كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
الرَّحِمِ ، وَهُوَ بِالْحَيْضِ كَالِاسْتِبْرَاءِ ، وَلِهَذَا لَوْ اعْتَدَّتْ الْآيِسَةُ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ ، وَفِي قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ } وَفِي قَوْلِهِ { وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحَيْضُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شَرَطَ لِلِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عَدَمَ الْحَيْضِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } ، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَيْهِ أَحْوَطُ فَكَانَ أَوْلَى ، وَعَلَيْهِ كَانَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى رُوِيَ ذَلِكَ نَصًّا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَوْ قَدَرْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَطَلِّقُوهُنَّ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ كَمَا يُقَالُ فِي التَّارِيخِ دَخَلْت الْمَدِينَةَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ الشَّهْرِ ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا ، وَهُوَ خُلْفٌ ، وَحَمْلُهُمْ اللَّازِمِ عَلَى الظَّرْفِ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُرْءَ يَخْتَصُّ بِمَعْنَى الطُّهْرِ بَلْ يُجْمَعُ بِهِ الْقُرُوءُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ أَيْضًا { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَانْظُرِي إذَا أَتَاك قُرْؤُك فَلَا تُصَلِّي فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُك فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي } وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ لَيْسَ إذَا اسْتَنْهَضَهُ بِنَاهِضٍ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ بِتَذْكِيرِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ مُذَكَّرٌ فَبِاعْتِبَارِهِ يُذَكَّرُ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ لَهُ اسْمَانِ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ كَالْبُرِّ
وَالْحِنْطَةِ جَازَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ هُوَ الدَّمُ دُونَ الطُّهْرِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لَنَا لَا لَهُمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَحَمْلُهُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ وَالْقَرَائِنِ ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرُ لَانْقَضَتْ بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَالْقُرْءُ أَيْضًا هُوَ الِانْتِقَالُ لُغَةً يُقَالُ قَرَأَ النَّجْمُ أَيْ انْتَقَلَ ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُنْتَقِلُ دُونَ الطُّهْرِ .
بَابُ الْعِدَّةِ ) لَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ إثْرَ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَقْفُو الْمُؤَثِّرَ لَا مَحَالَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا تَرَتَّبَتْ الْعِدَّةُ فِي الْوُجُودِ عَلَى فُرْقَةِ النِّكَاحِ شَرْعًا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ وُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَأَحْكَامِ الْعِنِّينِ ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْإِحْصَاءُ عَدَدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً ، وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ ا هـ وَالْعِدَّةُ مَصْدَرٌ مِنْ عَدَّ يَعُدُّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( قَوْلُهُ هِيَ تَرَبُّصٌ ) أَيْ انْتِظَارُ مُدَّةٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ ) أَيْ الْمُتَأَكِّدِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ا هـ ( قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ أَنَّ الْأَوَّلَ لِتَعْرِيفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَالثَّانِي لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ ، وَالثَّالِثَ لِفَضِيلَةِ الْحُرَّةِ ا هـ مُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ مَأْخُوذٌ فِيهِ تَأَكُّدُهُ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِشُهْرَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ قَالَ تَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ إلَخْ ) لَمَّا جُمِعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِلَا طَلَاقٍ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الطَّلَاقَ أَلْحَقَهُ بِالْجَامِعِ ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ
لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ، وَجَعَلَهُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ حَيْثُ قَالَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ يَعْنِي يَتَبَادَرُ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ بِوُجُوبِ تَرْكِهَا النِّكَاحَ إلَى أَنْ تَحِيضَ عِنْدَنَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لِذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُهَا تَجِبُ لِلتَّعَرُّفِ لَا يَنْفِي أَنْ تَجِبَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَجِبُ أَيْضًا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ بِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَيْهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ الْأَقْرَاءِ ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ الثَّانِي كَمَا فِي صُورَةِ الْأَشْهُرِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُؤْسَفُ عَلَيْهِ إذْ لَا أُلْفَ وَلَا مَوَدَّةَ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى ) فِي مَعْنَى خَبَرٍ عَنْ قَوْلِهِ وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَعِنْدَهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ كَمَا تَرَى قَطْرَةً مِنْ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَعِنْدَنَا لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ ) ، وَهُوَ الْآنَ تَأْنِيثُ الْعَدَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَلْتُ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَلْتُ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ ، وَالْجَمْعُ قِلَاتٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ ا هـ ( فَرْعٌ ) تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا ، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ ، وَيَحِلُّ نِكَاحُ أُخْتِهَا كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، وَوَطِئَهَا فِي
الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَبِوَطْئِهَا لَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ قَوْلُهُ بِالْوَطْءِ أَيْ مَعَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ يَعْنِي أَنَّ الْوَطْءَ الْمُحَرَّمَ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَقَضِّيهَا فَيُعْتَدُّ بِهَا مَعَهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ ، وَلَا يُعْمَلَ بِظَاهِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَقَوْلُهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَيْ بِتَمَامِ الْأُولَى بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وَلَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ ، وَيُنْظَرُ فِي الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهِ هَكَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْخُلَاصَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ ) وَلَا تَأْنِيثٌ حَقِيقِيٌّ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَحِضْ ) أَيْ عِدَّةُ الْحُرَّةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَمَّا الَّتِي لَا تَحِيضُ لِكِبَرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ } أَيْ إنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمُوهُ أَوْ انْقِطَاعُ حَيْضِهِنَّ ، وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ } ارْتَابُوا فِيمَنْ لَا تَحِيضُ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ } الْآيَةَ ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَحَذْفُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ ، وَلَمْ تَحِضْ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَتَى عَلَيْهَا ثَلَاثُونَ سَنَةً ، وَلَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ .
( قَوْلُهُ لِصِغَرٍ ) بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ، وَأَقَلُّهُ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ كِبَرٍ ) بِأَنْ بَلَغَتْ سُنَّ الْإِيَاسِ ، وَانْقَطَعَ حَيْضُهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ ) بِأَنْ بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ تَحِضْ ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ أَيْضًا ثُمَّ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ هِلَالِيَّةً اتِّفَاقًا ، وَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ اعْتَبَرَتْ كُلَّهَا بِالْأَيَّامِ فَلَا تَنْقَضِي إلَّا بِتِسْعِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ ، وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ ا هـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الصُّغْرَى ، وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ دُونَ الْأَهِلَّةِ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَتَى عَلَيْهَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ يُوقَفُ حَالُهَا يَظْهَرُ هَلْ حَبِلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ أَمْ لَا فَإِنْ ظَهَرَ حَبَلُهَا اعْتَدَّتْ بِالْوَضْعِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَبِالْأَشْهُرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصَّهُ الْيَنَابِيعُ امْرَأَةٌ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَثَلًا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا لَا غَيْرُ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ لَيْسَتْ هِيَ بِآيِسَةٍ ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ لِأَنَّهَا مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ، وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ تَعُدُّ بِالْأَشْهُرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْمَوْتِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ) أَيْ الْعِدَّةُ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَبَعْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَالْآيَةُ بِإِطْلَاقِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِيَّةِ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فَقَطْ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ، وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } لِأَنَّ الْعَشْرَ مُؤَنَّثٌ بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ ، وَيَدْخُلُ مَا فِي خِلَالِهَا مِنْ الْأَيَّامِ ضَرُورَةً قُلْنَا إذَا تَنَاوَلَ اللَّيَالِيَ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَذَا اللُّغَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ ، وَالتَّارِيخُ بِاللَّيَالِيِ فَلِهَذَا حُذِفَتْ التَّاءُ .قَوْلُهُ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ إلَخْ ) فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْأَمَةِ قُرْءَانِ وَنِصْفُ الْمِقْدَارِ ) أَيْ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَنِصْفُ مَا قَدَرَ قُدِّرَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ، وَهُوَ شَهْرٌ ، وَنِصْفٌ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَشَهْرَانِ ، وَخُمُسٌ فِي الْوَفَاةِ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ } ، وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِهِ ، وَلِأَنَّ لِلرِّقِّ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ ، وَالْعِدَّةَ نِعْمَةٌ لِاسْتِحْقَاقِهَا بِوَصْفِ الْآدَمِيَّةِ ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِتَنْصِيفِهَا إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَنَصَّفُ لِاخْتِلَافِهَا مِنْ حَيْثُ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ ، وَالْوَقْتُ فَلَا يَدْرِي نِصْفَهَا ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَوْ اسْتَطَعْت لَجَعَلْتهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقِنَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَمُعْتَقَةِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِي الْكُلِّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ ) أَيْ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقَالَ عَلِيٌّ عِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فَبَعْضُهَا يُوجِبُ تَرَبُّصَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ، وَبَعْضُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَبَعْضُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْأَبْعَدِ احْتِيَاطًا قُلْنَا آيَةُ الْحَمْلِ مُتَأَخِّرَةٌ فَيَكُونُ غَيْرُهَا مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى ، وَعَنْ { أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ هِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ، وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ { أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ طَيِّبْ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ فَرَجَعَ ، وَقَدْ وَضَعَتْ فَقَالَ مَا لَهَا خَدَعَتْنِي خَدَعَهَا اللَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَبَقَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ اُخْطُبْهَا إلَى نَفْسِهَا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَمُسْلِمٍ عَنْ { سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْتَاهَا بِأَنْ قَدْ حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ وَأَمَرَهَا بِالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا لَهَا ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا } ،
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَ زَوْجٍ ، وَلَا مُعْتَدَّةً ، وَلَا حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ خَلَتْ عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَحِلُّ ضَرُورَةً ، وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَطْهُرَ ، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَالْحَائِضِ وَالصَّائِمَةِ ، وَاَلَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَامِلُ إلَخْ ) وَأَطْلَقَ فَيَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ الثَّابِتَ النَّسَبِ وَغَيْرَهُ فَلَوْ طَلَّقَ كَبِيرٌ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِدَّةِ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْحَيْضِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ، وَسَيُبَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا خَرَجَ مِنْ الْوَلَدِ نِصْفُ الْبَدَنِ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ سِوَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ سِوَى الرَّأْسِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَالْبَدَنُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ) وَالْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ إذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مَنْسُوخًا بِهَا أَوْ مَخْصُوصًا ) إنَّمَا تَرَدَّدَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْفَصِلًا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا يَكُونُ تَخْصِيصًا ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ بَاهَلَتْهُ ) الْمُبَاهَلَةُ الْمُلَاعَنَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ الْقُصْرَى ) أَيْ سُورَةُ الطَّلَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ) أَيْ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَا { هَاجَرَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ ، وَفُلَانٌ ابْنَا عُقْبَةَ يَطْلُبَانِهَا فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِمَا ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُهَاجِرَ بِلَا زَوْجٍ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بَعْدَ قَتْلِ زَيْدٍ فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبَ ثُمَّ فَارَقَهَا
فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ وَحُمَيْدًا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرًا ، وَمَاتَتْ } رَوَى عَنْهَا وَلَدَاهَا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِبْرَاهِيمُ ، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ ا هـ الْإِصَابَةُ لِابْنِ حَجَرٍ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ ، وَمِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ الَّتِي أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَقَالَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ الْقِيَاس لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ ، وَبَقَاءَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا احْتِيَاطًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ إذْ هُوَ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ كُلُّهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْوَفَاةِ إذْ لَا إرْثَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ دُونَ الْإِرْثِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا وَلَوْ ارْتَدَّ الرَّجُلُ ، وَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتَّى وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُعْتَبَرْ بَاقِيًا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمَّا وَرِثَتْ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ بَلْ الْإِرْثُ يَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوْجَةُ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ ) أَيْ الْأَبْعَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ فَلَوْ تَرَبَّصَتْ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِأَنْ امْتَدَّ طُهْرُهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِهِ ) أَيْ وَلَزِمَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ إذَا زَالَ النِّكَاحُ بِالْوَفَاةِ ا هـ هِدَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ كَالْحُرَّةِ ) أَيْ الْأَمَةُ إذَا عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَعِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إلَّا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتِ زَوْجٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الرَّجْعِيِّ فَوَجَبَ انْتِقَالُ عِدَّتِهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِكَمَالِ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ ، وَفِي الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ ، وَزَالَ النِّكَاحُ ، وَلَمْ يَتَكَامَلْ الْمِلْكُ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ ، وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا حَيْثُ تَصِيرُ مُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةَ إيلَاءِ الْحَرَائِرِ ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ فَالْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الطَّلَاقُ وَهِيَ تَعْقُبُهُ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا صِفَتُهُ ، وَلِأَنَّ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ إضْرَارًا بِهَا ، وَلَيْسَ فِي زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ذَلِكَ فَافْتَرَقَا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ إلَخْ ) لَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ بَلْ طَرَأَ كَمَالُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُوَ الظَّاهِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ إلَخْ ) وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ صُورَتُهَا أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ الْحَيْضُ ) أَيْ وَعِدَّةُ مَنْ عَادَ دَمُهَا بَعْدَمَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ الْحَيْضُ ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْآيِسَةَ إذَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ، وَوَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ مَعْنَاهُ إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ عَوْدَهُ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ ، وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي ، وَكَذَا إذَا حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، وَفَسَدَ نِكَاحُهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إذْ الْآيِسَةُ لَا تَحِيضُ ، وَالصَّغِيرَةُ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ لَا تَسْتَأْنِفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ حَيْثُ تَسْتَأْنِفُ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا ، وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّرْ لِلْإِيَاسِ مِقْدَارًا أَمَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قُدِّرَ لِلْإِيَاسِ قَدْرٌ إذَا بَلَغَتْهُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ لَوْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا تَبْطُلُ الْأَشْهُرُ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ التَّقْدِيرِ لِلْإِيَاسِ إنْ رَأَتْ دَمًا بَعْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَيْضًا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ مَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ بَعْدَ سِنِّ الْإِيَاسِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قِيلَ يَكُونُ حَيْضًا ، وَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ ، وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ إنْ تَزَوَّجَتْ وَقِيلَ لَا يَكُونُ حَيْضًا ، وَلَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ ، وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ
اخْتَارَ الْبُطْلَانَ والإسبيجابي عَدَمَهُ ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ ، وَإِنْ كَانَ أَخْضَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْإِيَاسَ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَدَّرَهُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً ، وَقَالَ الصَّفَّارُ سَبْعُونَ سَنَةً ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ ، وَفِي الْمَنَافِعِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ سَنَةً وَلَوْ أَيِسَتْ الْمُعْتَدَّةُ بَعْدَمَا حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَإِنْ قِيلَ أَنْتُمْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ قُلْتُمْ الْمُتَوَضِّئُ إذَا أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عَجَزَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بِالْإِيمَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قُلْنَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِخُلْفٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ ، وَإِنَّمَا الْخَلْفِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ أَوْ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ بِهِمَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ ، وَكَذَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِخُلْفٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وَزِيَادَةً ، وَلَكِنْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ عَلَى حَالِهِ ، وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ خُلْفًا عَنْ الْبَاقِي لِوُجُودِهِ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْخُلْفِيَّةُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُ .
( قَوْلُهُ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا ) أَيْ وَظَهَرَ فَسَادُ نِكَاحِهَا الْكَائِنِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِدَّةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الِاسْتِئْنَافَ هُنَا مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِيَاسُ مُقَدَّرًا لِوَقْتٍ أَمْ لَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا ) وَيُمْكِنُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِمِثْلِهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا ، وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ الْحَيْضُ لِلْمَوْتِ وَغَيْرِهِ ) أَيْ عِدَّةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الْحَيْضُ إذَا فَارَقَتْهُ بِالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَزَمَ الْوَاطِئُ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا أَوْ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا ، وَلَا آيِسَةً لِأَنَّ عِدَّتَهُنَّ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ ، وَالْحَيْضُ هُوَ الْمُعَرِّفُ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِحَيْضَةٍ كَالِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا التَّعَرُّفُ قُلْنَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُفِيدَ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَيُؤْخَذُ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ الصَّحِيحِ ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ هُوَ كَالْفَاسِدِ حَتَّى يَجِبَ بِهِ الْمَهْرُ ، وَغَيْرُهُ ، وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ وَجَبَتْ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ فَأَشْبَهَتْ عِدَّةَ النِّكَاحِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَجِبُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِدَّتُهَا فِي مَوْتِ مَوْلَاهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَضَعَّفَهُ ، وَإِمَامُنَا فِيهِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً ، وَلِأَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى حُرَّةٍ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِحَيْضَةٍ كَعِدَّةِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ تِلْكَ تَجِبُ عَلَى الْأَمَةِ وَهَذِهِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّكْمِيلِ بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ، وَلَا
بِالْعِتْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِ الْمَوْلَى مَعَهُ ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ ، وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا أَوَّلُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ حُرَّةٌ ، وَلَا يَجِبُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ فَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَهِيَ مُعْتَدَّةٌ فَتَيَقَّنَّا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الزَّوْجِ ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ هُوَ الْمَوْلَى ، وَأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَيْضُ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِلْمَوْلَى ، وَهُوَ ظُهُورُ فِرَاشِهِ لَمْ يُوجَدْ ، وَالِاحْتِيَاطُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ سَبَبِهِ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا ) أَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ ، وَأَرَادَ بِالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ مَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ ) لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَزَوْجَةُ الصَّغِيرِ الْحَامِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُهُ ، وَالْحَامِلُ بَعْدَهُ الشُّهُورُ ) أَيْ عِدَّةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ وَهِيَ حَامِلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَضْعُ الْحَمْلِ ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعِدَّتُهَا الشُّهُورُ ، وَتَفْسِيرُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ ، وَقِيلَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَادِثٌ إجْمَاعًا ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لِأَنَّهُ مُنْتَفٍ عَنْهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَالْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِشَرْعِهَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَاءِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ، وَلَئِنْ كَانَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَوَضْعُهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الِانْقِضَاءُ كَاَلَّذِي يُنْسَبُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا حَقِيقَةً ، وَلَا حُكْمًا فَتَعَيَّنَتْ الْأَشْهُرُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ إلَى حَوْلَيْنِ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِهِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْكَبِيرُ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ زَوَالِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ أَنْ تَلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَذَلِكَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مَوْتِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بَلْ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِدَّةِ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا بَلْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ الْمَحْكُومُ بِحُدُوثِهِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِهِ ، وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ الِانْقِضَاءُ بِالْوَضْعِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لِلْحُدُوثِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ بِسَنَتَيْنِ كَوَامِلَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ فِي الصَّبِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِ الْحُكْمِ بِالْحُدُوثِ إلَى السَّنَتَيْنِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذْ لَمْ يُحْكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافٌ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ ، وَلَا جَامَعَ كَلَامَهُ الْحَاكِمُ ، وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا يَعْنِي الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ عُلَمَائِنَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ ، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالشُّهُورِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ ا هـ وَإِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُطَلَّقَةِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ مَعَ أَنَّهُ مَنْفِيُّ النَّسَبِ ، وَمَحْكُومٌ بِحُدُوثِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي الْمَحْكُومِ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ فَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَجِبُ كَوْنُ الصَّغِيرِ غَيْرَ مُرَاهِقٍ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا
طَلَّقَ الْكَبِيرُ امْرَأَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرَ سَقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا حَامِلًا مِنْ الزِّنَا ، وَلَا يَعْلَمُ الْحَالَ ثُمَّ وَضَعَتْ كَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ بِالْوَضْعِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُمْ لَا اعْتِبَارَ بِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَلَا يُعْلَمُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِأَنَّ كَوْنَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَقْدُ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ لَكِنْ يَجِبُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ بِشُبْهَةٍ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا بِالْوَضْعِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ إلَخْ ) أَيْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ا هـ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ ) شَرَعَ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ بَيْنَ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا شَرَّعَ الْعِدَّةَ بِوَضْعٍ إذَا كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتًا حَالَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ مُطْلَقًا يُخَصُّ بِالْعَقْلِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ حَالُ زَوَالِ النِّكَاحِ ، وَعِنْدَهُ يَتِمُّ السَّبَبُ الْمَوْجُودُ لِلْعِدَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الْعِدَّةُ إذْ ذَاكَ ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا حَمْلَ حِينَئِذٍ لِيَثْبُتَ بِالْوَضْعِ فَكَانَ اعْتِبَارُ قِيَامِ الْحَمْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْأَشْهُرِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْعَقْلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَعِنْدَ عَدَمِهِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ لَا تَتَوَقَّفُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَشْهُرِ ، وَبِهَذَا لَزِمَ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْآيَةِ بِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ حَالَ الْفُرْقَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا الْحَبَلُ بَعْدَ الْمَوْتِ ) بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مَعَ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ تَعْتَدُّ لَا بِالْأَشْهُرِ مَعَ فَرْضِ حُدُوثِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَأَجَابَ بِمَنْعِ الْحُكْمِ
بِحُدُوثِهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ شَرْعًا ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِقِيَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ بَيْنَ الْحُكْمِيِّ ، وَالْوَاقِعُ الْآنَ يَتَحَقَّقُ خِلَافُهُ فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً ، وَحُكْمًا ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالنَّسَبُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّغِيرِ فِي الْحَمْلِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَفِي غَيْرِ الْحَادِثِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَعْتَمِدُ الْمَاءَ ، وَلَا مَاءَ لَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حُكْمًا مَعَ تَعَذُّرِهِ حَقِيقَةً ، وَإِقَامَةُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ التَّصَوُّرِ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَاتَ الشَّرْطُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يُعْتَدَّ بِحَيْضٍ طَلُقَتْ فِيهِ ) أَيْ لَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَوْ اثْنَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ ، وَلِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَمَا وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ فَكَذَا مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ التَّجَزِّي وَلَوْ احْتَسَبَ بِهِ لَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ فَإِذَا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الرَّابِعَةِ لَوَجَبَ كُلُّهَا ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُعْتَدَّ ) أَيْ لَمْ يُحْتَسَبْ ، وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مُسْنَدٌ إلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَنْقُوطٌ بِنُقْطَتَيْنِ تَحْتَانِيَّتَيْنِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ بِنُقْطَتَيْنِ فوقا نِيَّتَيْنِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَرْأَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ وَجَبَ ) الَّذِي مَوْجُودٌ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا وَجَبَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ ، وَتَدَاخَلَتَا ، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا ، وَتَتِمُّ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى ) أَيْ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى ، وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ ، وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ مُحْتَسَبٌ بِهِ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ ، وَتَتِمُّ الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ إنْ تَمَّتْ الْأُولَى ، وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَدَاخَلَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِشَخْصَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْمَهْرَيْنِ ، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَا كَفٍّ فِي مُدَّةٍ فَلَا يَجْتَمِعُ الْكَفَّانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّرَبُّصِ ، وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهَا ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يُعَدُّ بِفِعْلَيْنِ ، وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدٌ أَجَلٍ ، وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ تَنْقَضِي بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ كَرَجُلٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ إلَى أَجَلٍ فَبِمُضِيِّ الْأَجَلِ حَلَّتْ كُلُّهَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَجَلٌ قَوْله تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَامْسِكُوهُنَّ } { حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَشْخَاصَ وَهِيَ حَامِلٌ حَيْثُ يَنْقَضِي الْكُلُّ بِالْوَضْعِ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ رُكْنَ الْعِدَّةِ حُرْمَةُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْخُرُوجِ ، وَالتَّزَوُّجُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، وَتَجِبُ عَلَى الْكَافِرَةِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ ، وَيَصِحُّ مِنْهُمْ ، وَالْحُرُمَاتُ تَجْتَمِعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِجِهَتَيْنِ ، وَكَذَا الْخَمْرُ عَلَى الصَّائِمِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ فِعْلَيْنِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ
الْعِدَّةَ تَنْقَضِي مِنْ غَيْرِ عَمَلِهَا بِلَا كَفٍّ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ ، وَلَا اخْتِيَارَ لَهَا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُؤَخِّرَ إحْدَى الْعِدَّتَيْنِ ، وَتَشْتَغِلَ بِالْأُخْرَى وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَأَمْكَنَهَا فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ تُؤَخِّرَهَا إلَى وَقْتِ وَاحِدٍ ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ بِالتَّرَبُّصِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الِانْتِظَارُ ، وَانْتِظَارَ أَشْيَاءَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ ، وَكَذَا الِامْتِنَاعُ عَنْ أَشْيَاءَ مُمْكِنٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ ، وَحَقِيقَةَ النِّكَاحِ لَا تُنَافِي الْعِدَّةَ فَأَثَرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَافِيَهَا ، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ ، وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي خِلَالِهَا مِنْ الْعِدَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ .
( قَوْلُهُ إذَا وَطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ أَوْ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ ، وَقَالَ النِّسَاءُ إنَّهَا زَوْجَتُك ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ وَتَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ ) مَعْنَى التَّدَاخُلِ جَعَلَ الْمَرْئِيَّ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ تَمَامُهَا ، وَيُحْتَسَبُ بِهِمَا عِدَّةُ الثَّانِي ، وَلِلْآخَرِ أَنْ يَخْطُبَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ ، وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا شَاءَ ثُمَّ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الثَّانِي حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّتَانِ بِالشُّهُورِ ا هـ كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْعِدَّتَانِ تَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ صُورَةُ الْأُولَى الْمُطَلَّقَةُ إذَا حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَوَطِئَهَا الثَّانِي ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ لِقِيَامِ عِدَّةِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْغَيْرِ ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الثَّانِي لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي ، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ وَقْتِ تَفْرِيقِ الثَّانِي تَنْقَضِي الْعِدَّتَانِ جَمِيعًا ، وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ الْأُولَى بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ تَرَاهَا فِي الْأَشْهُرِ ا هـ
قَوْلُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ) فَلَوْ لَمْ تَرَ فِيهَا دَمًا يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ الْأَشْهُرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَهُمَا يَتَّصِفَانِ بِهِمَا عَقِيبَهُمَا فَيَكُونُ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا ضَرُورَةً ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ، وَالْفُرْقَةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فَتَجِبُ حِينَئِذٍ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ ، وَهُوَ تَجَوُّزٌ لِكَوْنِهِ مُعْمِلًا لِلْعِلَّةِ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَتْ لِأَنَّهَا أَجَلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ لِانْقِضَائِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُنْذُ زَمَانٍ قَالُوا فَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا ، وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ أَنْ تَجِبَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ زَجْرًا عَلَى كِتْمَانِهِ الطَّلَاقَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِسُقُوطِهِ ، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَقَالَ السُّغْدِيُّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَلَا يُصَدَّقَانِ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ) قَالَ الْوَلْوَالِجَيُّ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَالْمُخْتَارُ لِلْمَشَايِخِ أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ ، وَكَتَمَ الطَّلَاقَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ زَجْرًا لَهُ ، وَلَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةُ السُّكْنَى لِأَنَّ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَمُؤْنَةَ السُّكْنَى حَقُّهَا ، وَهِيَ أَقَرَّتْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرًا ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ لَهَا بِذَلِكَ ، وَهِيَ صَدَّقَتْهُ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ إنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَفِي الْفَتْوَى عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَصْدِيقِهَا إلَّا فِي إبْطَالِ النَّفَقَةِ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : وَمَشَايِخُنَا أَيْ مَشَايِخُ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ ، وَاقْتِصَارُ النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ غَيْرُ جَيِّدٍ ثُمَّ فِيهِ تَرْكٌ لِشَرْحِ الْكِتَابِ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ كَذَا صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ كَذَّبَتْهُ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِي التَّصْدِيقِ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الْمُخْتَارَيْنِ
اخْتَارُوا وُجُوبَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا زَجْرًا لَهُ حَيْثُ كَتَمَ طَلَاقَهَا ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ، وَعَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ ثَانِيًا بِالدُّخُولِ لِإِقْرَارِهِ ، وَتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بِذَلِكَ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ أَنَّ الزَّوْجَ يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ مِنْ زَمَانٍ مَاضٍ ، وَتُصَدِّقَهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا ، وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا أَوْ يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً الثَّلَاثَ فَيُصَدَّقُ زَوْجُهَا فِي إسْنَادِ الطَّلَاقِ إلَى زَمَانٍ مَاضٍ كَيْ يَجُوزَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَالِ فَلِنَفْيِ الْمُوَاضَعَةِ اعْتَبَرُوا وُقُوعَ طَلَاقِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَا مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتٍ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا ) أَيْ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدَ الْعَزْمِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِهَا ، وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ الدَّاعِي إلَيْهِ مَقَامَهُ ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَنِكَاحِ أُخْتِهَا ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ إلَّا عَلَى شَيْءٍ ظَاهِرٍ ، وَهُوَ الْمُتَارَكَةُ ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ ، وَرَفْعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ لَا يُحَدُّ ، وَبَعْدَهُ يُحَدُّ ، وَكَذَا الْوَطَآتُ فِيهِ لَا تُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا فَلَا تَكُونُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَلِهَذَا لَا تَعْتَدُّ عَقِيبَ كُلِّ وَطْأَةٍ بَعْدَهَا وَطْءٌ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ لَاعْتَدَّتْ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، وَخَلَا الْوَطَآتُ بَعْدَهَا عَنْ شُبْهَةٍ .
