كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
ذُبَابٍ نَادِرٌ وَإِنَّمَا الْجَمْعُ عَلَى فُعْلٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ نَحْوَ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى حُمْرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ ) دَخَلَ فِي هَذَا الْقُنُوتُ وَالْعِيدُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ يُمْنَاهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُعُودَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ نُمَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ { رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا فِي الصَّلَاةِ وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا إصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ وَقَدْ حَنَاهَا شَيْئًا وَهُوَ يَدْعُو } وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ { وَضَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى } وَذَكَرَ فِيهِ التَّحْلِيقَ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُشِيرُ وَنَحْنُ نَصْنَعُ بِصُنْعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا إشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ حَسَنٌ ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهِيَ تَتَوَرَّكُ ) أَيْ الْمَرْأَةُ تَتَوَرَّكُ ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَرَأَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى وَهُوَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ } إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنْ قَالَا : " السَّلَامُ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَزِيَادَةُ أَشْهَدُ فِي { قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ وَزِيَادَةِ أَشْهَدُ فِي قَوْلِهِ { وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ قَالَ { وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ } وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ { وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ } وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ كَمَا تَرَاهُ وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ مَعَ ضَعْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَشَرَطَ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهِيَ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ أَخَذَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ { أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى نَقْلِ تَشَهُّدِهِ وَصِحَّتِهِ حَتَّى قَالَ
التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ مَا يُرْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نَتَعَلَّمُ التَّشَهُّدَ كَمَا نَتَعَلَّمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَنَتَ فِي الصُّبْحِ وَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي صَحَّ النَّقْلُ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ مُتَّبِعٌ هَوًى مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ مَجَازًا فَعُذْرُهُ عُذْرُ الْمُقَلِّدِ وَرَجَّحُوا مَذْهَبَهُمْ بِتَعْلِيمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدَثٌ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَعْلِيمِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْفِقْهِ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْعَبَادِلَةُ صِغَارُ الصَّحَابَةِ وَأَحْدَاثُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ سِنِّهِ تَقَدُّمُ تَعْلِيمِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ بَعْدَ الصِّغَارِ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّرْجِيحُ بِصِغَرِ السِّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِيهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ
أَكْبَرُ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ لِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ : الْأَوَّلُ - أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالثَّانِي - أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّالِثُ - تَعْلِيمُ الصِّدِّيقِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالرَّابِعُ - حَدِيثُهُ لَيْسَ فِيهِ اضْطِرَابٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْخَامِسُ - أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالنَّقْلِ عَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ وَالسَّادِسُ - فِيهِ وَاوُ الْعَطْفِ فِي مَقَامَيْنِ فَيَكُونُ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِفَائِدَتِهِ لِكَوْنِهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ كَمَا فِي الْقَسَمِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ كَانَتْ أَيْمَانًا ثَلَاثًا حَتَّى إذَا حَنِثَ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَلَوْ كَانَتْ بِلَا وَاوٍ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَالسَّابِعُ - أَنَّ السَّلَامَ مُعَرَّفٌ فِي مَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ وَمُنَكَّرٌ فِي الْآخَرِ وَالثَّامِنُ - أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّاسِعُ - { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِكَفِّ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَعَلَّمَهُ } فَفِيهِ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ فِي أَمْرِ التَّشَهُّدِ وَاسْتِثْبَاتٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَالْعَاشِرُ - تَشْدِيدُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْوَاوَ وَالْأَلِفَ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ كُنَّا
نَحْفَظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّشَهُّدَ كَمَا نَحْفَظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ : وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى إلَى آخِرِهِ ) وَفِي مُسْلِمٍ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى } وَلَا شَكَّ بِأَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً أَيْ فَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَضَعَ الْكَفَّ ، ثُمَّ قَبَضَ الْأَصَابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْمَشْيَخَةِ فِي حَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْ يُشِيرُ ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَيْفَ يُشِيرُ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ وَيُشِيرُ بِهَا هَكَذَا رَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَكَذَا يُشِيرُ وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِشَارَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَعْقِدُ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ وَلَا يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْأَصَابِعِ لِلْحِسَابِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى ، كَذَا فِي
مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدَيْنِ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَحَدٌ أَحَدٌ } ا هـ وَفِي الْمُجْتَبَى لَمَّا كَثُرَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا فِي كَوْنِ الْإِشَارَةِ سُنَّةً ، وَكَذَا عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ كَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ التَّحِيَّاتُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَجَمِيعُ الْجَمِيعِ لِلَّهِ قَالَ الْفَرَّاءُ التَّحِيَّةُ الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ يُقَالُ حَيَّاك اللَّهُ أَيْ أَبْقَاك حَيًّا دَائِمًا وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى نُقِلَ هَذَا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَذَلِكَ مِثْلُ التَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ ، وَقَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ : الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك تَسْلِيمًا وَسَلَامًا ، ثُمَّ رُفِعَ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ بِالِابْتِدَاءِ وَفِي الْمَنَافِعِ يَعْنِي ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ كُلُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا قَالَ وَفَاوَضْت فِيهِ كِبَارًا
فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي الْمَنَافِعِ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ } وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلَوَيْنِ وَالطَّيِّبَاتُ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ا هـ غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ : وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْبَدْرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ عُبُودِيَّتَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إظْهَارًا بِأَنَّا لَا نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالنَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ) أَيْ حَيْثُ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ } أَحْيَانًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ) فِي قَوْلِهِ لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ } أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فَسَّرَهُ كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالُوا : إنَّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ ) أَيْ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فَفِيهِ زِيَادَةُ اسْتِحْبَابٍ وَحَثٌّ وَتَأْكِيدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ ) لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا } وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَقَرَأَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَشْمَلُ الْمَغْرِبَ إذْ لَا أَخِيرَتَيْنِ لَهَا .
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يَنْوِي بِالْفَاتِحَةِ الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ لَا الْقِرَاءَةَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْوِي الدُّعَاءَ وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَتْ اقْرَأْ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ) أَيْ فَضِيلَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى السُّكُوتِ لَا وُجُوبُهَا ا هـ قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى تَصْحِيحَ الشَّارِحِ قُلْت الصَّحِيحُ هُوَ الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا إلَى آخِرِهِ ) وَقَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا فِي الْأَرْبَعِ وَذَلِكَ فِيمَنْ سَبَقَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا الْمَسْبُوقُ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَالْمَسْبُوقُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَرَأَ فِيهِمَا أُلْحِقَتْ قِرَاءَتُهُ هَذِهِ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا سَبَقَ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ ا هـ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ ) يَعْنِي فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى كَالْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَتَعَقَّبُهُ التَّسْلِيمُ يَتَوَرَّكُ فِيهِ ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَتَوَرَّكُ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ ثَانٍ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى عَنْ الْإِقْعَاءِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الصَّلَاةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ : فَإِذَا جَلَسْت فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى } رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ { صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَأَحْفَظَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَقَعَدَ عَلَيْهَا وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ حَلْقَةَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو بِالْأُخْرَى } وَيُرْوَى بِالْمُسَبِّحَةِ وَيُرْوَى بِالسَّبَّابَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ وَائِلٍ ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ يَدْعُو دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ فَرْضٌ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَالسَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا : التَّحِيَّاتُ } إلَى آخِرِهِ أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت
هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك } عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقُعُودِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ التَّقْدِيرُ لُغَةً أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَنَا وَعَلَى تَجِيءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا تَجِيءُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أَيْ فَعَلَيْهَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا التَّشَهُّدِ فَكَانَ مَتْرُوكًا عِنْدَهُ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَعَلَّهُ قَالَهُ اجْتِهَادًا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرْضٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ السُّنَنِ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَدِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَوْقِيرًا لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ .
قَوْلُهُ : كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إبْرَاهِيمَ قِيلَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ إذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَتِهِ وَكَشَفَ لَهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ أَبْقَى الدَّعْوَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْمَزِيَّةَ الْقَوْلُ الثَّانِي : إنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا الْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَهُوَ كَمَا اخْتَارُوا فِي قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } أَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الصِّيَامِ لَا عَيْنُهُ وَلَا وَقْتُهُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ : سُؤَالُ التَّسْوِيَةِ مَعَ إبْرَاهِيمَ فِيهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا الرَّابِعُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ قَوْلُهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَقْطُوعًا عَنْ التَّشْبِيهِ وَقَوْلُهُ : وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ الْخَامِسُ : أَنَّ الْمُشَبَّهَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ وَمُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ آلُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَإِذَا تَقَابَلَتْ الْجُمْلَةُ بِالْجُمْلَةِ وَتَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِآلِ الرَّسُولِ مَا لِآلِ إبْرَاهِيمَ الَّذِينَ هُمْ أَنْبِيَاءٌ فَمَا تَوَفَّرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ حَاصِلًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ لَكِنْ زَادَ فِي الْغَايَةِ خَمْسَةَ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى فَلْتُرَاجَعْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ا هـ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ لِمَ خُصَّ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِذِكْرِنَا فِي الصَّلَاةِ ؟ فَقِيلَ : لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أُمَّتِهِ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ فَأُمِرْنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُجَازَاةً عَلَى إحْسَانِهِ وَالثَّانِي - أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَلَسَ مَعَ أَهْلِهِ فَبَكَى إبْرَاهِيمُ وَدَعَا وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شُيُوخِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ كُهُولِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ : آمِينَ ، ثُمَّ دَعَا إسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شَبَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا : آمِينَ ، ثُمَّ دَعَتْ سَارَةُ فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ نِسْوَانِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا : آمِينَ ، ثُمَّ دَعَتْ هَاجَرُ فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْمَوَالِي وَالْمُوَالَيَاتِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا : آمِينَ فَلَمَّا سَبَقَ مِنْهُمْ السَّلَامُ أُمِرْنَا بِذِكْرِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ ا هـ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي آخِرِهَا ا هـ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ { سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَّلَ هَذَا ، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ
إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَمَا شَاءَ } قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ ) أَيْ الْمُصَلِّي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ ) وَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَالُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ ا هـ كَاكِيٌّ ، وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الصَّحَابِيَّ لَا يُقَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ يُقَالُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ ذَخِيرَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ) وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْأَثَرَ ا هـ كَاكِيٌّ وَهَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَقَالَ مَعْنَى وَارْحَمْ مُحَمَّدًا رَاجِعٌ إلَى أُمَّتِهِ إمَّا بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِعْطَافِ بِوَاسِطَةٍ كَشَخْصٍ جَنَى وَأَبُوهُ شَيْخٌ يُقَالُ لِلْمُعَاقِبِ ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالرَّحْمَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الِابْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَذَا هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ نَبِيٍّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَلَى إثْرِ ذِكْرِهِ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ) أَيْ دَعَا لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَدَعَا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا فَرَغْت فَانْصَبْ } أَيْ فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ قَارَبْت الْفَرَاغَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ } أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا كَلَامَ النَّاسِ ) أَيْ لَا يَدْعُو بِكَلَامِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا جَازَ خَارِجَهَا مِنْ الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي دَرَاهِمَ وَجَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَخَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا ؛ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعَلَى قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ } وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَدْعُو فِي صَلَاتِي حَتَّى بِشَعِيرِ حِمَارِي وَمِلْحِ بَيْتِي وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِيهَا ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مُحَرَّمٌ وَمَا ذَكَرَهُ مُبِيحٌ وَالْمُحَرَّمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا قَوْلٌ وَمَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا بَلَغَهُ
هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ تَأَوَّلَهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدُّعَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ لِآدَمِيٍّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي كَلَامِ النَّاسِ الْمُخَاطَبَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ قَرَأْت الْفَاتِحَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خِطَابًا لِآدَمِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يُخَاطِبُهُ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ وَقِيلَ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَعْنَاهُ لَا يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلِعَمِّي وَخَالِي ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَفُوَمًا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالسُّنَّةَ ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِمَا ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا ) أَيْ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ ا هـ ( فَرْعٌ ) الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزِّيَادَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُؤَخَّرٌ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ قَعْدَةٌ أُولَى فِي حَقِّهِ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْعُو بِدَعَوَاتِ الْقُرْآنِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَدْعُو بِذَلِكَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْكُتُ وَعَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَقَالَا لَا مَعْنَى لِلسُّكُوتِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا اسْتِمَاعٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَرِّرَ التَّشَهُّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا الْقِيَامُ فَإِنَّ الْمُقْتَدِيَ يَسْكُتُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمَاعٍ وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخَزَاخَزِيُّ ؛ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا فِي التَّشَهُّدِ تَأْخِيرَ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَا يُعَجِّلُ بِالْقِيَامِ وَيَنْظُرُ هَلْ يَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بِقَضَاءِ مَا نَسِيَهُ فَإِذَا تَيَقَّنَ فَرَاغُهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَفِيهِ حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لِزُفَرَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا هُذَيْلٍ مَتَى يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً فَقَالَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ أَخْطَأْت ، ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ
إنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ تَيَقُّنِهِ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ زُفَرُ أَحْسَنْت أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ قَالَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ يَمْكُثُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى تَطَوُّعِهِ إنْ كَانَ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ وَيَسْتَنِدُ إلَى الْمِحْرَابِ إنْ كَانَ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ يُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ فَخَافَ أَنْ تُفْسِدُ الْمَارَّةُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ فَقَامَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَ ا هـ غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورِ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ يَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ كَلَامُهُمْ ) كَقَوْلِك أَعْطِنِي مَالًا وَأَطْعِمْنِي وَاقْضِ دَيْنِي وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ { قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سُجُودِهِ أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا
أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك } قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَسَقَطَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ قُلْت مَا أَجْهَلَهُ بِالْفِقْهِ وَنَقَلَهُ وَمَا أَقَلَّ وَرَعَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُوجَدَ مَا يَدْعُو بِهِ فِي الْقُرْآنِ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَهُ وَبِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي يَحْفَظُهَا الْمُبْتَدِئُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي أَمْرِي وَأَكْرِمْنِي اللَّهُمَّ أَنْعِمْ عَلَيَّ اللَّهُمَّ عَافَنِي مِنْ النَّارِ وَسَدِّدْنِي ارْفَعْنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَارْزُقْنِي الْحَجَّ إلَى بَيْتِك وَجِهَادًا فِي سَبِيلِك وَاشْغَلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَاجْعَلْنَا عَابِدِينَ شَاكِرِينَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ نَاوِيًا الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا ) وَهَذَا الْكَلَامُ شَامِلٌ لِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ : أَمَّا السَّلَامُ فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لَهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ { إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك } الْحَدِيثُ ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ } وَفِي رِوَايَةٍ { قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ } وَفِي رِوَايَةٍ { قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَالتِّرْمِذِيُّ ؛ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَمَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَقَدْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ أَيْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي التَّحْرِيمَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا } وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَإِذَا أَتَى بِهِ مُقَارِنًا
فَقَدْ أَتَى بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا ؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ صَلَاتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ الْمُؤْتَمِّينَ بِالتَّكْبِيرِ فِي زَمَانٍ يُكَبِّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ { إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا } ؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً كَالْحِينِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ فَكَبِّرُوا فِي زَمَانٍ فِيهِ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْقِرَانِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فِي زَمَانِ الْقِرَاءَةِ لَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِنَاءً إلَى آخِرِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ وَهِيَ بِالْقِرَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ أَنْ لَوْ كَانَ شُرُوعُ الْمُقْتَدِي سَابِقًا عَلَى شُرُوعِ الْإِمَامِ فَإِذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ لَا تَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعْدُومَةً وَقْتَ وُجُودِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ مُقَارِنًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ فِي الْجَوَازِ بَلْ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ احْتِمَالَ وُقُوعِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَكَانَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الِاخْتِلَافِ
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ احْتِمَالِ السَّبْقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ فِي عَدَمِ السَّبْقِ ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَتَرْكٌ لِلْعِبَادَةِ وَخُرُوجٌ مِنْهَا فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ ، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا } وَلِعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ } وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّسَاءِ وَتَأَخُّرِ النِّسَاءِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَحْسَنُ فَلَعَلَّهَا خُفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ السَّلَامَ عَنْ يَسَارِهِ وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ
عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي بِكُلِّ تَسْلِيمَةٍ مَنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَهُمْ شَرِكَةٌ فِي صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْهُمْ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ التَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَاضِرًا وَقَالُوا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَلِكَرَاهِيَتِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَاضِرُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ خِطَابًا لِلْغَائِبَيْنِ وَقِيلَ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّحْرِيمَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ ، أَمَّا فِي سَلَامِ التَّحْلِيلِ فَيَخُصُّ الْحَاضِرِينَ لِأَجْلِ الْخِطَابِ هُوَ الصَّحِيحُ ، ثُمَّ قَالَ : إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُحَاذِيهِ نَوَاهُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا أَيْ نَوَى الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِي الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِيهِمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِحِذَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْوِيهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ تَرْجِيحًا لِلْأَيْمَنِ وَلِلسَّبْقِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْإِمَامُ يَنْوِي الْقَوْمَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ ) وَقِيلَ : لَا يَنْوِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ وَقِيلَ : يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ
؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اُخْتُلِفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ قَدَّمَ الْقَوْمَ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِعَكْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُكْمٌ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا وَيُرْوَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ وَشَرَحَهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ .
( قَوْلُهُ : فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ إلَى آخِرِهِ ) رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ } ا هـ قَوْلُهُ : وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي السَّلَامِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى ا هـ ( قَوْلُهُ : لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُؤَدَّاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَلَاتِهِ وَحُضُورِهِ إيَّاهَا لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا النَّوَافِلَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَغَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ بِلَا اشْتِبَاهٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَلَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِهَا بِهِ فَكَمِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ مَعَهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ فِي أَحَادِيثِ التَّسْلِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً ضَعْفًا إذْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَرْوِي مَنَاكِيرَ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ تَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ا هـ نَقَلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ إلَى آخِرِهِ ) وَلِأَنَّ فِي أَحَادِيثِنَا
زِيَادَةً صَحِيحَةً وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ الْعَدْلِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي لِلزِّيَادَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ ) أَيْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ا هـ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي ) لِأَنَّ السَّلَامَ قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى وَلِهَذَا خَفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ ) وَالْإِشَارَةُ فَوْقَ النِّيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْحَاوِي لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ السَّلَامُ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقِيلَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهِمَا حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَهُ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا نَصُّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى كَقَوْلِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ا هـ وَمَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَاوِي نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ ، ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ ا هـ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قِيلَ
الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ ) فَفِي بَعْضِهَا مَا كَانَ وَهْمًا الْكَاتِبَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلْقِيهِ إلَى الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَآخَرُ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَلِّغُهُ إلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِيلَ سِتُّونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ ا هـ وَأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَنَا قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلِهِمْ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ ) وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآدَمِيِّ الْعَقْلَ وَالشَّهْوَةَ وَفِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الشَّهْوَةِ وَفِي الْبَهَائِمِ الشَّهْوَةَ دُونَهُ فَمَنْ سَلَّطَ مِنَّا عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِمُوجِبِ شَهْوَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَإِنْ سَلَّطَ شَهْوَتَهُ عَلَى عَقْلِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ لَا عَقْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْبَهَائِمِ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } فَكَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُتَّقِي أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَشَرْحُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَائِكَةِ
وَعَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجَهَرَ بِقِرَاءَةِ الْفَجْرِ ) أَيْ الْإِمَامُ ( وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ وَلَوْ قَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ ، وَكَذَا يَجْهَرُ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا لِلتَّوَارُثِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ ) أَيْ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ { مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ } وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجْهَرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَالْمُنْفَرِدُ أَوْلَى ، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يُخَافِتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ إنْ جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَجْهَرُ جَهْرُ الْإِمَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ يَجْهَرُ فِيهَا يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ كَمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ ؛ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
الْإِخْفَاءَ فِيهِ حَتْمًا بِخِلَافِ مَا اخْتَارُوهُ وَقَوْلُهُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ يَعْنِي بِهِ الْمُنْفَرِدَ ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا جَهَرَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ وَلَوْ كَانَ إمَامًا ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ .
( قَوْلُهُ : وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا ) وَلَوْ قَضَاءً فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ إذَا قُضِيَتْ فِي النَّهَارِ بِجَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا وَصَلَاةُ النَّهَارِ إذَا قُضِيَتْ فِي اللَّيْلِ بِجَمَاعَةٍ يُخَافِتُ فِيهَا ا هـ مُسْتَوْفَى ش بَزْدَوِيٌّ وَالثَّانِي فِي قَاضِي خَانْ إنْ أَمَّ لَيْلًا فِي صَلَاةِ النَّهَارِ يُخَافِتُ وَلَا يَجْهَرُ وَإِنْ جَهَرَ سَاهِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ ا هـ خُلَاصَةٌ فِي السَّهْوِ وَلَوْ أَمَّ فِي التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ فَخَافَتَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ ا هـ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ إلَى آخِرِهِ ) ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا فِي صَلَاةٍ تُؤَدَّى عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ يُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْخَفِيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ( قَوْلُهُ : حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ) أَيْ وَلَوْ جَهَرَ يَكُونُ مُسِيئًا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ ا هـ قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ قَالَ الْمُنْفَرِدُ يُخَافِتُ لَا مَحَالَةَ ا هـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي هَذَا الدَّفْعِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا يُنْكَرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السَّهْوِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا إلَى آخِرِهِ ) وَذَكَرَ فِي مَعْنَى
التَّكْمِيلِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِلْمَتْرُوكَاتِ مِنْ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ كَمَّلَتْ الْفَرَائِضَ مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِمَا دَخَلَهَا مِنْ النَّقْصِ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ بِتَرْكِ سُنَنِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَتَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا فَهَذَا تَكْمِيلٌ لِنَقْصِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَدَدِ الْأَصْلِيِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : الْهِنْدُوَانِيُّ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ قَلْعَةٌ بِبَلْخٍ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ ) أَيْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَهُ ا هـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ وَفِي النِّصَابِ سُئِلَ الْفَضْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ يُسْمِعُ قِرَاءَتَهُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ قَالَ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْ الْعِشَاءِ ) ( قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لَا ) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْأُضْحِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهَا وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا أَدَاءً فَجَازَ أَنْ يَقَعَ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ ؛ لِأَنَّهُ أُمْكِنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَأَهَا وَقَوْلُهُ جَهْرًا ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَفِي الْأَصْلِ ذَكَرَ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي الْفَاتِحَةِ قَاضٍ فِي السُّورَةِ فَتُرَاعَى صِفَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّ
الْأَدَاءِ فَتَخْلُو الْأُخْرَتَانِ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْحُكْمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا الْتَحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَذَا هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِالسُّورَةِ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ حَقِيقَةً وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَهِيَ أَسْبَقُ أَيْضًا وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِلسُّورَةِ بِخِلَافِ السُّورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ وَاجِبَةٌ وَالْفَاتِحَةَ فِيهِمَا نَفْلٌ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِمَا بَيَّنَّا كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى ، ثُمَّ يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْأُولَيَيْنِ فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَقَلُّ تَغْيِيرًا وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَاتِحَةَ وَيَقْرَأَ السُّورَةَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَبِتَرْكِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا تَنْقَلِبُ وَاجِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِتَقَعَ السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْفَرْضِ بَعْدَ التَّمَامِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ وَقَعَتْ فَرْضًا وَالْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ نَقْضَ الْفَرْضِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ جَائِزٌ وَالْفَاتِحَةُ إذَا قُرِئَتْ تَصِيرُ فَرْضًا فَصَارَ كَمَا لَوْ
تَذَكَّرَ السُّورَةَ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ .
( قَوْلُهُ : لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ كَالْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ بِجَمَاعَةٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَهُوَ جَهْرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَضَاءِ الْفَجْرِ وَكَالْوِتْرِ يُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَاهُ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالدَّلِيلُ شَرْعِيَّةُ مَالِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالسُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَمْ يُوجَدْ الدَّلِيلُ فَلَا يَقْضِي كَمَا إذَا فَاتَ تَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ) أَيْ وَتَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْأُضْحِيَّةُ ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ أَيَّامِهَا ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي مِثْلِهِ ا هـ قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ) أَيْ وُجُوبِ قَضَاءِ السُّورَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ ) أَيْ أَوْ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَنَصٌّ فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ كَالْوُجُوبِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ ا هـ قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ وَعَكْسُهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِمَا ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْوَاجِبُ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ ) أَيْ إذَا تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : أَنْ يَقْضِيَهَا ) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِلَفْظَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَبَّةِ عِنْدَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ) هَذَا وَجْهُ الْأَحَبِّيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا إلَى آخِرِهِ ) وَاَلَّذِي يُقَوِّي عَدَمَ الْوُجُوبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ : وَجَهَرَ مُحْتَمَلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ لِمَا عُرِفَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : دُونَ الْفَاتِحَةِ ) أَيْ وَهَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : فَيُرَاعِي صِفَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى آخِرِهِ ) أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ أَخَذَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْغَايَةِ وَقَدْ أَسْقَطَ مِنْ الْبَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ جَمْعًا شَيْئًا لَا يَتَّضِحُ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ وَهُوَ لَا يَكُونُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ قُلْت وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ قُوبِلَتْ عَلَى نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهَا قَوْلَهُ وَلَا يَكُونُ وَقَدْ أَثْبَتَهَا عَلَى الْهَامِشِ وَكَتَبْت عَلَيْهَا صَحَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ ) أَيْ اللَّتَانِ اقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ السُّورَةِ ) أَيْ فَإِنَّهَا تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيُخَافِتُ بِالسُّورَةِ تَبَعًا لِلْفَاتِحَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَجْهَرُ بِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : وَالْفَاتِحَةُ فِيهِمَا نَفْلٌ ) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ( قَوْلُهُ : فَلَمَّا
تَعَذَّرَ الْجَمْعُ ) أَيْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فِي رَكْعَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى ) لِأَنَّ النَّفَلَ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي رَكْعَتَيْنِ تَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى حَتَّى لَا يَتَنَفَّلَ بِالثَّلَاثِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) أَيْ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا عُرْفًا بِدُونِهِ فَأَشْبَهَ مَا دُونَ الْآيَةِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا حُكْمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَةً مِثْلُ مُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ق " وَ " ن " اُخْتُلِفَ فِيهَا وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ قَرَأَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .
قَوْلُهُ : وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ إلَى آخِرِهِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا وَالْحَقُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا : لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ ، ثُمَّ نَظَرَ لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا ا هـ كَمَالٌ قَوْلُهُ : نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ إلَى آخِرِهِ أَيْ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إلَى آخِرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلُ ص إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ ، وَالْمَقْرُوءُ وَهُوَ الِاسْمُ صَارَ كَلِمَةً فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ ا هـ ( فَرْعٌ ) الْقِرَاءَةُ أَنْوَاعٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهَةٌ فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً لَا يَشُوبُهَا قَصْدُ خِطَابِ أَحَدٍ وَلَا جَوَابُهُ وَلَا قَصْدُ التَّلْقِينِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا يَجْرِي فِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا وَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ ،
وَالْمَسْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى قِرَاءَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا ا هـ مِنْ الدِّرَايَةِ بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا ، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ وَجْهُ الْقَيْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ } يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ وَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ وَمَعْنَى قَسَّمَ السُّنَّةَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَنِصْفُهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى آخِرِهِ ) قُلْت : إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَسُنَنُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ } ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقَامَةٍ وَقَرَأَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ أَلْيَقَ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ اُسْتُحِبَّ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ فَيُخْشَى بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقَّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ بِخِلَافِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا مَدِيدَةٌ وَسُمِّيَ الْمُفَصَّلُ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ ، ثُمَّ آخِرَ الْمُفَصَّلِ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحُجُرَاتِ وَهُوَ السَّبْعُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْجَاثِيَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ
فِي الْحَضَرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَمُرَادُهُ أَنْ يُوَزِّعَ الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ لَا أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ ، ثُمَّ قِيلَ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَالْأَرْبَعُونَ أَقَلُّ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ فَقِيلَ إنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ إلَى مِائَةٍ وَبِالْكَسَالَى إلَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ إلَى السِّتِّينَ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا فَفِي الشِّتَاءِ يَقْرَأُ مِائَةً وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ الْآيَاتِ وَقِصَرِهَا فَيَقْرَأُ أَرْبَعِينَ إذَا كَانَتْ طِوَالًا كَسُورَةِ الْمُلْكِ وَيَقْرَأُ خَمْسِينَ إذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِصَارًا كَسُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَالرَّحْمَنِ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى قِلَّةِ الْأَشْغَالِ وَكَثْرَتِهَا وَقِيلَ يَعْتَبِرُ حَالَ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ يَقْرَأُ مِائَةً وَإِلَّا فَأَرْبَعِينَ وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } وَنَحْوِهَا وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَلَمْ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ } وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا وَفِي الظُّهْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مَعَهَا وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ { يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالطَّارِقِ } وَنَحْوِهِمَا مِنْ السُّوَرِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ { وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ } وَهُمَا سَوَاءٌ ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَوَصْفِهَا فَيَسْتَوِيَانِ فِي مِقْدَارِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُطِيلُ الْأُولَى إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ فَضِيلَةِ
الْجَمَاعَةِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتَا فِي وَقْتِ الِاشْتِغَالِ لَكِنْ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ يَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ فَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى إطَالَتِهَا بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ التَّطْوِيلُ يُعْتَبَرُ بِالْآيِ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً وَإِنْ كَانَتْ الْآيَاتُ مُتَفَاوِتَةً مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَالْقِصَرُ يُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الْأُولَى ، ثُمَّ يُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ ، ثُمَّ قَامَ وَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ } .
( قَوْلُهُ : لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ بِإِسْنَادِهِ وَبِمَعْنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ا هـ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ ا هـ وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّ فِي الدِّرَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ } آيَةً ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ : أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ إلَى آخِرِهِ ) وَالْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ ) قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ مَاشٍ فِي الْعَصْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْعِشَاءِ إذْ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَا
تَقَعُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مُبَاحٌ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ النَّوْمِ فَبِالتَّأْخِيرِ وَالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ التَّغْيِيرُ وَالتَّقْلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ إلَى آخِرِهِ ) السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ لُغَتَانِ وَتَرْكُ هَمْزِهَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ ) أَيْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَلَّابِيُّ بَدَلُ الْحَلْوَانِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ إلَى آخِرِهِ ) وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى ا هـ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا فِي الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ وَفِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهَا أَسْهَلُ كَذَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْقَنِيَّةِ الْقِرَاءَةُ الْمَسْنُونَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الرَّاوِي وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا فِي قَدْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مَثَلًا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ ؛ وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ تُعَدُّ إطَالَةً لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ ا هـ فَتْحٌ فُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْغَايَةِ )
كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَمَاعَةً وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ يُكْرَهُ وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ وَبَعْضَهَا فِي الثَّانِيَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ وَمِنْ آخِرِهَا وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً أَوْ آيَةً فِي رَكْعَةٍ ، ثُمَّ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا فَقَالَ ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ وَهُوَ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ، ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا سُورَةً قَبْلَهَا فِي النَّظْمِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ ) فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى } ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ) أَيْ وَالثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَقِّتَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ أَلَمْ السَّجْدَةُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا وَاجِبًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا أَوْ رَأَى قِرَاءَةَ غَيْرِهِمَا مَكْرُوهًا أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِأَجْلِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ يُشْتَرَطُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصِّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِي لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَلِذَا قَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ إلَى آخِرِهِ ) وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ طَبْعًا وَالْعِبَادَةُ مَتَى صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِهَذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ ) بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { قَالَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ قَرَءُوا خَلْفَهُ لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا } ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَتْ } وَقَالَ أَحْمَدُ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى { وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } قَالَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ ؛ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقُرْآنِ } قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تُجْزِي صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَعَنْ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِمَاعِ إجْمَاعًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالِاسْتِمَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قَالُوا يَتْبَعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ قُلْنَا يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ فِيمَا إذَا
لَمْ يَسْكُتْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ إجْمَاعًا وَحَدِيثُ عُبَادَةَ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ وَقَوْلُهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَقَعَ عَنْهُمَا فَيُجْزِيهِ وَلِهَذَا يُجْزِيهِ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ عَلَى مَا قَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ لَهُ قِرَاءَةٌ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْقِرَاءَةِ ، وَكَذَا الْإِمَامُ نَفْسُهُ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَهَا وَآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ } مَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ مُنْفَرِدًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَطْوِيلًا عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ يُنْصِتُ وَيَسْتَمِعُ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ ، وَكَذَا لَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُ وَيُشَمِّتُ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ إذْ الْمَجْلِسُ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ خَطَبَ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا
قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ فِيهَا وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ خَطَبَ وَأَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُنْصِتُوا إذَا خَطَبَ وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالنَّائِي كَالْقَرِيبِ ) أَيْ النَّائِي عَنْ الْمِنْبَرِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ كَالْقَرِيبِ مِنْهُ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِمَاعِ لَا يَعْجِزُ عَنْ الْإِنْصَاتِ فَصَارَ كَالْمُؤْتَمِّ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ ؛ وَلِأَنَّ صَوْتَهُ قَدْ يَبْلُغُ مَنْ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ فَيُشْغِلُهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ ) أَيْ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ } وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ } ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَأَنْصِتُوا إلَى آخِرِهِ ) فَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَالَةِ الْخَطِّيَّةِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا { سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَقَالَ مَا لِي أُنَازَعُ فِي الْقُرْآنِ } وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ } وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ ) مِثْلَ آيَاتِ الْجَنَّةِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ قَرَأَ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت فَاعِلُ قَرَأَ هُوَ الْإِمَامُ وَفَاعِلُ خَطَبَ هُوَ الْخَطِيبُ وَهُوَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ غَيْرُ إمَامٍ فَيَكُونُ هَذَا الْعَطْفُ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ فَافْهَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْهِيبُ ) أَيْ التَّخْوِيفُ مِثْلُ آيَاتِ النَّارِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْإِنْصَاتُ فَرْضٌ بِالنَّصِّ
إلَى آخِرِهِ ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ لَكِنْ قِيلَ : إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ بِاللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ يَأْثَمُ وَهَذَا صَرِيحُ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ ؛ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ ا هـ فَتْحٌ مَعَ حَذْفٍ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ إلَى آخِرِهِ ) أَفَادَ وُجُوبَ السُّكُوتِ فِي الثَّانِيَةِ كُلِّهَا أَيْضًا مَا خَلَا الْمُسْتَثْنَى وَرُوِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَكَى أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالِامْتِثَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتُهُ وَالْأَشْبَهُ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالنَّائِي إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَمَّا النَّائِي فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ ، وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ يَعْنِي عَدَمَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا لَا الْكَلَامَ الْمُبَاحَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ فِي حَالِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَمِعْ فَقَدْ تُشَوِّشُ هَمْهَمَتُهُ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ ا هـ .
( بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ) أَيْ قَوِيَّةٌ تُشْبِهُ الْوَاجِبَ فِي الْقُوَّةِ حَتَّى اُسْتُدِلَّ بِمُلَازَمَتِهَا عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ : إنَّهَا فَرِيضَةٌ ، ثُمَّ مِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ : إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ لَهُمْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ } فَتَارِكُ السُّنَّةِ لَا يُحَرَّقُ عَلَيْهِ بَيْتُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً } وَهَذَا يُفِيدُ الْجَوَازَ ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ مَعَ الْقِيَامِ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَلْ كَانَتْ تَسْقُطُ عَنْهُمْ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ لَا نَفْيُ الْجَوَازِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا صَلَاةَ لِلْآبِقِ وَالْمَرْأَةِ النَّاشِزَةِ } ، وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ لَا يُصَلِّي بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى قَوْمٍ لَا
يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ ؛ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ } يَقْتَضِي الْجَوَازَ مُطْلَقًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَفِي الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا : إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَفِي الْمُفِيدِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ ، وَفِي الْبَدَائِعِ تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَإِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ لَوْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِيُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَحَسَنٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي أَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَنْ يَتْبَعَ الْجَمَاعَاتِ وَإِنْ دَخَلَهُ صَلَّى فِيهِ وَتَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِالْأَعْذَارِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَالزَّمِنِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَالْمَفْلُوجِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالطِّينِ وَالْمَطَرِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ .
( بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ) ( قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ إلَى آخِرِهِ ) لَكِنْ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْفَرْضِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقِيلَ : إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَأَصْحَابُهُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ اثْنَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ } ؛ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ بِهِ الِاجْتِمَاعُ اثْنَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ ا هـ قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ إلَى آخِرِهِ ) قُلْت وَلَوْ نَقَلَ الْحَدِيثَ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِدُونِ الْجَمَاعَةِ لِمَا مَرَّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَثِمُوا وَوَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالسِّلَاحِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَفِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَايَةَ التَّأْكِيدِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ ا هـ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ،
وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا سَوَاءٌ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْعِبَارَةِ لَا غَيْرُ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ خُصُوصًا فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ سَمَّاهَا سُنَّةً ، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالْوَاجِبِ فَقَالَ الْجَمَاعَةُ لَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ التَّأْخِيرُ عَنْهَا إلَّا بِعُذْرٍ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْأَعْمَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا الْجَمَاعَةِ فَفِي الدِّرَايَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى وَبِالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالظُّلْمَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ فَقَالَ : لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ } ا هـ وَالنَّعْلُ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ يَبْرُقُ حَصَاهَا وَلَا تُنْبِتُ شَيْئًا ا هـ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ ) يَعْنِي الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَقْرَأُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِرَاءَةِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا } ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا وَالْحَاجَةَ إلَى الْفِقْهِ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءٌ فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى } الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ } وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ لِلْقُرْآنِ مِنْهُ مِثْلُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا فَتَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِهَا أَوْلَى إذَا عَلِمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِإِقَامَةِ رُكْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ أَيْضًا وَالْفِقْهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَقْرَأَ فِي الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ بِأَحْكَامِهِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَفِظَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَّا وَنَعْلَمُ أَمْرَهَا وَنَهْيَهَا وَزَجْرَهَا وَحَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَالرَّجُلُ الْيَوْمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَعْرِفُ مِنْ أَحْكَامِهَا شَيْئًا ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ بِحِفْظِهِ عَلَى عِلْمِهِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَتَفَقَّهُوا قُدِّمَ الْأَعْلَمُ نَصًّا وَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَعْلَمُهُمْ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأَقْرَأُ ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأَوْرَعُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ } ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدَّمَ أَقْدَمَهُمْ هِجْرَةً وَلَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ فَأَقَمْنَا الْوَرَعَ مَقَامَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ثُمَّ الْأَسَنُّ ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِصَاحِبٍ لَهُ { إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة فَأَذِّنَا ، ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّقْدِيمَ بِالْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِمَا ؛ وَلِأَنَّ الْأَكْبَرَ سِنًّا يَكُونُ أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً وَأَعْظَمَهُمْ بَيْنَهُمْ حُرْمَةً وَرَغْبَةً وَالنَّاسُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَثْرَةُ الْجَمَاعَةِ وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِيهِ أَكْثَرَ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ أَوْفَرُ .
