كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصَفَ الْعِرْقَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ ، وَهُوَ الظُّلْمُ ، وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَامَ نَهَارَهُ ، وَقَامَ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً ، وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً ، وَلَا وُجِدَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذُهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيَضْمَنَ قِيمَةَ الْآخَرِ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلُ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ ، وَكَبِرَ فِيهَا ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُنْتَقَصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا ، وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ
اُسْتُحِقَّ قَلْعُهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ ، وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا قَالُوا ، وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قُوِّمَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْغَرْسُ حَطَبًا وَالْبِنَاءُ آجُرًّا أَوْ لَبِنًا أَوْ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ .( قَوْلُهُ : وَقَامَ لَيْلَهُ ) وَصَفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالْأَمْرُ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَصْبُوغَ وَالْمَلْتُوتَ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الثَّوْبِ : يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْغَسْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَلِّمُهُ لِصَاحِبِهِ ، وَإِنْ انْتَقَصَ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ فَلَمْ يَكُنْ لِفِعْلِهِ عِبْرَةٌ وَالتَّمْيِيزُ مُمْكِنٌ فَصَارَ نَظِيرُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ بِخِلَافِ السَّمْنِ فِي السَّوِيقِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ ، وَلَنَا أَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ مَالِهِ فَيَجِبُ صِيَانَةُ حَقِّهِمَا مَا أَمْكَنَ ، وَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوْلَى بِالتَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْآخَرُ صَاحِبُ وَصْفٍ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِالْأَصْلِ ، وَكَذَا السَّوِيقُ أَصْلٌ وَالسَّمْنُ تَبَعٌ أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ سَوِيقٌ مَلْتُوتٌ فَيُخَيَّرُ صَاحِبُهُ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ مُمْكِنٌ فِيهِ بِالنَّقْضِ ، وَلَهُ وُجُودٌ بَعْدَ النَّقْضِ فَأَمْكَنَ إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ وَالصَّبْغُ يَتَلَاشَى بِالْغَسْلِ فَلَا يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَإِلْقَاءِ الرِّيحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ الْخِيَارُ بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِدَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ إلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ حَتَّى يَضْمَنَ الثَّوْبَ بَلْ يَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الثَّوْبِ الصَّبْغَ بِقِيمَتِهِ وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ : إنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَ الثَّوْبَ فَيَضْرِبُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ مَالِهِ ، وَهَذَا طَرِيقٌ حَسَنٌ أَيْضًا لِإِمْكَانِ وُصُولِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ إلَى صَاحِبِهِ وَيَتَأَتَّى هَذَا فِيمَا إذَا انْصَبَغَ الثَّوْبُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ فِي اللَّتِّ كَالْجَوَابِ فِي الصَّبْغِ غَيْرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِيهِ مِثْلَ السَّوِيقِ ، وَفِي الصَّبْغِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ وَالسَّمْنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الصَّبْغِ وَالثَّوْبِ ، وَفِي الْكَافِي قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَضْمَنُ قِيمَةَ سَوِيقِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا كَالْخُبْزِ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ ، وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِهِ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ لُبْسِ السَّوَادِ ، وَفِي زَمَانِهِمَا بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فَأَجَابَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذِكْرِ هَذَا الِاخْتِلَافِ ، وَلَا لِلَوْنِ الصَّبْغِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الثِّيَابِ مَا يَزْدَادُ بِالسَّوَادِ وَمِنْهَا مَا يُنْتَقَصُ ، وَكَذَا مِنْ الثِّيَابِ مَا يَزْدَادُ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ ، وَمِنْهَا مَا يُنْتَقَصُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِلَوْنٍ دُونَ لَوْنٍ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ حَقِيقَةً ، وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الصَّبْغُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا فَتَرَاجَعَتْ بِالصَّبْغِ إلَى عِشْرِينَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ يَزِيدُ فِيهِ ذَلِكَ الصَّبْغُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ ثَوْبِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةُ صَبْغِهِ خَمْسَةٌ فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصٌ
وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُطَالَبَ هُوَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ ، وَهُوَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالصَّبْغِ شَيْئًا ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ إلَّا تَلَفُ مَالِهِ ، وَكَيْفَ يَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ بَعْضُ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِالْإِتْلَافِ وَالْإِتْلَافُ مُقَرِّرٌ لِوُجُوبِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ ، وَكَيْف صَارَ مُسْقِطًا لَهُ هُنَا .( قَوْلُهُ : إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ ) قَالَ فِي الْكَنْزِ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ ، وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ ، وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ ، وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ ا هـ وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَفْيَدَ ا هـ قَوْلُهُ : فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَيْ الْمُضَارِبُ ا هـ وَقَوْلُهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ أَيْ كَالْغَاصِبِ ا هـ .
( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَرْغُوبٌ فِيهِ ، وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ سَبَبًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْغِيبُ النَّاسِ فِيهِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ لَهُمْ ، وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ مِثْلِهِ إلَى الشَّارِعِ فَوَجَبَ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّرْغِيبُ فِي تَحْصِيلِ الْحَرَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَبِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ } وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ فَكَانَ بَاطِلًا وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ ، وَلَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ كَالْقَتْلِ فَكَيْفَ يُسْتَفَادُ الْمِلْكَ بِالْجِنَايَةِ الْمَحْضَةِ ، وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ رَقَبَةً وَيَدًا فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُبْدَلِ إذَا كَانَ يَقْبَلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغَاصِبِ وَتَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ أَوْ ضَرُورَةً حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ وَاسْمُهُ يُنْبِئُك عَنْهُ فَإِنَّ الْبَدَلَ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَائِتِ لَا لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِمِ فَإِذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهِ عَلَى الْكَمَالِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ فِي الْمُبْدَلِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ ، وَكَذَا لَفْظُ الْجُبْرَانِ يُنْبِئُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ الْفَائِتِ كَالْبَدَلِ ، وَلَا يُقَالُ هَذَا بَدَلٌ عَمَّا فَاتَ ، وَهُوَ الْيَدُ لَا الْمِلْكُ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هُوَ الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ إذْ مِلْكُهُ قَائِمٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا قُلْتُمْ لَوْ كَسَرَ قَلْبَ غَيْرِهِ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِقِيمَتِهِ ، وَأَخَذَ
الْقَلْبَ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَبَطَلَ لِكَوْنِهِ صَرْفًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْيَدِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ فِي مِلْكِهِ لَكَانَ إجْحَافًا بِالْغَاصِبِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْبَدَلِ ، وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِمُقَابَلَةِ عَيْنٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ إمْكَانِ تَحْقِيقِ الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا خَلَفٌ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْبَدَلِ وَالْجُبْرَانِ فَكَانَ ثُبُوتُ الْمُبَادَلَةِ ضَرُورِيًّا ، وَمَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْبُطْلَانِ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّقَابُضِ ثَبَتَ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ مَقْصُودًا فَلَا يَتَعَدَّاهُ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَنَقُولُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْمُدَبَّرُ وَظَهَرَ لَهُ كَسْبٌ كَانَ لِلْغَاصِبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُدَبَّرُ يُعَادُ إلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ أَوْ نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيُجْعَلُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْ الْيَدِ الَّتِي فَاتَتْ بِفِعْلِهِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا ، وَلَا يُقَالُ الْمُدَبَّرُ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ نَفَذَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَنْفَسِخُ التَّدْبِيرُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ قِنًّا بَعْدَ انْفِسَاخِهِ وَالْجَوَابُ عَمَّا تَلَا أَنَّ رِضَاهُ قَدْ وُجِدَ بِطَلَبِ الْقِيمَةِ مِنْهُ وَنَحْنُ لَا نَجْعَلُ الْغَصْبَ الْقَبِيحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بَلْ الْغَصْبُ مُوجِبٌ لِرَدِّ الْعَيْنِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلِرَدِّ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ ، وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّبَبِ
ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلَدُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْكَسْبِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ إذْ الْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ حَيْثُ يَمْلِكُ بِهِ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ فَيَسْتَنِدُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُنْكِرٌ وَالْمَالِكُ مُدَّعٍ ، وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ : قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ ، وَقَدْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ثُمَّ قَالَ ، وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ ، وَقَدْ ضَمَّنَهُ بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبَيِّنَتِهِ أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ ، وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَتَمَّ مِلْكُهُ بِرِضَاهُ حَيْثُ سَلَّمَ لَهُ مَا أَعَادَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ ضَمَّنَهُ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ فَالْمَالِكُ يُمْضِي الضَّمَانَ أَوْ يَأْخُذُ الْمَغْصُوبَ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ ) لِعَدَمِ تَمَامِ رِضَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الضَّمَانِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ دُونَ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ لَا لِلرِّضَا بِهِ ، وَلَوْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ ، وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمَّنَهُ أَوْ أَقَلُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَهِيَ مَا إذَا
ضَمَّنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ مَالِيَّةُ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِفَوَاتِ الرِّضَا ، وَقَدْ فَاتَ هُنَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يَدَّعِيهِ ، وَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ مَالَهُ إلَّا بِثَمَنٍ يَخْتَارُهُ وَيَرْضَى بِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْعَيْنِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِهِ بَلْ بِمَا فَاتَ مِنْ الْيَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ ) أَيْ إذَا غُصِبَ وَغَيَّبَهُ الْغَاصِبُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَوَجَبَ ) أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا إذْ هَذَا الْمُلْحَقُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتَأَمَّلْ ا هـ قَوْلُهُ : أَوْ نَقُولُ الْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ ) أَيْ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْغَاصِبُ بِالضَّمَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَيَرُدُّ الْعِوَضَ ) أَيْ ، وَلَوْ كَانَ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ بِدَانَقٍ ا هـ عِمَادِيَّةٌ فِي آخِرِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ بَيْعُهُ ، وَإِنْ حَرَّرَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ لَا ) أَيْ لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ ، وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ نَاقِصٌ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ تَبَعٌ مِنْ وَجْهٍ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ أَصْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَالْكَسْبُ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ ، وَهِيَ تَبَعٌ مَحْضٌ ، وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ مِنْ الْمَأْذُونِ دُونَ عِتْقِهِ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَكَذَا بِضَمَانِ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ تَامٍّ بِنَفْسِهِ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ بِنُفُوذِ السَّبَبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَامٌّ أَنَّ الْإِشْهَادَ يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا لَاشْتُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَارَفَ الْغَاصِبَانِ وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا ، وَأَجَازَا لِمَا كَانَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ الصَّرْفُ ، وَكَذَا الْمَبِيعُ يُمْلَكُ عِنْد الْإِجَازَةَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً أَوْ كَانَتْ بِالسِّعْرِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً مِثْلَهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الشَّرْعِيَّةَ تَسْرِي مِنْ الْأَصْلِ إلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْقِنَّةَ وَالْحُرَّةَ يَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ أَمَةٍ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ ، وَكَذَا وَلَدُ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ يَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ أُمِّهِ ؛ وَلِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْر بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ بِحَسَبِ تَحَقُّقِهِ فِي الْأَصْلِ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْأَصْلِ وَصَارَ كَوَلَدِ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ ، وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ الْمَالِكِ حَتَّى يُزِيلَهَا عَنْهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَفْوِيتُ الْيَدِ فَلَا يَصِيرُ غَصْبًا فَلَا يُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ عِنْدَ طَلَبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ تَعَدٍّ ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ وَلَدُ الظَّبْيَةِ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الْمَنْعِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى الْحَرَمِ حَقُّ الشَّرْعِ ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا أَخْرَجَهَا فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الرَّدِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ إلَى الْحَرَمِ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْمَنْعِ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافٍ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ فِي الْحَرَمِ آمِنًا بِبُعْدِهِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ ، وَقَدْ
فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِإِثْبَاتِهِ الْيَدَ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ صَيْدًا وَاحِدًا مِنْ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمْ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْغَصْبِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْإِعَانَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ لِإِزَالَةِ الْأَمْنِ فَلَأَنْ يَجِبَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ فَوْقَهَا جِنَايَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى .قَوْلُهُ : أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً ) كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ مُنْفَصِلَةً ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَالْعُقْرِ وَاللَّبَنِ وَالْكَسْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَصِيرُ غَصْبًا ) أَيْ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ حَدُّ الْغَصْبِ فِي الزِّيَادَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا صُنْعَ لِلْغَاصِبِ فِي إحْدَاثِ الْوَلَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ فَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الصُّنْعُ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ وَاجِبَ الرَّدِّ إلَى مَالِكِ الْأَصْلِ حَتَّى إذَا فَوَّتَ الرَّدَّ بِالتَّعَدِّي كَالْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ يَكُونُ ضَامِنًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا ) ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ مَضْمُونٌ وَيُجْبَرُ بِوَلَدِهَا ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ وَلَدًا وَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ كَانَ النُّقْصَانُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَيَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءٌ بِهِ يَسْقُطُ بِحِسَابِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَكَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ فَصَارَ كَوَلَدِ الظَّبْيَةِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَرَمِ ، وَكَمَا لَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ هَلَكَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ ، وَكَمَا لَوْ جَزَّ صُوفَ شَاةِ غَيْرِهِ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ شَجَرِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ مَكَانَهُ غَيْرُهُ أَوْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ بِهِ أَوْ عَلَّمَهُ فَأَضْنَاهُ التَّعْلِيمُ وَازْدَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجُزْءَ الْفَائِتَ ، وَلَا يُجْبَرُ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ مُتَّحِدًا ، وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ ؛ لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ مَالِيَّةِ الْأُمِّ وَحُدُوثِ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا صَارَ مَالًا بِالِانْفِصَالِ ، وَقَبْلَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بَيْعًا ، وَهِبَةً وَنَحْوَهُ فَإِذَا صَارَ مَالًا بِهِ انْعَدَمَ ظُهُورُ النُّقْصَانِ بِهِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِالْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ لَا يَضْمَنُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْلَفُوا بِالشَّهَادَةِ قَدْرَ مَا أَتْلَفُوا بِهَا فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كَذَا هَذَا ، وَكَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ مَعَ أَرْشِ الْيَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ نُقْصَانُهُ بِالْأَرْشِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ
الْوَاحِدَ لَمَّا أَثَّرَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يَرُدَّ مَا غَصَبَ ، وَمَالِيَّتَهُ كَمَا غَصَبَهُ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَمَرِضَتْ عِنْدَهُ ، وَهَزَلَتْ ثُمَّ تَعَافَتْ وَسَمِنَتْ حَتَّى عَادَتْ مِثْلَ مَا كَانَتْ فَرَدَّهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ مُطْلَقُ الْفَوَاتِ يُوجِبُ الضَّمَانَ لَضَمِنَ ، وَكَذَا إذَا سَقَطَ سِنُّهَا أَوْ قَلَعَهُ الْغَاصِبُ فَنَبَتَ مَكَانَهُ أُخْرَى فَرَدَّهَا سَقَطَ ضَمَانُهَا عَنْهُ ، وَقَوْلُهُمَا : كَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِجَبْرٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِبَارٌ لِمِلْكِهِ مُنْفَصِلًا بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّحِدًا كَمَا إذَا غَصَبَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَقَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمَا ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ بِالْقَطْعِ وَوَلَدُ الظَّبْيَةِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ نُقْصَانَهَا يُجْبَرُ بِوَلَدِهَا عِنْدَنَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْأُمُّ مَمْنُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ ، وَفِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَتِهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَتَخْرِيجُهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمَوْتِ الْأُمِّ إذْ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَوْتُهَا بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ مِنْ الْعَوَارِضِ ، وَهِيَ تَرَادُفُ الْآلَامِ وَكِبَرُ الْوَلَدِ وَضِيقُ الْمَخْرَجِ فَلَمْ يَتَّحِدْ سَبَبُ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَالِكِ مَالِيَّةُ الْمَغْصُوبِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِبَرَاءَةِ الْغَاصِبِ وَالْخِصَاءُ
