كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَعْدِهَا بِالْقِيمَةِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَأْخُذُونَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْكُفَّارِ عِنْدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ ) هَذَا إذَا كَانَ قِيَمِيًّا فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَوَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يَأْخُذُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ بِمِثْلِهِ فَلَا يُشْرَعُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ا هـ مَبْسُوطٌ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَجْنَاسِ سَأَلْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيَّ هَلْ يُورَثُ حَقُّ أَخْذِ الْجَارِيَةِ الْمَأْسُورَةِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ مَنْصُوصًا وَقَدْ وَجَدْت ذَلِكَ مَنْصُوصًا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي عَبْدٍ أُسِرَ فَمَاتَ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ الْعَبْدُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ فَلِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ إمْلَاءً رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقُولُ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الْمَوْلَى حَتَّى مَاتَ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ سَبِيلٌ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامَّةٌ ) أَيْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ا هـ فَلَا يُصِيبُ كُلُّ فَرْدٍ مَا يُبَالِي بِفَوْتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَيَقِلُّ الضَّرَرُ ) أَيْ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْغَانِمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ) أَيْ أَوْ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمَّا كَانَ عَامًّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ بِعُمُومِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِلَا شَيْءٍ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ الْجَدِيدُ
لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ نَصِيبِهِ فِي الْمَغْنَمِ فَيَفُوتُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ فَلِاعْتِدَالِ النَّظَرِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَثْبَتَنَا حَقَّ الْأَخْذِ لَكِنْ بِالْقِيمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( وَبِالثَّمَنِ لَوْ اشْتَرَاهُ تَاجِرٌ مِنْهُمْ ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى مَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ التَّاجِرُ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لَتَضَرَّرَ التَّاجِرُ فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا إذْ مِلْكُهُ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَوَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَأْخُذُهُ بَعْدَهَا وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْهُوبًا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ شِرَاءً فَاسِدًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ اشْتَرَاهُ صَحِيحًا بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَأَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرًا أَوْ بِأَرْدَأَ مِنْهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ وَلَا يَكُونُ رِبًا لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِصُ مِلْكَهُ وَيُعِيدُهُ إلَى مَا كَانَ فَصَارَ فِدَاءً لَا عِوَضًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) أَيْ وَالْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ كَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِ مَالُهُ بِمَا يُقِرُّ هُوَ بِهِ كَالْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ ) أَيْ التَّاجِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَخَذَهُ ) أَيْ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا ) أَيْ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ ) أَيْ الْمِثْلِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ ) أَيْ الْمِثْلِيَّ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ اشْتَرَاهُ صَحِيحًا بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا ) أَيْ لَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَيْضًا إذَا كَانَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنَّا وَأَحْرَزُوهُ بِدَرَاهِم مُشْتَرِي بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يُعْطِيَ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةً إلَّا إذَا اشْتَرَى بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَإِلَّا إذَا اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ قَدْرًا أَوْ بِالْأَرْدَأِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ لِوُجُودِ الْفَائِدَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ بَارِدٍ أَمَّنَهُ ) أَيْ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ ا هـ .
( وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ وَأَخَذَ أَرْشَهُ ) أَيْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ التَّاجِرُ وَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْعَبْدِ الْمَأْسُورِ فِي يَدِ التَّاجِرِ وَأَخَذَ التَّاجِرُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ أَرْشَهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّظَرِ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ الْمَشْفُوعِ لِأَنَّ شِرَاءَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الشَّفِيعِ مَكْرُوهٌ وَمِلْكُهُ يُنْقَضُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَفِيهِ تُضْمَنُ الْأَوْصَافُ مُطْلَقًا لِكَوْنِ الْمِلْكِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يَضْمَنُ فِي الْغَصْبِ فَكَذَا فِي الْمَشْفُوعِ إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ أَوْ قَلَعَ شَجَرَهُ يَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْأَوْصَافُ حَتَّى لَا يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بَعْدَ مَا أَتْلَفَهَا مَقْصُودًا لِكَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْأَمَانَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلِأَنَّ مَا يُعْطِيه الْمَالِكُ الْقَدِيمُ فِدَاءً وَلَيْسَ بِبَدَلٍ فِي حَقِّهِ وَالْفِدَاءُ لَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلِهَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ لَمْ يَنْقُصْ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْمَالِكِ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ { إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَالثَّمَنُ } اسْمٌ لِجَمِيعِهِ فَلَا يُنْقَصُ وَلَا يَأْخُذُ الْمَوْلَى الْقَدِيمُ الْأَرْشَ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْشِ صَحِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَلَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِذَلِكَ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مَالًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ أَوْ هِبَةٍ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُنْقَضُ
تَصَرُّفُهُ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَبْلَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ لِرَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَخْرَجَهُ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فَأَخَذَ الْمَوْلَى أَرْشَهَا ثُمَّ جَاءَ الْمَوْلَى الْأَوَّلُ بِكَمْ يَأْخُذُ الْعَبْدَ قَالَ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالْإِحْرَازِ بِدَرَاهِم عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا مَأْسُورًا مِنْ الْعَدُوِّ صَحَّ شِرَاؤُهُ فَإِذَا صَحَّ شِرَاؤُهُ صَحَّ مِلْكُهُ فِي الْعَبْدِ لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ حَقُّ أَخْذِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي لِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مَجَّانًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِالرَّقَبَةِ لِإِعَادَةِ الْعَبْدِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَالْأَرْشُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي صَحِيحًا وَلَيْسَ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي خَطَأً فَأَخَذَ قِيمَتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ عَلَيْهِ فِي الْقِيمَةِ سَبِيلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَهَكَذَا هُنَا وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ رِبًا وَهُوَ حَرَامٌ ثُمَّ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْأَرْشَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُطَّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ فَقْءِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ الْكَمَالِ فِي
الذَّاتِ وَالْأَوْصَافِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ فَاتَ الْوَصْفُ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ وَبِذَهَابِهِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَذَهَبَتْ يَدُهُ أَوْ عَيْنُهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَصْفِ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ حَيْثُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الشُّفْعَةُ يَسْقُطُ مِنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ وَاجِبُ الرَّدِّ إلَى الشَّفِيعِ بِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ صَارَ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَالْوَصْفُ فِيهِ مَضْمُونٌ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّدِّ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَكَذَا فِيهَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمِلْكَ صَحِيحٌ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْعَدُوِّ فَحَصَلَ الْفَرْقُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَوْلَى يَسْقُطُ عَنْهُ حِصَّةُ الْأَرْشِ مِنْ الْفِدَاءِ فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْحِصَّةِ إذَا اسْتَهْلَكَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْ الْبِنَاءِ يُقَالُ فَقَأْت عَيْنَهُ أَيْ أَخْرَجْتهَا فَهِيَ مَفْقُوءَةٌ ا هـ ( قَوْله فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَبْضَيْنِ وَاجِبُ النَّقْضِ كُرْهًا لَحِقَ الشَّرْعِ ا هـ كَافِي
( فَإِنْ تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ أَخَذَهُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ ثُمَّ الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّجُلِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ تَاجِرٌ فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِثَمَنِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ الْأَسْرَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ خِيَارُ الْأَخْذِ لَهُ ثُمَّ إذَا أَخَذَهُ هُوَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الْحَرْبِيِّ اشْتَرَاهُ بِهِ الثَّانِي مِنْ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسْرَ الثَّانِي لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا وَهُوَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْ التَّاجِرِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ ثَبَتَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعُدْ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ الْجَدِيدِ مِنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ) أَيْ فَلَا يَحُطُّ مِنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لَحِقَهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا ) أَيْ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ ا هـ كَافِي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَخَذَهُ لَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ ا هـ دِرَايَةٌ
( وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ ) يَعْنِي بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ إلَّا فِي مَحَلِّهِ وَهَؤُلَاءِ مِنَّا لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلْمِلْكِ هُوَ الْمَالُ وَهُمْ لَيْسُوا بِمَالٍ إذْ الْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ رِقَابِهِمْ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ جَمَلٌ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ أَحَدٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَغْنُومًا أَوْ مُشْتَرٍ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ لَا ) أَيْ لَا يَمْلِكُونَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَوْلَى ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا الْمَعْنَى إذَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ فَصَارَ كَالْجَمَلِ النَّادِّ إلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ آدَمِيٌّ ذُو يَدٍ صَحِيحَةٍ حَتَّى إذَا أَوْدَعَ وَدِيعَةً لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى حَقُّ الْقَبْضِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَحْبِسَهُ فَيَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ عَلَى نَفْسِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِتَحَقُّقِ يَدِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بَاقِيَةٌ لِقِيَامِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَيُمْنَعُ ظُهُورُ يَدِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَلَكَهُ
الِابْنُ بِالْهِبَةِ وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ النَّادِّ لِأَنَّ الْعَجْمَاءَ لَيْسَ لَهَا يَدٌ فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى يَمْلِكُهَا مَنْ أَخَذَهَا وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُمْ فِي الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى الْقَدِيمُ يَعْنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ مَغْنُومًا كَانَ أَوْ مُشْتَرًى أَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ مَنْ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ مَا صَارَ ذِمِّيًّا وَلَكِنْ إنْ وَجَدَهُ مَغْنُومًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُعَوِّضُ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جُعْلُ الْآبِقِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِزَعْمِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ مَلَكَهُ سَوَاءٌ كَانَ غَازِيًا أَوْ مُشْتَرِيًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُونَ حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ هَؤُلَاءِ بِلَا شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا وَكَذَا إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى بِلَا شَيْءٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِالْمِيرَاثِ يُمْلَكُ بِالْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا إذَا اتَّصَلَ بِالْمَحَلِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ فَلَمْ يَتَّصِلْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرَّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنَّ نَتَمَلَّكَهُمْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ أَيْ فِيمَنْ سِوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يُقَالُ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ نَمْلِكُ جَمِيعَهُمْ حُرًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكُوا أَيْضًا عَلَيْنَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْقِنِّ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا جَازَ تَمَلُّكُنَا عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُنَا عَلَى أَحْرَارِنَا وَمُدَبَّرِينَا وَمُكَاتَبِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا بِالْعُقُودِ فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُمْ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ نَدَا ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَدَا الْبَعِيرُ نَدًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنِدَادًا بِالْكَسْرِ وَنَدِيدًا ذَهَبَ وَنَفَرَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا فَهُوَ نَادٍ وَالْجَمْعُ نَوَادٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ قِنٌّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ وَهَذَا لِأَنَّ
لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ وَمَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَبَضَ مَا وَهَبَ لَهُ تَتِمُّ الْهِبَةُ وَإِذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى حَبْسَهُ بِالثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِظُهُورِ يَدِ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا زَالَتْ يَدُ سَيِّدِهِ بِانْفِصَالِهِ عَنْ دَارِنَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَرَفَعَتْ يَدُهُ ثُبُوتَ يَدِ الْكَفَرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَاءُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُسْلِمُ ا هـ هِدَايَةٌ قَوْلُهُ لِمُسْلِمٍ هَذَا قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَبَقَ مَا نَصُّهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَقَتَلَ فِي لُغَةٍ وَالْأَكْثَرُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ ا هـ مِصْبَاحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قِنٍّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِنُّ الرَّقِيقُ يُطْلَقُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ عَبْدُ قِنٌّ وَأَمَةُ قِنٌّ وَعَبِيدُ قِنٍّ بِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ أَيْضًا وَرُبَّمَا يُجْمَعُ عَلَى أَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَهُوَ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبُوهُ وَأَمَّا مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَيَسْتَعْبِدُ فَهُوَ عَبْدُ مَمْلَكَةٍ ا هـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْقِنُّ مِنْ الْعَبِيدِ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ وَقَدْ جَاءَ قِنَانٍ وَأَقْنَانٍ وَأَقِنَّةٍ وَأَمَّا أَمَةٌ قِنَّةٌ فَلَمْ أَسْمَعْهُ وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَبْدٌ قِنٌّ أَيْ خَالِصُ الْعُبُودَةِ وَعَلَى ذَا صَحَّ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ خِلَافَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَا يَمْلِكُونَهُ ) لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ فَيَمْلِكُونَهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُونَ الْآبِقَ الْمُتَرَدِّدَ
فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَحْرَزَ وَهُمَا بِدَارِهِمْ فَصَارَ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهِ كَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُنْفَلِتَةِ إلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِظُهُورِ يَدِهِ كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى اسْتِعْمَالِ آلَاتِهِ وَصَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى حَيْثُ يُرِيدُهُ فِي مَصَالِحِهِ فَإِذَا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى وَفَاتَتْ قُدْرَةُ انْتِفَاعِهِ بِالْعَبْدِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ يَدِ الْمَوْلَى وَيَدِ الْعَبْدِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَحَلِّ تَصَرُّفًا كَيْفَ شَاءَ وَيَدُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الْوَاحِدُ مَصْرُوفًا إلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَمَّا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ مَنَعَ ذَلِكَ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَهَا تَمْنَعُ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ حُكْمًا لِأَنَّ الِاقْتِدَارَ عَلَى الْمَحَلِّ قَائِمٌ بِالطَّلَبِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الدَّارِ فَلَمْ تَظْهَرْ يَدُ الْعَبْدِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى قَائِمَةٌ حُكْمًا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَارَتْ يَدُهُ يَدَ نِيَابَةٍ عَنْ الْمَوْلَى إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْآبِقِ لِأَنَّهُ لَمَا أَبَقَ تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ وَصَارَ غَاصِبًا مِلْكَ مَوْلَاهُ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى يَدٌ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَطَلَ الْقِيَاسُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَبَقَ أَمَّا لَوْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ فَدَخَلَ دَارَهُمْ فَأَخَذُوهُ يَمْلِكُهُ الْكُفَّارُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَظَهَرَتْ يَدُهُ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ الْعَبْدُ كَمَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِ
الْإِسْلَامِ يَقَعُ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَوْضِعٌ آخَرُ فَمِنْ أَيْنَ تَظْهَرُ يَدُ الْعَبْدِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ دَارِنَا فَلَوْ كَانَ تَظْهَرُ يَدُهُ لَعَتَقَ كَعَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَالْتَحَقَ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَوْضِعٌ بَلْ بَيْنَ الدَّارَيْنِ مَوْضِعٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُمَا فَإِذَا وَصَلَ الْعَبْدُ إلَيْهِ ظَهَرَتْ يَدُهُ فَمَنَعَ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتِقْ لِأَنَّ مِنْ ظُهُورِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُ زَوَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لِمَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَارَ غَاصِبًا مِلْكَ الْمَوْلَى وَجَائِزٌ أَنْ تُوجَدَ الْيَدُ بِلَا مِلْكٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى وَالْيَدَ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ عَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَالْتَحَقَ بِعَسْكَرِنَا لِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ الْحَرْبِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَيَمْلِكُهُ فَلَمَّا مَلَكَهُ زَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَمَّا زَالَ الْمِلْكُ عَتَقَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ ) الَّذِي يَدُورُ فِي دَارِنَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ عَتَقَ ( قَوْلُهُ الْعَجْمَاءُ ) الْعَجْمَاءُ الْبَهِيمَةُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَجْمَاءُ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ فَهُوَ أَعْجَمُ وَمُسْتَعْجَمٌ وَيُقَالُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَذَا فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يُعَوَّضُ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ ) أَيْ قِيمَتُهُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) أَيْ لِأَنَّ نَصِيبَهُ قَدْ اسْتَحَقَّ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ لَكَانَ إجْحَافًا وَلَوْ لَزِمَ الْعِوَضُ عَلَى الْمَالِكِ مَعَ اسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ لَكَانَ إضْرَارًا بِهِ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ عَلَى شُرَكَائِهِ فِي الْغَنِيمَةِ لِتَفَرُّقِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ يُعَوِّضُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ
نَوَائِبِهِمْ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَضُلَ شَيْءٌ يَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهُ كَلُؤْلُؤَةٍ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا لَحِقَ غَرِمَ يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِلْغَازِي أَوْ التَّاجِرِ ا هـ .
( وَلَوْ أَبَقَ بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَاشْتَرَى رَجُلٌ كُلَّهُ مِنْهُمْ أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا وَغَيْرَهُ بِالثَّمَنِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ أَيْضًا بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مَغْنُومًا أَوْ مُشْتَرًى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكُ الْمَتَاعَ أَيْضًا بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ ظَهَرَتْ عَلَى الْمَالِ لِانْقِطَاعِ يَدِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَدُ الْعَبْدِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْكُفَّارِ فَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ قُلْنَا ظَهَرَتْ يَدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ فَكَانَتْ ظَاهِرَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَجَعَلْنَاهَا ظَاهِرَةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِي حَقِّ الْمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ ) قُلْت غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ يَدَهُ ظَهَرَتْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِانْفِصَالِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ الْيَدِ ثُبُوتُ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مَالٌ مَعْصُومٌ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فَيَبْقَى الْمِلْكُ فِي يَدِ الْعَبْدِ كَمَا كَانَ لِصَاحِبٍ الْمِلْكِ فَيَمْلِكُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْإِحْرَازِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي حَقِّ الْمَالِ ) وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ لِأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَالِ حَقِيقَةً وُجِدَ وَهُوَ مَالٌ مُبَاحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ كَمَا فِي الصَّيْدِ ا هـ دِرَايَةٌ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ أَقُولُ فِي هَذَا التَّأَمُّلِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ وَالْمَمْلُوكُ لَا يُمْلَكُ ا هـ .
