كتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق
المؤلف : فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ حَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إمَّا مَأْذُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ فَالْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ هَالِكَةٍ يُقْطَعُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْقَطْعِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنَّ يَضْمَنُ الْمَالَ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ قُطِعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيَرُدُّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يَرُدُّ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذِهِ أَعْنِي فِي إقْرَارِ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ لِلْمُقَرِّ لَهُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا أَكْذَبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ اتِّفَاقًا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ
ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا وَالْمَالُ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَهْلَكِ ) أَيْ حَيْثُ يُقْطَعُ فِيهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا ا هـ .
( وَلَا يَجْتَمِعُ قَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتُرَدُّ الْعَيْنُ لَوْ قَائِمًا ) مَعْنَاهُ إذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَكَانَتْ السَّرِقَةُ قَائِمَةً فِي يَدِهِ تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْتِي بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَحْظُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَا يُنَافِي الْقَطْعَ وَكَذَلِكَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا يُفْتِي بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالدِّيَةِ وَكَذَا الْبَاغِي لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ انْعَقَدَ وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ لِعَارِضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْفَتْوَى وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّارِقُ صَاحِبَ مَالٍ يَضْمَنُ وَإِلَّا نُظِرَا لِلْجَانِبَيْنِ قُلْنَا الْمَضْمُونُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ فَأُقَاد وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارُ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ سَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا كَالْحَدِّ مَعَ الْعُقْرِ وَعِنْدَهُ يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ اخْتَلَفَا مَحَلًّا وَمُسْتَحَقًّا وَسَبَبًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ الْيَدُ وَمُسْتَحِقُّهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُهُ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ الذِّمَّةُ وَمُسْتَحِقُّهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَسَبَبُهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدِّيَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ خَطَأً
وَكَالْقِيمَةِ مَعَ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَامِ وَكَإِيجَابِ الْقِيمَةِ مَعَ الْحَدِّ فِي شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ } وَلِأَنَّ لَوْ ضَمَّنَاهُ يَنْتَفِي وُجُوبُ الْقَطْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ عَلَى أَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا وَلِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ إلَّا بِجِنَايَةٍ وَاقِعَةٍ عَلَى حَقِّهِ خَالِصًا بِلَا شُبْهَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ فَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَقِيَ لَهُ حَقٌّ لَكَانَ مُبَاحًا لِذَاتِهِ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ لِحَقِّ مَالِكِهِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ حَرَامًا حَقًّا لِلشَّرْعِ فَقَطْ كَالزِّنَا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِصْمَةَ وَهِيَ كَوْنُهُ مَعْصُومًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ شَخْصٍ آخَرَ حَتَّى يَضْمَنَهُ بِالْإِتْلَافِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا فِي حَقِّ السَّارِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا الشُّبْهَةُ الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ وَهُوَ السَّرِقَةُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّنَا جَعْلُهُ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَاءِ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصُومًا لِحَقِّ الْعَبْدِ فِي حَقِّ
الِاسْتِهْلَاكِ لَأَدَّى إلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ وَكَذَا ظَهَرَ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّهِ يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ مَالٌ مَعْصُومٌ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مُتَقَوِّمٍ فَانْتَفَى الضَّمَانُ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا لَا يَجِبُ بِاسْتِهْلَاكِ الْمَنَافِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هُنَا سَبَبَيْنِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ سَرِقَةُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ لَا غَيْرُ فَلَا يَجِبُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَالْقِصَاصِ مَعَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْجَزَاءِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مَعْصُومًا مَمْلُوكًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَوْ صَيْدَ نَفْسِهِ أَوْ شَرِبَ خَمْرَ نَفْسِهِ أَوْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ تَجِبُ هَذِهِ الْأَجْزِيَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ بَدَلًا عَنْهُ فَتَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ فَافْتَرَقَا فَإِنْ قِيلَ مَتَى انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قُلْتُمْ قَبْلَ السَّرِقَةِ فَفِيهِ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْدَ السَّرِقَةِ فَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّ السَّبَبَ صَادَفَ مَحَلًّا مُحْتَرَمًا حَقًّا لِلْمَالِكِ وَإِنْ قُلْتُمْ مَعَ السَّرِقَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ وَقْتَ الْوُجُودِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَكَيْفَ يُوجَدُ حُكْمُهَا قُلْنَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ قُبَيْلَ السَّرِقَةِ مُتَّصِلًا بِالسَّرِقَةِ لِتَنْعَقِدَ السَّرِقَةُ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ وَيَجُوزُ سَبْقُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ شَرْطَ صِحَّةِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ أَعْتَقْت يَثْبُتُ الْمِلْكُ مُقْتَضًى لِلْعِتْقِ سَابِقًا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ إذَا انْتَقَلَتْ الْعِصْمَةُ وَلَمْ يَبْقَ حَقُّ
الْمَالِكِ فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ خُصُومَتُهُ قُلْنَا مَا شَرَطَ الْمَالِكُ لِذَاتِهِ بَلْ لِإِظْهَارِ السَّرِقَةِ وَلِيَتَمَكَّنَ الْإِمَامُ مِنْ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْخُصُومَةُ مِنْ غَيْرِ مَالِك اكْتَفَى بِهِ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ) أَيْ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي لَا غُرْمَ عَلَى سَارِقٍ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي هَذَا ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الضَّمَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ شَقَّ مَا سُرِقَ إلَخْ أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِعْسَارَ فِي التَّأْخِيرِ لَا غَيْرُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ ا هـ .
( وَلَوْ قُطِعَ لِبَعْضِ السَّرِقَاتِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا فِي الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُسْقِطَ لِلضَّمَانِ الْقَطْعُ وَهُوَ حَصَلَ لِلْحَاضِرِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَتِهِ وَإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقْطَعُ لَهُ خَاصَّةً إذْ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُمْ فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً عَلَى حَالِهَا وَلِهَذَا لَوْ حَضَرُوا وَادَّعَوْا السَّرِقَةَ لَمْ يَأْخُذُوهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّرِقَةِ وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُ لِكُلٍّ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنِيَّ الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِيُعْلَمَ لَا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ إذْ هُوَ بِالْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بَلْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى كَانَ لِلْكُلِّ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَتُشْتَرَطُ الْخُصُومَةُ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَّحِدٌ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ قِيلَ الْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِيَصِيرَ الْخَصْمُ بَاذِلًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يَصِحُّ الْبَذْلُ مِنْ وَاحِدٍ عَنْ الْكُلِّ قُلْنَا بَذْلُ الْمَالِ بِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَوْفِيه الْحَاكِمُ بِخُصُومَةِ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْبَذْلَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ
وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا ثُمَّ قُطِعَ لِأَجْلِ نِصَابٍ وَاحِدٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُقَوْلُهُ لَأَخَذُوهَا كَمَا يَأْخُذُ هُوَ ) أَيْ فَلَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَاجْتَمَعَ قَطْعٌ وَضَمَانٌ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ عَنْ السَّرِقَاتِ كُلِّهَا فَيَبْطُلُ ضَمَانُ كُلُّهَا كَمَا لَوْ خَاصَمُوا جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَ تَقَدُّمِ أَسْبَابِهِ يَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَدَمِ رُجْحَانِ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ وَكُلُّ السَّرِقَاتِ ثَابِتَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَطْعُ يُسْتَوْفَى حَقًّا لَهُ وَلَا يَجِبُ بِالسَّرِقَاتِ إلَّا قَطْعٌ وَاحِدٌ لِلتَّدَاخُلِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْقَاضِي لَا عِلْمَ لَهُ بِسَائِرِ السَّرِقَاتِ فَظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا ثَبَتَ الْبَاقِي فِي السَّرِقَاتِ بِالْبَيِّنَاتِ بِأَنَّ لَهُ أَنَّ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَالْخُصُومَةِ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا عِنْدَ الْقَاضِي لَا لِوُجُوبِهَا فَإِذَا خَاصَمَ الْوَاحِدُ وَأَثْبَتَ وَضَحَ التَّكْلِيفُ لِلْقَاضِي بِالْقَطْعِ وَالْمُسْتَوْفِي يَصْلُحُ لِلْكُلِّ وَالْكُلُّ وَاجِبٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إلَى الْكُلِّ ا هـ .
( وَلَوْ شَقَّ مَا سَرَقَ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْرِقَ ثَوْبًا وَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَعْدَ الشَّقِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا سَرَقَ مَبِيعًا فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ كَالْأَخْذِ نَفْسِهِ وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ بَلْ أَوْلَى لِاسْتِنَادِهِ وَاقْتِصَارِ الْهِبَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ وِتْرِك الثَّوْبِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَاخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ وَتَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعُ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ فَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَذَكَرَ الْخَبَّازِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ ضَمَانُ هَذَا الثَّوْبِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَا ضَمِنَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا
بَيْنَهُمَا فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ فَقِيلَ إنْ أَوْجَبَ الْخَرْقُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي لِثَوْبٍ مَا فَهُوَ فَاحِشٌ وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَمَا فَوْقَهُ اسْتِهْلَاكٌ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَتَعَيَّبُ بِهِ فَقَطْ وَهَذَا الْخِيَارُ يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا وَإِذَا كَانَ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ جَمِيعِ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَيَمْلِكُ السَّارِقُ الثَّوْبَ وَلَا يُقْطَعُ وَحَدُّ الْإِتْلَافِ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ اتِّفَاقًا ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا ) قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَوْجَبْتُمْ مَعَ الْقَطْعِ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ قُلْنَا إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ وَبَدَلِ الْمَحَلِّ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إذْ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِالْخَرْقِ وَالْخَرْقُ لَيْسَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي شَيْءٍ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا التَّضْمِينُ ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ الْقَطْعِ وَضَمَانِ الشَّقِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فَاتَ عَنْ الشَّقِّ صَارَ هَالِكًا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَالْقَطْعُ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ وَلَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَكَذَا هُنَا عِصْمَةُ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ هُنَا بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَنْ سَرَقَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا نَقَصَ
قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ ثَابِتٌ قَبْلَ السَّرِقَةِ ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ كَانَ الْمَسْرُوقُ هُوَ النَّاقِصُ فَالْقَطْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَسْرُوقِ النَّاقِصِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ إيَّاهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّين قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ أَمَّا الْقَطْعُ فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَأَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ فَلِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعَيُّبُ الَّذِي وُجِدَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي بِهِ تَتِمُّ السَّرِقَةُ وَوُجُوبُ ضَمَانِ النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ضَمَانَ النُّقْصَانِ وَجَبَ بِإِتْلَافِ مَا فَاتَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَالْقَطْعِ بِإِخْرَاجِ الْبَاقِي فَلَا يَمْنَعُ كَمَا لَوْ أَخَذَ ثَوْبَيْنِ وَأَحْرَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْبَيْتِ وَأَخْرَجَ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ نِصَابٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاحِثِ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ إلَخْ فَغَلَطٌ لِأَنَّ عِنْدَ السَّرِقَةِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ مَا كَانَ لَهُ مِلْكٌ فِي الْمُخْرَجِ فَإِنَّ الْجُزْءَ الَّذِي مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ السَّرِقَةِ وَقَدْ هَلَكَ قَبْلَهَا وَحِينَ وَرَدَتْ السَّرِقَةُ وَرَدَتْ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَمْلُوكُ لَهُ ا هـ .
( وَلَوْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَخْرَجَهَا لَا ) أَيْ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَذْبُوحَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِيهِ ) أَيْ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ ا هـ فَتْحٌ
( وَلَوْ صَنَعَ الْمَسْرُوقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا ) أَيْ لَوْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَدْرَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَصَنَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْغَصْبِ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ هَلْ يَمْلِكُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةً أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّمُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ عِنْدَهُ لَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَهُ حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَا لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا ) أَيْ وَهَلْ يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا يُذْكَرُ قَرِيبًا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْغَاصِبَ ) أَيْ إذَا غَصَبَ نَقْرَةَ فِضَّةٍ فَضَرَبَهَا دَارَهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ لِتَقَوُّمِهَا ) وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ مُبَدِّلَةٌ لِلْعَيْنِ كَالصَّنْعَةِ فِي الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ بِأَنْ غَصَبَ حَدِيدًا أَوْ صُفْرًا فَجَعَلَهُ سَيْفًا أَوْ آنِيَةً وَكَذَا الِاسْمُ كَانَ تِبْرًا ذَهَبًا فِضَّةً صَارَ دَرَاهِمَ دَنَانِيرَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّنْعَةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ تَقَوَّمَتْ وَبَدَّلَتْ الِاسْمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مَوْجُودَةً شَرْعًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا حُكْمُ الرِّبَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ آنِيَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ فِضَّةٌ بِأَحَدَ عَشَرَ فِضَّةً وَقَلْبُهُ فَكَانَتْ الْعَيْنُ كَمَا كَانَتْ حُكْمًا فَيُقْطَعُ وَتُؤْخَذُ لِلْمَالِكِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَهُوَ اسْمُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَإِنَّمَا حَدَثَ اسْمٌ آخَرُ مَعَ ذَلِكَ الِاسْمِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ ) أَيْ بِمَا حَدَثَ مِنْ الصَّنْعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَخَذَ وَزْنًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجِبُ ) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّارِقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ ) أَيْ فَقَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ ثُمَّ قُطِعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ ا هـ قَالَ الشَّهِيدُ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
( وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَرُدُّ وَلَا يَضْمَنُ ) أَيْ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَلَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الصَّبْغِ عَنْ الْقَطْعِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقَطَعَ يَدَهُ وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَلَهُمَا أَنَّ صَبْغَ السَّارِقِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقَّ بِالتَّرْجِيحِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا صَبَغَهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ فَإِنْ قِيلَ إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ السَّارِقُ مِنْ حِينِ سُرِقَ فَيَمْتَنِعُ الْقَطْعُ قُلْنَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْهُ أَبْيَضَ بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِالْحِنْطَةِ وَإِنْ مَلَكَ الدَّقِيقَ لِمَا قُلْنَا يُحَقِّقُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ فِيهِ لِرُجْحَانِ الصَّبْغِ بِكَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا دُونَ الثَّوْبِ وَعَدَمُ حُدُثِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ بَاقِيًا قَبْلَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ أَسْوَدَ يَرُدُّ ) أَيْ لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ يَرُدُّ الثَّوْبَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ وَبِنُقْصَانِ الْمَسْرُوقِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَيَرُدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ السَّوَادُ زِيَادَةٌ لَكِنْ بِالزِّيَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَلْ يَرُدُّ وَيَأْخُذُ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقَطِعُ وَلَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْحُمْرَةِ وَكَذَا إذَا قَطَّعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ يُقْطَعُ بِهِ قَالَ الْكَمَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ قَائِمٌ صُورَةً ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ا هـ ( قَوْله وَمَعْنًى ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ السَّارِقِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ) حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ ) أَيْ فِي الرُّجُوعِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ ) قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الثَّوْبَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلسَّارِقِ مِنْ حِينِ صَبْغِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ السَّرِقَةِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ وَجَوَابُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ هُنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ لِوَصْفِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهُ مَعْنًى بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ ثَابِتًا قَبْلَ الْقَطْعِ وَمَعَ هَذَا لِلْقِيلِ وَالْقَالِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ السَّارِقَ حِينَ قُطِعَ وَالثَّوْبُ مَصْبُوغٌ أَوْ بَقِيَ الثَّوْبُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَالصَّبْغُ مِلْكُ السَّارِقِ فَيَكُونُ قَدْ قُطِعَ فِي شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لَكِنَّهُ جَعَلَ الثَّوْبَ كَالْمُسْتَهْلَكِ حَتَّى جَازَ الْقَطْعُ
( بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ ) شَرَائِطُ قَطْعِ الطَّرِيقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ثَلَاثَةٌ يَعْنِي مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى ثَلَاثَةٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ تَنْقَطِعُ بِهِمْ الطَّرِيقُ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي مِصْرٍ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْقُرَى وَلَا بَيْنَ مِصْرَيْنِ ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ إنَّمَا يَكُونُ بِانْقِطَاعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَنْقَطِعُونَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُمْ يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ فَلَا يُتْرَكُ الْمُرُورُ وَالِاسْتِطْرَاقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُتَلَصِّصَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَخَذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ وَقُتِلَ وَصُلِبَ أَوْ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَتَفَاوَتَ جَزَاؤُهَا وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنْوَاعَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَكَانَ بَيَانُ جَزَائِهَا أَهَمُّ وَهَذَا لِأَنَّ أَنْوَاعَ الْأَجْزِيَةِ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنَايَةِ وَهِيَ الْمُحَارَبَةُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا فَاكْتَفَى بِإِطْلَاقِهَا وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْجَزَاءِ فَوَجَبَ التَّقْسِيمُ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْجِنَايَةِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُسَوِّيَ فِي الْعُقُوبَةِ مَعَ
