيمَةِ وَالْمُسْلِمَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْقَسْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَعُولُوا } مَعْنَاهُ أَنْ لَا تَجُورُوا وقَوْله تَعَالَى { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ } أَيْ مَفْلُوجٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ } يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ فِيهِ الْإِرْسَالُ أَصَحُّ وَهَذِهِ النُّصُوصُ عَامَّةٌ فِي النِّسَاءِ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالصَّحِيحَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْمَجْنُونَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْحَامِلِ وَالْحَائِلِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالْمُحَرَّمَةِ وَالْمُولَى مِنْهَا وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ سَبْعًا ، وَعِنْدَ الثَّيِّبِ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثًا وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ إلَّا إذَا طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ بَطَلَ حَقُّهَا وَيَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الْمُدَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ { لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ } أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ { مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ، وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَسَمَ وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ حِينَ تَزَوَّجَهَا ثَلَاثًا ، وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَسَبَّعْت لِنِسَائِي } ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَأْلَفْ صُحْبَةَ زَوْجِهَا بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ نَفْرَةٌ فَكَانَ فِي الزِّيَادَةِ إزَالَتُهَا وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَفْضِيلِ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ ، وَلَوْ جَازَ تَفْضِيلُ الْبَعْضِ لَكَانَتْ الْقَدِيمَةُ أَوْلَى لِمَا وَقَعَ لَهَا مِنْ الْكَسْرِ وَالْوَحْشَةِ وَإِدْخَالِ الْغَيْظِ وَالْغَيْرَةِ بِسَبَبِ إدْخَالِ الضَّرَّةِ عَلَيْهَا ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّفْضِيلُ بِالْبُدَاءَةِ بِالْجَدِيدَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا طَلَبَتْ الزِّيَادَةَ يَسْقُطُ حَقُّهَا ، بَلْ هُوَ نَصٌّ عَلَى التَّسْوِيَةِ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْوِي فِي بَعْضِ طُرُقِهِ { إنْ شِئْت ثَلَّثْت لَك وَثَلَّثْت لَهُنَّ } فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي السَّبْعِ لَا لِطَلَبِهَا الزِّيَادَةَ ؛ وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَهُنَّ فِيهِ سَوَاءٌ وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ ، وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقَسْمِ الْإِقَامَةُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالْمُعَاشَرَةُ مَعَهَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرْأَةُ الرَّتْقَاءُ
وَغَيْرُهَا وَالصَّبِيُّ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ كَالْبَالِغِ ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ فِي الْقَسْمِ ، وَهَذَا لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَأَظْهَرُ فِي حُقُوقِهِ مِنْ الْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَفِي حَقِّ الْإِدْخَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَفِي الْغَايَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، وَقَالَ فِيهِ اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَكَيْفَ يُدَّعَى الِاتِّفَاقُ فِيهَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ ، وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْأَمَةِ يَوْمًا فَأَعْتَقَتْ يُقِيمُ عِنْدَ الْحُرَّةِ يَوْمًا ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْحُرَّةِ ، ثُمَّ عَتَقَتْ الْأَمَةُ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَتِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ قَدْ زَالَ وَفِي الْأُولَى خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ وَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا } وَرُوِيَ { أَيَّتُهَا خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي حَالَةِ السَّفَرِ حَتَّى كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا إذْنٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا وَلَا قُرْعَةَ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِبَعْضِهِنَّ لِمَرَضٍ بِهَا أَوْ سِمَنٍ أَوْ كَثْرَةِ أَوْلَادٍ ، وَقَدْ يَأْتَمِنُ بَعْضَهُنَّ فِي حِفْظِ
الْأَمْتِعَةِ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي تَرْكِهَا فِي الْبَيْتِ وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى ، وَفِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ تَكُنْ التَّسْوِيَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ تَفَضُّلًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ } قَالَ عَطَاءٌ هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ } فَكَانَ مِمَّنْ يُؤْوِي عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ وَحَفْصَةُ وَمِمَّنْ أَرْجَأَ سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ ، ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِهِ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْفِعْلَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى لَا يَقْضِيَ لِبَقِيَّةِ نِسَائِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي إذَا سَافَرَ بِهَا مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي السَّفَرِ ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ لَمَا سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْحَضَرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَهْرًا فِي الْحَضَرِ وَرَافَقَتْهُ الْأُخْرَى لَمْ يُؤْمَرْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ فِيهِ ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ أَمْرِ الْقَاضِي يُوجَعُ ضَرْبًا ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَهُوَ الْجَوْرَ وَيَقْضِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِلْأُخْرَى ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ ،
وَهَذَا لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقَائِمِ ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ امْتِنَاعًا بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِيهِ مَتَى شَاءَ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( بَابُ الْقَسْمِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ وَأَقْسَامِهِ بِاعْتِبَارِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْكُفَّارِ وَحُكْمُهُ اللَّازِمُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ شَرَعَ فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ وَهُوَ الْقَسْمُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَنَفْسُ النِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا هُوَ غَالِبٌ فِيهِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَبِالْكَسْرِ وَاحِدُ الْأَقْسَامِ وَالنَّصِيبُ ) وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ بِخِلَافِ الثَّانِي ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ) أَيْ وَالتِّرْمِذِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَنْبَلٍ ) أَيْ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَلَمْ يُبَيِّنْ فَبِمَاذَا ، وَأَمَّا مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْقَسْمِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا ، لَكِنْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْعَدْلَ الْوَاجِبَ فِي الْبَيْتُوتَةِ وَالتَّأْنِيسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَضْبِطَ زَمَانَ النَّهَارِ فَبِقَدْرِ مَا عَاشَرَ فِيهِ إحْدَاهُمَا يُعَاشِرُ الْأُخْرَى بِقَدْرِهِ ، بَلْ ذَلِكَ فِي الْبَيْتُوتَةِ ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَفِي الْجُمْلَةِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : { فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ } ) يَعْنِي الْقَلْبَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ ) فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ وَمِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبْلَاتِ ، وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إجْمَاعًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ إلَخْ ) وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ا هـ قَوْلُهُ : { إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك } إلَخْ ) ، وَهَذَا دَلِيلُ اسْتِثْنَاءِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهَا وَيُحْسَبُ عَلَيْهَا بِالْمُدَّةِ إنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ
مِنْ الْحَدِيثِ التَّفْضِيلُ إلَخْ ) وَنَحْنُ نَقُولُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْجَدِيدَةِ ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ ) يَعْنِي إنْ شَاءَ ثَلَّثَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ سَبَّعَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهَا ) أَيْ إنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صِرَافَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً مَا يُظَنُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطْلَقَ لَهُ مِقْدَارُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأْنِيسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَأَظُنُّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهَا مَا نَصُّهُ يَعْنِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ بِتْ عِنْدِي لَيْلَةً ، وَعِنْدَ صَاحِبَتِي كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ التَّسْوِيَةُ لَا طَرِيقُهَا وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ طَرِيقُهَا مَا نَصُّهُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ طَرِيقُهُ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ دُونَ طَرِيقِهَا مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهَا مُفَوَّضٌ إلَى الزَّوْجِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ ) وَصَحَّ أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَذِنَّ لَهُ } ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ ) يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَعَ الْحُرَّةِ وَلَا بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَحِلُّ قَبْلَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْغَايَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ إلَخْ ) مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ التَّسْوِيَةُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَا فِي
كَمِّيَّتِهَا فَسَقَطَ النَّظَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي إذَا سَافَرَ بِهَا إلَخْ ) يَعْنِي إذَا سَافَرَ بِإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ شَهْرًا مَثَلًا لَا يُؤْمَرُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُخْرَى شَهْرًا آخَرَ ، بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْحَضَرِ ابْتِدَاءً ا هـ ( قَوْلُهُ : لَمْ يُؤْمَرْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى ) وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ إذَا طَلَبَتْ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَهُوَ الْجَوْرُ وَيَقْضِي ) وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْوَلْوَالِجِيِّ : لِأَنَّ الْقَسْمَ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَقْضِي ، وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى الْمَتْنِ فَانْظُرْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ ) أَيْ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ ا هـ ع
( كِتَابُ الرَّضَاعِ ) الرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فِيهِمَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ) وَهُوَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ وَيَقُولُ لَئِيمٌ رَاضِعٌ لِلَّذِي يَرْضَعُ إبِلَهُ أَوْ غَنَمَهُ وَلَا يَحْلِبُهَا كَيْ لَا يُسْمَعَ صَوْتُ حَلْبِهِ فَيُطْلَبَ مِنْهُ اللَّبَنُ وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ ، ثُمَّ قِيلَ لَيْسَ كِتَابُ الرَّضَاعِ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا عَمِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ لِيُرَوَّجَ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ هُوَ أَوَائِلُ تَصْنِيفَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِهِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ ، ثُمَّ أَفْرَدَ لَهُ كِتَابًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامٍ جَمَّةٍ تَخْتَصُّ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَرُمَ بِهِ وَإِنْ قَلَّ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا مَا حَرُمَ بِالنَّسَبِ ) أَيْ حَرُمَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَا حَرُمَ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ النَّسَبِ إذَا وُجِدَ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا ، وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ قَلِيلًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَعْنِي مُشْبِعَاتٍ لِمَا رُوِيَ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا هَذَا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ النَّسْخِ حَتَّى إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ كَانَ يَقْرَؤُهَا ، وَعَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ } وَفِي لَفْظٍ { لَا تُحَرِّمُ
الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ { لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ } وَهَذَا النَّفْيُ مَذْهَبُنَا وَالْأَوَّلُ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْعَدَدِ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ زِيَادَةٌ وَهُوَ نَسْخٌ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ عِلَّةِ حُكْمٍ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَلَا التَّكْرَارُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ } وَفِي لَفْظٍ { مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ الْوِلَادَةِ } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ وَإِنْ كَانَتْ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُوزِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ كَمَا فِي السَّفَرِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ { لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ } كَانَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَالرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ فَجَعَلَهُ مَنْسُوخًا ، حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَنَسْخُهُ بِالْكِتَابِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَحَادِيثُ عَائِشَةَ مُضْطَرِبَةٌ فَوَجَبَ تَرْكُهَا وَالرُّجُوعُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ ابْنُ زَيْدٍ مَرَّةً عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَرَّةً عَنْ عَائِشَةَ وَمَرَّةً عَنْ أَبِيهِ وَمِثْلُهُ يَسْقُطُ أَوْ نَقُولُ إنَّمَا لَمْ تُحَرِّمْ الْمَصَّةُ وَالْإِمْلَاجَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا
يَنْفَصِلُ اللَّبَنُ بِهَا لِضَعْفِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْمَصُّ وَالرَّضْعَةُ رِوَايَةً بِالْمَعْنَى عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الرَّاوِي ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الرَّضْعَةَ هِيَ الْمَصَّةُ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَحَالَتْهَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ ، وَقَالَتْ وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَوَاجِنُ فَأَكَلَتْهَا ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ وَلَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَلَا إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ وَلَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهِ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُشْتَهَرْ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قُرْآنًا لَكَانَ مَتْلُوًّا الْيَوْمَ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقِيلَ الْعَشْرُ وَالْخَمْسُ كَانَ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ ، ثُمَّ نُسِخَ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قِيلَ لَهُ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ فَقَالَ قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ كَمَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ ، وَقَوْلُهُ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا مُدَّتُهُ سَنَتَانِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثُ سِنِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا حَدَّ لَهُ لِلنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَلَنَا أَنَّ إرْضَاعَ الْكَبِيرِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَزَ
الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ } وَرُدَّ لِرَدِّ إرْضَاعِ الْكَبِيرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لِلْكَبِيرِ بِالرَّضَاعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ وَلِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الرَّضِيعَ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى الطَّعَامِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ ، وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلِهَذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ بِهِ وَعُلِّقَ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } وَهَذَا صِيغَتُهُ خَبَرٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ الْأَمْرِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ الْإِتْمَامِ وقَوْله تَعَالَى { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ لِمَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ هَذِهِ الْآيَةُ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدِّينَيْنِ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصَيْنِ أَوْ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا هُوَ الْحَمْلُ بِالْيَدِ وَالْحِجْرِ ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ قَدْ قَامَ فِي حَقِّ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعِدَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الْفِطَامَ لَا يَحْصُلُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، بَلْ يَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْسَى اللَّبَنَ وَيَتَعَوَّدَ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمُدَّةِ الْفِطَامِ فَقَدَّرْنَاهَا بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ فَإِنَّ الْجَنِينَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيَتَغَذَّى بِغِذَاءِ الْأُمِّ ، ثُمَّ يَنْفَصِلُ وَيَصِيرُ أَصْلًا فِي الْغِذَاءِ وَالنَّصُّ الْمُقَيِّدُ بِحَوْلَيْنِ مَحْمُولٌ