( وَإِنْ ابْتَاعَ مُسْتَأْمِنٌ عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ أَوْ أَمَّنَّ عَبْدٌ ثَمَّةَ فَجَاءَنَا أَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ عَتَقَ ) أَيْ إذَا اشْتَرَى كَافِرٌ مُسْتَأْمِنٌ عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ أَوْ أَمَّنَّ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ عَتَقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَدَخَلَ بِهِ دَارَهُمْ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِزَالَةِ كَانَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ لِعَجْزِ الْإِمَامِ عَنْ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا عَلَى مَا كَانَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بَلْ الْإِدْخَالُ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَسَرُوا عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ ابْتِدَاءً فَالِاسْتِدَامَةُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ اسْتَحَقَّ الْإِزَالَةَ عَنْ مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْبَيْعِ كَيْ لَا يَبْقَى تَحْتَ ذُلِّهِ وَلَا يَذْهَبُ مَالُهُ بِلَا عِوَضٍ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا أَنَّ لِمَالِ الْمُسْتَأْمِنِ حُرْمَةً كَمَالِ الذِّمِّيِّ وَإِذَا عَادَ إلَى دَارِهِمْ سَقَطَتْ عِصْمَةُ مَالِهِ وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ إعْتَاقِهِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى مَنْ فِي دَارِهِمْ فَأُقِيمَ إحْرَازُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَقَامَ الْقَضَاءِ بِالْعِتْقِ إقَامَةً لِلشَّرْطِ مَقَامَ الْعِلَّةِ إذْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ شَرْطٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِالتَّبَايُنِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ أَدْخَلُوهُ دَارَهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ وَجَبَ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَاَلَّذِي أَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَهُ حَتَّى تَجِبَ إزَالَتُهُ وَإِنَّمَا
مَلَكُوهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَهُمْ فَافْتَرَقَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي دَارِهِمْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الِاخْتِصَاصِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ قَهْرُ الْبَائِعِ زَالَ إلَى قَهْرِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قَهْرَ الْبَائِعِ زَالَ حَقِيقَةً وَالْحَاجَةُ إلَى ثُبُوتِ قَهْرِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً وَفِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِيه فَلَا يَثْبُتُ وَلِأَنَّ إسْلَامَهُ يَقْتَضِي زَوَالَ قَهْرِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَمَّنَّ عَبْدَ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ { أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ { سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ مَمْلُوكًا فَأَسْلَمَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَا هُوَ طَلِيقُ اللَّهِ طَلِيقُ رَسُولِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ { خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَوَالِيهمْ فَقَالُوا وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا إلَيْك رَغْبَةً فِي دِينِك وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ فَقَالَ نَاسٌ صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا وَإِنِّي لَنْ أَرُدَّهُمْ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ وَبِالِالْتِحَاقِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا عَلَى الدَّارِ وَاعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ يَدِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ ثُبُوتًا عَلَى نَفْسِهِ وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّهِ إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ وَفِي حَقِّهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَكَانَتْ يَدُهُ أَوْلَى
قَوْلُهُ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ ) فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ يَكُونُ حُرًّا وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ عَلَى دَارِهِمْ بَعْدَ إسْلَامِ الْعَبْدِ يَكُونُ حُرًّا لِأَنَّهُ لِمَا الْتَحَقَ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَكُونُ عَبْدًا لِلْغُزَاةِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يَمْلِكُوهُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ يَحْتَاجُ أَنْ يُحْرِزَ نَفْسَهُ لِيَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِحْرَازُهُ أَسْبَقُ مِنْ إحْرَازِهِمْ فَصَارَ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ يَدٍ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَكِّدُ يَدَهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَكَانَ اعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الدَّارِ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا إذَا عَرَضَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ حَقَّ الْعَتَاقِ بِالْإِسْلَامِ لَكِنَّا نَحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ آخَرَ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِزَوَالِهِ إلَى عَبْدِهِ أَوْلَى لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ حَقُّ الزَّوَالِ وَعَبْدُهُ اسْتَحَقَّ حَقَّ الزَّوَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ مُرَاغِمًا ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ رَاغَمَهُ إذَا فَارَقَهُ عَلَى رَغْمِهِ وَمِنْهُ إذَا خَرَجَ مُرَاغِمًا أَيْ مُغَاضِبًا ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مُرَاغِمًا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلَيْنَا غَيْرَ مُرَاغِمٍ فَهُوَ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ وَيَقِفُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِهِ مُسْتَأْمِنًا إلَى دَارِنَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ ا هـ دِرَايَةٌ
وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُخَلِّهِ أَيْ قَالَ لَهُ أَخْذًا بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ لِصُدُورِ رُكْنِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مُعْتِقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرِقٌّ بِبَنَانِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا يَزُولُ يَثْبُتُ بِاسْتِيلَاءٍ جَدِيدٍ وَهُوَ أَخْذُهُ لَهُ بِيَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ ا هـ .
( بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( دَخَلَ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ ) أَيْ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانِ مُسْلِمٌ تَاجِرٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ { لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ الْغَدْرِ } عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ بِأَخْذِ الْأَمْوَالِ أَوْ الْجَيْشُ أَوْ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِهِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرِ وَالْمُتَلَصِّصِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَقَتْلُ نُفُوسِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ فُرُوجَهُمْ فَإِنَّ الْفُرُوجَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُنَّ لَا يَمْلِكُهُنَّ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَهُنَّ بَاقِيَاتٌ عَلَى مِلْكِهِ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ وَطِئُوهُنَّ يَكُونُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِنَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْعِدَّةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ بِخِلَافِ أَمَتِهِ الْمَأْسُورَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الْحَرْبِيُّ لِأَنَّهَا مَلَكُوهَا فَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا بِشَيْءٍ إنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَلَمْ يُنْتَقَضْ الْأَمَانُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِزَوْجَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا
بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَارِ عَلَى الْمَحَلِّ قَهْرًا وَغَلَبَةً شَرَعَ فِي بَابِ الِاسْتِئْمَانِ لِأَنَّ طَلَبَ الْأَمَانِ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ قَهْرٌ وَقَدَّمَ اسْتِئْمَانَ الْمُسْلِمِ تَعْظِيمًا لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ : حَرُمَ تَعَرُّضُهُ لِشَيْءٍ مِنْهُمْ ) أَيْ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَكَّنُوهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ بَعْدَ الِاسْتِئْمَانِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِذَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ كَانَ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ لِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً أَوْصَى صَاحِبَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اُغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا } الْحَدِيثُ فِيهِ طُولٌ وَرَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ } وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ غَدَرَ التَّاجِرُ بِهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَأَحْرَزَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهَا مِلْكًا مَحْظُورًا إلَّا أَنَّ الْمَحْظُورَ لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْمِلْكِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَقَدْ شَرَطَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَهُ غَدْرٌ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُهُمْ ) أَيْ بِالتُّجَّارِ مَلِكُ أَهْلِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ ) أَيْ هُمْ الَّذِينَ يَعْنِي الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيُبَاحُ لَهُ
التَّعَرُّضُ حِينَئِذٍ كَالْأَسِيرِ ) قَالَ فِي الْكَافِي بِخِلَافِ الْأَسِيرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمِنٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ بِعَقْدٍ أَوْ عَهْدٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَوْ أَخْرَجَ شَيْئًا مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا ) ( فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ) يَعْنِي لَوْ غَدَرَهُمْ وَأَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَالْحَظْرُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ كَالِاصْطِيَادِ بِقَوْسٍ مَغْصُوبٍ غَيْرَ أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ( قَوْلُهُ وَالْحَظْرُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ ) يَعْنِي أَنَّ مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْحَظْرُ جَاءَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَمَانُ فَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَخَرَجَا إلَيْنَا لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ ) أَيْ التَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ إذَا أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَيْ بَاعَهُ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَخَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَحَاكَمَا عِنْدَ حَاكِمٍ لَمْ يَقْضِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ وَيَعْتَمِدُهَا وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا إذْ لَا قُدْرَةَ لِلْقَاضِي فِيهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْغَصْبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَبَبٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَصَارَ كَالْإِدَانَةِ فَإِذَا مَلَكَهُ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ بِالْحُكْمِ وَلَكِنْ يُفْتِي الْمُسْلِمَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَيَأْمُرُهُ بِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْأَمَانِ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَهَذَا غَدْرٌ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا حَرْبِيِّينَ وَفَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْمَنَا ) لِمَا ذَكَرْنَا
( قَوْلُهُ أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ ) الْإِدَانَةُ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ وَالِاسْتِدَانَةُ الِابْتِيَاعُ بِالدَّيْنِ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا ) أَيْ لَا عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) أَيْ فَلَمَّا انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ لَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ بِدُونِ الْوِلَايَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنَّهُ يُفْتِي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقْضِيَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ يُبَاشِرُهَا مَا نَصُّهُ الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي حَقِّ حُكْمٍ يُبَاشِرُهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ غَصْبَ أَحَدِهِمَا مَالَ صَاحِبِهِ صَادَفَ مَالًا لَا عِصْمَةَ لَهُ فِي حَقِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَإِذَا اسْتَوْلَى أَحَدُهُمَا عَلَى مَالِ الْآخَرِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَأْمِنَ لَمَّا غَصَبَ مَالَهُمْ صَارَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ لِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبَةِ أَنْفُسِهِمْ فَيُؤْمَرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ لِيَرْتَفِعَ الْغَدْرُ ا هـ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ ) غَدَرَ بِهِ غَدْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ نَقَضَ عَهْدَهُ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهِ بِالْأَخْذِ ا هـ قَالَ فِي الْكَافِي وَالْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَالْقَاضِي يَقْضِي عَلَى الْمُسْلِمِ بِالدَّيْنِ وَقَوْلُهُمَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا فَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ إلَيْنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِذَلِكَ
فَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا وَجَبَ أَنْ لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَيْضًا لَا لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ وَلَكِنْ لِتَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِي أَنْ يَبْطُلَ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِلَا مُوجِبٍ لِوُجُوبِ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ بِمُوجِبٍ بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِقَامَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ أَيْ ضَعْفُ هَذَا الْجَوَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَذَلِكَ ) أَيْ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ فِي صُورَةِ الْإِدَانَةِ وَالْغَصْبِ جَمِيعًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَعَلَا ذَلِكَ ) أَيْ أَدَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قَضَى بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا لَا بِالْغَصْبِ ) يَعْنِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ بَعْدَ مَا أَدَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَقْضِي بِالدَّيْنِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِ الْمُدَايَنَةِ بِتَرَاضِيهِمَا وَلِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ حَالَةَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لَا يَقْضِي بِالْغَصْبِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مَلَكَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ وُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَلَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ لِأَنَّ مِلْكَ الْحَرْبِيِّ بِالْغَصْبِ صَحِيحٌ لَا خَبَثَ فِيهِ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ } يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمِنِ إذَا غَصَبَ مِنْهُمْ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ لِخَبَثٍ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْخِيَانَةِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ لِمَا بَيَّنَّا
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مُسْلِمَانِ مُسْتَأْمَنَانِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ ) أَيْ مُسْلِمَانِ دَخَلَا دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَا تَبْطُلُ بِالدُّخُولِ الْعَارِضِ بِالْأَمَانِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَالْقِصَاصُ قَدْ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّيَةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ الْمَعْصُومِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا تَبْطُلُ عِصْمَتُهُ وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ وَالْقِصَاصُ حَقُّ الْوَلِيِّ يَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَيَسْتَوْفِيه قُلْنَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُقَاوِمُ الْقَاتِلَ ظَاهِرًا وَلَا مَنَعَةَ دُونَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَجِبْ إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْوُجُوبِ بِدُونِ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَالْحَدِّ وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ لِلدَّمِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْعُقُوبَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ صُورَةِ الْإِبَاحَةِ يَكْفِي لِسُقُوطِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي
( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا الْقَوَدُ فَلَا يَجِبُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ لِمَا بَيَّنَّا ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُقَاوِمُ الْقَاتِلَ ظَاهِرًا ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ لِسُقُوطِهِ بِعَارِضٍ مُقَارِنٍ لِلْقَتْلِ يَنْقَلِبُ كَقَتْلِ الرَّجُلِ ابْنَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي ) ذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ لَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمْ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ } { وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ } فَالْجَوَابُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَإِنَّهُ قَتْلٌ وَلَيْسَ يَجِبُ بِهِ قِصَاصٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَعْنَى أَيْضًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا شَيْءَ فِي الْأَسِيرَيْنِ سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ أَحَدُ الْأَسِيرَيْنِ الْآخَرَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مَعْصُومًا مُتَقَوِّمًا بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْأَسْرِ الْعَارِضِ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ لِدَارِهِمْ بِأَمَانٍ بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا وَالْمُسْتَأْمَنُ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمُ الْقِصَاصِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَنَعَةُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَسِيرَ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ حَتَّى صَارَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ كَعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ صَارُوا أَتْبَاعًا لَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ كَأَصْلِهِ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ فَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ فَكَذَا هَذَا لِبُطْلَانِ الْإِحْرَازِ الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِالتَّبَعِيَّةِ لَهُمْ فِي دَرَاهِمِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا الْمُسْتَأْمِنُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْهُورٍ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَتْلِهِ خَطَأً لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا
بِحَقِّهَا } أَثْبَتَ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ نِعْمَةً وَكَرَامَةً فَتَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ أَصْلُهَا الْمُؤَثِّمَةُ لِحُصُولِ أَصْلِ الزَّجْرِ بِهَا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْإِسْلَامِ ثَابِتَةٌ بِهِ حَتَّى يَأْثَمَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْمُقَوِّمَةُ كَمَالٌ فِيهَا لِيَحْصُلَ كَمَالُ الِامْتِنَاعِ لِأَنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ لَا يَتْرُكُ التَّعَرُّضَ لَهُ إلَّا بِالْمُقَوِّمَةِ خَوْفًا مِنْ التَّبِعَةِ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ وَصْفًا لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَصْلُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ فَإِنَّهَا لِلْجَزَاءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ كَمَا انْتَفَى فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ فِي الْقَتْلِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ فَأَوْجَبَ أَوَّلًا فِي الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ دِيَةً وَكَفَّارَةً ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا كَفَّارَةً ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ دِيَةً وَكَفَّارَةً فَلَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَصْلَ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ بَلْ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا لِأَنَّهُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِصْمَةِ نَفْسِهِ بِأَنَّ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ وَإِبَاحَةُ قَتْلِهِ عَارِضٌ بِسَبَبِ إفْسَادِهِ بِالْقِتَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْ الْكُفَّارِ كَالذِّمِّيِّ وَذَرَارِيِّ الْحَرْبِيِّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِعَدَمِ الْإِفْسَادِ ، وَالْمُقَوِّمَةُ تَحْصُلُ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ مَعَ كُفْرِهِ يَتَقَوَّمُ بِالْإِحْرَازِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِسْلَامِ فِي تَحْصِيلِ الْعِصْمَةِ
لِأَنَّ الدِّينَ مَا وُضِعَ لِاكْتِسَابِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا وُضِعَ لِاكْتِسَابِ الْآخِرَةِ وَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ مَعْصُومَةً بِالْآدَمِيَّةِ فَالْمَالُ يَتْبَعُهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِنْ خُلِقَ عُرْضَةً فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ مَعْصُومًا بِعِصْمَتِهِ وَأَمَّا الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فَالْأَصْلُ فِيهَا لِلْأَمْوَالِ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ يُؤْذِنُ بِجَبْرِ الْفَائِتِ بِالتَّمَاثُلِ فَيَسُدُّ مَسَدَّهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَالِ فَكَانَتْ النُّفُوسُ تَابِعَةً لِلْأَمْوَالِ فِيهَا ثُمَّ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ فِي الْأَمْوَالِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ مَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا فِيهَا فَفِي النَّفْسِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَبَعٌ فِيهَا وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّهُمْ عَصَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْصَمُوا بِهِ بِغَيْرِ تَرْكِهِ وَنَظِيرُهُ أَدَاءُ الْجِزْيَةِ يَعْصِمُ الْكَافِرُ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْإِفْسَادَ عِنْدَ أَدَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا أَسْلَمَ ثَمَّةَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ هُنَاكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أُضَمِّنُهُ الدِّيَةَ وَأَجْعَلُ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ وَأَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدَعُ الْقِيَاسَ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ لِأَجْلِ إسْلَامِهِ وَكَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْفِي تَقَوُّمَ دَمِهِ كَالتَّاجِرِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ خَوْفًا مِنْ التَّبِعَةِ ) التَّبِعَةُ وِزَانُ كَلِمَةٍ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ ظُلَامَةٍ وَنَحْوِهَا ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أَوْجَبَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا كَفَّارَةً ) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَاغِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا وَالشَّافِعِيُّ لَا يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْبَاغِي أَيْضًا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ وَقَدْ دَلَّ إطْلَاقُ اسْمِ الْعَدُوِّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدُوَّ الْمُطْلَقَ لَنَا هُوَ الْكَافِرُ لَا الْبَاغِي فَإِنَّ الْبَاغِيَ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا مِنْ حَيْثُ الدُّنْيَا لَكِنْ مِنْ قَوْمٍ أَصْدِقَاءَ لَنَا مِنْ حَيْثُ
الدِّينُ وَالدَّارُ وَالْكَافِرُ عَدُوُّنَا دِينًا وَدَارًا ا هـ .