التَّفَاوُتِ فِي الْجِنَايَةِ كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَزَلَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزِيَةِ فَعَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَوْ تَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهُ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِالْجِنَايَاتِ فَاقْتَضَتْ الِانْقِسَامَ فَتَقْدِيرُهُ أَنْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا أَوْ يُحَدُّونَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ يُنْفَوْا إنْ أَخَافُوا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْحِنْثُ فَكَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَحَكَاهُ فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ الْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا وَلَا يَأْخُذَ مَالًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أُخِذَ قَاصِدُ قَطْعِ الطَّرِيقِ قَبْلَهُ وَهَذِهِ الْهَاءُ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ الطَّلَبُ لِيَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّ دَفْعَ أَذَاهُ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ أُخْرِجَ بِالتَّتَبُّعِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ تَعْرِيضُهُ عَلَى الرِّدَّةِ وَلَمْ يَعْهَدْنَا الشَّارِعُ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ لِأَنَّا عَهِدْنَاهُ عُقُوبَةً فِي الشَّرْعِ وَفِيهِ نَفْيُهُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ النَّفْيِ قَالَ الْقَائِلُ خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا
وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمَ الْحَاجَةِ عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا فَكَانَ أَدْفَعَ لِشَرِّهِ وَأَشَدَّ عُقُوبَةً عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ وَهُوَ الْإِخَافَةُ
بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ ) أَخَّرَهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَأَحْكَامِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ سَرِقَةً مُطْلَقًا وَلِذَا لَا يَتَبَادَرُ هُوَ أَوْ مَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّرِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَتَبَادَرُ الْأَخْذُ خُفْيَةً عَنْ النَّاسِ وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ اسْمَ السَّرِقَةِ مَجَازًا لِضَرْبٍ مِنْ الْإِخْفَاءِ وَهُوَ الْإِخْفَاءُ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ لِحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ الْكَشَّافِ وَأَرْبَابِ الْإِدْرَاكِ فَكَانَ سَرِقَةً مَجَازًا وَلِذَا لَا تُطْلَقُ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيُقَالُ السَّرِقَةُ الْكُبْرَى وَلَوْ قِيلَ السَّرِقَةُ فَقَطْ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا وَلُزُومُ التَّقْيِيدِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ ا هـ فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يُسَمَّى سَرِقَةً كُبْرَى أَمَّا كَوْنُهُ سَرِقَةً فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً عَنْ عَيْنِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ حِفْظُ الطَّرِيقِ وَالْمَارَّةِ لِشَوْكَتِهِ وَمَنَعَتِهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كُبْرَى فَلِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُمُّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ بِزَوَالِ الْأَمْنِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنَّ ضَرَرَهَا خَاصٌّ بِالْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلِأَنَّ مُوجِبَ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَغْلَظُ مِنْ حَيْثُ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَلَيْسَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ تُقَدَّمُ السَّرِقَةُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى لِأَنَّ الصُّغْرَى أَكْثَرُ وُقُوعًا وَلِأَنَّ التَّرَقِّي مِنْ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ أَوْ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ فِيمَنْ يُبَاشِرُ عَارِضًا بِالسَّفَرِ وَذَكَرَ الْعَارِضَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَصْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ ) أَيْ بَعْدَ مَا يُعَزَّرُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ قَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَإِنْ
شَاءَ صَلَبَهُمْ ا هـ قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ أَيْ أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ أَوْ صَلَبَ ) اعْلَمْ أَنَّ الْقُطَّاعَ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَزَادَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ سَتَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ } ) أَيْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَرَارِي فِي أَمَانِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ فَالْمُعْتَرِضُ لَهُ كَأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى ا هـ دِرَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّنْ يُقَدِّرُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ ا هـ ( قَوْلُهُ التَّوْزِيعُ ) أَيْ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ ) كَأَنَّهُ قَالَ أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا إلَخْ لَا التَّخْيِيرُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ مُتَشَبِّثًا بِظَاهِرِ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ وَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ } ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِأَنْوَاعِهَا ) أَيْ عَادَةً بِتَخْوِيفٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ وَأَخْذِ مَالٍ ا هـ كَافِي قَوْلُهُ ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَرْبَعَةٌ ) أَيْ وَإِلَّا جِزْيَةٌ كَذَلِكَ ا هـ كَافِي قَالَ الْكَمَالُ فَأَحْوَالُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَزَاءِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ خَمْسَةٌ ا هـ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَحْوَالُ خَمْسٌ : تَخْوِيفٌ لَا غَيْرُ وَهُنَا عُزِّرُوا أَدْنَى التَّعْزِيرِ وَحُبِسُوا حَتَّى يَتُوبُوا ، وَالثَّانِيَةُ أَخْذُ الْمَالِ فَهُنَا إذَا تَابُوا قَبْلَ الْأَخْذِ سَقَطَ الْحَدُّ
وَضَمِنُوا الْمَالَ قَائِمًا وَهَالِكًا وَلَوْ أُخِذُوا قَبْلَ التَّوْبَةِ قُطِعَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَرَدُّوا الْمَالَ الْقَائِمَ وَلَمْ يَضْمَنُوا الْهَالِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ، وَالثَّالِثَةُ جَرَحُوا لَا غَيْرُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ وَالْأَرْشُ فِيمَا لَا يَجْرِي وَالِاسْتِيفَاءُ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ ، وَالرَّابِعَةُ أَخَذُوا الْمَالَ وَجَرَحُوا تُقْطَعُ مِنْ خِلَافٍ وَبَطَلَ حُكْمُ الْجِرَاحَاتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ حُكْمَ مَا دُونَ النَّفْسِ حُكْمُ الْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ ، وَالْخَامِسَةُ أُخِذُوا وَقَتَلُوا أَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمْ رَجُلًا بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْإِمَامُ هُنَا مُخَيَّرٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ الْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا وَلَا يَأْخُذَ مَالًا ) بَلْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ سِوَى مُجَرَّدِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ إلَى أَنْ أُخِذُوا فَحُكْمُهُمْ أَنْ يُعَزَّرُوا وَيُحْبَسُوا إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ أَوْ يَمُوتُوا ا هـ كَمَالٌ ( قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْهَاءُ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ ) أَيْ الْهَاءُ عَائِدَةٌ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ أَيْ أُخِذَ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ ) أَيْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي إذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَتُوبُوا بَعْدَ مَا يُعَزَّرُونَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ الْمَنْصُوصِ الْحَبْسُ فِي حَقِّ مَنْ خَوَّفَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَا دَامَ حَيًّا أَوْ عَنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى وَبِهِ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ دَفْعُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ
إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَفِيهِ تَعْرِيضُهُ عَلَى الرِّدَّةِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ أَهْلِهَا إلَّا مَوْضِعَ حَبْسِهِ إذَا الْمَحْبُوسُ يُسَمَّى خَارِجًا مِنْ الدُّنْيَا ا هـ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ لِارْتِكَابِهِمْ مُنْكَرًا لِتَخْوِيفِ وَشَرْطٌ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ ذَاتَ مَنَعَةٍ لِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ مُحَارَبُونَ بِالنَّصِّ وَالْمُحَارَبَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مِمَّنْ لَهُ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ ا هـ ( قَوْلُهُ قَالَ الْقَائِلُ ) أَيْ وَهُوَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ وَلَا الْمَوْتَى وَكَذَا فِي الْكَافِي وَفِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ فَلَسْنَا مِنْ الْأَمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الْأَحْيَاءِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِخَطِّ الْمُصَنِّفِ ا هـ .
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُؤْخَذَ بَعْدَ مَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ النَّفْسَ وَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا كَانَ الْمَالُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَا مُسْتَأْمِنٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ لِمَا تَلُونَا وَلِأَنَّ جَانِيَتَهُ أَفْحَشُ مِنْ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَغْلَظَ بِقَطْعِ الثِّنْتَيْنِ وَكَانَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ لَمَّا تَضَاعَفَ قَطْعُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَضَاعَفَ نِصَابُهُ فَيَكُونُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قُلْنَا تُغَلَّظُ الْعُقُوبَةُ هُنَا بِتَغَلُّظِ الْجِنَايَةِ بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا بِكَثْرَةِ الْمَأْخُوذِ
( قَوْلُهُ وَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا ) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ الْعَشَرَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ طَرَفَانِ فَيُشْتَرَطُ نِصَابَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ) أَيْ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لَا مُسْتَأْمِنٍ ) أَيْ فَلَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى مُسْتَأْمِنٍ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَارِ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَلَى التَّأْبِيدِ ا هـ كَمَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً إلَخْ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا قُطِعَ الطَّرَفَانِ لِوُقُوعِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ عَامًا وَتَغَلُّظِهَا وَأَعْطَى مَالَ الذِّمِّيِّ حُكْمَ مَالِ الْمُسْلِمِ لِتَأَبُّدِ الْعِصْمَةِ فِيهِمَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَوْ كَانَتْ يَدَاهُ صَحِيحَتَيْنِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فَقَطْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَضَاعَفَ نِصَابُهُ فَيَكُونُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ) أَيْ لِأَنَّهُ كَالسَّرِقَتَيْنِ ا هـ كَافِي
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى عَفْوِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ وَالْآلَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ بِمُحَارَبَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَدًّا وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْوَاجِبُ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ قُلْنَا الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا الْقَتْلُ لِأَنَّهُ قَسِيمَةٌ وَتَسْمِيَتُهُ جَزَاءً يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى
قَوْلُهُ وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ ) أَيْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ حَدًّا ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَفِيهَا أَيْضًا إنْ خَرَجَ عَلَى الْقَافِلَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَافَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ يُعَزَّرُ وَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ امْتِثَالًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ ) أَيْ لِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ فَمَتَى عَفَا عَنْهُمْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ قُلْنَا الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ) أَيْ فَلَا يَدْخُلُهُ عَفْوٌ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ قَتْلٌ بِمُقَابَلَةِ قَتْلٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْوَاجِبُ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِإِزَاءِ قَتْلٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالُوا فِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَخَرَجُوا عَلَى مَسَائِلَ وَلَكِنْ مَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجَوَازِ الْعَفْوِ ا هـ كَاكِيٌّ
وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ وَقَدْ قَتَلَ النَّفْسَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ وَصَلَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقُتِلَ وَصُلِبَ إلَخْ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَدٌّ عَلَى حِدَةٍ وَالْقَتْلُ كَذَلِكَ بِالنَّصِّ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالرَّجْمِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا عَدَاهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَحَّدَ الْمُوجِبَ لَهُمَا وَهُوَ الْقَتْلُ وَأَخْذُ الْمَالِ فَيَسْتَوْفِيَانِ وَهُمَا حَدٌّ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِمَا وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ لَكِنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الْقَطْعُ مُتَفَاوِتٌ فَإِذَا تَنَاهَى تَفْوِيتُ الْأَمْنِ بِأَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ تَنَاهَتْ عُقُوبَتُهُ وَصَارَ هَذَا كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَإِنَّهُمَا حَدَّانِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَحْدٌ وَاحِدٌ فِي الْكُبْرَى وَلَا تَدَاخُلَ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ كَجَلَدَاتِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا التَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَصْلُبَهُ وَيَدَعُ الْقَطْعَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّدَاخُلِ بَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي أَجْزَاءِ حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ فَإِذَا قَتَلَهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعُ بَعْدَهُ كَالزَّانِي إذَا جُلِدَ خَمْسِينَ جَلْدَةً فَمَاتَ يُتْرَكُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي إقَامَتِهِ
بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّلْبِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّشْهِيرُ لِيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَمْكَنَ قُلْنَا مَعْنَى الزَّجْرِ يَتِمُّ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَبَ أَحَدًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيُصْلَبُ حَيًّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكُرِهَ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ وَلَا يُصْلَبُ حَيًّا تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ } وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ أَرْدَعُ وَلِهَذَا لَا يُقْتَلُ جَزًّا بِالسَّيْفِ مَعَ الْأَمْرِ بِأَنْ يُحْسِنَ وَكِرْهُ وَنَظِيرُهُ الرَّجْمُ فِي الزِّنَا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ إذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَقَطَّعَ وَيَسْقُطَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي وَكُرْهُ قُلْنَا أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ وَالْإِرْدَاعُ قَدْ حَصَلَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَغَايَتُهُ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ يَضْمَنْ مَا أَخَذَ ) يَعْنِي بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا الصُّغْرَى وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ وَمَا جَرَحَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَالْمُبَاشِرِ ) يَعْنِي فِي الْأَخْذِ وَالْقَتْلِ حَتَّى تَجْرِي أَحْكَامُهُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ إلَّا الْمُبَاشِرُ كَحَدِّ الزِّنَا وَلَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ كَاسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الرِّدْءَ مُحَارَبٌ مُفْسِدٌ وَوُقُوفُهُ
لِيَتَمَكَّنَ الْمُبَاشِرُ مِنْ الْأَخْذِ وَلِيَقْتُلَ هُوَ إنْ أَمْكَنَهُ وَيَدْفَعَ عَنْ الْمُبَاشِرِ الْعَوَائِقَ وَيَنْضَمَّ الْمُبَاشِرُ إلَيْهِ إنْ تَعَذَّرَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ وَلَوْ اشْتَغَلَ الْكُلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ لَمَا تَهَيَّأَ لَهُمْ غَرَضُهُمْ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُحَارِبِينَ مُفْسِدِينَ فَيَدْخُلُونَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } وَأَيُّ مُحَارَبَةٍ وَأَيُّ فَسَادٍ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْهُ وَلِهَذَا جَازَ قَتْلُ رِدْءِ أَهْلِ الْبَغْي وَلَوْ لَا أَنَّهُ مُحَارَبٌ لِمَا جَازَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُحَارَبٌ أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ بِخِلَافِ الزِّنَا لِأَنَّ غَيْرَ الْمُبَاشِرِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ لِتَمَكُّنِهِ وَحْدَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْعَصَا وَالْحَجَرُ كَالسَّيْفِ ) يَعْنِي الْقَتْلُ بِالْعَصَا أَوْ بِالْحَجَرِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ بَلْ بِأَخْذِ الْمَالِ بِغَيْرِ قَتْلٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ الْإِخَافَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَهُوَ الْمَنَاطُ هُنَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقَتْلَ وَالْقَصْدُ مُبْطَنٌ لَا يُعْرَفُ فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ الْقَتْلِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لِيَنْتَفِيَ احْتِمَالَ قَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ إتْلَافَ الْعُضْوِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَالْأَحْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْخَامِسَةُ أَنْ يُؤْخَذُوا بَعْدَ مَا أَحْدَثُوا تَوْبَةً وَتَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْتَلُ ) وَجَعَلَ فِي الْأَسْرَارِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ ) أَيْ فَأَخْذُ الْمَالِ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ وَالْقَتْلُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبْعَجُ ) أَيْ يُشَقُّ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ ) الرَّدْعُ الْمَنْعُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ جَزًّا ) بِالْجِيمِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لِيَدْفِنُوهُ ) وَعَلِمْت فِي بَابِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى تَجْرِي أَحْكَامُهُ عَلَى الْكُلِّ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ ) أَيْ وَهَذَا لِأَنَّ قَتَلَهُمْ وَجَبَ حَدًّا عَلَيْهِمْ لَا قِصَاصًا فَلَمْ تُعْتَبَرْ الْمُسَاوَاةُ فَصَارَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقْتَلْ سَوَاءٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ إلَّا الْمُبَاشِرُ ) أَيْ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُبَاشِرِ ا هـ كَافِي قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَحَدُهُمْ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يُعِينُوا أَجْرَى الْحَدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَيُقْتَلُوا وَلَوْ كَانُوا مِائَةً بِقَتْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدًا لِأَنَّ الْقَتْلَ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ بِالنَّصِّ مَعَ التَّوْزِيعِ وَالْمُحَارَبَةُ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رِدْءًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا انْهَزَمُوا انْحَازُوا إلَيْهِمْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ ) الرِّدْءُ وِزَانُ حِمْلٍ الْمُعِينُ وَأَرْدَأْتُهُ بِالْأَلِفِ أَعَنْتُهُ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ) أَيْ فِي قَتْلِ الْكُلِّ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِصَاصَ بِالْمُثْقِلِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ
فَإِنَّ حَدَّ قَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ فَلَا يُسْتَدْعَى الْمُمَاثَلَةَ وَلِهَذَا يُقْتَلُ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ ا هـ فَتْحٌ
( وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ قُطِعَ وَبَطَلَ الْجُرْحُ ) لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِنْ قِيلَ الْجُرْحُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَخْذِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ الْحَدِّ فِي الْأَخْذِ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ فَبِجَعْلِ أَحَدِهِمَا سَبَبًا لِحَقِّ الْعَبْدِ لَا يَمْتَنِعُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأَخْذِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُلْنَا بَلْ الْفِعْلُ وَاحِدٌ وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَإِذَا وَجَبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ امْتَنَعَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَرَحَ ) أَيْ جُرْحًا وَاحِدًا أَوْ جِرَاحَاتٍ ا هـ .
( وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ أَوْ قَتَلَ فَتَابَ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ لَمْ يُحَدَّ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا ) أَمَّا إذَا جَرَحَ فَقَطْ أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ السُّقُوطُ فِي ضِمْنِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَكُونُ حَقُّهُ بَاقِيًا فَيُقْتَصُّ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا جَرَحَ وَأَخَذَ مِنْ الْمَالِ دُونَ النِّصَابِ أَوْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُقْطَعُ فِيهَا كَالْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ وَاَلَّتِي يَتَسَارَعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ لَا يَجِبُ الْحَدُّ أَيْضًا وَهُوَ طَعْنُ عِيسَى فَإِنَّهُ قَالَ الْقَتْلُ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالَ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ أَوْ أَخَذَ مَالًا فَتَابَ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ أَوْ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَبَعْدَ الرَّدِّ لَا يُقْطَعُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ إلَى الَّذِي يَلِيه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } كَمَا فِي آيَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَقْتَضِي
سُقُوطَ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ قُلْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْجُمَلُ الَّتِي قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ الْكُلّ جَزَاءُ الْمُحَارِبَةِ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ فَيَرْتَفِعُ الْكُلُّ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آيَةِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه خِلَافُ جِنْسِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ هِيَ لَا تَصْلُحُ جَزَاءً لِلْقَذْفِ وَإِنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ بِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْفِسْقِ فَكَانَتْ فَاصِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْجُمَلِ فَيَعُودُ إلَيْهَا فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةً قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرِّدْءَ تَبَعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْأَصْلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَطَعَتْ الطَّرِيقَ تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ وَقِيلَ لَا تَكُونُ قَاطِعَةَ طَرِيقٍ لِأَنَّ بِنْيَتَهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحِرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْطَعُ وَلَا تُصْلَبُ وَالْأَخْرَسُ فِي هَذَا كَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَّحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ فَيَخُصُّ الِامْتِنَاعَ حَتَّى إذَا وَقَعَ
الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ خَاصَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَيْهِمَا يَجِبُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي نَصِيبِ الْبَاقِينَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَخَذُوا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ الْقِصَاصُ وَالتَّضْمِينُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَبَيْتٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ لِأَنَّ الْغَوْثَ يَلْحَقُهُمْ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يُمْكِنُهُمْ الْمُكْثُ فِيهِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ مُحَارَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَفَازَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهَا فَيَسِيرُ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ فَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ وَفِي الْقَرِيبِ مِنْهُ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَيْهِمْ فَيَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي فِعْلِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ حَيْثُ مُحَارَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُحَدُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ وَإِنْ قَصَدُوا بِالْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُكَابِرِينَ بِاللَّيْلِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَهْلُ الدَّارِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ فَهُمْ مُحَارِبُونَ وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَهُمْ مُخْتَلِسُونَ حَتَّى يَكُونُوا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ غَيْرُ السُّلْطَانِ وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْقُرَى إذَا كَانَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ مُحَارِبُونَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ فِي الْمِصْرِ وَالْقُرَى فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاصِدُ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ إلَّا نَادِرًا فَلَا يَبْنِي الْحُكْمَ عَلَى النَّادِرِ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ تَرَكُوا هَذِهِ الْعَادَةَ فَيَتَحَقَّقُ قَطْعُ الطَّرِيقِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَقَوْلُهُ فَأَقَادَ الْوَلِيُّ أَوْ عَفَا يَعْنِي إنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فِيهَا ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ سُقُوطَهُ كَانَ فِي ضِمْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اسْتَوْفَى وَإِنْ شَاءَ عَفَا فِي الْقِصَاصِ وَالْمَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ ) أَيْ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ فِي غَيْرِهِ ) أَيْ كَمَا إذَا قَطَعُوا اللِّسَانَ أَوْ الذَّكَرَ لَا قِصَاصَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا قَطَعَ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْحَشَفَةِ قِصَاصٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ إلَّا إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لَا قِصَاصَ وَكَذَا إذَا ضَرَبُوا الْعَيْنَ فَقَلَعُوهَا لَا قِصَاصَ فِيهِ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَفِيهِ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ وَكَذَا لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ إلَّا إذَا اسْوَدَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْأَرْشُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ ) أَيْ أَخْذِ مَا دُونَ النِّصَابِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ مَالًا فَتَابَ ) أَيْ وَرَدَّ الْمَالَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ وَقَدْ تَابَ بَطَلَ الْحَدُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَخَذَ بَعْدَ مَا تَابَ لِأَنَّهُ إذَا تَابَ بَعْدَ مَا أَخَذَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } فَلَمَّا بَطَلَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ صَالَحَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَالَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِ الْمَالِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُ بِرَدِّ
الْمَالِ إلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْجَرِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ ا هـ دِرَايَةٌ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه ) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى ) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الرِّدْءَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ فِي حَدِّ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَا مُكَلَّفِينَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُضُورُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَمُبَاشَرَتِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا بَاشَرَا فَكَذَا إذَا حَضَرَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْحَدِّ كَمَا إذَا اشْتَرَكَ الْخَاطِئُ وَالْعَامِدُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الْأَحْرَارِ وَالرِّجَالِ أَمَّا الْعَبْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ إنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ بِمُحَارِبَةٍ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْقَطْعِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ثُمَّ وُجُودُ هَذَا فِي الْقَافِلَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ وُجُودُ الْمُسْتَأْمِنِ فِيهِمْ أَيْضًا ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ إنْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوجِبُهُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْمُوجِبِ وَهَذَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمِنِ
لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ بَقَاءُ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي مَالِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهِ إلَى دَارِهِ وَهُوَ أَيْ الْخَلَلُ يَخُصُّهُ أَيْ الْمُسْتَأْمِنُ وَهَا هُنَا الْخَلَلُ فِي الْحِرْزِ إذْ الْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى هَذِهِ الْقَافِلَةِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ لِمَكَانِ قَرِيبه الَّذِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهُ فَمَتَى لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّ الْكُلِّ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَخُوهُ وَأَجْنَبِيٌّ فَسَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُقْطَعُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ وَمُسْتَأْمِنٍ مِنْ بَيْتٍ يَسْكُنَانِ فِيهِ يُقْطَعُ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمْ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْقَافِلَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ) لَفْظَةُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ ) أَيْ وَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ ) أَيْ وَالْقَاطِعُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَاطِعًا كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُ السَّارِقُ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إنْ قَتَلَ عَمْدًا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَ وَهُوَ قَائِمٌ وَالضَّمَانُ إنْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ ا هـ غَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ ) أَيْ نَهَارًا ا هـ فَتْحٌ
( وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ ) يَعْنِي سِيَاسَةً لِأَنَّهُ ذُو فِتْنَةٍ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَفِتْنَتِهِ عَنْ الْعِبَادِ وَفِي قَوْلِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ السِّيَاسَةِ مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ السَّرِقَةُ إذَا أَنْكَرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَارِقٌ وَإِنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عِنْدَهُ عَاقَبَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ جَالِسًا مَعَ الْفُسَّاقِ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ وَكَمَا لَوْ رَآهُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَجَازُوا قَتْلَ النَّفْسِ كَمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَاهِرًا سَيْفَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَحُكِيَ أَنَّ عِصَامَ بْنَ يُوسُفَ دَخَلَ عَلَى أَمِيرِ بَلْخٍ فَأُتِيَ بِسَارِقٍ فَأَنْكَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ الْأَمِيرُ لِعِصَامٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكَرِ الْيَمِينُ فَقَالَ الْأَمِيرُ هَاتُوا بِالسَّوْطِ ، فَمَا ضُرِبَ عَشَرَةٌ حَتَّى أَقَرَّ وَأَحْضَرَ السَّرِقَةَ فَقَالَ عِصَامٌ مَا رَأَيْنَا جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ خَنَقَ ) رَجُلًا بِالتَّخْفِيفِ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ وَمَصْدَرُهُ الْخَنْقُ بِكَسْرِ النُّونِ وَلَا يُقَالُ بِالتَّسْكِينِ كَذَا عَنْ الْفَارَابِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ خَنَقَهُ يَخْنُقُهُ مِنْ بَابِ قَتَلَ خَنْقًا مِثْلُ كَتِفٍ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ وَالْحِلْفُ ا هـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَة فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَخْنُقُ رَجُلًا بِمِخْنَقَةِ خَنَّاقٍ حَتَّى قَتَلَهُ قَالَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ وُجِدَ وَقَدْ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِ الْمِصْرِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَأَرَادَ بِهَا أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ مِخْنَقَةُ الْخَنَّاقِ هِيَ الْوَتَرُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ بِالْمُثْقِلِ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ أَمَّا إذَا اعْتَادَ هَذَا الْفِعْلَ فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا سِيَاسَةً ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ قُتِلَ ) قَالَ الْكَمَالُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى الْقَتْلِ بِالتَّخْنِيقِ حَيْثُ عُرِفَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ يَعْتَمِدُهُ ا هـ ( قَوْله بِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ الْخَنْقِ ا هـ ( قَوْله وَهِيَ مَسْأَلَة الْقَتْل بِالْمُثْقَلِ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَظَاهِر أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَة الْمُثْقَل وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مِثْلهَا فِي ثُبُوت الشُّبْهَة عِنْده فِي الْعَمْد حَيْثُ كَانَتْ الْآلَة فِيهِ قُصُور يُوجِب التَّرَدُّد فِي أَنَّهُ قَصْد قَتَلَهُ بِهَذَا الْفِعْل أَوْ قَصْد الْمُبَالَغَة فِي إيلَامه وَإِدْخَال الضَّرَر عَلَى نَفْسه فَاتَّفَقَ مَوْته وَعَدَم احْتِمَاله لِذَلِكَ ا هـ ( قَوْله عَلَى مَا يَجِيء ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا
فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّة وَاحِدَة قَتَلَ بِهِ قِصَاصًا ذَكَره فِي كَرَاهِيَةِ الْيَنَابِيعِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ ا هـ شَرْحُ كَنْزٍ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ
( كِتَابُ السِّيَرِ ) السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَأَصْلُ السِّيرَةِ حَالَةُ السَّيْرِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي الشَّرْعِ عَلَى أُمُورِ الْمَغَازِي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ، كَالْمَنَاسِكِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } وَقَالَ { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْجِهَادُ فَرْضٌ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } الْحَدِيثَ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَكَوْنُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ قَتْلٌ وَإِفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ الْعِبَادِ فَإِذَا حَصَلَ مِنْ الْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدَفْنِ الْمَيِّتِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّى الْبَعْضُ الْجِهَادَ وَالْبَعْضُ التِّجَارَةَ وَالْحَرْثَ وَالْحِرَفَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ وَالتَّقْوِيَةُ فَوَجَبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَوْله تَعَالَى { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ } إلَى قَوْلِهِ { وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } وَعَدَ الْقَاعِدَ الْحُسْنَى وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَذُمَّ وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ يَغْزُو بَعْضُهُمْ وَيَقْعُدُ الْبَعْضُ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا قَعَدُوا وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقَرَّرَ
عَلَيْهِ أَمْرُ الْجِهَادِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ مَأْمُورٌ بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى { فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وَقَالَ تَعَالَى { وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ } ثُمَّ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } ثُمَّ بِالْبِدَايَةِ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَفِي الْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ لِعَشْرٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَاصَرَةُ نَوْعٌ مِنْ الْقِتَالِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إنْ قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ كَفَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا أَثِمُوا بِتَرْكِهِ ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( كِتَاب السَّيْر ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنَاسُبُ الْحُدُودِ وَالسِّيَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِّ وَالْجِهَادِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا عَيْنِهِ ثُمَّ الْمَعْنَى الْمُحْسِنُ يَحْصُلُ فِيهِمَا جَمِيعًا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِفِعْلٍ آخَرَ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْحُدُودِ الزَّجْرُ عَنْ الْمَعَاصِي وَفِي الْجِهَادِ قَهْرُ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ قَدَّمْت الْحُدُودَ عَلَى السِّيَرِ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَالِبًا وَعَلَى الْخُصُوصِ كَمَا فِي حَدِّ الشُّرْبِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ فَتَقْدِيمُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى وَلِأَنَّ الْجِهَادَ زَجْرٌ عَنْ أَصْلِ الْمَعَاصِي وَهُوَ الْكُفْرُ وَالْحَدُّ زَجْرٌ عَنْ الْفِسْقِ فَتَرَقَّى مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى وَمَعْنَى السِّيَرِ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ وَالْمَغَازِي جَمْعُ الْمَغْزَاةِ مِنْ غَزَا يَغْزُو غَزْوًا وَغَزْوَةً وَغُزَاةً وَمَغْزَاةً إذَا قَصَدَ الْعَدُوَّ لِلْقِتَالِ وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قَالَ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ اسْتَزَدْته لَزَادَنِي } وَفِيهِ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ { قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شَعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ } وَفِيهِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } وَفِيهِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرَيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ا هـ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ابْتِدَاءً ) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ امْتَنَعُوا عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ وَكَذَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُنَا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَنَا عُمُومُ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } ) أَيْ وَقَوْلُهُ { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } وقَوْله تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ } وقَوْله تَعَالَى { فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ } ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) التِّلَاوَةُ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي جَعْلِهِ فَرْضُ عَيْنٍ حَرَجًا عَظِيمًا حَيْثُ تَتَعَطَّلُ أُمُورُ النَّاسِ زِرَاعَةً وَتِجَارَةً إذَا خَرَجُوا جَمِيعًا إلَى الْجِهَادِ وَالْحَرَجُ مُنْتَفٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى { فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } وَقَوْلُهُ { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } ا هـ ( قَوْلُهُ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَصَارَتْ حُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَنْسُوخَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَفِي الْإِيضَاحِ وَحُرْمَةُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } ا هـ .
دِرَايَةٌ
( وَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ } الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ حِينَ اهْتَمُّوا بِالْخُرُوجِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخَلُّفِ وَلِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ فَلَا يُؤْتَى بِهِ إلَى الْمَهْلَكَةِ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مَشْغُولَانِ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِمَا وَغِنَى الشَّرْعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ دِيوَانِ الْأَدَبِ الْمُقْعَدُ الْأَعْرَجُ ا هـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ هُوَ الزَّمِنُ ا هـ .
( وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ لِأَنَّ بِغَيْرِهِمْ كِفَايَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِمَا وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ وَفِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ فِيهِ خَطَرٌ لِأَنَّ الْإِشْفَاقَ عَلَيْهِ يَضُرُّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّعْهُمَا وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِثْلُهُمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا وَكَذَا الْمَدِينُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ الدَّائِنِ إلَّا فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } أَيْ اُخْرُجُوا إلَى الْجِهَادِ شَبَابًا وَشُيُوخًا أَوْ رُكْبَانًا وَمُشَاةً أَوْ فُقَرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ خِفَافًا شَبَابًا أَغْنِيَاءً وَثِقَالًا شُيُوخًا فُقَرَاءَ وَهَذَا أَبْلَغُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْجِهَادُ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ فَقَوْلُهُ فِي سَعَةٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ لَا تَجِبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بَلْ الِاسْتِعْدَادُ لَهُ كَافٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهِمْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقِتَالِ فَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ وَهُوَ النَّفِيرُ الْعَامُّ لِأَنَّ الْمَقْصُود حِينَئِذٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِمْ مُبَاشَرَتُهُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ عَاجِزِينَ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ أَوْ قَادِرِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا
يُجَاهِدُونَ لِكَسَلٍ بِهِمْ أَوْ تَهَاوُنٍ اُفْتُرِضَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ مَنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ حَتَّى يُفْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَجْهِيزُهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مِنْ بَابِ طَلَبَ يُقَالُ هَجَمَ عَلَيْهِ حَمَلَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْوَلَدُ يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ بَعْدَ أَنَّ رَقَّمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَخْرُجُ الرَّجُلُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ وَهُمَا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَاهُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةٌ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ وَجَدَّتَانِ فَإِنْ أَذِنَ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ أَبَا الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَأُمَّ الْأُمِّ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَبَوَانِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ فَكَذَا هُنَا هَذَا إذَا كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ الْجِهَادِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُهُ كَالتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ السَّفَرَيْنِ إبْطَالُ حَقِّهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ هَلَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ مِثْلَ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ لَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ثُمَّ إنَّمَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لِلتِّجَارَةِ إذَا كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ عَنْ خِدْمَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ فَلَا ا هـ ( قَوْلُهُ { انْفِرُوا } ) يُقَالُ نَفَرَ إلَى الْغَزْوِ نَفْرًا وَنَفِيرًا أَيْ خَرَجَ فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى { انْفِرُوا } عَامٌّ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ فَكَيْفَ خَصَّ بِالتَّنْفِيرِ الْعَامِّ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَخَصَّصَ بِالتَّنْفِيرِ الْعَامِّ لَوَقَعَ النَّاسُ فِي حَرَجٍ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّنْفِيرَ خِفَافًا وَثِقَالًا فِيمَا إذَا كَانَ التَّنْفِيرُ عَامًّا بِأَنْ لَا يَنْدَفِعَ شَرُّ الْأَعْدَاءِ بِالْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَى الْكُلِّ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَهْرُ الْكُفَّارِ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } قَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَفْسِيرِهِ يُرْوَى أَنَّ { ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ أَعَلَيَّ أَنْ أَنْفِرَ فَقَالَ لَا } ( قَوْلُهُ أَوْ فُقَرَاءَ وَأَغْنِيَاءَ ) أَيْ أَوْ مَهَازِيلَ وَسِمَانًا أَوْ صِحَاحًا وَمَرْضَى ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبَعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ ) أَيْ فَفِي حَقِّهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِمْ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ) أَيْ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ بَعُدَ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ يُضَيِّعُونَهُ أَوْ عَاجِزُونَ عَنْ إقَامَةِ أَسْبَابِهِ ا هـ كَاكِيٌّ
( وَكُرِهَ الْجُعْلُ إنْ وُجِدَ فَيْءٌ ) وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَضْرِبَ الْإِمَامُ الْجُعْلَ عَلَى النَّاسِ لِلَّذِينَ يَخْرُجُونَ إلَى الْجِهَادِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ عَلَى الطَّاعَةِ فَحَقِيقَتُهُ حَرَامٌ فَيُكْرَهُ مَا أَشْبَهَهُ وَلِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِلَّا لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْجِهَادِ مَاسَةٌ وَفِيهِ تَحَمُّلُ الضَّرَرِ الْأَدْنَى لِدَفْعِ الْأَعْلَى وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُغَزِّي الْعَزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ وَقِيلَ يُكْرَهُ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَجِهَادٌ مِنْ الْبَعْضِ بِالْمَالِ وَمِنْ الْبَعْضِ بِالنَّفْسِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ بِأَحَدِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } وَقَوْلُهُ { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا } وَأَطْلَقَ الْإِبَاحَةَ فِي الْيَسِيرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ يَغْزُو بِأَجْرٍ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا لِنَفْسِهَا وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَكَانَتْ تَأْخُذُ مِنْ فِرْعَوْنَ دِينَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ الْجُعَلُ ) الْجُعْلُ مَا جُعِلَ مِنْ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ لِلْغُزَاةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّقَوِّي لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَرْبِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِدَفْعِ الْأَعْلَى ) أَيْ الضَّرَرِ الْأَعْلَى شَرُّ الْكَفَرَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ يُغْزِي ) يُقَالُ أَغْزَى الْأَمِيرُ الْجَيْشَ إذَا بَعَثَهُ إلَى الْعَدُوِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ الْعَزَبِ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْعَزَبِ بِالتَّحْرِيكِ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ وَلَا يُقَالُ أَعْزَبُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ الْأَيِّمُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْأَعْزَبِ مِنْ الرِّجَالِ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ عَزَبٌ أَيْضًا أَنْشَدَ الْجَرْمِيِّ يَا مَنْ يَدُلُّ عَزَبًا عَلَى عَزَبٍ انْتَهَى وَفِي الْمِصْبَاحِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَعْزَبُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَزْهَرِيِّ أَنْ يُقَالَ امْرَأَةٌ عَزْبَاءُ مِثْلُ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيُعْطِي الشَّاخِصَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّاخِصُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ شَخَصَ مِنْ مَكَان إذَا سَارَ فِي ارْتِفَاعٍ فَإِذَا سَارَ فِي حُدُورٍ فَهُوَ هَابِطٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَشَخَصَ الرَّجُلُ بِبَصَرِهِ إذَا أَحَدَّ النَّظَرَ رَافِعًا طَرَفَهُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَكُونُ الشَّاخِصُ إلَّا كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ ا هـ .
( فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ نَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ { مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَطُّ إلَّا دَعَاهُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِفَرْوَةِ بْنِ الْمُسَيْكِ { لَا تُقَاتِلُهُمْ حَتَّى تَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ ) أَيْ فَإِنْ أَسْلَمُوا كَفَفْنَا عَنْ قِتَالِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ } وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْمِنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي الْحَدِيثِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ الشِّرْكَ فَإِذَا وَحَّدُوا عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ إلَّا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا إلَى الْجِزْيَةِ أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْإِسْلَامَ نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَمَرَهُ بِهِ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُ آخِرُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فَوَجَبَتْ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ كَمَا تَجِبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَأَمَّا مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا نَدْعُوهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ قَالَ تَعَالَى { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } قَالَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا ) أَيْ إنْ قَبِلُوا أَدَاءَ الْجِزْيَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَمُرَادُهُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ تَحْصُلُ لَهُمْ قَبْلَ أَدَائِهَا بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ إلَخْ ) لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ عَلَى تَقْدِيرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ وَعَلَى مَنْ لَا يَجِبُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ نَدْعُوهُمْ إلَخْ ) أَمَّا الْأَمْرُ بِالدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَإِذَا بَلَغَتْهُمْ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ أَنَّ { نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ } وَالْأَفْضَلُ تَكْرَارُ الدَّعْوَةِ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ إنْ أَجَابُوا إلَى الْإِسْلَامِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجِهَادِ إسْلَامُهُمْ وَقَدْ حَصَلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسَيَجِيءُ جَمِيعُ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ ) أَيْ أَنَّ السَّيْفَ ا هـ ( قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ إلَيْهِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْ الذَّرَارِيّ وَسَلْبِ الْأَمْوَالِ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلَا قِتَالٍ وَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ يَأْثَمُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يَغْرَمُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِالدِّينِ أَوْ الْإِحْرَازِ بِالدِّيَارِ فَصَارَ كَقَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُونَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ ) أَيْ نَدْعُو اسْتِحْبَابًا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ { بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ نَائِمٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ قَالُوا تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ عَلَى الْقِتَالِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ لَمْ يَنْتَشِرْ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يَسْتَفِضْ وَأَمَّا بَعْدَ مَا انْتَشَرَ وَاسْتَفَاضَ وَعَرَفَ كُلُّ مُشْرِكٍ إلَى مَاذَا يُدْعَى يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَيَقُومُ ظُهُورُ الدَّعْوَةِ وَشُيُوعُهَا مَقَامَ دَعْوَةِ كُلِّ مُشْرِكٍ وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ قَالَ كَتَبْت إلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ { أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمئِذٍ جَوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ حَتَّى حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ { كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يَغُرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالْإِغَارَةُ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ فَمَا ظَنُّك فِي زَمَانِنَا وَقَدْ اشْتَهَرَ وَبَلَغَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ فَلَا تَجِبُ الدَّعْوَةُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِالْعِنَادِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ اشْتَغَلُوا بِالدَّعْوَةِ رُبَّمَا يَتَحَصَّنُونَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَقَتْلِ مَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْهُمْ ) أَيْ كَالنِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَهُمْ غَارُّونَ ) أَيْ غَافِلُونَ وَالْغُرَّةُ الْغَفْلَةُ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ إلَخْ ) أَغَارُ عَلَى الْعَدُوِّ هَجَمَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ وَأَوْقَعَ بِهِمْ ا هـ مِصْبَاحٌ
( وَإِلَّا نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَنُحَارِبُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرْقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ ) أَيْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَنُحَارِبُهُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِكُلٍّ مِمَّنْ فِيهِ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُولُ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ عَلَى أَعْدَائِهِ فَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَيُقَاتِلُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ وَأَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُوَيْرَةَ وَكَانَ فِيهَا نَخْلٌ } حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ ، بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ وَصَحَّ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَطَعَ النَّخْلَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ } } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ إلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ وَكَبْتِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ } وَقَوْلُهُ : وَرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا وَنَقْصِدُهُمْ يَعْنِي نُحَارِبُهُمْ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَنَقْصِدُهُمْ بِالرَّمْيِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا عُلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يُتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ
لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَتَرْكُ قَتْلِ الْكَافِرِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَقْتُلَ الْأَسَارَى لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مُرَاعَاةَ جَانِبِ الْمُسْلِمِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّ حُصُونَهُمْ وَمَدَائِنَهُمْ لَا تَخْلُو عَنْ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ خَاصٍّ فَكَانَ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ لَنَا قَتْلُهُمْ كَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَالرُّهْبَانِ وَالشُّيُوخِ وَنَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ بِالنِّيَّةِ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلًا وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَيَجِبُ مُوجِبُهُ وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَلَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ كَتَعْزِيرِ الْإِمَامِ وَحَدِّهِ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفِصَادِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ حَتَّى كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَخْذًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِخِلَافِ الْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ وَضَرْبِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَوْ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ كَانَ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ وَإِنْ تَتَرَّسُوا ) يُقَالُ تَتَرَّسَ بِالتُّرْسِ إذَا تَوَقَّى بِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ مُسْتَطِيرُ ) الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ يَتْلَفُ بِذَلِكَ لَا يَحِلُّ ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ ) فَإِنْ قُلْت يَرُدُّ عَلَيْكُمْ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ } أَيْ مُهْدَرٌ قُلْت لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ فَيَخُصُّ التَّنَازُعَ بِمَا قُلْنَاهُ ا هـ أَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ مُوجِبُهُ ) وَلَنَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْمَرْمِيِّ وَلَا خَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَلَا تُجَامِعُهُ الْغَرَامَةُ ) أَيْ وَلِأَنَّ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ سَدُّ ، بَابِ الْجِهَادِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا أَنَّ فِيهِ ضَمَانًا يَمْتَنِعُونَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ الضَّمَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ ) أَيْ بَلْ إذَا صَبَرَ حَتَّى مَاتَ كَانَ مُثَابًا ا هـ كَيْ
( وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سُرِّيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضٍ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ } وَقِيلَ قَارِئُ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ قَلِيلِينَ فَيُخَافُ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ حِينَ كَثُرَتْ الْمَصَاحِفُ وَالْقُرَّاءُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَحْوَطُ وَكَذَا فِيهِ تَعْرِيضُ الْمَرْأَةِ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضَائِحِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُهَا وَإِنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ وَالْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ عَظِيمًا فَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَجَائِزِ لِلْخِدْمَةِ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ وَأَمَّا الشَّوَابُّ مِنْهُنَّ فَقَرَارُهُنَّ فِي الْبَيْتِ أَسْلَمُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُخْرِجُوا النِّسَاءَ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ وَرُبَّمَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ فَاشْتَغَلُوا عَنْهُنَّ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الدَّفْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِخْرَاجِ لِلْمُبَاضَعَةِ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ فَإِنَّ حُكْمَ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ أَخَفُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْأَمَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَالْخِدْمَةُ يَحْصُلُ بِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَرَائِرِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا هُوَ الْخِيَانَةُ إلَّا أَنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ
خَاصَّةٌ ، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِثْلُهُ ، ) لِمَا رُوِيَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ { بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ سِيرُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَعْذِرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْهِيَّةِ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ وَهَذَا حَسَنٌ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي سَرِيَّةٍ ) السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ ( قَوْلُهُ يَخَافُ عَلَيْهَا ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهِمَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى وَفِي بَعْضِهَا بِالْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى السَّرِيَّةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَالْمَرْأَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ ) فِي الْمُحِيطِ هَذَا بَعْدَ الظُّفْرِ ، وَإِعْطَاءِ الْأَمَانِ أَمَّا قَبْلَ الْأَمَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا بِالْمُثْلَةِ قَبْلَ الظُّفْرِ ، أَوْ الْأَمَانِ ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُثْلَةٍ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَثَّلْت ، بِالْقَتِيلِ مَثَلًا ، مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ إذَا جَدَعْته وَظَهَرَ آثَارُ فِعْلِك عَلَيْهِ تَنْكِيلًا ، وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةً ، وَالْمُثْلَةُ وِزَانُ غَرْفَةٍ ، ا هـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَثَّلَ بِهِ مُثْلَةً وَذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ يُسَوِّدَ وَجْهَهُ ا هـ .
( وَقَتْلِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { انْطَلَقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً } الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مَعْصُومَ الدَّمِ لِيُمْكِنَهُ تَحَمُّلَ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ عَارِضٌ بِحِرَابِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ الْحِرَابُ فَبَقُوا عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ الْيُمْنَى وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الشَّيْخِ وَالْمُقْعَدِ وَالْأَعْمَى لِأَنَّ الْقَتْلَ عِنْدَهُ جَزَاءُ الْكُفْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ قُلْنَا الدُّنْيَا دَارُ التَّكْلِيفِ وَلَيْسَتْ بِدَارِ الْجَزَاءِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِي مُقَارَفَةِ بَعْضِ الْجِنَايَاتِ فِي الدُّنْيَا لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُ الْعِبَادِ لِأَنَّ السُّفَهَاءَ لَا يَنْتَهُونَ بِمُجَرَّدِ الْوَعِيدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا ) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَإِزَالَةَ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَكَانَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ ابْنُ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَهُوَ أَعْمَى فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَتْلُ شُيُوخِهِمْ أَوْلَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ كَانَ مَلِكًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا قَاتَلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَا دَامَ يُقَاتِلُ وَغَيْرُهُمَا لَا بَأْسَ
بِقَتْلِهِ بَعْدَ الْأَسْرِ إذَا كَانَ قَدْ قَاتَلَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ فَيُقْتَلُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَيْخٍ فَانٍ ) فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَاحِ بِقَتْلٍ لِأَنَّهُ بِصِيَاحِهِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِحْبَالِ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ أَعْبَاءٌ ) الْعِبْءُ بِالْكَسْرِ الْحِمْلُ وَالْجَمْعُ الْأَعْبَاءُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الرُّهْبَانُ ) وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَلَا أَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ وَإِذَا خَالَطُوا يُقْتَلُونَ كَالْقِسِّيسِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ إنْ دَلَّ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ قُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ) أَيْ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانُوا اسْتَحْضَرُوهُ لِيُدَبِّرَ لَهُمْ ا هـ كَيْ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَوْمَ أَوْطَاسٍ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ قَتْلُ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَتْلُ صِبْيَانِهِمْ أَوْلَى ا هـ ( قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ مِلْكًا ) أَيْ الصَّغِيرُ لَلْكُفَّارِ ا هـ .
( وَقَتْلِ أَبٍ مُشْرِكٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَلَيْسَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا لَا فنائه قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلْيَأْبَ الِابْنُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ بَلْ يَمْتَنِعُ عَنْهُ حَتَّى يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ { لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِحَنْظَلَةَ حِين اسْتَأْذَنَهُ لِقَتْلِ أَبِيهِ دَعْهُ يَقْتُلُهُ غَيْرُك } وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ عَنْ نَفْسِهِ وَإِيثَارٌ لِحَيَاتِهِ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ بِالْقَتْلِ إذَا قَصَدَ الْأَبَ قَتْلَهُ فَالْكَافِرُ أَوْلَى وَكَذَا لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ حَيَاتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَلِلِابْنِ أَنْ يَشْرَبَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا وَلِهَذَا يُحْبَسُ الْأَبُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ دُونَ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْعِ النَّفَقَةِ قَصَدَ إتْلَافَهُ فَكَانَ الْحَبْسُ فِيهِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَمَعَ هَذَا لَوْ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَقَدْ قَالَ عُمَيْرُ بْنُ مَالِكٍ { قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيت أَبِي فِي الْعَدُوِّ فَسَمِعْت مِنْهُ مَقَالَةً لَك فَقَتَلْته فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ وَأَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ مِنْ قَبْلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَأَبَوَيْهِ حَتَّى لَا يَبْتَدِئَهُمْ بِالْقَتْلِ وَلَا يُكْرَهُ قَتْلُ أَخِيهِ وَخَالِهِ وَعَمِّهِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا
كَالْأُصُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ أَخِيهِ الْبَاغِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ ابْنِهِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الْمُحَارِبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ) وَفِي السَّيْرِ الْكَبِيرِ الْمُرَادُ الْأَبَوَانِ الْمُشْرِكَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي } ا هـ كَيْ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِيَأْبَ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ عَطَشًا ) رَجُلٌ وَابْنُهُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَفَازَةٍ وَمَعَهُمَا مِنْ الْمَاءِ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا مَنْ أَحَقُّ بِالْمَاءِ فَالِابْنُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ أَحَقُّ لَكَانَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَسْقِيَ أَبَاهُ وَمَتَى سَقَى أَبَاهُ مَاتَ مِنْ الْعَطَشِ فَيَكُونُ هَذَا إعَانَةً عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ شَرِبَ هُوَ لَمْ يُعِنْ الْأَبَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَصَارَ كَرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ وَأَخَّرَ قَتْلَ غَيْرِهِ فَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ إثْمًا ا هـ وَلْوَالِجِيٌّ فِي الْكَرَاهِيَةِ ا هـ
( وَيُصَالِحُهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ إنْ خُيِّرَا ) أَيْ يُصَالِحُ الْإِمَامُ أَهْلَ الْحَرْبِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ مَالُوا لِلصُّلْحِ وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمُوَاطَأَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِهَادِ دَفْعُ الشَّرِّ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرِيَّةُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْرٌ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوَا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ } وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ دَفْعُ شَرِّهِمْ كَانَ الصُّلْحُ تَرْكًا لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَالٍ أَيْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِغَيْرِ مَالٍ فَبِالْمَالِ أَوْلَى إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جِهَادٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَيْهِ حَاجَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ وَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الصُّلْحَ بِمَالٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَفِي الْخَبَرِ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَذِلَّ نَفْسَهُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ { وَأَرَادَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يَصْرِفَهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ كُلَّ سَنَةٍ فَقَالَ سَيِّدَا الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ هَذَا عَنْ وَحْيٍ فَامْضِ لِمَا أُمِرْت بِهِ وَإِنْ كَانَ رَأْيًا رَأَيْته فَقَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَلَا لَهُمْ دِينٌ فَكَانُوا لَا يُطْعَمُونَ مِنْ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ إلَّا شِرَاءً أَوْ قِرًى فَإِذَا أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ وَبَعَثَ فِينَا رَسُولٌ نُعْطِيهِمْ الدَّنِيَّةَ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنِّي رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَأَحْبَبْت أَنْ أَصْرِفَهُمْ عَنْكُمْ فَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ وَذَاكَ وَسُرَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا لَا نُعْطِيكُمْ إلَّا السَّيْفَ } وَمَيَلَانُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الِابْتِدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ جِهَادٌ مَعْنًى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُصَالِحُهُمْ إلَخْ ) تَرْجَمَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ هُنَا بِبَابِ الْمُوَادَعَةِ وَمَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ ا هـ وَقَالَ إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُصَالَحَةُ مُوَادَعَةً لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ وَالْوَدَعُ التَّرْكُ ا هـ مِنْ خَطِّهِ قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ ا هـ ( قَوْلُهُ الدَّنِيَّةُ ) أَيْ النَّقِيصَةُ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ) هُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ) هُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ا هـ .
( وَنَبَذَ لَوْ خَيْرًا ) مَعْنَاهُ لَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحُ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّقْضُ جِهَادًا صُورَةً وَمَعْنًى وَإِيفَاءُ الْعَهْدِ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَا بُدَّ مِنْ النَّبْذِ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } وَلِأَنَّ الْغَدْرَ بِهِ يَنْتَفِي فَكَانَ وَاجِبًا وَنَبَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَيَكُونُ النَّبْذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونُ النَّبْذُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا يَكْتَفِي بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ وَهُوَ عَلَى قِيَاسِ الْإِذْنِ بِالْحَجْرِ فَإِنَّ الْحَجْرَ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْإِذْنُ فِيهِ مِنْ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ ثُمَّ بَعْدَ النَّبْذِ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِمْ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَفِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ هَذَا إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً فَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يُنْبَذُ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى جُعْلٍ فَنَقَضَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِحِصَّتِهِ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْأَمَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمْ الْأَمَانُ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَنُقَاتِلُ بِلَا نَبْذٍ لَوْ خَانَ مَلِكُهُمْ ) لِأَنَّ النَّبْذَ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَقَدْ انْتَقَضَ بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمْ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَقْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَهُمْ مَنَعَةٌ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ
عَلَانِيَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ حَتَّى يَجُوزَ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَبَدُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فَيُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يُنْتَقَضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَبَذَا إلَيْهِمْ ) أَيْ بَعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ ا هـ .
( وَالْمُرْتَدِّينَ بِلَا مَالٍ ) أَيْ نُصَالِحُ الْمُرْتَدِّينَ بِلَا أَخْذِ مَالٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ الْقِتَالِ طَمَعًا فِيهِ إذَا كَانَ فِي التَّأْخِيرِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْمَالُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَرَكَ الْقِتَالَ بِالْمَالِ غَيْرَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مُؤَبَّدَةٌ وَهَذَا مُؤَقَّتٌ وَهُمْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فَكَذَا هَذَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ أَخَذَ لَمْ يَرُدَّ ) أَيْ إنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُمْ عَلَى الصُّلْحِ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ فَجَازَ أَخْذُهَا ابْتِدَاءً بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ الْمُوَادَعَةَ أُجِيبُوا إلَيْهَا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِ الْعَدْلِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ فَيَحْرُمُ وَكَذَا الْكُرَاعُ وَالْحَدِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَا بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ أَوْ الِانْقِضَاءِ وَكَذَا الرَّقِيقُ لِأَنَّهُمْ يَتَوَالَدُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْمِنُ مِنْهُمْ أَيْضًا أَنْ يَدْخُلَ بِهِ دَارَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ خَرَجَ هُوَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَإِنْ بَادَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا بِجِنْسِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ اشْتَرَى غَيْرَهُ يُمْنَعُ مُطْلَقًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الطَّعَامِ وَالْقُمَاشِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ
لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَتَهُمْ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ نَبِعْ سِلَاحًا مِنْهُمْ ) أَيْ وَلَا نَبْعَثُ التُّجَّارَ إلَيْهِمْ ا هـ ا ك ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْكُرَاعُ ) يَعْنِي الْخَيْلُ ا هـ ( قَوْلُهُ يَمِيرُ ) يُقَالُ مَارَ أَهْلَهُ أَيْ أَتَاهُمْ بِالطَّعَامِ ا هـ ا ك .
