كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ وَأُخِذَ بِمَالِهِ وَقُتِلَ فَمُكَاتَبَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ رَقَبَتِهِ بِالرِّدَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا وَبِإِبَاحَةِ دَمِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ فَبِالْحُكْمِيِّ أَوْلَى أَنْ لَا تَبْطُلَ فَبَقِيَ مِلْكُهُ لِمَالِكِهِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى حَالِهِ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالتَّصَرُّفَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ بِالرِّقِّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى فِي الْمَنْعِ مِنْ الرِّدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَمْلِكُ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْضُهَا فِيهَا الْخِلَافُ فَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاقِيَةً يُوَفَّى الْمَوْلَى كِتَابَتَهُ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّ كَسْبَهُ كَسْبُ مُرْتَدٍّ حُرٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا عَلَى مَذْهَبِهِ قُلْنَا حُكْمُنَا بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ حُرِّيَّةُ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمِلْكُ كَسْبِهِ رَقَبَةً وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ يُعْتَبَرُ عَبْدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْكِتَابَةِ فَكَذَا لَا يَكُونُ كَسْبُهُ فَيْئًا لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَلَا يُجْعَلُ حُرًّا فِي حَقِّهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ مُكَاتَبٌ وَلَحِقَ ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأُخِذَ بِمَالِهِ ) أَيْ أَسِيرًا وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ ) أَيْ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ عِنْدَهُمَا مِيرَاثٌ فَكَذَا كَسْبُ الْمُكَاتَبِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ فَيْءٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ كَانَ كَسْبُ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَحَلُّهُ أَنَّ كَسْبَ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ لَمْ تُمْلَكْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ فَكَانَتْ فَيْئًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ فَكَذَا لَا يُنَافِيهَا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَاللَّحَاقُ فَصَحَّتْ أَكْسَابُهُ فَكَانَتْ أَكْسَابُ الرِّدَّةِ كَأَكْسَابِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ لِمَوْتِهِ حُرًّا لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا فَوَلَدَتْ وَوُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ فَيْءٌ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ هُنَاكَ وَلَدًا وَوُلِدَ لِوَلَدِهِمَا وَلَدٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَوَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا فَيْءٌ وَيُجْبَرُ وَلَدُهُمَا عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ وَلَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ فَكَذَا وَلَدُهَا وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ { وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ } فَيَكُونُ حُجَّةً لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي تَوَقُّفِهِمَا فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا تَبِعَهُمَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْقَتْلِ حُكْمَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُجْبَرُ رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ إمَّا أَنْ يُجْبَرَ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَالتَّبَعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَبَعٌ أَوْ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْآبَاءِ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْجَدُّ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ
وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا كَافِرٌ غَيْرُ الْمُرْتَدِّ وَأَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ أَمْ لَا فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ تَبِعَهُ فِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي الْإِجْبَارِ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهَا تُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ إذَا كَانَ الْجَدُّ مُوسِرًا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ وَالثَّالِثَةُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ هَلْ يَدْخُلُ الْجَدُّ فِيهَا أَوْ لَا وَالرَّابِعَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ وَهُوَ مَا إذَا أُعْتِقَ الْجَدُّ هَلْ يُجَرُّ وَلَاءُ الْحَافِدِ إلَى مَوْلَاهُ أَمْ لَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ الْجَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَالْأَبِ
( قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُ الْوَلَدِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا وُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ بَعْدَ الْتِحَاقِهِمَا أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَذَهَبَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِوَلَدٍ لَهُمَا صَغِيرٍ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدُ فَيْءٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ صَارَ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ يَصِيرُ فَيْئًا بِالسَّبْيِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ ذَهَبَ بِهِ وَحْدَهُ وَالْأُمُّ مُسْلِمَةٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ فَيْئًا لِأَنَّ الْوَلَدَ بَقِيَ مُسْلِمًا فَلَا يَصِيرُ فَيْئًا فَيُدْفَعُ إلَى الْأُمِّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ قَدْ مَاتَتْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ إسْلَامَ الْأُمِّ لَا يُرْفَعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَتَقَرَّرُ ( قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ تُسْتَرَقُّ ) أَيْ وَالزَّوْجُ يُقْتَلُ أَوْ يَسْتَسْلِمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ ) أَيْ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَذَا هُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ إلَخْ ) وَالْمَعْقُولُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى كُلِّ الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْمَقَادِيرِ أَحَقَّ مِنْ بَعْضٍ فَلَزِمَ الْقَصْرُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الْأَبُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلْجَدِّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أُسِرُوا فَيُسْتَرَقُّ أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا ) وَجْهُ مَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ الْجَدَّ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا تَبِعَ الْأَبَ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ فَيَتْبَعُ الْجَدَّ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَفَرُّعٌ ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَرَّ آنِفًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ
فِيهَا كَالْأَبِ ) قَالَ فِي الْكَافِي أَرْبَعُ مَسَائِلُ لَمْ يُجْعَلْ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ ) أَيْ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُؤَدِّي الْجَدُّ الْفُطْرَةَ عَنْ ابْنِ ابْنِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُؤَدِّيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِابْنِ الِابْنِ مَالٌ كَالْأَبِ لَكِنْ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَلَا إسْلَامُهُ بِإِسْلَامٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامٌ يَشُوبُهُ بِهَا ضَرَرٌ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَلُزُومِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ الْمُشْرِكَةِ أَوْ الْمُسْلِمَةِ وَامْتِنَاعِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إذْ التَّبَعِيَّةُ دَلِيلُ الْعَجْزِ وَالْأَصَالَةُ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِارْتِدَادَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَمَحَّضَ ضَرَرًا وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إيمَانَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ كَانَ آمَنَ صَبِيًّا وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَكَانَ يَقُولُ : سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلْمِي وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ وَذَكَرَ الْقُتَبِيُّ أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ سَبْعَ سِنِينَ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَعُمْرُهُ ثَمَانُ سِنِينَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَكَذَا أَتَى بِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْجُحُودُ وَالْإِنْكَارُ وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقَائِقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلُ الِاعْتِقَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ
وَلَا الْحَجْرِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُحْجَرُ عَنْهَا كَمَا لَا يُحْجَرُ فِي حَقِّ سَائِرِ أَفْعَالِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ شَرْعًا وَفَسَدَ صَوْمُهُ بِأَكْلِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ وَالْحَجْرُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُفْرٌ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّارِعِ وَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَجَاةٌ سَرْمَدِيَّةٌ وَسَعَادَةٌ أَبَدِيَّةٌ هِيَ مِنْ أَجَلِّ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَلَا يُبَالِي بِشَوْبِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحُكْمُ الْمَوْضُوعُ لَهُ لَا مَا يَلْزَمُهُ فِي ضِمْنِهِ وَقَوْلُهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إلَخْ قُلْنَا إنَّمَا جُعِلَ تَبَعًا لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ وَفِي اعْتِبَارِ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مَعَ إبْقَاءِ التَّبَعِيَّةِ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِطَرِيقَيْنِ وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ وَأَمَّا إذَا تَأَيَّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبَعَ إذَا نَوَى السَّفَرَ كَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا صَارَ مُسَافِرًا بِنِيَّتِهِ وَبِنِيَّةِ أَصْلِهِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فَرْضًا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْإِيمَانِ نَفْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَإِذَا صَارَ فَرْضًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا وَلَا قَائِلَ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَصْحِيحُهُ فَرْضًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْأَصْلِ مُغْنِيَةٌ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي التَّبَعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْلُهُ مُعْتَبَرًا لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَصِفَ الْإِسْلَامَ كَالْبَالِغِ قُلْنَا إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا أَدَّاهُ صَحَّ كَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ
مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ يُؤَدِّي الْجُمُعَةَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَتَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْوَصْفَ بَعْدَمَا عَقَلَ لِبَقَاءِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ وَفِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ يَعْنِي إذَا أَبَى أَنْ يُسْلِمَ بَعْدَمَا ارْتَدَّ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْإِسْلَامِ نَفْعٌ لَهُ فَيُجْبَرُ هَذَا فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا السَّكْرَانُ فِي الرِّدَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ بِالْمُرْتَدِّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى : السَّاحِرُ هَلْ يُقْتَلُ أَوْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ يُنْظَرُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَالِقٌ لِمَا يَفْعَلُ فَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَتَبَرَّأَ عَمَّا اعْتَقَدَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَسْلَمَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ مِنْهُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ الْآنَ سَاحِرٌ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ السَّاحِرَةُ تُقْتَلُ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى نُوَّابِهِ أَنْ اُقْتُلُوا السَّاحِرَ وَالسَّاحِرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قُلْنَا : الْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ
ضَرَرَ كُفْرِهَا وَهُوَ السِّحْرُ يَتَعَدَّى فَتَكُونُ سَاعِيَةً فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ ) أَيْ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ ) وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ا هـ كَاكِيٌّ وَفِي حَجّ غَرِيبُ الرِّوَايَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِي ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا أَوْ ذَبَحَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ ا هـ فُصُولٌ اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا أَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ نَحْوُ الْإِرْثِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِرْمَانِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُشْرِكِينَ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ فِي حَقِّهِ وَحِلِّ نِكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ وَبُطْلَانِ مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَخْ ) ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ارْتِدَادُ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَمْ يَرِثْ أَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لِأَجْلِ صِبَاهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَمَّا جُعِلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ حُكْمًا تَبَعًا لَهُمَا فَلَأَنْ يُجْعَلَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْلَى وَأَحْرَى وَالْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ فَوْزُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ ثُمَّ إذَا تَرَتَّبَتْ الْأَحْكَامُ عَلَيْهَا لَا يُبَالِي بِهَا لِأَنَّهَا حَصَلَتْ ضِمْنًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ ا هـ ( فَرْعٌ ) رَجُلٌ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ
أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ قَالَهُ قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ رَجُلٌ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ تَرَكَهَا فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَضَى مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ وَمَا أَدَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ فِي إسْلَامِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ تَبْطُلُ طَاعَتُهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُلْحَقُ السَّاحِرُ إلَخْ ) السِّحْرُ قَوْلٌ يُعَظِّمُ فِيهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى تُنْسَبُ إلَيْهِ التَّقْدِيرَاتُ وَالتَّأْثِيرَاتُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ إلَخْ ) قَالُوا لَوْ جَاءَ الزِّنْدِيقُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ فَتَابَ عَنْ ذَلِكَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ أُخِذَ ثُمَّ تَابَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُمْ بَاطِنِيَّةٌ يُظْهِرُونِ شَيْئًا وَيَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ فَيُقْتَلُونَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَذَا فِي سِيَرِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكِفَايَةِ ا هـ .
( بَابُ الْبُغَاةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ ( وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ ) لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَدَعَاهُمْ إلَى التَّوْبَةِ وَنَاظَرَهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ تُرْجَى تَوْبَتُهُمْ وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } وَهُوَ أَهْوَنُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا لِمَاذَا يُقَاتِلُونَ فَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَلِهَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِكُلِّ مَا يُقَاتَلُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَالرَّمْيِ بِالنَّبْلِ وَالْمَنْجَنِيقِ وَإِرْسَالِ الْمَاءِ وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } فَصَارَ قِتَالُهُمْ كَقِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ
( بَابُ الْبُغَاةِ ) قَدَّمَ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَالْبُغَاةُ جَمْعُ بَاغٍ وَهَذَا الْوَزْنُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ اسْمِ فَاعِلٍ مُعْتَلِّ اللَّامِ كَغُزَاةٍ وَرُمَاةٍ وَقُضَاةٍ وَالْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْبَاغِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَأْخِيرُ هَذَا الْبَابِ لِقِلَّةِ وُجُودِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبُغَاةِ الْخَوَارِجُ وَلِهَذَا وُسِمَ هَذَا الْبَابُ فِي الْمَبْسُوطِ بِبَابِ الْخَوَارِجِ قَالَ فِي فَصْلِ الْأُسْرُوشَنِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَأَهْلُ الْبَغْيِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمَنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرَ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا } فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ
بَعْدُ كَذَا ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ الْإِمَامِ اللَّامِشِيِّ وَذَكَرَ الْقَلَانِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا دَرَيْنَا الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَخَصْمُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا يُدْرَى الْعَادِلَةُ وَالْبَاغِيَةُ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَرُورَاءَ ) حَرُورَاءُ بِالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ يُنْسَبُ إلَيْهَا فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِهِمْ بِهَا وَتَعَمَّقُوا فِي الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ مَعْنَاهُ أَخَارِجَةٌ عَنْ الدِّينِ بِسَبَبِ التَّعَمُّقِ فِي السُّؤَالِ ا هـ مِصْبَاحٌ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ حَرُورَاءُ اسْمُ قَرْيَةٍ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ ) أَيْ لَا تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ ثَانِيًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَدَأَ بِقِتَالِهِمْ ) يَعْنِي إذَا تَحَيَّزُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَاجْتَمَعُوا لَهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا نَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَؤُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا هُمْ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْبِدَايَةِ مِنْهُمْ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحَيُّزِ وَالتَّهَيُّؤِ فَلَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الدَّلِيلَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ بَلْ وَجَبَ لِمَا تَلَوْنَا ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ حَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى قِتَالِنَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا نُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ
مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ وَأَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْقُعُودِ عَنْ الْفِتْنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ
( قَوْلُهُ إذَا تَحَيَّزُوا ) أَيْ انْضَمُّوا ا هـ ( قَوْلُهُ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ ) خُوَاهَرْ زَادَهْ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُخَارِيُّ وَسُمِّيَ خُوَاهَرْ زَادَهْ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ أُخْتِ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي ثَابِتٍ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إمَامًا كَامِلًا فِي الْفِقْهِ بَحْرًا غَزِيرًا صَاحِبَ التَّصَانِيفِ وَمَبْسُوطُهُ أَطْوَلُ الْمَبَاسِيطِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِيمَا بَلَغَنَا فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ الْقُدُورِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا حَقِيقَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ أَيْ الْبُغَاةُ مُسْلِمُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } ثُمَّ قَالَ { فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى } الْآيَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ ) يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِ الْبُغَاةِ دَفْعُ شَرِّهِمْ فَإِذَا وُجِدَ دَلِيلُ الشَّرِّ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَعَسْكُرُهُمْ يَجِبُ دَفْعُهُمْ بِالْقِتَالِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حِلُّ الْقِتَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ ) أَيْ دَلِيلِ قِتَالِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَجَازَ قِتَالُهُمْ إلَى أَنْ يُقْلِعُوا ) أَيْ يَمْتَنِعُوا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَلْزَمَ بَيْتَهُ وَلَا يَخْرُجَ فِي
الْفِتْنَةِ قَالُوا إنَّمَا أَرَادَ أَبُو حَنِيفَةَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ يَدْعُو إلَى الْقِتَالِ وَإِنْ كَانَ إمَامٌ تَلْزَمُهُمْ إعَانَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ النَّاسُ مُجْتَمَعِينَ عَلَى إمَامٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاسُ آمِنُونَ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ نَاسٌ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا إمَامَ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَلَمْ يَخْرُجُوا مَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُعِينُوهُمْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَاجِزِينَ ) أَيْ إذْ الْعَاجِزُ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُوَلِّيهِمْ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى جَمَاعَتِهِمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إلَى الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَا يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يَتَّبِعُ مُوَلِّيهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَيَوْمَ الْجَمَلِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إلَّا دَفْعًا وَلَا دَفْعَ فِي قَتْلِهِ بَعْدَ مَا تَرَكَ الْقِتَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا( قَوْلُهُ أُجْهِزَ ) ضَبَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلْمَفْعُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ ) وَيَوْمُ الْجَمَلِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْعَةُ عَائِشَةَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ يَوْمئِذٍ عَلَى الْجَمَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَحْنُ نَقُولُ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ) أَيْ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ تُسْبَ ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ لِئَلَّا يَنْفَلِتَ وَيَلْحَقَ بِهِمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ لِأَنَّ شَرَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُكْشَفُ سِتْرٌ وَحِينَ طَلَبَ مِنْهُ أَصْحَابُهُ أَنْ يَقْسِمَ النِّسَاءَ بَيْنَهُمْ قَالَ إذَا قُسِمَتْ النِّسَاءُ فَلِمَنْ تَكُونُ عَائِشَةُ فَأَبْهَتَهُمْ بِذَلِكَ وَقَطَعَ شُبْهَتَهُمْ وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فَتَكُونُ أَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مَعْصُومَةً بِالْعِصْمَتَيْنِ لِكَوْنِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ أَيْ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَكُونُ أَمْوَالُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ مَعْصُومَةً بِالْعِصْمَتَيْنِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ وَالدَّارِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ احْتَاجَ قَاتَلَ بِسِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُقَاتِلُ بِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَمَ سِلَاحَهُمْ بِالْبَصْرَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا أَنْ لَا يُؤْخَذَ مَالٌ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِمَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَذَ الدِّرْعَ مِنْ صَفْوَانَ بِغَيْرِ رِضَاهُ } فَمَا ظَنُّك بِمَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ حَبَسَهُ عَنْهُمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لَهُمْ وَإِعَانَتَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَالْكُرَاعُ يُبَاعُ وَيُحْبَسُ ثَمَنُهُ لِأَنَّ حَبْسَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَأَحْفَظُ لِلْمَالِيَّةِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَزَالَتْ الْفِتْنَةُ رَدَّهَا عَلَيْهِمْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ يُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ( قَوْلُهُ وَالْكُرَاعُ ) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْكُرَاعُ الْخَيْلُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ) أَيْ إنْ قَتَلَ بَاغٍ بَاغِيًا مِثْلَهُ فِي عَسْكَرِهِمْ عَمْدًا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمْ حَالَةَ الْقَتْلِ فَلَمْ يُوجِبْ وَلَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا بَعْدَهُ كَالْقَتْلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا فِي عَسْكَرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنْهُمْ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يُبَاحُ قَتْلُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَادِلَ إذَا قَتَلَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ كَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ فَلَمَّا كَانَ يُبَاحُ قَتْلَهُمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ ) يَعْنِي إذَا غَلَبَ الْبُغَاةُ عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ رَجُلًا مِنْ الْمِصْرِ عَمْدًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَجْرِ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ بَلْ أَزْعَجَهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ لِأَنَّ وِلَايَةَ إمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ تَنْقَطِعْ قَبْلَ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَبَعْدَ الْإِجْرَاءِ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ( قَوْلُهُ بَلْ أَزْعَجَهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ قَبْلَ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ أَيْ أَقْلَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْإِجْرَاءِ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ ) أَيْ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ وَقَالَ أَنَا عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا ) أَيْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ الْبَاغِي الْقَاتِلُ قَتَلْتُهُ وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ وَإِنْ قَالَ قَتَلْتُهُ وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرِثُ الْعَادِلُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ } وَلِهَذَا عِنْدَهُ لَوْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ لَا يَرِثُ قُلْنَا حِرْمَانُ الْإِرْثِ جَزَاءُ الْجَرِيمَةِ وَلَا جَرِيمَةَ فِي الْقَتْلِ الْوَاجِبِ أَوْ الْجَائِزِ فَلَا يَحْرُمُ وَقَتْلُ الْبَاغِي وَاجِبٌ فَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاتِلِ بِقَتْلِهِ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَكَذَا لَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ لِأَنَّ حِرْمَانَهُ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ مَنَعَةٌ كَتَأْوِيلِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْمُرْتَدِّينَ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِمَالٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الرِّدَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِالْتِزَامِ وَلَا الْتِزَامَ مِنْهُ لِاعْتِقَادِهِ الْإِبَاحَةَ وَلَا الْتِزَامَ مِنْ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ بِمَنَعَتِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
