كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
فَصَلَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ : إنْ وَصَلَ صُدِّقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَمْرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ وَبَيَّنَ سَبَبَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ عَبْدٍ مَجْهُولٍ لَا يَجِبُ سَوَاءً كَانَتْ الْجَهَالَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِالِاخْتِلَاطِ بِأَمْثَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ أَوْ يَهْلِكُ بِهِ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ ، وَكَذَا ثَمَنُ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ وَصَدْرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَصَارَ بَيَانًا مُغَيِّرًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ ، وَالْمُغَيِّرُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ لَمَّا كَانَ لِلْوُجُوبِ فَإِتْيَانُهُ فِي آخِرِهِ بِمَا يُنَافِي الْوُجُوبَ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ ادَّعَى تَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَى شَهْرٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي التَّأْجِيلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حَالًا فَفِي إضَافَةِ الْبَيْعِ إلَى الْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّأْخِيرِ أَبَدًا كَانَ أَوْلَى : بَيَانُهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ فَلَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ عَيْنًا لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ : الْمَبِيعُ غَيْرُ هَذَا ، وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا يَصِلُ الْبَائِعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ أَبَدًا فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْبُطْلَانِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ : بِعْتُكَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ
الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ فَصَلَ أَمْ وَصَلَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا بَقِيَ أَمْرُ الْقَبْضِ مُجْمَلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ نَصًّا وَلَا اقْتِضَاءً ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَيَّنَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي السَّبَبِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَهُنَا لَا تَغْيِيرَ فِيهِ لِتَصَادُقِهِمَا فِي السَّبَبِ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلَاتِ فَيَصِحُّ بَيَانُهُ مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا وَلَوْ قَالَ : إنِّي اشْتَرَيْت مِنْهُ مَبِيعًا إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الشِّرَاءِ مِنْهُ وَبِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْعَقْدِ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُطْلَقًا ، وَعِنْدَهُمَا إذَا فَصَلَ الْبَيَانَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ هُنَاكَ بِالْوُجُوبِ فَلَا يَسْقُطُ بِآخِرِ كَلَامِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ رِبًا فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَلَالًا عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُورًا أَوْ بَاطِلًا إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَهُ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ وَحَبَسَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ نَفَذَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ وَكَانَ
الْقَوْلُ لَهُ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الْأَلْفُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ فَحُكْمُهُ يَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْته إلَيْك ) أَيْ وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ ) أَيْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ أَوْ فِي يَدِ الثَّالِثِ ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ فِيمَا أَقَرَّ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَذَلِكَ هَذَا ، فَأَمَّا إذَا قَالَ الطَّالِبُ الْعَبْدُ عَبْدِي وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعَبْدَ لَا يُسَلِّمُ الْمُقِرُّ لَهُ بَدَلَهُ فَأَمَّا إذَا قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُك وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا غَيْرَهُ وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَجَبَ الْأَلْفُ وَاتَّفَقَا عَلَى الْوُجُوبِ أَمَّا الطَّالِبُ فَلِأَنَّهُ ادَّعَى وُجُوبَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِسَبَبِ بَيْعِ عَبْدٍ آخَرَ اُشْتُرِيَ مِنْهُ وَقَبَضَهُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْعَبْدِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْعَبْدَ فَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْوُجُوبِ وَفِي مِثْلِ هَذَا يُقْضَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ عَلَيَّ أَلْفُ
دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ مِنْ غَصْبٍ وَقَالَ الْآخَرُ لَا مِنْ قَرْضٍ ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ هَذَا الْعَبْدِ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا فَصَارَ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَوْ عَايَنَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي اُنْقُدْ الثَّمَنَ وَخُذْ الْعَبْدَ صَحَّ فَكَذَلِكَ هَذَا ، فَأَمَّا إذَا قَالَ الْعَبْدُ عَبْدُك وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ آخَرَ قَبَضْتَهُ مِنِّي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْوُجُوبِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ مَتَى تَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَبِعْك هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ عَبْدِي وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَقَبَضْتَهُ مِنِّي لَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَصَادَقَا عَلَى الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْأَلْفِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَقَرَّ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعَبْدُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْوُجُوبِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيُسَلَّمُ الْعَبْدُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَبْطُلُ الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ بِبَيْعِ غَيْرِ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْمُقِرُّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَتَحَالَفَانِ فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ ثَالِثٍ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَأَمْكَنَهُ تَسْلِيمُهُ لَزِمَهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ ) أَيْ فَإِذَا تَحَالَفَا بَطَلَ الْمَالُ عَنْ الْمُقِرِّ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ ا هـ كِي ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَزِمَهُ الْأَلْفُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ
فِي تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّ إقْرَارَهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَإِضَافَتُهُ إلَى مَبِيعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا ثُمَّ جُهِلَ ، وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَسُقُوطَ الثَّمَنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى سُقُوطَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ فَقَدْ أَضَافَ الدَّيْنَ إلَى جِهَةٍ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ مِنْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ بَيَانُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إلَخْ ) أَيْ بَيَانُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ الثَّمَنِ أَبَدًا ا هـ قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ) أَيْ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ وَإِنْ قَبَضَ أَيْضًا مَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ أَيْ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبُ وَإِلَّا فَالثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يَجِبُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَبْضِ مَا نَصُّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ الْبَاتِّ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ( فَرْعٌ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ وَوَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُصَدَّقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُمَا مَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا بَيَانٌ مُغَيِّرٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَمَّا قَالَ عَلَيَّ فَقَدْ وَصَفَ بِالْوُجُوبِ فَإِذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَقَدْ نَاقَضَ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا
يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ الطَّالِبُ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنٍ حُرٍّ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَنَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ إقْرَارِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ هِشَامٍ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَقَالَ الطَّالِبُ بَلْ هُوَ مِنْ ثَمَنِ بُرٍّ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمَطْلُوبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ ثَمَنُ مَيْتَةٍ أَوْ رَطْلِ خَمْرٍ كَانَ بَاطِلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُف رِوَايَةُ ابْن سِمَاعَة لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَرَامٌ أَوْ بَاطِلٌ لَزِمَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ أَقْرَضَنِي وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ لَهُمَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُغَيِّرٌ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ بِحَقِيقَتِهِ حَتَّى لَوْ تُجُوِّزَ بِالزُّيُوفِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ وَالسَّتُّوقَةَ بِمَجَازِهِ إلَّا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يَقَعُ بِهَا وَالْأَذْهَانُ تَسْبِقُ إلَيْهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا لِلْأَصْلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ كَمَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَيْبٌ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهُ وَدَعْوَاهَا رُجُوعٌ عَنْ مُقْتَضَى مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُك مَعِيبًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ سَلِيمًا فَالْقَوْلُ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسَّتُّوقَةُ وَالرَّصَاصُ لَيْسَا مِنْ الْأَثْمَانِ وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَى الثَّمَنِ فَكَانَ رُجُوعًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَصَارَ مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ حَيْثُ يُقْبَلُ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ نَوْعٌ لَا عَيْبٌ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْجُودَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهَا وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ الْوَدِيعَةِ
حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا ؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِيهِ يُقْبَلُ مَفْصُولًا ؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا مَوْصُولًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ مَجَازًا فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّغْيِيرِ فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَالْوَدِيعَةَ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّعَامُلِ فَأَشْبَهَ مَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ غَصَبْت أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ كَمَا فِي الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا إذَا وَصَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَقْدِ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْجُودَةِ بِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لَهُ وَهُوَ التِّجَارَةُ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا مُتَّصِلًا صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَلَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ بِسَبَبِ دَفْعِ السُّعَالِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا وَصَلَهُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ
إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ ) أَيْ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ) أَيْ وَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ رَصَاصٌ ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ فَيَلْزَمُهُ الْجِيَادُ وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغَصْبِ ، وَأَمَّا فِي الْغَصْبِ فَسَيَأْتِي الْحُكْمُ فِيهِ فِي الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ ) أَيْ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةٍ مَعَ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ إلَخْ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي فَصْلِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ الرَّدَاءَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي الْحِنْطَةِ فَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ وَالرَّدَاءَةُ فِي الْحِنْطَةِ تَكُونُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَيَكُونُ هَذَا بَيَانَ النَّوْعِ لَا بَيَانَ الْعَيْبِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ أَفْلُسٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَصَلَ ؛ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ عَيْبٌ فِيهَا فَصَارَ كَالزُّيُوفِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَاسِدَةِ وَالزُّيُوفِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْكَسَادَ فَقَدْ ادَّعَى فَسَادَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْقَدْرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ ) أَيْ عَنْ الْعَيْبِ عُرْفًا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا يَرِدُ فِي الْجِيَادِ يَرِدُ فِي الزُّيُوفِ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانَ النَّوْعِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَجَاءَ بِهِ وَهُوَ مَعِيبٌ خَلَقٌ ، فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا وَقَالَ
الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنْ قَالَ مَوْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِي السَّتُّوقَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ، وَإِنْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ صُدِّقَ إنْ وَصَلَ وَلَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ يَعْنِي فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا صُورَةً فَصَارَ إرَادَتُهَا بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ كَإِرَادَةِ الْمَجَازِ بِاسْمِ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازَ مَوْصُولًا قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي السَّتُّوقَةِ مَا نَصُّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ بِقَوْلِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَمَّا إذَا قَطَعَ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ هِيَ زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَرُبَّمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ زَيْفًا فَيُصَدَّقُ فِيمَا إذَا وَصَلَ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَأَرَادَ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَيْنِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْمَبْسُوطِ وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُهَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ والهارونيات والكيسانيات ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ ا هـ ( قَوْلُهُ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا أَيْ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَوْ
أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ قَالَ : هِيَ زُيُوفٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ : لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاهُنَا يُصَدَّقُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ تَجِبُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَاَلَّذِي قَالَ عَلَى الِاخْتِلَافِ هُوَ الْكَرْخِيُّ كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَمِنْ هَذَا عَرَفْت قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ : لَا يُصَدَّقُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الصَّادِرَ مِنْهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةُ وَالْحُكْمُ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ هَذَا عِنْدَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَصْبِ حَتَّى يُجْعَلَ مُصَدَّقًا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْصَرِفَ إقْرَارُهُ إلَى الْوَدِيعَةِ فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَنْفِي الْوَدِيعَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ل قَاضِيخَانْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ) مُكَرَّرٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ ) ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً وَهَلَكَتْ ، وَقَالَ : أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِقَوْلِهِ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } ثُمَّ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ عَنْ الْيَمِينِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْأَخْذُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَقْدَ وَذَاكَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَدِيعَةً ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِمَا ذَكَرْنَا
( قَوْلُهُ كَالْوَدِيعَةِ ) فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا غَصَبَ سَوَاءً وَصَلَ أَوْ فَصَلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ) أَيْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْخَصْمُ ) أَيْ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُقِرِّ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ ) أَيْ وَكَذَا فِي الْبَيْعِ مَكَانَ الْقَرْضِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا ) فِي الْخُلَاصَةِ أَخَذْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ عَارِيَّةً وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَلْبَسْهُ أَمَّا إذَا لُبِسَ وَهَلَكَ يَضْمَنُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ : أَعْطَيْتَنِيهَا وَدِيعَةً وَقَالَ : غَصَبْتَنِيهَا لَا ) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٍ فَهَلَكَتْ وَقَالَ الْمَالِكُ : لَا بَلْ غَصَبْتَهَا مِنِّي لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ بَلْ أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَالْإِقْرَارُ بِالدَّفْعِ كَالْإِقْرَارِ بِالْإِعْطَاءِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَإِنْ قِيلَ إعْطَاؤُهُ وَالدَّفْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبْضِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْن يَدَيْهِ وَلَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ فَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ ضَرُورَةً فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِقَادِهِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَمٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ لَفْظَ الْأَخْذِ ، وَقَالَ أَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ وَقَالَ الطَّالِبُ غَصَبْتَنِي ، وَأَنْتَ ضَامِنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ذَكَرَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْإِقْرَارِ بِالْأَخْذِ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ قَبَضْتُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ غَصَبْتَهَا كَانَ ضَامِنًا كَمَا إذَا قَالَ أَخَذْتُهَا وَدِيعَةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ هُوَ ) أَيْ الدَّفْعُ وَالْإِعْطَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ ) أَيْ بِدُونِ قَبْضِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
( وَإِنْ قَالَ هَذَا كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَكَ فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ : هُوَ لِي أَخَذَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَقْرَضْتُك أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْك يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ دَفْعُهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا .( قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ ) أَيْ دَعْوَاهُ الْإِيدَاعَ إلَّا بِحُجَّةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ ) أَيْ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَالَ آجَرْتُ بَعِيرِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ فَرَدَّهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْبَعِيرُ وَالثَّوْبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ أَوْ الْإِسْكَانِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ دُونَ دَعْوَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْيَدِ لَهُمَا مَقْصُودًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا مَقْصُودَةٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا إقْرَارًا لَهُمَا بِالْيَدِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ أَقَرَّ بِيَدٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي كَيْفِيَّتِهَا وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ وَدِيعَةً ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ يَهُبَّ فِيهِ الْهَوَاءُ وَيُلْقِيَهُ فِي دَارِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ : أُودِعْتَهَا كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَيْسَ مَدَارُ الْفَرْقِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا وَعَدَمِ ذِكْرِ الْأَخْذِ فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ عَلِيٌّ الْقُمِّيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَدَارَ الْفَرْقِ ذَلِكَ ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَيْضًا فِي الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ ، وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ خَاطَهُ