( وَلَمْ نَقْتُلْ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ ) لِأَنَّ أَمَانَ وَاحِدٍ حُرٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً صَحِيحٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ الذِّمَّةُ الْعُهْدَةُ وَأَدْنَاهُمْ أَيْ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الْعَهْدَ الْمُؤَبَّدَ وَالْمُؤَقَّتُ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ } أَيْ تُجِيرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَجَازَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ بِمَالِهِ مِنْ أَهْلِ مَنَعَةِ الْإِسْلَامِ فَيَخَافُونَهُ فَيَنْفُذُ أَمَانُهُ فِي حَقِّهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزِّي لِكَوْنِ سَبَبِهِ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَصَارَ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ الْقَتْلِ وَحُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَالِاسْتِغْنَامِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ فِي بَعْضِ شَخْصٍ دُونَ بَعْضِهِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ لَا يَثْبُتُ إلَّا كَامِلًا فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْكُلِّ فَيَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ حُرًّا لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ فَلَا يَخَافُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْأَمْنُ مِنْهُ حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ أَقَلُّهُمْ عَدَدًا ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ الْأَدْنَى بِالْأَقَلِّ احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ الْآتِي إذْ عِنْدَهُ الْمُرَادُ بِأَدْنَاهُمْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْعَبْدُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ ا هـ
( وَنَبَذَ لَوْ شَرًّا ) أَيْ نَبَذَ الْإِمَامُ أَمَانَ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ شَرًّا رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتِرَازًا عَنْ الْغَدْرِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ فَيُعْذَرُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَطَلَ أَمَانُ ذِمِّيٍّ ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ الْأَمَانِ أَيْضًا وَهُوَ الْإِيمَانُ إلَّا إذَا أَمَرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَيَجُوزُ أَمَانُهُ لِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِرَأْيِ الْمُسْلِمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَكُونُ مِنْ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَتَحَصَّنُوا بِأَمَانِهِ كُلَّمَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْفَتْحِ وَكَذَا أَمَانُ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّنَهُمْ لَا يَصْلُحُ أَمَانُهُ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِمَنَعَتِهِمْ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أَمَّنَهُمْ مَنْ يُقَاوِمُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَّنَ عِشْرِينَ أَوْ نَحْوَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ مَقْهُورًا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُمْ لَكِنَّهُ قَاهِرٌ مُمْتَنِعٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ إذْ هُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ قَاهِرًا لَهُمْ حُكْمًا بِخِلَافِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُمْ مُمْتَنِعُونَ فَلَا يَكُونُونَ فِي قَهْرِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوْ دَخَلُوا دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ كَانُوا فَيْئًا وَلَوْ دَخَلَ جُنْدٌ
عَظِيمٌ مِنْهُمْ فَقَاتَلَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَهَرُوهُمْ كَانُوا لَهُمْ خَاصَّةً لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِمْ مَقْهُورِينَ بِحُصُولِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَخْرَجَهُمْ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ بِشَوْكَتِهِمْ إذَا كَانُوا جُنْدًا عَظِيمًا وَإِلَّا فَبِالْأَمَانِ فَلَا يَجُوزُ غَدْرُهُمْ( قَوْلُهُ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَاحِدٌ ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ وَاحِدَةٍ ا هـ قَوْلُهُ كَمَنْ ) فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِالْكَافِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي الْكَافِي بِاللَّامِ ا هـ
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَبْدٍ مَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَمَانُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ } أَيْ أَدْنَاهُمْ حَالًا وَهُوَ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَهْلٌ لِلْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْأَمَانِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ تَأْثِيرُهُ فِي دَفْعِ الْمَانِعِ لَا فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ وَأَهْلِيَّةُ هَذَا التَّصَرُّفِ بِالْإِيمَانِ وَالِامْتِنَاعِ وَلِهَذَا لَوْ عَقَدَ مَعَهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ جَازَ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لِلتَّأْبِيدِ فَيُمْكِنُ نَقْضُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَلَلِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا تَعْطِيلَ فِي الْكَلَامِ الْمُجَرَّدِ بَلْ فِيهِ نَفْعٌ يَعُودُ إلَى الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَمَانَ جِهَادٌ مَعْنًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْهُ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَنْ الْأَمَانِ بِالضَّرُورَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إزَالَةُ الْخَوْفِ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِتَالَ لَا يَخَافُونَهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَمَانُهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ جِهَادٍ فَلَا يَعْمَلُهُ إلَّا مَنْ يُبَاشِرُهُ فَيُخْطِئُ ظَاهِرًا فَيُمْنَعُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ عَلَيْهِمْ بَابُ الْفَتْحِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالْقِتَالِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِوُجُوهِ الْقِتَالِ وَيَخَافُونَهُ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ بِمَالِهَا وَكَذَا بِنَفْسِهَا حَتَّى تَخْرُجَ لِتَعْمَلَ عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا وَذَلِكَ جِهَادٌ مِنْهَا
فَيَحْصُلُ الْخَوْفُ مِنْهَا وَبِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ فَيَكُونُ نَفْعُهُ ظَاهِرًا وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ طَلَبِهِمْ ذَلِكَ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ مَحْضٌ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَمَّنَّ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْجُنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَمُخْتَلِطُ الْعَقْلِ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَصِفُهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ فِيمَا ذَكَرْنَا
( بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً قَسَّمَ بَيْنَنَا أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ ) يَعْنِي إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً قَهْرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهمْ الْخَرَاجَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَيَانًا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ مَا فَتَحْتُ عَلَى قَرْيَةٍ إلَّا قَسَمْتهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِتَكُونَ عُدَّةً لِلنَّوَائِبِ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ وَأَمَّا الْمَنْقُولُ وَحْدَهُ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الشَّرْعُ وَلِأَنَّهُ يَدُومُ بَلْ يَنْقَطِعُ وَالْجَوَازُ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ نَظَرًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالرِّقَابِ وَحْدَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِيِ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِالزِّرَاعَةِ عَنْ الْجِهَادِ ثُمَّ إذَا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرَكَ لَهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي الْبَابِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِالزِّرَاعَةِ وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الزِّرَاعَةِ إلَّا بِآلَتِهَا فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ
يُكَلِّفَهُمْ بِهَا بِدُونِ الْآلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَرَاضِيِ بَلْ يَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مُلْكِهِمْ أَوْ حَقِّهِمْ عَنَّا إلَّا بِبَدَلٍ يُعَدُّ لَهُ وَالْخَرَاجُ لَا يُعَدُّ لَهُ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَنِّ عَلَى الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِالْقَتْلِ أَصْلًا فَبِالْعِوَضِ الْقَلِيلِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ حُرٌّ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِمَشِيئَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْأَسْرِ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً وَمَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَانْطَلَقَا وَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إلَّا قَتَلَهُ فَقَالَ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ كُلُّ ذَلِكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ رَجُلًا فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَ فَتَحَهَا بِالصُّلْحِ لَحَصَلَ الْأَمَانُ بِذَلِكَ لَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ الْعَامِلَةِ لَهُمْ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ وَالْمُؤَنُ مُرْتَفِعَةٌ عَنْهُمْ وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ فِي الْحَالِ فَهُوَ أَكْثَرُ فِي الْمَآلِ فَالْقَلِيلُ الدَّائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتُهَا ) إنَّمَا ذَكَرَ الْغَنَائِمَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا حَاصَرَ الْكُفَّارَ إمَّا أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَيَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ فَكَانَتْ الْغَنِيمَةُ وَقِسْمَتُهَا أَحَدَ مَا يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ ثُمَّ الْغَنِيمَةُ اسْمٌ لِمَالٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْكَفَرَةِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَفِي الْغَنِيمَةِ خُمُسٌ دُونَ الْفَيْءِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ لُغَةً لِأَنَّ الْعَنْوَةَ مِنْ عَنَا يَعْنُو إذَا ذُلَّ وَخَضَعَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْقَهْرَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْقَهْرَ يَسْتَلْزِمُ الذُّلَّ وَذِكْرُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ كِنَايَةٌ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَنْوَةَ بِالْقَهْرِ وَهُوَ ضِدُّهُ لِأَنَّهُ مِنْ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً وَعِنْوًا إذَا ذَلَّ وَخَضَعَ وَمِنْهُ { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتَحَ بَلْدَةً حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ أَيْ ذُلٍّ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهَرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعُ الْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ عَلَى أَنْ يُرَادَ مَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا الْمَجَازِ لَكِنْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْجُودِ كَانَ مَجَازًا مِنْ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ اشْتَهَرَ فَإِنَّ ( عَنْوَةً ) اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ نَفْسُهُ تَعْرِيفًا ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ) أَيْ مَعَ
رُءُوسِ أَهْلِهَا اسْتِرْقَاقًا وَأَمْوَالَهُمْ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا ) أَيْ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَرَاضِي مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَجَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ) مِثْلَ بِلَالٍ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ا هـ ( قَوْلُهُ بَبَّانَا ) الْبَبَّانِ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ وَنُونٍ أَيْ أَتْرُكُهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ الْبِلَادَ الْمَفْتُوحَةَ عَلَى الْغَانِمِينَ بَقِيَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْغَنِيمَةَ وَمَنْ يَجِيءُ بَعْدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا فَلِذَلِكَ تَرَكَهَا لِتَكُونَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا ا هـ نِهَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِيهِ ا هـ ( قَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ ) أَيْ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَرَاضِيِ ) أَيْ فِي الْمَفْتُوحِ قَهْرًا وَالْمَنُّ بِالْمَنْقُولِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ ) أَيْ عِنْدَهُ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ حَقُّهُمْ عَنْهَا ) أَيْ عِنْدَنَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَأَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَأَجَرَتْ أُمُّ هَانِئٍ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ ) جَمْعُ أَكَارٍ وَهُمْ الْفَلَّاحُونَ ا هـ .
( وَقَتَلَ الْأَسْرَى أَوْ اسْتَرَقَّ أَوْ تَرَكَ أَحْرَارًا ذِمَّةٌ لَنَا ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ فِي الْأَسَارَى إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ كَمَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُ قَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَاسْتَرَقَّ ذَرَارِيَّهُمْ وَفِيهِ حَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ تَوْفِيرَ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَرُّهُمْ قَدْ انْدَفَعَ بِذَلِكَ مَعَ تَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِرْقَاقِ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَوْ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ تَقْوِيَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَوْدُهُمْ حَرْبًا عَلَيْهِمْ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ خَيْرٌ مِنْ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْنَا وَتَقْوِيَتُهُمْ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا فَيَحْرُمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَادِيَ بِهِمْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَاجِبٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِ قَتْلِ أَسْرَى الْكُفَّارِ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِدُونِ هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَضَعَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَنْفَعَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِرْقَاقِهِمْ أَوْ جَعْلِهِمْ ذِمَّةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَذُكِرَ فِي
السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِدُونِ رِضَاهُ بِعِوَضٍ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَلَا يُمْنَعُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ لَا يُفَادِي بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إلَّا إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مُفَادَاةٌ بِالْمَالِ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا مُفَادَاةُ أَسَرَاهُمْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ تَجُوزُ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } وَأَخَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمَالَ فِدَاءً عَنْ أَنْفُسِهِمْ قُلْنَا نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِآيَةِ السَّيْفِ لِأَنَّ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَآيَةُ السَّيْفِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَعُوتِبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْأَخْذِ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ } الْآيَةَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا إلَّا عُمَرُ وَكَانَ قَدْ قَالَ بِقَتْلِهِمْ دُونَ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ ) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الرِّقَابِ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَجَعْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْجِزْيَةِ لَكِنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِذَا أَسْلَمُوا فَلَا قَتْلَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِرْقَاقُ لِأَنَّهُ صَارَ أَوْلَى النَّاسِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْأَخْذُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنُّ ) أَيْ بِأَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْقَاقٍ وَلَا ذِمَّةٍ وَلَا قَتْلٍ ا هـ كَيْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى الْإِمَامَ ذَلِكَ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ ) أَيْ وَهُوَ يَتَلَافَى حَقَّهُ فَقَطْ وَالضَّرَرُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إلَيْهِمْ يَعُودُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُفَادِي بِهِمْ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ إلَّا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِنَّ عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ أَحْمَدُ الْمُفَادَاةَ بِصِبْيَانِهِمْ ا هـ ( قَوْله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ ) أَيْ الْفِدَاءُ ا هـ ( قَوْلُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا ) أَيْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ ) أَيْ بِمَالٍ
يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ا هـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ فَهَلْ تَجُوزُ فَالْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجُوزُ كَيْ لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَيْنَا يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ نَزَلَ الْعَذَابُ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُشِيرُ بِالْقَتْلِ وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إخْرَاجُهُمْ } فَدَلَّ أَنَّهُ حَرَامٌ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ لِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَى أَسَارَى بَدْرٍ بِمَالٍ أَخَذَهُ } وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ مَعَ نُزُولِ الْآيَةِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُفَادَاةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيُفَادِي أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قُوَّةٌ لِلْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُفَادِي بِالسِّلَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ ) أَيْ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ ا هـ كَافِي قَوْلُهُ { وَأَخَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمَالَ فِدَاءً } ) أَيْ فَإِنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَادَى أَسَارَى بَدْرٍ بِالْمَالِ وَالْفِدَاءُ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ } ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ قُلْنَا نُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِآيَةِ السَّيْفِ ) قَالَ تَعَالَى { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ } إلَى قَوْلِهِ { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ( قَوْلُهُ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ ) أَيْ فِي هَذَا الشَّأْنِ ا هـ فَتْحٌ
( وَعَقْرُ مَوَاشٍ شَقَّ إخْرَاجُهَا فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ ) يَعْنِي يَحْرُمُ عَقْرُ الْمَوَاشِي فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تُتْرَكُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْأَنْعَامِ جَائِزٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحَّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقِ الْغَيْظِ بِهِمْ ثُمَّ تُحْرَقُ كَيْ لَا يَنْتَفِعُوا بِاللَّحْمِ كَمَا تُخَرَّبُ بُيُوتُهُمْ وَتُقَطَّعُ أَشْجَارُهُمْ وَتُقْلَعُ زُرُوعُهُمْ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا تُعْقَرُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَكَان لَا يَقِفُونَ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَنْتَفِعُوا بِهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ نَقْلُ السَّبْيِ يُقْتَلُ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَتُخْلَى الذَّرَارِيُّ فِي مَضْيَعَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جَوْعًا وَعَطَشًا كَيْ لَا يَعُودَ ضَرَرُهُمْ عَلَيْنَا بِالتَّوَالُدِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَقْرُ مَوَاشٍ ) الْمَوَاشِي جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى الْأَكْلِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْمَأْكَلَةُ مَصْدَرٌ كَالْأَكْلِ ا هـ كَيْ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ) أَيْ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَتُخْلَى الذَّرَارِيُّ فِي مَضْيَعَةٍ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ تُتْرَكُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ أَيْ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ ثُمَّ قَدْ صَارُوا أَسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَقَدْ { أَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَسْرَى خَيْرًا } ا هـ .
( وَقِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِهِمْ لَا لِلْإِيدَاعِ ) أَيْ حَرُمَ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ الْإِيدَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ مِنْهَا إذَا لَحِقَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَلَا يُشَارِكُونَهُمْ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يُشَارِكُونَهُمْ وَمِنْهَا أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَأَعَادَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ لِفَقْدِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَتُقَسَّمُ الْأَمَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِهِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَنَا لَا وَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ يُورَثُ نَصِيبُهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ وَمِنْهَا مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَضْمَنُ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ وَلَا لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ لَهُ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ فِيهَا وَغَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِيهَا } وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ قَدْ تَمَّ وَهُوَ الِاسْتِيلَاء عَلَى مُبَاح فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ مُوجِبه كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَاب وَلَنَا أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْع الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب } وَالْقِسْمَة فِيهَا مَعْنَى الْبَيْع لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُبَادَلَة مَعْنَى وَالْبَيْع أَيْضًا عَلَى الْخِلَاف فَيَكُون حُجَّة عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي الْقِسْمَة دَلَالَة وَلِأَنَّ فِيهِ قَطَعَ حَقّ الْمَدَد فَلَا يَشْرَع كَيْلًا يَتَقَاعَدُوا عَنْ الْغَوْث وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاء يَكُون بِإِثْبَاتِ الْيَد وَالنَّقْل وَلَمْ يُوجَد النَّقْل لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذ
ظَاهِرًا إذْ الْقُوَّة لَهُمْ فِي دَارهمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَسَمَ قَبْل الْهَزِيمَة أَوْ قَبْل اسْتِقْرَارهَا وَمَا رُوِيَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَتْح تِلْكَ الْبِلَاد وَصَارَتْ دَار الْإِسْلَام وَلَا خِلَاف فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِيمَا إذَا لَمْ تَصِرْ دَار الْإِسْلَام ثُمَّ هِيَ لَا تَجُوز عِنْدهمَا وَعِنْد مُحَمَّدٍ تَكْرَه كَرَاهِيَة تَنْزِيه وَعِنْد الشَّافِعِيِّ لَا تَكْرَه فَتَتَرَتَّب الْأَحْكَام عَلَيْهَا عِنْدهمَا وَعِنْدنَا لَا تَتَرَتَّب وَقِيلَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ فَصْل مُجْتَهِد فِيهِ وَقَدْ أَمْضَاهُ وَقِيلَ إذَا قَسَمَ عَنْ اجْتِهَاد جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَسَمَ لَا عَنْ اجْتِهَاد فَهُوَ مَوْضِع الْخِلَاف وَقَوْله لَا لِلْإِيدَاعِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقِسْمَة لِلْإِيدَاعِ جَائِزَة وَصُورَتهَا أَنْ لَا يَكُون لِلْإِمَامِ مِنْ بَيْت الْمَال حَمُولَةٌ يَحْمِل عَلَيْهَا الْغَنَائِم فَيَقْسِمهَا بَيْن الْغَانِمِينَ قِسْمَة إيدَاعٍ لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَار الْإِسْلَام ثُمَّ يَرْتَجِعهَا مِنْهُمْ فِيهَا فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْمِلُوهَا أَجْبُرهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْل فِي رِوَايَة السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفَعَ ضَرَر عَام بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ خَاصّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّة شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّة فِي الْمَفَازَة أَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَة فَمَضَتْ الْمُدَّة فِي وَسَط الْبَحْر فَإِنَّهُ يَنْعَقِد إلَيْهَا إجَارَة أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْل وَلَا يَجْبُرهُمْ فِي رِوَايَة السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَر عَلَى عَقَدَ الْإِجَارَة ابْتِدَاء كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّته فِي الْمَفَازَة وَمَعَ رَفِيقه دَابَّة لَا يُجْبَر عَلَى الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ فَإِنَّهُ بِنَاء وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ وَهُوَ أَسْهَلَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْت الْمَال أَوْ فِي الْغَنِيمَة حُمُولَة حَمَلَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْكُلّ مَالهمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَسْمِ حَيْثُمَا كَانَتْ أَوْ بِاخْتِيَارِ الْغَانِمِ التَّمَلُّكَ وَلَيْسَ هُوَ قَائِلًا إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ بِالْهَزِيمَةِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَسْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِلْكُ أَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يُعْتَقُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَالِكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ وَتَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا ا هـ ( قَوْلُهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَهُ ) أَيْ لَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَبِالْهَزِيمَةِ ثَبَتَ لِكُلٍّ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَإِنْ سَلَّمَتْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَخَذَهَا وَإِلَّا أَخَذَهَا وَكَمَّلَ مِنْ مَالِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْحَمْلِ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَنَا وَلَوْ تَأَكَّدَ الْحَقُّ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ بِخِلَافِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ فَيَمْتَلِكُهَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِيلَادِ وَلَيْسَ لَهُ هُنَا تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ بِدُونِ رَأْي الْإِمَامِ نَعَمْ لَوْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ قَالَ وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَوْلَى لَا يُؤَقَّتُ وَيُجْعَلُ مَوْكُولًا إلَّا اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْعُقْرُ ) أَيْ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا جَوَازُ بَيْعِهِ ) أَيْ بَيْعُ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ ) أَيْ مِنْ الْغُزَاةِ أَوْ قُتِلَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ) أَيْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَضْمَنُ ا هـ قَوْلُهُ وَغَنَائِمُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ) أَيْ وَأَوْطَاسَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي تَجْوِيزِهِ الْبَيْعَ ثَمَّةَ ا هـ ( قَوْلُهُ حُمُولَةً ) بِفَتْحِ الْحَاءِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَغَيْرِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ أَجْبُرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ) أَيْ وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجْبُرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ إنْ خَافَ تَفَرُّقَهُمْ لَوْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ يَفْعَلُ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَسَمَهَا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ إسْقَاطُ الْإِكْرَاءِ وَإِسْقَاطُ الْأُجْرَةِ ا هـ .