لَيْسَ بِزِيَادَةٍ ؛ لِأَنَّهُ غَرَضُ بَعْضِ الْفَسَقَةِ وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ الْعَبْدَ الْخَصِيَّ ، وَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَصِيًّا ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ خَصِيٍّ ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ بَعْدَمَا خَصَاهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا زَادَ الْخِصَاءُ ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُعْتَبَرَةً لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ كَمَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ هَكَذَا ذَكَرُوهُ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّهِ ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا خَصَاهُ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا فَاتَ بِالْخِصَاءِ مَعَ رَدِّ الْمَخْصِيِّ بَلْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ وَتَرَكَ الْمَخْصِيَّ لِلْغَاصِبِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّتِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ فَكَانَ الْأَقْرَبُ هُنَا أَنْ يُمْنَعَ فَلَا يَلْزَمُنَا ، وَلَا اتِّحَادَ فِي السَّبَبِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ الْقَطْعُ وَالْجَزُّ ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ النُّمُوُّ ، وَسَبَبَ النُّقْصَانِ التَّعْلِيمُ ، وَسَبَبَ الزِّيَادَةِ الْفِطْنَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَفَهْمُهُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهِيَ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ عِنْدَنَا أَمَانَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً ، وَعِنْدَهُ مَضْمُونَةٌ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ مَضْمُونًا عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْجَبِرَ بِهِ نُقْصَانُ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِضَمَانِ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ ضَمَانَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَتَأَدَّى بِهِ ضَمَانَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ فِي وَلَدِ الظَّبْيَةِ إذَا أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْتَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَابِرًا نُقْصَانَ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ ضَمَانَ غَيْرِهِ فَأَمَّا زُفَرُ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مُنْجَبِرًا بِالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ جَابِرًا لِمِلْكِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ زَنَى بِمَغْصُوبَةٍ فَرُدَّتْ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ، وَلَا تُضْمَنُ الْحُرَّةُ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا تُضْمَنُ الْأَمَةُ أَيْضًا إلَّا نُقْصَانَ الْحَبَلِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ مَعَ الْحَبَلِ ، وَلَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ بِالْحَبَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ ثُمَّ هَلَاكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ ، وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ إلَّا النُّقْصَانَ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا ، وَمَاتَتْ مِنْ تِلْكَ الْحُمَّى أَوْ زَنَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا وَجُلِدَتْ بَعْدَ الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِ ، وَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانَ عَيْبِ الزِّنَا ، وَكَذَا الْمَبِيعَةُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ، وَهِيَ حُبْلَى ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَبَلِ ، وَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ اتِّفَاقًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا ، وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ فَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقُتِلَتْ بِهَا أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ حَتَّى نَقُولَ يَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ وَيَفْسُدُ بِهِ الرَّدُّ ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا أَصْلًا فَافْتَرَقَا ، وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ بَلْ ابْتِدَاءُ التَّسْلِيمِ كَمَا ، وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ إنْ كَانَ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ السَّلِيمِ ، وَإِنْ كَانَ مَعِيبًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَعِيبِ وَبِمَوْتِهَا بِالْوِلَادَةِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ ، وَفِي الْغَصْبِ السَّلَامَةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّدِّ فَمَا لَمْ يَرُدَّ مِثْلُ مَا أَخَذَهَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَافْتَرَقَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ
فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ كَالِاسْتِحْقَاقِ ، وَفِي فَصْلِ الْحُمَّى الْمَوْتُ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى ، وَأَنَّهَا تَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قَدْرِ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ .قَوْلُهُ : لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ ) أَيْ ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْحَبَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَسَائِلِ ، أَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ مَنَعَهَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا فَقَالَ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَلَّمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا ، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ ، وَمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ فَقَالَ فِي الْغَصْبِ الْوَاجِبُ نَسْخُ فِعْلِهِ بِالرَّدِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُخِذَ ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حَيْثُ هَلَكَتْ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا ، وَفِي الشِّرَاءِ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ لَا الرَّدُّ ، وَالتَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى التَّلَفِ أَمْ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّدِّ ، وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ، وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَبِمَوْتِهَا فِي النِّفَاسِ لَا يَنْعَدِمُ التَّسْلِيمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ السَّلِيمِ ) يُنَافِي قَوْلَهُمْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ السَّلَامَةُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا بِصُنْعِهِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ بِالْإِتْلَافِ ) أَيْ لَا تُضْمَنُ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُرَّةِ فِي قَوْلِهِ ، وَلَا تُضْمَنُ الْحُرَّةُ أَمَّا مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ فَالْمَذْكُورُ مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَضْمُونَةٌ بِالْعُقُودِ كَالْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِحِنَا ، وَالْمَنَافِعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصْلُحُ صَدَاقًا ، وَلَمْ يُشْرَعْ ابْتِغَاءُ النِّكَاحِ إلَّا بِالْمَالِ بِالنَّصِّ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا صَحَّتْ صَدَاقًا وَلِهَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا مَالٌ لَمَا مَلَكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ بِغَيْرِ الْمَالِ ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْيَانَ إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَمَالًا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَالٍ فَإِذَا لَمْ تَصِرْ الْأَعْيَانُ مَالًا إلَّا بِاعْتِبَارِهَا فَكَيْفَ تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ فِيهَا ، وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ بِنَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِزَّةِ ، وَهِيَ عَزِيزَةٌ بِنَفْسِهَا عِنْدَ النَّاسِ وَلِهَذَا يُبَدِّلُونَ الْأَعْيَانَ لِأَجْلِهَا بَلْ تُقَوَّمُ الْأَعْيَانُ بِاعْتِبَارِهَا فَيَسْتَحِيلُ أَنْ لَا تَكُونَ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَكَمَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَحُرِّيَّتِهِ وَرَدِّ الْجَارِيَةِ مَعَ عُقْرِهَا عَلَى الْمَالِكِ ، وَلَمْ يَحْكُمَا بِوُجُوبِ أَجْرِ مَنَافِعِ الْجَارِيَةِ وَالْأَوْلَادِ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَطْلُبُ جَمِيعَ حَقِّهِ ، وَأَنَّ الْمَغْرُورَ كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا مَعَ أَوْلَادِهَا ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَهُ لَمَا سَكَتَا عَنْ بَيَانِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ حَدَثَتْ بِفِعْلِهِ ، وَكَسْبِهِ ، وَالْكَسْبُ لِلْمَكَاسِبِ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ النَّاسِ
أَحَقُّ بِكَسْبِهِ } فَلَا يَضْمَنُ مِلْكَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَسْتَحِيلُ غَصْبُهَا ، وَكَذَا إتْلَافُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَمَّا أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهَا الْإِتْلَافُ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ حَالَ وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ أَمَّا قَبْلَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ ، وَأَمَّا حَالَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّ الْإِتْلَافَ إذَا طَرَأَ عَلَى الْوُجُودِ رَفَعَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ مَنَعَهُ وَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلِأَنَّهَا تَنْعَدِمُ كَمَا وُجِدَتْ فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْلَافُ الْمَعْدُومِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمْوَالًا مَضْمُونَةً لَضُمِنَتْ بِالْمَنَافِعِ لِكَوْنِهَا مَثَلًا لَهَا ، وَهُوَ أَعْدَلُ فَإِذَا لَمْ تُضْمَنْ بِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تُضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ لَيْسَتْ بِمِثْلٍ لِلْأَعْيَانِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَبْقَى لَا يَكُونُ مِثْلًا لِمَا يَبْقَى ، وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مَشْرُوطٌ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَالْإِجَارَةُ أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِكَوْنِهَا بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ يَجُوزُ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَبَطَلَتْ الْمُقَايَسَةُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْفَعَةِ مِثْلٌ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِبَدَلِهَا فَيُؤَخَّرُ إلَى دَارِ الْجَزَاءِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لَهُ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لِلْعَجْزِ لَا لِعَدَمِ الْحَقِّ ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ لَكْمَةٍ لَا أَرْشَ لَهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ إيذَاءٍ حَصَلَ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ : مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَا يُسَلَّمُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إحْرَازِ الشَّيْءِ وَادِّخَارِهِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ فِي نَوَائِبِ الدَّهْرِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَنَافِعِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَالُ فُلَانٌ
مُتَمَوِّلٌ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ مَوْجُودٌ مُحَرَّزٌ مُدَّخَرٌ ، وَلَا يُقَالُ فُلَانٌ مُتَمَوِّلٌ ، وَلَا مَالَ لَهُ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَبِكُلِّ مَا يَسْتَعْمِلُهُ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْمَنَافِعُ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ حَتَّى جَازَ لَهُ إعَارَةُ جَمِيعِ مَالِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَالًا لَمَا جَازَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَجَوَازُهَا مَهْرًا بِاتِّفَاقِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَالًا بِالتَّرَاضِي وَلِهَذَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْعَبْدِ التَّاجِرِ ، وَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَالْمُضَارِبِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ ، وَقَوْلُهُ الْمَالُ مَخْلُوقٌ لِمَصَالِحِنَا إلَخْ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ بِصِفَةِ الْإِحْرَازِ سُمِّيَ مَالًا وَالْمَنَافِعُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ بَقَائِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَأَمَّا خَمْرُ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرُهُ فَلِعَدَمِ تَقَوُّمِهِمَا فِي حَقِّهِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَضَمِنَ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ ) أَيْ ضَمِنَ مُتْلِفُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَا لِذِمِّيٍّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَضْمَنُهُمَا لِذِمِّيٍّ أَيْضًا ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ لَهُ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِي حَقِّهِمْ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَنَا فِي الْأَحْكَامِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { فَإِذَا قَبِلُوا عَقْدًا لِذِمَّةٍ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ } ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا أَنَّ حَقَّهُمْ يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيَثْبُتُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ إذْ الْخَلَفُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيَسْقُطُ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّهِمْ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا كَمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ، وَلَنَا أَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ ، وَمَا يَدِينُونَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَ عَمَّا
لَهُ مَاذَا تَصْنَعُونَ بِمَا يَمُرُّ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْخُمُورِ فَقَالُوا نُعَشِّرُهَا فَقَالَ لَا تَفْعَلُوا وَوَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا فَلَوْلَا أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ وَبَيْعُهَا جَائِزٌ لَهُمْ لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاجْتِنَابِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوهُ } يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ فَانْتَسَخَ فِي حَقِّهِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ عَلَى مَا يُعْتَقَدُ ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ وَالْمُحَاجَّةَ مَوْضُوعَانِ عَنْهُمْ فَتَعَذَّرَ الْإِلْزَامُ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْتَقِدُ تَمَوُّلَهُمَا وَبِخِلَافِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى عَنْ عُقُودِهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدُّ يَكُونُ لِلذِّمِّيِّ فَإِنَّا نَقْتُلُهُ ؛ لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَبِخِلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا إذَا كَانَ لِمَنْ يُبِيحُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُحَاجَّةِ وَالسَّيْفِ ثَابِتَةٌ فَيُمْكِنُ إلْزَامُهُ فَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى مُتْلِفِهِ الضَّمَانُ ، وَلَا عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ الثَّمَنُ ، وَلَا يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ الْمُسْلِمُ إذَا أَتْلَفَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ إيَّاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِهَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا اسْتَهْلَكَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا فَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ بِمِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ ؛
لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَكَانَ بِإِسْلَامِهِ مُبْرِئًا لَهُ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَا ؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمَا إسْلَامَ الطَّالِبِ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ كَالْإِسْلَامِ الْمُقَارِنِ لِلسَّبَبِ ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَا الطَّارِئُ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قَبْضَ الْخَمْرِ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي الذِّمَّةِ قَدْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ قِيمَتِهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِبَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ أَوْجَبَ عَيْنَ الْخَمْرِ دُونَ الْقِيمَةِ ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ وَاجِبَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الْخَمْرِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْبَدَلِيَّةِ تَمْلِيكَ مَا فِي الذِّمَّةِ ، وَالذِّمِّيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَلِانْعِدَامِ الشَّرْطِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَسَرَ قَلْبَ غَيْرِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَكْسُورُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَاسِرَ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ تَمْلِيكُ الْمَكْسُورِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ قَدْ فَاتَ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ الْمُقَارِنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ ، وَهُوَ الْغَصْبُ وَالِاسْتِهْلَاكُ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا فِي غَصْبِ الْمُدَبَّرِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَمَنَافِعُ الْغَصْبِ ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ : الْمَنَافِعُ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ سَوَاءٌ صَرَفَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ عَطَّلَهَا عَلَى الْمَالِكِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ : رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا فَأَمْسَكَهُ شَهْرًا حَتَّى صَارَ غَاصِبًا لِلْمَنَافِعِ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ حَتَّى صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا عِنْدَنَا لَا تُضْمَنُ هَذِهِ الْمَنَافِعُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُضْمَنُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ أَجْرٌ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرْكَبْهَا ، وَلَا سَكَنَهَا ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا أَيَّامًا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ مَشَايِخُنَا : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ فَإِنْ كَانَ مُعَدًّا يَضْمَنُ الْمَنَافِعَ بِالْغَصْبِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى مَنَافِعُ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَضْمُونَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْفِ ، وَفِي الْمُجْتَبَى ، وَأَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْتَغَلَّاتِ وَالْأَوْقَافِ ، وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُوجِبُونَ أَجْرَ مَنَافِعِهَا عَلَى الْغَصَبَةِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا حَكَمَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ ) أَيْ الَّذِي وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ نِكَاحٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَضُمِنَتْ بِالْمَنَافِعِ ) أَيْ ، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا يُمْكِنُ أَنْ تُضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ ) أَيْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِالنَّصِّ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَ لَوْ كَانَا لِذِمِّيٍّ ) قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : نَصْرَانِيٌّ غَصَبَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا فَهَلَكَتْ
عِنْدَهُ يَضْمَنُ مِثْلَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ يَصِحُّ وَيَجِبُ مِثْلُهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ خِنْزِيرًا عَلَى ذِمِّيٍّ ذِمِّيٌّ مِثْلُهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خِنْزِيرًا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا ، وَلَا يَضْمَنُ مِثْلَهَا ، وَلَوْ أَتْلَفَ مُسْلِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ خِنْزِيرًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ : فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا تَقَوُّمٌ عِنْدَهُ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ إذَا أَتْلَفَهُ الْمُسْلِمُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَالْخَمْرِ فَيَضْمَنُهُ كَمَا يَضْمَنُ الْخَمْرَ إلَّا أَنَّ فِي الْخَمْرِ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِيمَةَ الْحَيَوَانِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيَوَانِ حَتَّى إذَا جَاءَ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ الْإِتْلَافِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا إذَا جَاءَ بِالْحَيَوَانِ فَيَكُونُ أَدَاءُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ كَتَسْلِيمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ الْخِنْزِيرِ فَلَا يَمْلِكُ تَسْلِيمَ قِيمَتِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ جُمْلَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ، وَقِيمَةُ مَالِهِ
مِثْلٌ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى عَيْنِهِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ كَتَمْلِيكِ الْخَمْرِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي إتْلَافِ الْمُسْلِمِ الْخِنْزِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا عَلَى ذِمِّيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قُبَيْلَ بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ ، وَإِنْ كَانَا دَيْنَيْنِ فَالْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي الْخَمْرِ تَجِبُ الْقِيمَةُ ، وَفِي الْخِنْزِيرِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَضْمَنُهُمَا لِذِمِّيٍّ أَيْضًا ) احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } أَيْ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِحُرْمَتِهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ ) وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ ، وَمَخْنُوقَتَهُ ، وَمَوْقُوذَتَهُ مَالٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَلِفِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ التَّقْرِيبِ : وَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ كَافِرٍ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ لَنَا أَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ أُقِرُّوا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالْخَمْرِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ مَيْتَةٌ
فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } ) وَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي عُهُودِهِمْ ، وَمَنْ أَرْبَى فَلَا عَهْدَ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فِيمَنْ أَتْلَفَ صَلِيبًا عَلَى نَصْرَانِيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا ؛ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ فَصَارَ كَالْخَمْرِ الَّتِي هُمْ الْمُقَرُّونَ عَلَيْهَا ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّ الذِّمِّيَّ يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُمْنَعُ مِنْهُ الْمُسْلِمُ إلَّا شُرْبَ الْخَمْرِ ، وَأَكْلَ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّا اسْتَثْنَيْنَاهُ بِالْأَمَانِ وَلَوْ غَنُّوا وَضَرَبُوا بِالْعِيدَانِ مَنَعْنَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا نَمْنَعُ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ ، كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُمَا وَرَدُّ مَا زَادَ الدِّبَاغُ ) أَيْ يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ يَأْخُذُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ إذَا خَلَّلَهَا بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ ، وَمِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ ، وَبِالثَّانِي إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْعَفْصِ وَالْقَرَظِ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْلِيلَ تَطْهِيرٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَتَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ بِفِعْلِهِ وَبِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطَى مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ ، وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَقِّ الْحَبْسِ فِي الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ بِالْجُعْلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ فَقَطْ ) أَيْ إنْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ضَمِنَ الْخَلَّ ، وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى : يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجِلْدِ أَيْضًا مَدْبُوغًا وَيُعْطَى مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ ، وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ لَهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَلِّ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّ الْغَاصِبَ فِيهِ يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ ، وَهَذَا ؛
لِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَإِذَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَلَفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّفْوِيتُ ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ جِنَايَةٌ فَيَضْمَنُهُ بِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ وَكَذَا لَوْ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْهَلَاكَ يُفَارِقُ الِاسْتِهْلَاكَ ، وَقَوْلُهُمَا يُعْطَى مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِأَنْ قُضِيَ لِأَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَلِلْآخَرِ بِالدَّنَانِيرِ ، وَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيُحَطُّ عَنْ الْغَاصِبِ قَدْرُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ ثُمَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَالِيَّتَهُ وَتَقَوُّمَهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَاصِبُ ، وَفِعْلُهُ مُتَقَوِّمٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِصَنْعَةِ الْغَاصِبِ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ ثُمَّ الْأَصْلُ ، وَهُوَ الصَّنْعَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ فَكَذَا التَّبَعُ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِخِلَافِ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حَالَ قِيَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ لِلصَّنْعَةِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِ لَمْ تَبْقَ حَقًّا لِلْغَاصِبِ بَعْدَ الِاتِّصَالِ بِالْجِلْدِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُهُ ، وَلَا الرُّجُوعُ بِبَدَلِهَا وَبِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّبْغِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعَارِ
وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ لَهُ بِهِ حَقٌّ بِالْكُلِّيَّةِ فَضْلًا أَنْ تَكُونَ الْمَالِيَّةُ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ وَغَيْرُ الْمَضْمُونِ إنَّمَا يُضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَةِ الْجَانِي بِعِوَضٍ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَبِيعِ ، وَهُنَا مَالِيَّةُ الْمَغْصُوبِ وَتَقَوُّمُهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ بِعِوَضٍ يَجِبُ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الْمَالِيَّةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ وَالدَّبْغِ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ ، وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ فِيمَا إذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ مُتَقَوِّمٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ لِلثَّوْبِ قِيمَةً ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَيُضَمِّنَهُ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ صَارَ عَاجِزًا عَنْ الرَّدِّ بِتَرْكِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ ، وَفِيهِ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ عِنْدَهُمَا ثُمَّ قِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ ، وَقِيلَ قِيمَةَ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَلَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ مَجَّانًا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا ، وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ صِفَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْجِلْدِ
وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَ دَفْعِ الْجِلْدِ إلَيْهِ فَإِذَا صَارَ الْجِلْدُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَكَذَا تَبِعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَبَغَهُ بِشَيْءٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَلَوْ جَعَلَ الْغَاصِبُ الْجِلْدَ فَرْوًا أَوْ جِرَابًا أَوْ زِقًّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَالْمَعْنَى بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَبِهِ يَمْلِكُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ كَانَ الْجِلْدُ ذَكِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ ، وَإِنْ كَانَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَلَا خِلَافٍ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مَعْنًى وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ بِمَالِهِ اسْتَهْلَكَهُ ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَصَارَ كَالْجِلْدِ إذَا اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ بِاِتِّخَاذِهِ الْفَرْوَ أَوْ بِغَيْرِهِ ، وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِك ، وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ وَصَبْغِ الثَّوْبِ ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ هَكَذَا ذَكَرُوهُ كَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمِلْحَ مَائِعًا ؛ لِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَكُونُ اخْتِلَاطُ الْمَائِعِ بِالْمَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ عِنْدَهُمَا ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَهُ عَلَيْهِ وَتَضْمِينَهُ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَوْ
خَلَّلَهَا بِصَبِّ الْخَلِّ فِيهَا قِيلَ تَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ وَاسْتِهْلَاكُ الْخَمْرِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ ، وَإِنْ صَارَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ الْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا كَيْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْ الْخَمْرَ فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ خَلَطَ الْخَلَّ بِالْخَلِّ وَالْخَلْطُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَهْلِكُ بِجِنْسِهِ ، وَقِيلَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ فِيهَا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ حِينٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ إذَا كَانَ يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ وُجُوبُ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَتَبَقَّى أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِيخَانْ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ .
قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْهَلَاكِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ بِفِعْلِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ جِنَايَةٌ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهُمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَضْمَنُ الْخَلَّ ، وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْخَلِّ فَالْمُرَادُ مِنْهَا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وُجُوهِ التَّخْلِيلِ ، وَهُوَ مَا إذَا خَلَّلَهَا مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَالَتْ مَالًا عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ مَالٍ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْغَصْبُ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَاذَا يَضْمَنُ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعٍ لَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَنَصَّ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى وُجُوبِ الْمِثْلِ فَقَالَ فِي رَجُلٍ غَصَبَ مُسْلِمًا خَمْرًا فَجَعَلَهَا خَلًّا فَاسْتَهْلَكَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ خَلٌّ مِثْلُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَعَارَ وَاجِبُ الرَّدِّ فَإِذَا فَوَّتَ الْمُسْتَعِيرُ الرَّدَّ بِاسْتِهْلَاكِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ، وَإِنْ فَاتَ فَلَا فَكَذَا هُنَا الْجِلْدُ وَاجِبُ الرَّدِّ فَإِذَا فَوَّتَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ، وَإِذَا هَلَكَ فَلَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَالِيَّتَهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا فَلَا فَائِدَةَ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيُعْطِيهِ خَمْسَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ :
لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا ) أَيْ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الصَّنْعَةِ ا هـ قَوْلُهُ : لِأَنَّ لِلثَّوْبِ قِيمَةً ) أَيْ حَتَّى لَوْ غَصَبَهُ جِلْدًا ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ كَانَ لِصَاحِبِ الْجِلْدِ أَنْ يُضَمِّنَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ لِلثَّوْبِ قِيمَةً مَا نَصُّهُ أَيْ قَبْلَ الصَّبْغِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ ، وَهَذَا إذَا أَخَذَ الْمَيْتَةَ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَأَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُ الْمَيْتَةِ الْمَيْتَةَ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ رَجُلٌ جِلْدَهَا فَدَبَغَهُ فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْجِلْدِ لِأَنَّ إلْقَاءَهَا إبَاحَةٌ لِأَخْذِهَا فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ كَإِلْقَاءِ النَّوَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ ) أَيْ بَعْدَ أَنْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَأَمَّا إذَا خَلَّلَهَا بِمِلْحٍ أَلْقَاهُ فِيهَا ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ وَيُعْطِيهِ الْغَاصِبُ مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دِبَاغِ الْجِلْدِ وَصَبْغِ الثَّوْبِ ، وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَهُ وَتَضْمِينَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، وَمَنْ وَافَقَهُ ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ جَعَلَ
الْجَوَابَ فِي الْمِلْحِ عَلَى التَّفْصِيلِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا قِيمَةَ لَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّخْلِيلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَالتَّشْمِيسِ ، وَإِنْ أَلْقَى فِيهَا مِلْحًا كَثِيرًا يَأْخُذُهَا الْمَالِكُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَيُعْطِي الْغَاصِبُ مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ وَصَبْغِ الثَّوْبِ كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ ) أَيْ اسْتَهْلَكَ الْخَمْرَ الَّذِي جَعَلَهُ خَلًّا بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ إلَخْ ) قَائِلُهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنْ كَسَرَ مِعْزَفًا أَوْ أَرَاقَ سَكَرًا أَوْ مُنَصَّفًا ضَمِنَ وَصَحَّ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُهَا ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ ؛ وَلِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { بُعِثْت بِكَسْرِ الْمَزَامِيرِ ، وَقَتْلِ الْخَنَازِيرِ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُنْكِرْ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } وَالْكَسْرُ هُوَ الْإِنْكَارُ بِالْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أُولِي الْأَمْرِ كَالْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ فَبِأَمْرِ الشَّرْعِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَلَا تَبْطُلُ قِيمَتُهُ لِأَجْلِ اللَّهْوِ كَاسْتِهْلَاكِ الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَقَدْ وُجِدَ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ إلَى أُولِي الْأَمْرِ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إلَّا بِاللِّسَانِ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ الْإِتْلَافِ بِالْمَنْعِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ اللَّهْوِ كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ وَتَجِبُ قِيمَةُ السَّكَرِ وَالْمُنَصَّفِ لَا الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِ ، وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ بِخِلَافِ الصَّلِيبِ حَيْثُ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ ، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ اللَّذَيْنِ يُضْرَبَانِ لِلَّهْوِ ، وَأَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ فِي الْعُرْسِ أَوْ
الْغَزْوِ فَيَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَوْ شَقَّ زِقًّا فِيهِ خَمْرٌ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِإِمْكَانِ الْإِرَاقَةِ بِدُونِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ الْإِرَاقَةُ إلَّا بِهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الدِّنَانَ لَا تُضْمَنُ بِالْكَسْرِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ ، وَفِي النِّهَايَةِ ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ الْعَدْوَى وَالْأَعْدَاءِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُهْدَمُ الْبَيْتُ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ ، وَأَنْوَاعَ الْفَسَادِ حَتَّى قَالُوا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ ، وَقِيلَ يُرَاقُ الْعَصِيرُ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيَقْذِفَ بِالزَّبَدِ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَحْرَقَ الْبَيْتَ عَلَى الثَّقَفِيِّ حِينَ سَمِعَ شَرَابًا فِي بَيْتِهِ ، وَقَدْ هَجَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَائِحَةٍ فِي مَنْزِلِهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَقَطَ خِمَارُهَا فَقَالَ : إنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا وَتَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهِ لَا حُرْمَةَ لَهَا قِيلَ مَعْنَاهُ إنَّهَا لَمَّا اشْتَغَلَتْ بِمَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَقَدْ أَسْقَطَتْ بِمَا صَنَعَتْ حُرْمَتَهَا وَالْتَحَقَتْ بِالْإِمَاءِ ، وَرُوِيَ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا بَكْرٍ الْبَلْخِيّ خَرَجَ عَلَى بَعْضِ نَهْرٍ ، وَكَانَ النِّسَاءُ عَلَى شَطِّهِ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ وَالذِّرَاعِ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ إنَّمَا الشَّكُّ فِي إيمَانِهِنَّ كَأَنَّهُنَّ حَرْبِيَّاتٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ، وَلَا يَسَعُهُ تَرْكُهُ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُهَانُ بِذَلِكَ أَوْ يُضْرَبُ ، وَهُوَ لَا يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ تَقَعُ الْفِتَنُ
فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الضَّرْبِ وَالضَّرَرِ ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى غَيْرِهِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَهُوَ مُجَاهِدٌ بِذَلِكَ ، وَلَوْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ ، وَلَا يَخَافُ مِنْهُمْ ضَرْبًا ، وَلَا شَتْمًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ ، وَالْأَمْرُ أَفْضَلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ لَا أُمَّ الْوَلَدِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا يَضْمَنُ أُمَّ الْوَلَدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا كَالْمُدَبَّرَةِ ، وَعِنْدَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَوَجْهُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَا لَا يَضْمَنُهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ا هـ قَوْلُهُ : وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالثَّانِي لِلْعُلَمَاءِ وَالثَّالِثُ لِلْعَوَامِّ ا هـ اُنْظُرْ مَا يَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا إلَخْ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ خَشَبًا مَنْحُوتًا ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَشَبًا مُخَلَّعًا إنَّمَا الَّذِي يَحْرُمُ مِنْهُ التَّأْلِيفُ ، وَقَالَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ اُشْتُرِيَ لِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ فَيُنْظَرُ لَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِيَجْعَلَهُ وِعَاءً لِلْمِلْحِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بِكَمْ يَشْتَرِي فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ الْقُطْنُ فِيهِ ، وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةً يُجْعَلُ فِيهَا الثَّرِيدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الصَّلِيبِ ) أَيْ الَّذِي لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَتْلَفَهُ الْمُسْلِمُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الدُّفُّ وَالطَّبْلُ اللَّذَانِ يُضْرَبَانِ إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : وَلَوْ كَانَ طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ طَبْلُ الصَّيْدِ أَوْ دُفٌّ يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَةُ فِي الْبَيْتِ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ
اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِي طُنْبُورٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِمَا حَتَّى قَامَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت أَنَا لَقَضَيْت بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا كَسَرْتُهُ ، وَعَزَّرْتُهُمَا ، وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُمَا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَسَرَهُ وَالْآخَرُ يَطْلُبُ الضَّمَانَ جَزَيْتُ الَّذِي كَسَرَ أَجْرًا وَعَزَّرْتُ الْآخَرَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ بَعْضِ النَّاسِ شَيْئًا مِنْ الْمَعَازِفِ فَكَسَرَهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قَالَا إنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ إذَا كَانَ لِلَّهْوِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ الصَّيَّادِينَ يَنْبَغِي أَنْ يُضْمَنَ ، وَكَذَلِكَ الدُّفُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهْوِ يَنْبَغِي أَنْ يُضْمَنَ إذَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَحْرَقَ الرَّجُلُ بَابًا مَنْحُوتًا عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ مَنْقُوشَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَنْقُوشٍ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ قَبْلَ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَنْقُوشًا ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نَقْشَ التَّمَاثِيلِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَقَوَّمَ فِي الضَّمَانِ كَمَا لَا يَتَقَوَّمُ الْغِنَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ فَإِذَا قَطَعَ رُءُوسَ التَّمَاثِيلِ فَذَلِكَ نَقْشٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَيُقَوَّمُ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَقَالَ فِيمَنْ أَحْرَقَ بِسَاطًا فِيهِ تَصَاوِيرُ رِجَالٍ ضَمَّنْته مُصَوَّرًا لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ فِي الْبِسَاطِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِسَاطَ يُوطَأُ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً ضَمَّنْتهَا ، وَقَالَ فِيمَنْ هَدَمَ بَيْتًا مُصَوَّرًا بِالْأَصْبَاغِ تَمَاثِيلُ ضَمَّنْته قِيمَةَ الْبَيْتِ ، وَأَصْبَاغَهُ غَيْرَ مُصَوَّرٍ ؛ لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ فِي الْبَيْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ
أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ لِلْأُمَرَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ عَلَى الْكَاسِرِ بِإِذْنِهِمْ ا هـ غَايَةٌ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ) اُنْظُرْ الصَّفْحَةَ السَّابِقَةَ فِي الشَّرْحِ ا هـ
( كِتَابُ الشُّفْعَةِ ) وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ ، وَهُوَ الضَّمُّ ضِدُّ الْوِتْرِ ، وَمِنْهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُذْنِبِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الْفَائِزِينَ يُقَالُ شَفَعَ الرَّجُلُ شَفْعًا إذَا كَانَ فَرْدًا فَصَارَ لَهُ ثَانٍ ، وَالشَّفِيعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُضَمُّ الْمَأْخُوذُ إلَى مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ شُفْعَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( هِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ ، وَمَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ مَوْجُودٌ فِيهِ ، وَهُوَ الضَّمُّ وَزِيدَ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ مِنْ التَّمَلُّكِ لِلْبُقْعَةِ عَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمُشْتَرَى ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْهُ عَلَى الدَّوَامِ بِسَبَبِ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مِنْ حَيْثُ إعْلَاءُ الْجِدَارِ ، وَإِيقَادُ النَّارِ ، وَمَنْعُ ضَوْءِ النَّهَارِ ، وَإِثَارَةُ الْغُبَارِ ، وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ وَالصِّغَارِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يُضَادُّهُ كَمَا قِيلَ أَضْيَقُ السُّجُونِ مُعَاشَرَةً الْأَضْدَادُ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ عَقَارًا سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلْوًا احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا ، وَأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ مَالٌ بِمَالٍ وَرُكْنُهَا أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا وَشَرْطُهَا وَحُكْمُهَا جَوَازُ الطَّلَبِ عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَصِفَتُهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى يَثْبُتَ بِهَا مَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَتَجِبُ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ إنْ كَانَ خَاصًّا ثُمَّ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكُهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ
شَاءَ تَرَكَ ، وَإِنْ بَاعَهُ ، وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ } رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يَنْتَظِرُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ غَيْرِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدَّائِمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكُلُّ مَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالًا كَانَ أَخَصَّ بِالضَّرَرِ ، وَأَشَدَّ تَعَبًا مَعَهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِهَا لِقُوَّةِ الْمُوجِبِ لَهَا فَلَيْسَ لِلْأَضْعَفِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْوَى إلَّا إذَا تَرَكَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ إذَا أَشْهَدَ بِأَنَّهُ يَطْلُبُهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حَقُّهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ ، وَإِنْ تَرَكَ ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِهِ قُلْنَا تَحَقُّقُ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ لِقُوَّتِهِ فَإِذَا تَرَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ، وَهُوَ نَظِيرُ دَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا قُسِمَتْ الدَّارُ وَحُدِّدَتْ فَلَا شُفْعَةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ ؛ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْجَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاسِمُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عِنْدَهُ فِي الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ لُزُومِ الْمُؤْنَةِ ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِلْجَارِ بِقِسْمَةِ الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ مِنْهُ وَحَقُّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَقِّهِمْ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعَةٌ ، وَكَيْفَ يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُشْتَرِي بِأَخْذِ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِدَفْعِ حُكْمٍ مَشْرُوعٍ ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ دَفْعُ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ عَلَى الدَّوَامِ ، وَلَوْ كَانَ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ لَوَجَبَتْ فِي الْمَنْقُولِ ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ خَاصًّا أَيْ الشِّرْبُ أَوْ الطَّرِيقُ إنْ كَانَ خَاصًّا يَسْتَحِقُّ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَاصًّا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ ، وَإِنْ كَانَ نَافِذًا فَلَيْسَ بِخَاصٍّ ، وَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ دُونَ أَهْلِ الْعُلْيَا وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْعُلْيَا فَلِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ فِي الْعُلْيَا حَقًّا لِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ كُلِّهِمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا ، وَلَيْسَ فِي السُّفْلَى حَقٌّ لِأَهْلِ الْعُلْيَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا ، وَلَا لَهُمْ
فَتْحُ الْبَابِ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَالشِّرْبُ الْخَاصُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَلَيْسَ بِخَاصٍّ فَإِذَا بِيعَ أَرْضٌ مِنْ الْأَرَاضِي الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ النَّهْرِ الشُّفْعَةَ بِسَبَبِهِ ، وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِخِلَافِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ أَهْلُهُ لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ كَبِيرٌ ، وَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ صَغِيرٌ ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَا يُحْصَى ، وَمَا لَا يُحْصَى فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَ مَا لَا يُحْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِأَرْبَعِينَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ وَقِيلَ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ إنْ رَأَوْهُمْ كَثِيرًا كَانُوا كَثِيرًا ، وَإِنْ رَأَوْهُمْ قَلِيلًا كَانُوا قَلِيلًا ، وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ .
كِتَابُ الشُّفْعَةِ ) ذَكَرَ كِتَابَ الشُّفْعَةِ بَعْدَ كِتَابِ الْغَصْبِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَلُّكُ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الشُّفْعَةَ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَدِّمَ كِتَابَ الشُّفْعَةِ لِشَرْعِيَّتِهَا ، وَلَكِنْ قَدَّمَ الْغَصْبَ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْمُزَارَعَاتِ وَغَيْرِهَا لَا سِيَّمَا هَذَا الزَّمَانُ فَإِنَّهُ زَمَانُ الظُّلْمِ وَالْحَيْفِ وَالتَّعَدِّي ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ الظُّلْمُ فِي خُلُقِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ ذَا عِفَّةٍ فَلَعَلَّهُ لَا يَظْلِمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ هِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الشُّفْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ فِي الْعَقَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ إلَخْ ) ، وَقِيلَ سَبَبُهَا الْبَيْعُ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ ا هـ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَسَبَبُ الشُّفْعَةِ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الشَّرِكَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَالشَّرِكَةُ فِي الْحُقُوقِ وَالْجِوَارُ عَلَى سَبِيلِ الْمُلَاصَقَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْجِوَارِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الْخِلَافِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَالسَّبَبُ فِيهَا أَصْلُ الشَّرِكَةِ لَا قَدْرُهَا ، وَأَصْلُ الْجِوَارِ لَا قَدْرُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلدَّارِ شَرِيكٌ وَاحِدٌ أَوْ جَارٌ وَاحِدٌ أَخَذَ كُلَّ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ كَثُرَ شَرِيكُهُ وَجِوَارُهُ أَوْ قَلَّ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ وَالصِّغَارِ ) فَإِنْ قَلَّتْ فِي الْمَمْلُوكِ بِالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فَتُنْتَقَضُ عِلَّتُكُمْ قُلْنَا إنَّمَا لَا تَثْبُتُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ
الْأَسْبَابَ لَا يَكْثُرُ وُجُودُهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُ وَالثَّانِي لَوْ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا أَنْ تَثْبُتَ بِعِوَضٍ أَوْ لَا بِعِوَضٍ وَالثَّانِي لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي الشُّفْعَةِ وَالْأَوَّلُ لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ بِالتَّمَلُّكِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ أَوْ بِقِيمَتِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَمْلِكْ الدَّارَ بِثَمَنٍ فَكَيْفَ يَأْخُذُهَا بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْطَةَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَمَعَ هَذَا لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ بِالْخَلْطِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلُوًّا ) إذْ الشُّفْعَةُ لَا تَجِبُ فِي الْمَنْقُولَاتِ قَصْدًا بَلْ تَثْبُتُ تَبَعًا لِلْعَقَارِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ : وَأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ ) أَيْ ، وَمِنْ شَرْطِهَا طَلَبُ الشَّفِيعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ إلَخْ ) وَالسَّقَبُ الْقُرْبُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الشُّفْعَةُ وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ جَمِيعًا كَالصِّرَاطِ يُقَالُ دَارُ فُلَانٍ بِسَقَبِ دَارِ فُلَانٍ أَيْ بِقُرْبٍ مِنْهَا وَأَبْيَاتُ الْقَوْمِ مُتَسَاقِبَةٌ أَيْ مُتَقَارِبَةٌ وَسَقِبْت الدَّارَ ، وَأَسْقَبْت لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَالْمَنْزِلُ سَقَبٌ ، وَمُسْقَبٌ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ إلَخْ ) ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْجَارَ لَهُ شُفْعَةٌ كَذَا
ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يُعْقَلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعَانِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الشُّفْعَةُ تُسْتَحَقُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ بِالشَّرِكَةِ فِي حُقُوقِ ذَلِكَ أَوْ بِالْجِوَارِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ : دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ فِيهَا مَنَازِلُ لَهُمْ فِيهَا شَرِكَةٌ بَيْنَ بَعْضِهِمْ ، وَفِيهَا مَا هِيَ مُفْرَدَةٌ لِبَعْضِهِمْ وَسَاحَةُ الدَّارِ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَهُمْ يَتَطَرَّقُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ فِيهَا وَبَابُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَازِلُ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَبَاعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَنْزِلِ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِحُقُوقِهِ مِنْ الطُّرُقِ فِي السَّاحَةِ وَغَيْرِهَا فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي السَّاحَةِ ، وَمِنْ الشَّرِيكِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي فِيهِ بَابُ الدَّارِ فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ الشُّفْعَةَ فَالشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ فَالشَّرِيكُ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَا مَنْفَذَ لَهُ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ بَابُ الدَّارِ أَحَقُّ بَعْدَهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الزُّقَاقِ الَّذِينَ طَرِيقُهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ فِي الشُّفْعَةِ مَنْ كَانَ فِي أَدْنَاهُ ، وَأَقْصَاهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ سَلَّمَ الشُّرَكَاءُ فِي الزُّقَاقِ فَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ مِمَّنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الزُّقَاقِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمُلَاصِقِ مِنْ الْجِيرَانِ شُفْعَةٌ مِمَّنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الزُّقَاقِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي
دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِرَجُلٍ فِيهَا طَرِيقٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ فَشَرِيكُهُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ ، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ قَالَ : وَقَالَ وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا حَائِطٌ فِي الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ يَعْنِي بِأَرْضِهِ فَبَاعَ الَّذِي لَهُ شِرْكٌ فِي الْحَائِطِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَالْحَائِطِ قَالَ فَالشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ فِي الْحَائِطِ فِي الدَّارِ ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْحَائِطِ وَأَرْضِهِ ، وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِئْرٌ فِي الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ فَبَاعَ الَّذِي لَهُ الشِّرْكُ فِي الْبِئْرِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَالْبِئْرِ فَالشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ ، وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ فِي الْبِئْرِ فِي الدَّارِ ، وَلَهُ شُفْعَةٌ فِي الْبِئْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : قَرَاحَانِ ) الْقَرَاحُ الْأَرْضُ الْبَارِزَةُ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِهَا شَيْءٌ وَالْمَاءُ الْقَرَاحُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ شَيْءٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالشَّرِيكُ فِي خَشَبَةٍ عَلَى الْحَائِطِ وَوَاضِعُ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ جَارٌ ) ، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ لَا فِي الْمَنْقُولِ ، وَالْخَشَبَةُ مَنْقُولَةٌ ، وَبِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الدَّارِ ، وَكَذَا بِالشَّرِكَةِ فِي الْجُذُوعِ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا لَكِنَّهُ جَارٌ مُلَازِقٌ لِوُجُودِ اتِّصَالِ بُقْعَةِ أَحَدِهِمَا بِبُقْعَةِ الْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ جَارٌ مُلَاصِقٌ ، وَلَا يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ ، وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ وَيَتَأَتَّى ذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ الشَّرِيكَانِ فِي الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ يَقْتَسِمَا الْأَرْضَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَيَبْقَى الْبِنَاءُ ، وَمَوْضِعُهُ عَلَى الشَّرِكَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَالشَّرِيكُ أَوْلَى أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَظَاهِرٌ لِكَوْنِهِ شَرِيكًا فِيهِ ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ أَخَصُّ بِهِ حَيْثُ كَانَ شَرِيكًا فِي الْبَعْضِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ هُوَ وَالْجَارُ سَوَاءٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الشُّفْعَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ بِالْجِوَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ يُسَاوُونَهُ فِيهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ بَيْتٍ مِنْهَا فَبِيعَتْ الدَّارُ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاسْتَوَوْا فِي الْبَقِيَّةِ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّ
كُلَّهُمْ جِيرَانٌ فِي حَقِّ الْبَقِيَّةِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا بِئْرٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ غَيْرِ شَرِيكِهِ فِي الدَّارِ فَبَاعَهَا كَانَ الشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَوْلَى بِشُفْعَةِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ وَالشَّرِيكُ فِي الْبِئْرِ أَوْلَى بِالْبِئْرِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِ عُلُوٌّ لِأَحَدِهِمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَبَاعَ هُوَ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ كَانَ الْعُلُوُّ لِشَرِيكِهِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلُ لِشَرِيكِهِ فِي السُّفْلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ فِي حَقِّهِ وَجَارٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ أَوْ شَرِيكٌ فِي الْحَقِّ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِالْبَيْعِ ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالْبَيْعِ وَتُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَ الْغَلَّةَ وَالرِّبْحَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ ، وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِوُجُودِ عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَخَذَ الْكُلَّ وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ ، وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ ، وَكَذَا صَاحِبُ الْجِرَاحَاتِ مَعَ صَاحِبِ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَزِّ مَعَ الْجُرْحِ فَإِنَّ الْحَزَّ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ فَكَانَ أَوْلَى بِإِضَافَةِ الْمَوْتِ إلَيْهِ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمِلْكِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَتَمَلُّكُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ مِلْكِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ بَلْ الْعِلَّةُ أَصْلُ الْمِلْكِ لَا قَدْرُهُ وَالْحُكْمُ لَا يُزَادُ بِزِيَادَةِ الْعِلَّةِ ، وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُمْ كَانَ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ قَدْ وُجِدَ وَتَقَرَّرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالتَّشْقِيصُ لِلْمُزَاحَمَةِ ، وَقَدْ زَالَتْ ، وَنَظِيرُهُ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْفَى الْبَعْضَ أَوْ كَانَ رَهْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَقُضِيَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ التَّارِكِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ قَطَعَ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِ
الْآخَرِ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالشَّكِّ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا لِتَحَقُّقِ طَلَبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كَانَ يُقَاسِمُهُ الْحَاضِرُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ إذَا أَسْقَطَ الْحَاضِرُ حَقَّهُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ الْبَاقِي بِالْقَضَاءِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قُضِيَ لَلشَّرِيك ثُمَّ تُرِكَ لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ لَلشَّرِيك انْقَطَعَ حَقُّهُ وَبَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَا يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ لِإِعْرَاضِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِينَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ حَاضِرًا وَالْآخَرُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ عَلَى حِسَابِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَالْقِسْمَةُ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا تُرِكَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وُجِدَ الْإِعْرَاضُ فِيهِ فَسَقَطَ فِي الْكُلِّ لِكَوْنِهِ لَا يَتَجَزَّأُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا ، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ بَطَلَ حَقُّ مَنْ طَلَبَ النِّصْفَ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلْخَلِيطِ مَعْنَاهُ تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ،
وَالشَّرْطُ رَغْبَةُ الْمَالِكِ عَنْهَا حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا ، وَقِيلَ الْبَيْعُ هُوَ السَّبَبُ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ الِاتِّصَالَ لَصَحَّ لِكَوْنِهِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ قَبْلَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ ) ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلِاسْتِقْرَارِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا سُمِعَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ } ؛ وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا بِذَلِكَ تُعْلَمُ ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِشْهَادِ .
( قَوْلُهُ : وَالِاسْتِوَاءُ إلَخْ ) لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَارًا مُلَاصِقًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ مُلَاصِقٌ مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ فَهُمَا سَوَاءٌ ا هـ شَرْحِ مُغْنِي لِلَّقَانِيِّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْحَزِّ ) أَيْ حَزِّ الرَّقَبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ ) أَيْ لِمَنْ بَقِيَ ا هـ قَوْلُهُ : حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ ) أَيْ وَجَحَدَ الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ : لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ : وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ ذَلِكَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي ) أَيْ تُمْلَكُ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً فَيَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَوِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ لَمَّا تَمَّ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا أَنَّ أَخْذَ الشُّفْعَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَحْوَطُ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَخْذِ إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ؛ لِأَنَّ فِي الْقَضَاءِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ ، وَهِيَ صَيْرُورَةُ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَتَبَيَّنَ سَبَبُ مِلْكِهِ لَهُ فَإِذَا كَانَتْ الْمَشْفُوعَةُ تُمْلَكُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَبْلَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا تُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا بَاعَ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا ، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الدَّارَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي ، وَإِنْ أَثْبَتَ شُفْعَتَهُ بِطَلَبَيْنِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ التَّقْرِيرِ حَتَّى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ كَرْمًا فَأَكَلَ الْمُشْتَرِي ثِمَارَهُ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَلَا يُطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثِمَارِهِ إذَا كَانَتْ الثِّمَارُ حَدَثَتْ بَعْدَ مَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْكَرْمَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ لَا بِالطَّلَبِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ .
( بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ فِي يَدِهِ ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَهَذَانِ طَلَبَانِ فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ ، وَفِيهِ طَلَبٌ ثَالِثٌ ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عَلِمَ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ ، وَلَا سُكُوتٍ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِجِوَارِ الْجَارِ الْحَادِثِ ، وَمُعَاشَرَتِهِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِهِ ، وَلَوْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ ، وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِمَا كَالْبِكْرِ لَا يَكُون سُكُوتُهَا رِضًا إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ إذَا أُخْبِرَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ يُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَبَ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ ، وَالْإِشْهَادُ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ ، وَالطَّلَبُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلِيُمْكِنَهُ الْحَلِفُ إذَا حَلَفَ وَلِئَلَّا يَكُونَ مُعْرِضًا عَنْهَا وَرَاضِيًا بِجِوَارِ الدَّخِيلِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعَنْهُ أَنَّ لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ كَالْمُخَيَّرَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأَمُّلِ فِيهِ كَسَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا
حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جِوَارِهِ وَالثَّانِي تَعَجُّبٌ مِنْهُ لِقَصْدِ الْإِضْرَارِ بِهِ وَالثَّالِثُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِهِ ، وَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ ابْتَاعَهَا وَبِكَمْ بِيعَتْ ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِيهَا بِثَمَنٍ دُونَ ثَمَنٍ وَيَرْغَبُ عَنْ مُجَاوَرَةِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خَلَّصَنِي اللَّهُ وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِي الْحَالِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ رَجُلَانِ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَخَوَاتِهَا ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا ، وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ ، وَالْعَدَالَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْخُصُومِ وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْإِشْهَادِ لِلتَّقْرِيرِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ، وَأَشْهَدَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِأَنْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْعَقَارِ يَكْفِيهِ وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ ، ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَكَيْفِيَّةُ
هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ وَيُشْهِدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعَ خَصْمٌ فِيهِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْيَدِ ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَقَارِ فَلِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ ، وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ خَصْمًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالنَّاطِفِيُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ، وَمُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا كَأَنَّهُمْ فِي مَكَان وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِيهِ ، وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي الرُّسْتَاقِ فَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَبَايُنِ الْمَكَانَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يَطْلُبُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حِينَ يَعْلَمُ ثُمَّ يُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِ طَلَبِ التَّقْرِيرِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ ، وَأَنَا شَفِيعُهَا ، وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ ، وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَا تَصِحُّ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَطْلُوبَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُطَالَبَةِ اخْتِصَاصٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبَ ، وَأَمَّا
الثَّالِثُ ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ بِدُونِ طَلَبِهِ ، وَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ هَذَا الطَّلَبِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( ثُمَّ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ ) أَيْ لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ بِالْإِشْهَادِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي تَأْخِيرِ الطَّلَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ أَخَّرَ هَذَا الطَّلَبَ إلَى شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَسْقُطْ بِتَأْخِيرِهِ لَلَحِقَ الْمُشْتَرِيَ ضَرَرٌ مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يُنْقَضَ تَصَرُّفُهُ ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ } ثُمَّ قَدَّرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ ، وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّرَهَا بِشَهْرٍ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ ، وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْأَيْمَانِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَأْمُرَهُ بِالْأَخْذِ أَوْ بِالتَّرْكِ عَلَى أَنَّهُ مُشْكِلٌ بِمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا حَيْثُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ ، وَلَوْ كَانَ ضَرَرُهُ مُرَاعًى لَسَقَطَتْ إذْ لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الضَّرَرِ فِي
حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَدَمِ قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلَدِهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي مِصْرِهِ ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ شَهْرًا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ مَا يَشْفَعُ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ سَأَلَهُ عَنْ الشِّرَاءِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَكَلَ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قَضَى بِهَا ) أَيْ إذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ وَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ أَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُشْتَرِيَ عَنْ الشِّرَاءِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ وَهَذَا هُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَذَكَرَ هُنَا سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِيبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعِي أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرٍ ، وَمَحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَ رَقَبَتِهَا فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ فَإِذَا
بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَعَلَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ ، وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْرَاضِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ ؟ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ ؟ ، وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الشَّفِيعِ ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُك فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ثُمَّ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِلْكَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ثَبَتَ مِلْكُ الشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَثَبَتَ السَّبَبُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت
أَمْ لَا فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى الْحَاصِلِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الدَّعْوَى وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ أَصَالَةً ، وَفِي مِثْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْحُجَّةِ .
( بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ) ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ أَيْ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الْكَاكِيُّ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ ، وَإِنَّمَا شَرَطَ هَذَا الطَّلَبَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْحَلِفُ حِينَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي حَلِفَهُ أَنَّهُ طَلَبَهَا كَمَا سَمِعَ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ : وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ الطَّلَبِ لَا ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ هَذَا الطَّلَبِ بَلْ لِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ إنْكَارِهِ الطَّلَبَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ ) وَسُمِّيَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا } أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ ، وَالْمُبَادَرَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوُثُوبِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ يَثِبُ هُوَ الَّذِي يُسْرِعُ فِي طَيِّ الْأَرْضِ بِمَشْيِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عُلِمَ ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَفِي كِتَابِ الْأَجْنَاسِ نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ لِمُوسَى بْنِ نَصْرٍ صَاحِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَحْتَاجُ الشَّفِيعُ أَنْ يَطْلُبَهَا سَاعَةَ بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَيَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِالطَّلَبِ حَضَرَهُ الشُّهُودُ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالطَّلَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ) يَعْنِي أَنَّ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَلَى الْمَجْلِسِ ،
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ ، وَلَهَا شَفِيعٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّفِيعَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ لَمْ يَطْلُبْ مَكَانَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَطْلُبْ حِينَ بَلَغَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ سَاعَتَئِذٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، قَالَ : وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَبَ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَتْ الشُّفْعَةُ صَاحِبَهَا فَسَكَتَ فَهُوَ رِضًا ، وَهُوَ تَرْكٌ لِلشُّفْعَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ : وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ إذَا بَلَغَهُ فَكَسَتْ هُنَيْهَةً ثُمَّ ادَّعَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهَذَا يُفِيدُ الْمَجْلِسَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ ، وَقَالَ شَرِيكٌ لَا تَبْطُلُ أَبَدًا حَتَّى يُبْطِلَهَا بِقَوْلِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْفَوْرِ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ عِقَالٍ إنْ قَيَّدَهَا ثَبَتَتْ وَإِلَّا ذَهَبَتْ } وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ خِيَارُ تَمَلُّكٍ كَخِيَارِ الْقَبُولِ وَالْمُخَيَّرَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَرَوَّى لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا يَصْلُحُ ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ أَوْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِ الطَّلَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَعَنْهُ أَنَّ
لَهُ التَّأَمُّلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) أَيْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لِلشَّفِيعِ مَجْلِسَ الْعِلْمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ وَالنَّوَادِرِ : وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي اخْتِلَافًا فِي رِوَايَةٍ ، وَلَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَارَاتِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَبُ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْحَالِ تَرَاخِيًا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا ، وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مِثَالِ مَا قَالُوا فِي الْمُخَيَّرَةِ فِي الطَّلَاقِ فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك ، وَكَخِيَارِ الْمُشْتَرِي إذَا أَوْجَبَ لَهُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ قَالَ قَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرَّدِّ أَوْ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْجَوَابِ وَالتَّرْكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ) يَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ ، وَعَنْهُ إلَخْ ، وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْكَرْخِيُّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : قَالَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا بَاعَ دَارِهِ ، وَهُوَ شَفِيعُهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَدْ ادَّعَيْت شُفْعَتَهَا أَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ ادَّعَيْت شُفْعَتَهَا أَوْ لَقِيَ صَاحِبَهُ الَّذِي يَدَّعِي الشُّفْعَةَ قَبْلَهُ فَبَدَأَهُ بِالسَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ ادَّعَاهَا أَوْ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ مَنْ اشْتَرَاهَا أَوْ بِكَمْ بَاعَهَا أَوْ عَطَسَ صَاحِبُهُ فَشَمَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ ادَّعَاهَا قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ عَلَى شُفْعَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ فِي النَّوَازِلِ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ
الْبَلْخِيّ عَنْ الشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ مَعَ أَخَوَاتِهَا ) أَيْ فِي آخِرِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ : إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا ) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ كَسَائِرِ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت دَارَ فُلَانٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ ) أَيْ وَالْإِشْهَادُ ا هـ هِدَايَةٌ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ وَالْإِشْهَادِ فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَصْبَحَ صَحَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي ثُمَّ يَذْهَبُ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ إلَى الدَّارِ أَوْ إلَى الْبَائِعِ أَوْ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَطْلُبُ الشُّفْعَةَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَيُسَمَّى هَذَا طَلَبَ التَّقْرِيرِ ، وَلَوْ تَرَكَ هَذَا أَوْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَيَأْخُذُ الشُّفْعَةَ مِنْهُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَصَلَ عَلَى الْعَاقِدِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى الْمُشْتَرِي ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّالِثُ ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ ) وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ طَلَبَ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْأَتْقَانِيَّ سَمَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي طَلَبَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الشَّفِيعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي
فَيُثْبِتُ حَقَّهُ عِنْدَهُ بِالْحُجَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) أَيْ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ) أَيْ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ) أَيْ وَقَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ وَصَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَالْخُلَاصَةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْكَاكِيُّ : فَكَانَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْكِتَابِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ هَذِهِ الْكِتَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ : سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَشَرَطَ فِي الْفَتَاوَى بَيَانَ حُدُودِ دَارِ الشَّفِيعِ الَّتِي طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِهَا بِأَنَّ قَالَ أَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحُدُّ حُدُودَهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ دَارِ الشَّفِيعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ بَلْ إذَا قَالَ أَنَا شَفِيعُ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ ، وَهِيَ فِي بَلْدَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا وَبَيَّنَ حُدُودَهَا بِدَارِي الَّتِي تُلَازِقُهَا كَفَى ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَ دَارِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ، وَأَمَّا الطَّلَبُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ أَشْتَرِي هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا ، وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا طَلَبْت أَخْذَهَا بِشُفْعَتِي فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهَا لِي بِشُفْعَتِي هَذِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : يَقُولُ لِلْمُدَّعِي إلَخْ ) وَقَالَ زُفَرُ ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ بِالْمِلْكِ
بِمُشَاهَدَةِ الْيَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ لِأَجْلِهَا ، وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ ، وَالظَّاهِرُ يُدْفَعُ بِهِ الدَّعْوَى ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَطَلَبَ ) أَيْ الشَّفِيعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَام فِيهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى بَلْ بَعْدَ الْقَضَاءِ ) بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَضَاءِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَلَا يُطَالَبُ بِأَدَائِهِ وَالْإِحْضَارِ لِلتَّسْلِيمِ ، وَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا مَعْنَى لِإِحْضَارِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَقَارَ عَنْهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا نُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَوْ أَخَّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ بَعْد مَا قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ تَبْطُلُ لِعَدَمِ التَّأَكُّدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَخَاصَمَ الْبَائِعَ لَوْ فِي يَدِهِ ) أَيْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُحِقَّةً أَصَالَةً فَكَانَ خَصْمًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ لَيْسَتْ بِأَصَالَةٍ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيُفْسَخَ الْبَيْعُ بِمَشْهَدِهِ وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِلْكَ وَالْيَدَ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِهِمَا لَهُ فَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ
عَلَيْهِمَا بِهِمَا ؛ لِأَنَّ لِأَحَدِهِمَا يَدًا وَلِلْآخَرِ مِلْكًا فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ ؛ وَلِأَنَّ أَخْذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ يُوجِبُ فَوَاتَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَفَوَاتُهُ قَبْلَهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ لِكَوْنِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ عَلَيْهِمَا إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَيْهِمَا بِالْفَسْخِ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ الْبَائِعُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُمَا ثُمَّ وَجْهُ هَذَا الْفَسْخِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ فَاتَ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهُوَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ انْفَسَخَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ أَصْلُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يُوجِبُ سُقُوطَ الشُّفْعَةِ ، وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَيُجْعَلُ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى الشَّفِيعِ قَائِمًا مَقَامَ الْمُشْتَرِي كَأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ لَهُ وَخَاطَبَهُ بِالْإِيجَابِ فَجُعِلَ الْعَقْدُ مُتَحَوِّلًا إلَى الشَّفِيعِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ أَصْلُهُ ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَ إضَافَتُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَنَظِيرُهُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ فَأَصَابَهُ فَالرَّمْيُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْأَوَّلِ قَدْ انْتَقَضَ بِتَخَلُّلِ الثَّانِي وَتَوَجَّهَ إلَيْهِ فَكَذَا هُنَا تَحَوَّلَتْ الصَّفْقَةُ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَقَعَ مَعَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُوَكِّلِ ) ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ فِيهَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، وَهِيَ إلَى الْعَاقِدِ أَصِيلًا كَانَ أَوْ وَكِيلًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَهُ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ
هُوَ الْمَالِكُ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَدِ لِلْوَكِيلِ ، وَلَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا بَعْدَهُ فَصَارَ كَالْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ خَصْمًا مَا لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا سَلَّمَهَا لَمْ تَبْقَ يَدٌ ، وَلَا مِلْكٌ لَهُ فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا ، وَهَذَا مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ بِاخْتِيَارِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَحُضُورِ الْمُوَكِّلِ ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُشْتَرِي لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَالْأَبُ وَوَصِيُّهُ كَالْوَكِيلِ .
