كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْفَضِيلَةُ ، وَالْأَبُ أَفْضَلُ ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ ، وَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ ، وَلَهُ وَلِيٌّ حُرٌّ فَالْمَوْلَى أَوْلَى عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً ، وَلَوْ تَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ كَانَ الْوَلِيُّ أَوْلَى ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلِيٌّ فَالزَّوْجُ أَوْلَى ثُمَّ الْجِيرَانُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ أَوْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الدَّفْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَذَّنُ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ لَا بَأْسَ بِالْأَذَانِ أَيْ الْإِعْلَامِ ، وَهُوَ أَنْ يُعْلِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَقْضُوا حَقَّهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ يُتَبَارَكُ بِهَا ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعَوْنَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ
وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقَّ لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَمْ يُصَلِّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَمَا صَلَّى الْوَلِيُّ ، وَكَذَا بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ وَبَعْدَ كُلِّ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَهْلُهُ } ، وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَأَدَّى بِالْأُولَى ، وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلِهَذَا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَتَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْيَوْمَ كَمَا وُضِعَ لِأَنَّ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَأْكُلُهَا التُّرَابُ ، وَإِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ ) إقَامَةً لِلْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ .
( قَوْلُهُ : وَطَهَارَتُهُ ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ا هـ وَسُئِلَ قَاضِي خَانْ عَنْ طَهَارَةِ مَكَانِ الْمَيِّتِ هَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ قَالَ : إنْ كَانَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنَازَةٍ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ مَكَانِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَدٍّ ، وَهَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ وَسُئِلَ عَمَّنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ هَلْ يَكْفُرُ قَالَ نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ ا هـ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا وَضْعُهُ أَمَامَ الْمُصَلِّي فَلِهَذَا الْقَيْدِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ ، وَلَا حَاضِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا ، وَلَا مَوْضُوعٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُصَلِّي ا هـ كَمَالٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ، وَلَوْ أَخْطَئُوا بِالرَّأْسِ وَوَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِ الرِّجْلَيْنِ وَصَلَّوْا عَلَيْهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا إنَّمَا الْحَاصِلُ تَغْيِيرُ صِفَةِ الْوَضْعِ ، وَذَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءُوا لِتَغْيِيرِهِمْ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَخْ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ بَعْدُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ فَيُغَسَّلُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامُ الْحَيِّ حَاضِرًا فَالْوِلَايَةُ بَعْدُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا وِلَايَةَ لِإِمَامِ الْحَيِّ إنَّمَا الْوِلَايَةُ لِلْأَوْلِيَاءِ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِأَقْرَبِ أَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ا هـ وَإِمَامُ الْحَيِّ إمَامُ مَسْجِدِ حَارَتِهِ ا هـ ع قَالَ الْكَمَالُ : وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَفِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ
جَائِزَةٌ وَيُؤْمَرُ فُلَانٌ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتُ أَحَدًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَرِيبِ لِرِضَاهُ بِهِ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ ) قَالَ الْكَمَالُ وَتَعْلِيلُ الْكِتَابِ يُرْشِدُ إلَيْهِ ا هـ يَعْنِي بِالتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَتَرْتِيبُ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُهُ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْقَرِيبِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ ، وَلَهُ أَبٌ فَالْوِلَايَةُ لِابْنِهِ ، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ الْجَدَّ تَعْظِيمًا وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ابْنُهُ أَوْ عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لَهُ لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ مَوْلَاهُ احْتِرَامًا لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَخْ ) فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبُو الْمَعْتُوهَةِ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا مِنْ ابْنِهَا ، وَعِنْدَهُمَا الِابْنُ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ : عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِغَيْرِهِ ) كَمَا فِي أَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَسَنُّهُمْ أَوْلَى ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْأَسَنُّ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلصَّغِيرِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرُّتْبَةِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا الْأَسَنَّ بِالسُّنَّةِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ { لِيَتَكَلَّمْ أَكْبَرُكُمَا } ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَبَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ : سَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا ابْنٌ فَإِنْ كَانَ فَالزَّوْجُ أَوْلَى مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ ، وَهُوَ يُقَدِّمُ أَبَاهُ ،
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا شَقِيقًا وَالْآخَرُ لِأَبٍ جَازَ تَقْدِيمُ الشَّقِيقِ الْأَجْنَبِيَّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ إلَخْ ) أَيْ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ ، وَإِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْإِعَادَةُ ا هـ جَوْهَرَةٌ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالِانْصِرَافِ إلَخْ ) أَيْ إلَى حَالِهِمْ لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا حُضُورَ الدَّفْنِ ، وَلَهُمْ مَوَانِعُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ انْصِرَافَهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مَكْرُوهٌ ، وَعِبَارَةُ الْكَافِي إنْ فَرَغُوا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَمْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهُوا إلَى الْقَبْرِ ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فَقَدْ يَتَحَرَّجُونَ وَالْإِذْنُ مُطْلَقٌ لِلِانْصِرَافِ لَا مَانِعٌ مِنْ حُضُورِ الدَّفْنِ ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى هُوَ الْإِذْنُ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ ا هـ أَيْ وَكَوْنُ تَرْكِ مَدْخُولِهِ أَوْلَى عُرِفَ فِي مَوَاضِعَ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : لِيَقْضُوا حَقَّهُ إلَخْ ) وَلِيَنْتَفِعَ الْمَيِّتُ بِكَثْرَتِهِمْ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ فِيهِ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ } وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ ؛ لِأَنَّهُ نَعْيُ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٍ بَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : أَعَادَ الْوَلِيُّ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا كَانَ الْغَيْرُ غَيْرَ
مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي وَنَائِبِهِ لَمْ يَعِدْ ا هـ وَقَدْ عَزَى فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَالْوَلِيُّ خَلْفَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ إنْ تَابَعَهُ وَصَلَّى مَعَهُ لَا يُعِيدُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ إنْ كَانَ الْمُصَلِّي سُلْطَانًا أَوْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَاضِيَ أَوْ الْوَالِيَ عَلَى الْبَلْدَةِ أَوْ إمَامَ الْحَيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْأَوْلَى مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمْ فَلَهُ الْإِعَادَةُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لَا تُعَادُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ ا هـ وَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا بِمَكَانٍ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْأَبْعَدِ ، وَلَوْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ بِكِتَابَةٍ فَإِنَّ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَدْ سَقَطَتْ لِمَا أَنَّ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى حُضُورِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ وَالْوِلَايَةُ تَسْقُطُ مَعَ ضَرَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ ، وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَائِمَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَعَ مَرَضِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ التَّقْدِيمِ ، وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ وَالصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ فِي التَّقْدِيمِ ا هـ بَدَائِعُ وَفِيهَا وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُ الْمَوْلَى وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْقَطَعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ : بَعْدَ مَا صَلَّى الْوَلِيُّ إلَخْ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ إمَامًا فِيهَا أَوْ قَدَّمَ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ أَوْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَاقْتَدَى بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ إلَخْ )
قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْوَلِيِّ أَيْضًا مِنْ الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى مِنْ الْوَلِيِّ أَوْلَى مِنْهُ إذْ الْفَرْضُ ، وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ تَأَدَّى بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ مِنْ مَنْعِ التَّنَفُّلِ ، وَأَعَادَ إنْ عَدِمَ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي حَقِّ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ أَمَّا مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَتَبْقَى الْمَشْرُوعِيَّةُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ ) هَذَا إذَا أُهِيلَ التُّرَابُ سَوَاءٌ كَانَ غُسِّلَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى ، وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُهَلْ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ أَهَالُوا عَلَيْهِ لَا يُخْرَجُ ، وَهَلْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ قِيلَ لَا وَالْكَرْخِيُّ نَعَمْ ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرْكِ الشَّرْطِ مَعَ الْإِمْكَانِ ، وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ فَرْضِيَّةُ الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ وَدُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَجُوزُ بِلَا طَهَارَةٍ أَصْلًا ، وَإِلَى الثَّانِي تَجُوزُ بِلَا عَجْزٍ فَقُلْنَا تَجُوزُ بِدُونِهَا حَالَةَ الْعَجْزِ لَا الْقُدْرَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ ) لِأَنَّ بَعْدَ التَّفَسُّخِ يَتَشَقَّقُ الْبَدَنُ وَيَتَفَرَّقُ وَالصَّلَاةُ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْبَدَنِ ( قَوْلُهُ : عَلَى الصَّحِيحِ ) احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمَكَانِ ) إذْ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ بِالْإِبْلَاءِ وَمِنْهُ لَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ لَا يُصَلُّونَ إلَى الثَّلَاثِ ا هـ فَتْحٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَهِيَ ) أَيْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ( أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ بَعْدَ الْأُولَى وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَدُعَاءٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ } وَثَبَتَ عَلَيْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ فَنَسَخَتْ مَا قَبْلَهَا ، وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ الصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَلِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ سِوَى التَّسْلِيمَتَيْنِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامَ ، وَيُخَافِتُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي التَّكْبِيرِ ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ اخْتَارُوا الرَّفْعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ } وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُضْطَرِبَةٌ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا : لَا يَرْفَعُ إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ، وَلَئِنْ صَحَّتْ فَلَا تُعَارِضُ فِعْلَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَلَوْ كَبَّرَ ) الْإِمَامُ ( خَمْسًا لَمْ يُتْبَعْ ) ؛ لِأَنَّهُ
مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ ( وَلَا لِمَجْنُونٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ ( وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ لِيُكَبِّرَ مَعَهُ لَا مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ ) أَيْ يَنْتَظِرُ الْمَسْبُوقُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ حَتَّى يُكَبِّرَ مَعَهُ ، وَلَا يَنْتَظِرُ الَّذِي كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ ، وَصُورَتُهُ إذَا أَتَى رَجُلٌ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُكَبِّرُ الْآتِي حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَيُكَبِّرُ ، وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْبُوقِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ ، وَالْمَسْبُوقُ يَأْتِي بِهِ فَصَارَ كَمَنْ كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ ، وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ ، وَالْمَسْبُوقُ لَا يَبْتَدِئُ بِمَا فَاتَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي حَالَةِ التَّحْرِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ مُقَارِنًا لَهُ إلَّا بِحَرَجٍ ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ ، وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا ، وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ لَهُمَا ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرَ قَبْلَ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْمَسْبُوقُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِدُعَاءٍ تَرْتَفِعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِلَا حُضُورِ مَيِّتٍ ،
وَلَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا وُضِعَتْ عَلَى الْأَعْنَاقِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ ، وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تَتَبَاعَدَ .
( قَوْلُهُ : أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِثَنَاءٍ إلَخْ ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَخْ قَالُوا لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا أَنْ يَقْرَأَهَا بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ ، وَلَمْ تَثْبُتْ الْقِرَاءَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أُبَيًّا كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ كَمَا يُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ الْأَوْلَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْبُدَاءَةُ بِالثَّنَاءِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ سُنَّةُ الدُّعَاءِ ) يُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَلَا يَكُونُ رُكْنًا قَالَهُ الْكَمَالُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَلَيْسَ فِيهَا دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ : وَلَا يُجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِشَيْءِ مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالْإِخْفَاءُ فِي الذِّكْرِ أَوْلَى ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجْهَرُونَ كُلَّ الْجَهْرِ وَلَا يُسِرُّونَ كُلَّ السِّرِّ ا هـ أَبُو الْبَقَاءِ ( قَوْلُهُ : وَيَنْتَظِرُ تَسْلِيمَ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ ) ، وَفِي أُخْرَى يُسَلِّمُ كَمَا يُكَبِّرُ الْخَامِسَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا لَيْسَ بِخَطَأٍ مُطْلَقًا إنَّمَا الْخَطَأُ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الْخَامِسَةِ ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا لَا يُتَابِعُهُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا مِنْ الْمُبَلِّغِ فَيُتَابِعُهُ ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ قَوْلُهُ : وَفِي أُخْرَى أَيْ رِوَايَةٍ أُخْرَى ا هـ وَقَوْلُهُ : وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَيْ كَرَوْضَةِ
الزَّنْدَوَسْتِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا حَضَرَ الرَّجُلُ ، وَقَدْ كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِلِافْتِتَاحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَمْ يَصِرْ مَسْبُوقًا بِشَيْءٍ ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ ، وَلَا يُكَبِّرُ لِلثَّانِيَةِ ثُمَّ يُتَابِعُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ الرَّجُلُ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلِافْتِتَاحِ لَا يُكَبِّرُ هُوَ بَلْ يَمْكُثُ حَتَّى يُكَبِّرَ الثَّانِيَةَ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَيَكُونُ هَذَا التَّكْبِيرُ تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ ، وَيَصِيرُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا بَقِيَ ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَأْتِي بِمَا سُبِقَ كَمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ مَا لَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الثَّالِثَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَيُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيَكُونُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَتَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَعَلَ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ ثَلَاثًا لَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ تَابَعَهُ هَذَا الرَّجُلُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ ، وَهِيَ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ حَضَرَ وَإِذَا جَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعِ يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ، وَهَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ
أَنَّهُ إنْ كَانَ يَأْمَنُ رَفْعَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ ، وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ الْمَسْأَلَةَ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَقَالَ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَتَى بِهَا مُتَتَابِعَةً بِلَا دُعَاءٍ مَا دَامَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَكْتَافِ أَوْ رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي ا هـ ، وَفِي الْحَقَائِقِ فَإِنْ سُبِقَ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ بِلَا أَذْكَارٍ قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ قَالُوا ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ إلَخْ ) لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَرْبَعٌ كَأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَلِذَا لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ا هـ فَتْحٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ لَكَانَ قَاضِيًا لِمَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ : إذْ هُوَ مَنْسُوخٌ إلَخْ ) فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ قَالَ { كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَأَلَهُمْ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ فَيَقْضِي مَا سُبِقَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ فِي صَلَاتِهِمْ فَقَعَدَ فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ فَقَضَى مَا كَانَ سُبِقَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَلِيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ } وَتَقَدَّمَ
أَنَّ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مُعَاذٍ نَظَرًا فِي بَابِ الْأَذَانِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ { كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ } فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَضَعَّفَ سَنَدَهُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ { كَانَ الرَّجُلُ إذَا جَاءَ ، وَقَدْ صَلَّى الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ فَسَاقَهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الدَّاخِلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا } ، وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ ، وَلَا يَضُرُّ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا كَفَى الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا يَقْضِيَ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْكَافِي إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعْنَيَانِ مَعْنَى الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَمَعْنَى الِافْتِتَاحِ يَتَرَجَّحُ فِيهَا وَلِذَا خُصَّتْ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ وَحْدَهُ لِمَا قُلْنَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ ) ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الْأُولَى يُكَبِّرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَهُمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ بِحُضُورِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِظَارِهِ صَيْرُورَتُهُ مَسْبُوقًا بِتَكْبِيرَةٍ فَيُكَبِّرُهَا بَعْدَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْتَظِرُهُ بَلْ يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ حَضَرَ ، وَلَوْ كَبَّرَ كَمَا حَضَرَ ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، قَالَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .
قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا غَالِبٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَنَسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَامَ حِيَالَ صَدْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ الصَّدْرَ مَحَلُّ الْإِيمَانِ ، وَمَعْدِنُ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ وَقَعَتْ لِأَجْلِ إيمَانِهِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ صَدْرِهِ ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا ؛ لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ ، وَقَالَ هُوَ السُّنَّةُ ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ قَالَ { صَلَّيْت وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا } قُلْنَا الْوَسَطُ هُوَ الصَّدْرُ فَإِنَّ فَوْقَهُ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَتَحْتَهُ بَطْنَهُ وَرِجْلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَنَسٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنْ الرُّوَاةِ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي مِثْلِهِ قَدْ يُشْتَبَهُ لِتَقَارُبِ الْمَوْضِعَيْنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ إلَيْهِ بَعِيدًا ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( : وَلَمْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا ) يَعْنِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ ، وَكَذَا لَمْ يُصَلُّوا قَاعِدِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ ، وَلِهَذَا لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَجِبُ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَرِيضِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ السُّجُودِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ احْتِيَاطًا ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ عَلَى مَيِّتٍ ، وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ
عَلَى الْمُخْتَارِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا فِي مَسْجِدٍ ) أَيْ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ فِي رِوَايَةٍ ، وَكَرَاهِيَةُ التَّنْزِيهِ فِي أُخْرَى أَمَّا الَّذِي بُنِيَ لِأَجْلِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُكْرَهُ فِيهَا وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ } ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ بِهَا إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ صَلَّى عَلَيْهَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا مَا فَعَلْنَا فَقِيلَ لَهَا نَعَمْ فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةِ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نُجَنِّبَ الْمَسَاجِدَ الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِزَوَالِ مَسْكَنِهِ ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيلٌ لَنَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَدْ عَابُوا عَلَيْهِنَّ فَلَوْلَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَهُمْ لَمَا عَابُوا عَلَيْهِنَّ ، وَقَوْلُهَا هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ ، وَلَوْلَا الْكَرَاهِيَةُ لَجَرَتْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ الْبَيْضَاءِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِلْعُذْرِ } فَعَلِمَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهَا ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا وُضِعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ ، وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ لَا
يُكْرَهُ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِأَجْلِ التَّلْوِيثِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ لَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ كَمَا قُلْنَا إلَخْ ) فِي الْبَدَائِعِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ وَالْأَرْكَانُ فِيهَا التَّكْبِيرَاتُ وَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الرُّكُوبِ كَمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا حَالَةَ الْقِيَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ : أَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِهَا إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَيُرَاعَى فِيهَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ ، وَبِهَذَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْخَلَلِ فِي شَرَائِطِهَا فَكَذَا فِي الرُّكْنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَهَمُّ مِنْ الشَّرْطِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ قُعُودًا وَرُكْبَانًا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالْمَيِّتِ ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لِتَعْظِيمِهِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ إهَانَتُهُ كَالْبَاغِي وَالْكَافِرِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ مَا شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِخْفَافِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا مَا أَجْزَأَهُمْ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ إلَخْ ) ، وَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ طَاهِرٍ أَوْ حَصَلَ قِيَامُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ أَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَدَنِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ ، وَأَمَّا إذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ا هـ طَحَاوِيٌّ فَرْعٌ : لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ أَجْزَأَهُمْ جَمِيعًا عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ ، وَهُوَ
الْقِيَاسُ ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِجَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ ا هـ طَحَاوِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ ) قَالَ الْكَمَالُ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً إذْ الْحَدِيثُ لَيْسَ هُوَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ ، وَلَا قُرِنَ الْفِعْلُ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلْبُ الْأَجْرِ وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الصَّلَاةَ نَفْسَهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلثَّوَابِ فَسَلْبُ الثَّوَابِ مَعَ فِعْلِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ إثْمٍ يُقَاوِمُ ذَلِكَ الثَّوَابَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى ا هـ وَفِي الْمُحِيطِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقِيَّةٍ ، وَهَذَا يَجُوزُ إدْخَالَ الْمَيِّتِ فِيهِ ، وَحَاجَةُ النَّاسِ مَاسَّةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَسْجِدٌ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ ، وَإِنْ انْفَصَلَتْ الصُّفُوفُ ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ إلَخْ ) ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفَاتِ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ بِالْمَسْجِدِ إلَّا عَنْ عُذْرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُهَا فِيهَا قَصْدًا إلَّا بِعُذْرٍ ، وَفِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ ؛ لِأَنَّ
الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ إلَخْ ) فِي الْخُلَاصَةِ مَكْرُوهٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ ، وَقِيلَ : لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُصَنِّفُ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ ) وَالِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُسَمَّى وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَرِثَ وَيُورَثَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اسْتَهَلَّ السِّقْطُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ } وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَقَلُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُزْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَرِثْ وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِهِ وَتَسْمِيَتِهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ يُغَسَّلْ ، وَلَمْ يُسَمَّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( كَصَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ) أَيْ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى صَبِيٍّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْلُودَ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَسْبِيِّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا صَارَ تَبَعًا لَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ } الْحَدِيثَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَهُمَا دِينًا فَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ هُوَ ) أَيْ أَوْ يُسْلِمُ هُوَ يَعْنِي الصَّبِيَّ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( أَوْ لَمْ يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ ) أَيْ إذَا لَمْ يُسْبَ مَعَ الصَّبِيِّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ لِلدَّارِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَبَوَيْنِ تَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، وَاخْتَلَفَتْ
عِبَارَاتُهُمْ فِي تَقْدِيمِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ أَوْ السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ فَقَالَ فِي الْغَايَةِ : التَّبَعِيَّةُ عَلَى مَرَاتِبَ أَقْوَاهَا تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الدَّارُ ثُمَّ الْيَدُ ، وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رَتَّبَ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ : الدِّينُ يَثْبُتُ بِالتَّبَعِيَّةِ ، وَأَقْوَى التَّبَعِيَّةِ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِهِ ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فِي يَدِهِ ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْيَدِ تُعْتَبَرُ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّقِيطَ الْمَوْجُودَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا قِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ ، وَقِيلَ الْوَاجِدُ ، وَقِيلَ الْأَنْفَعُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ لِكَرَامَةِ بَنِي آدَمَ ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ وَقَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ كَفَى فِي نَفْيِهِ كَوْنُهُ نَفْسًا مِنْ وَجْهٍ جُزْءٍ مِنْ الْحَيِّ مِنْ وَجْهٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الثَّانِي لَا فَأَعْمَلْنَا الشَّبَهَيْنِ فَقُلْنَا يُغَسَّلُ عَمَلًا بِالْأَوَّلِ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالثَّانِي وَرَجَّحْنَا خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي غُسْلِ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ تَتِمَّ خِلْقَةُ أَعْضَائِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ ا هـ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ ، وَقِيلَ لَا يُغَسَّلُ بَلْ يُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيُحْشَرُ هَذَا السِّقْطُ ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ يُحْشَرُ ، وَإِلَّا فَلَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ يُحْشَرُ إذَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ السَّابِي بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَا ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ : تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ إلَخْ ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَيْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أَخْذِ الْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ ، وَإِلَّا فَفِي النَّارِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ ، وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ
أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ إلَخْ ) ، وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْيَدِ يَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَاتَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ ا هـ كَمَالٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ ) لِمَا رُوِيَ { عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَا هَلَكَ أَبُوهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ ، وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ } الْحَدِيثُ لَكِنْ يُغَسَّلُ غُسْلَ الثَّوْبِ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا بُدَاءَةٍ بِالْمَيَامِنِ ، وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ التَّكْفِينِ وَاللَّحْدِ وَيُلْقَى ، وَلَا يُوضَعُ وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ ، وَلَهُ أَبٌ كَافِرٌ هَلْ يُمَكَّنُ أَنْ يُجَهِّزَهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ قَالَ تُعَلِّمُ النِّسَاءُ الْكَافِرَ فَيُغَسِّلُهُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ ) يَعْنِي وَقْتَ الْحَمْلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَحْمِلُهَا رَجُلَانِ يَضَعُ السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صَدْرِهِ ؛ لِأَنَّ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حُمِلَتْ كَذَلِكَ ، وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا تَبِعَ أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَلْيَأْخُذْ بِقَوَائِمِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ لْيَتَطَوَّعْ بَعْدُ أَوْ فَلْيَذْرِ أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْحَامِلِينَ وَصِيَانَةً عَنْ السُّقُوطِ وَالِانْقِلَابِ ، وَزِيَادَةَ الْإِكْرَامِ لِلْمَيِّتِ ، وَالْإِسْرَاعَ بِهِ ، وَتَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ ، وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِحَمْلِ الْمَتَاعِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ ) أَيْ يُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ بِلَا خَبَبٍ وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرِعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ } ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ { مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةٌ تَمْخَضُ مَخْضَ الزِّقِّ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ } ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { سَأَلْنَا نَبِيَّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ } ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرَعَ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَجُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِهَا ) أَيْ بِلَا جُلُوسٍ قَبْلَ وَضْعِ الْجِنَازَةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ قَبْلَ وَضْعِهَا ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ } ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ ، وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ حَضَرُوا إكْرَامًا ، وَفِي الْجُلُوسِ قَبْلَ الْوَضْعِ ازْدِرَاءٌ بِهِ هَذَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يَمْشِي مَعَ الْجِنَازَةِ ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا مَرَّتْ بِهِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا يَقُومُ لَهَا ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ لَهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ } ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ } فَصَارَ مَا رَوَوْهُ مَنْسُوخًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَشْيٍ قُدَّامَهَا ) أَيْ بِلَا مَشْيٍ قُدَّامَ الْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمَشْيُ قُدَّامَهَا أَفْضَلُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهَا وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ } ؛ وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ لِلْمَيِّتِ ، وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ فِي الْعَادَةِ ، وَلَنَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ } ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ ، وَعَدَّ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ } ، وَعَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { وَمَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ } الْحَدِيثَ وَالِاتِّبَاعُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْشِي خَلْفَهَا ، وَقَالَ إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَهْلَانِ يُسَهِّلَانِ عَلَى النَّاسِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَشَى خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَسَأَلَهُ نَافِعٌ كَيْفَ الْمَشْيُ فِي الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا أَمْ أَمَامَهَا ؟ فَقَالَ أَمَا تَرَانِي أَمْشِي خَلْفَهَا ، وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ } وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا فَضِيلَةً ، وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالْفِعْلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا مَشَى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَهَا ، وَهُوَ الرَّاوِي لِمَشْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَامَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَمْكَنُ لِلْمُعَاوَنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا أَوْ إذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ فَكَانَ أَوْلَى وَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُمْ إنَّ الشَّفِيعَ يَتَقَدَّمُ عَادَةً ؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ ، وَهُمْ يَتَأَخَّرُونَ عِنْدَهَا ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا
يَتَقَدَّمُ عَادَةً إذَا خِيفَ عَلَيْهِ بَطْشُ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ الشَّفِيعُ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ هُنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَضَعْ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَمِينِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا ثُمَّ مُقَدَّمَهَا عَلَى يَسَارِك ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا ) ، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْحَامِلِينَ إذَا تَنَاوَبُوا فِي حَمْلِهَا يَبْتَدِئُ الْحَامِلُ مِنْ الْيَمِينِ الْمُقَدَّمِ لِلْمَيِّتِ ، وَهُوَ يَمِينُ الْحَامِلِ فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ بِالْمُؤَخَّرِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ وَالْمُقَدَّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كُفِّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً } .
( قَوْلُهُ : وَيُغَسِّلُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ الْكَافِرَ إلَخْ ) أَطْلَقَ الْوَلِيَّ يَعْنِي الْقَرِيبَ فَيَشْمَلُ ذَوِي الْأَرْحَامَ كَالْأُخْتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ ثُمَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - بِارْتِدَادِهِ فَإِنْ كَانَ يُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ سَرِيرُهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ إلَخْ ) ، وَفِي الذَّهَابِ بِالْجِنَازَةِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ فَإِذَا انْتَهَوْا لِلْمُصَلَّى فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَرْضًا رَأْسُهُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ عَلَى يَسَارِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ ا هـ طَحَاوِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيُعَجَّلُ بِهِ بِلَا خَبَبٍ ) أَيْ ، وَلَوْ مَشَوْا بِهِ الْخَبَبَ كُرِهَ ؛ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْمَيِّتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَمَشَى قُدَّامَهَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُشَيِّعِ لِلْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَيَجُوزُ أَمَامُهَا إلَّا أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فَيُكْرَهُ ، وَلَا يَمْشِي عَنْ يَمِينِهَا وَلَا عَنْ شِمَالِهَا وَيُكْرَهُ لِمُشَيِّعِهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ ا هـ وَعَلَى مُشَيِّعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الصُّمَاتُ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ ا هـ طَحَاوِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَضَعْ مُقَدَّمَهَا إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ الْحَمْلِ أَنْ تَضَعَ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ عَلَى يَمِينِك هُوَ حِكَايَةُ خِطَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمُرَادُ بِمُقَدَّمِ الْجِنَازَةِ يَمِينُهَا وَيَمِينُ الْجِنَازَةِ بِمَعْنَى الْمَيِّتِ هُوَ يَسَارُ السَّرِيرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ
فَالْحَاصِلُ أَنْ تَضَعَ يَسَارَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِك ثُمَّ يَسَارَهُ الْمُؤَخَّرَ ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَسَارِك ثُمَّ يَمِينَهُ الْمُؤَخَّرَ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا لِلتَّيَامُنِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ ) وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِهِ قِيلَ نِصْفُ الْقَامَةِ ، وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ ، وَإِنْ زَادُوا فَحَسَنٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُلْحَدُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا } ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ وَاِتِّخَاذِ التَّابُوتِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ وَيُفْرَشُ فِيهِ التُّرَابُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُلَّ سَلًّا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ } ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ ، وَأَخَذَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ } ؛ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَشْرَفُ فَكَانَ أَوْلَى ، وَقَدْ اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ فِي إدْخَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُخِذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ، وَلَمْ يُسَلَّ سَلًّا ، وَلَئِنْ صَحَّ السَّلُّ لَمْ يُعَارِضْ مَا رَوَيْنَا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، وَمَا رَوَيْنَاهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُلَّ لِأَجْلِ ضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِخَوْفِ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِسْمِ اللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا وَضَعَ مَيِّتًا فِي قَبْرِهِ قَالَ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَمُرَةَ ، وَقَدْ مَاتَ لَهُ ابْنٌ أَطْلِقْ عُقَدَ رَأْسِهِ ، وَعُقَدَ رِجْلَيْهِ } ؛ وَلِأَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الِانْتِشَارِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ وَالْقَصَبُ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جُعِلَ عَلَى قَبْرِهِ اللَّبِنَ } وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ ، وَالْمُهَاجِرُونَ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ الْقَصَبَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ ، وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى ؛ وَلِأَنَّ بِالْآجُرِّ أَثَرُ النَّارِ فَيُكْرَهُ تَفَاؤُلًا ، وَلِهَذَا يُكْرَهُ الْإِجْمَارُ بِالنَّارِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ ، وَمَحَلُّ الْمِحَنِ بِخِلَافِ الْبَيْتِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ فِيهِ الْإِجْمَارُ ، وَلَا غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ ) أَيْ يُسَجَّى قَبْرُ الْمَرْأَةِ بِثَوْبٍ حَتَّى يُجْعَلَ اللَّبِنُ عَلَيْهِ لَا قَبْرُ الرَّجُلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ ثَوْبًا فَجَذَبَهُ ، وَقَالَ إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا لِلنِّسَاءِ ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ ، وَمَبْنَى حَالِ الرِّجَالِ عَلَى الْكَشْفِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُهَالُ التُّرَابُ ) سَتْرًا لَهُ ، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } وَيُكْرَهُ أَنْ يُزَادَ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْثَى عَلَيْهِ التُّرَابُ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى عَلَيْهِ التُّرَابَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ ، وَلَا يُرَبَّعُ ، وَلَا يُجَصَّصُ ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى
قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ مُسَنَّمَةً ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : رَأَيْت قُبُورَ شُهَدَاءِ أُحُدٍ مُسَنَّمَةً ، وَسَنَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ قَبْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُسَنَّمُ قَدْرَ الشِّبْرِ ، وَقِيلَ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ ، وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حِفْظًا لِتُرَابِهِ عَنْ الِانْدِرَاسِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَيَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ أَوْ يَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يُوطَأَ عَلَيْهِ أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ أَوْ يُصَلَّى إلَيْهِ أَوْ يُصَلَّى بَيْنَ الْقُبُورِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُوطَأَ عَلَيْهِ } ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ } { وَنَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ } وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ لِيَكُونَ عَلَامَةً لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَضَعَ حَجَرًا عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ } وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الْجُلُوسَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عَلَى الْجُلُوسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ ) يَعْنِي لَا يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ بَعْدَ مَا أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً ) فَيُخْرَجَ لِحَقِّ صَاحِبِهَا إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ سَوَّاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهِ زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا ، وَلَوْ بَقِيَ فِي
الْأَرْضِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ قِيلَ لَمْ يُنْبَشْ بَلْ يُحْفَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَتَاعِ وَيُخْرَجُ ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِنَبْشِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَلَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ فِيهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ وَأُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ ، وَلَوْ سُوِّيَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ ، وَلَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ نُزِعَ اللَّبِنُ ، وَرُوعِيَ السُّنَّةُ ، وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً ) أَيْ فَيَخَافُ أَنْ يَنْهَارَ اللَّحْدُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ إلَخْ ) بَلْ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْأَرْضِينَ مِنْ الرِّمَالِ يَسْكُنُهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا الشَّقُّ أَيْضًا بَلْ يُوضَعُ الْمَيِّتُ ، وَيُهَالُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ ، قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ ) أَيْ وَذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ ، وَيُحْمَلُ الْمَيِّتُ مِنْهُ فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ فَيَكُونُ الْآخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَالَ الْأَخْذِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ : وَالسَّلُّ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ الشَّيْءِ بِجَذْبٍ وَأُرِيدَ هُنَا إخْرَاجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْجِنَازَةِ إلَى الْقَبْرِ ا هـ فِي الْبَدَائِعِ وَصُورَةُ السَّلِّ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيُجْعَلُ رِجْلَا الْمَيِّتِ إلَى الْقَبْرِ طُولًا ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجْلَيْهِ وَيُدْخَلُ رِجْلَاهُ فِي الْقَبْرِ وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ رِجْلَاهُ إلَى مَوْضِعِهِمَا وَيُدْخَلُ رَأْسُهُ الْقَبْرَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرُوِيَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الطُّنُّ بِالضَّمِّ حُزْمَةُ الْقَصَبِ وَالْقَصَبَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْحُزْمَةِ طُنَّةٌ ا هـ فَرْعٌ : قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ : الْمَرْأَةُ إذَا مَاتَتْ ، وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ جِيرَانِهَا يَلِي دَفْنَهَا ، وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ إيَّاهَا فَوْقَ الثَّوْبِ يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ ا هـ فَرْعٌ آخَرُ : لَا يَضُرُّ وِتْرٌ دَخَلَهُ أَوْ شَفْعٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ هِيَ الْوِتْرُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْكَفَنِ وَالْغُسْلِ وَالْإِجْمَارِ ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَهُ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٌّ وَصُهَيْبٌ وَقِيلَ فِي الرَّابِعِ إنَّهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، وَقِيلَ إنَّهُ
أَبُو رَافِعٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّفْعَ سُنَّةٌ ؛ وَلِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْقَبْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ فِيهِ سَوَاءٌ ؛ وَلِأَنَّهُ مِثْلُ حَمْلِ الْمَيِّتِ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُعَلَّمُ بِعَلَامَةٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ إلَخْ ) ، وَهَلْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ مَكْرُوهَةٌ ؟ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُكْرَهُ ا هـ وَمَشَايِخُنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَجُلٌ مَاتَ فَأَجْلَسَ وَارِثُهُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا أَوْصَى بِهِ ا هـ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْكَرَاهِيَةِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ يَأْخُذُهَا شَفِيعٌ ) وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ إذْ لَا عُذْرَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : زِرَاعَةً أَوْ غَيْرَهَا إلَخْ ) فَإِنَّ حَقَّهُ فِي ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا فَإِنْ شَاءَ تَرَكَ حَقَّهُ فِي بَاطِنِهَا ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَقِيَ فِي الْقَبْرِ مَتَاعٌ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَسْقُطَ فِي اللَّحْدِ مَالٌ ثَوْبٌ أَوْ دِرْهَمٌ لِأَحَدٍ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا ، وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ، وَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَقَدْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِلَا صَلَاةٍ فَلَمْ يُبِيحُوهُ لِتَدَارُكِ فَرْضٍ لَحِقَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِهِ أَمَّا إذَا أَرَادُوا نَقْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ
وَتَسْوِيَةِ اللَّبِنِ فَلَا بَأْسَ بِنَقْلِهِ نَحْوَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إلَى الْمَقَابِرِ قَدْ تَبْلُغُ هَذَا الْمِقْدَارَ ، وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ سَلَمَةَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَقْلَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَكْرُوهٌ ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ كُلٌّ فِي مَقْبَرَةِ الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَنُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مَاتَ بِالشَّامِ وَحُمِلَ مِنْهَا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ فِيكَ إلَيَّ مَا نَقَلْتُكَ ، وَلَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مِتَّ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا إثْمَ لِمَا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ ا هـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ، وَلَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهِ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي ضَيْعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ إلَيْهَا قَوْلُهُ : وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَيْ لِنَبْشِهِ ا هـ .