عَلَى الرَّضَاعِ الْمُسْتَحَقِّ حَتَّى لَا يُسْتَحَقَّ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَةُ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ أُجْرَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْفِصَالَ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ فِصَالُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَبِ لَا فِصَالُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ فِصَالٌ مُدَّةَ الرَّضَاعِ يَكُونُ بَيَانًا لِأَقَلِّ مُدَّتِهِ لَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْفِصَالِ وَالْحَمْلِ وَأَرَادَ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَكَذَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْفِصَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ مُدَّتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ } ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَلِهَذَا عَلَّقَ الْفِصَالَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ وَالْفِطَامُ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَ مُدَّتِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ إنْ فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لَا يَجْتَزِئُ بِالطَّعَامِ لَكِنْ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ هُوَ اللَّبَنُ دُونَ الطَّعَامِ يَكُونُ رَضَاعًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ هُوَ الطَّعَامُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْآدَمِيَّةِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ مُدَّتِهِ وَقَوْلُهُ مَا حَرُمَ مِنْهُ بِالنَّسَبِ أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُمْ بِالنَّسَبِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أُمَّ أَخِيهِ وَأُخْتَ ابْنِهِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِمَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِمَا مِنْ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ أُمَّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ
مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ ، وَأُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ رَبِيبَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُوجِبُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ حَيْثُ وُجِدَتْ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَحُرْمَةُ أُمِّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا أُمُّ أَخِيهِ ، بَلْ لِكَوْنِهَا أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ ، وَكَذَا أُخْتُ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنَّهَا بِنْتُهُ أَوْ بِنْتُ امْرَأَتِهِ بِدَلِيلِ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فِي الرَّضَاعِ أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ فَبَطَلَ دَعْوَى التَّخْصِيصِ ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ حَفِيدَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ وَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِجَدَّةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ لَا أَنَّهَا أُمُّهُ أَوْ أُمُّ امْرَأَتِهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَمَّةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَبِي أَخِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَخِي وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِأَبِي حَفِيدَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِجَدِّ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَبِخَالِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ النَّسَبِ لِمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ وَإِنَّمَا الْحِلُّ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي
مَوْضِعِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي النَّسَبِ أَيْضًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ ، وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحْرُمُ وَكَذَا أُمُّ الْخَالِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْحُرْمَةَ فِي النَّسَبِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا ؟ بَيَانُهُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَكِلَاهُمَا مُوجِبٌ الْحُرْمَةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( كِتَابُ الرَّضَاعِ ) لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدَ وَهُوَ لَا يَعِيشُ غَالِبًا فِي ابْتِدَاءِ إنْشَائِهِ إلَّا بِالرَّضَاعِ وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ بِمُدَّةٍ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ أَحْكَامِهِ قِيلَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ لَكِنَّهُ أَفْرَدَهُ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَسَائِلَ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَخَلْطِ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مَا تَتَعَلَّقُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هُنَا التَّفَاصِيلَ الْكَثِيرَةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ ) أَيْ وَعَلَيْهِ قَوْلُ السَّلُولِيِّ يَذُمُّ عُلَمَاءَ زَمَانِهِ وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ فِي مُخْتَصَرِهِ ) أَيْ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي مَعَ الْتِزَامِهِ إيرَادَ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ مَحْذُوفَةَ التَّعَالِيلِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الرَّضَاعُ قَلِيلًا ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، أَمَّا لَوْ شَكَّ فِيهِ بِأَنْ أَدْخَلَتْ الْحَلَمَةَ فِي فَمِ الصَّغِيرَةِ وَشَكَّتْ فِي الرَّضَاعِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالشَّكِّ وَهُوَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ صَبِيَّةً أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَلَا يَدْرِي مَنْ هِيَ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ مِنْ خُصُوصِيَّةِ امْرَأَةٍ وَالْوَاجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَإِذَا أَرْضَعْنَ فَلْيَحْفَظْنَ ذَلِكَ وَيُشْهِرْنَهُ وَيَكْتُبْنَهُ احْتِيَاطًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : يَعْنِي مُشْبِعَاتٍ ) أَيْ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ مُتَفَاصِلَةٍ عُرْفًا ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَقَوْلِنَا وَكَقَوْلِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : { لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ } ) الْمَصَّةُ فِعْلُ الرَّضِيعِ وَالْإِمْلَاجَةُ فِعْلُ الْمُرْضِعِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : { لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ } ) الْإِمْلَاجَةُ
الْإِرْضَاعَةُ وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ وَالْإِمْلَاجُ الْإِرْضَاعُ وَأَمْلَجْتُهُ أَرْضَعْته وَمَلَجَ هُوَ أُمَّهُ رَضَعَهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أُصُولِ فِقْهِهِ فِي بَابِ إثْبَاتِ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ : قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ فَقَالَ قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَسَيَأْتِي كَلَامُ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ كُلَّ عِلَّةٍ حُكْمٌ فِي الشَّرْعِ ) يَعْنِي أَنَّ الرَّضَاعَ لَمَّا كَانَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمَ الْحُرْمَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ إلَخْ ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ الرَّضَاعِ إلَّا بِالْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَحْصُلُ بِهِ نُشُوزُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ فَقَالَ إنْشَازُ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فِيهِ خَفَاءٌ وَالرَّضَاعُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْأَمْرِ الْخَفِيِّ فَتَعَلَّقَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِرْضَاعِ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ نَشَزَ الشَّيْءُ أَيْ ارْتَفَعَ وَأَنْشَزَهُ فَنَشَزَ أَيْ حَرَّكَهُ ، وَقَالَ ثَعْلَبُ فِي أَمَالِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى { إلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا } نَرْفَعُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْإِنْشَارُ الْإِحْيَاءُ وَفِي التَّنْزِيلِ { ، ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ } وَمِنْهُ الْإِرْضَاعُ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمُ أَيْ قَوَّاهُ كَأَنَّهُ أَحْيَاهُ وَيُرْوَى بِالزَّايِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ ) بِفَتْحِ الطَّاءِ يُقَالُ رَجُلٌ مُبْطَنٌ أَيْ خَمِيصُ الْبَطْنِ وَأَرَادَ هُنَا الْخَفِيَّ مَجَازًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا )
فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَضَاعًا سَوَاءً فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بَيَانٌ لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ ) أَيْ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّحْرِيمُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا مُدَّتُهُ سَنَتَانِ ) أَيْ سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ ا هـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَالَا إلَخْ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثُ سِنِينَ ) أَيْ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَضَاعًا سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُثْبِتُ الرَّضَاعَ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ ) أَيْ صَالِحٌ لِتَغَيُّرِ الطَّبْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ إلَخْ ) وَالرَّبِيعُ أَوْفَقُ الْفُصُولِ ؛ لِأَنَّهُ حَارٌّ رَطْبٌ طَبْعُ الْحَيَاةِ وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ طَبْعُ الْمَوْتِ وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ ) أَيْ وَهُمَا الْحَمْلُ وَالْفِصَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ : ثَلَاثُونَ شَهْرًا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصَيْنِ ) بِأَنْ قَالَ أَجَّلْت الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ وَالدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ سَنَةً يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ إلَى سَنَةٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ يُتِمُّ أَجَلَهُمَا جَمِيعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَكَذَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْفِصَالِ ) يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِهِ
جُزْءَ الْآدَمِيَّةِ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْآدَمِيُّ أَوْ جُزْؤُهُ مُبْتَذَلًا مُهَانًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامٌ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلدَّوَاءِ قِيلَ لَمْ يَجُزْ ، وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : تَكُونُ أَمَةً أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ كِتَابِ النَّافِعِ حَيْثُ يَقُولُ : لِأَنَّهَا أَمَةُ أَوْ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُخْتُ مِنْ أُمِّهِ لِأَبِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ حَفِيدَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ ) أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ نَافِلَتُك أَجْنَبِيَّةً يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِنْتُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ النَّافِلَةَ هِيَ أَوْلَادُ الِابْنِ وَأَوْلَادُ الْبِنْتِ وَقَوْلُهُ : لِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ : أَوْ بِنْتُهُ رَاجِعٌ لِلثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِجَدَّةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ ) أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَك أَجْنَبِيَّةٌ لَهَا أُمٌّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَمَّةِ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ ) أَيْ وَهِيَ أُخْتُ صَاحِبِ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ أَبُوهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَأُخْتُهُ تَكُونُ عَمَّتَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ ) أَيْ وَلَهُ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْحَصْرَ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ ، بَلْ أَجْنَبِيَّةٌ أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ ا هـ .
( زَوْجُ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ أَخٌ وَبِنْتُهُ أُخْتٌ وَأَخُوهُ عَمٌّ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ ) وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَبَنُهُ لَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَاللَّبَنُ بَعْضُهَا لَا بَعْضُهُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَالْحُرْمَةُ بِالنَّسَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَذَا بِالرَّضَاعِ ؛ وَلِأَنَّ الْفَحْلَ سَبَبٌ لِنُزُولِ لَبَنِهَا بِوَاسِطَةِ إحْبَالِهَا فَيُنْسَبُ اللَّبَنُ إلَيْهِ بِحُكْمِ السَّبَبِيَّةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ { دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ فَاسْتَتَرَتْ مِنْهُ فَقَالَ : تَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك ؟ قَالَتْ ، قُلْت : مِنْ أَيْنَ ؟ قَالَ : أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي قَالَتْ ، قُلْت : إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْته فَقَالَ : إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا ، وَقَوْلُهُ لَبَنُهَا مِنْهُ احْتِرَازٌ عَنْ زَوْجٍ لَيْسَ لَبَنُهَا بِسَبَبِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ ذَاتُ لَبَنٍ وَلَبَنُهَا بِسَبَبِ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ رَجُلًا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ رَبِيبَهُ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَوْلَادِ الزَّوْجِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِهَا وَأَخَوَاتِهِ كَمَا فِي النَّسَبِ وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الثَّانِي فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ وَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ بَعْدُ فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي بِأَمَارَةٍ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي وَإِلَّا فَهُوَ
لِلْأَوَّلِ ، وَعَنْهُ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الْأَوَّلِ غَالِبًا فَهُوَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي غَالِبًا فَهُوَ لِلثَّانِي وَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ لَهُمَا ، وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَهُوَ كَالْأَوَّلِ حَتَّى تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَذَا الْوَلَدِ وَلَا لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا لِأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ لِوُجُودِ الْبَعْضِيَّةِ ، وَلِعَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِ كَالْمَوْلُودِ مِنْ الزِّنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً إلَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : زَوْجُ مُرْضِعَةٍ إلَخْ ) يَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الرَّضِيعِ ؛ لِأَنَّ الرَّضِيعَ ابْنُهُ وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ ، وَكَذَا أَبُو الرَّضِيعِ مِنْ النَّسَبِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضِعَةَ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَهِيَ كَأُمِّ ابْنِهِ مِنْ النَّسَبِ ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَحَارِمِ أَبِي الصَّبِيِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا مَا رَوَيْنَا ) أَيْ وَهُوَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْفَحْلَ سَبَبٌ إلَخْ ) وَفِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا } ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لِلْفَحْلِ فَشُرْبُ اللَّبَنِ مِنْ الْإِنَاثِ ، وَاللَّبَنُ مِنْ الْفَحْلِ وَلِهَذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ مُذَكَّرًا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ أَعْرَابٌ مَكِّيٌّ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ ) وَأَفْلَحُ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَيْنَهُمَا وَبِالْمُهْمَلَةِ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بِالْقَافِ وَالْمُهْمَلَتَيْنِ ا هـ كَرْمَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأَخَوَاتُهُ ) أَيْ أَخَوَاتُ الزَّوْجِ الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَأَرْضَعَتْ إلَخْ ) وَهَكَذَا ذَكَرَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ : وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ اللَّبَنِ النَّازِلِ مِنْ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فِي حَقِّ الْفَحْلِ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ ) أَيْ وَالْيَنَابِيعِ وَالْبَدَائِعِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ : وَهُوَ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا عَنْ مَنِيِّهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَالتَّغَذِّي
لَا يَنْفَعُ إلَّا مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَهُوَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ مِنْهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا وَنَسَبًا ) مِثَالُهُ فِي النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبٍ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَمِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ ظَاهِرٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَيْنَ مُرْضِعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ثَدْيِهَا هُنَا وَلِهَذَا سَاغَ ذِكْرُهَا وَإِلَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةً وَهَذَا لِأَنَّهَا لَمَّا أَرْضَعَتْ أَجْنَبِيَّةً حُرِّمَتْ عَلَى وَلَدِهَا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَلَدُ وَلَدِهَا ) أَيْ وَلَدُ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُخْتِهَا( قَوْلُهُ : وَلَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ثَدْيِهَا هُنَا ) ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يَحْرُمُ ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْغَلَبَةَ فِيهِ ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مُسْتَبِينًا كَالثَّرِيدِ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ فَإِنْ تَقَاطَرَ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ إذَا أَكَلَهُ لُقْمَةً لُقْمَةً أَمَّا إذَا أَحْسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ ، وَقِيلَ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى حَلْقِهِ مُنْفَرِدًا فَلَا خِلَافَ فِيهِ ، وَإِذَا تَنَاوَلَ الثَّرِيدَ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي كِتَابِ الرَّضَاعِ لِلْخَصَّافِ إذَا ثَرَدَتْ لَهُ خُبْزًا حَتَّى تَشَرَّبَ الْخُبْزُ ذَلِكَ اللَّبَنَ أَوْ لَتَّتْ بِهِ سَوِيقًا فَأَطْعَمَتْهُ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَ طَعْمُ اللَّبَنِ يُوجَدُ فِيهِ فَهُوَ رَضَاعٌ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْئًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنَ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَأْكُولُ وَإِنَّمَا اللَّبَنُ إدَامٌ لَهُ وَهُوَ تَابِعٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوبًا فَبَقِيَ مَأْكُولًا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ هُوَ اللَّبَنُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَرِيبٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى ) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ أَوْ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ لَا يَظْهَرُ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا أَمَّا الْأَوَّلُ
وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ ؛ فَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا صَارَ مُسْتَهْلَكًا لِلَّبَنِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي وَلَا إنْبَاتُ اللَّحْمِ وَلَا إنْشَازُ الْعَظْمِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ } وَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَا وَجُورًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ ؛ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَقْصُودٌ فِيهِ إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ وَفِي الْمُنْتَفِي فَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ إذَا جُعِلَ فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ دَوَاءٌ فَغَيَّرَ لَوْنَهُ وَلَمْ يُغَيِّرْ طَعْمَهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ حُرِّمَ وَإِنْ غَيَّرَ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ طَعْمُ اللَّبَنِ وَذَهَبَ لَوْنُهُ لَمْ يُحَرِّمْ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ الدَّوَاءُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَبَنًا ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ خَلْطِهِ بِالطَّعَامِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِلَبَنِ شَاةٍ فَهُوَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَيْنَ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ وَبَيْنَ لَبَنِ الْبَهِيمَةِ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحُكْمَ فِيمَا إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا ، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ تَعَلَّقَ بِهِمَا التَّحْرِيمُ كَيْفَمَا كَانَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ ، بَلْ يَقْوَى بِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مُحَرِّمٌ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ
وَيَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالْجِنْسُ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِهِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ بِلَبَنِ الْأَنْعَامِ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَغْلُوبٌ فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ كَذَا فِي الْغَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إلَخْ ) حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَقَاطَرَ ثَبَتَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ ) أَيْ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَطْرَةَ إذَا دَخَلَتْ الْجَوْفَ أَثْبَتَتْ التَّحْرِيمَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ ) أَيْ لِأَنَّ التَّغَذِّيَ حِينَئِذٍ بِالطَّعَامِ وَالتَّغَذِّي مَنَاطُ التَّحْرِيمِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إذَا ثَرَدَتْ ) هُوَ مِنْ بَابِ قَتَلَ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ : وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لَهُ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ ) أَيْ وَهُوَ التَّغَذِّي ، وَهَذَا لِأَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالطَّعَامِ لَا يَكُونُ لِلرَّضِيعِ إلَّا بَعْدَ تَقَوُّتِهِ بِالطَّعَامِ وَتَغَذِّيهِ بِهِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَقِلُّ تَغَذِّيهِ بِاللَّبَنِ وَنَشْؤُهُ مِنْهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي جَوْفِهِ مَا يُثْبِتُ ، وَأَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَهُوَ الطَّعَامُ فَيَصِيرُ الْآخَرُ الرَّقِيقُ مُسْتَهْلَكًا فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فَإِنْ قِيلَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّبَنَ غَالِبٌ فِي الْقَصْعَةِ ، أَمَّا عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ إلَى فِيهِ فَأَكْثَرُ الْوَاصِلِ إلَى جَوْفِهِ الطَّعَامُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ رَقِيقًا يُشْرَبُ اعْتَبَرْنَا غَلَبَةَ اللَّبَنِ إنْ غَلَبَ وَأَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : وَلَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَا وَجُورًا ) الْوَجُورُ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ قَسْرًا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسَّعُوطُ صَبُّهُ مِنْ الْأَنْفِ وَيُقَالُ أَوْجَرْته وَوَجَرْته ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ أَوْ النَّبِيذِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ اُسْتُعِطَ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَبَنُ الْبِكْرِ وَالْمَيِّتَةِ مُحَرِّمٌ ) أَيْ مُثْبِتٌ لِلْحُرْمَةِ أَمَّا لَبَنُ الْبِكْرِ فَلِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَلَبَنِ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ إذْ هُوَ لَبَنٌ حَقِيقَةً ، وَأَمَّا الْمَيِّتَةُ فَمَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حُرْمَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَرْأَةُ حَتَّى تَصِيرَ أُمًّا لَهُ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهُ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَحَلُّهُ الْحَيَاةُ فَيَمُوتُ بِمَوْتِهَا ، فَيَكُونُ نَجِسًا فَلَا يُفِيدُ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَرَامٌ وَحُرْمَةُ الرَّضَاعِ كَرَامَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْحَرَامِ كَالزِّنَا فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ وَلَنَا أَنَّهُ لَبَنٌ حَقِيقَةً وَهُوَ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَيَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ النُّصُوصِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّبَنَ يَمُوتُ بِمَوْتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا بَانَ مِنْ الْحَيِّ ، وَلَوْ كَانَ يَمُوتُ لَمَا حَلَّ ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْهُ مَيِّتٌ وَقَوْلُهُ نَجِسٌ أَوْ فِعْلُ حَرَامٍ يَبْطُلُ بِمَا إذَا خَالَطَهُ خَمْرٌ فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا إجْمَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ إنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا ، بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا دَفْنًا وَتَيْمِيمًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَبَنَهَا لَوْ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَانِعًا لَمَا ثَبَتَ وَالْحُرْمَةُ بِالْوَطْءِ لِكَوْنِهِ مُلَاقِيًا مَحَلَّ الْحَرْثِ ، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الِاحْتِقَانُ وَلَبَنُ الرَّجُلِ وَالشَّاةِ ) أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ أَمَّا الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ ؛ فَلِأَنَّ النُّشُوءَ
لَا يُوجَدُ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِالْغِذَاءِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْلَى لَا مِنْ الدُّبُرِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قُلْنَا الْفِطْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ ، وَالْمُحَرِّمُ فِي الرَّضَاعِ مَعْنَى النُّشُوءِ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَوْ وَصَلَ إلَى جَائِفَةٍ أَوْ آمَّةٍ ، وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ ، وَالسَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يَثْبُتُ بِهِمَا التَّحْرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ لِحُصُولِ النُّشُوءِ بِهِمَا ، وَأَمَّا لَبَنُ الرَّجُلِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا نَزَلَ مِنْ ثَدْيِ الْبِكْرِ مَاءٌ أَصْفَرُ وَأَمَّا لَبَنُ الشَّاةِ ؛ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِوَاسِطَةِ شُبْهَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وِلَادًا فَكَذَا رَضَاعًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ دَخَلَ بُخَارَى وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ لَا تَفْعَلْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نُصْحَهُ حَتَّى اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَبَنُ الْبِكْرِ إلَخْ ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ قُلْنَا نُدْرَةُ الْوُجُودِ لَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدَّلِيلِ إذَا وُجِدَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَمَذْهَبُنَا ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَرْأَةُ إلَخْ ) ، ثُمَّ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهَا بِوَاسِطَتِهَا وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لَهُ ا هـ هِدَايَةٌ قُلْنَا إنْ أَرَدْت أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتٍ فِيهَا مَنَعْنَاهُ ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّفَاقِ مَحَلِّيَّتِهَا حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْكُلِّ مَعًا شَرْعًا وَالتَّقَدُّمُ فِي الْأُمِّ ذَاتِيٌّ لَا زَمَانِيٌّ فَإِذَا ثَبَتَ الْمَانِعُ فِي حَقِّهَا ثَبَتَ فِيمَنْ سِوَاهَا ، وَلَوْ عَلَّلَ ابْتِدَاءً بِنَجَاسَةِ اللَّبَنِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَرَامَةً إذْ فِيهِ تَكْثُرُ الْأَعْوَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالسَّكَنِ وَبِالْمَوْتِ تَنَجَّسَ فَإِنْ أَرَادَ عَيْنًا مَنَعْنَاهُ ، بَلْ لَبَنُ الْمَيْتَةِ الطَّاهِرَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا تَوْجِيهَهُ بِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لِمَا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ ، وَقَدْ كَانَ طَاهِرًا فَيَبْقَى كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُنَجِّسِ إذْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ سِوَى الْخُرُوجِ مِنْ بَاطِنٍ إلَى ظَاهِرٍ وَالْمُتَيَقَّنُ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ وَصْفِهِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنَّمَا قَالَا بِتَنَجُّسِهِ بِالْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ أُوجِرَ بِهِ الصَّبِيُّ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ أَرَادَ التَّنَجُّسَ مَنَعْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ ) أَيْ وَهُوَ إيجَارُ اللَّبَنِ النَّجِسِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا دَفْنًا وَتَيْمِيمًا ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لِهَذِهِ
الْمُرْضِعَةِ الَّتِي أُوجِرَ لَبَنُ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فِي فَمِهَا زَوْجٌ فَإِنَّ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَدْفِنَ وَيُيَمِّمَ الْمَرْأَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا حَيْثُ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : وَالْحُرْمَةُ بِالْوَطْءِ ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ فِي الرَّضَاعِ الْإِنْبَاتُ وَالنُّشُوزُ بِوَاسِطَةِ التَّغَذِّي وَفِي حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الْجُزْئِيَّةُ الْحَاصِلَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ تُتَصَوَّرْ الْجُزْئِيَّةُ بِخِلَافِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الرَّضَاعِ ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي ارْتِضَاعِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ إلَخْ ) وَالْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ غَايَةُ مَا يَصِلُ إلَى الْمَثَانَةِ فَلَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ ، وَكَذَا فِي الْأُذُنِ لِضِيقِ الثَّقْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْفِطْرِ بِإِقْطَارِ الدُّهْنِ فِي الْأُذُنِ لِسَرَيَانِهِ فَيَصِلُ إلَى بَاطِنِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ ضِيقٌ وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ وَيُنْبِتُ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ رِفْقٌ مِنْ تَرْطِيبٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُفْسِدُ فِي الصَّوْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَصَى وَالْحَدِيدِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ ) أَيْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى ) وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالثَّلَاثِينَ أَنْ سَبَبَ إخْرَاجِهِ قَوْلُهُ : الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حُرِّمَتَا ) وَمَعْنَاهُ كَانَتْ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا فَلَا يَجُوزُ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَصَارَ كَرِدَّتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَجِئْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِأَنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ ) أَيْ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مِنْ قِبَلِهَا وَلَا يُقَالُ الِارْتِضَاعُ فِعْلُهَا وَالْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فِعْلُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَسْقُطُ جَزَاءً عَلَى الْفِعْلِ ، وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا وَلَا تُحْرَمُ عَنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي الْكَبِيرَةِ أَيْضًا مَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ فِعْلِهَا كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي لَزِمَهُ لِلصَّغِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَالتَّأْكِيدُ جَارٍ مَجْرَى الْإِتْلَافِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا .
وَلَنَا أَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لَا مُبَاشِرَةٌ فَإِنَّهَا بَاشَرَتْ الْإِرْضَاعَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِفْسَادِ النِّكَاحِ ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْجُزْئِيَّةِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْفَسَادُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ ، وَالْمُسَبِّبُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ لَا يَضْمَنُ مَا وَقَعَ فِيهَا وَإِنْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ ، وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فِي دَارِهِ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ وَضْعًا فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِالْعُذْرِ ، وَالتَّسْبِيبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا صَلَحَ عِلَّةً لِضَمَانِ الْعُدْوَانِ ، وَالْحَفْرُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلتَّلَفِ ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا حَفْرُهُ لَمَا وَقَعَ فِيهِ إذْ الْوُقُوعُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مَكَان خَالٍ عَنْ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ فَهُوَ مُحَصِّلُ مَحَلِّ الْوُقُوعِ ، وَالثِّقَلُ عِلَّةُ السُّقُوطِ وَهُوَ عِلَّةُ التَّلَفِ ، ثُمَّ أُضِيفَ الْحُكْمُ مَعَ هَذَا إلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ وَهُنَا الْمُرْضِعَةُ لَيْسَتْ بِصَاحِبَةِ عِلَّةِ فَسَادِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِالْجُزْئِيَّةِ ، وَسَبَبُهَا الِارْتِضَاعُ إلَّا أَنَّهُ لَوْلَا الْإِرْضَاعُ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّ الِارْتِضَاعِ فَصَارَتْ مُحَصِّلَةَ مَحَلِّ عِلَّةِ الْفَسَادِ فَيُضَافُ الْفَسَادُ إلَيْهَا بِوَصْفِ التَّعَدِّي ، وَالْإِرْضَاعُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ إنْ خَافَتْ هَلَاكَ الصَّغِيرَةِ ، وَمَنْدُوبٌ إنْ كَانَتْ جَائِعَةً وَمُبَاحٌ إنْ لَمْ تَقْصِدْ الْفَسَادَ وَتَعَمُّدُ الْفَسَادِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا أَرْضَعَتْهَا بِلَا حَاجَةٍ عَالِمَةً بِقِيَامِ النِّكَاحِ وَبِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ فَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ مُتَعَمِّدَةً وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي بَاطِنِهَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهَا فِيهِ وَلَا يُقَالُ الْجَهْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَا يُعْتَبَرُ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ نَعْتَبِرْ الْجَهْلَ لِدَفْعِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ الَّذِي يَصِيرُ الْفِعْلُ بِهِ تَعَدِّيًا ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الضَّمَانُ إلَّا إذَا قَصَدَتْ الْفَسَادَ ، وَقَصْدُهَا الْفَسَادَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ الْجَهْلِ بِالْفَسَادِ أَوْ بِالنِّكَاحِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَلَا يُسْقِطُ مَهْرَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ نَائِمَةً فَأَخَذَتْ الصَّغِيرَةُ ثَدْيَهَا لَا يُرْجَعُ عَلَى أَحَدٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَلَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَهَا بِهِ فَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَى الرَّجُلِ إنْ تَعَمَّدَ الْفَسَادَ ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةُ الْأَبِ زَوْجَةَ الِابْنِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ لِأَبٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا حُرِّمَتَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ، ثُمَّ إنَّ أُخْتَ الْمُطَلَّقَةِ أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَالْمُطَلَّقَةَ فِي الْعِدَّةِ بَانَتْ الصَّغِيرَةُ لِلْجَمْعِ مَعَ خَالَتِهَا ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ رَضِيعَتَانِ فَجَاءَتْ امْرَأَتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَرْضَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاحِدَةً مَعًا وَتَعَمَّدَتَا الْفَسَادَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُفْسِدَةٍ بِصُنْعِهَا وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِلْأُخْتِيَّةِ اتِّفَاقًا .
