كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَتَبِينُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ ، وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحِلُّ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَسْتَمْتِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُسَمَّيَا مُتَنَاكِحَيْنِ وَيَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَالزَّوْجُ مُقَيَّدٌ مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى لَا يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ غَيْرَ أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَطَلِّقُوهُنَّ } وَبِقَوْلِهِ { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَهُوَ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ فَقَدْ غَيَّرَ الْمَشْرُوعَ فَيَلْغُو كَالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْلَى ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَ زَوْجُهَا أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَتْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا لَوْ قَالَتْ أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكَانَ كَمَا قَالَتْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَوْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَيْهَا دُونَهُ كَالْعِتْقِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ فَكَذَا الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ أَوْ طَلَّقَتْهُ هِيَ لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ
لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطَلِّقَ الْإِنْسَانُ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى غَيْرِ الْمُطَلَّقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْتَرَكٌ بَلْ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ خَاصَّةً حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ دُونَهَا وَصَارَ الْمَهْرُ لَهَا بَدَلَ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا وَمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الْحِلِّ تَبَعٌ لِثُبُوتِ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِزَالَتِهِ وَرَفْعِهِ وَتَسْمِيَتُهُمَا مُتَنَاكِحَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لَا سِيَّمَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهَا وَأَمَّا حُرْمَةُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخَمْسِ ثَابِتٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَالطَّلَاقُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَلَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْمُقَيَّدِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ قُلْنَا إنَّهُ صَرِيحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُكِ طَالِقٌ أَوْ فَرْجُكِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا
يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهَا .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ قَالَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ، وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَنَوَى الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا قَالَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا ا هـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ أَنَا مِنْك بَائِنٌ وَعَلَيْك حَرَامٌ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِمَا بَائِنٌ لَا رَجْعِيٌّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إلَخْ ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ ع ( قَوْلُهُ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا ) يُقَالُ لِمَنْ طَلَبَ حَاجَةً فَلَمْ يَنْجَحْ أَخْطَأَ نَوْأَك أَرَادَ جَعَلَ اللَّهُ نَوْأَهَا مُخْطِئًا لِمَا لَا يُصِيبُهَا مَطَرُهُ وَيُرْوَى خَطَّى اللَّهُ نَوْأَهَا بِلَا هَمْزٍ مِنْ خَطَّى اللَّهُ عَنْك النَّوْءَ أَيْ جَعَلَهُ يَتَخَطَّاك يُرِيدُ يَتَعَدَّاهَا فَلَا يُمْطِرُهَا وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَصَاحِبُ الطِّلْبَةِ صَحَّحَ الثَّانِيَ وَخَطَّأَ الْأَوَّلَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ ) أَيْ وَإِنْ نَوَى ا هـ قَالَ فِي الْوَجِيزِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ أَوْ عَلَيْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ذِكْرَهُ فِي الْكِنَايَاتِ وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك وَلَا عَلَيْك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ وَفِي النِّهَايَةِ ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا بَائِنٌ يَعْنِي مِنْك وَلَمْ يَقُلْ مِنْك لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك ا هـ وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ تَطْلُقُ إذَا نَوَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُولِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ حَرْفِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ لِلشَّكِّ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ سَالِمًا عَنْ الشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا أَوْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ فَكَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَمَا وَقَعَ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً عِنْدَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَوَقَعَ وَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمَهْرِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَمَا وَرِثَهَا لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ إذْ لَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَمَا صَحَّ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي
الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا ، وَهَذَا لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ حَقِيقَةً وَحَالُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا حَالُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي حَالِ الِاسْتِقْرَارِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ مَعَ تَكُونُ لِلشَّرْطِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِكِ الدَّارَ تَعَلَّقَ بِهِ فَلَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُحَالٌ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ) أَيْ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ( قَوْلُهُ أَوْ لَا ) أَيْ ، وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ وَطَالِقٌ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْوَاحِدَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ ) أَيْ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ إلَخْ ) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لَا يَعْتِقُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا ) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ إلَخْ ) أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِذَا قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ لِلْحِمَارِ أَوْ لِلْجِدَارِ أَنْتَ طَالِقٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ وَالْمَحَلِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ ) يَعْنِي لَوْ مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَالِكَةُ لِزَوْجِهَا أَوْ لِجُزْئِهِ بَطَلَ النِّكَاحُ وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا يَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ وَهُوَ مَا شُرِعَ إلَّا لِمَصَالِحِهِ وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى لِثُبُوتِ الْحِلِّ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْحِلُّ لَا يَثْبُتُ بِالشِّقْصِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْيَمِينِ دَلِيلُ الْحِلِّ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ تَيْسِيرًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ وُجِدَ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ مِلْكًا بَلْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا ) أَيْ سَهْمًا بِأَنْ كَانَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا جَمِيعَهَا مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ وَرِثَهَا ا هـ فَتْحٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ يُقَالُ فِي هَذَا الْمَالِ شِقْصٌ أَيْ سَهْمٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَلَكَ صَاحِبَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ أَمَّا إذَا مَلَكَتْهُ فَلِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِضْعُهَا مَمْلُوكًا لِلرَّجُلِ وَالْمَالِكِيَّةُ أَثَرُ الْقَاهِرِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَثَرُ الْمَقْهُورِيَّةِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَالِكًا وَمَمْلُوكًا قَاهِرًا وَمَقْهُورًا فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ وَالْمُنَافِي لِلشَّيْءِ إذَا وُجِدَ وَطَرَأَ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ كَالرِّدَّةِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَمِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَبَيْنَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ مُنَافَاةٌ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ فَمِنْ ثُبُوتِ الضِّدِّ يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الضِّدِّ الْآخَرِ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ ) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ عَلَى الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ الْحِلِّ لِبَقَاءِ النَّسْلِ فَلَمَّا طَرَأَ الْحِلُّ الْقَوِيُّ بَطَلَ الْحِلُّ الضَّعِيفُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى ) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ احْتِيَاطًا ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ اشْتَرَاهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ هُنَا اتِّفَاقًا وَقِيَامُ الْقَيْدِ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهَا هُوَ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قُلْنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَى أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ بِهَذَا الْفَرْقِ ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ إلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ ارْتَدَّ
الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ ، وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَ ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ عِنْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ فَطَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَفِي الْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ يَقَعُ طَلَاقُهُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا طَلَاقٌ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعِدَّةُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ) أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَعْتِقْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ عَلَيْهَا يَعْنِي مِنْهُ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَدْ قِيلَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي قَالَ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدَهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا جَازَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُنَافِي ) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ إذْ لَا قَيْدَ حِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَإِذَا أَعْتَقَتْهُ ظَهَرَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فَتَحَقَّقَ الْقَيْدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ ) ، وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَلَا
قَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُصَنِّفُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ ) أَيْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ اشْتَرَتْ هِيَ زَوْجَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ عِنْدَهُ ) أَيْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاكِ إيَّاكِ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ إعْتَاقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَالْعِتْقُ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَاسْتُعِيرَ لِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَتَطْلُقُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْحُرَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا لَا وُجُوبًا ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِيهِ فَإِذَا صَارَ مُعَلَّقًا بِهِ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَنَا فَيُوجَدُ التَّطْلِيقُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَتَصِيرُ حُرَّةً بِهِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ التَّطْلِيقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مَا ذَكَرْتُمْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ } أَيْ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك عَلَى مَعْنَى إنْ تَزَوَّجْتُك وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا
وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي وَالطَّلَاقُ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالنِّكَاحُ إثْبَاتُهُ فَلَا يَقْتَرِنَانِ فَيَلْغُو ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك يَلْغُو لِمَا ذَكَرْنَا .( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثِّنْتَيْنِ إلَى الْإِعْتَاقِ بِكَلِمَةِ مَعَ وَلَا تَعْلِيقَ هُنَاكَ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَالْمُضَافُ إلَى الْعِتْقِ يُقَارِنُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَيُقَارِنُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ا هـ سَرُوجِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ) وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَقَالَ زَوْجُهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَتَعَاقَبَانِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا بَقَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِيهَا فَيُصَارُ إلَيْهِ فِيهَا بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهَا عَرْضٌ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ كَانَ الْفِعْلُ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ثُمَّ لِتَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ : الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَبِالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ : وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ أَوْجَزُ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَا يَقْتَرِنَانِ مَعَ عِلَّتِهِمَا أَوْ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ لَكِنَّ حُكْمَ التَّطْلِيقِ يَتَأَخَّرُ عَنْ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ فِي الْوُجُودِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَحْظُورًا وَالْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يُفِيدُ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحَالِّ وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا : وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ : وَهُوَ مُعْتَمَدُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا
تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً : وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ احْتِيَاطًا ، وَلِهَذَا كَانَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلْقَتَانِ فَتَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً ، وَهَذَا لِأَنَّ زَمَانَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ هُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْعِتْقُ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِإِطْبَاقِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُصَادِفُهَا تَطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَمَّ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ فَتَعْقُبُهُ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا ، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُحْتَاطُ فِيهَا .( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا ) أَيْ مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ بِهِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ ) ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ } يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَلَوْ أَشَارَ بِالْوَاحِدَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، وَلَوْ أَشَارَ بِالثِّنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَفْسِيرٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَغَتْ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ .
( قَوْلُهُ الْمَضْمُومَةُ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا خَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فُهِمَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمَضْمُومَةُ لَكَانَ الْمَفْهُومُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ ) وَصُورَةُ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَصَابِعِ مَنْشُورَةً قَالَهُ فِي الدِّرَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى الْمَرْأَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ ) يَعْنِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ الْإِشَارَةَ بِهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ الْأُخَرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةَ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَمْلِكُ تَبْدِيلَهُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَثْبُتُ بِهِ لِلْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ النِّكَاحِ وَقَطْعِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِيهَا لَكِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِالْبَيْنُونَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ فِي الْحَالِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيَكُونُ بَائِنًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا رَجْعِيَّةً لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَشَدَّهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ
لِلتَّفْضِيلِ وَبِقَوْلِهِ شَدِيدَةً أَوْ فَاحِشَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ قُلْنَا هَذِهِ الصِّيغَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ التَّفْضِيلِ وَبَيْنَ مُطْلَقِ الزِّيَادَةِ أَوْ مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } ، وَقَالَ الشَّاعِرُ إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ أَيْ عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ كَالْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ يَكُونُ رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ كَأَلْفٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ كَعَدَدِ أَلْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَالنُّجُومِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَكَعَدَدِ النُّجُومِ ثَلَاثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَأَلْفٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَلْفَ مَوْضُوعٌ لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهِ لِلْكَثْرَةِ بِخِلَافِ النُّجُومِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الضِّيَاءِ وَالنُّورِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ التُّرَابِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَلَوْ قَالَ عَدَدَ التُّرَابِ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ لَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَالَ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وَصَفَ الطَّلَاقَ إنْ كَانَ وَصْفًا لَا يُوصَفُ بِهِ الطَّلَاقُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ
طَلَاقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَمَتَى وَصَفَهُ بِصِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا الطَّلَاقُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ خَيْرَهُ أَوْ يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَشَدَّ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَالْأَوَّلُ رَجْعِيٌّ وَالثَّانِي بَائِنٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فَأَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ وَذِكْرُ الْعِظَمِ لِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَخْشَنَهُ أَوْ أَسْوَأَهُ أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَعْظَمَهُ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَثْبُتُ الْأَدْنَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَفْضَلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَحْسَنَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ كَانَ
بَائِنًا لِلزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ
( قَوْلُهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا بَائِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ) ، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةً بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَدٌ ا هـ رَازِيٌّ قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْفُحْشَ وَالْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْصَافٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ وَتَأْثِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْحَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ ) وَلَنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ بِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَذَا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ وَأَمَّا شِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِهَا يَكُونُ مَأْمُونًا عَنْ الِانْتِقَاضِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْعَدَدِ وَقَدْ يُشَبَّهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ ا هـ رَازِيٌّ ثُمَّ قَالَ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ أَوْ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فِي قَوْلِهِ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً الْوَاقِعُ بِهِمَا رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِهِمَا فَيَلْغُو وَقُلْنَا الطُّولُ وَالْعَرْضُ
عِبَارَتَانِ عَنْ الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ وَهُمَا فِي الْبَيْنُونَةِ ، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ أَيَّهمَا كَانَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَفْضَلُ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلُهُ أَوْ أَعْدَلُهُ أَوْ أَحْسَنُهُ حَيْثُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ ) أَيْ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ ( قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ ) تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ ) تَقَعُ بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ رَجْعِيَّةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ كَالْجَبَلِ ) بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ ) بَائِنَةٌ اتِّفَاقًا ا هـ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْصُرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ ، وَكَذَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقَعَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَعْدَلِ الطَّلَاقِ وَكَأَسَنِّهِ وَكَأَحْسَنِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ ) ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعْنَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ بِخِلَافِ الْعَطْفِ ، وَلِأَنَّ الْكُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَطْفِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ .فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً ا هـ عَيْنِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ فَرَّقَ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ ) أَيْ إنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ، أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَ بِعَطْفٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَرَبِيعَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ وَالْمَلْفُوظُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْمَلْفُوظِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ فَقَالَ أَجَزْت نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ بَطَلَا ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فَقَالَ ابْنُهُ أَعْتَقَ أَبِي هَذَا ، وَهَذَا ، وَهَذَا حَيْثُ يَكُونُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ جُمْلَةً لَاخْتَصَّ بِهِ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا سَكَتَ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِمَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَإِنَّهَا تَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَمْعُ قُلْنَا لَوْ تَوَقَّفَ لَصَارَ لِلْقِرَانِ وَالْوَاوُ لَا تُوجِبُهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ لَصَارَ لِلتَّرْتِيبِ قُلْنَا الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ وَلَا تَنَافِي إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ هَذَا الْجَمْعَ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَوْلُهُ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي
قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ وَمَسْأَلَةُ الْوَارِثِ فَلِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَهَذَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ مَتَى صَحَّ أَبْطَلَ نِكَاحَ أُخْتِهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا ، وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِالْعِتْقِ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ فَإِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ مَعَهُ شَارَكَهُ فِيهِ فَنَقَصَ حَقُّهُ فَكَانَ مُغَيِّرًا .( قَوْلُهُ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُعَلِّقْ الْكَلَامَ بِشَرْطٍ أَوْ يَذْكُرْ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ كَانَ كُلُّ لَفْظٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ فَيَقَعُ بِالْأَوَّلِ وَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيُصَادِفُهَا الثَّانِي وَهِيَ بَائِنٌ فَلَا يَقَعُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي بِخَطِّ يَدِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ الْعَدَدِ لَغَا ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْعَدَدِ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِهِ بَطَلَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ بِدُونِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيقَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَبْطُلَ الْمَحَلِّيَّةُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ لَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا عِنْدَ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ مَاتَتْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ تَمُتْ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تُقَدَّرُ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا اقْتِضَاءً وَعِنْدَ وُجُودِ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَقَعُ الْمَذْكُورُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً ) ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَطْفِ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَا يَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَيِّرِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ مَعَ التَّفْرِيقِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ثَمَّةَ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا فَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا إنْ لَمْ يُقْرَنْ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قُرِنَ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو يَقْتَضِي سَبْقَ زَيْدٍ ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو اقْتَضَى سَبْقَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةُ الْأُولَى فَوَقَعَتْ قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا قُلْنَا وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا .( قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً ) أَيْ بَائِنَةً فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو ) أَيْ أَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ بَعْدَهُ عَمْرٌو ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو ) أَيْ أَوْ بَعْدَهُ عَمْرٌو ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا لَمْ يَقْرُنْ الظَّرْفَ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قَرَنَهُ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى لِعَدَمِ الْقِرَانِ بِالْكِنَايَةِ فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الثَّانِيَةِ وُقُوعًا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَيَقْتَرِنَانِ وَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ لِقَرْنِ الظَّرْفِ بِالْكِنَايَةِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا عَلَى الْأُولَى وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَقْتَرِنَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وُجُودًا .( قَوْلُهُ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ ) أَيْ اقْتَرَنَتْ بِالضَّمِيرِ أَوَّلًا ا هـ عَيْنِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ يَقَعُ ثِنْتَانِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمَا عِنْدَ الشَّرْطِ وَحَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَا جُمْلَةً ضَرُورَةً كَمَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ فِي الْوُقُوعِ ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ فَشَارَكَتْ الْأُولَى فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ فَكَذَا إذَا صَارَ كَالْمُنَجَّزِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ تَوَقَّفَ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي آخِرِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَيَانِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ مِنْ شَرْطٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ نَجَّزَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهُ مُرَتَّبًا فِي الْمُنَجَّزِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي الْمُعَلَّقِ قُلْنَا قَوْلُهُ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مُقَامَ الْأَوَّلِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَ الشَّرْطِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ
الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يُنْحَلُ بِهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا نَجَزَهُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ يَصِحَّ التَّكَلُّمُ مِنْهُ بِالثِّنْتَيْنِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ؛ لِأَنَّهَا لِلْعَطْفِ كَالْوَاوِ ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَصَارَتْ كَكَلِمَةِ ثُمَّ وَبَعْدَ بِخِلَافِ الْوَاوِ ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ثِنْتَانِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ اَ هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ) فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ ) أَيْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ا هـ .
( بَابُ الْكِنَايَاتِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّتِهِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرَجِّحِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَنَا أَنَّ الْحَالَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَالنِّيَّةُ بَاطِنَةٌ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا عَفِيفُ أَوْ يَا عَتِيقُ أَوْ يَا بَرِيًّا مِنْ الْعُيُوبِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مَدْحًا لَهُ فِي حَالِ تَعْظِيمِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ يَمْدَحُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ وَفِي حَالِ الشَّتْمِ وَالْغَضَبِ يَكُونُ ذَمًّا كَمَا قَالَ النَّجَاشِيُّ يَهْجُو قَوْمًا قَبِيلَتُهُ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّ سَيْفَهُ وَقَصَدَ إنْسَانًا وَالْحَالُ يَدُلُّ عَلَى الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْجِدِّ وَإِظْهَارُ الْمَزْحِ لِلتَّمَكُّنِ ، وَلَوْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْجِدِّ جَازَ قَتْلُهُ دَفْعًا فَكَانَتْ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ مُغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَمُعِينَةً لِلْجِهَةِ ظَاهِرًا فَإِذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَرَادَ بُطْلَانَ حُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ وَعَلَى هَذَا أَحْكَامٌ جَمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا إلَّا مُكَابِرٌ كَتَعْيِينِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ عِنْدَ إطْلَاقِ الثَّمَنِ مَعَ اخْتِلَافِ النُّقُودِ وَصَرْفِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِلضَّرُورَةِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا ،
وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ نَعَمْ لَزِمَهُ ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت عَبْدَك فَقَالَ نَعَمْ عَتَقَ لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً .( بَابُ الْكِنَايَاتِ ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ إفْهَامًا كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ) أَيْ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَدِّقُهُ سُبْحَانَهُ إذَا نَوَى خِلَافَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْوُقُوعِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ قَالَ أَرَدْت عَنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدِّقُهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هِيَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ ) يَعْنِي لَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ كَمَا فِي الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْدَرَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِسَوْدَةِ اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا } ، وَلِأَنَّ حَقِيقَتَهَا أَمْرٌ بِالْحِسَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا اعْتِدَادُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَوْ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ أَوْ الِاعْتِدَادُ مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَاهُ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي وَهُوَ رَجْعِيٌّ وَلَا يَقْبَلُ الْعَدَدَ وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِسَبَبِهِ فَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ عِلَّةً لِكَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى { إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا } أَيْ عِنَبًا فَصَارَ مَجَازًا عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الِاعْتِدَادِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا أَوْ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْمَرْأَةِ أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ عِنْدِي أَوْ لِعَدَمِ نَظِيرِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ أَوْ فِي الْقُبْحِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالنَّصُّ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي الْعَدَدَ وَلَا مُعْتَبَرَ
بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةِ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَإِنْ رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ سَكَّنَهَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ ، وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لَا يُنَافِي الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ نَفْسَ الْمَرْأَةِ جَعَلَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنْتِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ ، وَلِهَذَا قُلْنَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ وَالنَّصْبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرِ الطَّلَاقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ ضَارِبَةٌ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَنَحْوِهِ فَصَارَ الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا فِي الْكُلِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ مُرَادًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ .
( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبِّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبِّبِ بِالسَّبَبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذْ أَعْتَقَتْ وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذَكَرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعِ سُؤَالِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ ( وَاعْلَمْ ) أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ كَوْنُهَا مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَجِبُ كَوْنُ اسْتَبْرِئِي كَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ لِحَدِيثِ سَوْدَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا { اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا } وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ بِهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْبَيْنُونَةِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا نَعَمْ الِاعْتِدَادُ يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعَيُّنَ الْبَائِنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَخَفُّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ لِيُطَلِّقَهَا ) أَيْ فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ ) وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي ، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً ) أَيْ فَإِذَا نَوَاهُ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ يَعْنِي إذَا نَوَاهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِظُهُورِ أَنَّ مُجَرَّدَ
نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا ) أَيْ بِالرَّفْعِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى كَمَا هُوَ فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ شَرْعًا بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَمُضْمَرٌ فِي وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً وَفِي وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ ا هـ قَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ ) ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْعَوَامَّ وَالْخَوَاصَّ ، وَلِأَنَّ الْخَاصَّةَ لَا تَلْتَزِمُ التَّكَلُّمَ الْعُرْفِيَّ عَلَى صِحَّةِ الْإِعْرَابِ بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ فَلِذَا تَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ لَا يُقِيمُونَهُ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي غَيْرِهَا بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ فِي الْجِنْسِ لَا تَصِحُّ وَنِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ نِيَّةُ الْعَدَدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ .( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا ) أَيْ فَيَكُونُ فَرْدًا حُكْمًا فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ ) أَيْ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ وَفِي غَيْرِهَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ ) أَيْ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْكِنَايَاتِ ( بَائِنٌ بَتَّةً بَتْلَةٌ حَرَامٌ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك الْحَقِي بِأَهْلِك وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ سَرَّحْتُكِ فَارَقْتُكِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ اخْتَارِي أَنْتِ حُرَّةٌ تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي اُغْرُبِي اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِيَتَبَيَّنَ الْحَالُ أَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهَ الْبَيْنُونَةِ عَنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمَعَاصِي وَعَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ بَائِنٌ مِنِّي نَسَبًا ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ ضِدُّ الِاتِّصَالِ وَالِاتِّصَالُ مُتَنَوِّعٌ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ الْأَقَارِبِ ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } أَيْ انْقَطِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَرْيَمَ بَتُولًا لِانْقِطَاعِهَا إلَى اللَّهِ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّبَتُّلِ } وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنْ النِّكَاحِ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْبَتُّ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِمُعَيَّنٍ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ وَالْحَرَامُ هُوَ الْمَمْنُوعُ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ أَلْبَتَّةَ وَالْخَلِيَّةُ مِنْ الْخُلُوِّ فَيَحْتَمِلُ الْخُلُوَّ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك يُنْبِئُ عَنْ التَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَرْسَلُوا النُّوقَ يُخْلُونَ حَبْلَهَا أَيْ مِقْوَدَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا وَهُوَ كَالْخَلِيَّةِ وَالْغَارِبُ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالسَّنَامِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت وَالْحَقِي بِأَهْلِك ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ سِيرِي بِسِيرَةِ أَهْلِك أَوْ ؛ لِأَنِّي أَذِنْت لَك أَنْ
تَلْحَقِي بِهِمْ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَيْ عَفَوْتُ عَنْكِ لِأَجْلِ أَهْلِك أَوْ وَهَبْتُك لَهُمْ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّسْرِيحَ وَالْمُفَارَقَةَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا صَرِيحَانِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى النِّيَّةِ قُلْنَا الصَّرِيحُ مَا تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنَا فِي النِّسَاءِ يُقَالُ سَرَّحْت إبِلِي وَفَارَقْت مَالِي وَأَصْحَابِي وَصَارَ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ وَأَمْرُك بِيَدِك أَيْ عَمَلُك بِيَدِك إذْ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْعَمَلُ هُنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } أَيْ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا عَمَلُك بِيَدِك ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لَهُ إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَاخْتَارِي مُحْتَمَلٌ أَيْضًا أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفَرْقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّهُمَا تَفْوِيضَانِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّقِّ أَوْ رِقِّ النِّكَاحِ وَتَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي ؛ لِأَنَّك بِنْتِ مِنِّي بِالطَّلَاقِ وَحَرُمَ عَلَيَّ نَظَرُك أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْك أَجْنَبِيٌّ وَاغْرُبِي أَيْ اُبْعُدِي عَنِّي ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَيُرْوَى اُعْزُبِي مِنْ الْعُزُوبَةِ وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي مِثْلُ اُغْرُبِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الْأَزْوَاجَ مِنْ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَا تَطْلُقُ بِهَا أَيْ بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ بِدَلَالَةِ حَالٍ أَرَادَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ حَالَةَ الْغَضَبِ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقَعُ
بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ .( قَوْلُهُ مِقْوَدُهَا عَلَى غَارِبِهَا ) كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا إلَخْ ) شَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ إطْلَاقَ الْمَرْأَةِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ التَّصَرُّفِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَصَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِتَعَدُّدِ صُوَرِ الْإِطْلَاقِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَالْحَقِي بِأَهْلِك ) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ مِنْ حَدِّ عَلِمَ وَفَتْحُ الْأَلِفِ وَكَسْرُ الْحَاءِ خَطَأٌ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَقِي مِنْ اللُّحُوقِ لَا مِنْ الْإِلْحَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك ) وَفِي وَهَبْتُك لِأَهْلِك إذَا نَوَى يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ وَهَبْتُك لِأَهْلِك مَجَازًا عَنْ رَدَدْتُك عَلَيْهِمْ فَيَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِمْ إيَّاهَا فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ) وَإِنَّمَا هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ التَّفْوِيضِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا بِالنِّيَّةِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَاغْرُبِي ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْغُرْبَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيُرْوَى اُعْزُبِي ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاذْهَبِي ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ اذْهَبِي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الذَّهَابُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا ) أَيْ حَالَةُ ابْتِدَاءِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ لَيْسَتْ بِحَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَتْ بِحَالِ الْغَضَبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا شَتْمًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي وَاعْتَدِّي وَمُرَادِفُهَا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَتَّةٌ بَائِنٌ حَرَامٌ وَمُرَادِفُهَا ، وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَلَا يَصْلُحُ سَبًّا وَشَتِيمَةً وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي اُغْرُبِي قُومِي تَقَنَّعِي وَمُرَادِفُهَا فَفِي حَالَةِ الرِّضَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ وَفِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ أَنْ تَسْأَلَهُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَهَا أَوْ يَسْأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ يَقَعُ فِي الْقَضَاءِ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَهِيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَيْنِ لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ يُخَالِفُهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ وَلَا يُقَالُ وَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقَةٍ فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا أَنَّهُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَهُنَا لِمَا ذَكَرَ فَقَدْ خَطَرَ بِالْبَالِ فَكُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ خَطْرًا بِالْبَالِ كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّدَّ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ لِخَطَرَانِهِ بِالْبَالِ وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلسَّبِّ وَالرَّدِّ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَالشَّتْمَ وَلَا يُنَافِيهِ حَالَةُ الْغَضَبِ وَيَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا بَلْ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ حَالِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي
عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَفَارَقْتُك أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى السَّبِّ أَيْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك ؛ لِأَنَّك أَدْوَنُ مِنْ أَنْ تَمْلِكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِشَرِّكِ وَسُوءِ خُلُقِك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِهَوَانِك عَلَيَّ وَفَارَقْتُك اتِّقَاءَ شَرِّك ثُمَّ وُقُوعُ الْبَائِنِ بِمَا سِوَى الثَّلَاثِ الْأَوَّلُ مَذْهَبُنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا رَوَاجِعُ لِكَوْنِهَا كِنَايَاتٍ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ بِهَا طَلَاقًا حَتَّى يَنْتَقِضَ بِهِ الْعَدَدُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِالْإِبَانَةِ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهَا وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ وَيَتَعَجَّلَ أَثَرَهَا كَمَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ إذْ هِيَ رَفْعُ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ { سَرِّحُوهُنَّ } وَبِقَوْلِهِ أَوْ فَارِقُوهُنَّ ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى إثْبَاتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْحَالِ كَيْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ التَّدَارُكِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مُرَاجَعَتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الصَّرِيحِ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا إلَّا أَنَّ الرَّجْعَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ نَصًّا بِخِلَافِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا لَا عَمَلَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَتَسْمِيَتُهَا كِنَايَاتٍ مَجَازٌ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ أَيْضًا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ فَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَعْيِينِ إحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ لَا لِتَعْيِينِ
الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَعْمَلُ بِمُوجِبَاتِهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ لِلِاحْتِمَالِ وَعِنْدَ وُجُودِهَا يَقَعُ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَنْوِ الْأَكْثَرَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ .
( قَوْلُهُ وَالْكِنَايَاتُ ) أَيْ مُطْلَقُ الْكِنَايَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ قِسْمٌ مِنْهَا يَصْلُحُ جَوَابًا ) أَيْ لِطَلَبِهَا الطَّلَاقَ أَيْ التَّطْلِيقَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَا رَدًّا وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِجَوَابِ سُؤَالِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالتَّبْعِيدِ وَلَا لِلشَّتْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَصْلُحُ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ خَلِيَّةٌ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك ، وَكَذَا الْبَاقِي وَيَحْتَمِلُ الشَّتِيمَةَ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ خَلِيَّةٌ عَنْ الْخَيْرِ خَلِيعَةُ الْعِذَارِ لَا حَيَاءَ لَكِ بَرِيَّةٌ عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَامِدِ أَوْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَائِنٌ بَتَّةً عَنْ كُلِّ رُشَدٍ أَوْ بَائِنٌ عَنْ الدِّينِ بَتَّةً عَنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ حَرَامُ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَيُقَالُ حَرَامٌ مَكْرُوهٌ مُسْتَخْبَثٌ قَبِيحٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا ) أَيْ رَدًّا لِكَلَامِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ ا هـ وَمَعْنَى الرَّدِّ فِي هَذِهِ أَيْ اشْتَغِلِي بِالتَّقَنُّعِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ لَك مِنْ الْقِنَاعِ ، وَكَذَا أَخَوَاهُ وَيَجُوزُ فِيهِ بِخُصُوصِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْقَنَاعَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي اُغْرُبِي تَقَنَّعِي اسْتَبْرِئِي تَخَمَّرِي ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ أَبِي نَصْرٍ تَزَوَّجِي أَيْضًا وَهُوَ فِي مَعْنَى ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ وَأَلْحَقَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِهَذَا الْقِسْمِ الْحَقِي بِأَهْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كَمَا تَصْلُحُ جَوَابًا لِلطَّلَاقِ أَيْ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي ؛
لِأَنِّي طَلَّقْتُك تَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَتَبْعِيدِ الْمَرْأَةِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَكَذَا الْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ وَقَوْلُهُ تَزَوَّجِي كَوْنُهُ جَوَابًا ظَاهِرٌ وَكَوْنُهُ رَدًّا لِكَلَامِهَا بِحَسَبِ التَّهْدِيدِ ، وَكَذَا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك ا هـ ( قَوْلُهُ وَمُرَادِفُهَا ) أَيْ نَحْوُ تَخَمَّرِي اسْتَبْرِئِي ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لِلِاحْتِمَالِ ) أَيْ وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْحَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ ) أَيْ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَقَعُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ الرَّدَّ إلَخْ ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ ثَبَتَ الرَّدُّ وَهُوَ الْأَدْنَى لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْجَوَابُ بِالشَّكِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَقَعُ بِكُلِّ لَفْظٍ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ لَهَا اعْتَدِّي سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْت إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ فِيهِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ نَوَى بِاعْتَدِّي الطَّلَاقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا إلَخْ ) إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا كِنَايَاتٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِمَا بَقِيَ حَيْضًا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا بَقِيَ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَقَالَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ بِالِاعْتِدَادِ عَادَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَتَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَقَعُ ثِنْتَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ الثَّانِيَةِ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَتْ الثَّالِثَةُ لَهُ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا أَحَدُهَا : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَثَانِيهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الطَّلَاقَ بِالْأُولَى لَا غَيْرُ أَوْ قَالَ نَوَيْته بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِكُلِّهَا الطَّلَاقَ فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَسَادِسُهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ الْحَيْضَ يُدَيَّنُ قَضَاءً فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَسَابِعُهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ وَبِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ
فَهُوَ كَمَا قَالَ يَقَعُ ثِنْتَانِ : وَثَامِنُهَا وَتَاسِعُهَا : أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ أَوْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالثَّانِيَةِ الْحَيْضَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا يَقَعُ فِيهِمَا ثِنْتَانِ وَعَاشِرُهَا : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالْحَادِيَ عَشَرَ : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي عَشَرَ : أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا فَهِيَ ثِنْتَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَى بِمَا بَعْدَهَا الْحَيْضَ صُدِّقَ قَضَاءً وَإِلَّا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِلطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِنَّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا قَالَ دِيَانَةً ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَا قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِهِ التَّكْرَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَإِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ إلَّا الظَّاهِرَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ) أَيْ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ بِالْأُولَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِيَتَيْنِ طَلَاقًا وَلَا حَيْضًا لَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت إلَخْ ) وَهَذِهِ صُورَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا أَفْرَدَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَذِهِ قَضَاءً بِخِلَافِ تِلْكَ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ ) وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ النَّافِعِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَسْتَ لِي بِزَوْجٍ فَقَالَ صَدَقْتِ يَنْوِي طَلَاقَهَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَسْت أَوْ مَا أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ لَسْت أَوْ مَا أَنَا زَوْجُك عِنْدَهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَأَلْغَيَاهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا ) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَسْت امْرَأَتِي فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَطْلُقُ بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ إنْ نَوَى طَلَاقًا ) يَعْنِي تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ لَهَا لَسْتِ أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ قَالَ لَسْت أَنَا زَوْجَك إذَا نَوَى بِهِ طَلَاقًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ كَذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَصْلُحُ إنْكَارًا لِلنِّكَاحِ وَتَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ ؛ لِأَنِّي مَا تَزَوَّجْتُك فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَمَسْأَلَةُ الْحَلِفِ مَمْنُوعَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَنَقُولُ بِدَلَالَةِ الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي لَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي شَيْءٍ يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ فِي الْإِخْبَارِ لَا فِي الْإِنْشَاءِ وَقَوْلُهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَقَوْلُهُ لَا عِنْدَ السُّؤَالِ أَلَك امْرَأَةٌ عُلِمَ بِدَلَالَةِ السُّؤَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَةٍ لِي أَوْ قَالَ مَا أَنَا زَوْجٌ لَكِ .( قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ ) أَيْ لَا يَقَعُ كَذَا هُنَا ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الصَّرِيحُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } يَعْنِي الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ مَرَّتَيْنِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ } ، وَلِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَفَوَاتِهِ بِالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ .( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَ بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ ) ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَطْلُقُ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً ؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مُعَلِّقًا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ يَقُولُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْبَائِنَةَ لَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَصْلُحُ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِبَانَةِ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِقَطْعِ الْوَصْلَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو قَوْلُهُ بَائِنٌ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ يَلْغُو أَبَنْتُك لِمَا تَقَدَّمَ وَيَبْقَى قَوْلُهُ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا يَقَعُ ا هـ ق قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَيْ فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَانِيًا أَنْتِ بَائِنٌ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ا هـ ( فَرْعٌ ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ تَلْحَقُ الْبَائِنَ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْوُقُوعَ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ قَالَ وَتَتَبَّعْتُ الْمَسْأَلَةَ فَلَمْ أَجِدْهَا مَنْقُولَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ ا هـ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مَا نَصُّهُ فِي خُلَاصَةِ الْعُزَّى خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ فَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةَ
أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ بَائِنًا اسْتَرَدَّتْ الْمَالَ ا هـ .
( بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا مَجْلِسُ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ ، وَالشَّيْءُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ قُلْنَا هَذَا تَمْلِيكُ الْإِيقَاعِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَحِيلُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْكُسْوَةِ أَوْ الدَّارِ لِلسُّكْنَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِهِ يَتَحَقَّقُ لِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } ، وَقَالَ تَعَالَى { قُلْ إنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى تَمْلِيكَ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ وَهُوَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ وَأَمَّا قَوْلُهُ اخْتَارِي فَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا جُعِلَ تَمْلِيكًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَلَا عَنْ التَّفْوِيضِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى
الْأَصْلِ .
( بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْتَ هَذَا الصِّنْفِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ التَّفْوِيضُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ ) يَعْنِي يَنْوِي تَخْيِيرَهَا فِيهِ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ا هـ فَتْحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ ، وَكَذَا صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الْأَصْلِ ، وَقَالَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمَا مُسْنَدًا إلَى مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا مَجْلِسُ الْعِلْمِ ) قَالَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي ، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ طَالَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالْأَعْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ ) أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يُسَوَّغُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَالَ مَا أَرَدْت الطَّلَاقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا خَيَّرَهَا فَأَكَلَتْ طَعَامًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ بِيَدِهِ يَبْطُلُ خِيَارُهَا ، وَلَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ الْمَاءَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ
وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ عَنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ) أَيْ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ ) أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا كَانَ بِالنِّيَّةِ ا هـ عَيْنِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ أَخْذٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ .( قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَكُونُ مَجْلِسَ الْمُنَاظَرَةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ إذَا اشْتَغَلُوا بِهِ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْقِتَالِ إذَا اقْتَتَلُوا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي الْمُفَسِّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ النَّفْسِ مُتَّصِلًا وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ الِاخْتِيَارَةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِمَا شِئْت أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَدُّدَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا دُونَ اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا ، وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ ، وَلَوْ قَالَتْ أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَ اخْتَرْتِ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ التَّفْسِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ مِنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ هُوَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ هِيَ اخْتَرْتُ حَيْثُ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسِّرٌ وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ أَوْ كَلَامُهُ مُفَسِّرٌ وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْت أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا أَهْلِي ؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الْحَقِي بِأَهْلِك بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا قُلْنَا عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمُّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا ) يَعْنِي بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا ( قَوْلُهُ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي إلَخْ ) وَفِي الشَّامِلِ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ لَا تُبَانُ ا هـ عَيْنِيٌّ قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا ) أَيْ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي ا هـ
كَافِي .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي تَطْلُقُ ) أَمَّا قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ إنِّي مُخَيِّرُك بِشَيْءٍ فَلَا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ فَقَالَتْ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ } فَجَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَوَابًا مِنْهَا ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ يُقَالُ فُلَانٌ يَخْتَارُ كَذَا يُرِيدُونَ بِهِ تَحْقِيقَهُ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِهِ نُطْقَهَا بِهَذَا الْخَبَرِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَمَّا كَانَتْ حِكَايَةً عَنْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَمْ يَسْتَحِلْ اجْتِمَاعُهُمَا فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا ، وَكَذَا مِنْ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي ) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ أَنَا أَوْ لَا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي ) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ أَنَا أَعْتِقُ لَا يَعْتِقُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ ) أَيْ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا طَالِقٌ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اخْتِيَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أُطَلِّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا إنْ تُعُورِفَ ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ ) أَيْ ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا أُطَلِّقُ بِإِرَادَةِ الْحَالِ ا هـ كَافِي .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ أَوْ اخْتِيَارَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ ) وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فَتَعَيَّنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِلَا نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ لَا تُحْصَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَاخْتِيَارُهَا الزَّوْجَ لَا يَتَعَدَّدُ ، وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَتَعَيَّنَ لِلْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ الطَّلَاقُ هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ اخْتَارِي وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَدْ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِ وَالتَّكْرَارِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّفْرِيعُ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا لَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ التَّأْكِيدَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ كَانَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ طَلَاقًا ظَاهِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ يُصَرَّحُ بِهِ ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛
لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ وَالتَّرْتِيبَ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْوُسْطَى اسْمٌ لِفَرْدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالتَّرْتِيبُ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمِعِ فِي مِلْكٍ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ هَذَا أَوَّلًا وَنَحْوُهُ لَا فِي ذَاتِهَا فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ الَّتِي صَارَتْ إلَيَّ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَاحِدَةُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأُولَى وَنَحْوَهَا نَعْتٌ وَالنَّعْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِ وَالِاخْتِيَارُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي دُونَ غَيْرِهِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْأَخِيرَتَيْنِ بِالْعَطْفِ مِنْ وَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ بِمَالٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَزِمَهَا الْمَالُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّخْيِيرُ بِعَطْفٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا الْوَصْفُ عِنْدَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجَوَابُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ بِعَطْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إلَّا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ فَلَوْ وَقَعَ كَمَا أَوْقَعَتْهُ لَوَقَعَ بِثُلُثِ الْمَالِ الْمُشْتَرَطِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ تَعَلَّقَتْ الْأَخِيرَةُ بِالْمَالِ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَتْ الْأَخِيرَةَ وَقَعَ بِالْمَالِ وَإِنْ اخْتَارَتْ غَيْرَهَا وَقَعَ بِغَيْرِ مَالٍ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً وَنَحْوَهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ إجْمَاعًا وَلَزِمَ الْمَالُ كُلُّهُ
.( قَوْلُهُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا ) ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ ا هـ ق ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالتَّكْرَارُ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ ، وَلِهَذَا شَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُصَرِّحًا وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَعَ وُجُودِ تَكْرَارِ الِاخْتِيَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ ) أَيْ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ ) أَيْ وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّرْتِيبُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْكَلَامِ لَا بَيَانُ الْإِفْرَادِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ ) أَيْ فَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَقِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقُلْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الطَّلَاقِ وَهُنَا فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت ) أَيْ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَرْت أَوْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً إلَخْ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا ا هـ ع .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ دُونَ إيقَاعِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْأَوْضَحِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا غَلَطٌ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْقَعَتْ بِالصَّرِيحِ لَكِنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَأَوْقَعَتْ رَجْعِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ دُونَ مَا أَوْقَعَتْهُ هِيَ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْفَصْلَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي جَوَابِ اخْتَارِي ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ التَّطْلِيقَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا التَّطْلِيقُ دَخَلَ فِي ضِمْنِ التَّخْيِيرِ فَقَدْ أَتَتْ بِبَعْضِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَصَلَحَ جَوَابًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا لَا قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا ، وَكَذَا هُوَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ) أَيْ فِي جَوَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْجَامِعِ ) إذَا أُطْلِقَ الْجَامِعُ يُرَادُ بِهِ الْجَامِعُ الْكَبِيرُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَشُرُوحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ ) وَعَامَّةِ الْجَوَامِعِ سِوَى جَامِعِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا غَلَطٌ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ سَهْوٌ وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالتَّخْيِيرِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكُ النَّفْسِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي الرَّجْعِيِّ مِلْكُهَا نَفْسَهَا وَإِيقَاعُهَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ لَكِنْ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُقُوعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ إلَيْهَا وَالصَّرِيحُ لَا يُنَافِي الْبَيْنُونَةَ كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْمَالِ فَيَقَعُ بِهِ مَا مَلَكَتْهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إلَّا مَا مَلَكَتْ ا هـ وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ لَا تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ا هـ كَيْ ( فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ أَضْعَفُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ دُونَ الِاخْتِيَارِ فَالْأَضْعَفُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَقْوَى وَالْأَقْوَى لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَضْعَفِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَمْرُك بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ رَجْعِيَّةً ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ إلَيْهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنَّهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا قُلْنَا لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّرِيحِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجْعِيَّ كَمَا لَوْ قَرَنَ الصَّرِيحَ بِالْبَائِنِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ
( فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ وَقَعْنَ ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لِلتَّمْلِيكِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهَا بِوَاحِدَةٍ أَيْ بِاخْتِيَارَةٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ إقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَإِنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ثَبَتَ الْأَقَلُّ ، وَكَذَا إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ وَالْجِنْسُ لَا يَحْتَمِلُهُ وَذِكْرُ النَّفْسِ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا كَمَا لَا يَقَعُ فِي جَوَابِ التَّخْيِيرِ إلَّا بِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهَا كَالتَّخْيِيرِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي احْتِمَالِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي التَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ضَرُورِيًّا بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَا يَمْلِكُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا .( فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ ) .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فِي جَوَابِ قَوْلِ الزَّوْجِ أَمْرُك بِيَدِك بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ طَلَّقْتُ نَفْسِي طَلْقَةً وَاحِدَةً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ الْمَحْذُوفُ مَصْدَرَ قَوْلِهَا طَلَّقْت لِدَلَالَةِ هَذَا الْفِعْلِ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَصْدَرَ قَوْلِهَا اخْتَرْت لِمَا قُلْنَا وَلِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ وَذِكْرُ النَّفْسِ فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي فِي جَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْتُ وَلَمْ تَقُلْ نَفْسِي لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي الْجَوَابِ ضَرُورَةَ الْمُوَافَقَةِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي أَمْرِك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ بِاللَّيْلِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمَيْنِ ذُكِرَ مُفْرَدًا وَالْيَوْمُ الْمُفْرَدُ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ فَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي وَقْتَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَمْرًا وَاحِدًا لِتَخَلُّلِ مَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَتَانِ فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا بَعْدَ غَدٍ بِرَدِّ أَمْرِهَا الْيَوْمَ ، وَقَالَ زُفَرُ هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ لَفْظِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ قُلْنَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي اللَّفْظِ مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةَ الِانْفِصَالِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ فَجَازَ أَنْ يُوصَفَ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ بِطَلَاقٍ وَاحِدٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَاعِ طَلَاقٍ آخَرَ لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْوَقْتِ الثَّانِي وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكِتَابِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ أَمْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِانْفِصَالِ وَقْتَيْهِمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ .
قَوْلُهُ وَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ ) تَكُونُ طَالِقًا وَاحِدَةً لِاثْنَتَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قُلْنَا الْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ ) أَيْ فَتَوَقَّتَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بِالْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِي أَمْرًا آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ بِوَقْتِ الْأَمْرِ فَبِرَدِّ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ رَدُّ الْأَمْرِ الثَّانِي ا هـ رَازِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ فَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا ، وَهَذَا لِأَنَّ تَخَلُّلَ اللَّيْلَةِ لَا يَفْصِلُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ يَجْلِسُونَ لِلْمَشُورَةِ فَيَهْجُمُ اللَّيْلُ وَلَا تَنْقَطِعُ مَشُورَتُهُمْ وَمَجْلِسُهُمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْيَوْمَ هُنَا ذُكِرَ مُفْرَدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ اللَّيْلَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِتَخَلُّلِ وَقْتٍ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ وَهُنَا أَمْكَنَ لِعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ هُنَاكَ أَيْضًا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ كَانَ أَمْرًا وَاحِدًا لِمَا قُلْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَدَّتْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ ) أَيْ إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْغَدِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَرَدَّتْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي آخِرِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْغَدِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ وَالْجَامِعُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُدَّةَ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجْلِسِ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ الْوَقْتُ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُنَاكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ فَكَذَا هُنَا ، وَلِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ
لَهُ خِيَارُ الْآخَرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا الْيَوْمَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ زَوْجَهَا غَدًا فَكَذَا هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِارْتِبَاطِ بِمَا قَبْلَهُ ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذَا الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَفِي غَدٍ ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى جَنَّ اللَّيْلُ بَطَلَ خِيَارُهَا بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ .
( قَوْلُهُ يَدْخُلُ اللَّيْلُ ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ وَالْيَوْمَ وَغَدًا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِيهِ تَمْلِكُهُ بَعْدَ الْغَدِ وَالثَّانِي عَدَمُ مِلْكِهَا فِي اللَّيْلِ وَفِي الْيَوْمِ وَغَدًا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا غَدًا أَيْ نَهَارًا وَتَمْلِكُهُ لَيْلًا وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فِي الْيَوْمِ وَغَدًا وَتَمْلِيكَانِ فِي الْيَوْمِ وَبَعْدَ غَدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا أَنَّهُمَا أَمْرَانِ حَتَّى لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا غَدًا ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا فِي الْغَدِ تَخْيِيرٌ جَدِيدٌ بَعْدَ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ الْمُنْقَضِي بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا ) أَيْ فَلَمْ يَبْقَ تَخْصِيصُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ مَخْرَجُ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا عَدَمُ جَوَازِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ لَهَا فِي يَوْمٍ مُفْرَدٍ فَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ وَالثَّابِتُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ بِأَمْرٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ حَيْثُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ ا هـ وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ ؛ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةً ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا وَلَمْ تَقُمْ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَوْ اتَّكَأَتْ عَنْ الْقُعُودِ أَوْ عَكَسَتْ أَوْ دَعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَفَتْ بَقِيَ خِيَارُهَا وَإِنْ سَارَتْ لَا ) هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ وَقَوْلُهُ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَيْ جَلَسَتْ عَنْ الْقِيَامِ وَقَوْلُهُ أَوْ عَكَسَتْ أَيْ قَعَدَتْ عَنْ الِاتِّكَاءِ وَهُوَ عَكْسُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا لِتَصَرُّفِهَا بِرَأْيِهَا وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَالْإِيجَابِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ هُنَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا ، وَلِهَذَا لَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا فَالْمَجْلِسُ يَتَبَدَّلُ تَارَةً حَقِيقَةً بِالتَّحَوُّلِ إلَى مَكَان آخَرَ وَتَارَةً حُكْمًا بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ مَا يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَتْ فِيهِ لَا مُطْلَقُ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ شَرِبَتْ مَاءً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَشْرَبُ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ رُطُوبَةَ الْفَمِ تَذْهَبُ بِالْمُشَاجَرَةِ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ مَا لَمْ تَشْرَبْ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ أَوْ لَيْسَتْ ثِيَابُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ
تَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ آيَةً ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ قَلِيلٌ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِقْبَالِ إذْ الْقُعُودُ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِرَاحَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً فَاسْتَوَتْ قَاعِدَةً ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْجِدِّ فِي التَّأَمُّلِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالِاتِّكَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَّ بِهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ لَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ لِتَحَرِّي الصَّوَابِ ، وَلِهَذَا { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِمُشَاوَرَةِ وَالِدَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُجِيبَهُ } وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ فَصَارَ دَلِيلَ الْإِقْبَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَضْطَجِعُ لِلتَّأَمُّلِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَدْعُو لَهَا شُهُودًا فَقَامَتْ لِتَدْعُوَ وَلَمْ تَنْتَقِلْ قِيلَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَقِيلَ يَبْطُلُ لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَلَا تُعْذَرُ فِيهِ كَمَا لَا تُعْذَرُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ كَرْهًا وَقِيلَ إذَا لَمْ تَنْتَقِلْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَإِذَا انْتَقَلَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ، وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ الْوَتْرَ فَأَتَمَّتْهَا لَا
يَبْطُلُ خِيَارُهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي النَّفْلِ فَأَتَمَّتْهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَلَوْ قَامَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُبْتَدَأَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَسِيرُ بِاخْتِيَارِ رَاكِبِهَا وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ حُكْمًا ، وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِيَصِيرَ الْجَوَابُ مُتَّصِلًا بِالْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ أَوْ لَا يَكُونَ وَلَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا وَفِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ ) ؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ السَّفِينَةِ لَا يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَافِ وَالتَّسْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ } فَأَضَافَ الْجَرْيَ إلَيْهَا فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَإِنْ تَحَوَّلَتْ بَطَلَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَسَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ مَكَثَتْ يَوْمًا لَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَقَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ بَلَغَهَا الْأَمْرُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ ) قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ أَبَدًا وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْأَمْرِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِقَوْلِهِمْ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك وَقَوْلُهُ اخْتَارِي نَفْسَك تَمْلِيكٌ لَا إبَانَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَعْمَلُ لَا لِغَيْرِهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ الِاعْتِبَارُ لِمَجْلِسِهَا لَا لِمَجْلِسِهِ حَتَّى إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ إلَيْهَا الْأَمْرَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي حَقِّهِ لَازِمٌ ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَفْسَخَ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا حَتَّى أَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ أَصْلًا ، وَلِهَذَا إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَلَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ فَلَهُ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ ) أَيْ تَسْمَعُ لَفْظَهُ بِالتَّخْيِيرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ) أَيْ مَجْلِسُ سَمَاعِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ ) أَمَّا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ وَأَكَلَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا قَلَّ الْأَكْلُ أَوْ كَثُرَ ا هـ عِمَادِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ
بِمَا حَزَبَهَا ) يُقَالُ حَزَبَهُ أَمْرٌ أَيْ أَصَابَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ ا هـ مُغْرِبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا حَزَنَهُ أَمْرٌ بِالنُّونِ ا هـ نِهَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ ) أَيْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي لَيْسَ رَدًّا فَتَمْلِكُ بَعْدَهُ الطَّلَاقَ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ إلَخْ كَلَامٌ زَائِدٌ فَيَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ ) أَيْ اخْتَارَتْ مُتَّصِلًا بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِهَا ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالسَّفِينَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ ) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ إذَا كَانَتْ فِي الْبَيْتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْخَبَرِ لُغَةً فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ إيقَاعًا فَصَارَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً ؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا فَيَصِحُّ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى مَا يَأْتِي وَجْهُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ ) ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إلَخْ ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَالْفَصْلُ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَيْسَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ قُلْت الْمَشِيئَةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ لَفْظًا مَذْكُورَةٌ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِمَشِيئَتِهَا وَاخْتِيَارِهَا ، وَلِهَذَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً إلَخْ ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهَا إيَّاهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدَةً فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْنَاهُ فَعَلَى فِعْلِ الطَّلَاقِ وَهُوَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنِ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ عِنْدَ الْإِرَادَةِ وَالنِّيَّةِ وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ ا هـ عَيْنِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ ) أَيْ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْ الْكَلَامِ كَالْمُطَوَّلِ وَقَدْ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُطَوَّلِ فَكَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ ا هـ كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَعْنَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُفْتَرِقًا ا هـ فَتْحٌ وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ ) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك تَطْلُقُ وَلَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت فِي الْجَوَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَضْعًا ؛ لِأَنَّهَا لِلْقَطْعِ وَحُكْمًا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَبَنْتُك أَوْ قَالَتْ هِيَ أَبَنْتُ نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَلَمْ تَمْنَعْ الْمُوَافَقَةَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالَ لَهَا اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ هِيَ اخْتَرْت نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إذَا كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَقَوْلُهُ طَلِّقِي لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا أَبَنْت فَقَدْ خَالَفَتْ أَمْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ كَمَا لَوْ أَمَرَهَا بِنِصْفِ تَطْلِيقَةٍ فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَمَرَ بِثَلَاثٍ فَطَلُقَتْ أَلْفًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ وَافَقَتْهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْوَصْفِ لَا تَعْدَمُ الْأَصْلَ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَتَتْ بِغَيْرِهِ فَيُعْتَبَرُ خِلَافًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْمُفَوَّضُ إلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَكَانَ إعْرَاضًا مِنْهَا حَتَّى يَبْطُلَ خِيَارُهَا بِهِ كَمَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا .
( قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ ) أَيْ أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ ) أَيْ ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ ) أَيْ فَإِذَا قَالَتْ أَبَنْت فَقَدْ أَتَتْ بِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ ) أَيْ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي ) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ يَنْبَغِي ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَنُصَّ فِيهِ عَلَى الرَّجْعِيِّ بَلْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ ، وَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصْرِيحِ مُحَمَّدٍ بِالرَّجْعِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً ) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ ) أَيْ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي
الْإِيقَاعِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ ) فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ ) أَيْ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِاشْتِغَالِهَا ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَأَجَابَتْهُ بِاخْتَرْتُ نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَتَّى لَا يَصِحَّ نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ طَلِّقِي ضَرَّتَك ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي الِائْتِمَارَ عَلَى الْفَوْرِ كَأَوَامِرِ الشَّرْعِ وَكَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي حَاجَتِهِ لِيَكُونَ التَّصَرُّفُ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَرُبَّمَا تَزُولُ الْحَاجَةُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنَّةٌ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ ضَرَرٌ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ تَمْلِيكًا وَيَمِينًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا وَتَوْكِيلًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ غَيْرِهَا أَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِذَلِكَ حَتَّى صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قُلْنَا الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا تَكُونُ مَالِكَةً لِكَوْنِهَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا وَفِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا فَكَانَ يَمِينًا وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَلَا خِيَارَ فِي التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْقِيَامِ فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا تَكُونُ وَكِيلَةً لِكَوْنِهَا تَعْمَلُ لِغَيْرِهَا وَالتَّوْكِيلُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِعَانَةُ وَقَدْ لَا تَحْصُلُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَلْحَقَهُ الضَّرَرُ فَإِنْ قِيلَ يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا إذَا أَمَرَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ لِلدَّائِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَبِمَا إذَا
قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ ثُمَّ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ وَكِيلَةً عَنْهُ لَمَا حَنِثَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَلَا يُبَالِي بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكِ الرُّجُوعُ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ هُنَا لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ لَا ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَتَّى إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ أَنْ نَهَاهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا ) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ طَلَّقْت نَفْسَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ وَهِيَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ لَا تَحْصُلُ إذَا صَحَّ الرُّجُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ ثَمَّةَ فَكَذَا هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْت ذِمَّتَك ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا زَادَ مَتَى شِئْتِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ مَتَى شِئْت أَيْ زَادَهَا عَلَى قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بَعْدَ الْقِيَامِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي وَقْتٍ شَاءَتْ فِيهِ الطَّلَاقَ فَلَا تَمْلِكُ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا ) ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُؤَبَّدٌ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا أَيْضًا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسَ ( قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ مِنْ الْعُمُومِ وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إذَا أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَا تَعْلِيقٌ ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَلْزَمُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَتَعْلِيقٌ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِنَفْسِهَا فِي رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَنْ يَرْفَعُ الْقَيْدَ الْحَقِيقِيَّ عَنْ رِجْلِهِ فَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَالتَّعْلِيقُ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَا يَقْتَصِرُ وَلَا يَلْزَمُ وَأَمَّا إذَا زَادَ كَلِمَةَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلَا مَالِكًا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَةٍ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَالْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت كَانَ تَمْلِيكًا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ وَقَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ إلَخْ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةٌ تَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَشِيئَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِلْزَامِ وَكَلَامُنَا فِي مُوجِبِ الصِّيغَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ لَا
يُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا قَالَ إنْ شِئْت وَإِلَّا أَفَادَ ، وَلِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ بِالْأَمْرِ بِهِ صَارَ رَسُولًا لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَإِذَا قَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَقَدْ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفًا مَالِكًا لَا رَسُولًا مُبَلِّغًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ رَسُولًا إلَى نَفْسِهَا فَكَانَتْ مَالِكَةً كَيْفَمَا كَانَ وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ .
( قَوْلُهُ ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ وَالْأَوَّلُ ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا ذِكْرِ مَشِيئَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت ) أَيْ لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ لَفْظًا صَارَ مُوجِبُ اللَّفْظِ التَّمْلِيكَ لَا التَّوْكِيلَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعْتَبِرٍ ذَلِكَ امْتِثَالًا فَإِذَا صَرَّحَ لَهُ الْمَالِكُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَ التَّمْلِيكِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ) أَيْ كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَوَصِيِّهِ إذَا بَاعَ لَهُ أَوْ اشْتَرَى مَثَلًا ا هـ ك ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِيلَ فِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَأَنَّهُ اُعْتُبِرَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ ، وَهَذَا غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلَّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ ) أَيْ فَيَلْغُو وَصْفُ التَّمْلِيكِ وَيَبْقَى الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَى مُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا فِي عَكْسِهِ ) أَيْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا تَمْلِكُهُ وَزِيَادَةً فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ فِي الْقَدْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَوْجُودَةٌ فَتُعْتَبَرُ كَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَكَمَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْمُوَافَقَةِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَضَرَّتَهَا أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ نَفْسَك فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْآخَرَيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُخَالِفَةً مُبْتَدَأَةً ، وَهَذَا لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الْمُفْرَدَ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُرَكَّبِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ فَكَانَ غَيْرُهُ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ الْمَحَلَّ شَرْطُ النَّفَاذِ لَا شَرْطُ الْإِيجَابِ فَيَصِحُّ إيجَابُهُ وَيَنْفُذُ مِمَّا أَوْجَبَهُ بِقَدْرِ الْمَحَلِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُمْتَثِلَةً لِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَيَقَعُ وَتَكُونُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ مُبْتَدَأَةً فَيَلْغُو ،
وَكَذَلِكَ طَلَاقُ ضَرَّتِهَا وَعِتْقُ الْعَبْدِ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي تَكُونُ مُمْتَثِلَةً فَيَقَعُ وَتَبْقَى بِالزَّائِدِ مُبْتَدِئَةً فَيَلْغُو الزَّائِدُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي إذَا ذَكَرَ الْعَدَدَ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَتْ مُخَالِفَةً فَإِنْ قِيلَ فِي الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الثَّلَاثِ مُرَكَّبًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً قُلْنَا إنَّ الْوَاحِدَةَ قَائِمَةٌ بِالْجُمْلَةِ ضِمْنًا فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْجُمْلَةُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهَا وَنَظِيرُهُ رَجُلَانِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَلِيَّةٌ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا بَرِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمُتَضَمَّنِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهَا ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ صَارَ مَمْلُوكًا لَهَا ، وَهَذَا التَّمْلِيكُ صَحَّ مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ أَتَتْ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا كُلِّهَا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهَا فَإِنْ شَاءَتْ أَوْقَعَتْهَا جُمْلَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً أَوْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً إلَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ تَأْتِ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا أَتَتْ بِمَا فِي ضِمْنِ كَلَامِهَا فَصَارَتْ مُبْتَدِئَةً لَا مُجِيبَةً لَهُ فَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِنْ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظًا صَالِحًا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَبِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِرْ مُخَالِفَةً لِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي أَصْلِ التَّفْوِيضِ فَتَقَعُ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَمَرَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا رَجْعِيًّا أَوْ
بَائِنًا فَعَكَسَتْ .( قَوْلُهُ وَتَلْغُو الزِّيَادَةُ إلَخْ ) فِي نُسْخَةٍ الزَّائِدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَوَصْفُ الْبَيْنُونَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَبَنْت نَفْسِي : طَلُقَتْ بَائِنًا ا هـ فَتْحٌ بِمَعْنَاهُ ( قَوْلُهُ فَكَانَتْ مُخَالِفَةً ) أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَعَكْسُهُ لَا ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ لَهَا عَكْسُهُ فَأَجَابَتْ بِعَكْسِهِ بِأَنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَصَارَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا بَنَى عَلَيْهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ هُنَاكَ وَلَمْ يُعَلِّقْ وُقُوعَهَا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ ، وَلَوْ قَالَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ وَمَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ فَوُجِدَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْفَصِلًا عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ سَكَتَتْ عِنْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ شَاءَتْ الْبَاقِيَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْعَكْسُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْوَاحِدَةِ فَكَانَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ لَهَا ، وَهَذَا ظَاهِرٌ .
وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ إلَخْ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَجْزَاءُ الْمَشْرُوطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ ) وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ ) أَيْ عَكَسَتْ فِي الْجَوَابِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَيَقَعُ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ وَيَلْغُو مَا وَصَفَتْ بِهِ لِكَوْنِهَا مُخَالِفَةً فِيهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لِمُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ .( قَوْلُهُ فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ) أَيْ تَقَعُ رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُفَوَّضِ وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْمَعْدُومُ بَطَلَ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَبَطَلَ أَمْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ شِئْت طَلَاقَك بِنَاءً عَلَى الْمُتَقَدِّمِ فَيَقَعُ ابْتِدَاءً غَيْرُ الَّذِي عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ شِئْت مُبْهَمًا وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى عَلَى السَّابِقِ إذَا اُعْتُبِرَ السَّابِقُ وَهُنَا قَدْ بَطَلَ السَّابِقُ لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَلَا قَوْلُهُ شِئْت عَنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ شِئْتُ طَلَاقَك يَنْوِي الْإِيقَاعَ يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْجَدْت أَوْ حَصَّلْت طَلَاقَك وَتَحْصِيلُ الطَّلَاقِ وَإِيجَادَهُ بِإِيقَاعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَك ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ } أَيْ طَالِبُهُ وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ لَا يَكْذِبُ الرَّائِدُ أَهْلَهُ أَيْ طَالِبُ الْكَلَأِ أَوْ الْغَيْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الطَّلَبِ الْوُجُودُ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ سِيَّانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَكَلَامُنَا فِي إرَادَةِ الْعِبَادِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا
تَفْرِقَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا وَتَسْوِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ لَا مَحَالَةَ ، وَكَذَا سَائِرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِصِفَاتِنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ شَائِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَرِيدِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ أَرَدْت لَا يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَحِبِّي طَلَاقَك أَوْ اهْوِي طَلَاقَك فَفَعَلَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْهَوَى نَوْعُ تَمَنٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْتِ أَوْ أَجَبَبْت أَوْ رَضِيَتْ أَوْ هَوِيَتْ فَفَعَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لَهَا رَضِيت طَلَاقَك يَقَعُ يَعْنِي إذَا نَوَى فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ ) أَيْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْأَمْرُ قَدْ مَضَى وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ تَنْجِيزُ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَوْ نَقُولَ إنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا فَكَذَا إذَا كَانَ مَاضِيًا اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا أَوْ إرَادَتِهَا أَوْ رِضَاهَا أَوْ هَوَاهَا أَوْ حُبِّهَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّنْجِيزِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَأَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ مَعْنَى التَّنْجِيزِ .
( قَوْلُهُ قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ شِئْتِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ ) أَيْ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِينِي ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ ) أَيْ لَا تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى ) أَيْ كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ ) أَيْ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ ) مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً ) ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي مَتَى وَمَتَى مَا ، وَكَذَا فِي إذَا وَإِذَا مَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إذَا وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْوَقْتِ لَكِنْ جَعَلَهَا هُنَا لِلْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ وَالرَّدِّ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصْحِيحًا لِلرَّدِّ قُلْنَا إنَّمَا يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَنْ لَوْ كَانَ الرَّدُّ صَادِرًا مِمَّنْ صَدَرَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَنَفْيًا لِلتَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِ وَأَمَّا إذَا صَدَرَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ .
( قَوْلُهُ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ لَا أَشَاءُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ ) وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلِّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ؛ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُوقِعَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَيَقْتَضِي إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ مَعَ صَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ أَمْ لَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَشَاءُ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا قَبْلَهُ .( قَوْلُهُ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ ) وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ ) أَوْ ثِنْتَيْنِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَيْهِ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَقَعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَحْدَثَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ التَّنْجِيزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .( قَوْلُهُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِعُلَمَائِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي حَيْثُ شِئْتِ وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءُ فِي مَجْلِسِهَا ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَكَان تَتَحَقَّقُ فِيهِ مَشِيئَتُهَا وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَنَحْوَهُ وَعُمُومًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ قُلْنَا يُحْمَلُ الظَّرْفُ عَلَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّرْفَ يُجَامِعُ الْمَظْرُوفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يُجَامِعُ الْمَشْرُوطَ أَوْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِ حَقِيقَةً يَصِيرُ كِنَايَةً عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا فَإِنْ قِيلَ إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَمَتَى وَإِذَا قُلْنَا حَمْلُهَا عَلَى إنْ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَتَى ؛ لِأَنَّهَا صَرْفُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَتَى وَنَحْوِهَا .
( قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ ) ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْكَعْبَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ فِي مَكَان يُعْتَبَرُ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْمَكَانِ صَارَ ذَلِكَ الْمَكَانُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لِلطَّلَاقِ تَعَلُّقًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ جُزْءٌ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ فَيَدُلُّ فِعْلُ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّمَانِ وَاعْتُبِرَ خُصُوصُ الزَّمَانِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، وَكَذَا اُعْتُبِرَ عُمُومُهُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ زَمَانَ شِئْت أَوْ حِينَ شِئْت ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا ) أَيْ وَهُوَ خَبَرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي كَيْفَ شِئْتِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَإِنْ قَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا ، وَقَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ بَيْنَ نِيَّتِهِ وَمَشِيئَتِهَا بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهَا لَغَتْ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَمَا وَقَعَ رَجْعِيًّا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَتِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ يَعْتِقُ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ لَهُمَا أَنَّ هَذَا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا تَعَلَّقَ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ كَمَا شَاءَتْ وَهَذَا لِأَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ عَنْ الشَّيْءِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْلِيقِ أَصْلِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ لَلَغَا تَخْيِيرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَهُ أَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِهِ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْقَائِلِ خَلِيلِي قُلْ لِي كَيْفَ صَبْرُك بَعْدَنَا فَقُلْتُ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ وَإِذَا كَانَ لِلِاسْتِيصَافِ اسْتَدْعَى
وُجُودَ الْمَوْصُوفِ فَيَقَعُ أَصْلُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَيَثْبُتُ أَدْنَى وَصْفِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وَصْفِهِ وُجُودًا وَيَتَعَلَّقُ مَا وَرَاءَهُ بِالْمَشِيئَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعٌ فَلَوْ ثَبَتَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَتِهَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الذَّاتِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ تَنْفَكُّ عَنْ الذَّاتِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَشِيئَةِ تَعَلُّقُ الذَّاتِ بِهَا وَمَا قَالَهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمَوْصُوفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ عَنْ التَّعْلِيقِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيصَافُ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِالْمَشِيئَةِ وَتَعْمِيمِ الْأَوْصَافِ وَفِيهِ إبْطَالُ الِاسْتِيصَافِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ دُونَ التَّعْطِيلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْتِ ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ كَمْ شِئْت ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ عَنْ الْعَدَدِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لِلْعَدَدِ وَالْوَاحِدُ أَصْلُ الْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودَاتِ فَتَكُونُ الذَّاتُ مُفَوَّضًا إلَيْهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَدَدًا بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاحِدَةُ عَدَدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا أَبَدًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَالرَّدُّ كَالْقِيَامِ .