( قَوْلُهُ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَخْ ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ فَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا مَعَ زُفَرَ مَذْكُورٌ هُنَاكَ أَيْضًا فَرَاجِعْ كَلَامَ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ عَقِيبَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ ) وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّصَابُ الْمُتَارَكَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَرَكْتُك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرَكْتُهَا ، وَخَلَّيْت سَبِيلَهَا أَمَّا عَدَمُ الْمَجِيءِ فَلَا إذَا لِغَيْبَةٍ لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّهُ عَادَ بِعَوْدٍ ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا لَا تَكُونُ مُتَارَكَةً ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْوَطْءِ ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَطَأْهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّمَكُّنَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ هُوَ شُبْهَةُ النِّكَاحِ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الزِّنَا وَرَفْعُ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِالْفُرْقَةِ إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا أَوْ بِالْمُتَارَكَةِ ، وَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ أَنَّ الْوَطْءَ ، وَإِنْ وُجِدَ مِرَارًا لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِاسْتِنَادِ الْكُلِّ إلَى شُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْفُرْقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَإِذَا وَطِئَهَا مَرَّةً بَعْدَ الْفُرْقَةِ يَجِبُ الْحَدُّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ ، وَالْوَطْءُ الْأَخِيرُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ الَّذِي قَبْلَهُ أَخِيرًا ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا عَلَى وُقُوفِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْتَدُّ فَنَقُولُ قَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى وُقُوفِ غَيْرِهَا نَحْوَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا ، وَلَا وُقُوفَ لِلْغَيْرِ فَلَمَّا
كَانَ الْوَطْءُ الْأَخِيرُ خَفِيًّا أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوَطْءِ حَقِيقَةً بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَ ذَلِكَ التَّمَكُّنُ بِالْفُرْقَةِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَخَلَتْ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ ، وَخَلَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ ) لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا بِيَمِينِهَا ، وَالِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ فَلَا نُعِيدُهُ .( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ إلَخْ ) فَإِنْ حَلَفَتْ صُدِّقَتْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُرَاجَعَةِ يَعْنِي إنْ حَلَفَتْ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ ، وَإِنْ نَكَلَتْ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ ا هـ غَايَةُ الْبَيَانِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِاسْتِحْلَافٍ عَلَى الرَّجْعَةِ بَلْ عَلَى بَقَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَذَّبَهَا مَعَ كَوْنِ الْمُدَّةِ تَحْتَمِلُ انْقِضَاءَهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَهُ ، وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْتَمِلْهُ الْمُدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَصْلًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ وَعِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ ) أَيْ لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ ، وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ ، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي ، وَلَا كَمَالُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ظَهَرَ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْأَمَةَ ، وَلَيْسَ لَهَا وَلَدٌ مِنْهُ طَلْقَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَبْطُلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ وَطْؤُهَا ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا بِالطَّلَاقِ السَّابِقِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ ، وَلَمْ تَظْهَرْ الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالْعِتْقِ تَظْهَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ ، وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ إلَى أَنْ تَمْضِيَ عِدَّةُ النِّكَاحِ وَهِيَ حَيْضَتَانِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهَا عِدَّةُ النِّكَاحِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيمَا
بَقِيَ لِأَنَّهَا عِدَّةُ أُمِّ وَلَدٍ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَطْءَ قَبْضٌ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ ، وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ نَابَ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَكَانَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَلَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا ، وَلَمْ تَقُمْ فِي حَقِّ مِلْكِ الرَّجْعَةِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَاسِدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ ، وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحِيحًا ، وَالثَّانِي فَاسِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَاسِدِ فَلَا يُجْعَلُ وَاطِئًا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حَقِيقَةً ، وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ وَاطِئًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَاسِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَلَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ إلَى آخِرِ الْمَقَالَةِ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَ الْمَدْخُولَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ زُفَرَ كَمَا فِي الْبَائِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَشْعَثَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ سَرُوجِيٍّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ زُفَرَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَيَتَزَوَّجُهَا ثَانٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَلَا يُعْلَمُ فَرَاغُ الرَّحِمِ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهَا ، وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَفِي ذَلِكَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ الْمُتْعَةِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سُمِّيَ فِيهِ شَيْءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ ) وَكَذَا الشَّافِعِيُّ وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ) أَيْ وَالْخَلْوَةُ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ ) أَيْ أَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزْوِيجِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ أَمَةٌ ، وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ ، وَكَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَزَيَّنَ ، وَلَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ فَكَمَا أَنَّ
الْمِلْكَ يُنَافِي النِّكَاحَ يُنَافِي أَثَرَهُ لَكِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَكَانَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا أَعْتَقَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ بِالنِّكَاحِ ، وَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَكِنَّهَا تَتَّقِيَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَلْزَمْهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ فَأَمَّا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِسَبِيلِ النِّكَاحِ بَلْ بِالْعِتْقِ ، وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ) أَيْ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ا هـ قَوْلُهُ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ ، وَهُوَ الْعِدَّةُ ) أَيْ لِاشْتِغَالِ رَحِمِهَا بِمَائِهِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَصِيرُ قَابِضًا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ غَائِبًا ا هـ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلْوَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا ) أَيْ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَهْرِ ، وَفِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ ) وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِي مُعْتَقَدِهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ الشَّرْعِ ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ ، وَالْكَافِرَةُ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعِدَّةَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَجِبَ حَقًّا لِلشَّرْعِ أَوْ لِلزَّوْجِ ، وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ ، وَلَا لِلثَّانِي لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْتَقِدُهُ ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا تَتَزَوَّجُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ التَّبَايُنِ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوَ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ هُوَ ، وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا ، وَأَرْبَعًا سِوَاهَا عَقِيبَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ ، وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ } مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ تَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ حَتَّى صَارَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَلَا حُرْمَةَ لِفِرَاشِهِ ،
وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، وَهُوَ الدُّخُولُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ الْحَرْبِيِّ فَيَمْتَنِعُ التَّزَوُّجُ كَحَمْلِ أُمِّ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا .( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ ) فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا خَرَجَتْ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا إذَا خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصِيرَ بِحَيْثُ لَا تُمَكَّنُ مِنْ الْعُودِ إمَّا لِخُرُوجِهَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مُسْتَأْمِنَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا ) أَيْ الْحَرْبِيَّةُ الْمُهَاجِرَةُ ا هـ .
( فَصْلٌ ) فِي الْإِحْدَادِ ، وَهُوَ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ ، وَحَدَّتْ تَحِدُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ حَدًّا فَهِيَ حَادٌّ ، وَأَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تُحِدُّ مُعْتَدَّةٌ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَالْحِنَّاءُ ، وَلُبْسِ الْمُعَصْفَرِ ، وَالْمُزَعْفَرِ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ ، وَلَا الْمُمَشَّقَ وَلَا الْحُلِيَّ ، وَلَا تَخْتَضِبُ ، وَلَا تَكْتَحِلُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّهُ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفَّى بِعَهْدِهَا إلَى الْمَمَاتِ ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا تَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَةَ ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا ، وَكِفَايَةُ مُؤَنِهَا ، وَالْإِبَانَةُ أَفْظَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا غُسْلُهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجِبُ التَّأَسُّفُ عَلَيْهَا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَحُ ،
وَالتَّأَسُّفُ بِصِيَاحٍ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَمَّا بِدُونِ الصِّيَاحِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ الْمُخْتَلِعَةُ وَقَعَ الْفِرَاقُ بِاخْتِيَارِهَا فَكَيْفَ تَتَأَسَّفُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْمُبَانَةُ بِغَيْرِ الْخَلْعِ قَدْ جَفَاهَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَأَسَّفَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ مِنْ فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا إذْ هِيَ تَخْتَارُ ضِدَّهُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الرَّجُلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَاتَهُ نِعْمَةُ النِّكَاحِ قُلْنَا يُعْتَبَرُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَفْرَادِ ، وَكَمْ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ تَتَمَنَّى مَوْتَ الزَّوْجِ ، وَتَفْرَحُ بِمَوْتِهِ ، وَمَعَ هَذَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ لَوَجَبَ مَقْصُودًا ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ كَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ لِفَقْدِ الْعِدَّةِ ، وَتَتْرُكُ أَنْوَاعَ الْحُلِيِّ وَالزِّينَةِ وَلُبْسَ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا ، وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَلَا تَدْهُنُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتِ وَالسَّمْنِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لَأَنْ يَلِينَ الشَّعْرُ فَيَكُونُ زِينَةً إلَّا إذَا كَانَ بِهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ ، وَلَا تَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الضَّيِّقَةِ ، وَتَمْشُطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ الْمُتَبَايِنَةِ لِأَنَّ الضَّيِّقَةَ لِتَحْسِينِ الشَّعْرِ وَالزِّينَةِ وَالْمُتَبَاعِدَةَ لِدَفْعِ الْأَذَى ، وَلَا تَلْبَسُ الْحَرِيرَ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةً إلَّا لِضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ قَمْلٌ ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْمُمَشَّقِ ، وَهُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْمَشْقِ ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمَصْبُوغِ أَسْوَدَ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الزِّينَةَ ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ لُبْسَ الْعَصَبِ مَكْرُوهٌ ، وَهُوَ
ثَوْبٌ مُوَشًّى يُعْمَلُ فِي الْيَمَنِ ، وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُنْسَجُ أَبْيَضَ ثُمَّ يُصْبَغُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ سِوَى الْمَصْبُوغِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ لِلضَّرُورَةِ إذْ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْمَذْكُورَةِ الْجُدُدُ مِنْهَا أَمَّا لَوْ كَانَ خَلَقًا بِحَيْثُ لَا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
( فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْعِدَّةِ ، وَعَنْ بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهَا ، وَمَنْ لَا تَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَدَّاتِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ إحْدَادًا ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ حَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ ، وَتُحِدُّ حِدَادًا بِالْكَسْرِ فَهِيَ حَادٌّ بِغَيْرِ هَاءٍ ، وَأَحَدَّتْ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ ، وَمُحِدَّةٌ إذَا تَرَكَتْ الزِّينَةَ لِمَوْتٍ ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الثُّلَاثِيَّ ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الرُّبَاعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ يَعْنِي ، وَيَجِبُ بِسَبَبِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ ، وَأَصْلُهُ الْمَبْتُوتُ طَلَاقُهَا تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبٍ غَيْرَ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ ، وَهَلْ يُبَاحُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ أَخُوهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَبْتُوتَةِ يُفِيدُ نَفْيَ وُجُوبِهِ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ ، وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُحِدَّ عَلَى قُرَابَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ ، وَهُوَ يُرِيدُهَا ، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ عَلَيْهَا ، وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعْتَدَّةِ
مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فُرْقَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَيَّبَ أَوْ تَلْبَسَ الْحُلِيَّ أَوْ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِعُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانَ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ ، وَهُمَا لُغَتَانِ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ ، وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا ظَهَرَتْ نُبْذَةٌ مِنْ قُسْطٍ ) الْقُسْطُ بِضَمِّ الْقَافِ عِرْقُ شَجَرٍ يُنْحَرُ بِهِ ، وَالْأَظْفَارُ نَوْعُ طِيبٍ لَا وَاحِدَ لَهُ ، وَالنُّبْذَةُ الْقَلِيلُ مِنْهُ بِضَمِّ النُّونِ رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ اسْتِعْمَالُهُ حِينَ تَطْهُرُ مِنْ حَيْضِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا الْمُمَشَّقَ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمِشْقُ وِزَانُ حِمْلٍ الْمَغْرَةُ ، وَأَمْشَقْتُ الثَّوْبَ إمْشَاقًا صَبَغْتُهُ بِالْمِشْقِ ، وَقِيَاسُ الْمَفْعُولِ عَلَى بَابِهِ ، وَقَالُوا ثَوْبٌ مُمَشَّقٌ بِالتَّثْقِيلِ ، وَالْفَتْحِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِعْلَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ) أَيْ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ) أَيْ قَصْدًا ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لِفَوَاتِ الْأَبِ مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِهَا وَحَيَاتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ الْبَحْتِ ) أَيْ الْخَالِصِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْوَاسِعَةِ ) وَأَطْلَقَهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مُطْلَقًا ، وَكَوْنُهُ بِالضَّيِّقَةِ يَحْصُلُ مَعْنَى الزِّينَةِ ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا ، وَبِالْوَاسِعَةِ يَحْصُلُ دَفْعُ الضَّرَرِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ يَحْتَاجُ لِإِخْرَاجِ الْهَوَامِّ إلَى الضَّيِّقَةِ نَعَمْ كُلُّ مَا أَرَادَتْ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ لَمْ يَحِلَّ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتَيْنِ وَالسَّمْنِ فَمَنَعْنَاهُ نَحْنُ وَالشَّافِعِيُّ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِحُصُولِ الزِّينَةِ ، وَأَجَازَهُ الْإِمَامَانِ ،
وَالظَّاهِرِيَّةُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ قَمْلٌ ) أَيْ أَوْ مَرَضٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ يُبَاحُ لَهَا الْحَرِيرُ الْأَسْوَدُ وَالْحُلِيُّ وَالْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ النَّصِّ فِي مَنْعِ الْمَصْبُوغِ يَنْفِيهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَنْعِ الْحُلِيِّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ ، وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ الْمَصْبُوغِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا الْعَصَبَ فَشَمَلَ مَنْعَ الْأَسْوَدِ انْتَهَى كَمَالٌ ( قَوْلُهُ الْعَصَبِ مَكْرُوهٌ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْعَصَبُ مِثْلُ فَلْسِ بُرْدٍ يُصْبَغُ غَزْلُهُ ثُمَّ يُنْسَجُ وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ ، وَإِنَّمَا يُثَنَّى وَيُجْمَعُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ بُرْدُ عَصْبٍ وَبُرُودُ عَصْبٍ ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ وَصْفًا فَيُقَالُ شَرَيْت ثَوْبًا عَصْبًا ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الْعَصْبُ صَبْغٌ لَا يَنْبُتُ إلَّا بِالْيَمَنِ انْتَهَى ، وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْغَايَةِ مَنْقُولٌ مِنْ الصِّحَاحِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ إذْ سِتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَوْبٌ آخَرُ تَعَيَّنَ هَذَا الثَّوْبُ لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَلَكِنْ لَا بِقَصْدِ الزِّينَةِ انْتَهَى كَافِي قَالَ الْكَمَالُ ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا انْتَهَى
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ) أَيْ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ ، وَلَمْ تَفُتْهُمَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ ، وَكَذَا لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ ، وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَتَيْنِ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ إذْ هِيَ عِبَادَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَلَوْلَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ لَمَا شُرِطَ فِيهِ الْإِيمَانُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا حَقُّ الزَّوْجِ فَتَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ لَمْ تَفُتْهَا إذْ النِّكَاحُ بَاقٍ فِيهَا حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِأَنَّهَا لَوْ مُنِعَتْ عَنْهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ ، وَحَقُّ الْمَوْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ ، وَعَلَى حَقِّ الزَّوْجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ ، وَبَعْدَ زَوَالِهِ أَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُبَوَّأَةً فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمَوْلَى ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ لِعَدَمِ وُجُوبِ حَقِّ الشَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ لِأَجَلِ فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ لَوَجَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ شِرَاءِ مَنْكُوحَتِهِ لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالشِّرَاءِ قُلْنَا يَجِبُ هُنَاكَ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِثُبُوتِ حِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ أَيْضًا بِدُونِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ ،
وَالْإِحْدَادُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ ، وَمُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِنَّ .( قَوْلُهُ وَلَمْ تَفُتْهُمَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ ) لِأَنَّ زَوَالَ الرِّقِّ لَا يَلِيقُ بِهِ التَّأَسُّفُ بَلْ يَلِيقُ بِهِ الشُّكْرُ لِزَوَالِ أَثَرِ الْكُفْرِ عَنْهَا ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ مَعْصِيَةٌ فَلَزِمَهَا الشُّكْرُ عَلَى فَوَاتِهِ لَا التَّأَسُّفُ انْتَهَى كَافِي ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ ) وَإِنْ أَبَانَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَاتَ عَنْهَا انْتَهَى كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ ) أَيْ وَلَا مَجْنُونَةِ انْتَهَى فَتْحٌ قَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَزَيَّنُ وَتَلْبَسُ مَا شَاءَتْ مِنْ الثِّيَابِ فَلَعَلَّ زَوْجَهَا يُرَاجِعُهَا انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةً فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ انْتَهَى فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ ، وَصَحَّ التَّعْرِيضُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } إلَى قَوْله تَعَالَى { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } ، وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ، وَهُوَ هُنَا أَنْ يَقُولَ لَهَا إنَّك لَجَمِيلَةٌ ، وَإِنَّك لَصَالِحَةٌ ، وَمِنْ غَرَضِي أَنْ أَتَزَوَّجَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الدَّالِّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ بِهَا نَحْوَ قَوْلِهِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ ، وَلَا يُصَرِّحُ بِالنِّكَاحِ ، وَلَا يَقُولُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك ، وقَوْله تَعَالَى { أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ } أَيْ سَتَرْتُمْ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَأَضْمَرْتُمُوهُ ، وَالْمُسْتَدْرَكُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ } مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ وَطْئًا لِأَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السِّرُّ النِّكَاحُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَفَاةٍ } ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَالزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعَرُّضُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا ، وَالْإِظْهَارُ بِذَلِكَ قَبِيحٌ ، وَفِيهِ تَحْصِيلُ مَا يُوجِبُ الْبَعْضَ ، وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، وَكَذَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ التَّعْرِيضُ ) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ انْتَهَى كَافِي ( قَوْلُهُ { إلَّا أَنْ تَقُولُوا } ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ { إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } أَيْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ إلَّا بِأَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ، وَهُوَ التَّعْرِيضُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَسَبْكُ الْآيَةِ { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ } أَيْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ لَهُنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِإِرَادَةِ نِكَاحِهِنَّ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فَلَمْ تَنْطِقُوا بِهِ تَعْرِيضًا ، وَلَا تَصْرِيحًا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ فَاذْكُرُوهُنَّ ، وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا أَيْ نِكَاحًا فَلَا تَقُولُوا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك ، وَسَمَّى النِّكَاحَ سِرًّا لِأَنَّهُ سَبَبُ السِّرِّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ ، وَحَدِيثُ السِّرِّ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا فَالِاسْتِثْنَاءُ يَتَعَلَّقُ بِلَا تُوَاعِدُوهُنَّ ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي السِّرِّ ، وَالِاسْتِدْرَاكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي أَبْرَزْنَا صُورَتَهُ ، وَهُوَ فَاذْكُرُوهُنَّ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ) كَمَا يَقُولُ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك ، وَلِأَنْظُرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ انْتَهَى كَافِي ( قَوْلُهُ وَأَضْمَرْتُمُوهُ ) أَيْ وَلَمْ تَذْكُرُوهُ بِالْأَلْسِنَةِ أَصْلًا انْتَهَى ( قَوْلُهُ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ) أَيْ لَا تَنْفَكُّونَ عَنْ النُّطْقِ لِرَغْبَتِكُمْ فِيهِنَّ ، وَعَدَمِ صَبْرِكُمْ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّعْرِيضُ ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ } مُطْلَقٌ ، وَلَمْ يُفَصَّلْ انْتَهَى ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ الْمُتَوَفَّى
عَنْهَا زَوْجُهَا إذْ التَّعْرِيضُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا أَصْلًا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ ، وَلِإِفْضَائِهِ إلَى عَدَاوَةِ الْمُطَلِّقِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ يَنْدَفِعُ بِهِ نَظَرُ الْأَتْقَانِيُّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ مِنْ بَيْتِهَا ) بَلْ تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَ يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ } قِيلَ الْفَاحِشَةُ نَفْسُ الْخُرُوجِ ، وَقِيلَ الزِّنَا فَيَخْرُجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَالْأَوَّلُ عَنْ النَّخَعِيّ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تَكُونَ بَذِيئَةَ اللِّسَانِ فَتُؤْذِيَ أَحْمَاءَهَا فَتَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ زَائِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَخَذَتْ بِالْكِرَاءِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ قَادِرَةً بَلْ تَدْفَعُ ، وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ، وَلَا تَخْرُجُ إلَى صَحْنِ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السِّكَّةِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ قُطِعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَازِلُ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ ، وَتَبِيتَ فِي أَيِّ مَنْزِلٍ شَاءَتْ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى ، وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَلَا تُحِدُّ لِلزَّوْجِ فَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْهَا ، وَلَا يَضُرُّ بِهِ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ حَيْثُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّهُ عَنْهَا ، وَالْكِتَابِيَّةُ تَخْرُجُ لِأَنَّهَا غَيْرَ مُخَاطَبَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا لِصِيَانَةِ مَائِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهَا الْحَبَلُ وَالْمَعْتُوهَةُ كَالْكِتَابِيَّةِ فِي هَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ .
( قَوْلُهُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ انْتَهَى فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِأَنَّ إلَّا أَنْ غَايَةٌ ، وَالشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ ، وَمَا قَالَهُ النَّخَعِيّ أَبْدَعُ وَأَعْذَبُ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَطَابِيَّاتِ لَا تَزْنِي إلَّا أَنْ تَكُونَ فَاسِقًا ، وَلَا تَشْتُمْ أُمَّك إلَّا أَنْ تَكُونَ قَاطِعَ رَحِمٍ ، وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ بَدِيعٌ بَلِيغٌ جِدًّا يَخْرُجُ إظْهَارُ عُذُوبَتِهِ عَنْ غَرَضِنَا انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ عَنْ النَّخَعِيّ ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَأَخَذَتْ بِالْكِرَاءِ ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ انْتَهَى مِصْبَاحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ الْيَوْمَ وَبَعْضَ اللَّيْلِ ) لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِلتَّكَسُّبِ ، وَأَمْرُ الْمَعَاشِ بِالنَّهَارِ ، وَبَعْضِ اللَّيْلِ فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا اللَّيْلَ كُلَّهُ ، وَلَهَا أَنْ تَبِيتَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَبِيتَ عِبَارَةٌ عَنْ الْكَوْنِ فِي مَكَان أَكْثَرَ اللَّيْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا دَارَةٌ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى نَفَقَتِهَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي رِوَايَةٍ لِلضَّرُورَةِ لِمَعَاشِهَا ، وَقِيلَ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَارَتْ إبْطَالَ النَّفَقَةِ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فِي إبْطَالِ حَقٍّ عَلَيْهَا ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَكَانَ كَمَا لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا فَإِنَّ مُؤْنَةَ السُّكْنَى تَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَكْتَرِيَ بَيْتَ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ .قَوْلُهُ وَلَهَا أَنْ تَبِيتَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَهَا غَايَةٌ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلَةِ لَا يَحْنَثُ ، وَإِلَّا يَحْنَثْ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ) وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ انْتَهَى كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ تُخْرِجَ أَوْ يَنْهَدِمَ ) أَيْ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا أَوْ أَذِنُوا لَهَا فِي السُّكْنَى فِيهِ ، وَهُمْ كِبَارٌ أَوْ تَرَكُوهَا أَنْ تَسْكُنَ فِيهِ بِأَجْرٍ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا ، وَلَمْ يَدَعْ مَالًا تَرِثُهُ ، وَطَلَبَتْ أَنْ تَتَحَوَّلَ إلَى أَهْلِهَا لِأَجْلِ الرِّفْقِ عِنْدَهُمْ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك الَّذِي أَتَاك فِيهِ نَعْيُ زَوْجِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُخْرِجَ أَوْ يَنْهَدِمَ أَيْ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْوَرَثَةُ يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا أَوْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ ، وَكَذَا إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا أَوْ كَانَتْ فِيهِ بِأَجْرٍ ، وَلَمْ تَجِدْ مَا تُؤَدِّيهِ جَازَ لَهَا الِانْتِقَالُ ثُمَّ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إلَّا بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حُكْمَ الْأَوَّلِ ، وَتَعْيِينُ الْبَيْتِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مُسْتَبِدَّةٌ فِي أَمْرِ السُّكْنَى بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ حَيْثُ يَكُونُ تَعْيِينُهُ إلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ الِاسْتِبْدَادِ بِالسُّكْنَى ، وَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا ، وَسَكَنَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ يُجْعَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ حَتَّى لَا تَقَعَ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَاكْتُفِيَ بِالْحَائِلِ لِاعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِالْحُرْمَةِ ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُهُمَا فَلْتَخْرُجْ هِيَ ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ لِوُجُوبِ السُّكْنَى عَلَيْهَا فِيهِ ، وَإِنْ جَعَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ
فَهُوَ حَسَنٌ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى أَصْلِكُمْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ حَائِلَةً حَتَّى قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ ، وَقُلْتُمْ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا تَزْدَادُ الْفِتْنَةُ فَكَيْفَ تَصْلُحُ هُنَا لِأَنَّا نَقُولُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ حَيْلُولَةً فِي الْبَلَدِ لِبَقَاءِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ، وَلَا مَكَانَ لِلِاسْتِعَانَةِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْمَفَاوِزِ فِي السَّفَرِ .( قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا ) أَيْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بَانَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي سَفَرٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَلَوْ ثَلَاثَةً رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ مَعَهَا ، وَلِيٌّ أَوْ لَا وَلَوْ فِي مِصْرٍ تَعْتَدُّ ثَمَّ فَتَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ ) أَرَادَ بِقَوْلِهِ رَجَعَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى مِصْرِهَا ، وَمُرَادُهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ ، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِمَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ ثَلَاثَةً رَجَعَتْ أَوْ مَضَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَهُ فَلَا خِيَارَ لَهَا بَلْ تَمْضِي فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ فِي مَفَازَةٍ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْشَاءُ سَفَرٍ ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا ، وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُقِيمَةً بِالرُّجُوعِ ، وَبِالْمُضِيِّ تَصِيرُ مُسَافِرَةً وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ ، وَالْآخَرُ دُونَهُ تَعَيَّنَ الْأَقَلُّ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ أَوْ لَا ، وَكَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إنْشَاءُ سَفَرٍ ، وَالْمُعْتَدَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلَّ مِنْ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْخُرُوجِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِصْرٍ خُيِّرَتْ بَيْنَ الرُّجُوعِ ، وَالْمُضِيِّ لِلضَّرُورَةِ ، وَالرُّجُوعُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ
أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ يُرَخَّصُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلِّ مِنْ السَّفَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُرْمَةُ السَّفَرِ ، وَتِلْكَ تَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ ، وَلَهُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِدَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ مُطْلَقَ الْخُرُوجِ ، وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ لَا يُمْنَعُ إلَّا السَّفَرُ فَإِذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ يَمْنَعُ السَّفَرَ فَالْعِدَّةُ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ لِأَنَّهَا أَقْوَى فِي الْمَنْعِ ، وَمَا دُونَ السَّفَرِ إنَّمَا يُرَخَّصُ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ خُرُوجٍ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْشَاءُ الْخُرُوجِ فِي الْعِدَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا ، وَهُنَا هِيَ مُنْشِئَةٌ لِلْخُرُوجِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَفَرٌ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لَا تَرْتَفِعُ بِهِ ، وَفِي الْمَفَازَةِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ ، وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ ، وَقَدْ انْعَدَمَ هُنَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ ، وَاخْتَارَتْ أَحَدَهُمَا فَمَرَّتْ بِمِصْرٍ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا تَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ ، وَأَهْلُ الْكَلَأِ إذَا انْتَقَلُوا انْتَقَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مَعَهُمْ إنْ كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فِي هَذَا كَالْبَائِنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ زَوْجَهَا فِي مَسِيرَةٍ هِيَ سَفَرٌ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُبَانَةَ تَرْجِعُ أَوْ تَمْضِي مَعَ مَنْ شَاءَتْ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ أَجْنَبِيًّا ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .( قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِتَعْتَدَّ ) أَيْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ رَجَعَتْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا سَفَرٌ أَوْ دُونَهُ أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّةَ سَفَرٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَى مَقْصِدِهَا سَفَرٌ ، وَالرُّجُوعَ لَيْسَ بِسَفَرٍ ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا دُونَهَا فَتَرْجِعُ أَيْضًا لِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ تَصِيرُ مُقِيمَةً ، وَإِذَا مَضَتْ تَكُونُ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا ذَلِكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَهُوَ أَوْجَهُ انْتَهَى كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ ) يَعْنِي عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَظْهَرُ انْتَهَى فَتْحٌ وَكَافِي
( بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا ) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ ، وَهُوَ مُتَصَوِّرٌ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالِ النِّكَاحِ ، فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ ، وَهُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي هَذَا الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَقِيبَهُ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً قُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَخِيرُ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ثُمَّ وُجِدَ الطَّلَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ مُقَارِنًا لِلْإِنْزَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ فَصَارَ كَتَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ الْمَشْرِقِيَّةَ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَنَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لِلْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ ، وَهُوَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا بِخُطْوَةٍ كَرَامَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ مَائِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَاءٌ فَافْتَرَقَا ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بَعْدَهُ
لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْخَلْوَةِ فَتَأَكَّدَ بِهِ الْمَهْرُ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي حَالِ مَا يَطَؤُهَا كَانَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِوُجُودِ التَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ ، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ ، وَنِصْفُ النِّصْفِ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَالْمَهْرُ بِالدُّخُولِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا ، وَعَزَاهُ إلَى الْمُنْتَقَى .
( بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْعِدَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ بَابِ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا ) أَيْ كَامِلًا انْتَهَى ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ ) أَيْ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ ) مَعْنَاهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، وَلَا نُقْصَانٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَقَلَّ فَالْعُلُوقُ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ ا هـ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ ، وَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَصَوُّرُ الْعُلُوقِ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ ثَابِتٌ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ يُخَالِطُهَا وَطِئَهَا ، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ، وَالْأَحْسَنُ تَجْوِيزُ أَنَّهُمَا وَكَّلَاهُ فَبَاشَرَ الْوَكِيلُ ، وَهُمَا كَذَلِكَ فَوَافَقَ عَقْدُهُ الْإِنْزَالَ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِرَاشِ ، وَهُوَ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ الْمُقَارِنِ لِلْعُلُوقِ فَتَعْلَقُ ، وَهِيَ فِرَاشٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَقَدْ يُقَالُ الْفِرَاشِيَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ أَعْنِي الْعَقْدَ فَيَتَعَقَّبُهُ فَيَلْزَمُ سَبْقُ الْعُلُوقِ عَلَى الْفِرَاشِ نَعَمْ إذَا فُسِّرَ الْفِرَاشُ بِالْعَقْدِ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ ، وَهُوَ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ السَّابِقَ لَهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ فَإِنَّ
هَذَا الْكَوْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ فِي الْخَارِجِ ، وَكَلَامُهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَعْنِي أَنَّ زَوَالَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَعَهُ لِأَنَّ زَوَالَ أَثَرِهِ لَا يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَقَدْ عَيَّنُوا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ ، وَلَا أَقَلَّ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يُثْبِتُوهُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ مُزَوَّجٌ قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَلِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِمَا يَسَعُ وَطْئًا بِالْفَرْضِ فَيَحِلُّ مُسْتَثْنَى هَذَا الْقَدْرِ ، وَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ، وَهُوَ سَنَتَانِ ، وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي فِي الِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهَا وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ ، وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِيُثْبِتُوا النَّسَبَ ، وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ يَطَؤُهَا ، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا وَهُمَا عَلَى تِلْكَ
الْحَالَةِ ثُمَّ وَافَقَ الْإِنْزَالُ الْعَقْدَ أَوْ احْتِمَالَ كَوْنِ الْحَمْلِ إذَا زَادَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِاسْتِبْعَادِ هَذَا الْفَرْضِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكْلِيفِ بَلْ قِيَامُ الْفِرَاشِ كَافٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ الدُّخُولِ بَلْ النِّكَاحُ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا فِي تَزَوُّجِ الْمَشْرِقِيِّ بِمَغْرِبِيَّةٍ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ ، وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَالِاسْتِخْدَامَات فَيَكُونُ صَاحِبَ خُطْوَةٍ أَوْ جِنِّيٍّ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا ) يَعْنِي بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا رَجُلَانِ ، وَهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَسْمَعَانِ كَلَامَهُمَا فَيُوَافِقُ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ ، وَهَذَا يُمْكِنُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَلِدَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِتَمَامِ سِتَّةٍ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِأَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقُ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجْرُ } أَيْ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَذَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْفِرَاشُ الْعَقْدُ كَذَا فَسَّرَ الْكَرْخِيُّ فِي إمْلَائِهِ لِشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْنُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الْفِرَاشَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ بِحَالٍ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ الْوَطْءُ زَمَانَ التَّزَوُّجِ ثَابِتًا حُكْمًا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً ، وَالْعِبْرَةُ بِالْفِرَاشِ لَا بِالْمَاءِ لِلْحَدِيثِ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مِنْ مَائِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِرَاشٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ
إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا لُزُومُ الْمَهْرِ كَامِلًا فَلِأَنَّهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا حُكْمًا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَمَا قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَطْؤُهُ لِأَنَّ الْحَبَلَ قَدْ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَرْجَ دُونَ جِمَاعٍ فَنَادِرٌ ، وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعْتَادُ ا هـ ( قَوْلُهُ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا ) فَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمَدْخُولِ بِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَأَكَّدَ بِهِ ) أَيْ بِثُبُوتِ النَّسَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي النِّهَايَةِ ، وَفِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَهْرٌ وَنِصْفٌ أَمَّا النِّصْفُ فَلِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِلدُّخُولِ ا هـ وَعِبَارَةُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي عَلَى مَا نَقَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَمَهْرٌ آخَرُ بِالدُّخُولِ قَالَ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ ، وَقَالَ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ الصَّدَاقُ ، وَاشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ ا هـ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لِلْمُتَأَمِّلِ لَا تُوجِبُ قَوْلَهُ بِلُزُومِ مَهْرٍ وَنِصْفٍ بَلْ ظَاهِرَةٌ فِي نَفْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا تَسُوغُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ وُجُوبُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ فِي غَيْرِ عِصْمَةٍ وَلَا عِدَّةٍ بَلْ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ
مُقَارِنٌ لَهُ أَوْ لِلنِّكَاحِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ كَوْنُهُ قَبْلَهُ ، وَلَا يُشْتَبَهُ ذَلِكَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ رَجْعَةً فِي الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا لَا فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ يَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ ، وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ ثُمَّ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا إشْكَالَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَكَانَ مِنْ عُلُوقٍ قَبْلَهُ ، وَبَانَتْ بِالْوَضْعِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَمْلٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ ، وَفِيهِ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ أَيْضًا احْتِيَاطًا فَكَانَ أَوْلَى قُلْنَا الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا ، وَهُنَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَالْقَوْلُ بِثُبُوتِ الرَّجْعَةِ إبْطَالٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ، وَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَكَانَتْ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الزِّنَا لِإِمْكَانِ الْحِلِّ ، وَلِانْتِفَاءِ الزِّنَا عَنْ الْمُسْلِمِ ظَاهِرًا ، وَلَا يُقَالُ انْتِفَاءُ الزِّنَا مُمْكِنٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَهُوَ أَنْ تَتَزَوَّجَ
بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَيَكُونُ الْوَلَدُ مِنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِبْقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ أَوْلَى ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ مَا لَمْ يُكَذِّبْهَا الظَّاهِرُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ ) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنَّهَا تَكُونُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِوَطْءٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ ) أَيْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ أَمْرِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ) ، وَكَمَا لَا يُظَنُّ بِالْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْحَرَامِ لَا يُظَنُّ بِهِ الْإِقْدَامُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ ) أَيْ يَثْبُتُ ، وَلَوْ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِزِنَاهَا أَوْ بِوَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ بِأَنْ امْتَدَّ إلَى مَا قَبْلَ سَنَتَيْنِ مِنْ مَجِيئِهَا بِهِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَبِلَتْ ، وَعَنْ هَذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَكُونُ زَوْجَةً بِالرَّجْعَةِ الْكَائِنَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا تَثْبُتُ رَجْعَتُهَا فَإِنَّ الْعُلُوقَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِحَالَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَالظَّاهِرُ الْوَطْءُ فِي الْعِصْمَةِ لَا الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ ، وَمَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَرْجَحُ مِنْ إضَافَةِ الْحَادِثِ إلَى الزَّمَنِ الْقَرِيبِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الرَّجْعَةِ ، وَمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا فِيهَا إذْ مُعْتَادُ النَّاسِ فِي الرَّجْعَةِ
أَنْ يَرْجِعُوا بِاللَّفْظِ ا هـ قَالَ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَتْ الْوِلَادَةُ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَإِنْ جَاءَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ ا هـ وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ رَجْعَةً لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الْأَحْسَنِ وَالْأَصْلَحِ ا هـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ الرَّازِيّ ا هـ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَإِذَا أَتَتْ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثَبَتَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا ، وَكَانَ مُرَاجِعًا ا هـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُرَاجِعًا فِي السَّنَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَكَتَ الشَّارِحُ عَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ هَلْ يَكُونُ مُرَاجِعًا ، وَحَيْثُ سَكَتَ فِي الْمَتْنِ عَنْهُ كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ عَلَى الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ) أَيْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ ) أَيْ نَقُولُ الْفَرْضُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَمَا لَمْ تُقِرَّ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَظْهَرْ تَزَوُّجُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ نِكَاحٍ ، وَإِبْقَاءُ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ سِتِّينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتِسْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى قَوْلِهِمَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ
وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيَظْهَرُ كَذِبُهَا ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ انْقِضَاءَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ انْتَهَى كَمَالٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَتِّ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ احْتِيَالًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا بَلْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ ، وَجَاءَتْ بِهِ مِنْهُ فَتَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ وَإِحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَلَا يُسْمَعُ إقْرَارُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ، وَسَبَبُ النَّفَقَةِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يُرَدُّ بِالشَّكِّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ بِيَقِينٍ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِغَيْرِهِ فَكَيْفَ تَجِبُ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَهِيَ أَدْنَى حَالًا وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَالْجَارِيَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَعْدَ بَيْعِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا
يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا لِأَنَّ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِحَالَةِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ نَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ الْتَزَمَهُ قَصْدًا بِالدَّعْوَى ، وَالزَّوْجَ لَمْ يَدَّعِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَوَّلُ كَانَ مِثْلَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ ، وَلَهُ وُجِدَ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَتْ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ ، وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَكَيْفَ أُثْبِتَ بِهِ النَّسَبُ هُنَا ، وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ، وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا ، وَإِنْ كَانَ مَنْكُوسًا فَسُرَّتُهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَفِي حَقِّ الْإِرْثِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّهُ .
( قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَتِّ ) أَيْ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ غَيْرِهِ إلَخْ ) حَمْلًا لِحَالِهَا عَلَى الصَّلَاحِ انْتَهَى رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَى مِسْكِينٌ ( قَوْلُهُ بَلْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ ) أَيْ مِنْ الْأَقَلِّ انْتَهَى فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ وَلِأَكْثَرَ مِنْهُمَا ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَجَاءَتْ بِهِ مِنْهُ ) وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ أَقَلُّ مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْوَلَدُ انْتَهَى رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ فَتَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ ) أَيْ الْمَبْتُوتَةُ انْتَهَى قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إلَخْ ) قَالَ الْبَدْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَقُولُ وَتَقْيِيدُهُ بِالثَّلَاثِ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُبَانَةُ بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ إطْلَاقٌ قَوْلُهُ وَالْبَتُّ يَرُدُّهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَطْءٍ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ ، وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الِاشْتِرَاطَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الشَّامِلِ ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي ضَعْفِهَا وَغَرَابَتِهَا انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ إنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا ) الْمُسْتَقِيمُ أَنْ يَخْرُجَ رَأْسُهُ أَوَّلًا ،
وَالْمَنْكُوسُ أَنْ يَخْرُجَ رِجْلَاهُ أَوَّلًا انْتَهَى صَدْرٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُرَاهِقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ، وَإِلَّا لَا ) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَالرَّجْعِيُّ وَالْبَائِنُ فِيهِ سَوَاءٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ بَائِنًا ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا ، وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الْمُرَاهِقَةِ مَوْهُومٌ شَرْطُ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمُضِيِّ الْأَشْهُرِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا ، وَهُوَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا بِعُلُوقٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ بِعُلُوقٍ فِي الْعِدَّةِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّصَوُّرِ كَافٍ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِصِغَرِهَا فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحَمْلِ ، وَلِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ ، وَهُوَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ فَبِمُضِيِّهَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِالِانْقِضَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ بَلْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ ، وَالْإِقْرَارَ يَحْتَمِلُهُ ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ لِأَنَّا نَقُولُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَتَانِ الْأَشْهُرُ ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ ، وَالْجِهَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِيهَا فَلَا تَتَعَيَّنُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الْمَوْتِ دُونَ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ مُتَعَيِّنَةٌ فِيهَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَبَلِ مِنْهَا ، وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا عَدَمُ الْحَبَلِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ ، وَأَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ إلَّا لِلْإِحْبَالِ هَذَا إذَا لَمْ
تُقِرَّ بِالْحَبَلِ ، وَلَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ مِنْهَا بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فَصَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ نَسَبِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ الْجِهَةَ ، وَهُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَدْ تَعَيَّنَتْ بِدُونِ الْإِقْرَارِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْآيِسَةِ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مُفَسَّرًا بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْآيِسَةَ بِالْوِلَادَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً بَلْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ ، وَلِهَذَا لَمْ تَسْتَأْنِفْ الْعِدَّةَ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا ، وَالْآيِسَةُ تَسْتَأْنِفُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُرَاهِقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ) أَيْ مُنْذُ طَلَّقَهَا انْتَهَى كَافِي ( قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الْمُرَاهِقَةِ ) أَيْ الْمَدْخُولِ بِهَا انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ الَّتِي عَيَّنَهَا النَّصُّ ، وَمَا كَانَ مُتَعَيِّنًا شَرْعًا كَانَ السُّكُوتُ ، وَالْبَيَانُ فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا انْقَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حُكِمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَصَارَ كَإِقْرَارِهَا بِالِانْقِضَاءِ فَلَوْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَى بَعْدَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَذَلِكَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ سَوَاءً كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا بَلْ الْحُكْمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالشَّرْعِ أَقْوَى مِنْ انْقِضَائِهَا بِإِقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ لَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ ، وَإِقْرَارَهَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي آخِرِ عِدَّتِهَا ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَعَلِقَتْ ثُمَّ مُدَّةُ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرٍ انْتَهَى غَايَةً ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مُضِيُّ الْأَشْهُرِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الْمَنْكُوحَةِ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ادَّعَتْ الْحَبَلَ فِي الْعِدَّةِ فَالْجَوَابُ فِيهَا ، وَفِي الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِأَمْرِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِي الرَّجْعِيِّ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَّا أَنَّ فِي الْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ فَوَطِئَهَا فِي آخِرِ طُهْرِهَا وَهَا هُنَا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَكُونُ الْعُلُوقُ فِي الْعِدَّةِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَوْلُهُ يُعْقَدُ هُوَ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ فِي الْمُصَفَّى ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهُوَ إقْرَارٌ ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا أَمَّا فِي الْبَائِنِ فَلِأَنَّهَا لَمَّا أَقَرَّتْ بِالْحَمْلِ صَارَتْ بَالِغَةً ، وَحُكْمُ الْكَبِيرَةِ هَكَذَا ، وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَلِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ فِي الْعِدَّةِ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِشَيْءٍ فَعِنْدَهُ سُكُوتُهَا كَدَعْوَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَإِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرٍ أَوْ عِنْدَهُمَا كَالْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَلِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ انْتَهَى مُصَفَّى ( قَوْلُهُ صَارَتْ كَالْكَبِيرَةِ إلَخْ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ انْقِضَاءُ
عِدَّتِهَا عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ الْكَبِيرَةَ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، وَإِنْ طَالَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ لِجَوَازِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَوَطْئِهِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ انْتَهَى مُصَفَّى ( قَوْلُهُ وَلِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ) لِأَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي الْإِقْرَارِ ا هـ كَافِي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَوْتِ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا ) أَيْ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ مَاتَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرَةِ مِنْ تَعَيُّنِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ ، وَنَحْنُ قَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ بَيْنَهُمَا ، وَالصَّغِيرُ إذَا تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْحَبَلِ فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ حَبَلًا ، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ ، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا فِي الْمُعْتَدَّةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْآيِسَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا ، وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَتَّى وَلَدَتْ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا ، وَفِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ بَطَلَ إيَاسُهَا ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُهُ إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، وَإِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الرَّجْعِيِّ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ بَطَلَ اعْتِدَادُهَا بِالْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مُطْلَقًا غَيْرَ مُفَسَّرٍ بِالْأَشْهُرِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ، وَيُحْمَلُ إقْرَارُهَا عَلَى انْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ إقْرَارُهَا إلَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَيَبْطُلُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَالْآيِسَةُ فِيهَا ، وَاَلَّتِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَكُونُ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَوْتِ ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْمُرَاهِقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ ) هَكَذَا ، وَهُوَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ ، وَوَجْهُهُ كَوَجْهِهِمَا فِي الصَّغِيرَةِ ، وَهُوَ أَنَّ لِعِدَّتِهَا جِهَةً وَاحِدَةً هِيَ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَإِذَا لَمْ تُقِرَّ قَبْلَهَا بِالْحَبَلِ فَقَدْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِانْقِضَائِهَا بِهَا فَإِذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَهَا التَّمَامُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ عَلَى مَا عُرِفَ ، وَنَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّهَا بَلْ لَهَا كُلٌّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ فَتَسْتَمِرُّ مَا لَمْ تَعْتَرِفْ بِالْحَمْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ الزَّوْجِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ سُكُوتَهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْحَبَلِ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُكُوتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْحَبَلَ لِصِغَرِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَعِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَعِدَّةِ الْمَبْتُوتَةِ عِنْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ) مُفَسَّرًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُقَرَّةِ بِمُضِيِّهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا سَنَتَانِ إلَّا شَهْرَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ ، وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ ، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالِانْقِضَاءِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ ، وَيَكُونُ مُرَاجِعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بَقِيَ فِيهِ إشْكَالٌ ، وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِأَنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى سَنَةً مَثَلًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهَا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ إلَّا إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَثْبُتُ لِأَنَّ
حَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ، وَفِي ضِدِّهِ حَمْلُهُ عَلَى الزِّنَا ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمُسْلِمِ ، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي النَّسَبِ فَيُرَدُّ إقْرَارُهَا ، وَلَنَا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي رَحِمِهَا ، وَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا ، وَهُوَ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهَا حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ بِقَوْلِ الْأَمِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ .
( قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُقِرَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَخْ ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ بِالْأَشْهُرِ أَوْ بِالْحَيْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ أَوْ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُعْتَدَّةَ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ بِقَوْلِهِمْ إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ بَانَتْ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ كَيْفَمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعِلْمِنَا بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّتْ يَثْبُتُ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ كَذَلِكَ فِي الْوَفَاةِ فَإِذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ صَحَّ إقْرَارُهَا ، وَإِذَا لَمْ تُقِرَّ وَجَبَ الِانْقِضَاءُ بِالْحَمْلِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِلَّا لَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ ) كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَك صِحَّةُ مَا قَرَّرَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ بَلْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَعَ أَنَّا نَقُولُ
يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ ) أَيْ ، وَهُوَ الْوَلَدُ هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ إلَى آخِرِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَابِلَةٍ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَالْمُعْتَدَّةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَالْفِرَاشُ يُلْزِمُ النَّسَبَ ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إثْبَاتِ الْوِلَادَةِ وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ ، وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِالْقَابِلَةِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ أَوْ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَزَالَ الْفِرَاشُ ، وَالْمُنْقَضِي لَا يَكُونُ حُجَّةً فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَالُ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِالْفِرَاشِ ، وَالْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتُهَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُعْتَدَّاتِ ، وَفِي الرَّجْعِيِّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَيْسَ بِمُنْقَضٍ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَهُ بِقَيْدَيْنِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدُونِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُنْكِرًا لِلْوِلَادَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ
لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحَبَلِ كَإِقْرَارِهِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَائِنِ ، وَالرَّجْعِيِّ أَيْضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِهِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عِنْدَ اعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ ، وَعِنْدَ ظُهُورِ الْحَبَلِ ، وَعِنْدَ قِيَامِ الْفِرَاشِ ، وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ فِي اشْتِرَاطِهِ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَأَمَّا نَسَبُ الْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ غَيْرُ هَذَا الْمُعَيَّنِ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ عَلَّقَهُمَا بِوِلَادَتِهَا حَتَّى يَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ لِاعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ أَوْ لِظُهُورِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَشْهَدَ قَابِلَةٌ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْغَايَةِ أَخَذَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَثْبُتُ بِغَيْرِ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعِيدُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ، وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا أَيْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ مُتَنَاقِضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي تَعْيِينِ
الْوَلَدِ إلَّا إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ مِنْ ظُهُورِ حَبَلٍ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْهُ أَوْ فِرَاشٍ قَائِمٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ ، وَغَيْرِهِ ثُمَّ قِيلَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ ، وَلَا يَفْسُقَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ ، وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شُهُودِ الزِّنَا وَقَوْلُهُ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُصَدِّقُوهَا فِيمَا قَالَتْ ، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهِ ، وَهَذَا الثُّبُوتُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْمَيِّتُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ ، وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِاعْتِبَارِ فِرَاشِهِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ ، وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ فَيُشَارِكُ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ جَمِيعًا ، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَّا بِهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ، وَلِهَذَا شُرِطَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُخْتَصَرِ دُونَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ ، وَالتَّبَعُ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُعْتَدَّةِ ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ، وَالْمَوْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ ) قَالَ فِي الْمُخْتَلِفِ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ ، وَهُوَ ظُهُورُ الْحَبَلِ أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ أَوْ قِيَامُ الْفِرَاشِ حَتَّى إنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ إذَا كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ ، وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، وَفِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْوِلَادَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَائِنِ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلِفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يَثْبُتُ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ لَمْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ ، وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ عَدْلَةٌ حُرَّةٍ ا هـ رَازِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا ، وَالِاعْتِرَافُ ثَابِتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَفَسَّرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ بِالْقَابِلَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذْ مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلَادَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ) حَتَّى إنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَحْدُثُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي
الْمَتْنِ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ لِلضَّرُورَةِ ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ شَهِدَ عَلَى الْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِأَنْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بَيْتًا ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا ، وَلَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ ، وَالرَّجُلَانِ عَلَى الْبَابِ حَتَّى وَلَدَتْ ، وَعَلِمَا الْوِلَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْوَلَدِ أَوْ سَمَاعِ صَوْتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ) يَعْنِي الْمُنْكَرِينَ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَغَرِيمَ الْمَيِّتِ فَإِذَا كَانَ الْمُصَدِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ حَتَّى يُشَارِكَ الْوَلَدُ الْمُنْكَرِينَ أَيْضًا فِي الْإِرْثِ ، وَيُطَالِبَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ بِدَيْنِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ) أَيْ النَّسَبَ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ ) كَثُبُوتِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْجُنْدِ إذَا كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ أَوْ الْبَحْرِ مُقِيمِينَ تَبَعًا لِسُلْطَانِهِمْ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْمِصْرِ ، وَلَمْ يُرَاعِ الْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِمْ ، وَهُوَ بُيُوتُ الْمَدَرِ تَبَعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَنْكُوحَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ، وَإِنْ سَكَتَ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ ، وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ ، وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ ، وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ نَسَبٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ ، وَهُوَ حَدٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّا نَقُولُ النَّسَبُ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا تَعْيِينُ الْوَلَدِ ثُمَّ يَثْبُتُ النَّسَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْفِرَاشِ ضَرُورَةً كَوْنُهُ مَوْلُودًا فِي فِرَاشِهِ ثُمَّ نَفْيُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا كَالْحُدُودِ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ ، وَكَذَا لَوْ أُسْقِطَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْكُوحَةِ ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ فَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَتْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ فِي الْوِلَادَةِ ، وَتَعْيِينِ الْوَلَدِ صَحِيحَةٌ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي ثُمَّ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِثَبَاتِ النَّسَبِ فَتَثْبُتُ الْأُمُومِيَّةُ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدِيهِ فَشَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ ، وَأَرَادَ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ، وَهُوَ عَلَيْهَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَثْبُتُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَتْ نَكَحْتنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَادَّعَى الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ ابْنُهُ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَالنِّكَاحُ حَادِثٌ قُلْنَا النَّسَبُ مِمَّا يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ احْتِيَاطًا إحْيَاءً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ ، وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَثْبُتُ بِهِ ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ ، وَهُوَ مِنْ السِّتَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا ، وَمَوْضِعُهَا الدَّعَاوَى .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَهُوَ ابْنُهُ ) وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِهَذَا الْكَلَامِ ، وَإِنْ دَامَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَلْزَمَهُ النَّسَبَ صَارَ مُكَذَّبًا ، وَصَارَ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ هَذِهِ بِنْتِي ، وَدَامَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ فَكَذَلِكَ هُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا ، وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا تَطْلُقُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ } أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الْوِلَادَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا ، وَهُوَ الطَّلَاقُ ، وَلَهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ لِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوِلَادَةِ إذْ الطَّلَاقُ يَنْفَكُّ عَنْ الْوِلَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ صَارَ مِنْ لَوَازِمِهِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الْحَالِ كَمَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حَقِّ حُرْمَةِ اللَّحْمِ لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا ) أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَلَدْت ، وَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ ، وَلَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا لَمْ تُقْبَلْ لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ تَامَّةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ لِلطَّلَاقِ ا هـ رَازِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ بِلَا شَهَادَةٍ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ ، وَكَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ أَحَدٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْحِنْثَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِدُونِ الْحُجَّةِ ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي مِثْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهَا مُؤْتَمَنَةً فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي رَدِّ الْأَمَانَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَغَيْرِهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ رَبِيعَةُ سَبْعُ سِنِينَ ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثَلَاثُ سِنِينَ ، وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّام خَمْسُ سِنِينَ ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سِتُّ سِنِينَ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ وَقْتٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ ، وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِحِكَايَاتِ النَّاسِ وَهِيَ مَا رُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَوَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَقَدْ نَبَتَتْ ثَنَايَاهُ ، وَهُوَ يَضْحَكُ فَسُمِّيَ بِهِ لِذَلِكَ ، وَقَالَ مَالِكٌ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ مُنْكِرًا عَلَيْهَا هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَابْنُ عَجْلَانَ بِنَفْسِهِ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَعَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ امْرَأَةً وَضَعَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ ، وَمَرَّةً لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا يَبْقَى الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ تَبْتَنِي عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ ، وَالْحِكَايَاتُ الَّتِي ذَكَرُوهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَهِيَ بِنَفْسِهَا مُتَعَارِضَةٌ ، وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ أَوْ نَفْيِهِ ، وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَ الدَّوْرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ ، وَيُرْوَى وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ وَلَوْ بِقَدْرِ دَوْرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ .
قَوْلُهُ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ ) وَالْمِغْزَلُ قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمِغْزَلُ مَا يُغْزَلُ بِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ ، وَالْأَصْلُ الضَّمُّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أُغْزِلَ أَيْ أُدِيرَ وَفُتِلَ ا هـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَالْمِغْزَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُغْزَلُ بِهِ ، وَتَمِيمُ تَضُمُّ الْمِيمَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ ) وِزَانُ تَمْرَةٍ ا هـ مِصْبَاحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَمَّ بِرَجْمِ امْرَأَةٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } ، وَقَالَ { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَمِثْلُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَاشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ( لَزِمَهُ ، وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَبْطُلْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَإِنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ عَلَى الشِّرَاءِ فَيَلْزَمُهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَفَاهُ ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ لِتَأَخُّرِ الْعُلُوقِ عَنْ الشِّرَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا قُلْنَا ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلِأَقَلَّ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حَدَثَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى التَّزَوُّجِ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَفْسُدُ بِالشِّرَاءِ ، وَتَكُونُ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ تَحِضْ حَيْضَتَيْنِ فَيَكُونَ مَا جَاءَتْ بِهِ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدَ الْمَنْكُوحَةِ ، وَبَعْدَهُ وَلَدَ الْمَمْلُوكَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَوَادِثَ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا إحْدَاكُمَا
طَالِقٌ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْهُ فَالْإِيجَابُ عَلَى إبْهَامِهِ ، وَلَا تَتَعَيَّنُ ضَرَّتُهَا لِلطَّلَاقِ وَلَوْ أُحِيلَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَتَعَيَّنَتْ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَمْ تَطْلُقْ ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُرَاجِعًا لِأَنَّ الْحَوَادِثَ إنَّمَا تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ إبْطَالَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالدَّلِيلِ أَوْ تَرْكَ الْعَمَلِ بِالْمُقْتَضَى ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ذَلِكَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى إزَالَةَ مِلْكِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَفِي الثَّالِثَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَهُ الطَّلَاقُ ، وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ ثِنْتَيْنِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ مَا وَلَدَتْهُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً فَلَا يُمْكِنُ إضَافَةُ الْعُلُوقِ إلَى مَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَا يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ بَلْ إلَى أَبْعَدِهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ هَذِهِ الْحُرْمَةُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } لِأَنَّا نَقُولُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَتَعَارَضَا فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ أَوْلَى ، وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا مَلَكَ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحِلُّ لَهُ تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } عَلَى الْمُبِيحِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ يُفِيدُ كَوْنَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ إذْ لَا عِدَّةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ هَذَا ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ رَدَّهَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ ثُمَّ قَالَ يُرِيدُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَجِيءَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ ، وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ ، وَالْحُكْمَ فِي الْمُبَانَةِ أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهَا يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) فِيهِ مَا مَرَّ لَك عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْمُقِرَّةِ ، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ أَيْ إنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ بِالشِّرَاءِ تَبْطُلُ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ) يَعْنِي حَتَّى لَوْ أَرَادَ سَيِّدُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ ) يُصَدَّقُ بِمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا ) يُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِهِ آنِفًا لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ إلَخْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ إلَخْ صَادِقٌ عَلَيْهِ
كَمَا قَدَّمْته لَك فَتَأَمَّلْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ بِالْوِلَادَةِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِدَعْوَتِهِ ، وَالْوِلَادَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ قَالَ ذَلِكَ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ لِغُلَامٍ هُوَ ابْنِي ، وَمَاتَ فَقَالَتْ أُمُّهُ أَنَا امْرَأَتُهُ ، وَهُوَ ابْنُهُ ) يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ ( يَرِثَانِهِ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْإِرْثُ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ، وَبِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارًا بِالزَّوْجِيَّةِ لَهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ الْمَوْضُوعُ لِلنَّسَبِ فَعِنْدَ إقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نَفْيِهِ عَنْ ابْنِهِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى النَّافِي الْحَدُّ وَاللِّعَانُ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ احْتِمَالُ إلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِأَنَّا نَقُولُ النِّكَاحُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى نِكَاحٍ مُوجِبٍ لِلْإِرْثِ وَالنَّسَبِ ، وَإِلَى غَيْرِ مُوجِبٍ لَهُمَا فَإِذَا تَعَيَّنَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ لَزِمَ بِلَوَازِمِهِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ جَهِلَتْ حُرِّيَّتَهَا فَقَالَ وَارِثُهُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِ أَبِي فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الثَّابِتَةَ بِظَاهِرِ الْحَالِ تَصْلُحُ لِدَفْعِ الرِّقِّ ، وَلَا تَصْلُحُ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ كَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ إنَّهَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً وَقْتَ مَوْتِ أَبِي ، وَلَمْ يُعْلَمْ إسْلَامُهَا فِيهِ أَوْ قَالَ كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ وَهِيَ أَمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَرِثَ لِمَا قُلْنَا ، وَقَالُوا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقَرَّ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( بَابُ الْحَضَانَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا ) ، وَفِي الْكَافِي إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً أَوْ فَاجِرَةً ، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَقَّ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ يَعْنِي بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ أَنَّ { امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي } ، وَلِأَنَّ الصِّغَارَ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ مَصَالِحِهِمْ جَعَلَ الشَّرْعُ وِلَايَتَهَا إلَى غَيْرِهِمْ فَجَعَلَ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ إلَى الْآبَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى رَأْيًا مَعَ الشَّفَقَةِ الْكَامِلَةِ ، وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَقْدَرَ عَلَيْهَا ، وَجَعَلَ الْحَضَانَةَ إلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ وَأَقْدَرُ وَأَصْبَرُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ بِسَبَبِ الْوَلَدِ عَلَى طُولِ الْأَعْصَارِ ، وَأَفْرَغُ لِلْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ فَكَانَ فِي تَفْوِيضِ الْحَضَانَةِ إلَيْهِنَّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ إلَى الْآبَاءِ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الصَّغِيرِ فَكَانَ حَسَنًا ، وَأَنْظَرَ لِلصَّغِيرِ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ فَارَقَ امْرَأَتَهُ : رِيحُهَا وَمَسُّهَا وَمَسْحُهَا وَرِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الشَّهْدِ عِنْدَك ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا ثُمَّ لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ فِي الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا ، وَهَذَا لِأَنَّ شَفَقَتَهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْحَضَانَةِ ، وَلَا تَصْبِرُ عَنْهُ غَالِبًا إلَّا عَنْ عَجْزٍ فَلَا مَعْنًى لِلْإِيجَابِ لِوُجُودِ الْحَمْلِ بِدُونِهِ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَلَدِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرُ الْأُمِّ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى
حَضَانَتِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ بِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ بِأَنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَحَقُّ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَلَّقَ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَاصِمٍ فَتَزَوَّجَتْ فَأَخَذَ عُمَرُ ابْنَهُ عَاصِمًا فَأَدْرَكَتْهُ أُمُّ جَمِيلَةَ فَأَخَذَتْهُ فَتَرَافَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُمَا مُتَشَبِّثَانِ فَقَالَ لِعُمَرَ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا فَأَخَذَتْهُ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَانَتْ الَّتِي هِيَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْلَى ، وَإِنْ بَعُدَتْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ ) وَإِنْ عَلَتْ وَقَالَ زُفَرُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ الْخَالَةُ أَحَقُّ مِنْ أُمِّ الْأَبِ لِأَنَّهَا تُدْلِي إلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْأَبِ ، وَهُنَّ يُدْلِينَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكُنَّ أَحَقَّ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُسْتَحَقُّ بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأُمِّ ، وَنَحْنُ نَقُولُ هَذِهِ أُمٌّ لِأَنَّ لَهَا قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ ، وَهِيَ أَشْفَقُ فَكَانَتْ أَوْلَى كَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِيرَاثَ الْأُمِّ كَمَا تُحْرِزُ تِلْكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ) لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ فَكُنَّ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ فَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ ، وَعِنْدَ زُفَرَ هُمَا يَشْتَرِكَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيمَا يُعْتَبَرُ ، وَهُوَ الْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ ، وَجِهَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ ، وَإِنْ كَانَ قَرَابَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ تُقَدَّمُ الْخَالَةُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْخَالَةُ وَالِدَةٌ } ، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ } إنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ ، وَلِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ ، وَتِلْكَ بِالْأَبِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمُدْلَى بِهِ ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُنَّ ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ دُونَ الْأَخِ فَكَانَ الْمُدْلَى بِهَا أَوْلَى ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةِ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْخَالَاتُ كَذَلِكَ ) لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ يَنْزِلْنَ مِثْلُ مَا نَزَلَتْ الْأَخَوَاتُ ، وَمَعْنَاهُ مَنْ كَانَتْ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْلَى ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ لِأَنَّ مَنْ كَانَ اتِّصَالُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَشْفَقُ ثُمَّ مَنْ كَانَ لِأُمٍّ أَشْفَقُ ، وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْأَخِ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ ، وَتِلْكَ بِالْأَخِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْعَمَّاتُ كَذَلِكَ ) يَعْنِي كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَخَوَاتِ وَتَرْتِيبِهِنَّ ، وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ مَحْرَمِهِ سَقَطَ حَقُّهَا ) أَيْ مَنْ تَزَوَّجَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ سَقَطَ حَقُّهَا لِمَا رَوَيْنَا ، وَلِأَنَّ زَوْجَ الْأُمِّ يُعْطِيهِ نَزْرًا ، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا فَلَا نَظَرَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ كَالْجَدَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ ، أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّ الصَّغِيرِ ، أَوْ الْخَالَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَمَّهُ أَوْ أَخَاهُ ، أَوْ عَمَّتِهِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا خَالَهُ أَوْ أَخَاهُ مِنْ أُمِّهِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ تَعُودُ بِالْفُرْقَةِ ) أَيْ
يَعُودُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَمَا سَقَطَ بِالتَّزَوُّجِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَالنَّاشِزَةِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ثُمَّ إذَا عَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ تَجِبُ وَكَذَا الْوِلَايَةُ تَسْقُطُ بِالْجُنُونِ وَالِارْتِدَادِ ثُمَّ إذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ الْوِلَايَةُ ثُمَّ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَعُودُ حَقُّهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْعَصَبَاتُ بِتَرْتِيبِهِمْ ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ تَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِرْثِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ غَيْرَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ إلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الْأَقَارِبِ كَابْنِ الْعَمِّ ، وَلَا لِلْأُمِّ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْمُونَةٍ ، وَلَا لِلْعَصَبَةِ الْفَاسِقِ ، وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَخٍ مِنْ أُمٍّ وَعَمٍّ مِنْ أُمٍّ وَخَالٍ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ عِنْدَهُ فَكَذَا الْحَضَانَةُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِهِ ) أَيْ بِالْغُلَامِ ( حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ، وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ ) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، وَقَدَّرَهُ الْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ عَيْنُهُ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يَسْتَنْجِي وَحْدَهُ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ } وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ ، وَقَدَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِتِسْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي قَبْلَ ذَلِكَ عَادَةً ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ ،
وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَحْدَهُ هُوَ تَمَامُ الطَّهَارَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِينَهُ أَحَدٌ ، وَقِيلَ هُوَ مُجَرَّدُ الِاسْتِنْجَاءِ ، وَهُوَ أَنْ يَطْهُرَ وَحْدَهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّأَدُّبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَآدَابِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سِنِّهِ فَقَالَ الْأَبُ ابْنُ سَبْعٍ ، وَهِيَ قَالَتْ ابْنُ سِتٍّ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ، وَيَلْبَسُ ، وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ دُفِعَ إلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَزْوِيجِهَا فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِهَا حَتَّى تَحِيضَ ) أَيْ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ لِأَنَّ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ مِنْ الْغَزْلِ وَالطَّبْخِ وَالْغَسْلِ ، وَالْأُمُّ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا بَلَغَتْ تَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ وَالصِّيَانَةِ ، وَإِلَى الْأَبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى الصِّيَانَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّهَا صَارَتْ عُرْضَةً لِلْفِتْنَةِ ، وَمَطْمَعًا لِلرِّجَالِ ، وَبِالرِّجَالِ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا لَيْسَ بِالنِّسَاءِ فَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى دَفْعِ خِدَاعِ الْفَسَقَةِ وَاحْتِيَالِهِمْ فَكَانَ أَوْلَى ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ ، وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْفُسَّاقِ ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فِي قَوْلِهِمْ وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَيْرُهُمَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَشْتَهِيَ ) أَيْ غَيْرُ الْأُمِّ
وَالْجَدَّةِ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تُشْتَهَى ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّرْكِ عِنْدَ مَنْ يَحْضُنُهَا نَوْعَ اسْتِخْدَامٍ ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّعْلِيمُ ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ ، وَفِي الْكَافِي إذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ، وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَضَمَّتْهَا إلَيْهَا ، وَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا .
( بَابُ الْحَضَانَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ النَّسَبِ مِنْ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَحْضُنُ الْوَلَدَ الَّذِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ ثُمَّ شَرَعَ فِي فَصْلٍ بَيَّنَ فِيهِ الْغَيْبُوبَةَ بِالْوَلَدِ عَنْ الْمِصْرِ ثُمَّ شَرَعَ فِي فَصْلٍ آخَرَ ذَكَرَ فِيهِ نَفَقَةَ وَالِدَةِ هَذَا الْوَلَدِ ، وَذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ وُجُوبَ سُكْنَاهَا فِي دَارٍ مُفْرَدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ أَنْوَاعَ مَنْ تَجِبُ لِأَجْلِهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى بِأَنْ تَكُونَ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلٍ آخَرَ نَفَقَةَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا وَفَرْعُهَا فَأَخَّرَ ذِكْرَ نَفَقَتِهِ عَنْ نَفَقَتِهَا ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ الْكَلَامُ فِي النَّفَقَةِ انْجَرَّ إلَى ذِكْرِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، وَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ ثُمَّ انْجَرَّ إلَى ذِكْرِ نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ ، وَذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ خَتَمَ بِهِ النَّفَقَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أُمُّهُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي غَيْرِ مَا إذَا وَقَعَتْ بِرِدَّتِهَا لَحِقَتْ أَوَّلًا لِأَنَّهَا تُحْبَسُ ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ بِأَنْ كَانَتْ فَاسِقَةً أَوْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً أَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا ، وَأَبَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرَبِّيَ إلَّا بِأَجْرٍ ، وَقَالَتْ الْعَمَّةُ أَنَا أُرَبِّي بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّ الْعَمَّةَ أَوْلَى هُوَ الصَّحِيحُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ فَاجِرَةً ) أَيْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ تُكَافِئُ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ) وَحِجْرُ
الْإِنْسَانِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، وَالْحِوَاءُ بِالْكَسْرِ بَيْتٌ مِنْ الْوَبَرِ ، وَالْجَمْعُ الْأَحْوِيَةُ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ فَارَقَ امْرَأَتَهُ ) وَهِيَ أُمُّ عَاصِمٍ ، وَاسْمُهَا جَمِيلَةُ فَخَاصَمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ لِيَنْتَزِعَ عَاصِمًا مِنْهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَرِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الشَّهْدِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّهْدُ الْعَسَلُ فِي شَمْعِهَا ، وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الشَّيْنِ لِتَمِيمٍ ، وَجَمْعُهُ شِهَادٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ ، وَضَمُّهَا لِأَهْلِ الْعَالِيَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا حَاضِرِينَ يَعْنِي حِينَ قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ لَا تُجْبَرُ ) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا طَلَبَتْ الْأُمُّ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ تُجْبَرُ ، وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْهِنْدُوَانِي مِنْ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْوَلَدِ قَالَ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْبَرُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا بِالْإِرْضَاعِ ، وَتُجْبَرُ الَّتِي هِيَ مِمَّنْ تُرْضِعُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أُجْبِرَتْ بِلَا خِلَافٍ ، وَيُجْبَرُ الْوَالِدُ عَلَى أَخْذِهِ بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأُمِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَصِيَانَتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتَرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا فَكَانَتْ الْآيَةُ لِلنَّدْبِ أَوْ مَحْمُولَةً عَلَى حَالَةِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ ، وَلِأَنَّهَا عَسَى أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ لَكِنْ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ لَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا
عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أُمِّهِ مَا كَانَ إلَيْهَا مُحْتَاجًا هَذَا لَفْظُهُ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهَيْنِ هُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَسَتَرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْإِرْضَاعِ بَلْ فِي الْحَضَانَةِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْأُمُّ وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ ) بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحَضَّانَةِ أَوْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ تَزَوَّجَتْ ) يَعْنِي بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْحَضَانَةِ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ إخْوَةٌ فَأَفْضَلُهُمْ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا لِأَنَّ الْأَكْبَرَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ ، وَهُوَ أَكْثَرُ شَفَقَةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ ا هـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ ، وَمِنْ خَطِّهِ نُقِلَتْ ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ بِمَعْزِلٍ عَنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ قَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ امْرَأَةٌ إلَخْ ) وَإِذَا وَجَبَ الِانْتِزَاعُ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَصْلِهِ يُدْفَعُ إلَى الْعَصَبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ، وَكَذَا مَنْ سَفَلَ مِنْهُمْ ثُمَّ الْعَمُّ
لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ) أَيْ فِي الْفَرَائِضِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ) فَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ أُنْثَى تُدْفَعُ إلَيْهَا الْأُنْثَى أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْغُلَامِ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ يُدْفَعُ لِمَنْ ذُكِرَ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ ، وَيُدْفَعُ الذَّكَرُ إلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، وَلَا تُدْفَعُ الْأُنْثَى ، فَالصَّغِيرُ يُدْفَعُ إلَى كُلٍّ مَحْرَمٍ وَغَيْرِ مَحْرَمٍ ، وَالصَّغِيرَةُ لَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى مَحْرَمٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ ) قَالَ فِي الْكَافِي ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النِّكَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَخٍ مِنْ أُمٍّ إلَخْ ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ هُنَا غَيْرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْفَرَائِضِ فَإِنَّ ذَا الرَّحِمِ فِي الْفَرَائِضِ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ فَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَهْمٍ ، وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ قَرِيبٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونَ ، وَهُوَ غَيْرُ عَصَبَةٍ فَإِنَّ كُلًّا مِمَّنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ وَالْخَالِ قَرِيبٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَحْضُونَ ، وَهُوَ غَيْرُ عَصَبَةٍ لَهُ ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا ذَا الرَّحِمِ هُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ بِدَلَالَةِ التَّمْثِيلِ ، وَلِأَنَّا لَوْ أَجْرَيْنَا قَوْلَهُ يُدْفَعُ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مِنْ النِّسَاءِ وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَتَنَاقَضَ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا ، وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ ، وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ نَكِرَةٌ
فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فَلَا يَكُونُ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ حَقٌّ فِي حَالَةٍ مَا مِنْ الْحَالَاتِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ يُفِيدُ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ بِنْتَ الْعَمَّةِ لَهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مَنُوطَةٌ بِالرَّحِمِيَّةِ فَقَطْ ، وَحَقُّ الْحَضَانَةِ مَنُوطٌ بِالرَّحِمِيَّةِ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ( قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمْ ) أَيْ كَابْنِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ ) لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ بَدَنِهِ حَتَّى لَوْ اهْتَدَى لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ بَدَنِهِ قَبْلَ هَذِهِ يُعْتَبَرُ حَالُهُ ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ ا هـ وَجِيزٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ إلَخْ ) بِأَنْ يُطَهِّرَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ الطَّهَارَةِ ) وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ ا هـ أَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ وَهِيَ قَالَتْ ابْنُ سِتٍّ ) لَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ ا هـ خان ( قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا ) يَعْنِي إنْ اخْتَلَفَا فِي تَزْوِيجِهَا فَقَالَ الزَّوْجُ لِلْأُمِّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَأَنْكَرَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِلَّا فَلَا ) لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدٍ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ بِحُكْمِ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَلْزَمُهَا ، وَإِنْ عَيَّنَتْ الزَّوْجَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُقِرَّ بِذَلِكَ الرَّجُلُ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ
فَالْقَوْلُ لَهَا ، وَإِنْ عَيَّنَتْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ الزَّوْجُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ لِلْأَبِ وِلَايَةُ أَخْذِ الْجَارِيَةِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا ، وَهِيَ لَا تُشْتَهَى حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يَعْتِقَا ) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا فَتَكُونُ الْحَضَانَةُ لِمَوْلَاهُ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي الرِّقِّ ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ إذَا كَانَا فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا ، وَأَوْلَادُهُمَا أَحْرَارٌ أَوَانَ ثُبُوتِ الْحَقِّ ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا ، وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا ) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبْتَنِي عَلَى الشَّفَقَةِ ، وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ ، وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَدَّةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لَهُ ، وَلَا فِي دَفْعِهِ إلَيْهَا نَظَرٌ لَهُ .( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ ) عِنْدَنَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ ، وَتُسَلَّمُ الْجَارِيَةُ إلَى الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِهِ ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ زَوْجُهَا أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا أَبُوك ، وَهَذِهِ أُمُّك فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ هُوَ نَصٌّ فِي الْغُلَامِ ، وَلَا تُقَاسُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَالتَّزْوِيجِ دُونَ الْغُلَامِ ، وَلَنَا أَنَّهُ صَغِيرٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَلَا عَارِفٍ بِمَصْلَحَتِهِ فَلَا يُعْتَمَدُ اخْتِيَارُهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الرَّاحَةُ وَالتَّخْلِيَةُ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ فِيهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْفِرَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي صُحْبَتِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهَا إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا فِي صُحْبَتِهِ لَمَا قَالَتْ ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا قَالَتْ ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةُ ، وَاَلَّذِي يَسْقِي مِنْ الْبِئْرِ هُوَ الْبَالِغُ ظَاهِرًا أَوْ هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي السَّبْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ عُمُرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ وُفِّقَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ فَلَا
يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِالِاسْتِهَامِ ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا فَكَذَا التَّخْيِيرُ ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ إيمَانَهُ ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ لِرَبِّهِ ، وَهُوَ نَفْعٌ لَهُ ثُمَّ يَعْتَبِرُونَ اخْتِيَارَهُ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ ، وَهُوَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ، وَهَذَا خُلْفٌ ، ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى ، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ اعْتِبَارًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا لَا يَبْقَى لِلْأَبِ يَدٌ فِي مَالِهِ فَكَذَا فِي نَفْسِهِ ، وَإِذَا بَلَغَ مُبَذِّرًا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إمَّا لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ أَوْ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِفَسَادِ ابْنِهِ ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ ، وَلَمْ تَعْرِفْ حِيَلَهُمْ فَيُخَافُ عَلَيْهَا الْخِدَاعُ مِنْهُمْ ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتَنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا اخْتَبَرَتْ الرِّجَالَ ، وَعَرَفَتْ كَيْدَهُمْ فَأُمِنَ عَلَيْهَا مِنْ الْخِدَاعِ ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَخُوفًا عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُفْسِدًا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ إذَا طَعَنَتْ فِي السِّنِّ فَإِنْ كَانَ لَهَا عَقْلٌ وَرَأْيٌ ، وَيُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ فَلَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ
وَالْجَدِّ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلِلْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهَا فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا ، وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ امْرَأَةٍ أَمِينَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ لِأَنَّهُ جُعِلَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا إلَى وَطَنِهَا ، وَقَدْ نَكَحَهَا ثَمَّ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُقَامَ فِيهِ شَرْعًا ، وَعُرْفًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } ، وَلِهَذَا تَصِيرُ الْحَرْبِيَّةُ بِهِ ذِمِّيَّةً ، وَالْمُسَافِرُ مُقِيمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِيمًا ، وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِ النَّقْلِ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ وَطَنًا لَهَا ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ فِي بَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَطَنٍ لَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهِ ، وَلَا إلَى وَطَنِهَا لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهَا النَّقْلَ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَتَى وَقَعَ فِي مَكَان يُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ كَمَا يُوجِبُ الْبَيْعُ التَّسْلِيمَ فِي مَكَانِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَقُّ إمْسَاكِ الْأَوْلَادِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ لَيْسَ الْتِزَامًا لِلْمُقَامِ فِيهَا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ لَهَا النَّقْلُ إلَى وَطَنِهَا إذَا لَمْ يَقَعْ التَّزَوُّجُ فِيهِ ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْأَمْرَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ جَازَ لَهَا
النَّقْلُ إلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مَوْضِعَ الْوِلَادَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى كَانَ لَهَا النَّقْلُ إلَى مَوْضِعٍ وَلَدَتْهُ فِيهِ لَا إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ وَطَنًا لَهَا وَوُجِدَ التَّزَوُّجُ فِيهِ رَوَاهَا عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَفَاوُتٌ ، وَإِنْ تَقَارَبَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ فِي يَوْمٍ ، وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ التَّزَوُّجِ وَلَا الْوَطَنُ إلَّا إلَى قَرْيَةٍ مِنْ مِصْرٍ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرَ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ لِكَوْنِهِ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَطَنَهَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأُمِّ خَاصَّةً ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ حَتَّى الْجَدَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَوْلُهُ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ مَا بَعْدَهَا كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ ا هـ ، وَفِي شَرْحِ الْكَافِي بِئْرُ أَبِي عُتْبَةَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَفِي الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ بِلَفْظِ الْحَبَّةِ مِنْ الْعِنَبِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا ا هـ مُغْرِبٌ ، وَقَوْلُهُ وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ إلَخْ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عِنْدَهَا لَمَّا سَارَ إلَى بَدْرٍ ا هـ ابْنُ الْأَثِيرِ ( قَوْلُهُ أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي ) الْمُحَاقَقَةُ الْمُنَازَعَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ زَالَ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهُ ، وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِيهِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ يُسْأَلُ عَنْ حَالِهَا فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ أَمَّا الْبِكْرُ فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا سَرِيعَةُ الِانْخِدَاعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الِابْنُ إذَا بَلَغَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا يُخْشَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ ، وَلَهُ أَنْ يَضُمَّهُ مَعَهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى صِيَانَتِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَضُمَّهَا مَعَ نَفْسِهِ إنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِزَوَالِ وِلَايَتِهَا عَنْهُ ، وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ بِنْتًا غَيْرَ مَأْمُونَةٍ ، وَلِلْأَبِ ذَلِكَ ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا
إلَى حَجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً ا هـ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقُّ الْحَجْرِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهَا فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حَجْرِهِمَا أَيْضًا لَكِنْ يَتَرَافَعُونَ إلَى الْقَاضِي لِيُسْكِنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى النَّاسِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَرَافَعُوا رُبَّمَا تَرْتَكِبُ مَا يَلْحَقُهُمْ الضَّرَرُ بِذَلِكَ مِنْ الْعَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ا هـ وَقَوْلُهُ وَالْأَخُ وَالْعَمُّ لَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ إلَخْ ) وَلَيْسَ لِأُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا أَنْ تُخْرِجَ الْوَلَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ أَبُوهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِخْرَاجِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ
( بَابُ النَّفَقَةِ ) وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ مَاتَتْ ، وَنَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ وَالزَّادُ تَنْفُقُ نُفُوقًا أَيْ نَفِدَتْ ، وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ أَيْ افْتَقَرَ وَذَهَبَ مَالُهُ ، وَأَنْفَقَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَنَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ رَاجَتْ ، وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ نَفَقَتْ سُوقُهُمْ فَكَانَ لِلْهَلَاكِ وَالرَّوَاجِ ، وَفِيهَا هَلَاكُ وَرَوَاجُ الْحَالِ فِي الْمَصَالِحِ ، وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ فَنَبْدَأُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا أَنْسَبُ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا ) وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } وقَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ، وَعَنْ جَابِرٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك } الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَاجِبَتَانِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى
زَوْجِهَا ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْمُقَاتِلَةُ وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَالْوَصِيُّ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ ، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا يَعْنِي يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فِي النَّفَقَةِ حَتَّى إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرَاتِ ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرَاتِ ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا ، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ ، وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ لَا غَيْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } وَقَالَ تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا } وَمَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ بَيَانُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعَسِّرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ { خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَمَا تَلَاهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ حَالِ الرَّجُلِ فَاعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ فَقِيرًا وَهِيَ مُوسِرَةً يُسَلِّمُ لَهَا قَدْرَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ فِي الْحَالِ ، وَالزَّائِدُ يَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا
لَمْ يُؤْتَ ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْكِسْوَةِ إذْ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } الْمُرَادُ بِهِ الْكِسْوَةُ ، وَحَدِيثُ هِنْدَ عَامٌّ فِيهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَا فِيهَا فَعَمِلْنَا بِهِمَا بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَالْمُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا لِإِظْهَارِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقَوْلُهُ ( وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ ) أَيْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا ، وَإِنْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهَا الْمَهْرَ الْمُقَدَّمَ ، وَهُوَ الَّذِي تُعُورِفَ تَقْدِيمُهُ فِي كُلِّ بِلَادٍ وَزَمَانٍ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ لِتَقْصِيرٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفَقَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ عِنْدَنَا لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حَقِيقَةُ الِاحْتِبَاسِ بِأَنْ يَنْقُلَهَا إلَى بَيْتِهِ بَلْ الِاحْتِبَاسُ الْمُقَدَّرُ كَافٍ لِوُجُوبِهَا ، وَذَلِكَ يُوجَدُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الِامْتِنَاعُ ظُلْمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا نَاشِزَةً ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ ، وَهِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَانِعَتَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ حَيْثُ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِهِ لِقِيَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا وَكَذَا الْعَادَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كَرْهًا ، وَلَوْ كَانَا يَسْكُنَانِ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ
عَلَيْهَا لَا نَفَقَةَ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَأَلَتْهُ النَّقْلَةَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ فَاتَ لِمَعْنًى مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ ، وَلَوْ عَادَتْ النَّاشِزَةُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
( بَابُ النَّفَقَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ النَّفَقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النُّفُوقِ ، وَهُوَ الْهَلَاكُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا هَلَكَتْ أَوْ مِنْ النَّفَاقِ الرَّوَاجُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نَفَاقًا رَاجَتْ ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ كُلَّ مَا فَاؤُهُ نُونٌ وَعَيْنُهُ فَاءٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ مِثْلُ نَفَقَ وَنَفَرَ وَنَفَخَ وَنَفِسَ وَنَفَى وَنَفَذَ ، وَفِي الشَّرْعِ الْإِدْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا بِهِ بَقَاؤُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَبَدَأَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَنَبْدَأُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَبَدَأَ بِالزَّوْجَاتِ إذْ هِيَ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ النَّفَقَةِ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا ثُمَّ بِالنَّسَبِ الْأَبْعَدِ ا هـ ( قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } ) وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْوَالِدَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُنَّ قِيلَ هُنَّ الزَّوْجَاتُ ، وَقِيلَ هُنَّ الْمُطَلَّقَاتُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ { وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجُهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ } ) قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَقِيلَ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ ا هـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الْحَجِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ الرَّهْنُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حَبْسِهِ لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ مُشْتَرَكَةٌ ، وَخَرَجَ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي فَلَا يَرْجِعُ ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَزُوِّجَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ كَانَ
النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ وَطْئِهَا وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْكُلِّ ، وَحَلَّ وَطْؤُهَا ، وَتَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُقَاتِلَةُ ) أَيْ إذَا قَامُوا بِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ شَرْطًا لَازِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ انْتِقَالَهَا فَإِنْ طَلَبَهُ فَامْتَنَعَتْ لِحَقٍّ لَهَا كَمَهْرِهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُشُوزِهَا ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْأَقْطَعِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَرْحِهِ إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ مَنْظُورٌ فِيهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ حَيْثُ تَرَكَ النُّقْلَةَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا ا هـ ( قَوْلُهُ عَمَلًا بِهِمَا ) أَيْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا
فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ ، وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا أَنَّهُ قَادِرٌ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى زِيِّهِ إلَّا فِي الْعَلَوِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَسَأَلَتْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ يَسَارِهِ فِي السِّرِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي ، وَإِنْ فَعَلَهُ فَأَتَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا عَلِمَا ذَلِكَ ، وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِمَا ، فَإِنْ أَقَامَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ مُوسِرٌ فَأَقَامَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهَا وَفَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهُوَ الْوَاجِبُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْوَسَطُ هُوَ الْوَاجِبُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ تَفْسِيرِ قَوْلِ الْخَصَّافِ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ فِي أَوَاسِطِ الْحَالِ ، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فَوْقَ الْإِعْسَارِ ، وَدُونَ نَفَقَةِ الْيَسَارِ ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ ، وَأَمَّا فِي يَسَارِهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ نَفَقَةٌ هِيَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ ، وَأَمَّا فِي إعْسَارِهِمَا فَتَجِبُ نَفَقَةٌ وَسَطٌ فِي الْإِعْسَارِ ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ إعْسَارَهُمَا غَايَةٌ فِي الْإِعْسَارِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْغَايَةُ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِهِ أَوْ حَالِهِمَا لَا يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ فَيَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي مُتَوَسِّطَةِ الْحَالِ أَنَّ كِفَايَتَهَا دُونَ كِفَايَةِ الْفَائِقَةِ
فَيَجِبُ ذَلِكَ بِيَسَارِهِ ، وَعِنْدَ غَايَةِ إعْسَارِهَا وَإِعْسَارِهِ الْمَعْرُوفُ دُونَ التَّوَسُّطِ فِيهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا فَرَضَ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَبِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، وَكَمَا يَفْرِضُ لَهَا قَدْرَ الْكِفَايَةِ مِنْ الطَّعَامِ كَذَلِكَ مِنْ الْإِدَامِ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَأْدُومًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا نَاشِزَةً ) قِيلَ لِشُرَيْحٍ هَلْ لِلنَّاشِزَةِ نَفَقَةٌ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ كَمْ فَقَالَ جِرَابٌ مِنْ تُرَابٍ مَعْنَاهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَغْصُوبِ فَامْتَنَعَتْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ إلَّا إذَا امْتَنَعَتْ لِيُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً ا هـ وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ لَوْ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ ، وَهِيَ بِنَسَفَ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَيْهِ فَأَبَتْ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهَا النَّفَقَةُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَغِيرَةٌ لَا تُوطَأُ ) يَعْنِي لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكَ الْيَمِينِ ، وَكَوْنُهَا مُسْتَمْتَعًا بِهَا لَا تَأْثِيرَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْعَجُوزِ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا ، وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ احْتِبَاسُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي لَهُ وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا تَصْلُحُ لِلدَّوَاعِي أَيْضًا فَكَانَ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى فِيهَا فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْت لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِنَّ حَاصِلٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي بِأَنْ يُجَامِعَهُنَّ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ مِنْ حَيْثُ حِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمُؤَانَسَةُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِيهِ لِأَجْلِ الْمِلْكِ لَا لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْإِبَاقِ ، وَهَذِهِ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ فَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَاعْتُبِرَ مَنْفَعَةُ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَقِيلَ إنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ مُشْتَهَاةً وَيُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ فَقِيلَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى
الْجِمَاعِ فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِلْعَجْزِ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ إذَا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْبُضْعِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ ، وَلَا ثَالِثَ فَمَنْ ادَّعَى فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ وَقَعَ الْمَهْرُ عِوَضًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عِوَضًا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْعِ عِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ ، وَلَا يَجُوزُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ وَقَعَ تَصَرُّفًا فِيمَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ شِرَاءُ جُزْءٍ غَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ كَمَا فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ تَكُنْ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ لَمْ تَسْقُطْ إذَا تَعَذَّرَ الِاسْتِمْتَاعُ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَرِيضَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ كَمَا قُلْتُمْ لَمْ يُحْبَسْ الزَّوْجُ لِأَجْلِهَا قُلْت الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ لِانْتِقَاضِهَا بِنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ ، وَمَعَ هَذَا يُحْبَسُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَرِضَتْ مَرَضًا لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ كَبِرَتْ ، وَلَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ أَوْ بِهَا رَتْقٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ قَرْنٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ أَصَابَهَا بَلَاءٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِ الْبُلُوغِ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ بَلَغَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ
الْخَمْسِ لَا ، وَفِي السَّبْعِ وَالسِّتِّ وَالثَّمَانِ إذَا كَانَتْ عَبْلَةً فَقَدْ بَلَغَتْ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْجِمَاعِ هَكَذَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى انْتَهَى صُغْرَى فِي بَابِ النَّفَقَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهِ قَائِمٌ ، وَمَعَهُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجْبُوبُ صَغِيرَةً لَا تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لَا يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ ، وَلَا يَخْفَى إمْكَانُ عَكْسِ هَذَا الْكَلَامِ فَيُقَالُ يُجْعَلُ الْمَنْعُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْمَعْدُومِ فَتَحْتَاجُ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتَسْلِيمِهَا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ بِذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَيَدُورُ وُجُوبُهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَلَا تَجِبُ فِي الصَّغِيرَيْنِ ، وَتَجِبُ فِي الْكَبِيرَةِ تَحْتَ الصَّغِيرِ انْتَهَى
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَحْبُوسَةٌ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٌ وَحَاجَّةٌ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ ) أَيْ لَا تَجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ أَمَّا الْمَحْبُوسَةُ فَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فِي الْحَبْسِ فَلَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَوْ حُبِسَتْ بَعْدَ النُّقْلَةِ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ يُعَارِضُ الزَّوَالَ ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَمْ تَقْضِ حَتَّى حُبِسَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي حَبَسَتْ نَفْسَهَا يُرْوَى هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ، وَإِذَا هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ جِهَتِهَا ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَلِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَحْبُوسَةِ ، وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا حَجَّتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَمْ تُفِتْ مِنْ جِهَتِهَا بِاخْتِيَارِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاحْتِبَاسَ إذَا فَاتَ لَا
مِنْ جِهَتِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ عِنْدَهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ فَتَكُونُ مُضْطَرَّةً ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَكُونُ مُضْطَرَّةً لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ عِنْدَهُ دُونَ السَّفَرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَعَهَا فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ إجْمَاعًا ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ لَحِقَتْهَا بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَالْمُدَاوَاةِ فِي مَرَضِهَا ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ قَبْلَ النُّقْلَةِ إلَى مَنْزِلَةِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَمَرِيضَةٌ لَمْ تُزَفَّ فَلِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ، وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَلَوْ مَرِضَتْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَجِبُ لَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ دَوَاعِيهِ ، وَالِاسْتِئْنَاسُ بِهَا ، وَحِفْظُ الْبَيْتِ وَالْمَانِعُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ ، وَلَيْسَ مِنْ الْأُلْفَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَيَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا إذَا مَرِضَتْ ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ، وَإِلَّا فَلَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا تَطَاوَلَ بِهَا الْمَرَضُ .
( قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأَجْرِ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ حُبِسَ بِحَقٍّ ) أَيْ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ ظُلْمٍ ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ أَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ الْإِسْلَامَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا بِحَقٍّ لَا تُسْقِطُ النَّفَقَةَ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ ) بِأَنْ يَعْتَبِرَ مَا كَانَ قِيمَةَ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ فَتَجِبُ دُونَ نَفَقَةِ السَّفَرِ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِقَامَةِ ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، وَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ قَالُوا لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا حَسَنٌ ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هَذَا حَسَنٌ ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا صَحِيحَةً ثُمَّ طَرَأَ الْمَرَضُ لَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَلُّقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسَنُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ
الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا ، وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِبَاسِ بِاسْتِيفَاءِ مَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الِاسْتِئْنَاسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالدَّوَاعِي ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ انْتَهَى
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِخَادِمِهَا لَوْ مُوسِرًا ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ مُتَفَرِّغٌ لِخِدْمَتِهَا لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ خَادِمٍ ، وَيُهَيِّئُ أَمْرَ بَيْتِهَا حَتَّى تَتَفَرَّغَ لِحَوَائِجِهِ فَكَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا ، وَالْجَامِعُ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَةُ خَادِمِهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخَادِمِ قِيلَ هِيَ جَارِيَةٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِلْخَادِمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَالْغَازِي إذَا كَانَ رَاجِلًا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ ، وَلَوْ جَاءَ بِخَادِمٍ يَخْدُمُهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ يَخْدُمُهَا ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ الْخَادِمَ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً ، وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَصَالِحِ دَاخِلِ الْبَيْتِ ، وَالْآخَرُ لِمَصَالِحِ خَارِجَهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْغَازِي إذَا كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى ، وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْكِفَايَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ ،
وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ ، وَهُوَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ كَانَ يَكْفِي ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَكَذَا إذَا قَامَ الْوَاحِدُ مَقَامَ نَفْسِهِ ، وَيَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ لَمْ تَكْتَفِ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْمُعْسِرَةَ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَادِمِ لِزِيَادَةِ التَّنَعُّمِ فَتُعْتَبَرُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِخَادِمٍ ) الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا ) وَالْيَسَارُ يُقَدَّرُ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَوْسُومُ بِالْكَافِي ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ أَوْ خَدَمٌ فَرَضَ الْحَاكِمُ لِخَادِمٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ النَّافِعِ بِلَفْظِ عَنْ فَقَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ ، وَلَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ ، وَفِي التُّحْفَةِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا ، وَبِهِ صَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخَدَمِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ، وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ أَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ لِمِثْلِهَا ، وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّصِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ ، وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ فَقَالَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي ، جَارِيَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بَقِيَّةَ نَفَقَتِهِنَّ الْمَاضِيَةِ ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَصَارَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا بَقَاءَ لَهُ بِدُونِ النَّفَقَةِ ، وَيَبْقَى بِدُونِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَبِبَيْعِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْإِبَاءِ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْجِمَاعِ ، وَكَذَا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ، وَمَنْفَعَةُ النَّفَقَةِ تَخْتَصُّ بِهَا فَكَانَ فَوْقَهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ مُعْسِرٍ وقَوْله تَعَالَى { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِنْفَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلِأَنَّ فِي التَّفْرِيقِ إبْطَالَ الْمِلْكِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَفِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ تَأْخِيرَ حَقِّهَا ، وَهُوَ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ فَكَانَ أَوْلَى ، وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حِكَايَةُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ أَطْعِمْنِي أَوْ فَارِقْنِي ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يُلْزِمُ الْحُجَّةَ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ عَبْدَ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ ، وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَكِرَةٌ ، وَقَالَ أَيْضًا هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِكِتَابِ عُمَرَ أَيْضًا لِأَنَّ مَذْهَبَهُ إسْقَاطُ طَلَبِهَا مِنْ الْمُعْسِرِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ ، وَقَالَ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَكِتَابُهُ أَيْضًا كَانَ إلَى الْقَادِرِينَ عَلَى النَّفَقَةِ ، وَلِهَذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يُوَفُّوا بِالْبَقِيَّةِ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهَا عَلَى الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِأَنَّهُمَا يَفُوتُ بِهِمَا الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ ، وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالْمَالُ تَابِعٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَصْلٌ ، وَلِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بَلْ تَتَأَخَّرُ ، وَتَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُمْكِنُ تَدَارُكُهَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَكُونُ مُعَارِضَةً لِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ الْمِلْكِ وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَتَعَارَضَ الْحَقَّانِ فَتَرَجَّحَ حَقُّهَا لِأَنَّهُ أَصْدَقُ مِنْ حَقِّهِ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنِّكَاحِ ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ نَفَقَةِ الْأَمَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ عَلَى سَيِّدِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَيْعُ ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الرَّقَبَةِ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الثَّمَنُ ، وَسُقُوطَ حَقِّ الْعَبْدِ فِي النَّفَقَةِ لَا إلَى بَدَلٍ فَكَانَ الْبَيْعُ أَهْوَنَ لِأَنَّهُ كَلَا فَائِتٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يُعْتِقَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ لَمْ
يَفُتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَلَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ إلَّا عَلَى الِالْتِزَامِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالنَّصِّ ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمُجْتَمَعَةُ عَنْ الْمَاضِي ، وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَنْ يُمْكِنَهَا إحَالَةُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ فَيُطَالِبَهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَيْثُ تُطَالِبُ هِيَ ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَلَا تُحِيلُ عَلَيْهِ الْغَرِيمَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِدَانَةِ هُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا ، وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ ، وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا ، وَهِيَ مُعْسِرَةً تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ ، وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ لِإِعْسَارِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ بِطُرُوِّ الْيَسَارِ أَيْ