( قَوْلُهُ : كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا ) ، ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَرِدَّتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ) وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ لَكِنْ لَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا لِجِنَايَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَجْنُونَةً وَنَحْوَهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا تُحْرَمُ مِنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ ) أَيْ بِقَتْلِهَا مُوَرِّثَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ ) وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا : ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا ) أَيْ يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لَا مُبَاشِرَةٌ ) أَيْ لِأَنَّ إلْقَاءَ الثَّدْيِ شَرْطُ الْفَسَادِ لَا عِلَّةٌ لَهُ ، بَلْ الْعِلَّةُ فِعْلُ الصَّغِيرَةِ الِارْتِضَاعَ فَكَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُبَاشِرَةً لِلشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِاتِّفَاقِ الْحَالِ ) أَيْ وَهِيَ صَيْرُورَتُهَا بِنْتًا ، وَأَمَّا تَحْتَ رَجُلٍ ا هـ قَوْلُهُ : لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ نَعْتَبِرْ الْجَهْلَ لِدَفْعِ الْحُكْمِ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَا يُتَصَوَّرُ إلَخْ ) فَإِنْ قُلْت دَفْعُ قَصْدِ الْفَسَادِ يَسْتَلْزِمُ دَفْعَ الْحُكْمِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْجَهْلِ لِدَفْعِ الْحُكْمِ قُلْت لَزِمَ ذَلِكَ ضِمْنًا فَلَا يُعْتَبَرُ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : أَوْ بِالنِّكَاحِ ، وَلَوْ كَانَتْ
الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً إلَخْ ) فَعَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِلْجَهْلِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ تَضْمَنُ إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْذَرُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَجَاءَتْ امْرَأَتَانِ لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ حُرِّفَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَوَقَعَ فِيهَا الْخَطَأُ وَذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَتَانِ لَهُمَا مِنْهُ لَبَنٌ مَكَانَ قَوْلِنَا لَهُمَا لَبَنٌ مِنْ رَجُلٍ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الصَّوَابُ الضَّمَانُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَفْسَدَتْ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ بِنْتًا لِلزَّوْجِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِلْأُخْتِيَّةِ ) وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْإِفْسَادِ فَلَا تُضَافُ الْفُرْقَةُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ارْتَضَعَتَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ لِأَبٍ ، وَالْأُخْتِيَّةُ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْمَرْأَتَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ إرْضَاعِ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ الْفَسَادُ بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ ، وَالْأُمِّيَّةُ قَائِمَةٌ بِالْمُرْضِعَةِ فَيُعْتَبَرُ تَعَدِّيهَا ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ ) أَيْ يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ وَهُوَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَالَ مَالِكٌ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِهِ وَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ يَثْبُتُ زَوَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ ضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي النِّكَاحِ وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مَعَ الرَّضَاعِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ شَهَادَةً بِالْفُرْقَةِ اقْتِضَاءً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ تَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ وَالدُّهْنِ إذَا تَنَجَّسَ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَعَ حُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا فَأَمْكَنَ قَبُولُهَا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْأَمْرُ الدِّينِيُّ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الرَّضَاعِ الطَّارِئِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَتَشْهَدَ وَاحِدَةٌ بِأَنَّهَا أَرْضَعَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ إقْدَامَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَمَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ صَارَ مُنَازِعًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً ، وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَقْدِ فَقَدْ سَلَّمَ صِحَّةَ الْعَقْدِ
وَلَا يُنَازِعُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي حُدُوثَ الْمُفْسِدِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِقْدَامُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُفْسِدِ فَصَارَ كَمَنْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادِ مُقَارِنٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِارْتِدَادِ طَارِئٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمَا قُلْنَا ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ إزَالَةِ الْمِلْكِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ مَقْبُولَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ الرِّجَالُ عَلَيْهِ فَيَقُومُ كُلُّ اثْنَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ ، وَالرَّضَاعُ مِنْهُ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ؛ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَيَثْبُتُ بِالْإِيجَارِ كَمَا يَثْبُتُ بِالْمَصِّ مِنْ الثَّدْيِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ { عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ : قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ، ثُمَّ ذَكَرْتُ لَهُ ثَانِيًا فَأَعْرَضَ عَنِّي ، ثُمَّ ثَالِثًا ، فَقَالَ : فَارِقْهَا إذَنْ ، فَقُلْتُ : إنَّهَا سَوْدَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ } وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ حُجَّةٌ لَنَا أَيْضًا فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْرَضَ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ فَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى مِنْهُ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ إلَى
قَوْلِهِمَا حَيْثُ كَرَّرَ السُّؤَالَ أَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا احْتِيَاطًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ كَانَتْ عَنْ ضِغْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْتَطْعِمُنَا فَأَبَيْنَا أَنْ نُطْعِمَهَا فَجَاءَتْ تَشْهَدُ عَلَى الرَّضَاعِ وَبِالْإِجْمَاعِ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَنَزُّهًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ { كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ } ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالتَّنَزُّهِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .( قَوْلُهُ : بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إلَخْ ) وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِهِمْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ ، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ثَدْيِ الْأَجْنَبِيَّةِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَيَثْبُتُ بِالْإِيجَارِ إلَخْ ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْإِرْضَاعَ يَكُونُ بِالثَّدْيِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَيْهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( كِتَابُ الطَّلَاقِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ ، وَقَوْلُهُ شَرْعًا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ الثَّابِتِ حِسًّا وَهُوَ حَلُّ الْوَثَاقِ ، وَقَوْلُهُ بِالنِّكَاحِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا لَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَيْدُ بِالنِّكَاحِ وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أَطْلَقَ الْفَرَسَ وَالْأَسِيرَ وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ مَصَالِحَهُمْ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ ثُمَّ شُرِعَ الطَّلَاقُ إكْمَالًا لِلْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ فَمَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عَدَدًا وَحُكْمَهُ مُتَأَخِّرًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْفِرَاقِ كَمَا جَرَّبَهَا فِي النِّكَاحِ ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ الْفُحُولَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَشَرِيعَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا وَرُكْنُهُ وَهُوَ اللَّفْظُ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ وَالْمَحَلُّ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَالْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَحُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ مَعَ انْتِقَاصِ الْعَدَدِ وَالسَّابِعُ أَنْوَاعُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ تَطُلْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا ؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلَّا مِنْ رِيبَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ } وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ، وَقَالَ تَعَالَى { : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ { وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ } وَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ مُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَفًّا فَقَالَ أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَرْزَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ الطَّلَاقُ .
كِتَابُ الطَّلَاقِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ وَاسْتِعْقَابُ أَحْكَامَهُ وَأَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَمَا بِالطَّلَاقِ حُرْمَةٌ مُغَيَّاةٌ بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِ الْأَشَدِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْآخَرِ وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُ التَّرْتِيبَ الْوَضْعِيَّ ، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ كَذَلِكَ وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } أَيْ التَّطْلِيقُ أَوْ هُوَ مَصْدَرُ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا كَالْفَسَادِ ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق صَرِيحًا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِجَاءِ طَالِقٍ بِلَا تَرْكِيبٍ كَأَنْتِ ط ا ل ق عَلَى مَا سَيَأْتِي وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ ، وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقُ وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانُ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ
مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتُعْمِلَ فِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ أَطْلَقْت بَعِيرِي وَأَسِيرِي وَفِيهِ مِنْ التَّفْعِيلِ طَلَّقْت امْرَأَتِي يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ ) أَيْ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ ) أَيْ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِمَا ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ ) أَيْ بِلَا طَلَاقٍ آخَرَ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِلَّةِ ضَرَرِ هَذَا وَاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَحْسَنَ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قِيلَ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَظْرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَسَنًا وَأَحْسَنُ فَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ ا هـ وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ عَلَى نَوْعَيْنِ طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْبِدْعِيُّ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ الْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجُمْلَةٍ أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَبِحَسَبِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةُ تَقُولُ إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي ، بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا ، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ ) أَيْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا بِلَا تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : { لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } ) أَيْ تَبْدُو لَهُ مُرَاجَعَتُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ إلَخْ ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا سَرَّحَهَا بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ لَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ النِّكَاحِ كَثِيرَ الطَّلَاقِ
فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِأَنِّي أُحِبُّ الْغِنَى ، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَمَعَ الْغِنَى فِي هَذَيْنِ يَعْنِي النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ ، أَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ } ا هـ كُبْرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ إنْ أَوْفَاهَا الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وُسِّعَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ } إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ } فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ مَا رَتَّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي مِنْ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي التَّنْزِيهِ وَالْعِقَابِ فِي كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ إلَخْ ) فَإِنَّ عُمَرَ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنُ عَوْفٍ طَلَّقَ تَمَاضُرَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا لِدَفْعِ حَاجَةِ التَّخَلُّصِ عَنْهَا بِتَنَافُرِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ وَلَنَا { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ } { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِهِ إنَّك أَخْطَأَتْ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ } يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ وَهُمَا ذُو عَدَدٍ فَيُقْسَمُ آحَادُ أَحَدِهِمَا عَلَى آحَادِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّفْرِيقِ وَأَقَلُّهُ الْإِبَاحَةُ وَقَوْلُهُ : لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ، بَلْ مُبَاحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ إنَّهُ يُسْتَبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ ثَابِتَةٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَلَا يَقَعُ فِي عِدَّتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لِخَفَاءِ تَنَافُرِ الطِّبَاعِ وَتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ مَقَامَهَا كَمَا فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَالْحَاجَةُ مُتَكَرِّرَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا فَيُدَارُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ كَيْ لَا تَتَضَرَّرَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ كَيْ لَا يُبْتَلَى
بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ : وَتَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً إلَخْ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ ) أَيْ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدْعَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك إلَخْ ) ، ثُمَّ الْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَيَّنُ مَا دُونَهُ وَهُوَ السُّنَّةُ فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ سُنَّةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ السُّنَّةِ ، وَقَدْ { شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّطْلِيقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ } كَمَا تَرَى وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُسْنُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَضِيَّةِ حُكْمِ الْأَمْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّبْيِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ : وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ ) أَيْ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الطُّهْرَ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ زَمَانُ النَّفْرَةِ ، وَكَذَا الطُّهْرُ إذَا وُجِدَ فِيهِ الْجِمَاعُ تَفْتُرُ رَغْبَةُ
الرَّجُلِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا ، وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ ا هـ فَقَوْلُهُ : يُطَلِّقُهَا كُلَّمَا طَهُرَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَقِيبَ الطُّهْرِ إذْ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَوْلُهُ : عَقِيبَ الطُّهْرِ الْحَيْضَ إذْ لَا يَعْقُبُ الطُّهْرَ إلَّا الْحَيْضُ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَ الطُّهْرِ عَقِيبَ أَوَّلِ الطُّهْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ : كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ إلَخْ ) يَعْنِي لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فَإِذَا جَامَعَ ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا يُبْتَلَى الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ ضَرُورَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ ) أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ إلَخْ ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
( وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ ، وَكَذَلِكَ الثِّنْتَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الثَّلَاثُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعَةً ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ لَا يُجَامِعُ الْحَظْرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْإِيقَاعُ جُمْلَةً يُضَادُّهُ ، فَيَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ ، فَيَكُونُ بِدْعَةً ضَرُورَةً وَفِي مُصَنَّفِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ { ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا ، قَالَ : إذًا قَدْ عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك } ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُهُ كَمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ فَلَعَلَّهُ يَنْدَمُ فِي زَمَانِ الطُّهْرِ عِنْدَ تَوَقَانِ النَّفْسِ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ نَظَرًا لَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا كُرِهَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا ، وَلَيْسَ فِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ { أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ ، ثُمَّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ
أَظْهُرِكُمْ } ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يُطَلِّقُ أَحَدُكُمْ ، ثُمَّ يَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ ، ثُمَّ يَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ اللَّهُ { : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ، وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَك مَخْرَجًا عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشِّيعَةُ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاحِدَةً فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا فَسَأَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَيْفَ طَلَّقْتهَا قَالَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ إنَّمَا تِلْكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا } وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ وَفِيهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهُ ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ { امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي وَبَتَّ طَلَاقِي } ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ، وَكَذَا حَدِيثُ { بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ لَهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ } ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ : إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانِي تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ مَاذَا قِيلَ لَك فَقَالَ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك قَالَ صَدَقُوا هُوَ مِثْلُ مَا يَقُولُونَ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ
قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ صَدَقُوا دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ عَنْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَإِخْبَارٍ عَنْ تَسَاهُلِ النَّاسِ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَصْرَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ ثَلَاثًا كَانَ فِي ذَيْنِك الْعَصْرَيْنِ وَاحِدَةً كَمَا يُقَالُ كَانَ الشُّجَاعُ الْآنَ جَبَانًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي الْعَصْرَيْنِ لِقَصْدِهِمْ التَّأْكِيدَ وَالْإِخْبَارَ وَصَارَ النَّاسُ بَعْدَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّجْدِيدَ وَالْإِنْشَاءَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُنْكَرٌ قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَدْ عَصَى رَبَّهُ وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ { رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ } وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ زِيَادَةِ صِفَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَفِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا
يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ مَشْرُوعٌ سُنِّيٌّ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
( قَوْلِهِ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةً وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةً ، بَلْ الْكُلُّ مُبَاحٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً سُنَّةٌ حَتَّى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ الْكُلُّ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا يُعْتَبَرُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ التَّفْرِيقُ كَالْوَقْتِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُعْتَبَرُ الْوَاحِدَةُ وَالْوَقْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْعَدَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ ) أَيْ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَتَلْبِيسُ وَجْهِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فِي الثَّانِي قَوْلُهُ : وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ لَيْسَ بِمَحْسُوبٍ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ ) أَيْ نَفْرَةِ الطَّبِيعَةِ لِتَلَوُّثِهَا بِالدَّمِ ( قَوْلُهُ : كَانَ مَكْرُوهًا ) أَيْ بِاتِّفَاقٍ ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَطْوِيلٌ وَلَا تَلْبِيسٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : { أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى } ) وَاللَّعِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ حَرَامٌ فَيَكُونُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَرَامًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَخْ ) ، وَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي يُوقِعُونَهَا الْآنَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً ، تَنْبِيهٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمُخَالَفَةِ
السُّنَّةِ فَيُشْكِلُ إذْ لَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ : فَأَمْضَاهُ عُمَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ إلَخْ ) أَنَاةٌ عَلَى وَزْنِ حَصَاةٍ ا هـ مِصْبَاحٌ وَالْأَنَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْمَلَةٌ ا هـ شَرْحُ مُسْلِمٍ ( قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ ) أَيْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةٌ فَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْعِمَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ ، وَلَوْ قَالَ خوشتين خُوَيْدِم فَقَالَ مَنْ يَكُ طَلَاقٌ بِسَبَبٍ وَآدَم وَأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا تَقَعْ رَجْعِيَّةً عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ عَلَى رِوَايَتِهِ الْبَائِنُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَيَقَعُ بَائِنًا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّ الْبَائِنَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ سُنِّيٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ ) يَعْنِي أَصْلَ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَخْطَأَ السُّنَّةَ ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ { رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ } ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ ، وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ رُكَانَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ ، وَلَوْ حَائِضًا ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا صَادِقَةٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْهَا بِالْوَطْءِ عَادَةً فَصَارَ إقْدَامُهُ عَلَى الطَّلَاقِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ تَخْيِيرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَأَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ حَائِضًا ) فَإِنْ قُلْت الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَقَدْ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا } فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ بِالدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَدْخُولُ بِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ { فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } وَلَا عِدَّةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيُكْرَهُ فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً إلَّا أَنَّ زُفَرَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَكْرَهُ طَلَاقَهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَاسِدٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ فُصُولُ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْحَيْضُ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ فَيُفَرِّقُ عَلَيْهَا ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحَامِلِ يُفَرِّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَشْهُرُ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا لِتَتَجَدَّدَ الرَّغْبَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ ، ثُمَّ قِيلَ : الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ إلَّا أَنَّ تَكَرُّرَ الْحَيْضِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ تَخَلُّلِ الطُّهْرِ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ ضَرُورَةً وَانْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِحَيْضَةٍ وَكَذَا الْفَصْلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ الْحَيْضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُقَامُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فِي أَيِّ شَهْرٍ وَقَعَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَاتَه طُهْرٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَإِلَّا لَزِمَ الطَّلَاقُ فِي حَيْضٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَّا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحُجَّةِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا ، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ ، ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْحَائِضَ ، ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ
الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَاتُ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ ) أَيْ جَازَ طَلَاقُ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ عَقِيبَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ كَمَا يُفْصَلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِتَجَدُّدِهَا كَذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ يَدْعُو إلَى إمْسَاكِهَا لِمَكَانِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَلَنَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَصَارَتْ كَالْحَامِلِ ، وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ كَثُرَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهِ فَصَارَتْ كَالْحَامِلِ عَلَى مَا مَرَّ وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ أَوْ الْحَبَلُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَلَاقَ الْحَامِلِ مُفْرَدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ أَيْ فَرَّقَ طَلَاقَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ عَلَى الْأَشْهُرِ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَحُكْمُهَا أَيْضًا عِنْدَهُمَا كَحُكْمِ مَنْ لَا تَحِيضُ فِي حَقِّ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ابْتِدَاءً وَفِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْعَدَدِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ
الْعِدَّةِ وَالشَّهْرِ فِي حَقِّهَا لَيْسَ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُبَاحُ فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ مَاسَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا فَأُقِيمَ دَلِيلُهَا وَهُوَ مُضِيُّ الشَّهْرِ مَقَامَهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَلِهَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا دَامَ حَيْضُهَا مَرْجُوًّا فَأَمْكَنَ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَطْهَارِ ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا .
قَوْلُهُ : إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ ، وَقِيلَ ثَمَانٌ وَسَبْعٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ كِبَرٍ ) بِأَنْ كَانَتْ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَغَيْرُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَهَذَا الْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَحْدَهُ وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ ، بَلْ يَكْفِي إقَامَةُ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ ) أَيْ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا ) أَيْ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ أَيْ تَفْرِيقِ الطَّلْقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُطَلِّقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ، بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَفِي حَقِّ
الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَقَوْلُهُ : فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تُعْتَبَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافَ ا هـ فَتْحٌ ( تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ نَاقِصًا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ كَامِلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ ، وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ ) أَيْ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ
وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ ) وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا ) أَيْ وَفِيهَا لَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ ، وَلَكِنْ هَهُنَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ لَمْ نَجِدْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ فَبَقِيَ الشَّهْرُ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ ؛ لِأَنَّ الَّتِي يَمْتَدُّ طُهْرُهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ ) حَائِضًا ( بِدْعِيٌّ ) لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلَنَا { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا } وَكَانَ طَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ، وَالْمُرَاجَعَةُ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيُرَاجِعُهَا وَيُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ ثَانٍ ) يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ ، ثُمَّ حَاضَتْ ، ثُمَّ طَهُرَتْ وَهُوَ الطُّهْرُ الثَّانِي وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ الْمُرَاجَعَةِ ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدْبِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى ، أَوْ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ وَقْتُ الْمُرَاجَعَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْكَرْخِيُّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ { ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ } وَفِي رِوَايَةٍ { تَطْلِيقَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ ، ثُمَّ تَطْهُرَ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَيَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحَيْضَةِ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْفَصْلِ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ طُهْرٍ وَاحِدٍ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ طَلْقَتَيْنِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إذَا طَهُرَتْ أَوْ وَهِيَ حَامِلٌ } ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ } ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ ، ثُمَّ رَاجَعَهَا فِيهِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ أُخْرَى عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالْمُرَاجَعَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا
عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَبَعْدَ تَخَلُّلِ النِّكَاحِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ عِنْدَهُ خَاصَّةً ، وَقِيلَ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ اتِّفَاقًا ، ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النِّسَاءَ صِنْفَانِ ، مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَالْمَدْخُولُ بِهَا نَوْعَانِ حَبَالَى وَحَيَالَى ، وَالْحَيَالَى نَوْعَانِ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ وَذَوَاتُ الْأَشْهُرِ وَالطَّلَاقُ نَوْعَانِ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ فَالسُّنِّيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ فَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ رَجْعَةٍ ، أَوْ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ يَخْتَصُّ بِالْمَدْخُولِ بِهَا الْحَائِلِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَالْبِدْعِيُّ أَنْوَاعٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلٍ مَا ذَكَرْنَا أَوْ يُطَلِّقُ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ فَتَأَمَّلْهُ .
( قَوْلُهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْكَافِي ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَفَى بِالرَّجْعَةِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، وَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ كَذَا هُنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا : لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضْمَحِلَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : حِينَ تَطْهُرُ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى تَطْهُرَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ وَكَانَتْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعَتْ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ فَيَنْصَرِفُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ضِدَّ السُّنَّةِ وَالشَّيْءُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ وَلَا لَحْمَ السَّمَكِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُصُورٍ فِيهِ ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ تَصِحَّ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مُطْلَقًا بِأَنْ يُصَادِفَ طُهْرَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ اللَّامُ لِلْوَقْتِ كَانَ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ جُمْلَةً لَا تَصِحُّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْنَا اللَّامُ هُنَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ لِلْوَقْتِ ، بَلْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ تَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِنَّمَا
حَمَلْنَاهَا عَلَى الْوَقْتِ بِذِكْرِ السُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْكَامِلَةُ فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَأَمَّا ذِكْرُ أَوْقَاتِ السُّنَّةِ صَرِيحًا فَلَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً ، بَلْ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِدُونِ الْإِيقَاعِ مُمْتَنِعٌ ، قُلْنَا الْوُقُوعُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْحَالِفِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا بِخِلَافِ الْإِيقَاعِ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ بَعْدَ هَذَا التَّحْرِيرِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَجْلِ أَنَّا عَرَفْنَا وُقُوعَهُ جُمْلَةً بِالسُّنَّةِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ ، وَوَقْتُ الْوُقُوعِ أَنْوَاعُ مُسْتَحَبٌّ وَبِدْعَةٌ وَكِلَاهُمَا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِ الْوَقْتِ أَنْ يَتَعَمَّمَ الْوَاقِعُ فِيهِ ، فَيَكُونُ نَاوِيًا مُحْتَمِلَ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ أَمَّا لَوْ نَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً فَقَدْ لَغَا قَضِيَّةَ اللَّامِ وَهُوَ عُمُومُ الْوَقْتِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا ، فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعًا لِلْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ ثَمَّ ثَبَتَ نَصًّا وَأَلْفَاظُ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ عَلَى
السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ أَوْ أَحْسَنِ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلِهِ أَوْ أَعْدَلِهِ ، وَلَوْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ نَوَى السُّنَّةَ فَهُوَ سُنَّةٌقَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا بَانَتْ بِثَلَاثٍ } ا هـ كَافِي وَلِهَذَا مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً يُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِ الرَّفْضِ وَالْبِدْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ إذَا نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى السُّنِّيَّ فِي الْوُقُوعِ دُونَ الْإِيقَاعِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا فِي الْوُقُوعِ وَالْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِيهِ طَاهِرَةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَيَكُونُ سُنِّيًّا وُقُوعًا لَا إيقَاعًا وَنِيَّةُ السُّنِّيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِيقَاعَ بِحَسَبِ السُّنَّةِ تَصِحُّ كَمَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ جُمْلَةً فَمَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا ) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ ، وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ وَأَخْرَسَ بِإِشَارَتِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ) لَا طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالسَّيِّدِ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ } ؛ وَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وَلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ ، وَقَوْلُهُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُبَانَةِ حَيْثُ لَا يَلْحَقُهَا الْبَائِنُ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَارِضٍ لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا لِحَقِّهَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ ، وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ قَدْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ أَحْيَانًا لَا عَنْ قَصْدٍ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ، وَالْمُرَادُ حُكْمُهُ فَيَشْمَلُ حُكْمَ الدَّارَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ وَالتَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا
رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاخْتِيَارِ ، بَلْ لَهُ اخْتِيَارٌ ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ فَاتَ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَمَّا فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِعْلُ تَارَةً وَفُرِضَ عَلَيْهِ أُخْرَى وَحُرِّمَ عَلَيْهِ تَارَةً وَالْخِطَابُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُشْتَرَكِ وَحُكْمُ الْآخِرَةِ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْأُخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ بِحَدِيثِ { حُذَيْفَةَ وَابْنِهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ } فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ ، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ } ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، وَقَالَ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا ، ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَشْرَةٌ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَفْوُ
عَنْ الْقِصَاصِ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ لَا يَفْتَقِرُ وُقُوعُهَا إلَى الرِّضَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ ، وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْعَقْلُ ، وَقَدْ زَالَ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } فَوَجَبَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ بِالْمُبَاحِ حَتَّى لَوْ صُدِعَ رَأْسُهُ وَزَالَ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ حَيْثُ لَا تَعْتَبِرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ عَقْلَهُ بَاقٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمٍ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا فَسَكِرَ وَطَلَّقَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ بِالْمُبَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ لِوُجُودِ التَّلَذُّذِ بِهِ وَلَا إكْرَاهَ عِنْدَهُ ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرِبَهَا لِلضَّرُورَةِ ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ أَمْ لَا ، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ لَا يَقَعُ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ يَشْرَبُ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاطِقُ ، وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ إشَارَتُهُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ
تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ كَإِعْتَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ دُونَ طَلَاقِ مَوْلَاهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ { جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الْمَنَافِعِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ } ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالدَّمِ وَالْحُدُودِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَوَقَعَ طَلَاقُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِإِطْلَاقِ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ بِدُونِ الْمِلْكِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ قَالَ الْكَمَالُ : وَكَذَا إعْتَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يُنْتَقَضُ إلَخْ ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ لَا يُنْتَقَضُ بِإِلْحَاقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ حَيْثُ لَا يُعْمَلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا يُعْمَلُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ كُلُّ طَلَاقِ كُلِّ زَوْجٍ ، بَلْ نَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ وَطَلَاقُ هَذَا الزَّوْجِ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ إلَخْ ) نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ ا هـ وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَغَيْرُهُ نَادِرٌ ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ نَادِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا طَلَّقَ إنْسَانٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى : النَّائِمُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالنَّائِمُ وَالْمُعْتَقَلُ وَاَلَّذِي شَرِبَ الدَّوَاءَ مِثْلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ ) أَيْ فِيمَا كَانَ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ صِدْقًا بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا لَمْ يَقَعْ ، وَإِذَا أَنْشَأَ بِهِ هَازِلًا يَقَعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ جَمَعْتهَا لِتَسْهِيلِ حِفْظِهَا فِي قَوْلِي يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقٍ وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ عَنْهُ مُفَارِقِيٌّ ، وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ ا هـ قَوْلُهُ : وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ مَا نَصُّهُ ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا ا هـ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ أَطْلَقَ كَمَا
أَطْلَقُوا فَقَالَ : وَإِذَا أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ فَشَمِلَ كَمَا تَرَى الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ : أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ ا هـ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ أَصْلًا مَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ إسْلَامًا وَعَلَى هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَلِهَذَا لَمْ تُقَيِّدْهُ الْمَشَايِخُ بِالْحَرْبِيِّ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ : وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَرْضَعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ يَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ ا هـ ( فَرْعٌ ) السُّلْطَانُ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَنْتِ وَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي أَنْتَ وَكِيلِي الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّجُلِ خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ السُّلْطَانِ وَكِّلْنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك ا هـ قَاضِي خَانْ فِي الْوَكَالَةِ ( قَوْلُهُ : فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ الْوُقُوعَ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ
بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اُعْتُبِرَتْ عِبَارَتُهُ وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ ا هـ وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ : أَمَّا إذَا شَرِبَهُ مُكْرَهًا وَسَكِرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يُحَدُّ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ فَسَكِرَ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا يَقَعُ وَفِي الْإِيضَاحِ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي طَلَاقِ مَنْ لَا يَعْقِلُ : وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ وَسَكِرَ فَطَلَّقَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ : وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ ا هـ قَالَ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ النِّهَايَةِ : الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ لِفُشُوِّ هَذَا الْفِعْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ } ؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ وَلَنَا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ } وَيُرْوَى قُرْآنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا إجْمَاعٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ الْأَمَةَ الَّتِي تَحْتَ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِدَّةُ الْإِمَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَتَقْيِيدُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَكَانَ بَاطِلًا ؛ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ فَالْحُرَّةُ تَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِرَجُلٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ الْأَمَة مَرَّةً وَنِصْفًا ، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ أَنَّ إيقَاعَهُ بِالرِّجَالِ دُونَ عَدَدِهِ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْحُرَّةِ
الْمُطَلَّقَةِ ثِنْتَيْنِ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَجْعَتِهَا حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ لِاخْتِصَاصِ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْحَرَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إذْ الْأَمَةُ تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } يَقْتَضِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّ لَوْ مَلَكَ ثَلَاثًا عَلَى الْأَمَةِ لَمَلَكَ إيقَاعَهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ إيقَاعُهُ فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الطَّلْقَاتِ يَمْلِكُ إيقَاعَهُ فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ وَبِهِ أَفْحَمَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ بْنِ صَدَقَةَ الشَّافِعِيَّ فَقَالَ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى الْأَمَةِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ أَمْسِكْ حَسْبُك فَإِنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ بِالْحَيْضَتَيْنِ فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ وَالْأَمَةُ ثِنْتَانِ ) لِمَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ قَالَ الْكَمَالُ : وَكَذَا إعْتَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يُنْتَقَضُ إلَخْ ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ لَا يُنْتَقَضُ بِإِلْحَاقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ حَيْثُ لَا يُعْمَلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا يُعْمَلُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ كُلُّ طَلَاقِ كُلِّ زَوْجٍ ، بَلْ نَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ وَطَلَاقُ هَذَا الزَّوْجِ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ إلَخْ ) نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ ا هـ وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَغَيْرُهُ نَادِرٌ ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ نَادِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا طَلَّقَ إنْسَانٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى : النَّائِمُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالنَّائِمُ وَالْمُعْتَقَلُ وَاَلَّذِي شَرِبَ الدَّوَاءَ مِثْلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ ) أَيْ فِيمَا كَانَ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ صِدْقًا بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ لِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا لَمْ يَقَعْ ، وَإِذَا أَنْشَأَ بِهِ هَازِلًا يَقَعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ جَمَعْتهَا لِتَسْهِيلِ حِفْظِهَا فِي قَوْلِي يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقٍ وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ عَنْهُ مُفَارِقِيٌّ ، وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ ا هـ قَوْلُهُ : وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ مَا نَصُّهُ ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا ا هـ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ أَطْلَقَ كَمَا