( قَوْلُهُ يَعْنِي الْأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ ) الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْفِقْهُ وَعِلْمُ الشَّرِيعَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ سَلَّمَا ) أَيْ إسْلَامًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا كَانَتْ تَنْزِلُ سُورَةٌ إلَى آخِرِهِ ) فَكَانَ الْأَقْرَأُ فِيهِمْ هُوَ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَالْأَحْكَامِ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرَّاءِ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ ا هـ غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ : الْكَلَامُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْجَوَازِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَالْحَدِيثُ بِصِيغَتِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إمَامَةِ الثَّانِي عِنْدَ وُجُودِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ إخْبَارٍ وَهُوَ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالشَّرْطِ قُلْنَا صِيغَةُ الْإِخْبَارِ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّةِ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ صِيغَةَ الْإِخْبَارِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ وَلَكِنْ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِوُجُودِ الْجَوَازِ بِدُونِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ الْأَقْرَأُ فِي الْحَدِيثِ الْأَعْلَمُ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الْأَعْلَمِ فِي الْحَدِيثِ وَيَئُولُ تَقْدِيرُهُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَعْلَمُهُمْ قُلْنَا : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ السُّنَّةِ ، وَمِنْ قَوْلِهِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَمِيعًا فَكَانَ الْأَعْلَمُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَعْلَمِ الْأَوَّلِ ا هـ دِرَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ الصَّلَاةِ مُتَبَحِّرًا فِيهَا غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَبَحِّرِ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ ا هـ كَاكِيٌّ وَفِي الْمُجْتَبَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمُوا غَيْرَهُ أَسَاءُوا وَلَا يَأْثَمُونَ ا هـ ( قَوْلُهُ
فِي الْمَتْنِ : ثُمَّ الْأَوْرَعُ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : ثُمَّ الْوَرَعُ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي تَرْتِيبِ الْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَمِ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَلَكِنْ أَصْحَابُنَا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ جَعَلُوا مَكَانَ الْهِجْرَةِ الْوَرَعَ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مُنْقَطِعَةٌ فِي زَمَانِنَا ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ } فَجَعَلُوا الْهِجْرَةَ عَنْ الْمَعَاصِي مَكَانَ تِلْكَ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ هِجْرَتَهُمْ لِتَعَلُّمِ الْأَحْكَامِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَزْدَادُ الْوَرَعُ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مِلَاكُ دِينِكُمْ الْوَرَعُ } وَفِي الْحَدِيثِ { الْجِهَادُ جِهَادَانِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَك وَهَوَاك وَالْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ إحْدَاهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْأُخْرَى وَهُوَ أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ } ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ، ثُمَّ الْأَسَنُّ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ؛ لِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمُرُهُ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةٍ وَمُدَاوَمَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الثَّوْرِيُّ الْمُرَادُ بِالسِّنِّ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا إلَى آخِرِهِ ) وَفَسَّرَ فِي الْكَافِي حَسَنَ الْوَجْهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَا رَوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ } وَالْمُحَدِّثُونَ لَا يُثْبِتُونَهُ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ ( وَالْأَعْرَابِيِّ ) وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ ( وَالْفَاسِقِ ) لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ ؛ وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إهَانَتُهُ شَرْعًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْمُبْتَدِعِ ) أَيْ صَاحِبِ الْهَوَى قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى وَبِدْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ وَالْجَهْمِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، حَاصِلُهُ إنْ كَانَ هَوَى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْأَعْمَى ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَ لَا يُوَازِيه غَيْرُهُ فِي الْفَضِيلَةِ فِي مَسْجِدِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ { اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَا أَعْمَيَيْنِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَوَلَدِ الزِّنَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } وَالْفَاجِرُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ قَالَ ( وَتَطْوِيلُ الصَّلَاةِ ) أَيْ كُرِهَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذْ أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلِيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ } ، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ { مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ
صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَكُرِهَ إمَامَةُ الْعَبْدِ إلَى آخِرِهِ ) فَلَوْ اجْتَمَعَ الْمُعْتَقُ وَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ وَاسْتَوَيَا فِي الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْحُرُّ الْأَصْلِيُّ أُولَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَالْمُبْتَدِعِ إلَى آخِرِهِ ) الْبِدْعَةُ هِيَ الْحَدَثُ فِي الدِّينِ فَإِنْ اخْتَصَّ بِالِاعْتِقَادِ فَهَوَى ا هـ مُوضِحٌ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } إلَى آخِرِهِ ) تَمَامُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ { وَصَلُّوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } فَأَعَلَّهُ بِأَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَنْ سَمَّى الْإِرْسَالَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ حُجَّةٌ مَقْبُولَةٌ عِنْدَنَا وَرَوَاهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَعَلَّهُ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْعُقَيْلِيِّ كُلُّهَا مُضَعَّفَةٌ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَبِذَلِكَ يَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ ا هـ كَمَالٌ وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ : إمَامَةُ الْمُقِيمِ لِلْمُسَافِرِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ هُمَا سَوَاءٌ ا هـ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْجَوَاهِرِ يُرَجَّحُ بِالْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخَلِيفِيَّةِ وَالْمَكَانِيَّةِ وَكَمَالُ الصُّورَةِ كَالشَّرَفِ فِي النَّسَبِ وَالسِّنِّ ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ حَسَنُ اللِّبَاسِ وَقِيلَ وَبِصَبَاحَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخَلْقِ وَبِمِلْكِ رَقَبَةِ الْمَكَانِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي هَذِهِ الْخِصَالِ يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ أَحْرَزَ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ لَا يُحْرِزُ ثَوَابَ الْمُصَلِّي خَلْفَ تَقِيٍّ ا هـ يُرِيدُ
بِالْمُبْتَدَعِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَا بَأْسَ بِتَفْصِيلِهِ الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ وَالْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْخَطَّابِيَّةَ وَالْمُشَبِّهَةَ وَجُمْلَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ حَتَّى لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مُنْكِرِ الشَّفَاعَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لِتَوَارُثِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ لَا يَرَى لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ كَذَا قِيلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الدَّلِيلِ إذَا تَأَمَّلْت ، وَلَا يُصَلِّي خَلْفَ مُنْكِرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْمُشَبِّهِ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَى يَدٌ وَرِجْلٌ كَمَا لِلْعِبَادِ فَهُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ وَإِنْ قَالَ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقَ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُوهِمٌ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ تَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْإِيهَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَقِيلَ يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَهُوَ حَسَنٌ بَلْ أَوْلَى بِالتَّكْفِيرِ وَفِي الرَّوَافِضِ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمُبْتَدَعٌ وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ وَمُنْكِرُ الْمِعْرَاجِ إنْ أَنْكَرَ الْإِسْرَاءَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَافِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمِعْرَاجَ مِنْهُ فَمُبْتَدَعٌ ا هـ مِنْ الْخُلَاصَةِ إلَّا تَعْلِيلَ إطْلَاقِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ وَبِخَطِّ الْحَلْوَانِيِّ تُمْنَعُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَخُوضُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَيُنَاظِرُ أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ أَبِي يُوسُفَ مَنْ يُنَاظِرُ فِي دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى : وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي قَرَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ حِينَ رَأَى ابْنَهُ حَمَّادًا يُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ فَنَهَاهُ فَقَالَ رَأَيْتُك تُنَاظِرُ فِي الْكَلَامِ وَتَنْهَانِي فَقَالَ كُنَّا نُنَاظِرُ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤْسِنَا الطَّيْرَ مَخَافَةَ أَنْ يَزِلَّ صَاحِبُنَا وَأَنْتُمْ تُنَاظِرُونَ وَتُرِيدُونَ زِلَّةَ صَاحِبِكُمْ وَمَنْ أَرَادَ زِلَّةَ صَاحِبِهِ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَكْفُرَ فَهُوَ قَدْ كَفَرَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهَذَا الْمُتَكَلِّمُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِكُفْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ كُلِّهِمْ مَحْمَلُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَ نَفْسُهُ كُفْرٌ فَالْقَائِلُ بِهِ قَائِلٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ قَوْلِهِ ذَلِكَ عَنْ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَمُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَكِنْ جَزْمُهُمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَمْعُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ خَلْفَهُمْ عَدَمُ الْحِلِّ أَيْ عَدَمُ حِلِّ أَنْ يَفْعَلَ وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِخِلَافِ مُطْلَقِ اسْمِ الْجِسْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِاخْتِيَارِهِ إطْلَاقَ مَا هُوَ مُوهِمٌ النَّقْصَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَلَوْ نَفَى التَّشْبِيهَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا التَّسَاهُلَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْلٌ آخَرُ ذَكَرْته فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَشْهُورِ بِآكِلِ الرِّبَا وَيَجُوزُ بِالشَّافِعِيِّ بِشُرُوطٍ نَذْكُرُهَا
فِي بَابِ الْوِتْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ ) لِأَنَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ : يَعْنِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّحَوُّلِ حِينَئِذٍ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَكُونُ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ } أَمَّا لَا يَنَالُ ثَوَابَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ التَّقِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ ) أَيْ وَقَدْ كَانَ فِي غَايَةِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا صَبْرًا وَمَاتَ فِي حَبْسِهِ خَمْسُونَ أَلْفًا مِنْ الرِّجَالِ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْ النِّسَاءِ سِوَى مَنْ قَتَلَ فِي حُرُوبِهِ وَزُحُوفِهِ وَكَانَ حَبْسُهُ يُقَالُ لَهُ الْجَائِرُ بِغَيْرِ سَقْفٍ صَيْفًا وَشِتَاءً وَيُسْقَوْنَ الْمَاءَ بِالرَّمَادِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَوْ جَاءَ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثَاتِهَا جِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجَمَاعَةُ النِّسَاءِ ) أَيْ كُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا } ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَيْضًا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ فَصِرْنَ كَالْعُرَاةِ لَمْ يُشْرَعْ فِي حَقِّهِنَّ الْجَمَاعَةُ أَصْلًا وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ لَهُنَّ الْأَذَانُ وَهُوَ دُعَاءٌ إلَى الْجَمَاعَةِ وَلَوْلَا كَرَاهِيَةُ جَمَاعَتِهِنَّ لَشُرِعَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ كَالْعُرَاةِ ) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَعَلَتْ كَذَلِكَ حِينَ كَانَ جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً ، ثُمَّ نُسِخَ الِاسْتِحْبَابُ ؛ وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ الْبُرُوزِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا كَانَ صَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَتَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَفِي تَقْدِيمِ إمَامَتِهِنَّ زِيَادَةُ الْبُرُوزِ فَيُكْرَهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً ؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ ؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً فَإِذَا صَلَّيْنَ فُرَادَى تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَهُنَّ .
( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا } إلَى آخِرِهِ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا ) الْمَخْدَعُ الْخِزَانَةُ تَكُونُ فِي الْبَيْتِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمَخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ وَتَثْلِيثُ الْمِيمِ لُغَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فَإِنْ فَعَلْنَ يَقِفُ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمِنْهُ قَامَتْ الْإِمَامُ وَسْطَهُنَّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَيْ مَصْدَرٌ لَا وَصْفٌ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : تَقُولُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ بِالْإِسْكَانِ ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا سَكَنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَفِي الْفَصِيحِ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ وَاحْتَجَمْت وَسَطَ رَأْسِي بِالْفَتْحِ وَمِنْهُ يَشُدُّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الْقِلَادَةِ وَالصَّفِّ وَالسُّبْحَةِ فَهُوَ بِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُنْضَمًّا لَا يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : كَالْعُرَاةِ ) أَيْ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي أَفْضَلِيَّةِ الِانْفِرَادِ وَفِي أَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ الْإِمَامِ وَسَطَهُنَّ ، وَأَمَّا الْعُرَاةُ فَيُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلَا كَذَلِكَ النِّسَاءُ بَلْ يُصَلِّينَ قَائِمَاتٍ ا هـ نِهَايَةٌ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً إلَى آخِرِهِ ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ ا هـ كَاكِيٌّ وَفَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْعَوَامّ وَلَنَا حَدِيثُ { ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ } وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ خَلْفَهُ فِي رِوَايَةٍ وَيُكْرَهُ فِي أُخْرَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَازَتْ ، وَكَذَا إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مُسِيءٌ فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ قَوْلَهُ وَهُوَ مُسِيءٌ إلَى الْأَخِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إلَى الْفِعْلَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّبِيُّ فِي هَذَا كَالْبَالِغِ حَتَّى يَقِفَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ ) أَيْ يَقِفُ الِاثْنَانِ خَلْفَهُ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَوَسَّطُهُمَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَوَقَفَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ { قُمْت عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ } وَفِعْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ كَذَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْإِبَاحَةِ وَمَا رَوَيْنَاهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ وَامْرَأَةٌ يَقُومُ الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَصُفُّ
الرِّجَالُ ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ ، ثُمَّ النِّسَاءُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرَّهَا آخِرُهَا وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرَّهَا أَوَّلُهَا } ؛ وَلِأَنَّ فِي الْمُحَاذَاةِ مَفْسَدَةً فَيُؤَخِّرْنَ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ } وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ } وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسَطِ فَإِنْ وَقَفَ فِي مَيْمَنَةِ الصَّفِّ أَوْ مَيْسَرَتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ لَمْ تُنْصَبْ إلَّا فِي الْوَسَطِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ لِمَقَامِ الْإِمَامِ .
( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ إصْبَعَهُ إلَى آخِرِهِ ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَسَارِهِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ وَسُجُودُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ لَيْسَ لَهُ مَكَانٌ بَلْ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا فَعَلَهُ بِمَكَّةَ إذْ فِيهَا التَّطْبِيقُ وَأَحْكَامٌ أُخَرُ هِيَ الْآنَ مَتْرُوكَةٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَدِينَةَ تَرَكَهُ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا ا هـ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِيَلِيَنِي إلَى آخِرِهِ ) قِيلَ اسْتَدَلَّا لَهُ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ صَفِّ الرِّجَالِ ، ثُمَّ الصِّبْيَانِ ، ثُمَّ النِّسَاءِ لَا يَتِمُّ إنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْبَالِغِينَ أَوْ نَوْعٍ مِنْهُمْ وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ { يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ حَتَّى أُرِيَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا وَجَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَرَاهُمْ كَيْفَ يَتَوَضَّأُ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالَ ، ثُمَّ أَدْنَى الصَّفَّ وَصَفَّ الْوِلْدَانَ خَلْفَهُمْ وَصَفَّ النِّسَاءَ خَلْفَ الصِّبْيَانِ } الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ا هـ فَتْحٌ وَاعْلَمْ أَنَّ صَفَّ الْخَنَاثَى بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَبَعْدَ النِّسَاءِ الْمُرَاهِقَاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : إنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ ) أَيْ أَفْضَلَ صُفُوفِ الرِّجَالِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ ا
هـ فَنِيَّةٌ فِي الْجَنَائِزِ ( قَوْلُهُ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ ) أَيْ وَتَغْيِيرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فَيَكُونُ تَحْذِيرًا مِنْ وُقُوعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّنَافُرِ وَعَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحَدٍ بِلَا حَائِلٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَفْسُدُ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا وَتَرْكُ مَكَانِهَا فِي الصَّفِّ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ كَالصَّبِيِّ إذَا حَاذَى الرَّجُلَ فَصَارَتْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ : إنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ بِتَأْخِيرِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ } فَإِذَا تَرَكَ التَّأْخِيرَ فَقَدْ تَرَكَ مَكَانَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمُقْتَدِي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ وَكَسَائِرِ الْمُنْهَيَاتِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَأْمُورَةٍ بِالتَّأْخِيرِ ؛ وَلِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيكِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى فَسَادِ الصَّلَاةِ ، وَمُحَاذَاتُهَا الرَّجُلَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مِنْ الْفَرَائِضِ صِيَانَةً لِصَلَاتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ لِخُلُوِّهِ عَمَّا يُوجِبُ التَّشْوِيشَ ، وَلَئِنْ وُجِدَ فَهُوَ نَادِرٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَفِي الْمَرْأَةِ وُجِدَ الدَّاعِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَوِيَ السَّبَبُ فَافْتَرَقَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لِلْمَيِّتِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَرْأَةِ إجْمَاعًا لِعِلَّةِ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ لَا لِدُنُوِّ حَالِ صَلَاتِهَا كَصَلَاةِ الصَّبِيِّ وَلَا لِتَغَايُرِ الْفَرْضِ وَلَا لِعَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا كَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَنْ يُحَاذِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ إذْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ فِيهِمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ قَدْ وُجِدَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ
الْآحَادِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ وَنَقُولُ : إنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ، فَجَازَ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ إلَى آخِرِهِ قَدْ تَضْمَنُ شُرُوطًا مُجْمَلَةً فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا وَتَفْسِيرُ كُلِّ شَرْطٍ عَلَى حِيَالِهِ فَتَقُولُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمُحَاذِيَةُ مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ سَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا بِتَزَوُّجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى صَلُحَتْ كَمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ وَقِيلَ : بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ نَظَرًا إلَى بِنَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِهَا وَلِهَذَا تَبْلُغُ فِي التِّسْعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّنَّ الَّتِي ذُكِرَتْ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً لِلْإِطْلَاقِ وَلَا تَفْسُدُ بِالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهَا وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْأَصْلِ ، وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ يَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ تَحْرِيمَةَ أَنْ يَكُونَا بَانِيَيْنِ تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيَعْنِي بِالْمُشْتَرَكَةِ أَدَاءً أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَالْمُدْرِكُ بِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَتِهِ ، وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا وَاللَّاحِقُ بِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ وَهُوَ
الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَفَاتَهُ مِنْ الْآخَرِ بِسَبَبِ النَّوْمِ أَوْ الْحَدَثِ ، وَكَذَا بِأَنَّ أَدَاءَهُ فِيمَا يَقْضِيه عَلَى أَدَاءِ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمَةِ فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَيَبْقَى حُكْمُ تِلْكَ الشَّرِكَةِ مَا لَمْ تَنْتَهِ الْأَفْعَالُ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِلْأَفْعَالِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ تَبْقَى الشَّرِكَةُ عَلَى حَالِهَا فَصَارَ اللَّاحِقُ فِيمَا يَقْضِي كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ وَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَا بَانِيَيْنِ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ فِيمَا يَقْضِيَانِ وَلِهَذَا يَقْرَآنِ وَيَلْزَمُهُمَا السُّجُودُ بِسَهْوِهِمَا وَإِذَا تَبَدَّلَ اجْتِهَادُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا بَلْ يَتَحَوَّلَانِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَبْنِيَانِ وَتَنْقَلِبُ صَلَاتُهُمَا أَرْبَعًا بِدُخُولِ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيه إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ الْأُولَى لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّانِيَةُ لَوْ كَبَّرَ نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ صَلَاتِهِ وَقَطْعِهَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا وَقَاطِعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالثَّالِثَةُ لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ ، وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ
بِسَهْوِ غَيْرِهِ وَالرَّابِعَةُ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ هُوَ مُنْفَرِدٌ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا يَقْضِيه حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُمَا لَاحِقَانِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَغِلَانِ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا فَانْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً وَإِنْ وُجِدَتْ تَحْرِيمَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ أَحْدَثَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ ، ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ يَنْظُرُ فَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا تَقْدِيرًا لِكَوْنِهِمَا لَاحِقَيْنِ فِيهِمَا وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بِلَا حَائِلٍ ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ يَرْفَعُ الْمُحَاذَاةَ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ فَقُدِّرَ أَدْنَاهُ بِهِ وَغِلَظُهُ مِثْلُ غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانِ قَدْرِ قَامَةِ الرَّجُلِ وَالْآخَرُ أَسْفَلُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَوْ إمَامَةَ النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ إمَامَتِهَا قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ وَاعْتَبَرَهُ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ، وَلَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ كَالْمُقْتَدِي لِمَا لَزِمَهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الرِّجَالِ ، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ
وَالْعِيدَيْنِ فَأَكْثَرُهُمْ مَنَعُوا الْحُكْمَ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِيهِمَا ضَرُورَةً فَإِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَحْدَهَا ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِجَنْبِ الرِّجَالِ لِكَثْرَةِ الِازْدِحَامِ فِيهِمَا فَلَا يُفْضِي إلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ ، وَلَا يُقَالُ : إنَّ الْمُقْتَدِيَ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْتِزَامُهُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَكَانَ تَبَعًا لَهُ وَالْتِزَامُهُ الْتِزَامًا لَهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالْأَوَّلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ إنْ لَمْ تُحَاذِ أَحَدًا تَمَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ حَتَّى حَاذَتْ رَجُلًا أَوْ وَقَفَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَصَحَّتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُحَاذِيَةِ ابْتِدَاءً أَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذِهِ مُحْتَمَلٌ وَفِي تِلْكَ لَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النِّسَاءِ لِصِحَّةِ نِيَّتِهِنَّ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَلَوْ نَوَى النِّسَاءُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَحَاذَتْهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ كَبَّرَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفِهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ فَصَارَ كَالْمَدْفُوعِ إلَى صَفِّ النِّسَاءِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا مُحَاذِيَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ وَقَفَتْ مِقْدَارَ رُكْنٍ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ
رُكْنٍ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُ إلَّا مِقْدَارُ الرُّكْنِ وَالشَّرْطُ السَّابِعُ وَهُوَ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ تَكُونَ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ لَا يُفْسِدُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ إلَّا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ أَنْ يُقَالَ : إنْ حَاذَتْهُ مُشْتَهَاةٌ فِي رُكْنٍ مِنْ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ أَفْسَدَتْ صَلَاتَهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا وَكَانَتْ جِهَتُهُمَا مُتَّحِدَةً ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهَا وَآخَرُ خَلْفَهَا وَلَا تُفْسِدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَكُونُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالْمَرْأَتَانِ يُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِمَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِمَا وَصَلَاةَ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا بِحِذَائِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ بِجَمْعٍ تَامٍّ فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ فَلَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَفْسَدْنَ صَلَاةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ وَفِي رِوَايَةٍ الثَّلَاثُ كَالصَّفِّ حَتَّى تَفْسُدَ صَلَاةُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ جَمْعٌ كَامِلٌ فَيَصِرْنَ كَالصَّفِّ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَثْنَى كَالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُهُمَا كَمَا يَتَقَدَّمُ الثَّلَاثُ وَعَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ كَالِاثْنَيْنِ حَتَّى لَا يُفْسِدْنَ إلَّا صَلَاةَ خَمْسَةٍ وَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ فِي الصَّفِّ التَّامِّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ
نِسَاءٍ فَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُنَّ صُفُوفٌ مِنْ الرِّجَالِ فَسَدَتْ صَلَاةُ تِلْكَ الصُّفُوفِ كُلِّهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ الْحَائِلِ فِي حَقِّ بَاقِي الصُّفُوفِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ ) يَعْنِي فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَيَسْتَوِي فِيهِ الشَّوَابُّ وَالْعَجَائِزُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي زَمَانِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُكْرَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ وَالْجُمُعَةُ كَالْعِيدَيْنِ لِإِمْكَانِ الِاعْتِزَالِ وَقَالَا يَخْرُجْنَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ فَصَارَ كَالْعِيدَيْنِ وَلَهُ أَنَّ فَرَطَ الشَّبَقِ حَامِلٌ فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مِنْ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا وَالنِّسَاءُ أَحْدَثْنَ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ وَلِبْسَ الْحَلْيِ وَلِهَذَا مَنَعَهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ لِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ كَغَلْقِ الْمَسَاجِدِ يَجُوزُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ حَاذَتْهُ ) أَيْ الْمُصَلِّي أُنْثَى ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : مُشْتَهَاةٌ ) أَيْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فِي صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ حَالِ كَوْنِهِمَا فِي صَلَاةٍ ا هـ ع ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : فِي مَكَان ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا ا هـ وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفُهُ صَفٌّ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : بِلَا حَائِلٍ ) أَيْ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ تَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ كَانَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِهِمَا لَكَانَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمَا إذْ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ فِي الْمَعْلُولِ ا هـ رَازِيٌّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي مَكَان وَاحِدٍ يُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ إنَّمَا تُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ فَرُبَّمَا تُشَوِّشُ الْأَمْرَ عَلَى الْمُصَلِّي فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَسَادِ صَلَاةِ الرَّجُلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ا هـ وَفِي الذَّخِيرَةِ حَكَى عَنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ صُورَةً فِي الْمُحَاذَاةِ تَفْسُدُ فِيهَا صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرَّجُلِ وَبَيَانُهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ فَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَمَا شَرَعَ الرَّجُلُ نَاوِيًا إمَامَةَ النِّسَاءِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً حِينَ شَرَعَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ فَقَامَتْ بِحِذَائِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّأْخِيرُ لَهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْض الْمُقَامِ ، وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا لَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرَ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ
فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّأْخِيرُ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ فَإِذَا لَمْ تَتَأَخَّرْ فَقَدْ تَرَكَتْ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا قَالَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَفْسُدُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ غَايَةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ : وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ الْمُحَاذَاةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ أَصْلًا ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُحَاذَاةِ الصَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا مُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ فَصَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهِ إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا فِي الدِّرَايَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِعُرُوضِ الشَّهْوَةِ بَلْ هُوَ لِتَرْكِ فَرْضِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الصَّبِيِّ وَمَنْ تَسَاهَلَ فَعَلَّلَ بِهِ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي الصَّبِيِّ مُدَّعِيًا عَدَمَ اشْتِهَائِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْخَلَّاطِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْمُفْسِدَةَ هِيَ أَنْ تُحَاذِيَ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عُضْوًا مِنْ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَلَى ظُلَّةٍ وَحَاذَتْ رَجُلًا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ حَاذَى قَدَمَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ إنَّ السِّنَّ الَّتِي ذَكَرْت إلَى آخِرِهِ ) أَيْ السِّنَّ مِنْ الْفَمِ مُؤَنَّثَةٌ وَالسِّنُّ إذَا عَنَيْت بِهِ الْعُمْرَ مُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ : وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً إلَى آخِرِهِ ) وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِاتِّحَادِ الْفَرْضَيْنِ
وَبِاقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعَةِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَبِالْمُفْتَرِضِ ا هـ ( قَوْلُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ ) أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَؤُمُّ الْآخَرَ فِيمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا فَلَوْ اقْتَدَتْ نَاوِيَةً لِلْعَصْرِ بِمُصَلَّى الظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ وَصَحَّ نَفْلًا فَحَاذَتْهُ فَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ تَفْسُدُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَا وَقِيلَ رِوَايَةُ بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خِلَالِهَا عِنْدَهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَتْ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِلَا تَرَدُّدٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ ) أَيْ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ تَحْقِيقًا ) أَيْ حَالَ الْمُحَاذَاةِ ا هـ قَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّاحِقُ مَنْ يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، ثُمَّ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَى آخِرِهِ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ اللَّاحِقِ الْمَسْبُوقِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يَلْحَقُ صَلَاتَهُ تَغْيِيرٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَذَا هُوَ فَكَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهَا بِفَرَاغِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْجَامِعِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ اللَّاحِقِ وَالْمَسْبُوقِ بِمَسَائِلَ مِنْهَا إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالتَّحَرِّي وَخَلْفُهُ لَاحِقٌ وَمَسْبُوقٌ فَعَلِمَا بِالْقِبْلَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ اللَّاحِقِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ حُكْمًا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ
الْمُضِيِّ فِي صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَى حَالِهِ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ بِمَا عِنْدَهُ فَقَدْ خَالَفَ إمَامَهُ وَهُوَ خَلَفَهُ حُكْمًا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ ) أَيْ فِي الذَّهَابِ أَوْ الْعَوْدِ ا هـ ش تَلْخِيصٌ ( قَوْلُهُ لَا بِحَقِيقَتِهَا ) أَيْ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مِنْ لَا يَشْتَرِطُ أَدَاءَ رُكْنٍ بِالْمُحَاذَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اقْتَدَيَا ) أَيْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ا هـ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ وَشَرَطَ فِي الْيَنَابِيعِ شَرْطًا سَادِسًا فَقَالَ : إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَقْتَدِيَا بِهِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُمَا جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَيْثُ انْفَرَدَا فِي بَعْضِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الشَّرِكَةُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَوَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَصَلَاتُهَا مَعَ الْقَوْمِ لِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، ثُمَّ سَاقَ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اقْتَدَيَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ أَحْدَثَا إلَى آخِرِهِ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا مَسْبُوقَيْنِ إلَى آخِرِهِ ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي أَوَّلًا مَا لَحِقَ فِيهِ ، ثُمَّ مَا سَبَقَ بِهِ وَهَذَا عِنْدَ زُفَرَ ظَاهِرٌ وَعِنْدَنَا وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ لَكِنْ يَجِبُ هَذَا فَبِاعْتِبَارِهِ يَفْسُدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ إلَى آخِرِهِ ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزٍ قَوْلُهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَأَكْثَرُهُمْ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْسِرْ ا هـ ( قَوْلُهُ مَنَعُوا الْحُكْمَ ) أَيْ وَهُوَ
جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِلَا نِيَّةٍ ا هـ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ إذَا ائْتَمَّتْ بِهِ ) أَيْ إذَا اقْتَدَتْ بِالْإِمَامِ مُحَاذِيَةً لَهُ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامِ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ خَلْفَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا رَجُلٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَالصَّوَابُ أَنَّ اقْتِدَاءَهَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْفَسَادُ عَلَى مَنْ بِجَنْبِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي النِّيَّةَ مِمَّنْ بِجَنْبِهَا عَلَى الْأَصْلِ الْمَارِّ إلَّا أَنَّهُ مَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَلْتَزِمُهُ عَلَى الْتِزَامِ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ مِنْ جِهَتِهَا بِالْمَشْيِ وَالْمُحَاذَاةِ فَتَحْتَاجُ إلَى الِالْتِزَامِ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً لَازِمٌ أَيْ وَاقِعٌ وَفِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ وَلَيْسَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْشِيَ فَتَحَاذَى وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَمْ تُشْتَرَطْ نِيَّةُ الْإِمَامِ هَذَا فِي صَلَاةٍ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا ، وَأَمَّا فِي صَلَاةٍ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا فَالتَّقَدُّمُ عَلَيْهِ وَمُحَاذَاتُهَا إيَّاهُ يُورِثُ الْكَرَاهَةَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَخَلَفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ صَلَاتِهَا فِي كُلِّ صَفٍّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي آخَرِ بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ( فَرْعٌ ) امْرَأَةٌ وَقَفَتْ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ وَقَدْ نَوَى إمَامَةَ النِّسَاءِ وَاسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ جِهَةً أُخْرَى لَا تَفْسُدُ ذَكَرَهُ
الْمَرْغِينَانِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالشَّامِلُ لِلْجَمِيعِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجَامِعُ أَنْ يُقَالَ : مُحَاذَاةٌ مُشْتَهَاةٌ مَنْوِيَّةُ الْإِمَامِ فِي رُكْنِ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ مَعَ اتِّحَادِ مَكَان وَجِهَةٍ دُونَ حَائِلٍ وَلَا فُرْجَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَذَا جَوَابُ الظَّاهِرِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَثِيرًا مَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِهَذَا السَّبَبِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ا هـ زَادَ الْفَقِيرُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ الْجَمَاعَاتِ الْجُمَعُ وَالْأَعْيَادُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَمَجَالِسُ الْوَعْظِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ وَقَصْدُهُمْ الشَّهَوَاتِ وَتَحْصِيلَ الدُّنْيَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَلَا يُقَالُ عَجُوزَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْعَوَامُّ تَقُولُهُ ( قَوْلُهُ لِانْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِيهِ ) أَيْ وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ فَرْطَ الشَّبَقِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَأَفْرَطَ فِي الْأَمْرِ إذَا جَاوَزَ فِيهِ الْحَدَّ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْفَرَطُ بِالتَّسْكِينِ يُقَالُ إيَّاكَ وَالْفَرَطُ فِي الْأَمْرِ وَالشَّبَقُ شِدَّةُ الْغِلْمَةِ مِنْ شَبِقَ الْفَحْلُ بِالْكَسْرِ إذَا اشْتَدَّتْ غِلْمَتُهُ أَيْ شَهْوَتُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ وَالْمُتَبَرِّجَاتِ وَذَوَاتِ الرَّمَقِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِمَا نُبَيِّنُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالصَّبِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَدَّمَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُفْتَرِضُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ ، وَأَمَّا إمَامَةُ عَمْرٍو فَلَيْسَ بِمَسْمُوعٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا قَدَّمُوهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ أَحْفَظَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ يُتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ حِينَ كَانَتْ تَمُرُّ بِهِمْ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجَوَازِ ، وَقَدْ قَالَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ وَكُنْت إذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ : أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأَفْعَالِهِمْ حُجَّةً وَاسْتَدَلُّوا بِفِعْلِ صَبِيٍّ مِثْلِ هَذَا حَالُهُ وَفِي النَّوَافِلِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ لِلْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ فَجَازَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِهِ كَالظَّانِّ وَهُوَ الَّذِي يَشْرَعُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بِخِلَافِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ، فَكَذَا هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُ بُخَارَى
وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ بِخِلَافِ الظَّانِّ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ عَدَمًا وَبِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَطَاهِرٌ بِمَعْذُورٍ ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ يُصَلُّونَ مَعَ الْحَدَثِ حَقِيقَةً لَكِنْ جَعَلَ الْحَدَثَ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا فِي حَقِّهِمْ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَدَّاهُمْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ الْحَرْفُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ ) ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أُمِّيٍّ بِأَخْرَسَ ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُكْتَسٍ بِعَارٍ وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ ) لِقُوَّةِ حَالِهِمَا وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرْضٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتْرُكُ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } وَلَنَا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ } وَهُوَ يُوجِبُ الْمُوَافَقَةَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَأَوْصَافِهَا وَفِي الْأَفْعَالِ وَصِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لَمْ تُوجَدْ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَوْ النَّفَلَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَمَا شُرِعَ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَعَ الْمُنَافِي بَلْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَافِلَةً وَمَعَ قَوْمِهِ فَرِيضَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { يَا مُعَاذُ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك } ، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ الْفَرْضَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّافِلَةَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ تَارِكًا لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْمِهِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ } النَّهْيُ عَنْ الِانْفِرَادِ لَا أَنْ يُوَافِقَ الْإِمَامَ فِي صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِينَ صَلَّيَا الْفَرْضَ فِي رِحَالِهِمَا { إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ } وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ مُطْلَقَ النَّفْلِ لَمَّا صَحَّ هَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبِمُفْتَرِضٍ آخَرَ ) أَيْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ وَآخَرُ صِفَةٌ لِفَرْضٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَرْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
صِفَةً لِمُفْتَرِضٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ آخَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالِاتِّحَادِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ضَامِنٌ أَيْ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْتِزَامِهِ فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ وَلَوْ أَفْسَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّطَوُّعَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَضَائِهِ لَا يَجُوزُ لِلِاخْتِلَافِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقْتَدِيًا بِالْآخَرِ فَأَفْسَدَاهُ ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ كَمَا يَصِحُّ قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا عَارِضٌ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ فَبَقِيَتْ نَفْلًا وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ لِقُوَّةِ النَّذْرِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَلَوْ اقْتَدَى مُقَلِّدُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوِتْرِ بِمُقَلِّدِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ ، ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ أَمْ لَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ
الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إذَا بَطَلَ يَنْقَلِبُ نَفْلًا كَشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ إذَا بَطَلَتْ تَنْقَلِبُ عَنَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَطَلَتْ جِهَةُ الْفَرْضِيَّةِ يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ ( قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ ) الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ فَسَدَتْ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ كَالطَّاهِرِ خَلْفَ الْمَعْذُورِ لَا يَكُونُ شَارِعًا وَإِنْ كَانَ لِلِاخْتِلَافِ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَارِعًا فِيهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَالظَّانِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ ) أَيْ لَا يُفْسِدُ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْسِدُ ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ بِالْمَاءِ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ { أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ } ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِهَذَا لَا تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ عِنْدَنَا وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التُّرَابَ خُلْفٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ بَدَلٌ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً وَإِنْ جُعِلَ فِي حَقِّهَا مَعْدُومًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمَاسِحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ وَبِأَحْدَبَ ) أَمَّا اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ
فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْقَائِمِ أَقْوَى مِنْ حَالِ الْقَاعِدِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَلَهُمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ؛ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إمَامًا وَلِهَذَا جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْنَى قَوْلِهَا وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ ؛ فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ مُبَلِّغًا حِينَئِذٍ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إمَامَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ حُدْبَهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ اسْتِوَاءُ نِصْفِهِ الْأَسْفَلَ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ لِوُجُودِ اسْتِوَاءِ نِصْفِهِ الْأَعْلَى ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ
فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ : يَجُوزُ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عِوَجٌ فَقَامَ عَلَى بَعْضِهَا يَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُومِئٍ بِمِثْلِهِ ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَقْصُودٌ بِدَلِيلِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ فَكَانَ الْقَاعِدُ أَقْوَى حَالًا وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى إذْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْضِ وَزِيَادَةِ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُفْتَرِضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي نَفْلًا فِي حَقِّهِ كَمَا هِيَ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ .
( قَوْلُهُ : عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ ) ، سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْجَرْمِيِّ إمَامُ قَوْمِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ ، وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ ( قَوْلُهُ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ إلَى آخِرِهِ ) وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ صَبِيٌّ يَؤُمُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي التَّرَاوِيحِ ا هـ جَوْهَرَةٌ ( قَوْلُهُ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ نَفْلُهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الظَّانِّ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إلَى آخِرِهِ ) إذْ عِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا فَسَدَ الْمَظْنُونُ قَاسَهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِهِ بِنُسُكٍ مَظْنُونٍ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ حَتَّى إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا نُسُكَ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا لِلْفِعْلِ وَالصَّدَقَةِ الْمَظْنُونِ وُجُوبُهَا فَإِنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ الْفَقِيرِ وَالْجَوَابُ الْفَرْقُ بِالْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامٍ وَإِنْ عَرَضَتْ ضَرُورَةٌ تُوجِبُ رَفْضَهُ إلَّا بِأَفْعَالٍ أَوْ دَمٍ ، ثُمَّ قَضَاءِ أَصْلِهِ مَنْ أُحْصِرَ وَاضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَتَمَكَّنْ شَرْعًا مِنْ الْخُرُوجِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ ثُمَّ الْقَضَاءِ ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنَّ الدَّفْعَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ يُوجِبُ أَمْرَيْنِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَثُبُوتُ الثَّوَابِ فَإِذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُنْتَفِيًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَطْلُبُ بِهِ ثَوَابَهُ وَقَدْ حَصَلَ وَثَبَتَ الْمِلْكُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لِلْفَقِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِخِلَافِ مَنْ دَفَعَ لِقَضَاءِ دَيْنٍ يَظُنُّهُ وَلَا دَيْنَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا قَبُولُ مَا هُوَ مِنْهَا لِلْفَرْضِ إجْمَاعًا
كَمَا فِي زِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَتَمَامِ الرَّكْعَةِ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ فَلَمْ تَلْزَمْ لُزُومُهَا إذَا ظَهَرَ عَدَمُ وُجُوبِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا إلَّا مُسْقِطًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ الْعَارِضُ ) أَيْ عَارِضُ ظَنِّ الْإِمَامِ عَدَمًا فِي حَقِّ مَنْ اقْتَدَى بِهِ فَجَعَلَ كَأَنَّ الضَّمَانَ غَيْرُ سَاقِطٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي فَبَقِيَ اقْتِدَاءُ ضَامِنٍ بِضَامِنٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ عَرَضَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الصِّبَا ؛ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ فَلَمْ يُجْعَلْ مَعْدُومًا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ ) أَيْ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ) وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِالْمَعْذُورِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا ) مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الزَّاهِدِيِّ وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةُ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ ا هـ وَفِي الضَّالَّةِ نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِمِثْلِهِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَالْمُقْتَدِي بِهَا ذَكَرٌ وَقَالَ فِي الْوَبَرِيِّ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ قَالَ الْحَدَّادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَارِئُ إذَا اقْتَدَى بِأُمِّيٍّ قِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَفِي رِوَايَةٍ عَدَمُ الشُّرُوعِ أَصَحُّ ا هـ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ يَكُونُ أُمِّيًّا حَتَّى يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ
فَعَلَى هَذَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا ا هـ كَاكِيٌّ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ فَالْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ ا هـ قَالَ الْأَكْمَلُ وَمَنْ أَحْسَنَ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ التَّنْزِيلِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أُمِّيًّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَحْفَظُ التَّنْزِيلَ بِهِ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَتِمُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمِقْدَارِ ا هـ وَلَوْ اقْتَدَى الْأُمِّيُّ بِالْقَارِئِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً فِي وَسْطِ الصَّلَاةِ قَالَ الْفَضْلِيُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتِهِ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ بِقِرَاءَةٍ وَقَالَ غَيْرُهُ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى حَالُهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا وَالْمُقْتَدِي قَارِئًا أَوْ أَخْرَسَ وَالْمُقْتَدِي أُمِّيًّا حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ وَزِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ لَا يَصِيرُ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ الْأَذَانِ يَصِيرُ شَارِعًا وَفِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَكَذَا إذَا شَرَعَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَوْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَ الْجِهَةِ يُوجِبُ فَسَادَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ا هـ دِرَايَةٌ وَهَذَا الْفَرْعُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً وَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ عِنْدَ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ
حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا ا هـ قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْفَظْ يَكُونُ أُمِّيًّا اُنْظُرْ إلَى مَا كُتِبَ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا مِنْ مُصْحَفٍ مَفْسَدَةٌ مَنْقُولًا عَنْ أَبِي الْبَقَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ا هـ ( قَوْلُهُ لِقُوَّةِ حَالِهِمَا إلَى آخِرِهِ ) الْمُرَادُ بِقُوَّةِ الْحَالِ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِمَّا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَقِّلٍ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْبَعْضِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذُكِرَ إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامُ الْحَدَثَ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ، وَكَذَا الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ وَقَالُوا صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِهِ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءَ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ
إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ } لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ { كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ } انْتَهَى كَمَالٌ ( قَوْلُهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَى آخِرِهِ ) الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَقَدْ رَدَّ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الزِّيَادَةَ الَّتِي هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَقَالَ قَدْ رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ مِنْ قَوْلِ عَمْرٍو أَوْ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ وَاجْتِهَادٍ لَا يَجْزِمُ ا هـ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَضَعَّفَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَالَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ا هـ قَوْلُهُ إذْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءٌ إلَى آخِرِهِ ) لَعَلَّ لَا زَائِدَةٌ ا هـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ إلَى آخِرِهِ ) كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَى هَذَا فَلَفْظَةُ لَا مِنْ قَوْلِهِ إذْ لَا يَجُوزُ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ ا هـ وَفِي مُسَوَّدَةِ الْمُصَنِّفِ لَفْظَةُ لَا ثَابِتَةٌ وَلَفْظَةُ إلَّا سَاقِطَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ إلَى آخِرِهِ ) وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ
ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهَا عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ وَمُفْتَرِضٍ مُتَنَفِّلًا وَلَا نَعْكِسُ ا هـ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَاضِي بِالْقَاضِي إذَا فَاتَهُمَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَالْأَدَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْغَايَةِ قَالَ قَبِيلُ الْكَلَامِ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ وَلَوْ نَسِيَ رَجُلٌ الظُّهْرَ وَآخَرُ الْعَصْرَ فَأَمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَاتَتْهُمَا مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ حَتَّى فَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَتُنْتَقَصُ بِسَهْوِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ وَعَلَى الْمَوْجُودِ صَحِيحٌ فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ انْعَقَدَتْ تَحْرِيمَةُ الْقَوْمِ لِصَلَاةٍ مَوْصُوفَةٍ بِوَصْفِ عَدَمِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ اتَّصَفَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَجَبَتَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَكَانَ بِنَاءً عَلَى الْمَوْجُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِعَيْنِ مَا نَذَرَ بِهِ صَاحِبُهُ ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ نَذَرْت أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَذَرَهُمَا فُلَانٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ إلَى آخِرِهِ ) وَلَا مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهِمَا ا هـ زَادَ الْفَقِيرُ ( قَوْلُهُ بِمُقَلَّدِ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ وَمُحَمَّدٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ ) قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَعِنْدِي نَظِيرُهُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ أَنَّهُ
لَا يَصِيرُ شَارِعًا إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا عَنْ الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ لَا اقْتِدَاءَ مُتَوَضِّئٍ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَيْ لَا يُفْسِدُ إلَى آخِرِهِ ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَصْلُهُ فَرْعٌ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ وَمَنَعَهُ زُفَرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ عَنْ الْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ ) وَالْمُحْدِثُ الْمُتَيَمِّمُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْجُنُبِ الْمُتَيَمِّمِ ا هـ كُنُوزُ الْفِقْهِ لِلْمَرْعَشِيِّ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ ) أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ ا هـ قَوْلُهُ { فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ الظُّهْرَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي إنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ الظُّهْرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ ( قَوْلُهُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ) هُمَا عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ ا هـ ( قَوْلُهُ يَسْمَعُ النَّاسُ تَكْبِيرَهُ إلَى آخِرِهِ ) فِي الدِّرَايَةِ وَبِهِ يُعْرَفُ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ أَقُولُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ خُصُوصَ الرَّفْعِ الْكَائِنِ فِي
زَمَانِنَا بَلْ أَصْلُ الرَّفْعِ لِإِبْلَاغِ الِانْتِقَالَاتِ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مُدَّةِ هَمْزَةِ اللَّهِ أَوْ أَكْبَرِ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَإِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ الَّذِي بِسَاطُهُ ذَلِكَ الصِّيَاحُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا يَفْسُدُ وَلِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ وَفِي الثَّانِي لِإِظْهَارِهَا وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ وَا مُصِيبَتَاهْ أَوْ أَدْرَكُونِي أَفْسَدَ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ إذَا حَصَلَ بِهِ الْحُرُوفُ وَهُنَا مَعْلُومٌ إنْ قَصَدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ وَلَوْ قَالَ أُعْجِبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ وَلَا أَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ كَمَا لَا أَرَى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ ، وَمَا ذَاكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلُ حَاجَةٍ مِنْ مِلْكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ بِتَحْرِيرِ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّرْتِيبِ وَالرُّجُوعِ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ النُّونِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ الرُّكُوعَ يُشِيرُ بِرَأْسِهِ لِلرُّكُوعِ ؛ لِأَنَّهُ
عَاجِزٌ عَمَّا هُوَ أَعْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ فَتَاوَى الْقَاضِي إذْ فِيهَا وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ ا هـ فَأَطْلَقَ كَمَا تَرَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَى آخِرِهِ ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاَلَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي نُسَخٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِقَدَمِ الْإِمَامِ عَوَجٌ ) الْعَوَجُ بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْأَجْسَادِ خِلَافُ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ تَعَبٍ يُقَالُ عَوِجَ الْعُودُ وَنَحْوُهُ فَهُوَ أَعْوَجُ وَالْأُنْثَى عَوْجَاءُ مِنْ بَابِ أَحْمَرُ وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي الدِّينِ عِوَجٌ وَفِي الْأَمْرِ عِوَجٌ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ قَائِمًا لَا يَجُوزُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَقْوَى وَالْقُعُودَ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِهِ دُونَ الْمُضْطَجِعِ فَتَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ كَذَا عَلَّلَ فِي الْغَايَةِ قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ إلَى آخِرِهِ ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ : لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمَوَاهِبَ وَالْمُغَايِرَةُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ثَابِتَةٌ وَجَوَابُهُمَا مَا قُلْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ { وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَبِي ذَرٍّ كَيْفَ بِك يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا كَانَ أُمَرَاءُ سَوْءٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَلِّ فِي بَيْتِك ، ثُمَّ اجْعَلْ صَلَاتَك مَعَهُمْ سُبْحَةً } ا هـ دِرَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعِيدُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْجُنُبُ وَاَلَّذِي فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيُّمَا إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ ، ثُمَّ لِيَغْتَسِل هُوَ ، ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ } وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَوْمَ بِالْإِعَادَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَالِ الْإِمَامِ فَتَعَذَّرَ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ } وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَأَعَادَ بِهِمْ } ؛ وَلِأَنَّ صَلَاتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَكَمَا إذَا بَانَ أَنَّ الْإِمَامَ كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُمِّيٌّ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا الْمُحْدِثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَا مُعْتَبَرًا بِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِطْلَاعِ فِي الشُّرُوطِ وَمَا رَوَاهُ وَضَعَّفَهُ أَبُو الْفَرَجِ ، وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ بِالِاحْتِيَاطِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْجُرُف فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ احْتَلَمَتْ وَمَا شَعَرَتْ وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلَتْ قَالَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَهُ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى .
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يُعِيدُ ) أَيْ وَفِي الْجُمُعَةِ يُعِيدُ عِنْدَهُمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ فِيهِمَا نَقْلًا عَنْ أَبِي الْفَرَجِ لَا يُعْرَفَانِ ا هـ ( فَرْعٌ ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى أَمَّهُمْ زَمَانًا ، ثُمَّ قَالَ إنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَصَلَّيْت مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةٌ ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ لِفِسْقِهِ بِاعْتِرَافِهِ ا هـ فَتْحٌ ( فَرْعٌ ) نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ جُمَلِ النَّوَازِلِ شَكَّ فِي إتْمَامِ وُضُوءِ إمَامِهِ جَازَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْإِتْمَامُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْجَنَابَةِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : إنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْجُرْفِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالسُّكُونِ لِلتَّخْفِيفِ مَا جَرَفَتْهُ السُّيُولُ وَأَكَلَتْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَبِالْمُخَفَّفِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ عَلَى فَرْسَخٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ) أَيْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ أَمَّ قَوْمًا مَعْذُورِينَ وَغَيْرَ مَعْذُورِينَ فَصَارَ كَالْعَارِي إذَا أَمَّ قَوْمًا لَابِسِينَ وَعُرَاةً ، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ إذَا أَمُّوا تَبْطُلْ صَلَاةُ غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ لَا غَيْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْقَارِئِ حَتَّى تَكُونَ صَلَاتُهُ بِقِرَاءَةٍ فَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَقْرَأُ وَمِمَّنْ لَا يَقْرَأُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْذَارِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ فَتَرْكُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ سِتْرُ الْإِمَامِ سِتْرًا لِلْقَوْمِ حَتَّى لَا تَكُونَ عَوْرَتُهُمْ مَسْتُورَةً بِسِتْرِ عَوْرَةِ الْإِمَامِ ، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلَا يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْإِمَامِ مَوْجُودًا فِي حَقِّهِمْ فَافْتَرَقَا ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ عِنْدَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ الْقَارِئُ وَلَمْ يَنْوِ الْأُمِّيُّ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ كَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُهُ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْكَرْخِيِّ ، وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرُ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَمَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافَ زُفَرَ هُوَ يَقُولُ : إنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْأُمِّيَّ أَضْعَفُ حَالًا وَأَنْقَصُ صَلَاةً مِنْ الْقَارِئِ فَلَا يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْقَادِرُ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ قَادِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْجُمُعَةَ وَالْحَجَّ عَلَى الضَّرِيرِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا يَمْشِي مَعَهُ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ قَادِرًا فِي مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُلْنَا : إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَهُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْقَارِئِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا ) أَيْ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ قَادِرٌ عَلَى التَّكْبِيرِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إلَى آخِرِهِ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَدِي بِهِ مُتَنَفِّلًا الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ إفْسَادٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ هَذَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْأُمِّيُّ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا بَلْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي ذَلِكَ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ : اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ صَحِيحٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ : لَا يَصِحُّ أَصْلًا هَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْغَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا قَدَّمَهُ ) أَيْ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( تَوَضَّأَ وَبَنَى ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيُ وَالِانْحِرَافُ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثَ الْعَمْدَ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَيُقَدِّمْ مِنْ لَمْ يَسْبِقْ بِشَيْءٍ } ؛ وَلِأَنَّ الْبَلْوَى فِيمَا سَبَقَ فَلَا تُلْحِقُ بِهِ مَا يَتَعَمَّدُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَقِيلَ : إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤْتَمُّ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَالْمُنْفَرِدُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَالْمُقْتَدِي يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ حَتْمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَقِيلَ مَنْزِلُهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ ؛ لِأَنَّهُ مَشْيٌ بِلَا حَاجَةٍ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ وَمَكَثَ سَاعَةً ، ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَفِي الْمُنْتَقَى إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَقَامِهِ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَلَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا تَفْسُدُ وَآيِبًا لَا وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ الْفَسَادُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ وَفِي الثَّانِي مَعَ
الْمَشْيِ ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ : لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَا يَبْنِي ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَحْدَثَ فِي سُجُودِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ يُرِيدُ بِهِ إتْمَامَ سُجُودِهِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ لَا تَفْسُدُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ سَمَاوِيًّا حَتَّى لَوْ أَصَابَتْهُ شَجَّةٌ أَوْ عَضَّةُ زُنْبُورٍ فَسَالَ مِنْهَا دَمٌ لَا يَبْنِي ؛ لِأَنَّهُ بِصُنْعِ الْعِبَادِ مَعَ نُدْرَتِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِهِ وَلَوْ وَقَعَتْ طُوبَةٌ مِنْ سَطْحٍ أَوْ سَفَرْجَلَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ تَعَثَّرَ بِشَيْءٍ مَوْضُوعٍ فِي الْمَسْجِدِ فَأَدْمَاهُ قِيلَ يَبْنِي لِعَدَمِ صُنْعِ الْعِبَادِ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنَحَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ بِقُوَّتِهِ وَقِيلَ يَبْنِي وَقِيلَ لَا يَبْنِي وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْكُرْسُفُ بِغَيْرِ صُنْعِهَا مَبْلُولًا بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَبِتَحْرِيكِهَا بَنَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْنِي وَإِنْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَغَسَلَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ مِنْهُ بَنَى وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خَارِجٍ لَا يَبْنِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ هَذَا غَسْلٌ لِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ ابْتِدَاءً وَفِي الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلْوُضُوءِ وَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ وَمِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ لَا يَبْنِي وَإِنْ كَانَتَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا لِلْوُضُوءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ وَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً وَإِنْ زَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (
وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا ) أَيْ إنْ كَانَ إمَامًا لِمَا رَوَيْنَا وَصُورَةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَتَأَخَّرَ مُحْدَوْدِبًا وَاضِعًا يَدَهُ فِي أَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ فَيَنْقَطِعُ عَنْهُ الظُّنُونُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَدِّمُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه وَلَا يَسْتَخْلِفُ بِالْكَلَامِ بَلْ بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ وَفِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ هَذَا الْحَدَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صُفُوفٌ مُتَّصِلَةٌ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُمْ بِنَفْسِ الِانْحِرَافِ لَكِنْ فِي الْمَسْجِدِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ خَارِجَهُ وَلِهَذَا لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كَمَا لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ ) أَيْ اسْتَخْلَفَ فِي الْحَدَثِ كَمَا يَسْتَخْلِفُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا إذَا حَضَرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بَلْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ فِيمَا يَغْلِبُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بَعِيدٌ فَصَارَ كَالْجَنَابَةِ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدَثِ لَوْ وُجِدَ مَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَبْنِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْلَافِ ، وَلِهَذَا لَوْ
تَعَلَّمَ مِنْ مُصْحَفٍ أَوْ عَلَّمَهُ إنْسَانٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَاعْتَرَاهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَحُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ أَمَّا إذَا قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَسْتَخْلِفُ بَلْ يَرْكَعُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا نَسِيَ الْقُرْآنَ وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الْقَارِئِ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ ) كَتَبَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَرْجَمَةً وَهِيَ قَوْلُهُ بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْهَا ضَمَّهُ إلَى بَابِ الْإِمَامَةِ فَقَالَ بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ مَشَى الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ إلَى آخِرِهِ ) عَنْ الْعَلَّامَةِ فَخْرِ الدِّينِ الْمَايَمُرْغِيِّ الْبِنَاءُ فِي الْأَحْدَاثِ الْخَارِجَةِ مِنْ بَدَنِهِ مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ بِلَا قَصْدِهِ لِلْحَدَثِ أَوْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ تَوَقُّفٍ أَوْ فِعْلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ مِمَّا لَهُ بُدٌّ مِنْهُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ قَاءَ إلَى آخِرِهِ ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْيَبْنِ أَمْرٌ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ الْإِبَاحَةُ فَيَثْبُتُ شَرْعِيَّةُ الْبِنَاءِ وَلَا يُقَالُ قَوْلُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ لِلْوُجُوبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَلْيَبْنِ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا قُلْنَا لَا يَضُرُّنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ يَكُونُ الْمُدَّعِي أَثْبَتَ لَكِنَّ الْبِنَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ ) الْحَدِيثُ الثَّانِي قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِيهِ : إنَّهُ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَحْدَثَ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ } وَلَوْ صَحَّ مَا رَوَاهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُهُ الْمَسْبُوقُ إذْ لَا صَارِفَ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ الْوُضُوءِ ا هـ (
قَوْلُهُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا الْجَوَابُ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ) أَيْ فَيَتَخَيَّرُ ا هـ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِلِ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ ) أَيْ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا الصَّلَاةَ فِي مَكَان وَاحِدٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ، ثُمَّ لَوْ حَمَلَ الْإِنَاءَ بَعْدَ الْوُضُوءِ إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ الْبِنَاءُ وَلَوْ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَبْنِي ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ فِي حَالِ نَوْمِهِ ، ثُمَّ انْتَبَهَ وَذَهَبَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ فِي حَالِ نَوْمِهِ كَالْعَدَمِ ا غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جُزْءٌ ) الَّذِي فِي مُسَوَّدَةِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُؤَدِّ ا هـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ تَرَكَ رُكُوعًا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ مُشِيرًا إلَيْهِ وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَفِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْفَمِ وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى أَنْفِهِ ا هـ وَفِي الْغَايَةِ لِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَسَجْدَةٍ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَفِي اثْنَتَيْنِ بِإِصْبَعَيْنِ وَفِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ يَضَعُ إصْبَعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَلِسَانُهُ وَفِي السَّهْوِ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ بِتَحْوِيلِ رَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا قَالَ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا بَلْ يَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ ا هـ وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى
أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَأَخَّرُ مَحْدُودٌ بِإِثْمٍ يَنْصَرِفُ ا هـ ( قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ إلَى آخِرِهِ ) قُلْنَا هُوَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَمَا وُجِدَ مِنْهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ فَلِذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا أَوْ أَيْبًا تَفْسُدُ لِأَدَائِهِ رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ أَوْ الْمَشْيِ وَإِنْ قِيلَ تَفْسُدُ فِي الذَّهَابِ لَا الْإِيَابِ وَقِيلَ بَلْ فِي عَكْسِهِ بِخِلَافِ الذِّكْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ا هـ فَتْحٌ ( فُرُوعٌ ) مِنْ الْغَايَةِ وَلَوْ جَاوَزَ الْمَاءَ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ كَاكِيٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ يَبْنِي وَلَوْ اسْتَقَى مَاءً لِوُضُوئِهِ أَوْ خَرَزَ دَلْوَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبِنَاءِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ يَسْتَقِي مِنْ الْبِئْرِ وَيَبْنِي قَالَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ لَا يَبْنِي وَذَكَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَبْنِي وَلَمْ يُحْكَ خِلَافًا وَرَوَى أَبُو سَلِيمَانِ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِقَاءَ مِنْ الْبِئْرِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا أَوْ الْبِئْرُ قَرِيبَةً تَحْتَاجُ إلَى النَّزَحِ يَخْتَارُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مُؤْنَةً وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ بِالْإِشَارَةِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِالتَّعَاطِي أَوْ نَسِيَ ثَوْبَهُ فِي مَوْضِعِ الْوُضُوءِ فَرَجَعَ وَأَخَذَهُ لَا يَبْنِي وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ بِرَأْسِهِ فَرَجَعَ وَمَسَحَ يَجْزِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَالْمُجْتَبَى نَزْحُ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لَا يُفْسِدُ وَلَوْ كَانَ الدَّلْوُ مُتَخَرِّقًا فَحِرْزُهُ تَفْسُدُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَوْ أَحْدَثَ رَاكِعًا وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ
إلَى آخِرِهِ ) وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى ا هـ غَايَةٌ أَيْ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلِانْصِرَافِ فَمُجَرَّدُهُ لَا يَمْنَعُ فَلَمَّا اقْتَرَنَ بِهِ التَّسْمِيعُ ظَهَرَ قَصْدُ الْأَدَاءِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ مَعَ نَدْرَتِهِ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالضَّمِّ لُغَةً ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ عَلَى الِاخْتِلَافِ ) أَيْ لِأَنَّ الْوَضْعَ وَالْإِنْبَاتَ مِنْ صُنْعِهِمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ بَنَتْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) أَيْ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَصَوُّرِ بِنَائِهَا كَالرَّجُلِ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ ا هـ فَتْحٌ قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ رُسْتُمَ أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْبِنَاءُ ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ فِي الْحَدِيثِ تَتَنَاوَلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا اسْتَنْجَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَسَدَتْ ، ثُمَّ نُقِلَ مِنْ التَّجْرِيدِ يَسْتَنْجِي مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا اسْتَقْبَلَ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ إنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ وَجَدَ بِأَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَسَدَتْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا إلَى آخِرِهِ ) أَوْ كَشَفَتْ رَأْسَهَا لِلْمَسْحِ ا هـ فَتْحٌ بِالْمَعْنَى قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنْ أَمْكَنَهَا الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهَا بِأَنْ يُمْكِنَهَا غَسْلُ ذِرَاعَيْهَا فِي الْكُمَّيْنِ وَمَسْحُ رَأْسِهَا مَعَ الْخِمَارِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ رَقِيقًا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَكَشَفَتْهَا لَا تَبْنِي وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا جُبَّةٌ وَخِمَارٌ ثَخِينٌ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ جَازَ
