كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبَرُّهُ حَنِثَ بِجَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ كَإِبْرَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِعْتَاقِهِ ) وَهِبَتِهِ وَإِعَارَتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُعَدُّ بِرًّا عُرْفًا ( لَا إعْطَائِهِ الزَّكَاةَ ) كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا ( وَالْكَفَالَةَ بِالْبَدَنِ وَالْكِتَابَةِ ) لِلرَّقِيقِ ( غَيْرِ الضَّمَانِ بِالْمَالِ وَالْعِتْقِ ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ أَوْ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِيهَا إعْتَاقٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ إعْتَاقٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ مَجَّانًا
( وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ حَنِثَ ) بِكُلِّ مَالِهِ حَتَّى ( بِثَوْبِهِ وَدَارِهِ وَعَبْدِ خِدْمَتِهِ وَبِدَيْنِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا وَلَوْ عَلَى مُعْسِرٍ ) أَوْ جَاحِدٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ وَوَجْهُهُ فِي الدَّيْنِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْحَوَالَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ دَيْنَهُ عَلَى مَدِينٍ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً وَدَيْنُهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا ( وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَضَالٌّ وَمَغْصُوبٌ ) وَمَسْرُوقٌ ( وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهَا وَثَانِيهِمَا لَا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ ، وَهَذَا أَوْجَهُ ( وَيَحْنَثُ بِأُمِّ الْوَلَدِ ) وَالْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ وَلَهُ مَنَافِعُهُمَا وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا ( لَا الْمُكَاتَبِ ) كِتَابَةً صَحِيحَةً إذْ لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَنَافِعَهُ وَلَا أَرْشَ جِنَايَتِهِ فَهُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ مَالٌ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ الْعُرْفُ وَالْغَصْبُ تَعَدٍّ يُنَاسِبُهُ التَّغْلِيظُ ( وَلَا مَنْفَعَةَ بِوَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَلَا بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ قِصَاصٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَالِ الْأَعْيَانُ ( فَلَوْ كَانَ قَدْ عَفَا ) عَنْ الْقِصَاصِ ( بِمَالٍ حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا مِلْكَ لَهُ حَنِثَ بِمَغْصُوبٍ مِنْهُ ) وَآبِقٍ وَمَرْهُونٍ ( لَا بِزَوْجَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَفْهُومَةٍ مِمَّا ذُكِرَ هَذَا ( إنْ لَمْ تَكُنْ ) لَهُ ( نِيَّةٌ ) وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ( وَلَا بِزَيْتٍ نَجِسٍ ) أَوْ نَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَنْهُ بِالتَّنَجُّسِ كَمَوْتِ الشَّاةِ ( أَوْ لَا عَبْدَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمُكَاتَبٍ ) تَنْزِيلًا لِلْكِتَابَةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ
( قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ) أَوْ لَا مِلْكَ لَهُ ( قَوْلُهُ حَنِثَ بِكُلِّ مَالٍ لَهُ ) إنَّمَا يَحْنَثُ بِالْقَلِيلِ إذَا كَانَ مُتَمَوِّلًا كَمَا قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّ الْحِنْثَ بِنَحْوِ حَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ بَعِيدٌ جِدًّا ا هـ وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَالْفُورَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِمَا يُتَمَوَّلُ قَالَ الْإِمَامُ : الْحَلِفُ عَلَى الْمَالِ يَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَا يَتَمَوَّلُ وَيَتَهَيَّأُ لِلتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَسْتَدْعِي الْمِلْكَ ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ إلَخْ ) مَا اسْتَثْنَاهُ مَمْنُوعٌ فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إذْ الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِاسْمِ الْمَالِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ وُجُودِ مَالٍ لِلْمَدِينِ وَقُدْرَةٍ عَلَى أَخْذِهِ بِدَلِيلِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَالْجَاحِدِ مَعَ أَنَّ لَهُ فَائِدَةً ، وَهِيَ أَنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يُوَفِّي مِنْهُ ذَلِكَ الدَّيْنَ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَالْجَاحِدِ فِيهِ وَجْهَانِ أَقْوَاهُمَا الْحِنْثُ كَمَا فِي الْمُوسِرِ لِثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَالثَّانِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ إلَيْهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا يَحْنَثُ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْخَادِمِ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحِنْثُ وَخَصَّ فِي التَّتِمَّةِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا أَطْلَقَ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لَا مَالَ لِي نَفْيَ مِلْكِ الْمَالِ يَحْنَثُ يَعْنِي قَطْعًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ عَدَمَ مَا يَتَمَوَّلُ وَيُرْتَفَقُ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ فِي الْحُكْمِ ؛ وَلِهَذَا أَبَحْنَا لَهُ أَخْذَ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرِ ) شَمَلَ مُدَبَّرُ مُوَرِّثِهِ الَّذِي تَأَخَّرَ عِتْقُهُ لِصِفَةٍ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ كَدُخُولِ دَارٍ فَيَحْنَثُ بِهِ كَمَا يَحْنَثُ
بِالْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصَى ( قَوْلُهُ لَا الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً ) وَلَوْ عَجَزَ بَعْدَ الْحَلِفِ
النَّوْعُ ( الرَّابِعُ الْأَوْصَافُ ) وَالْإِضَافَاتُ لَوْ ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ حَنِثَ بِدَارٍ يَمْلِكُهَا ) ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِضَافَةِ إلَى مِنْ يَمْلِكُ بِدَلِيلِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ ( لَا بِمَا يَسْكُنُهُ بِإِجَارَةٍ ) أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ ( إلَّا إنْ أَرَادَهُ ) فَيَحْنَثُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ
( النَّوْعُ الرَّابِعُ الْأَوْصَافُ ) ( قَوْلُهُ آبِقٍ ) أَيْ وَضَالٍّ وَمَسْرُوقٍ ، وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ ( قَوْلُهُ أَوْ لَا عَبْدَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمُكَاتَبٍ ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ قُلْنَا عِتْقُهُ الْإِبْرَاءُ عَنْ النُّجُومِ وَلِذَلِكَ يَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ ( قَوْلُهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ ) لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ دَارِهِ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ حَنِثَ بِدُخُولِ بَيْتِهِ ( قَوْلُهُ حَنِثَ بِدَارٍ يَمْلِكُهَا لَا بِمَا يَسْكُنُهُ بِإِجَارَةٍ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ : بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْقَاضِي حَمْلُهُ عَلَى مَسْكَنِهِ لَا يَكَادُ يَظْهَرُ فَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ حَنِثَ بِمَا يَسْكُنُهُ وَلَوْ غَصْبًا إلَّا بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْكَنِهِ حَقِيقَةً ( إلَّا إنْ أَرَادَهُ ) فَيَحْنَثُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ( أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَ مُكَاتَبِهِ حَنِثَ بِدُخُولِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ نَافِذُ التَّصَرُّفِ
( قَوْلُهُ إلَّا إنْ أَرَادَهُ ) هَذَا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ إعْتَاقٍ قَبْلَ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَفْتَيْت فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَعَالَ إلَى قَرْيَتِي فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا ثُمَّ أَتَى قَرْيَةً يَسْكُنُهَا الْقَائِلُ ، وَهِيَ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ .
ا هـ .