تَأْوِيلٌ أَوْ مَنَعَةٌ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْمَنَعَةِ وَالِالْتِزَامُ مَوْجُودٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّأْوِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَنَعَةِ وَالتَّأْوِيلِ لِسُقُوطِ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ تَغَلَّبَ لُصُوصٌ غَيْرُ مُتَأَوِّلِينَ عَلَى مَدِينَةٍ فَقَتَلُوا النَّفْسَ وَأَخَذُوا الْمَالَ أُخِذُوا بِجَمِيعِهِ لِعَدَمِ التَّأْوِيلِ وَكَذَا لَوْ تَغَلَّبَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فَأَخَذُوا الْمَالَ وَأَتْلَفُوا النَّفْسَ بِتَأْوِيلٍ أُخِذُوا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَا مَنَعَةَ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ مَا أَتْلَفُوا دَفْعًا لِقِتَالِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ عَادِلًا عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ مَالَهُ دَفْعًا لِقِتَالِهِ لَا يَضْمَنُ فَالْبَاغِي أَوْلَى وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا بِغَيْرِ حَقٍّ فَبِسُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمُحِيطِ : الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَ الْبَاغِي مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا وَأَمْكَنَ إلْزَامُ الضَّمَانِ فَكَانَ فِي إيجَابِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفُوا مَالَ الْعَادِلِ فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ كَالْخَيْلِ وَالْقُمَاشِ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ إرْسَالِ الْمَاءِ
وَالنَّارِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا إذَا أَتْلَفُوهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِأَنَّ مَالَهُمْ مَعْصُومٌ وَاعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ مَوْجُودٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْإِثْمِ ثُمَّ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي قَتْلِ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ إنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ كَقَتْلِ الْخَاطِئِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَأْثَمُ وَالْخَاطِئُ لَا يَأْثَمُ بِالْقَتْلِ وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ يُلْحَقُ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ لَا إلَى الدَّفْعِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا قَتْلٌ حَصَلَ بِتَأْوِيلٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْقَاتِلِ لِانْضِمَامِهِ إلَى الْمَنَعَةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ فَكَذَا لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ وَقَوْلُهُ وَالْحَاجَةُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ هُنَا لَا إلَى الدَّفْعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ الْحَاجَةُ هُنَا إلَى دَفْعِ الْحِرْمَانِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يُسْتَحَقُّ بِسَبَبِهِ كَالنَّسَبِ أَوْ السَّبَبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فَيَرِثُ بِهِ وَيَدْفَعُ الْحِرْمَانَ الَّذِي ثَبَتَ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ بِتَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ بِشَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا لِيَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْمُخْطِئِ فَإِنَّ الْخَطَأَ لَا يَدْفَعُ جَزَاءَ فِعْلِهِ فِي الدُّنْيَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَالْبَاغِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا إلَخْ ) وَأَصْلُهُ أَنَّ مَا تَلِفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبَغْيِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ لَكِنْ يَأْثَمُ الْبَاغِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ عَلَى الْبَاغِي ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَفِي الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ حَيْثُ لَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي الْعَادِلَ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا نَصُّهُ أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَفِيمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى بَاطِلٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا قَتْلٌ حَصَلَ بِتَأْوِيلٍ صَحِيحٍ إلَخْ ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ جُعِلَ كَالصَّحِيحِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الضَّمَانُ لَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَلَا يَجِبُ الْحِرْمَانُ أَيْضًا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ مَوْجُودٌ فَاعْتُبِرَ تَأْوِيلُهُ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ فِي دَفْعِ الْحِرْمَانِ عَنْ الْإِرْثِ أَيْضًا لَكِنْ شَرْطُ الْإِرْثِ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى دَعْوَاهُ فَإِذَا رَجَعَ فَقَدْ بَطَلَتْ دِيَانَتُهُ فَلَا إرْثَ كَمَا إذَا قَالَ كُنْت عَلَى الْبَاطِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فُرُوعٌ ) وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِرُءُوسِ الْبُغَاةِ أَوْ الْحَرْبِيِّ إلَى الْآفَاقِ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ وَهْنٌ لَهُمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ شُهَدَاءُ يُفْعَلُ بِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالشُّهَدَاءِ يُكَفَّنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَكِنْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ ا هـ شَرْحُ هِدَايَةٍ لِلْعَيْنِيِّ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ
الْوَاوِ حَمْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَلْعُ سِلَاحِهِمْ بِمَا أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْفِتْنَةِ فَالْمَنْعُ أَوْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا ) أَيْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ لَهُ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَعَلَى الْغَالِبِ تُبْنَى الْأَحْكَامُ دُونَ النَّادِرِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ بَيْعُ نَفْسِ السِّلَاحِ دُونَ مَا لَا يُقَاتِلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَدِيدِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقَعُ بِعَيْنِ السِّلَاحِ بِخِلَافِ الْحَدِيدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَشَبَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَعَازِفُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا مَعْصِيَةَ فِي عَيْنِهَا وَكَذَا لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنُهَا مُنْكَرًا وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْمَحْظُورِ ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَدِيدَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَجَازُوهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ لَا يَتَفَرَّغُونَ لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدِ سِلَاحًا لِأَنَّ فَسَادَهُمْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّوْبَةِ أَوْ بِتَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ
( كِتَابُ اللَّقِيطِ ) اللَّقِيطُ اسْمٌ لِشَيْءٍ مَنْبُوذٍ فِي اللُّغَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ وَالْجَرِيحِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ حَيٍّ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ التُّهْمَةِ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الشَّيْءِ بِالصِّفَةِ الْمُشَارِفَةِ كَقَوْلِهِ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( نُدِبَ الْتِقَاطُهُ وَوَجَبَ إنْ خَافَ الضَّيَاعَ ) لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } وَفِي رَفْعِهِ إظْهَارُ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَلِهَذَا قِيلَ مُحْرِزُهُ غَانِمٌ وَمُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا } ثُمَّ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي غَالِبِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ بِأَنْ وَجَدَهُ فِي الْمِصْرِ كَمَا بَيَّنَّا وَمَفْرُوضٌ عَلَيْهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ بِأَنْ وَجَدَهُ فِي مَفَازَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَهَالِكِ صِيَانَةً لَهُ وَدَفْعًا لِلْهَلَاكِ عَنْهُ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ مِنْ الْوُقُوعِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ وَهُوَ صِيَانَتُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ حُرٌّ ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي بَنِي آدَمَ إذْ هُمْ أَوْلَادُ حَوَّاءَ وَآدَمَ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يُوجَدَ مَا يُغَيِّرُهُ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ فِيهَا يَكُونُ حُرًّا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إذْ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى أَنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ لِوُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ
( كِتَابُ اللَّقِيطِ ) عَقَّبَ اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ بِالْجِهَادِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ عَرْضِيَّةِ الْفَوَاتِ لِلْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِمَا أَنَّ ذِكْرَ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ ا هـ دِرَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَ اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ بَعْدَ السِّيَرِ لِمَا أَنَّ النُّفُوسَ وَالْأَمْوَالَ فِي الْجِهَادِ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ وَاللُّقَطَةُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِكَوْنِ النَّفْسِ أَعَزُّ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ السِّيَرَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ فِي الْجِهَادِ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْلَاءَ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } أَوْ فَرْضُ عَيْنٍ إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ إذَا خِيفَ الضَّيَاعُ عَلَى اللَّقِيطِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَرْتَبَةَ الْفَرْضِ أَقْوَى فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ) أَوْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كَأَنَّهُ يَدْعُو صَاحِبَهُ إلَى لَقْطِهِ كَمَا يُقَالُ نَاقَةٌ حَلُوبٌ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةَ اللَّبَنِ كَأَنَّهَا تَدْعُو صَاحِبَهَا إلَى الْحَلْبِ وَكَاللُّقَطَةِ عَلَى مَا يَأْتِيَك ا هـ مُشْكِلَاتٌ خُوَاهَرْ زَادَهْ ( قَوْلُهُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ حَيٍّ طَرَحَهُ أَهْلُهُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِمَا يُوجَدُ مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صِغَارِ بَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةُ اسْمٌ لِمَا يُوجَدُ مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْأَمْوَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَجَبَ ) أَيْ فَرْضٌ لِمَا سَيَجِيءُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ حُرٌّ ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَبْدًا ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ كَمَا يَأْتِي ا
هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَصْلِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اللَّقِيطُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ وَعَقْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ ) أَيْ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ مَعَ احْتِمَالِ السُّقُوطِ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ مُحْتَاجٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرِيبَ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِلصَّرْفِ إلَى مِثْلِهِ فَصَارَ كَالْمَقْعَدِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قَرِيبَ وَلِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا النَّوْعَ الَّذِي يُسْتَحَقُّ فِيهِ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى اللَّقِيطِ بِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ ثُمَّ مُجَرَّدُ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي لِلرُّجُوعِ عَلَى اللَّقِيطِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَا عَلَى شَخْصٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا يَرْجِعُ عَلَى اللَّقِيطِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ إلَّا إذَا صَرَّحَ لَهُ بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كَإِرْثِهِ وَجِنَايَتِهِ ) أَيْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ إرْثُهُ لَهُ وَجِنَايَتُهُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ إلَخْ ) وَحُكْمُ مَا إذَا قَتَلَ اللَّقِيطَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً يُنْظَرُ قُبَيْلَ بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ أَوْ دَابَّةٌ فَهُوَ لَهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ وَمَا فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ كَذَا ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَسَيَجِيءُ هَذَا مَتْنًا وَشَرْحًا ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ ) أَيْ إذَا كَبِرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ ) أَيْ مُحْتَمِلٌ ا هـ ( قَوْلُهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ ) أَيْ فِي إتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلرُّجُوعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجِنَايَتُهُ فِيهِ ) أَيْ لَوْ جَنَى اللَّقِيطُ جِنَايَةً خَطَأً عَلَى إنْسَانٍ تَكُونُ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَحَدٌ ) أَيْ لَا يَأْخُذُ اللَّقِيطَ أَحَدٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ دَفَعَهُ هُوَ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَلَدُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِتَكُونَ مُؤْنَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَقِيطٌ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ ا هـ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِالِالْتِقَاطِ الْتَزَمَ حِفْظَهُ وَتَرْبِيَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ إنْ شَاءَ كَالْوَصِيِّ إذَا أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي( قَوْلُهُ فَكَانَ أَحَقَّ ) أَيْ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ إنْ شَاءَ كَالْوَصِيِّ إلَخْ ) فَإِنْ مَاتَ اللَّقِيطُ وَتَرَكَ مِيرَاثًا أَوْ لَا فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ اسْتِحْسَانًا أَيْضًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إنَّمَا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ النَّسَبَ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ النَّسَبُ وَبِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ بَقِيَ كَلَامُهُ فِي دَعْوَى الْمِيرَاثِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ فِي الْيَدِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ وَالْمُلْتَقِطُ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقَّ بِحِفْظِ وَلَدِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَقِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّسَبِ دُونَ إبْطَالِ الْيَدِ لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ يَدَهُ تَثْبُتُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ مَعَهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَصْلًا لِأَنَّهُ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ ابْنُهُ بَعْدَمَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَقِيطٌ وَلِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ اللَّقِيطَ حُكْمُ النَّسَبِ وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهُ وَيَكْتَسِبَ لَهُ مَا يَنْفَعُهُ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا يَخْفَى لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ كَالْمُلَاعِنِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ يَدِ أَحَدٍ وَالنَّسَبُ يَنْفَعُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ دَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ كَدَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ
( قَوْلُهُ إذَا ادَّعَاهُ ) أَيْ مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ ) يَعْنِي سَابِقًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي أَوْ مُقَارِنًا أَمَّا إذَا ادَّعَيَاهُ عَلَى التَّعَاقُبِ فَالسَّابِقُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَالْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَالْمُلْتَقِطُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْخَارِجُ مُسْلِمًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَلِأَحَدِهِمَا يَدٌ فَكَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى وَهُوَ الذِّمِّيُّ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ ثُمَّ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَارِجِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَهُوَ حَقُّ الْحِفْظِ الثَّابِتِ لِلْمُلْتَقِطِ وَحَقُّ الْوَلَاءِ الثَّابِتِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيَتَأَذَّى بِانْقِطَاعِهِ إذْ يُعَيَّرُ بِهِ وَيَحْصُلُ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ رَاغِبًا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُمْتَنٍّ بِهِ وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ مَا اُعْتُبِرَتْ إلَّا لِحُصُولِ مَصْلَحَتِهِ هَذِهِ لَا لِذَاتِهَا وَلَا لِاسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ وَهَذَا مَعَ زِيَادَةِ مَا ذَكَرْنَا حَاصِلٌ بِهَذِهِ الدَّعْوَى فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَثْبُتُ بُطْلَانُ يَدِ الْمُلْتَقِطِ ضِمْنًا مُرَتَّبًا عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ هَذَا النَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَصَارَ كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ تَصِحُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ وَلَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِحَّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَذْكُرُونَ غَيْرَ هَذَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عِنْدَ الْبَعْضِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَيَكُونُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْ الْوَلَدِ وَالْمُلْتَقِطِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَا
يَمْلِكُ ذَلِكَ ) أَيْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُعَيَّرُ ) أَيْ يُذَمُّ ا هـ ( قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ مَعَهُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ ابْنُ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ صَدَّقَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَوْ كَذَّبَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ سَبَقَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ الْخَارِجُ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ فَيَكُونُ ابْنَ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ دُونَ الْمُدَّعِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَسَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِ ذِمِّيٍّ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ ابْنُهُ قَضَى لِلذِّمِّيِّ بِحُكْمِ يَدِهِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي لِلَّقِيطِ خَارِجَيْنِ وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ وَأَقَامَا بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِي لِلْمُسْلِمِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ ) أَيْ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَقِيطٌ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ الصَّبِيُّ مَنْبُوذًا لِبَعْضِ الْحَوَادِثِ فَيَظُنُّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ لَقِيطٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَلَدُهُ فَلَا تَنَاقُضَ إذًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِمَا ) أَيْ فَإِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ فِي الْخَارِجِ اسْتِلْزَامُهُ إبْطَالَ حَقٍّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى وَهُنَا هُوَ اسْتِلْزَامُهُ التَّنَاقُضَ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّهُ لَقَطَهُ كَانَ نَافِيًا نَسَبَهُ فَلَمَّا ادَّعَاهُ تَنَاقَضَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْ اثْنَيْنِ ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا كَمَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ يَدٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ ذِكْرِ عَلَامَةٍ فَيَكُونُ ابْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحُجَّةِ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ ) أَيْ بِالْوَلَدِ ( فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَلَامَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْعَلَامَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي اللَّقِيطِ وَهُوَ الدَّعْوَى دُونَ اللُّقَطَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ فِي اللَّقِيطِ وَاعْتِبَارُ الْعَلَامَةِ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ } الْآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ } وَإِنْ وَافَقَ بَعْضَ الْعَلَامَةِ وَخَالَفَ الْبَعْضَ سَقَطَ التَّرْجِيحُ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِالِاعْتِبَارِ وَلَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ وَلَوْ ادَّعَى الْآخَرُ بَعْدَهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ قَضَى بِهِ لَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مُحَالٌ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ
( قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ أَيْضًا ) أَيْ فَإِنْ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ رَجُلَيْنِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْمَعُ مِنْ خَمْسَةٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يُسْمَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسْمَعُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يُسْمَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ا هـ بَدَائِعُ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ وَالْكَمَالِ بِمَعْنَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً بِهِ ) أَيْ إذَا ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إذَا ادَّعَى نَسَبَ الْوَلَدِ رَجُلَانِ خَارِجَانِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ذَا الْيَدِ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَنَّهُ ابْنُهُمَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُ وَلَوْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُمَا وَلَوْ لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَصَفَ بِجَسَدِهِ عَلَامَاتٍ فَأَصَابَ وَالْآخَرُ لَمْ يَصِفْ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَ الْوَاصِفِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُرَجِّحَةً كَمَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً كَانَ ابْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الدَّعْوَى وَكَذَا لَوْ أَقَامَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا سَابِقَةً عَلَى الْآخَرِ كَانَ ابْنَهُ وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِي عَلَامَةً لِثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ ذُو الْعَلَامَةِ لِلتَّرْجِيحِ بِهَا بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبَيْ الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا ا هـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ
الْكَمَالُ وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ خَارِجَانِ مَعًا وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَطَابَقَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ فَيُقَدَّمُ عَلَى ذِي الْعَلَامَةِ أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَذُو الْعَلَامَةِ ذِمِّيٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ لَهُمَا إلَخْ ) وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ اللَّقِيطَ أَنَّهُ وَلَدُهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِيرُ وَلَدَهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا لَا يَصِيرُ وَلَدَهُمَا وَلَا وَلَدَ الرَّجُلَيْنِ ا هـ قَاضِي خَانْ وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً صَحَّتْ دَعْوَاهَا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ) أَيْ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مُحَالٌ مِنْهُمَا ) أَيْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جُعِلَ مَجَازًا عَنْ دَعْوَى الْإِرْثِ وَالتَّرْبِيَةِ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ ذِمِّيٍّ إذَا ادَّعَاهُ وَيَكُونُ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ تَتَضَمَّنُ النَّسَبَ وَهُوَ نَفْعٌ لَهُ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَتُهُ لِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَوْ جُعِلَ ابْنًا لَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ فِي الدِّينِ وَهُوَ يَضُرُّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَكَانُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ أَوْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْمِصْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُسْلِمًا وَالثَّانِي أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ أَهْلِ الْكُفْرِ كَالْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَيَكُونُ كَافِرًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّابِعُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْكَافِرِينَ فَفِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ لِسَبْقِهِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَضَعُ وَلَدَهُ فِي الْبِيعَةِ وَلَا الْكَافِرُ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ لِقُوَّةِ الْيَدِ أَلَا تَرَى أَنْ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ حَتَّى إذَا سُبِيَ الصَّغِيرُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ يُعْتَبَرُ كَافِرًا فَكَذَا هَذَا مَعَ يَدِ الْوَاجِدِ لَا يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فِي حَقِّهِ لِقِيَامِهِ بِتَرْبِيَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ مُوجِبًا لِإِسْلَامِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى
وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ يُحَكَّمُ زِيُّهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكَفَرَةِ نَحْوُ الصَّلِيبِ وَالزُّنَّارِ فَهُوَ كَافِرٌ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ ذِمِّيٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ ابْنُ الذِّمِّيِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَيَجِبُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ إذَا قَارَبَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَدْيَانَ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَضَانَةِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ الْمُطَلَّقَةُ كَافِرَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ لِسَبْقِهِ ) أَيْ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ ) أَيْ كَالْمُبَاحَاتِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِسَبْقِ الْيَدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ ) أَيْ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبَوَيْنِ جُزْئِيَّةً وَلَا جُزَيْئَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ ) أَيْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى اخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ اُعْتُبِرَ الْوَاجِدُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ أَيْ نُسَخِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْمَبْسُوطِ اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ أَيْ مَا يَصِيرُ الْوَلَدُ بِهِ مُسْلِمًا نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَهُ كَافِرٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْلِمٌ فِي كَنِيسَةٍ كَانَ مُسْلِمًا فَصَارَتْ الصُّوَرُ أَرْبَعًا اتِّفَاقِيَّتَانِ وَهُوَ مَا إذَا وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ فِي نَحْوِ كَنِيسَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَاخْتلَافِيَّتَان وَهُمَا مُسْلِمٌ فِي نَحْوِ كَنِيسَةٍ أَوْ كَافِرٌ فِي نَحْوِ قَرْيَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكَفَرَةِ نَحْوُ الصَّلِيبِ وَالزُّنَّارِ فَهُوَ كَافِرٌ ) أَيْ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ مَوْتَانَا بِمَوْتَى الْكُفَّارِ يُعْتَبَرُ الزِّيُّ وَالْعَلَامَةُ لِلْفَصْلِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْ عَبْدٍ وَهُوَ حُرٌّ ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ عَبْدٍ إذَا ادَّعَاهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ تَمَحَّضَ مَنْفَعَةٍ فِي حَقِّهِ وَهُوَ لَا يَتْبَعُهُ فِي الرِّقِّ وَإِنَّمَا يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقَدْ تَلِدُ حُرَّةً فَيَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِالدَّارِ بِالْوَهْمِ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ هُوَ وَلَدِي مِنْ زَوْجَتِي وَهِيَ أَمَةٌ فَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ بِتَصَادُقِ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ عَبْدًا لِسَيِّدِهَا لِأَنَّ الْأَمَةَ أُمُّهُ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهَا ثَبَتَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ وَهُوَ الرِّقُّ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ حُرًّا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا لَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ بِالدَّارِ بِالشَّكِّ وَالْحُرُّ فِي دَعْوَةِ اللَّقِيطِ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَاهُ حُرَّانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَمَةِ فَاَلَّذِي يَدَّعِي مِنْ الْحُرَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا لِكَوْنِهِ يُثْبِتُ جَمِيعَ أَحْكَامِ النَّسَبِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ سُرِّيَّةً لَهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْأَحْكَامَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ مِنْ الذِّمِّيِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْإِسْلَامِ يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَلَا اسْتِوَاءَ وَكَذَا الْعَبْدُ لَا يَتَرَجَّحُ بِالْيَدِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ عَبْدٍ وَهُوَ حُرٌّ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَوْ وَجَدَ الْعَبْدُ اللَّقِيطَ وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ وَقَالَ الْمَوْلَى كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى إنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمَحْجُورِ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ آخَرَ فِي يَدِهِ لِغَيْرِ الْمَوْلَى لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّ لِلْمَأْذُونِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ آخَرَ فِي يَدِهِ لِعَبْدِ الْمَوْلَى يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الَّذِي فِي يَدِهِ حُرًّا إلَّا أَنْ يُقِيمَ سَيِّدُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا ) أَيْ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ النَّسَبَ وَالرِّقَّ فَفِي الْأَوَّلِ نَفْعُ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الشَّرَفُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ وَفِي الثَّانِي ضَرَرٌ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْحُرِّيَّةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُرَقُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِالدَّارِ أَوْ بِالْيَدِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ كَافِرًا بِوُجُودِهِ فِي مَوْضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْمُلْتَقِطُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحِفْظِهِ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لِيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ وَكَذَا إذَا صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُسْمَعُ تَصْدِيقُهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَبْدًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ كَاَلَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ لَا بِتَصْدِيقِهِ وَلِهَذَا لَوْ سَكَتَ يَكُونُ عَبْدًا لَهُ لَكِنْ إذَا رَدَّ لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ يَدِهِ مِنْ وَجْهٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا أُجْرِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحَدِّ قَاذِفِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ التَّكْذِيبُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اتَّصَلَ بِهِ التَّكْذِيبُ مِنْ جِهَةِ الْمُقَرِّ لَهُ
( قَوْلُهُ وَالْخَصْمُ فِيهِ إلَخْ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ الْبَيِّنَةُ لَا تَقُومُ إلَّا عَلَى خَصْمٍ مُنْكِرٍ وَلَا خَصْمَ هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ هُنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا هُنَا كَيْ لَا يُنْقَضَ بِمَا إذَا ادَّعَى خَارِجٌ نَسَبَهُ فَإِنَّ يَدَهُ تَزُولُ بِلَا بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ يَدَهُ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ وَفِي دَعْوَى النَّسَبِ مَنْفَعَةٌ تُفَوِّتُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي أَوْجَبَتْ اعْتِبَارَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ فَتَزُولُ لِحُصُولِ مَا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَهُنَا لَيْسَ دَعْوَى الْعَبْدِيَّةِ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِمَا يَضُرُّهُ لِتَبْدِيلِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا تَزُولُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ حُرًّا فَيَكُونُ مَا فِي يَدِهِ لَهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَشْدُودًا عَلَى الدَّابَّةِ وَاللَّقِيطُ عَلَيْهَا لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَيَصْرِفُهُ الْمُلْتَقِطُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ وَقِيلَ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَالُ اللَّقِيطِ ظَاهِرًا لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ شَدِّهِ وَجَعْلِهِ لَهُ ظَاهِرًا ، وَلِلْمُلْتَقِطِ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَصْلَحَةِ اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ بَلْ لِلدَّفْعِ لِأَنَّا نَقُولُ غَرَضُنَا بِذَلِكَ دَفْعُ الْغَيْرِ فَإِذَا انْدَفَعَ يَبْقَى الْمَالُ ضَائِعًا فَيَصْرِفُهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ فَهُوَ لَهُ ) أَيْ ثُمَّ الْمُلْتَقِطُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَهَذَا لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَشْدُودًا عَلَى الدَّابَّةِ وَاللَّقِيطُ عَلَيْهَا ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ فَالدَّابَّةُ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ الْمُلْتَقِطُ إلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ أَيْ لَا حَافِظَ لَهُ وَمَالِكُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْحِفْظِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ وَكَذَا الْغَيْرُ الْوَاجِدُ بِأَمْرِهِ ا هـ قَوْلُهُ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ أَيْ وَكَذَا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لِمَصْلَحَةِ اللَّقِيطِ مِنْ مَالِهِ ) أَيْ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا تَكُونُ الدَّابَّةُ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمَرْكُوبَ تَبَعٌ لِرَاكِبِهِ وَهُوَ كَمَالٍ آخَرَ مَعَهُ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ ) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ عَلَى الْغَيْرِ تُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ سَلْطَنَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِكَمَالِ الرَّأْيِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ فَذَا أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَطْرُ الْعِلَّةِ وَهِيَ كَمَالُ الشَّفَقَةِ فِيهَا وَكَمَالُ الرَّأْيِ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَمِّ وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِالِاسْتِخْدَامِ بِلَا عِوَضٍ وَالْمُلْتَقِطُ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ كَالْعَمِّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ ) أَيْ وَشِرَاءٌ لِيَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ وَمَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ ) أَيْ تَمْلِكُ اسْتِخْدَامَ وَلَدِهَا وَإِجَارَتَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مَحْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ ) أَيْ تَقْوِيمِهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةِ ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ يُهَذِّبُ نَفْسَهُ وَيَطَّلِعُ صَاحِبَ الْحِرْفَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَمْنَعُهُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْفَسَادِ فَيَكُونُ سَبَبَ سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةٍ ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّثْقِيفِ وَحِفْظِ حَالِهِ عَنْ الشَّتَاتِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْفَسَادِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقْبِضُ هِبَتَهُ ) أَيْ إذَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ هِبَةٌ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهَا احْتِمَالُ خِلَافِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( كِتَابُ اللُّقَطَةِ ) اللُّقَطَةُ مِثْلُ اللَّقِيطِ فِي الِاشْتِقَاقِ وَالْمَعْنَى فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الِالْتِقَاطِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَاللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ اسْمُ الْفَاعِلِ لِلْمُبَالَغَةِ وَبِسُكُونِ الْقَافِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَالضُّحَكَةِ وَالضُّحْكَةِ وَسُمِّيَ هَذَا الْمَالُ الْمَلْقُوطُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ مِنْهُ لِزِيَادَةِ مَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهَا يَمِيلُ إلَى رَفْعِهَا فَكَأَنَّهَا تَأْمُرُهُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَيْهِ فَأُسْنِدَ إلَيْهَا مَجَازًا فَجُعِلَتْ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي رَفَعَتْ نَفْسَهَا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ نَاقَةٌ حَلُوبٌ وَدَابَّةٌ رَكُوبٌ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ رَآهَا يَرْغَبُ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ فَنَزَلَتْ كَأَنَّهَا حَلَبَتْ نَفْسَهَا أَوْ رَكِبَتْ نَفْسَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَمَانَةٌ إنْ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى رَبِّهَا وَأَشْهَدَ ) لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَيَجِبُ إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَصَاحِبُهَا أَيْضًا يَرْضَى بِالْأَخْذِ لِيَحْفَظَهَا لَهُ عَادَةً فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الرِّضَا دَلَالَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلَا يَكْتُمُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ تَعَالَى يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ لُقَطَةَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَقَالَتْ الْمُتَقَشِّفَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا
وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَيَكْتُمَهَا عَنْ مَالِكِهَا قَالُوا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّمَعَ فِيهَا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ وَإِذَا أَخَذَهَا عَرَّفَهَا حَتَّى يُوَصِّلَهَا إلَى مَالِكِهَا وَالْإِشْهَادُ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلرَّدِّ وَادَّعَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهَا وَيَضْمَنُ الْمُلْتَقِطُ قِيمَتَهَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ أَخْذَهَا لِصَاحِبِهَا حِسْبَةٌ وَلِنَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ وَلِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ مُنْكِرٌ وَالْمَالِكَ مُدَّعٍ لِلضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَيَضْمَنُ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ عَلَى مَا رَوَيْنَا وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يُوجَدْ فَيَضْمَنُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الظَّاهِرِ يُعَارِضُهُ مِثْلُهُ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَرِّفُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ قَالُوا هَذَا الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُشْهِدُهُ أَوْ خَافَ عَلَيْهَا مِنْ الظَّلَمَةِ فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا
لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ رَدَّهَا بَعْدَمَا حَوَّلَهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ بِالتَّحْوِيلِ الْتَزَمَ حِفْظَهَا وَبِالرَّدِّ صَارَ مُضَيِّعًا لَهَا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ التَّحْوِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِ الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فَدُلُّوهُ عَلَيَّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّقَطَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ
( كِتَابُ اللُّقَطَةِ ) مُنَاسَبَةُ الْكِتَابَيْنِ أَعْنِي كِتَابَ اللَّقِيطِ وَكِتَابَ اللُّقَطَةِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لِوُجُودِ مَعْنَى اللَّقْطِ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّ اللَّقِيطَ اخْتَصَّ بِالْمَنْبُوذِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةَ اخْتَصَّتْ بِالْمَنْبُوذِ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ فُعَّلَةٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْفَاعِلِ كَالْهُمَزَةِ وَاللُّمَزَةِ وَالضُّحَكَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمَالُ الْمَنْبُوذُ كَأَنَّهَا تَلْقُطُ نَفْسَهَا لِكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا وَمَيَلَانِ الطَّبْعِ إلَيْهَا فَسُمِّيَ لُقَطَةً عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ وَفِي الْمَنْبُوذِ مِنْ بَنِي آدَمَ إبَاءٌ عَنْ قَبُولِهِ لِلُزُومِ نَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ فَسُمِّيَ لَقِيطًا أَيْ مَلْقُوطًا عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ وَإِرَادَةِ السِّلَاحِ فِي حَالِهِ كَمَا سُمِّيَ اللَّدِيغُ سَلِيمًا وَالْمَهْلَكَةُ مَفَازَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ هِيَ أَيْ اللُّقَطَةُ فُعَّلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصْفُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَلُعَنَةٍ وَضُحَكَةٍ لِكَثِيرِ الْهَمْزِ وَغَيْرِهِ وَبِسُكُونِهَا لِلْمَفْعُولِ كَضُحْكَةٍ وَهُزْأَةٍ الَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ وَيُهْزَأُ بِهِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَالِ لُقَطَةٌ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ طِبَاعَ النُّفُوسِ فِي الْغَالِبِ تَتَبَادَرُ إلَى الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَصَارَ الْمَالُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاعٍ إلَى أَخْذِهِ بِمَعْنًى فِيهِ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمُلْتَقَطِ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ وَمَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ إلَخْ ) تَبِعَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُفْتَرَضُ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الِافْتِرَاضُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ الِالْتِقَاطُ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ يُفْتَرَضُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ
الْأَصْلُ فِي جَوَازِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ } قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ أَخْذُ اللُّقَطَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَجَدَ لُقَطَةً فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ لَا يَرْفَعُهَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُسْتَحَبُّ أَخْذُ اللُّقَطَةِ وَلَا يَجِبُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ تَرْكُ اللُّقَطَةِ أَفْضَلُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ رَفْعِهَا وَرَفْعُ اللَّقِيطِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى إنْ خَافَ ضَيَاعَهَا يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ يُبَاحُ رَفْعُهَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ الرَّفْعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَفْعِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ رَفْعُهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ رَفْعُهَا وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَيَمْنَعُهَا عَنْ مَالِكِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَهَا رُبَّمَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ رَفَعَهَا وَوَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هَذَا إذَا أَخَذَ وَلَمْ يَبْرَحْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى وَضَعَ هُنَاكَ فَأَمَّا إذَا ذَهَبَ عَنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهَا وَوَضَعَهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَهُوَ ضَامِنٌ ذَهَبَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَى هُنَا
لَفْظُ الْإِسْبِيجَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( فَرْعٌ ) مَنْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهُ إنْسَانٌ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حُكْمًا وَرَدُّهُ إلَيْهِ كَرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ ا هـ فَتْحٌ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فِي نَقْبِ اللِّصِّ وَانْظُرْ مَا كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَعَرَّفَ إلَخْ فَإِنَّهُ نَافِعٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ) الْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْوِكَاءُ الرِّبَاطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوِكَاءُ رِبَاطُ الْقِرْبَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ ) الْمُتَقَشِّفَةُ : الْمُتَعَمِّقَةُ فِي الدِّينِ وَأَصْلُ الْمُتَقَشِّفِ الَّذِي لَا يَتَعَاهَدُ النَّظَافَةَ ثُمَّ قِيلَ لِلْمُتَزَهِّدِ الَّذِي يَقْنَعُ بِالْمُرَقَّعِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْوَسَخُ مُتَقَشِّفٌ مِنْ الْقَشَفِ وَهُوَ شِدَّةُ الْعَيْشِ وَخُشُونَتُهُ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بَلْ أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَفِي الْخُلَاصَةِ يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ وَلَوْ رَفَعَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَضَعَهَا مَكَانَهَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَسَنَذْكُرُهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَضِيعُ مَالُهُ فَكَانَ رَفْعُهَا وَسِيلَةً إلَى إيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ ا هـ كَافِي شَرْحِ الْوَافِي وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا ا هـ قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ أَخْذُ اللُّقَطَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَضْمَنُ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلرَّدِّ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى الصَّلَاحِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ ) أَيْ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِلْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَ إنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلْمَالِكِ فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ لَهُ أَوْ لِنَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ ) أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَوْنُهُ مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ كَذَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَا حَوَّلَهَا ضَمِنَ ) وَفِي الْيَنَابِيعِ يَضْمَنُ سَوَاءٌ حَوَّلَهَا أَوْ لَمْ يُحَوِّلْهَا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهَا لَا يَطْلُبُهَا ) أَيْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا وَقَوْلُهُ أَيَّامًا أَيْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ } وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ مَالَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسُئِلَ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَدَّرَهُ بِسَنَةٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَرِّفُهَا حَوْلًا وَفِيمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ شَهْرًا وَفِي الْعَشَرَةِ جُمُعَةً وَفِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي دِرْهَمٍ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةً وَنَحْوَهَا تَصَدَّقَ بِهَا مَكَانَهَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهَا مَكَانَهَا قَدَّرَ لِكُلِّ لُقَطَةٍ مَا يَلِيقُ بِحَالِهَا فَكَانَ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاحِدًا لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَى اجْتِهَادِهِ وَهَذَا قَدَّرَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ يُعَرِّفُهَا إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ
صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا لَا يَبْقَى عَرَّفَهَا حَتَّى إذَا خَافَ أَنْ تَفْسُدَ تَصَدَّقَ بِهَا وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَنَّهُ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَرِّفْهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعِدَّتِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ بَعْضُهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَوْلٍ وَبَعْضُهَا بِسَاعَةٍ وَبَعْضُهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ التَّقْدِيرِ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُلْتَقِطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقِيَهَا فِيهِ وَفِي الْمَجَامِعِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهَا وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْإِشْهَادُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْرِيفًا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَصْلَحَهَا مَلَكَهَا إنْ قَالَ مَالِكُهَا وَقْتَ التَّسْيِيبِ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ أَبَاحَ التَّمَلُّكَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِيمَنْ أَرْسَلَ صَيْدًا لَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَاةِ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ يَكُونُ إلْقَاؤُهُ إبَاحَةً وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ لَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ
وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْمُخْتَارُ فِي الْقُشُورِ وَالنَّوَاةِ يَمْلِكُهُ وَفِي الصَّيْدِ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ جَمَعَ سُنْبُلًا بَعْدَ الْحَصَادِ فَهُوَ لَهُ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ سَلَخَ شَاةً مَيِّتَةً فَهُوَ لَهُ أَيْضًا وَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي صُوفِهَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهَا لَا يَطْلُبُهَا ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ قَالَ الْتَقَطْت لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً أَوْ قَالَ عِنْدِي شَيْءٌ فَمَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ شَيْئًا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ فَلَمَّا جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ هَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ وَجَدَ لُقَطَتَيْنِ وَقَالَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَسْأَلُ شَيْئًا فَدُلُّوهُ عَلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ عِنْدِي لُقَطَتَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عِنْدِي لُقَطَةٌ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَتْ عَشْرًا وَهَذَا كُلُّهُ إشْهَادٌ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللُّقَطَةِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَيْ اللُّقَطَةُ بِتَأْوِيلِ الْمُلْتَقِطِ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَنْ يُشْهِدَ عِنْدَ الْأَخْذِ وَيَقُولَ أَخَذَهَا لَا رَدَّهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا كَفَى فَجَعَلَ التَّعْرِيفَ إشْهَادًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَكْفِيهِ مِنْ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ إلَخْ يُفِيدُ مِثْلَهُ فَاقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ التَّعْرِيفُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَصَابَ ضَالَّةً فَلْيُشْهِدْ } مَعْنَاهُ فَلْيُعَرِّفْهَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَا عَدْلٍ لِيُفِيدَ عِنْدَ جَحْدِ الْمَالِكِ التَّعْرِيفَ أَيْ الْإِشْهَادَ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَشْهَدَ ثُمَّ عَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ لَا يَقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ وَعَلَى هَذَا فَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا أَصْلًا حَتَّى ادَّعَى ضَيَاعَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِيَرُدَّهَا وَأَخَذَهَا لِذَلِكَ وَقَوْلُهُمَا إنَّ إذْنَ الشَّرْعِ مُقَيَّدٌ بِالْإِشْهَادِ أَيْ بِالتَّعْرِيفِ فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا فَقَدْ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فِي الْأَخْذِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى
الظَّنِّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ أَيْ التَّعْرِيفُ وَقْتَ الْأَخْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ هَلَاكِهَا لِيَعْرِفَ بِهِ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَا لِنَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِكَوْنِهِ رَدَّهَا فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِالرَّدِّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْهُ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِهَا فَإِنْ ذَهَبَ بِهَا ثُمَّ عَادَ ضَمِنَ وَبَعْضُهُمْ ضَمَّنَهُ ذَهَبَ بِهَا أَوْ لَا وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرْنَا لَا يَنْفِي وَجْهَ التَّضْمِينِ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا مَالَ غَيْرِهِ بِطَرْحِهِ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ حِفْظُهُ بِالْأَخْذِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَلَوْ أَخَذَ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ مَا إذَا تَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَوَّلْ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ تَأْوِيلَهُ إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ فَأَمَّا بَعْدَ التَّحَوُّلِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَإِذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ هَذَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَهَا قَبْلَ التَّحَوُّلِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِالْتِزَامِ الْحِفْظِ وَبَيْنَ أَنْ
يَكُونَ لِلنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ فَكَانَ الْآخِذُ مُتَرَدِّدًا فَلَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْحِفْظِ بِنَقْضِ الْأَخْذِ فَإِذَا أَعَادَ بَعْدَ مَا صَارَ تَارِكًا لِلْحِفْظِ قَبْلَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ فَأَمَّا إذَا تَحَوَّلَ بِهَا فَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ بِهَا لِيَحْفَظَهَا لَا لِيَتَأَمَّلَ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ فَكَانَ الْمَشْيُ دَلِيلًا عَلَى الْتِزَامِ الْحِفْظِ فَإِذَا أَعَادَهَا فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ بَعْدَ الْتِزَامِهِ فَيَضْمَنُ هَذَا إذَا أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيُعَرِّفَهَا فَإِنْ أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا لَمْ يَبْرَأْ عَنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا لِيَأْكُلَهَا صَارَ آخِذًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ بِرَدِّ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى دَارِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِلَى مَرْبِطِهِ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلْحِفْظِ فَلَأَنْ لَا يَبْرَأَ هُنَا وَقَدْ رَدَّ إلَى مَكَان لَا يَصْلُحُ لِلْحِفْظِ أَوْلَى ا هـ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ رَفَعَ اللُّقَطَةَ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي مَكَانِهَا فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ هَذَا إذَا أَخَذَهَا وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى أَعَادَهَا فِي مَكَانِهَا أَمَّا إذَا ذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ أَعَادَهَا فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى مَكَانِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ ذَهَبَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا ) الْحِذَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَأَلْفٍ مَمْدُودَةٍ أَرَادَ بِهِ خِفَافَهَا الَّتِي تَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَأَرَادَ بِالسِّقَاءِ إذَا وَرَدَتْ الْمَاءَ تَشْرَبُ مَا يَكُونُ رِيَّهَا مِنْ ظَمَئِهَا ا هـ كَاكِيٌّ ( فُرُوعٌ ) سَكْرَانٌ ذَاهِبُ الْعَقْلِ وَقَعَ ثَوْبُهُ
فِي الطَّرِيقِ وَالسَّكْرَانُ نَائِمٌ فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ لِيَحْفَظَهُ لِمَا أَنَّهُ خَافَ ضَيَاعَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ حَافِظٌ لِمَا مَعَهُ لِأَنَّ النَّاسَ يَخَافُونَ مِنْ السَّكْرَانِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَتَاوَاهُ وَفِيهَا رَجُلٌ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَضَاعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّانِيَ فِي أَخْذِ اللُّقَطَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَيْسَ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ كَالْأَوَّلِ وَلَوْ الْتَقَطَ رَجُلٌ لَقِيطًا ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ رَجُلٌ فَاخْتَصَمَا فِيهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ بِحُكْمِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ آخَرُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ لَمَا وُجِدَ مَطْرُوحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَا كَذَلِكَ اللُّقَطَةُ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحِقًّا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْيَدِ كَالْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ) ثُمَّ تَقْدِيرُ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ بِالْحَوْلِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَعَيَّنَتْ لِلصَّدَقَةِ فَتَكُونُ مُقَدَّرَةً بِالْحَوْلِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ ( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ إبَاحَةَ التَّمَلُّكِ ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ ) أَيْ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ كَالنَّوَاةِ ( يَبْقَى عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ ) فَإِذَا وَجَدَهُ مَالِكُهُ فِي يَدِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ إذْ بِإِلْقَائِهِ يُبِيحُ الِانْتِفَاعَ لِلْوَاجِدِ وَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا مِنْهُ إذْ التَّمْلِيكُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَمِلْكُ الْمُبِيحِ لَا يَزُولُ بِالْإِبَاحَةِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَهَا لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا بَعْدَ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْآخِذِ
بِالْجَمْعِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْتِقَاطِهِ السَّنَابِلَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَجَدَ النَّوَاةَ وَالْقُشُورَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ لَهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمَّا جَمَعَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا أَلْقَاهَا بَلْ سَقَطَتْ مِنْهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ سَلَخَ شَاةً مَيِّتَةً فَهُوَ لَهُ ) أَيْ وَلَوْ دَبَغَ جِلْدَهَا كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ مِنْهُ بَعْدَ مَا يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالْإِلْقَاءِ وَالصُّوفُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِلَا اتِّصَالِ شَيْءٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَجَّانًا أَمَّا الْجِلْدُ صَارَ مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ فَإِذَا أَخَذَهُ يُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ تَصَدَّقَ ) أَيْ تَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ إذَا لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَأَدَاؤُهَا إلَى أَهْلِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَبِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِهَا إذْ إيصَالُ بَدَلِهَا وَهُوَ الثَّوَابُ كَإِيصَالِ عَيْنِهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً فَذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِثَمَنِهَا
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا نَفَّذَهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ ) يَعْنِي إذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ مَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابُهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ تَتَوَقَّفُ الْإِجَازَةُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْقَائِمِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَالِكِ أَيْضًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَإِذْنُ الشَّرْعِ لَا يُنَافِيهِ حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَتَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَ الْمَخْمَصَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِهِ وَالْقَاضِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَضْمَنَ مِنْ أَمْرِهِ الْقَاضِي وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْفَقِيرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْفَقِيرُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الضَّمَانِ وَلَا الْمُلْتَقِطُ يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ هَذَا إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا صَاحِبُهَا إنْ لَمْ يُمْضِ الصَّدَقَةَ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ
( قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْفَقِيرِ ) أَيْ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ فَيَمْلِكُهُ الْفَقِيرُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { الصَّدَقَةُ تَقَعُ } الْحَدِيثُ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمَحَلِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ الْفَقِيرِ تَجُوزُ الْإِجَازَةُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمَالِكُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ قُلْنَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِرْدَادِ كَالْوَاهِبِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَكَالْمُرْتَدِّ لَوْ عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ) أَيْ فَإِنْ ضَمِنَهُ يَكُونُ الثَّوَابُ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَقْتِ التَّصَدُّقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الصَّحِيحِ ) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ إذَا تَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ جَامِعِ الْفَتَاوَى ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ) أَيْ فَصَارَ الْمُلْتَقِطُ كَالْغَاصِبِ وَالْمِسْكِينُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا الْمُلْتَقِطُ يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ ) فَأَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ ) أَيْ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّرْكُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ الشَّاةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَنَا أَنَّهَا يَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَكَانَ فِي أَخْذِهَا صِيَانَتُهَا فَكَانَ أَفْضَلَ أَوْ وَاجِبًا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِي غَيْرِهَا وَلِأَنَّ إطْلَاقَ النُّصُوصِ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا رَوَاهُ كَانَ فِي دِيَارِهِمْ إذْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٍ وَنَحْنُ نَقُولُ فِي مِثْلِهِ بِتَرْكِهَا وَهَذَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الدَّوَابُّ يُسَيِّبُهَا أَهْلُهَا فِي الْبَرَارِيِ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَيْهَا فَيُمْسِكُوهَا وَقْتَ حَاجَتِهِمْ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْتِقَاطِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا( قَوْلُهُ إبِلًا مُؤَبَّلَةً ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ لِلْقَنِيَّةِ فَهِيَ إبِلٌ مُؤَبَّلَةٌ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْإِيجَابِ عَلَى ذِمَّتِهِمَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا ) أَيْ لَوْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ إذْ هُوَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَصَارَ أَمْرُهُ كَأَمْرِ الْمَالِكِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَغْصُوبِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ فَيَقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الثِّقَاتِ إنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ لُقَطَةٌ وَلَا أَدْرِي أَهُوَ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَطَلَبَ أَنْ آمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَاشْهَدُوا أَنِّي أَمَرْته بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَغَابَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَجِدْهُ وَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يُبَاعَ وَيُوَفِّيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ عَجَزَ أَجَابَهُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ وَقَوْلُهُ وَبِإِذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ دَيْنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِمُجَرَّدِ إذْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّرْغِيبِ وَالْمَشُورَةِ أَوْ لِلْإِلْزَامِ فَلَا يَرْجِعُ بِالِاحْتِمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْتَرِطَ وَيَجْعَلَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللَّقِيطِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِقَدْرِ مَا يَقَعُ
عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا لَظَهَرَ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ إلَخْ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ شَرَطَ فِي الْأَصْلِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَلَا تَقُومُ الْبَيِّنَةُ إلَّا عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ مُنْكِرٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ وَلَيْسَتْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ أُقِيمَتْ لِكَشْفِ الْحَالِ يَعْنِي أُقِيمَتْ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُ الْبَهِيمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَذَكَرَ أَيْضًا فِيهَا وَإِذَا بَاعَ اللُّقَطَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إذَا حَضَرَ إلَّا الثَّمَنُ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ إنَّمَا بَاعَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْقَاضِي وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي جَازَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا إلَّا الثَّمَنُ فَكَذَا هَذَا وَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِذْنِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ هَالِكَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْبَائِعَ نَفَذَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ مِنْ حِينِ قَبَضَهَا وَكَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرًا وَأَمْكَنَهُ إبْقَاءُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهَا الدَّيْنَ فَتَعَيَّنَ طَرِيقًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا بَاعَهَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا مَالِكٌ بَاعَهَا لِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَسْتَغْرِقُ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ أَنْ تَبْقَى الْعَيْنُ وَيُوجِبَ عَلَيْهَا أَضْعَافَ قِيمَتِهَا فَتَعَيَّنَ الْحِفْظُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ الثَّمَنُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَفِي كَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْآبِقُ فِي هَذَا كَاللُّقَطَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَجَّرُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَأْبَقَ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ آجَرَهَا ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مِمَّا تَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا بَاعَهَا ) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَهِيمَةُ صَالِحَةً لِلْإِجَارَةِ كَالشَّاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِذَا رَفَعَ أَمْرَ اللُّقَطَةِ إلَى الْقَاضِي نُظِرَ فِيهَا إنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ إجَارَتُهُ كَالدَّابَّةِ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ إجَارَتِهَا إبْقَاءً لِحَقِّ مَالِكِهَا صُورَةً وَمَعْنًى بِإِبْقَاءِ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إجَارَتُهُ كَالشَّاةِ مَثَلًا يَبِيعُ وَيَحْفَظُ الثَّمَنَ إبْقَاءً لِحَقِّ مَالِكِهَا مَعْنًى بِالْمَالِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إبْقَاءُ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْصِلَ النَّفَقَةُ الْقِيمَةَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ رَأَى الْإِنْفَاقَ أَصْلَحَ أَذِنَ فِي الْإِنْفَاقِ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَا رَآهُ أَحْفَظَ وَأَصْلَحَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنَعَهَا مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ ) أَيْ إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَطَلَبَهَا مَنَعَهُ إيَّاهَا حَتَّى يُوَفِّيَ النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ وَجَبَ بِسَبَبِ هَذَا الْمَالِ لِإِحْيَائِهِ فَكَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْمَالِ فَأَشْبَهَ جَعْلَ الْآبِقِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ حَبْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَأْخُذُ صِفَةَ الرَّهْنِ عِنْدَ الْحَبْسِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْحَبْسَ فَيَهْلَكُ بِمَا حَبَسَهُ فِيهِ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهَا بَعْدَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُلْتَقِطُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ أَعْطَاهُ الْقَاضِي مِنْ ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ مَالُ مَالِكِهَا وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَى مَالِكِهَا فَلِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَالْقَاضِي أَوْلَىقَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مُدَّعِيهَا بِلَا بَيِّنَةٍ ) أَيْ لَا يَدْفَعُ اللُّقَطَةَ إلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي } وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانُ بِإِزَالَتِهِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِهَا كَالْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ ) أَيْ بِاعْتِبَارِ إزَالَةِ الْيَدِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا حَلَّ لَهُ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ ) أَيْ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّعِي عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ الدَّفْعُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ عَدَدَ الدَّرَاهِمِ وَوَزْنَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَك } وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَعْرِفُ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَهُ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ دُونَ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ الْوَصْفُ لِوُجُودِ الْمُنَازَعَةِ مِنْ وَجْهٍ وَلَنَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَالْعَلَامَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْيَدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقِفُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مَالُ نَفْسِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ وَبِهِ نَقُولُ وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِذِكْرِ الْعَلَامَةِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً يُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ لِتَعَدِّيهِمَا بِالدَّفْعِ وَالْأَخْذِ وَيَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْآخِذِ إنْ ضَمِنَ وَلَا يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى أَحَدٍ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا عِنْدَ الدَّفْعِ نَظَرًا لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ غَيْرُهُ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَيُضَمِّنَهُ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا لِخَفَائِهِ فَيَسْتَوْثِقُ بِالْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ
لِوَارِثٍ غَائِبٍ أَوْ غَرِيمٍ غَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَأْخُذُ كَفِيلًا لِنَفْسِهِ وَهُنَاكَ لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَعْرِفُهُ وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ فِي الْإِرْثِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ إلَى زَمَانِ التَّكْفِيلِ فَيَكُونُ الْقَاضِي ظَالِمًا بِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِعْطَاءِ الْعَلَامَةِ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّأْخِيرُ بَلْ الْمَنْعُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْمُودِعِ إذَا صَدَّقَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمَدِينُ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ حَيْثُ يُجْبَرُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ دَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ وَقِيلَ يُجْبَرُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مَالِكٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمُودِعَ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ بِتَصَادُقِهِمَا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِنْهُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُلْتَقِطِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ ضَمَّنَ الْقَابِضَ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَابِضَ تَعَدَّى عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَمْنَعُ إقْرَارُهُ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْعَلَامَةِ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَيَرْجِعُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِمِلْكِ الْبَائِعِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَ الْمُودَعُ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ
فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَرَ رَبُّهَا الْوَكَالَةَ حَيْثُ يَضْمَنُ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ عَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ وَفِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ ظَالِمٌ لَهُ فِي تَضْمِينِهِ إيَّاهُ بَعْدَ مَا قَبَضَ وَكِيلُهُ مِنْهُ وَالْمَظْلُومُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ وَهُنَا الْقَابِضُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ ضَامِنٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَافْتَرَقَا وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ بِتَصْدِيقِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِقَضَاءٍ ضَمَّنَ الْقَابِضَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُضَمِّنُ الْمُلْتَقِطَ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَإِنْ أَقَامَ الْحَاضِرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِمَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي التَّكْفِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُلُ وَعَزَاهُ إلَى قَاضِي خَانْ
( قَوْلُهُ إذَا أَعْطَى الْمُدَّعِي عَلَامَتَهَا ) أَيْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُلْتَقِطُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ بِالْعَلَامَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ فَإِنَّ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ كَقَوْلِنَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ ) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِالدَّفْعِ بِالْعَلَامَةِ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ تَوْفِيقًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِحِلِّ الدَّفْعِ دُونَ الْجَبْرِ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثِ الْخَصْمِ وَالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا بِالْعَلَامَةِ فَقَطْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا اسْتِيثَاقًا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَنَفْيُ الْخِلَافِ هُنَا مَعَ إثْبَاتِهِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ إلَخْ ) صُورَتُهُ مِيرَاثٌ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْوَرَثَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَارِثِ كَفِيلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا دَفَعَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَلَامَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَقِيلَ لَا
يُجْبَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ ( فَرْعٌ ) وَلَوْ الْتَقَطَ الْعَبْدُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فَإِذَا أَتْوَاهُ طُولِبَ رَبُّهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ الْبَيْعِ فِيهِ سَوَاءٌ أَتْوَاهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ جِنَايَةً فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَعِنْدَ مَالِكٍ إنْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ يُطَالِبُ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ فَكَانَ ضَمَانًا يَخُصُّهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي زَعْمِ الْمُقِرِّ ) أَيْ وَهُوَ الْمُودِعُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي التَّكْفِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رِوَايَتَيْنِ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ وَهِيَ مَا لَوْ دَفَعَهَا بِالْبَيِّنَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْتَفِعُ بِهَا لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَصَحَّ عَلَى أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ لَوْ فُقَرَاءَ ) يَعْنِي يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا لَمْ يَجُزْ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ قَرِيبًا لَهُ أَوْ زَوْجَةً لَهُ لِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاءٍ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ } الْآيَةُ وَقَوْلِهِ { وَلَا تَعْتَدُوا } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْفَقِيرِ بِطَرِيقِ التَّصَدُّقِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ } أَوْ لِلْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ غَيْرُهُ مُحَرَّمَ التَّنَاوُلِ عَلَى الْأَصْلِ فَإِذَا كَانَ الْمُبِيحُ هُوَ الْفَقْرُ فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ الْوَاجِدَ لَهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ الْأَجَانِبَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْكُلِّ وَهُوَ التَّصَدُّقُ عَلَى مُحْتَاجٍ وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ لِلْوَاجِدِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا صِيَانَةً لَهَا وَالْغَنِيُّ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَيَجُوزُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ فَقْرَهُ إمَّا لِدُيُونٍ عَلَيْهِ أَوْ لِقِلَّةِ مَالِهِ أَوْ يَكُونُ إذْنًا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا مِنْ الْإِمَامِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ مَالَ كَافِرٍ حَرْبِيٍّ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ لَمْ تَكُنْ بِهَا سَعَةٌ يَوْمَئِذٍ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ وَالْغَنِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ لِاحْتِمَالِ افْتِقَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ وَالْفَقِيرُ قَدْ يَتَوَانَى
لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِلُقَطَةِ الْحَرَمِ لِأَحَدٍ بَلْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ } وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ لُقَطَةٍ فِي بَلَدِ مَكَّةَ } وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا نَظَرًا لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا وَعَلَى مَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ إبْقَاؤُهَا لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مَجِيئِهِ وَإِلَّا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْغُرَبَاءِ ظَاهِرًا أَوْ وَهْمًا فَنَقُولُ إنَّ مَالِكَهَا قَدْ ذَهَبَ فَيَأْخُذُهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ إذَا كَانَ فَقِيرًا ) أَيْ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَاجِدَ الرِّكَازِ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَضْعِ الْخُمُسِ فِي نَفْسِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ) أَيْ وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ وَكَانَ مِنْ الْمَيَاسِيرِ أَيْ حَيْثُ قَالَ اخْلِطْهَا بِمَالِك ا هـ كَاكِيٌّ
( كِتَابُ الْآبِقِ ) وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُتَمَرِّدُ عَلَى مَوْلَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ ) أَيْ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ مَالِيَّتِهِ وَلِلْمَالِ حُرْمَةٌ كَالنَّفْسِ وَفِيهِ إعَانَةُ مَوْلَاهُ فَكَانَ أَفْضَلَ ثُمَّ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ حَفِظَهُ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ فَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ الْإِمَامُ تَعْزِيرًا لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْإِبَاقِ ثَانِيًا وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَجْعَلُهَا دَيْنًا عَلَى مَالِكِهِ وَإِذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَجِئْ صَاحِبُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الضَّالِّ فَقِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ إحْيَاءً لَهُ وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مَكَانَهُ فَيَلْقَاهُ مَوْلَاهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَحْبِسُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ وَلَا يَأْبَقُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ آجَرَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ
( كِتَابُ الْآبِقِ ) وَهَذِهِ الْكُتُبُ أَعْنِي اللَّقِيطَ وَاللُّقَطَةَ وَالْآبِقَ وَالْمَفْقُودَ لِتَنَاسُبِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّوَى وَالتَّلَفِ تَوَالَى بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْإِبَاقُ تَمَرُّدٌ فِي الِانْطِلَاقِ وَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ وَرَدَاءَةِ الْأَعْرَاقِ يُظْهِرُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ فِرَارًا لِتَصِيرَ مَالِيَّتُهُ دَمَارًا فَرَدُّهُ إلَى مَوْلَاهُ إحْسَانٌ { وَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ } وَالْآبِقُ هُوَ الَّذِي هَرَبَ مِنْ مَالِكِهِ قَصْدًا وَالضَّالُّ هُوَ الَّذِي ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ أَيْ مَنْزِلَةً قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ كُلٌّ مَنْ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ تَحَقَّقَ فِيهِ عُرْضَةُ الزَّوَالِ وَالتَّلَفِ إنَّ التَّعَرُّضَ لَهُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فِي الْإِبَاقِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَعْقِيبَ الْجِهَادِ بِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ وَكَذَا الْأَوْلَى فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ التَّرْجَمَةُ بِالْبَابِ لَا الْكِتَابُ وَالْإِبَاقُ فِي اللُّغَةِ الْهَرَبُ أَبَقَ يَأْبَقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَالْهَرَبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَصْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ هُوَ الْهَرَبُ قَصْدًا نَعَمْ لَوْ قِيلَ الِانْصِرَافُ وَنَحْوُهُ عَنْ الْمَالِكِ كَانَ قَيْدُ الْقَصْدِ مُفِيدًا وَالضَّالُّ لَيْسَ فِيهِ قَصْدُ التَّغَيُّبِ بَلْ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَوْلَاهُ لِجَهْلِهِ بِالطَّرِيقِ إلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ ) أَيْ قَوِيَ عَلَى حِفْظِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ وَالضَّعْفَ وَلَا يُعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ أَوْ لَا فَلَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ ) أَيْ حَتَّى يَجِيءَ طَالِبُهُ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَهُ فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ وَلَا يُنْتَقَضُ بَيْعُ الْإِمَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ (
قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الضَّالِّ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الضَّالِّ قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ النَّفْسِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَقِيلَ يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ مُنْتَظِرًا لِمَوْلَاهُ حَتَّى يَجِدَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي مَكَان غَيْرِ مُتَزَحْزِحٍ عَنْهُ غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ نَجِد الضُّلَّالَ يَدُورُونَ مُتَحَيِّرِينَ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَاجِدُ الضَّالِّ مَوْلَاهُ وَلَا مَكَانَهُ أَمَّا إذَا عَلِمَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي أَفْضَلِيَّةِ أَخْذِهِ وَرَدِّهِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ رَدَّهُ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ رَدَّ الْعَبْدِ الضَّالِّ وَاللُّقَطَةِ وَلِأَنَّ رَدَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ فَرْضٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِإِقَامَتِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ نَزَلَ نَسْمَعُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { جُعْلُ الْآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا } وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْجُعْلِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَأَوْجَبَ عُمَرُ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَوْجَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ رَدَّهُ فِي الْمِصْرِ فَلَهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ اسْتَحَقَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيُحْمَلُ الْكُلُّ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّقْدِيرِ ثُمَّ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ عَلَى مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهُ عَلَى مَا دُونَهَا تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا وَلِأَنَّ إيجَابَهُ حَامِلٌ لَهُ عَلَى الرَّدِّ إذْ الْحِسْبَةُ نَادِرَةٌ فَتَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِ النَّاسِ وَإِيجَابُ الْمُقَدَّرِ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ وَاللُّقَطَةِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ إذْ الْإِلْحَاقُ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَ الْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ الْآبِقِ لِأَنَّ الْآبِقَ يَخْتَفِي وَالضَّالَّ يَبْرُزُ فَيَظْهَرُ وَقَوْلُهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ قُلْنَا هَذَا تَعْلِيلٌ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَصِحُّ
( قَوْلُهُ وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) أَيْ فَصَاعِدًا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِمَنَافِعِهِ ) أَيْ فَإِذَا تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا تَبَرَّعَ بِمَنَافِعَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ رَدَّ الْعَبْدِ الضَّالِّ وَاللُّقَطَةِ ) أَيْ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي رَدِّهِمَا شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ ( قَوْلُهُ جُعْلٌ ) الْجُعْلُ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ ) يَعْنِي لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ قِيمَتُهُ إلَّا دِرْهَمًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ ثَبَتَ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ نَظَرًا لَهُمْ وَلَا نَظَرَ فِي إيجَابِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ ثَبَتَ شَرْعًا بِلَا تَعَرُّضٍ لِقِيمَتِهِ فَيُمْنَعُ النُّقْصَانُ كَمَا تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الصُّلْحَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ حَطَّ الْبَعْضَ وَهُوَ لَوْ حَطَّ الْكُلَّ كَانَ جَائِزًا فَكَذَا الْبَعْضُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْهُ قَدْرُ مَا تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ قِيمَتُهُ إلَّا دِرْهَمًا ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ الْجُعْلُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْخِلَافَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ وَكَذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْفِقْهِ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ دُونَهَا فَإِنَّمَا يُنْقَصُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَجِبُ الْجُعْلُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَدَّهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَبِحِسَابِهِ ) أَيْ لِأَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ يَجِبُ بِحِسَابِهِ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُعَوَّضِ ضَرُورَةَ الْمُقَابَلَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ إذَا وَجَدَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّضْخِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مَسِيرَةِ السَّفَرِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمُدَّةِ السَّفَرِ فَلَا يُزَادُ بِزِيَادَتِهَا كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ فَلَا يَأْخُذُ مَنْ أَوْفَى حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّهُ كَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ وَإِنْ رَدَّ عَبْدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلَوْ رَدَّ جَارِيَةً مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْجُعْلِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يَجِبُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا
( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ ) يُقَالُ رَضَخَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ مَالِهِ إذَا أَعْطَاهُ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى يُعْطِيَ تَمَامَ الْجُعْلِ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِنَصِيبِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيمَا يُعْطِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى نَصِيبِهِ إلَّا بِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا رَدَّهُ بِلَا اسْتِعَانَةٍ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ إنَّ عَبْدِي قَدْ أَبَقَ فَإِذَا وَجَدْته خُذْهُ فَوُجِدَ فَرَدَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَالِكَهُ اسْتَعَانَ بِهِ وَوَعَدَهُ الْإِعَانَةَ وَالْمُعِينُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّهُ ) أَيْ كُلَّ الْجُعْلِ ا هـ قَوْلُهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ اثْنَيْنِ وَالْآبِقُ وَاحِدًا فَلَهُمَا جُعْلٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ا هـ ا ق
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ ) لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى ويستكسبهما كَالْقِنِّ فَحَصَلَ بِهِ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ إحْيَاءُ مَالِ الْمَوْلَى هَذَا إذَا رَدَّهُمَا فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى وَإِنْ رَدَّهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ فَتَكُونُ حُرَّةً وَلَا جُعْلَ فِي الْحُرِّ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذْ الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مُكَاتَبٌ وَلَا جُعْلَ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ رَدَّ الْقِنَّ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إنْ كَانَ الرَّادُّ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ كَانَ وَارِثًا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْعَمَلَ يَقَعُ فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ أَخَذَهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ إنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ يُضَافُ إلَى التَّسْلِيمِ لَا إلَى الْأَخْذِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَسْقُطُ وَوَقْتُ التَّسْلِيمِ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَلَهُمَا أَنَّ الْوُجُوبَ مُضَافٌ إلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ وَأَثَرُ التَّسْلِيمِ فِي الْمُبَادَلَةِ فِي تَأْكِيدِ الْبَدَلِ لَا فِي إيجَابِهِ إلَّا أَنَّ سَبَبَ التَّأْكِيدِ إذَا فَاتَ يَسْقُطُ الْبَدَلُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَهُنَا التَّسْلِيمُ فَاتَ فِي حِصَّتِهِ إذْ لَا يَكُونُ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا وَلَمْ يَفُتْ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ فَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِمْ حِصَّتُهُمْ كَمَا لَوْ خَاطَ أَوْ صَبَغَ ثَوْبًا لِمُوَرِّثِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا
يَسْقُطُ الْأَجْرُ فِي حِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ وَالْمَوْلَى مَيِّتٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ رَدَّ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ سَائِرَ أَقَارِبِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُعْلُ إذَا كَانَ فِي عِيَالِ الْمَوْلَى لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالرَّدِّ تَبَرُّعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَجَبَ الْجُعْلُ لَهُ إلَّا الِابْنُ إذَا رَدَّ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَدَّ عَبْدَ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا لَا يَجِبُ لَهُمَا الْجُعْلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ رَدَّ الْآبِقِ عَلَى الْمَوْلَى نَوْعُ خِدْمَةٍ لِلْمَوْلَى وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ فَلَا تُقَابَلُ بِأَجْرٍ وَكَذَا خِدْمَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا رَدَّ عَبْدَ الْيَتِيمِ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَلَا جُعْلَ لِلسُّلْطَانِ إذَا رَدَّ آبِقًا
( قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ فِي حِصَّتِهِ ) الظَّاهِرُ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي حِصَّتِهِ فِي حِصَّتِهِمْ فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ إلَّا الِابْنَ إذَا رَدَّ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ وَجَدَ الرَّجُلُ عَبْدَ أَبِيهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَإِنْ وَجَدَ الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْأَخُ وَسَائِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا وَجَدَ عَبْدَ أَخِيهِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَجُمْلَتُهُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ مَا إذَا رَدَّ الْآبِقَ وَاحِدٌ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّادُّ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الرَّادَّ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَجِيرٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَيُّ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَا وَجَبَ الْجُعْلُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ قَرِيبِهِ اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ وَلَوْ عَمِلَ لَهُ بِإِجَارَةٍ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَوَجَبَ الْجُعْلُ قِيَاسًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الرَّدَّ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ عُرْفًا وَعَادَةً فَإِنَّ الْعُرْفَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ إنَّمَا يَطْلُبُهُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَيَرُدُّهُ مُتَبَرِّعًا فَلَوْ ثَبَتَ التَّبَرُّعُ نَصًّا لَا يَجِبُ الْجُعْلُ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ عُرْفًا لِأَنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ نَصًّا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَمْ يُوجَدْ لَا نَصًّا وَلَا عُرْفًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الرَّادِّ لَا يَضْمَنُ ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ الْأَخْذِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اللُّقَطَةِ وَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَالْجُعْلُ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَوْ جَاءَ بِهِ إلَى الْمَوْلَى فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مِنْهُ قَبْضٌ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ لَهُ وَلَوْ دَبَّرَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا جُعْلَ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ لِسَلَامَةِ الْبَدَلِ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَتَّى كَانَ لَهُ حَبْسُهُ بِالْجُعْلِ كَمَا يُحْبَسُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ الْمَبِيعِ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ فَكَذَا هَذَا هَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِبَاقِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ مِنْ الْآخِذِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مَا يُبَرِّئُهُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمَوْلَى بِأَنَّهُ أَبَقَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَشْهَدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ ) لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِشْهَادِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إذَا رَدَّهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إذَا رَدَّهُ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اللُّقَطَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا
يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا إذَا أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ اتَّهَبَهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجُعْلُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ) لِأَنَّهُ أَحْيَا دَيْنَهُ بِالرَّدِّ لِرُجُوعِهِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ فَحَصَلَ سَلَامَةُ مَالِيَّتِهِ لَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَهَلَكَ دَيْنُهُ وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِمَا هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ جَعَلَ حِصَّةَ الْمَضْمُونِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةَ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَضْمُونِ فَصَارَ كَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ مَدِينًا فَالْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ وَإِنْ أَبَى بِيعَ الْعَبْدُ وَأَخَذَ الرَّادُّ جُعْلَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَمَا بَقِيَ يُعْطَى لِأَصْحَابِ الدُّيُونِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ وَإِنْ كَانَ جَانِيًا فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَالْجُعْلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ وَأَحْيَا الرَّادُّ مَالِيَّتَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَإِنْ اخْتَارَ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَالْجُعْلُ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ أَحْيَا حَقَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ الرَّدِّ فَزَوَالُهُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ كَزَوَالِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَلِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرُّجُوعِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَدِينِ وَجُعْلُ عَبْدِ الصَّبِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ وَلَوْ رَدَّهُ وَصِيَّةً لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِهِ وَجُعْلُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ
ضَمَانَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْغَاصِبِ وَجُعْلُ عَبْدِ رَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتُهُ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَحْيَا دَيْنَهُ بِالرَّدِّ لِرُجُوعِهِ بِهِ ) أَيْ لِرُجُوعِ الدَّيْنِ بِالرَّدِّ بَعْدَ مَا سَقَطَ وَلَوْلَا الرَّدُّ لَاسْتَمَرَّ ذَهَابُهُ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ حَيْثُ يُبَاعُ وَيُقَدَّمُ الْجُعْلُ ثُمَّ الْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ ا هـ ا ق .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَمْرُ نَفَقَتِهِ كَاللُّقَطَةِ ) لِأَنَّهُ لُقَطَةٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ مِنْ أَنَّ الْآخِذَ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْإِذْنِ وَفِي حَبْسِهِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَ حُضُورِ مَوْلَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( كِتَابُ الْمَفْقُودِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ ) وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ يَقُولُ الرَّجُلُ فَقَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْته وَفَقَدْته أَيْ طَلَبْته وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَفْقُودِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ ، وَأَهْلُهُ فِي طَلَبِهِ يَجِدُّونَ وَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ خَبَرُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ أَثَرُهُ فَبِالْجِدِّ قَدْ يَصِلُونَ إلَى الْمُرَادِ وَرُبَّمَا يَتَأَخَّرُ اللِّقَاءُ إلَى يَوْمِ التَّنَادِ وَحُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ مِنْ أَقَارِبِهِ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَيَاتِهِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَصَّبَ نَاظِرَ الْكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَقَدْ عَجَزَ الْمَفْقُودُ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَفِي نَصْبِ مَا ذَكَرْنَا نَظَرٌ لَهُ فَيَفْعَلُ وَقَوْلُهُ مَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ يَعْنِي يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدُّيُونَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عَرَضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِيمَنْ وَكَّلَهُ الْمَالِكُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ هَلْ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ أَمْ لَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَمْلِكُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ
عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَبَدًا فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وَاقِعَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذِ أَحَدٍ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا قَبْلَ الْحُكْمِ ثُمَّ الْوَكِيلُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِيهِ فَتَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَيْهِ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَتَعَيَّنَ النَّظَرُ فِيهِ بِحِفْظِ الْمَعْنَى وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ( كِتَابُ الْمَفْقُودِ ) قَالَ فِي النُّقَايَةِ هُوَ غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ أَثَرُهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا تُنْكَحُ عِرْسُهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ وَلَا تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى قَرِيبِهِ وِلَادًا وَزَوْجَتِهِ ) أَيْ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وِلَادًا وَعَلَى زَوْجَتِهِ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرُوا بِمَالِهِ أَخَذُوهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ إعَانَةً لَهُمْ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَجِبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِمَا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَوْ قَضَى لَهُمْ لَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ الْمُرَادُ بِهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَتِهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ قِيمَةً كَالنُّقُودِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدِينُ مُقِرَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقْرَارِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا دُونَ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ دَفَعَا إلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ الْمُودِعُ وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ لِتَعَدِّي الْمُودِعِ وَعَدَمِ إيصَالِ الدَّيْنِ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ نَائِبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَى الْقَاضِي نَفْسُهُ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ وَالْأَخْذِ فَإِذَا كَانَا جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْ السَّبَبِ مِنْ النَّسَبِ وَالزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ خَصْمًا فِيهِ لِأَنَّ مَا يُثْبِتُهُ لِلْغَائِبِ وَهُوَ الْمَالُ لَمْ يَتَعَيَّنْ
لِحَقِّهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقُّهُ مُتَعَيِّنًا فِيهِ كَالشَّفِيعِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ شِرَاءَ الْمَشْفُوعِ مِنْ الْمَالِكِ الْغَائِبِ وَكَالْعَبْدِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ الْغَائِبِ وَأَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ فِي مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا ) أَيْ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ أَوْ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِحَقِّهِ ) أَيْ وَهُوَ النَّفَقَةُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ) أَيْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ وَلِأَنَّهُ فَاتَ حَقُّهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ فَأَخَذَ مِنْهُمَا الْمِقْدَارَ الْأَرْبَعَ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ لِأَنَّ حَقَّهَا فَاتَ وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْعُنَّةِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَمَا فِي الْعُنَّةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ فَكَانَا بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّهُ وَهُوَ حَيٌّ فِي إبْقَاءِ حَقِّهِ وَلِهَذَا لَا يُورَثُ مَالُهُ لِلْحَالِ فَكَذَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَالتَّفْرِيقُ فِي الْإِيلَاءِ لِرَفْعِ الظُّلْمِ وَلَا ظُلْمَ فِي الْمَفْقُودِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فَأَجَّلَهُ الشَّارِعُ فَكَانَ إيقَاعًا بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْعُنَّةِ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ يَعْقُبُهَا الرُّجُوعُ وَالْعُنَّةُ لَا تَزُولُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهَا سَنَةً عَادَةً فَانْعَدَمَ شَرْطُ الْقِيَاسِ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ
( قَوْلُهُ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ ) أَيْ جَرَّتْهُ ا هـ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ أَنَا لَقِيت الْمَفْقُودَ فَحَدَّثَنِي حَدِيثَهُ قَالَ أَكَلْت خَزِيرًا بِالزَّايِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مَرَقَةٌ تُطْبَخُ بِمَا يُصَفَّى مِنْ بَلَالَةِ النُّخَالَةِ فِي أَهْلِي ثُمَّ خَرَجَتْ فَأَخَذَنِي نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَمَكَثْت فِيهِمْ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي عِتْقِي فَأَعْتَقُونِي ثُمَّ أَتَوْا بِي قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا أَتَعْرِفُ النَّخِيلَ قُلْت نَعَمْ فَخَلُّوا عَنِّي فَجِئْت فَإِذَا عُمَرُ أَبَانَ امْرَأَتِي بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجْت فَخَيَّرَنِي عُمَرُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ وَبَيْنَ الْمَهْرِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ أَنَّ عُمَرَ هَمَّ بِتَأْدِيبِهِ حِينَ رَآهُ وَجَعَلَ يَقُولُ يَغِيبُ أَحَدُكُمْ عَنْ امْرَأَتِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا يَبْعَثُ بِخَبَرِهِ فَقَالَ لَا تَعَجَّلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَكَرَ لَهُ قِصَّتَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجِنَّ يَتَسَلَّطُونَ عَلَى بَنِي آدَمَ وَأَهْلُ الزَّيْغِ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْمُسْتَنْكَرُ دُخُولُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ رُوحَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَتَحَقَّقُ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ تَسَلُّطُهُمْ عَلَى الْآدَمِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْجِنُّ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْمِلُوا جِسْمًا كَثِيفًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّهُ يَدْخُلُ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ } فَنَتَّبِعُ الْآثَارَ وَلَا نَشْتَغِلُ بِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَفِي طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمَفْقُودَ كَانَ اسْمُهُ خُرَافَةَ
وَكَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْجِنِّ يَحْكِي عَنْهُمْ أَشْيَاءَ يَتَعَجَّبُ مِنْهَا وَيَتَوَقَّفُ فِي صِحَّتِهَا فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا حَدِيثُ خُرَافَةَ وَصَارَ هَذَا مَثَلًا يُضْرَبُ عِنْدَ سَمَاعِ مَا لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ وَالْخُرَافَاتُ كُلُّ مَا لَا صِحَّةَ لَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا ا هـ وَاسْتَبْعَدَهَا فِي الْمُغْرِبِ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَخُرَافَةُ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً ) لِأَنَّ الْغَالِبَ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَضْلِيِّ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ وَأَبُو يُوسُفَ قَدَّرَهُ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَى أَمْثَالِهِ فِيمَا تَقَعُ الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ طَرِيقُ الشَّرْعِ كَقَيِّمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ النِّسَاءِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَوْتِهِ فَحَكَمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ بَعْدَ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْغَالِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ فِي مَهْلَكَةٍ وَمَا كَانَ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مُدَّتِهِ إلَّا لِاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ وَوَرِثَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ ) أَيْ حِينَ حَكَمَ بِمَوْتِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَرِثَهُ إلَّا وَرَثَتُهُ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ وَرَثَتِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِيهِ عِيَانًا لِأَنَّ الْحُكْمِيَّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ ) أَيْ لَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ مِنْ أَقَارِبِهِ حَالَ فَقْدِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ حَيًّا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَأَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ مَالَ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا يَدْفَعُ بِهِ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ حَيٌّ فِي مَالِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ مَالِ غَيْرِهِ هَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يُوقَفُ نَصِيبُهُ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَقَارِبِهِ كَمَا فِي الْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَرِثُ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ كَانَ لَهُ وَإِلَّا يَرُدَّ الْمَوْقُوفَ لِأَجَلِهِ إلَى وَارِثِ مُورِثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِوَقْفِ الْمُوصَى بِهِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا حَكَمَ بِمَوْتِهِ يَرُدُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَإِنْ انْتَقَصَ حَقُّهُ بِهِ ) أَيْ بِالْمَفْقُودِ ( يُعْطِي أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي كَالْحَمْلِ ) لِأَنَّ مُتَرَدِّدٌ فَيُعْمَلُ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطُ كَالْحَمْلِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي تَصْحِيحِ مَسَائِلِ الْمَفْقُودِ هُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَتُصَحَّحُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَإِلَّا اضْرِبْ الْجَمِيعَ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ مَنْ كَانَ يَسْقُطُ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ أَوْ مَمَاتِهِ فَتُسْقِطُهُ وَمَنْ كَانَ يُنْتَقَصُ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَسْقُطُ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي وَمَنْ لَا يَتَغَيَّرُ نَصِيبُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ يُعْطَى نَصِيبَهُ كَامِلًا مِثَالُهُ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبَوَيْنِ وَأَخًا كَذَلِكَ مَفْقُودًا فَلِلَامِ السُّدُسُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ الرُّبْعُ وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ وَفَاتِهِ الرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَكَذَا لِلْأُخْتِ عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لَهَا التُّسْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْأَقَلُّ وَيُوقَفُ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ بِنْتَيْنِ وَأَخًا لِأَبٍ وَبِنْتَ ابْنٍ وَابْنَ ابْنٍ مَفْقُودًا فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِبِنْتِ الِابْنِ التُّسْعُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَلِلْأَخِ الثُّلُثُ عَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَيُعْطَى الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ وَلَا يُعْطَى الْأَخُ وَلَا بِنْتُ الِابْنِ شَيْئًا كَمَا فِي الْحَمْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ مِثَالُهُ تَرَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجًا إلَخْ ) هَذَا مِثَالٌ لِصُورَةِ انْتِقَاصِ حِصَّةِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ بِالْمَفْقُودِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ مَمَاتِهِ الرُّبْعُ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَائِلَةً لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ ثُمَّ بِالْعَوْلِ صَارَ ثُلُثُهَا رُبْعًا وَصَارَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ رُبْعًا وَثُمُنًا كَمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لِلْأُخْتِ ) أَيْ رُبْعٌ وَثُمُنٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ بِنْتَيْنِ ) هَذَا مِثَالٌ لِصُورَةِ مَا يُحْجَبُ فِيهِ الْوَارِثُ الْحَاضِرُ بِالْمَفْقُودِ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( كِتَابُ الشِّرْكَةِ ) وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِلَاطِ النَّصِيبَيْنِ فَصَاعِدًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَمِنْهُ الشَّرَكُ بِالتَّحْرِيكِ حِبَالَةُ الصَّائِدِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطَ بَعْضِ حَبْلِهِ بِالْبَعْضِ ثُمَّ يُطْلَقُ اسْمُ الشِّرْكَةِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّرْكَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ شِرْكَةِ مِلْكٍ وَشِرْكَةِ عَقْدٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( شِرْكَةُ الْمِلْكِ أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً ) وَكَذَا اسْتِيلَاءً أَوْ اتِّهَابًا أَوْ وَوَصِيَّةً أَوْ اخْتِلَاطُ مَالٍ بِغَيْرِ صُنْعٍ أَوْ بِصُنْعِهِمَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَوْ يَعْسُرُ كَالْجِنْسِ بِالْجِنْسِ أَوْ الْمَائِعِ بِالْمَائِعِ أَوْ خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشِّرْكَةِ كَانَ وَاقِعًا فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَالشِّرْكَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْغَنَائِمِ وَنَحْوِهِمَا
( كِتَابُ الشِّرْكَةِ ) هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِي الْمَعْرُوف أَوْ رَدِّ الشِّرْكَةِ عَقِبَ الْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةً فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ وَهَذِهِ عَامَّةٌ فِيهِمَا وَفِي الْآبِقِ وَاللُّقَطَةُ وَاللَّقِيطُ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ مَالٍ مَعَ اللَّقِيطِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَفْقُودَ عَلَيْهِمَا وَأَوْلَاهُ الْإِبَاقُ لِشُمُولِ عَرَضِيَّةِ الْهَلَاكِ كُلًّا مِنْ نَفْسِ الْمَفْقُودِ وَالْآبِقِ وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ تَخَيَّلَ أَنَّ عَرْضِيَّةَ الْهَلَاكِ لِلْمَالِ فَقَالَ لِأَنَّ الْمَالَ عَلَى عَرْضِيَّةِ التَّوَى وَحَاصِلُ مَحَاسِنِ الشَّرِكَةِ يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالشِّرْكَةُ لُغَةً خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الشِّرْكَةَ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ الشِّرْكُ مَصْدَرُ شَرِكْت الرَّجُلَ أَشَرَكُهُ شِرْكًا فَظَهَرَ أَنَّهَا فِعْلُ الْإِنْسَانِ وَفِعْلُهُ الْخَلْطُ وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ فَصِفَةٌ لِلْمَالِ ثَبَتَتْ عَنْ فِعْلِهِمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ مِنْ الْمَالِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ اسْمَهُ الِاشْتِرَاكُ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَصْدَرُ اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ افْتِعَالٌ مِنْ الشِّرْكَةِ وَيُعَدَّى إلَى الْمَالِ بِحَرْفِ فِي فَيُقَالُ اشْتَرَكَا فِي الْمَالِ أَيْ حَقَّقَا الْخَلْطَ فِيهِ فَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ فِيهِ أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ اشْتِرَاكُهُمَا أَيْ خَلْطُهُمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ) ثُمَّ يُطْلَقُ اسْمُ الشِّرْكَةِ عَلَى عَقْدِ الشِّرْكَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اخْتِلَاطُ النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لَهُ ثُمَّ رُكْنُ شِرْكَةِ الْمِلْكِ اجْتِمَاعُ النَّصِيبَيْنِ وَحُكْمُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ
بِدُونِ إذْنِهِ وَرُكْنُ شِرْكَةِ الْعُقُودِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ شَارَكْتُك فِي كَذَا وَكَذَا فَيَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْت وَحُكْمُهَا الشِّرْكَةُ فِي الرِّبْحِ ثُمَّ شِرْكَةُ الْأَمْلَاكِ عَلَى ضَرْبَيْنِ جَبْرِيٌّ وَاخْتِيَارِيٌّ فَالْأَوَّلُ فِي الْعَيْنِ يَرِثُهَا رَجُلَانِ وَالثَّانِي فِي الْعَيْنِ يَشْتَرِيَانِهَا أَوْ تُوهَبُ لَهُمَا أَوْ تُوصَى لَهُمَا فَقَبِلَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ حِبَالَةُ الصَّائِدِ ) حِبَالَةُ الصَّائِدِ بِالْكَسْرِ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا اسْتِيلَاءٌ إلَخْ ) مِثْلُ مَا إذَا اسْتَوْلَيَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ اتِّهَابًا ) أَيْ قَبِلَا عَيْنًا وُهِبَتْ لَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ اخْتِلَاطُ مَالٍ بِغَيْرِ صُنْعٍ ) أَيْ كَمَا إذَا شُقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّرَاهِمِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلٌّ أَجْنَبِيٌّ فِي قِسْطِ صَاحِبِهِ ) أَيْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِأَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ اسْتِهْلَاكٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ إلَى الْخَالِطِ لَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي فَإِذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ زَوَالِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى شَرِيكِهِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الزَّوَالِ فَيُطْلِقُ لَهُ التَّصَرُّفَ وَلِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى حِيَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ حَبَّةٍ مُشَارٍ إلَيْهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَرَكَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ مَانِعٌ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ( قَوْلُهُ لِأَنَّ خَلْطَ الشَّيْءِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ ) أَيْ مِثْلُ خَلْطِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ ) أَيْ لِوُجُودِ الْخَلْطِ غَيْرُ مَوْجُودٍ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ صِفَةِ التَّعَدِّي عَنْ الْخَلْطِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشِرْكَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقْبَلُ الْآخَرُ ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِرُكْنِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَنْ يَقُولَ شَارَكْتُك فِي بَزٍّ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرْكَةِ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ لِيَقَعَ مَا يُحَصِّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهِ فَيَكُونُ مَا يَكْسِبُهُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ ثُمَّ شِرْكَةُ الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شِرْكَةٍ بِالْمَالِ وَشِرْكَةٍ بِالْأَعْمَالِ وَشِرْكَةٍ بِالْوُجُوهِ وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ فَصَارَتْ سِتَّةَ أَقْسَامٍ وَعَقْدُ الشِّرْكَةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّ { السَّائِبَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْت شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِينِي وَلَا تُمَارِينِي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ { زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ } فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ مَشْرُوعَةٌ
( قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ ) أَيْ شَرْطُ شِرْكَةِ الْعُقُودِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عِنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ عَقْدَ الشِّرْكَةِ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرْكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ مِنْ طَرِيقِ النُّطْقِ أَوْ الْحُكْمِ وَلَمْ تُوجَدْ الْوِلَايَةُ وَالنُّطْقُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ لِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشِّرْكَةِ وَهُوَ الرِّبْحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالِاحْتِشَاشُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ) أَيْ كَالِاصْطِيَادِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَتَسَاوَيَا مَالًا وَتَصَرُّفًا وَدَيْنًا ) أَيْ شِرْكَةُ الْعَقْدِ تَكُونُ مُفَاوَضَةً بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةً إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا وَالْمُسَاوَاةُ تَكُونُ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ الْمُفَاوَضَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفَوِّضُ أَمْرَ الشِّرْكَةِ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَامَّةً فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بِالنَّصِّ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ شَرَائِطَهَا فَيُشْتَرَطُ النَّصُّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مُقْتَضَاهَا لِتَكُونَ مَعْلُومَةً ظَاهِرَةً وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ فِيهَا لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِي الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ مِنْهُ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ الْوَكَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الشِّرْكَةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ التَّوْكِيلُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ قَصْدًا وَيَصِحُّ ضِمْنًا حَتَّى صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مَجْهُولٍ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ شِرْكَةُ الْعِنَانِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْوَكَالَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ لِمَا ذَكَرْنَا أَوْ نَقُولُ الْجَهَالَةُ تُفْسِدُ الْعَقْدَ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا لِذَاتِهَا وَهُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَتَجُوزُ وَقَوْلُهُ إنْ تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لَيْسَ