( فَصْلٌ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا يُمَكَّنُ مُسْتَأْمَنٌ فِينَا سَنَةً وَقِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت سَنَةً وُضِعَ عَلَيْك الْجِزْيَةُ ) أَيْ إذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا سَنَةً وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إنْ أَقَمْت سَنَةً كَامِلَةً وُضِعَتْ عَلَيْك الْجِزْيَةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِاسْتِرْقَاقٍ أَوْ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ يَبْقَى ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنَا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ الْمَنَافِعِ مِنْ الْمِيرَةِ وَالْجَلَبِ وَسَدِّ بَابِ التِّجَارَاتِ كُلِّهَا فَفَصَلْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ ) لِالْتِزَامِهِ الْجِزْيَةَ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ لَا مِنْ وَقْتِ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إذَا رَأَى كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَإِذَا أَقَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ ذِمِّيًّا وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا عِنْدَ إقَامَتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْإِمَامُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ ثُمَّ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ لَهُ اسْتَأْنَفَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ لِحَوْلٍ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَنَةً أَخَذَهَا مِنْهُ فَيَأْخُذَهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ كُلَّمَا تَمَّتْ السَّنَةُ
( فَصْلٌ ) قَوْلُهُ ( لِكَوْنِهِ عَيْنًا لَهُمْ ) الْعَيْنُ جَاسُوسُ الْقَوْمِ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْجَمْعُ أَعْوَانٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنْهِي الْخَبَرَ إلَى دَارِهِمْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ الْمِيرَةُ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الطَّعَامُ يَمْتَارُهُ الْإِنْسَانُ فَأَمَّا الْمِئْرَةُ بِالْهَمْزِ فَهِيَ النَّمِيمَةُ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ جَلَبْته مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ لِلتِّجَارَةِ فَهُوَ جَلَبٌ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَكَثَ سَنَةً ) أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ إلَيْهِ أَيْ قَوْلُهُ لَهُ مَا يَعْتَمِدُ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ ا هـ كَمَالٌ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي مَنْعِهِ الْعَوْدَ إذَا أَقَامَ سَنَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سَنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَهُ الرُّجُوعُ قِيلَ وَلَفْظُ الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَيَأْمُرَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ الْحَوْلُ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ إنْ أَقَمْتَ طَوِيلًا مَنَعْتُك مِنْ الْعَوْدِ فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً مَنَعَهُ وَفِي هَذَا اشْتَرَطَ التَّقَدُّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ لَهُ مُدَّةً خَاصَّةً وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَا أَنْ يُؤَقِّتَ مُدَّةً قَلِيلَةً كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَهُ عُسْرٌ بِتَقْصِيرِ الْمُدَّةِ جِدًّا خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مُعَامَلَاتٌ يَحْتَاجُ فِي اقْتِضَائِهَا إلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا لَا عَكْسُهُ ) يَعْنِي لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَمَا مَكَثَ فِي دَارِنَا سَنَةً كَمَا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ بَعْدَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيَّةً لِالْتِزَامِهَا الْمَقَامَ مَعَهُ لَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْمَقَامَ فِي دَارِنَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ طَلَاقِهَا فَلَا يُمْنَعُ إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا يُمْنَعُ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ بِعَوْدِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا وَبِتَوَالُدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَطْعِ الْجِزْيَةِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا وَحَكَمَ الشَّرْعُ فِيهَا بِوُجُوبِ الْخَرَاجِ صَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا عَنْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّنَا عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الزِّرَاعَةُ أَوْ تَرْكُ الْأَرْضِ عَلَى مِلْكِهِ إلَى أَوَانِ الْخَرَاجِ فَدَلِيلٌ عَلَى الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ وَمَنْعِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى إذَا لَزِمَهُ الْخَرَاجُ تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا بِلُزُومِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِنَفْسِ
التَّزَوُّجِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَابِعَةٌ لِلرَّجُلِ فِي السُّكْنَى حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ وَتَصِيرُ مُقِيمَةً بِإِقَامَتِهِ فَتَصِيرُ رَاضِيَةً بِالْمَقَامِ مَعَهُ فِي دَارِنَا فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِمُجَرَّدِ التَّزَوُّجِ وَقَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِانْعِكَاسِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
( قَوْلُهُ أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا تَصِيرُ ذِمِّيَّةً تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِهِمْ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْ أَرْضِهَا وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ قَبْلَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ وَقْتِ وَضْعِ الْخَرَاجِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ أَيْ وَظَّفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فِي دَارِنَا فَصَارَ فِي ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ عُشْرٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً يَكُونُ ذِمِّيًّا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ وَلَوْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ الْعُشْرِ صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ ذِمِّيًّا إذَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجَ وَهِيَ وَأَرْضُ الْخَرَاجِ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا إلَّا إذَا كَانَتْ أَرْضًا بِالْمُقَاسَمَةِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ فَزَرَعَهَا الْحَرْبِيُّ بِقَدْرِهَا فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِالْخَرَاجِ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِ الْأَرْضِ يَكُونُ ذِمِّيًّا فَيُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ
وَلَا يَنْظُرُ إلَى مِلْكِ الرَّجُلِ بَلْ إلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْحَرْبِيُّ أَرْضَ خَرَاجٍ بِالْمُقَاسَمَةِ فَآجَرَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا رَآهُ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَنَعَهُ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ) أَيْ وَجَرَيَانُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانُ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَوُجُوبُ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ فَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غِيبَةُ الْمُسْلِمِ فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ صَفْعِهِ وَشَتْمِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا عَلَيْهِمَا حَلَّ دَمُهُ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِهِ فَعَادَ حَرْبِيًّا وَمَا كَانَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامُ التَّنَاوُلِ لِأَنَّ حُكْمَ أَمَانِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ لَا يَبْطُلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ فَيْئًا ) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ تَقْدِيرًا فَتَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُودَعِ لِأَنَّ يَدَهُ فِيهَا أَسْبَقُ فَكَانَ بِهَا أَحَقَّ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ مَالِكِيَّتِهِ إذْ مَمْلُوكِيَّتُهُ بِالْأَسْرِ تُنَافِي مَالِكِيَّتَهُ الدَّيْنَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مَمْلُوكًا لَهُ صَارَ مِلْكًا لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِأَنَّ يَدَهُ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَلَا طَرِيقَ لِجَعْلِهِ فَيْئًا لِأَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الَّذِي يُمْلَكُ قَهْرًا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِكِهِ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ رَهْنٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُبَاعُ وَيُوَفَّى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ أَوْ مَاتَ فَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمَّا كَانَتْ مَغْنُومَةً تَبِعَهَا مَالُهُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ مُودَعِهِ كَيَدِهِ وَهُنَا نَفْسُهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَا مَالُهُ فَكَأَنَّهُ مَاتَ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا فَلَا تَكُونُ يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ قُلْنَا يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْعِصْمَةُ مَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِمَا أَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ عِصْمَةٍ فَلَا تَصِيرُ مَعْصُومَةً بِالشَّكِّ وَفِي هَذِهِ الْعِصْمَةُ كَانَتْ ثَابِتَةً فِيهَا وَقْتَ الْإِيدَاعِ إذْ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارُ عِصْمَةٍ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى دَارِهِمْ فَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا مَعْصُومَةً فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ( قَوْلُهُ اسْتِيلَاءً عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الدَّيْنِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ جَاءَنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( وَوَلَدٌ ) أَيْ صِغَارٌ وَكِبَارٌ ( وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ فَالْكُلُّ فَيْءٌ ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَالْعَقَارُ فَلِمَا بَيَّنَّا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصَارَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( فَجَاءَنَا ) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ ( فَوَلَدُهُ الصَّغِيرُ حُرٌّ مُسْلِمٌ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لَهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ ) وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَقَارُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ لِاتِّحَادِ الدَّارِ وَإِحْرَازِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مَنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغَنَائِمِ فِي حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ إذْ الْإِسْلَامُ حَصَلَ فِيهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي تِلْكَ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ
( قَوْلُهُ فَالْكُلُّ فَيْءٌ ) أَيْ غَنِيمَةٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } أَمَّا الزَّوْجَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَلِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ بِالْبُلُوغِ وَأَمَّا الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا فِي يَدِهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعْتَبَرُوا مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِأَبِيهِمْ فَصَارُوا فَيْئًا أَيْضًا وَكَذَا الْجَنِينُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَذَا وَدِيعَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ حِينَ فَارَقَ دَارَ الْحَرْبِ كَانَ الْمَالُ مَالَ حَرْبِيٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِنَا لَمْ يُحْرِزْهُ فَلَمْ تَثْبُتْ الْيَدُ عَلَيْهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَبَقِيَ الْمَالُ غَيْرَ مَعْصُومٍ فَكَانَ فَيْئًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ إلَخْ ) قُيِّدَ بِالْإِيدَاعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَصْبًا فِي أَيْدِيهِمْ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيْئًا إلَّا مَا كَانَ غَصْبًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ ) أَيْ لَا زَوْجَتُهُ ، وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ حَرْبِيُّونَ وَكَذَا مَا فِي بَطْنِهَا لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُودَعًا عِنْدَ حَرْبِيٍّ ) أَيْ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ فَكَانَتْ فَيْئًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ حَرْبِيًّا جَاءَنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلْإِمَامِ إنَّ الْأَخْذَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ النَّظَرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَفِي الْعَمْدِ الْقَتْلُ أَوْ الدِّيَةُ لَا الْعَفْوُ ) أَيْ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا أَوْ الدِّيَةُ بِالصُّلْحِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ مَجَّانًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ الْمَوْلُودُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْوَارِثِ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَكَانَ فِيهِ احْتِمَالُ عَدَمِ الْوِلَايَةِ لِلْإِمَامِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ بِطَرِيقِ قِيَامِهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَصْلُحُ وَلِيًّا فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَلَا يُقَالُ تَرَدُّدُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْقِصَاصِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ السُّلْطَانُ هُنَا نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَصَارَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ا هـ هِدَايَةُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } وَالْمُسْتَأْمَنُ لَمَّا أَسْلَمَ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ) أَيْ لِعَدَمِ الْوَارِثِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا أَنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ لَوْ قُتِلَ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ إذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ أَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } فَإِذَا كَانَ السُّلْطَانُ وَلِيًّا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الدِّيَةِ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قُتِلَ رَأَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُرْمُزَانَ وَفِي يَدِهِ خِنْجَرٌ فَظَنَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ عُمَرَ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِعُثْمَانَ اُقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ فَقَالَ عُثْمَانُ قُتِلَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ الْيَوْمَ لَا أَفْعَلُ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْنِي أَنَّ هُرْمُزَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنَا وَلِيُّهُ فَأَعْفُو عَنْهُ وَأُؤَدِّي دِيَتَهُ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ أَنْفَعُ لِلْعَامَّةِ مِنْ الْقَوَدِ وَالْحَقُّ لِلْعَامَّةِ وَالْإِمَامُ كَالنَّائِبِ عَنْهُمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ اصْطِنَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ بِطَرِيقِ
النَّظَرِ وَلَا نَظَرَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ ا هـ قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا فَقَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ لِيَثْبُتَ الْمَالُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا أَقْتُلُهُ مِنْ قِبَلَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ لَهُ وَلِيًّا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَلِيٍّ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ ابْنَ رِشْدَةٍ وَكَالْأُمِّ إنْ كَانَ ابْنَ زَنْيَةٍ فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَوْفَى وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهُ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا وَلِيَّ لَهُ ا هـ .
( بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَرْضُ الْعَرَبِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عُشْرِيَّةٌ ) أَمَّا أَرْضُ الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرْضِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ وَهَذَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكُو الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَدُّهَا طُولًا مَا وَرَاءَ رِيفِ الْعِرَاقِ إلَى أَقْصَى صَخْرٍ بِالْيَمَنِ وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ السَّاحِلِ إلَى حَدِّ الشَّامِ ، وَأَمَّا مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَرْفَقُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ
( بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا ذَكَرَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إذَا صَارَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ هُوَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ وَرَأْسِهِ وَفِي تَفَارُقِهِمَا كَثْرَةً فَأَوْرَدَهُمَا فِي بَابَيْنِ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَانَ بِقُرْبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعُرْفِيَّةَ أَيْضًا تَتْمِيمًا لِوَظِيفَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا السَّبَبُ فِي الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ جَمِيعًا وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْعُشْرِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ وَحَدَّدَ الْأَرَاضِيَ الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجِيَّةَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ ) أَيْ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عُشْرِيَّةٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْحِجَازُ هُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ سُمِّيَ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتِ أَحَاطَتْ بِهَا وَتُسَمَّى حِجَازًا لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحَدُّهَا ) أَيْ حَدُّ أَرْضِ الْعَرَبِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالسَّوَادُ وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهِ أَوْ فُتِحَ صُلْحًا خَرَاجِيَّةٌ ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالتَّغْلِيظِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْإِخْرَاجِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْعُشْرِ أَيْضًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَوَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لِأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُعَلَّقَانِ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَالْمُرَادُ بِالْأَنْهَارِ الْأَنْهَارُ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً لِأَنَّ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَكَذَا مُرَادُهُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَا إذَا مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ أَوْ الْعُشْرَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُقَالُ إذَا وُضِعَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِاعْتِبَارِ الْمَاءِ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُسْلِمِ بِالْخَرَاجِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ هَذَا بِابْتِدَاءِ وَضْعٍ عَلَى
الْمُسْلِمِ بَلْ الْأَرْضُ لَمَّا لَمْ تَنْمُ إلَّا بِالْمَاءِ اُعْتُبِرَ الْمَاءُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَدُوِّ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ الْخَرَاجَ وَالْمُسْلِمُ إذَا سَقَى أَرْضَهُ بِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ الْخَرَاجَ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَمِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الْخَرَاجِيَّةَ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا { لَمْ يُوَظِّفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرَاضِي مَكَّةَ } مَعَ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُوضَعُ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجُ كَمَا لَا يُوضَعُ عَلَى رِقَابِهِمْ الْجِزْيَةُ وَالرِّقُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا هِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لَهَا لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَطِبْ قُلُوبَهُمْ فِيهِ بَلْ نَاظَرَهُمْ عَلَيْهِ وَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ وَامْتَنَعَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَأَيْنَ الِاسْتِرْضَاءُ ، ثَانِيًا : أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَحْضُرُوا الْغَانِمِينَ عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاشْتُرِطَ حُضُورُهُمْ ، ثَالِثُهَا : أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ رِضَا أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَاشْتَرَطَ رِضَاهُمْ وَرَابِعُهَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْدُرْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عُمَرَ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً لَوَجَبَ الْعَقْدُ وَخَامِسُهَا : أَنَّ جَهَالَةَ الْأَرَاضِي تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَسَادِسُهَا أَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهَا أَيْضًا وَسَابِعُهَا أَنَّ الْخَرَاجَ مُؤَبَّدٌ وَتَأْبِيدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ وَثَامِنُهَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْخَرَاجُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ وَتَاسِعُهَا أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ النَّحْلِ وَنَحْوِهِ
وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا وَعَاشِرُهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ اشْتَرَوْهَا فَكَيْفَ يَبِيعُونَ الْأَرْضَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤُهَا( قَوْلُهُ حِينَ فَتْحِ السَّوَادِ ) أَيْ عَلَى يَدِ سَعْدٍ عَنْوَةً ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى مِصْرَ أَيْ وَضْعُ عُمَرَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَذَا وَضْعُهُ عَلَى الشَّامِ حِينَ افْتَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُدُنَ الشَّامِ كُلَّهَا صُلْحًا دُونَ أَرَاضِيهَا وَأَمَّا أَرَاضِيهَا فَفُتِحَتْ عَنْوَةً عَلَى يَدِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ أَبِي حَسَنَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَأَمَّا أَجْنَادِينُ مِنْ الشَّامِ فَقَدْ اُفْتُتِحَ صُلْحًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَجِيحُونَ ) أَيْ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِيهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ) أَيْ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ ا هـ قَوْلُهُ فَجَعَلْنَا وَظِيفَتَهُ ) أَيْ وَظِيفَةَ الْمَاءِ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ أَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا عِنْدَنَا ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا بِالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ أَرْضًا عَنْوَةً لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ ) أَيْ قُرْبُ مَا أَحْيَا فَإِنْ كَانَتْ إلَى الْخَرَاجِ أَقْرَبَ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ إلَى الْعُشْرِ أَقْرَبَ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ حَيِّزَ الشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ يُعْطِي لَهُ حُكْمَ الدَّارِ حَتَّى يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَالْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا( قَوْلُهُ حَتَّى يَجُوزَ لِصِحَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مِلْكًا لَهُ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ بِالْحَيِّزِ خَرَاجِيًّا كَانَ أَوْ عُشْرِيًّا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَصْرَةُ عُشْرِيَّةٌ ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِي الْعِرَاقِ وَلَكِنْ تَرَكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ وَهَذَا يُورِدُ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهَا الْحَيِّزُ وَلَيْسَ هَذَا بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْحَيِّزُ فِي الْأَرَاضِي الْمُحْيَاةِ لَا فِي الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً ثُمَّ الْخَرَاجُ عَلَى نَوْعَيْنِ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَالرُّبُعِ وَالْخُمُسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَخَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ
( قَوْلُهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَثْنَى الْبَصْرَةَ مِنْ ضَابِطِهِ فَإِنَّهَا عُشْرِيَّةٍ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى جَعْلِهَا عُشْرِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَتَرْكُ الْقِيَاسِ فِيهَا كَذَلِكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا وَضَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزٌ هَاشِمِيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمٌ وَمِنْ جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَفِيزَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الْهَاشِمِيِّ وَالْحَجَّاجِيِّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْفِقْهِ كَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْقَفِيزُ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى الْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بَعْدَمَا فُقِدَ وَأَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى قُلْت هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْخَرَاجِ مِنْ الْأَصْلِ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ مِمَّا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَفِي كُلِّ جَرِيبٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ زَرَعَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهُ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ
جَرِيبٍ زُرِعَ وَالْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ وَهُوَ رُبْعُ الْهَاشِمِيِّ وَهُوَ مِثْلُ الصَّاعِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ بِصَاعِ عُمَرَ وَصَاعُ عُمَرَ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ الَّذِي هُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يُقَدِّرُ عُمَرُ الْخَرَاجَ بِالصَّاعِ الْهَاشِمِيِّ الَّذِي لَيْسَ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ تَصْنِيفُهُ حَدَّثَنِي السَّرِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ عَلَى الْكَرْمِ عَشَرَةً وَعَلَى الرَّطْبَةِ خَمْسَةً وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ يَبْلُغُهَا الْمَاءُ دِرْهَمًا وَمَخْتُومًا قَالَ عَامِرٌ هُوَ الْحَجَّاجِيُّ وَهُوَ الصَّاعُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فَعُلِمَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالنَّافِعِ مُقَيَّدًا بِالْهَاشِمِيِّ نَظَرٌ أَوْ الصَّاعُ الْهَاشِمِيُّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا ا هـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ قُلْت هَذَا أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ ا هـ وَقَوْلُهُ قَالَ عَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَخَرَاجُ جَرِيبٍ صَلُحَ لِلزَّرْعِ صَاعٌ وَدِرْهَمٌ وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَمَسَحَا سَوَادَ الْعِرَاقِ فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَوَضَعَاهُ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَيَجِبُ عَلَى أَخَفِّهَا الْأَكْثَرُ وَعَلَى أَشَدِّهَا الْأَقَلُّ وَعَلَى الْوَسَطِ الْوَسَطُ وَالْجَرِيبُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ كِسْرَى وَأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَقِيلَ جَرِيبُ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ يُعْتَبَرُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ وَالْمَنُّ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَيُعْطَى الدِّرْهَمُ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْقَفِيزَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقَالَ كَذَا فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَكُونُ هَذَا الْقَفِيزُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا سِوَى مَا ذَكَرْنَا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبُسْتَانِ يُوضَعُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ اعْتِبَارًا بِمَا وَضَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ حَيْثُ قَالَ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ قَالُوا وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ الْكُلَّ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ
الْكُلِّ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ ) هِيَ جَمْعُ مُؤْنَةٍ يَعْنِي أَنَّ تَفَاوُتَ الْمُؤَنِ لَهُ أَثَرٌ فِي تَفَاوُتِ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةُ هُوَ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ فَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا لَمَّا كَانَ مُؤْنَةُ الْكَرْمِ أَخَفَّ وَرِيعُهُ أَكْثَرَ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَعْلَى وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَبْقَى دَهْرًا مَدِيدًا مَعَ قِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَمُؤْنَةُ الزَّرْعِ أَثْقَلُ فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِيهِ أَدْنَى وَهُوَ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ وَهَذَا لِأَنَّ الزَّرْعَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكِرَابِ وَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ وَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ وَمُؤْنَةُ الرِّطَابِ بَيْنَ بَيْنَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَا تَذْرِيَةٍ فِيهَا أَصْلًا وَتَدُومُ أَعْوَامًا لَكِنْ لَيْسَ كَدَوَامِ الْكَرْمِ فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ عَلَى أَخَفِّهَا ) أَيْ الْكَرْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى أَشَدِّهَا ) أَيْ الْمَزَارِعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَسَطِ ) أَيْ الرِّطَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَمْنَاءٌ ) جَمْعُ مَنَا لُغَةٌ فِي الْمَنِّ ا هـ ( قَوْلُهُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ ) أَيْ بِأَوْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْبُسْتَانُ ) أَيْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَقَالُوا الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يُحَوِّطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ قَالَ ) أَيْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمَّا كَانَ لَنَا أَنْ نَقْسِمَ ) يَعْنِي لَمَّا ظَفِرْنَا عَلَيْهِمْ وَسِعَنَا أَنْ نَسْتَرِقَّهُمْ وَنَقْسِمَ أَمْوَالَهُمْ فَإِذَا قَاطَعْنَاهُمْ كَانَ التَّنْصِيفُ عَيْنَ الْإِنْصَافِ ا هـ كَيْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وَظَّفَ نُقِضَ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَطَاقَتْ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ وَقَوْلَهُمَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الطَّاقَةِ لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّ مُرَادَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَنْقُصَهُ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاقَةِ لِمَا وُضِعَ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَمَا قَصَدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَاهُ بِأَنَّهَا تُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْ فَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَزَادَ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَمَا وَظَّفَهُ إمَامٌ آخَرُ فِي أَرْضٍ فَتَحَهَا هُوَ كَتَوْظِيفِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُوَظِّفَ ابْتِدَاءً عَلَى أَرْضٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ حُكْمٍ بِاجْتِهَادٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَقْضُ حُكْمٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ خَرَاجَ التَّوْظِيفِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَاتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فِيهِ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا وَالتَّقْدِيرُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ التَّقْدِيرُ عَنْ الْفَائِدَةِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُظِّفَ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَظَّفْت عَلَيْهِ الْعَمَلَ تَوْظِيفًا قَدَّرْته ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُوَظِّفَ ابْتِدَاءً عَلَى أَرْضٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهَا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ قَدْرَ خَرَاجِهَا الْمَوْضُوعَ نَقَصَ وَأَخَذَ مِنْهَا قَدْرَ مَا تُطِيقُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الطَّاقَةُ بِالْأَثَرِ بَيَانُهُ فِيمَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تُطِيقُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِأَنْ كَانَ الْخَارِجُ لَا يَبْلُغُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ حَتَّى يَصِيرَ الْخَرَاجُ مِثْلَ نِصْفِ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ ذَلِكَ وَزِيَادَةً فَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَجْمَعُوا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي بَلْدَةٍ وَظَّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ لَا يَجُوزُ فَأَمَّا فِي بَلْدَةٍ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا بِالتَّوْظِيفِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَزِيدُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ زِيَادَةُ التَّوْظِيفِ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَزِدْ فِي التَّوْظِيفِ فَلَوْ جَازَ لَزَادَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ وَقَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي خِلَافِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ بِتَوْظِيفِ الْإِمَامِ وَإِنْ أَطَاقَتْ الْأَرْضُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَهَذَا يَرُدُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ مُدَّعِيهِ ا هـ قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) أَيْ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ ا هـ كَيْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا خَرَاجَ إنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِهِ الْمَاءُ أَوْ انْقَطَعَ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ ) أَمَّا فِي الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِفَوَاتِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ الْمُعْتَبَرِ فِي الْخَرَاجِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي كُلِّ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ التَّمَكُّنُ قَائِمًا مَقَامَهُ سَقَطَ الْخَلَفُ وَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْأَصْلِ فَإِذَا هَلَكَ بَطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَصَارَ كَالْعُشْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَسَلِمَ بِسَلَامَةِ الْخَارِجِ وَبَطَلَ بِهَلَاكِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالتَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِيهِ وَقَالُوا فِي الِاصْطِلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا وَأَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ قَدْرُ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ وَالْمُرَادُ بِالِاصْطِلَامِ أَيْضًا أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْخَارِجِ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نِصْفُهُ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ عَلَى مَا مَرَّ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ ) مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضَ خَرَاجٍ يَجِبُ ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَمَّا إذَا عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَلِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّقْصِيرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالْمَالِكُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْهَا وَأَمَّا إذَا عَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ الزِّرَاعَةِ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكَ الْبَاقِيَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا الْخَرَاجَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْوَاحِدِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لِيَعْمَلَ فِيهَا وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسَّ مِمَّا كَانَ يَزْرَعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ بِأَنْ يَقُولَ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ هَذَا كَيْتَ وَكَيْتَ لِشَيْءٍ هُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِيهَا فَنَسُدُّ هَذَا حَتَّى لَا يَنْفَتِحَ لَهُمْ بَابُ الظُّلْمِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَلِأَنَّ الْخَرَاجَ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَيَبْقَى عَلَى الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُبْتَدَأُ الْمُسْلِمُ بِهِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ فَجَازَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالرِّقِّ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ
فَيَسْقُطُ وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو عَنْ مُؤْنَةٍ فَلَوْ سَقَطَ الْخَرَاجُ لَاحْتَجْنَا إلَى إيجَابِ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الْمُؤَنِ وَلِأَنَّ فِي الْجِزْيَةِ صَغَارًا أَيْضًا فَلَا تَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اشْتَرَوْا الْأَرْضَ الْخَرَاجَ وَأَدَّوْا خَرَاجَهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَجَوَازِ شِرَائِهِ وَأَدَائِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَلِمَا بَيَّنَّا ثَمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ
قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّقْصِيرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَيْثُ يَكُونُ الْخَرَاجُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَعَلُّقِ الْخَرَاجِ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ حِينَئِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا أَوْ حَانُوتًا فَعَطَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ هُنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْضًا يَزْرَعُهَا فَاصْطَلَمَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ يَجِبُ إلَى وَقْتِ هَلَاكِ الزَّرْعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَجْرُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ وُضِعَ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ إذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ فَإِذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا جَازَ إسْقَاطُهُ وَالْأَجْرُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى مِقْدَارِ الْخَارِجِ فَجَازَ إيجَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَخَرَاجُ الْوَظِيفَةِ وَالْمُقَاسَمَةِ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِ الْخَارِجِ ، وَقَبْلَ الْحَصَادِ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَالِ لَا فِي الذِّمَّةِ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَأَنَّهُ قَدْ زَرَعَ وَلَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ وَزَرَعَهَا لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَكَذَا لَوْ زَرَعَ الْبَعْضَ وَلَمْ يَزْرَعْ الْبَعْضَ ا هـ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَذَهَبَ لَمْ يُؤْخَذْ الْخَرَاجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُصَابٌ
فَيَسْتَحِقُّ الْمَعُونَةَ وَإِنْ أَخَذْنَاهُ بِالْخَرَاجِ كَانَ فِيهِ اسْتِئْصَالٌ وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سِيَرِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَرُدُّونَ عَلَى الدَّهَاقِينِ مِنْ خَزَائِنِهِمْ مَا أَنْفَقُوا فِي الْأَرْضِ وَيَقُولُونَ التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِالزَّرْعِ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ فَبِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ الْأَجْرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَإِنَّهُ صِلَةٌ وَاجِبَةٌ بِاعْتِبَارِ رِيعِ الْأَرْضِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بَعْدَمَا اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِغْلَالِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَّلَهَا ا هـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ الصَّغِيرَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا فَأَصَابَتْ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ وَلَمْ تُنْبِتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَلَوْ غَرِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ هَلَاكِ الزَّرْعِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ إعَادَةِ زَرْعٍ مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَهَا غَاصِبٌ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ آخَرَ وَإِنْ غَرِقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ وَلَوْ قَبَضَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَزْرَعْهَا حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ الْأَجْرِ ا هـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ أَوْ غَرِقَ فَلَمْ يَنْبُتُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا لِأَنَّهُ قَدْ زَرَعَ هَكَذَا فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ وَلَوْ غَرِقَتْ قَبْلَ أَنْ
يَزْرَعَهَا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ ا هـ ثُمَّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ سَنَةً ثُمَّ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَمَا وَجَبَ مِنْ الْأَجْرِ قَبْلَ الِاصْطِلَامِ لَا يَسْقُطُ وَمَا وَجَبَ بَعْدَ الِاصْطِلَامِ يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَمَا لَمْ يَسْتَوْفِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ إذَا زَرَعَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَذَهَبَ لَمْ يُؤْخَذْ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ النَّمَاءُ حَقِيقَةً وَلَا اعْتِبَارًا لِأَنَّ الْفَوَاتَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ سَالِمًا اعْتِبَارًا فَكَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ مِلْكَ أَرْضٍ نَامِيَةٍ حَوْلًا كَامِلًا إمَّا حَقِيقَةً أَوْ اعْتِبَارًا فَإِذَا فَاتَ النَّمَاءُ فِي مُدَّةِ الْحَوْلِ ظَهَرَ أَنَّ الْخَرَاجَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا عَلَى خِلَافِ هَذَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ا هـ مَا قَالَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسَّ مِمَّا كَانَ يَزْرَعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ) أَيْ كَمَنْ لَهُ أَرْضُ الزَّعْفَرَانِ فَتَرَكَهَا وَزَرَعَ الْحُبُوبَ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الزَّعْفَرَانِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ كَرْمٌ فَقَلَعَ وَزَرَعَ الْحُبُوبَ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْكَرْمِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ غَرَسَ حَرْبِيٌّ مِنْ أَرْضِهِ كَرْمًا فَلَمْ يُطْعِمْ سِنِينَ كَانَ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ لِأَنَّ وَظِيفَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ قَبْلَ الْغَرْسِ قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ فِي كُلِّ جَرِيبٍ فَتَبْقَى كَذَلِكَ مَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ الْكَرْمِ وَإِنْ أَدْرَكَتْ خَارِجًا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا أَخَذَ مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّهُ صَارَ كَرْمًا صُورَةً وَمَعْنًى ا هـ .
أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا خَرَاجِيَّةً بَعْدَ إسْلَامِ صَاحِبِهَا وَلَا تَتَغَيَّرُ إلَى الْعُشْرِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَضَعَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ الْخَرَاجَ ثُمَّ أَسْلَمُوا فَبَقِيَ الْخَرَاجُ كَمَا كَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْمُسْلِمِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِالْتِزَامِ الْمُؤْنَةِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِ الْخَرَاجِ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا وَمَحَلًّا وَسَبَبًا وَمَصْرِفًا فَإِنَّ الْخَرَاجَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ ، وَالْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ وَيَجِبُ الْخَرَاجُ بِالتَّمَكُّنِ وَالْعُشْرُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَيُصْرَفُ الْخَرَاجُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُشْرُ لِلْفُقَرَاءِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يُنَافِي الْآخَرَ وَلَنَا قَوْلُهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ } وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فَصَارَ إجْمَاعًا عَمَلًا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرُ فِي أَرْضً أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا طَوْعًا أَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبُ الْحَقَّيْنِ وَاحِدٌ وَهِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَى الْأَرْضِ وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْنَةُ أَرْضٍ نَامِيَةٍ وَلَا يَجْتَمِعُ وَظِيفَتَانِ بِسَبَبِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ مَحِلِّهِمَا لِأَنَّ الْعُشْرَ مَحَلُّهُ الْخَارِجُ وَكَذَا الْخَرَاجُ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ تَقْدِيرًا وَالزَّكَاةُ مَحَلُّهَا مَالُ التِّجَارَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا كَدَيْنِ ثَمَنِ الْأَرْضِ مَعَهُمَا
بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا إنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا وَكَذَا الزَّكَاةُ وَظِيفَةُ الْمَالِ النَّامِي وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ مَالٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ دَيْنِ ثَمَنِ الْأَرْضِ مَعَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ لِلْعَبْدِ وَالْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَنَافَيَانِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ كَانَا بِسَبَبِ مِلْكِ مَالٍ وَاحِدٍ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَانَ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّهُمَا صَارَا وَظِيفَةً لَازِمَةً لَهَا وَلَا يَسْقُطَانِ بِعُذْرِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالرِّقِّ وَهُمَا أَسْبَقُ وُجُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ فَتُتْرَكُ عَلَى حَالِهَا ثُمَّ الْخَرَاجُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ الْأَرْضُ الْخَرَاجُ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَخْ ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَلَا يُؤْخَذُ خَرَاجُ الْأَرْضِ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَإِنْ أَغَلَّهَا صَاحِبُهَا مَرَّاتٍ وَالْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْخَرَاجَ مُكَرَّرًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ لِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُشْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَمَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعُشْرِ وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَارِجٍ فَكَذَلِكَ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْجِزْيَةُ لَوْ وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ وَصُلْحٍ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا ) لِأَنَّهَا تَتَقَرَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ { صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهُمَا وَعَارِيَّةٍ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُونَ بِهَا وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانُوا نَصَارَى وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
فَصْلٌ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ خَرَاجِ الْأَرْضِ شَرَعَ فِي خَرَاجِ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِقُوَّتِهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا فُتِحَتْ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا وَخَرَاجُ الرَّأْسِ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَالْعُشْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى خَرَاجِ الرَّأْسِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدَّمَ خَرَاجَ الْأَرْضِ أَيْضًا لِأَنَّ سَبَبَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ نَجْرَانَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَجْرَانُ بِلَادٌ أَهْلُهَا نَصَارَى كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ ا هـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَنَجْرَانُ بَلْدَةُ هَمْدَانَ مِنْ الْيَمَنِ قَالَ الْبَكْرِيُّ سُمِّيَتْ بِاسْمِ بَانِيهَا نَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ ا هـ ( قَوْلُهُ حُلَّةٌ ) وَالْحُلَّةُ إزَارٌ وَرِدَاءٌ كَذَا قَالُوا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الْمَعَافِرِ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بْنِ مُرٍّ وَعَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ { أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ } أَيْ مِثْلَهُ بُرُدًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَمَعَافِيرُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَمَعَافِرِيٌّ بِالضَّمِّ وَمَعَافِرِيُّ - غَيْرُ مُنَوَّنٍ - كُلُّهُ لَحْنٌ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا يُوضَعْ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَعَلَى وَسَطِ الْحَالِ ضِعْفُهُ وَعَلَى الْمُكْثِرِ ضِعْفُهُ ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي بَلْ وُضِعَتْ بِالْقَهْرِ بِأَنْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ وَعَلَى الْمُكْثِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الظَّاهِرِ الْغِنَى ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضَعُ الْإِمَامُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا لِمَا رَوَيْنَا قُلْنَا كَانَ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ وَلَفْظُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ دِينَارًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْكُلِّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ وَأَمَّا الْجِزْيَةُ الَّتِي يَضَعُهَا الْإِمَامُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ { قَالَ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا } وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ بِالصُّلْحِ لِأَنَّ الْحَالِمَةَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا بِهِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ نُصْرَةً عَلَى الْمُقَاتِلَةِ فَتَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ نَصْرَ الدِّينِ وَاجِبٌ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَنَفْسُهُ لَا تَصْلُحُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ أَوْ نَقُولُ إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ بِهِمَا وَالنُّصْرَةُ بِهِمَا تَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ النَّفْسِ وَكَثْرَةِ الْوَفْرِ فَالْفَقِيرُ يَنْصُرُ رَاجِلًا وَالْمُتَوَسِّطُ يَنْصُرُ رَاكِبًا وَالْفَائِقُ يَرْكَبُ وَيُرْكِبُ غُلَامَهُ فَكَذَا
بَدَلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَائِقَ فِي الْغِنَى هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّرَ بِشَيْءٍ فِي الْمَالِ بِتَقْدِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَعْصَارِ فَفِي الْعِرَاقِ مَنْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ أَلْفًا لَا يُعَدُّ وَسَطَ الْحَالِ وَفِي دِيَارِنَا مَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافٍ يُعَدُّ غَنِيًّا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَسِّطُ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِمَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَكْسِبُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ لَوْ مَرِضَ الذِّمِّيُّ السَّنَةَ كُلَّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْمَلَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمِلِ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ أَكْثَرَهَا إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِسْقَاطِ فِي الْعُقُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ
( قَوْلُهُ إذَا لَمْ تُوضَعْ بِالتَّرَاضِي ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ وَمِنْ الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ تَفَاوُتُ مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ الطَّبَقَاتِ مَذْهَبُنَا وَقَالَ مَالِكٌ الْجِزْيَةُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دِينَارًا وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَهُ مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَلَّاهُ الْيَمَنَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ } وَلَنَا مَا رَوَى أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَّهَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى السَّوَادِ فَمَسَحَا أَرْضَهَا وَوَضَعَا عَلَيْهَا الْخَرَاجَ وَجَعَلَا النَّاسَ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ عَلَى مَا قُلْنَا فَلَمَّا رَجَعَا إلَى عُمَرَ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَمِلَ عُثْمَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ عَلِيٌّ كَذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ وَكَلَامُنَا إذَا وَظَّفَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ السَّوَادَ فُتِحَ عَنْوَةً لَا صُلْحًا وَالْمَعْقُولُ أَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ يُبْتَدَأُ بِهِ الْكَافِرُ فَوَجَبَ فِيهِ التَّفَاوُتُ كَمَا فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ فَنَقُولُ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْنَا لِأَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا أَهْلَ فَاقَةٍ فَعَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَنَا اثْنَا
عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ قَالَ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ قُلْت هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى مُعَاذٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَالِمٍ ) أَيْ بَالِغٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي مُحْتَلِمٍ ا هـ ( قَوْلُهُ { قَالَ لِمُعَاذٍ خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا } ) أَيْ أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ ا هـ هِدَايَةٌ وَالْعَدْلُ بِالْفَتْحِ الْمِثْلُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْمَعَافِرُ ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرَ بْنِ مُرٍّ ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلثَّوْبِ بِغَيْرِ نِسْبَةٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُغْرِبِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ نُصْرَةً ) أَيْ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ الَّتِي فَاتَتْ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِنَصْرِهِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَالْمَالِ وَنَفْسُهُ لَا يَصْلُحُ ) أَيْ لِمَيْلِهِمْ إلَى أَهْلِ الدَّارِ الْمُعَادِيَةِ فَيُشَوِّشُونَ عَلَيْنَا فِي الْحَرْبِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَالُ أَيْ الْجِزْيَةُ خَلَفًا عَنْ النُّصْرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَلِهَذَا صُرِفَتْ إلَى الْمُقَاتِلَةِ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَضُرِبَتْ عَلَى الصَّالِحِينَ لِلْقِتَالِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ الْقِتَالُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِمْ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى اعْتِبَارًا بِأَصْلِ النُّصْرَةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْوَفْرِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوَفْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَأَرَادَ هُنَا مُطْلَقَ الْمَالِ فَلَوْ قَالَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ كَانَ
أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُعْتَمِلُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً ا هـ قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ وَالِاعْتِمَالُ الِاضْطِرَابُ فِي الْعَمَلِ وَهُوَ الِاكْتِسَابُ وَقَيَّدَ بِالِاعْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَصَاعِدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمَّا لَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَهُوَ قَادِرٌ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ كَمَنْ عَطَّلَ الْأَرْضَ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ } وَوَضَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْجِزْيَةِ عَلَى الْمَجُوسِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَشْهَدُ أَنِّي { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَامِلِ كِسْرَى { أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَكَانُوا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَكَذَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتِرْقَاقٌ مَعْنًى إذْ بِهِ يَلْحَقُهُ الصَّغَارُ وَالذُّلُّ وَيُؤَدِّي كَسْبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَأَيُّ رِقٍّ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوضَعُ عَلَى كِتَابِيٍّ ) أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَجَائِزٌ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْعَجَمِ فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ مُطْلَقًا حَتَّى يَشْمَلَ الْفَرِيقَيْنِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَخْ ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ حَدَّثَنَا بَعْضُ الشِّيخَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ لَيْسُوا يَهُودَ وَلَا نَصَارَى وَلَا أَهْلَ كِتَابٍ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ { أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي السُّنَنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَعْنِي فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ) ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ كَمَا لَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْقِتَالَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ } إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَ تَرْكِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَفِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ ) أَيْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَا وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ ) أَيْ كَالْكِتَابِيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي كَسْبَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَتُهُ ) أَيْ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُمْ
فَيْءٌ وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا عَرَبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ ) أَيْ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا عَلَى الْمُرْتَدِّ لِتَغَلُّظِ كُفْرِهِمَا أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِمَعَانِيهِ وَبِوُجُوهِ الْفَصَاحَةِ فَغُلِّظَ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَ مَا رَأَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ مَا هُدِيَ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ فِي حَقِّهِمْ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَنِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ فَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ } وَأَبُو بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَكُفْرُ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ وَذَرَارِيُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تُجْبَرُ نِسَاءُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَذَرَارِيِّهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا عَرَبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ أَوْ الْعَرَبِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمُرْتَدِّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ ) قَيَّدَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لِمَا أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي جَامِعَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } لَمْ يُفَصِّلْ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } ) أَيْ إلَى أَنْ يُسْلِمُوا وَالْآيَةُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ ) أَيْ وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ حَتَّى وَقَعَ فِي سَهْمِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيَّةُ فَوُلِدَ مِنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَلِهَذَا تُجْبَرُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالُوا إنَّ نِسَاءَ الْمُرْتَدِّينَ وَصِبْيَانَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَفْسِيرُهُ الْحَبْسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّينَ أَمَّا صِبْيَانُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرُونَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ حَيْثُ تُجْبَرُ آبَاؤُهُمْ وَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ فَإِنَّمَا يُجْبَرْنَ لِسَبْقِ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَصِبْيَانِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا جَبْرَ عَلَى آبَائِهِمْ فَكَذَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَكَذَا عَلَى نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُنَّ الْإِسْلَامُ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ ) أَيْ لَا تُوضَعُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ النُّصْرَةِ وَعُقُوبَةٌ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ النُّصْرَةُ بِالْقِتَالِ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ لَا تُوضَعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ إذْ الْإِمَامُ يَخْرُجُ فِي تَعَرُّفِ حَالِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ يُوضَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْجِزْيَةِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقَدْ زَالَ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُكَاتَبٍ ) أَيْ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ ) أَيْ وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَوَجْهُ الْوَضْعِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَالْجِزْيَةُ فِي حَقِّهِمْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ ) أَيْ الْجِزْيَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعِوَضُ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ وَلَا بِالْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ وَلَا تَبْقَى الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُقِيمُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ قَدَرَ بِالْإِسْلَامِ عَلَى النُّصْرَةِ بِبَدَنِهِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهَا وَبِالْمَوْتِ عَجَزَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ الْخَلَفُ إذْ شَرْطُهُ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْعِصْمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ يَسْكُنُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ بَدَلِهِمَا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الرِّقُّ حَيْثُ يَبْقَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْحُكْمِيَّةِ حَتَّى يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالتَّكْرَارُ ) أَيْ تَسْقُطُ بِالتَّكْرَارِ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَسْقُطُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَصَارَ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي شُرِعَتْ هِيَ فِيهِ وَهُوَ الصَّغَارُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ وَلَا يُحَقَّرُ وَالْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَسَقَطَتْ لِلتَّعَذُّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْكُفْرِ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَلِهَذَا لَوْ
بَعَثَهَا عَلَى يَدِ غُلَامِهِ أَوْ نَائِبِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَحْضُرَ بِهَا بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي وَاقِفًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ لَهُ أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ ، وَالْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ إذَا تَرَاكَمَتْ تَدَاخَلَتْ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْحُدُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَفَّارَاتِ الْإِفْطَارِ تَتَدَاخَلُ وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَالْعُقُوبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ وَعَنْ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ السُّقُوطَ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَكُونُ فِي حِرَابٍ قَائِمٍ فِي الْحَالِ وَكَذَا النُّصْرَةُ تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّكْرَارُ وَالْكَثْرَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ قَبْلَ التَّمَامِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَجِبُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ قَائِمًا مَقَامَ الْعُشْرِ وَلِهَذَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْعُشْرُ يَتَكَرَّرُ فَكَذَا هَذَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْمُضِيِّ مَجَازًا وَقَالَ الْوُجُوبُ بِآخِرِ السَّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُضِيِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاجْتِمَاعُ وَيَتَدَاخَلُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَأَنَّهُ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِيءِ وَظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِعْطَاءَ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَجِبُ تَرْكُ الْقَتْلِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَلَا
يَنْتَظِرُ فِيهِ إلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَكَذَا الْإِعْطَاءُ وَهَذَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ لِلْحَالِ كَالْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَلِأَنَّ الْمُعَوَّضَ قَدْ سُلَّمَ لَهُمْ لِلْحَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْعِوَضُ كَذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْقِيَاسُ عَلَى خَرَاجِ الْأَرْضِينَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ فَمَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ الْمَنْفَعَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ وَلَا تَلْزَمُنَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِيَتَحَقَّقَ النَّمَاءُ إذْ هِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي
( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِهِمَا إلَخْ ) وَهَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ عَمِيَ أَوْ صَارَ مُقْعَدًا أَوْ زَمِنًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ صَارَ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَبَقِيَ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَسْقُطُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ ) أَيْ الَّتِي تَثْبُتُ لِلذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ عَنْ السُّكْنَى ) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لَهُ آخَرُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمُعَوَّضُ ) أَيْ وَهُوَ حَقْنُ دَمِهِ وَسُكْنَاهُ إلَى الْمَوْتِ أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَسْقُطَانِ بِالْإِسْلَامِ ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ بَدَلًا عَنْ السُّكْنَى تَكُونُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ تَكُونُ فِي مَعْنَى بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بَدَلًا عَنْ النُّصْرَةِ ) فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنْ النُّصْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَعَانَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ سَنَةً فَقَاتَلُوا مَعَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ تِلْكَ السَّنَةِ فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَسَقَطَتْ قُلْت إنَّمَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَغَيُّرُ الْمَشْرُوعِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ طَرِيقَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ الْمَالَ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ قُلْت الْجِزْيَةُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ عَلَى كُفْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْإِسْلَامِ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ قُلْت خَرَاجُ الرَّأْسِ فِيهِ صَغَارٌ بِالنَّصِّ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَغَارٌ وَلِهَذَا يُؤْخَذُ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ لِلْمُسْلِمِ فَافْتَرَقَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَالْعِصْمَةُ إلَخْ ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْعِصْمَةِ أَوْ السُّكْنَى بَيَانُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومًا مَحْقُونَ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْقِيَامُ بِأُمُورِ التَّكْلِيفِ إلَّا بِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَإِنَّمَا بَطَلَتْ عِصْمَتُهُ بِعَارِضِ الْكُفْرِ ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ عَادَتْ الْعِصْمَةُ فَصَارَتْ الْعِصْمَةُ بَدَلًا بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ وَالذِّمِّيُّ يَمْلِكُ مَوْضِعَ السُّكْنَى بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلَوْ كَانَتْ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً كَانَ وُجُوبُهَا بِالْإِجَارَةِ لَا مَحَالَةَ وَالْإِجَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ يُبْطِلُهَا وَحَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّأْقِيتُ فِي السُّكْنَى دَلَّ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَ بِسَبِيلِ الْأُجْرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ } قَالَ أَبُو دَاوُد سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَبِاللَّفْظِ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ } وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَابُوسًا وَلَيْسَ قَابُوسٌ فِي سَنَدِ الطَّبَرَانِيِّ فَهَذَا لِعُمُومِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا كَانَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ إذْ عَدَمُ الْجِزْيَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَالْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْفَائِدَةِ لَيْسَ
كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِهَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهَذَا يَخُصُّ السُّقُوطَ بِالْإِسْلَامِ وَالْوَجْهُ يَعُمُّ مَوْتَهُ وَإِسْلَامَهُ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَرِدُ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ ثُمَّ لَا يَرْتَفِعُ الِاسْتِرْقَاقُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا خَرَاجُ الْأَرْضِ وَتَرْتَفِعُ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ عَقَلْت حِكْمَةً فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ وَاضِحٌ إذْ لَا إذْلَالَ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ كَيْ تَبْقَى فِي أَيْدِينَا وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَسْعَى فِي بَقَائِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهَا ذُلٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ فَلِأَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ مِلْكِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مِلْكُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ اسْتِحْقَاقٌ لِلْعُمُومِ وَالْحَقُّ الْخَاصُّ فَضْلًا عَنْ الْعَامِّ لَيْسَ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ وَالْأَعْوَاضُ لَا تَسْقُطُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَوْنَهَا وَجَبَتْ عِوَضًا وَكَوْنَ الْمُتَّصِلِ مِنْهَا أَعْوَاضًا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَلْيَقُ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَعْوَاضِ الْأَجْزِيَةُ الْوَاقِعَةُ عُقُوبَةً تَمَّ عَلَيْهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ : وَالْعُقُوبَاتُ تَتَدَاخَلُ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى قَوْلِهِمَا ) أَيْ أَوْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّغَارُ ) أَيْ وَالْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ لِلْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ وَبِالْمَوْتِ وَصَلَ إلَى الْعِقَابِ الْأَكْبَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَدْنَى قَالَ تَعَالَى { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ ) التَّلْبِيبُ بِالْفَتْحِ مَا عَلَى مَوْضِعِ اللَّبَبِ مِنْ ثِيَابِهِ وَاللَّبَبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ وَالْهَزُّ التَّحْرِيكُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بِطَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ لَهُ حَتَّى يُصْفَعَ أَيْضًا حَالَةَ الْأَخْذِ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ ( قَوْلُهُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ) أَيْ فَإِذَا مَضَتْ سُنُونَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا مَضَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَالْعُشْرُ ) بِالْفَاءِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَفِي الْكَافِي بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مُجْرًى عَلَى حَقِيقَتِهِ ) أَيْ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَجِيءِ وَهُوَ الدُّخُولُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَمَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ ) أَيْ فَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ بِأَوَّلِ الْحَوْلِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ وَلَا كَنِيسَةٌ فِي دَارِنَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ } أَيْ لَا يُخْصَى إخْصَاءٌ يُقَالُ خَصَاهُ يُخْصِيه خِصَاءً عَلَى فِعَالٍ بِمَعْنَى الْإِخْصَاءِ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ التَّبَتُّلُ وَالْعُزْلَةُ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى فَكَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْكَنِيسَةِ إحْدَاثُهَا أَيْ لَا تُحْدَثُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَنِيسَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَبَيْتُ النَّارِ كَالْكَنِيسَةِ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُحْدَثُ بِيعَةٌ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْجِزْيَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُتَعَبَّدَاتِهِمْ مَا يَجُوزُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجُوزُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا كَنِيسَةٌ ) الْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةُ مَعْبَدُ النَّصَارَى قِيلَ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْخِصَاءِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِصَاءَ نَوْعُ ضَعْفٍ لَيْسَ فِي الْفَحْلِ وَكَذَا بِنَاءُ الْكَنِيسَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُورِثَ الضَّعْفَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ فِي الْخِصَاءِ تَغْيِيرٌ عَمَّا عَلَيْهِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ وَكَذَا فِي بِنَاءِ الْكَنِيسَةِ تَغْيِيرٌ عَمَّا عَلَيْهِ بِنَاءُ دَارِ الْإِسْلَامِ ا هـ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْكَنِيسَةُ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ اسْمٌ لِمُتَعَبَّدِهِمْ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ غَلَبَ فِي الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَفِي الْبِيعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى ا هـ قَوْلُهُ لَا خِصَاءَ ) الْخِصَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ نَزَعَ خُصْيَتَيْهِ وَالْإِخْصَاءُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ ا هـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ وَالْمَدُّ عَلَى فِعَالٍ مَصْدَرُ خَصَاهُ أَيْ مِنْ بَابِ رَمَاهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ ) لِأَنَّهُ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْكَنَائِسِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَقُومُ الْبِنَاءُ دَائِمًا فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَقَرَّهُمْ عَهِدَ إلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى دَائِمًا وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ نَقْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالصَّوْمَعَةُ بِمَنْزِلَةِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ كَالْكَنِيسَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ فَلَا يُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ خَارِجَ الْكَنِيسَةِ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالْحُدُودُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ فِيهِ شَعَائِرُهُمْ لِأَنَّ فِي الْقُرَى بَعْضَ الشَّعَائِرِ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُدْخِلُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ { لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ { لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ } وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
( قَوْلُهُ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ وَأَرَاضِيهمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا مَحَالَةَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ الْقَدِيمَةِ أَيْ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ ا هـ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يُمْنَعُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَشِعْ ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ عَنْ إحْدَاثِ الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ فِي الْقُرَى فِي قُرَى الْكُوفَةِ لَا قُرَى بِلَادِنَا لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا كَانُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَلَمْ تَكُنْ قُرَاهَا مَوْضِعَ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ لِغَلَبَتِهِمْ فَلَمْ يَرِدْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ بِخِلَافِ قُرَى بِلَادِنَا فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِيهَا مَعْدُودُونَ فَمُنِعُوا مِنْ الْإِحْدَاثِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَرَادُوا إحْدَاثَ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فِي الْأَمْصَارِ يُمْنَعُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا فِي السَّوَادِ ذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ وَفِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ يُمْنَعُ وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَمَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُمْنَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي بَابِ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ مِنْ شَرْحِ الْإِجَارَاتِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ وَذَكَرَ هُوَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ قَرْيَةً غَالِبُ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَهَلْ تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ فِي السَّوَادِ ؟ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا لَا ، أَمَّا
فِي الْأَمْصَارِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ لَا تُهْدَمُ الْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ بَلْ تُتْرَكُ وَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهَا تُهْدَمُ قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْوَاقِعَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا بَيْتُ نَارٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ) أَيْ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا ا هـ هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَا تُحْدَثُ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَا تُقَرُّ لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهَا إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ دَارَ سُكْنَى وَلَا تُبَاعُ بِهَا خَمْرٌ وَلَا فِي قَرْيَةٍ مِنْهَا وَلَا فِي مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهَا الْمُشْرِكُونَ مَسْكَنًا ) بِخِلَافِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يُمَكَّنُونَ مِنْ سُكْنَاهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ا هـ كَمَالٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ اتِّخَاذِهَا مَا نَصُّهُ أَيْ أَرْضِ الْعَرَبِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَسْكَنًا مَا نَصُّهُ أَيْ وَوَطَنًا ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ وَالْمَرْكَبِ وَالسَّرْجِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِالسِّلَاحِ وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْإِكَافِ ) إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَعِيفُ الْيَقِينِ إذَا رَآهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي النِّعَمِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي مِحْنَةٍ وَشِدَّةٍ يُخَافُ أَنْ يَمِيلَ إلَى دِينِهِمْ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ } الْآيَةَ وَحِكَايَةُ قَارُونَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعْرُوفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُوَقَّرُ وَالذِّمِّيَّ يُحَقَّرُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَامَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا لَمَا وَقَعَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالْعَلَامَةِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِي أَيَّامِهِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ تَقَعْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إلَّا بِالْعَلَامَةِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ فَالْحَقُّ مَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَلَا نَصَارَى نَجْرَانَ وَلَا مَجُوسَ هَجَرَ بِالْعَلَامَةِ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ وَحَالُهُمْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْعَلَامَةِ وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَا يَلْبَسُونَ طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرْدِيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَلَا كُلَّ لِبَاسٍ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَإِنْ رَكِبُوا الضَّرُورَةَ مِنْ سَفَرٍ وَنَقْلِ مَرِيضٍ نَزَلُوا فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ لُبْسِ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْكُسْتِيجِ وَهُوَ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ وَيُؤْمَرُ
بِتَمْيِيزِ نِسَائِهِمْ عَنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ وَتُجْعَلُ عَلَى دُورِهِمْ عَلَامَةٌ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ
( قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي الزِّيِّ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالزِّيُّ بِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَأَصْلُهُ زِوْيٌ ا هـ ( قَوْلُهُ وَصِيَانَةً لِضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ يَقِينًا ) أَيْ فَرُبَّمَا يَمْرُقُونَ بِجَهْلِهِمْ فَيَقُولُونَ الْكُفَّارُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَّا فَإِنَّهُمْ فِي خَفْضِ عَيْشٍ وَنِعْمَةٍ وَنَحْنُ فِي كَدٍّ وَتَعَبٍ ا هـ فَتْحٌ وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ كَيْ لَا يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِذْ وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَغَارٌ لَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ وَاجِبٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضِيعَةٍ وَكَذَا لَوْ أُمِرُوا بِالْكُسْتِيجَاتِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ { سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ } ) تَنْبِيهًا عَلَى خِسَّةِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ ) أَيْ وَيَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الذِّمِّيُّ فَجْأَةً فِي الطَّرِيقِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَامَةٌ يُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ لُبْسِ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا مُنِعُوا مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ وَهُوَ حَاشِيَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ فَمَنْعُهُمْ مِنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ الَّتِي تُعَدُّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فَاخِرَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرَبَّعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّفِيعَةِ أَوْلَى وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِ اسْتِكْتَابِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ
مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرَ وَكَذَا يُؤْخَذُونَ بِالرُّكُوبِ عَلَى سُرُوجٍ فَوْقَ الْحُمُرِ كَهَيْئَةِ الْإِكَافِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ بَلْ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا أُخْرِجُوا إلَى أَرْضِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَيْ إلَّا أَنْ تَلْزَمَ الضَّرُورَةُ فَيَرْكَبُ ثُمَّ يَنْزِلُ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا مَرَّ بِهِمْ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ وَتُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ وَلَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ فَقَطْ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَانِيرَ مَا نَصُّهُ الزُّنَّارُ لِلنَّصَارَى وِزَانُ تُفَّاحٍ وَالْجَمْعُ زَنَانِيرُ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْخَيْطُ الْغَلِيظُ ) أَيْ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ مِنْ الصُّوفِ يَشُدُّهُ فَوْقَ ثِيَابِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ كَيْ لَا يَقِفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ فَيَدْعُوَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ ) أَيْ أَوْ يُعَامِلَهُمْ بِالتَّضَرُّعِ كَمَا يَتَضَرَّعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَتُجْعَلُ مَكَاعِبُهُمْ خَشِنَةً فَاسِدَةَ اللَّوْنِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ وَالزِّنَا بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ وَسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْتَقَضُ أَمَانُهُ بِالسَّبِّ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْأَيْمَانَ فَكَذَا الْأَمَانُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ وَهُوَ خَلَفٌ عَنْهُ وَلَنَا { أَنَّ يَهُودِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّامُ عَلَيْك فَقَالَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ فَلَمْ يَنْتَقِضْ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَهْدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ السَّبَّ كُفْرٌ مِنْهُ فَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُ الْعَهْدَ فَكَذَا الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يُنْتَقَضُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إلَخْ ) ذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا أَعَانُوا أَهْلَ الْبَغْيِ عَلَى الْقِتَالِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ عَهْدَهُمْ لَا يُنْتَقَضُ بِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الْإِيمَانُ ) يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُضُ إيمَانَهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ بِسَبِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) أَيْ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ قَالَ الْكَمَالُ فَيَصِيرُ مُبَاحَ الدَّمِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَنَا وَقَيَّدَ بِأَدَائِهَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا نُقِضَ عَهْدُهُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ نِسْبَةُ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ إذَا أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَهَذَا لِأَنَّ دَفْعَ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ عَنْهُمْ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمْ صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ بِالنَّصِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْدَ مُجَرَّدِ الْقَبُولِ وَإِظْهَارِ ذَلِكَ مِنْهُ يُنَافِي قَيْدَ كَوْنِ قَبُولِ الْجِزْيَةِ رَافِعًا لِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي التَّمَرُّدِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي
يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاغِرًا ذَلِيلًا وَهَذَا الْبَحْثُ مِنَّا يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِ حَلَّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ ا هـ قَالُوا إذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ طَعْنًا ظَاهِرًا جَازَ قَتْلَهُ لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعْقُودٌ مَعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْعَنَ فَإِذَا طَعَنَ فَقَدْ نَكَثَ عَهْدَهُ وَخَرَجَ مِنْ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بَلْ بِالِالْتِحَاقِ ثَمَّةَ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ ) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِالِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِذَلِكَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَلَا يُفِيدُ بَقَاءُ الْعَهْدِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ دَفْعُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّ ) أَيْ وَصَارُوا بِالْتِحَاقِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ صَارُوا كَالْمُرْتَدِّ فِي حِلِّ قَتْلِهِمْ وَدَفْعِ مَالِهِمْ لِوَرَثَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ الْتَحَقُوا بِالْأَمْوَاتِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ حَيْثُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ فَأَوْجَبَ الزِّيَادَةَ فِي الْعُقُوبَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَبِاسْتِرْقَاقِ الذِّمِّيِّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ دَفْعُ فَسَادِهِ وَحِرَابِهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَلَا يَحْصُلُ بِاسْتِرْقَاقِهِ فَصَارَ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمَالُ الَّذِي لَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ يَكُونُ فَيْئًا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ كَالْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِهِ دَارَ الْحَرْبِ حَيْثُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ لِأَنَّهُ حِينَ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكُوهُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ بَلْ بِالِالْتِحَاقِ ثَمَّةَ إلَخْ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ مَا يُنْتَقَضُ بِهِ الْعَهْدُ حَتَّى لَوْ قَالَ نَقَضْت بِالْقَوْلِ لَا يُنْتَقَضُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ
قَوْلُهُ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ ) أَيْ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ حِصْنٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّ ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِاللَّحَاقِ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَعُودُ ذِمَّتُهُ وَلَا يَبْطُلُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَتَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ الَّتِي خَلَفَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا الْتَحَقَتْ هِيَ مَعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِنَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ كَالْمُرْتَدِّ ) أَيْ إذَا حَمَلَ مَالَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مَجَّانًا ) أَيْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِعِوَضٍ ) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ حِينَ أَخْذِهِ ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ( ضِعْفُ زَكَاتِنَا ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفُ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَهُمْ عَلَى ضِعْفِ الزَّكَاةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا ضِعْفُهَا وَالنِّسَاءُ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِالصُّلْحِ وَالْمَصْرِفُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِزْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَرْفِهِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ جِزْيَةً وَكَيْفَ يَكُونُ جِزْيَةً وَشَرَائِطُهُ مِنْ وَصْفِ الصَّغَارِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ مِنْ النَّائِبِ وَالْإِعْطَاءِ قَائِمًا وَالْقَابِضُ قَاعِدٌ وَأَخْذِ التَّلْبِيبِ وَالْهَزِّ لَا يُرَاعَى فِيهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلَبِيَّةٍ إلَخْ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ بِإِسْنَادِهِ إلَى دَاوُد بْنِ كَرْدُوسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ مَنْ قَدْ عَلِمْت شَوْكَتَهُمْ وَإِنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْك الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُمْ فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ قَالَ فَصَالَحَ عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَعَلَى أَنْ تَسْقُطَ الْجِزْيَةُ عَنْ رُءُوسِهِمْ فَكُلُّ نَصْرَانِيٍّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ فَعَلَى النَّصْرَانِيِّ التَّغْلِبِيِّ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ وَنِسَاؤُهُمْ كَرِجَالِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ أَرْضُهُمْ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ يَوْمَ صُولِحُوا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الضِّعْفُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَرَوْنَ أَنْ يُؤْخَذَ ضِعْفُ الصَّدَقَةِ مِنْ أَرْضِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَاشِيَتِهِ وَسَبِيلُ ذَلِكَ سَبِيلُ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ هَذَا لَفْظُ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يَمُرُّوا عَلَى عَاشِرٍ أَمَّا إذَا مَرُّوا بِمَالٍ عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ
ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ مَنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَوْ مَرَّ الصَّبِيُّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ بِمَالٍ فَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي السَّوَائِمِ ا هـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أُفْرِدُ أَحْكَامُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ بِفَصْلٍ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ النَّصَارَى وَتَغْلِبُ مِنْ بَنِي غَالِبٍ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ رَبِيعَةَ تَنَصَّرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ زَمَنُ عُمَرَ دَعَاهُمْ عُمَرُ إلَى الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا وَأَنِفُوا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ الصَّدَقَةَ فَقَالَ لَا آخُذُ مِنْ مُشْرِكٍ فَلَحِقَ بَعْضُهُمْ بِالرُّومِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْقَوْمَ لَهُمْ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ فَلَا تُعِنْ عَلَيْك عَدُوَّك بِهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ فَبَعَثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي طَلَبِهِمْ وَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْفُقَهَاءُ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ ) أَيْ فِي حَقِّ عَدَمِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهُمَا لَا يَتْبَعَانِ مَوْلَاهُمَا فِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَا عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ وَالتَّغْلِبِيُّ لَا يُوضَعَانِ عَلَيْهِمَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُضَاعَفُ عَلَى مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } وَلِهَذَا حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ بِالْمَوْلَى هُنَا كَانَ تَخْفِيفًا إذْ التَّضْعِيفُ أَخَفُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ وَالْمَوْلَى لَا يُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِي التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا وَلَوْ لَحِقَهُ فِيهِ لَمَا وُضِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَأُلْحِقَ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ فِي حَقِّهَا بِالْهَاشِمِيِّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُلْحَقَ الْمَوْلَى بِأَصْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ مَوْلَى الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ { أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا ، أَنْتَ مَوْلَانَا وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } وَمَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ قَرَابَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفَضِيلَةِ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ إذْ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْكَرَامَةِ أَوْ لِأَنَّ الْغَنِيَّ أَهْلٌ لَأَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ غِنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْلَاهُ كَمَوْلَى الْقُرَشِيِّ ) يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ مِنْ الْقُرَشِيِّ وَتُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا ا هـ قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ ) يَعْنِي لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ مَوْلًى نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ إنَّهُ وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِالْإِسْلَامِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ التَّخْفِيفُ الثَّابِتُ بِوَصْفِ التَّغْلِبِيَّةِ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ ) أَيْ عَلَى الْهَاشِمِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْفِيفًا بَلْ تَحْرِيمٌ وَالْحُرُمَاتُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لَا يُلْحَقُ بِأَصْلِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا أُعْطِيَ كِفَايَتَهُ مِنْهَا ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ بِلَا قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ الثُّغُورِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَكِفَايَةِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَةُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْطُوا لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَيُعْطُونَ كِفَايَتَهُمْ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِهَا عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُخَمِّسْ الْجِزْيَةَ وَلِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا قِتَالٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالْقَهْرِ وَالْقِتَالِ فَشَرْعُ الْخُمُسِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِهِ فِي الْآخِرِ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلُ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَجِيءُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَصْرِفِهِ وَالثَّانِي الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهَا مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } الْآيَةَ وَهُمْ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالثَّالِثُ خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَاتُ
مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهَا اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطُونَ مِنْهُ نَفَقَتَهُمْ وَأَدْوِيَتَهُمْ وَتُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَتُعْقَلُ بِهِ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفُهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ فِي الْمُسْتَقْرَضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ ) يَعْنِي وَمَنْ مَاتَ مِمَّنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْقُضَاةِ وَالْغُزَاةِ وَنَحْوِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَطَاءِ شَيْئًا وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ وَلَهَا نَفَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَاسْمُ الْعَطَاءِ يُنْبِئُ عَنْ الصِّلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ إلَى قَرِيبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى عَنَاءَهُ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْوَفَاءِ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ رَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ يَرْجِعُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى امْرَأَةٍ لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُمَا يَعْتَبِرَانِهِ بِالْهِبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ عَنْ الْعَطَاءِ ) أَيْ وَأَمَّا الْمُدَرِّسُ وَالْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ أَوْ عُزِلَ وَقَدْ بَاشَرَ مُدَّةً فَإِنَّهُ لَا يُحْرَمُ نَصَّ عَلَيْهِ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ ) أَيْ أَوْ مَاتَ ا هـ .