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ فَبَاعَهُمَا ) يَعْنِي فَأَزَالَ مِلْكَهُمَا أَوْ مِلْكَ بَعْضِهِمَا ( ثُمَّ دَخَلَهَا ) أَيْ الدَّارَ ( وَكَلَّمَهُ ) أَيْ الْعَبْدُ ( لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ دَارَ زَيْدٍ وَلَمْ يُكَلِّمْ عَبْدَهُ حَقِيقَةً ( فَإِنْ دَخَلَ مَا ) أَيْ دَارًا ( اشْتَرَاهَا ) زَيْدٌ ( بَعْدُ لَمْ يَحْنَثْ ) بِدُخُولِهَا ( إنْ أَرَادَ الْأُولَى ، وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَهُ ) بِأَنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ تَكُونُ فِي مِلْكِهِ حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ ، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُهُ حَنِثَ بِهِمَا
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ دَارَ زَيْدٍ وَلَمْ يُكَلِّمْ عَبْدَهُ ) ضَابِطُ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ إلَخْ ) هُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُهُ حَنِثَ بِهِمَا ) يَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا
( وَلَوْ قَالَ ) لَا أَدْخُلُ ( دَارَ زَيْدٍ هَذِهِ حَنِثَ بِدُخُولِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ ) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ دُونَ الِاسْمِ ( كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ وَكَلَّمَهَا مُطَلَّقَةً ) حَنِثَ بِتَكْلِيمِهَا ( أَوْ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ ) مُشِيرًا ( لِشَاةٍ حَنِثَ بِأَكْلِهَا ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ فَكَبُرَتْ وَأَكَلَ لَحْمَهَا أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَبَلَغَ وَكَلَّمَهُ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الِاسْمِ الْمُطَابِقِ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ إذْ بَابُ الْإِيمَانِ أَوْسَعُ
( قَوْلُهُ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ دُونَ الِاسْمِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى عَيْنِهَا وَوَصْفِهَا بِإِضَافَةٍ تَطْرَأُ وَتَزُولُ فَغَلَبَ الْأَقْوَى ، وَهُوَ التَّعْيِينُ وَضَابِطُ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَوْجَتَهُ هَذِهِ ) أَوْ يَنْوِيَ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا م ( قَوْلُهُ فَكَلَّمَهَا مُطَلَّقَةً إلَخْ ) اسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ عَلَى صُورَةِ الْكِتَابِ مَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ فَكَبِرَتْ لَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ سَمَّى وَأَشَارَ وَلَمْ يَجْعَلُوا زَوَالَ الْإِضَافَةِ كَزَوَالِ التَّسْمِيَةِ قَالَ وَالْفَرْقُ عَسُرَ وَفَرْقُ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ لِعُرُوضِهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلُزُومِهَا وَعَدَمُ عُرُوضِهِمَا وَزَوَالُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِتَغَيُّرٍ يَحْصُلُ إمَّا بِعِلَاجٍ أَوْ بِخِلْقَةٍ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الِاسْمُ مَعَ الْإِشَارَةِ فَعُلِّقَتْ الْيَمِينُ بِمَجْمُوعِهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ بَعْضُ مَا عُلِّقَ بِهِ الْيَمِينُ لَا كُلُّهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي دَارِ زَيْدٍ هَذِهِ الْمُعَوَّلُ الْإِشَارَةُ فَقَطْ ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ حَنِثَ بِتَكْلِيمِهَا ) إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا دَامَ مِلْكُهُ فَلَا يَحْنَثُ لِزَوَالِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ
( وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقُلِعَ وَنُصِبَ عَلَى مَنْفَذٍ آخَرَ ) مِنْهَا ( فَالْمُعْتَبَرُ ) فِي الْحِنْثِ ( الْمَنْفَذُ لَا الْخَشَبُ ) الْمُرَكَّبُ عَلَيْهِ ( فَحَنِثَ بِالْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدُّخُولِ دُونَ الْبَابِ الْمَنْصُوبِ عَلَيْهِ ( لَا بِالثَّانِي إلَّا إنْ نَوَاهُ ) فَيَحْنَثُ بِهِ
( قَوْلُهُ لَا بِالثَّانِي إلَّا إنْ نَوَاهُ ) فَلَوْ نَوَى كِلَيْهِمَا عَمِلَ بِنِيَّتِهِ
( وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا ) أَوْ لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ فَحَوَّلَ الْبَابَ إلَى مَنْفَذٍ آخَرَ ( وَدَخَلَ مِنْهُ حَنِثَ ) كَمَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ مِنْ الْمَنْفَذِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَابُهَا وَلَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وُجُودَهُ عِنْدَ الْيَمِينِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ دَارًا مَلَكَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ ( وَإِنْ تَسَوَّرَ الْجِدَارَ ) وَصَارَ فِيهَا ( لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ بَابِهَا
( وَلَوْ مَلَكَ زَيْدٌ عَبْدَهُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ حَنِثَ ) ؛ لِأَنَّهَا دَابَّتُهُ ( أَوْ ) حَلَفَ لَا يَرْكَبُ ( دَابَّةَ عَبْدِهِ لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ ( إلَّا إنْ قَالَ ) أَرَدْت ( مَا مَلَّكَهُ عَبْدَهُ ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ فَيَحْنَثُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ ( فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً مَلَكَهَا ) الْعَبْدُ ( بَعْدَ الْعِتْقِ فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَثَانِيهِمَا لَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَكِبَ دَابَّةَ حُرٍّ ، وَهَذَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ تَفَقُّهًا ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَرْكَبُ سَرْجَ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَرَكِبَهُ وَلَوْ عَلَى ) دَابَّةٍ ( أُخْرَى وَكَذَا دُكَّانٌ ) حَلَفَ لَا يَدْخُلُهُ ، وَهُوَ ( يُنْسَبُ إلَى زَيْدٍ بِلَا مِلْكٍ ) ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ نِسْبَةَ تَعْرِيفٍ حَنِثَ وَمِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمِلْكُ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلْمِلْكِ كَدَارِ الْعَدْلِ وَدَارِ الْوِلَايَةِ وَسُوقِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ وَخَانِ الْخَلِيلِيِّ بِمِصْرَ وَسُوقِ يَحْيَى بِبَغْدَادَ وَخَانْ أَبِي يَعْلَى بِقَزْوِينَ وَدَارِ الْأَرْقَمِ بِمَكَّةَ وَدَارِ الْعَقِيقِيِّ بِدِمَشْقَ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ شَيْئًا مِنْهَا حَنِثَ بِدُخُولِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ عَلَى الْمِلْكِ
( فَرْعٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَمْ يَحْنَثْ بِالْحِمَارِ ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُطَّرِدًا يَعْنِي بِتَسْمِيَتِهِ دَابَّةً قَوْلُهُ وَثَانِيهِمَا لَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ تَفَقُّهًا ) عِبَارَتُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْأَصَحُّ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ عَلَى الْمِلْكِ ) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) فَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْجَمِيعِ ) وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا ذُقْت لِفُلَانٍ مَاءً لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ أَكَلَ طَعَامَهُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ نَوَى الطَّعَامَ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَاءِ عَلَى الطَّعَامِ مَيْلٌ بَعِيدٌ عَنْ مُوجِبِ اللَّفْظِ فَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَنَّ ) أَيْ أَنْعَمَ ( بِهِ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ثَوْبًا وَأَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ حَابَاهُ ) فِيهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) بِلُبْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي الثَّمَنِ لَا فِي الثَّوْبِ ( وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ حَنِثَ ) بِلُبْسِهِ ( إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُ ) قَبْلَ لُبْسِهِ ( بِغَيْرِهِ ) ثُمَّ يَلْبَسُ الْغَيْرَ فَلَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُبْنَى عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْمَقْصُودِ الَّتِي لَا يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ فَبَاعَهُ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ وُقُوعُهُ بَعْدَهَا لَا حِنْثَ فِيهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي حَلِفِهِ بِالْمَاضِي فَلَوْ قَالَ كَأَصْلِهِ فَلَبِسَ ثَوْبًا بَاعَهُ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ إلَخْ كَانَ أَوْلَى وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ لَكِنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَا : وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ ( وَإِنْ مَنَّ ) أَيْ عَدَّدَ ( عَلَيْهِ ) النِّعَمَ غَيْرَهُ ( فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ فَشَرِبَ مَاءَهُ بِلَا عَطَشٍ أَوْ أَكَلَ لَهُ طَعَامًا ) أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا ( لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقْصِدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْجَمِيعِ
( وَإِنْ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا سَدَاهُ ) بِفَتْحِ السِّينِ ( مِنْ غَزْلِهَا ) وَلُحْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّهُ مَا لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا بَلْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ ( وَإِنْ قَالَ لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِ لَا بِثَوْبٍ خُيِّطَ ) بِخَيْطٍ ( مِنْ غَزْلِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ ( فَإِنْ قَالَ ) لَا أَلْبَسُ ( مِمَّا غَزَلَتْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا تَغْزِلُهُ ) بَعْدَ الْيَمِينِ بَلْ مَا غَزَلَتْهُ قَبْلَهَا ( أَوْ عَكْسِهِ فَعَكَسَ حُكْمَهُ ) أَيْ قَالَ لَا أَلْبَسُ مِمَّا تَغْزِلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ بَلْ بِمَا تَغْزِلُهُ بَعْدَهَا ( أَوْ ) قَالَ : لَا أَلْبَسُ ( مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِمَا ) أَيْ بِمَا غَزَلَتْهُ وَبِمَا تَغْزِلُهُ لِصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي الْحَلِفِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي تَنَاوُلِهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلَ أَوْ أَحَدَهُمَا فَإِذَا قَالَ لَا أَلْبَسُ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيَّ فُلَانٌ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ مَا مَنَّ بِهِ فُلَانٌ قَبْلَ الْيَمِينِ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا بِمَا يَمُنُّ بِهِ بَعْدَهَا وَعَكْسُهُ عَكْسُ حُكْمِهِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ
( قَوْلُهُ أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا ) هَلْ الْمُرَادُ بِغَزْلِهَا مَا غَزَلَتْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْهُ أَوْ الْمُرَادُ غَزْلٌ هُوَ مِلْكُهَا ، وَإِنْ لَمْ تَغْزِلْهُ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ وَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِمَا الْأَوَّلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ مِمَّا غَزَلَتْهُ وَصَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْكَافِي بِالثَّانِي فَقَالَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْمِلْكِ وَلَوْ قَالَ مِمَّا غَزَلَتْ يُحْمَلُ عَلَى الْفِعْلِ ا ث وَقَوْلُهُ أَوْ الْمُرَادُ غَزْلٌ هُوَ مِلْكُهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمِلْكِ
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَجُبَّةِ قَبَاءٍ وَنَحْوِهَا ) مِخْيَطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ ) سَوَاءٌ أَلَبِسَهُ بِالْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ أَمْ لَا بِأَنْ ارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ أَوْ تَعَمَّمَ بِالسَّرَاوِيلِ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالثَّوْبِ ( لَا بِالْجُلُودِ وَالْقَلَنْسُوَةِ ) وَالْحُلِيِّ لِعَدَمِ اسْمِ الثَّوْبِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَةٍ يَلْبَسُونَهَا وَيَعُدُّونَهَا ثِيَابًا يَحْنَثُ بِهَا ( وَلَا بِوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى الرَّأْسِ وَ ) لَا ( افْتِرَاشِهِ ) تَحْتَهُ ( وَكَذَا لَوْ تَدَثَّرَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى لُبْسًا ، وَإِنَّمَا حَرُمَ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِعْمَالٍ فَكَانَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ فِي التَّدَثُّرِ إذَا كَانَ بِقَمِيصٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا صَوَّرَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَمَّا إذَا تَدَثَّرَ بِقَبَاءٍ أَوْ فَرَجِيَّةٍ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسُهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا وَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ هُنَا عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى .
وَرُدَّ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَرُدَّ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ ) قَالَ فِي التَّعَقُّبَاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ مَدَارُهُ عَلَى السَّتْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَابِسًا وَالْمُرَادُ هُنَا عَلَى اللُّبْسُ عُرْفًا وَاللُّبْسُ الْعُرْفِيُّ أَنْ يُحِيطَ الْقَبَاءُ بِبَدَنِهِ وَالتَّدَثُّرُ سَتْرٌ وَلَيْسَ بِلُبْسٍ وَكُلُّ لُبْسٍ سِتْرٌ وَلَا عَكْسَ وَقَوْلُ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ بَعْضَهُ فَوْقَهُ وَبَعْضَهُ تَحْتَهُ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا قَامَ اسْتَمْسَكَ الْقَبَاءُ عَلَيْهِ بِمَا تَرَكَّبَ مِنْهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَإِلَّا فَمَتَى وَضَعَ جَنْبَهُ الْوَاحِدَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَدَثَّرَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ فَهَذَا لَا يُعَدُّ لَابِسًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَامَ سَقَطَ عَنْهُ الثَّوْبُ وَلَوْ جَعَلَ كُمَّيْ الْقَمِيصِ مِمَّا يَلِي رِجْلَيْهِ وَذَيْلَهُ مِمَّا يَلِي كَتِفَيْهِ وَتَدَثَّرَ بِهِ فَهُوَ كَالرِّدَاءِ إذَا تَدَثَّرَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( وَيَحْنَثُ فِي ) الْحَلِفِ عَلَى لُبْسِ ( الْحُلِيِّ لَا ) الْحُلِيِّ ( الْمُتَّخَذِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَلَوْ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً ) وَسِوَارًا وَخَلْخَالًا وَطَوْقًا وَدُمْلُجًا وَخَاتَمًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ( لَا بِسَيْفٍ مُحَلًّى ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُلِيًّا ( وَ ) يَحْنَثُ ( بِالْخَرَزِ وَالسَّبَجِ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ ، وَهُوَ الْخَرَزُ الْأَسْوَدُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ( إنْ كَانَ مِنْ ) قَوْمٍ يُعْتَادُونَ التَّحَلِّي بِهِمَا مِثْلُ ( أَهْلِ السَّوَادِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ غَيْرُ الْبَدْوِيِّ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتَ شِعْرٍ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْحِنْثِ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِعَدَمِهِ ( لَا بِالْمُتَّخَذِ مِنْ شَبَهِ ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ نُحَاسٍ ( وَحَدِيدٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَتَحَلَّوْنَ بِذَلِكَ وَيُعِدُّونَهُ حُلِيًّا حَنِثَ بِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمِخَدَّةِ وَكَمَا مَرَّ فِي الْخَرَزِ ثُمَّ رَأَيْت الرُّويَانِيَّ قَالَ وَلَوْ تَحَلَّى بِالْخَرَزِ وَالصُّفْرِ فَإِنْ كَانَ فِي عُرْفِهِمْ حُلِيًّا كَأَهْلِ الْبَوَادِي وَسَكَّانِ السَّوَادِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا
قَوْلُهُ لَكِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِعَدَمِهِ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا حَنِثَ بِالْجُلُودِ وَالنَّعْلِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالدِّرْعِ وَنَحْوِهَا ) مِنْ سَائِرِ مَا يُلْبَسُ لِصِدْقِ الِاسْمِ ( أَوْ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا ) مُنَكَّرًا أَوْ مُعَرَّفًا كَهَذَا الْقَمِيصِ ( فَارْتَدَى ) أَوْ اتَّزَرَ ( بِهِ حَنِثَ ) لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالْقَمِيصِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَلِفِ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبِ ( لَا ) إنْ ارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ ( بَعْدَ فَتْقِهِ ) لِزَوَالِ اسْمِ الْقَمِيصِ فَلَوْ أَعَادَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَكَالدَّارِ الْمُعَادَةِ بِنَقْضِهَا وَسَيَأْتِي ( وَلَوْ قَالَ لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ ) وَكَانَ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً ( فَجَعَلَهُ ) نَوْعًا آخَرَ مِثْلَ ( سَرَاوِيلَ حَنِثَ ) بِلُبْسِهِ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ ) أَوْ الثَّوْبَ ( قَمِيصًا فَارْتَدَى ) أَوْ اتَّزَرَ أَوْ تَعَمَّمَ ( بِهِ لَمْ يَحْنَثْ ) لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ ( بِخِلَافِ ) مَا لَوْ قَالَ ( لَا أَلْبَسُهُ ، وَهُوَ قَمِيصٌ ) فَأَتَى بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ ، وَهُوَ قَمِيصٌ
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى حِنْطَةٍ فَأَكَلَهَا وَلَوْ خُبْزًا حَنِثَ ) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ ( أَوْ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً أَوْ هَذِهِ الْحِنْطَةَ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَأَكَلَهَا حَبًّا وَمَقْلِيَّةً وَمَطْبُوخَةً ) مَعَ بَقَاءِ حَبِّهَا وَمَبْلُولَةً ( لَا مَطْحُونَةً ) وَمَعْجُونَةً وَمَخْبُوزَةً ( حَنِثَ إنْ أَكَلَهَا ) لِصِدْقِ الِاسْمِ ( لَا ) إنْ أَكَلَ ( بَعْضَهَا ) فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ( إلَّا فِي الثَّالِثَةِ ) ، وَهِيَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَيَحْنَثُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهَا مَطْحُونَةً أَوْ مَعْجُونَةً أَوْ مَخْبُوزَةً أَوْ مَطْبُوخَةً مَعَ عَدَمِ بَقَاءِ حَبِّهَا لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ أَكْلَ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فِي الْأَوْلَى غَيْرُ مُرَادٍ لِعَدَمِ تَأَتِّيه فِيهَا لِتَنْكِيرِهِ الْحِنْطَةَ ( وَالدَّقِيقُ غَيْرُ الْعَجِينِ وَالْخُبْزُ غَيْرُهُمَا ) فَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الدَّقِيقَ فَأَكَلَ عَجِينَهُ أَوْ خُبْزَهُ أَوْ هَذَا الْعَجِينَ فَأَكَلَ خُبْزَهُ أَوْ هَذَا الْخُبْزَ فَدَقَّهُ بَعْدَ يَبْسِهِ وَأَكَلَ دَقِيقَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَذِكْرُ الْأَخِيرَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهَا صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَفَقُّهًا
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى حِنْطَةٍ فَأَكَلَهَا وَلَوْ خُبْزًا حَنِثَ ) كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ وَقَالُوا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَبَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مَالًا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكَلَهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا طُحِنَتْ يَبْقَى فِي ثُقُوبِ حَجَرِ الرَّحَى مِنْهَا بَقِيَّةُ دَقِيقٍ وَيَطِيرُ إلَى الْجُدَرَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا عُجِنَتْ يَبْقَى فِي الْمِعْجَنِ غَالِبًا مِنْهَا بَقِيَّةٌ وَإِذَا أَكَلَ الْخُبْزَ قَدْ يَبْقَى مِنْهُ فُتَاتٌ يَسِيرٌ ، وَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ تَوَقُّفًا فِي الْحِنْثِ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عِنْدَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَطْرَحُ الْعُرْفَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ دَقِيقُهَا قَدْ نُخِلَ ثُمَّ عُجِنَ وَخُبِزَ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحِنْطَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَلِيلَةً يُمْكِنُهُ أَكْلُهَا وَلَوْ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ أَوْ لَا يُمْكِنُ لِكَثْرَتِهَا وَفِيهِ لِلنَّظَرِ مَجَالٌ وَمِمَّا يُرَشِّحُ النَّظَرَ إلَى اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَالْوُقُوفِ مَعَهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ قَالَ كُنْت كَثِيرًا فِي مَجْلِسِ الشَّاشِيِّ يَعْنِي صَاحِبَ الْحِلْيَةِ فَيَأْتِي إلَيْهِ الرَّجُلُ يَقُولُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ وَقَدْ احْتَجْت إلَى لُبْسِهِ فَيَقُولُ سُلَّ مِنْهُ خَيْطًا مِقْدَارَ شِبْرٍ أَوْ أُصْبُعٍ ثُمَّ يَقُولُ الْبَسْ لَا شَيْءَ عَلَيْك قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ خَطَرَ لِي وَقَدْ أَبَى الْقَلْبُ هَذَا قَوْله تَعَالَى { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ اللَّفْظِ لَا الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ الْعُرْفِ ا هـ وَلَا أَحْسِبُ مَا نَقَلَهُ عَنْ فَتْوَى الشَّاشِيِّ مَحَلَّ وِفَاقٍ لِلْأَصْحَابِ ق و ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ الْبَسْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْك أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ لَا يَأْكُلُ
حِنْطَةً إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ ( قَوْلُهُ وَمَطْبُوخَةً مَعَ بَقَاءِ حَبِّهَا ) بِخِلَافِ مَا إذَا طُبِخَتْ بِحَيْثُ زَالَ اسْمُ الْحِنْطَةِ عَنْهَا ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ أَكْلَ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فِي الْأَوْلَى غَيْرُ مُرَادٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْغَزْلَ فَلَبِسَهُ ثَوْبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْخَرُوفِ فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ ) ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ هَكَذَا يُلْبَسُ وَلَحْمَ الْخَرُوفِ هَكَذَا يُؤْكَلُ وَالْأَوْلَى تَرْكُ لَفْظَةِ لَحْمٍ كَمَا تَرَكَهَا الْأَصْلُ ( فَلَوْ ذَبَحَهُ ، وَقَدْ صَارَ كَبْشًا ) وَأَكَلَهُ ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِزَوَالِ اسْمِ الْخَرُوفِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ
( قَوْلُهُ أَوْ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذَا الْخَرُوفِ ) قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْ أَشَارَ إلَى سَخْلَةٍ وَقَالَ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا قَطْعًا تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الَّتِي وُجِدَتْ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَصَارَتْ كَالْمَعْدُومَةِ وَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا صَحِيحَةٌ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا وَيُخَالِفُ مَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ السَّخْلَةَ فَإِذَا هِيَ بَقَرَةٌ ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ تَعَبُّدَاتٍ وَإِذَا فَسَدَ بَعْضُ الصِّيغَةِ فَسَدَ كُلُّهَا ( قَوْلُهُ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ أَوْ الْخَرُوفِ فَصَارَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّخْلَةِ اللَّحْمُ وَلَمْ يَزُلْ اسْمُهُ بِكِبَرِهَا بَلْ حَدَثَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَكَذَا نَقْلَا الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ اللَّحْمِ قَدْ يُفْهِمُ تَخْصِيصَ الْحِنْثِ بِهِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ يُحْمَلُ عَلَى اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ دُونَ لَبَنِهَا وَمَا اُتُّخِذَ مِنْهُ قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرِشَ وَالْكَبِدَ وَالرِّئَةَ وَالْقَلْبَ وَالْمُخَّ وَالدِّمَاغَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَجْزَائِهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ هُنَا وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا
( وَلَوْ قَالَ ) مُشِيرًا ( لِصَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ لَا أُكَلِّمُ هَذَا فَكَلَّمَهُ حُرًّا أَوْ بَالِغًا حَنِثَ ) وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) قَالَ لَا أُكَلِّمُ ( هَذَا الْعَبْدَ أَوْ ) هَذَا ( الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ حُرًّا أَوْ بَالِغًا لَمْ يَحْنَثْ ) لِزَوَالِ الِاسْمِ ( وَكَذَا ) لَا يَحْنَثُ لَوْ قَالَ ( لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَصَارَ تَمْرًا أَوْ هَذَا التَّمْرَ فَجُعِلَ حِبْسًا ) بِأَنْ خُلِطَا بَعْدَ نَزْعِ نَوَاهُ وَعَجَنَهُ شَدِيدًا بِسَمْنٍ وَأَقِطٍ وَأَكَلَهُ كَذَلِكَ
( وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فَجَعَلَهَا ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ فَجَعَلَهُ ( فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ ) مِنْ أَصَابِعِهِ ( حَنِثَتْ الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي حَقِّهَا دُونَهُ أَمَّا جَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ فَيَحْنَثُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَمَا قَالَهُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَغَيْرَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْوَدِيعَةِ بَلْ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ رَدًّا عَلَى قَوْلِ الْأَصْلِ فَعَنْ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ عَادَةً فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَتَابَعَهُ الْبَغَوِيّ وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ فَجَعَلَهَا فِي رِجْلِهِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحْنَثُ أَيْ مُطْلَقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الرَّاجِحُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ اللُّبْسِ وَصِدْقِ الِاسْمِ قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا وَالْوُسْطَى وَالسُّفْلَى
قَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ تَتَبَّعَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا وَالْوُسْطَى ) وَالسُّفْلَى قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَبِسَهُ فِي الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى الْمُتَّصِلَةِ بِالْكَفِّ فَإِنْ لَبِسَهُ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ الَّتِي رَتَّبَهَا الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَخَتِّمًا إذَا لَبِسَهُ فِي غَيْرِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى
( فَصْلٌ ) لَوْ ( حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ) أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ ( فَخَرَجَ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( حَنِثَ أَوْ بِإِذْنٍ فَلَا ) يَحْنَثُ ( وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ ) بِإِذْنِهِ لِحُصُولِ الْإِذْنِ ( وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي الْحَالَيْنِ ) أَيْ حَالَتَيْ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ بِإِذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ ( وَلَوْ كَانَ ) الْحَلِفُ ( بِطَلَاقٍ ) كَأَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ خَرَجْت أَوْ إنْ خَرَجْت أَبَدًا بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ ( فَخَرَجَتْ وَادَّعَى الْإِذْنَ ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَأَنْكَرَتْ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ) بِيَمِينِهَا ( وَتَنْحَلُّ ) الْيَمِينُ ( بِخَرْجَةٍ ) وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِإِذْنٍ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَيَّدَهَا بِوَاحِدَةٍ ؛ وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الْيَمِينِ جِهَةَ بِرٍّ ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِإِذْنٍ وَجِهَةَ حِنْثٍ ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جَمِيعًا وَإِذَا كَانَ لَهَا جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ وَلَيَأْكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فِي الْيَوْمِ بَرَّ ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ ، وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ ، وَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت لَابِسَةً حَرِيرًا فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ( لَا فِي ) التَّعْلِيقِ بِلَفْظِ ( كُلَّمَا ) أَوْ كُلَّ وَقْتٍ فَلَا يَنْحَلُّ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْخُرُوجِ لِاقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ هَذَا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَلَا تَكْرَارَ
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إلَّا بِإِذْنِهِ ) حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ أَصْلُهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي لِغَيْرِ عِيَادَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لِعِيَادَةٍ وَعَرَضَتْ لَهَا حَاجَةٌ فَاشْتَغَلَتْ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهَا وَلِغَيْرِهَا فَفِي الشَّامِلِ عَنْ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ النَّوَوِيُّ : قُلْت الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ خِلَافَهُ ( قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا ) وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ
( وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت أَوْ مَهْمَا خَرَجْت ) أَوْ نَحْوَهُمَا ( غَيْرَ لَابِسَةٍ خُفًّا أَوْ حَرِيرًا ) فَأَنْت طَالِقٌ ( فَخَرَجَتْ لَابِسَةً ) لَهُ ( انْحَلَّتْ ) يَمِينُهُ لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا ) خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَطَرِيقُهُ ) فِي عَدَمِ تَكَرُّرِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ يُجَدَّدَ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَرْجَةٍ وَيُغْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ ( أَنْ يَقُولَ أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت فَإِنْ أَذِنَ لَهَا ) فِي الْخُرُوجِ ( ثُمَّ رَجَعَ ) عَنْ الْإِذْنِ ( فَخَرَجَتْ ) بَعْدُ ( لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِهِ ) فِي تَعْلِيقِهِ ( حَتَّى ) أَوْ إلَى أَنْ ( آذَنَ ) لَك ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ إذْنَهُ غَايَةَ الْيَمِينِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْإِذْنُ ( وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ ) فِيهِ ( بِغَيْرِ إذْنِي ) أَوْ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ بِلَا إذْنِي ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ خُرُوجٌ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا مَانِعَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ لَا أَخْرُجُ حَتَّى أَسْتَأْذِنك فَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ فَخَرَجَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يُغْنِي لِعَيْنِهِ بَلْ لِلْإِذْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ لَمْ يَحْنَثْ
( قَوْلُهُ غَيْرَ لَابِسَةٍ خُفًّا أَوْ حَرِيرًا ) أَوْ إلَّا لَابِسَتَهُ
( النَّوْعُ الْخَامِسُ فِي الْكَلَامِ هِجْرَانُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ ) مِنْ الْأَيَّامِ ( إلَّا لِبِدْعَةٍ أَوْ مَصْلَحَةِ دِينٍ أَوْ مُجَاهَرَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ فِسْقٍ ) كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الشِّقَاقِ مَعَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُجَاهِرِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ صَوَّبَهَا الْإِسْنَوِيُّ وَجَزَمَ بِهَا الْأَذْرَعِيُّ قَالَ بَلْ الْمُسْتَتِرُ بِذَلِكَ أَوْلَى بِالْهِجْرَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِارْتِدَاعِ مِنْ الْمُجَاهِرِ