أَطْلَقُوا فَقَالَ : وَإِذَا أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ فَشَمِلَ كَمَا تَرَى الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ : أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ ا هـ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ أَصْلًا مَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ إسْلَامًا وَعَلَى هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَلِهَذَا لَمْ تُقَيِّدْهُ الْمَشَايِخُ بِالْحَرْبِيِّ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ : وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَرْضَعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ يَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ ا هـ ( فَرْعٌ ) السُّلْطَانُ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَنْتِ وَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي أَنْتَ وَكِيلِي الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّجُلِ خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ السُّلْطَانِ وَكِّلْنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك ا هـ قَاضِي خَانْ فِي الْوَكَالَةِ ( قَوْلُهُ : فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ الْوُقُوعَ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ
بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اُعْتُبِرَتْ عِبَارَتُهُ وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ ا هـ وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ : أَمَّا إذَا شَرِبَهُ مُكْرَهًا وَسَكِرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يُحَدُّ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ فَسَكِرَ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا يَقَعُ وَفِي الْإِيضَاحِ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي طَلَاقِ مَنْ لَا يَعْقِلُ : وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ وَسَكِرَ فَطَلَّقَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ : وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ ا هـ قَالَ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ النِّهَايَةِ : الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ لِفُشُوِّ هَذَا الْفِعْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ
( بَابُ الطَّلَاقِ ) الطَّلَاقُ ضَرْبَانِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى صَارَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَمِنْهُ الصَّرْحُ لِلْقَصْرِ لِظُهُورِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الصَّرِيحُ هُوَ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُرَادُ بِهَا الطَّلَاقُ وَتُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ صَرِيحًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَأَثْبَتَ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ ، وَقَالَ تَعَالَى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } وَإِنَّمَا يَكُونُ هُوَ أَوْلَى إذَا كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ ، وَتَسْمِيَتُهُ بَعْلًا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الرَّدُّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا يُقَالُ رَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إذَا فَسَخَ الْبَيْعَ بَعْدَمَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ .
( بَابُ الطَّلَاقِ ) لَمَّا ذَكَرَ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَوَصْفَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَنْوِيعِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكِنَايَةِ ، وَالصَّرِيحُ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْمُرَادِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْكِنَايَةُ مَا كَانَ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ثُمَّ الطَّلَاقُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ أَوْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ فَالْمُرْسَلُ يَقَعُ مِنْ سَاعَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ مَا شَاكَلَهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ الْوَقْتِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا لَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ وَسَيَجِيءُ أَلْفَاظُهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَمِنْهُ الصَّرْحُ لِلْقَصْرِ لِظُهُورِهِ ) أَيْ وَارْتِفَاعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ) يَعْنِي ، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعَيْنِ الْكَلَامِ وَقَامَ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَبِنِيَّتِهِ الْإِبَانَةَ قَصْدُ تَنْجِيزِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو قَصْدُهُ كَمَا إذَا سَلَّمَ يُرِيدُ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ ، وَكَذَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ تَغْيِيرٌ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَيَلْغُو ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ يَقَعُ مَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ لُغَةً فَصَارَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ فَصَارَ كَالْبَائِنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَالْبَائِنُ كِنَايَةٌ عَنْهُ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْهَا وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ خَبَرٌ وَاقْتِضَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ قَائِمَةٌ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْوُقُوعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ لُغَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ اقْتِضَاءً كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَزْيَدَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْبَائِنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَكَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لَهُمَا فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْ ابْنَ عُمَرَ هَلْ أَرَادَ ثَلَاثًا أَمْ لَا حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ
مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَ رُكَانَةَ حِينَ أَبَانَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَائِنَ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ حَيْثُ يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ ثَابِتٌ لُغَةً فَكَانَ مَحْذُوفًا وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجِنْسِ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ بَلْ هُوَ تَغْيِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَمَا يُقَالُ أَعْطَيْتُهُ جَزِيلًا أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا وَذِكْرُ طَالِقٍ يَكُونُ ذِكْرًا لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ يُوقِعُهُ الزَّوْجُ ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ قَائِمٍ بِالْفَاعِلِ لُغَةً لَا عَلَى مَصْدَرٍ يُوقِعُهُ الْوَاصِفُ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ كَانَ خَبَرًا وَقَدْ جَعَلَهُ الشَّارِعُ إنْشَاءً فَلَا يَسْتَقِيمُ قُلْنَا فَإِذَا كَانَ إنْشَاءً صَارَ ابْتِدَاءَ فِعْلٍ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ بِالنِّيَّةِ كَالضَّرْبَةِ وَالْخُطْوَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ الْوَاحِدُ إيقَاعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ صِفَةٌ لِتَطْلِيقٍ مَحْذُوفٍ إذْ الْفِعْلُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالسَّنَةِ وَذِكْرُ الصِّفَةِ ذِكْرٌ لِلْمَوْصُوفِ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا لِلسَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَرْأَةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ
تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ عِنْدَهَا ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ دُيِّنَ دِيَانَةً لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ صُورَةً وَلَا يُدَيَّنُ قَضَاءً لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْعَمَلِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا .
( قَوْلُهُ وَبِنِيَّتِهِ الْإِبَانَةَ قَصْدُ تَنْجِيزِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مُعَلَّقَةٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ أَرَادَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَقْدِيمَ مَا أَخَّرَ الشَّرْعُ إلَى وَقْتٍ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فَرْدٌ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ ) أَيْ لَا لِلطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ وَهُوَ فِعْلُ التَّطْلِيقِ ا هـ رَازِيٌّ قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ ) أَيْ عَنْ قَيْدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ ) أَيْ الطَّلَاقُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْبَيَانِ الْمَوْصُولِ ) يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَفْصُولِ بِأَنْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا ) أَيْ بَلْ فِي الِانْطِلَاقِ عَنْ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّعْتِ وَحْدَهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَعَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لَهُ أَوْلَى وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَمٌ أَيْ عَالِمٌ ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ أَيْ مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ ، وَقَالَ آخَرُ فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا أَنَوَّهْت بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ وَأَفْنَيْت عُمْرِي عَامًا فَعَامَا فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ جِنْسٌ فَيَحْتَمِلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهَا بَعْضُ الثَّلَاثِ فَتَصِحُّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الثَّلَاثِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَلَفْظُ الْجِنْسِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَتَلْغُو نِيَّتُهُ وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جَمِيعَ الْجِنْسِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُفْرَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْدَ نَوْعَانِ فَرْدٌ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ أَدْنَى الْجِنْسِ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ الْمَصْدَرِ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ
طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَالِقٌ الطَّلَاقَ وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ فَقَدْ أَقَمْته مَقَامَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِيهِ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ قُلْنَا هُوَ مَصْدَرٌ فِي أَصْلِهِ فَيُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ كَمَا يُلَاحَظُ فِيهِ جَانِبُ الْمَصْدَرِيَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ ، وَكَذَا الْمُفْرَدُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ فَكَذَا فِي احْتِمَالِ الْجِنْسِ كُلِّهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْتِ ذَاتُ الطَّلَاقِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَيَنْتَفِي الْإِيرَادُ رَأْسًا أَوْ يَجْعَلُ ذَاتَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَرِدُ ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ كَمْ يَقَعُ عَلَيْهَا فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَابَهُ إنْ رُفِعَ ثَلَاثٌ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نُصِبَ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَفَعَ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ ابْتَدَأَ أَوْ الطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَالطَّلَاقُ مُبْتَدَأٌ وَثَلَاثٌ خَبَرُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ وَإِذَا نَصَبَ ثَلَاثًا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ ابْتِدَاءً وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقُ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا لَغَا الْكَلَامُ الثَّانِي .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ ) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْقَلَمِ بِالنَّصْبِ كَمَا شَاهَدْتُهُ فِي خَطِّهِ ، وَكَذَا الْعَيْنِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ الرَّفْعُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَقْتَضِي الرَّفْعَ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فَهُوَ بِالْجُمْلَةِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا ، وَلِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا تَلَوْنَا ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى { الطَّلَاقِ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مَحْضٌ فَلَا يَجُوزُ نِيَّتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِسَعَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى وَيَكُونُ فَرْدًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ ا هـ قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَأَنْتِ طَلَاقٌ ) فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ وَصَوْمٍ وَنَذْرٍ وَفِطْرٍ أَيْ مُفْطِرٍ قَالَ تَعَالَى { مَاؤُكُمْ غَوْرًا } وَقَدْ يَقَعُ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ كَرَجُلٍ رِضًا ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا قِيلَ صَلَّى الْمَسْجِدُ أَيْ أَهْلُهُ وَكَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءُ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَعَقُّ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي فَوَائِدِهِ يُرِيدُ فَهُوَ أَعَقُّ فَحَذَفَ فَهُوَ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَزِيمَةٌ إنْ رَفَعَهَا خَبَرٌ ) أَيْ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَثَلَاثٌ خَبَرٌ ثَانٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَصَبَهَا حَالٌ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الدُّرَّةِ أَيْ إذَا كَانَ عَزِيمَةً ا هـ وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى أَبِي
يُوسُفَ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ مِنْ الْغَلَطِ فِيهَا فَأَتَى إلَى الْكِسَائِيّ فَسَأَلَهُ فَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا فِيهِ بَعُدَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبَتِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائِيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ فَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا قَوْلُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْإِمَامِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقُ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ إنْ قَالَ ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءً فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَلَاقٌ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا مَنْصُوبًا عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَيَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثَلَاثًا وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعِ فَاسْتَحْسَنَ الْكِسَائِيُّ جَوَابَهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ
وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ يَحْتَمِلُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ " أَلْ " فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوُ زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ ، وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً ثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا النَّصْبُ فَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ الشَّاعِرُ فَالثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمٌ ا هـ وَتَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرُقَ بِضَمِّهَا أَوْ بِفَتْحِ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَزِيمَةً إذَا كَانَ ثَلَاثًا وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَلِهَذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ
فَقَالَ أَرَدْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَنَوَى بِهِ ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا صِحَّةَ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِعَيْنِهَا إذَا أَرَادَ الثِّنْتَيْنِ عَلَى التَّقْسِيمِ فَقَالَ إذَا نَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَطَلْقَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ طَلَاقًا أَوْ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَيَصِيرُ طَالِقٌ مُقْتَضِيًا وَطَلَاقًا دَلِيلًا عَلَى نَعْتٍ مَحْذُوفٍ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ هَكَذَا نَقَلُوهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَنَعَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ ؛ لِأَنَّ طَالِقٌ نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً ، وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فَأَقُولُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَكَذَا إذَا نَوَاهُمَا عَلَى التَّقْسِيمِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبِّرُ بِعَنْهَا كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْفَرْجِ وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا تَطْلُقُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى مَحَلِّهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى جُمْلَتِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَنْتِ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبَةِ ، وَكَذَلِكَ الرُّوحُ وَالْبَدَنُ وَالْجَسَدُ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا جُمْلَتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } وَالْمُرَادُ ذَاتُهُمْ ، وَلِهَذَا جُمِعَ هَذَا الْجَمْعَ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ } وَيُقَالُ أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْت بَاقِيًا وَهَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَالْجُزْءُ الشَّائِعُ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّهِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجُزْءِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّعَدِّي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالدُّبُرِ لَا ) أَيْ إنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ وَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ الْوُقُوعَ فِيمَا تَقَدَّمَ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَضِيَّةُ الْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ
كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي غَيْرِهِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك شَهْرًا تَطْلُقُ دَهْرًا ، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْتُك شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْقَيْدِ وَمَحَلُّهُ مَا يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ لَا مَا يَدْخُلُ تَبَعًا كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَطْرَافُ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ الشِّرَاءِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ تَبَعٌ لِوُرُودِ الْحِلِّ فِي جَمِيعِهَا فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا كَمَا فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْبُضْعِ وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا ، وَقَالَ فِي الْعَتَاقِ إذَا قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا يَعْتِقُ وَصَحَّ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ صِحَّةُ التَّكْفِيلِ بِهِ فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْيَدُ وَالْقَلْبُ ؛ لِأَنَّهُمَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْجَمِيعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أَيْ بَيْنَهُمْ ، وَلِهَذَا قَالَ { وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنَّمَا جَاءَ بِهَا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ .
قَوْلُهُ كَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْعُنُقُ الرَّقَبَةُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْحِجَازُ تُؤَنِّثُ فَيُقَالُ هِيَ الْعُنُقُ وَالنُّونُ بِالضَّمِّ لِلِاتِّبَاعِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَسَاكِنَةٌ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ وَالْجَمْعُ أَعْنَاقٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ ) أَيْ النِّسَاءَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَدَنِ ابْتِدَاءً وَلَا بِنَاءَ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْيَدِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَدِ الْبَدَنُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ } قُلْت ثُبُوتُ الْمَجَازِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ وَالْإِرَادَةُ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ ذَلِكَ حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْيَدَ وَأَرَادَ بِهَا كُلَّ الْبَدَنِ يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ ا هـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَدُك وَرِجْلُك طَالِقٌ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَانَ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّهَا تَطْلُقُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ ) وَوَجْهُهُ أَنْ لَا يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقِيلَ يَقَعُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِضَافَةُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ إلَى مَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ حَيًّا بَعْدَ قَطْعِهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ا هـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ
لَا يَقَعُ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ ) وَفِي الظَّهْرِ وَالدَّمِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ هُنَا ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ، وَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ شَائِعٍ ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ عَنْ الْمُبِيحِ وَإِعْمَالًا لِلدَّلِيلِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَكَامَلْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الدَّلِيلِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ إلَخْ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقًا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ هَذَا مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا أَيْ أَوْ ثُلُثَ التَّطْلِيقَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا الْوَجْهَانِ أَيْضًا الرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ وَالنَّصْبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ طَلْقَةٌ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ إمَّا خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثُ تَطْلِيقَةٍ هُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَيَصِيرُ ثَلَاثًا ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مِنْ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ جُزْءًا فَيَتَكَامَلُ كُلُّ جُزْءٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ كُلَّ طَلْقَةٍ مُنَكَّرًا وَالْمُنَكَّرُ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا حَيْثُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مُعَرَّفٌ فَيَكُونُ عَيْنَ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَكْمُلَ ثُمَّ إذَا تَمَّتْ وَاحِدَةٌ وَفَضَلَ شَيْءٌ وَقَعَتْ ثَانِيَةٌ ثُمَّ لَا تَقَعُ ثَالِثَةٌ حَتَّى تَزِيدَ الْأَجْزَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْمُعَرَّفِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُنَكَّرِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْمُعَرَّفِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُنَكَّرِ وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ كَالْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ .
( قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ ثَلَاثٌ أَيْ : ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِالرَّفْعِ لَيْسَ إلَّا أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا ا هـ ( فَائِدَةٌ ) الطَّلَاقُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَ الْمُخَالَفَةِ يَتَجَزَّأُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا طَلَّقْت نَفْسِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَثَلَاثُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ ) هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهَا مُحَمَّدٌ إشْكَالًا يَتَرَاءَى وَهُوَ أَنَّ ثَلَاثَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَنِصْفٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ إذَا نَصَّفْتهَا تَكُونُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلْقَتَانِ لَا الثَّلَاثُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّصْفَ الْوَاحِدَ مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَانَ نِصْفُ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً يَكُونُ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ضَرُورَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ يَكُونُ ثَلَاثُ أَنْصَافٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ ضَرُورَةً قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَقَعَ الثَّالِثَةُ ؛ لِأَنَّ فِي إيقَاعِهَا شَكًّا ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَا وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ طَلْقَةً وَنِصْفًا ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ إذَا نُصِّفَتَا صَارَتَا أَرْبَعَةَ أَنْصَافٍ فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكْمُلُ طَلْقَتَيْنِ ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ قَوْلِنَا نَصَّفْنَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَنَصَّفْنَا كُلًّا مِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَالثَّانِي هُوَ الْمُوجِبُ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَنْصَافِ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَيَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ ا هـ (
قَوْلُهُ قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ ) ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّافِعُ فِي الْأَجْنَاسِ وَالْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبِتَبَيُّنِ ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ هَذَا فِي الْمُنَكَّرِ وَفِي الْمُعَرَّفِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ ) أَيْ لَوْ ذَكَرَ خَمْسَةَ أَرْبَاعٍ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا وَرُبْعَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ هَذَا فِي الْمُعَرَّفِ وَفِي الْمُنَكَّرِ ثَلَاثٌ وَصُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ، وَقَالَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْأُولَى شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ إنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ يُقَالُ خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ وَيُقَالُ كُلْ مِنْ مَالِي مِنْ الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ وَيُرَادُ بِهِ الْإِذْنُ فِي الْكُلِّ وَيُقَالُ اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِدَرَاهِمَ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ ، وَلِأَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا وَهُوَ بِالْوُقُوعِ هُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ عُرْفًا يُقَالُ سِنُّ فُلَانٍ مِنْ سَنَتَيْنِ إلَى سَبْعِينَ أَوْ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ وَيُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ وَقَدْ حَاجَّ الْأَصْمَعِيُّ زُفَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ بَابِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَقَالَ
لَهُ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ كَمْ سِنُّك فَقَالَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى سَبْعِينَ أَيَكُونُ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ فَتَحَيَّرَ فَقَالَ أَسْتَحْسِنُ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِرَادَةُ الْكُلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْإِبَاحَةُ كَمَا ذَكَرَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الْأُولَى مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ لِتَعَذُّرِ الثَّانِيَةِ بِدُونِ الْأُولَى وَوُجُودِهَا بِوُقُوعِهَا فَتَثْبُتُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَعَذُّرِ الثَّانِيَةِ بِدُونِ الْأُولَى أَنْ تَقَعَ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ ثَانِيَةً وَقَعَ لَغْوًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ كَلَامٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ بِإِيقَاعِ الثَّانِيَةِ فَأَوْقَعْنَا الْأُولَى ضَرُورَةً ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يُدَيَّنُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَدًّا أَوْ مَحْدُودًا فَيَلْغُو وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَايَةً .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إلَخْ ) ، وَكَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا لَوْ قَالَ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى أَقَلُّهُمَا مِقْدَارًا لَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلًا ا هـ قُنْيَةٌ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَك مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَعِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَعِنْدَهُمَا عَشَرَةٌ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَمَانِيَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ ) أَيْ وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ الْغَايَةُ غَايَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ إلَخْ ) مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى جُعِلَ غَايَةً وَحَدًّا لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ غَايَةً وَوُجُودُ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَيَقَعُ الْكُلُّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَقَلِّ لَا يُرَادُ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ ا هـ وَقَالَ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَالْأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ ثِنْتَانِ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَالْأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ وَذَلِكَ ثِنْتَانِ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ مَوْجُودًا
وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَيَقَعُ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ لِإِمْكَانِهِ وَلَا يَقَعُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَقَلُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَقَلُّ مِنْ سَبْعِينَ ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَكْثَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ حَاجَّ الْأَصْمَعِيُّ زُفَرَ ) الَّذِي فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لِزُفَرَ كَمْ سِنُّك قَالَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ إلَخْ ا هـ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ قَالَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا بَيْنَ لَا تَتَنَاوَلُ الْحَدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثَةٍ ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِيُّ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَ ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ ) إنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَحْدُودِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ إلَّا أَنَّ فِي إدْخَالِ الْغَايَةِ الْأُولَى ضَرُورَةً وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ وَلَا بُدَّ لِلثَّانِيَةِ مِنْ الْأُولَى لِتَرَتُّبِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَتَقَعُ الْأُولَى لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمُغَيَّا ، وَلِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا الْكَلَامُ قَدْ تَدْخُلُ كَالْمَرَافِقِ وَالْكِعَابِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ لَا تَدْخُلُ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَلَا يَدْخُلُ الْمُنْتَهَى إلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) هَكَذَا هُوَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ مَقْرُوءًا عَلَى مُؤَلَّفِهِ
خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى عَشْرٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا قَالَ إلَى ثَلَاثٍ ثُمَّ رَقَّمَ إلَى قَاضِي بَدِيعٍ ، وَقَالَ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ ) أَيْ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ وَيَقَعُ عِنْدَهُمَا ثِنْتَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَقَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافُ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةَ نَفْسِهِ فَيَلْغُو قَوْلُهُ إلَى وَاحِدَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ حَدًّا ) وَفِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ النَّكِرَتَيْنِ لَيْسَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَأَخَذَهُ مِنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ أَمَّا إذَا نَوَى الضَّرْبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلِأَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ بِعَدَدِ الْمَضْرُوبِ فِيهِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ إذْ لَوْ أَفَادَهَا مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ ، وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا مَا لَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ الْمَظْرُوفُ لَا مَا جَعَلَهُ ظَرْفًا وَعِنْدَ زُفَرَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَأَمَّا إذَا نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَلِأَنَّ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ مُنَاسَبَةً لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إفَادَةِ مَعْنَى الْجَمْعِ فَإِنَّ الظَّرْفَ يُقَارِنُ الْمَظْرُوفَ وَيَتَّصِلُ بِهِ وَالْعَطْفُ يَتَّصِلُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ الثَّلَاثُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ فَيُلْغَى الثَّانِي .
ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ ) أَيْ فَالْوَاقِعُ ثَلَاثٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ ( قَوْلُهُ بِعَدَدِ الْمَضْرُوبِ ) فَمَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ ذُو جُزْأَيْنِ ، وَكَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذُو أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ وَالطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً ا هـ ( قَوْلُهُ إذْ لَوْ أَفَادَهَا مَا وُجِدَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ دِرْهَمٍ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً وَيَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي أَلْفٍ فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأَتَّى بِمَعْنَى مَعَ إلَخْ ) يُقَالُ دَخَلَ الْأَمِيرُ الْبَلَدَ فِي جُنْدِهِ أَيْ مَعَ جُنْدِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَاحِدَةٌ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا ا هـ وَأَرَادَ بِالصُّورَةِ الْأُولَى وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَبِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا ) قَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ لَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ إلَخْ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ وَإِنْ نَوَى الضَّرْبَ ) أَيْ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا ، وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِمَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ نَوَى الضَّرْبَ أَوْ الظَّرْفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِمَا قَدَّمْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ عَلَى مَا مَرَّ .( قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ) أَيْ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ تَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالطُّولِ لَا تَكُونُ بَائِنًا عِنْدَهُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ إيقَاعُ الْبَائِنِ عِنْدَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكِنَايَةُ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُمْ فَلِأَنَّ كَثِيرَ الرَّمَادِ أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ بِالْكَرَمِ مِنْ قَوْلِهِمْ جَوَادٌ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّأْمِ يُفِيدُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ بِهِ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَفَهُ بِالطُّولِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْظَمُ عَادَةً ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ رِوَايَتَانِ وَفِي الْغَايَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ الْمُبَالَغَةُ فِي الطُّولِ أَيْ بِالطُّولِ الْكَثِيرِ فَحَذَفَ الصِّفَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } أَيْ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ صَالِحَةٍ أَوْ سَلِيمَةٍ وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَنَفْسُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقَصْرُ حُكْمِهِ بِكَوْنِهِ رَجْعِيًّا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّأْمِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ تَطْلِيقَةً إلَى الشَّأْمِ يَكُونُ بَائِنًا .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ هَاهُنَا إلَى الشَّأْمِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ) أَيْ ، وَلَوْ نَوَى الْإِبَانَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَمْ يُوصَفْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ الشِّدَّةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّهْ أَوْ فِي الدَّارِ يَقَعُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَكَانِ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالْحَقِيقِيِّ ، وَلَوْ عَنَى بِهِ إذَا دَخَلْت مَكَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى إذَا لَبِسْت يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ أَوْ فِي الظِّلِّ يَقَعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ حَيْثُ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ التَّجَدُّدُ وَالْحُدُوثُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ يُوقِعُ فِيهَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي وَقْتٍ يَقَعُ فِي الدَّهْرِ كُلِّهِ وَلَنَا أَنَّ الْوَاقِعَ يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ فَإِذَا جَعَلْنَا إذَا دَاخِلَةً عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ عَمَلُهَا فِي تَأْخِيرِ الْوُقُوعِ وَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ مَكَانَ كَلِمَةٍ شَائِعٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ .
( قَوْلُهُ وَبِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ إلَخْ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي دُخُولِ الدَّارِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ بِالْحَقِيقِيِّ ) أَيْ الْحَقِيقِيُّ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَكَذَا الْحُكْمِيُّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافُ زُفَرَ ) قَالَ السُّرُوجِيُّ ، وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ا هـ قَالَ الشُّمُنِّيُّ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي انْتِهَاءِ الشِّتَاءِ أَوْ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نَوَى التَّنْجِيزَ يَقَعُ فِي الْحَالِ اتِّفَاقًا ( قَوْلُهُ فَإِذَا جَعَلْنَا إذَا ) هَكَذَا هُوَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ إلَى بَدَلِ إذَا إذْ لَا ذِكْرَ لِإِذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحُ فِي التَّعْبِيرِ بِإِذَا مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ إلَى الشِّتَاءِ أَوْ إلَى الصَّيْفِ قَوْلَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ رَأْسُ السَّنَةِ وَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ أَوْ إذَا طَهُرْت مِنْ حَيْضَتِك يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ زُفَرَ ثُمَّ قَالَ وَلَنَا أَنَّ الْوَاقِعَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَكُونُ تَعْلِيقًا بِدُخُولِ مَكَّةَ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ التَّعْلِيقِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَاغِلٌ لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَإِنَّ الْمَظْرُوفَ يُجَامِعُ الظَّرْفَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ ، وَكَذَا الْمَشْرُوطُ يُجَامِعُ الشَّرْطَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَالشَّرْطُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَشْرُوطِ وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ .( قَوْلُهُ فِي دُخُولِك الدَّارَ إلَخْ ) وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ ) أَوْ تُحْمَلُ فِي عَلَى مَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
( فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ ) ، وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي ) يَعْنِي نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَلَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ضَرُورَةً فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَعَدَمَ حَذْفِهِ بِمَنْزِلَةٍ ، وَلِهَذَا يَقَعُ فِيهِمَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ صُمْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ بَلْ إذَا شَغَلَ جُزْءًا مِنْهُ يَكْفِي كَمَا يُقَالُ قَعَدْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعَامِّ وَهُوَ مَجَازٌ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي أَوْ فِي عُمْرِي أَوْ الدَّهْرَ أَوْ فِي الدَّهْرِ وَسِرْتُ فَرْسَخًا أَوْ فِي فَرْسَخٍ وَانْتَظَرْته يَوْمًا أَوْ فِي يَوْمٍ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ ؛
لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَذْفُ وَعَدَمُهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الشَّيْءُ بَيْنَ تَقْدِيرِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ خَرْجَةٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك يُكْتَفَى بِإِذْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْبَاءُ فِيهِ مُقَدَّرَةً وَلَا يُقَالُ هُوَ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي .
( فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا يَعْتِقُ مُقَارَنًا لِلْغَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَأَمَّا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَدِ لِكَوْنِ مَجِيءِ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ حَتَّى تَجِبَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّ الْغَدَ جَاءَ وَهُوَ عَبْدُهُ ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ تَأْخِيرُ حُكْمِهِ عَنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ إلَى زَمَانٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ ) أَيْ فَإِنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَنَجَّزُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوجَدُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى آخِرَ رَمَضَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ ذَكَرْنَاهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي ) أَيْ الْمُضَافُ إلَى الْوَقْتِ يَقَعُ بِأَوَّلِهِ وَالْمُضَافُ إلَى الْفِعْلِ يَقَعُ بِآخِرِهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَغَدًا وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثِ دَخَلَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْيَوْمَ كُلَّهُ وَلَمَّا عَلَّقَ بِالْفِعْلِ لَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ ا
هـ شَرْحُ التَّلْخِيصِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِتَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِشَرْحِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَثَنَّى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ ) أَيْ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِذَا عَيَّنَ جُزْءًا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَصْدِيًّا وَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورِيٌّ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمُرِي ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْعُمُرِ حَتَّى لَا يَبَرَّ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ فِي عُمُرِي ) يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى { إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } ذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَقْرُونَةً بِحَرْفِ فِي ، وَذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِفِي ؛ لِأَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُسْتَوْعِبَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دَائِمَةٌ ؛ لِأَنَّهَا دَارُ جَزَاءٍ فَأَمَّا نُصْرَتُهُ إيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ ا هـ آخِرُ التَّحْقِيقِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي ) أَيْ ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت خَرَجْتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى ظَرْفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَجَلَسْت فِي الدَّارِ فِي تَسْمِيَتِهِ ظَرْفًا اصْطِلَاحًا خِلَافُ ابْنِ عَقِيلٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي غَدًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَلَا الْمُنَجَّزُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي غَدٍ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِهِ فِيهِمَا قُلْنَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ يَتَّصِفُ بِهِ غَدًا فَلَا حَاجَةَ إلَى أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُنَا الْعَكْسُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ حَيْثُ يَقَعُ فِيهِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا مَعَ انْعِدَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعَلَ الْيَوْمَ فِيهِ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الْيَوْمِ ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّا لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إيقَاعِ الْأُخْرَى فِي الْأُولَى لِإِمْكَانِ وَصْفِهَا غَدًا بِطَلَاقٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقَعَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً .
( قَوْلُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ ) أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ غَدًا لَغْوًا ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِعَ فِي الْحَالِ وَاقِعًا غَدًا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ ا هـ رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا ا هـ وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْغَدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا فِي الْيَوْمِ فَلَغَا قَوْلُهُ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ فَقَوْلُهُ تَنْجِيزًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا وَقَوْلُهُ تَعْلِيقًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ غَدًا الْيَوْمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْوَقْتَيْنِ حَتَّى وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فِي الْيَوْمِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَقْتَيْنِ وَلَمْ يَعْطِفْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأُولَى مُنَجَّزٌ وَالْوَاقِعُ مُنَجَّزًا لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الطَّلَاقُ مُضَافٌ إلَى الْغَدِ فَلَا يَتَنَجَّزُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ لَا يَبْقَى الْمُضَافُ مُضَافًا وَقَوْلُهُ الْيَوْمَ ثَانِيًا لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لَغْوًا ا هـ وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالتَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ ا هـ ( قَوْلُهُ انْعِدَامُ ذَلِكَ الْمَعْنَى ) أَيْ وَهُوَ اتِّصَافُهَا فِي الْيَوْمِ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ
طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَنَا يَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى لِزُفَرَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِكَلِمَةِ التَّكْرَارِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُقُوعُ ا هـ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ غَدًا بِدُونِ الْعَطْفِ طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَذِكْرُ الْغَدِ لَغْوٌ لِمَا بَيَّنَّا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ نَكَحَهَا الْيَوْمَ لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فِيهِ فَلَغَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ حَيْثُ يَعْتِقُ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ أَعْتَقَك مَوْلَاك ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ، وَلِأَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى أَمْسِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ مِرَارًا يَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِإِمْكَانِ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ فِيمَا عَدَا الْأُولَى ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا يَا طَالِقُ يَا مُطَلَّقَةُ وَنَوَى بِهِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا غَيْرُهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ ، وَلَوْ كَرَّرَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ يَتَكَرَّرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَالِبٌ فِي الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَلَعَلَّ الْحَاجَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْغَالِبِ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرَةِ إذْ الدَّوَاعِي إلَى الطَّلَاقِ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْبَغْضَاءِ وَالنَّشْرِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ دُونَ الْمُنَكَّرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّكْرَارِ فِيهَا .
( قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي ) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِهِمَا وَيَبْطُلُ الثَّانِي كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي يَقَعُ بِالتَّزَوُّجِ وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ الْيَوْمَ وَبَعْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ مُعْتَقُ الْغَيْرِ كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ بِوَضْعِهِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ إنْشَاءً فِي مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إخْبَارًا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا لَا يُجْعَلُ إنْشَاءً ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ كُلِّ كَلَامٍ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ ) أَيْ ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَمْسِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِهِمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِسْنَادِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ .
( قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ ) أَيْ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حُكْمُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ وَالْجَزَاءُ مُسَبِّبٌ عَنْهُ وَلَا يَعْقِلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعُ ثَلَاثِ الْوَاحِدَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعْنَ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو ، وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حِينَ سَكَتَ ، وَهَذَا لِأَنَّ مَتَى صَرِيحٌ لِلْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وَأَمَّا مَا فَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا دُمْتُ حَيًّا } أَيْ مُدَّةَ حَيَّاتِي وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسَلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } قَالَ حَافِظُ الدِّينِ هَذَا مَوْضِعُ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ يَسْتَدْعِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى كَيْ لَا يَقَعَ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا وَلَا يَقَعُ جُمْلَةً ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ .
( قَوْلُهُ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةً وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ ، وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حِينَ سَكَتَ فِيمَا بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ يَمِينِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك وَإِنْ قَالَ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَمْ مَوْضُوعٌ لِقَلْبِ الْمُضَارِعِ مَاضِيًا وَنَفْيِهِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَحَيْثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ فَكَمْ مِنْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالِ الْحِينِ إذْ يُرَادُ بِهِ السَّاعَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } وَيُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } وَيُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً كَقَوْلِهِ { حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ تَقُولُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ زَمَانٍ كَمَا يُقَالُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ حِينٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ
وَسَكَتَ ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ ) أَيْ وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الطَّلَاقِ عَنْ الْوَقْتِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ ا هـ رَازِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا أُطَلِّقُك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَلِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً وَقَدْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ وَتَحَقُّقُهُ بِالْيَأْسِ عَنْ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ ثُمَّ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَارِّ وَجَعَلَ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ مَا لَمْ تَمُتْ فَإِذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ الْمَحَلِّيَّةُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ تَطْلُقُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَلَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ قَدْ تَحَقَّقَ قُبَيْلَ مَوْتِهَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لَا يَثْبُتُ الْعَجْزُ مَا لَمْ تَمُتْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ وُجِدَ وَأَمَّا إذَا وَإِذَا مَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمَا مِثْلُ إنْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ مَتَى وَنَحْوِهَا فَتَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَانَ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ
يَكُونُ كَمَتَى إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } وَلَيْسَ الْقَسَمُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْسُدُ بِهِ ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ آتِيك وَنَحْوِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وَالشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْمُتَرَدِّدِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَقَوْلِهِ مَتَى شِئْتِ ، وَلِهَذَا تَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ فِي قَوْلِهِ إذَا سَكَتَ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ الشَّاعِرُ إذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا خُطَانَا إلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبُ وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ الشَّاعِرُ وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةً أَدْعَى لَهَا وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ وَإِذَا تَرَدَّدَتْ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ مَسْأَلَةُ الْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ مُطْلَقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ ، وَلِهَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَلَا يُقَالُ إذَا تَرَدَّدَتْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْوُقُوعِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُرَجَّحُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا تَطْلُقُ بِالِاحْتِمَالِ كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْحَدَثِ تَرَجَّحَ بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ إيجَابَ التَّوَضُّؤِ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك حَيْثُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ لِلْحَالِ إذَا أُضِيفَ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ قَالَ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ ، وَذَكَرَ فِي
الْغَايَةِ أَنَّ إذَا شَرْطِيَّةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْمُبَرِّدِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ فَإِنْ وَلِيَهَا اسْمٌ كَانَ بِتَأْوِيلِ الْفِعْلِ كَانَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إذَا دَخَلَهَا مَا يُجَازِي بِهَا ؛ لِأَنَّ " مَا " تَكُفُّهَا عَنْ الْإِضَافَةِ فَيَحْصُلُ الْإِبْهَامُ وَالشَّرْطُ بَابُهُ الْإِبْهَامُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ إذْ مَعَ كَوْنِهَا لِلْمَاضِي إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا مَا جُوزِيَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَوْلَى ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ ؛ لِأَنَّ إذَا لَمَّا تَرَدَّدَتْ وَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ بِيَقِينٍ لَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ إذَا سَكَتُّ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ سَكَتّ عَنْ طَلَاقِك كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَمَا غَرَضُنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ إنْ وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ ، وَلَوْ قَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ صَارَ حَانِثًا فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثُمَّ يَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِوُجُودِ الطَّلَاقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا تَطْلُقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُعَلَّقَةُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ .
( قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ حَيَاتِهَا مَا لَا يَسَعُ التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الزَّمَانِ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ بَاقٍ فَيَقَعُ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُرْسَلِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْإِرْسَالِ فَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِرْسَالِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ اللَّطِيفَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ ا هـ مَبْسُوطٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبِينُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَإِنْ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى ) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ سَكَتَ ا هـ قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَنُضَارِبْ ) جَزَمَهُ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ إذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ زَمَانُ اشْتِغَالِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَأَخَوَاتُهَا .( قَوْلُهُ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ ) أَيْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ الْأَخِيرَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ بِعَدَمِ التَّطْبِيقِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا ) أَيْ أَمَّا لَوْ قَالَهُ مَفْصُولًا يَقَعَانِ بِالْإِجْمَاعِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الزَّمَانِ الْخَالِي عَنْ التَّطْلِيقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ ) أَيْ الْمُعَلَّقَةُ وَالْمُضَافَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا حَلَفَ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ ) أَيْ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ ( قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهَا ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَدِمَ بِالنَّهَارِ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } أَيْ بِأَوْقَاتِ نَعْمَائِهِ وَبَلَائِهِ وَيُقَالُ يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } وَالْمُرَادُ النَّهَارُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ يَمْتَازُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَنَقُولُ إذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ لَا يَمْتَدُّ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَنَعْنِي بِالْمُمْتَدِّ مَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالصَّوْمِ وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ طَلَّقْت شَهْرًا وَيُرَادُ الْإِيقَاعُ فِي جَمِيعِهِ أَوْ الِامْتِدَادُ إلَيْهِ وَلَا تَزَوَّجْت يَوْمًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ عَلَى الْمُمْتَدِّ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِعْمَالَ أَهْلِ الْعُرْفِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ فِي مَاذَا يُعْتَبَرُ الِامْتِدَادُ وَعَدَمُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَامِلُ فِيهِ فَكَانَ بِحَسَبِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِكِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى اللَّيْلِ بَطَلَ خِيَارُهَا
لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ وَمُضِيِّهِ ، وَلَوْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَنَيْتُ بِهِ النَّهَارَ صُدِّقَ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ النَّهَارُ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَاللَّيْلُ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِهَا قَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ النَّهَارُ ضِيَاءٌ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ .( قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ) وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا وَنَهَارًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ ) أَيْ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ عَلَى الْمُمْتَدِّ ) أَيْ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ ) أَيْ كَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ ) أَيْ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ مِعْيَارًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ ا هـ .