( قَوْلُهُ : احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ ) أَيْ إذْ لَوْ قَضَى الْقَاضِي قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ مُفْلِسًا فَيَتَعَجَّلُ مِلْكَ الدَّارِ وَيَتَأَخَّرُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِرِضَا الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ ، وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَأَرَادَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لَمْ تُقْبَضْ أَحْضَرَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا ، وَلَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَحْضُرَا جَمِيعًا فَإِنْ أَحْضَرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ فَالْخَصْمُ هُوَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَإِذَا أَحْضَرَ حُكِمَ عَلَيْهِ فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ ، وَكَانَتْ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إذَا كَانَ نَقَدَهُ ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ : فَإِذَا أَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَيَدْفَعُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فَسْخُ بَيْعِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ ، وَأَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي شَرْحِهِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا أَخَذَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي كَمَا يَنْفَسِخُ إذَا أَخَذَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ أَصْلُهُ الْمُسْتَحَقَّ إذَا أَخَذَ مِنْ يَدِ
الْمُشْتَرِي وَالْجَوَابُ إنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ فَسْخًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِحُضُورِ الْبَائِعِ فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْبَائِعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ وَيُفَارِقُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا ، وَإِنَّمَا فَسَخْنَا الْبَيْعَ إذَا أُخِذَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ لِسُقُوطِ الْقَبْضِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ إذَا أُخِذَ مِنْ الْمُشْتَرِي ، وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا قُلْنَا إنْ كَانَتْ الدَّارُ أُخِذَتْ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ ، وَكَانَ رَدُّهُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَانْتَقَلَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ لِلثَّمَنِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَقَالَ زُفَرُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْوَجْهَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : وَمَنْ اشْتَرَى دَارَ الرَّجُلِ بِأَمْرِهِ ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ مِنْهُ وَيَكْتُبَ عُهْدَتَهُ عَلَيْهِ وَيَنْقُدَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَدْفَعَهُ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَيَنْقُدُ الثَّمَنَ إيَّاهُ وَيَكْتُبُ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَأْخُذُ مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا
اشْتَرَاهُ لِلْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهَا ، وَلَكِنْ يُقَالُ سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ فَيَكُونُ فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ كَالْمَالِكِ ، وَالشُّفْعَةُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْأَبُ وَوَصِيُّهُ كَالْوَكِيلِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَصِيًّا لِمَيِّتٍ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : يَعْنِي يَكُونُ الْوَصِيُّ هُوَ الْخَصْمَ لِلشَّفِيعِ إذَا بَاعَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ بَيَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ كِبَارًا حُضُورًا ، وَلَا دَيْنَ ، وَلَا وَصِيَّةَ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْكِبَارِ فَإِنْ كَانَ الْكِبَارُ غُيَّبًا فَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ ، وَلَوْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا فَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ مِنْ نَصِيبِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الصِّغَارِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ دُونَ نَصِيبِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا بَاعَ عُرُوضَهُمْ لَا عَقَارَهُمْ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارِهِمَا ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يَعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الْأَخْذِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ عُرِفَ بِالنَّصِّ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَارُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي عَلَى الشَّفِيعِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ الشَّفِيعُ مُنْكِرًا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلشَّفِيعِ ) أَيْ ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ مَعَ الْمُوَكِّلِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ مَعَ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ ، وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ
لِلْمُشْتَرِي وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لَيْسَتْ بِمُلْزِمَةٍ لِلشَّفِيعِ لِتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا بِأَنْ يَثْبُتَ الْعَقْدَانِ فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمَوْلَى قُلْت لَك إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَقَالَ الْعَبْدُ قُلْت لِي إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ إمَّا ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُنَافِي فَيَثْبُتُ التَّعْلِيقَانِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِأَدَاءِ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا أَمَّا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُلْزِمَةٌ حَتَّى يُخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي يَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي إلَّا بِالثَّانِي فَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ صِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَيَأْخُذُ بِأَيِّ الْعَقْدَيْنِ شَاءَ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ بِالْأَوَّلِ ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُرَدُّ وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي لِوُقُوعِ الْمُبَادَلَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْزِمَةً ، وَلَا يُمْكِنُ
الْعَمَلُ بِهِمَا فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ بَيِّنَتَهُ مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ لِتَخَيُّرِ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَصَارَ كَالشَّفِيعِ ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَفِيهَا الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ بِالثَّانِي فَوُجِدَ التَّعَارُضُ فَصِرْنَا إلَى التَّرْجِيحِ بِالزِّيَادَةِ ، وَفِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَنْفَسِخُ فَلَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَلُّكٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِيهِ الْقَضَاءُ ، وَعَدَمُ الْقَضَاءِ وَالرِّضَا ، وَعَدَمُ الرِّضَا ، وَلَوْ بَطَلَ يَبْطُلُ لَا إلَى خَلَفٍ حَتَّى لَا يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ ضَامِنًا لَهُ سَلَامَةَ الْبِنَاءِ وَنَحْوَهُ مِثَالُهُ إذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ غَرْسًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَالْعَقَارُ وَأَمَرَ بِقَلْعِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ سَلَامَةَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ إنْ أَخَذَهُ بِقَضَاءٍ وَكَذَا إذَا أَخَذَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي عَيْنَ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِحَقٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الدَّخِيلِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَمَّا كَانَ الرَّاجِعُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ بِحَقٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْهِبَةِ يَسْتَوِي الْقَضَاءُ وَالرِّضَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى لَا يَتْرُكُ وَالشَّفِيعُ إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى يَتْرُكُ فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمَا فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } فَلَا جَرَمَ لَمْ يَجِبْ التَّحَالُفُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ
الْعَدُوِّ ) أَيْ الْحَرْبِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِأَلْفٍ ، وَمَرَّةً بِأَلْفَيْنِ فَأَمْكَنَ تَصْدِيقُ الْبَيِّنَتَيْنِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ) أَيْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى بَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ ، وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الْبَائِعُ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ الْأَقَلَّ وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ مَا دَامَتْ مُطَالَبَتُهُ بَاقِيَةً فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَوْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي تَحَالَفَا ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ بِمَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ ، وَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِمَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَقْدِرَانِ عَلَى إبْطَالِهِ بِالْفَسْخِ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ إذَا رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبٍ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ قَبَضَ أَخَذَهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيِّنِ وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَلَوْ كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ ، وَقَبَضْت الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ ؛ لِأَنَّهُ
لَمَّا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَتْ الشُّفْعَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ فَيَبْقَى حَتَّى يُوجَدَ مَا يُبْطِلُهُ وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبَضْت الثَّمَنَ يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ فَيَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبَضْت فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا يُقْبَلَ إقْرَارُهُ بِمِقْدَارِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ ، وَلَوْ بَدَأَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ بَيَانِ الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ بِعْت الدَّارَ ، وَقَبَضْت الثَّمَنَ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوَّلًا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبَيِّنِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ الْوَصِيُّ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَى غَرِيمِهِ فُلَانٍ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْغَرِيمُ بَلْ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ قَدْ أَوْفَيْتُك جَمِيعَ ذَلِكَ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِلْأَلْفِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ ، وَلَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَهُوَ جَمِيعُ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ فَقَالَ فُلَانٌ كَانَ عَلَيَّ أَلْفَا دِرْهَمٍ ، وَقَدْ أَوْفَيْتُك الْكُلَّ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ قَبْضَ الْجَمِيعِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُقْبَلُ بَيَانُ قَدْرِهِ بَعْدَهُ ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ قَبَضَ الْجَمِيعَ لَا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ قَدْرِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِخَصْمِهِ لِإِنْكَارِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَحَطُّ الْبَعْضِ
يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَا حَطُّ الْكُلِّ وَالزِّيَادَةُ ) أَيْ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ ، وَلَا يَظْهَرُ حَطُّ الْكُلِّ فِي حَقِّهِ ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَلْزَمَهُ الزِّيَادَةُ ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَمَّا الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ صَارَ الْبَاقِي هُوَ الثَّمَنُ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الِالْتِحَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ ، وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الشُّفْعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ حَيْثُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ لَكَانَ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ ، وَهُوَ فَاسِدٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِالْمُسَمَّى قَبْلَ الزِّيَادَةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَجْدِيدِهِمَا الْعَقْدَ لِمَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ الشَّفِيعِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ حَيْثُ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا حَتَّى جَازَ بِنَاؤُهُمَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ فَيَلْتَحِقُ فِي حَقِّهِمَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَبَيَّنَّا الْحُجَجَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ .
( قَوْلُهُ : أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ ) أَيْ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ : وَقَبَضْت الثَّمَنَ ) أَيْ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِأَلْفَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ ) أَيْ مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ تَأَمَّلْ تَدْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَأْخُذَهُ بِمَا بَقِيَ ) هَذَا إذَا حَطَّ الْبَائِعُ أَمَّا إذَا حَطَّ وَكِيلُ الْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ صَحَّ حَطُّهُ وَيَضْمَنُ قَدْرَهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ ا هـ فَتَاوَى قَاضِيخَانْ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ : وَإِنْ زَادَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ زِيَادَةً بَعْدَ الْعَقْدِ أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُمَا فِي حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِمَا بَقِيَ لَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ تَعَلَّقَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِقَضِيَّةِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَمَتَى انْتَقَضَ الْعَقْدُ الثَّانِي لَمْ يُسَلِّمْ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ فَيَرْجِعُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ ، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْبَيْعِ الْأَوَّلِ ، وَمَتَى أَخَذَهُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ تَمَامُ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ
وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ لِيُعِيدَهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا تَصَرَّفَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ حَقُّ النَّقْضِ ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ثَابِتًا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْر بِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ ، وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ الدَّارَ حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فَلَا يَكُونُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى بَائِعِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ مِثْلِيًّا ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُهَا بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَهَا الْمُشْتَرِي بِهِ ثُمَّ الْمِثْلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ صُورَةً ، وَمَعْنًى كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً ، وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِثْلُ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَأْخُذُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِحَالٍّ لَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا ) أَيْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا عِنْدَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ : رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ حَقَّ الْأَخْذِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ وَالْأَجَلُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَدَيْنٌ حَالٌّ ، وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ ، وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْخِيَارِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَرِضَاهُ بِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّنَا عَلَى رِضَاهُ بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ ، وَالدَّيْنُ حَقُّ الطَّالِبِ ، وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لَهُ لَاسْتَحَقَّهُ الطَّالِبُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُ لَثَبَتَ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِتَحَوُّلٍ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
مِنْ قَبْلُ وَرَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ فَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِهِ الشَّفِيعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ الْمُشْتَرَى بِثَمَنٍ حَالٍّ ، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الضَّرَرَ الزَّائِدَ وَقَوْلُهُ : أَوْ يَصْبِرَ أَيْ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ ، وَقَالَ : لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِلْأَخْذِ ، وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِّ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ ، وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ ثَبَتَ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ ، وَلَوْلَا أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ لَمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ فِي الْحَالِّ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا وَبِقِيمَتِهَا لَوْ مُسْلِمًا ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَقَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنْ كَانَ شَفِيعُهُ ذِمِّيًّا أَخَذَهُ بِمِثْلِ الْخَمْرِ ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُقْضَى بِصِحَّتِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِذَا صَحَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِهِ فَيَسْتَحِقُّهُ ذِمِّيًّا كَانَ الشَّفِيعُ أَوْ مُسْلِمًا غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْخَمْرِ فَيَأْخُذُهُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا
فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ ، وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ ، وَلَا يُقَالُ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ ، وَهُنَا بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ لَا عَنْ الْخِنْزِيرِ ، وَإِنَّمَا الْخِنْزِيرُ يُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ بَدَلَ الدَّارِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا بَلْ يَمْلِكُهَا بِأَنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ ، وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِيمَةِ الْخَمْرِ أَوْ مِثْلَهَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ لِلتَّعَذُّرِ ، كَذَا هَذَا ، وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ فِيهَا ثَابِتٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِجَعْلِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَزُولُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى بَيْعِهَا صَارَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ بَيْعِهَا وَالذِّمِّيُّ إذَا دَانَ بِدِينِنَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُقْتَضَى دِينِنَا ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِمْ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِأَحْكَامِنَا
وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالرُّجُوعِ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ أَوْ فَاسِقٍ تَابَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ قَبْضَهَا ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْبَيْعِ فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِهِ ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا ) أَيْ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا ، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ فَارِغَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ بِالْقَلْعِ ، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ، وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَكَذَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعَةِ وَلِهَذَا لَا يُكَلَّفُ قَلْعَ الزَّرْعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ عِوَضٌ ، وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ
أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا تُنْقَضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ ، وَلَا تَسْلِيطَ مِنْ الشَّفِيعِ هُنَا ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُمَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَحَقُّ الشَّفِيعِ قَوِيٌّ فَيَبْقَى بَعْدَهُ كَمَا يَقْلَعُ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَ الْمَغْرُورِ وَغَرْسَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا كَالْمُسْتَحِقِّ ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّسَاوِي وَرُبَّمَا لَا يُوَافِقُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى قَلْعِهِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ ، وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يُقْلِعَ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَا ، وَقُلْنَا لَا يُقْلَعُ ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِالتَّأْخِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ فَعَلَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ ) مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَكَلَّفَ الْمُسْتَحِقُّ الشَّفِيعَ بِالْقَلْعِ فَقَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَ الثَّمَنَ مِنْ الشَّفِيعِ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الثَّمَنَ ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا
عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَكَانَ كَالْمُشْتَرِي وَوَجْهُ الظَّاهِرِ ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَا غُرُورَ ، وَلَا تَسْلِيطَ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا وَنَظِيرُهُ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا أَخَذَهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ مَالِكِهَا الْجَدِيدِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِيًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ جَفَّ الشَّجَرُ ) ، وَمَعْنَاهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غَرْسٌ فَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بَعْضُ الْأَصْلِ هَذَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ نَقْضٌ ، وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ مُحْتَبِسًا عِنْدَ
الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ ، وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ ) أَيْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ ، وَالتَّبَعُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِهِ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ مَا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ ، وَكَانَ النَّقْضُ بَاقِيًا حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِالْحَبْسِ ، وَنَقْضُ الْأَجْنَبِيِّ الْبِنَاءَ كَنَقْضِ الْمُشْتَرِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالنَّقْضُ لَهُ ) أَيْ النَّقْضُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْعَرْصَةِ ، وَقَدْ زَالَتْ بِالِانْفِصَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَبِثَمَرِهَا إنْ ابْتَاعَ أَرْضًا وَنَخْلًا وَثَمَرًا أَوْ أَثْمَرَ فِي يَدِهِ ) أَيْ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مَعَ ثَمَرِهَا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الْأَرْضَ مَعَ ثَمَرِهَا بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ أَثْمَرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ بِالِاتِّصَالِ خِلْقَةً صَارَ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَيْعِ فَيَسْرِي إلَيْهِ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْأَخْذِ كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْوَلَدَ تَبَعًا لِلْأُمِّ كَذَا هَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : (
وَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا بِالشَّرْطِ فَكَانَ لَهُ فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ ، وَإِنْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِالتَّسْمِيَةِ صَارَ أَصْلًا فَيَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِفَوَاتِهِ ، وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْمَبِيعِ إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا يُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ كَحَالِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ ، وَلَوْ أَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمَا قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَهُوَ قَامَ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِدُونِ الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ مِنْ الثَّمَرِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ قَصْدًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِوُرُودِ الْقَبْضِ عَلَيْهَا أَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَرَ بَعْدَ الْجِدَادِ فِي الْفَصْلَيْنِ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ قَبْلَ الْأَخْذِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ ) وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَقْتَ الشِّرَاءِ لَا ، وَقْتَ الْأَخْذِ ا هـ مَنَافِعُ ( قَوْلُهُ : يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ ) أَيْ يَأْخُذُ شَفِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْفُوعَهُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ ا هـ مَنَافِعُ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَبِحَالٍ لَوْ مُؤَجَّلًا ) ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَالَ الشَّفِيعُ أَنَا أُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَآخُذُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِالْأَجَلِ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يَثْبُتُ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالشَّافِعِيُّ ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَبِمِثْلِ الْخَمْرِ ، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ، وَالْعَبِيدُ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ ، وَالْأَحْرَارُ وَالْمُكَاتَبُونَ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُمْ ، وَعَلَيْهِمْ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِيمَا وَجَبَ لَهُمْ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْخُصَمَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ آبَاؤُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَوْصِيَاءُ الْآبَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَوْصِيَاءُ الْأَجْدَادِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ يُقِيمُ لَهُمْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِيهِ ، وَأَهْلُ الْعَدْلِ ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ : وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا شُفْعَةَ لِلْكَافِرِ ، وَقَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَلَا
شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِالشُّفْعَةِ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجَازَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْعِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ا هـ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ قَيَّدَ شِرَاءَهُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ احْتِرَازًا عَمَّا اشْتَرَاهُ بِالْمَيْتَةِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : بِالْمَيْتَةِ أَوْ دَمٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَوْلُهُ : وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ أَيْ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ ا هـ ( فَرْعٌ ) الْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ لَا شُفْعَةَ فِيهَا ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَنَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِيهَا فَلَا شُفْعَةَ حَالَ الْبَيْعِ كَذَا فِي الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا ، وَذِمِّيًّا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ وَشَفِيعُهَا كَافِرٌ ، وَمُسْلِمٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي عِلَّتِهِ وَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْكَافِرُ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْحُقُوقِ ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ سَوَاءٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ ) أَيْ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَقَالَ أَيْ فِي الشَّامِلِ بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا ثُمَّ قُتِلَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ
عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ هَذَا فَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اللِّحَاقِ جَازَ بَيْعُهُ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ ، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا وَالْمُرْتَدُّ شَفِيعُهَا فَقُتِلَ لَا شُفْعَةَ لَهُ ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي وَقْتِ الْمَبِيعِ ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَهُمْ حَقِيقَةً ، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَقَدْ خَرَجَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ ) أَيْ وَالدَّارُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ أَوْ مَقْبُوضَةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ ) أَيْ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُسْلِمًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : حَتَّى الْوَقْفَ إلَخْ ) سَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْمَسْجِدُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَلَوْ جَعَلَهَا الْمُشْتَرِي مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً تُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى أَوْ رِبَاطًا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا ، وَإِبْطَالُ كُلِّ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي فِيهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَكِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ ثُمَّ يُقْضَى لِلشَّفِيعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ فَعَلَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ
وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَ مِنْهُ ، وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، وَالْفَرْقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ ، وَلَا غُرُورَ ، وَلَا تَسْلِيطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الدَّارَ وَيُقَالُ لِلشَّفِيعِ اهْدِمْ بِنَاءَك وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ ، وَهُوَ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَأَجْبَرَ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ عَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ ، وَلَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافًا وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى دَارًا ، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ بِالشُّفْعَةِ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ مِنْ يَدِهِ ، وَقَدْ بَنَى فِيهَا عَلَى مَنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ قَالَ عَلَى الَّذِي قَبَضَ الثَّمَنَ ، وَكَذَلِكَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّفِيعَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَ بَعْضُهَا بِتَبَعٍ لِبَعْضٍ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لِلشَّفِيعِ سَقَطَتْ حِصَّتُهَا بِكُلِّ حَالٍ ، وَالْبِنَاءُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فَإِذَا سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي سَقَطَ حِصَّتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَلِيُّ بْنُ
الْجَعْدِ سَمِعْنَا أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى دَارًا فَهَدَمَ بِنَاءَهَا فَبَاعَهُ ثُمَّ جَاءَ شَفِيعُهَا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا ، وَعَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فَمَا أَصَابَ الْأَرْضَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَعَ بَابًا مِنْ الدَّارِ فَبَاعَهُ ، وَلَوْ احْتَرَقَ الْبِنَاءُ حَتَّى ذَهَبَ أَوْ غَرِقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكُ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ فَكَانَ عَلَى الْأَرْضِ مَهْدُومًا فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَهْدُومًا ، وَعَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ بِمَا أَصَابَهَا ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْبِنَاءِ إذَا زَايَلَ الْأَرْضَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ : أَمَّا وُجُوبُ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ الْمُتَّصِلِ فَلِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْعَرْصَةِ بِدَلَالَةِ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ ، وَأَمَّا إذَا هَدَمَهُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَنَا ، وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَالَ يَأْخُذُهُ مَعَ الدَّارِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ كَالثَّمَرِ ، وَأَمَّا إذَا هَدَمَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَهْلَكْ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا فَإِنْ احْتَرَقَ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَأْخُذُهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالْحِصَّةِ فِي الْجَمِيعِ أَمَّا إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ فَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي كَحَقِّ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبِنَاءَ إذَا احْتَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ فَكَذَلِكَ هَذَا ؛ وَلِأَنَّهُ نَقْصٌ
دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَى الْبِنَاءُ أَوْ تَشَقَّقَ الْحَائِطُ وَأَمَّا إذَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي فَالِاتِّبَاعُ لَا حِصَّةَ لَهَا بِالْعَقْدِ ، وَلَهَا حِصَّةٌ بِالْقَبْضِ وَلِهَذَا لَوْ هَدَمَ الْبَائِعُ الْبِنَاءَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَهْلَكْ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ ، وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُشْتَرِي إذَا هَدَمَهُ أَوْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهِ قَائِمًا ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْإِتْلَافِ ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَمَّا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ أَحَدِهِمَا فَاعْتَبَرَ قِيمَتَهُ عَلَى حَالِهِ مَهْدُومًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي ) أَيْ ، وَهُوَ مَا إذَا أَثْمَرَ فِي يَدِهِ ا هـ .
( بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ مُلِّكَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ ) قَوْلُهُ " فِي عَقَارٍ " يَتَنَاوَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَجِبُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَمَّامِ وَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْعِشْرَةِ عَلَى الدَّوَامِ فَبَنَى كُلٌّ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَالنُّصُوصُ تَشْهَدُ لَنَا لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَتَتَنَاوَلُ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " بِعِوَضٍ " عَمَّا إذَا مُلِّكَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا وَبِقَوْلِهِ هُوَ مَالٌ عَمَّا إذَا مُلِّكَ بِعِوَضٍ هُوَ غَيْرُ مَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ .( بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ )
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا فِي عَرَضٍ وَفُلْكٍ ) أَيْ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي عَرَضٍ وَسَفِينَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّهَا تُسْكَنُ كَالْعَقَارِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي دَارِ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ } وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْعَقَارِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْمَنْقُولِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعَقَارِ وَهَذَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ الْجِوَارِ عَلَى الدَّوَامِ وَمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَا يَدُومُ فَلَا يَدُومُ الضَّرَرُ فِيهِ كَمَا يَدُومُ فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ وَلِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إذَا قَضَى وَطَرَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِنَاءٍ وَنَخْلٍ بَيْعًا بِلَا عَرْصَةٍ ) لِأَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ فَلَا تَجِبُ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا أَرْضٍ ، وَإِنْ بِيعَا مَعَ الْأَرْضِ تَجِبُ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ السُّفْلُ عَلَى أَنَّهُ مُجَاوِرُهُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ طَرِيقَ السُّفْلِ ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا يَسْتَحِقُّ بِالطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ خَلِيطٌ فِي الْحُقُوقِ وَهُوَ الطَّرِيقُ لِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْقُولٍ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ كَالْعَقَارِ وَلَا كَذَلِكَ الْبِنَاءُ وَالنَّخْلُ فَلَا تُسْتَحَقُّ بِهِمَا الشُّفْعَةُ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْعُلُوِّ ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْعُلُوِّ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِيهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ بِيعَ سُفْلُ عَقَارٍ دُونَ عُلُوِّهِ أَوْ عُلُوُّهُ دُونَ سُفْلِهِ أَوْ هُمَا وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِيعَا جَمِيعًا أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِي السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ اسْتِحْسَانٌ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَمَّا إذَا بِيعَا جَمِيعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ بَاعَ الْعَرْصَةَ بِحُقُوقِهَا فَتَتَعَلَّقُ الشُّفْعَةُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا بَاعَ السُّفْلَ دُونَ الْعُلُوِّ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ } وَلِأَنَّ التَّأَذِّي يُخَافُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ ، وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَلِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبُقْعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهُوَ كَنَفْسِ الْبُقْعَةِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إنَّمَا هُوَ الْعُلُوُّ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنُوا لِأَنَّ حَقَّ الْوَضْعِ مُتَأَبِّدٌ فَهُوَ كَالْعَرْصَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عُلُوٌّ فِي دَارٍ وَطَرِيقُهُ فِي دَارٍ أُخْرَى إلَى جَنْبِهَا فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ فَأَصْحَابُ الدَّارِ الَّذِي فِيهِ الطَّرِيقُ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْعُلُوُّ جَارٌ وَالشَّرِيكُ فِي الطَّرِيقِ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ وَلَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الطَّرِيقِ الشُّفْعَةَ وَلِلْعُلُوِّ جَارٌ مُلَاصِقٌ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ صَاحِبِ السُّفْلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارٌ لِلْعُلُوِّ وَالتَّسَاوِي فِي الْجِوَارِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الشُّفْعَةِ كَذَا
ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَارٍ جُعِلَتْ مَهْرًا أَوْ أُجْرَةً ، أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ ، أَوْ عِوَضِ عِتْقٍ أَوْ وُهِبَتْ بِلَا عِوَضٍ مَشْرُوطٍ ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْرَعْ التَّمَلُّكَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى بِلَا صُورَةٍ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْعَقَارَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ وَلَا مِثْلَ لَهَا حَتَّى يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهَا فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ شَرْطِ الشَّرْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُ فَيُؤْخَذُ بِقِيمَتِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِمِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِعِوَضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِهَا شَرْعًا وَالضَّمَانُ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ قِيمَةً لَهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِلَا عِوَضٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَقَوْلُهُ يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ عِنْدَهُ إلَّا لِلشُّرَكَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَذِهِ الْعُقُودِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا هِيَ مِثْلُ الْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَصْلُحْ الْمَالُ قِيمَةً لَهَا ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ وَلَا اتِّحَادَ فِي الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَكُونُ قِيمَةً لَهَا ، غَيْرَ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا مَضْمُونَةً بِالْمَالِ إمَّا لِخَطَرِهَا أَوْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْضِعَهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَا تَكُونُ مُتَقَوِّمَةً فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ بِمُقَابَلَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمُشْتَرِي
مِنْ السَّبَبِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُنَا لَوْ أَخَذَهُ كَانَ يَأْخُذُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نِكَاحٌ أَوْ إجَارَةٌ ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ أَصْلًا وَلَوْ أَخَذَهُ لَكَانَ بَيْعًا وَفِيهِ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَفِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَشْرُوعَةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْرِدِ النَّصِّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا عَقَارًا مَهْرًا لَمْ تَكُنْ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ مُقَابَلٌ بِالْبُضْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا الْعَقَارَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ حَيْثُ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ مَا أَعْطَاهَا مِنْ الْعَقَارِ بَدَلٌ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا : تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ يَقُولُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْسُدُ بِشَرْطِ النِّكَاحِ فِيهِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ دُونَ التَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا وَفِيهَا رِبْحٌ لَا يَسْتَحِقُّ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِيهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ مَهْرٍ ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا مَهْرًا أَوْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ جَعَلَهَا لَهَا مَهْرًا أَوْ أَعْطَاهَا إيَّاهَا مَهْرًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا تَكُونُ الدَّارُ عِوَضًا إذْ الصُّلْحُ وَالْعِوَضُ يَكُونُ تَقْدِيرًا لِمَهْرِ الْمِثْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا بَاعَ دَارًا ) أَيْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ دَارًا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ لَهُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ جَارٌ بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارًا لَهُ خَاصَّةً وَالْمُضَارِبُ شَفِيعُهَا بِدَارِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَارٌ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ لَمْ يَأْخُذْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِهِ تَابِعًا ) وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ رَأْسِ الْمَالِ شُفْعَةٌ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلُ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ وَكُلُّ مَنْ بِيعَ لَهُ لَا تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ فَكَذَا لَا تَجِبُ فِي التَّبَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِيهِ ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ ) لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَبَقَاءَ مِلْكِهِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ ، ثُمَّ فِي الْأَصَحِّ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يَبْتَنِي عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ يَنْقَطِعُ بِهِ عِنْدَهُ ، وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُهَا ، وَإِمَّا عِنْدَهُ فَلِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ ، ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ ، وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْهُ وَالشَّرْطُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ وَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا وَالْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُخْرِجْ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَيَسْقُطَ خِيَارُهُ وَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الِاسْتِيفَاءَ ؛ إذْ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَلَى الدَّوَامِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَخْذِ مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ فَيَصِيرُ إجَازَةً فَيَلْزَمُ وَيَمْلِكُ بِهِ الْمَبِيعَ وَلِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ
دَارِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ أَنْ يَرَى الْأُولَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا ثَابِتٌ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ كَمَا يَسْتَحِقُّ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ ، أَوْ بَاعَ لَكِنَّهُ هُنَا إذَا أَخَذَ الْمَشْفُوعَةَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَبِدَلَالَتِهِ أَوْلَى ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّفِيعَ أَوْلَى مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الشُّفْعَةِ فِي حَقِّهَا ، وَاتِّصَالُهَا بِالْمَشْفُوعَةِ لَا يُفِيدُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا وَقْتَ بَيْعِ الْأُخْرَى ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بَلْ كُلُّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا وَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا كَانَ لَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ إذَا جَاءَ شَفِيعُ الْأُولَى بَعْدَ مَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ كَانَ لِهَذَا الَّذِي جَاءَ أَنْ يَأْخُذَ الْأُولَى بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَةَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ ) اُنْظُرْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ ا هـ قَوْلُهُ : وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِأَجْلِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ صَارَ كَأَنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ أَجَازَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ جَازَ وَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قَدْ تَمَّ وَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ وَإِنْ فَسَخَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُجِيزَ وَلَا يَفْسَخَ حَتَّى يُجِيزَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ أَوْ يَجُوزَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَحِينَئِذٍ لَهُ الشُّفْعَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دَارِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَضَمِنَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قَدْ تَمَّ
وَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الشَّفِيعُ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَضَمِنَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ بِضَمَانِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى دَارًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لَهُ كَاشْتِرَاطِهِ لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ ) أَيْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ الَّتِي هِيَ الثَّلَاثُ وَقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ قَبْلَ وُجُودِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى وُجُودِ الرُّؤْيَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ ) أَيْ مِلْكٍ لَهُ آخَرَ غَيْرِ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ بِيعَتْ فَاسِدًا مَا لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ ) أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا حَتَّى يَسْقُطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَيْءٍ يُسْقِطُهُ كَالْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مِلْكُ الْبَائِعِ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ حَقٌّ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ يُفِيدُهُ لَكِنَّ حَقَّ الْبَائِعِ بَاقٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ تَقْرِيرُهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَتَحَوَّلَ ذَلِكَ الْفَسَادُ بِعَيْنِهِ إلَى الشَّفِيعِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، ثُمَّ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَتَجِبُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْفَسْخِ بِالْبِنَاءِ أَيْ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِيهَا لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ يَنْقَطِعُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَتَخْصِيصُهُ بِالْبِنَاءِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّ الْبَائِعِ ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْبِنَاءِ بَلْ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْبَائِعِ بِإِخْرَاجِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ وَالْوَاجِبَ فِيهِ الثَّمَنُ فَيَأْخُذُهُ بِهِ ، وَإِنْ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَخَذَهَا بِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَلَا يَعُودُ حَقُّ الْبَائِعِ بِنَقْضِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِيَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ كَانَ صَحِيحًا مُفِيدًا لِلْمِلْكِ ، وَإِنَّمَا فُسِخَ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَلَوْ عَادَ حَقُّ الْبَائِعِ لَبَطَلَ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُ بِالْفَسْخِ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حَقِّ شَخْصٍ لَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ حَقَّهُ وَكَذَا إنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ ، أَوْ جَعَلَهُ مَهْرًا ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ نَقَضَ تَصَرُّفَهُ وَأَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ الشُّفْعَةُ فِي الْمَبِيعَةِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ شَفِيعُهَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَلَا يُؤَدِّي أَخْذُهَا إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَسْخَ مُمْكِنٌ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلَا فَسَادَ فِي الْمَأْخُوذَةِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا بِالشُّفْعَةِ يُؤَدِّي إلَى تَقْرِيرِ الْفَسَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، ثُمَّ إنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا إذَا بَاعَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِهَا لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمَشْفُوعَةِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْحُكْمِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِ الْأُولَى عَنْ مِلْكِهِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ بَيْعُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ لَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ قَبْلَهُ ، وَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَاسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَهَا قَبْلَهُ ، وَإِنْ اسْتَرَدَّهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ : وَفِي إثْبَاتِ الْحَقِّ لَهُ ) أَيْ لِلشَّفِيعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إذَا سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي النَّقْضِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا مَلَكَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ عِنْدَنَا يُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِيهِ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْفَسْخِ فَإِذَا سَقَطَ الْفَسْخُ إمَّا لِاتِّصَالِ الْمَبِيعِ بِزِيَادَةٍ أَوْ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ زَالَ الْمَعْنَى الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ إذَا سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقِيمَةِ وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الَّذِي لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهَا وَبَنَاهَا فَإِنَّ لِلْبَائِعِ قِيمَتَهَا فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَهْدِمُ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَهْدِمُ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَنَى فِي الدَّارِ بِنَاءً يَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَتَى انْقَطَعَ لَزِمَ الْبَيْعُ فَيَظْهَرُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ قِيَامُ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ وَقَدْ بَطَلَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَيَكُونُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِيَ بِهَدْمِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَاهُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ يَكُونُ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ
فَإِذَا بَنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : نَقَضَ ) أَيْ الشَّفِيعُ ا هـ ( قَوْلُهُ : قَبْلَ الْقَبْضِ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي : فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الدَّارَ بِالْقَبْضِ فَصَارَ جَارًا عِنْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ رُدَّتْ الدَّارُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ لَمْ تَبْطُلْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ صَحَّ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي دَارِهِ لِأَنَّ بَقَاءَ الْجِوَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى رَدَّ الدَّارَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّ قِيَامَ الْجِوَارِ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا شُفْعَةَ لِلْبَائِعِ أَيْضًا فِيهَا لِأَنَّ جِوَارَهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْبَيْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ قَوْلُهُ : لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمَشْفُوعَةِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْحُكْمِ إلَخْ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ) أَيْ لَوْ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ ، وَالشُّفْعَةُ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْمُبَادَلَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ ) أَيْ وَهُوَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ ) أَيْ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ سُلِّمَتْ شُفْعَتُهُ ثُمَّ رُدَّتْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ ، أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ ) أَيْ إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ كَيْفَمَا كَانَ ، أَوْ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَقْدًا جَدِيدًا فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ فِي الْإِنْشَاءِ لَا فِي الِاسْتِمْرَارِ وَالْبَقَاءِ عَلَى مَا كَانَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، أَوْ بَعْدَهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ بِالْجَرِّ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَصِيرُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الْقِسْمَةِ فَيَفْسُدُ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتَانِ فِي الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا فِي الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَنْعَقِدُ لَازِمَةً إلَّا بِالرِّضَا وَالْقِسْمَةِ مِنْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْمُبَادَلَةُ أَغْلَبُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَيَجُوزُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِمَا هُوَ الْغَالِبُ وَلِهَذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ بِإِعَادَةِ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ أَوْ مِثْلَهُ بِلَا تَفَاوُتٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ لِأَنَّهُ إذَا أَصَابَهُ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ فِي الْأَوَّلِ قَدْ يَحْصُلُ غَرَضُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ تَثْبُتُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ نَصِيبَ غَيْرِهِ أَحْسَنُ فَتُفِيدُ الْإِعَادَةَ وَقَالَ فِي