( النَّوْعُ الْخَامِسُ ) ( قَوْلُهُ هَجْرُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْهَجْرِ أَنَّ فِي الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ مُهَاجَرَتُهُمَا مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَالسَّادَاتُ وَمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وَقَوْلُهُ { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } وَقَوْلُهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَتَنَحَّ عَنِّي أَوْ قُمْ ) أَوْ اُخْرُجْ أَوْ غَيْرَهَا ( وَلَوْ مُتَّصِلًا ) بِالْيَمِينِ ( حَنِثَ ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ ( لَا ) إنْ كَلَّمَهُ ( بِرَسُولٍ وَكِتَابٍ وَإِشَارَةٍ ) بِرَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ أَخْرَسَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الْأَخْرَسُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ بِالْإِشَارَةِ حَنِثَ وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرِسَ وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَلِفِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا بَعْدَهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْكَلَامَ مَدْلُولُهُ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى بِاللَّفْظِ ( وَيَرْتَفِعُ بِهَا ) أَيْ بِالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ ( الْإِثْمُ ) أَيْ إثْمُ الْهِجْرَانِ ( فِي حَالِ الْغَيْبَةِ ) لِأَحَدِهِمَا ( إنْ ) صَوَابُهُ أَوْ ( كَانَتْ الْمُوَاصَلَةُ ) بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ ( بِهَا وَتَضَمَّنَتْ ) فِي الْحَالَيْنِ ( الْأُلْفَةَ ) بَيْنَهُمَا ( لَا إنْ كَانَ فِيهَا إيذَاءٌ ) وَإِيحَاشٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ بَلْ هِيَ زِيَادَةُ وَحْشَةٍ وَتَأْكِيدٍ لِلْمُهَاجَرَةِ وَلَا إنْ كَانَتْ فِي حَالِ الْحُضُورِ وَلَمْ تَكُنْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِهَا وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يُهَاجِرَهُ فَرَاسَلَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ إثْمُ الْهِجْرَانِ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا مَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَيَحْنَثُ ) فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَوْ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ ( بِسَلَامٍ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَسَلَامٌ .
( وَكَذَا ) بِسَلَامٍ ( عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ ) وَعَلِمَ بِهِ ( وَإِنْ كَانَ سَلَامُ الصَّلَاةِ ) عَمَلًا فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ سَلَامَهُ ، وَبِهِ صَرَّحَ
الْبَغَوِيّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ ، وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ ، وَهُوَ نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مِثْلَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا ، وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ ، وَإِلَّا فَلَا ، سَمِعَ كَلَامَهُ أَمْ لَا وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْإِيقَاظِ مَعَ زِيَادَةٍ تُوَافِقُ كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَتَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحِنْثِ بِسَلَامِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْبَابِ وَالْعُرْفُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ ( لَا إنْ اسْتَثْنَاهُ ) مِنْ الْقَوْمِ فِي سَلَامِهِ عَلَيْهِمْ ( وَلَوْ بِنِيَّتِهِ ) فَلَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ ( وَيَحْنَثُ بِتَفْهِيمٍ بِقِرَاءَةٍ ) بِأَنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا وَلَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً ؛ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ ( لَا بِفَتْحِهَا ) أَيْ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ ( وَلَا بِتَسْبِيحٍ وَلَوْ لِسَهْوٍ ) مِنْ إمَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ أَوْ الذِّكْرَ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ بِهِ فَيُسَاوِي قِرَاءَةَ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْغَرَضِ ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَتَنَحَّ إلَخْ ) وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثُمَّ أَعَادَ مَرَّةً أُخْرَى حَنِثَ بِالْإِعَادَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ لِإِفَادَةِ الْمُخَاطَبِ مَا فِيهِ وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ الْمُوَاجِهَةَ بِهِ ( قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ إلَخْ ) إذَا أَشَارَ بِالْقِرَاءَةِ كَالنُّطْقِ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِهَا وَكَتَبَ أَيْضًا إنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مَقَامَ نُطْقِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ أَخْذًا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهَا عَمَّا طُلِبَ مِنْهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَانَ أَخْرَسَ حَالَ حَلِفِهِ وَمَنْ طَرَأَ خَرَسُهُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ( قَوْلُهُ وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ بِمَشِيئَتِهِ كَنُطْقِهِ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إقَامَتِهَا مَقَامَ الْكَلَامِ فِي الْحِنْثِ ( قَوْلُهُ صَوَابُهُ ) أَوْ هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قَوْلُهُ وَعَلِمَ بِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ عَامِدًا وَلَا نَاسِيًا فَإِنَّهُ إذَا كَلَّمَهُ نَاسِيًا يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ لَوْ إذَا حَكَمْنَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلَّمَا زَادَ فِي سِتَّةٍ إلَّا شَهْرٍ وَلَوْ قَالَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَالْيَمِينُ عَلَى سَبَّتَيْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَيْنِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَأَنْ لَا يَعْلَمَ بِالْكَلَامِ ) كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ ، وَهُوَ أَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ
الْإِيقَاظِ ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ حُكْمَ التَّكْلِيمِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ ) وَرَدَّ ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ إنَّمَا أَخَذَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الشَّامِلِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّامِلِ بَحْثًا فَقَالَ أَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ لَا إنْ اسْتَثْنَاهُ وَلَوْ بِنِيَّتِهِ فَلَا يَحْنَثُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ دَخَلْت عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا وَيَصِحُّ سَلَّمْت عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً ) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهَا ) وَلَوْ مَعَ التَّفْهِيمِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ حَنِثَ ) بِكُلِّ كَلَامٍ حَتَّى ( بِشِعْرٍ ) رَدَّدَهُ مَعَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ ( لَا بِذِكْرٍ ) مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ وَدُعَاءٍ ( وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ ) وَلَوْ جُنُبًا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عُرْفًا يَنْصَرِفُ إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَهُ الْجِيلِيُّ ( وَ ) لَا ( قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ التَّوْرَاةِ ) أَوْ الْإِنْجِيلِ ( لِلشَّكِّ ) فِي أَنَّ الَّذِي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَمْ لَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمَا يَعْلَمُهُ مُبَدَّلًا كَأَنْ قَرَأَ جَمِيعَ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ
( فَرْعٌ ) سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَنْفَرِدَن بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ أَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ سَبِيلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالطَّوَافِ إذَا خَلَا الْبَيْتُ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُوَافِقَهُ غَيْرُهُ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ الِانْفِرَادُ بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا فَإِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ فَقَدْ انْفَرَدَ بِهَا بِعِبَادَةٍ ، وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ أَشْتَرِ لَك كُلَّ شَيْءٍ فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ نَذَرَ لَيَشْتَرِيَن لَهَا كُلَّ شَيْءٍ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِي لَهَا مُصْحَفًا كَرِيمًا فَلَا يَحْنَثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } ( قَوْلُهُ وَعُلِمَ بِذَلِكَ تَخْصِيصُ عَدَمِ الْحِنْثِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ .
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيُثْنِيَن عَلَى اللَّهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ أَوْ أَعْظَمِهِ ) أَوْ أَجَلِّهِ ( فَلْيَقُلْ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك ) زَادَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ مَثَلًا ثَنَاءُ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْقُصُورِ عَنْ الثَّنَاءِ وَالْحَوَالَةِ عَلَى ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَبْلَغُ الثَّنَاءِ وَأَحْسَنُهُ وَزَادَ الْمُتَوَلِّي فِي أَوَّلِ الذِّكْرِ سُبْحَانَك ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَيَحْمَدَنهُ بِمَجَامِع الْحَمْدِ ) أَوْ بِأَجَلِّ التَّحْمِيدِ ( فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ ) يُقَالُ إنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَقَالَ قَدْ عَلَّمْتُك مَجَامِعَ الْحَمْدِ ( وَفُسِّرَ فِي الرَّوْضَةِ يُوَافِي نِعَمَهُ ) بِقَوْلِهِ ( أَيْ يُلَاقِيهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا ) وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ أَيْ يَقُومُ بِشُكْرِ مَا زَادَ مِنْهَا ( وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ يَفِي بِهَا وَيَقُومُ بِحَقِّهَا ) وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ عَلَى هَذَا
( قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَن عَلَى اللَّهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ أَوْ أَعْظَمِهَا إلَخْ ) وَلَوْ قَالَ لَأَدْعُوَنهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ دَعَاهُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اسْمًا فَيَبَرُّ قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ عَلَى هَذَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ) يُقَالُ ( فِي التَّشَهُّدِ ) فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ إلَخْ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلَخْ ، وَهَذَا مَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ الصَّوَابُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ أَفْضَلَهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا سَهَا عَنْهُ الْغَافِلُونَ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَلَعَلَّهُ أَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا وَاعْتَرَضَ الْقَمُولِيُّ مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ فِي ذَاكَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي هَذَا فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي صَلَاةً وَاحِدَةً وَذَاكَ يَقْتَضِي صَلَاةً مُتَكَرِّرَةً بِتَكَرُّرِ الذِّكْرِ وَالسَّهْوِ فَتَدُومُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَنَحْوَهُ أَفْضَلُ مِنْ أَعْدَادِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّشْبِيهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا وَقَالَ الْبَارِزِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمَرُّوذِيِّ وَعِنْدِي أَنَّ الْبِرَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَدَدَ مَعْلُومَاتِك فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فَيَكُونُ أَفْضَلَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا إنَّ زَمَانَنَا مَا يُقَالُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ وَأَرَادَ بِهِ النَّوَوِيَّ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَتَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَنْهُ فَوْقَ سِتِّينَ سَنَةً وَمَا قَالَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَوْجَهَ مِمَّا قَالَهُ الْمَرُّوذِيُّ فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ لِثُبُوتِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ مَعَ أَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِ إذْ الصَّلَاةُ الْمُشَبَّهَةُ بِصَلَاةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهَا بِلَا رَيْبٍ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ إلَّا الْأَفْضَلَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحْوَطُ لِلْحَالِفِ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
( قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( حَلَفَ لَيَتْرُكَن الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالِاعْتِكَافَ وَالصَّلَاةَ حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ ) فِي كُلٍّ مِنْهَا ( وَإِنْ فَسَدَ ) بَعْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَائِمًا وَحَاجًّا وَمُعْتَكِفًا وَمُصَلِّيًا فَالشُّرُوعُ هُوَ الْمُرَادُ كَمَا فِي خَبَرِ جِبْرِيلَ حَيْثُ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ } ( لَا ) بِالشُّرُوعِ ( الْفَاسِدِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ ( إلَّا فِي الْحَجِّ ) فَيَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلٍ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَذَكَرَهُ هُنَا وَذَكَرَ الْحِنْثَ وَعَدَمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ ( وَصُورَتُهُ ) أَيْ انْعِقَادِ الْحَجِّ فَاسِدًا ( أَنْ يُفْسِدَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا ) فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَتَصْوِيرُهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ مُجَامِعًا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ إذْ الْأَصَحُّ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( أَوْ لَا أُصَلِّي صَلَاةً حَنِثَ بِالْفَرَاغِ ) مِنْهَا إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهَا ( وَلَوْ مِنْ ) صَلَاةِ ( فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَمِمَّنْ يُومِئُ ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعَدُّ صَلَاةً بِالْفَرَاغِ مِنْهَا وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ ( لَا إنْ أَرَادَ ) صَلَاةً ( مُجْزِئَةً ) فَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ( لَا بِسُجُودِ تِلَاوَةٍ ) وَشُكْرٍ ( وَطَوَافٍ ) فَلَا يَحْنَثُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ : وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَبَادِرَةٍ عُرْفًا ( وَإِنْ صَلَّى ) صَلَاةً ( فَاسِدَةً ) وَكَانَ شُرُوعُهُ فِيهَا فَاسِدًا ( وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا صَلَّى لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ حَنِثَ ) بِمَا قَرَأَ وَلَوْ ( بِبَعْضِ آيَةٍ )
( قَوْلُهُ لَوْ حَلَفَ لَيَتْرُكَن الصَّوْمَ إلَخْ ) مَا الْحُكْمُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إثْبَاتًا أَيَكْتَفِي بِالتَّحَرُّمِ ، وَإِنْ فَسَدَتْ أَمْ لَا قَالَ شَيْخُنَا قِيَاسُ مَا سَيَأْتِي فِي خَطِّ الْوَالِدِ عَلَى الْهَامِشِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ قَرَأْت سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَرَأَهَا ثُمَّ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ فِي مَسْأَلَةِ الْجُمُعَةِ إثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا لَا مَعَ تَمَامِهَا ( قَوْلُهُ فِي كُلٍّ مِنْهَا ) وَلَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ ( قَوْلُهُ أَوْ لَا أُصَلِّي صَلَاةً حَنِثَ بِالْفَرَاغِ ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ قَالَ إنْ قَرَأْت سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَرَأَهَا ثُمَّ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ لَمْ تَطْلُقْ عَلَى الْمَذْهَبِ ا هـ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ كَقَوْلِهِ لَا أُصَلِّي صَلَاةً ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مُجْزِئَةً ) أَيْ مُسْقِطَةً لِلْقَضَاءِ ( فَرْعٌ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَؤُمُّ النَّاسَ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ جَمَاعَةٌ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ الْإِمَامَةَ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ إلَخْ ) هُمَا وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْجِيلِيُّ ثَانِيَهُمَا قَالَ شَيْخُنَا وَجَرَى صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَلَى الْحِنْثِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ فِي الْجُزْءِ الْآخَرِ الْمُعْتَمَدِ الْحِنْثَ بِهَا
( النَّوْعُ السَّادِسُ ) فِي تَأْخِيرِ الْحِنْثِ وَتَقْدِيمِهِ ( لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَتَلِفَ قَبْلَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يَحْنَثْ ) لِفَوَاتِ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْمُكْرَهِ ( أَوْ ) تَلِفَ كَذَلِكَ ( بِاخْتِيَارِ حِنْثٍ ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَهَلْ يَحْنَثُ ( مِنْ الْآنِ ) لِحُصُولِ الْيَأْسِ مِنْ الْبِرِّ ( أَوْ مِنْ الْغَدِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ ( وَجْهَانِ ) وَقِيلَ قَوْلَانِ وَتَرْجِيحُ كَوْنِهِمَا وَجْهَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الصِّيَامِ قَالَ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّوْعِ الْمَذْكُورِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لَوْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ جَازَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ عَنْهَا وَعَلَى الثَّانِي حِنْثُهُ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الْأَكْلِ مِنْ الْغَدِ أَوْ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجْهَانِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامِ الْأَوَّلُ ( أَوْ ) تَلِفَ ( فِي الْغَدِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ الْأَكْلِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) كَتَلَفِهِ قَبْلَ الْغَدِ بِخِلَافِهِ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبِرِّ وَلَمْ يَفْعَلْ فَصَارَ كَقَوْلِهِ لَآكُلَن هَذَا الطَّعَامَ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَكْلِهِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى تَلِفَ ( أَوْ لَآكُلَنهُ قَبْلَ غَدٍ فَتَلِفَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ أَكْلِهِ وَقَبْلَ الْغَدِ ( حَنِثَ ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ( وَهَلْ هُوَ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ وَجْهَانِ ) أَرْجَحُهُمَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ الْأَوَّلُ وَتَلَفُ بَعْضِ الطَّعَامِ كَتَلَفِ كُلِّهِ فِيمَا مَرَّ وَمَوْتُ الْحَالِفِ مُتْلِفِ الطَّعَامِ مُصَرِّحٌ بِهِمَا الْأَصْلُ
( قَوْلُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ) بِأَنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ أَوْ أَتْلَفَهُ هُوَ تَأَسِّيًا أَوْ مُكْرَهًا ( النَّوْعُ السَّادِسُ ) ( قَوْلُهُ أَوْ تَلِفَ كَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ ) كَأَنْ أَتْلَفَهُ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ مُخْتَارٌ أَوْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ وَتَلَفُ بَعْضِهِ كَتَلَفِ كُلِّهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ مُقَيَّدٌ بِزَمَانٍ فَكَانَ شَرْطًا كَالْمُقَيَّدِ بِالْمَكَانِ وَقَدْ فَوَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَكْلَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ حَنِثَ أَوْ نَاسِيًا فَلَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْلُهُ بَعْدَ الْغَدِ قَوْلُهُ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامِ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ ) لَوْ تَرَكَ أَكْلَهُ فِي الْغَدِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْلُهُ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ ( قَوْلُهُ أَرْجَحُهُمَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ ) قَالَ وَاَللَّهِ ( لَأَقْضِيَن حَقَّك ) وَمَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا أَوْ لَأَقْضِيَن حَقَّك ( غَدًا فَمَاتَ فِيهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ ) مِنْهُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ فِي الْحَالِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ ( فَكَالْأَكْلِ ) فِيمَا مَرَّ فَلَا يَحْنَثُ ( وَقَضَاؤُهُ ) أَيْ الْحَقِّ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ( كَإِتْلَافِهِ ) أَيْ الْمَأْكُولِ فِيمَا مَرَّ فَيَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ لَا أُؤَخِّرُهُ عَنْ غَدٍ ) فَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ بَلْ يَبَرُّ بِهِ ( وَمَوْتُ صَاحِبِ الْحَقِّ هُنَا لَا يَقْتَضِي حِنْثًا ) لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ بِالدَّفْعِ إلَى وَارِثِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالْوَارِثُ قَائِمٌ مَقَامَهُ أَوْ ) قَالَ ( لَأَقْضِيَنك ) حَقَّك ( غَدًا إلَّا أَنْ تَشَاءَ تَأْخِيرَهُ فَقَضَاهُ غَدًا بَرَّ ) شَاءَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَمْ لَا ( وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ ) فِي الْغَدِ ( وَشَاءَ ) صَاحِبُهُ ( تَأْخِيرَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ ) وَإِلَّا حَنِثَ ( فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ قَبْلَ تَمَكُّنِ الْحَالِفِ ) مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْغَدِ ( فَكَالْمُكْرَهِ ) فَلَا يَحْنَثُ ( أَوْ بَعْدَهُ حَنِثَ ) فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَهَذِهِ لَا يَقُومُ وَارِثُهُ فِيهَا مَقَامَهُ لِإِضَافَةِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ فِيهَا ( ، وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ ) مِنْ حَقِّهِ فِيمَا ذُكِرَ ( فَأَبْرَأهُ حَنِثَ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ حَيْثُ سَأَلَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْيَمِينِ لَا يَمْضِي الْغَدُ وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَيْهِ ( وَكَذَا ) إنْ أَبْرَأَهُ ( بِلَا سُؤَالٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ الْقَضَاءِ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ أَيْضًا حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ الْبِرِّ وَلَمْ يَفْعَلْ ( لَا قَبْلَهُ ) لِفَوَاتِ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْمُكْرَهِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ السُّؤَالِ وَبِعَدَمِهِ مَعَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّمَكُّنِ وَعَدَمِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ الْحَقَّ وَكَانَ
عَيْنًا حَنِثَ إنْ قَبِلَ وَإِلَّا فَلَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَبَنَى كَلَامَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ
( قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ ) أَيْ إلَّا إنْ قَتَلَ نَفْسَهُ ذَاكِرًا لِلْحَلِفِ مُخْتَارًا أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَتَرَكَ دَفْعَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ ( قَوْلُهُ أَوْ لَا أَقْضِيَنك إلَخْ ) حَلَفَ لَا أَقْضِيَنك غَدًا وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ هَلْ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَإِذَا انْعَقَدَتْ فَأَعْطَاهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ نَظَرٌ ر ( تَنْبِيهٌ ) رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَقَالَ إنْ لَمْ آخُذْهُ مِنْك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَقَالَ صَاحِبُهُ : إنْ أَعْطَيْتُك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ جَبْرًا فَلَا يَحْنَثَانِ قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ ) لَأَقْضِيَنك حَقَّك غَدًا ( لَا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ تَأْخِيرَهُ فَمَاتَ ) زَيْدٌ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْغَدِ ( وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ لَمْ يَحْنَثْ ) فِي الْحَالِ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَحْنَثُ ( حَتَّى يَنْقَضِيَ ) الْغَدُ ( بِلَا قَضَاءٍ ) ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ قَبْلَ الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ حَنِثَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبِرِّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ لَأَقْضِيَنك ) حَقَّك ( إلَى الْغَدِ فَطَلَعَ الْفَجْرُ ) أَيْ فَجْرُ الْغَدِ ( وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ ) ؛ لِأَنَّ إلَى لِلْغَايَةِ وَبَيَانِ الْحَدِّ وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ أَوْ لَأَقْضِيَنك حَقَّك إلَى الْغَدِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ تَأْخِيرَهُ فَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْ الْقَضَاءَ عَلَى طُلُوعِ فَجْرِ الْغَدِ وَلَمْ يَشَأْ صَاحِبُ الْحَقِّ تَأْخِيرَهُ حَنِثَ قَالَ : وَلَوْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنهَا غَدًا فَطَلَّقَهَا الْيَوْمَ فَإِنْ اسْتَوْفَى الثَّلَاثَ حَنِثَ وَإِلَّا فَالْبِرُّ مُمْكِنٌ أَوْ لِيُصَلِّيَن مَنْذُورَةً عَلَيْهِ غَدًا فَصَلَّاهَا الْيَوْمَ حَنِثَ
( أَوْ ) لَأَقْضِيَنك حَقَّك رَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ أَوَّلَهُ أَوْ ( مَعَ ) رَأْسِ ( الْهِلَالِ ) أَوْ مَعَ الِاسْتِهْلَالِ أَوْ عِنْدَهُ ( أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ ) أَوْ مَعَ رَأْسِهِ ( حُمِلَ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ ) مِنْهُ ، وَهُوَ وَقْتُ الْغُرُوبِ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ الْمُقَارَنَةَ وَالْمُرَادُ الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ ( فَإِنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَنِثَ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ ( فَلْيَتَرَصَّدْ الْغُرُوبَ ) وَيُعِدُّ الْمَالَ وَيَقْضِيهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ أَخَذَ حِينَئِذٍ فِي مُقَدِّمَاتِ الْقَضَاءِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَحَمَلَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَتَأَخَّرَ الْفَرَاغُ لِكَثْرَةِ الْمَالِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( وَيَشْرَعُ بِهِ ) أَيْ بِالْغُرُوبِ أَيْ مَعَهُ ( فِي الْكَيْلِ ) وَالْوَزْنِ ( وَكَذَا مُقَدِّمَاتُهُ كَتَقْرِيبِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ : وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الْفَرَاغُ عِنْدَ الِاسْتِهْلَالِ لِيُقَارِنَهُ الْوَفَاءُ