فِيهِ فَائِدَةٌ تَمْتَازُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدِ شِرْكَةٍ يَتَضَمَّنُهَا وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا فَلَا تَخْتَصُّ بِالْمُفَاوَضَةِ وَشُرِطَتْ الْكَفَالَةُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الشِّرْكَةِ لِتَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ جَازَتْ هُنَا مَعَ جَهَالَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي التَّكْفِيلِ مَقْصُودًا وَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ فَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَكَالَةِ مَعَ الْجَهَالَةِ أَوْ نَقُولُ جَوَّزْنَاهُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَاشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّسَاوِي وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسَاوِي فِي مَالٍ تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالنُّقُودِ وَلَا يَضُرُّهَا التَّفَاضُلُ فِي الْعُرُوضِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِيهَا وَهِيَ تَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِي التَّصَرُّفِ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ أَوْ الْبَالِغِ وَالصَّغِيرِ لِأَنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَلِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ التَّكْفِيلَ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ جَمِيعِ مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهِمَا كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ فَفَاتَ الشَّرْطُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا
مُعْتَبَرَ بِزِيَادَةِ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ وَنَظِيرُهُ أَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَشِرَائِهِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ وَالشَّافِعِيَّ لَمْ يَتَفَاضَلَا فِي التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ شِرَاءَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ جَائِزٌ لَهُمَا وَفِي زَعْمِ الْحَنَفِيِّ جَائِزٌ لَهُمَا فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي التَّصَرُّفِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اعْتِقَادِهِمَا وَكَذَا الْمُحَاجَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَتَجُوزُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْبَالِغِ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْمُفَاوَضَةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِنَانِ كَانَ عِنَانًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ إذْ هُوَ أَخَصُّ فَإِذَا بَطَلَ الْأَخَصُّ تَعَيَّنَ لَهُ الْأَعَمُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ) لِمَا ذَكَرْنَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إلَخْ ) وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ وَقَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَدْرِي مَا الْمُفَاوَضَةُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ لَا يَجُوزُ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ عِنْدَ انْضِمَامِهِمَا بَيَانُهَا أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ ، وَالْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِالشِّرَاءِ أَوْ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ لَا تَصِحُّ أَيْضًا بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِمَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ كَقَوْلِهِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ وَهُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ وَلِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا الْمُسَاوَاةُ عِنْدَكُمْ وَاعْتِبَارُهَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فِي مَتَاعِ الْأَهْلِيِّ أَوْ ثِيَابِ الْبَدَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْمُفَاوَضَةِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي عَامَّةِ كُتُبِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ } وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ شِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَعَامَلُوا هَذِهِ الشِّرْكَةَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ الْمُسَاوَاةَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ لَا غَيْرُ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ فِيهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ قَالَ الشَّاعِرُ ) هُوَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ (
قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ) أَيْ لَا تَصْلُحُ أُمُورُ النَّاسِ حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَسَاوِينَ لَا أَشْرَافَ لَهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ وَيَنْهَوْنَهُمْ وَالسَّرَاةُ جَمْعُ سَرَى وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ إذَا تَوَلَّى سَرَاةُ النَّاسِ أَمْرُهُمْ نَمَا عَلَى ذَاكَ أَمْرُ الْقَوْمِ وَازْدَادُوا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا ) أَمَّا لَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ هَلْ يَلْزَمُ الْآخَرُ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَجِيءُ ا هـ دِرَايَةٌ قَوْلُهُ يَجِيءُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ خِلَافًا لَهُمَا ( قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تَكُونَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِتِجَارَةٍ دُونَ شَرِيكِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا مِنْ حُقُوقِ مَا يَتْجُرَانِ فِيهِ لَازِمًا لِلْآخَرِ وَمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ لِلْآخَرِ وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا وَجَبَ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَفِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ عَنْهُ وَيَتَسَاوَيَانِ مَعَ ذَلِكَ فِي رُءُوسِ الْأَمْوَالِ فِي قَدْرِهَا وَقِيمَتِهَا فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً وَكَانَتْ عِنَانًا وَيَتَسَاوَيَانِ أَيْضًا فِي الرِّبْحِ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ خَاصٌّ فِي يَدِهِ أَوْ مُودِعٌ لَهُ مِمَّا بَيَّنْت لَك أَنَّ الشِّرْكَةَ تَجُوزُ فِيهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الشِّرْكَةِ فَسَدَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَكَذَلِكَ إنْ صَارَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ فَإِنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَفْسُدُ وَتَصِيرُ شِرْكَةَ عِنَانٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا بِيضٌ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ سُودٌ
جَازَتْ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهَا فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فِي الصَّرْفِ فَلَا تَجُوزُ شِرْكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِمَا عُرِفَ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ جَازَتْ إنْ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَنْعَقِدُ الشِّرْكَةُ عِنَانًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَالنُّقُودِ ) أَمَّا فِيمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ كَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالدُّيُونِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدَّيْنَ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ ) وَفِي الْإِيضَاحِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ مَعَ الْمُرْتَدِّ فَلَا تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَذَكَرَا فِي الْأَصْلِ ، قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ أَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَشِرَائِهِ ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ حَلَالًا بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ مَعَ الْمَجُوسِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَتَجُوزُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ ) أَيْ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ ) أَيْ وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ كَانَ عِنَانًا ) أَيْ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْعِنَانِ لَفْظُ الْمُفَاوَضَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ يَقَعُ مُشْتَرَكًا لِإِطْعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمْ ) أَيْ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ لِلشِّرْكَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ كَشِرَائِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ الْمُشْتَرَى وَالْكِسْوَةُ الْمُشْتَرَاةُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الشِّرْكَةِ إلَّا أَنَّا اسْتَثْنَيْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَ شَارَكَ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِحَاجَتِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَكَانَ مُسْتَثْنًى بِهَذَا الْمَعْنَى لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَصَرُّفِهِ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ دَلَالَةً أَوْ عَادَةً وَهُوَ كَالْمَنْطُوقِ وَكَذَا الِاسْتِئْجَارُ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلرُّكُوبِ لِحَاجَتِهِ كَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْإِدَامُ وَالْجَارِيَةُ الَّتِي يَطَؤُهَا لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِتِجَارَةٍ وَغَصْبٍ وَكَفَالَةٍ لَزِمَ الْآخَرَ ) لِأَنَّهُ كَفِيلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ وَلَهُ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرٍ أَوْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَفِي الْغَصْبِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَيُلْحَقُ بِهِ الْمُسْتَهْلَكُ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرُهُ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ فَصَارَ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ مِنْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِهِ غَيْرَ الْعَاقِدِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مُشْتَرَكًا حَتَّى يَجِبَ بَدَلُ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ فَكَذَا بَدَلُ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعَتَاقِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدَهُمَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بِهِ تَتَحَقَّقُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَالْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ بَدَلٌ عَمَّا لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الْمُبَاشِرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ عَنْ صَاحِبِهِ بِالْعَقْدِ إلَّا دُيُونَ التِّجَارَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَمْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ثُمَّ إنْ أَدَّى الْعَاقِدُ ثَمَنَ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُ الْعَاقِدِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ وَإِنْ أَدَّى مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا رَجَعَ بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ صَاحِبِهِ
أَوْ قَضَى عَنْهُ صَاحِبُهُ بِأَمْرِهِ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ إلَخْ ) أَيْ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَ أَحَدَهُمَا لَا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْآخِرَ كَالْأَرْشِ وَالْمَهْرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ ) أَيْ وَتَبَرُّعُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا مِنْ شِرْكَتِهِمَا أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً لَا فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً ) وَبَيَانُ كَوْنِهَا مُعَاوَضَةً أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَإِذَا أَدَّى عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ فَلَمَّا كَانَتْ مُعَاوَضَةً فِي حَالِ الْبَقَاءِ كَانَتْ فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ لُزُومَ الْكَفَالَةِ عَلَى صَاحِبِهِ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ فَلَزِمَتْ صَاحِبَهُ وَلِأَجْلِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فِي حَالِ الْبَقَاءِ صَحَّ إقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فِيهِ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْشَائِهَا فِيهِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَصَارَتْ الْكَفَالَةُ مِنْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَلَيْسَتْ هِيَ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِحِصَّتِهِ ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا طَعَامًا لِأَهْلِهِ أَوْ كِسْوَةً لَهُمْ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً فَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ ضَمِنَ نِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّهُ فَضْلُ مَا لِشَرِيكِهِ وَالْفَضْلُ فِي الْمَالِ يُبْطِلُ الْمُفَاوَضَةَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ إنْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ ) أَيْ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ إذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَهَبَ لَهُ مَا تَصِحُّ فِيهِ الشِّرْكَةُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ وَهُوَ النَّقْدَانِ لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يُصْلِحُ رَأْسَ الْمَالِ إذْ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا شَرْطٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَقَدْ فَاتَ إذْ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَتَنْقَلِبُ عِنَانًا لِلْإِمْكَانِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ إنْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ وَرِثَ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ اسْتَفَادَ أَحَدُهُمَا مَالًا بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرْكَةِ لَمْ تَبْطُلْ أَيْضًا حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ عِنَانًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَوَصَلَ إلَى يَدِهِ ) أَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا الْعَرَضُ ) أَيْ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ بِهِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ لَا يَقَعُ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَهَذَا لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَبْطُلُ بِتَفَاوُتِهِمَا فِي الْمَالِ إلَّا فِي مَالٍ يَصِحُّ عَقْدُ الشِّرْكَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَهُوَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْمُفَاوَضَةِ فَيَمْنَعُ الْبَقَاءَ لِأَنَّ لِبَقَاءِ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ الْعُقُودِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ وَالْمُفَاوَضَةُ مِنْهَا( قَوْلُهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا لَا تَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا عَرَضًا فَهُوَ لَهُ وَلَا تَفْسُدُ الْمُفَاوَضَةُ وَكَذَا الْعَقَارُ ا هـ أَيْ الْعَقَارُ حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ حُكْمُ الْعَرَضِ لَا تَفْسُدُ بِهِ الْمُفَاوَضَةُ ذَكَرَ هَذَا تَفْرِيعًا لِمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَإِنْ وَرِثَ عَرَضًا أَوْ دُيُونًا لَمْ تَبْطُلْ مَا لَمْ يَقْبِضْ الدُّيُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَقَالَ فِي الْعُيُونِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَالًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ لِلَّذِي وَرِثَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ) وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي رَأْسِ مَالٍ مَعْلُومٍ كَالنُّقُودِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَتَفَاضَلَ الثَّمَنَانِ فَمَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَمَا لَمْ يَمْلِكْ بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا وَثَمَنُهُ فِي ذِمَّتِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِسَابِهِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَانَ رِبْحُ مَا يَضْمَنُ وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي بَيْعِ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ رِبْحِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَمِينٌ فَإِذَا شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْفُلُوسُ إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَ النَّقْدَيْنِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهَا وَلَا الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ رَوَاجَهَا عَارِضٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ فَكَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَتَصِيرُ عَرَضًا فَلَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ فِي الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ رَأْسِ الْمَالِ بِالْعَدَدِ بَعْدَ الْكَسَادِ وَلَا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحِرْزِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَقْيَسُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْفُلُوسَ تَتَعَيَّنُ بِالْقَصْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ
تَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى جَازَ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يَصْطَلِحْ عَلَى ضِدِّهِ وَأَمَّا التِّبْرُ وَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَجَعَلَهُ فِي شِرْكَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَصْلُحْ رَأْسَ مَالِ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةَ وَجَعَلَهُ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ كَالْأَثْمَانِ لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ثَمَنٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِضَرْبٍ مَخْصُوصٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الضَّرْبِ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ غَالِبًا وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعُرْفُ فَكُلُّ مَوْضِعٍ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ فَهُوَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْعُرُوضِ فِي حُكْمِ التَّعْيِينِ وَعَدَمِ جَوَازِ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ بِهِ وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ فَلَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَإِنْ خَلَطَاهُ بِجِنْسِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ بَيْنَهُمَا شِرْكَةَ مِلْكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شِرْكَةُ عَقْدٍ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الرِّبْحِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَحِقُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا وَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاوُتِ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَصِحَّ الشِّرَاءُ بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عَرْضٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ عَرَضٌ لَمْ تَصِحَّ الشِّرْكَةُ فِيهِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ يَجُوزُ بَعْدَهُ رِعَايَةً لِلشَّبَهَيْنِ وَتَوْفِيرًا لِحَظِّهِمَا عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا يُصْلِحُ رَأْسَ الْمَالِ فِي الشِّرْكَةِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ
لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَانِعَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ وَهُوَ تَعَيُّنُهُ بِالتَّعْيِينِ فَصَارَ كَمَا إذَا خَلَطَاهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ إذَا خَلَطَ الْجِنْسَ بِجِنْسِهِ يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى يَضْمَنَ مُتْلِفُهُ مِثْلَهُ وَإِنْ خَلَطَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ حَتَّى يَضْمَنَ مُتْلِفُهُ قِيمَتَهُ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى تَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْعُرُوضِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ شَرْطُ جَوَازِ شِرْكَةِ الْعِنَانِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ وَالْمَالُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطِ الشِّرْكَةِ بَلْ الشَّرْطُ وَقْتَ الشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ أَخْرِجْ مِثْلَهَا وَاشْتَرِ وَبِعْ فَمَا رَبِحْت فَهُوَ بَيْنَنَا فَفَعَلَ صَحَّتْ الشِّرْكَةُ لِقِيَامِ الشِّرْكَةِ عِنْدَ الْمَقْصُودِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ) أَيْ فَإِنَّهَا لَمْ تَجُزْ بِالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَى الْمُضَارِبِ بَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ ) أَيْ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ فِي الْعُرُوضِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَالْآخَرُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَاشْتَرَكَا فِي الرِّبْحِ يَأْخُذُ الَّذِي بَاعَ عَرَضَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يَمْلِكْ وَمَا لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ الْمَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِرَأْسِ الْمَالِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ طِيبِ الرِّبْحِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْإِنْسَانِ مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ عَرَضَك عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِكِ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيْته بَيْنَنَا أَوْ اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ بَيْنَنَا جَازَ ذَلِكَ فَلِهَذَا افْتَرَقَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفُلُوسُ إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا ا هـ مُشْكِلَاتُ خُوَاهَرْ زَادَهْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ بَاعَ كُلٌّ نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ وَعَقَدَ الشِّرْكَةَ صَحَّ ) أَيْ لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الْعُرُوضِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَعَقَدَا عَقْدَ الشِّرْكَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ جَازَتْ الشِّرْكَةُ وَصَارَتْ شِرْكَةَ عَقْدٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ صَارَ شِرْكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ثُمَّ بِالْعَقْدِ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ شِرْكَةَ عَقْدٍ فَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الشِّرْكَةَ فِي الْعُرُوضِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ نِصْفُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَالَيْنِ رِبْحَ مَا يَضْمَنُ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبِيعَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ بَيْعِ نِصْفِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَفَاوِتَةً فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الشِّرْكَةُ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ عَرَضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرَضِ الْآخَرِ مِائَةً بِبَيْعِ صَاحِبِ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرَضِهِ بِخُمُسِ عَرَضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا حَتَّى يَصِيرَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْعَكْسُ جَائِزٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً فَبَاعَاهُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِأَنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا رُبْعَ مَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَالِ الْآخَرِ حَتَّى يَكُونَ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاعَ نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ شَرْطُهَا
التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْعِنَانِ وَقَوْلُهُ بِنِصْفِ عَرَضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَقَدَ الشِّرْكَةَ فِي الْعَرَضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعِنَانٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ ) أَيْ هِيَ عِنَانٌ إنْ تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَتَضَمَّنْ الْكَفَالَةَ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ فِي نَوْعِ بَزٍّ أَوْ طَعَامٍ أَوْ فِي عُمُومِ التِّجَارَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ وَالْعِنَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنَّ لَهُ كَذَا أَيْ عَرَضَ لَهُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ عَذَارَى دُوَّارٌ فِي مُلَاءٍ مُذَيَّلِ أَيْ عَرَضَ أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنَّ لَهُ بِمَعْنَى ظَهَرَ لَهُ فَكَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْبَعْضِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ الْعِنَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ رَاكِبَ الدَّابَّةِ يُمْسِكُ الْعِنَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَعْمَلُ بِالْأُخْرَى فَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجْعَلُ عَنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يُجِيزَا هَذَا الِاسْمَ عَلَى هَذِهِ الشِّرْكَةِ وَقَالَا هَذِهِ كَلِمَةٌ تَطَرَّقَ بِهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ لِيُمْكِنَهُمْ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الشِّرْكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ النَّابِغَةُ وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقَاهَا وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى تَضَمُّنِهِ الْكَفَالَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعِنَانٌ ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا وَهِيَ مُفَاوَضَةٌ إنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً وَكَفَالَةً وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ عِنَانٌ مَا نَصُّهُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ شَيْءٌ عَرَضَ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَا عَلَى الْعُمُومِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ يُقَالُ عَنَّ لَهُ أَيْ اعْتَرَضَ لَهُ وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ ) وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ دُونَ الْمَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْأَكْثَرَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَوْ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَضِيعَةِ عَلَى خِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا الرِّبْحُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ } وَلِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ وَالضَّمَانِ وَقَدْ وُجِدَ الْعَمَلُ هُنَا فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَشْرُوطَ بِهِ كَالْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ بِالضَّمَانِ وَغَيْرِهِمَا بِالْمَالِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَهْدَى وَأَحْذَقَ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُهُمْ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إلَى الْقَرْضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ وَبِخِلَافِ الْوَضِيعَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُنَافِيهِ كَالْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ مِنْ الرِّبْحِ بِعَمَلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ مِثْلَ عَمَلِ شَرِيكِهِ أَوْ أَكْثَرَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَيُشْبِهُ الشِّرْكَةَ مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ وَوُجُودُ الْعَمَلِ وَالْمَالِ مِنْهُمَا فَقُلْنَا جَازَ اشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا
اعْتِبَارًا بِالشِّرْكَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَفِي مَالِ نَفْسِهِ وَعَمَلُهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ بِأُجْرَةٍ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالْمُضَارَبَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِبَعْضِ الْمَالِ ) أَيْ يَجُوزُ بِبَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهِ وَالْمُسَاوَاةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ قَالَ الْكَمَالُ وَعَكْسُهُ بِأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا ) أَيْ إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ زِيَادَةُ رِبْحٍ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ جَازَ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِمَّا يُسْتَحَقُّ بِهِ أَصْلُ الرِّبْحِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ رِبْحِ مَالِهِ جَازَ أَيْضًا وَيَكُونُ مَالُ صَاحِبِهِ فِي يَدِهِ كَالْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ وَإِنْ شَرَطَا الْفَضْلَ لِمَنْ لَا يَعْمَلُ لَا يَجُوزُ وَلَهُ مِثْلُ رِبْحِهِ خَاصَّةً ا هـ شَرْحُ تَكْمِلَةٍ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ } وَلَمْ يُعَرِّفْ الْحَدِيثَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْسُبُهُ إلَى عَلِيٍّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ إلَى الْقَرْضِ ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ الْبِضَاعَةُ ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ ) أَيْ عَقْدُ شِرْكَةِ الْعِنَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ الشِّرْكَةَ ) أَيْ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ ) أَيْ تَجُوزُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَمِنْ جِهَةِ الْآخَرِ دَنَانِيرَ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا تُتَصَوَّرُ الشِّرْكَةُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الشِّرْكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِلَا خَلْطٍ وَالْجِنْسَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ فَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْتَازًا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَا اشْتِرَاكَ مَعَ الِامْتِيَازِ وَلَفْظُ الشِّرْكَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَاطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَنَا أَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدُ تَوْكِيلٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِيَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْخَلْطِ وَالرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْعَقْدُ شِرْكَةً وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ حَتَّى جَازَ شِرْكَةُ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلُ لَا إلَى الْمَالِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِالْعَقْدِ فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَنِدَةً إلَى الْعَقْدِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْخَلْطُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالِاتِّحَادُ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ عِنْدَهُمْ كَالْعُرُوضِ وَعِنْدَنَا لَا
( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ) لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مَالَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمَا الشِّرْكَةُ قِيَاسًا عَلَى الدَّرَاهِمِ مَعَ الْعُرُوضِ وَلَنَا أَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَتَنْعَقِدُ بِهِمَا الشِّرْكَةُ كَمَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى وَضِيعَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ مَعَ الْعُرُوضِ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَلِأَنَّ أَوَّلَ هَذَا الْعَقْدِ تَوْكِيلٌ فِي التَّصَرُّفِ وَآخِرُهُ اشْتِرَاكٌ فِي الرِّبْحِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الِاتِّحَادُ فِي الْمَالِ وَلَا الْخَلْطُ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ فَلَوْ قَالَ زُفَرُ إنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْجِنْسَيْنِ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يُسْتَوْفَى بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ كَالْعُرُوضِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ الْجَهَالَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ مَالِهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ قِيمَةٍ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَدَمُ خَلْطٍ ) أَيْ تَجُوزُ هَذِهِ الشِّرْكَةُ مَعَ عَدَمِ الْخَلْطِ بَيْنَ الْمَالَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَالْخِلَافُ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَقَطْ ) أَيْ طُولِبَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ بِالثَّمَنِ هُنَا وَلَا يُطَالَبُ الْآخَرُ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلشِّرْكَةِ لِأَنَّ الْعِنَانَ تَقْتَضِي الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ وَإِنْ نَقَدَ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا لِلشِّرْكَةِ وَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُقَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِنَانَ تَقْتَضِي الْوَكَالَةَ ) أَيْ فَلَمَّا كَانَ انْعِقَادُهَا عَلَى الْوَكَالَةِ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاقِعًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ وَالْعَاقِدُ فِي الشِّرَاءِ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالْحُقُوقِ فَلِهَذَا تُوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ إلَيْهِ دُونَ شَرِيكِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ أَدَاءَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الشِّرْكَةِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ ) أَيْ وَالْوَكِيلُ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ عَلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هُنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ) لِأَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَكَانَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا فَتَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَالِهِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهُوَ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ بَعْدَ الْخَلْطِ بَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الشِّرْكَةِ وَإِنْ هَلَكَ كُلُّهُ تَبْطُلُ الشِّرْكَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ حَيْثُ لَا يَبْطُلَانِ بِهَلَاكِ النُّقُودِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الشِّرَاءِ تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ لَا بِالْعَقْدِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ بُطْلَانُ الشِّرْكَةِ عِنْدَ هَلَاكِ الْمَالَيْنِ ظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ وُجُودِ التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ لَمَّا بَطَلَتْ فِي الْهَالِكِ بَطَلَتْ فِيمَا يُقَابِلُهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ بِمُشَارَكَتِهِ فِي مَالِهِ إلَّا بِشَرْطٍ أَنْ يُشْرِكَهُ هُوَ فِي مَالِهِ أَيْضًا وَقَدْ عُدِمَ هَذَا الشَّرْطُ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَبَطَلَتْ الشِّرْكَةُ فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ الْهَالِكُ يُعْتَبَرُ هَالِكًا مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْهَالِكِ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ عَلَى الشِّرْكَةِ حَيْثُ بَطَلَتْ الشِّرْكَةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْخَلْطِ لِأَنَّهُ يَهْلَكُ عَلَى الشِّرْكَةِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْوَكَالَةُ الْمُفْرَدَةُ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الشِّرْكَةِ وَفِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهِمَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا ) يَعْنِي عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ الشِّرْكَةَ كَانَتْ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ فَوَقَعَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ ثُمَّ الشِّرْكَةُ شِرْكَةُ مِلْكٍ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ فَلَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شِرْكَةُ عَقْدٍ حَتَّى يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا شِرْكَةَ عَقْدٍ فَلَا تَبْطُلُ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا بِمَالِهِمَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالَانِ قَبْلَ النَّقْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَرَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِدُونِ ضَمَانِهِ هَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ بَعْدَ شِرَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَا صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ عَقْدَ الشِّرْكَةِ إنْ بَطَلَ بِالْهَلَاكِ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا بَاقِيَةٌ فَكَانَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشِّرْكَةِ وَلَمْ يَذْكُرَا فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ فَالْمُشْتَرَى يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ الَّتِي هِيَ فِي ضِمْنِ الشِّرْكَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ الشِّرْكَةُ فَيَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَا بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مَقْصُودَةً وَأَطْلَقَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَفِي بَعْضِهَا أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا
فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَصَّا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَيْهَا( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ ) أَيْ قَبْلَ الشِّرَاءِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ شِرْكَةَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ بِهَلَاكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ) أَيْ وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا هُوَ حُكْمُ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ ا هـ ( قَوْلُهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَا صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ ) أَيْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ ) أَيْ وَيَكُونُ شِرْكَةَ مِلْكٍ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ وَيَكُونُ شِرْكَةَ مِلْكٍ أَيْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِالْوَكَالَةِ وَالْوَكِيلُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمُشْتَرِي بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا فِي عَقْدِ الشِّرْكَةِ الْوَكَالَةَ ) أَيْ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا وَيَبِيعَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَفْسُدُ إنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الشِّرْكَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَلَعَلَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَاقَوْلُهُ فَلَعَلَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ ) أَيْ وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الشِّرْكَةِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الِاشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ لَا اخْتِصَاصُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَقَلَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَاتُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَإِذَا شَرَطَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحُ عَشْرَةٍ أَوْ فِي الشِّرْكَةِ تَبْطُلُ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ بَلْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَنْتَفِي بِهِ الشِّرْكَةُ وَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اشْتَرَطَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ لَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ وَالْوَضِيعَةُ نِصْفَيْنِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ يَعْنِي الشَّرْطُ فَاسِدٌ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْأَمَانَةُ لَا تُضْمَنُ بِالشَّرْطِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَقْدُ جَائِزٌ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ فِي عَقْدٍ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّبْحُ وَالْفَسَادُ مَا تَعَدَّى إلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَرَبِحَا فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا لِمَا عُرِفَ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا لِأَنَّ هَلَاكَ الْأَمَانَةِ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكِي الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يُبْضِعَ ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتْجُرَ فِيهِ فَبِغَيْرِ الْأَجْرِ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَسْتَأْجِرُ ) أَيْ لِيَتْجُرَ فِيهِ أَوْ لِيَحْفَظَ الْمَالَ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْكُلِّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِدُ لَهُ بُدًّا مِنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُودِعُ ) لِأَنَّهُ إقَامَةُ الْحَافِظِ فِي الْمَالِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْفِظَ بِأَجْرٍ فَبِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُضَارِبُ ) لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُضَارِبِ يَصِيرُ الْمُضَارِبُ مُودِعًا وَبِالتَّصَرُّفِ وَكِيلًا وَبِالرِّبْحِ أَجِيرًا وَالشِّرْكَةُ فِيهِ ضَرُورِيَّةٌ تُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ مِنْ الرِّبْحِ مُشَاعًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فَكَذَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ هَذَا أَوْلَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرْكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِيَتْجُرَ فِيهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ وَالْمُضَارَبَةُ دُونَ الشِّرْكَةِ فَتَتَضَمَّنُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا دُونَهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَضِيعَةِ وَأَنَّهُ إذَا فَسَدَتْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ أَطْلَقَ لَهُمَا الِاكْتِسَابَ وَهَذَا مِنْ بَابِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لَهُمَا الْبَيْعُ وَهَذَا دُونَهُ إذْ لَا يَخْرُجُ فِي الْإِذْنِ مِنْ مِلْكِهِ أَصْلًا وَفِي الْكِتَابَةِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَهُوَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِتْبَاعِ الْمِثْلِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُمْنَعُ وَالْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُوَكِّلُ ) لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ وَهُوَ دُونَ الشِّرْكَةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحْفَظُ الْمَالَ وَمَنْ يَتْجُرُ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ يُوَكِّلَ لِأَنَّهُ دُونَ الِاسْتِئْجَارِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُودِعُ ) أَيْ مَالَ الشِّرْكَةِ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَرَتْ كَذَلِكَ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ فِي الْقِيَاسِ فَإِنْ فَعَلَ فَأَعَارَ دَابَّةً فَعَطِبَتْ تَحْتَ الْمُسْتَعِيرِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ لِشَرِيكِهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَضْمَنَهُ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ أَعَارَ ثَوْبًا أَوْ دَارًا أَوْ خَادِمًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرْكَةٍ ) أَيْ وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلُ الْأُولَى فَلَا تَكُونُ مِنْ أَحْكَامِهَا وَأَتْبَاعِهَا فَكَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً إلَّا إذَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ إذَا نَصَّ عَلَيْهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُوَكِّلُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ وَفِي عَادَتِهِمْ تَوْكِيلُ الشَّرِيكِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الشِّرْكَةِ فَجَازَ ذَلِكَ أَوْ نَقُولُ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الشِّرْكَةِ التِّجَارَةُ لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ رُبَّمَا لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْمُبَاشَرَةُ بِنَفْسِهِ لِلتِّجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْكِيلِ فَيَثْبُتُ التَّوْكِيلُ فِي ضِمْنِ التِّجَارَةِ تَبَعًا لَهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَصَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَ صَاحِبَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ ثَبَتَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي ضِمْنِهِ تَبَعًا مَا هُوَ مِثْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ
الْعِنَانِ مَتَاعًا مِنْ الشِّرْكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ أَنْ يَرْتَهِنَ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ شَاءَ شَرِيكُهُ الْمُرْتَهِنَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَدُهُ فِي الْمَالِ أَمَانَةٌ ) لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَقَبُّلٍ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ شِرْكَةُ الْعَقْدِ تَقَبُّلٌ أَيْ شِرْكَةُ تَقَبُّلٍ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَتُسَمَّى شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ وَشِرْكَةَ الْأَعْمَالِ وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِي الرِّبْحِ تَبْتَنِي عَلَى الشِّرْكَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَلَا مَالَ لَهُمَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ لَهُمَا التَّثْمِيرُ بِدُونِ الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالتَّوْكِيلِ وَهَذَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ فَيَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِتَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ فِيهِ شِرْكَةٌ يَجُوزُ فَكَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ شِرْكَةٌ كَالشِّرَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالْعَمَلِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ كَالْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ وَقَدْ يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْمَالِ فَقَطْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّاهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ وَيَكُونُ هَذَا عَقْدَ شِرْكَةٍ لَا إجَارَةٍ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ بَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا كَالْمُضَارَبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ جِنْسِ الْعَمَلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ أَوْ خَيَّاطٍ وَصَبَّاغٍ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْمَكَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَالِكٍ فِيهِمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشِّرْكَةِ وَهُوَ إمْكَانُ التَّحْصِيلِ بِالتَّوْكِيلِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَدُهُ فِي الْمَالِ ) يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ يَدُهُ يَدُ الْأَمَانَةِ حَتَّى إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِلَا ضَمَانٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْقَابِضَ عَلَى سَوْم الشِّرَاءِ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْوَثِيقَةُ ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَتُسَمَّى شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ شِرْكَةَ الصَّنَائِعِ تُسَمَّى شِرْكَةَ التَّقَبُّلِ وَشِرْكَةَ الْأَعْمَالِ وَشِرْكَةَ الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَدَنِ يَكُونُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُفَاوَضَةً وَقَدْ تَكُونُ عِنَانًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا مَا رَزَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ كَمَا فِي الشِّرْكَةِ بِالْأَمْوَالِ وَأَمَّا الْعِنَانُ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُونَا بَعْدَ أَنْ كَانَا أَهْلًا لِلتَّوْكِيلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شِرْكَةَ التَّقَبُّلِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ الصَّنْعَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَقَصَّارَيْنِ أَوْ خَيَّاطَيْنِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى تَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ مِنْ النَّاسِ أَوْ قَصَّارٌ وَإِسْكَافٌ وَقَالَ زُفَرُ هِيَ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ وَقَالَ زُفَرُ فِي رِوَايَةٍ لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا مَالَ هُنَا وَقَدْ مَرَّ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ يَعْقِدُونَ هَذِهِ الشِّرْكَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ { مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَا وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّاهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا قَصَّارًا وَالْآخَرُ خَيَّاطًا وَقَعَدَا فِي دُكَّانَيْنِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُخْتَلِفًا يَعْجِزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ عَمَلِ صَاحِبِهِ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صَنْعَتِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الشِّرْكَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشِّرْكَةِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالتَّوْكِيلِ وَالتَّوْكِيلُ يَصِحُّ مِمَّنْ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ الْعَمَلِ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدِهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ فَإِذَنْ لَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ إقَامَةِ الْعَمَلِ عَاجِزًا وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ وَعَمِلَ الْآخَرُ يَكُونُ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَهُ كَعَمَلِهِمَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلُّ عَمَلٍ يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا ) لِأَنَّهُ تَقَبَّلَهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا فَيُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبَانِ بِالْأَجْرِ وَيَبْرَآنِ بِعَمَلِ أَحَدِهِمَا وَيَبْرَأُ الْمُسْتَعْمِلُ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ إلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي الْعِنَانِ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ وَأَنْ لَا يُطَالِبَ غَيْرَ الْمُتَقَبِّلِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْكَفَالَةِ وَالْكَفَالَةُ تَثْبُتُ بِمُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَمَلَ هُنَا كَالثَّمَنِ فِي الشِّرْكَةِ فِي الْمَالِ فَكَمَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ هُنَاكَ بِالثَّمَنِ فَكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ هُنَا بِالْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَهُ لَسَقَطَ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ إذْ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُ الْعَمَلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى اسْتَوَى فِي هَذِهِ الشِّرْكَةِ حُكْمُ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ فِي الضَّمَانِ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ إمَّا بِالْمَالِ أَوْ بِالْعَمَلِ وَلَا مَالَ لَهُمَا فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ وَلَا وَجْهَ لِضَمَانِ الْعَمَلِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