( وَبَيْعُهَا قَبْلَهَا ) أَيْ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبْتَاعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقَسَّمَ وَلَا أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ وَلَا أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِهَا نَصِيبُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَشَرَكَ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ فِيهَا ) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ أَمَّا الرِّدْءُ فَلِتَحَقُّقِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ وَهِيَ السَّبَبُ عِنْدَنَا لَا حَقِيقَةَ الْقِتَالِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شُهُودُ الْوَقْعَةِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَأَمَّا الْمَدَدُ فَلِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُوَ الْقَهْرُ وَتَمَامُ الْقَهْرِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَقَدْ شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ بِالْمَدَدِ يَنْقَطِعُ طَمَعُهُمْ فِي الِاسْتِنْقَاذِ وَفِيهِ تَحْرِيضُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِمْدَادِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى قَهْرِ الْعَدُوِّ وَالتَّلَاحُقِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } وَفِي عَكْسِهِ عَكْسُهُ مِنْ التَّقَاعُدِ وَعَدَمِ التَّنَاصُرِ فَيُؤَدِّي إلَى خِذْلَانِهِمْ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ إذَا لَحِقُوهُمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَتَقَرُّرِ الْهَزِيمَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَاسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَعِنْدَنَا تُمْلَكُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ فِيهَا صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْإِحْرَازِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ الْخَاصُّ أَوْ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ جَوَازَهُ يَعْتَمِدُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ
بِاسْتِقْرَارِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ حَرُمَ بَيْعُ الْغَنَائِمِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاءِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا ا هـ ( قَوْلُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرَك الرِّدْءَ ) أَيْ وَهُوَ الْمُعِينُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالرِّدْءُ وَالْمُقَاتِلُ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا أَمِيرُ الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدٌ عَنْ آخَرَ بِشَيْءٍ وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالْقِسْمَةِ ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالْبَيْعِ ) أَيْ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ ا هـ .
( لَا السُّوقِيُّ بِلَا قِتَالٍ ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلَ سُوقِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يُسْهَمُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ } وَلِأَنَّ الْجِهَادَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَعْنًى بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ فَصَارُوا كَالْمُقَاتِلِينَ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا التِّجَارَةَ لَا إعْزَازَ الدِّينِ وَإِرْهَابَ الْعَدُوِّ فَإِنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْقِتَالُ وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ إذَا تَجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَهَا عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ سُوقِ الْعَسْكَرِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ) أَيْ لَا سَهْمَ وَلَا رَضْخَ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ) الْوَقْعَةُ هِيَ الْقِتَالُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُجْمَلِ الْوَاقِعَةُ صَدْمَةُ الْحَرْبِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالْآخَرُ يُسْهَمُ لَهُمْ ا هـ فَتْحٌ
( وَلَا مَنْ مَاتَ فِيهَا وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يُورَثُ نَصِيبُهُ ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَمُرَادُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الْغَنِيمَةُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُورَثُ إذَا مَاتَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَمْرٍو { إنَّ جَيْشًا غَنِمُوا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا وَعَسَلًا فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُمْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ { أَصَبْت جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْته فَقُلْت لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَبَسِّمًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا أَقْوَى حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِرَدِّهِ فِي الْغَنِيمَةِ وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ { أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيه ثُمَّ يَنْطَلِقُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُقَيِّدْ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ هُنَا بِالْحَاجَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَيَّدَهَا بِهَا فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يُبَحْ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ
وَوَجْهُ الْأُولَى إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ هُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَا يَكْفِيه مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ غَالِبًا فَلَوْ لَمْ يُبَحْ لَهُمْ التَّنَاوُلُ لَضَاقَ عَلَيْهِمْ الْأَمْرُ بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ غَالِبًا فَانْعِدَامُ دَلِيلِ الْحَاجَةِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ أَيْضًا فَتَعَلَّقَ الْإِطْلَاقُ بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ فِيهِمَا ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ مُهَيَّأً لَهُ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ ذَبْحُ الْمَوَاشِي مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْجَزُورِ وَيَرُدُّونَ جُلُودَهَا فِي الْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْجَزُورِ وَكَذَا أَكْلُ الْحُبُوبِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ وَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَكُلِّ شَيْءٍ هُوَ مَأْكُولٌ عَادَةً وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ أَوْ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ مِنْهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا أَوْ يُطْعِمُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَمَالِيكِ وَكَذَلِكَ الْمَدَدُ لِأَنَّ لَهُ سَهْمًا فِيهَا وَلَا يُطْعِمُ الْأَجِيرَ ، وَلَا التَّاجِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُبْزَ الْحِنْطَةِ أَوْ طَبْخَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِثْلُ الْأَدْوِيَةِ وَالطِّيبِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ } وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُؤْكَلُ عَادَةً وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ بَلْ لِلزِّينَةِ وَيَسْتَعْمِلُونَ الْحَطَبَ وَالطِّيبَ يَعْنِي عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيُوقِحُونَ الدَّوَابَّ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَبِيعُهَا ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا
أُبِيحَ لَهُ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ إلَى الْمَغْنَمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ لِصِيَانَةِ سِلَاحِهِ وَدَابَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا حَاجَةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَمُرَاعَاةُ حَقِّهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَدَدِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا لَا يَدْرِي أَيُلْتَحَقُ أَوْ لَا فَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ السَّبْيِ حَيْثُ لَا يُقْسَمُ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا ) أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْتَفِعُونَ بِالْغَنِيمَةِ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَهِيَ الضَّرُورَةُ وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُمْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَا فَضُلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ ) أَيْ الَّذِي فَضُلَ فِي يَدِهِ مِنْ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِهَا وَهَذَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَالْفَقِيرُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الرَّدُّ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَنْتَفِعُ فِيهَا ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَلَفٍ ) يُقَالُ عَلَفَ الدَّابَّةَ يَعْلِفُ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا أَطْعَمَهَا الْعَلَفَ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَلَا يُقَالُ أَعْلَفَهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفٌ ، وَالْعَلَفُ كُلُّ مَا اعْتَلَفَتْهُ الدَّابَّةُ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ عَلَفْت الدَّابَّةَ عَلَفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَاسْمُ الْمَعْلُوفِ عَلَفَ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ عِلَافٌ مِثْلَ جَبَلٍ وَجِبَالٍ وَأَعْلَفْت بِالْأَلِفِ لُغَةً وَالْمِعْلَفُ بِالْكَسْرِ مَوْضِعُ الْعَلَفِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَمْ تُقَيَّدْ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ هُنَا بِالْحَاجَةِ ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ) أَيْ وَاخْتَارَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَا دَامَتْ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بَأْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجُنْدِ بِتَنَاوُلِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْعَلَفِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا وَتَبِعَهُ الْقُدُورِيُّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ طَعَامٌ أَوْ عَلَفٌ فَاحْتَاجَ إلَيْهِ رَجُلٌ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَكَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مِنْ سِلَاحِ الْغَنِيمَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى هُنَا لَفْظُ السِّيَرِ الصَّغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ غَالِبًا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ الْمَوْجُودَ إمَّا مَا يُؤْكَلُ أَوْ لَا وَمَا يُؤْكَلُ إمَّا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْإِهْلِيلِجِ أَوْ لَا فَالثَّانِي لَيْسَ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ
أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ وَفَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلَفَ نَحْوَ الْحَطَبِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْمَنْحُوتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ أَثَرَ الْمِلْكِ فَضْلًا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إذَا انْقَضَى الْحَرْبُ وَكَذَا الثَّوْبُ إذَا أَضَرَّهُ الْبُرْدُ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ الرَّدِّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَاجَ الْكُلُّ إلَى الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ قَسَمَهَا بِخِلَافِ السَّبْيِ لَا يُقْسَمُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ لَا أُصُولِهَا فَيَسْتَصْحِبُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُشَاةً فَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا وَلَيْسَ مَعَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ قَتَلَ الرِّجَالَ وَتَرَك النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَهَلْ يُكْرَهُ مَنْ عِنْدَهُ فَضْلُ حَمُولَةٍ عَلَى الْحَمْلِ يَعْنِي بِالْأَجْرِ فِيهِ رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا وَأَمَّا مَا يُتَدَاوَى بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَنَاوُلُهُ وَكَذَا الطِّيبُ وَالْأَدْهَانُ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ بَلْ الْفُضُولُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَرَضٌ بِأَحَدِهِمْ يُحْوِجُهُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَانَ ذَلِكَ كَلِبْسِ الثَّوْبِ فَالْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي الْجَزُورِ ) وَفِي الْإِيضَاحِ فِي الْبَقَرِ وَفِي الْمُحِيطِ فِي الْغَنَمِ فَدَلَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ ) أَيْ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ ا هـ كِفَايَةٌ قَوْلُهُ وَيُوقِحُونَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ تَوْقِيحُ الدَّابَّةِ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالشَّحْمِ الْمُذَابِ إذَا حَفِيَ أَيْ رَقَّ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ وَالرَّاءُ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَنُسْخَةِ الْإِمَامُ حَافِظُ الدَّيْنِ الْكَبِيرِ بِخَطِّ يَدِهِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ
عَنْ الْمُصَنِّفِ قَالَ هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ رَقَحَ فُلَانٌ عَيْشَهُ تَرْقِيحًا إذَا أَصْلَحَهُ وَأَنْشَدَ : يَتْرُكُ مَا رَقَحَ مِنْ عَيْشِهِ يَعِيثُ فِيهِ هَمْجٌ هَامِجٌ وَالْهَمَجُ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ لَا نِظَامَ لَهُمْ ا هـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالرَّاءُ أَيْ تَرْقِيحٌ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ فَالتَّرْقِيحُ أَعَمُّ مِنْ التَّوْقِيحِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ أَحَدُهُمْ رَدَّ الثَّمَنَ أَيْ الْمَغْنَمَ ) أَيْ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ .
( وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِوُجُودِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ الْكُفْرِ ابْتِدَاءً أَوْ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَالْمُسْلِمُ لَا يُبْتَدَأُ بِالرِّقِّ وَقَدْ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ فَيُلْحَقُونَ بِهِ هَذَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ فَهُوَ عَبْدٌ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ كَحَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا أُخِذَ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ وَمَالُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ هُوَ حَتَّى أَسْلَمَ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ فَحَسْب لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي غَيْرِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَكُلَّ مَالٍ مَعَهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } وَقَالَ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِصَخْرٍ يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ } وَلِأَنَّ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ سَبَقَتْ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا إذْ يَدُ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فِي الْحِفْظِ وَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا غَصْبًا حَيْثُ تَكُونُ فَيَأْخُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ كَيَدِ الْمَالِكِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ حَتَّى جَازَ لَنَا التَّعَرُّضُ لَهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( دُونَ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ ) لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ غَيْرُ تَابِعٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ
مَعْصُومًا عَنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِغْنَامِ إلَّا بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَزَوْجَتِهِ وَحَمْلِهَا ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ غَيْرُ تَابِعَةٍ لَهُ فَتُسْتَرَقُّ وَحَمْلُهَا جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الْحَمْلُ فَيْئًا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ فَلَا يُبْدَأُ بِالرِّقِّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ قُلْنَا الْمُسْلِمُ يُسْتَرَقُّ تَبَعًا كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا فَكَانَ هَذَا فِي حَقِّ التَّبَعِ بِمَنْزِلَةِ الْبَقَاءِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الرِّقِّ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِعَدَمِ الْجُزْئِيَّةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَقَارَهُ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةٌ فَيَكُونُ فَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ لَهُ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَالْمَنْقُولِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا إذْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَقِيلَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ تَثْبُتُ عِنْدَهُ فِي الْعَقَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَصْبُ عِنْدَهُ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَبْدَهُ الْمُقَاتِلَ ) لِأَنَّهُ لِمَا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ دَارِهِمْ وَمَا كَانَ غَصْبًا فِي يَدِ حَرْبِيٍّ أَوْ وَدِيعَةً فَيْءٌ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ غَصْبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ فَيْئًا لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِإِسْلَامِهِ فَيَتْبَعُهَا مَالُهُ فِيهَا وَلَهُ أَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالنَّفْسُ لَمْ تَصِرْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ بَلْ هُوَ مُحَرَّمُ التَّعَرُّضِ فِي الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلِهَذَا لَمْ تَصِرْ مُتَقَوِّمَةً بِالْإِسْلَامِ وَإِبَاحَةُ التَّعَرُّضِ كَانَ
لِدَفْعِ شَرِّهِ وَقَدْ انْدَفَعَ بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ لِأَنَّهُ خُلِقَ عُرْضَةً لِلِامْتِهَانِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ عَلَى مَا كَانَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي أُخْرَى وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَصَابَ مَالًا ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ مَالٍ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةٌ لِهَذَا الْمَالِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ فَلَا تَزُولُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَكُونُ فَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالُوا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَصَحُّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِهِمْ وَأَمَّا إذَا أَغَارُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرُوا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا إلَّا نَفْسُهُ وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَمُحَمَّدٌ سَوَّى بَيْنَ الْإِغَارَةِ وَالظُّهُورِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالظُّهُورِ صَارَتْ الدَّارُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَكَانَتْ يَدُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِاعْتِبَارِ مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَدُ الْمُسْلِمِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا وَأَمَّا بِالْإِغَارَةِ فَلَمْ تَصِرْ دَارَ إسْلَامٍ فَلَمْ تَصِرْ يَدُهُ عَلَى الْمَنْقُولِ ثَابِتَةً حُكْمًا لِأَنَّ يَدَ أَهْلِ الْحَرْبِ ثَابِتَةٌ حَافِظَةٌ دَافِعَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدَّارِ بِاعْتِبَارِ الْمَنَعَةِ وَالشَّوْكَةِ وَلِهَذَا تَصِيرُ الْغَنِيمَةُ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ ) إنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِيَقَعَ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ مُسْتَأْمِنٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ أَمْوَالُهُ وَأَوْلَادُهُ كُلُّهَا فَيْئًا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرْنَا أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَا فِي يَدِهِ وَالثَّانِيَةُ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَأَسْلَمَ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيْءٌ وَالثَّالِثَةُ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَالرَّابِعَةُ ( قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ ) يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا تَثْبُتُ حُكْمًا وَدَارُ الْحَرْبِ لَيْسَتْ بِدَارِ الْأَحْكَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِيَدِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْدَ ظُهُورِهِمْ عَلَى الدَّارِ يَدُ الْغَانِمِينَ أَقْوَى مِنْ يَدِهِ ا هـ رَازِيٌّ
( فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنِيمَةَ وَيُخْرِجَ خُمُسَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } وَيَقْسِمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ عَلَى الْغَانِمِينَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ وَغِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ قُسِّمَتْ خَيْبَرَ إلَى أَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذْ الْفَرُّ لَيْسَ بِمُسْتَحْسِنٍ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ لِأَجَلِ الْكَرِّ فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَيْ غِنَاءِ الرَّاجِلِ فَيُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّ مِقْدَارَ الزِّيَادَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الرَّأْسُ وَالْفَرَسُ مَعَ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ زِيَادَةَ الْغِنَاءِ يَسْتَحِقُّ بِهَا الزِّيَادَةَ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاكِي بِالسِّلَاحِ أَكْثَرُ غِنَاءٍ مِنْ الْأَعْزَلِ وَمَعَ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ تَبَعٌ فَلَا يَزِيدُ سَهْمُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ كَانَ رَاجِلًا أَجِيرًا لِطَلْحَةَ وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ رَضْخًا لِجَدِّهِ
فِي الْقِتَالِ وَقَالَ { خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَخَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَوْ لَهُ فَرَسَانِ ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا سَهْمَيْنِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ إذَا قَادَ فَرَسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى الزُّبَيْرَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْقِتَالِ إلَى فَرَسَيْنِ وَرُبَّمَا يَعْيَا الْوَاحِدُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ وَلَهُمَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَاحِبِ الْأَفْرَاسِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ } وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ بِالْإِرْهَابِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ الْقِتَالِ مَعَهُمْ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا وَالْقِتَالُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ فَيُسْهَمُ لَهُ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ { حِكَايَةِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَادَ فَرَسَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالْبَرَاذِينُ كَالْعَتَاقِ ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ هُوَ السَّبَبُ وَذَلِكَ بِاسْمِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ } وَهُوَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالْهَجِينُ وَالْمُقْرِفُ وَلِأَنَّ الْعَتَاقَ إنْ كَانَ أَقْوَى فِي الْجَرْيِ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَاسْتَوَيَا وَأَهْلُ الشَّامِ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ ) ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ ) يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْغَنَاءُ مِثْلُ كَلَامِ الِاكْتِفَاءِ وَقَالَ الْكَاكِيُّ الْغَنَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ : الْإِجْزَاءُ وَالْكِفَايَةُ وَغِنَاؤُهُ أَيْ غِنَاءُ الْفَرَسِ لِكَرِّ الصَّوْلَةِ وَالْحَمْلَةِ وَالْفَرِّ بِمَعْنَى الْفِرَارِ وَالْفِرَارُ فِي مَوْضِعِ الْفَرِّ مَحْمُودٌ ا هـ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ ) الْكَرُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْفِرَارِ وَالْفَرُّ الْفِرَارُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ ) أَيْ ثَبَاتِ الدَّفْعِ ا هـ ( قَوْلُهُ ابْنِ جَارِيَةَ ) أَيْ الْأَنْصَارِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالرَّاجِلُ سَهْمًا ) وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا يَوْمَ بَدْرٍ } قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي كِتَابِهِ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ بَدْرٍ فَارِسٌ غَيْرُ اثْنَيْنِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ غَنَاؤُهُ ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْكِفَايَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ ) وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْفَرَس تَبَعٌ ) أَيْ لِلرَّجُلِ ا هـ ( قَوْلُهُ أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ ) أَيْ فِي غَزْوَةِ ذِي قِرْدٍ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ رَضْخًا
لِجَدِّهِ ) الْجَدُّ فِي الْأَمْرِ الِاجْتِهَادُ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ ) لَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ أَعْطَى الزُّبَيْرَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ ) أَيْ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ فَرَسَيْهِ ا هـ كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الزُّبَيْرُ مَا نَصُّهُ يَعْنِي الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَوْمَ خَيْبَرَ ا هـ قَوْلُهُ صَفِيَّةُ ) أَيْ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ ) أَيْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَرَاذِينُ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَالْعَتَاقِ ) الْعَتَاقُ جَمْعُ عَتِيقٍ وَهُوَ الْجَوَادُ وَالْبِرْذَوْنُ الْعَجَمِيُّ الْخَالِصُ وَالْعِرَابُ خِلَافُ الْبَرَاذِينِ وَالْهَجِينُ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَالْمُقْرِفُ الَّذِي أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَمَعْنَى الْفَتْحِ الْإِمَالَةُ وَالْكَسْرُ الْجَانِبُ ا هـ كَيْ
( لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ ) أَيْ لَا تَكُونُ الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ كَالْعَتَاقِ حَتَّى لَا يُسْهَمَ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِرْهَابَ لَا يَقَعُ بِهِمَا إذْ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الرَّاحِلَةُ وَالْبَغْلُ ) وَإِنَّمَا لَمْ يُسْهَمْ لِبَغْلٍ وَلَا لِرَاحِلَةٍ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ لِأَنَّهُ { كَانَ يَكُونَ فِي غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ الْجِمَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَلَا يُسْهِمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا } وَلَوْ أَسْهَمَ لَظَهَرَ نَقْلُهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْرَاسِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ
( وَالْعِبْرَةُ لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ ) أَيْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ وَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَوْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الرَّاجِلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِوُجُودِ الْقِتَالِ مِنْهُ فَارِسًا حَقِيقَةً وَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّقْدِيرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا الْمُجَاوَزَةُ فَوَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ فَلَا تُعْتَبَرُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ نَفْسُهَا أَقْوَى الْجِهَادِ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِهَا يَلْحَقُهُمْ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ عِنْدَ الدُّخُولِ إلَى شَوْكَةٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ وَالْحَالُ بَعْدَهَا حَالَ الدَّوَامِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَلِهَذَا يَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ عِنْدَهَا لَا غَيْرُ وَيَقُولُ الْعَدُوُّ كَمْ دَخَلُوا وَالْجِهَادُ يَكُونُ بِالْإِرْهَابِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ وَبِهِ يَسْتَحِقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةَ لَا بِالْقَتْلِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِرْهَابَ وَالْإِرْعَابَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } وَبِقَوْلِهِ { وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ } وَبِهِ تَنْكَسِرُ هِمَّتُهُمْ وَيَنْكَسِرُونَ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ عِنْدَهَا وَهُوَ الشَّرْطُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَشْتَرِطْ بَقَاءَ الْفَرَسِ إلَى تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْفَرَسُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَلَا مَعْنًى لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ لِأَنَّهُ حَالُ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَالْأَحْكَامُ لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا
لِضِيقِ الْمَكَانِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ لِتَهْيِئَةِ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ وَالْمَدَدَ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ وَكَذَا الْجُنْدُ فِيمَا أَصَابَتْ السَّرِيَّةُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ صَالِحًا لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِمُهْرٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقِتَالَ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَهْمُ الْفُرْسَانِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّ بَيْعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ وَلَوْ دَخَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَقَاتَلَ رَاجِلًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ فِي رِوَايَةٍ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَة لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى الْقِتَالِ فَارِسًا حَيْثُ دَخَلَ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ وَأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فَنَفَقَ فَرَسُهُ ) أَيْ هَلَكَ ا هـ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ شُهُودِ الْوَقْعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَهُوَ تَمَامُ الْقِتَالِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِهِ يُسْتَحَقُّ الْفَارِسُ الزِّيَادَةُ ) أَيْ وَلِهَذَا يُشَارِكُ الرِّدْءُ الْمُبَاشِرُ فِي الْغَنِيمَةِ لِحُصُولِ الْإِرْهَابِ بِالْكُلِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ ) أَيْ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَهُ عِنْدَ مُخَاطَرَةِ الرَّوْحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ لَا لِتَحْصِيلِ الْمَالِ لِأَنَّ الرُّوحَ تَفُوقُ الْمَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَحَمَلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التِّجَارَةَ وَانْتَظَرَ الْعِزَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الْعَاقِلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَخْتَارُ الْمَالَ عَلَى رُوحِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ إنَّمَا بَاعَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ فِي الْحَرْبِ إمَّا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ فَرُبَّمَا يَقْتُلُهُ لِعَدَمِ أَدَبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ ا هـ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ ) أَيْ عِزَّةَ الْفَرَسِ ا هـ .
( وَلِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ الرَّضْخُ لَا السَّهْمُ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيَحْذِينَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ وَقَالَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ سَهْمٌ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا مِنْ غَنَائِمِ الْقَوْمِ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَيْضًا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ مِنْ الْغَنَائِمِ دُونَ نَصِيبِ الْجَيْشِ } وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ وَالْعَبْدُ لَا يُمَكِّنُهُ مَوْلَاهُ وَلَهُ مَنْعُهُ فَلَمْ يَسْتَحِقُّوا السَّهْمَ الْكَامِلَ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَسْهُمَ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ وَلِلصِّبْيَانِ } فِيمَا رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِح الْمَرْضَى لِعَجْزِهَا عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيَكُونُ جِهَادُهَا عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّ فِي الدَّلَالَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْجِهَادِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ فِي الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ فَيُعْطَ بَالِغًا مَا بَلَغَ
وَالْأَجِيرُ لَا يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا لِلْقِتَالِ وَإِنْ تَرَكَ الْخِدْمَةَ وَقَاتَلَ يُسْهَمُ لَهُ فَصَارَ كَأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَا شَيْءَ وَلَا يُجْمَعُ لَهُ أَجْرٌ وَنَصِيبٌ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُقَوْلُهُ وَيَحْذِينَ ) قَالَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ كَانَ يَحْذِي النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَحَذِيَّتُهُ لُغَةً ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ ا هـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ الْحَذْيَا الْعَطِيَّةُ وَأَحْذَيْتُهُ أَعْطَيْته ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا ) أَيْ يُعْطِيَا ا هـ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ ) أَيْ لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ ا هـ ( قَوْلُهُ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ انْحِطَاطًا لِرُتْبَةِ التَّبَعِ عَنْ الْمَتْبُوعِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ تَبَعٌ لِلْحُرِّ وَالصَّبِيِّ تَبَعٌ لِلْبَالِغِ وَالذِّمِّيُّ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ وَلِذَا لَا يُمْكِنُ الذِّمِّيُّ مِنْ ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ ) أَمَّا إذَا قَاتَلَ الذِّمِّيُّ لَا يَبْلُغُ بِرَضْخِهِ سَهْمَ الْمُسْلِمِ ا هـ .
( وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ وَلَا حَقَّ لِأَغْنِيَائِهِمْ ) أَيْ يُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ فَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ الصَّدَقَةَ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ } وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ { وَأَعْطَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْعَبَّاسَ وَقَدْ كَانَ غَنِيًّا } وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ قِسْمَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ وَفِيمَا رُوِيَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِلنُّصْرَةِ لَا لِلْقَرَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَّلَ فَقَالَ { إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ
الْقَرَابَةِ وَلِهَذَا لَمْ تَحْرُمْ الزَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الْهَاشِمِيِّ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ كَأَوْلَادِ أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الزَّكَاةِ يُحَقِّقُهُ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ فَجَاءَ عُثْمَانُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَقَالَا إنَّا لَا نُنْكِرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ لِمَكَانِك الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَلَكِنْ نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي الْقَرَابَةِ إلَيْك سَوَاءٌ فَمَا بَالُك أَعْطَيْتهمْ وَحَرَمْتنَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يُشِيرُ إلَى نُصْرَتِهِمْ لَهُ لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَهُ حِينَ أَرَادَتْ قُرَيْشُ قَتْله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ } وَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَعَبْدُ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ لَمَا خَصَّهُمْ لِأَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا أَخَوَا هَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمُطَّلِبَ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ فَكَانَا أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ كَوْنُهُمْ مَعَهُ يُؤَانِسُونَهُ بِالْكَلَامِ وَالْمُصَاحَبَةِ لَا بِالْمُقَاتَلَةِ وَلِهَذَا كَانَ لِنِسَائِهِمْ فِيهِ نَصِيبٌ ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدَمِ تِلْكَ الْعِلَّةِ وَهِيَ النُّصْرَةُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ بِالْفَقْرِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّدَقَةِ حَتَّى كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِي قَوْله تَعَالَى { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ } إشَارَةٌ إلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَذَكَرَهُ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْخُمُسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى شَيْءٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخُمُسُ لِلْيَتَامَى ) أَيْ الْفُقَرَاءِ أَمَّا الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَقُدِّمَ ذَوُو الْقُرْبَى ) الْقُرْبَى الْقَرَابَةُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ تُقَدَّمُ الْفُقَرَاءُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَيْتَامَ ذَوِي الْقُرْبَى وَمَسَاكِينَ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لِمَا أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الِاحْتِيَاجُ غَيْرَ أَنَّ سَبَبَهُ مُخْتَلِفٌ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكَوْنُهُ ابْنُ السَّبِيلِ وَفِي التُّحْفَةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفُ الْخُمُسِ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا ) أَيْ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ ا هـ هِدَايَةٌ ( قَوْلُهُ وَسَهْمٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ ) وَفِي الْكَشَّافِ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لِذَوِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ) أَيْ نَحْوِ سَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ يُقْسَمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلَّهِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْبِهَا وَإِلَى عِمَارَةِ الْجَامِعِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ هِيَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ هَذِهِ بِقَاعٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ا هـ (
قَوْلُهُ وَالْبَاقِي لِلثَّلَاثَةِ ) أَيْ لِأَنَّهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَسَمَهَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ } وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ فَاسْتَحَقَّهُ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْإِمَامَةِ وَذَوُو الْقُرْبَى بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ كَانَ مَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِهِ فَيَسْتَوِي غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ كَالْإِرْثِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَلَنَا ) أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ كَانَ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ قَسَمَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَتْمِ ) أَيْ بَلْ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ إذْ لَا يَظُنُّ بِهِمْ خِلَافُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ وَفِيمَا رَوَى ) أَيْ الشَّافِعِيُّ ا هـ ( قَوْلُهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ ) فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَوْله تَعَالَى { وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } عُمُومُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ السَّهْمِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ قِيلَ لَهُ هَذَا عِنْدَنَا لَيْسَ بِعُمُومٍ بَلْ هُوَ مُجْمَلٌ مَوْقُوفُ الْحُكْمِ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَلِذِي الْقُرْبَى } لَا يَخْتَصُّ بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ قَرَابَةِ غَيْرِهِ إذْ كَانَ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى } لَمْ يَخْتَصَّ بِقِرْبَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَرَابَةُ الْخَلِيفَةِ أَوْ قَرَابَةُ الْغَانِمِينَ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَرَابَةُ الْخُلَفَاءِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ
عَلَى تَنْصِيصِ قَرَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِمْ جَعَلَ اللَّفْظَ مُجْمَلًا مُفْتَقِرًا إلَى الْبَيَانِ وَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ ) أَيْ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ ا هـ ( قَوْلُهُ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ ) أَيْ وَهُوَ الصَّدَقَةُ لَوْلَا الْقَرَابَةُ وَاسْتِحْقَاقُهُمْ لِلصَّدَقَةِ لَوْلَا الْقَرَابَةُ بِاعْتِبَارِ الْفَقْرِ فَكَذَا السَّهْمُ ا هـ دِرَايَةٌ ( قَوْلُهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ ) أَيْ لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ إلَخْ ) لَمْ يُرِدْ بِالنُّصْرَةِ نُصْرَةَ الْقِتَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْجُودًا فِي عُثْمَانَ وَجُبَيْرٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ نُصْرَةَ الِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْمُؤَانَسَةُ فِي حَالِ مَا هَجَرَهُ النَّاسُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَسَدَتْهُمْ قُرَيْشٌ فَتَعَاهَدُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ لَا يُجَالِسُوا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يُكَلِّمُوهُمْ حَتَّى يَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مُحَمَّدًا لِيَقْتُلُوهُ وَتَعَاقَدَ بَنُو هَاشِمٍ عَلَى الْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَنُو نَوْفَلٍ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَدَخَلَ بَنُو الْمُطَّلِبِ فِي عَهْدِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى دَخَلُوا مَعَهُمْ الشِّعْبَ فَكَانُوا فِيهِ ثَلَاثَ سِنِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ مِنْ الْجَهْدِ ا هـ مُسْتَصْفَى ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
( وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَالصَّفِيِّ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ أَضَافَ إلَيْهِ بِاسْمِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ وَلِلرَّسُولِ وَكَذَا الصَّفِيُّ وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى( قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ ) أَيْ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ ا هـ هِدَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ ا هـ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ { كَانَ سَيْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْفَقَارِ الَّذِي تَنَفَّلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ سَيْفَ الْعَاصِ بْنِ مُنْيَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ } فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْجَنَّةِ وَذَكَرَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِي كِتَابِ السُّيُوفِ { كَانَ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْفَقَارِ وَكَانَ لِلْعَاصِ بْنِ مُنْيَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَجَاءَ بِسَيْفِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ بَعْدُ لِعَلِيٍّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ النَّبِيُّ } وَلَهُ يَقُولُ الْقَائِلُ لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَا رِ وَلَا فَتَى إلَّا عَلَيْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَلْبِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ وَأَعْلَمُ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ ) أَيْ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ ا هـ كَافِي
( وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذُو مَنَعَةٍ دَارَهُمْ بِلَا إذْنٍ خَمَّسَ مَا أَخَذُوا وَإِلَّا لَا ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا ذَوِي مَنَعَةٍ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّ الْخُمُسَ وَظِيفَةُ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَنَعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَكُونُ أَخْذُهُمْ اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً لَا قَهْرًا وَغَلَبَةً فَلَا يُخَمَّسُ وَإِنْ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُمْ إذْ لَيْسَ فِيهِ وَهْنٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ حَيْثُ يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَصْرُهُمْ كَيْ لَا يَلْزَمَ وَهْنُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ ) بِقَوْلِهِ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } وَبِقَوْلِهِ { لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ } لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } وَحَرَّضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ { وَنَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد { وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنْفُلُ فِي الْبِدَايَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَكَانَ الزِّيَادَةُ فِي الرَّجْعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ يَكِلُّونَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُمُسِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الشَّرْطِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِرُبُعِ الْكُلِّ جَازَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ السَّرِيَّةَ بِالْكُلِّ جَازَ فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ قَدْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ هُنَا
كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَيَدْخُلُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ بَابُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا فَلَا يُتَّهَمُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلْته أَنَا فَلِي سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ بِهِ فَصَارَ مُتَّهَمًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَيَّزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِقَتْلِهِ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَاحًا قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ وَيَسْتَحِقُّ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ إلَيْهِمْ لِأَنَّ بِنْيَتَهُمْ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ أَوْ هُمْ مُقَاتِلُونَ بِرَأْيِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنْفِلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ لِلْعَسْكَرِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِيهِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ أَوْ إبْطَالُ الْخُمُسِ فَلَا يَجُوزُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ دَخَلَ جَمْعٌ ذُو مَنَعَةٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ أَوْ الِاثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ ا هـ وَفِي الْمُنْيَةِ وَالثَّلَاثَةُ فِي حُكْمِ الِاثْنَيْنِ وَفِي الْأَرْبَعَةِ يُخَمَّسُ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا مَنَعَةَ لَهَا بِتِسْعَةِ نَفَرٍ وَاَلَّتِي لَهَا مَنَعَةٌ بِعَشَرَةٍ ا هـ دِرَايَةٌ قَالَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُغِيرَانِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَيُصِيبَانِ الْغَنَائِمَ لَا يُخَمَّسُ مَا أَصَابُوا وَلَوْ بَعَثَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَاحِدًا طَلِيعَةً مِنْ الْعَسْكَرِ فَأَصَابَ غَنِيمَةً تُخَمَّسُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ لَا مَنَعَةَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ فَأَخْرَجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ وَلَا خُمْسَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ خُمْسَ مَا أَصَابُوا وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِ الْغَنِيمَةِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ صَارَ أَخْذُهُمْ كَأَخْذِ اللِّصِّ وَلَا خُمْسَ فِيهِ لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْخُوذِ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلُوا ) أَيْ مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ ا هـ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ لَا يُخَمَّسُ ) وَلَا يُقَالُ قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } مُطْلَقٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَمِّسَ وُجِدَ الْإِذْنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَنِيمَةُ
عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَمَا أَخَذَهُ اللِّصُّ سَرِقَةً وَمَا أَخَذَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ جَهْرًا خِلْسَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْغَنِيمَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ إلَخْ ) لَمَّا كَانَ التَّنْفِيلُ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْغَنِيمَةِ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْغَنَائِمِ يُقَالُ نَفَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا إذَا أَعْطَاهُ سَلَبَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ وَنَفَلَ نَفْلًا وَنَفَلَهُ تَنْفِيلًا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ كَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالنَّفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهَا أَنْفَالٌ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ أَيْ فِي حَالِ الْقِتَالِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالِ الْقِتَالِ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ يَصِحُّ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فِي حَقِّ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لِلسَّرِيَّةِ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ ) أَيْ بَعْدَ رَفْعِ الْخُمُسِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَحَرِّضْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّنْفِيلِ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ إلَخْ ) وَقَوْلُهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا } تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { أَعْصِرُ خَمْرًا } وقَوْله تَعَالَى { إنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى ) أَيْ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ لِشَجَاعَةِ أُولَئِكَ وَكِفَايَتِهِمْ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْفُلَ بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ مِنْ الْغُزَاةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ جَازَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( وَيَنْفُلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ فَقَطْ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفُلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ فِي الدَّارِ وَلِهَذَا يُورَثُ مِنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ حَقٌّ فَجَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ أَيْضًا تَأَكَّدَ فِي الْخُمُسِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ إبْطَالُهُ كَمَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مَصْرِفٌ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْخُمُسِ فَقِيرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِذَا جَازَ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُقَاتِلٍ فَصَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ مُقَاتِلٍ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَصَرْفَ الْمَالِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَنِيًّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي هَذَا التَّنْفِيلِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَالسَّلَبُ لِلْكُلِّ إنْ لَمْ يَنْفُلْ ) أَيْ السَّلْبُ لِجَمِيعِ الْجُنْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَنْفُلْ بِهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ لِلْقَاتِلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا لِمَا رَوَيْنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَصْبُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ بَعَثَ لَهُ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ مُقْبِلًا أَكْثَرُ عَنَاءً فَيَخْتَصُّ بِسَلَبِهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } وَهُوَ غَنِيمَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ غَنِيمَةٌ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ إذْ لَوْلَا الْجَيْشُ لَمَا حَصَلَ السَّلَبُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُبَاشَرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدْءَ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ فَيَقْسِمُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ فَيُحْمَلُ
عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَلَوْنَا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ { عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَرِيعٌ يَذُبُّ النَّاسِ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَجَعَلْت أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ فَأَصَبْت يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْته فَضَرَبْته حَتَّى قَتَلْته ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته فَنَفَلَنِي بِسَلَبِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ لَمَا صَحَّ التَّنْفِيلُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ جَارِيَةً بِأَنَّ السَّلَبَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا قَالَ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ } وَأَرَادَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَحْرِيضَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمَّا سَمِعَ الْمَقَالَةَ طَلَبَ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَأَخَذَهُ بَعْدَ مَا كَانَ تَرَكَهُ وَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ سَلَبَ عِشْرِينَ رَجُلًا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ { خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ مَنَعَ رَجُلًا سَلَبَ قَتِيلِهِ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَعْطِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُعْطِهِ } وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَمَا وَقَعَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ هَذَا مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدٍ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى لَكِنْ اسْتَكْثَرْته وَلَوْ كَانَ نَصْبُ شَرْعٍ لَاسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَثُرَ وَلَمْ يَنْهَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ خَالِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفُلْهُمْ بِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَزِيَادَةُ الْقِتَالِ لَا تُعْتَبَرُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مُقْبِلًا فَاشْتِرَاطُهُ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ نُسِخَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ عَلَى فَوْرِهِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ سَلَبَهُ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ فَإِنْ لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ سَلَبِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَازِ تَأَكَّدَ مِلْكُ الْغَانِمِينَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَاتِلُ وَالْغَانِمُونَ فِي مَوْتِهِ فَقَالَ مَاتَ قَبْلَهَا وَقَالُوا هُمْ مَاتَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ وَلَوْ أَثْخَنَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِمَنْ أَثْخَنَهُ وَلَوْ مَاتَ فَسَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ وَقَعَ سَلَبُهُ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَأْخُذُهُ الْقَاتِلُ وَلَوْ جَرُّوهُ نَفْسُهُ وَلَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَسَلَبُوهُ فَهُوَ لِلْقَاتِلِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ السَّلَبَ بِالْأَخْذِ فَانْقَطَعَ مِلْكُ الْقَاتِلِ وَإِذَا لَمْ يَسْلُبُوا مِنْهُ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُقَوْلُهُ وَقَدْ قَتَلَهُ مُقْبِلًا ) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ يُحْتَمَلُ التَّنْفِيلُ ) أَيْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِنَصْبِ الشَّرْعِ إذَا قَالَهُ بِالْمَدِينَةِ فِي مَسْجِدِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمُوا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّحْرِيضِ ا هـ .