( بَابُ الْمُرْتَدِّينَ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اعْتَرَاهُ شُبْهَةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ لِتُزَاحَ وَيَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرْتَدُّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِمْهَالُ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ لَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ ارْتِدَادَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ التَّأَمُّلُ فِيهَا فَقَدَّرْنَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } مُطْلَقًا وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَيُقْتَلُ لِلْحَالِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا لِأَنَّا نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُقْبَلُ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ { وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَنْ قَتَلَ شَخْصًا بَعْدَمَا أَسْلَمَ هَلَّا شَقَقْت قَلْبَهُ } وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الِارْتِدَادُ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِالدِّينِ
بَابُ الْمُرْتَدِّ ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ مِنْ الْأَصْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْعَارِضَ بَعْدَ الْأَصْلِيِّ فِي الْوُجُودِ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَضْعًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ ) أَيْ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْكَافِي يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَجِّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِتُزَاحَ ) أَيْ تُزَالَ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ ) أَيْ مَكَانَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ إنْظَارَهُ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِمِّيٍّ وَلَا مُسْتَأْمَنٍ إذْ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْهُ وَمَا طَلَبَ الْأَمَانَ فَكَانَ حَرْبِيًّا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ فَإِنْ ارْتَدَّ وَتَابَ ثُمَّ ارْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ كَرَّرَ رِدَّتَهُ كَالزِّنْدِيقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ قُلْنَا رَتَّبَ عَدَمَ الْمَغْفِرَةِ عَلَى شَرْطِ قَوْلِهِ { ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا } ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْعَامَّةِ إنَّ الْآيَةَ فِي حَقِّ مَنْ ازْدَادَ كُفْرًا لَا فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَهَكَذَا دَائِمًا ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ مُسْتَهْزِئٌ وَلَيْسَ بِثَائِبٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ ) أَيْ كَيْفِيَّةُ تَوْبَتِهِ أَنْ يَتَبَرَّأُ عَنْ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ تَبَرَّأَ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا دِينَ لَهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِسْلَامُهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ الْأَدْيَانِ إلَخْ ) وَلَكِنْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ وَفِي الْمُنْيَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ تُبْت وَرَجَعْت إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مُسْتَحَبٌّ ا هـ دِرَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إسْلَامُ النَّصْرَانِيِّ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ ، وَالْيَهُودِيُّ كَذَلِكَ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَكَذَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ خُصُوصَ الرِّسَالَةِ إلَى الْعَرَبِ فَيُصَدِّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِ هَذَا فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا ا هـ فَتْحٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ ) أَيْ كُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ تَفْوِيتَ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَبِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَضْمَنْ قَاتِلُهُ ) لِأَنَّ الْكُفْرَ بِوَصْفِ الْحِرَابِ مُبِيحٌ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَمْ يَضْمَنْ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ }( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ قَالَ الْكَمَالُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاطِعِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ ا هـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أُدِّبَ ا هـ قَالَ قَاضِي خَانْ وَرِدَّةُ الرَّجُلِ تُبْطِلُ عِصْمَةَ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوَأَتْلَفَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ ) أَيْ فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَعِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْفَرْضِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ا هـ كَمَالٌ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لِتَغْلِيظِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهَا فَتُشَارِكُهُ فِي جَزَائِهَا كَالْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ قُلْنَا الْمُبِيحُ لِلْقَتْلِ كُفْرُ الْمُحَارَبِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ } بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِالْجِنَايَةِ دُونَ الْحِرَابِ وَجَزَاءُ الْكُفْرِ لَا يُقَامُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمُحَارِبُ لَنَا وَإِلَّا لَوَجَبَ قَتْلُ الشَّخْصِ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّهُ بَدَّلَ دِينَهُ وَهُوَ الْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْوِيه ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقَتْلَ عَلَى الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَبِالْعَكْسِ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَانْتِقَالُهُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يَزِيدُهُ خُبْثًا وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْأَمْرُ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ تُقْتَلْ الْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ إلَى أَنْ تُسْلِمَ لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتْرُكَ وَتَخْرُجَ مِنْهَا وَتُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلشُّبْهَةِ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ مَنْزِلَ الْمَوْلَى سِجْنًا لَهَا وَيُفَوِّضُ التَّأْدِيبَ إلَيْهِ مَعَ تَوْفِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ دُفِعَتْ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ احْتَاجَ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ لِأَنَّ الْحَبْسَ
تَصَرُّفٌ فِيهَا وَذَاكَ إلَى الْمَوْلَى
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ ) أَيْ بَلْ تُحْبَسُ أَبَدًا ا هـ قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَإِسْحَاقُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ } ) أَيْ فَقَالَ { لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً } وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُرْتَدَّةِ وَالْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مَتَى لَا تُقْتَلُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فَبِالطَّارِئِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَالصَّبِيِّ ا هـ كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ وَفِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ ا هـ ( قَوْله لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّرْبَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ وَلِذَا قُلْنَا فِيمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُدُودٌ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الثَّانِي مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَيْ لَا يَصِيرَ قَتْلًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ ا هـ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا
قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ لَهُ أَوْ يَهَبَهَا الْإِمَامُ إذَا كَانَ مَصْرِفًا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالرِّدَّةِ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالرِّدَّةِ وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّى هُوَ حَبْسَهَا وَضَرْبَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا قِيلَ وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَقَهَرُوا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خَوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَخْ ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ ) بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يَبْقَى لِيُمْكِنَ اسْتِخْدَامُهُ ا هـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَحَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ ا هـ كَاكِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الرِّدَّةِ يَظْهَرُ فِي إبَاحَةِ دَمِهِ لَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَكُونُ كَامِلَ الْأَهْلِيَّةِ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ فَيَبْقَى مِلْكُهُ ضَرُورَةَ التَّمْكِينِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ وَقَدْ زَالَتْ عِصْمَةُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا حَرْبِيًّا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا وَلِأَنَّهُ هَالِكٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْهَالِكِ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ لِوُقُوفِهِ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَمْ يَتِمَّ سَبَبُ الزَّوَالِ فَتَوَقَّفْنَا فِي أَمْرِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ عَمَلَهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ اسْتَقَرَّ كُفْرُهُ فَعَمِلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَزَالَ مِلْكُهُ وَانْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْءٌ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ إنْ فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ لَا سِيَّمَا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَرِثَهُ أَحَدٌ كَالرَّقِيقِ وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمِلَّةِ سَبَبُ الْإِرْثِ وَاخْتِلَافُهَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ وَهَذَا لَا يَرِثُهُ مُوَافِقُهُ فَمُخَالِفُهُ أَوْلَى فَإِذَا انْتَفَتْ الْوِرَاثَةُ وَهِيَ
مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَيَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مَالِكًا لِمَالِهِ فَإِذَا تَمَّ هَلَاكُهُ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فَإِذَا تَمَّ اسْتَنَدَ التَّوْرِيثُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ وَقَدْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ ذَلِكَ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ فِيهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثًا مِنْ الْمُسْلِمِ إذْ الْحُكْمُ عِنْدَ تَمَامِ سَبَبِهِ يَثْبُتُ مِنْ أَوَّلِ السَّبَبِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا أُجِيزَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بِمَوْتِهِ فَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَيُمْكِنُ اسْتِنَادُ كَسْبِ الرِّدَّةِ إلَى مَا قَبْلَ الرِّدَّةِ نَظَرًا إلَى سَبَبِ الْكَسْبِ وَهُوَ نَفْسُهُ فَجَعَلَ كَأَنَّ الْكَسْبَ مَوْجُودٌ وَلَهُ أَنَّ اسْتِنَادَ التَّوْرِيثِ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ مُمْكِنٌ لِوُجُودِهِ عِنْدَهَا وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ عِنْدَهَا وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِنَادِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ فَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ التَّوْرِيثِ لَثَبَتَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ وَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ الِاكْتِسَابِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ رِدَّتِهِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَارِثُهُ قَبْلَهُ أَوْ حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ بِعِتْقٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ عُلُوقٍ حَادِثٍ لَا يَرِثُ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ وَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ تَمَامِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ أَوَانُ
الِاسْتِحْقَاقِ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَقَاءُ الْمَبِيعِ وَالْمُتَعَاقِدِينَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّ رِدَّتَهُ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَهَا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ تُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ حَتَّى إذَا قَبَضَهُ مَعَ الْأَصْلِ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ إذْ الرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللَّحَاقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا إلَّا عِنْدَ الرِّدَّةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا زَوْجُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالِارْتِدَادِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً فَيَرِثُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا فِي مَرَضِهَا فَتَصِيرُ فَارَّةً بِالِارْتِدَادِ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ فَسْخِهَا النِّكَاحَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَنَحْوِهِ وَيَرِثُهَا أَقَارِبُهَا جَمِيعَ مَالِهَا حَتَّى الْكَسْبَ فِي رِدَّتِهَا لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا
S
( قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ قَالَ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ مِثْلُ مَوْتِهِ وَلِهَذَا صَرَّحَ بِذِكْرِهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَخْ ) أَيْ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ تَصَرُّفَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ ) أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ إذَا كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ فَلَا ضَمَانَ فَصَارَ حَالُهُ أَنْحَسَ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ فَاعْتُبِرَ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَجَوَابُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ جُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا ) أَيْ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ ا هـ هِدَايَةٌ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ فِي إحْبَاط عَمَلِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَفِي فَرْضِيَّةِ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ ارْتِدَادُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَلْ حَبَطَ عَمَلُهُ ا هـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ هَذَا أَيْ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يَعْمَلْ السَّبَبُ ) أَيْ السَّبَبُ الْمُزِيلُ لِلْمِلْكِ وَهُوَ الرِّدَّةُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي رِدَّتِهِ ) أَيْ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِاللَّحَاقِ مِثْلُ مَوْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ هَلَاكٌ ) أَيْ مَوْتٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا
تَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِأَنَّ زَوْجَهَا حَيٌّ حَقِيقَةً ا هـ ( قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَا يَرِثُ الْوَارِثُ إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ وَقْتَ الرِّدَّةِ ) وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الشَّامِلِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ مَنْ كَانَ مِنْ الْوَرَثَةِ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَلَهُ الْمِيرَاثُ وَمَنْ كَانَ مِنْ وَرَثَتِهِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَعَتَقَ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوَأَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الرِّدَّةِ قَبْلَ الْقَتْلِ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا يَوْمَ ارْتَدَّ وَلَوْ كَانَ وَارِثُ الْمُرْتَدِّ مُسْلِمًا يَوْمَ ارْتَدَّ فَارْتَدَّ الْوَارِثُ بَعْدَ رِدَّةِ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ أَوْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَلَهُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ كَانَ وَارِثًا يَوْمَ ارْتَدَّ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْتَمَدَ هُوَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا آخَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ ) أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ إلَّا عِنْدَهَا ) أَيْ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ لَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَكِنْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ وَهَذَا مِثْلُهُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ قَتْلُهُ أَوْ الْقَضَاءُ بِلَحَاقِهِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الرِّدَّةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ الرِّدَّةِ ا هـ ( قَوْلُهُ
لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ ) وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الْمَرِيضِ أَمَّا إذَا كَانَ وَقْتَ الرِّدَّةِ مَرِيضًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا ) أَيْ وَالْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ تَرِثُ مِنْ زَوْجِهَا الْمُرْتَدِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَرِثُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا إذَا لَحِقَتْ بِالدَّارِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمَةً لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ الْحَيْضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعُودُ مُعْتَدَّةً كَمَا كَانَتْ ا هـ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَابِعَةٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ ثُبُوتًا وَسُقُوطًا فَبِارْتِدَادِ الرَّجُلِ تَسْقُطُ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِكَوْنِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُقْتَلُ وَتَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ كَسْبُ الِارْتِدَادِ أَيْضًا فَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَالِ حَرْبِيٍّ مَقْهُورٍ فِي أَيْدِينَا أَمَّا ارْتِدَادُ الْمَرْأَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ لِعَدَمِ الْحِرَابِ فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا لِأَنَّ كَسْبَهَا فِي الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَتِهَا الْمُسْلِمِينَ كَكَسْبِهَا فِي الْإِسْلَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا ) مَعْنَى هَذَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ فَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا
تُقْتَلَ فَكَذَا لَا تَزُولُ عِصْمَةُ مَالِهَا فَكَانَ الْكَسْبَانِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ كَسْبَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيْءٌ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ بِاللَّحَاقِ ا هـ كَاكِيٌّ فَرْعٌ قَالَ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ أَسِيرًا وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دِينُهُ ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا انْقَطَعَتْ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الدَّارُ عِنْدَهُ إذْ الدُّنْيَا كُلُّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْتٌ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الْمَوْتَى مِنْ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى دَيْنُهُ بِهِ كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ كَذَا هَذَا وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ
الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ وَعِنْدَهُمَا تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لَحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ اللَّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ لِتَقَرُّرِهِ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرْنَا وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمَوْتَى وَلَا عِدَّةَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَالْمَيِّتَةِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً أَوْ سُبِيَتْ لَمْ يُنْتَقَضْ نِكَاحُ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ لِأَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَعُودُ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَوْ وَلَدَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ وَيُسْتَرَقُّ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا وَكَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا قُلْنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَإِنْ أُمِّنَ نَفَذَ وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ بِالْعَقْلِ وَنَفَاذُ التَّصَرُّفِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ لَزَالَ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِي مَالِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ حُكْمِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لَا يَرِثُهُ فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ
تَصَرُّفُهُ وَيَنْفُذُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ مِثْلُ مَا يَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ وَلَا يُجْعَلُ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا فَيُقْتَلُ لِأَنَّ مِنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ قَلَّ مَا يَتْرُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ فِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ فِي أَيْدِينَا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَوْنُهُ حَرْبِيًّا مَقْهُورًا سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَمَالِكِيَّتِهِ وَبُطْلَانِ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُ لِبَقَاءِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَا بِتَوَقُّفِ تَصَرُّفَاتِهِ لِتَرَدُّدِ حَالِهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ لِأَنَّهُ صَارَ فَيْئًا بِدُخُولِهِ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ بَلْ يَرُدُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ كَمَا دَخَلَ دَارَنَا وَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ لَهُمْ يَدًا فِي الدَّارِ فَيَرُدُّهُ إلَى مَالِهِمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَبِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَجِبْ هُنَاكَ لِزَوَالِ سَبَبِ الْعِصْمَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ غَيْرُ مَنْ لَهُ الْقَتْلُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا هُوَ جَزَاءٌ عَلَى الْجِنَايَةِ فَلَمْ يُوجِبْ خَلَلًا فِيهِ وَبِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَتَّى تَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَصِيرُ حَرْبِيَّةً حِينَئِذٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الْوِلَايَةَ