( فَصْلٌ ) وَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الصَّبْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ } وَيَقُولُ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك ، وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ } ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَعْقِرُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ } ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
( قَوْلُهُ : لَا بَأْسَ بِتَعْزِيَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ ) ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنْ يُعَزَّى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يُتْرَكُ لِئَلَّا يَتَجَدَّدَ الْحُزْنُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ا هـ أَبُو الْبَقَاءِ ( قَوْلُهُ : وَأَحْسَنَ عَزَاءَك ) أَيْ صَبَّرَك ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ عِنْدَ السُّرُورِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَّخَذَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا } ) الْحَدِيثَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ وَيُلِحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ فَإِنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ ا هـ كَمَالٌ .
( بَابٌ الشَّهِيدُ ) سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( هُوَ ) أَيْ الشَّهِيدُ ( مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ ، وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا ، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ ) ، وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ ، وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَكُلُّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ طَاهِرٍ قُتِلَ ظُلْمًا ، وَلَمْ يَرْتَثَّ ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُمْ ، وَقَوْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَتَلُوهُ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ أَوْ رَمَوْهُ مِنْ السُّورِ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ رَمَوْا بِنَارٍ فَأَحْرَقُوا سُفُنَهُمْ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَمَاتَ بِهِ مُسْلِمٌ كَانَ شَهِيدًا لِمَا قُلْنَاهُ ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ وَإِنْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلْقَوْهُمْ فِي النَّارِ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إجْمَاعًا قَوْلُهُ وَبِهِ أَثَرٌ أَيْ أَثَرٌ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى الْقَتْلِ كَالْجُرْحِ وَسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ إذْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ وَجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ عَادَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَخَارِقِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ عَادَةً
إذْ الْإِنْسَانُ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ وَيَبُولُ الْجَبَانُ دَمًا وَصَاحِبُ الْبَاسُورِ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ دُبُرِهِ ، وَقَدْ يَمُوتُ الْجَبَانُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ فَزَعًا ، وَكَوْنُهُ فِي الْمَعْرَكَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِقَتْلِهِ بِلَا إصَابَةٍ فَلَمْ يَقَعْ مَقَامَ الْقَتْلِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ فَإِنْ ارْتَقَى مِنْ الْجَوْفِ ، وَكَانَ صَافِيًا يَكُونُ شَهِيدًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْبَاطِنِ ، وَإِنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا ؛ لِأَنَّهُ رُعَافٌ خَرَجَ مِنْ جَانِبِ الْفَمِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ جَامِدًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا ؛ لِأَنَّهُ سَوْدَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ احْتَرَقَتْ قَوْلُهُ ، وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ أَيْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ أَوْ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُهُ ابْنُهُ يَكُونُ شَهِيدًا ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِالشُّبْهَةِ .
( بَابُ الشَّهِيدِ ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَمَّا كَانَ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ يَلِيقُ إيرَادُ بَابِ الشَّهِيدِ بَعْدَ الْجَنَائِزِ أَوْ ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الشَّهِيدِ إلَى الْمَيِّتِ كَنِسْبَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى { بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } فَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمَيِّتِ الْمُطْلَقِ عَقَّبَهُ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيِّتِ الْمُقَيَّدِ أَيْضًا كَذَا فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا ذَكَرَ الشَّهِيدَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُخَالِفُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَوْتَى فِي حَقِّ التَّكْفِينِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالسِّلَاحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ ، وَلَا يُغَسَّلُ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ ) أَيْ تَشْهَدُ مَوْتَهُ فَهُوَ مَشْهُودٌ ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ ) أَوْ ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ ، وَهُوَ عَلَى هَذَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ ظُلْمًا إلَخْ ) ، وَلَوْ قُتِلَ بِشَيْءٍ لَا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ كَمَا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ أَوْ سَقَطَ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ غَرِقَ فِي الْمَاءِ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ ا هـ طَحَاوِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ظُلْمًا مَا نَصُّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ( قَوْلُهُ : أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ قَتِيلُ الْحَسَكِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُغَسَّلَ ؛ لِأَنَّ جَعْلَهُ تَسْبِيبٌ لِلْقَتْلِ قُلْنَا مَا قُصِدَ بِهِ الْقَتْلُ يَكُونُ تَسْبِيبًا وَمَا لَا فَلَا ، وَهُمْ قَصَدُوا بِهِ الدَّفْعَ لَا الْقَتْلَ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ : كَالْجُرْحِ ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ جَرَحَهُ جَرْحًا وَالِاسْمُ الْجُرْحُ بِالضَّمِّ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالْجُرْحِ أَوْ رَضٍّ ظَاهِرٍ ا هـ كَمَالٌ بِمَعْنَاهُ ( قَوْلُهُ :
وَلَوْ كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ فِيهِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ مِنْ الْفَمِ فَقَالُوا إنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا غُسِلَ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ مِنْ جِرَاحَةٍ فِيهِ فَلَا يُغْسَلُ ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْمُرْتَقِيَ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ عَلَقًا فَهُوَ سَوْدَاءُ بِصُورَةٍ ، وَقَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ حِينَئِذٍ ا هـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا يَصْعَدُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَكُونُ صَافِيًا أَلْبَتَّةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ إلَخْ ) وَكَانَ مُرْتَقِيًا مِنْ الْجَوْفِ ا هـ ( قَوْلُهُ : أَوْ شَخْصًا ) يَعْنِي أَوْ قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا آخَرَ وَوَارِثُ ذَلِكَ الشَّخْصِ ابْنُ الْقَاتِلِ ا هـ كَذَلِكَ بِخَطِّ الشَّارِحِ حَانُوتِيٌّ ( فَرْعٌ ) ، وَإِذَا قُتِلَ فِي قِتَالٍ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ الثَّانِي فِي الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ الثَّالِثُ فِي الْقِتَالِ مَعَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ مِنْ هَذَا بَعْدَ أَنْ قُتِلَ بِفِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَى الْعَدُوِّ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَارٍ أَوْ قُتِلَ مِنْ وَطْءِ دَوَابِّهِمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ مَنْسُوبٍ إلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ لَا يُغَسَّلُ ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَجِبُ فِيهِ مَالٌ فَيَكُونُ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ ا هـ بَدَائِعُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ } ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ ، وَهُمْ مُسْتَغْنُونَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ ؛ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ تَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ كَسْبِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ التَّرْغِيبُ فِيهَا ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ ، عِنْدَ اللَّهِ ، وَالصَّلَاةُ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ ، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ مَعَ حَمْزَةَ ، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ تِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ } الْحَدِيثَ ، وَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى أَعْرَابِيًّا نَصِيبَهُ ، وَقَالَ قَسَمْتُهُ لَك فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنْ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا ، وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ فَأَمُوتَ ، وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ أُتِيَ بِالرَّجُلِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ وَكُفِّنَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ } الْحَدِيثَ ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَتْ إكْرَامًا لَهُ ، وَالطَّاهِرُ مِنْ الذَّنْبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ وَحَدِيثُ جَابِرٍ نَافٍ ، وَمَا رَوَيْنَاهُ مُثْبِتٌ فَكَانَ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ يُوَافِقُ الْأُصُولَ ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ فَالْأَخْذُ بِمَا يُوَافِقُ أَوْلَى ؛
وَلِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مَشْغُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ أَبُوهُ ، وَعَمُّهُ وَخَالُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيُدَبِّرَ كَيْفَ يَحْمِلُهُمْ إلَيْهَا ثُمَّ سَمِعَ مُنَادِي ، رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى فِي مُصَارِعِهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا حِينَ صَلَّى عَلَيْهِمْ فَرَوَى عَلَى مَا عِنْدَهُ ، وَفِي ظَنِّهِ ، وَمَنْ لَمْ يَغِبْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَيْهِمْ ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ الْبَيْتَ ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ لِطَلَبِ الْمَاءِ } وَرَوَى بِلَالٌ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى فِيهِ } ، وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَغِبْ ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِمْ لَنَبَّهَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَعِلَّةِ سُقُوطِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَعِلَّةِ سُقُوطِهِ { ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى غَيْرِ قَتْلَى أُحُدٍ } مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ شَفَاعَةٌ ، وَهُمْ مُسْتَغْنَوْنَ ، عَنْهَا فَفَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ لَهُ ، وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ الدُّعَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ ، وَأَعْلَى دَرَجَةً وَيُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ ، وَهُوَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ قَطُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ قُلْنَا تِلْكَ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ حَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا هِيَ حَيَاةُ الْأُخْرَى ، وَهِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَتِلْكَ لَا تَمْنَعُ مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمَوْتَى عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَتَعْتَدُّ نِسَاؤُهُمْ وَتُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمْ ، وَمُدَبَّرُوهُمْ وَتَحِلُّ دُيُونُهُمْ الْمُؤَجَّلَةُ
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ { زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِمْ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ الْكَفَنِ ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ ) يَعْنِي يُزَادُ عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ إذَا كَانَتْ دُونَ كَفَنِ السُّنَّةِ ، وَيُنْقَصُ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ مُرَاعَاةً لِلسُّنَّةِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ { السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ } ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ، وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ } ا هـ اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الْبَائِعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْجَنَّةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } وَالْبَاءُ تَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَتَكُونُ الْجَنَّةُ ثَمَنًا ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ، وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ ، وَهُوَ نَفْسُهُ لَمَّا قُتِلَ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الدُّيُونُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ { السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ } ثُمَّ الْمَبِيعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَنْ عَقْلٍ وَتَمْيِيزٍ فَلِهَذَا يُغْسَلُ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ ، وَإِذَا اُرْتُثَّ يَسْقُطُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالشَّفَاعَةُ وَالتَّكْرِيمُ تُسْتَفَادُ إرَادَتُهَا مِنْ إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَنَقُولُ إذَا أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ تَكْرِيمًا فَلَأَنْ يُوجِبَهَا عَلَى الشَّهِيدِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْكَرَامَةَ أَظْهَرُ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّبِيِّ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَبَوَيْهِ هَذَا وَلَوْ اخْتَلَطَ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلَى الْكُفَّارِ أَوْ مَوْتَاهُمْ بِمَوْتَاهُمْ لَمْ يُصَلَّ
عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَنْوِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ فِيهَا بِالدُّعَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ : { زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ } ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْكَلْمُ الْجِرَاحَةُ وَالْجَمْعُ كُلُومٌ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ ، وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ لِمَا ، رَوَيْنَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ ، وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ } : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ غَسْلِ الدَّمِ عَنْ الشَّهِيدِ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَزْعِ الثِّيَابِ ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ ، وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ } ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا أَوْ صَبِيًّا ) ، وَكَذَا إنْ قُتِلَ مَجْنُونًا ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا يُغَسَّلُ لِعُمُومِ مَا رَوَيْنَا ؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ التَّكْلِيفِ وَالثَّانِي لَمْ يَجِبْ لِلشَّهَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِتَطَهُّرِهِ عَنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهَرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنِّي رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِمَاءِ الْمُزْنِ فِي صَحَائِفِ الْفِضَّةِ } وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ { فَذَهَبْنَا وَنَظَرْنَا إلَيْهِ فَإِذَا رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ خَرَجَ ، وَهُوَ جُنُبٌ } ، وَأَوْلَادُهُ يُسَمَّوْنَ أَوْلَادَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ ؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ كَفَى عَنْ الْغُسْلِ فِي حَقِّهِمْ لِوُقُوعِهِ طُهْرَةً ، وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ بِهِمْ ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ إذَا اُسْتُشْهِدَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ ، وَكَذَا قَبْلَهُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الصَّحِيحِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِي الْجُنُبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَوْصَى ) ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَيُغَسَّلُ ؛ لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ يُدَارُ عَلَيْهِمْ
خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخَيْلُ ؛ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهَا فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا كَامِلًا أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً غُسِّلَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ يَوْمًا ، وَلَيْلَةً غُسِّلَ ، وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا فَلَا تُعْتَبَرُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يُغَسَّلُ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِحَيَاتِهِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ وَقَوْلُهُ : أَوْ أَوْصَى يَتَنَاوَلُ الْوَصِيَّةَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَبِأُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْوَصِيَّةِ ، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا ، وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا ، وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَفِي أُمُورِ الدُّنْيَا يَكُونُ مُرْتَثًّا إجْمَاعًا ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَمُحَمَّدٌ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا ، وَمِنْ الِارْتِثَاثِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ ، وَقِيلَ بِكَلِمَةٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُنْقِصُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ ، وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( أَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخَفَّ أَثَرُ الظُّلْمِ
فَيُغَسَّلُ ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ فِي الْمِصْرِ ، وَعُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصَ ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ شُرِعَ لِتَشَفِّي الْأَوْلِيَاءِ ، وَلَيْسَ بِعِوَضٍ لِعَدَمِ عَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا عِوَضٌ عَنْهُ وَلِهَذَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهَا إلَيْهِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ فَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ وَجْهٍ بِإِخْلَافِ بَدَلِهِ ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ دَلِيلُ خِفَّةِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ ، وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ دَلِيلُ نِهَايَةِ الظُّلْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالشُّبْهَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاذِلٌ نَفْسَهُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَيُغَسَّلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا لِبَغْيٍ ، وَقَطْعِ طَرِيقٍ ) أَيْ لَا مِنْ قُتِلَ لِأَجْلِ بَغْيٍ بِأَنْ كَانَ مَعَ الْبُغَاةِ ، وَلَا مَنْ قُتِلَ لِأَجْلِ قَطْعِ طَرِيقِ فَإِنَّهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا أَيْضًا إهَانَةً لَهُمَا ، وَقِيلَ يُغَسَّلَانِ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّهِيدِ ، وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا فِي حَالَةِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، وَأَمَّا إذَا قُتِلَا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَقَتْلُ الْبَاغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلسِّيَاسَةِ أَوْ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْعَامَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا كَيْفَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَصَارَ كَمَنْ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِالْحَدِّ ، وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ فَقِيلَ لَهُ أَكُفَّارٌ هُمْ فَقَالَ أَخِوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ ، وَهِيَ الْبَغْيُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِأَنَّهُ قُتِلَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ كَالْحَرْبِيِّ فَلَا يُغَسَّلُ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ كَالْمَصْلُوبِ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ ، وَكَذَا مَنْ يَقْتُلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَحُكْمُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ حُكْمُ الْبُغَاةِ ، وَمَنْ قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ : فِي الْمَتْنِ وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ جُنُبًا ) قَالَ فِي الْكَافِي ، وَلَهُ أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْلِمَ طَاهِرٌ ، وَإِنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةُ نَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ بِسَبَبِ احْتِبَاسِ الدِّمَاءِ السَّيَالَةِ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دِمَاءٌ سَائِلَةٌ وَالشَّهَادَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الِاحْتِبَاسِ فَلَا تَثْبُتُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ غَيْرَ رَافِعَةٍ نَجَاسَةً ثَابِتَةً وَحَاجَتُنَا إلَى الرَّفْعِ لِقِيَامِ الْجَنَابَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّهَادَةِ كَالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ إجْمَاعًا حَتَّى يُغْسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَالْجَنَابَةُ كَانَتْ مَانِعَةً لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ إدْخَالَهُ ، وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ إدْخَالَهُ فِي الْقَبْرِ لِلْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى وَأَمَّا الْحَدَثُ فَلَا حُكْمَ لَهُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْعَرْضِ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَنْظَلَةَ قُتِلَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا غَسَّلُوا إذْ غُسْلُهُمْ لِلتَّعْلِيمِ كَمَا فِي آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنْ قِيلَ الْوَاجِبُ غُسْلُ الْآدَمِيِّينَ لَا غُسْلُ الْمَلَائِكَةِ قُلْنَا الْوَاجِبُ هُوَ الْغُسْلُ فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ مَنْ كَانَ ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ غُسْلَ الْجُنُبِ وَجَبَ وَجَبَ عَلَيْنَا ؛ لِأَنَّا مُخَاطَبُونَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا أُمِرُوا فِي الْبَعْضِ إظْهَارًا لِلْفَضِيلَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِوُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ ، وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَيَسْقُطُ الْغُسْلُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ أَطْهُرُ فَكَانَا أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ ) أَيْ ، وَهُوَ سُقُوطُ الْغُسْلِ فَإِنَّ سَقُوطَهُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الْمَظْلُومِيَّةِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْلَى بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَظْلُومِيَّتَهُ أَشَدُّ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ خُصُومَةُ الْبَهِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ
مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْحَائِضُ إلَى آخِرِهِ ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ إذْ لَا يَجِبُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِالْمَوْتِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْجُنُبِ إذْ قَدْ صَارَ أَصْلًا مُعَلَّلًا بِالْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ اُرْتُثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ ، وَهُوَ مَنْ صَارَ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ : لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ خَلِقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَحُكْمُ الشَّهَادَةِ أَنْ لَا يُغَسَّلَ ، وَقَيَّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ خَلِقًا فِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ إلَى آخِرِهِ ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ : رَحِمَهُ اللَّهُ كَوْنُ هَذَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا إلَى آخِرِهِ ) هَذَا الْقَيْدُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا صُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ حَرْبِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ وَقَتَلَهُمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ ، وَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَقَدْ تَرَكُوا الْبَغْيَ وَمَشَايِخُنَا جَعَلُوا حُكْمَ الْمَقْتُولِينَ بِالْعَصَبِيَّةِ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى قَالُوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : غِيلَةً ) وَالْغِيلَةُ
بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ يُقَالُ قَتَلَهُ غِيلَةً ، وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ ا هـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ .
: ( بَابٌ : الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( صَحَّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا ، وَفَوْقَهَا ) أَيْ صَحَّ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَنَفْلُهَا فِي الْكَعْبَةِ ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ لِحَدِيثِ بِلَالٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ وقَوْله تَعَالَى } { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَطْهِيرِ الْمَكَانِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ لَا اسْتِيعَابُهُ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا أَوْ فَوْقَهَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ دُونَ الْبِنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يُحَوَّلُ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ فِيهَا ) أَيْ فِي الْكَعْبَةِ ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ ، وَلَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ ، وَلَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِلَا حَائِلٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ ، وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى جَوَانِبِ الْإِمَامِ تَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَى وَجْهِهِ لَا ) أَيْ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَإِنْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا ) أَيْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ( صَحَّ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ ( مِنْ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ حُكْمًا ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ الْبَابُ
مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ
( بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إيرَادِ هَذَا الْبَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ مَأْمَنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } وَالْقَبْرُ مَأْمَنٌ لِقَالَبِ الْمَيِّتِ أَيْضًا ؛ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ مُسْتَقْبِلٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُسْتَدْبِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ مَيِّتٌ عِنْدَ النَّاسِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرِ عَيْنٍ ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً لَهُ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَكُونُ مُفْسِدًا فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الَّتِي لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهَا لَمْ تَصِرْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ فَاسْتِدْبَارُهَا لَا يَكُونُ مُفْسِدًا ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ وَرَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّائِي عَنْ الْكَعْبَةِ إذَا صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى رَكْعَةً إلَيْهَا هَكَذَا جَازَ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي تَحَرَّى إلَيْهَا مَا صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ بِيَقِينٍ بَلْ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَمَتَى تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَارَتْ قِبْلَتَهُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى بِالِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا فِي
الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَى الْقِبْلَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ فَهُوَ الْفَرْقُ ا هـ
قَالَ : ( كِتَابُ الزَّكَاةِ ) الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ يُقَالُ زَكَا الْمَالُ إذَا زَادَ وَزَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ ، وَعَنْ الطَّهَارَةِ أَيْضًا ، وَمِنْهُ { وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلَّهِ تَعَالَى ) هَذَا فِي الشَّرْعِ ، وَقَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَيْ الزَّكَاةُ تَمْلِيكُ الْمَالِ وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا مُلِّكَتْ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ فِيهَا ، وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَانْفَصَلَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَآتُوا الزَّكَاةَ } يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ ، وَلَا تَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ كَفَلَ يَتِيمًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ، وَلَوْ كَسَاهُ تُجْزِيهِ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ وَقَوْلُهُ : مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ مَعَ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ : بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الدَّفْعِ إلَى فُرُوعِهِ ، وَإِنْ سَفَلُوا ، وَإِلَى أُصُولِهِ ، وَإِنْ عَلَوْا ، وَمِنْ دَفْعِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ ، وَمِنْ دَفْعِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ : لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
( كِتَابُ الزَّكَاةِ ) وَتُسَمَّى صَدَقَةً أَيْضًا قَالَ تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ ؛ لِأَنَّ دَافِعَهَا مُصَدِّقٌ بِوُجُوبِهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ ) قَالَ الْكَمَالُ ، وَفِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الزَّكَاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى النَّمَاءِ يُقَالُ زَكَا زَكَاءً فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا نَفْسُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ قَالَ تَعَالَى : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ نَفْسُ فِعْلِ الْإِيتَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَمُنَاسَبَةُ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ إذْ يَحْصُلُ بِهِ النَّمَاءُ بِالْخَلَفِ مِنْهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَالطَّهَارَةُ لِلنَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْبُخْلِ وَالْمُخَالَفَةِ وَلِلْمَالِ بِإِخْرَاجِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ ثُمَّ هِيَ فَرِيضَةٌ مَحْكَمَةٌ وَسَبَبُهَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ أَعْنِي النِّصَابَ النَّامِيَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلِذَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ ، وَالْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ الْإِعْلَانُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ الطَّهَارَةِ أَيْضًا ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً } أَيْ طَهَارَةً ، وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ { زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا } أَيْ طَهَارَتُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ ا هـ غَايَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ فِي بَابِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا نَصُّهُ ، وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ { ذَكَاةُ الْأَرْضِ
يُبْسُهَا } يُرِيدُ طَهَارَتَهَا مِنْ النَّجَاسَةِ ا هـ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ عَلَى طَهَارَةِ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ لَكِنَّهُمْ رَفَعُوهُ ، وَقَدْ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَتْحِ : وَحَدِيثُ { زَكَاةِ الْأَرْضِ يُبْسُهَا } ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَثَرًا عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ جُفُوفُ الْأَرْضِ طُهُورُهَا وَرَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ ا هـ ( قَوْلُهُ : عَنْ الْمُمَلِّكِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَهُوَ الدَّافِعُ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : لِلَّهِ تَعَالَى ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَمْلِيكٌ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْعَيْنِيُّ ، وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ لَكَانَ أَحْسَنَ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَآتُوا الزَّكَاةَ } يَقْتَضِي إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَا يُضْمَنُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ ا هـ قَوْلُهُ : ثُمَّ قِيلَ هُوَ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ ، وَهِيَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَالدَّلِيلُ الْمَقْبُولُ عَلَى غَيْرِ مَقْبُولٍ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ فِي الِامْتِثَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْفِعْلَ مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُبَاحِ الْأَصْلِيِّ ، وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ ، وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ ، وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ فَمَتَى لَمْ تَجِبْ عَلَى
الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ : وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى التَّرَاخِي لِمَا قُلْنَا إنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلتَّرَاخِي لَا أَنَّهُمْ يَعْنُونَ إلَى التَّرَاخِي مُقْتَضَاهُ قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ فَالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ يَقْتَضِيهِ ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً ، وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةٌ فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى ، وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الْمَحَلُّ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا عَنْهُمْ وَلِذَا رَدُّوا شَهَادَتَهُ إذَا تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا ؛ لِأَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ مُفَسِّقٌ ، وَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ أَدَاءً ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوَقِّتْهُ بَلْ سَاكِتٌ عَنْهُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ لَا الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالزَّكَاةُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَكْسُهُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ الْفَوْرِيَّةِ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَالْحَقُّ تَعْمِيمُ رَدِّ شَهَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا مَنُوطٌ بِالْأَثَرِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا مَا يُوجِبُ الْفَوْرَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ الصِّيغَةِ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى التَّرَاخِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاسِ أَيْ دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا ، وَهُوَ لَا يَنْفِي وُجُودَ دَلِيلِ الْإِيجَابِ ، وَعَلَى
هَذَا مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ زَكَّى أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَمْ لَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّكَاةِ الْعُمْرُ فَالشَّكُّ حِينَئِذٍ فِيهَا كَالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَالشَّكُّ فِي الْحَجِّ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ ، هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَمْعَنَ التَّأَمُّلَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مَعَ دَفْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُتَرَاخِيًا إذْ بِتَقْدِيرِ الْكُلِّ التَّرَاخِي ، وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ زَمَانِ أَدَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَأَمَّلْ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ) أَيْ وَكَذَا إنْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ فِي الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَسَاهُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْخَلْخَالِيِّ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْيَتِيمِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَيْهِ وَيَأْخُذَهَا الْيَتِيمُ بِيَدِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَالِكُ ا هـ ع
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ ، وَمِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ وَحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ نَامٍ ، وَلَوْ تَقْدِيرًا ) أَيْ شَرْطُ لُزُومِ الزَّكَاةِ عِلْمًا ، وَعَمَلًا ، وَأَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ شُرُوطُهَا أَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَا بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ } ؛ وَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْغَرَامَاتِ الْمَالِيَّةِ فَصَارَتْ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ } الْحَدِيثَ ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لِكَوْنِهَا أَحَدَ أَرْكَانِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ } ، وَعَدَّ مِنْهَا الزَّكَاةَ ، وَهُمَا لَيْسَا بِمُخَاطَبِينَ فِي الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا سَائِرُ أَرْكَانِهِ ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عِبَادَةً لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُؤَنِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ؛ وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةَ ، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْغَيْرِ ، وَلَا يَلْزَمُنَا الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ نِيَّتَهُ ، وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ نِيَّةَ الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا تَجُوزُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ أَنَّهَا مِنْ الزَّكَاةِ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُمَا نَاقِصٌ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُمَا فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ بَلْ
دُونَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ، وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ فَكَيْفَ يَنْمُو مَالُهُمَا ، وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي ، وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ ، وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ ، وَلَا يَلْزَمُنَا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ ، وَلِهَذَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ ، وَهُمَا أَهْلٌ لَهَا ، وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ فِيهِ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَفِي الْأَرْضِ الْوَقْفِ ، وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْأَبِ عَنْ أَوْلَادِهِ ، وَلَا يَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ ، وَكَذَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ الْأَصْلِيُّ ، وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُنْظَرُ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ جُنُونُهُ حَوْلًا فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ التَّكْلِيفِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ جُنُونُهُ أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَإِلَّا فَلَا .
( قَوْلُهُ : وَمِلْكُ نِصَابٍ ) أَيْ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ تَمْلِيكًا ، وَالتَّمْلِيكُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يُتَصَوَّرُ ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ ، وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ عِنْدَنَا ا هـ بَدَائِعُ وَيُنْتَقَضُ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَأَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضِيَّةَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ إمَّا مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ بِعَلَاقَةِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْفَرْضُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا ثَبَتَتْ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ اسْمٌ أَعَمُّ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ : الدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالْإِجْمَاعُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ قُلْت السُّنَّةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً لَا سِيَّمَا فَرْضًا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَالزَّكَاةُ جَاحِدُهَا يَكْفُرُ ، وَالسُّنَّةُ الْوَارِدَةُ فِيهِ أَخْبَارُ آحَادٍ صِحَاحٍ وَبِهَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ دُونَ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ ، وَالْمَشْهُورُ آحَادٌ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ تَوَاتَرَ نَقْلَهُ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ وَالْعَقْلُ لَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْقُولِ الْمَقَايِيسَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْفَرْضِيَّةُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ { أَدُّوا زَكَاةَ
أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } قُلْت لَا يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ الثَّانِي أَنَّ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ قَدْ يُقَالُ بِالرَّغَائِبِ إذَا فَعَلَهَا الْإِنْسَانُ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِلُحُوقِ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ بِتَرْكِهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَا بِشَرْطٍ إلَى آخِرِهِ ) ، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ : تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِمَا وَيُطْلَبُ الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ بِالْأَدَاءِ وَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْوَلِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ إخْرَاجُهَا لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ : لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا بَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِمَا ، وَعِبَارَةُ الْحَنَابِلَةِ : الْوُجُوبُ عَلَيْهِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي ا هـ غَايَةٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ : الْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ ، وَلَا تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ ، وَفِيهِ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ عَلَيْهِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ابْتَغُوا } إلَى آخِرِهِ ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مَدَارُهَا عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحَدُهَا فِيهِ الْمُثَنَّيْ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، وَفِي الثَّانِي مَنْدَلٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَمْرٍو وَفِي الثَّالِثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَمْرٍو أَمَّا الْمُثَنَّى فَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا ، وَأَمَّا مَنْدَلٌ كَانَ يَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَيُسْنِدُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ ضَعِيفًا ، وَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ سِبْطِ أَبِي الْفَرَجِ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْغَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى
إلَى آخِرِهِ ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ مَالِ بِالْأَفْرَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ : { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ } ) بِالتَّاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ إلَى آخِرِهِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ إلَى آخِرِهِ ) وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَكْلَ إلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَالنَّفَقَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الزَّكَاةِ قُلْت هَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ زَكَاةً ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْرَفَ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ : الْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ حَقِيقَةً ا هـ سَرُوجِيٌّ ( قَوْلُهُ : أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ أَهْلًا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَلِهَذَا مُنِعَ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ا هـ غَايَةٌ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْهِدَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ ، وَإِنْ جُنَّ بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهَا فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا تَجِبُ
زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيِّ ، وَفِي الْيَنَابِيعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) أَيْ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ ا هـ غَايَةٌ .
وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا إذْ هِيَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا لَا تَجِبُ مَعَهُ ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ إذْ الرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ لِيُمَلِّكَ غَيْرَهُ ، وَأَمَّا مِلْكُ النِّصَابِ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَوْلِيًّا أَيْ تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ الْفَضْلِ لَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ } أَيْ الْفَضْلَ ، وَالنُّمُوُّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَوْلِ غَالِبًا أَمَّا الْمَوَاشِي فَظَاهِرٌ ، وَكَذَا أَمْوَالُ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ الْحَوْلُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ ، وَهُوَ النُّمُوُّ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ ، وَعَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ ، وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا فَلِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ الْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ : الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِلْعُمُومَاتِ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً ، وَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالُهُ فَيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِالْمَالِ الْمُسْتَقْرَضِ مَا لَمْ يَقْضِهِ ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ حَيْثُ كَانَ
لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَا الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِدُونِهِمَا ، وَفِيمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ تَزْكِيَةُ مَالٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا بِأَنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ يُسَاوِي أَلْفًا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَاعَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ مَثَلًا فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَكَاةُ أَلْفٍ ، وَالْمَالُ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ فُسِخَتْ الْبِيَاعَاتِ بِعَيْبٍ رَجَعَ إلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْإِسْلَامُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الْإِسْلَامُ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَتْ كَمَا فِي الْمَوْتِ فَلَوْ بَقِيَ عَلَى ارْتِدَادِهِ سِنِينَ فَبَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِتِلْكَ السِّنِينَ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ وَكَذَا بِالْمَوْتِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ، وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَتَسْقُطُ بِهَا كَالصَّلَاةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ا هـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالنَّظَرُ التَّاسِعُ فِي مُسْقِطَاتِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْهَا رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْهَا الرِّدَّةُ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ مَالِكٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ لِمَا يُبْتَذَلُ مِنْ الثِّيَابِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَكَذَا الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ وَالْجِمَالُ يُؤَجِّرُهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا ) أَيْ وَلِغَيْرِ أَهْلِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَكَذَا طَعَامُ أَهْلِهِ وَمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ مِنْ الْأَوَانِي إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ والبلخش وَالزُّمُرُّدُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْفُصُوصِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ ، وَكَذَا آلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ كَقُدُورِ الصَّبَّاغِينَ ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِينَ
وَظُرُوفِ الْأَمْتِعَةِ ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى جَوَالِقَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يُؤَجِّرُهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَلَوْ أَنَّ نَخَّاسًا اشْتَرَى دَوَابَّ يَبِيعُهَا أَوْ غَيْرَهَا فَاشْتَرَى لَهَا جِلَالًا وَمَقَاوِدَ وَنَحْوَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَعَهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَبِيعَهَا آخِرًا فَلَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ : وَقَالُوا فِي نَخَّاسِ الدَّوَابِّ إذَا اشْتَرَى الْمَقَاوِدَ وَالْجِلَالَ وَالْبَرَاذِعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُبَاعُ مَعَ الدَّوَابِّ عَادَةً يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا تُبَاعُ ، وَلَكِنْ تُمْسَكُ وَتُحْفَظُ بِهَا الدَّوَابُّ فَهِيَ مِنْ آلَاتِ الصُّنَّاعِ فَلَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ إذَا لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ عِنْدَ شِرَائِهَا ا هـ قَوْلُهُ : لِأَهْلِهَا ) لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَهِيَ تُسَاوِي نِصَابًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْكُتُبِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْحِفْظِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفُقَرَاءِ ، وَإِنْ سَاوَتْ نِصَابًا فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ نُسَخٌ تُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ نُسْخَتَانِ ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ فَإِنَّ النُّسْخَتَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْأُخْرَى وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُمْ يُحْرَمُونَ بِهَا أَخْذَ الزَّكَاةِ إذْ الْحِرْمَانُ تَعَلَّقَ بِمِلْكِ قَدْرِ نِصَابٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا ، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ ثُمَّ الْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَفِي
الْخُلَاصَةِ فِي الْكُتُبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْحِفْظِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَكُونُ نِصَابًا وَحَلَّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِقْهًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا أَوْ أَدَبًا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمُصْحَفُ عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ ، وَقَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبٌ إنْ كَانَتْ كُتُبَ النُّجُومِ وَالْأَدَبِ وَالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ يُعْتَبَرُ وَأَمَّا كُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْمُصْحَفُ الْوَاحِدُ فَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابًا ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ وَكَذَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ بِالْآرَاءِ بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ إلَى آخِرِهِ ) وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ ا هـ غَايَةٌ .
وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَدَيْنَ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ ، وَمِنْ جِهَةِ نُوَّابِهِ فِي الْبَاطِنَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ فَوَّضَهَا إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا لِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا مِنْهُ لِأَرْبَابِهَا وَقِيلَ لِأَبِي يُوسُفَ مَا حُجَّتُك عَلَى زُفَرَ ؟ فَقَالَ مَا حُجَّتِي عَلَى رَجُلٍ يُوجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا ثَمَانُونَ حَوْلًا ، وَلَوْ طَرَأَ الدَّيْنُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَهَلَاكِ النِّصَابِ كُلِّهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ كَنُقْصَانِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ أَوْ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ حَيْثُ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي مَالِهِ دُونَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصِيلَ وَالْكَفِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِهِ أَمَّا الْغَاصِبَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ بَلْ أَحَدُهُمَا .
