كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَرُمَ ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ التَّهْيِيجُ أَيْ هَيَّجَهُ فَهَاجَ بِأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ فَازْدَادَ فِي الْعَدْوِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ فِي الْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ فِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ ، فَلَا يَنْتَسِخُ بِهِ الْإِرْسَالُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَنَسْخِ الْآيِ فَلَا يَرْتَفِعُ إرْسَالُ الْمُسْلِمِ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا إرْسَالُ الْمَجُوسِيِّ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالزَّجْرِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُحْرِمِ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ غَيْرَ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالزَّجْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالدَّلَالَةِ ، وَهُوَ دُونَهُ فَبِالزَّجْرِ أَوْلَى ، وَهُوَ فَوْقَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْجَزَاءِ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ انْتِسَاخِ الْفِعْلِ .( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ إلَخْ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْكَلْبِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ جُعِلَ ذَكَاةً عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِلضَّرُورَةِ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ انْعَدَمَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحِلُّ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ يُجْعَلُ إرْسَالًا ؛ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلُ طَاعَتِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَيَحِلُّ إذْ لَيْسَ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالُ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ الزَّجْرُ دُونَ الِانْفِلَاتِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ الِانْفِلَاتُ فَصَارَ مِثْلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْجَامِعُ أَنَّ الزَّجْرَ فِيهِمَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الزَّجْرُ إنْ كَانَ دُونَ الِانْفِلَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَنُسِخَ الِانْفِلَاتُ ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْمِثْلَيْنِ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي نَسْخِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يُسَاوِي الْإِرْسَالَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ ، فَكَانَ دُونَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ مُعَيَّنٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ ، وَهُوَ عَلَى سَنَنِهِ حَلَّ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَالتَّسْمِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَلَا تَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى عَلَيْهَا وَخَلَّاهَا فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ بِالتَّعْيِينِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى لَا يَحِلَّ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِرْسَالِ
وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ إذَا عَيَّنَ يَتَعَيَّنُ وَعِنْدَنَا التَّعْيِينُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ وَلَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إيجَادُ الْإِرْسَالِ دُونَ التَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ الْبَازِيَ وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُعَيِّنُهُ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ ، فَإِنَّ الصُّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ وَكَذَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إلَى أَخْذِ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الشَّاةِ مُمْكِنٌ وَكَذَا غَرَضُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ فَتَتَعَلَّقُ التَّسْمِيَةُ هُنَاكَ بِالْمَضْجَعِ لِلذَّبْحِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْآلَةِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صُيُودٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْإِرْسَالِ فَقَتَلَ الْكُلَّ حَلَّ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ ، وَالْفِعْلُ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَاحِدٌ فَيَكْتَفِي بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضْجَعَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ التَّسْمِيَةِ وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ لَهُ يَحْتَالُ لِأَخْذِهِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرُ الْإِرْسَالِ ، وَكَيْفَ يَنْقَطِعُ وَقَصْدُ صَاحِبِهِ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَمِيدَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ ،
مِنْهَا أَنْ يَكْمُنَ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرْكِبَهُ خَلْفَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ ، فَلَا أَذِلُّ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَفْعَلُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ مِنْ اللَّحْمِ ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَهُ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَغَيْرَهُ وَلَوْ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ ، فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ إذْ لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ ، وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً لِلْكَمِينِ وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ
أَوْ لَا لَا يُؤْكَلُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ وَلَئِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَجَرَحَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا مَا لَمْ يَكُنْ إرْسَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبًا فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ إذَا كَانَ إرْسَالُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّا وَالْمِلْكُ لِصَاحِبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ أَثْخَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ فَمَلَكَهُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ بِجُرْحِ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ الثَّانِيَ حَصَلَ إلَى الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَلَا تُعْتَبَرُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ ) سَاقَ الْخِلَافَ فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ وَلَا مُكْثٍ يُحِلُّهُ قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا قَيَّدَ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْصَرَفَ عَنْ طَرِيقِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ مَكَثَ لَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا وَسَاقَ الْأَتْقَانِيُّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَالِكٍ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ فَقَالَ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَيَأْخُذُ صَيْدًا غَيْرَهُ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ أَيُؤْكَلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي ، وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدَ أَوْ أَخَذَ غَيْرَهُ أَوْ أَخَذَ عَدَدًا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ مَا دَامَ فِي وَجْهِ إرْسَالِهِ فَإِنْ قَتَلَ وَاحِدًا أَوْ جَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَالِ الْإِرْسَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَمَنَ ) أَيْ اسْتَتَرَ ا هـ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَمَنَ كُمُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ تَوَارَى وَاسْتَخْفَى ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ أَيْ السَّرَخْسِيُّ ) نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ يُقَالُ إنَّ فِي الْفَهْدِ خِصَالًا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي بَنِي آدَمَ لَكَانَ مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ ) أَيْ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذَّكِيَّةَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْخَبِيثَ ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ الطَّيِّبَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلْبُ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ إذَا أَرْسَلَهُ الرَّجُلُ فَصَنَعَ كَمَا
يَصْنَعُ الْفَهْدُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا صَادَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكْثَ سَاعَةً حِيلَةٌ مِنْهُ لِلِاصْطِيَادِ لَا لِلِاسْتِرَاحَةِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ حَذَاقَةِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا لِلْإِرْسَالِ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ كَالْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَخْ ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمَا فَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ كَلْبُهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ مِنْ فِعْلِ الْكَلْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّمَ تَرْكَ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَمَا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ فَكَانَ قَتْلُهُ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أُكِلَ ) أَيْ رَمَى إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَهُ يُؤْكَلُ إذَا جَرَحَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُك } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَشَرَطَ الْجُرْحَ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَمَيْت فَسَمَّيْت فَخَزَقْت فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْزِقْ فَلَا تَأْكُلْ وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْمِعْرَاضِ إلَّا مَا ذَكَّيْت وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْبُنْدُقَةِ إلَّا مَا ذَكَّيْت } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُصِيبَ الرَّمِيَّ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الصَّيْدِ كَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ رَمَى وَسَمَّى وَجَرَحَ أَكَلَ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْمِيَّ وَلَا الْمُصَابَ حَتَّى يَدْخُلَ تَحْتَهُ مَا إذَا سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمُصَابُ مَأْكُولًا ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ اصْطِيَادًا مَعَ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِتَغَلُّظِ حُرْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهِ وَزُفَرُ خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ لَا يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فِيهِ ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } فَكَانَ اصْطِيَادُهُ مُبَاحًا وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا
وَقَدْ لَا يَثْبُتُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمَحَلُّ ، وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ جَرَادٍ أَوْ سَمَكٍ ، ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي أَنَّ الْمُصَابَ لَا يُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ ذَكَاةً وَأَوْرَدَهُ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ حَلَّ الْمُصَابُ فَقَالَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ يَحْتَاجُ فِي حِلِّ أَكْلِهِ إلَى الذَّبْحِ أَوْ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَرَّجَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْحِلِّ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ ذَلِكَ الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ لَوْ رَمَى إلَى جَرَادٍ أَوْ سَمَكَةٍ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ فَأَصَابَ طَائِرًا أَوْ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ ، وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَصْلًا ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ آدَمِيٌّ أَوْ حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ أَوْ ظَبْيٌ مُسْتَأْنَسٌ أَوْ مُوثَقٌ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ اصْطِيَادًا فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَلَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ الصُّيُودِ وَفَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي أَهُوَ وَحْشِيٌّ أَمْ لَا حَلَّ الْمُصَابُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي أَهُوَ نَادٌّ أَمْ لَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ فَيُحْكَمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ
أَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ صَيْدًا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى : إذَا سَمِعَ حِسًّا بِاللَّيْلِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ حَيَّةٌ فَرَمَاهُ فَإِذَا ذَلِكَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ سَهْمُهُ ذَلِكَ الصَّيْدَ الَّذِي سَمِعَ حِسَّهُ أَوْ أَصَابَ صَيْدًا آخَرَ وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ أَنْ يَرْمِيَهُ ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَهُ وَسَمِعَ حِسَّهُ وَرَمَى إلَيْهِ صَيْدًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا ، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ وَعَلَى اقْتِضَاءِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَنْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّ الْمُصَابَ صَيْدٌ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَيْضًا فِيهَا صَيْدٌ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّهَايَةِ بِفَرْقٍ غَيْرِ مُخْلِصٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ فِيهِ لَوْ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَقَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَسَمَّى فَأَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْأَصْلِ وَلِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَفِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَيَسْتَقِيمُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ صَاحِبَ الْحِسِّ مَا هُوَ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ مَا أَصَابَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ غَيْرَ صَيْدٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُصَابُ بِالشَّكِّ وَالْبَازِي وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ .
قَوْلُهُ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ ) أَيْ جَرَحَ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا رَمَيْت فَسَمَّيْت فَخَزَقْت فَكُلْ ) وَفِي حَدِيثِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَرْمِ بِالْمِعْرَاضِ فَيَخْزِقُ قَالَ إنْ خَزَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { مَا خَزَقْتُمْ فَكُلُوهُ إذَا ذَكَرْتُمْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } وَالسِّينُ لُغَةٌ وَالرَّاءُ تَصْحِيفٌ قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ فِي الْخَاءِ مَعَ الزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ إلَخْ ) يَعْنِي رَمَى الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَأَصَابَ سَهْمُهُ صَيْدًا غَيْرَ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ كَانَ صَيْدًا لَا آدَمِيًّا وَلَا شَاةً وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ حَلَّ مَا أَصَابَهُ سَهْمُهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ بِالرَّمْيِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَجُمْلَةُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا وَبَانَ أَنَّ الْحِسَّ الَّذِي سَمِعَهُ لَمْ يَكُنْ حِسَّ صَيْدٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ آدَمِيًّا لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى غَيْرِ صَيْدٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى آدَمِيٍّ يَعْلَمُ بِهِ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحِسُّ حِسَّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ فَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا مَأْكُولًا أَكَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّبَاعِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ ، وَإِنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَمْ يُؤْكَلْ الصَّيْدُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَزُفَرُ خَصَّ
مِنْهَا ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْمُوعِ حِسُّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ ) أَيْ يَثْبُتُ التَّنَاوُلُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُ الْمَحَلُّ يَعْنِي إنْ كَانَ يَقْبَلُ الْمَحَلُّ التَّنَاوُلَ مِنْ حَيْثُ اللَّحْمُ يَثْبُتُ تَنَاوُلُ اللَّحْمِ ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ تَنَاوُلَ الْجِلْدِ لَا اللَّحْمِ يَثْبُتُ ذَلِكَ فَيَنْتَفِعُ بِجِلْدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ تَنَاوُلَهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي الْخِنْزِيرِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاصْطِيَادُ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ فَإِذَا كَانَ الِاصْطِيَادُ مُبَاحًا حَلَّ الْمُصَابُ إذَا كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْمُوعُ حِسُّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهَا لَحْمًا أَوْ جِلْدًا ) أَيْ أَوْ شَعْرًا أَوْ رِيشًا أَوْ دَفْعَ أَذِيَّتِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ ) أَيْ مَأْكُولٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ ) أَيْ ، وَإِنْ كَانَ لَا ذَكَاةَ لَهُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ ، وَإِنْ تَبَيَّنَ إلَخْ ) قَالُوا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى طَيْرٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ ؛ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ ، وَهُوَ كَالشَّاةِ وَلَوْ أَرْسَلَ بَازَهُ عَلَى ظَبْيٍ ، وَهُوَ لَا يَصِيدُ الظِّبَاءَ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ هَذَا الْإِرْسَالَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَصَارَ كَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَلَّ الْمُصَابُ ) ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّيْرَ الدَّاجِنَ إذَا رُئِيَ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يَحِلَّ بِالْعَقْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْوِي الْبُيُوتَ فَتَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا رَمَى إلَى طَيْرٍ ثُمَّ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ فِي الطَّيْرِ التَّوَحُّشُ حَتَّى يُعَلَّمَ الِاسْتِئْنَاسَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَمْيِهِ الْإِبَاحَةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُنْتَقَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفَهْدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْكَلْبِ ) لَفْظُ كَالْكَلْبِ هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ بَدَلُ كَالْكَلْبِ كَالسَّهْمِ فَلْيُتَأَمَّلْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ حَرُمَ ) لِمَا رَوَيْنَا فِي الْكَلْبِ مِنْ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَاةُ اضْطِرَارٍ فَيَكُونُ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ دَلَالَةً لِاسْتِوَائِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ وَقَعَ سَهْمٌ بِصَيْدٍ فَتَحَامَلَ وَغَابَ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ حَلَّ ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ { إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَدْرَكْته فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ } فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي الْحُرُمَاتِ كَالْمُتَحَقَّقِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الِاصْطِيَادِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ عَادَةً وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ وَتَوَارٍ عَنْ عَيْنِهِ غَالِبًا فَيُعْذَرُ مَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ وَلَا يُعْذَرُ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ وَجَعَلَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ فَقَالَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كُلْ مَا أَصَمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْته وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْك إذَا لَمْ يَبِتْ لَيْلَةً يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أَكَلَ ، وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ كُتُبِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَلَوْ حَمَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ يُبِيحُ مَا غَابَ عَنْهُ وَبَاتَ لَيَالِيَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ ، وَإِنْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيٍّ { إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت ، وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُ { إذَا وَجَدْت سَهْمَك وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَدِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي فِي الصَّيْدِ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ قَالَ { إذَا عَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَمَارَةُ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمَارَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ
كَالرَّمْيِ .( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ ) أَيْ مَوْتُهُ بِجِرَاحَةٍ سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْبَازِي ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ يَعْنِي إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ فَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ حَلَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ أَوْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحِلَّ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُتَرَدِّيَةُ } وَلِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيٍّ { إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيٍّ { إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَكُلْ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ ؛ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِهِ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُهْلِكَةٌ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ فِي الْمُحْتَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ بَابُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْد التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فَاسْتَقَرَّ وَلَمْ يَتَرَدَّ حَلَّ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ
أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ حَيْثُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرَدِّيهِ ، وَهُوَ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ أَوْ انْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُفَسَّرِ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَوْتِ بِانْفِلَاقِ الرَّأْسِ وَانْشِقَاقِ الْبَطْنِ ظَاهِرٌ وَبِالرَّمْيِ مَوْهُومٌ مُتَرَدِّدٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمَوْهُومِ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْشَقَّ وَلَمْ يَنْفَلِقْ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَحْرُمُ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَحَمَلَ السَّرَخْسِيُّ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الصَّخْرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَحَلَّ لِذَلِكَ فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَا يُبَالَى بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْمِيُّ مَائِيًّا فَإِنْ لَمْ تَنْغَمِسْ الْجِرَاحَةُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ ، وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِهِ دُونَ الرَّمْيِ ؛ لِأَنَّ تَشَرُّبَ الْجُرْحِ الْمَاءَ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْأَلَمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَقَعُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ السُّقُوطِ عَلَى الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ الْبُنْدُقَةُ حَرُمَ ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ { قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ فَقَالَ إذَا رَمَيْت بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ إنَّهَا لَا تَصِيدُ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ ؛ وَلِأَنَّ الْجُرْحَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَجْرَحُ وَكَذَا عَرْضُ الْمِعْرَاضِ ، وَإِنْ رَمَاهُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّيْفِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا ، وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ وَجَرَحَ يَحِلُّ لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ وَلَوْ جَعَلَ الْحَجَرَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَهُوَ خَفِيفٌ وَبِهِ حِدَّةٌ فَرَمَى بِهِ صَيْدًا فَإِنْ جَرَحَ حَلَّ لِقَتْلِهِ بِجُرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةَ حَدِيدَةٍ وَلَمْ تَبْضِعْ بَضْعًا لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَأَبَانَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ أَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ قَدْ تَنْقَطِعُ بِالثِّقْلِ فَوَقَعَ الشَّكُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَلَوْ رَمَاهُ بِعُودٍ مِثْلِ الْعَصَا وَنَحْوِهِ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ثِقْلًا لَا جُرْحًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ فَبَضَعَ بَضْعًا فَيَكُونُ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ حَلَّ ، وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا ، وَإِنْ جَرَحَهُ فَمَاتَ وَكَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا
فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ ، وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ وَشَرَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إخْرَاجَ الدَّمِ بِقَوْلِهِ { انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ يَحِلُّ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ ، وَهُوَ الْجُرْحُ وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَنْحَبِسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِدْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ إنَّمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ لِعَدَمِهِ وَالصَّغِيرَةَ لِضِيقِ الْمَخْرَجِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ قِيلَ يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَالثَّانِي قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا ، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطُ خُرُوجَ الدَّمِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ ) وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ وَلَا نَصْلٍ يَمْضِي عَرْضًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَخَزَقَ ) بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالرَّاءِ تَصْحِيفٌ ا هـ مُغْرِبٌ يُقَالُ خَزَقَ الْمِعْرَاضُ بِالزَّايِ أَيْ نَفَذَ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي الثَّوْبِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةَ حَدِيدَةٍ ) أَيْ حَادَّةٍ ، وَهِيَ صِفَةٌ لِمَرْوَةَ ، وَهِيَ الْحَجَرُ الْأَبْيَضُ الرَّقِيقُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ تَبْضِعْ ) الْبَضْعُ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ ا هـ مُغْرِبٌ ( قَوْلُهُ قِيلَ لَا يَحِلُّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ } فَشَرَطَ الْإِنْهَارَ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدِي ؛ لِأَنَّهُ كَمَا شَرَطَ الْإِنْهَارَ شَرَطَ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ أَيْضًا وَفِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ لَمْ يَشْتَرِطْ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْهَارُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحِلُّ ) أَيْ صَغِيرَةً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ كَبِيرَةً ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجُرْحِ كَافٍ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِهِ ) كَمَا إذَا عَلَفَهُ وَرَقَ الْعُنَّابِ فَاحْتَبَسَ دَمُهُ وَخُرُوجُ الدَّمِ حَالَ عَدَمِهِ فِيمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْإِبَاحَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا دَمٌ إلَخْ ) اُنْظُرْ عِبَارَةَ الْمَتْنِ فِي آخِرِ الذَّبَائِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ إلَخْ ) ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجِيِّ الَّتِي نَقَلْتهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلٍ فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إلَخْ ا هـ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَكَلَ الصَّيْدَ لَا الْعُضْوَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أُكِلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ كَالْمُبَانِ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَهَّمُ سَلَامَتَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ قَدْرُ هَذَا مِنْ الْحَيَاةِ يَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِينَ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ لَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ حَصَلَ بِالْإِبَانَةِ حُكْمًا فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ بِذَلِكَ حَقِيقَةً ، وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ قُلْنَا حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي حَقِيقَةً وَحُكْمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَكَاةً عِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ وَالْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَإِنَّهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُقُوعُهُ فِي الْبِئْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ لِمَا
فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَانُ مِنْهُ بِالِاصْطِيَادِ ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ كُلُّهُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ فَوَقَعَ ذَكَاةً فِي الْحَالِ فَحَلَّ كُلُّهُ كَمَا إذَا أُبِينَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَكَذَا إذَا قُدَّ نِصْفَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ حَيْثُ يَحْرُمُ الْمُبَانُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي ، وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلَمِ بِإِبْلَاغِهِ النُّخَاعَ ، وَإِنْ ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْقَفَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا تَحِلُّ ، وَإِنْ لَمْ تَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّتْ وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ دُونَهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي .( قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا ) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِمَا فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ ) أَيْ بِسَيْفٍ وَسَمَّى ا هـ هِدَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فَكَذَا لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا .قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ) وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ سَمَكَةٍ يَصِيدُهَا مَجُوسِيٌّ ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَخَذَ سَمَكَةً وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا تَحِلُّ وَمَا يَحِلُّ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ فَالْمَجُوسِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ ا هـ نِهَايَةٌ فِي الذَّبَائِحِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْخِنْهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَحَلَّ ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ } ، وَإِنَّمَا حَلَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَانَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْجُرْحُ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ ، وَقَدْ وُجِدَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ أَثْخَنَهُ فَلِلْأَوَّلِ وَحَرُمَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَصَارَ قَادِرًا عَلَى ذَكَاتِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَكَاتُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَمْ يُذَكِّهِ وَصَارَ الثَّانِي قَاتِلًا لَهُ فَيَحْرُمُ ، وَهُوَ لَوْ تَرَكَ ذَكَاتَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَحْرُمُ فَبِالْقَتْلِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي فَلَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِهِ لِكَوْنِهِ مَيِّتًا حُكْمًا ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ لَكِنَّ حَيَاتَهُ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَبْقَى يَوْمًا أَوْ دُونَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فَصَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ يَسْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ) أَيْ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَةِ الصَّيْدِ
غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ كَانَ نَاقِصًا بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مَرِيضًا أَوْ شَاةً مَجْرُوحَةً ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَنْقُوصًا بِالْمَرَضِ أَوْ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْهُ وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِي ، وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَلًا كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ ضَمَانُ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ؛ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ ، وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُهُ أَوَّلًا ، وَأَمَّا الثَّانِي ، وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ قِيمَتِهِ حَيًّا ؛ فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ يَعْنِي الْجِرَاحَةَ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُهَا وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا أَيْ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ وَمُرَادُهُ مَا نَقَصَ بِجِرَاحَتِهِ ضَمِنَهَا مَرَّةً ، وَهُوَ مَا ضَمِنَهُ مِنْ النُّقْصَانِ بِجِرَاحَتِهِ أَوَّلًا ، وَأَمَّا الثَّالِثُ ، وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ اللَّحْمِ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي ، فَهَذَا
بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً حَيْثُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا أَعْنِي بَيْنَ مَا إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَضْمَنُ الثَّانِي جَمِيعَ قِيمَتِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَمِيعَ الْحَاصِلِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَّنَ طَرِيقَ الضَّمَانِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ قَاضِيخَانْ أَيْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيَانُهُ أَنَّ الرَّامِيَ الْأَوَّلَ إذَا رَمَى صَيْدًا يُسَاوِي عَشَرَةً فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَضْمَنُ الثَّانِي ثَمَانِيَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ دِرْهَمَيْنِ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النُّقْصَانِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ سِتَّةٌ فَيَضْمَنُ نِصْفَهَا ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ يَعْنِي بِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا ثُمَّ إذَا مَاتَ يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ اللَّحْمَ فَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ كَانَ تَفْوِيتُ اللَّحْمِ فِيهِ مَوْجُودًا بِقَتْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ ذَلِكَ النِّصْفَ حَيَاةً فَلَوْ ضَمِنَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ يَتَكَرَّرَ الضَّمَانُ بِأَنْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ حَيًّا ثُمَّ يَضْمَنُ قِيمَةَ لَحْمِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ بَيِّنَةً عِنْدَ رَمْيِ
الثَّانِي وَكَانَ الرَّمْيُ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً بِقَدْرِ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي وَيُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الثَّانِي ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَعَنْهُ وَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ إصَابَةِ الثَّانِي غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَاهُ الثَّانِي بَعْدَ مَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ قُلْنَا عِنْدَ رَمْيِ الثَّانِي هُوَ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ فَوَقَعَ رَمْيُهُ ذَكَاةً ؛ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الرَّمْيِ فَكَذَا الِامْتِنَاعُ يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ سَهْمَهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَمَلَكَهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ سَهْمُ الثَّانِي بِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ وَقْتُ الرَّمْيِ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهُوَ ذَكَاةٌ فَيَحِلُّ الْمُصَابُ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلُهُ هُوَ الرَّمْيُ وَالْإِرْسَالُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ ، وَفِي حَقِّ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِثْخَانِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَزُفَرُ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْإِثْخَانِ فِيهِمَا وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَاهُ فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى
يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ فَأَمْسَكَ الصَّيْدَ بِمِخْلَبِهِ وَلَمْ يُثْخِنْهُ فَأَرْسَلَ آخَرُ بَازِيَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ كَانَ الصَّيْدُ لِلثَّانِي وَحَلَّ لِأَنَّ يَدَ الْبَازِي الْأَوَّلِ لَيْسَتْ بِيَدٍ حَافِظَةٍ لِتُقَامَ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ أَمَّا الْقَتْلُ فَهُوَ إتْلَافٌ وَالْبَازِي مِنْ أَهْلِ الْإِتْلَافِ فَيُنْقَلُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَقَتَلَهُ حَرُمَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَأَصَابَ سَهْمًا مَوْضُوعًا عَلَى حَائِطٍ فَدَفَعَهُ وَمَضَى السَّهْمُ الثَّانِي وَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَّ ؛ لِأَنَّ انْدِفَاعَ السَّهْمِ الثَّانِي بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَأُضِيفَ إلَى رَامِيهِ كَأَنَّهُ رَمَاهُ بِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ وَرَمَى رَجُلٌ آخَرُ إلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَصَابَ السَّهْمُ الثَّانِي السَّهْمَ الْأَوَّلَ وَأَمْضَاهُ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ جَرْحًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ إلَى الصَّيْدِ بِدُونِ دَفْعِ الثَّانِي فَالصَّيْدُ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّانِي مَجُوسِيًّا أَوْ مُحْرِمًا لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَبْلُغُ الصَّيْدَ بِدُونِ السَّهْمِ الثَّانِي فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّابِقُ فِي الْأَخْذِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَجُوسِيًّا أَوْ مُحْرِمًا لَا يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ زِيَادَةَ قُوَّةٍ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْحُرْمَةَ احْتِيَاطًا مَجُوسِيٌّ رَمَى صَيْدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ هَارِبًا مِنْ سَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ وُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ وَقَبْلَ رُجُوعِ كَلْبِهِ كُرِهَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ إعَانَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا فِعْلُهُ لَمَا قَدَرَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَتْلِهِ بِهَذَا الرَّمْيِ وَالشَّرِكَةُ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْإِعَانَةُ تُوجِبُ
الْكَرَاهَةَ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِ سَهْمِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَعْدَ رُجُوعِ كَلْبِهِ فَلَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَمْ يَبْقَ حَالَ رَمْيِ الْمُسْلِمِ وَإِرْسَالِهِ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَصَرَفَتْهُ الرِّيحُ عَنْ سَنَنِهِ حَلَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابَ السَّهْمُ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً فَارْتَدَّ وَأَصَابَ صَيْدًا حَيْثُ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قَدْ انْقَطَعَ بِالِارْتِدَادِ إلَى وَرَاءَ وَكَذَا إذَا رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَى وَرَاءَ لَا يَحِلُّ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى وَرَاءَ بِضَرْبِ رَجُلٍ آخَرَ بِسَهْمِهِ حَيْثُ يَحِلُّ إذَا كَانَ يَرْمِيهِ بِقَصْدِ الِاصْطِيَادِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ انْقَطَعَ فَكَانَ مُضَافًا إلَى الثَّانِي فَيَحِلُّ وَلَوْ انْحَرَفَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً بِإِصَابَةِ الْحَائِطِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى وَرَاءَ حَلَّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الرِّيحِ ؛ وَلِأَنَّ قُوَّةَ الرَّمْيِ لَمْ تَنْقَطِعْ فَيُضَافُ إلَى الرَّامِي وَلَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَضَرَبَتْ السَّهْمَ فَزَادَتْ فِي ذَهَابِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الرَّامِي فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذِهِ الْإِعَانَةِ شُبْهَةُ الشَّرِكَةِ فَبَقِيَتْ الْإِصَابَةُ مُضَافَةً إلَى الرَّمْيِ .( قَوْلُهُ ، وَهَذَا ) أَيْ قَوْلُهُ حَرُمَ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي ) لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِثْخَانِ ، وَهُوَ شَرْطٌ لِلْحِلِّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَلَّ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَأْكُولِ إذْ الصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ قَالَ الشَّاعِرُ صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبٌ وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ ؛ وَلِأَنَّ اصْطِيَادَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الرَّهْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ ) هَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ وَيُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ وَالرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا كَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَالَ الشَّاعِرُ وَفَارَقَتْك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا أَيْ ارْتَهَنَتْ وَحَبَسَتْ قَلْبَهُ فَذَهَبَتْ بِهِ يَوْمَ التَّوْدِيعِ وَانْحَبَسَ قَلْبُ الْمُحِبِّ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ وَقَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ رَدُّ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصًا وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ لَكِنْ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ
بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْأَمَانَاتِ أَوْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَالْمُقَيَّدَةَ بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ بِأَعْيَانِهَا تَبْطُلُ بِهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوُجُوبَ أَوْ شُبْهَتَهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ثَابِتٌ لَبَطَلَتْ وَالرَّهْنُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ فِي جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْوَثِيقَةُ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْجَامِعُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَثِيقَةِ مَاسَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِينَ قَلَّمَا يَجِدُ مَنْ يُدَيِّنُهُ بِلَا رَهْنٍ وَالدَّائِنُ يَأْمَنُ بِالرَّهْنِ مِنْ التَّوَى بِالْجُحُودِ أَوْ بِإِسْرَافِ الْمَدِينِ فِي مَالِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ بِمُحَاصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَانَ فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَشُرِعَ .
كِتَابُ الرَّهْنِ } مُنَاسَبَةُ الرَّهْنِ بِالصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالِاصْطِيَادِ سَبَبٌ مُبَاحٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْحَقِّ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَمَا يَصِحُّ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالْحَقُّ يَشْمَلُهُمَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ : فِي شَرْحِهِ الرَّهْنُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِذِمَّةٍ وَيَنْفَصِلُ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَرْهَنْتُهُ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ رَهَنْته الشَّيْءَ وَأَرْهَنْتُهُ الشَّيْءَ بِمَعْنًى ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ ) أَيْ جَمْعُ الرَّهْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرُهُنٌ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ رُهُنًا جَمْعُ رَهْنٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ وَالْجَمْعُ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرِّهَانُ جَمْعُ الرَّهْنِ كَالْعِبَادِ وَالزِّنَادِ فِي جَمْعِ الْعَبْدِ وَالزَّنْدِ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } ، وَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ ا هـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الرَّهْنُ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ مِثْلُ حَبْلٍ وَحِبَالٍ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ رُهُنٌ بِضَمِّ الْهَاءِ قَالَ الْأَخْفَشُ ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِعْلٌ عَلَى فُعُلٍ إلَّا قَلِيلًا شَاذًّا قَالَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ سَقْفٌ وَسُقُفٌ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ رُهُنٌ جَمْعًا لِلرِّهَانِ كَأَنَّهُ يُجْمَعُ رَهْنٌ عَلَى رِهَانٍ ثُمَّ يُجْمَعُ رِهَانٌ عَلَى رُهُنٍ مِثْلُ فِرَاشٍ وَفُرُشٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ) يَعْنِي مَعْنَاهُ لُغَةً مُطْلَقُ الْحَبْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَمَا رَوَى ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ ) فِيهِ
فَوَائِدُ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ نَسِيئَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَاَللَّهِ لَا أَفْتَحُ عَيْنَيَّ إلَّا وَأَخْشَى عَلَى نَفْسِي الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ أَرُدَّهُمَا } وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ نَسِيئَةً اسْتِدَانَةٌ وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الدَّيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ وَوَعَدَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعْدًا جَمِيلًا وَكَانَ يَقُولُ { إنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ يُرِيدُ قَضَاءَهُ } وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَسَارَعَ قَضَاءَهُ لِئَلَّا يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ ، وَهُوَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا حَائِلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْعَبْدِ بَعْدَ الْكُفْرِ إلَّا الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيُرْضِي خُصَمَاءَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ الْوَثِيقَةُ ) بَيَانُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَهُ طَرَفَانِ طَرَفُ الْوُجُوبِ وَطَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُسْتَوْفَى الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الْوَثِيقَةُ بِطَرَفِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ ، وَهِيَ الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ فَكَانَتْ الْوَثِيقَةُ الَّتِي بِطَرَفِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمَالِ جَائِزَةً أَيْضًا اعْتِبَارًا بِطَرَفِ الْوُجُوبِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مَقْصُودٌ وَالْوُجُوبُ وَسِيلَةٌ لِهَذَا
الْمَقْصُودِ فَلَمَّا شُرِعَتْ الْوَثِيقَةُ فِي حَقِّ الْوَسِيلَةِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ أَوْلَى كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالْوَثِيقَةُ مَا يُوَثَّقُ بِهِ الشَّيْءُ وَيُؤَكَّدُ بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا ) ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَلْزَمُ بِهِ قَالَ مَالِكٌ : رَحِمَهُ اللَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ فَيَلْزَمُ بِالْقَبُولِ وَالْخِلَافُ مَعَهُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ شَرْطًا فِيهِ إذْ الْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } أَيْ فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِمْضَاءُ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَقَوْلُهُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمُشَاعِ وَبِالثَّانِي عَنْ الْمَشْغُولِ وَبِالثَّالِثِ عَنْ الْمُتَّصِلِ فَإِذَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ تَمَّ لِوُجُودِ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ قَالُوا الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ كَالْهِبَةِ ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ ا هـ قَوْلُهُ الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ قَالَهُ مِسْكِينٌ وَقَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمُحِيطِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّهُ رُكْنٌ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ وَفِي نُسْخَةٍ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضِهِ ، وَعَلَيْهَا فَلَا سَهْوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّيْخِ بَاكِيرٍ كَمَا شَاهَدْت ذَلِكَ فِي خَطِّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا ) قَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحِ ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْإِيجَابُ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالرَّاهِنِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ا هـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ شَطْرَيْهِ ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رُكْنٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ : يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ } إلَخْ ) وَصَفَ الرَّهْنَ بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةً وَالنَّكِرَةُ إذَا وُصِفَتْ عَمَّتْ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ الرَّهْنِ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى ) أَيْ قَوْله تَعَالَى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وقَوْله تَعَالَى ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلَالَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ
عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِمَعْنًى يَنْضَمُّ إلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَتُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَوْ تَعَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَزِمَ وَرَثَتَهُ كَالْبَيْعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ ) أَيْ الرَّاهِنُ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمَشَاعِ إلَخْ ) يَعْنِي فَإِنْ رَهَنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ هَلْ رَهْنُهَا بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ يُنْظَرُ فِي الْبَابِ الْآتِي فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَا مُجْمَلٌ ا هـ وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ ) وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فِي غَايَةِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الرَّهْنَ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً إذْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَقِيقَةً كَالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي ، فَإِنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَشْرُوعٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا حَاجَةَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ قَبْضٍ حَقِيقَةً ، وَهُوَ النَّقْلُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ ) يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقَبْضِ حَتَّى تَتِمَّ بِهِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ فِي الرَّهْنِ وَلَا الْبَيْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ قُلْت إذَا كَانَتْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَالشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ ا هـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ : يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا خَلَّى بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَرْهُونِ يُعْتَبَرُ قَابِضًا كَمَا إذَا فَعَلَ الْبَائِعُ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضٌ وَاجِبٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَكَانَ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَثَمَّةَ يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ فَكَذَا هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ا هـ ع ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) أَيْ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ ) أَيْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) فَلَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَبِقَدْرِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ اعْتِبَارًا بِهَلَاكِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ وَبِهَلَاكِ الْوَثِيقَةِ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يُضَادُّ الصِّيَانَةَ إذَا لَحِقَ بِهِ يَصِيرُ بِعَرْضِيَّةِ الْهَلَاكِ ، وَهُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ فَصَارَ أَمَانَةً ضَرُورَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْقَبْضُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَنَا { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا نَفَقَ الْفَرَسُ الرَّهْنُ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّك } وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ فِي الْحَبْسِ ؛ لِأَنَّهُ
لَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُعِثَ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فَيَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا عُمِّيَ الرَّهْنُ ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ } مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا هَلَكَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْرِي كَمْ كَانَ قِيمَتُهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ الرَّهْنِ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْفَضْلَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ شُرَيْحٍ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِمَا فِيهِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَا يَرْجِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا ، وَهَذَا اخْتِلَافُ السَّلَفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لَهُ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ
لِضَجَرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ فَلَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بَعْدَهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِيفَاءً ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَوَّلِ يَنْتَقِضُ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِمِلْكِ الْيَدِ لَا بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ كَامِلًا أَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ ثَانِيًا لِيَأْخُذَ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ كَامِلًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ أَوْ مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ يَبْطُلُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ اسْتِيفَاءِ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْعَيْنِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُؤْنَةُ الْمِلْكِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الْمَضْمُونِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ } قُلْنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّاحِبُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا يُقَالُ لِلْمُضَارِبِ صَاحِبُ الْمَالِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَضْلَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ لِرَبِّ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَا يَغْلَقُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَقُولُ رَجَعَ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ فَيَكُونُ غُنْمُهُ لَهُ وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ غُرْمُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا
كَانَ الْحَدِيثُ مُؤَوَّلًا لَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك فَقَالَ إبْرَاهِيمُ : لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَمُوجِبُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَهَذَا يُحَقِّقُ الصِّيَانَةَ ، وَإِنْ كَانَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ بِخِلَافِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهِمَا حَتَّى يَسْقُطَ دَيْنُهُ بِالْهَلَاكِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَنَا صَيْرُورَةُ الرَّهْنِ مُحْتَبَسًا بِدَيْنِهِ بِإِثْبَاتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالْعَيْنِ اسْتِيفَاءً مِنْهُ عَيْنًا بِالْبَيْعِ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَخْرُجُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ عِدَّةُ مَسَائِلَ كُلُّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا مِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ مُوجِبَهُ ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ وَعِنْدَهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي مُوجِبَهُ ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا فَيُحْبَسُ مَعَ الْأَصْلِ وَعِنْدَهُ لَا يَسْرِي ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْحَادِثَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ لِلْمُسْتَوْفِي فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الرَّهْنِ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ فَتَعَيُّنُ عَيْنِ الْمَبِيعِ لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَ عَيْنٍ أُخْرَى لَهُ .
قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ لَا يَغْلَقُ ) مِنْ بَابِ عَلِمَ ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ ) أَيْ الشَّافِعِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ ) إذْ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَكَذَا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ إلَخْ ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الْإِمْسَاكِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ مُشَاهَدَةً وَلَا مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِرَهْنٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الدَّيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ { أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا فَمَاتَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ حَقُّك } فَدَلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بُطْلَانِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ الْمُرْتَهَنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ : فِي شَرْحِ الْكَافِي ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤْخَذُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ ، وَهُوَ يُنَافِي مَعْنَى الْوَثِيقَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّ الرَّهْنَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بَلْ هُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا
اخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فَعِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ أَمَانَةٌ ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ أَمَانَةٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الرَّهْنَ إلَى صَاحِبِهِ يَفُوتُ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ لَا يُتَصَوَّرُ ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ الِاسْتِيفَاءُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِذَا ) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ بَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ا هـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ خَلَلٌ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ بَقِيَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِيهِ أَمَانَةً ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاسْتِيفَاءُ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ أَمَّا الْعَيْنُ أَمَانَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ مِنْ وَجْهٍ فَلَوْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِلدَّيْنِ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ الدَّيْنِ أَوْ اسْتِيفَاءً لِبَدَلِ الدَّيْنِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِهِ ، وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِإِجْمَاعِنَا أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَأَجَابَ عَنْهُ بِهَذَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ ؛ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الْعَيْنُ كَالْكِيسِ فَلَوْ كَانَ أَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي الْكِيسِ يَكُونُ مَا فِي الْكِيسِ مَضْمُونًا دُونَ الْكِيسِ فَكَذَا هُنَا مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ مَضْمُونٌ دُونَ
الْعَيْنِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الرَّاهِنِ وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ } ) أَيْ لَا يُمْلَكُ بِالدَّيْنِ ( قَوْلُهُ { لَهُ غُنْمُهُ } ) أَيْ زَوَائِدُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ وَكَفَنُهُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ يُقَالُ غَلَقَ الرَّهْنُ غُلُوقًا إذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَكَانَ مِنْ أَفَاعِيلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا لَمْ يَرُدَّ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا لَهُ ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ ، وَإِذَا هَلَكَ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَعِنْدَنَا يَسْقُطُ وَمِنْهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ تَعَيُّنُهُ لِلْبَيْعِ ) أَيْ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ عِنْدَنَا ) ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلْأُمِّ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ، وَهُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ زُفَرُ : رَحِمَهُ اللَّهُ الرَّهْنُ كُلُّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى إذَا كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ضَمَانُ الْفَضْلِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِي الرَّهْنِ وَالتَّرَادُّ يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْفَضْلِ عِنْدَ الْهَلَاكِ ؛ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ مَرْهُونَةٌ ؛ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِهِ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً كَمَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى كَمَا فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِأَنْ أَوْفَاهُ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَالزِّيَادَةُ مَرْهُونَةٌ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ حَبْسِ الْأَصْلِ بِدُونِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَادِّ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَالَةَ الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْهُ أَنَّهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ ، وَقَدْ هَلَكَ الرَّهْنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ سَلِّمْ الْعَيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَخُذْ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا إذْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ ،
فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قَدْرَ الْمَضْمُونِ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونُ بِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ بِقِيمَةِ تِلْكَ الْعَيْنِ ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالزَّائِدِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ أَكْثَرَ ، وَلَا يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ كَمَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَفِيهِ فَضْلٌ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْقِيمَةُ ، وَهِيَ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَصْفُ الدَّيْنِ بِكَوْنِهِ مَضْمُونًا وَصْفٌ ضَائِعٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَكُونُ إلَّا مَضْمُونًا ، وَذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي فَتْوَاهُ وَصَاحِبُ الْمَبْسُوطِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا جَازَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِهِ وَفِي الْمُحِيطِ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا وَلَوْ رَهَنَ بِمُكَاتَبِهِ عَبْدًا فَأَبَقَ الْعَبْدُ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ، وَإِنْ رَجَعَ الْآبِقُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ رَهْنًا بِمُكَاتَبَتِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَالْمُكَاتَبِ حَتَّى يَمْلِكَ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ إلَخْ ) وَمِنْهَا أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمَرْهُونِ وَيَشْرَبَ لَبَنَهَا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ مِلْكِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ بَطَلَ إعْتَاقُهُ وَعِنْدَنَا يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ ) أَيْ وَاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ ا هـ غَايَةٌ وَرَوَى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِأَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِمَّا رَهَنَ بِهِ رَدَّ الرَّاهِنُ الْفَضْلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ ) وَقَيَّدَ الدَّيْنَ بِالْمَضْمُونِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالدَّيْنِ الْمَضْمُونِ مَا كَانَ وَاجِبًا لِلْحَالِ أَيْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ لَا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمَانِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِ النَّفْسِ وَفِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ الصِّيَانَةِ فَلَا تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ وَكَذَا لَا يَمْتَنِعُ بِهِ الْحَبْسُ ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ ، وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ مُفَصَّلًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا ) أَيْ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ ؛ وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مَالَهُ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ ، وَإِذَا أَحْضَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالرَّاهِنُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ أَوَّلًا لِمَا ذَكَرْنَا ، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالتَّخْلِيَةِ دُونَ النَّقْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْعَقْدِ ، وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ
الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ ثَمَنِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَحَّ وَصَارَ الرَّهْنُ دَيْنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ الرَّاهِنُ ، وَهُوَ دَيْنٌ ، وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ ، وَاَلَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ هُوَ الْبَائِعُ مُرْتَهِنًا كَانَ أَوْ عَدْلًا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَكَمَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّاهِنِ بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ لِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ مَعَ إقْرَارِهِ بِبَقَائِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ خَطَأً الْعَبْدَ الرَّهْنَ حَتَّى قَضَى بِالْقِيمَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ صَارَ دَيْنًا بِفِعْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ لِكَوْنِهَا بَدَلًا عَنْهَا وَلَوْ وُضِعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَأُذِنَ بِالْإِيدَاعِ فَفَعَلَ ثُمَّ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ فَطَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ الْعَدْلُ فِي يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَغَابَ وَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ يَفِرُّ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْعَدْلِ وَيَقُولُ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ إحْضَارَ الرَّهْنِ لَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ وَكَذَا إذَا غَابَ الْعَدْلُ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَحَدَ الَّذِي أَوْدَعَهُ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِأَنْ قَالَ هُوَ مَالِي حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ حَتَّى يُثْبِتَ
أَنَّهُ رَهْنٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ فَقَدْ تَوَى الْمَالُ وَالتَّوَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ .
( قَوْلُهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ الرَّهْنَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَبِيعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُ الرَّهْنَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ أَوْ يَبِيعَ هُوَ الرَّهْنَ فَيُؤَدِّيَ دَيْنَهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبِيعُ مَالَ الْمُفْلِسِ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ بَاعَ عَلَيْهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ) أَيْ يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ أَوَّلًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ ) أَيْ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ الرَّهْنُ إنْ طَلَبَهُ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّهُ غَائِبٌ فَيَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ فَيَبْطُلُ أَيْضًا الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَفَ اقْتَضَى دَيْنَهُ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي : وَإِذَا طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ إحْضَارِ الرَّهْنِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ هَالِكًا قَبْلَ ذَلِكَ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ دَيْنِهِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا وَكَذَا إنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا كَمَكَانِ الْعَقْدِ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي السَّلَمِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ
دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إحْضَارِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَاجِزٌ عَنْ الْإِحْضَارِ ، وَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي بَلَدٍ لَمْ يُجْرَ فِيهِ الْعَقْدُ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ ا هـ قُلْت وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا طَالَبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَمَرَ الْمُرْتَهِنَ أَوَّلًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا فَإِذَا أَحْضَرَهُ أَمَرَ الرَّاهِنَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بِيعَ الرَّهْنُ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي فَلْيُتَأَمَّلْ وَانْظُرْ عِبَارَةَ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ إحْضَارَ ثَمَنِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ دَيْنًا بِفِعْلِ الرَّاهِنِ ) أَيْ بَلْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ ) أَيْ لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِكَيْ يَقْضِيَ بِثَمَنِهِ الدَّيْنَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ لَا الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَلَوْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِذَا قَضَى سَلَّمَ الرَّهْنَ ) أَيْ إذَا قَضَى الرَّاهِنُ جَمِيعَ الدَّيْنِ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ بِوُصُولِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَيْهِ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الرَّاهِنِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ يُبْرِئْهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ وَكَذَا لَوْ فَسَخَا الرَّهْنَ لَا يَنْفَسِخُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ حَتَّى كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ وَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَكُونُ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَهُ فَيَكُونُ هَالِكًا بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ رَهْنًا بِأَمْرَيْنِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ اسْتِخْدَامًا وَسُكْنَى وَلُبْسًا وَإِجَارَةً وَإِعَارَةً ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَقْتَضِي الْحَبْسَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ ، وَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِالتَّعَدِّي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ أَيْضًا فِي عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَأَجِيرُهُ الْخَاصُّ كَوَلَدِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ وَبِإِيدَاعِهِ وَتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَيْنَهُ وَدِيعَةٌ الْوَدِيعَةُ تُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودَعُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي مُودَعِ الْمُودَعِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَلَا يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالْفَضْلِ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الرَّهْنَ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ
الْعَادَةَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً ، فَكَانَ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ امْرَأَةً فَيَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ مُعْتَادًا ضَمِنَ ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ ، وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَهُمَا ضَمِنَ وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقَلُّدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ دُونَ الثَّلَاثَةِ ، وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ .( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً إلَخْ ) لَفْظَةُ لَوْ ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا ) فَصَارَ غَاصِبًا ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْمَغْصُوبِ ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ ) يَعْنِي أَنَّ فِي تَضْمِينِ الْمُودَعِ الثَّانِي خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْأَوَّلِ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ ، وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَضْمَنُ ) ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يُعَدُّ حِفْظًا وَاسْتِعْمَالًا أَنْ لَا يَضْمَنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ بِمَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَالْخَاتَمِ إذَا جَعَلَهُ فِي إصْبَعٍ لَا يَتَخَتَّمُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَكَالثَّوْبِ إذَا أَلْقَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأُجْرَةُ بَيْتٍ حَفِظَهُ وَحَافِظُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ وَالْخَرَاجِ عَلَى الرَّاهِنِ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ أَصْلًا وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ لَمَّا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَفَ الْبَهَائِمَ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كُسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَكَرْيُ النَّهْرِ وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجُذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَعْلُ الْآبِقِ إذَا كَانَ كُلَّهُ مَضْمُونًا ؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً فَيُقَدَّرُ الْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةُ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودَعِ فِيهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنَ فَإِنَّ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لَهُ فِي
الْكُلِّ ، وَأَمَّا الْجُعْلُ فَلِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَالْمُدَاوَاةُ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةُ ، وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْمَالِكِ وَالْعُشْرَ فِيمَا يَخْرُجُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْخَارِجَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ يَجُوزُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَدَلَ الْعُشْرِ مِنْ مَالٍ آخَرَ ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا فِيهِ بَقِيَ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الرَّهْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَدْرَ الْمُسْتَحَقِّ فَكَانَ الرَّهْنُ شَائِعًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ بَاطِلًا وَلَا كَذَلِكَ وُجُوبُ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَا يُنَافِي مِلْكَ الرَّاهِنِ لَا فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ خَرَجَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُوجِبْ شُيُوعًا فِي الْبَاقِي لَا طَارِئًا وَلَا مُقَارِنًا وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَجَعَلَهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرُ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ
لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَمْلِكُ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .( قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ ) أَيْ الْقِسْمِ الَّذِي يَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَ كُلَّهُ مَضْمُونًا ) أَيْ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً ا هـ .
{ بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ عِنْدَهُ اسْتِحْقَاقُ بَيْعِهِ وَتَعَيُّنُهُ لَهُ وَالْمُشَاعُ يَقْبَلُ ذَلِكَ وَلَئِنْ كَانَ اسْتِيفَاءً فَالِاسْتِيفَاءُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ فَكَذَا الْحُكْمِيُّ وَلَنَا أَنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ الدَّائِمِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا شَرَطَ فِي النَّصِّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا بِخِلَافِ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا مِلْكُ الْعَيْنِ الْمُسْتَوْفَاةِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَالْمِلْكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْمِلْكُ ، وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهَا لُزُومُ غَرَامَةِ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ فِيمَا يُقْسَمُ لَا غَيْرُ وَلَا يَجُوزُ مِنْ شَرِيكِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمُشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَأَمْسَكَهُ يَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ فِي الْمُشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَبْسُ وَالشَّرِيكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ غَيْرِ الشَّرِيكِ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَفِي مِثْلِهِ
يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يَمْنَعُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْمَنْعُ فِي الِابْتِدَاءِ لِنَفْيِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْمَوْهُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ فِي بَعْضِ الْمَرْهُونِ .
{ بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ } لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا مُقَدِّمَاتِ الرَّهْنِ شَرَعَ يُفَصِّلُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَشَاعِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ بَاطِلٌ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَدَمَ جَوَازِ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَفِي الْمُغْنِي وَالذَّخِيرَةِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ حَيْثُ قَالَ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ فِي الصَّحِيحِ وَفِي الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا ، فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ ، وَالْفَاسِدُ يَنْعَقِدُ فَكَانَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابَلُ بِهِ مَالًا مَضْمُونًا ، فَإِذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِهِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ مَضْمُونًا لَا يَكُونُ الرَّهْنُ مُنْعَقِدًا ا هـ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ رَهْنَ الْمَشَاعِ بَاطِلٌ فِي مَسْأَلَةِ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهَا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا ا هـ وَذَكَرَ أَنَّ رَهْنَ الْمَشْغُولِ بَاطِلٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَنَا ) أَيْ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ إنَّ مُوجِبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ حَبْسًا إلَى أَنْ يَقْضِيَ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَشَاعِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ
ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَكَأَنَّهُ قَالَ رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ ، فَكَذَا هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ فِي الْمَشَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ ) هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ إلَخْ ) هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ ) وَصُورَتُهَا أَنْ يُوَكِّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ كَيْفَ رَأَى مُجْتَمِعًا وَمُتَفَرِّقًا فَيَبِيعُ بَعْضَ الْعَيْنِ أَوْ يَرْهَنُ قَلْبًا فِيهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فِضَّةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَنْكَسِرُ فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَ الْقَلْبِ ، وَهِيَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ وَتَبْقَى حِصَّةُ الْأَمَانَةِ رَهْنًا فَيَقْطَعُ حَتَّى لَا يَكُونَ مَشَاعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الذَّخِيرَةِ صُورَتُهُ أَنْ يَرْهَنَ جَمِيعَ الرَّهْنِ ثُمَّ تَفَاسَخَا الْعَقْدَ فِي النِّصْفِ وَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ ) فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الِابْتِدَاءُ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ جَازَ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْأَبِ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَهَا ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ قُلْنَا إنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَكَذَا بِالْوِرَاثَةِ ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَهَا ابْتِدَاءً إنَّمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهَا مِنْ وَجْهٍ وَنِكَاحُ الْمَمْلُوكِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ ا هـ مِعْرَاجٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا الثَّمَرَةِ عَلَى النَّخْلِ دُونَهَا وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا وَلَا نَخْلٍ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنَى فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعُهَا رَهْنًا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّخِيلِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَيَدْخُلُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ النَّخْلُ وَالثَّمَرُ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ وَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ سِوَى النَّخْلِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِدُونِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا لَا يَدْخُلُ الْمَتَاعُ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَدْخُلُ وَكَذَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي رَهْنِ الدَّارِ وَالْقَرْيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ جَازَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا ؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَكَذَا بَقَاءً ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً الرَّهْنِ عَلَيْهِ بِأَنْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ كَالثَّمَرِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ ؛
لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ بَاطِلًا ، وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ حَتَّى إذَا رَهَنَ دَارِهِ ، وَهُوَ فِيهَا وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَا يَتِمُّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْك ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ فِيهَا وَقَعَ بَاطِلًا لِشَغْلِهَا بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا إذَا سَلَّمَهَا وَمَتَاعُهُ فِيهَا وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحِمْلُ الَّذِي عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ ، فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ وِعَاءً دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ .
( قَوْلُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمَشَاعِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ دُونَ الزَّرْعِ أَوْ النَّخِيلَ دُونَ الثَّمَرِ ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ جَمِيعُهَا رَهْنًا إلَخْ ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ : وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ ثَمَرَةٍ فِي نَخْلٍ وَلَا كَرْمٍ وَلَا شَجَرٍ حَتَّى يَحُوزَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا رَهْنُ ذَلِكَ دُونَ ثَمَرَتِهِ وَلَا رَهْنُهَا دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ نَخْلٍ وَلَا كَرْمٍ وَلَا شَجَرٍ فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ كَرْمٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ حَبْسُهُ دُونَهُ فَكَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَبْضُ فِيهِ وَحْدَهُ فَكَذَا هَذَا لِهَذَا الْمَعْنَى ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ وَاسْتَثْنَى النَّخْلَ بِمَوَاضِعِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَا سِوَاهُ وَذَلِكَ بُقْعَةٌ مَحُوزَةٌ مُجَاوِرَةٌ لِمَكَانِ النَّخْلِ فَيَصِحُّ فِيهَا الرَّهْنُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ ) أَيْ وَهُوَ الْبِنَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِنْ قَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ إطْلَاقًا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالنَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ فِي الرَّهْنِ
وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّهْنُ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِعَقْدِ الرَّهْنِ ، وَخَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ لَمْ تَفْتَقِرْ صِحَّةُ الْبَيْعِ إلَى دُخُولِهِ فَلَأَنْ يَدْخُلَ فِي الرَّهْنِ وَصِحَّتُهُ تَقِفُ عَلَى دُخُولِهِ أَوْلَى فَأَمَّا الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الثَّمَرَةِ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ دُونَ ذَلِكَ وَدُخُولُهُ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ ؛ فَلِذَلِكَ دَخَلَ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ سِوَى النَّخْلِ ) يَعْنِي وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ كَالْبِنَاءِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ النَّخْلِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ وَالْبِنَاءِ فِي الْبَيْعِ سَوَاءً لِلْمَعْنَى الْجَامِعِ فِيهَا ، وَهُوَ الِاتِّصَالُ قَرَارًا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ النَّخْلِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى آحَادِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ا هـ كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ إلَخْ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ : فَإِنْ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ الدَّارَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ نَظَرْت إلَى مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الرَّهْنِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بَطَلَ الرَّهْنُ كُلُّهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي إنْ كَانَ الْبَاقِي مُفْرَزًا بَقِيَ الرَّهْنُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ شَائِعًا بَطَلَ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ فَصَارَ رَهْنًا لِمَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مُفْرَزًا جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الرَّهْنِ بَعْدَ صِحَّتِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَحَلِّ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ، فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ قَسَمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْبَاقِي يَهْلِكُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا يَذْهَبُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْبَاقِيَ بِالدَّيْنِ ابْتِدَاءً وَفِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ مِمَّا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الرَّهْنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ إلَخْ ) وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك ) فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ قَدْ قَبِلْت ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ ) أَيْ عَنْهَا وَيَدْفَعَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَشْغُولٍ بِغَيْرِهِ وَلَا تَابِعًا لَهُ فَصَارَ كَرَهْنِ مَتَاعٍ فِي دَارٍ إذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى قَالُوا ) أَيْ قَالُوا رَهَنَهُ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ وَلِجَامٌ وَرَسَنٌ وَذَلِكَ لِلرَّاهِنِ دَخَلَ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَلَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالرَّهْنِ دُونَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ) ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ فَصَارُوا كَالْحُرِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا بِالْأَمَانَاتِ وَبِالدَّرَكِ وَالْمَبِيعِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ ؛ فَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِمَا رَهَنَ بِهِ ؛ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءً لَا بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانِ الْمَرْهُونِ بِهِ لِيَقَعَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا بِهِ وَيُسْتَحَقُّ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ لِتَعَيُّنِهَا حَالَ بَقَائِهَا وَعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَصَارَتْ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى وَالشُّفْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا مُتَقَرِّرٌ إذْ الْوَاجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ ، وَالْعَيْنُ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْ لِلْقِيمَةِ شُبْهَةُ الْوُجُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَتَكُونُ رَهْنًا بِمَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ أَوْ سَبَبُهُ ، وَأَمَّا الدَّرَكُ فَلِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَلَا اسْتِيفَاءَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مَعْنَى الدَّرَكِ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ فَمَا لَمْ يُسْتَحَقَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى يُحْكَمَ بِرَدِّ الثَّمَنِ وَيُفْسَخَ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيزَ الْمُسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِهِ حَيْثُ تَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي
مَوْضِعِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ ، وَالْتِزَامُ الْأَفْعَالِ مُعَلَّقًا أَوْ مُضَافًا إلَى الْمَالِ جَائِزٌ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، فَإِنَّهُ اسْتِيفَاءٌ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا وَالتَّمْلِيكَاتُ بِأَسْرِهَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَلَا إضَافَتُهَا فَافْتَرَقَا ، وَلَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ بِالدَّرَكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا بِأَلْفٍ لِتُقْرِضَنِيهِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ يَهْلِكُ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ بَلْ جُعِلَ مَوْجُودًا اقْتِضَاءً ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ بَلْ يَتْلُوهُ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ الْوُجُوبِ لِيَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِجِهَةِ الرَّهْنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِمَّا سُمِّيَ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ إذَا سُمِّيَ قَدْرُ الْمَوْعُودِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْقَابِضِ جَمِيعُ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ ، وَهُوَ الدَّيْنُ ، فَيَكُونُ مُقَدَّرًا بِهِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ
الشِّرَاءِ ، وَأَمَّا بِالْمَبِيعِ فَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذَّرٌ ) أَمَّا الْحُرُّ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ ، وَأَمَّا الْبَاقُونَ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ سَبَبُهُ ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ ا هـ قَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ) أَيْ لَوْ نَذَرَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقَوْلِ فَكَذَا الْكَفَالَةُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ لَا الْتِزَامُ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا ) وَكَذَا بَعْدَ حُلُولِ الدَّرَكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَبْسَهُ قَالَ الْكَاكِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُعْطِي الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ مَا شَاءَ ) فَإِنْ قَالَ أَنَا أُعْطِيك فَلْسًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ ا هـ خُلَاصَةٌ ( قَوْلُهُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا ) ، وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ مِثْلُهَا عِنْدَ هَلَاكِهَا إنْ كَانَ لَهَا مِثْلٌ أَوْ الْقِيمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلٌ كَالْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ إلَخْ ) كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَيَذْهَبُ الرَّهْنُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَوْ أَعْطَاهُ الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَبْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : وَالثَّانِي الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ
اللَّهُ : هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ : رَجُلٌ اشْتَرَى سَيْفًا فَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ السَّيْفِ ا هـ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ أَمَّا الْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ ، فَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِالْمَبِيعِ ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَلَا يَصِيرُ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِهَلَاكِهِ ا هـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ : إنَّ الرَّهْنَ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ : وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ الْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ رَهْنًا مِنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بَاطِلٌ فَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَبِيعِ إذْ الْمَرْهُونُ مَالٌ ا هـ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قُلْت فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا بِكَوْنِ الرَّهْنِ بِالْمَبِيعِ بَاطِلًا وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فِي كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْمَبِيعِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ وَسَائِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الرَّهْنَ بِالْمَبِيعِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ وَلَوْ مَوْعُودًا ) أَيْ الرَّهْنُ يَصِحُّ بِدَيْنٍ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مَوْعُودًا وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ ، وَهُوَ أَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءٌ وَالِاسْتِيفَاءُ فِي الْوَاجِبِ ، وَهُوَ الدَّيْنُ ثُمَّ وُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى الْإِنْكَارِ فَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَرَهَنَ بِالثَّمَنِ ، فَهَلَكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ أَوْ مُسْتَحَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ ثَابِتًا ظَاهِرًا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ شَاةً ذَكِيَّةً أَوْ خَلًّا فَرَهَنَهُ بِثَمَنِهِ ثَوْبًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ وَالشَّاةَ مَيِّتَةٌ وَالْخَلَّ خَمْرٌ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَاقَوْلُهُ كَانَ الرَّهْنُ مَضْمُونًا لِمَا ذَكَرْنَا ) وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ وَالْقَبْضَ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُشَاعِ وَالْمَشْغُولِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْخَمْرِ وَالْحُرِّ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ا هـ اخْتِيَارٌ ( قَوْلُهُ يَهْلِكُ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ) أَعْنِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي رَهْنِ الْمُشَاعِ وَرَهْنِ الْمَشْغُولِ بِحَقِّ الْغَيْرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ ) أَيْ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِالِاسْتِبْدَالِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالِاسْتِبْدَالُ حَرَامٌ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتِيثَاقٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالْعَيْنِ ؛ وَلِهَذَا تَكُونُ عَيْنُهُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ حَتَّى تَجِبَ نَفَقَتُهُ حَيًّا وَكَفَنُهُ مَيِّتًا عَلَى الرَّاهِنِ ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَجُوزُ اسْتِيفَاءً لَا مُبَادَلَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ هَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا ) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ فِيهِ هَذَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هَذَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ رَهْنًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ إنْ هَلَكَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَتَمَّ السَّلَمُ كَمَا إذَا كَانَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا فَيَتِمُّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْبِسَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَاهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأَهُ
مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ الْوَاجِبَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخِ ، وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ رَهْنَهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الثَّمَنِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا شِرَاءً فَاسِدًا وَأَدَّى ثَمَنَهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْفَسْخِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَسْأَلَتِنَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِهِ ، وَقَدْ بَقِيَ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَى أَنْ يَهْلِكَ فَصَارَ رَبُّ السَّلَمِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً ثُمَّ تَقَايَلَا أَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا هَذِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ لَا تَبْطُلُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَخْ ) قَالَ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ إذَا أَخَذَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ رَهْنًا فَهَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ) أَيْ هَلَاكِ الرَّهْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ ) ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ وَفَاءٌ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ أَمِينًا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ عَبْدًا لِطِفْلِهِ ) أَيْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ ، وَهَذَا أَنْظَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنِ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ ، مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَالْوَصِيُّ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِمَا بَيَّنَّا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِهِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ ، وَفِي الرَّهْنِ نُصِبَ حَافِظٌ لِمَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ فَافْتَرَقَا ، وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ عِنْدَ هَلَاكِهِ حُكْمًا ، وَيَصِيرُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ مُوفِيًا لَهُ بِهِ وَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِلصَّغِيرِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ ، وَهُوَ إلَى اللَّآلِئِ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ ، وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ ، وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى بَيْعِهِ ، وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْفَيَا دَيْنَهُمَا بِمَالِهِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَضْمَنُهُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ
فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلصَّغِيرِ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَيْنَهُ مِنْ الْبَائِعِ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَرِيمِ نَفْسِهِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمَا ، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ مَلَكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ نَظِيرُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْمُبَادَلَةِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِذَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ فَإِنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالرَّهْنُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ يَجُوزُ رَهْنُهُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ
وَمِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا أَوْ رَهَنَ لِلْيَتِيمِ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ ، فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ ، فَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ عَلَيْهِ نَافِذٌ لَازِمٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَرَهَنَ بِهِ مَالَ الصَّغِيرِ فَقَضَاهُ الِابْنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ ثُمَّ حُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ ، وَالْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ
فَاسْتَعْمَلَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ ، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِالضَّمَانِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ يَقْضِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا ، فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ فَإِذَا حَلَّ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ضَمِنَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَا الْأَخْذُ ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَالِ الْيَتِيمِ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُهُ بِهِ ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا .
( قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ ) ، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ا هـ قَوْلُهُ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ ) يَعْنِي ارْتَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَهُ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ أَحَدِ ابْنَيْهِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ الِابْنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا بِعْتُ عَبْدَ ابْنِي فُلَانٍ مِنْ ابْنِي فُلَانٍ ، أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لِلْأَبِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ اشْتَرَى الْأَبُ مَتَاعَ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ، فَصَارَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ عَلَى الصَّغِيرِ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِهِ عِنْدَ الْأَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَخْ ) أَيْ لَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ الْيَتِيمِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ عَبْدِ الْوَصِيِّ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ عَيْنًا لِلْوَصِيِّ بِدَيْنٍ لِلْيَتِيمِ عَلَى الْوَصِيِّ ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي : وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَلَا مِنْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْهُمَا كَالرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَوْ رَهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَاقِدًا مِنْ جَانِبَيْنِ فِي عُقُودٍ تَتَضَمَّنُ عُقُودًا مُتَبَايِنَةً ، وَهَذَا هَكَذَا وَلَوْ رَهَنَ مِنْ ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ أَوْ رَهَنَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَيْسَ كَالْعَقْدِ
مِنْ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِأَنْ بِيعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ وَلَا تَدْخُلُ التُّهْمَةُ فِي الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَكَانَ الْعَقْدُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ سَوَاءً فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ تُهْمَةٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي ا هـ غَايَةٌ مَعَ تَغْيِيرٍ فِي بَعْضِ عِبَارَتِهِ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ ) ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ رَهْنَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ أَوْ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا رَهَنَ مَتَاعَ الصَّغِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ ) رَهْنِ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ وَبِدَيْنِ الصَّغِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ ) إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ ا هـ هِدَايَةٌ .
قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ) وَالْمُرَادُ بِالْحَجَرَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَهُ إذَا هَلَكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِيَنْتَقِضَ قَبْضُ الرَّهْنِ ثُمَّ يَجْعَلُ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَتِهِ مِنْ جَوْدَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَأَسْقَطْنَا الْقِيمَةَ فِيهِ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : إنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ هُنَا ؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ ، فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّ
مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ قَاضِيخَانْ : إنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ قَالَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَئِنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الزُّيُوفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَقَدْ تَمَّ بِهَلَاكِهِ وَالرَّهْنُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّضْمِينِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالْجَوْدَةَ وَصْفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْوَصَايَا وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ ، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَصُوغًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَضْمَنُ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ إنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً ، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ بِقَدْرِ مَا ضَمِنَ وَخَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا ، وَجُعِلَ الضَّمَانُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَفْتَكَّ الْمُنْكَسِرَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلْوَزْنِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَلَا تُجْعَلُ تَبَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَصَايَا ، وَفِي مَالِ الصَّغِيرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْجَوْدَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيمَتُهُ أَنْقَصُ مِنْهُ ، فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْجَوْدَةُ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَيْنٌ فَتَنْضَمُّ إلَى الْوَزْنِ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَجْمُوعِ صَارَ مَضْمُونًا وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ ،
ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ الرِّبَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجُعِلَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الرَّهْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ كُلَّهَا إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً يُضَمِّنُهُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِحِسَابِهِ وَتَكُونُ الْأَمَانَةُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ مَعَ الضَّمَانِ وَتُفْصَلُ الْأَمَانَةُ مِنْهُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُنْكَسِرَ بِالدَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ ، وَهُوَ الْوَزْنُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَضْمُونَاتِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْوَزْنِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةُ إلَى الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِهِ صُرِفَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْوَزْنِ إلَى تَمَامِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ مَضْمُونًا وَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا إلَى الرِّبَا ، فَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ كَانَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ ،
وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إلَى حَالَةِ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَإِلَى حَالَةِ انْكِسَارِهِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَصَارَ الْكُلُّ سِتَّةً وَعِشْرِينَ قِسْمًا .
قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ إلَخْ ) فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارًا بِالرَّاهِنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ فِي اعْتِبَارِ وَزْنِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ ) هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَقَدْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ ) وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْقَضُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَبَضَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فَقَدْ رَضِيَ بِوُقُوعِهِ اسْتِيفَاءً بِدُونِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ ) أَيْ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَهَلَكَتْ الزُّيُوفُ عِنْدَهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ : قَوْلُ مُحَمَّدٍ ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الزُّيُوفِ مَكَانَ الْجِيَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ ) أَيْ مِنْ عَيْنِهَا وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِيفَاءِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ ) وَالْبَاقِي مِنْ الْمُنْكَسِرِ الَّذِي لَمْ يُضْمَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ك كَقَوْلِهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ
الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَكُلُّ قِسْمٍ إلَخْ ) فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ سِتَّةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَحَالَةَ انْكِسَارِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ إلَخْ ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ سِتَّةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ إلَخْ ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِشْرِينَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ هِيَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ أَوْ انْكِسَارِهِ فِي خَمْسَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ هَلَكَ بِالدَّيْنِ اتِّفَاقًا اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ أَوْ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِأَحَدٍ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجَعَلَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ ضَرَرًا بِالْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَمَلَكَ الْمَضْمُونَ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ وَصَرْفًا لِلْأَمَانَةِ إلَى الْجَوْدَةِ وَالْمَضْمُونِ إلَى الْوَزْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ الضَّمَانَ وَالْأَمَانَةَ إلَى الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ لَكِنْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُمَا وَالْبَاقِي مِنْهُمَا أَمَانَةٌ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ وَزْنَهُ كُلَّهُ مَضْمُونٌ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ
حَتَّى إذَا كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ عَشَرَةً فَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْ الْعَيْنِ وَثُلُثُ الْعَيْنِ أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَكُونَ الرَّهْنُ مُشَاعًا ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ .
( قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ ) أَيْ نَاقِصًا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ ) أَيْ بِالضَّمَانِ وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِذَهَابِ الْجَوْدَةِ يَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْفِكَاكَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَعَ النُّقْصَانِ حَقِيقَةً لَتَضَرَّرَ الرَّاهِنُ لِفَوَاتِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ فَخَيَّرْنَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ ) أَيْ نَاقِصًا ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ ) فَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ لَهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ هَلَكَ فَكَذَا إذَا انْكَسَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا لِمَا بَيَّنَّا صَارَ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ فَيُعْتَبَرُ بِالْهَالِكِ الْحَقِيقِيِّ ؛ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قُلْنَا طَرِيقُ صَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ مَا لَهُ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَجَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُؤَدِّي إلَى إغْلَاقِ الرَّهْنِ
وَأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فِي الشَّرْعِ فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِغْلَاقِ لِانْتِقَالِ حُكْمِ الرَّهْنِ إلَى مِثْلِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ وَجَمِيعُ الْوَزْنِ مَضْمُونٌ فَتَتْبَعُهُ الْجَوْدَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ وَمَتَى صَارَ الذَّاتُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ التَّبَعَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالْوَزْنُ كَذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ أَنْ صَوَّرَهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَا عَشَرَ وَانْكَسَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَقَصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ انْتَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةَ فِي الْجَوْدَةِ وَالصَّنْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَزْنِ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ عَلَى الْأَصَالَةِ هُوَ الْمَضْمُونِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ وَاسْتِيفَاءٍ وَصِفَةُ الْأَمَانَةِ فِي الْمَرْهُونِ تَابِعَةٌ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَالتَّبَعُ بِمُقَابَلَةِ التَّبَعِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ ضَرُورَةً ا هـ وَكَتَبَ مَا
نَصُّهُ مَحَلُّ هَذَا التَّخْيِيرِ مَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِالِانْكِسَارِ أَكْثَرَ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَلَا كَمَا عُلِمَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَاهَا نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ أَيْضًا ا هـ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ رَهَنَ بِعَشَرَةٍ قَلْبًا وَزْنُهُ ثَمَانِيَةٌ مَثَلًا فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَذْهَبُ ثَمَانِيَةٌ مِنْ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ بِدِرْهَمَيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ رِبًا فَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَوَزْنُهُ جَمِيعُهُ مَضْمُونٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ، وَلَوْ بَلَغَتْ أُلُوفًا ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْجَوْدَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَهَلَكَ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالِافْتِكَاكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ بِالدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَبَيْنَ الِافْتِكَاكِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَلَا يُجْعَلُ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ وَزْنِهِ ، وَإِنْ ذَهَبَ قَدْرُ قِيمَتِهِ يَلْزَمُ الرِّبَا إلَّا إذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِذَهَابِ حَقِّهِ قَدْرَ وَزْنِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ
يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ رَدِيئًا وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً فَعِنْدَ الْهَلَاكِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ جَيِّدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ وَزْنِهِ يَتَضَرَّرُ الرَّاهِنُ وَإِنْ ذَهَبَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ لَزِمَ الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذُكِرَ ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ ، وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً لِمَا بَيَّنَّا مِنْ مَذْهَبِهِمَا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ ، فَإِنْ هَلَكَ غَرِمَ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ وَثُلُثُهُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ كَالْعَيْنِ ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَ عِنْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَإِنْ انْكَسَرَ يَنْظُرُ إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَصْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ افْتِكَاكِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الْمُرْتَهِنِ قَدْرَ الدَّيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ .
ك ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ انْكَسَرَ خَيَّرَ الرَّاهِنُ إلَخْ ) ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ الثَّلَاثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ خَيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِافْتِكَاكَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّضْمِينِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ انْكَسَرَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ إلَخْ ) ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً ) يَعْنِي حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ فِي حَالَتَيْ الِانْكِسَارِ وَالْهَلَاكِ حُكْمُ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ ا هـ ك ( قَوْلُهُ وَيَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ ) إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى تَقْدِيرِ الِانْكِسَارِ لَا غَيْرُ ا هـ ( قَوْلُهُ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يُفْصَلُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ زَائِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ) وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِكُلِّ الدَّيْنِ ا هـ كَافِي .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِأَنْ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَمَّا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ ثُلُثَاهُ مَضْمُونًا وَثُلُثُهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَيْفَمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ إلَّا الْوَزْنَ ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ إلَّا الْوَزْنَ ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ كُلُّهُ مَضْمُونًا ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا ، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ مَا ضَمِنَ مِنْ الرَّهْنِ ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ أَمَانَةٌ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يَذْهَبُ بِالدَّيْنِ ثُلُثُهُ أَمَانَةً وَثُلُثَاهُ مَضْمُونًا ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْبَاقِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ جَعَلَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ وَأَخَذَ ثُلُثَهُ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ عِشْرِينَ ، فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ مَضْمُونًا وَأَمَانَةً ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قَدْرَ الدَّيْنِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ لِمَا بَيَّنَّا وَيَمْلِكُ
الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ نَقَصَ بِالِانْكِسَارِ قَدْرَ الزَّائِدِ عَلَى الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ لَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُصْرَفُ إلَيْهِ عِنْدَهُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ بِالدَّيْنِ ، وَأَخَذَ الثُّلُثَ ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ ، فَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الدَّيْنِ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ قِيمَةِ الْقَلْبِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمَا لِلْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا ، وَبِالْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ وَالْمَضْمُونُ مِنْ الرَّهْنِ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ بِحِصَّتِهِ ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ ، إنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ أَوْ الْقِيمَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ : ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ بِتَخَيُّرٍ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَلَا وَفَاءَ بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ ، وَهِيَ عَشَرَةٌ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ هَالِكًا بِمَا فِيهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ عَشَرَةً مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا مَعَ الْوَزْنِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَيَتْرُكُ جَمِيعَ الْقَلْبِ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ
ثَمَانِيَةً إنْ هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ، وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَهَا عِبْرَةٌ مَعَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمَا ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقِيمَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَلَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ الْقَلْبِ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِمَا عُرِفَ .( قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ ) أَيْ الرَّهْنُ كُلُّهُ ا هـ قَوْلُهُ خُيِّرَ الرَّاهِنُ إنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ ) أَيْ لِالْتِحَاقِ الِانْكِسَارِ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ وَصَيْرُورَتِهِ مُسْتَوْفِيًا بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ ) أَيْ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ النُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الْعَشَرَةِ الْمَضْمُونَةِ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالِانْكِسَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَبِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا إلَخْ ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الضَّرَرُ بِالرَّاهِنِ بِفَوْتِ بَقِيَّةِ وَزْنِ الرَّهْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ ) تُنْظَرُ عِبَارَةُ الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الرِّبَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ الدَّيْنِ ) أَيْ بِثَلَاثَةٍ وَثُلُثٍ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ) لَعَلَّهُ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ فِي الْوَزْنِ إلَخْ ) هَذَا الْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَتَحْرِيرٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَمِثْلُهُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ ؛ وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَكَذَا الْكَفَالَةُ ، وَالِاسْتِيثَاقُ يُلَائِمُ الْعَقْدَ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ ، وَقَبِلَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْمُلَاءَمَةُ فَصَحَّ الْعَقْدُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَلَا الْكَفِيلُ مُعَيَّنًا أَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ لِلْجَهَالَةِ ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِعَيْنِهِ فَيَفْسُدُ ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا جَازَ الْبَيْعُ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ فَامْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ أَيْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقَالَ زُفَرُ : يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ كَالْوَاهِبِ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَفَوَاتُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَسَلَامَةِ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ
الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ يَحْصُلُ بِقِيمَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ قَالَ لِلْبَائِعِ أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ ) وَقَالَ زُفَرَ لَا يَكُونُ رَهْنًا وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ وَالثَّانِي أَقَلُّهُمَا فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك عَلَيَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا إنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ ، وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَيْثُ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِكَذَا يَكُونُ بَيْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ هُوَ الْمُشْتَرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ ضَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ كَاللَّحْمِ وَالْجَمَدِ فَأَبْطَأَ الْمُشْتَرِي وَخَافَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ التَّلَفَ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَوَسِعَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَصَدَّقَ الْبَائِعُ بِالزَّائِدِ إنْ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةً .
( قَوْلُهُ قُلْنَا عَقْدُ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، وَإِنْ قَالَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ا هـ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَفْسُدُ بِالْمُكْثِ إلَخْ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبُيُوعِ رَجُلٌ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ سَمَكًا فَذَهَبَ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَأَبْطَأَ فَخَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَفْسُدَ يَسَعُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَسَعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِالْقَضِيَّةِ ، أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ رَاضِيًا بِالِانْفِسَاخِ ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْبَائِعِ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي الشِّرَاءُ ، فَإِنْ بَاعَ بِزِيَادَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا ، وَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ ا هـ قَوْلُهُ فَالنُّقْصَانُ مَوْضُوعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ لَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ كَالْبَيْعِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِيفَاءِ ، فَصَارَ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ فَلَا يَتَفَرَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ كَالْمَبِيعِ وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى مَا سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ يَثْبُتُ فِي الرَّهْنِ بِتَسْمِيَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ شَرْطًا لِحِصَّةِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِضَمِّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالتَّفْرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ .
( قَوْلُهُ حَتَّى إذَا قَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا صَحَّ ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَهَنْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ صَحَّ بِمَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْحِصَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ يَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ ، وَفِي الْبَيْعِ لَوْ قَبِلَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ التَّفْرِيقُ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْأَصَحُّ ) أَيْ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُقَابَلَةُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْوَثِيقَةُ بِالْجُمْلَةِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ بِسَبِيلٍ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْبَعْضِ عِنْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الْمَالِ لَبَطَلَ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ وَالضَّجَرُ الْحَاصِلُ بِحَبْسِ الْكُلِّ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ وَيُنْظَرُ ثَمَّةَ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ، وَإِذَا رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ كُرَّ شَعِيرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ جَعَلَهُ رَهْنًا بِهِ فَسَبِيلُ ذَلِكَ أَنْ يَقْسِمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَةِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فَمَا صَابَ كُلَّ عَبْدٍ أَوْ كُلَّ ثَوْبٍ أَوْ كُلَّ كُرٍّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ الَّتِي حِصَّتُهُ بِالْقِسْمَةِ وَمِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّهْنِ وَالضَّمَانُ مُنْقَسِمٌ وَجَبَ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْمُتَّفِقِينَ بِالْأَجْزَاءِ وَعَلَى الْمُخْتَلِفِينَ بِالْقِيمَةِ كَمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْقِيمَةِ ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةً مِنْ الدَّيْنِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ فَكَانَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ مِقْدَارَ التَّسْمِيَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ كَالْمَبِيعَيْنِ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَلَوْ رَهَنَهُ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا إحْدَاهُمَا بِعِشْرِينَ وَالْأُخْرَى بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُقَابِلَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الْأُخْرَى فَصَارَ الْمَرْهُونُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ مَجْهُولًا ، وَهِيَ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ هَلَاكِ إحْدَاهُمَا فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ سَمَّى كَانَ جَائِزًا وَأَيُّهُمَا هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمَا فِيهَا وَالْأُخْرَى رَهْنٌ بِمَا سَمَّى لَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ ) سَوَاءٌ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ وَيَكُونُ جَمِيعُ الْعَيْنِ رَهْنًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى كُلِّ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَكُونُ شَائِعًا بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ جَعَلَهُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَصَارَ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ لَا تَضَايُقَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَبْسِ ؛ وَلِهَذَا الرَّهْنُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الدَّيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِهِمَا وَبِدَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ دَيْنِهِمَا فَلَا شُيُوعَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً ، فَإِنْ تَهَايَآ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ وَجَبَ أَنْ يَحْبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ ، فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الدَّافِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةُ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلٍّ حِصَّةُ دَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَقْسِمُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَضَى دَيْنَ
أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا وَكَالْمَبِيعِ إذَا أَدَّى أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ حِصَّتَهُ أَوْ مُشْتَرٍ وَاحِدٌ أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَإِذَا رَهَنَ رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ هُوَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرَ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ ) مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَأَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَهَنَهُ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ حَبْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ كُلِّ الْعَبْدِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَبِالْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ شَطْرِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى لِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْمُسْتَتِرِ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى حِدَّةٍ وَلَمْ يَرْضَ
بِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَهَنَا جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَاحِدٌ وَهُنَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدًا آخَرَ وَالرَّهْنُ بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ الْفَرْقِ ، فَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا ، فَإِذَا أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِهِ كَدَعْوَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ عَبْدٍ مِنْ وَاحِدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَبَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْحَبْسُ لِلِاسْتِيفَاءِ ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لِلشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ ، وَحُكْمُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشَّائِعُ لَا يَقْبَلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ مِنْ ثَمَنِهِ وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَوْ ادَّعَتْ أُخْتَانِ أَوْ خَمْسُ نِسْوَةٍ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتَرَتَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَقَبِلْنَاهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ ثُبُوتُ مِلْكِ النِّكَاحِ ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ وَلَا الشَّرِكَةَ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ ثُبُوتُ
مِلْكِ الْمَالِ بِالْإِرْثِ ، وَهُوَ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالِانْقِسَامَ وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ تُذْكَرْ الْيَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ رَهَنَ عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ صَحَّ ) هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَبْعَاضِ ، فَإِنْ نَصَّ الرَّاهِنُ عَلَى الْأَبْعَاضِ وَقَالَ رَهَنْتُ مِنْكُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَذَكَرَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ا هـ قَوْلُهُ فَإِنْ تَهَايَآ إلَخْ ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ فَإِذَا تَهَايَآ فَأَمْسَكَ هَذَا يَوْمًا وَالْآخَرُ يَوْمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَمْسِكُ كَالْعِدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ إذَا هَلَكَ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ ) قَالَ فِي الشَّامِلِ وَلَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ لَمَا عُرِفَ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ بِتَمَامِهِ فَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَا قَضَى دَيْنَهُ يَسْتَرِدُّ مَا أَعْطَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ، وَإِذَا رَهَنَ رَجُلَانِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْجَامِعِ ( قَوْلُهُ فَالْبَيِّنَتَانِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِنَّ الْبَيِّنَتَانِ ا هـ .
{ بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ صَحَّ ) وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَبَعْدَ مَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَمَانَةً وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَا قَصَدَاهُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آمِرُهُ فَصَارَتْ يَدُهُ كَيَدِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ فِي حُكْمِ يَدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّاعِيَ يَدُهُ جُعِلَتْ كَيَدِ الْفَقِيرِ وَيَدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ أَجْزَأَتْهُ ، وَلَوْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَانْتَقَصَ الْمَالُ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النَّاقِصِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِمَا فِي يَدِ السَّاعِي كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَهُ ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ لَمْ يَتِمَّ بِهِ النِّصَابُ وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ يَدُهُ كَيَدِ الْفَقِيرِ لَمَلَكِ اسْتِرْدَادَهُ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدْلِ وَالرَّاهِنِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى وَضْعِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَيْثُ يَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي تَغْيِيرَ مُوجِبِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ تَكُونَ يَدُ
الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ يَدَ نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي بِوَجْهٍ مَا وَمَتَى قَبَضَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ يَدُهُ يَدَ نَفْسِهِ وَلَا تَكُونُ يَدَ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مَا بَلْ هِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَإِذَا كَانَ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْهُمَا تَغْيِيرُ حُكْمِ الْبَيْعِ اُعْتُبِرَ نَائِبًا عَنْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بَلْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ هِيَ الْمَضْمُونَةُ ، وَهِيَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَأَمْكَنَ أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مَقَامَهُمَا لِاخْتِلَافِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَعَدَمِ تَغْيِيرِ مُوجِبِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ يَدِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ تَعَلَّقَ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ .بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ } لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الرَّهْنِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ حُكْمَهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْعَدْلِ ، وَهُوَ الَّذِي يَثِقُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَالنَّائِبُ يَقْفُو الْمَنُوبَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ إلَخْ ) مَا أَحْسَنَ قَوْلَهُ فِي الْكَافِي ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ لَا عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلِهَذَا لَوْ لَحِقَهُ ضَمَانٌ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَالرَّهْنُ لَا يَتِمُّ بِقَبْضِ الرَّاهِنِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَكَذَا بِقَبْضِ الْعَدْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَبْلُ يَرْجِعُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَضْمُونَةُ ، وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي فِيهِ إمَّا بِإِتْلَافِهِ أَوْ بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَتْلَفَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لَا يَقْدِرُ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَاجِبَةٌ فَلَوْ جَعَلَهَا رَهْنًا فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلَكِنْ يَأْخُذَانِهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَانِهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ الْعَدْلِ الْأَوَّلِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ ، فَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ فَالْقِيمَةُ سَالِمَةٌ لِلْعَدْلِ يَأْخُذُهَا مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ إنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ عِنْدَهُ لِوُصُولِ الْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَوُصُولُ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَفْعِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ ، وَلَوْ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ لَاجْتَمَعَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ ضَمِنَ الرَّهْنَ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّاهِنُ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ مِنْ الْعَدْلِ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذَهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَا قَامَ مَقَامَهَا ، وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ هَلْ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى
الْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَعَارَ أَوْ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا الْمُودَعُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَكَذَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بِحَقِّهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ خُذْهُ بِحَقِّك أَوْ احْبِسْهُ بِدَيْنِك ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي : وَقَبْضُ الْعَدْلِ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فِي حُكْمِ صِحَّتِهِ وَضَمَانِهِ بِالدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَمْ يَبْطُلْ الدَّيْنُ وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّهْنَ هَلْ يَنْعَقِدُ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِقَبْضِ الْعَدْلِ عِنْدَنَا يَنْعَقِدُ ، وَعِنْدَهُ لَا يَنْعَقِدُ هُوَ يَقُولُ وُجُودُ الرَّهْنِ بِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ لَا عَنْ الْمُرْتَهِنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَأَتْلَفَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ) أَوْ أُتْلِفَ فِي يَدِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ يَصِيرُ قَاضِيًا ) أَيْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِلتَّنَافِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ ) أَيْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْعَدْلِ بِالضَّمَانِ مِنْهُ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ رَهْنًا ا هـ فَرْعٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَجُلَيْنِ وَالرَّهْنُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَوَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَانَ جَائِزًا وَلَا ضَمَانَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِالْحِفْظِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُمَا لَا يَأْتِي فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا بِالتَّهَايُؤِ زَمَانًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمَا اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فَكَانَ الْحِفْظُ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا عَادَةً هَذَا وَقَدْ أَتَيَا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ فَاقْتَسَمَاهُ كَانَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْحِفْظَ إلَيْهِمَا اقْتَضَى هَذَا انْقِسَامَ الْحِفْظِ عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ
قَالَ احْفَظَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا طَائِفَةً مِنْ الْعَيْنِ فَإِنْ وَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ الَّذِي وَضَعَ حِصَّتَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُمَا هَلْ يَمْلِكَانِ التَّهَايُؤَ فِي الْحِفْظِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَمْلِكَانِ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكَانِ ، وَالدَّلَائِلُ ذُكِرَتْ ثَمَّةَ وَلَكِنْ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا دَفَعَ لَا بِمَا أَخَذَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُودَعُ الْمُودَعِ فِيمَا أَخَذَ وَمُودَعُ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ سَلَامَتِهَا لِلْعَدْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا جَمْعَ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ إلَى الْعَدْلِ وَبِهَذَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَمَّا قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ لَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْعَدْلِ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ ، وَهُوَ الرَّهْنُ ، وَأَمَّا هُنَا فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا ) أَيْ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ هَلَكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ وَكَّلَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَالِكٌ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَهْلِ بِبَيْعِ مَالِهِ مُعَلَّقًا أَوْ مُنَجَّزًا ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ حَقُّ الْمَالِكِ وَبِالتَّسْلِيطِ عَلَى بَيْعِهِ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطَاتُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشُّرُوطِ ، وَلَوْ أَمَرَ بِبَيْعِهِ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَبَاعَهُ بَعْدَ مَا بَلَغَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَصِحُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الِامْتِثَالِ ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ أَمْرَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَقْتَ الْأَمْرِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا شُرِطَتْ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَتَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْعَزْلِ إبْطَالُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ ، وَلَوْ بَطَلَ إنَّمَا كَانَ يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ حَيْثُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَهَذِهِ الْوَكَالَةُ تُخَالِفُ الْمُفْرَدَةَ مِنْ وُجُوهٍ : مِنْهَا فِيمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ
هُنَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا يَبِيعُ الْوَلَدَ وَالْأَرْشَ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِخِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدُفِعَ الْقَاتِلُ بِالْجِنَايَةِ كَانَ لِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِخِلَافِ الْمُفْرَدَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فَكَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَكَالَةِ ، وَهُوَ إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ لَا يَنْعَزِلُ فَبِعَزْلِ غَيْرِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَنْعَزِلَ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ ) أَيْ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا شُرِطَتْ إلَخْ ) سَيَأْتِي أَنَّ الْوَكَالَةَ غَيْرَ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ صَارَتْ وَصْفًا ) وَالْحُقُوقُ الْحَبْسُ وَالِاسْتِيفَاءُ وَالْوَكَالَةُ ، وَالْأَوْصَافُ اللُّزُومُ وَجَبْرُ الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا أَبَى وَالْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَحَقُّ بَيْعِ الْوَلَدِ وَحَقُّ صَرْفِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَتَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ ) أَيْ ، وَهُوَ الرَّهْنُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ لَا يُفَارِقُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَالرَّهْنُ لَازِمٌ فَكَذَا مَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُدَّعِي ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَكَذَا بِوَصْفِهِ ) ، وَهُوَ الْإِطْلَاقُ حَيْثُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالنَّقْدِ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّسِيئَةِ ( قَوْلُهُ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ ) ، وَهُوَ الرَّاهِنُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْكَافِي ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مَتَى صَارَ لَازِمًا تَبَعًا لِلرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا بِمَوْتِهِمَا كَمَا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْوَكَالَةُ تُخَالِفُ الْمُفْرَدَةَ ) ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى جِنْسِ الدَّيْنِ ) وَالْوَكِيلُ الْمُفْرَدُ إذَا بَاعَ لَا يَصْرِفُهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْلِكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ ، وَجَعْلُ الثَّمَنِ مِنْ
جِنْسِ الدَّيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ الْمُفْرَدِ فَإِنَّهُ كَمَا بَاعَ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ كَانَ لِهَذَا الْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ ) وَكَذَا إذَا قُتِلَ الرَّهْنُ فَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الرَّهْنُ مَا دُفِعَ عَنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ فَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ بِغَيْبَةِ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ ) كَمَا كَانَ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ ) حَتَّى لَا يَقُومَ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ هُنَا فَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا لِمَا أَنَّهُ لَازِمٌ بَعْدَ مَا صَارَ عُرُوضًا قُلْنَا الْوَكَالَةُ حَقٌّ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي حَقٍّ لَهُ لَا فِي حَقٍّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهَا بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْمُضَارِبِ فَيُورَثُ عَنْهُ فَيَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَهُ وِلَايَةُ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ وَصِيُّهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالْأَبِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالْوَكِيلُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّوْكِيلِ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِبَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ فِي الْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِوَصْفِهِ .
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ حَضْرَةُ وَرَثَتِهِ وَرِضَاهُمْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ ) وَلَكِنَّ الرَّهْنَ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْبَيْعِ أَمْرٌ زَائِدٌ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ بِبُطْلَانِهِ الرَّهْنُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا لَهُ فِي الْوَكَالَةِ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَأَجَزْتُ لَكَ مَا صَنَعْتَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ بَيْعُهُ ، وَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى ثَالِثٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ بِمَعْنَاهُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَبِيعُهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ فِيهِ أَمَّا الرَّاهِنُ فَمِلْكُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ ؛ فَلِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَالِيَّتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَا يَقْدِرُ الرَّاهِنُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِالْبَيْعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ الرَّاهِنُ أُجْبِرَ الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَطْلُوبِ إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالشَّرْطِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ فَلَزِمَتْ كَلُزُومِهِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ ، وَفِي الِامْتِنَاعِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا غَابَ مُوَكِّلُهُ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ فِيهِمَا إبْطَالَ حَقِّهِمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ، أَمَّا الْمُدَّعِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ وَكَيْفِيَّةُ الْإِجْبَارِ أَنْ يَحْبِسَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا لِيَبِيعَ فَإِنْ لَحَّ بَعْدَ الْحَبْسِ أَيَّامًا فَالْقَاضِي يَبِيعُهُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ جِهَةٌ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ هُنَا ؛ وَلِأَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ، وَقِيلَ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي عِنْدَهُ كَمَا لَا يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، ثُمَّ إذَا أَجْبَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ ، وَبَاعَ لَا يَفْسُدُ هَذَا الْبَيْعُ بِهَذَا الْإِجْبَارِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْبَارَ وَقَعَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ شَاءَ حَتَّى لَوْ قَضَاهُ بِغَيْرِهِ صَحَّ وَإِنَّمَا الْبَيْعُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ إجْبَارٌ بِحَقٍّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَفْسُدُ
اخْتِيَارُهُ بِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَإِنَّمَا شَرَطَاهَا بَعْدَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَمْ يَصِرْ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ الرَّهْنِ ، فَكَانَتْ مُفْرَدَةً كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ ، وَقِيلَ يُجْبَرُ كَيْ لَا يَتْوَى حَقُّهُ ، وَهَذَا أَصَحُّ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ نَصًّا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ الْإِجْبَارُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فِيهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ بَاعَ الْعَدْلُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَالثَّمَنُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ بَعْدُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا بِجِهَةِ الرَّهْنِ ، وَإِذَا تَوَى كَانَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ ، وَإِنْ كَانَ بَدَلَ الدَّمِ فَأَخَذَ حُكْمَ ضَمَانِ الْمَالِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ فَبَقِيَ عَقْدُ الرَّهْنِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ فَدُفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ لَحْمًا وَدَمًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ .
( قَوْلُهُ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ ) وَكَذَلِكَ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ فَوَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا بِخُصُومَتِهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَغَابَ الْمُوَكِّلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يُخَاصِمَهُ ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَ الْخَصْمِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ وَكِيلَهُ يُخَاصِمُهُ ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَيُلْحِقَ الضَّرَرَ بِالْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ ) أَيْ لَا يُجْبَرُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوَكِّلُ ا هـ كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي : وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى بَيْعِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَحَسْبُ ، وَإِنْ كَانَ رَهَنَ عَلَى أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِهِ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهُ فَرَفَعَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي جَبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى خِلَافِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوُكَلَاءِ بِالْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ لَوْ امْتَنَعَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُعِينٌ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذِهِ الْإِعَانَةِ حَقٌّ أَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ مُعِينٌ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ إيفَاءً لِحَقِّ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَصَارَ نَظِيرَ الْكَفَالَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ ) أَيْ لَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ عَنْ بَيْعِهِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ بَاعَهُ الْعَدْلُ وَأَوْفَى مُرْتَهِنُهُ ثَمَنَهُ فَاسْتُحِقَّ الرَّهْنُ وَضَمِنَ فَالْعَدْلُ يُضَمِّنُ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ أَوْ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ ) وَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الْمَرْهُونَ الْمَبِيعَ إذَا اُسْتُحِقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَالِكًا أَوْ قَائِمًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الرَّاهِنَ ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْعَدْلَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مِثْلَهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا بِذَلِكَ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْعَدْلَ ، وَهُوَ الْبَائِعُ نَفَذَ الْبَيْعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِالْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ وَنَفَذَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَضَمِنَهُ مَلَكَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ مِلْكِهِ فَصَحَّ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الْعَبْدَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَاسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِيهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الرَّاهِنِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضَمِنَ وَنَفَذَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَصَارَ الثَّمَنُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ قَائِمًا
فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَدْلِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ حَيْثُ وَجَبَ بِالْبَيْعِ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ ، وَإِذَا رَجَعَ عَلَيْهِ صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ وَسَلِمَ لَهُ الْمَقْبُوضُ وَبَرِيءَ الرَّاهِنُ عَنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ الْعَدْلُ رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ انْتَقَضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبَطَلَ الثَّمَنُ وَقَدْ قَبَضَهُ ثَمَنًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَنَقَضَ قَبْضُهُ ضَرُورَةً فَإِذَا دَفَعَهُ إلَى الْعَدْلِ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ ، وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فِي الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذَا التَّوْكِيلِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الرَّهْنِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا
يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ لَا يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ عَلَى الْبَيْعِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بِدُونِ التَّوْكِيلِ قَدْ تَمَّ فَكَانَ التَّوْكِيلُ مُسْتَأْنَفًا لَا فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَكَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ ضَرُورَةً إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَيْخَ الْإِسْلَامِ قَالَا : قَوْلُ مَنْ يَرَى جَبْرَ هَذَا الْوَكِيلِ أَصَحُّ لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَتَكُونُ الْوَكَالَةُ غَيْرَ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِيهِ فِي حَقِّ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَاكَ .( قَوْلُهُ وَصَحَّ الِاقْتِضَاءُ ) أَيْ اقْتِضَاءُ الْمُرْتَهِنِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ اسْتِيفَاءُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ بِدَيْنِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ) ، وَإِذَا رَجَعَ بَطَلَ الِاقْتِضَاءُ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهَا : الْمُرَادُ بِالْقِيمَةِ الثَّمَنُ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْقِيمَةِ مَا نَصَّهُ بِالثَّمَنِ ا هـ كَافِي .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ، وَإِنْ مَاتَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَاسْتُحِقَّ وَضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ مَاتَ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ الرَّاهِنُ بِالْأَخْذِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْقَبْضِ وَالتَّسَلُّمِ فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ اقْتِضَاؤُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ ، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ بِرُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا كَانَ إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً قُلْنَا هَذَا طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَالْغُرُورُ حَصَلَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَيَمْلِكُ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ سَابِقًا عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَلْ مِلْكَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ الرَّهْنَ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَوَّلًا يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ
بِالشِّرَاءِ كَأَنَّ الْمُرْتَهِنُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الرَّاهِنِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَاصِبٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ فَإِذَا ضَمِنَ تَمَلَّكَ الْمَضْمُونَ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُرْتَهِنُ مُتَعَدٍّ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَ غَاصِبًا فَيَسْتَنِدُ مِلْكُهُ إلَيْهِ ثُمَّ الرَّاهِنُ يَتَلَقَّاهُ مِنْهُ فَيَكُونُ مِلْكُهُ بَعْدَهُ وَعَقْدُ الرَّهْنِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، وَهِيَ مَا إذَا ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ يُضَمِّنُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الرَّهْنِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا بِهَلَاكِهِ .
( قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ ) فَإِنَّهُ رَهَنَهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْمُودَعُ عَلَى الْمُودِعِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ قُلْنَا هَذَا طَعْنُ أَبِي خَازِمٍ الْقَاضِي ) أَيْ هَذَا السُّؤَالُ طَعَنَ بِهِ أَبُو خَازِمٍ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ، وَهُوَ أَبُو خَازِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا عَالِمًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ وَالْقِسْمَةِ حَسَنَ الْعِلْمِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَحِسَابِ الدُّورِ وَغَامِضِ الْوَصَايَا وَالْمُنَاسَخَاتِ قُدْوَةً فِي الْعِلْمِ ، وَكَانَ أَحْذَقَ النَّاسِ بِعَمَلِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَحَدٌ رَآهُ أَنَّهُ رَأَى أَعْقَلَ مِنْهُ وَقَدْ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَحْيَى وَهُوَ هِلَالُ الرَّأْيِ الْبَصْرِيِّ وَهِلَالٌ أَخَذَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو خَازِمٍ أُسْتَاذَ أَبِي طَالِبٍ الدَّبَّاسِ وَأَقْرَانِهِ وَكَانَ أَبُو حَازِمٍ وَلِيَ الْقَضَاءِ بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْكَرْخِ مِنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ ثُمَّ اسْتَقْضَاهُ الْخَلِيفَةُ الْمُعْتَضِدُ بِاَللَّهِ عَلَى الشَّرْقِيَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ أَبُو خَازِمٍ فِي جُمَادَى الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعَةٍ وَمِائَتَيْنِ ا هـ غَايَةٌ .
( بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُوقَفُ بَيْعُ الرَّاهِنِ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْبَيْعُ إبْطَالُ حَقِّهِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ لِرِضَاهُ أَوْ بِقَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَكَوْنُهُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ التَّوَقُّفَ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَمَنْ بَاعَ مَالَهُ لِوَارِثِهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِعْتَاقِ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ وَلَا الْفَسْخَ فَكَذَا التَّوَقُّفُ ، فَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا عِنْدَ الْإِجَازَةُ كَانَ رَهْنًا وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ نَفَذَ الْبَيْعُ وَمَلَكَ الرَّاهِنُ الثَّمَنَ وَأَنَّهُ مَالٌ آخَرُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ ، فَلَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا آجَرَهُ الرَّاهِنُ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ لَا تَصِيرُ الْأُجْرَةُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّمَنَ قَائِمٌ مَقَامَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ ، وَهُوَ بَدَلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ وَمَحَلٌّ لِحَقِّهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَوَجَبَ انْتِقَالُ حَقِّهِ إلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْمَدِينِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لِعَدَمِ رِضَاهُمْ بِذَلِكَ ظَاهِرًا وَالرِّضَا بِالْبَيْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى
الرِّضَا بِسُقُوطِ الْحَقِّ رَأْسًا فَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَى حَالِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ ، وَهِيَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَيْهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَالِكُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ حَيْثُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ إلَى الْمَنْفَعَةِ فَافْتَرَقَا ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى إذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ ، وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ هَاهُنَا إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ يُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ مُرْتَهِنِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ جَعِلَ الْإِجَازَةَ إلَيْهِ دُونَ الْفَسْخِ وَجَعَلَهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَسْخَهُ لَا يَنْفُذُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ وَالتَّوَقُّفُ لَا يَضُرُّهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الِانْعِقَادِ مِنْ غَيْرِ نُفُوذٍ فَبَقِيَ مُتَوَقِّفًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ لَهُ لَا إلَى الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ ، وَهُوَ الرَّاهِنُ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ، وَالْإِجَارَةُ مِثْلُ الرَّهْنِ حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُؤَجَّرِ ، وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ
فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي ، فَأَيَّهُمَا أَجَازَ لَزِمَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْآخَرُ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الْهِبَةَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذِهِ الْعُقُودِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْبَيْعَيْنِ أَنْفَعَ مِنْ الْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ الْفَائِدَةِ بِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعَاقُبِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا بَدَلَ لَهُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ فَأَجَازَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ نَفَذَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ إذْ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى الْبَدَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَنَفَذَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ
( بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ) لَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ ثُبُوتِ الرَّهْنِ ، وَكَذَلِكَ الْجِنَايَةُ عَلَى الرَّهْنِ وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِهِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ مَسَائِلِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَرْتِيبٍ يَجِبُ طَبْعًا يَجِبُ وَضْعًا لِلْمُنَاسَبَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ) وَالْمُقْتَضِي مَوْجُودٌ ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْمَحَلِّ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ ) هُوَ الصَّحِيحُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ عَنْ رِوَايَةِ الْقَاضِي إلَخْ ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ) وَحَاصِلُ الْكَلَامِ هُنَا أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْحَقِّ تَصَرُّفَهُ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ يُنْظَرُ ، فَإِنْ كَانَ مَا وَجَبَ مِنْ الْبَدَلِ بَدَلًا عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِالْبَدَلِ ، وَإِنْ كَانَ مَا وَجَبَ مِنْ الْبَدَلِ بَدَلًا عَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِالْبَدَلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي ) أَيْ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمُؤَجَّرِ ) بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي آخِرِ بَابِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ مِنْ فَتَاوَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَيُّهُمَا أَجَازَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَيَّهُمَا أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ نَفَذَ ذَلِكَ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ اَ هـ ( قَوْلُهُ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ : شَرْطٌ فِي فَصْلِ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ تَسْلِيمُهُ الْعَيْنَ إلَى
الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ لَا عِبْرَةَ بِهِمَا بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ مَعَ الْإِجَارَةِ فِي فَصْلِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مُعْتَبَرٌ بِدُونِ الْقَبْضِ مُفِيدٌ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتَهَا ) بِالنَّصْبِ أَيْ تَبْقَى الْإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ا هـ غَايَةٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَفَذَ عِتْقُهُ ) أَيْ نَفَذَ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلٍ لَهُ لَا يَنْفُذُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ مَرْدُودًا كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْعِتْقِ حَتَّى يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ دُونَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْقَى مُدَّتَهَا إذْ الْحُرُّ يَقْبَلُهَا وَلَا يَقْبَلُ الرَّهْنَ ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي التَّضْمِينِ ، وَلَنَا أَنَّ الْعِتْقَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ، وَهُوَ مِلْكُهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ وَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ ، ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فِي الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْيَدِ لِلْمُرْتَهِنِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَعْلَى فَالْأَدْنَى أَوْلَى أَنْ لَا يَمْتَنِعَ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِتْقِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ لِتَعَدِّيهِ حُكْمَ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ دُونَ تَغَيُّرِهِ وَحُكْمُ الْأَصْلِ هُنَا وَقْفُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ قَبْلَ تَمَامِهِ ، وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ ، وَهُوَ فِي الْفَرْعِ يُبْطِلُ أَصْلًا مَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْفَسْخَ وَالرَّدَّ ، فَفَسَدَ الْقِيَاسُ وَلَا يَلْزَمُنَا إعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ مَعَ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