الْكَافِي وَصَحَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الرِّوَايَةَ بِالنَّصْبِ وَقَالَ : لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءٍ ، أَوْ بِرِضًا وَبِهِ قَالَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الْبَائِعِ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ ) لَمْ تَتَجَدَّدْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ لِأَنَّ هَذَا فَسْخٌ يَثْبُتُ شَاءَ الْبَائِعُ أَوْ أَبَى فَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي الدَّارَ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالرَّدِّ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَخَذَهَا بِهَذَا الرَّدِّ ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الرَّدِّ وَجُمْلَةُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَادَ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِالْعَوْدِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَوْدِ سَبَبٍ آخَرَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ عَادَ إلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ مِلْكٍ مُبْتَدَأٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا وَالرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ يُوجِبُ عَوْدَ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَأَمَّا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَعَادَ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الشَّيْءَ عَادَ بِمِلْكِهِ بِقَوْلِهِ وَرِضَاهُ فَصَارَ كَشِرَاءٍ مُبْتَدَأٍ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَيْفَمَا كَانَ ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ "
وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ " اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ يُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ عَطْفًا عَلَى الْقِسْمَةِ أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ كَمَا لَا شُفْعَةَ فِي الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا عَطْفًا عَلَى الشُّفْعَةِ وَعَلَى الْمَحَلِّ : أَمَّا رِوَايَةُ الْكَسْرِ فَظَاهِرٌ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَثْبَتَهَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارَ رُؤْيَةٍ فِي الْقِسْمَةِ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْقِسْمَةِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْقِسْمَةَ مِنْ سَاعَتِهِ فَلَا يَكُونَ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا شُفْعَةَ فِي قِسْمَةٍ وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ أَمَّا الشُّفْعَةُ فِي الْقِسْمَةِ فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ مَحْضٍ بَلْ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ ، وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا فِي الَّذِي يُخَالِفُهُ كَمَا لَمْ تَجِبْ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَلَا خِيَارِ رُؤْيَةٍ " فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا شُفْعَةَ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنْ يَثْبُتَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ بِلَا إشْكَالٍ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَحَمَلَ
فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رِوَايَةَ الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَاقْتَسَمُوا لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْقِسْمَةَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ يُحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَقَعُ فِي نَصِيبِهِ عَيْنُ مَا وَقَعَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَوْ مِثْلُهُ فَلَا يُفِيدُهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ عَقَارًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ يُفِيدُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَانِيًا رُبَّمَا يَقَعُ فِي نَصِيبِهِ الطَّرَفُ الَّذِي يُوَافِقُهُ فَيَكُونُ مُفِيدًا ا هـ مَعَ حَذْفٍ ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ هَلْ يَثْبُتَانِ فِي الْقِسْمَةِ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ رَدَّهَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِلَا قَضَاءٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ قَالَ الْمَشَايِخُ ) فِي الْكَافِي وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَجِبُ لَوْ رُدَّتْ بِلَا قَضَاءٍ أَوْ تَقَايَلَا ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ إنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَجِبُ ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ بِالتَّسْلِيمِ ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِقَصْدِهِمَا ذَلِكَ وَالْعِبْرَةُ لِقَصْدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُلْنَا الْإِقَالَةُ مُثْبِتَةٌ لِلْمِلْكِ بِتَرَاضِيهِمَا كَالْبَيْعِ ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَصَدَا الْفَسْخَ فَيَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا فَيَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِوُجُودِ الْبَيْعِ فِيهَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِتَرَاضِيهِمَا فَيَتَجَدَّدُ لَهُ بِهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ ، وَالْإِقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ جَعْلُهُ بَيْعًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا لَكِنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَوْلُهُ : إنْ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمُرَادُهُ ) أَيْ مُرَادُ الْقُدُورِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ إلَخْ ) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فَبَطَلَ بَحْثُ الشَّرْحِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ .
( بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ بِتَرْكِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ التَّقْرِيرِ ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ حِينَ عَلِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَسُدَّ أَحَدٌ فَمَهُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَتَرْكِ الطَّلَبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ .( بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ )
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالصُّلْحِ عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ إذَا صَالَحَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَى الشَّفِيعِ رَدُّ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِمُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ الشَّفِيعُ أَسْقَطْت شُفْعَتِي فِيمَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُسْقِطَ شُفْعَتَك فِيمَا اشْتَرَيْت ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ الثَّمَنَ مِنِّي لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا سَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَعَ هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ " أَسْقَطْتُ " بِدُونِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ سُقُوطُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ شَرْطُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ حَقٍّ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ هُوَ رِشْوَةٌ مَحْضٌ أَوْلَى فَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ الْإِسْقَاطِ فَقَطْ مَجَازًا كَبَيْعِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مِنْ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْقِصَاصِ ، وَمِلْكِ النِّكَاحِ ، وَإِسْقَاطِ الرِّقِّ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَقَرِّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَلِهَذَا يَسْتَوْفِيهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ قِصَاصًا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَعُلِمَ أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْقَتْلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ : اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ
وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقِيلَ فِي الشُّفْعَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَقِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ وَالشُّفْعَةَ يَسْقُطَانِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَمَّا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَصِحُّ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ عَلِمَ بِالسُّقُوطِ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ يَجُوزُ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ ، غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ الْأَخْذِ وَمِثْلُهُ مِنْ الْجَهَالَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَيْعٌ مِنْ الشَّفِيعِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَبِالصُّلْحِ عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ ) رَاجِعْ الْفَصْلَ الَّذِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى ا هـ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ حَقِّ الشُّفْعَةِ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَالٍ فَبِالْفَاسِدِ مِنْ الشَّرْطِ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ وَهُوَ مَا فِيهِ ذِكْرُ مَالٍ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إسْقَاطَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ سَلَّمْتهَا لَك إنْ كُنْت بِعْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَمَا كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَا يَنْزِلُ التَّسْلِيمُ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذَا أَسْقَطَهَا بِعِوَضٍ فَقَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ وَالْعِوَضُ بَاطِلٌ وَسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ فِيهَا لَا يَقِفُ عَلَى عِوَضٍ فَبُطْلَانُ الْعِوَضِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ بُطْلَانِهَا وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَسْقُطُ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا حَقٌّ أَقْوَى مِنْ الشُّفْعَةِ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَالْإِعْرَاضِ مَا لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهَا فَإِذَا
لَمْ يُسَلِّمْ الْعِوَضَ لَمْ تَسْقُطْ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ لَا الْمُشْتَرِي ) أَيْ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَعْدَ الطَّلَبِ ، أَوْ قَبْلَهُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلَا تُورَثُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ كَالْقِصَاصِ وَحَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَنَا أَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَهُوَ صِفَتُهُ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ صَارَ كَالْمَمْلُوكِ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلِهَذَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ ، وَمِلْكُ الْعَيْنِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمْكَنَ إرْثُهُ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ إذْ هِيَ مُجَرَّدُ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا وَكَذَا لَا يُمْكِنُ إرْثُهَا وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْمَوْتِ عَنْ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ ، وَقِيَامُ مِلْكِ الشَّفِيعِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَلَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَبَطَلَتْ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا بِالْمِلْكِ الزَّائِلِ وَقْتَ الْأَخْذِ ، وَإِنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الِانْتِقَالُ إلَى الْوَرَثَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَذَلِكَ حَقُّهُ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيَنْقُضُهُ وَيَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَنْقُضُ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِهِ حَتَّى الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْوَقْفِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ ، أَوْ بَاعَهَا وَصِيُّهُ كَانَ لَهُ نَقْضُهُ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا ) أَيْ وَتَنْتَقِلُ الشُّفْعَةُ إلَى وَرَثَتِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صُورَتُهُ أَنَّ دَارًا بِيعَتْ وَلَا شَفِيعَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَأَثْبَتَهَا بِالطَّلَبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ أَخْذَهَا فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مَلَكَهَا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَاعَهَا وَصِيُّهُ كَانَ لَهُ نَقْضُهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ فَيُفْسَخُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهِ بِوَصِيَّةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهَا وَأَخْذُهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِبَيْعِ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِبَيْعِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ بَيْعِ دَارِهِ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْحَالَيْنِ فَصَارَ كَالتَّسْلِيمِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمْ بَيْعَهَا ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ وَلَوْ بَاعَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِبَقَاءِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَعْرَضَ عَنْ الطَّلَبِ وَبِهِ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلِمَنْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوْ مِثْلُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ شَاءَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ، أَمَّا إعْرَاضُهُ عَنْ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِاشْتِغَالِهِ بِهِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ جُعِلَ مُعْرِضًا عَنْ الْأَخْذِ بِسَبَبِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ حَقٌّ ؛ لِأَنَّهُ إعْرَاضٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ هُنَاكَ لَمْ يَتَضَمَّنْ إعْرَاضًا لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى التَّمَلُّكِ وَهُوَ مَعْنَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ أَخْذِهَا بِطَرِيقٍ آخَرَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الْمَشْفُوعَةَ أَوْ سَاوَمَهَا ، أَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي
أَنْ يُوَلِّيَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ .( قَوْلُهُ : وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ ) أَيْ صَحِيحٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ إلَخْ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي رَجُلٌ بَاعَ دَارًا وَرَضِيَ الشَّفِيعُ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ حَدَّهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا أَقْرَبُ أَوْ أَبْعَدُ وَيَدَّعِي شُفْعَتَهُ حِينَ عَلِمَ قَالَ لَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ لَا تَقِفُ عَلَى كَوْنِ الدَّارِ مَعْلُومَةً كَصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي الدُّيُونِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهَا فَمَتَى صَحَّ التَّسْلِيمُ كَانَ هَذَا دَعْوَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُسْمَعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ ) أَيْ بِالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ بَاعَ ، أَوْ بِيعَ لَهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى ، أَوْ اُشْتُرِيَ لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ ، وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَكَذَا الْبَيْعُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ ، وَالْأَخْذُ يُنَافِيهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ التَّسْلِيمُ ، وَفِي الثَّانِي لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا ، أَوْ أَصِيلًا حَتَّى لَا تَكُونَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا ، وَفِي الثَّانِي لَهُ الشُّفْعَةُ إنْ كَانَ أَصِيلًا وَلِمُوَكِّلِهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا حَتَّى إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْعَقَارَ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ كَانَ لَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ بِالْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ ، وَالْمُجِيزُ لِلْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ كَالْمُوَكِّلِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ فَائِدَةُ قَوْلِنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ وَأَنْ يَتَقَدَّمَ هُوَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ وَأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ عِنْدَ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّفَعَاءِ ، وَالْبَائِعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ أُخْرَى غَيْرِهَا بِلِزْقِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا رَغِبَ عَنْهَا ، وَالْأَخْذُ رَغْبَةٌ فِيهَا فَتَنَافَيَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِثَالِثٍ فَأَجَازَ فَهُوَ
كَالْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ فَأَجَازَ كَانَ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ ) هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَوْ وَكَّلَ شَفِيعَ الدَّارِ بِالْبَيْعِ فَبَاعَهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَ وَلَوْ أَنَّ مُضَارِبًا لِرَجُلٍ بَاعَ دَارًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ أُخْرَى فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ الْبَيْعِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَكَّلَ شَفِيعَ الدَّارِ بِشِرَائِهَا فَاشْتَرَاهَا لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ حَتَّى لَوْ جَاءَ شَفِيعٌ مِثْلُهُ أَخَذَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْهُ وَلَوْ جَاءَ شَفِيعٌ دُونَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اشْتَرَى لَهُ فَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي الدَّرَكَ أَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَأَمْضَى الْبَيْعَ فَهَذَا كُلُّهُ تَسْلِيمٌ لِلشُّفْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَمَّا إذَا بَاعَ فَضَمِنَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فَلِأَنَّ الشَّفِيعَ صَارَ
كَالْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَكَالْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ ، أَمَّا كَالْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِهِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ مَتَى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ كَمَا لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَأَمَّا كَالْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتِمُّ بِهِ وَكَذَا الْبَائِعُ يُطَالِبُهُ بِالثَّمَنِ كَمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ فَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فَلَا يَثْبُتُ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَتَى دَارَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَا يَثْبُتُ فَإِنْ قِيلَ الْبَائِعُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ لَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِتَمْلِيكِ الْمَبِيعِ وَالشُّفْعَةُ لِتَمَلُّكِ الْمَبِيعِ وَبَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَبِيعِ هَهُنَا مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ قِيلَ : لَهُ الشَّفِيعُ إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَانَ بِمَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ لِمَا قُلْنَا فَإِيجَابُ الشُّفْعَةِ لَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ مِنْ وَجْهٍ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ ، فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ مِنْ وَجْهٍ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ أَدَّى إلَى التَّضَادِّ فِي حَقِّ ضَمَانِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ الْتَزَمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَمَتَى بَقِيَ شَفِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ فَيَبْرَأُ هُوَ عَنْ ضَمَانِ الْكَفَالَةِ وَأَمَّا إذَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي بِالدَّرَكِ فَجَوَازُ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ فِي الْمَجْلِسِ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا أَمَّا لَا شُفْعَةَ لَهُ فَلِأَنَّهُ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِهِ وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُشْتَرَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالدَّرَكِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى
الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لَهُ فَأَمْضَى الْبَيْعَ فَلِأَنَّهُ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْبَيْعِ وَلَوْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّفِيعِ فَأَمْضَى الشَّفِيعُ الْبَيْعَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ يُرِيدُ بِهِ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الْإِجَازَةِ عَلَى مَا عُلِمَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ فَكَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ قِيلَ الْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ لَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضَادٌّ فَأَمَّا هُنَا لَوْ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لِهَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَدَّى إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ أَوْجَبَ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَمَتَى أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَبْقَى الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَصَارَ كَالسَّاعِي فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْمُشْتَرِي فَيُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ قِيلَ : لَهُ هَذَا هَكَذَا أَنْ لَوْ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لَهُ بِإِجَازَتِهِ وَالشُّفْعَةُ لَمْ تَجِبْ لَهُ بِإِجَازَتِهِ الشِّرَاءَ بَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بِبَيْعِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَمْ فَسَخَ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَثُبُوتُ حَقِّ الشَّفِيعِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَتَى وَجَبَ الشُّفْعَةُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ مَا أَجَازَ لَا يَكُونُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَا وَجَبَ بِإِجَازَتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَنَّ مَنْ بَاعَ )