( قَوْلُهُ : دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ ) أَيْ دُونَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ لَهُمْ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَمَهْرِ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا ا هـ بَاكِيرٌ أَيْضًا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ بَعْدَ الْقَضَاءِ إذْ نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا فِي الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ حَتَّى تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَتَصِيرُ دِينًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ ) أَيْ وَالْحَجُّ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ أَمَّا النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَدَيْنُ الْحَجِّ فَلِأَنَّهَا يُفْتَى بِهَا ، وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ فَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا ا هـ غَايَةٌ ، وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ ، وَفِي الْجَامِعِ دَيْنُ النَّذْرِ لَا يُمْنَعُ وَمَتَى اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ بَطَلَ النَّذْرُ فِيهِ بَيَانُهُ : لَهُ مِائَتَانِ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا سَقَطَ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَيَتَصَدَّقُ لِلنَّذْرِ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ عَنْ الزَّكَاةِ ؛
لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ اللَّهِ فَلَا تَبْطُلُ بِتَعْيِينِهِ لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ نَذَرَ بِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ لَزِمَتْهُ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْذُورِ الذِّمَّةُ فَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ فَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا عَنْ النَّذْرِ ا هـ وَكَذَا أَيْضًا صَدَقَةُ الْفِطْرِ ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْأَضْحَى لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَنَفَقَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ ، وَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مُتَيَقِّنًا لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الصَّدَقَةَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ إلَى آخِرِهِ ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَمْ يُزَكِّهِ فِيهِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ خَمْسَةً مِنْهَا مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْفَاضِلُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي عَنْ الدَّيْنِ نِصَابًا كَامِلًا ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بَلْ هَلَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ لِسُقُوطِ زَكَاةِ الْأَوَّلِ بِالْهَلَاكِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَمِنْ فُرُوعِهِ إذَا بَاعَ نِصَابَ السَّائِمَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ مِثْلِهَا أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ لَا يُرِيدُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْبَدَلِ إلَّا لِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونُ لَهُ مَا
يَضُمُّهُ إلَيْهِ فِي صُورَةِ الدَّرَاهِمِ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِبْدَالَ السَّائِمَةِ بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا اسْتِهْلَاكٌ بِخِلَافِ غَيْرِ السَّائِمَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي ) أَيْ لَهُ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمُرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَيُطَالِبَهُ ا هـ ابْنُ فِرِشْتَا وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ قَالَ الْكَمَالُ : وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْحَابِ الْإِمْلَاءِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَ رِوَايَةٍ عَنْهُ مَرَّضَهَا ا هـ ( مَسْأَلَةٌ ) لَهُ مَالَانِ أَحَدُهُمَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْآخَرُ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّا لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُصْرَفُ إلَى الْمَالِ الَّذِي لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ا هـ شَرْحٌ طَحَاوِيٍّ ( قَوْلُهُ : مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ ) أَيْ السَّوَائِمِ ، وَقَوْلُهُ وَمِنْ جِهَةِ نُوَّابِهِ فِي الْبَاطِنَةِ أَيْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ إلَى آخِرِهِ ) وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } الْآيَةَ يُوجِبُ حَقَّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لِلْإِمَامِ ، وَعَلَى هَذَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ وَظَهَرَ تَغَيُّرُ النَّاسِ كَرِهَ أَنْ تُفَتِّشَ السُّعَاةُ عَلَى النَّاسِ مَسْتُورَ أَمْوَالِهِمْ فَفَوَّضَ الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ نِيَابَةً عَنْهُ } ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الْإِمَامِ أَصْلًا وَلِذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَنُقْصَانِ النِّصَابِ إلَى آخِرِهِ ) حَتَّى إذَا سَقَطَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ ، وَقَالَ زُفَرُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ، وَلَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ
عَنْ مُحَمَّدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ إلَخْ ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ عَلَى رَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلِلْأَصِيلِ أَلْفٌ وَالْكَفِيلُ أَلْفٌ فَحَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا أَتْلَفَهُ حَيْثُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي أَلْفِهِ دُونَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إنْ ضَمِنَ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِهِ بِخِلَافِ غَاصِبِهِ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا فَارَقَ الْغَصْبُ الْكَفَالَةَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَفَالَةِ بِأَمْرِ الْأَصِيلِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ إذَا أَدَّى كَالْغَاصِبِ لِأَنَّ فِي الْغَصْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا بَلْ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا يَبْرَأُ الْآخَرُ أَمَّا فِي الْكَفَالَةِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا مَعًا فَكَانَ كُلٌّ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ ا هـ .
وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا لِفَرَاغِهِ عَنْ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نُصُبٌ يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَى أَيْسَرِهَا قَضَاءً مِثَالُهُ : إذَا كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ ، وَعُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ وَسَوَائِمُ مِنْ الْإِبِلِ ، وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ الْجَمِيعَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ صُرِفَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوَّلًا إذْ الْقَضَاءُ مِنْهُمَا أَيْسَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِمَا ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ الْمَصْلَحَةُ بِعَيْنِهِمَا ؛ وَلِأَنَّهُمَا لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا جَبْرًا ، وَكَذَا لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا ، وَهُمَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمَا الدَّيْنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمَا شَيْءٌ صُرِفَ إلَى الْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّهَا عُرْضَةٌ لِلْبَيْعِ بِخِلَافِ السَّوَائِمِ ؛ لِأَنَّهَا لِلنَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالْقِنْيَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرُوضٌ أَوْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهَا صُرِفَ إلَى السَّوَائِمِ فَإِنْ كَانَتْ السَّوَائِمُ أَجْنَاسًا صُرِفَ إلَى أَقَلِّهَا زَكَاةً نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَخَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ يُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ ، وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَقَوْلُهُ : نَامٍ ، وَلَوْ تَقْدِيرًا أَيْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ نَامِيًا حَقِيقَةً بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَبِالتِّجَارَاتِ أَوْ تَقْدِيرًا بِأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَالِ الضِّمَارِ كَالْآبِقِ وَالْمَفْقُودِ وَالْمَغْصُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَالْمَالِ
السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ وَالْمَدْفُونِ فِي الْمَفَازَةِ إذَا نَسِيَ مَكَانَهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً الْوَدِيعَةِ إذَا نَسِيَ الْمُودَعَ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ صَارَتْ لَهُ بَعْدَ سِنِينَ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ مِنْ مَعَارِفِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَاضِي إذَا تَذَكَّرَ ، وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ ، وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ نَامٍ ، وَفَوَاتُ الْيَدِ لَا يُخِلُّ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ } مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا ، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعِيرٌ ضَامِرٌ إذَا كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِهُزَالِهِ أَوْ مِنْ الْإِضْمَارِ ، وَهُوَ الْإِخْفَاءُ وَالتَّغَيُّبُ ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي ، وَلَا نَمَاءَ إلَّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ وَابْنُ السَّبِيلِ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ تَجِبُ لِمَا مَضَى ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تَجِبُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ لَا تُقْبَلُ وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ : لَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ : إذَا كَانَ مُفْلِسًا بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِيهِ ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ النَّمَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَالتَّقْدِيرِيَّ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى قِسْمَيْنِ إلَى خِلْقِيٍّ ، وَفِعْلِيٍّ فَالْخِلْقِيُّ الذَّهَبُ
وَالْفِضَّةُ ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ وَالْفِعْلِيُّ مَا يَكُونُ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهُ ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْخِدْمَةِ بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَيَتِمُّ بِهَا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا ، وَلَا مُفْطِرًا ، وَلَا عَلُوفَةً ، وَلَا مُسْلِمًا ، وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِالنِّيَّةِ وَيَكُونُ مُقِيمًا وَصَائِمًا ، وَكَافِرًا بِالنِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ فَيَتِمُّ بِهَا ، وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لَهَا لِانْعِدَامِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا ، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ إذَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْإِرْثِ ، وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ التِّجَارَةِ أَمْ لَا .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَتْ السَّوَائِمُ أَجْنَاسًا إلَى آخِرِهِ ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ ثُمَّ إلَى الْبَقَرِ إنْ كَانَ التَّبِيعُ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : يُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَاجِبِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصَابَيْنِ شَاةٌ وَسَطٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ يُصْرَفُ إلَى الْغَنَمِ إلَى آخِرِهِ ) ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْمُصَدِّقُ حَاضِرًا ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْفُقَرَاءِ ، وَقِيلَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ لَهُ عِجَافًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ وَاحِدَةً مِنْهَا ، وَفِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَسَطٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِي الْغَنَمِ أَقَلَّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ ) إذْ لَوْ صَرَفَ الدَّيْنَ إلَى الْإِبِلِ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْغَنَمِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لِانْتِقَاصِ النِّصَابِ ا هـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ مَوَانِعِ الزَّكَاةِ وُجُوبُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَدِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْغَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَكُونُ نِصَابًا مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ يَجِبُ ، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ : وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا فَلَمَّا قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي جَحَدَ ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَضَى زَمَانٌ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ جَحَدَ إلَى أَنْ عُدِّلُوا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاحِدًا وَيَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَجْحُودِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ
أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ ) أَيْ أَوْ كَانَ شُهُودُهُ غَائِبِينَ فَحَضَرُوا بَعْدَ سِنِينَ أَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَمَا نَسُوا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمَدْفُونِ فِي كَرْمٍ أَوْ أَرْضٍ ) أَيْ مَمْلُوكَةٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَفَازَةِ قَدْ تَقَدَّمَ ا هـ وَالْمَدْفُونُ فِي الْبَيْتِ نِصَابٌ لِتَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ : نِصَابٌ أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ ا هـ غَايَةٌ وَمِنْ جُمْلَةِ الضِّمَارِ الْمَالُ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ا هـ فَتْحٌ ، وَلَوْ ظَنَّ مَالَهُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ يَجِبُ ا هـ غَايَةٌ ( فَرْعٌ ) فِي الْمُحِيطِ ، وَعِدَّةِ الْمُفْتِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ ، وَقَبَضَتْهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةً فَرَدَّ الْمَوْلَى نِكَاحَهَا فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَلْفِ عَلَى الزَّوْجِ لِعَدَمِ يَدِهِ ، وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهَا كَرَجُلٍ حَلَقَ لِحْيَةَ إنْسَانٍ ، وَأَخَذَ دِيَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ ثُمَّ نَبَتَتْ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ ، وَلَا عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَلْفًا وَحَالَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَسَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَكِنْ اسْتِحْقَاقُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ كَالدَّيْنِ اللَّاحِقِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَمَا يَتَعَيَّنُ يُسْقِطُهَا فَالْهِبَةُ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ قَالَ فِي الْجَامِعِ وَالْمُحِيطِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ ، وَقَبَضَتْهُ وَحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا زَكَّتْ الْأَلْفَ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ بَلْ الْوَاجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لَحِقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْقَرْضِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فِي الْمَالِ الضِّمَارِ )
فِعَالٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مُفْعِلٍ ، وَفِي الصِّحَاحِ الضِّمَارُ مَا لَا يُرْجَى مِنْ الدَّيْنِ وَالْوَعْدِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا إلَخْ ) إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِ أَنَّ الثَّانِيَ لِلتِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ مَالِ التِّجَارَةِ ، وَكَذَا إذَا فَدَى بِالدِّيَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَوْلَى مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ لَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْقِصَاصِ لَا عِوَضُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ ) كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُفَسَّقُ إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ ، وَلَوْ كَانَ يُقِرُّ سِرًّا وَيَجْحَدُ عَلَانِيَةً لَا زَكَاةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : وَكُلَّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ ) فَفِي الْمُجَاثَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْخُصُومَةِ ذُلٌّ ا هـ غَايَةٌ ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ فَهُوَ نِصَابٌ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَوْلُهُمْ فِي النَّقْدَيْنِ خُلِقَا لِلتِّجَارَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا خُلِقَا لِلتَّوَسُّلِ بِهِمَا إلَى تَحْصِيلِ غَيْرِهِمَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَاسَّةٌ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ ، وَهَذِهِ غَيْرُ نَفْسِ النَّقْدَيْنِ ، وَفِي أَحَدِهِمَا عَلَى التَّغَالُبِ مَا لَا يَخْفَى فَخُلِقَ النَّقْدَانِ لِغَرَضِ أَنْ يُسْتَبْدَلَ بِهِمَا مَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ خَلْقِ
الرَّغْبَةِ فِيهِمَا فَكَانَا لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْعَمَلُ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَنَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ كَانَ لِلتِّجَارَةِ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ مَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِلَّا لَاجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْأَرْضُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : كَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ ) وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ بِعَبْدٍ يُرِيدُ بِهِ التِّجَارَةَ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْجَامِعِ ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَبِيعَهُ ) أَيْ فَيَكُونَ لِلتِّجَارَةِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَنْوِي لِلتِّجَارَةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْعَرْضِ وَمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ إذَا اشْتَرَى بِتِلْكَ الْعُرُوضِ عُرُوضًا أُخَرَ صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَعْمَلْ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ عَمَلَ التِّجَارَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ التِّجَارَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَتْ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ فَيَصِيرُ الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ لِوُجُودِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ مَعَ التِّجَارَةِ ا هـ بَدَائِعُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَاهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ وَرِثَ أَعْيَانًا وَنَوَى التِّجَارَةَ فِيهَا عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَا يُعْمَلْ بِنِيَّتِهِ ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهِيَ عَلَى مَا وَرِثَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَخْ ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ
، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ قَوْلُهُ : كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى الْقَلْبِ فَقَالَ عَلَى قَوْلِهِمَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ تِجَارَةً وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَمَلُّكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِكَسْبِهِ ، وَالتِّجَارَةُ لَيْسَتْ إلَّا الِاكْتِسَابَ ، وَفِيهِ احْتِيَاطٌ لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ ا هـ غَايَةٌ ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ ، وَأَصْلُهُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ أَنَّ رَجُلًا لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَاسْتَقْرَضَ حِنْطَةً لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَتَمَّ حَوْلُ الدَّرَاهِمِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَفِي الْحِنْطَةِ فَقَوْلُهُ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْقَرْضِ صَحِيحَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَصَحُّ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ فِي الْقَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ لِمَا عُرِفَ وَنِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا تَعْمَلُ فِي الْعَوَارِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ أَيْ كَانَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ عِنْدَ الْقَرْضِ ا هـ غَايَةٌ ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ أَوْ عَرَضِ التِّجَارَةِ بِعَيْنِهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثَّانِي حَتَّى تَقْبِضَهَا وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهَا ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالدِّيَةِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَكَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَفِي الْحَاوِي الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمَهْرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ ، وَفِي الْجَامِعِ الْمَبِيعُ قَبْلَ
الْقَبْضِ نِصَابٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَفِي الْمُحِيطِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نِصَابٌ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالٍ بِخِلَافِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَشَرْطُ أَدَائِهَا نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مَا وَجَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ نِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْأَدَاءِ أَوْ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ أَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الِاقْتِرَانُ بِالْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَيُحْرَجُ بِاسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ عِنْدَ كُلِّ دَفْعٍ فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِعْلٌ مِنْهُ فَجَازَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ ، وَلَمْ يَعْزِلْ شَيْئًا وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى آخِرِ السَّنَةِ ، وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ حَيْثُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِفِعْلٍ مَا فَلَا تُعْتَبَرُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَدْ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ النَّفَلَ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْإِمْسَاكُ مُجْزِئًا عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَفْعَ الْمَالِ بِنَفْسِهِ قُرْبَةٌ كَيْفَمَا كَانَ وَالْإِمْسَاكُ لَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ فَافْتَرَقَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إيقَاعُهُ قُرْبَةً ، وَقَدْ حَصَلَ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ دُونَ الْإِمْسَاكِ ، وَلَوْ دَفَعَ جَمِيعَ النِّصَابِ إلَى الْفَقِيرِ يَنْوِي بِهِ عَنْ النَّذْرِ أَوْ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فِي الصَّوْمِ إذَا نَوَى فِيهِ التَّطَوُّعَ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ ، وَإِنْ صَامَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَقْضِي النَّذْرَ ، وَلَوْ وَهَبَ بَعْضَ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ سَقَطَ
عَنْهُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذْ الْوَاجِبُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ فَصَارَ كَالْهَلَاكِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحِلًّا لِلْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَيُعْذَرُ ، وَالدَّفْعُ بِصُنْعِهِ فَلَا يُعْذَرُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ سَقَطَ زَكَاتُهُ عَنْهُ نَوَى بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَلَاكِ فَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ سَقَطَ زَكَاةُ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا ، وَزَكَاةُ الْبَاقِي لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَلَوْ نَوَى بِهِ الْأَدَاءَ عَنْ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَاقِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالًا فَكَانَ الْبَاقِي خَيْرًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ السَّاقِطُ عَنْهُ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَنِيٍّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( قَوْلُهُ : حَيْثُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ ) أَيْ إلَّا زَكَاةَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ إلَخْ ) ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ إنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا فَأَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ ، وَلَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ فِيهَا أَصْلًا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ دَفْعُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ كَالْأَبِ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ جَازَ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ الصَّغِيرِ لِوُجُودِ نِيَّةِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي الْإِعْطَاءِ ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ : فَقَدْ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ ) أَيْ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ حَيْثُ يَتَأَدَّى بِهَا الْفَرْضُ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ كَالصَّوْمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ لَمَّا اُحْتُمِلَ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْفَرْضِ كَالصَّلَاةِ قُلْنَا دَلَالَةُ الْحَالِ مُعَيِّنَةٌ إذْ الْعَاقِلُ لَا يَتَنَفَّلُ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَالْحَاجِّ إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَرْضٌ ، وَلَا نَفْلٌ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِدَلَالَةِ حَالِهِ ( قُلْت ) وَمِثْلُهُ إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ قَبْضِهِ يُجْعَلُ عَنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ ضَمَانِهِ ، وَلَا يُجْعَلُ هِبَةً ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ وَالْهِبَةَ تَطَوُّعٌ وَكَذَا إذَا ، وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا الْمُعَيَّنَ لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يُجْعَلُ عَنْ الطَّلَاقِ الْوَاجِبِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا هِبَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَيَرِدُ عَلَى تَعْلِيلِهِ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ تَطَوُّعًا ، وَلَا تُجْعَلُ عَنْ الْفَرْضِ فَقَدْ تَنَفَّلَ الْعَاقِلُ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْفَرْضِ كَالسُّنَنِ وَيُمْكِنُ أَدَاءُ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ
مَعَ إحْرَازِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا فَلَوْ صُرِفَ إلَى النَّفْلِ يَفُوتُ الْفَرْضُ إلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ ، وَهِبَةِ الْمَبِيعِ ، وَهِبَةِ الصَّدَاقِ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ وَالْمَبِيعِ وَالصَّدَاقِ مُتَعَيِّنَةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَالْوَاجِبُ فِيهَا التَّمْلِيكُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْعَكْسِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ ا هـ غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ ، وَأَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ جَعَلَهَا عَلَى الْمِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ إمَّا لِتَفَاوُتِ الذِّمَمِ أَوْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَدَاءُ الدَّيْنِ عَنْ الْعَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ قَبْضِ الدَّيْنِ الْبَاقِي ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَمْسَةَ عَنْ الْمِائَتَيْنِ لِلَّذِي عَلَيْهِ الْمِائَتَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى تَجُوزُ لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الذِّمَمِ ، وَعَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ لَا تَجُوزُ ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ فَإِذَا قَبَضَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ ا هـ فِي الْإِيضَاحِ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَانْتَفَى الْأَضْعَفُ ، وَهُوَ النَّفَلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَغَتْ نِيَّتُهُ فَلَا تَقَعُ عَنْ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُهَا عَنْهُمَا لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ، وَفِي الرَّوْضَةِ دَفَعَ إلَى فَقِيرٍ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَاهُ عَنْ الزَّكَاةِ إنْ
كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا يَتَصَدَّقُ تَطَوُّعًا فَلَمْ يَتَصَدَّقْ الْمَأْمُورُ حَتَّى نَوَى الْآمِرُ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ الْمَأْمُورُ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ قَبْلَ دَفْعِهِ ، وَلَوْ خَلَطَ الْوَكِيلُ دَرَاهِمَ الْمُزَكِّينَ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ زَكَاتِهِمْ فَهُوَ ضَامِنٌ ، وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ وَضَعَهَا عَلَى كَفِّ فَقِيرٍ فَانْتَهَبُوهَا جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ ، وَلَوْ سَقَطَتْ وَرَفَعَهَا فَقِيرٌ وَرَضِيَ بِهَا جَازَ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَغَنَمٌ فَأَدَّى شَاةً لَا يَنْوِي أَحَدَهُمَا صَرَفَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَلَوْ نَوَى عَنْ أَحَدِهِمَا فَهَلَكَتْ لَمْ يُجْزِ عَنْ الْأُخْرَى بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ أَحْبَبْت لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : قِيلَ يَضْمَنُ قَدْرَ الْوَاجِبِ ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ ) أَيْ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ ا هـ غَايَةٌ وَكَأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ أَوْ هَلَاكٌ ا هـ فَتْحٌ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَا يَضْمَنُ وَجْهُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ ، وَهِيَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ امْتِنَاعًا مِنْ الْوُجُوبِ لَا اسْتِهْلَاكًا لِلْوَاجِبِ كَاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ الْعَيْنَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِيَوْمٍ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالَ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْعَيْنَ مِنْ الْغَنِيِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ قَابِضًا حُكْمًا كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَزْوِيجِ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ا هـ .