كَالرَّجُلِ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ النَّجَاسَةِ الْمُخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ الْجَوَابَ ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهَا الْغَسْلَ فِي الْكُمَّيْنِ حَرَجًا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَإِنْ رُوِيَ جَوَازُ كَشْفِهِمَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَاسْتَخْلَفَ لَوْ إمَامًا إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَوْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ بَعْدَمَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَتَأَخَّرَ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَى مَقَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ الْإِمَامُ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَا مَعًا فَأَيُّهُمَا اقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ فَهُوَ الْإِمَامُ وَلَوْ اقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ فَصَلَاةُ الْأَكْثَرِ مَعَ إمَامِهِمْ جَائِزَةٌ وَصَلَاةُ الْأَقَلِّينَ مَعَ إمَامِهِمْ فَاسِدَةٌ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا ا هـ وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَلْآنَ وَصُفُوفٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ جَمِيعًا بِالْإِمَامِ فَخَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ وَاحِدًا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ ا هـ ش الطَّحَاوِيُّ ( قَوْلُهُ إنْ كَانَ إمَامًا ) أَيْ إنْ كَانَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ إمَامًا ا هـ ( قَوْلُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ قَدْ رَعَفَ ) أَيْ آخِذًا بِثَوْبِ رَجُلٍ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ مُشِيرًا إلَيْهِ ا هـ قَوْلُهُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه ) أَيْ لِقُرْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَابَهُ نَائِبَةٌ اسْتَخْلَفَ مِنْهُمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ كَانَ عَلَيْهِ
الِاسْتِخْلَافُ لِيَصِيرَ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ كَغَيْرِهِ فَيَتْرُكَ الِاسْتِخْلَافِ لِمَا أَنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ فَلَأَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ كَانَ أَوْلَى وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ لَا تَفْسُدُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ آخَرِ الصُّفُوفِ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صِفَةٍ وَمَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْخَلِيفَةُ إلَى مَكَانِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ الصُّفُوفِ الَّتِي خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَسْتَخْلِفُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَ جَامِعِ الْمَنْصُورِ وَجَامِعِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ا هـ غَايَةٌ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ يَنْتَظِرُونَ وَرَجَعَ إلَى مَكَانِهِ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ أَجُزْأَهُمْ ا هـ غَايَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ لَوْ سَبَقَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَفِي الِاسْتِخْلَافِ خِلَافٌ كَذَا فِي الْغَايَةِ قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ لَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ ) الْحَصَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعِيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَصِرَ مِثْل لَبِسَ فَهُوَ حَصَرٌ وَمِنْهُ إمَامُ حَصَرٍ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْرَأَ وَضَمُّ الْحَاءِ فِيهِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ
وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصِرَ عَنْهُ ا هـ نِهَايَةٌ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَصِرَ عَلَى فَعِلَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ مَنَعَ وَحَبَسَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ وَبِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ مِنْ شَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ بُرْهَانِ الدِّينِ الخريفغني رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِمَا صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ أَيْضًا فِي كُتِبَ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ ، وَأَمَّا إنْكَارُ الْمُطَرِّزِيُّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي مَكْسُورِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولٌ مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلَهُ لَا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ فَافْهَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ هُنَا أَلْزَمُ ) أَيْ أَثْبَتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَجْزِ فِي الْحَدَثِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَى زِيَادَةِ أُمُورٍ غَالِبًا ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا عَنْ فَاقِدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَصَارَ أُمِّيًّا فَاسْتِخْلَافُهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا لَحِقَهُ خَجَلٌ أَوْ خَوْفٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ أَمَّا إذَا نَسِيَ فَصَارَ أُمِّيًّا لَمْ يَجْرِ وَتَقَدَّمَ فِي دَلِيلِهِمَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ فِي النِّسْيَانِ وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا فَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ النِّسْيَانُ هُنَاكَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يَظُنُّ الْحَدَثَ أَوْ جُنَّ أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ ) وَقَوْلُهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ مَعْنَاهُ يَظُنُّ الْحَدَثَ مِنْهُ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ انْصَرَفَ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَأَلْحَقَ قَصْدَ الْإِصْلَاحِ بِحَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا أَلْحَقْنَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَظَنَّ أَنَّ مُدَّةَ مَسْحِهِ قَدْ انْقَضَتْ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى سَرَابًا فَظَنَّهُ مَاءً أَوْ كَانَ فِي الظُّهْرِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ وَلِهَذَا لَوْ تَحَقَّقَ مَا تَوَهَّمَهُ يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالدَّارُ وَالْجَبَّانَةُ وَالْجِنَازَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَرْأَةُ إذَا نَزَلَتْ مِنْ مُصَلَّاهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلِهَذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاء لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ تَقَدَّمَ قُدَّامُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ سُتْرَةٌ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ
وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ لَمْ يَأْتِ بِالرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ أَتَى فَسَدَتْ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِالرُّكُوعِ الرُّكْنَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ قَامَ الْخَلِيفَةُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ نَفْسَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيَكُونُ مُفْسِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْحَدَثِ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِلْعُذْرِ وَلَا عُذْرَ هُنَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ فَحَدُّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَقِيلَ مِقْدَارُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ احْتَلَمَ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَادِرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي مَكَانِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْبِنَاءِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ وَفِي الِاحْتِلَامِ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْحَدَثِ .
( قَوْلُهُ يَظُنُّ ) بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ جُنَّ ) يُقَالُ جُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَلَا يُقَالُ جَنَّهُ اللَّهُ بَلْ أَجَنَّهُ اللَّهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيَاسُهُ مُجَنٌّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ اسْتَقْبَلَ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ هَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا لَوْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَارِجًا عَنْهَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ قِيلَ الْخُرُوجُ بِفِعْلِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوجَدْ قُلْنَا وُجِدَ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا صَارَ مُحْدِثًا بِهَا لَا بُدَّ مِنْ اضْطِرَابٍ أَوْ مُكْثٍ بَعْدَ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْمُكْثَ إذًا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ وَهُوَ صُنِعَ كَيْفَمَا كَانَ فَحِينَئِذٍ وُجِدَ الصُّنْعُ إمَّا مِنْ حَيْثُ الِاضْطِرَابُ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثُ ا هـ قَوْلُهُ مَعْنَاهُ يُظَنُّ الْحَدَثُ مِنْهُ ) أَيْ بِأَنْ ظَنَّ الْمُخَاطَ رُعَافًا مَثَلًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبُغَاةِ إلَى آخِرِهِ ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ كَالْأَهْلِ الْعَدْلِ وَإِنَّمَا افْتَرَقُوا فِي الْآثَامِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ لَظَنَّ فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا جَازَ الْبِنَاءُ فَظَهَرَ خِلَافُهُ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِنْ كَانَ لَوْ كَأَنْ لَمْ يَجُزْ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ إلَى آخِرِهِ ) وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةً أَنْ يُعْتَبَرَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ انْتَهَى فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جَازَتْ ) أَيْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَا صَلَاةُ الْإِمَامِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَيَتَوَضَّأُ لِيَأْتِيَ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ تَعَمَّدْهُ أَوْ تَكَلَّمْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ) أَيْ تَعَمَّدْ الْحَدَثَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَكَذَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِمَا قُلْنَا ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَبْطُلُ وُضُوءُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ الْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِعَادَتِهِمَا فَإِذَا لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ قُلْنَا وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَوُجُودِهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَصَارَ كُنْيَةَ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ أَرْبَعًا بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى الْبِنَاءِ ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السُّجُودِ يَرْفَعُ السَّلَامَ دُونَ الْقَعْدَةِ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ ، ثُمَّ الْقَوْمُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَهُمْ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَهْقَهَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ، ثُمَّ قَهْقَهُوا حَيْثُ يَبْطُلُ وُضُوءُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مَعًا بَطَلَ وُضُوءُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ إلَى آخِرِهِ ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَوْدُ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ كَالْعَوْدِ إلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ إلَى آخِرِهِ ) اُنْظُرْ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ كَمَا تَفْسُدُ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً ) أَيْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ رَآهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لَا تَبْطُلُ وَلَوْ قَدَرَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ بَطَلَتْ فَدَارَ الْحُكْمُ عَلَى الْقُدْرَةِ لَا غَيْرُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ فَرَأَى الْمُؤْتَمُّ الْمُتَوَضِّئُ الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءً لَشَمِلَ الْكُلَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ ) هَذَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ لَا حَظَّ لَهُمَا مِنْ التَّيَمُّمِ وَقِيلَ تَبْطُلُ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَسْرِي إلَى الْقَدَمِ فَيَتَيَمَّمُ إذَا بَقِيَ لَمْعَةٌ مِنْ عُضْوِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَمَّتْ الْمُدَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَبْنِي ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِمَا لِلْحَالِ فَصَارَ كَحَدَثٍ سَبَقَهُ لِلْحَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَوَجَدَ مَاءً فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا أَحْدَثَتْ فِي الصَّلَاةِ ، ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ ) بِأَنْ كَانُوا وَاسِعَيْنِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمُعَالَجَةِ فِي النَّزْعِ
وَإِنْ كَانَ النَّزْعُ بِفِعْلٍ عَنِيفٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِفِعْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَعَلَّمَ أُمِّيٌّ سُورَةً ) أَيْ تَذَكَّرَ أَوْ حَفِظَهَا بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ يَقْرَأُ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِالتَّعَلُّمِ ، أَمَّا لَوْ تَعَلَّمَ حَقِيقَةً تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ صَنْعَةٍ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ قَاطِعٌ وَقَوْلُهُ سُورَةٌ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَالْآيَةُ تَكْفِي وَهَذَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا بِحَيْثُ تَجُوزُ إمَامَتُهُ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ قَارِئٍ فَقَدْ قِيلَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ فَقَدْ تَكَامَلَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَبِنَاءُ الْكَامِلِ عَلَى الْكَامِلِ جَائِزٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْقِرَاءَةِ حَقِيقَةٌ فَوْقَ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ وَجَدَ عَارٍ ثَوْبًا ) أَيْ ثَوْبًا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَتْ فِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَكِنْ رُبْعُهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرٌ وَهُوَ سَاتِرٌ لِلْعَوْرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ قَدْرٌ مُومِئٌ ) أَيْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً ) أَيْ فَائِتَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَعْدُ ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَائِتَةً عَلَى الْإِمَامِ فَتَذَّكَّرهَا الْمُؤْتَمُّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ وَحْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا ) لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي حَقِّ الْقَارِئِ لَا بِالِاسْتِخْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ حَتَّى جَازَ اسْتِخْلَافُ الْقَارِئِ ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ
أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يُؤَثِّرُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ رُخْصَةً وَلِهَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ فَكَذَا هُنَا لَا حَاجَةَ إلَى إمَامٍ لَا تَصْلُحُ صَلَاتُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ بُرْءٍ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ ) كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِمَعْنَاهَا إذَا اسْتَوْعَبَ الِانْقِطَاعَ وَقْتًا كَامِلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَلَقَّبَهَا اثْنَا عَشْرِيَّةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْمُرَكَّبِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ عَدَدَهَا اثْنَا عَشْرَةَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا مَسَائِلُ فَمِنْهَا إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالثَّوْبِ النَّجِسِ فَوَجَدَ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْقَضَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْأَوْقَاتُ الْمَكْرُوهَةُ مِنْ الزَّوَالِ وَتَغَيُّرِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ أَوْ طُلُوعِهَا ، وَمِنْهَا الْأَمَةُ إذَا كَانَتْ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَأَعْتَقَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تَسْتُرْ عَوْرَتَهَا مِنْ سَاعَتِهَا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إذَا عَرَضَ لَهُ وَاحِدَةً مِنْهَا بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ كَانَ خَلْفَهُ لَوْ كَانَ إمَامًا وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَعَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ
التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ ، وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ، ثُمَّ قِيلَ : هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لَهُمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا مِثْلَهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } يَعْنِي مِنْ قُرْبٍ مِنْ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مِنْ وَقْفٍ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيُّ لَمَّا رَأَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَقَالَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ : إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا بِفِعْلِهِ ، فَقَالَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَهُوَ السَّلَامُ وَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا قَالَ
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ لَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ .
( قَوْلُهُ وَبَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ إلَى آخِرِهِ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ بِاَلْاِثْنَا عَشْرِيَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءَ إلَى آخِرِهِ ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ ا هـ غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هُنَاكَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قُلْنَا : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُنْتَقَضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُنْتَقَضْ التَّيَمُّمُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ حَالَ قِيَامِ الْخُلْفِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِقَاضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ وَعَلَيْك بِمُرَاجَعَةِ هَذَا الْمَحَلِّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَتِهِ الْمَاءِ ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ أَوْ مُقْتَدٍ بِهِ مَاءٌ لَشَمِلَ الْكُلَّ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى مَاءً فَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ وَلَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ قَدْرَ