( وَهُوَ مَرْكَبُهُ وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ ) يَعْنِي السَّلَبَ هُوَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلْعُرْفِ وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَكَذَا مَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلٌ رَاجِلًا وَمَعَ غُلَامِهِ فَرَسٌ قَائِمٌ بِجَنْبِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَكُونُ فَرَسُهُ لِلْقَاتِلِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ فَارِسًا وَهَذَا مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقِتَالِ ثُمَّ حُكْمُ التَّنْفِيلِ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ عَنْهُ فَأَمَّا الْمِلْكُ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَتَّى يُحْرَزَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ فَأَصَابَهَا رَجُلٌ وَاسْتَبْرَأَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ السَّلَبَ غَيْرُهُ مِنْ الْغُزَاةِ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّنْفِيلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ إذَا أَخَذَ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتَبْرَأَهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَحِقَهُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شَارَكُوهُ فَيَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْقَهْرِ وَلَا يَتِمُّ الْقَهْرُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ فِي حَقِّ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ قَاهِرٌ يَدًا مَقْهُورٌ دَارًا فَيَكُونُ السَّبَبُ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَا أَثَرَ لِلتَّنْفِيلِ فِي إتْمَامِ الْقَهْرِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي إفَادَةِ
التَّخْصِيصِ وَقَطْعِ الشَّرِكَةِ فَأَمَّا السَّبَبُ لِلْمِلْكِ بَعْدَ التَّنْفِيلِ فَهُوَ الَّذِي كَانَ سَبَبًا قَبْلَهُ فَأَشْبَهَ الْمُتَلَصِّصَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْعَقْدُ وَالْقَبْضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا مَعَهُ ) أَيْ لَا عَبْدَهُ وَمَا مَعَهُ وَدَابَّتُهُ وَمَا عَلَيْهَا وَمَا فِي بَيْتِهِ ا هـ كَافِي ( قَوْلُهُ حَقِيبَتُهُ ) الْحَقِيبَةُ الْعَجِيزَةُ ثُمَّ سَمَّى مَا يُحْمَلُ مِنْ الْقُمَاشِ عَلَى الْفَرَسِ خَلْفَ الرَّاكِبِ حَقِيبَةً مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَجْزِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ ا هـ ( قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا بَيْعُهَا ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهَا ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا دَارَ الْحَرْبِ فَأَخَذَ جَارِيَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُخْرِجَهَا ثُمَّ يَسْتَبْرِئَهَا ا هـ أَتْقَانِيٌّ
( بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( سَبْي التَّرْكُ الرُّومَ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْمُبَاحِ سَبَبُ الْمِلْكِ وَقَدْ تَحَقَّقَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَافِرٍ اسْتَوْلَى عَلَى كَافِرٍ آخَرَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ بِهَذَا السَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الدُّنْيَا لَهُمْ وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالَهُمْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ بِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ ) أَيْ مِنْ الَّذِي سَبَوْهُ مِنْ الرُّومِ أَوْ أَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكُوهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ الْتَحَقُوا بِسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ فَكَمَا تُمْلَكُ عَلَيْهِمْ سَائِرُ أَمْوَالِهِمْ نَمْلِكُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَالَ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَمْلِكُونَهَا لِأَنَّ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ مَحْظُورٌ حِينَ أَخَذُوا وَحِينَ أَحْرَزُوا بِدَارِهِمْ لِوُرُودِهِ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ وَالْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا وَالْمَحْظُورُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ نِعْمَةٌ وَالنِّعْمَةُ لَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ فَصَارَ كَاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا وَلَا يُقَالُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ كَالزِّنَا وَالرِّبَا فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ وَلَنَا أَنَّ الْحُرُمَاتِ فِي الْأَمْوَالِ تَثْبُتُ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ وَلَا يَكُونُ مَعْصُومًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعًا } إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ فِيهِ لِمَنْ اخْتَصَّ بِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ ضَرُورَةً تُمَكِّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ فَإِذَا زَالَ تَمَكُّنُهُ بِسَبَبِ إحْرَازِهِمْ بِدَارِهِمْ عَادَ إلَى الْأَصْلِ وَلَمْ يَبْقَ مَعْصُومًا فَصَارَ كَالصَّيْدِ وَغَيْرُهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ فَيَمْلِكُونَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمُهَاجِرِينَ فُقَرَاءَ بِقَوْلِهِ { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ } مَعَ وُجُودِ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ بَاقِيًا لَصَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ وَقَالَ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ } وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ بَاقِيًا لَمَا اسْتَقَامَ ذَلِكَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْتِيلَاءَهُمْ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُمْ بِخِلَافِ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَائِمٌ فَتَبْقَى عِصْمَتُهُ وَبِخِلَافِ رِقَابِنَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ لِيَمْلِكَ لَا لِيُمْلَكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ مَحَلِّيَّةُ الْمِلْكِ بِالْكُفْرِ الْعَارِضِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِهِمْ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَنْقِذُونَهَا مِنْهُمْ مَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِهِمْ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ وَالطَّوَافِ مَعَ الشَّتْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ النَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَحْظُورَةٌ لِغَيْرِهَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِنَفْسِهَا حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهَا الثَّوَابَ الْجَزِيلَ الْآجِلَ فَمَا ظَنُّك بِالْقَلِيلِ الْعَاجِلِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الدُّنْيَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ
بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا اسْتِيلَاءَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِ الْكُفَّارِ ذَكَرَ هُنَا حَالَ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَالِ كُفَّارٍ أُخَرَ فِي دَارِ حَرْبٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ا هـ قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْكَمَالُ وَتَقَدُّمُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي ظَاهِرٌ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ سَبَى التُّرْكُ الرُّومَ ) التَّرْكُ جَمْعُ تُرْكِيٍّ وَالرُّومُ جَمْعُ رُومِيٍّ وَالْمُرَادُ كُفَّارُ التُّرْكِ وَكُفَّارُ الرُّومِ ا هـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الرُّومُ مَا نَصُّهُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمْ مِنْ وَلَدِ الرُّومِ بْنِ عِيصَو يُقَالُ رُومِيٌّ وَرُومٌ مِثْلُ زِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ فَلَيْسَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إلَّا الْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ كَمَا قَالُوا تَمْرَةٌ وَتَمْرٌ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ إلَّا الْهَاءُ ا هـ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالتَّرْكُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَالْجَمْعُ أَتْرَاكٌ الْوَاحِدُ تُرْكِيٌّ مِثْلُ رُومٍ وَرُومِيٍّ ا هـ قَوْلُهُ زِنْجِيٌّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالْفَتْحِ لُغَةٌ ا هـ مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكْنَا مَا نَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مُوَادَعَةٌ لِأَنَّا لَمْ نَغْدِرُهُمْ إنَّمَا أَخَذْنَا مَالًا خَرَجَ عَنْ مَلِكِهِمْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ فَاقْتَتَلُوا فَغَلَبَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنَّ لَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْمَغْنُومَ مِنْ مَالِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنْ الْغَانِمِينَ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْرَازُ بِدَارِ الْحَرْبِ شَرْطٌ أَمَّا بِدَارِهِمْ فَلَا وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُوَادَعَةٌ وَاقْتَتَلُوا فِي دَارِنَا لَا نَشْتَرِي مِنْ الْغَانِمِينَ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَكُونُ شِرَاؤُنَا غَدْرًا بِالْآخَرِينَ فَإِنَّهُ عَلَى مِلْكِهِمْ وَأَمَّا لَوْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدٍ فَهَلْ
يَجُوزُ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمِنِ مِنْ الْغَانِمِينَ نَفْسًا أَوْ مَالًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمَأْخُوذِ وَبَيْنَ الْآخِذِ قَرَابَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْأُمِّيَّةِ أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِلْآخِذِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ دَانُوا ذَلِكَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ دَانُوا بِأَنَّ مَنْ قَهَرَ آخَرَ مَلَكَهُ جَازَ الشِّرَاءُ وَإِلَّا لَا ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى التَّرْكِ ا هـ ( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ بِدُونِ الْإِحْرَازِ وَلِأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ مَعَ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَعَنَا ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُونَهَا ) أَيْ وَإِنْ أَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ ا هـ أَتْقَانِيٌّ ( قَوْلُهُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ ) أَيْ إذْ سَبَبُ عِصْمَتِهِ إسْلَامُ صَاحِبِهِ بِقَوْلِهِ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } وَهُوَ بَاقٍ فَيَبْقَى الْحَظْرُ ا هـ كَاكِيٌّ ( قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمُلْكِ ) أَرَادَ بِهِ الْمَحْظُورَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمَّا الْمَحْظُورُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالِاتِّفَاقِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْخَمْرِ ا هـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصْلُحُ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَتِهِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَكَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى رِقَابِنَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ { كَانَتْ الْعَضْبَاءُ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ الْعَضْبَاءُ وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا إذَا نَزَلُوا يُرِيحُونَ إبِلَهُمْ فِي أَفْنِيَتِهِمْ فَلِمَا كَانَتْ ذَاتَ
لَيْلَةٍ قَامَتْ الْمَرْأَةُ وَقَدْ نَوَّمُوا فَجَعَلَتْ لَا تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَعِيرٍ إلَّا رَغَا حَتَّى أَتَتْ عَلَى الْعَضْبَاءِ فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ فَرَكِبَتْهَا ثُمَّ وَجَّهَتْ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَتْ لَئِنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَجَّاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتْ عَرَفَتْ النَّاقَةَ فَأَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بِنَذْرِهَا فَقَالَ تَبَسُّمًا جُزِيتهَا أَوْ وَفَّيْتهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَفِي لَفْظٍ فَأَخَذَ نَاقَتَهُ } وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ يَمْلِكُونَ بِالْإِحْرَازِ لَمَلَكَتْهَا الْمَرْأَةُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُمْ بَاقِيًا لَصَارُوا أَغْنِيَاءَ بِهِ ) أَيْ وَلَيْسَ مَنْ يَمْلِكُ مَالًا وَهُوَ فِي مَكَان لَا يَصِلُ إلَيْهِ فَقِيرًا بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِابْنِ السَّبِيلِ وَلِذَا عُطِفُوا عَلَيْهِمْ فِي نَصِّ الصَّدَقَةِ ا هـ فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَقَالَ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ } ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُونَ مِمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ { قِيلَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْفَتْحِ أَيْنَ تَنْزِلُ بِمَكَّةَ فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ } وَرُوِيَ { أَتَنْزِلُ غَدًا بِدَارِك فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ } وَإِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ عَقِيلًا كَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ فَإِنَّ عَقِيلًا إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَى الرِّبَاعِ بِإِرْثِهِ إيَّاهَا مِنْ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ تَوَفَّى وَتَرَك عَلِيًّا وَجَعْفَرًا مُسْلِمَيْنِ وَعَقِيلًا وَطَالِبًا كَافِرَيْنِ فَوِرْثَاهُ إلَّا أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِمَا هَاجَرَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا فَمَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ ا هـ قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا
وَلِلْجُمْهُورِ أَوْجُهٌ مِنْ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الِاسْتِيلَاءُ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءُ الْكَائِنُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَاسْتِيلَائِنَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّهُ مَا تَمَّ لَنَا الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ مُبَاحًا إذْ ذَاكَ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ عَلَى مَنَاطِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِ الْمُحْتَاجِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُكْنَةُ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَادَ مُبَاحًا وَزَوَالُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْيَقِينِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنَّ الْإِحْرَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَامًّا وَهُوَ الِاقْتِدَارُ عَلَى الْمَحَلِّ حَالًا وَمَآلًا بِالْإِدْخَارِ إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا أَحْرَزْنَا أَمْوَالَهُمْ لَا تَزُولُ أَمْلَاكُهُمْ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَمُكْنَةَ الِانْتِفَاعِ ثَابِتَةٌ مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ وَالْمِلَّةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالشَّكِّ ا هـ ( قَوْلُهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْتِيلَاءَهُمْ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُمْ ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَالتَّمَلُّكُ بِالْقَهْرِ مِنْ أَقْوَى جِهَاتِ السَّبِيلِ قُلْنَا النَّصُّ تَنَاوَلَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمِلْكِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَيُعِيدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ مَعَ زَوَالِ مِلْكِهِ ا هـ كَافِي
( وَإِنْ غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَجَدَ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مَجَّانًا وَبَعْدَهَا بِالْقِيمَةِ ) أَيْ إنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ { إنَّ الْمُشْرِكِينَ أَحْرَزُوا نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِهِمْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَخَاصَمَ فِيهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنْ وَجَدْتهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْتهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَك بِالْقِيمَةِ إنْ شِئْت فَعَلَى } هَذَا يُحْمَلُ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَخْلَصَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوهُ بِدَارِهِمْ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى أَصْحَابِهِ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ زَالَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ نَظَرًا لَهُ غَيْرَ أَنَّ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ضَرَرًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ الْخَاصِّ فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالشَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَامًّا فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