غَايَةٌ ، وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ دَفَعَ لِمُحْتَرَمٍ زَكَاةَ مَالِهِ ، وَقَالَ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ ، وَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ لَا يُجْزِيهِ ، وَقَالَ يُوسُفُ التَّرْجُمَانِيُّ يُجْزِيهِ إذَا تَأَوَّلَ الْقَرْضَ بِالزَّكَاةِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الدَّافِعِ لَا لِعِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ بِمَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ ظُلْمًا ، وَقَدْ نَوَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ الظَّالِمُ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ مِسْكِينًا دِرْهَمًا وَنَوَاهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ ا هـ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ ا هـ قُنْيَةٌ .
( بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ ) الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } أَيْ الزَّكَاةُ وَالسَّوَائِمُ جَمْعُ سَائِمَةٍ يُقَالُ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ سَوْمًا أَيْ رَعَتْ ، وَأَسَامَهَا صَاحِبُهَا وَالْمُرَادُ الَّتِي تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَإِنْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَإِنْ أَسَامَهَا لِلْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا فَلَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ، وَلَا يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى حَوْلِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالسَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُفْتَتَحَةً بِهَا ؛ وَلِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَهَمَّ ثُمَّ قَدَّمَ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ ) أَيْ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يُشْتَرَطُ الرَّعْيُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ كَالنِّصَابِ ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَكْثَرِ ، وَفِي بَعْضِهَا إنْ عَلَفَهَا بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ أَنَّ مُؤْنَةَ عَلَفِهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرُ النِّصَابِ سَائِمَةً ، وَلَنَا أَنَّ اسْمَ السَّائِمَةِ لَا يَزُولُ بِالْعَلَفِ الْيَسِيرِ فَلَا يَمْنَعُ دُخُولَهَا فِي الْخَبَرِ ؛ وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَلَفِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ الْمَرْعَى فِي جَمِيعِ السَّنَةِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْعَلَفِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْيَسِيرُ مِنْهُ لَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ
بَعْضُ النِّصَابِ مَعْلُوفًا ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ عِلَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي جَمِيعِهِ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ فَيُكْتَفَى بِأَكْثَرِهِ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ ، وَفِيمَا إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْإِسَامَةِ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ مَعَ الشَّكِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا بِنْتُ مَخَاضٍ ، وَفِيمَا دُونَهُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ ، وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ) عَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَاشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ شَاذٌّ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْهُ حَتَّى قَالَ الثَّوْرِيُّ : هَذَا غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ رِجَالِ عَلِيٍّ أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ مُوَالَاةً بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ ، وَلَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ خِلَافُ أُصُولِ الزَّكَاةِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضًا عَادَةً أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى وَيُسَمَّى وَجَعُ الْوِلَادَةِ مَخَاضًا أَيْضًا ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ } وَبِنْتُ اللَّبُونِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ سَمَّيْت بِهِ ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَلِدُ أُخْرَى وَتَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ غَالِبًا وَالْحِقَّةُ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا حُقَّ لَهَا الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ أَوْ الضِّرَابُ وَالْجَذَعَةُ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا يَعْرِفُهُ أَرْبَابُ الْإِبِلِ ، وَهِيَ أَكْبَرُ سِنٍّ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَفْوُ بَيْنَ
الْوَاجِبَيْنِ مِنْ خَمْسٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ ، وَمِنْهَا إلَى وُجُوبِ بِنْتِ لَبُونٍ عَشَرَةٌ ، وَمِنْهَا إلَى حِقَّةٍ تِسْعَةٌ ، وَمِنْهَا إلَى جَذَعَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ، وَمِنْهَا إلَى بِنْتَيْ لَبُونٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْضًا ، وَمِنْهَا إلَى حِقَّتَيْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَيْضًا ، وَمِنْهَا إلَى وَاجِبٍ آخَرَ ، وَهُوَ الشَّاةُ بَعْدَ الِاسْتِئْنَافِ عَلَى مَا يُذْكَرُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ) ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ تُسْتَأْنَفُ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا مَعَ الْمِائَةِ الْأُولَى وَالْعِشْرِينَ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ إذَا زَادَتْ خَمْسَةً يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ، وَالْعَفْوُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ مِائَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ مِائَةً وَسِتًّا وَثَمَانِينَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ،
وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ مَعَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ الْإِبِلِ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ فَإِذَا تَمَّ خَمْسِينَ ، وَهُوَ مِائَتَانِ مَعَ الْأَوَّلِ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ دَائِمًا كَمَا اُسْتُؤْنِفَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ ، وَالْعَفْوُ فِيهَا بَيْنَ الْوَاجِبَاتِ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ مَا إذَا وَجَبَتْ الْحِقَّةُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا فِي الْأَوَّلِ إلَى وَاجِبٍ آخَرَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ، وَهُنَا ثَمَانِيَةٌ فِي كُلِّ دَوْرٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ثُمَّ يَدُورُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حَقَّةٌ كَمَا يَدُورُ فِي الْبَقَرِ عَلَى الثَّلَاثِينَاتِ وَالْأَرْبَعِينَاتِ لَهُ مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَتَبَ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ } مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَدَدِ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ ، وَمَا دُونَ بِنْتِ لَبُونٍ ، وَهُوَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالشَّاةُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَلَنَا { كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَكَانَ فِيهِ إذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرَائِضِ الْإِبِلِ فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ فَفِيهِ الْغَنَمُ فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ } ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثُ ابْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ صَحِيحٌ ، وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً ، وَهُمَا أَفْقَهُ الصَّحَابَةِ وَعَلِيٌّ كَانَ عَامِلًا فَكَانَ أَعْلَمَ بِحَالِ الزَّكَاةِ ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ قَدْ عَمِلْنَا بِمُوجَبِهِ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا فِي أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ ، وَفِي خَمْسِينَ حِقَّةً فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَرْبَعِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ، وَالْوَاجِبُ فِي الْخَمْسِينَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ ، وَلَا يَتَعَرَّضُ هَذَا الْحَدِيثُ لِنَفْيِ الْوَاجِبِ عَمَّا دُونَهُ فَنُوجِبُهُ بِمَا رَوَيْنَا وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ فِيمَا رَوَاهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ أَلَا تَرَى مَا يَرْوِيهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ ، وَلَمْ يُخْرِجْهَا إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ قَالَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا فَكَانَ فِيهَا فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا كَثُرَتْ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَبِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يُقَالُ كَثُرَتْ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا بَلْ يَنُصُّ عَلَيْهِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ ، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَاهَا ؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ كَانَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْوَاجِبِ يَكُونُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ وَثُلُثٍ بِنْتُ لَبُونٍ
فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَا لَا يَكُونُ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْوَاجِبِ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَاجِبُ .
( بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ ) قَوْلُهُ : الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ ) سُمِّيَتْ بِهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ الْعَبْدِ فِي الْعُبُودِيَّةِ ا هـ ع ( قَوْلُهُ : لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ ) أَيْ أَوْ التَّسْمِينِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ إلَى آخِرِهِ ) الرِّعْيُ بِالْكَسْرِ الْكَلَأُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَالْمَرْعَى الرِّعْيُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قَيْدُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ ، وَإِلَّا فَيَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ ، وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ ) أَيْ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إبِلًا إلَى آخِرِهِ ) أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ ا هـ ع وَالْإِبِلُ اسْمُ جَمْعٍ كَالْغَنَمِ لَا وَاحِدَ لَهُمَا مِنْ لَفْظِهِمَا ، وَهُمَا مُؤَنَّثَانِ وَلِهَذَا يُقَالُ فِي تَصْغِيرِهِمَا أُبَيْلَةٌ وَغُنَيْمَةٌ وَكَأَنَّ الْغَنَمَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذْ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ كَالْقَرْنِ وَالنَّابِ لِلثَّوْرِ وَالْبَعِيرِ ا هـ دِرَايَةٌ قَوْلُهُ : غُنَيْمَةٌ أَيْ كَمَا يُقَالُ دُوَيْرَةٍ وَنُوَيْرَةُ ا هـ قَالَ فِي الْغَايَةِ : وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ تَخْفِيفًا ، وَهُوَ فِعْلٌ وَمِثْلُهُ بِلِزٌ فِي الصِّفَاتِ ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْقَصِيرَةُ الْعَظِيمَةُ الْحَسَنَةُ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْحَاجِبِ : وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا وَذَكَرَ الْمَيْدَانِيُّ أَرْبَعَةً وَزَادَ عَلَيْهِمَا إطْلًا ، وَهُوَ الْخَاصِرَةُ ، وَإِبْدًا لِلْوَحْشِيَّةِ أَيْ وَالْوَلُودِ ، وَهِيَ الَّتِي تَلِدُ كُلَّ عَامٍ قَالَ فِي الْمُمْتِعِ ، وَفِيمَا زَعَمَ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَأْتِ فِعْلٌ إلَّا إبِلٌ وَبِلْزٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ فِيهِ بِلِزٌّ بِالتَّشْدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ
يَكُونَ تَخْفِيفًا وَلَا حُجَّةَ فِي إطْلٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا فِي الشِّعْرِ نَحْوُ قَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ لَهُ إطْلَا ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُتْبِعَتْ فِيهِ الطَّاءُ الْهَمْزَةَ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي الْمُمْتِعِ وَجَاءَ وَتَدٌ لُغَةً فِي الْوَتَدِ وَحِبِرٌ الْقَلَحُ عَلَى الْأَسْنَانِ ، وَإِبِطٌ وَجَلْح وَحَلَبَ ، وَهِيَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ا هـ غَايَةٌ وَلَفْظُهَا مُؤَنَّثٌ تَقُولُ إبِلٌ سَائِمَةٌ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ ) هِيَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي سِتٍّ ، وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى آخِرِهِ ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا وَقَصَ بَيْنَهُمَا إلَى آخِرِهِ ) فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ الْوَقَصَ يَتْلُو الْوَاجِبَ وَالْوُجُوبُ يَتْلُو الْوَقَصَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ إلَى آخِرِهِ ) وَفِي الْيَنَابِيعِ بِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ وَبِنْتُ لَبُونٍ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ إلَى آخِرِهَا ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : سُمِّيَتْ بِهِ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ : وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَا يُطْلَبُ مِنْهَا إلَّا بِضَرْبٍ مُكَلِّفٍ وَحَبْسٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِك جَذَعْت الدَّابَّةَ إذَا حَبَسْتهَا مِنْ غَيْرِ عَلَفٍ ا هـ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْمُعْتَبَرُ فِي سِنِّ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ عَفْوٌ قُلْت يَعْنِي لِإِيجَابِ الشَّاةِ الْوَسَطِ ، وَإِلَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَسَطًا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا
دُونَ الْوَسَطِ ثُمَّ قَالَ : وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ ، وَفِي سِتِّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ ابْنُ لَبُونٍ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ سَوَاءٌ كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ مُخْتَلِطَاتٍ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ لَا يُجْزِي فِي الْإِبِلِ إلَّا الْإِنَاثُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ ، وَلَا يُجْزِي الذُّكُورُ إلَّا بِالْقِيمَةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَفِي الْمَنَافِعِ اُعْتُبِرَ فِي الْإِبِلِ الْإِنَاثُ وَالصِّغَارُ دُونَ الذُّكُورِ كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ ، وَهَذِهِ الْأَسْنَانُ صِغَارٌ حَتَّى لَا تُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ فَجُعِلَتْ الْأُنُوثَةُ كَالْجَابِرِ لِلصِّغَرِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ أَكْبَرُ سِنٍّ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ ) وَبَعْدَهَا ثَنِيٌّ وَسُدُسٌ وَبَازِلٌ ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ ا هـ هَذَا هُوَ الِاسْتِئْنَافُ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى آخِرِهِ ) ، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ ا هـ غَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْكِتَابُ بَيْنَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ وَخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ كَيْفَ يَصِحُّ فِيمَا بَلَغَ النِّصَابُ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ بِهَذَا الْحِسَابُ قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ فَيَصِحُّ فِي الْمِائَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي تَأْخِيرِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَى أَنْ كَانَتْ الْإِبِلُ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ : وَفِي الْمَبْسُوطِ أَيْ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ ا هـ كَاكِيٌّ (
قَوْلُهُ : كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى آخِرِهِ ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الِاسْتِئْنَافُ لَيْسَ إيجَابَ بِنْتِ لَبُونٍ ، وَلَا إيجَابَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ لِانْعِدَامِ وُجُودِ نِصَابِهِمَا ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ ) الذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشَرَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ ، وَقِيلَ مِنْ اثْنَيْنِ إلَى التِّسْعَةِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا تَمَّ خَمْسِينَ وَهُوَ مِائَتَانِ مَعَ الْأَوَّلِ تُسْتَأْنَفُ ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ : اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ آتٍ فِي بَابِ الْإِبِلِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ مِنْ خَمْسَةٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ، وَالثَّانِي مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ، وَالثَّالِثُ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى مِائَتَيْنِ فَالِاسْتِئْنَافُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ كَالِاسْتِئْنَافِ الْأَخِيرِ لَا كَالِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ ، وَلَا كَالِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي فَإِنَّ فِي الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ شَاةٌ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّةٌ وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةُ شِيَاهٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ ، وَالِاسْتِئْنَافُ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ كَالِاسْتِئْنَافِ الثَّالِثِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا بَعْدَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ : كَمَا اُسْتُؤْنِفَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ إلَى آخِرِهِ ) يَعْنِي فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ
وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ حِينَئِذٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتَّةُ حِقَاقٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَهَكَذَا ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا ) أَيْ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ فَعَمِلَ بِهَا ا هـ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ ) نَقَلَهُ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ فِي الْفَتْحِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّارِحِ وَرَأَيْت بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ الْعَلَامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصُّهَا : وَهَذِهِ الْحَوَالَةُ مِنْ شَارِحِ الْكَنْزِ غَيْرُ رَائِجَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ : لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْوَاجِبُ ) أَيْ كَالْمَعْلُوفَةِ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِبِلِ يَتَنَاوَلُهُمَا فَيَدْخُلَانِ تَحْتَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ ضَرُورَةً وَالْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْفَالِجِ ، وَالْفَالِجُ هُوَ الْجَمَلُ الضَّخْمُ ذُو السَّنَامَيْنِ يُحْمَلُ مِنْ السِّنْدِ لِلْفَحْلَةِ ، وَالْبُخْتِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأَنَاسِيِّ عَرَبٌ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ أَوْ الْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي نِسْبَتِهِمْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إلَى عَرَبَةَ بِفَتْحَتَيْنِ ، وَهِيَ مِنْ تِهَامَةِ ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَشَأَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ ) قَدَّمَ الْبَقَرَ عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ الضَّخَامَةُ حَتَّى شَمَلَهَا اسْمُ الْبَدَنَةِ سُمِّيَتْ بَقَرًا ؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقَرُ جِنْسٌ ، وَالْوَاحِدَةُ بَقَرَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ ذُو سَنَةٍ أَوْ تَبِيعَةٌ ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ ذُو سَنَتَيْنِ أَوْ مُسِنَّةٌ ) ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالتَّبِيعُ مَا طَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَالْمُسِنُّ مَا طَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَادَّعَوْا فِيهِ الْإِجْمَاعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَمْسِينَ ، وَقَالَ قَوْمٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَتِسْعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةٌ اعْتَبَرُوهُ بِالْإِبِلِ ، وَقَالُوا هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ { مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ ) أَيْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ يَجِبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ إلَى سِتِّينَ فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ التَّبِيعِ ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثَا عُشْرِ تَبِيعٍ ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ عُشْرُ تَبِيعٍ ، وَهَذَا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُمَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنًّا أَوْ مُسِنَّةً فَقَالُوا الْأَوْقَاصُ فَقَالَ مَا أَمَرَنِي فِيهَا بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ عَنْ الْأَوْقَاصِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ } ، وَفَسَّرُوهَا بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ وَاجِبَيْنِ وَقَصٌ ؛ لِأَنَّ تَوَالِيَ الْوَاجِبَاتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهَا لَا سِيَّمَا فِيمَا يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ فِي الْمَوَاشِي وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْأَوْقَاصَ مِنْ الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ كَمَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ فَكَذَا هُنَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الْوُجُوبِ ، وَنَصْبُ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ غَيْرُ ثَابِتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فِي الصَّحِيحِ ، وَلَئِنْ ثَبَتَ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الصِّغَارُ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا وَبِهِ نَقُولُ فَلَا يَلْزَمُهُ حُجَّةٌ مَعَ الِاحْتِمَالِ فَإِنْ قِيلَ فِيمَا قُلْت أَيْضًا خِلَافُ الْقِيَاسِ ، وَهُوَ إيجَابُ الْكُسُورِ فِيمَ يَتَرَجَّحُ مَذْهَبُهُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا قُلْنَا إيجَابُ الْكُسُورِ أَهْوَنُ مِنْ نَصْبِ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ
التَّقْدِيرِ ، وَإِخْلَاءَ الْمَالِ عَنْ الْوَاجِبِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى : { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ظَاهِرٌ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالرَّأْيِ ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعِبَادَاتِ الْإِيجَابُ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْوَقَصِ ، وَهُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ لَيْسَ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ إذْ هِيَ تِسْعَةٌ تِسْعَةٌ فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَفِيهَا تَبِيعَانِ ) أَيْ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ ( وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ فَالْفَرْضُ يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ ) أَيْ يَجِبُ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَتَبَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فَيَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ } وَبِالْعَكْسِ ضَرُورَةً ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ تَقْدِيرُهُمَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا إنْ شَاءَ أَدَّى ثَلَاثَ مُسِنَّاتٍ ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَتْبِعَةً ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَقَرٌ حَقِيقَةً إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ فَيَتَنَاوَلُهُمَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِاسْمِ الْبَقَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَامُوسِ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ ، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا فَاشْتَرَى جَامُوسًا يَحْنَثُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا ، وَأَنْوَاعُ الْبَقَرِ ثَلَاثَةٌ الْعِرَابُ وَالْجَامُوسُ والدريانية ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ وَالْبَقَرُ يَشْمَلُ الْكُلَّ فَيَكُونُ حُكْمُهَا وَاحِدًا فِي قَدْرِ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ
لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَغْلِبْهَا إنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ أَعْلَى الْأَدْنَى ، وَأَدْنَى الْأَعْلَى ، وَعَلَى هَذَا الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ وَقَوْلُهُ : وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ .
( بَابٌ : صَدَقَةُ الْبَقَرِ ) ( قَوْلُهُ : وَالْوَاحِدَةُ بَقَرَةٌ إلَى آخِرِهِ ) وَالْهَاءُ لِلْإِفْرَادِ ا هـ غَايَةٌ وَالْبَيْقُورُ الْبَقَرُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ زَائِدَتَانِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْبَقَرَةَ بَاقُورَةً وَالْبَاقِرُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهِ كَالْجَامِلِ لِجَمَاعَةِ الْجِمَالِ ، وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ الْبَقَرُ جِنْسٌ وَاحِدَتُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَقَرَةُ الْأُنْثَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً إلَى آخِرِهِ ) أَيْ سَائِمَةً غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى آخِرِهِ ) فَإِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ بَقَرَةً عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلًا فَفِيهَا بَقَرَةٌ ، وَفِي الْمِائَةِ بَقَرَتَانِ ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ ، وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : اعْتَبَرُوهُ بِالْإِبِلِ ) أَيْ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُجْزِيهِ عَنْ سَبْعَةٍ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ ) أَيْ أَوْ مُسِنٍّ ( قَوْلُهُ : أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ التَّبِيعِ ) أَيْ أَوْ تَبِيعَةٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ عُشْرُ تَبِيعٍ ) ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ فِي الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ غَايَةٌ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ ، وَلَا بَعْدَ السِّتِّينَ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ ا هـ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ لَمَّا بَعَثَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ عَبْدُ
الْحَقِّ وَبَقِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ رَدَّهُ بِأَنَّ بَقِيَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ ، وَهُوَ الْمَسْعُودِيُّ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ مَا نَصُّهُ أَسَدُ بْنُ عُمَرَ ا هـ غَايَةٌ قَوْلُهُ : وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْ وَالْبَزَّارُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : { فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ عَنْ الْأَوْقَاصِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ } ) قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ الْوَقَصُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَاشِيَةِ قُلْت وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَصَنَّفَ ابْنُ بَرِّيٍّ جُزْءًا فِي تَخْطِئَةِ الْفُقَهَاءِ ، وَلَحْنِهِمْ فِي إسْكَانِ الْقَافِ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَالشَّنَقُ مِثْلُهُ ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : الشَّنَقُ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْوَقَصُ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَيُقَالُ ، وَقَسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا ، وَقِيلَ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَقَالَ سَنَدٌ الْجُمْهُورُ عَلَى تَسْكِينِ الْقَافِ ، وَقِيلَ تُفْتَحُ ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ أَوْقَاصٌ كَجَبَلٍ ، وَأَجْبَالٍ وَجَمَلٍ ، وَأَجْمَالٍ ، وَلَوْ كَانَ سَاكِنًا لَجُمِعَ عَلَى أَفْعُلٍ نَحْوُ فَلْسٍ ، وَأَفْلُسٍ وَكَلْبٍ وَأَكْلُبٍ قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا حَوْلٌ وَأَحْوَالٌ ، وَهَوْلٌ وَأَهْوَالٌ ( قُلْت ) بَابُ ثَوْبٍ وَحَوْلٍ وَهُوَ الْمُعْتَلُّ الْعَيْنِ بِالْوَاوِ قِيَاسُهُ أَنْ يُجْمَعَ كَذَلِكَ فَلَا نَقْضَ ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنِ يَعِيشَ وَشَرْحُ الْمُفَصَّلِ نَحْوُ فَرْخٍ ، وَأَفْرَاخٍ ، وَزَنْدٍ وَأَزْنَادٍ وَرَأْدٍ وَأَرْآدٍ ، وَأَنْفٍ وَآنَافٍ وَالرَّأْدُ أَصْلُ اللَّحْيَيْنِ وَالزَّنْدُ الْعُودُ الَّذِي يُقْدَحُ بِهِ النَّارُ ، وَهُوَ الْأَعْلَى
وَالزَّنْدَةُ السُّفْلَى فِيهَا ثُقْبٌ وَهِيَ الْأُنْثَى وَجَمَعُوا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى أَفْعَالٍ ؛ لِأَنَّ الرَّأْدَ فِي مَعْنَى الذَّقَنِ وَالزَّنْدُ فِي مَعْنَى الْعُودِ ، وَفَرْخٌ فِي مَعْنَى طَيْرٍ أَوْ وَلَدٍ فَحُمِلَتْ عَلَى الْمَعْنَى فِي الْجَمْعِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ مُقَارِنَةٌ لِلْأَلِفِ فَقَالُوا أَرْآدٌ كَمَا قَالُوا أَبْوَابٌ وَالنُّونُ فِي زَنْدٍ وَأَنْفٍ سَاكِنَةٌ فَهِيَ غُنَّةٌ فَجَرَتْ بِغُنَّتِهَا مَجْرَى الْمُتَحَرِّكَةِ ، وَالرَّاءُ فِي فَرْخٍ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ فَجَرَى تَكْرِيرُهُ مَجْرَى الْحَرَكَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْجَمْعِ وَنَقَضَ النُّورِيُّ بِأَوْطَابٍ ، وَأَوْعَادٍ وَأَوْغَادٍ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَئِنْ ثَبَتَ فَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ ) أَيْ بِالْوَقَصِ ( قَوْلُهُ : الصِّغَارُ ) أَيْ ، وَهُوَ الْعَجَاجِيلُ ا هـ دِرَايَةٌ وَالْمُرَادُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ ا هـ غَايَةٌ بِالْمَعْنَى أَوْ الْمُرَادُ مِنْهَا إنْ أُرِيدَ الْعَفْوُ قِلَّةُ الْعَدَدِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ الْوَقَصَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا ، وَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْجَامُوسُ كَالْبَقَرِ ) وَالْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مُلْحَقٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ حَتَّى لَوْ آلَفَ لَا يَلْتَحِقُ بِالْأَهْلِيِّ حُكْمًا بِدَلِيلِ حِلِّ أَكْلِهِ فَكَذَا الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ ، وَفِي الْمُغْنِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ ، وَالسَّوْمُ وَالنِّصَابُ حَوْلًا كَامِلًا شَرْطٌ عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ السَّوْمُ وَمِلْكُ النِّصَابِ حَوْلًا كَامِلًا وَمَتَى يَجْتَمِعُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ ثَلَاثُونَ كَالسَّائِمَةِ وَاسْمُ الْبَقَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ شَرْعًا بِلَا كِتَابٍ ، وَلَا سُنَّةٍ ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ وَلِهَذَا لَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ، وَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَصَارَ كَالظِّبَاءِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ الظَّبْيَةَ تُسَمَّى عَنْزًا ، وَلَا تُسَمَّى
بَقَرُ الْوَحْشِ بَقَرًا بِغَيْرِ إضَافَةٍ وَيَجِبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد ، وَعِنْدَنَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَهْلِيَّةً يَجِبُ ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْشِيَّةً لَا يَجِبُ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ قَاسُوا عَلَى الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ غَنَمَ مَكَّةَ مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ وَفِيهَا الزَّكَاةُ ، وَأَلْزَمَنَا النَّوَوِيُّ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْإِلْزَامَانِ بَاطِلَانِ ، وَفِي الْمُحَلَّى قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي إنَاثِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَقَرٍ ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَالْبُخْتُ كَالْعِرَابِ ؛ لِأَنَّهَا فَرْدَانِ لِجِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْإِبِلُ ا هـ .
( فَصْلٌ ) فِي الْغَنَمِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ ، وَفِي مِائَةٍ ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُتُبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْمَعْزُ كَالضَّأْنِ ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ وَالْغَنَمِ ، وَهُوَ شَامِلٌ لَهُمَا فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا لَا الْجَذَعُ ) وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا ، وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ : مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعُ } ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةُ فَكَذَا الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ ، وَمِنْ الْمَعْزِ لَا يُلَقِّحُ وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا ، وَمَرْفُوعًا : { لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا } وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْجَذَعَ لَا يَجُوزُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ فِي الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْجَذَعَةُ ، وَهِيَ الْأُنْثَى وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا إذَا كَانَ النِّصَابُ
كُلُّهُ ذُكُورًا ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ ذُكُورًا يَجِبُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ } وَاسْمُ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا ؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ الْغَنَمِ لَا يَتَفَاوَتَانِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي الْبَقَرِ دُونَ الْإِبِلِ ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى فِيهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا ، وَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَالْحِقَّةُ وَالْجَذَعَةُ ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ الْإِبِلِ يَتَفَاوَتَانِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يَقُومُ الذَّكَرُ مَقَامَ الْأُنْثَى ، وَقَوْلُهُ إنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ لَا تَحْصُلُ مِنْهُ قُلْت إنَّ رِعَايَةَ مَنْفَعَتِهِ فِي النِّصَابِ تَخْفِيفًا فِي حَقِّ الْمُلَّاكِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِمْ جَبْرٌ إلَّا فِيمَا يَأْخُذُهُ الْفَقِيرُ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ سَدَّ الْخَلَّةِ لَا النَّسْلَ مِنْهُ .
( فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى آخِرِهِ ) إذْ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمَعْزُ ) أَيْ وَهُوَ اسْمٌ لِذَاتِ الشَّعْرِ ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ : كَالضَّأْنِ ) أَيْ ، وَهُوَ اسْمٌ لِذَاتِ الصُّوفِ ا هـ بَاكِيرٌ وَالضَّأْنُ مَهْمُوزٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِالْإِسْكَانِ كَنَظَائِرِهِ يَعْنِي كَرَأْسٍ وَبَأْسٍ ( قُلْت ) تَخْفِيفُهُ لَيْسَ بِالْإِسْكَانِ بَلْ بِإِبْدَالِهَا أَلِفًا كَمَا فِي رَأْسٍ فَأُبْدِلَتْ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا لَمَّا كَانَتْ سَاكِنَةً ، وَإِسْكَانُ الْأَلِفِ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا سَاكِنَةً قَالَ وَهُوَ جَمْعُ ضَائِنٍ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا ضَأَنٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَحَارِسٍ وَحَرَسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى ضَئِينٍ كَغَازٍ وَغَزِيٍّ ( قُلْت ) الرَّكْبُ وَالْحَرَسُ وَالْغُزَّى كُلٌّ مِنْهَا لَيْسَ بِجَمْعٍ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ هُوَ اسْمُ جَمْعٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ ، وَلَعَلَّ صِنَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ قَالَ وَالْمَعْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَإِسْكَانِهَا اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدُ مَاعِزٌ ( قُلْت ) هُمَا اسْمُ جَمْعٍ كَرَكْبٍ وَحَلْقٍ ، وَالْمَعِيزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْأُمْعُوزُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى الْمَعْزِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا إلَى آخِرِهِ ) أَيْ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الْجَذَعُ إلَى آخِرِهِ ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُهُمَا ) ، وَفِي الْمَعْزِ لَا يُجْزِي إلَّا الثَّنِيُّ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعِ } ) غَرِيبٌ بِلَفْظِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
سَعْدٍ قَالَ { جَاءَنِي رَجُلَانِ مُرْتَدِفَانِ فَقَالَا إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إلَيْك لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِك قُلْتُ : وَمَا هِيَ قَالَا شَاةٌ قَالَ فَعَمِدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا فَقَالَا هَذِهِ شَاةٌ شَافِعٌ ، وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا قُلْت فَأَيُّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ قَالَا عَنَاقًا جَذَعًا أَوْ ثَنِيَّةً فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا فَتَنَاوَلَاهَا } وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ السَّخْلَ فَقَالُوا تَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي ، وَلَا تَأْخُذُهَا ، وَلَا تُؤْخَذْ الْأَكُولَةُ وَلَا الرُّبَى ، وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ ، وَتُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ وَالثَّنِيَّةُ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَغَرِيبٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيَّيْنِ نَأْخُذُ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَا قَوْلُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْجِيحُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَذَعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي تَعْيِينِ الثَّنِيِّ ا هـ فَتْحُ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ الْمَعْزِ لَا يُلَقِّحُ ) حَتَّى يَصِيرَ ثَنِيًّا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَجَوَازُ التَّضْحِيَةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا ) أَيْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ
الضَّأْنِ } ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ إلَخْ ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَمْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ } عَلَى الْإِبِلِ بَعِيدٌ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إذْ الذَّكَرُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ الْجَذَعَةَ مِنْ الْإِبِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لَا يَتَفَاوَتَانِ ) أَيْ مِنْ الْغَنَمِ ا هـ ( فُرُوعٌ ) شَاةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَ آخِرِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شَاةً فَعَلَى الَّذِي تَمَّ نِصَابُهُ شَاةٌ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التِّسْعَةَ وَالثَّلَاثِينَ وَنِصْفَيْنِ مِنْ شَاتَيْنِ فَلَمْ يُكْمِلْ الْأَرْبَعِينَ ، وَلَنَا أَنَّهُ مَلَكَ نِصْفَ الثَّمَانِينَ شَائِعًا بِدَلِيلِ أَنَّ شَرِيكَهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا تَجِبُ فَبِتَعَدُّدِ الشُّرَكَاءِ لَا يَنْقُصُ مِلْكُهُ ، وَلَا يَعْدَمُ صِفَةُ الْغِنَى فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَانُونَ شَاةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَمَانِينَ رَجُلًا كُلُّ شَاةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ ثَمَانُونَ بَقَرَةً بَيْنَ ثَمَانِينَ نَفَرًا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَقَرَةٍ وَلِأَحَدِهِمْ ثَمَانُونَ نِصْفًا أَوْ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَ وَاحِدٍ وَبَيْنَ عَشَرَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ بَعِيرٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ نَصِيبِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الَّذِي تَمَّ نِصَابُهُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا قَوْلٌ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ ، وَفِي النَّوَادِرِ ثَمَانُونَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ ثُلُثَاهَا وَالْآخَرُ لَهُ ثُلُثُهَا فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً لِزَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثَيْنِ دَفَعَ ثُلُثَ شَاةٍ مِنْ مِلْكِ شَرِيكِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِائَةً
وَعِشْرِينَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخِرِ ثُلُثُهَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ ، وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ فَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ فِي شَاتَيْنِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَثُلُثٌ فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً كَامِلًا لِأَجَلِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَقَدْ أَخَذَ ثُلُثًا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ لِأَجْلِ زَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ } ، وَفِي الْمَبْسُوطِ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْكَثِيرِ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِثُلُثِ شَاةٍ ثُمَّ إذَا حَالَ حَوْلٌ آخَرُ يَجِبُ شَاةٌ فِي مَالِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ لِنَقْصِ مَالِهِ عَنْ النِّصَابِ فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً مِنْ عَرَضِ الْمَالِكَيْنِ رَجَعَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْكَثِيرِ بِثُلُثِ شَاةٍ فَهُوَ مَعْنَى التَّرَاجُعِ بِالسَّوِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ { بِالسَّوِيَّةِ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا بِالزِّيَادَةِ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ بَلْ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ شَاةً بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَلِلْآخِرِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا ثَلَاثَ شِيَاهٍ رَجَعَ صَاحِبُ الْمِائَةِ عَلَى الْآخَرِ بِخُمُسِ شَاةٍ ، وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ رَجُلٌ لَهُ عِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فِي جَبَلٍ ، وَعِشْرُونَ فِي السَّوَادِ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَدِّقِينَ زَكَاةَ مَا فِي عَمَلِهِ ، وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ ا هـ غَايَةٌ .
قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ : إذَا كَانَتْ ذُكُورًا ، وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا ، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا ، وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ وَالنُّخَّةِ } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ } وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي الْخَيْلِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ } ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَثَبَتَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ ، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا } ، وَهُوَ الزَّكَاةُ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ { سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ بَعْدَ الْخَيْلِ فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ } فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ عَنْ الْحَمِيرِ ، وَالتَّخْيِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ ، وَمَرْوَانُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ ، وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ } فَقَالَ مَرْوَانُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا تَقُولُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَجَبًا مِنْ مَرْوَانَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي ، وَإِنَّمَا خَيَّرَ عُمَرُ أَرْبَابَهَا بَيْنَ الدِّينَارِ وَبَيْنَ رُبْعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْفَرَسِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارٍ وَتَفَاوُتُهَا قَلِيلٌ ثُمَّ شُرِطَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنْ تَكُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالتَّنَاسُلِ يَحْصُلُ بِهِمَا ، وَلَوْ كَانَتْ إنَاثًا مُنْفَرِدَاتٍ أَوْ ذُكُورًا مُنْفَرِدَاتٍ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجِبَ فِي الْإِنَاثِ ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ ، وَلَا يَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ ذُكُورِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُنْفَرِدَاتِ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا يَزْدَادُ بِالسِّمَنِ وَزِيَادَةُ السِّمَنِ إذْ هُوَ مَأْكُولٌ دُونَ لَحْمِ الْخَيْلِ فَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَتُهَا ، وَكَذَا لَا تُعْتَبَرُ زِيَادَتُهَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَلَى أَصْلِهِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِصَابٌ أَمْ لَا قِيلَ يُشْتَرَطُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ فَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ ، وَقِيلَ اثْنَتَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالتَّقْدِيرِ ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوَاشِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَ ) لَا فِي ( الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ) { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } } وَالْمَقَادِيرُ لَا تَثْبُتُ إلَّا سَمَاعًا ؛ وَلِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَتَنَاسَلُ فَلَا نَمَاءَ ، وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمِيرِ الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ غَالِبًا دُونَ التَّنَاسُلِ ، وَإِنَّمَا تُسَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْعَلَفِ تَخْفِيفًا ، وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا
الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ .
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : وَلَا شَيْءَ فِي الْخَيْلِ ) وَالْخَيْلُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ ذُكُورِهَا ، وَإِنَاثِهَا كَالرَّكْبِ ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَوَاحِدُهَا فَرَسٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يَذْكُرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُصَغَّرُ بِغَيْرِ تَاءٍ ، وَهُوَ شَاذٌّ وَمَعَهَا ثَمَانِي كَلِمَاتٍ فِي بَيْتٍ مَوْزُونٍ وَهُوَ ذَوْدٌ وَقَوْسٌ وَحَرْبٌ دِرْعُهَا فَرَسٌ نَابٌ كَذَا نَصَفٌ عِرْسٌ ضُحًا غَرَبُ وَفِي الْقِدْرِ وَجْهَانِ وَالْأَجْوَدُ قَدِيرٌ ، وَفِي الصِّحَاحِ الْخَيْلُ الْفُرْسَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك } وَالْخَيْلُ أَيْضًا الْخُيُولُ فَيَكُونُ الثَّانِي جَمْعَ اسْمِ الْجَمْعِ كَالْقَوْمِ وَالْأَقْوَامِ وَالْخَيَّالَةُ أَصْحَابُ الْخَيْلِ ، وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ { يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي } أَيْ يَا فُرْسَانَ خَيْلِ اللَّهِ ارْكَبِي بِحَذْفِ الْمُضَافِ قُلْت لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى حَذْفِ الْمُضَافِ ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ بَيْنَ الْفُرْسَانِ وَالْخُيُولِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : ارْكَبِي ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ ) ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي قَوْلُهُ : وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَى الْعَامِلِ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى حِمَايَةِ السُّلْطَانِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ) وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ ) حَكَاهُ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ ا هـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ } إلَى آخِرِهِ ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ وَالنُّخَّةُ الرَّقِيقُ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ : النُّخَّةُ بِالضَّمِّ
الْبَقَرُ الْعَامِلُ وَالْكُسْعَةُ مَضْمُومَةُ الْكَافِ ، وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الرَّقِيقُ وَالْآخَرُ الْحَمِيرُ وَكِلَاهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَسْعِ ، وَهُوَ الدَّفْعُ وَكَذَا فِي النُّخَّةِ إنَّهَا الْعَوَامِلُ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مِنْ الرَّقِيقِ ، وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْغَرَائِبِ لِلْفَرَّاءِ أَنَّ النُّخَّةَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ دِينَارًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ ، وَقِيلَ النُّخَّةُ الْحَمِيرُ ، وَقِيلَ كُلُّ دَابَّةٍ اُسْتُعْمِلَتْ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَرَقِيقٍ ا هـ غَايَةٌ ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ ، وَقِيلَ صِغَارُ الْغَنَمِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ النَّخَّةُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الرَّقِيقُ ا هـ كَاكِيٌّ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ ، وَفِي الْإِمَامِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاذٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْجَبْهَةِ وَالْكُسْعَةِ وَالنُّخَّةِ } قَالَ بَقِيَّةُ الْجَبْهَةُ الْخَيْلُ وَالْكُسْعَةُ الْبِغَالُ وَالنُّخَّةُ الْمُرَبَّيَاتُ فِي الْبُيُوتِ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ } إلَى آخِرِهِ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ ) أَيْ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَيْضًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : { فَقَالَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ } ) أَيْ سِوَى هَذِهِ الْآيَةِ الْجَامِعَةِ الْفَاذَّةِ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا ، وَفِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الْخَيْلُ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ :
الْخَبَرُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ صَحِيحٌ ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَمَرْوَانُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ ، وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي زَمَنِهِ فَشَاوَرَ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي إلَى آخِرِهِ ) فَأَمَّا مَا حِيزَ لِطَلَبِ نَسْلِهَا فَفِيهَا الصَّدَقَةُ فَقَالَ كَمْ فَقَالَ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ قِيلَ هَذَا فِي خَيْلِ الْعَرَبِ كَانَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرَسٍ كَانَ قِيمَتُهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالدِّينَارُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَأَمَّا الْآنَ تَتَفَاوَتُ قِيمَتُهَا فَتُقَوَّمُ ا هـ غَايَةٌ ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا وَحَدِيثُهُمْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى خَيْلِ الرُّكُوبِ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا تَجِبُ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْغُلَامَ الْمَعْطُوفَ لَا يَكُونُ سَائِمَةً فَكَذَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ حَدِيثُ عَلِيٍّ قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ الرَّقِيقَ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَائِمَةً فَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا ، وَأَمَّا حَدِيثُ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ فَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو مُعَاذٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ قُلْت وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ أَيْضًا ، وَقِيلَ أَحَادِيثُ بَقِيَّةَ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فَكُنْ مِنْهَا عَلَى تَقِيَّةٍ وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَالْأَشْبَهُ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ ، وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ ا هـ وَفِي الدِّرَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا سَائِمَةٌ كَذَا فِي
الْإِيضَاحِ ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَجْهُهُ أَنَّ الْآثَارَ جَعَلَتْ هَذَا نَظِيرَ سَائِرِ أَنْوَاعِ السَّوَائِمِ فَإِنَّ بِسَبَبِ السَّوْمِ تَخِفُّ الْمُؤْنَةُ وَبِهِ يَصِيرُ الْمَالُ مَالَ الزَّكَاةِ فَكَذَا فِي الْخَيْلِ ا هـ وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَيْلُ إنْ كَانَتْ تُعْلَفُ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا إجْمَاعًا ، وَإِذَا كَانَتْ تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ ، وَهِيَ ذُكُورٌ ، وَإِنَاثٌ تَجِبُ عِنْدَهُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَفِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِمَا ، وَقَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِمَا انْتَهَى غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَجِبُ فِي الذُّكُورِ لِعَدَمِ النَّمَاءِ ) أَيْ التَّنَاسُلِ ا هـ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ إلَى آخِرِهِ ) أَمَّا السَّوَائِمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا زِيَادَةُ الْمَالِيَّةِ ا هـ غَايَةٌ بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ : قِيلَ يُشْتَرَطُ إلَخْ ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ ) أَيْ كَالْإِبِلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ إلَى آخِرِهِ ) عَزَا هَذَا الْقَوْلَ فِي الْغَايَةِ إلَى أَحْمَدَ الْعِيَاضِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهَا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهَا ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ ا هـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ : قَالَ فِي الدِّرَايَةِ : وَقَدْ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ عَيْنهَا ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَقِيرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ عِنْدَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ } ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ا هـ .
غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : الْفَاذَّةُ ) الْفَاذَّةُ الْمُنْفَرِدَةُ الْقَلِيلَةُ فِي بَابِهَا ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : ؛ وَلِأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَتَنَاسَلُ ) أَيْ لَيْسَ لَهَا دَرٌّ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَمِيرِ الْحَمْلُ إلَخْ ) أَيْ وَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْكُسْعَةِ ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ ا هـ كَاكِيٌّ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَ ) لَا فِي ( الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ ) أَيْ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَزُفَرُ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقُلْت لَهُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ حَمَلًا فَقَالَ فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْت رُبَّمَا تَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ جَمِيعِهَا فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقُلْت أَوَ يُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا إذًا لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَعُدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِ حَيْثُ أَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقَاوِيلِهِ مُجْتَهِدٌ ، وَلَمْ يَضِعْ مِنْ أَقَاوِيلِهِ شَيْءٌ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ لَوْ قَالَ قَوْلًا رَابِعًا لَأَخَذْت بِهِ ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَدَّ هَذَا ، وَقَالَ إنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ مُحَالٌ فَمَا ظَنُّك بِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا مَعْنَى لِرَدِّهِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ فَيُقَالُ إنَّهُ امْتَحَنَ أَبَا يُوسُفَ هَلْ يَهْتَدِي إلَى طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ يَهْتَدِي إلَيْهِ قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ وَتَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ صُورَتُهَا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَوَاشِي فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَمْ لَا ، وَقِيلَ لَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ ثُمَّ هَلَكَتْ الْكِبَارُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا وَبَقِيَتْ الصِّغَارُ فَهَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِحِصَّتِهِ أَمْ لَا ، وَقِيلَ لَوْ مَلَكَ
الصِّغَارَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ ، وَلَيْسَ فِيهَا كِبَارٌ فَهَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ فِيهَا أَمْ لَا فَالصُّوَرُ كُلُّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ وَمَالِكٍ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَيَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ كَمَا فِي الْأَيْمَانِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْإِبِلَ يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْفَصِيلِ وَلِهَذَا يُعَدُّ مَعَ الْكِبَارِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ ، وَلَوْلَا أَنَّهَا نِصَابٌ وَاحِدٌ لَمَا كَمُلَ بِهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ لَأَضْرَرْنَا بِأَرْبَابِهَا ، وَلَوْ لَمْ نُوجِبْ أَصْلًا لَأَضْرَرْنَا بِالْفُقَرَاءِ فَأَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا كَمَا فِي الْمَهَازِيلِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ وَصْفٌ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ فَوَاتَ الْوُجُوبِ كَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الصِّغَارَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْوُجُوبِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ قَلِيلًا فِي كَثِيرٍ ، وَهُوَ أَسْنَانٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْكِبَارَ فِيهَا أَدَّى إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ إيجَابُ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى جَمِيعِهَا { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ } ، وَهِيَ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَالِ فَمَا ظَنُّك بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا أَدَّى إلَى التَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا ، وَقَدْ نَهَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَخْذِ الصِّغَارِ فَقَالَ عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ ، وَلَوْ رَاحَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا بِكَفَّيْهِ أَوْ عَلَى كَتِفِهِ ، وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّمْثِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ رُوِيَ عِقَالًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ .
وَهُوَ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا كِبَارٌ صَارَتْ الصِّغَارُ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ لَا فِي جَوَازِ الْأَخْذِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا ، وَفِي الْمَهَازِيلِ أَمْكَنَ إيجَابُ الْمُسَمَّى ، وَهُوَ الْأَسْنَانُ الْمُقَدَّرَةُ شَرْعًا ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الصِّغَارِ بِقَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكِبَارِ عَدَدًا مِنْ جِنْسِهِ ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ مِنْ الشِّيَاهِ فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ بِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ ، وَفِي الْعَشْرِ خُمُسَا فَصِيلٍ ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ ؛ لِأَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصِيلًا فَيَجِبُ فِيمَا دُونَهُ بِحِسَابِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ الشَّاةِ ، وَمِنْ خُمُسِ الْفَصِيلِ ، وَفِي الْعَشْرِ مِنْ الشَّاتَيْنِ وَمِنْ خُمُسَيْ الْفَصِيلِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ إلَى عِشْرِينَ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفُصْلَانِ وَمِنْ الشَّاةِ ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ شَاتَيْنِ ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ ، وَفِي الْعِشْرِينَ الْأَقَلُّ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَمِنْ أَرْبَعِ شِيَاهٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهَا يُجْزِئُهُ عَنْ الشَّاةِ فِي الْكِبَارِ فَكَذَا فِي الصِّغَارِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْخَمْسِ بَيْنَ شَاةٍ وَبَيْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ، وَفِي الْعَشَرَةِ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَبَيْنَ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ بَيْنَ ثَلَاثٍ مِنْهَا وَبَيْنَ ثَلَاثِ شِيَاهٍ ، وَفِي الْعِشْرِينَ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ ، وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعًا مِنْهَا ، وَفِي خَمْسً وَعِشْرِينَ
وَاحِدَةٌ ، وَفِيهِ بُعْدٌ .
( قَوْلُهُ : وَلَا فِي الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ إلَخْ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكِبَارِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالْعَجَاجِيلِ ) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْعِجْلُ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْر وَجَمْعُهُ عِجَلَةٌ ( قُلْت ) مِثْلُ قِرْدٍ وَقِرَدَةٍ ، وَعُجُولٌ كَقُرُودٍ وَالْعُجُولُ مِثْلُ عِجْلٍ ، وَالْجَمْعُ عَجَاجِيلٌ ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَقَاضِي خَانْ والإسبيجابي وَخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ وَالْمَنَافِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ : وَالْعَجَاجِيلُ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعُجُولَ مَعَ أَنَّ الْعِجْلَ وَالْعُجُولَ أَخَفُّ عَلَى اللِّسَانِ وَأَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْعُجُولِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ حَمَلٍ ، وَنَظِيرُ الْمَكْسُورِ خَرَبٌ وَخِرْبَانٌ ا هـ سَرُوجِيٌّ قَوْلُهُ : جَمْعُ حَمَلٍ بِالتَّحْرِيكِ وَلَدُ الشَّاةِ وَالْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدِ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ، وَفَصَلَتْ الْأُمُّ رَضِيعَهَا فَصْلًا أَيْضًا فَطَمَتْهُ وَالِاسْمُ الْفِصَالُ بِالْكَسْرِ وَهَذَا زَمَانُ فِصَالِهِ كَمَا يُقَالُ زَمَانُ فِطَامِهِ وَمِنْهُ الْفَصِيلُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُفْصَلُ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا ا هـ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ ، وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ : وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ إلَخْ ) مِنْ الْجَذَعِ وَالثَّنِيَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَزُفَرُ ) أَيْ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ ، وَفِي الْمُغْنِي فِي الصَّحِيحِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ ا هـ غَايَةٌ ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالشَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ ) وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَبُو
سُلَيْمَانَ انْتَهَى غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ ) كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَتَكَلَّمُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ ) فَإِنَّهَا مُشْكِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِدُونِ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَصِيرُ الْحَمَلُ شَاةً وَالْفَصِيلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَالْعُجُولُ تَبِيعًا وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا ا هـ بَاكِيرٌ ( قَوْلُهُ : إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَوَاشِي ) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ النُّوقِ أَوْ ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ ا هـ كَاكِيٌّ وَإِنَّمَا صَوَّرْنَا نِصَابَ النُّوقِ ، وَلَمْ نُصَوِّرْ خَمْسَةً ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَوْجَبَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي أَقَلِّ مِنْهَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : فَهَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأُمَّهَاتُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ ، وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ قَدْ غَلَبَتْ الْأُمَّهَاتُ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأُمَّاتُ فِي الْبَهَائِمِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يَعِيشَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : فَالصُّوَرُ كُلُّهَا عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ ) فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْعَقِدُ وَفِي قَوْلِ الْبَاقِينَ يَنْعَقِدُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ : بِأَكْلِ الْفَصِيلِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا إلَخْ ) ، وَفِي الْأَسْرَارِ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ : لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا إلَخْ ) الْعَنَاقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ ا هـ غَايَةٌ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ { أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي عَهْدِي أَيْ فِي كِتَابِي أَنْ
لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ اللَّبَنِ شَيْئًا } ا هـ كَاكِيٌّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَفِي النَّسَائِيّ { لَا آخُذُ رَاضِعَ لَبَنٍ } قَالَ النَّوَوِيُّ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { نُهِينَا عَنْ الْأَخْذِ مِنْ رَاضِعٍ } ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى جَمِيعِهَا إلَخْ ) خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَكُونُ هَذَا إخْرَاجَ كُلِّ الْمَالِ مَعْنًى ، وَهُوَ مَعْلُومُ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّ إضَافَةَ اسْمِ زَكَاةِ الْمَالِ يَأْبَى كَوْنَهُ إخْرَاجَ الْكُلِّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَرَائِمِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ يَلْزَمُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لُزُومَ إخْرَاجِ الْكُلِّ مَعْنًى مُنْتَفٍ لَكِنْ ثُبُوتُ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا عَنْ ذَاكَ ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي صُورَةِ وُجُودِ مُسِنَّةٍ مَعَ الْحُمْلَانِ ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَعْنِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَرُورِيَّةِ الِانْتِفَاءَيْنِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا ا هـ فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ، وَفِي الْإِيضَاحِ وَجَامِعِ الْكَرْدَرِيِّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الصِّغَارِ كِبَارٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنٌّ يَجِبُ وَيُؤْخَذُ الْمُسِنُّ ، وَكَذَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكِبَارِ يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ ا هـ زَادَ فِي الْكَافِي بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ : قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعُجُولِ ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ مِنْهُمَا فِي هَذَا الْعَدَدِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالصِّغَارُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ ا هـ .
وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ عُدُولِ الشَّارِحِ عَمَّا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ فَاعْلَمْ ا هـ ( قَوْلُهُ : فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ لَا فِي جَوَازِ الْأَخْذِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثُّنْيَانِ هَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْوَاجِبِ مِنْ الْكِبَارِ مَوْجُودًا فِيهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ بَيَانُهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا يَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَصِيلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ دُفِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْوَسَطِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَتْ الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا كَانَ هَلَاكُهَا كَهَلَاكِ الْكُلِّ وَالْحُكْمُ لَا يَبْقَى فِي التَّبَعِ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي الصِّغَارِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ الْحَمَلِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّغَارُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ فَضْلَ الْكَبِيرِ كَانَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُسِنَّةِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَيَكُونُ هَذَا نُقْصَانًا لِلنِّصَابِ وَلَوْ هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ يُؤْخَذُ قِسْطُهَا ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ الْمُسِنَّةِ جُعِلَ هَلَاكُ الْمُسِنَّةِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ أَوْ لَمْ يُجْعَلْ قِيَامُهَا كَقِيَامِ الْكُلِّ وَالْفَرْقَ يُطْلَبُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : بِقَدْرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكِبَارِ عَدَدًا مِنْ جِنْسِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ ، وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَ ) لَا فِي ( الْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ ) ، وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ لِلْعُمُومَاتِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } ، { وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ الْإِبِلِ الْإِبِلَ ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً } مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ } ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ فِي السَّبَبِ ، وَفِيهِ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِيَّةِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ بِالْعَلَفِ وَالِاسْتِعْمَالِ بَلْ يَزْدَادُ الِانْتِفَاعُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَزْدَادُ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ فَكَانَ أَدْعَى إلَى الشُّكْرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ } قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ ، وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النُّخَّةِ صَدَقَةٌ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ النُّخَّةُ الْإِبِلُ الْعَوَامِلُ ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ الْبَقَرُ الْعَوَامِلُ ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُ النَّمَاءِ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَوْ الِاعْتِدَادُ لِلتِّجَارَةِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعَوَامِلِ وَتَكْثُرُ الْمُؤْنَةُ فِي الْعَلُوفَةِ فَلَمْ يُوجَدْ النَّمَاءُ مَعْنًى ، وَقَوْلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي السَّبَبِ إلَى آخِرِهِ