( قَوْلُهُ بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى ) أَيْ بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ ) أَيْ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ ) أَيْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الصِّفَةِ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ ) أَنْكَرَ وُجُودَ الْكَيْفِيَّةِ لِعَدَمِ الصَّبْرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ ) صَوَابُهُ إبْدَالُ قَبْلَ بِبَعْدَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا بَائِنَةٌ لِكَوْنِهِ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَائِنٌ إجْمَاعًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي كَمْ شِئْتِ أَوْ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ فِيهِ وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ وَمَا عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا ، وَكَذَا إنْ قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْتِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ إنْ شَاءَ فَكَذَا هِيَ لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ أَوْ نَقُولُ فِي حَقِّهَا لَا يُكْرَهُ لِلزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ إلَّا جُمْلَةً فَيُبَاحُ لَهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّفْرِيقِ .( قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ) بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَةِ الزَّوْجِ ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمَنَارِ ابْنُ فِرِشْتَا وَالْمَوْلَى عَبْدُ اللَّهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلَمَّا تَكَرَّرَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا إنْ قَامَتْ ) أَيْ لِوَاحِدٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ فِي كَلَامٍ آخَرَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثَةٍ مَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَهَا أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ ؛ لِأَنَّ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَمِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْت وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيَعْمَلُ بِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَنْبَنِي عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَوْ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ وَصْفٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا امْرَأَةً كُوفِيَّةً حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ فَكَذَا الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الثِّنْتَيْنِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت ) أَيْ ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَعَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهَا مَبْنِيًّا عَلَى التَّوَسُّعِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ إظْهَارُ السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ وَذَلِكَ بِالْعُمُومِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ اللُّزُومُ فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِ عَنْ حَقِيقَةِ كُلِّ لَفْظٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ ) أَيْ حَقِيقَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَعْمَلُ بِهِمَا ) أَيْ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَالثِّنْتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدَةِ عَامٌّ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّلَاثِ بَعْضٌ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعُمُومِ أَصْلًا وَهِيَ بَعْضٌ صِرْفٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا مَلَكَتْ الثِّنْتَيْنِ بِحُكْمِ الْأَمْرِ مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَا بِهَا طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ ا هـ
( بَابُ التَّعْلِيقِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمِلْكِ ( كَإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بَعْدَهُ ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَارَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ فِي الثَّانِي وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُك بَعْدَ أَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِمِلْكٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا أَيْ إنْ مَلَكْته بِالشِّرَاءِ وَإِلَّا لَمَا انْعَقَدَ تَعْلِيقًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا وَتَعَلُّقُهُ بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَمْرٍو وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ عَمَّمَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَنَحْوَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَصَّصَ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ مِصْرَ أَوْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ كُلُّ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ صَحَّ ؛ لِأَنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابَ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَيْثُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مُظَاهِرًا إذَا تَزَوَّجَ مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِكَفَّارَةٍ فَلَا سَدَّ فِيهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ
وَلَا بَيْعَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } شَرَعَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا طَلَاقَ قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِالْمِلْكِ كَمَا لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ كَالْأَهْلِيَّةِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَالصَّبِيِّ يَقُولُ إذَا بَلَغْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ فَصَارَ كَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ مَلَكَهُ ، وَلِأَنَّهُ يُضَادُّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُشْرَعُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْحَالِفِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَحْلُوفُ بِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا لَمْ يَصِلْ فَهُوَ يَمِينٌ وَاشْتِرَاطُ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ لَا لِأَجْلِ الْحَلِفِ لَكِنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ سَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَاجِبٌ ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا يُكْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِلْحَالِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَحَلُّ كَمَنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَحَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ لِيَكُونَ مُحَقَّقًا عِنْدَ
وُقُوعِ الْجَزَاءِ وَهُنَا الْمِلْكُ لَازِمٌ عِنْدَهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ لَا يَكُونُ مَانِعًا مَا هُوَ قَتْلٌ وَلَا مُؤَخِّرًا لَهُ بَلْ يَكُونُ مَانِعًا مَا سَيَصِيرُ قَتْلًا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُجْتَنَبَةٍ بِمَرَّةٍ ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَخْبَارُهُمْ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْجِيزِ وَالتَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ السَّلَفِ كَمَكْحُولٍ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْبَيْعُ كَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَغْوًا قَبْلَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ هُنَا وَالْأَهْلِيَّةُ شَرْطٌ لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْيَمِينُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ مِنْ صَبِيٍّ وَقَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ تَعْتِقُ إذَا وَلَدَتْ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ فِي الْوَلَدِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي إعْدَامِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا قَبْلَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لَهُ وَعِنْدَهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَقَدْ عُرِفَ الدَّلِيلُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ تَطْلُقُ ، وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا عِنْدَهُ لَمَا طَلُقَتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ إيقَاعٌ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ طَلَاقًا وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَبَيَا ، وَكَذَا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَهْلًا لَهُ حُكْمًا وَقَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُهُ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ دُونَ التَّكْرَارِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ فَيَقَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الشَّرْطِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِلنِّكَاحِ لَا يَقَعُ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنَافِي النِّكَاحَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ مَنْفِيًّا ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَارِنُ وَالشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ فَلَغَا هَذَا الشَّرْطُ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْمُضَافِ حَيْثُ يَقَعُ مُقَارِنًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ وَالْمُعَلَّقُ يَكُونُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ عَنْهُ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُضِيفَ يُرِيدُ الْحُكْمَ وَالْمُعَلِّقَ يُرِيدُ انْتِفَاءَهُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ إيجَادِ الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ الْمُرَادُ التَّعْلِيقُ بِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَنَحْوَهُ كَانَ مُعَلَّقًا كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَيَّنَةٍ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا لَا
يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا الصِّفَةُ وَهِيَ التَّزَوُّجُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ وَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَالِكًا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ اسْتِمْرَارُهُ خُصُوصًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ عَقْدُ عُمُرٍ فَصَحَّ يَمِينًا عِنْدَنَا وَإِيقَاعًا عِنْدَهُ .
( بَابُ التَّعْلِيقِ ) بَوَّبَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ بِالتَّنْجِيزِ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِهِ بِسَبِيلِ التَّعْلِيقِ ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالتَّعْلِيقُ لَا يَكُونُ سَبَبًا مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ لَا تُفِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا جُمْلَةُ الْجَزَاءِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُفِيدَةً بِنَفْسِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهَا وَالتَّنْجِيزُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا التَّعْلِيقُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَلِفَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ يَمِينٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ جَمِيعًا أَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَيَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا تُسَمِّيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ يَمِينًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ ) قَالَ الرَّازِيّ التَّعْلِيقُ إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ أَوْ مِلْكُهُ فِي الثَّانِي ا هـ فَقَدْ جَعَلَهُ كَمَا تَرَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ التَّعْلِيقَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا لَهُ وَمَثَّلَ لِلْمُضَافِ لِلْمِلْكِ بِإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَفَادَ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُضَافًا لِلْمِلْكِ بَلْ لِسَبَبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُمَثِّلْ بِمَا هُوَ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ وَيَصِحُّ أَنْ يُمَثِّلَ لَهُ بِمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت فِي عِصْمَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ( قَوْلُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ) هَذَا إذَا ذَكَرَ الرَّابِطَ وَهِيَ الْفَاءُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِأَنْ قَالَ إنْ زُرْت أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَسَيَجِيءُ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ
عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالتَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالتَّعْلِيقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ صَحَّ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْجَهَالَةُ فَإِذَا خُصَّ ارْتَفَعَتْ فَيَصِحُّ ا هـ كَافِي قَوْلُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكُ وَاجِبٌ ) أَيْ ثَابِتٌ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ ) أَيْ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ هَذَا إطْلَاقًا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فِي الْحَالِ ا هـ كِفَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ ) ذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ فَرَاجِعْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ ) هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِ الْمَشِيئَةِ ، أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَالشَّعْبِيُّ ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ ( قَوْلُهُ وَالزُّهْرِيُّ ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ا هـ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ ا هـ فَإِنَّهُمْ قَالُوا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ
إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الشَّرْطِ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ إذَا عَلَّقَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي حَالِ جُنُونِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّنْجِيزِ قُلْت إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ حُكْمًا لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ ، وَلِهَذَا إذَا مَلَكَ أَقَارِبَهُ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ حُكْمًا لِصِحَّةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً ، وَكَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْفُرْقَةُ طَلَاقٌ حُكْمًا لِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ ابْتِدَاءً ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ لَمْ تَطْلُقْ ) ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَهُ ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِيهِ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَتُوجَدُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ فِيهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ مَالِكًا أَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِمَا وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ } فَلَا يَحْتَاجُ لِتَصْحِيحِهِ فَيَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ بِهِ فَبَطَلَ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ ، وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ وَالْجَزَاءَ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ فَلَوْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِهِ لَكَانَ الطَّلَاقُ مُقَارِنًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فَيَتَقَدَّمُ وَالطَّلَاقُ يَتَأَخَّرُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمَحْظُورِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك .
قَوْلُهُ ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَوَابِهِ قُلْت الْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَكُونُ كَالْمُنَجَّزِ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا ) أَيْ غَالِبُ الْوُجُودِ أَوْ مُتَيَقَّنُ الْوُجُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَكُونَ مُخِيفًا ) أَيْ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَمْ يُدْرِجْ فِي كَلَامِهِ التَّزَوُّجَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ بِأَنْ يُقَدِّرَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؟ قُلْتُ كَلَامُهُ صَحِيحٌ بِدُونِ تَقْدِيرِ التَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَفَادَ الْمُسْتَمِعَ وَقَدْ أَفَادَ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّارِعَ مَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاجِهِ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ مَا كَانَ بَغِيضًا فَافْهَمْ ا هـ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ) أَيْ بِدُونِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ ) أَيْ وَالشَّرْطُ هُنَا التَّزَوُّجُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِهِ لِاقْتِرَانِهَا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَسْمَاءِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى الْخَطَرِ فِيهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا إنْ وَهِيَ صَرْفُ الشَّرْطِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ عَلَيْهِ وَكَلِمَةُ كُلٍّ وَإِنْ كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَكِنَّهَا جُعِلَتْ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الَّذِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ يُلَازِمُهُ الْفِعْلُ فَكَانَتْ مِنْهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ لَوْ وَمِنْ وَأَيْ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى ثُمَّ الْجَوَابُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ يَكُونُ بِالْفَاءِ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَذَلِكَ فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ نَظَمُوهَا مَوْزُونًا فِي قَوْلِهِ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ وَإِنْ تَقَدَّمَ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْفَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ الْجَزَاءُ أَوْ يُقَدَّرُ بَعْدَ الشَّرْطِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ وَهُوَ الْفَاءُ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ يُدَيَّنُ ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَنَجَّزُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيُضْمِرُ الْفَاءَ كَقَوْلِهِ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا الشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ ، وَهَذَا يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَجَابَ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ
تَعْلِيقُهُ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ يُدَيَّنُ وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَأَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَنَجَّزُ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ فَاصِلَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَلَّقُ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ تَعْلِيقٍ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَنَجَّزُ لِعَدَمِ ذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَيَانُ إرَادَتِهِ التَّعْلِيقَ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ يَتَنَجَّزُ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةُ الْمُعْتَبَرَةُ كَالشَّرْطِ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ الدَّارَ طَالِقٌ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ ) يَعْنِي فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ وَانْحَلَّتْ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِ الشَّرْطِ ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَجُلٌ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ تَطْلِيقَةً ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُ الْفِعْلِ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } أَفَادَ الْعُمُومَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا وَفِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الصَّيْدِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ مُقَدَّرًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَفِي السَّلَبِ بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى
ضَوْءِ نَارِهِ تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ ، وَقَالَ آخَرُ مَتَى تَأْتِنَا تَلْمُمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَالَ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ الصِّفَةَ وَهُوَ أَيْضًا مُشْكِلٌ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ قَوْلُهُ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا فِي كُلَّمَا لِاقْتِضَائِهِ عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا وَكُلَّ تُفِيدُ عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ وَكُلَّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَيُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ } ، وَقَالَ تَعَالَى { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمَا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِكُلَّمَا فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكُلٍّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حَتَّى طَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَاهُمْ لَا إلَى نِهَايَةٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَلِمَةُ كُلَّمَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَيَتَنَاهَى لِأَجْلِ
ذَلِكَ لَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الِاسْمِ وَإِذَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا حَنِثَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْرَى وَأُخْرَى بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ ) وَإِنَّمَا قَالَ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ حُرُوفَ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ إنْ هُوَ الْحَرْفُ وَحْدَهُ وَالْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ أَسْمَاءٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ يُقْصَدُ نَفْيُهُ وَإِثْبَاتُهُ كَقَوْلِك إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُك وَإِنْ لَمْ تَشْتُمْنِي أَحْبَبْتُك فَعَلِمْت مِنْ هَذَا أَنَّ كَلِمَةَ إنْ هِيَ الشَّرْطُ فِي بَابِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ وَلَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ وَإِنَّمَا الْمُجَازَاةُ بِهَا بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا مَعْنَى إنْ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ كُلٌّ فِي الْمُجَازَاةِ لِدُخُولِهِ عَلَى الِاسْمِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ يُوصَفُ بِفِعْلٍ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَلْحَقَ كُلَّ بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلِلْمُجَازَاةِ أَسْمَاءٌ تَقَعُ مَوْقِعَ إنْ وَهِيَ ظُرُوفٌ وَغَيْرُ ظُرُوفٍ فَالظُّرُوفُ مَتَى وَأَيْنَ وَأَنَّى وَأَيُّ وَحَيْثُ وَحَيْثُمَا وَإِذْ مَا وَلَا يُجَازَى بِحَيْثُ وَلَا بِإِذَا حَتَّى يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَغَيْرُ الظُّرُوفِ مَا وَمِنْ وَأَيُّ فَإِنْ قُلْت قَدْ اسْتَدْلَلْت عَلَى كَوْنِ إنْ أَصْلًا فِي بَابِ الشَّرْطِ بِدُخُولِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ وَقَدْ جَاءَ دُخُولُهَا عَلَى الِاسْمِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك } وَقَوْلِهِ { إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ } فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا قُلْت الْفِعْلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ الظَّاهِرُ فَافْهَمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا إنْ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ا هـ رَازِيٌّ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ ) أَرَادَ بِالشَّرْطِ أَدَاةَ الشَّرْطِ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لَمْ تُؤَثِّرْ أَدَاةُ الشَّرْطِ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ
فِي سَبْعِ مَوَاضِعَ ) أَيْ كَوْنُهُ بِالْفَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ إلَخْ ) مِثَالُ الطَّلَبِيَّةِ { إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبَعُونِي } { فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ } وَمِثَالُ الِاسْمِيَّةِ { إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } وَمِثَالُ الْفِعْلِيَّةِ الْجَامِدَةِ { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ } وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِمَا { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ } وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِلَنْ { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِقَدْ { إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ } وَمِثَالُ الْمَقْرُونَةِ بِتَنْفِيسٍ { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ ) أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ فَلَا تَصِحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمَا لَا إلَى نِهَايَةٍ ) بِخِلَافِ سَائِرِ أَلْفَاظِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْفِعْلِ لَا التَّكْرَارِ وَجِنْسُ الْفِعْلِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الْجَزَاءُ إذَا وُجِدَ الْفِعْلُ ثَانِيًا لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِكُلَّمَا ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ا هـ قَوْلُهُ تَكَرَّرَ دَائِمًا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ أَوْ مُضِيفًا لَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجِّزِ لِلطَّلَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا كُلٌّ فَتَسْتَدْعِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّعْمِيمِ لَمْ تَدْخُلْ
عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ نِسْوَةً طَلُقْنَ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِرَارًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ) ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ وَلَا يَحْنَثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَهَا كَكَلِمَةِ كُلٍّ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ صَدَقَةٌ أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت هَذِهِ الدَّابَّةَ فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَا الْتَزَمَ ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِلَافَ زُفَرَ حَيْثُ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ دَائِمًا ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَقَدْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ ابْتِدَاءً لِيَكُونَ الْجَزَاءُ مُخِيفًا بِوُجُودِهِ ظَاهِرًا عِنْدَ الْحِنْثِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا سَبَبًا لَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِتَحَقُّقِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلِحُصُولِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْإِخَافَةِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ مَعْدُومٌ بَلْ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ مَعْدُومٌ فَلَأَنْ يَبْقَى بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ وَلَمْ يَبْقَ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهُ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ
لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ لَا تَعْتِقُ بِدُخُولِهَا الدَّارَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ تَعْتِقُ .( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ وَفِي حَقِّهَا مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ عِنْدَنَا ، فَقَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ صَوَابُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَفِي حَقِّهَا أَيْ حَقِّ الْمَنْكُوحَةِ مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فَظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ فِيهِ نَظَرٌ وَصَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ زَوَالُهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَمَّا إذَا زَالَ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَإِنَّهُ يُزِيلُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ بِالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مِلْكٍ سَيَحْدُثُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ طَلَقَتْ وَانْحَلَّتْ ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ وَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَمُرَادُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا تَنْحَلُّ بِوُجُودِهِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهِيَ تَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا ، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتهَا فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُنْكِرُ السَّبَبَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَأَنَّ
الْحُرْمَةَ أَيْضًا تَمْنَعُهُ مِنْ الْوِقَاعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَلَا يُتَّهَمُ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ وَقْتِ السُّنَّةِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ لِكَوْنِهِ يُرِيدُ كَوْنَهُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ سَبَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ ) أَيْ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً ؛ لِأَنَّهَا نَوَّرَتْ دَعْوَاهَا بِالْحُجَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَإِنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ ) أَيْ إذَا عَلَّقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا كَقَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّهَا تَدَّعِي شَرْطَ الْحِنْثِ عَلَى الزَّوْجِ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ كَيْ لَا يَقَعَا فِي الْحَرَامِ إذْ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا شَرْعًا فَيَجِبُ طَرِيقُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهَا لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ ، وَلِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْإِظْهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } ، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِخْبَارِ
فَائِدَةٌ ، وَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ حَتَّى انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِالثَّانِي وَيَحْرُمُ غَشَيَانُهَا وَهُوَ الْوَطْءُ بِقَوْلِهَا أَنَا حَائِضٌ وَيَحِلُّ بِقَوْلِهَا قَدْ طَهُرْت لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهَا حَاضَتْ حَقِيقَةً وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ شَخْصٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ ، وَكَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا الْحَدِّ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ وَالْحَيْضُ قَائِمٌ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً تُقْبَلُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ ؛ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا يُقْبَلُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فَتَطْلُقُ ضَرَّتُهَا أَيْضًا لِثُبُوتِ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا بِتَصْدِيقِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ وَكَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَطْلُقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا وَكَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يَرَى جَمِيعُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَ لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمُّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَلَا يُطَلِّقُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّ طَلُقَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِمَعَانٍ خَفِيَّةٍ بَلْ بِمَعَانٍ جَلِيَّةٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّخْصَ وَالْحَدَثَ وَالْجَنَابَةَ وَالِاسْتِبْرَاءَ وَتَوَجُّهَ الْخِطَابِ يُنَاطُ بِالسَّفَرِ وَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَحُدُوثِ الْمِلْكِ مَعَ الْيَدِ وَالْبُلُوغِ دُونَ الْمَشَقَّةِ وَخُرُوجِ النَّجَسِ وَالْإِنْزَالِ وَشَغْلِ الرَّحِمِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً
تَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ الْمَرْضِيِّ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ إلَّا أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ مَرْدُودَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِيهِ تُهْمَةٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهَا بِإِخْبَارِهَا وَفِي غَيْرِهَا بِحَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ فَإِنْ قِيلَ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا ؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ الْعَذَابِ أَمْرٌ تَأْبَاهُ الْعُقُولُ قُلْنَا احْتِمَالُ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهَا ثَابِتٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَقِلَّةُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ دَرَجَةً يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا إيَّاهُ عَلَى إيثَارِ الْعَذَابِ عَلَى صُحْبَتِهِ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَلْبِ فَلَا يُفِيدُ تَقْيِيدُهَا بِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخَلْفِيَّةَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهَا فَنُقِلَ إلَى الْخَلَفِ مُطْلَقًا وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَيَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي قَلْبِهَا حَقِيقَةً يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْإِخْبَارِ كَيْفَمَا كَانَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ
أَحَدِهِمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ ) أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِكَوْنِهِ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْإِسْنَادِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقَ عَبْدٍ فَجَنَى الْعَبْدُ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ وَتَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَأَنْ تَصِحَّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ بَقَاءً أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ ) أَيْ ، مِثْلُ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ كَلِمَةِ كُلَّمَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ ) مِثْلُ مَا إذَا وُجِدَ دُخُولُ الدَّارِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ ثَانِيًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَحُكْمُهُ يُعْرَفُ مِمَّا بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك ) ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك وَأَنْكَرَتْ ا هـ ( قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا ) أَيْ مِنْ وَجْهَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ ) أَيْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ ا هـ فَتْحٌ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِذَا
انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حِضْت وَطَهُرْت فَلَا تُصَدَّقُ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا هُوَ الشَّرْطُ حَالَ فَوَاتِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ ) أَيْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُمَا إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَلَدٍ وَاحِدٍ ، ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوِلَادَةِ مِنْهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا وَهُوَ حَيْضُهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ حَيْثُ لَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِحَيْضِ ضَرَّتِهَا ، وَإِقْرَارُ ضَرَّتِهَا بِالْحَيْضِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمُخْبِرَةِ لَا غَيْرُ ا هـ قَوْلُهُ ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ ) أَيْ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ا هـ ( فَرْعٌ ) فِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ
السَّبِّ نَحْوَ قَرْطَبَانِ وَسَفَلَةٍ فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا آذَتْهُ ، وَقَالَ الْإِسْكَافُ فِيمَنْ قَالَتْ يَا قَرْطَبَانُ فَقَالَ زَوْجُهَا إنْ كُنْت أَنَا قَرْطَبَانَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الشَّرْطَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي ) يَجُوزُ بِنُونِ الْعِمَادِ وَيَجُوزُ بِتَرْكِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْمُضَارِعِ الَّذِي فِي آخِرِهِ نُونُ الْإِعْرَابِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا ) أَيْ أَنَّ الْقَلْبَ مُتَقَلِّبٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَالْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ مُتَعَذِّرٌ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا الْخَفِيَّةِ كَالرُّخْصَةِ بِالسَّفَرِ وَالْحَدَثِ بِالنَّوْمِ وَالْجِنَايَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَلْبِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ) أَيْ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ هَذَا لَا يَلْحَقُهُ إثْمٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَحَبَّةِ ( قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ دَوْرِ الدَّمِ وَتَرْكِهِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي ا هـ مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِطَاهِرَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَهُرْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ا هـ كَاكِيٌّ (
قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عِتْقُ عَبْدٍ إلَى آخِرِهِ ) بِأَنْ قَالَ إنْ حِضْت فَعَبْدِي حُرٌّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعَبْدِ جِنَايَةُ الْأَحْرَارِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تُحْتَسَبُ هَذِهِ الْحَيْضَةُ مِنْ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ بَعْضِهَا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي إنْ حِضْت حَيْضَةً يَقَعُ حِينَ تَطْهُرُ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ عَلَى الْعَشْرِ أَوْ بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ وَالِاغْتِسَالِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الِاغْتِسَالِ إذَا انْقَطَعَ دُونَ الْعَشَرَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْ الْحَيْضِ ، وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ } ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا حِضْت لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَهُوَ الْحَيْضُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إنْ صُمْت أَوْ إنْ صُمْت صَوْمًا أَوْ إنْ صَلَّيْت أَوْ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً وَعَنْ هَذَا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ بِدْعِيًّا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْ الْحَيْضِ ) وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَهِي بِضِدِّهِ ا هـ كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّ الْفَعْلَةَ لِلْمَرَّةِ وَالْمَرَّةُ مِنْ الْحَيْضِ لَا تَكُونُ إلَّا بِكَمَالِهِ وَكَمَالُهُ بِانْتِهَائِهِ وَانْتِهَاؤُهُ بِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حِضْت إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ فَيَحْكُمُ بِالْوُقُوعِ مِنْ أَوَّلِ الْحَيْضِ لَكِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ الدَّمُ حَيْضًا بِاسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَقَالُوا لَا يَكُونُ الْحَيْضُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَلِهَذَا حَمَلَ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَيْضَةَ هِيَ الشَّيْءُ الْكَامِلُ أَوْ الدَّمُ الْكَامِلُ مِنْ الْحَيْضَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إنْ صُمْت ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ إذْ لَمْ يَقُلْ إذَا صُمْت يَوْمًا أَوْ شَهْرًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يُسَمَّى صَوْمًا فِي الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ بِإِمْسَاكِ سَاعَةٍ بِهِ وَإِنْ قَطَعَتْهُ ، وَكَذَا إذَا صُمْت فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَالَهُ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى وَنَظِيرُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ صُمْت يَوْمًا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا صَامَتْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ طَلُقَتْ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ مُمْتَدٌّ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلٍ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ صُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِيهِ لِوُجُودِ رُكْنِ