لِي بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلَانٌ ثُمَّ قَبَضْتُهُ مِنْهُ وَقَالَ فُلَانٌ : الثَّوْبُ ثَوْبِي فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ اقْتِضَاءً لِحَقِّهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يُبَرِّئُهُ مِنْ الضَّمَانِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيه مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَأَشْبَاهِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ فِيهَا بِالْمِلْكِ وَلَا بِالْيَدِ لَهُ مَقْصُودًا وَلَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ مِنْهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ أَخَذْنَا النَّاسَ فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ بِإِقْرَارِهِمْ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَيْهِمَا فَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ اسْتِحْسَانًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ ، وَلَوْ قَالَ إنَّ فُلَانًا زَرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمِلْكُ مِلْكِي وَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي ، وَقَالَ الْمُقِرُّ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك فَفَعَلْتُ أَوْ فَعَلْتَهُ بِأَجْرٍ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْيَدِ لَا صَرِيحًا وَلَا اقْتِضَاءً وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ يَدِهِ فِيهِ بِأَنْ يَفْعَلَهُ وَهُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ بَلْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ : خَاطَ لِي هَذَا الْقَمِيصَ فُلَانٌ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ
يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ لِتَصَوُّرِ فِعْلِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَفِي بَيْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالسُّكْنَى فِي دَارِهِ ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَكُونُ إلَّا بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا السَّمْنَ أَوْ هَذَا الْجُبْنَ مِنْ بَقَرَةِ فُلَانٍ أَوْ هَذَا الصُّوفَ مِنْ غَنَمِهِ أَوْ هَذَا التَّمْرَ مِنْ نَخْلِهِ وَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ لَهُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ شَيْءٍ إقْرَارٌ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَرَدَّهُ ) فَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْت بَلْ الدَّابَّةُ وَالثَّوْبُ لِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَارُ بِالْإِعَارَةِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَعَرْتُ دَابَّتِي هَذِهِ فُلَانًا فَرَكِبَهَا وَرَدَّهَا أَوْ قَالَ أَعَرْتُ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَلَبِسَهُ وَرَدَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ الْإِسْكَانُ ) بِأَنْ قَالَ أَسْكَنْتُ فُلَانًا بَيْتِي هَذَا ثُمَّ أَخْرَجْتُهُ فَادَّعَى السَّاكِنُ أَنَّهُ لَهُ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّاكِنِ بَعْدَمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَسْكَنَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ) أَيْ الْمُقِرُّ ا هـ ( قَوْلُهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ ) أَيْ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ ثَبَتَتْ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَذَكَرَ الْقُمِّيُّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ : إنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ قَالَ أَخَذْتهَا مِنْهُ فَوَجَبَ جَزَاؤُهُ وَجَزَاءُ الْأَخْذِ الرَّدُّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ قَالَ فَرَدَّهَا عَلَيَّ فَافْتَرَقَا لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْوَضْعِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ يَأْخُذُهَا الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَحْسَنَ فِي إطْلَاقِ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَقَضَاءً لِحَوَائِجِهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ ، وَكُلُّ قِيَاسٍ يَرْجِعُ إلَى نَقْضِ هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ
مِثْلُ قِيَاسِ مَنْ عَلَّلَ بِعَدَمِ الْمَنَافِعِ لِإِبْطَالِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِذَا كَانَ إطْلَاقُ الْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ لِمَرَافِق النَّاسِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُقِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَذَهَبَ مَرَافِقُ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ أَوْ آجَرَ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ فَهَذَا وَجْهٌ مَرْجِعُهُ إلَى الْإِجْمَاعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْوَجْهُ الْفِقْهِيُّ أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ فَلَا تَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ إذَنْ إقْرَارُهُ بِالْيَدِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مُدَّعِيًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحِفْظُ وَلَا يَكُونُ الْحِفْظُ بِدُونِ الْيَدِ فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ مَقْصُودَةً فِي الْوَدِيعَةِ كَانَ إقْرَارًا بِأَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِهِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْيَدِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ : الْيَدُ فِي الْإِيدَاعِ مَقْصُودَةٌ دُونَ الْإِعَارَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ ) أَيْ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْإِسْكَانُ وَالْإِعَارَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ ) لَمْ يَعْزِهِ إلَى الْأَسْرَارِ وَإِنَّمَا عَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي ) أَعَرْتُكَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يُسَلَّمُ إلَى الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ خَاطَ لِي قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ
دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْتُهُ مِنْهُ لَمْ يُرَدَّ الثَّوْبُ عَلَى الْخَيَّاطِ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لِلْخَيَّاطِ بِالْيَدِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ خَاطَهُ فِي مَنْزِلِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ ) أَيْ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ) وَفِي الْغَايَةِ ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْأُصُولِ ا هـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا : هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ اقْتَضَيْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْت مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتُهَا مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافُ مَا إذَا قَالَ اقْتَضَيْتُ ، أَوْ قَالَ أَقْرَضْتُ وَأَخَذْتُ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ ، قَالَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الدَّيْنَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَإِذَا أَقَرَّ بِاقْتِضَاءِ الدَّيْنِ وَأَخْذِ الْقَرْضَ كَانَ مُقِرًّا بِأَخْذِ مِثْلِ حَقِّهِ وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِهِ لَهُ فَيُرَدُّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مَا ادَّعَى فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابٍ بَعْدَ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ : وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ فُلَانٌ مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ
شَيْءٌ وَلَكِنَّكَ أَخَذْتَهَا مِنِّي ظُلْمًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُؤْخَذُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ ، وَمُطْلَقُ الْأَخْذِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَقَدْ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ التَّمْكِينِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهَا هِبَةً ، أَوْ صَدَقَةً ، أَوْ وَدِيعَةً ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى جِهَةً مَانِعَةً مِنْ الضَّمَانِ فَلَا يُصَدَّقُ ، أَوْ قَالَ قَبَضْتُهَا بِوَكَالَةٍ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْك ، أَوْ وَهَبْتُهَا لَهُ فَأَمَرَنِي فَقَبَضْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْجِهَةُ الَّتِي ادَّعَاهَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَامْتَنَعُوا مِنْهُمَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ إذَا أَعَارَ شَيْئًا أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ يَصِيرُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ حَتَّى لَا تَخْتَلَّ حَوَائِجُ النَّاسِ ا هـ إتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا بَلْ اسْتَعَنْتُ بِك ) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ ، أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ إضْرَابٌ عَنْهُ وَرُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا ، وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَيَضْمَنُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ هِيَ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِيدَاعِ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ رَجَعَ وَشَهِدَ بِهِ لِلثَّانِي فَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَشَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ مِنْ الثَّانِي ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا فَيَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْأَلْفُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ لِفُلَانٍ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَحِيحٌ فَيَلْزَمُهُ لَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَاحِدًا بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفَانِ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ الْأَلْفَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْمَالَانِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَاسْتِدْرَاكُ غَلَطٍ بِالثَّانِي ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالَيْنِ صَحِيحٌ فَلَزِمَاهُ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَالَيْنِ بِأَنْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ أَلْفُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَالَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا ،
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا إقْرَارَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمُقَرِّ لَهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَكْرَارًا كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ مَرَّتَيْنِ بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَانِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَكَذَا هَذَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْ اخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ تَكْرَارًا وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُقَرِّ لَهُ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ لِلثَّانِي فَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ وَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ لَا بَلْ زُيُوفٌ أَوْ أَلْفٌ زُيُوفٌ لَا بَلْ جِيَادٍ لَزِمَهُ الْجِيَادُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ الْغَلَطِ فِي الصِّفَةِ فَيَلْزَمُهُ أَفْضَلُ الصِّفَتَيْنِ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ فِي الْغَلَطِ فِي الْمِقْدَارِ أَكْثَرُ الْمَالَيْنِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْدَأَ دَاخِلٌ فِي الْأَجْوَدِ كَمَا أَنَّ الْأَقَلَّ دَاخِلٌ فِي الْأَكْثَرِ ، وَلَوْ قَالَ غَصَبْت فُلَانًا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا لَزِمَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ مِنْهُمَا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي مِثْلُهَا وَلَوْ قَالَ : غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَفُلَانًا مِائَةَ دِينَارٍ وَفُلَانًا كُرَّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلرَّابِعِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِلثَّالِثِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ وَرُجُوعٌ عَنْ الْأَخِيرِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ لَا رُجُوعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .قَوْلُهُ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ بِفِعْلِهِ ) أَيْ وَهُوَ إقْرَارُهُ بِهَا لِلْأَوَّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِقْرَارًا بِهِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالْإِقْرَارُ ا هـ .
( بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قُدِّمَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ يَسْتَوِيَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَفِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ إذْ هِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْوُجُوبِ وَصِحَّتِهِ بِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْمِلَانِهِ عَلَى الصِّدْقِ وَيَزْجُرَانِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ بَلْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ يَزْدَادُ رُجْحَانُ جِهَةِ الصِّدْقِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ التَّوَرُّعِ وَالْإِنَابَةِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْمَحَلِّ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِيفَاءِ ؛ وَلِهَذَا يَسْتَوِيَانِ إذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ كَالشِّرَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَكَالتَّزْوِيجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَهَنَ عَيْنًا أَوْ آجَرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُنَا أَيْضًا فِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ اسْتِيفَاءً ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْمُحَابَاةِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِمْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهَا مَعْرُوفًا كَالنِّكَاحِ الْمُشَاهَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَالْبَيْعِ الْمُشَاهَدِ وَالْإِتْلَافِ الْمُشَاهَدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا التُّهْمَةُ فِي الْإِقْرَارِ ، وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُمْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَالِيَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَفِي النِّكَاحِ إنْ كَانَ يَبْطُلُ لَكِنَّ حَقَّهُ فِيهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَسْكَنِهِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ
بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ حَيْثُ يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ مُطْلَقًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَحَالَةُ الْمَرَضِ حَالَةُ عَجْزٍ فَيُمْنَعُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِآخَرَ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ .
( بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ) أُخِّرَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ إمَّا ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ ، أَوْ ؛ لِأَنَّ فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ اخْتِلَافًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ وَإِقْرَارُ الصَّحِيحِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَكَانَ أَقْوَى وَبِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَأُفْرِدَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِبَابٍ لِكَثْرَةِ أَحْكَامِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ ا هـ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَإِذَا قُضِيَتْ وَفَضَلَ شَيْءٌ كَانَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ حَالَةَ الْمَرَضِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ ثُمَّ قَالَ وَمِنْهَا أَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي صِحَّتِهِ فِي مَرَضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ ، أَوْ أَمَانَةٍ بِأَنْ قَالَ : مُضَارَبَةٌ ، أَوْ وَدِيعَةٌ ، أَوْ غَصْبٌ يُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَى غُرَمَاءِ الْمَرَضِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَسْتَوِيَانِ إذَا كَانَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا اسْتَقْرَضَ مَالًا فِي مَرَضِهِ وَعَايَنَ الشُّهُودُ دَفْعَ الْمُقْرِضِ الْمَالَ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَايَنَ الشُّهُودُ قَبْضَ الْمَبِيعِ ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَكُونُ مُسَاوِيَةً لِدُيُونِ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ لَا مَرَدَّ لَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ شَيْئًا ؛
لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي التَّرِكَةِ مِقْدَارَ الدَّيْنِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهَا وَمَتَى لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُقُوقِهِمْ بِالْإِبْطَالِ نَفَذَ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ ؛ وَلِهَذَا مُنِعَ ) جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ يَعْنِي لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ فِيمَا لَمْ تَسْتَغْرِقْ الدُّيُونُ جَمِيعَ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفِي حَقِّ الثُّلُثِ يُمْنَعُ أَيْضًا إذَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ جَمِيعَ مَالِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي : وَلَوْ مَرِضَ وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ، أَوْ مُضَار بِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ قُسِمَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ فَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ فَقَدْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ مَعْنًى وَالْكُلُّ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَاسْتَوَتْ الدُّيُونُ فِي التَّعَلُّقِ ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ : لَا حَقَّ لِي قِبَلَ الْمَيِّتِ ، أَوْ قَدْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ دَيْنِي كَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَرِيمِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وُجِدَتْ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْكُلِّ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ بِإِبْرَاءِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَمْ يُبْرِئْهُ الْأَوَّلُ وَلَكِنَّهُ أَكْذَبَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَرَدَّهُ كَانَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِكْذَابِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا تَعَلُّقَ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ
فَيَسْبِقُهُ فِي التَّعَلُّقِ لِمَا بَيَّنَّا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ تَزَوَّجَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يُولَدُ لَهُ عَادَةً أَوْ الْمَرْأَةُ آيِسَةٌ ، أَوْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ نِسَاءً وَجِوَارِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشَارِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ قُلْنَا النِّكَاحُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مِنْ الْحَوَائِجِ ، وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ لَا لِلْعَارِضِ وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا لِيُبْتَنَى الْأَمْرُ عَلَيْهَا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ إلَخْ ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي الصِّحَّةِ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَا أَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَقَالَ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِالْمَالِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَيَتَحَقَّقُ التَّمَيُّزُ فَلَمْ تَقَعْ الْحَاجَةُ إلَى تَعْلِيقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ وَهَذِهِ أَيْ حَالَةُ الْمَرَضِ حَالَةُ الْعَجْزِ عَنْ الِاكْتِسَابِ إذْ الْمَرِيضُ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ فَتَعَيَّنَ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ا هـ كَاكِيٌّ .
وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِيهِ ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّهُمْ ، وَإِنَّمَا حَوَّلَهُ مِنْ مَحَلٍّ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مَحَلٍّ حَصَّلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَيْنَ مَا اسْتَقْرَضَهُ إلَى الْمُقْرِضِ أَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا يُعَادِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ لَا يُعَدُّ إخْرَاجًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَعْطَاهَا الْمَهْرَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوا الْمَرْأَةَ فِيمَا قَبَضَتْ ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَيْنًا وَأَوْفَى أُجْرَتَهَا فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَضَى حَقَّ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ ، وَلَهُمْ فِيهِ أَنْ يُشَارِكُوهُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ : يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِوَارِثٍ آخَرَ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِالْمُزَاحَمَةِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْحَجْبِ قُلْنَا : إنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ الْمَالَ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا وَالِاسْتِحْقَاقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا فَيُضَافُ إلَى الْمَوْتِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَا بِالنَّسَبِ قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَوَرِثَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ بِالْمَوْتِ فَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ بَلْ بِالْإِقْرَارِ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ ) يَعْنِي إذَا قَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ الدُّيُونِ مِنْ دُيُونِ الصِّحَّةِ وَالدُّيُونِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَسْبَابِ يُرَدُّ ذَلِكَ وَيُجْعَلُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ إلَّا إذَا قَضَى الْقَرْضَ ، أَوْ أَدَّى ثَمَنَ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ الْمُقْرِضُ وَالْبَائِعُ أَحَقَّ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لِغُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَغَيْرِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
وَدَيْنُ الْمَرَضِ إذَا كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْمَرَضِ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْحَجْرِ فَيَسْتَوِي فِيهَا السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ كَمَا أَنَّ أَحْوَالَ الصِّحَّةِ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الصِّحَّةِ مَعَ حَالَةِ الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ صِفَةً مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْحَجْرِ فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَيُقَدَّمُ فِيهِ دَيْنُهُ فِي حَالَةِ الْإِذْنِ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هَذَا فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ نَفَذَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَعَلَّقَ حَقَّ الْوَرَثَةِ بِالثُّلُثَيْنِ فَكَذَا إقْرَارُهُ لَكِنْ تُرِكَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ ذِمَّتِهِ وَرَفْعَ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَسَائِرِ حَوَائِجِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّهِ ؛ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ كَفَنُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُخِّرَ الْإِرْثُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ لِمَا بَيَّنَّا آنِفًا .
( قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ) جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا أَقَرَّ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ ثَانِيًا أَنْ لَا يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِمَالِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا عَنْ عُمَرَ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْأَصْلِ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيهِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَ إقْرَارِهِ فِي الْجَمِيعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي الْجَمِيعِ كَالصَّحِيحِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِوَارِثٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِجَوَازِ إيثَارِهِ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ ا هـ ( فَرْعَانِ ) مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ ، أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ مُضَارَبَةٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ وَارِثِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ ادَّعَى رَدَّ الْأَمَانَةِ إلَى وَارِثِهِ الْمَرِيضِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَرِّثُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ مَدْيُونِهِ
صَحَّ إقْرَارُهُ ا هـ قَاضِيخَانْ ( قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ ) صَوَابُهُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ فَتَأَمَّلْ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيمَا فِيهِ فِكَاكُ رَقَبَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَيْهِ وَجَانِبُ الصِّدْقِ رَاجِحٌ فِيهِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثِ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ } وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنِ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ جَمِيعِهِمْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْبَقِيَّةِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِوَرَثَتِهِ كَمَا لَا يُمَكَّنُ بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ حَذَرًا مِنْ إتْوَاءِ أَمْوَالِهِمْ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِ طَرِيقُ التِّجَارَةِ وَالْمُدَايَنَةِ فَيُحْرَجُ حَرَجًا عَظِيمًا فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُعَامَلَةِ كَمَا لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّبَرُّعِ إلَى الثُّلُثِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَعَهُ نَادِرَةٌ إذْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
حَقِّ الْوَرَثَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ قَصْدًا ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّهُمْ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَّحِدَ دِينُهُمَا وَفِي الْإِقْرَارِ يَبْطُلُ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ قَصْدًا فَافْتَرَقَا وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ كَانَ لِلتُّهْمَةِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ كَذَّبْنَاهُ فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهَلًا ، وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكْذِيبِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِاسْتِهْلَاكِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَقَرُّوا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فَيَلْزَمُهُمْ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى وَارِثِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَقِيَّةُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ بَطَلَ ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنِ الْمَهْرِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا إقْرَارًا لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ ا هـ تَتِمَّةٌ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ إلَخْ ) وَتَصْدِيقُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ هُنَا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ وَالْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا عِبْرَةَ لِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِيهِمَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي ا هـ كَذَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ ) أَيْ لَهُ حَالَةَ الصِّحَّةِ وَإِقْرَارِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَصِيَّةَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ } ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ أَصْلًا كَمَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ أَوْ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَتَبَرُّعَاتِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جَوَابَهُ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ ) حَيْثُ لَا يَصِحَّانِ لَهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَصِحُّ لِلْوَارِثِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَحَصَلَتْ التُّهْمَةُ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْبَابِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَهَبَهَا أَوْ أَوْصَى لَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَلَنَا أَنَّ النَّسَبَ يَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ كَانَتْ حَالَةَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ فَتَكُونُ مُقْتَصِرَةً عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ تَبْطُلُ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْوَصِيَّةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ الْمَوْتِ أَوْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَصَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ
وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ دُونَ وَقْتِ الْمَوْتِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ مَثَلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا لَا فِيمَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ وَالَى رَجُلًا فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْمُوَالَاةَ ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مُتَّهَمٌ فِي الطَّلَاقِ وَفَسْخِ الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ امْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَبْقَى وَارِثًا إلَى الْمَوْتِ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَلَمْ يَبْقَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ أَجْنَبِيًّا نَفَذَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ أَنْشَأَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْقِدْ ثَانِيًا كَانَ جَائِزًا فَكَذَا إذَا عَقَدَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ يُنْظَرْ فَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْأَبِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزَوُّجِ وَعَقْدِ الْمُوَالَاةِ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حَصَلَ لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ حِينَ صَدَرَ حَصَلَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا لِلْوَارِثِ فَنَفَذَ وَلَزِمَ فَلَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ ؛ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ بِأَنْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ مَرِيضٌ لِأَخِيهِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِالِابْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ لَهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَارِثُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ
الْمَرِيضِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حَصَلَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَقَالَ آخِرًا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ وَوَرَثَةُ الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُقِرِّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَتِمُّ بِهِ ثُمَّ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَبْدٍ لِأَجْنَبِيٍّ وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِ الْمَرِيضِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ ثُمَّ وُجِدَ لَهُ وَلَدٌ ) أَيْ وَبَقِيَ الْوَالِدُ إلَى أَنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فِيهِمَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ أَقَرَّ وَارِثُهُ بِمُوَالَاةٍ ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ وَيَوْمَ مَاتَ وَارِثُهُ وَقَدْ خَرَجَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ بِبَيْنُونَةٍ ، أَوْ فَسْخٍ لِلْمُوَالَاةِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الْإِقْرَارِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَالَةُ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَحَالَةَ الْمَوْتِ حَالَةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْحُكْمِ بِهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ : بِأَنَّ الْإِقْرَارَ وُجِدَ فِي حَالِ كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا ، وَالْإِقْرَارُ لِلْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ قَوْلُهُ حَالَ نَفَاذِهِ هُوَ وَارِثٌ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا يَكُونُ الْإِرْثُ مُضَافًا إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا ا هـ وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) قَدْ رَجَعَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ هَذَا وَوَافَقَ مُحَمَّدًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ا هـ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ رُجُوعِ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ نَفَذَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ وَارِثًا فَيَصِيرُ إقْرَارًا لِلْوَارِثِ فَلَا يَجُوزُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَ وَارِثًا بِالنَّسَبِ ) قَالَ فِي وَصَايَا الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ ثُمَّ أَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ كَانَ سَبَبُ التُّهْمَةِ بَيْنَهُمَا قَائِمًا وَهُوَ الْقَرَابَةُ الَّتِي صَارَ بِهَا وَارِثًا فِي ثَانِي الْحَالِ وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التُّهْمَةِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ زُفَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِابْنِهِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ ، أَوْ عَبْدٌ فَقَالَ : إنَّ الْإِقْرَارَ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ ) إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَلُهَا لِمَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ السَّبَبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ ) أَيْ الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ السَّابِقُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَرَضِ ( فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ ) هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ لَكِنْ لَمَّا أَقَرَّ لَهَا بِالدَّيْنِ بَقِيَا مُتَّهَمَيْنِ فِيهِ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الطَّلَاقِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ لَهَا فَتُعْطَى أَقَلَّهُمَا رَدًّا لِقَصْدِهِمَا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لَهَا تُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الْوَصِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ بِشُعَبِهَا فِي الطَّلَاقِ .قَوْلُهُ رَدًّا لِقَصْدِهِمَا ) أَيْ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْأَقَلِّ هَذَا إذَا كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ جَازَ إقْرَارُهُ فَإِذَا أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنِ الْمَهْرِ فَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ مِنْ مَهْرِهَا صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَتَحَاصَّ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ ، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ تُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يُوجِبُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لِلْوَارِثِ لَا يَصِحُّ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرِيضَةُ إذَا أَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا فَإِنْ مَاتَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، أَوْ مُعْتَدَّةٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا ، وَإِنْ مَاتَتْ غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ بِأَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَصِحُّ وَنَقَلَهُ عَنْ إقْرَارِ الْجَامِعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ مَجْهُولٍ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ) أَيْ لِمِثْلِ الْمُقِرِّ ( أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَوْ مَرِيضًا وَشَارَكَ الْوَرَثَةَ ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ مَا بَيَّنَّاهُ ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ قَصْدًا فَيَصِحُّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الدَّعْوَى وَالْعَتَاقِ وَشُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ مِنْهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِهِ عَنْهُ ، وَشُرِطَ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ كَيْ لَا يُكَذِّبَهُ الظَّاهِرُ وَشُرِطَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَالْكَلَامُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِذَا صَحَّ إقْرَارُهُ شَارَكَ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ ثُبُوتِ النَّسَبِ .( قَوْلُهُ وَشَرَطَ ) أَيْ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ شُرُوطِ : الْأَوَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَصِحُّ دَعْوَى نَسَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدٍ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ شَارَكَ الْوَرَثَةَ ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ ا هـ اخْتِيَارٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ إقْرَارُهُ ) أَيْ إقْرَارُ الرَّجُلِ ( بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ، وَشَرْطُهُ مَا بَيَّنَّا فِي الِابْنِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ ) فِي النِّهَايَةِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ صِحَّةِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِالْأُمِّ حَيْثُ قَالَ بِالْوَالِدَيْنِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ التُّحْفَةِ وَرِوَايَةِ شَرْحِ فَرَائِضِ السِّرَاجِيِّ لِمُصَنِّفِهِ وَمُخَالِفٌ لِعَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ وَغَيْرِهَا ا هـ مِعْرَاجٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ إقْرَارِهِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِأَحَدٍ فَيَنْفُذُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِقْرَارُهَا ) أَيْ يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ ( بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةٌ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إلْزَامُ نَفْسِهَا فَيُقْبَلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِالْوَلَدِ إنْ شَهِدَتْ قَابِلَةٌ أَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ ) أَيْ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } وَالزَّوْجُ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِذَا صَدَّقَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ فَلَزِمَهُمَا بِالْإِقْرَارِ لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُعْتَدَّةً وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهَا ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ أَوْ كَانَ لَهَا وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ إقْرَارُهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى هُوَ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهَا إلَّا بِتَصْدِيقِهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ ) يَعْنِي تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّوْجَةِ ) أَيْ إذَا صَدَّقَتْهُ وَكَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّوْجِ وَعِدَّتِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُقِرِّ أُخْتُهَا أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا ، وَأَرَادَ بِالْمَوْلَى مَوْلَى الْعَتَاقَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُعْتَقَ أَوْ الْمُعْتِقَ ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَا وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ غَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَوْلَى ) أَطْلَقَ الْمَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ جَمِيعًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَيَجُوزُ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ إذَا صَدَّقَهُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَعْدُوهُمَا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيُقْبَلُ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ ، وَيَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهَا فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهَا وَفِيمَا عَدَاهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ وَإِنْ صَدَّقَهَا وَلَكِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَارِثٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ إقْرَارُهَا فِي حَقِّهَا وَلَا يُقْضَى بِالنَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْحُجَّةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فَإِنْ شَهِدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ صَدَّقَهَا الْوَلَدُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهَا امْرَأَةٌ وَقَدْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا فِيهِ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا تَصْدِيقَ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ إلَّا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النَّسَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَكَذَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالزَّوْجِيَّةِ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ بَاقٍ فِي حَقِّهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهَا غَسْلُهُ مَيِّتًا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ كَالنَّسَبِ ، وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فَيَصِحُّ تَصْدِيقُهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ فَصَحَّ التَّصْدِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِتَصَادُقِهِمَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذْ الثَّابِتُ بِتَصَادُقِهَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَمَا قُبِلَتْ فَكَذَا بِتَصَادُقِهِمَا يُعْمَلُ فِيهِ أَيْضًا كَالْبَيِّنَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ وَأَمَّا الْإِرْثُ فَحُكْمٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالنِّكَاحُ إنَّمَا يَنْتَهِي فِي حَقِّ حُكْمٍ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ فِيهِ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْإِقْرَارَ وَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ صَحَّحْنَاهُ لِإِثْبَاتِ الْإِرْثِ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ التَّصْدِيقُ وَاقِعًا فِي شَيْءٍ هُوَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ
جَانِبِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُ النِّكَاحِ بَاقِيًا بِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ : إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ كَسْبًا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَالْإِرْثُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ فِي حَقِّهِ قُلْنَا الْكَسْبُ يَقَعُ مِلْكًا لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً مَلَكَ مَنَافِعَهَا حُكْمًا تَبَعًا لَهَا فَيَصِيرُ الْإِقْرَارُ بِالْعَبْدِ إقْرَارًا لَهُ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِيرُ قِيَامُهُ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ الْعَبْدِ ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ يَفُوتُ بِمَوْتِهَا فَيَبْقَى تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى إرْثٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَصِحُّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هِيَ نِكَاحٌ وَمَا ادَّعَاهُ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهَا إرْثٌ فَلَا يَكُونُ تَصْدِيقُهَا لَهَا فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ بَلْ هُوَ دَعْوًى مُبْتَدَأَةٌ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِلَا حُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ فَيَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ نَحْوِ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَمْ يَثْبُتْ ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِأَنَّهُ ابْنُهُ ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ بِابْنِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ وَرِثَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا ) أَيْ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَرِثَهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي النَّسَبِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ فَيُرَدُّ وَفِي اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِهَذَا الْمُقَرِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ كَأَنَّهُ وَارِثٌ حَقِيقَةً .
قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً أَيْ لَكِنْ الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ الْأَخِ وَالْعَمِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ بِالْمَالِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ النَّسَبَ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ الْمَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لَمَّا صَحَّ بَطَلَ الْإِقْرَارُ أَصْلًا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ لِكَوْنِهِ تَحْمِيلًا عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ؛ وَلِهَذَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ قَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَقِضُ بِالْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا بِوَصِيَّةٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ ، ثُمَّ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ ، وَلَوْ كَانَ الْأَخُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَجَبَ قِسْمَةُ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ فِي حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِقَوْلِ الْمَرِيضِ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَسَبٌ ثَابِتٌ يَسْتَنِدُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَيْهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَرَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، نَظِيرُهُ مُشْتَرِي الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْعَلُ إقْرَارُهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ فَيُعْطَى الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أَعْطَى الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالسُّدُسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا تَأْخُذُ خُمُسَهُ ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا ، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِزَوْجَةٍ
لِلْمَيِّتِ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ وَيَضْرِبُ الِابْنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا سَهْمَانِ مِنْ تِسْعَةٍ وَلَهُ سَبْعَةٌ ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ يَعْنِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ ، وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى زَعْمِهِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَاسْتَغْرَقَ نَصِيبَهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ أَخَاهُ فِي الْخَمْسِينَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى زَعْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمُكَذِّبِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْمُقِرَّ يَحْصُلُ لَهُ نِصْفُ الْخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ الْإِقْرَارَ إلَى الْكُلِّ شَائِعًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ ، فَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ مَقْبُولٌ فَيَصِحُّ وَفِي حَقِّ أَخِيهِ لَا يُقْبَلُ فَلَا يَصِحُّ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يُحَلِّفُ الْمُنْكِرَ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
مِائَةً أُخْرَى غَيْرَ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَسَمَاهَا رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ ، وَهُوَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُقِرِّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ أَبِيهِ الْمِائَةَ فَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ ) ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ صَارَتْ مِيرَاثًا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِاقْتِضَاءِ أَبِيهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لَا فِي نَصِيبِ أَخِيهِ فَبَقِيَتْ حِصَّةُ الْآخَرِ كَمَا كَانَتْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ مَضْمُونٍ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَجِبُ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى الطَّالِبِ بِقَبْضِ الطَّالِبِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا فَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ فِي الْإِقْرَارِ لَمْ يَنْفُذْ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُنْكِرِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يَزْعُمُ هَذَا الْمُقِرُّ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ قَبَضَ الْخَمْسِينَ ، وَالْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْكُلِّ قِيلَ لَهُ : لَوْ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسِينَ شَيْئًا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ وَالتَّنَاقُصِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَانَ لِلِابْنِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ تَمَامَ الْخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْمُنْكِرَ يَقُولُ لَمْ يَأْخُذْ أَبِي مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَلِي تَمَامُ خَمْسِينَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ ثُمَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الِابْنِ الْمُقِرِّ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ وَإِذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ الْمُنْكِرُ مِنْ الْخَمْسِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ ) أَيْ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْغَرِيمِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِتَمَامِ الْخَمْسِينَ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ
بِهِ ا هـ
( كِتَابُ الصُّلْحِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ ، وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ خِلَافُ الْمُخَاصَمَةُ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ ، وَهُوَ ضِدُّ الْفَسَادِ ، وَمَعْنَاهُ دَالٌّ عَلَى حُسْنِهِ الذَّاتِيِّ وَكَمْ مِنْ فَسَادٍ انْقَلَبَ بِهِ إلَى الصَّلَاحِ بِحُسْنِهِ ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } وَقَالَ تَعَالَى { ، وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ وَلَا يَعُودُ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ ، وَالْعِلَّةُ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَسَنٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إطْفَاءَ النَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَرَفْعَ الْمُنَازَعَاتِ الْمُوبِقَاتِ عَنْهُمْ ، وَهِيَ ضِدُّ الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنَازَعُوا } وَفِي تَرْكِ الصُّلْحِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِنْكَارِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْإِعْسَارِ ، وَفِيهِ فَسَادٌ عَظِيمٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تَكْثُرُ الْعَدَاوَةُ وَتَهِيجُ الْفِتَنُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشُّهُودِ وَالْقَاضِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُوا } وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي بَنِي آدَمَ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ مِنْ إبْطَالِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِ هَذَا الصُّلْحِ فَتْحَ بَابِ الْمُنَازَعَاتِ وَإِثَارَةَ النَّائِرَاتِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِقَامَةَ الْفِتَنِ وَالْمُكَايَدَاتِ ، أَلَا تَرَى إلَى مَا
حُكِيَ أَنَّ فِتْنَةً وَقَعَتْ فِي قَبِيلَةٍ بِسَبَبِ تُهْمَةِ غُلَامٍ فَهَاجَتْ بَيْنَهُمْ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فَامْتَدَّتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ إلَى أَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ فَانْطَفَأَتْ النَّائِرَةُ ؛ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ ، وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ لِدَفْعِ الشَّرِّ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ وَسُكُوتٍ ، وَإِنْكَارٍ ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ لِمَا رَوَيْنَا ، وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ حَلَالًا لِلدَّافِعِ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ فَبِالصُّلْحِ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَكُونُ حَرَامًا عَلَى الدَّافِعِ حَلَالًا عَلَى الْآخِذِ ، أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ مُحِقًّا كَانَ أَخْذُ الْمُدَّعَى حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَقَدْ كَانَ أَخْذُ الْمَالَ عَلَى الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَلَّ لَهُ بِالصُّلْحِ فَصَارَ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهَذَا رِشْوَةٌ فَإِذَا كَانَ التَّمْلِيكُ رِشْوَةً كَانَ التَّمَلُّكُ قَبُولَ الرِّشْوَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مَلَكَ فَيَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعًا لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَالْمُدَّعِي آخِذًا لِتَرْكِ الظُّلْمِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِمُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَادَةً عَلَى مَا دُونَ حَقِّهِ فَمَا زَادَ عَلَى الْمَأْخُوذِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ كَانَ حَلَالًا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ ، وَكَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَلَّ لَهُ
ذَلِكَ بَعْدُ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا صَحَّ مُطْلَقًا بَلْ الْبَيْعُ أَيْضًا يَكُونُ حَرَامًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَالُهُ كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْمَشْرُوعَةِ فَيُؤَدِّي هَذَا إلَى تَحْرِيمِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِأَسْرِهَا ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِالصُّلْحِ مَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ شَرْعًا أَوْ يُحَرَّمَ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أَوْ تُصَالِحَ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ زَوْجَهَا عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الْأُخْرَى أَوْ أَمَتَهُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالصُّلْحِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرَ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ مِنْهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا لِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ رِشْوَةٌ وَتَمَلُّكُهُ قَبُولٌ لِلرِّشْوَةِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْلَمُ بَلْ هُوَ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ أَوْ بَدَلُهُ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ أَخْذُهُ وَأَكْلُهُ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ أَيْضًا حَلَالٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ أَجْوَزَ مَا يَكُونُ مِنْ الصُّلْحِ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ فِيهِ يَتَحَقَّقُ عَلَى التَّمَامِ ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ وَالْفَسَادِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى التَّمَامِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مُنَازَعَةٌ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الصُّلْحِ بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِيَّ إنْ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ خِلَافِهِ فَهُوَ بَيْعٌ عَنْ طَوْعٍ مِنْهُ وَاخْتِيَارٍ ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ رِشْوَةٌ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِلدَّافِعِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ
وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الذَّمِّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي } الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الظَّالِمُ فَيَدْفَعُهَا إلَى بَعْضِ الظَّلَمَةِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الظُّلْمِ بِالرِّشْوَةِ وَأَمَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَيْضًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْيَتِيمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَقَ السَّفِينَةَ كَيْ لَا يَأْخُذَهَا الظَّالِمُ وَمَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ إلَّا الْإِصْلَاحَ ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُصْلِحَ مِنْ الْمُفْسِدِ ، وَقَوْلُهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مَلَكَ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اتِّحَادَ جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بَلْ قَدْ تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ بَيْنَهُمَا كَمَنْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ فِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذْ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى زَعْمِهِ ، وَقِبْلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي التَّحَرِّي مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، وَالْخُلْعُ يَمِينٌ فِي حَقِّهِ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّهَا ، وَكَذَا الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ .
( كِتَابُ الصُّلْحِ ) قَدْ مَرَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّعْوَى فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ ) رُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ ، فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ ، صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَجَوَازُهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } عُرِّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صُلْحٍ خَيْرًا وَكُلُّ خَيْرٍ مَشْرُوعٌ ا هـ سَيِّدٌ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَشَرْطُ الصُّلْحِ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقًّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ ، وَكَوْنُ بَدَلِ الصُّلْحِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا تُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ ) أَيْ بَعْدَ الْمُحَارَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الْحَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ
بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْجِنْسَ لَا الْعَهْدَ وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلُ الْعَهْدِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } أَيْ ذَلِكَ الصُّلْحُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصُّلْحِ لَا يَجُوزُ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَصُلْحُ الْمُودَعِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفًا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ فَصَالَحَتْ عَلَى مَالٍ لَا يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ قُلْت التَّعَلُّقُ بِالْآيَةِ صَحِيحٌ لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ لَا فَصْلَ فِيهَا وَحَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالصُّلْحِ وَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ خَيْرًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَكَأَنَّهُ قَالَ صَالِحُوا فَإِنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ يَعْنِي جِنْسَ الصُّلْحِ خَيْرٌ كَمَا يُقَالُ صَلِّ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ أَيْ جِنْسُ الصَّلَاةِ خَيْرٌ ، غَايَةُ مَا فِي الْبَاب أَنَّهُ انْصَرَفَ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا ، وَلَكِنَّهُ وَصَفَهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ خَيْرًا ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ فَكُلُّ مَا يَكُونُ صُلْحًا يَكُونُ خَيْرًا ، وَأَيْضًا قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ نُشُوزَ الزَّوْجِ وَالْإِعْرَاضَ قَدْ يَكُونُ عَنْ إنْكَارِ حَقِّهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ صُلْحًا عَلَى الْإِنْكَارِ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ وَقَوْلُهُمْ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْجِنْسِ كُلِّهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ نَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَوُجُودُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِالْإِطْلَاقِ فِيمَا
وَرَاءَ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ } ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الصُّلْحُ مَعَ الْمُودَعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَجَحَدَ الْمُودَعُ وَالثَّانِي إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَالِاسْتِهْلَاكَ وَالْمُودَعُ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ وَسَكَتَ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ ، وَالثَّالِثُ إذَا قَالَ الْمُودَعُ هَلَكْت ، أَوْ رَدَدْتُ وَصَاحِبُ الْمَالِ سَاكِتٌ ، أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي فَاصْطَلَحَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُوسُفَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرَّابِعُ إذَا قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ ، أَوْ رَدَدْتُ وَقَالَ الْمَالِكُ لَا بَلْ اسْتَهْلَكْتَ فَاصْطَلَحَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْمَالِكُ اسْتَهْلَكْتَهَا وَقَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ أَوْ رَدَدْتُ أَوْ قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ ، أَوْ رَدَدْتُ وَقَالَ الْمُودِعُ اسْتَهْلَكْتَهَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ إذَا قَالَ الْمُودِعُ أَوَّلًا اسْتَهْلَكْتَهَا وَقَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ ، أَوْ رَدَدْتُ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي قَوْلِهِمْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ ) قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الصُّلْحِ اعْتِبَارُهُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُدَّعِي فِي بَدَلِ الصُّلْحِ وَانْقِطَاعِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ
وَبُطْلَانِ حَقِّ الدَّعْوَى فِي أَصْلِ الْمُدَّعَى وَالْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا بَذْلُ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِقِيَامِ أَمَارَةِ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي حَقِّهِ وَبَذْلُ الْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَصِيَانَةِ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسُكُوتٍ ) أَيْ وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ ا هـ وَوَجْهُ حَصْرِ الصُّلْحِ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجِيبَ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي ، أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ السُّكُوتُ وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فَانْحَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا مَحَالَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ { كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ا هـ ( قَوْلُهُ { لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ ) رَوَى مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِسُحْتٍ إلَّا عَلَى مَنْ أَكَلَهُ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَاهُ لِمَنْفَعَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا إنْ رَشَا إنْسَانًا يَخَافُ ظُلْمَهُ وَحَبْسَهُ فَلَا بَأْسَ لِلرَّاشِي وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَشِي قَالَ مُحَمَّدٌ بَلَغَنَا عَنْ الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا وَجَدْنَا فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ ، أَوْ زِيَادٍ ، أَوْ ابْنِ زِيَادٍ شَيْئًا خَيْرًا لَنَا مِنْ الرِّشَا قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُعْطِي ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الظِّلَامَةَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْآخِذِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) رَوَاهُ أَبُو
اللَّيْثِ وَبِهِ يُفْتَى ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا يَأْخُذُهَا الظَّالِمُ ) أَجَازَ التَّعْيِيبَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَخَافَةَ أَخْذِ الْمُتَغَلِّبِ كَذَا فِي أَحْكَامِ الصَّفَّارِ وَفِي الْمُحِيطِ ، وَلَوْ رَشَا لِدَفْعِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ مَالِهِ ، أَوْ خَوْفًا عَلَى نِسَائِهِ ، أَوْ أَعْطَى مَالَهُ لِشَاعِرٍ لَا بَأْسَ بِهِ ا هـ مِعْرَاجٌ ( قَوْلُهُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُصْلِحَ مِنْ الْمُفْسِدِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ لَمْ يُرِدْ الشَّارِحُ التِّلَاوَةَ وَلِذَا قَدَّمَ الْمُصْلِحَ ا هـ ( قَوْلُهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ) أَيْ فَجِهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِبْلَةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا تَكُونُ قِبْلَةً فِي حَقِّ مَنْ تَوَجَّهَ إلَى غَيْرِهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بِإِقْرَارٍ اُعْتُبِرَ بَيْعًا ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَدْ وُجِدَ فِيهِ ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَنْ تَرَاضٍ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبُيُوعِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصُّلْحِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَشْبَهِ الْعُقُودِ لَهُ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّورِ ؛ وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا ، وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ كَفَالَةً ثُمَّ إذَا وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ يُنْظَرْ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعَى فَهُوَ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ ( لَا جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَيَفْسُدُ بِالْجَهَالَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ غَيْرَ أَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ فَتُفْسِدُهُ ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ يَفْسُدُ دُونَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَكَذَا يَفْسُدُ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ إذَا جُعِلَ الْبَدَلُ مُؤَجَّلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ كُلُّهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ أَوْ بِكُلِّهِ ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ
بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ بِبَعْضِهِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرَ فَأَيُّهُمَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إنْ كُلًّا فَبِالْكُلِّ ، وَإِنْ بَعْضًا فَبِالْبَعْضِ بِحِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ ) أَيْ إذَا كَانَ عَقَارًا ا هـ قَوْلُهُ ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ ) أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ اُعْتُبِرَ إجَارَةً ) يَعْنِي الصُّلْحَ بِإِقْرَارٍ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ يَكُونُ إجَارَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَشْبَهِ عُقُودٍ لَهُ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهَا لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِ ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ ، وَهَذَا حُكْمُهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى سَنَةٍ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَطَلَ الصُّلْحُ فَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى بِقَدْرِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ الْمُدَّعِي يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ عَلَى حَالِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ ، وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا وَيَبْطُلُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَفِي إبْطَالِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إعَادَةُ الْمُنَازَعَةِ فَيَبْقَى فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ إمَّا بِاسْتِمْرَارِ الْعَاقِدِ أَوْ بِإِقَامَةِ وَارِثِهِ مَقَامَهُ ، وَفِيمَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ كَلُبْسِ الثِّيَابِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ إنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْقَى لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِالِاسْتِمْرَارِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْوَارِثِ
مَقَامَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مُطْلَقًا كَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْأَجْنَبِيُّ يَضْمَنْ قِيمَتَهُ وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ عَبْدًا فَيُخْدِمُهُ كَمَا إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِاحْتِمَالِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْخِدْمَةِ فَالرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي ، وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ نَفْسَ عَبْدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الضَّمَانُ بِالْإِتْلَافِ وَالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الِاسْتِيفَاءَ الْحَاصِلَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْقَبْضِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ ) حَتَّى لَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ إلَى الْأَبَدِ ، أَوْ حَتَّى يَمُوتَ لَا يَجُوزُ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ بِالْإِجَارَةِ كَانَ التَّوْقِيتُ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ أَبَدًا ، أَوْ إلَى أَنْ يَمُوتَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً جَازَ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَلَا ، وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ ، أَوْ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ وَالصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ عَنْ مَعْلُومٍ ، أَوْ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يَسْتَغْنِي عَنْ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَجَهَالَتُهُ لَا تُبْطِلُ عَقْدَ الصُّلْحِ كَمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مَجْهُولًا فَاصْطَلَحَا جَمِيعًا عَلَى التَّتَارُكِ جَازَ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الْعُقُودُ لِمَعْنًى فِيهَا وَهُوَ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ جَازَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَيْنَ مَالٍ فِي يَدِ رَجُلٍ كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا فَادَّعَى كُلَّهُ ، أَوْ بَعْضَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرٌّ أَوْ جَاحِدٌ ، أَوْ سَاكِتٌ فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ ، أَوْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا ، أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ
يَكُونَ مُعَيَّنًا ، أَوْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، أَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَنْفَعَةٍ ، أَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَالشَّرْطُ فِيهَا بَيَانُ مِقْدَارِهَا وَيَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ يَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضٍ مِنْهَا عَلَى بَعْضٍ غَلَبَةٌ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا مَعَ بَيَانِ الْقَدْرِ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهَا حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً ، وَقَبْضُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَمَا لَا يُبْطِلُهُ النَّسَاءُ لَا يُبْطِلُهُ الْعَقْدُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ الصُّلْحُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيُعْطِيَ الرَّجُلَ مِثْلَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي ، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا وَوَصْفِهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَهَا هُنَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمٌ وَهُوَ عَيْنٌ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ إنْ وَقَعَ عَلَى الدَّنَانِيرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى كَيْلِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ، أَوْ عَلَى وَزْنِيٍّ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بَعْدَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَيَقَعُ عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الْكَيْلِ
وَالْوَزْنِ وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ جَازَ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ ، وَبَيَانُ الْأَجَلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَلَوْ بَيَّنَ الْأَجَلَ جَازَ وَيَثْبُتُ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْكَيْلِيَّ وَالْوَزْنِيَّ أَعْيَانُهُمَا سِلَعٌ وَأَوْصَافُهُمَا ثَمَنٌ فَإِذَا عُيِّنَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمَا وَإِذَا وُصِفَا وَلَمْ يَتَعَيَّنَا صَارَ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى ثِيَابٍ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ الصُّلْحُ وَالشَّرْطُ فِيهِ الْإِشَارَةُ لَا غَيْرُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالصُّلْحُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ شَرَائِطِ السَّلَمِ ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ لِجَهَالَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْحُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، أَوْ هَلَكَ ) لَفْظُ ، أَوْ هَلَكَ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ) لِمَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاعْتِبَارِ شَخْصَيْنِ كَالنِّكَاحِ مُوجِبُهُ الْحِلُّ فِي الْمُتَنَاكِحَيْنِ وَالْحُرْمَةُ فِي أُصُولِهِمَا فَيُؤَاخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَزْعُمُ ، وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالْإِنْكَارِ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِدَاءِ الْيَمِينِ ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَجِهَةُ الْإِنْكَارِ رَاجِحَةٌ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ كَوْنُ مَا فِي يَدِهِ عِوَضًا عَمَّا دَفَعَ بِالشَّكِّ .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ ) لَفْظُ لِلْيَمِينِ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ ) أَيْ وَالسَّاكِتِ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَالصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ا هـ فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ وَالسَّاكِتَ ا هـ ( وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ) ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ عِوَضٌ عَنْ حَقِّهِ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي يُعْطِيه لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَالشَّغَبِ وَالذَّبِّ عَنْ نَفْسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا وَتَجِبُ لَوْ صَالَحَا عَلَى دَارَيْهِمَا ) أَيْ الْمُنْكِرُ وَالسَّاكِتُ إذَا ادَّعَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارِهِ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ تَجِبْ فِي دَارِهِ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهَا دَارُهُ وَأَنَّهُ يَسْتَبْقِيهَا عَلَى مَا كَانَتْ لَهُ ، وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُدَّعِي لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى دَارٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُدَّعِي وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَمَّا ادَّعَى فَكَانَ مُعَاوَضَةً عَلَى زَعْمِهِ فَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَنْهَا عَلَى دَارٍ أُخْرَى وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا دُونَ الْأُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْكَارُ الْآخَرِ الْمُعَاوَضَةَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ : أَنَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يُنْكِرُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ فُلَانٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ مَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ وَإِذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ صَالِحٍ مَعَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ تَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا صَارَتْ لَهُ بِهَذَا الصُّلْحِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مِثْلِيًّا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ أَخَذَهَا بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لَهُ وَإِنَّمَا بَذَلَ الْمَالَ لِلْمُدَّعِي لِدَفْعِ بَاطِلِ خُصُومَتِهِ لَا بَدَلًا لِلدَّارِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي وَلَهُ أَنْ يُدْلِيَ بِحُجَّتِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي ، أَوْ حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ إنَّمَا حَصَلَتْ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى أَرْضٍ بِعَيْنِهَا ، أَوْ عَلَى دَارٍ بِعَيْنِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَبَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الدَّارِ الْمَتْرُوكَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ ، أَوْ إنْكَارٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بَدَلًا عَنْ الدَّارِ الْمَتْرُوكَةِ وَأَنَّ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةَ فَاسْتَوَى فِي الْمَأْخُوذَةِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ فِي الدَّارِ عَلَى مَنَافِعَ لَا عَلَى عَيْنِ مَالٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْمَتْرُوكَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ ، أَوْ إنْكَارٍ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الدَّارِ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ ، وَلَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعِي الدَّارَ وَيُعْطِيَهُ دَارًا أُخْرَى فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ الشُّفْعَةُ
بِقِيمَةِ الدَّارِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ كَانَتْ هَذِهِ مُبَادَلَةَ دَارٍ بِدَارٍ ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ مِثْلَ هَذَا عَنْ إقْرَارٍ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ ) وَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَانَ مُعَاوَضَةً عَلَى زَعْمِهِ ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ وَرَدَّ الْبَدَلَ ، وَلَوْ بَعْضَهُ فَبِقَدْرِهِ ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى شَخْصٍ شَيْئًا فَأَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمُدَّعَى كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ رَدَّ الْمُدَّعِي الْعِوَضَ الَّذِي أَخَذَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ قَدْرَ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَجَعَ هُوَ بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُسْتَحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى زَعْمِهِ عِوَضًا عَمَّا ادَّعَى فَإِذَا اُسْتُحِقَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيَبْقَى الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ أَحَدٍ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا أَدَّى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْمَالَ إلَى الْكَفِيلِ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ عِنْدِهِ وَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ قَضَى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الدَّيْنَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا أَعْطَاهُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَامَ مَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَخَذَ الْمُدَّعَى مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ) أَيْ فِي الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ ، أَوْ سُكُوتٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ إلَخْ ) قَالَ الْكَاكِيُّ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَى الْمُدَّعِي شَيْئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ مَا دَفَعَ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنِّي أَخَذْت مِلْكِي فَكُنْت مُتَبَرِّعًا فِيمَا أُعْطِي وَلَا رُجُوعَ فِيهِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُضْطَرٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ لِضَرُورَةِ قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا أَمَّا الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيمَا أَعْطَى ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِيرَتِهِ فِي دَعْوَاهُ فَكَانَ الدَّفْعُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الِاخْتِيَارِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ) أَيْ اُسْتُحِقَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي رَجَعَ الْمُدَّعِي إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ إنْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْعِوَضِ أَوْ فِي بَعْضِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا تَرَكَ الدَّعْوَى إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ بِالْمُبْدَلِ ، وَهُوَ الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْت حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى ؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى مِلْكُ الْمُدَّعِي فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهَلَاكُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ ) أَيْ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ فَإِذَا كَانَ كَاسْتِحْقَاقِهِ يَبْطُلُ بِهِ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْبَدَلِ فِي الْبَيْعِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ فَكَذَا هَذَا ، وَهَذَا فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا مَرَّ ، وَكَذَا فِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ فَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ يَكُونُ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ حَتَّى يَبْطُلَ الصُّلْحُ فِي قَدْرِهِ وَيَبْقَى فِي الْبَاقِي كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِمَا عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا
يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَلَاكُ .( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ) صُورَتُهُ صَالَحَ ذُو الْيَدِ الْمُنْكِرِ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى عَبْدٍ فَقَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِهَذِهِ الدَّارِ يَعْنِي أَجْرَى لَفْظَ الْبَيْعِ فِي مَقَامِ الصُّلْحِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ لَا بِالدَّعْوَى ا هـ .
( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا إنْ وَقَعَ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ إنْ وَقَعَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ أَوْ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ إنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَنَافِعَ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا .( فَصْلٌ ) لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مَشْرُوعِيَّةَ الصُّلْحِ وَأَنْوَاعَهُ الثَّلَاثَةَ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَجُوزُ عَنْهُ الصُّلْحُ وَمَا لَا يَجُوزُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمَّا جَوَازُهُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَسَيَجِيءُ فِي فَصْلِ التَّخَارُجِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ ) فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَنْفَعَةُ ) يَعْنِي الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا جَائِزٌ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْإِجَارَةِ إنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَنَافِعَ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّ لَهَا مُدَّةً مُتَنَاهِيَةً لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ يُصَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ أَوْ لُبْسِ الثِّيَابِ أَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى أَوْ عَنْ الزِّرَاعَةِ أَوْ عَلَى الزِّرَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ فَكَذَا الصُّلْحُ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِالْمَنْفَعَةِ فَكَذَا الصُّلْحُ .
( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صَالَحُوا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْوَصَايَا وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنْ خِدْمَتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ ، أَوْ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ ، أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ ، أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ أَحَدٍ بِبَدَلٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ آجَرَ مِنْهُمْ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّا نَقُولُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ إيَّاهُمْ بِبَدَلٍ بَلْ هُوَ إسْقَاطُ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ بِبَدَلٍ وَلَفْظَةُ الصُّلْحِ لَفْظَةٌ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَتَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا فَصَحَّحْنَاهُ إسْقَاطًا وَهُوَ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ يُوَازِي الْمِلْكَ فَاحْتَمَلَ التَّقْوِيمَ بِالشَّرْطِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ آخَرَ فَلَوْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكًا لَكَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْخِدْمَةِ بِالْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَصِيُّ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُوصَى لَهُ مَا صَالَحُوهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إسْقَاطٍ وَقَدْ تَمَّ بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي مَنْفَعَتِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَقَدْ أُسْقِطَ كُلُّ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ فَسَلِمَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَبْدًا مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ لَمْ يُسَلَّمْ جَمِيعُ مَا قُوبِلَ بِالْمُبْدَلِ فَلَا يُسَلَّمُ الْبَدَلَ أَيْضًا فِي مُقَابَلَتِهِ لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجِنَايَةِ ) يَعْنِي الصُّلْحَ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْجِنَايَةِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْجِنَايَةَ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً سَوَاءً كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ ، أَمَّا الْعَمْدُ فِي النَّفْسِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَمَعْنَاهَا مَنْ بُذِلَ لَهُ بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ مَالٌ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالصُّلْحِ ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَمِلْكِ النِّكَاحِ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الصُّلْحِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَمْوَالِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ مِثْلُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَكِنْ فِي النِّكَاحِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ بِلَا مَالٍ وَالْعَفْوُ مَشْرُوعٌ بِدُونِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فِيهِمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ مَهْرُ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ قِيمَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَفِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يَكُونُ بِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَالْقِصَاصُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ إذْ لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَ أَخْذَ عِوَضِهِ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا فَجَازَ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ إنْ شَاءَ وَذَلِكَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَالْكَفَالَةِ
بِالنَّفْسِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْجِنَايَةِ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالصُّلْحُ مِنْ كُلِّ جِنَايَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ عَلَى مَا قَلَّ مِنْ الْمَالِ أَوْ كَثُرَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ بِغَيْرِ مَالٍ فَيَحْتَمِلُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا وَهُوَ حَقٌّ يَحْتَمِلُ التَّقْوِيمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا ، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ } أَرَادَ بِهِ بِرِضَا الْقَاتِلِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ؛ وَلِأَنَّ دَمَ الْعَمْدِ حَقٌّ يَجُوزُ أَنْ يَئُولُ إلَى مَالٍ وَهُوَ إذَا دَخَلَتْهُ شُبْهَةٌ فَجَازَ الصُّلْحُ مِنْهُ عَلَى مَالٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ) وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي دَمٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْفِعْلِ ) بِخِلَافِ حَقِّ الشُّفْعَةِ إذْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا إلَخْ ) أَيْ الصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ وَلَا يُقَالُ كُلُّ مَا يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ يَصْلُحُ مَهْرًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ عَنْ أَنْ يَعْفُوَ الْآخَرُ عَنْ قِصَاصٍ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ وَعَفْوُ الْقِصَاصِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا يَصْلُحُ بَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مَهْرًا وَلَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُنَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًا ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ هُنَا كَمَهْرِ
الْمِثْلِ هُنَالِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجِبُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ ثُمَّ الْقَوَدُ يَسْقُطُ بِأَدْنَى شَيْءٍ وَلَمْ يَرْضَ مَجَّانًا فَيَجِبُ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي فَصْلِ إذَا صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى خَمْرٍ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَمْلِكُ الْعَفْوَ بِلَا شَيْءٍ فَإِذَا ذَكَرَ مَا لَا يَصِحُّ عِوَضًا أَصْلًا فَكَأَنَّهُ عَفَا وَفِي النِّكَاحِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ مَهْرٍ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَبَدَلُ الصُّلْحِ فِي دَمِ الْعَمْدِ جَارٍ مَجْرَى الْمَهْرِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُحُمِّلَتْ فِي الْمَهْرِ تُحُمِّلَتْ هُنَا وَمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ يَمْنَعُ وُجُوبَهُ فِي الصُّلْحِ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ وَجَبَ ابْتِدَاءً لَا فِي مُقَابِلَةِ مَالٍ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ فِي النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ وَيَجِبُ بَدَلُ النَّفْسِ وَهُوَ الدِّيَةُ نَحْوُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى ثَوْبٍ كَمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بِلَا مَالٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسَمَّى مَالًا لَغَتْ التَّسْمِيَةُ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَأَمَّا فِي بَابِ الصُّلْحِ فَوُجُوبُ الْمَالِ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَفَا وَلَمْ يُسَمِّ مَالًا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ تَمَلُّكِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الدَّارُ مَثَلًا وَالْقِصَاصُ لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِصَاصِ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ كَأَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ
عَبْدِهِ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَاشْتِغَالُهُ بِالصُّلْحِ إعْرَاضٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالصُّلْحِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى نِصْفِ الدَّارِ ، أَوْ عَلَى ثُلُثٍ مِنْهَا ، أَوْ رُبُعٍ جَازَ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ فَصَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى نِصْفِ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ جَازَ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ شِرَاءً مُبْتَدَأً لَا أَخْذًا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَيَجُوزُ الشِّرَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الشُّفْعَةَ عَلَى بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ عَلَى دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ عَلَى بَيْتٍ مِنْهَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الصُّلْحِ مَا يَصِحُّ أَخْذُهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَمَّى رُبُعَ الدَّارِ بِرُبُعِ الثَّمَنِ جَازَ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَ الْأَخْذُ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ وَبَقِيَ الْحَقُّ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَشَرَطَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ مَجَّانًا إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ إلَخْ مَا نَصُّهُ رَاجِعْ بَابَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَالْكِفَالَةِ بِالنَّفْسِ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ هَلْ تَسْقُطُ سَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ أَسْطُرٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ا هـ .
ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَجِبُ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا فَيُصَارُ إلَى مُوجِبِهِ الْأَصْلِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى الْخَمْرَ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصُّلْحِ يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ ، وَكَذَا الْخِيَارَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالشُّفْعَةُ تَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الْكَفَالَةِ بِهِ قِيلَ : تَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَالِ غَالِبًا فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ فَلَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِيَارِ وَالْقِصَاصِ ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي النَّفْسِ فَلِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَاهُ جَائِزٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا كَمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ ، وَكَذَا عَلَى الْأَقَلِّ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمَالِ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَيَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرِهِمَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ شَرْعًا .
( قَوْلُهُ قِيلَ تَسْقُطُ ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ فِي الصُّلْحِ تَبْطُلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَكِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ إنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الْمَكْفُولَ لَهُ بِمَالٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ جَائِزٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ) أَيْ أَوَّلَ الْفَصْلِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لِئَلَّا تَلْزَمَ الْمُجَاوَزَةُ عَنْ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ ) أَيْ فِي الْخَطَأِ فِي النَّفْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا ) وَفِي الْمُغْنِي هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ مُنْضَمًّا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْخَطَأِ يَجُوزُ وَإِنْ زَادَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَتَيْنِ كَمَا لَوْ صَالَحَ وَلِيُّ قَتِيلِ الْعَمْدِ وَوَلِيُّ قَتِيلِ الْخَطَأِ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَقَتَلَ خَطَأً عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَتَيْنِ يَجُوزُ وَلِصَاحِبِ الْخَطَأِ قَدْرُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ الْقِصَاصِ فِي نَفْسِهِ وَمَا دُونَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَفِي الْخَطَأِ لَا يَجُوزُ عَلَى الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَيْسَ بِمَالٍ فَجَازَ كَيْفَمَا كَانَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْوَاجِبُ يُقَدَّرُ شَرْعًا
بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِعَدَمِ الرِّبَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَيَّنَ فِيهِ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَجِنْسٍ آخَرَ فَأَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الدِّيَةِ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَيْضًا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّبَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ ) أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَالْإِبِلِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ ) أَيْ وَهُوَ دَيْنُ الدِّيَةِ بِدَيْنِ بَدَلِ الصُّلْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِنَوْعٍ مِنْ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ ثُمَّ صَالَحَ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ كَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ ، أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْوُجُوبِ فِي الْإِبِلِ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ الْبَقَرُ بَدَلًا عَنْهَا فَجَازَ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْأَجْنَاسِ نَاقِلًا عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ بَقَرَةٍ وَقَبَضَ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ جَازَ إذَا قَبَضَ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا حَكَمَ بِالْإِبِلِ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَيْ شَاةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ فَيَجُوزُ ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ ) تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ شَرْعًا ا هـ .
، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ فَسَدَ الصُّلْحُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ مَالٍ فَيَكُونُ نَظِيرَ الصُّلْحِ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرٌ بِالنَّفْسِ فَيُلْحَقُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيهِ ، بِالْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَمَا يُوجِبُ الْمَالَ فِيهِ بِالْخَطَأِ فِيهَا ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِيهَا السَّبَبُ مِنْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ افْتِدَاءِ يَمِينٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِخِلَافِ الْحَدِّ ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ بِأَنْ رَفَعَ الزَّانِيَ أَوْ شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ الْقَاذِفَ فَصَالَحَ هُوَ الرَّافِعَ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقُّ الرَّافِعِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ وَلَدَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ فَأَنْكَرَ وَصَالَحَهَا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تَتْرُكَ الدَّعْوَى كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ظُلَّةٌ أَوْ كَنِيفٌ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَخَاصَمَهُ رَجُلٌ عَلَى نَقْضِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ حَيْثُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِهِمْ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً يَنْفُذُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِّ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَصَالَحَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ حَيْثُ يَجُوزُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ
الْأَفْرَادِ ، وَالصُّلْحُ مَعَهُ مُفِيدٌ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ ثُمَّ يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ رِضَا الْبَاقِينَ فَيَجُوزُ .قَوْلُهُ أَوْ الْقَاذِفُ ) الْغَالِبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ الْمُطَلَّقَةُ الْمُبَانَةُ ادَّعَتْ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لِلْمُطَلِّقِ وَصَالَحَ مِنْ النَّسَبِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْوَلَدِ عَنْ النَّسَبِ ، وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلَدٍ فَصَالَحَ عَلَى مِائَةٍ لَمْ يَجُزْ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالَ إنْ دَفَعَ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ عَلَى تَرْكِ النِّكَاحِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي الْكِفَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْ نِكَاحٍ ) أَيْ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى النِّكَاحِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَنْ تَرْكِ الْبُضْعِ خُلْعٌ وَالصُّلْحُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ وَفِي حَقِّهَا لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَكَانَ صَحِيحًا ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا طَلَاقًا فَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ وَهِيَ يُسَلَّمُ لَهَا الْمَالُ وَالنَّفْسُ ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَتَكُونُ هِيَ عَلَى دَعْوَاهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مُفِيدًا قَطْعَ الْخُصُومَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَهَا عَلَى مَهْرِهَا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ غَيْرَ الزِّيَادَةِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ نِكَاحٍ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ تَزْوِيجِهَا الَّذِي ادَّعَى أَجَزْتُهُ إذَا قَبِلَ وَيَكُونُ هَذَا خُلْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَبَذْلَ الْمَالِ وَالرِّشْوَةِ فِي حَقِّهَا قَطْعًا لِمُنَازَعَتِهِ ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى تَزْوِيجِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مَعْنَى الْخُلْعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ أُعْطِيك مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُبَارَأَةِ أَوْ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ دَعْوَاك أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( فَرْعٌ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ، وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ وَقَالَ أَرْفَعُك إلَى السُّلْطَانِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ وَلَا يَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ سَرِقَةَ مَتَاعٍ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْ السَّرِقَةِ فَهَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى قِبَلَهُ حَقًّا ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّرِقَةِ دَعْوَى الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ فِي حَقِّ الْمَالِ فَصَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْعُرُوض قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً
فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ دَعْوَى الْجِرَاحَاتِ وَالْحُدُودِ ، وَتَفْسِيرُهُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ كَانَتْ الْعُرُوض قَائِمَةً بِعَيْنِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لِذَلِكَ الْعَرَضِ فِي زَعْمِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالصُّلْحُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ مَرْدُودٌ فَلَا يَجُوزُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَكَانَ صَحِيحًا ) وَالْمُرَادُ مِنْ جَوَازِ الصُّلْحِ نَفَاذُهُ فِي الظَّاهِرِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ ثِقَةٍ مِنْ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ مَكْتُوبَةً فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَدَمَ الْجَوَازِ قَالَ ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا لَمْ يَجُزْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَيْ الْجَوَازُ أَنْ يُجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَعْوَاهَا النِّكَاحَ وَصُلْحُ الرَّجُلِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ وَالْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ لَا غَيْرُ وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْكِفَايَةِ قَبْلَ هَذَا وَنَصَّ الْكَرْخِيِّ عَلَى بُطْلَانِ الصُّلْحِ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ ) أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ) أَيْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى وَجَعَلَ
إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قِبَلَهُ ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَتْهُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُهَا رَدُّهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالرِّقِّ وَكَانَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ ) يَعْنِي الصُّلْحَ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ وَكَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَجَازَ ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجْلٍ كَالْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِ الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَكُونَ رَقِيقًا ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُعْتَقًا بِالصُّلْحِ فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى ؛ لِأَنَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ بِاخْتِيَارِهِ نَزَلَ بَائِعًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ وَالْمُدَّعِي كَاذِبٌ فِيهِ لَا يَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَنَظِيرُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيَطِيبُ لَهُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالرِّقِّ ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَايَ عَلَى وَصَيْفٍ إلَى أَجَلٍ ، أَوْ عَلَى كَذَا مِنْ الْغَنَمِ إلَى أَجَلٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وَالثِّيَابُ وَالْعُرُوضُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِيهِ الْمُكَاتَبَةُ فَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ جَائِزٌ ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ لَزِمَ الْكَفِيلَ الْكَفَالَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُكَاتَبَةَ ؛ لِأَنَّهُ هُنَا قَدْ عَتَقَ حِينَ وَقَعَ الصُّلْحُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَنْهُ جَازَ ) أَيْ ، لَوْ صَالَحَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَنْ عَبْدِهِ جَازَ وَعَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا جَازَ عَنْ عَبْدِهِ دُونَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي غَيْرِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إذَا كَانَ بِعِوَضٍ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَهُوَ الْمَوْلَى ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَيَصِحُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ قَتْلُهُ بَعْدَ الْعَفْوِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مَالُ الْمَوْلَى وَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْأَمَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْمَالُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ صَالَحَ عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ، وَتَصَرُّفُهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَاصَهُ كَشِرَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْقَتْلَ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى ؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ رَقَبَتَهُ كَانَ هُوَ الْخَصْمُ فِيهِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ لَا تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى بَلْ لِوَرَثَتِهِ حَتَّى تُؤَدَّى بِهَا كِتَابَتُهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَيَكُونَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَصَارَ كَالْحُرِّ فَيَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ
الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ .( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ ) أَيْ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ كَسْبِهِ وَتِجَارَتِهِ ، وَرَقَبَتُهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ تِجَارَتِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْخِدْمَةِ ؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَكَانَ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهِ إلَى مَوْلَاهُ لَا إلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَصِحُّ بَيْنَهُ ) أَيْ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ الْمَأْذُونِ وَوَلِيِّ الْمَقْتُولِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَلَى عَرَضٍ صَحَّ ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا فَصَالَحَ الشَّرِيكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ لَا ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْمَغْصُوبِ أَيْضًا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُوبُهَا فِي الذِّمَّةِ دُونَ الْعَيْنِ إذْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَكُونُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ الْقِيمَةُ لَا بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فَيَصِيرُ مَا زَادَ عَلَيْهَا رِبًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ هَلَكَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَابِلَهَا شَيْءٌ ، وَلَوْ أَمْكَنَ لَجَازَ بَيْعُهَا فَصَارَ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا فِي الصُّلْحِ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَقَادِيرِ الدِّيَةِ ، وَعَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ وَصَارَ كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيمَةِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَى أَجْلٍ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَجَازَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَيَجُوزُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً حَقِيقَةً ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ الْمِثْلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَذَلِكَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنَى ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ فَكَذَا فِي الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الذِّمَّةِ مُمْكِنٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ وَالثِّيَابَ وَغَيْرَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَالدِّيَةِ وَفِي
كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَذَا فِي الْمَغْصُوبِ إذْ لَا تَعَذُّرَ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْأَخْذِ يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى غَيْرُ مُمْكِنٍ ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ وَالدَّافِعَ لَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ مِثْلَهُ فَإِذَا أَخَذَ عِوَضَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَكُونُ رِبًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ أَوْ نَقُولُ : إنَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْهَلَاكِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ يَتَقَرَّرْ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ بَقِيَ الْعَيْنُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَجِبَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ آبِقًا فَعَادَ مِنْ إبَاقِهِ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالضَّمَانُ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْعَيْنِ ، وَلَا رِبَا فِيهَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ رَدُّ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي حَقِّ الْأَخْذِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ ، وَالدِّيَةُ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا ضَمَانُ الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُقَدَّرًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ فَوْقَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي وَبِهِ يَتَقَرَّرُ فَكَذَا بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ إلَى أَجْلٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ ، وَالِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا حَتَّى لَوْ لَمْ
يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ لَمَا جَازَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَبِيعًا حِينَئِذٍ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السَّلَمِ ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ جَازَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ الْوَاجِبِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ إلَخْ ) قَيَّدَ بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَائِمًا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ أَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ مِعْرَاجٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا يَهُودِيًّا دُونَ الْمِائَةِ فَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَلَى قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيُرَدُّ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا ) أَيْ جَوَازُ الصُّلْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ عِنْدَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ ، أَمَّا إذَا وَقَعَ عَلَى عَرَضٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَمَا سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مَقَالَةِ الشَّرْحِ قَوْلُهُ وَضَمَانُ الْعِتْقِ إلَخْ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا
ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَقَادِيرِ الدِّيَةِ ) أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ ، أَوْ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ وَكَمَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، أَوْ نَقُولُ إنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى الْمِثْلِ مَعْنًى وَهُوَ الْمِثْلُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا تَصَالَحَا عَلَى الْأَكْثَرِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ لَا اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ حَقِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْأَكْثَرِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ الْحَقُّ فِيهَا فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ رِبًا لَا مَحَالَةَ وَبِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ الثَّابِتِ شَرْعًا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَجْبُورٌ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَمْلِكُ التَّغْيِيرَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ وَبِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ نِصْفٍ لِلْمُعْتَقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا شَرَحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ
الْكَافِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَنَقُولُ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْنَا ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ حَقُّ السَّاكِتِ مُقَدَّرٌ فِي الْقِيمَةِ شَرْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْمَزِيدَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ } فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وَإِلَّا سَعَى الْعَبْدُ فِيهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ التَّقْدِيرُ شَرْعًا ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَائِمًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ ، ا هـ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَ قَائِمًا عَنْ الْكَاكِيِّ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ ) ، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ الْكَسْبُ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْكَسْبَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ عَلَى مَا أَخَذَتْ } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالدَّلِيلُ أَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى مَكِيلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ مُنْقَطِعًا وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَيْنًا لِمَا صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَلَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ عَقْدِ السَّلَمِ ا هـ قَوْلُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي ذَيْلِ وَجْهِ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَرَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ
الْجِنْسِ وَبِخِلَافِ الْغَبَنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ فَضْلًا فَلَمْ يَكُنْ رِبًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ ) هَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ عَنْ إقْرَارٍ فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ فِيمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِسْقَاطٌ مَحْضٌ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ ؛ وَلِهَذَا جَازَ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ شَيْءٌ إلَّا بِالِالْتِزَامِ كَالْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ هُنَا وَأَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصُّلْحِ عَنْهُ أَمْرٌ بِالْأَدَاءِ عَنْهُ لِيُفِيدَ الْأَمْرُ فَائِدَتَهُ إذْ الصُّلْحُ عَنْهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ فَائِدَةُ أَمْرِهِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ عَنْهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ فِيهِ الْجَوَازُ ، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدَّى يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَالْأَمْرُ بِالْخُلْعِ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالصُّلْحِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ إنْ ضَمِنَ وَأَدَّى عَنْهُ وَأَمَّا إذَا صَالِحَ عَنْهُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِأَنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيُطَالِبُ هُوَ بِالْعِوَضِ دُونَ الْمُوَكِّلِ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ ) فَأَمَّا إذَا ضَمِنَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ ادَّعَى فِي دَارِ رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ عَنْهُ آخَرُ فَإِذَا أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ سَوَاءً كَانَ عَنْ إقْرَارٍ ، أَوْ عَنْ إنْكَارٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَصَالِحِ ، وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ سَالِمٌ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ حَيْثُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ صَالَحَ فُلَانًا وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الرَّسُولِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ صَالَحْتُك وَلَمْ يَذْكُرْ فُلَانًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَصَارَ هَذَا وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ سَوَاءً ، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحَنِي فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ فَيُؤْخَذُ بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ لِوُقُوعِ حُكْمِ الْعَقْدِ لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ وَلَكِنْ ضَمِنَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي ، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ الْمَالَ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا وَأَنَّهُ يَصْلُحُ أَصْلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ الْجَوَابُ هَكَذَا إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ ) وَلَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالسَّفِيرِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ بِلَا أَمْرٍ صَحَّ إنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ وَسَلَّمَ وَإِلَّا يُوقَفُ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ سَلَّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُدَّعِي ، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَضَمِنَ الْمَالَ فَالصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةَ ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْأَجْنَبِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُسَلَّمُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الصُّلْحِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ لَا رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَدَعْوَى الْقِصَاصِ وَأَخَوَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَالْمُدَّعِي يَنْفَرِدُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا فَإِذَا سُلِّمَ لَهُ الْعِوَضُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ صَحَّ وَلَزِمَ لِتَمَامِ رِضَاهُ ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَامَتُهُ تَكُونُ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَفِيرًا فِيهِ يَلْزَمُهُ بِالضَّمَانِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَتَمَّ رِضَاهُ بِهِ ، وَكَذَا بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفِي هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ
إلَى الْمُدَّعِي ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ فَيَصِحُّ لِتَمَامِ رِضَاهُ بِهِ وَالْمُعَرَّفُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ كَالْمُضَافِ إلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلتَّسْلِيمِ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ فَيَتِمُّ بِهِ الصُّلْحُ ، وَكَذَا بِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ إلَيْهِ بِأَنْ عَقَدَ الْمُتَبَرِّعُ عَقْدَ الصُّلْحِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً تَمَّ رِضَاهُ فَصَارَ فَوْقَ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ فَإِذَا حَصَلَ لَهُ الْعِوَضُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ تَمَّ رِضَاهُ بِهِ وَبَرِئَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُصَالِحِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي حَيْثُ يَمْلِكُ الْمُتَبَرِّعُ الْعَيْنَ ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِكِهِ فَيَمْلِكُهُ إذْ الشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا بَلْ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعِوَضُ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ، لَمْ يَلْتَزِمْ الْإِيفَاءَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ إذْ لَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ مَجَّانًا إلَّا فِي صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُصَالِحِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالضَّمَانِ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصُّوَرِ ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يُضِفْ الْعِوَضَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ
يَكُونَ مَوْقُوفًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَشْرُوطُ لِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَإِنْ بَطَلَ ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالصُّلْحِ وَجَعَلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْخُلْعِ الْأَلْفَ الْمُشَارَ إلَيْهَا وَالْعَبْدَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مِثْلَ الْأَلْفِ الْمُنْكَرِ حَتَّى جَعَلَ الْقَبُولَ إلَى الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِلَا أَمْرٍ صَحَّ ) أَيْ إنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا أَمْرِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَدَعْوَى الْقِصَاصِ صَحَّ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ ) أَيْ الْمُصَالِحُ الشَّيْءَ ا هـ ( قَوْلُهُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ) أَيْ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمُدَّعِي وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَصَارَ كَالْكَفَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا ( قَوْلُهُ فَالصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ يَجِبُ بِالضَّمَانِ وَيَلْزَمُ بِضَمَانِهِ لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ يَصِحُّ وَالسَّاقِطُ يَتَلَاشَى فَيَسْتَوِي فِيهِ الْفُضُولِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَصْلُحُ الْأَجْنَبِيُّ أَصِيلًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ إذَا أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالِحْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ كَالزَّوْجِ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ كَانَ بَدَلُ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَكَانَ أَصِيلًا فِي الضَّمَانِ وَمُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ فَكَذَا هُنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَذَا صُلْحُ الْفُضُولِيِّ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيَلْزَمُ الْمَالُ عَلَى الْمَصَالِحِ الْفُضُولِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي شَيْءٌ بِأَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك هَذِهِ الْأَلْفَ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ وَهُمَا فَصْلٌ وَاحِدٌ ، أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ ، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ عَيَّنَ الْبَدَلَ فَقَالَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا ؛
لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَالتَّبَرُّعُ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ عَنْ غَيْرِهِ صَحِيحٌ وَالصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ وَالصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ إسْقَاطٌ لِلْخُصُومَةِ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ ، وَفِي فَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ مَعَ فُلَانٍ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ فَإِنَّ هَذَا الصُّلْحَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَجَازَ يَصِحَّ وَيَجِبْ الْمَالُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَصَالِحِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّوْكِيلِ وَالْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ كَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ يَبْطُلْ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْمُدَّعَى لَا يَسْقُطُ ا هـ قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُصَالِحِ شَيْءٌ ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعَى أَيْ لَا يَصِيرُ الدَّيْنُ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكًا لِلْمُصَالِحِ ا هـ .
( بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا مُعَاوَضَةٌ ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ عَمَّا اُسْتُحِقَّ ، وَهَذَا سَهْوٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُ صُوَرِهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطًا لِلْبَاقِي ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ بِجِنْسٍ آخَرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الصُّلْحُ عَلَى مَا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إلَخْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَصْلًا جَيِّدًا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ مَتَى وُجِدَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ تَبَرُّعًا ، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَكُونُ مُعَاوَضَةً ، وَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ إذَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهَا فَسَادَ الْعَقْدِ لِلرِّبَا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِي جَوَازُهُ فَكَانَ أَوْلَى حَمْلًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الصِّحَّةَ دُونَ الْفَسَادِ إذْ عَقْلُهُ وَدِينُهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورِ دِينِهِ .
( بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ ) قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الصُّلْحِ عَلَى الْعُمُومِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَهُ عَنْ دَعْوَى خَاصٍّ وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ إذْ الْخُصُوصُ بَعْدَ الْعُمُومِ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الصُّلْحَ مُطْلَقًا فِي عُمُومِ الدَّعَاوَى ذَكَرَ هُنَا الصُّلْحَ فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ وَصْفٌ زَائِدٌ فِي الذَّاتِ ا هـ فَتَأَمَّلْ فِي أُولَى الْعِبَارَتَيْنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِنِصْفِ حَقِّهِ وَمُسْقِطًا لِلنِّصْفِ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لَفَسَدَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ كَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ النِّصْفِ وَأَخَّرَ النِّصْفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ فَيُجْعَلُ مُسْقِطًا لِلْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَمُسْتَوْفِيًا لِبَعْضِ حَقِّهِ أَوْ مُؤَخِّرًا ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْجِيَادَ يَسْتَحِقُّ الزُّيُوفَ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْعَقْدِ لَمَا جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ زُيُوفٌ وَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِيَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجِيَادَ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً ضَرُورَةً فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ جَيِّدَهَا وَرَدِيئَهَا سَوَاءٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَالَّ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ فَيَكُونُ مُبَادَلَةً بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَ الطَّالِبُ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ ، وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَوْ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ يَلْزَمُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسَاءً ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْحَالَّةَ وَالدَّرَاهِمَ الْمُؤَجَّلَةَ ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ } فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَوْنُهُ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْجِيَادَ اسْتَحَقَّ الزُّيُوفَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْجِيَادِ مُسْتَحِقٌّ لِمَا دُونَهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ السُّودَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ بِدُونِ رِضَاهُ جَازَ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّدِّ ، وَلَوْ أَخَذَ الْبِيضَ مَكَانَ السُّودِ بِدُونِ أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ لَا يَجُوزُ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي الْمَتْنِ بَعْدَ أَسْطُرٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَالَّ ) أَيْ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ كَانَ حَقُّهُ فِي الْمُؤَجَّلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُبَادَلَةً بِالضَّرُورَةِ إلَخْ ) وَبَيْعُ خَمْسِمِائَةٍ بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ رِبًا أَوْ نَقُولُ إنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي كَانَتْ مُؤَجَّلَةً فِي الْأَصْلِ تَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْخَمْسِمِائَةِ الْمَحْطُوطَةِ الْمُؤَجَّلَةِ فَيَكُونُ اعْتِيَاضًا عَنْ الْأَجَلِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ : أَخْبَرَنَا أَبُو
حَنِيفَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ مَالٌ إلَى أَجَلٍ فَسَأَلَنِي أَنْ أُعَجِّلَ وَيَضَعَ عَنِّي بَعْضَهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ فَنَهَانِي وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ فِي الْقَضَاءِ بِالتَّعْجِيلِ وَإِحْسَانٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي الِاقْتِضَاءِ بِحَطِّ بَعْضِ حَقِّهِ لَكِنَّا نَقُولُ هَذَا حَسَنٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ فَإِذَا شُرِطَ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ دَخَلَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ فَاسِدَةٌ فَكَانَ فَاسِدًا ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ : إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ أُطْعِمَهُ الرِّبَا وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ حَطُّ بَعْضِهِ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ أَخَذَ بِقَوْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ سُودٍ عَلَى نِصْفٍ حَالٍّ أَوْ بِيضٍ لَا ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ أَوْ عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمَ لَا يَسْتَحِقُّ الدَّنَانِيرَ فَكَانَ مُعَاوَضَةً وَهُوَ صَرْفٌ فَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَالَّ ، وَكَذَا مَنْ لَهُ دَرَاهِمُ سُودٌ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِيضَ ؛ لِأَنَّهَا أَجْوَدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَكُونُ أَخْذُهَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ الْقَدْرِ الْمُسَاوَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ فَلِهَذَا بَطَلَ الصُّلْحُ حَتَّى لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ عَنْ الْأَلْفِ الْمُؤَجَّلَةِ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ بِيضٍ عَنْ الْأَلْفِ السُّودِ جَازَ بِشَرْطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَدْرِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ دُونَ الْمُسَاوَاةِ فِي الصِّفَةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَصَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ إسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَلِلدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً وَتَأْجِيلًا لِلْمِائَةِ الَّتِي بَقِيَتْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَهُ ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْإِسْقَاطِ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِغْمَاضِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ عَنْ الْمَجْهُولِ ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَدْوَنَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا وَوَقْتًا أَوْ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى دُونَ حَقِّهِ ، وَإِنْ
كَانَ أَزْيَدَ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ وَصْفٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَى الْوَصْفِ كَتَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ وَمِنْ اخْتِلَافِ جِنْسٍ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ اسْتِيفَاءً فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْمُعَاوَضَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعْجِيلُ الْمُؤَجَّلِ كَالْوَصْفِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ ؛ وَلِهَذَا يَنْقُصُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ فَيَكُونُ الْحَطُّ بِمُقَابَلَةِ الْأَجَلِ فَيَكُونُ رِبًا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا صَالَحَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِيمَا بَقِيَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ .
( قَوْلُهُ أَوْ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ بِسَطْرٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَانْظُرْ إلَى مَا قَبْلَ هَذِهِ الْقَوْلَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهَا فَإِنَّهُ مُفِيدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ سُودٍ ) قَالُوا الْمُرَادُ مِنْ الدَّرَاهِمِ السُّودِ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ مِنْ النُّقُودِ السَّوْدَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَخَذَهَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ إلَخْ ) فَيَكُونُ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَكَانَ رِبًا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ إلَى شَهْرٍ صَحَّ الصُّلْحُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدَّنَانِيرِ أَصْلًا وَأَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ التَّأْجِيلُ فِي الْمِائَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ هِيَ نَفْسُ مَا كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَعَشْرَةِ دَنَانِيرَ إلَى شَهْرٍ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ بَعْضَ حَقِّهِ قَدْرًا وَبَعْضَهُ وَصْفًا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَطَّ لَا يَقِفُ عَلَى اسْتِيفَاءِ مَا بَقِيَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا إلَى أَجَلٍ أَوْ حَالٍّ ؛ لِأَنَّهُ حَطَّ أَحَدَ حَقَّيْهِ أَصْلًا وَالْآخَرُ بَعْضُ حَقِّهِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اسْتِيفَاءً وَصَرْفًا يُجْعَلُ اسْتِيفَاءً ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الصَّرْفِ ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَقْدٌ مُبْتَدَأٌ لَهُ أَحْكَامٌ مُبْتَدَأَةٌ وَالِاسْتِيفَاءُ مُتَمِّمٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَكَانَ حَمْلُ التَّصَرُّفِ عِنْدَ
التَّرَدُّدِ عَلَيْهِ أَوْلَى ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ ، وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّ غَدًا النِّصْفَ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ لَا يَبْرَأُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ خَمْسُ الْمِائَةِ السَّاقِطَةِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْأَدَاءِ ضَائِعٌ ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ يُطَالِبُهُ هُوَ فِيهِ إذْ الْمَالُ عَلَيْهِ حَالٌّ فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ وَصَارَ إبْرَاءً مُطْلَقًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ خَمْسَ الْمِائَةِ عِوَضًا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لِلْإِبْرَاءِ عِوَضًا سِوَاهُ وَالْعِوَضُ هُوَ الْمُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَحَصَلَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ بِأَنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْ غَدًا فَلَا صُلْحَ بَيْنَنَا ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِعَدَمِ النَّقْدِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ وَلِهَذَا جَازَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ وَلَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَمَا تَكُونُ لِلْمُعَاوَضَةِ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِهَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذُكِرَ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَإِذَا كَانَ لِلشَّرْطِ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ التَّعْلِيقَ بِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ بِقَيْدٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ سَلَامَةُ الْعِوَضِ لَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا بِالْبَاقِي أَوْ رَهْنًا فَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ غَرَضًا فِيهِ حَذَارِ
إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْإِبْرَاءَ ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْبُدَاءَةِ فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَبْرَأْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرُهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى مُحْتَمِلَةٌ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ لِلْعِوَضِ يَبْرَأُ مُطْلَقًا فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِي أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّقْيِيدِ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ غَدًا ، وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى أَنَّكَ إنْ لَمْ تَدْفَعْهَا إلَيَّ غَدًا فَلَا تَبْرَأُ مِنْ الْبَاقِي فَيَكُونُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ ، وَالثَّالِثُ إذَا قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا أَدَّى خَمْسَ الْمِائَةِ فِي الْغَدِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِالْإِطْلَاقِ أَوَّلًا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي آخِرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأُولَى وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ أَدِّ إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ بَاقِيهِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ إذْ لَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى التَّقْيِيدِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ اسْمٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ بِالْعَقْدِ وَالْأَدَاءُ وَاجِبٌ قَبْلَهُ فَلَغَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْأَدَاءِ وَهُوَ غَرَضٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا
فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَالْخَامِسُ إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهَا فِيهَا بِصَرِيحِ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالتَّقْيِيدِ فَصَارَ كَالْمُضَافِ إلَى وَقْتٍ بَلْ هُوَ مُضَافٌ إلَى الْوَقْتِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا بِالْخَطَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرُ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ غَدًا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ إلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا تَعُودُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ أُصَالِحُك عَلَى أَنْ أَحُطَّ عَنْك خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْيَوْمَ خَمْسَمِائَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا فِي ذَلِكَ إنْ أَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ خَمْسَمِائَةٍ جَازَ الصُّلْحُ ، وَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَبَطَلَ وَكَانَتْ الْأَلْفُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْرَأُ إلَخْ ) وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا أَعْطَى أَوْ لَمْ يُعْطِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِبْرَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْمُطَالَبَةِ لَا مَخْرَجَ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ لَا يَصْلُحُ أَدَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَحَقِيقَةُ الْمُعَاوَضَةِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا اسْتَفَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اسْتَفَادَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهُ بِاسْتِحْقَاقٍ طَارِئٍ فَلَمَّا لَمْ يَصْلُحْ أَدَاءُ ذَلِكَ عِوَضًا صَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ فَبَقِيَ إبْرَاءً مُطْلَقًا فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْإِبْرَاءُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ
الْعِوَضِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ بِشَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَيَكُونُ إبْرَاءً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ سَلَامَتِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَلَى شَرْطٍ سَمَّاهُ أَوْ قَيَّدَ الْإِبْرَاءَ بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ أَوْ الرَّهْنِ كَمَا لَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِشَرْطِ أَنْ تُعْطِيَنِي بِالْبَاقِي الْيَوْمَ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْطِ عَادَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَكَالْحَوَالَةِ لَمَّا كَانَتْ بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ سَلَامَةِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالُهُ عَلَى إنْسَانٍ مُقَصِّرٍ فِي الْأَدَاءِ فَيُرِيدُ أَنْ يَشْرُطَ الْحَطَّ عَنْ بَعْضٍ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فِي مُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّأْجِيلِ ، وَهَذَا مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ فَصَارَ الْإِبْرَاءُ مُقَابَلًا بِالتَّعْجِيلِ فَتَقِفُ سَلَامَتُهُ عَلَى سَلَامَةِ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَا شَرْطًا آخَرَ ؛ وَلِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ حُمِلَتْ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا يَصِحُّ هُنَا لِمَا قُلْنَا فَحُمِلَتْ عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُعَاوَضَةِ مُقَابَلَةَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْآخَرِ وَالشَّرْطُ أَيْضًا يُقَابِلُ الْجَزَاءَ فَصَارَ الشَّرْطُ كَالْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ تَنْقُدْ فَلَا صُلْحَ فَإِذَا لَمْ يَنْقُدْ بَطَلَ الصُّلْحُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تَكُونُ لِلشَّرْطِ ) قَالَ تَعَالَى { يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } ا هـ ( قَوْلُهُ جَازَ تَقْيِيدُ الْإِبْرَاءِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِهِ ) رَأَيْت بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ هُنَا حَاشِيَةً نَصُّهَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالتَّعْلِيقِ أَنَّ فِي التَّقْيِيدِ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إنْ
أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إذَا أَدَّيْت لَمْ يَصِحَّ التَّقْيِيدُ وَفِي التَّعْلِيقِ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الشَّرْطِ صَرِيحًا هَذَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ ، وَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ فِي تَقْيِيدِ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ يَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ فِي الْحَالِ بِشَرْطِ وُجُودِ مَا قَيَّدَ بِهِ وَفِي التَّعْلِيقِ لَا يَحْصُلُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ فَكَانَ التَّقْيِيدُ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٌ وَبَيَانُهُ مُسْتَقْصًى فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ صَرِيحُ لَفْظِ الشَّرْطِ وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ فَلِذَا سَمَّيْنَاهُ تَقْيِيدًا لَا تَعْلِيقًا ا هـ ( قَوْلُهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ ) يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْمَفْعُولُ لَهُ مَعْرِفَةً كَمَا فِي قَوْلِك خَرَجْت مَخَافَةَ الشَّرِّ وَقَوْلُهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَبْرَأُ إذَا لَمْ يُؤَدِّ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْنِي غَدًا خَمْسَمِائَةٍ فَالْأَلْفُ عَلَيْك فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يُعْطِهِ فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ لُزُومَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطِ إيفَاءِ الْبَاقِي قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } وَالْإِبْرَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ لُزُومُهُ عَلَى شَرْطٍ مَرْغُوبٍ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِآخِرِ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَنْقُدْنِي غَدًا فَالْأَلْفُ عَلَيْك ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَجَازَ أَنْ يَقِفَ لُزُومُهُ عَلَى الشَّرْطِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذْ لَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا يَكُونُ وَقْتُهُ الْعُمْرَ فَلَا
تُنْتَقَضُ الْبَرَاءَةُ بِعَدَمِ الدَّفْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ مَتَى أَدَّيْت ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَلَوْ قَالَ لِلْغَرِيمِ أَوْ لِلْكَفِيلِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ إنْ أَدَّيْت أَوْ إنْ دَفَعْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ عَنْ الْبَاقِي فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ لَفْظَ الصُّلْحِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا فَتَبْطُلُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَبْرَأْتُك بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ مَا صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدَّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ كَتَعْلِيقِ الْبَيْعِ وَتَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ جَائِزٌ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَاعْتَبَرْنَا شُبْهَةَ التَّمْلِيكِ وَقُلْنَا بِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَصِحُّ وَاعْتَبَرْنَا شَبَهَ الْإِسْقَاطِ وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِلْكَفِيلِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ ؛ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ كَإِبْرَاءِ الْأَصِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمَا لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ وَكَفَلَ بِنَفْسِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَى بِنَفْسِهِ غَدًا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَوَافَى بِنَفْسِهِ بَرِئَ مِنْ الْمَالِ ، وَإِنْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِالْإِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ فَصَحَّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ) أَيْ
الْإِبْرَاءُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ) أَيْ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكَاتِ بِالْأَخْطَارِ بَاطِلٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَا أُقِرُّ لَك بِمَا لَك حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ ) يَعْنِي بَعْضَهُ ( فَفَعَلَ صَحَّ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، أَوْ التَّحْلِيفِ فَيَنْكُلُ وَهُوَ نَظِيرُ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي الطَّوْعَ وَالِاخْتِيَارَ فِي تَصَرُّفِهِ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ لَكِنَّ الِاضْطِرَارَ لَا يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ بِالطَّعَامِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ .
( قَوْلُهُ فَفَعَلَ صَحَّ ) أَيْ أَخَّرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ حَطَّ بَعْضَ الدَّيْنِ بِأَنْ أَبْرَأَ الْمَدْيُونَ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ مَا نَصُّهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ وَلَا مُطَالَبَةَ مَا حَطَّ عَنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَتَمَكَّنُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ بِتَأْجِيلِ صَاحِبِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُكْرَهٌ فِي فِعْلِ التَّأْخِيرِ وَالْحَطِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ لَا يُقِرُّ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْإِكْرَاهَ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعُقُوبَةِ وَالْحَبْسِ وَلَمْ يُوجَدْ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يُقِرُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَجْوَزُ مَا يَكُونُ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْإِنْكَارِ لَا الْإِقْرَارِ ا هـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ سِرًّا أَمَّا إذَا قَالَ عَلَانِيَةً يُؤْخَذُ بِهِ ا هـ أَيْ يُؤْخَذُ الْمُقِرُّ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَخْتِمُ الْفَصْلَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ قَالَ ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لَا يَعْرِفَانِ وَزْنَهَا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ أَكْثَرُ مِنْهُ لَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ فَكَانَ تَقْدِيرُهُمَا بَدَلَ الصُّلْحِ بِشَيْءٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَنَّهُمَا عَرَفَاهُ
أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَا لَا يَعْرِفَانِ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ ا هـ .
( فَصْلٌ ) قَالَ ( دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُتْبِعَ الْمَدْيُونَ بِنِصْفِهِ ، أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُصَالِحُ لِشَرِيكِهِ رُبُعَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّيْنِ إذْ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْمَقْبُوضُ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الثَّوْبِ كَمَا فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَهُ لَكِنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَطِّ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَتَضَرَّرَ الْمُصَالِحُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَبْلُغُ قِيمَةُ الثَّوْبِ كُلِّهِ رُبُعَ الدَّيْنِ فَأَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ بِنَصِيبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْمُصَالِحِ أَثْبَتْنَا لِلْمُصَالِحِ الْخِيَارَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ ، أَوْ رُبُعَ الدَّيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ فَصْلِ الشِّرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ لِنَفْسِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى قَدْرَ حَقِّهِ بَلْ أَكْثَرَ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِرُبُعِ الدَّيْنِ وَفِي فَصْلِ الِاقْتِضَاءِ قَدْ قَبَضَ نِصْفَ الْحَقِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِمَا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تُتَصَوَّرُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى فِي الذِّمَّةِ فَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَجَعَلْنَا الْمَقْبُوضَ كَأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ حَقِيقَةً ؛ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْقَابِضُ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ ثُمَّ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ
يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ ، أَوْ كَانَ لَهُمَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، أَوْ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ أَوْ بَدَلِ الْقَرْضِ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونُ الدَّيْنُ مَوْرُوثًا بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ دَيْنًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ ثَوْبًا وَمُرَادُهُ خِلَافُ جِنْسِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ ، أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ ، أَوْ سُكُوتٍ ، أَوْ إنْكَارٍ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ يَتَصَادَقَانِ عَلَى أَنَّ لَهُمَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا وَمَا يَأْخُذُهُ بَدَلٌ عَنْهُ وَزَعْمُهُمَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا ، وَلَوْ أَرَادَ الْقَابِضُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فِيمَا قَبَضَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ الْغَرِيمُ قَدْرَ دَيْنِهِ وَهُوَ يُبْرِئُهُ عَنْ دَيْنِهِ ، أَوْ يَبِيعَ الطَّالِبُ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ ، أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، ثُمَّ يُبْرِئُهُ عَنْ الدَّيْنِ وَيَأْخُذُ ثَمَنَ الزَّبِيبِ .
( فَصْلٌ ) هَذَا الْفَصْلُ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ مُطْلَقَ الدَّيْنِ شَرَعَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ ا هـ وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الدَّيْنِ الْمُفْرَدِ شَرَعَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ ) أَيْ الْآتِي فِي الْمَتْنِ وَهُوَ وَقَوْلُهُ ، وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَطِّ ) ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالِاقْتِضَاءُ لِنَفْسِ الدَّيْنِ ) فِي نُسْخَةٍ وَالِاقْتِضَاءُ لِنِصْفِ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِمَا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تُتَصَوَّرُ ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَجُوزُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا فِي الذِّمَّةِ ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ اقْتَسَمَا الْأَعْيَانَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ صُبْرَةَ طَعَامٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ خُذْ مِنْهَا هَذَا الْجَانِبَ لَك ، وَهَذَا الْجَانِبُ لِي لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ لَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ ؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَسِمَيْنِ يَأْخُذُ نِصْفَ حَقِّهِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ عِوَضًا عَمَّا لَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُودَةَ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا
فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا أَدَّى أَجْوَدَ مِنْهُ أُجْبِرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى قَبْضِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نَفْسَ حَقِّهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ أَرْدَأَ مِنْهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ غَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَقُلْنَا إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَرِيكُهُ بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ الشَّرِيكِ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مُشَاعٌ بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ وَحَقُّ الشَّرِيكِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ فَصَارَ عِوَضُ الثَّوْبِ نِصْفَهُ مِنْ حَقِّهِ فَوَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَأَخْذُهُ لِلنِّصْفِ دَلَالَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَقْدِ فَصَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً ) قَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا وَيُقَالَ إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ بَاعَا صَفْقَةً وَنَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ ثَخِيَّةً وَنَصِيبُ الْآخَرِ سُودٌ فَقَبَضَ السُّودَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مَا نَصُّهُ وَاحْتَرَزَ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الصَّفْقَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ
لَلشَّرِيكُ السَّاكِتِ الْمُشَارَكَةُ ، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَتَبَا عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةِ الْعَيْنِ ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ثَمَنِ مَنْ قَوْلِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ ا هـ قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ فِي دَارٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ ، أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْغَصْبِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي دَارِ دَعْوَى مِيرَاثٍ عَنْ أَبِيهِمَا فَصَالَحَ رَبُّ الدَّارِ أَحَدَهُمَا عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ فِيهِ إنْ كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا وَكَذَلِكَ الْعُرُوض ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِمَا أَنَّهُ بَائِعٌ نَصِيبَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْعَقَارِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي يَدِ رَجُلٍ دَارًا أَوْ قَالَا وَرِثْنَاهَا عَنْ أَبِينَا وَجَحَدَ الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الدَّارِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَمَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ
مِلْكِهِ لَا بَدَلُ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ ذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ يُشَارِكُهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ لَا يُشَارِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصُّلْحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعَى إذَا كَانَ دَيْنًا فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَرِيكِهِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ) أَيْ إنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ وَمُعَاوَضَةً فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا يَثْبُتُ لَلشَّرِيك حَقُّ الشَّرِكَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ يَبِيعَ الطَّالِبُ ) أَيْ مِنْ الْمَدْيُونِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ شَرَكَهُ فِيهِ وَرَجَعَا بِالْبَاقِي عَلَى الْغَرِيمِ ) ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ لَا تُتَصَوَّرُ وَالْمَقْبُوضُ بَدَلٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ وَيُجْبَرُ الْغَرِيمُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى الْمُبَادَلَةِ فَإِذَا كَانَ عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يُضَمِّنُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّوْبِ فِي فَصْلِ الصُّلْحِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْمُصَالِحَ الضَّرَرُ وَهُنَا انْتَفَى الضَّرَرُ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَرْجِعُ بِرُبُعِ الدَّيْنِ ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاقْتِضَاءِ ، وَلَوْ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ وَاخْتَارَ مُتَابَعَةَ الْغَرِيمِ ، ثُمَّ تَوَى نَصِيبُهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي لَهُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَقْبُوضَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا قَدْ سَقَطَ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ فِيهَا بِالتَّوَى وَيَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ فِي مِثْلِهَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ قَبَضَ ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَصِيبَهُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا ) وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ عَلَى رَجَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فَإِذَا تَوَى لَمْ يَسْلَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ ) أَيْ كَمَا إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ ) يَعْنِي إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُقَالُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا تُتَصَوَّرُ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجُوزُ ضِمْنًا ، وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا وَهُنَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ صِحَّةِ الْمُصَالَحَةِ ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَلَا يَصِحُّ قَصْدًا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ لَا يُتْبِعَ الْقَابِضَ فِي الْجَمِيعِ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ حَقَّهُ إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ وَلَوْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ دَيْنُهُ قِصَاصًا بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ ، وَكَذَا الْمُشَارَكَةُ لَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فَوْقَ الصُّلْحِ فِي التَّبَرُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الصُّلْحِ فَفِي هَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْ الْمَدِينِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَبْضٌ ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ وَجَبَ لِلْغَرِيمِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا ، وَدَيْنُ الْغَرِيمِ آخِرُهُمَا فَيَكُونُ قَضَاءً مِنْ الْغَرِيمِ وَاقْتِضَاءً مِنْ الطَّالِبِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ
حَتَّى يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ لِلْمَنَافِعِ حُكْمَ الْمَالِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَلَوْ أَحْرَقَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَ الْمَطْلُوبِ بِالنَّارِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْغَصْبِ ، ثُمَّ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِالْإِحْرَاقِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ حَصَلَ بِالْقَبْضِ فَيُسْتَنَدُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَقَهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ قَبْضٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ آخِرَ الدِّينَيْنِ قَضَاءٌ لِلْأَوَّلِ فَصَارَ مُقْتَضِيًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَتَزَوُّجُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى امْرَأَةٍ فَزَوَّجَتْهُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا ، أَوْ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ عَلَى الْأَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِقَبْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الْمَدِينِ وَكَالْإِبْرَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَتَمْلِكُهُ بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهَا كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَيْهِ بِأَنْ سَمَّى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةً فَوَقَعَ التَّقَاصُّ بِنَصِيبِهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ ، وَإِنَّمَا
مَلَكَتْ غَيْرَهُ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا ، وَالصُّلْحُ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبْضٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ بِمُقَابَلَتِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ بَلْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُؤَجَّلُ بَيْنَهُمَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَيَرْجِعُ الْمُؤَخِّرُ عَلَى الْقَابِضِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْإِفْرَازِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمُبَادَلَةِ ، وَالدَّيْنُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّمْيِيزُ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ فَبَطَلَ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا حَتَّى لَا يُطَالِبَ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ وَهَلْ دَعْوَى عَدَمِ الْقِسْمَةِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا دَعْوَى الْمُحَالِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ مُؤْنَةَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ فَقَطْ بَيَانُهُ أَنَّ السَّاكِتَ يُطَالِبُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ هُوَ بِنَصِيبِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَيُؤَخِّرُ هُوَ نَصِيبَهُ أَيْضًا مِثْلَ مَا أَخَّرَ فِي الْأَوَّلِ فَيُطَالِبُ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ هَكَذَا إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ
وَفِيهِ تَفْوِيتُ غَرَضِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ وُصُولِ حَقِّهِ لَهُ فِي الْحَالِّ وَهَذَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَكَّنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُؤَدِّي إلَى قِسْمَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ مِلْكًا لِلشَّرِيكَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ مِلْكٌ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ إتْلَافٌ لِنَصِيبِهِ فَقَطْ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا لِنَصِيبِهِ ، وَلَوْ كَانَ قِسْمَةً لَمَا جَازَ ذَلِكَ .