وَلَا تَعْتَمِدُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ حَتَّى صَحَّتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ الْعَبْدِ مَعَ قُصُورِ وِلَايَتِهِ وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ وَالْإِرْثِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ وَمَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْمُفَاوَضَةِ وَالتَّصَرُّفِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَمَالِ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ وَمُخْتَلِفٌ فِي تَوَقُّفِهِ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ بِدَلِيلِهِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ ) أَيْ وَكِتَابَتُهُ وَقَبْضُ الدُّيُونِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ ) أَيْ فَلِهَذَا كَانَتْ عُقُودُ الْمُرْتَدَّةِ كُلُّهَا جَائِزَةً إلَّا مُفَاوَضَتُهَا فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ إنْ أَسْلَمَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا صَارَتْ عَنَانًا كَمَا قَالَا فِي الْمُرْتَدِّ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَرْعٌ ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي ا هـ قَاضِي خَانْ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ فَيَرُدُّهُ إلَى مَالِهِمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ ) كَذَا مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالرَّجْمِ إلَخْ ) أَخَذَهُ مِنْ النِّهَايَةِ فَرَاجِعْهَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ غَيْرُ مَنْ لَهُ الْقَتْلُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ ) أَيْ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ عَلَى قَاتِلِ الْقَاتِلِ إذَا كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنَارِ بِقَوْلِهِ وَالْقِصَاصُ لَا يُضْمَنُ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ وَانْظُرْ مَا كَتَبْته فِي الْجِنَايَاتِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ا هـ نِهَايَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْحُدُودِ قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فِيهَا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ بَلْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ لَيُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْمَنَعَةِ وَالْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا عَسَى أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُقْتَلُ قَاتِلُ الْقَاتِلِ وَقَدْ قَضَى
بِقَتْلِهِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْقَضَاءُ لَهُ حَقًّا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بَلْ حَقُّهُ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ نَفَذَ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ وَبِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ تَبِينُ الْمَرْأَةُ قُلْت هَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا جَازَ فَكَذَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّتْ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَسَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخَرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا تَقَعَ الْبَيْنُونَةُ أَيْضًا بِالرِّدَّةِ كَمَا إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ أَصْلًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ ) أَيْ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ صَارَتْ عَنَانًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَارِثِهِ أَخَذَهُ وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْوَارِثُ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَانَ خَلَفَهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ فَظَهَرَتْ حَاجَتُهُ وَبَطَلَ حُكْمُ الْخَلَفِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا مِنْ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِطَرِيقِهِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِعِتْقِهِنَّ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَلَوْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا وَمُدَبِّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إذَا أَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَتَمَّ الْفَسْخُ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ لَهُ نَصْرَانِيَّةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ ارْتَدَّ فَادَّعَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَهُوَ ابْنُهُ حُرٌّ وَلَا يَرِثُهُ ، وَلَوْ مُسْلِمَةً وَرِثَهُ الِابْنُ إنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ) أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا بَيَّنَّا وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْإِرْثِ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً يَكُونُ الْوَلَدُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْهَا لِكَوْنِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَهَا وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَهَذَا فَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبِكَوْنِهَا نَصْرَانِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً يَرِثُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَيَقُّنِنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الرِّدَّةِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلدَّارِ حَتَّى يَكُونَ مُسْلِمًا لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ إذَا ارْتَدَّ أَبَوَاهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ مَا لَمْ يَلْحَقَا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهَا إذْ هِيَ خَيْرُهُمَا دِينًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا فِيهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْقَضَاءِ بِاللَّحَاقِ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ لِعَدَمِ
كَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الرِّدَّةِ
( قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُهُ ) أَيْ لَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ أَوْ قُتِلَ لَا يَرِثُهُ هَذَا الْوَلَدُ ا هـ ( قَوْلُهُ أَمَّا صِحَّةُ الِاسْتِيلَادِ فَلِمَا بَيَّنَّا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَاهُ الْوَلَدَ صَحِيحَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ عُقُودَ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ دَعْوَتُهُ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَعَلَ عُقُودَهُ مَوْقُوفَةً لَكِنْ جَعَلَ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةً لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ بَلْ يَثْبُتُ بِتَأْوِيلِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا ادَّعَى النَّسَبَ مِنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي مِنْ تِجَارَتِهِ جَازَ وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَتَأْوِيلُ الْمُرْتَدِّ أَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِهِمَا فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ يَثْبُتُ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ فِي إرْثِهِ وَعَدَمِهِ ا هـ ( فَرْعٌ ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ أَوْلَادُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِمْ إذَا مَاتَ آبَاؤُهُمْ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا تَنْقَطِعُ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ بِمَوْتِهِمَا لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَصْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً ) أَيْ أَوْ يَهُودِيَّةً ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ تَبَعًا لِأَبِيهِ ) أَيْ لَا لِأُمِّهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ لَا يَرِثُ أَحَدًا ) أَيْ لَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْأَبِ ) أَيْ وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ مَعَ الْأَبَوَيْنِ ) يَعْنِي أَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَيْثُ يُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ ) أَيْ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا ا هـ ( قَوْلُهُ
فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ) أَيْ يَبْقَى عَلَى إسْلَامِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَقَدْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْأَبَوَانِ الْمُسْلِمَانِ وَلَهُمَا وَلَدٌ طِفْلٌ وُلِدَ قَبْلَ رِدَّتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لَهُمَا قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا تَبَعًا لِلدَّارِ بَلْ هُوَ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ رِدَّتِهِمَا ا هـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ ) أَيْ أَصْلًا فَجُعِلَ تَبَعًا لِأَبِيهِ الْمُرْتَدِّ لِقُرْبِهِ إلَى الْإِسْلَامِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِمَالِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَيْءٌ ) يَعْنِي لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ فِيهِ غَيْرُ ثَابِتٍ حَيْثُ أَلْحَقَهُ مَعَهُ ابْتِدَاءً فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ بِاللَّحَاقِ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا إذَا وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ لَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ فِيهِ وَكَذَا إنْ أَخْرَجَهُ تَاجِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا تَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ فَيْءٌ ) أَيْ لِأَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنْ قُلْت الْمَالُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَنَفْسُ الْمُرْتَدِّ لَا يَكُونُ فَيْئًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِهِ كَذَلِكَ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى النَّفْسِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْفَيْءِ عَلَى الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَيَجْرِي الْفَيْءُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ رَجَعَ وَذَهَبَ بِمَالِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ ) يَعْنِي لِوَارِثِهِ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَلَكَتْهُ الْوَرَثَةُ فَلِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَبَعْدَهَا أَوْ مِنْ التَّاجِرِ بِالْعِوَضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمُرَادُهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ وَأَخَذَ مَالَهُ وَلَحِقَ ثَانِيًا فَلَا سَبِيلَ لِوَرَثَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ جَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ يَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَتَى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا ظَاهِرًا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ هُنَا وَقَالَ فِي الْكَافِي الْقَضَاءُ مُرَجِّحٌ جَانِبَ عَدَمِ الرُّجُوعِ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ وَلَمَّا خَرَجَ إلَيْنَا مُعْتَزًّا وَرَجَعَ بِمَالِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى دَارِنَا فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ مِنْ حِينِ اللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ يَكُونُ فَيْئًا لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ رَجَعَ ) أَيْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذَهَبَ بِمَالِهِ ) أَيْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَلِوَارِثِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إذَا وَجَدُوهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَهُمْ بِالْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ بِالْمِثْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ يَأْخُذُ الْعَدُوُّ مَالَهُ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا لَا يُشْكِلُ إلَّا إذَا رَجَعَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَجَوَابُ هَذَا الْكِتَابِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ فِي رَدِّ الْمَالِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ حُكْمَ الرَّدِّ عَلَى مُطْلَقِ اللَّحَاقِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِاللَّحَاقِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَتَى لَحِقَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا ثُمَّ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ وَقَالَ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ فَيَكُونُ فَيْئًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَضَاءِ يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَرَثَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِلُحُوقِهِ فَقَدْ صَارَ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ حَتَّى رَجَعَ وَأَخَذَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الَّذِي ذَهَبَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ عَلَى مَذْهَبِ
أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ مُجَرَّدَ اللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ اللَّحَاقِ وَلَا يَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ كَالْمَوْتِ بَلْ يُجْعَلُ الْقَضَاءُ بِاللَّحَاقِ كَالْمَوْتِ حَتَّى يُعْتَبَرَ كَوْنُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْقَضَاءِ لَا عِنْدَ اللَّحَاقِ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَحِقَ فَقُضِيَ بِعَبْدِهِ لِابْنِهِ فَكَاتَبَهُ فَجَاءَ مُسْلِمًا فَالْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَاءُ لِمُوَرِّثِهِ ) وَهُوَ الْمُرْتَدُّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ خَلَفٌ عَنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ لِاسْتِغْنَائِهِ فَإِذَا جَاءَ مُسْلِمًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَيُعَادُ إلَيْهِ مِلْكُهُ غَيْرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَجَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنْهُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ نَظِيرُهُ الْمُكَاتَبُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَجَزَ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ الْأُولَى تَبْقَى الْكِتَابَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى حَالِهَا وَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ لَهُ غَيْرُ قَائِمٍ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ لِمَا قُلْنَا وَلَا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَكَيْفَ انْتَقَلَ إلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُقُوطُ وِلَايَةِ الْخَلَفِ عِنْدَ ظُهُورِ وِلَايَةِ الْأَصْلِ
قَوْلُهُ لِصُدُورِهَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ ) أَيْ حَتَّى جُعِلَ الْمُرْتَدُّ مَيِّتًا حُكْمًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَجَعَلْنَاهُ ) أَيْ الِابْنَ ا هـ ( قَوْلُهُ نَائِبًا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي صَارَ الِابْنُ كَالْوَكِيلِ عَنْ أَبِيهِ الْمُرْتَدِّ فِي التَّصَرُّفِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ كَأَنَّهُ سَلَّطَ ابْنَهُ عَلَى مَالِهِ وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَمَّا عَادَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ وَبَطَلَ حُكْمُ الْمَوْتِ فَلَمَّا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابَةِ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا إلَى الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ لِلْمُرْتَدِّ الَّذِي أَسْلَمَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْعِتْقُ وَقَعَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِلْوَارِثِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْوَارِثِ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَنْهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ رَجُلًا خَطَأً وَلَحِقَ ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ ( أَوْ قُتِلَ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ ) خَاصَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الدِّيَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً فَمَالُهُ عِنْدَهُمَا الْمُكْتَسَبُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مَالُهُ الْمُكْتَسَبُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ دُونَ الْمُكْتَسَبِ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا وَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَالثَّانِي فَيْئًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ كُلَّ دَيْنٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هَذَا إذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ يَكُونُ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَالُهُ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ( قَوْلُهُ فَالدِّيَةُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً ) وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا اغْتَصَبَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ أَفْسَدَهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلْزَمُهُ نُصْرَةُ الْمُرْتَدِّ ا هـ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْقَطْعِ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُ أَوْ لَحِقَ وَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ لَوْ قُطِعَتْ يَدُ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّ مَا أُهْدِرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ بِخِلَافِ الْمُعْتَبَرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهُ الْإِهْدَارُ بِالْإِبْرَاءِ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَهُوَ الْيَدُ دُونَ النَّفْسِ وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ أَوْ الْإِعْتَاقُ حَتَّى لَوْ قُطِعَتْ يَدُ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَضْمَنُ الْجَانِي إلَّا يَدَهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ تَقْدِيرًا فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ حُكْمَ الِالْتِحَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ وَمَاتَ ضَمِنَ الدِّيَةَ ) أَيْ كَامِلَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ
وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا تَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ مُعْتَبَرَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى لَوْ مَاتَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ عَلَيْهَا فَصَارَ كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ تَقَايَلَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ أَهْدَرَ دَمَهُ فَصَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَنْ ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا إذَا بَاعَ عَبْدَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ فَتُوجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَخَلَّلْ الرِّدَّةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ فِي حَالِ بَقَاءِ الْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَفِي حَالِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَصَارَ كَاشْتِرَاطِ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي حَالَةِ الْيَمِينِ وَحَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَكَاشْتِرَاطِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَالِ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَتَمَامِهِ وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ بِإِبْرَاءٍ عَنْ الْجِنَايَةِ وَضْعًا وَلَا شَرْعًا بَلْ هِيَ لِتَبْدِيلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُوجَدُ مِنْ غَيْرِ إبْرَاءٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِكَوْنِ دَمِهِ هَدَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وُضِعَ لِقَطْعِ مِلْكِهِ وَالضَّمَانُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَإِذَا قَطَعَ الْأَصْلَ قَصْدًا فَقَدْ قَطَعَ الْبَدَلَ أَيْضًا فَصَارَ كَالْإِبْرَاءِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ارْتَدَّ ) أَيْ الْمُسْلِمُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَاتَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَحِقَ ) أَيْ وَقَضَى بِلَحَاقِهِ كَمَا سَيَجِيءُ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ ا هـ ( قَوْلُهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ ) أَيْ وَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ النَّفْسِ وَلَا الْقِصَاصُ فِي قَطْعِ الْيَدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ ) أَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً فَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَأُهْدِرَتْ ) أَيْ فَلَمْ تَجِبْ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ مَوْتَهَا حَصَلَ فِي حَالٍ لَا قِيمَةَ لَهَا وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ صَارَ شُبْهَةً وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْقَطْعِ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ قَائِمَةً فِي قَطْعِ الْيَدِ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الرِّدَّةُ فَإِذَا كَانَتْ فَائِتَةً ثُمَّ اعْتَرَضَتْ كَانَتْ شُبْهَةً فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَجَبَ دِيَةُ الْيَدِ وَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ حَصَلَ فِي حَالِ عِصْمَةِ الْيَدِ وَهِيَ حَالَةُ الْإِسْلَامِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ) أَيْ أَصْلًا لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ حَصَلَ فِي زَمَانٍ لَا قِيمَةَ لَهَا لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا أُهْدِرَ لَا يَلْحَقُهُ الِاعْتِبَارُ ) أَيْ أَصْلًا فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ زَمَانُ السِّرَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَكَذَا بِالرِّدَّةِ ) وَالتَّحْقِيقُ هُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ فَوْتَ الْعِصْمَةِ يُوجِبُ الْهَدَرَ لَا مَحَالَةَ وَقِيَامَ الْعِصْمَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةَ كَمَا إذَا قَطَعَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَاضُ الْعِصْمَةِ دَافِعًا لِصِفَةِ الْهَدَرِ ( قَوْلُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إذَا ارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ أَمَّا إذَا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ فَقُتِلَ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْهُ مُسْلِمًا
فَقَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقَتْلِ لِأَنَّ الْجَانِيَ كَانَ مُسْلِمًا يَوْمَ الْجِنَايَةِ ، لَا جَرَمَ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَانَتْ فِي مَالِهِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ فَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مِنْ الْقَطْعِ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ يَعْنِي حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ عِنْدَ إيجَابِهِ كَانَ مُسْلِمًا وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ حَالَ الرِّدَّةِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ وَأَسْلَمَ ) أَيْ بَعْدَ الِارْتِدَادِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَاتَ ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ ) أَيْ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنْ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ ) أَيْ قِيَاسًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ ) أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ بِحَالٍ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَصَارَتْ الرِّدَّةُ مُهْدِرَةً لِمَا تُوَلِّدُ مِنْ الْقَطْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَمَّتْ عَلَى مَحَلٍّ مَعْصُومٍ ) أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ مُسْلِمًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