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَنِثَ ) لَوْ نَوَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَوْلَى وَحَنِثَ فِيهَا بِمُضِيِّ قَدْرِ الْإِمْكَانِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَأَقْضِيَنك غَدًا وَنَوَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ الْغَدِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ وَيَجِيءُ هُنَا مِثْلُهُ ( قَوْلُهُ وَيَشْرَعُ بِهِ فِي الْكَيْلِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُ تَوَاصُلِ الْكَيْلِ أَوْ نَحْوِهِ إلَى كَمَالِ الْحَقِّ حَتَّى لَوْ تَخَلَّلَ فَتَرَاتٌ لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَهَا مُتَوَاصِلًا حَنِثَ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا ا هـ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ قَالَ ، وَإِنْ كَانَ يَطُولُ زَمَنُ قَضَائِهِ كَمِائَةِ مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ اتَّسَعَ زَمَنُ بِرِّهِ إذَا شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَامْتَدَّ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ مِنْ كَيْلِ هَذَا الْقَدْرِ حَتَّى رُبَّمَا امْتَدَّ أَيَّامًا وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَيْلًا بَعْدَ كَيْلٍ عَلَى الْعَادَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْقَضَاءِ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَا يَطُولُ الزَّمَانُ لِوَزْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَاقَ زَمَانُ بِرِّهِ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْهُ بِأَقَلِّ زَمَانٍ حَنِثَ فَإِنْ شَرَعَ فِي حَمْلِهِ إلَيْهِ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَكَانَ بَعِيدَ الدَّارِ مِنْهُ حَتَّى مَضَتْ اللَّيْلَةُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِمْكَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَطُولُ زَمَانُ قَضَائِهِ كَمِائَةِ مُدٍّ مِنْ بُرٍّ اتَّسَعَ زَمَنُ بِرِّهِ إذَا شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ مَعَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَامْتَدَّ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ مِنْ كَيْلِ هَذَا الْقَدْرِ حَتَّى رُبَّمَا امْتَدَّ أَيَّامًا فَإِنْ أَخَذَ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فِي جَمِيعِ مَا يَقْضِيهِ وَتَحْصِيلِهِ لِلْقَضَاءِ حَنِثَ ، وَإِنْ أَخَذَ فِي نَقْلِهِ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ شُرُوعٌ فِي الْقَضَاءِ وَلَيْسَ جَمْعُهُ شُرُوعًا فِيهِ ا هـ وَفِيهِ فَوَائِدُ ق و
( فَإِنْ شَكَّ فِي الْهِلَالِ ) فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى ( وَبِأَنَّ كَوْنَهَا ) مِنْ الشَّهْرِ ( فَكَمُكْرَهٍ ) فَلَا يَحْنَثُ ( وَانْحَلَّتْ ) يَمِينُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِانْحِلَالِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) لَأَقْضِيَنك حَقَّك ( أَوَّلَ يَوْمِ كَذَا فَبِطُلُوعِ فَجْرِهِ ) يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ ( أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ ) أَوْ إلَى رَمَضَانَ ( فَلِيُقَدِّمَهُ عَلَيْهِ ) كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ إلَى الْغَدِ نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِإِلَى مَعْنَى عِنْدَ فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي مُجَلِّي قَبُولُ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ ( أَوْ إلَى حِينٍ أَوْ إلَى زَمَانٍ ) أَوْ دَهْرٍ أَوْ حِقَبٍ أَوْ أَحْقَابٍ أَوْ نَحْوِهَا ( حَنِثَ بِالْمَوْتِ ) أَيْ قُبَيْلَهُ ( مُتَمَكِّنًا ) مِنْ الْقَضَاءِ لَا بِمُضِيِّ زَمَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ بَلْ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ لَأَقْضِيَن حَقَّك فَمَتَى قَضَاهُ بَرَّ سَوَاءٌ وَصَفَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِقُرْبٍ أَمْ بُعْدٍ أَوْ لَا فَجَمِيعُ الْعُمُرِ مُهْلَةٌ لَهُ وَيُخَالِفُ الطَّلَاقُ حَيْثُ يَقَعُ بَعْدَ لَحْظَةٍ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ حِينٍ أَوْ نَحْوِهِ وَفَرَّقَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ حِينٍ تَعْلِيقٌ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِ مَا يُسَمَّى حِينًا وَقَوْلُهُ لَأَقْضِيَن حَقَّك إلَى حِينِ وَعَدَ ، وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَقْضِيَن حَقَّ فُلَانٍ إلَى حِينٍ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ لَحْظَةٍ
( قَوْلُهُ فَإِنْ شَكَّ فِي الْهِلَالِ إلَخْ ) لَوْ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارًا بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ اللَّيْلَةُ الْمُسْتَقْبِلَةِ فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِلْغُرُوبِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ قَوْلُهُ فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ بَلْ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِثْلُهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا قَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ ) قَالَ ( لَا أُكَلِّمُك حِينًا أَوْ دَهْرًا ) أَوْ زَمَانًا أَوْ حِقَبًا أَوْ نَحْوَهُ ( بَرَّ بِأَدْنَى زَمَانٍ ) لِصِدْقِ ذَلِكَ بِهِ ( وَالْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ ) وَالْبَعِيدَةُ ( كَالْحِينِ ) وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ : لَأَقْضِيَن حَقَّك إلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ لَمْ يَتَقَدَّرْ بِزَمَنٍ أَيْضًا ، وَهُوَ كَالْحِينِ ( وَلَوْ قَالَ ) لَأَقْضِيَن حَقَّك ( إلَى أَيَّامٍ فَثَلَاثَةٌ ) مِنْهَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ ، وَأُمَّا إطْلَاقُهَا عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْحِينِ فِي قَوْلِهِمْ أَيَّامَ الْعَدْلِ وَأَيَّامَ الْفِتْنَةِ وَنَحْوِهِمَا فَخَرَجَ بِالْقَرِينَةِ هَذَا ( إنْ لَمْ يَنْوِ ) غَيْرَهَا وَإِلَّا عَمِلَ بِمَا نَوَاهُ
( النَّوْعُ السَّابِعُ الْخُصُومَاتُ ) وَنَحْوُهَا ( لَوْ حَلَفَ لَا يَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي وَعَيَّنَهُ بَرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ ) وَلَوْ ( عَلَى التَّرَاخِي وَلَوْ ) كَانَ الرَّفْعُ ( بِرَسُولٍ وَكِتَابٍ ) وَبِدُونِ حُضُورِ مُرْتَكِبِ الْمُنْكَرِ ( فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ ( حَنِثَ ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ ( لَا إنْ عُزِلَ ) الْقَاضِي فَلَا يَحْنَثُ بَلْ يَبَرُّ بِالْفَرْعِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ ( وَيُرْفَعُ إلَيْهِ ) حَالَةَ كَوْنِهِ ( مَعْزُولًا ) سَوَاءٌ أَرَادَ عَيْنَ الشَّخْصِ بِذِكْرِ الْقَضَاءِ تَعْرِيفًا لَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ أَطْلَقَ تَغْلِيبًا لِلْعَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَأَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْعَيْنِ وَكُلٌّ مِنْ الْوَصْفِ وَالْإِضَافَةِ يَطْرَأُ أَوْ يَزُولُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ ذَلِكَ بِمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَطْرَأَ وَتَزُولَ ( لَا إنْ أَرَادَ ) أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ ( وَهُوَ قَاضٍ ) أَوْ تَلَفَّظَ بِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَيَصِيرُ ) أَيْ فَلَا يَبَرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ مَعْزُولًا وَلَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ بَلْ يَصِيرُ ( فَقَدْ يَتَوَلَّى ) ثَانِيًا فَيَرْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ ، وَهُوَ قَاضٍ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى تَبَيَّنَ الْحِنْثُ وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عُزِلَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ حَنِثَ حُمِلَ عَلَى عَزْلٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَإِنَّ الْمِنْهَاجَ كَأَصْلِهِ قَيَّدَ بِدَوَامِ كَوْنِهِ قَاضِيًا فَلَا يُخَالِفُ مَا هُنَا أَصْلًا
( النَّوْعُ السَّابِعُ الْخُصُومَاتُ ) ( قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يَرْمِي مُنْكَرًا أَوْ غَيْرَهُ ) كَلُقَطَةٍ ( قَوْلُهُ فَلَا يَبَرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ مَعْزُولًا ) لَوْ كَانَ الْقَاضِي غَيْرَ أَهْلٍ وَلَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَتُهُ بَاطِنًا أَوْ انْعَقَدَتْ وَانْعَزَلَ بَاطِنًا بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَالْحَالِفُ يَعْلَمُ ذَلِكَ بَعْدَ حَلِفِهِ هَلْ يَبَرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ أَوْ يَكُونُ كَالْعَدَمِ وَكَمَا لَوْ انْعَزَلَ ظَاهِرًا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَالِفِ فَقِيهًا وَعَامِّيًّا وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَيُعَلِّقَ الْحُكْمَ بِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ غ وَقَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ كَالْعَدَمِ يَكُونُ كَالْعَدَمِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمِنْهَاجَ كَأَصْلِهِ قُيِّدَ بِدَوَامِ كَوْنِهِ قَاضِيًا إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْمُومَةَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ وَتَعَاقُبُ الْأَزْمِنَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ مَا دَامَ قَاضِيًا أَيْ فِي الْوِلَايَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا ا مَا دَامَ زَيْدٌ فِيهَا فَانْتَقَلَ زَيْدٌ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا وَدَخَلَ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : سُئِلْت عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَزْرَعُ الْأَرْضَ الْفُلَانِيَّةَ مَا دَامَتْ فِي إجَارَةِ فُلَانٍ فَأَجَرَهَا فُلَانٌ لِغَيْرِهِ ثُمَّ زَرَعَ فِيهَا الْحَالِفُ هَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ أَمْ لَا فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا لِمَنْفَعَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِانْتِقَالِ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ ، وَإِنْ أَرَادَ مَا دَامَ عَقْدُ إجَارَتِهِ بَاقِيًا لَمْ تَنْقَضِ مُدَّتُهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ إجَارَتَهُ بَاقِيَةٌ لَمْ تَفْرُغْ وَلَمْ تَنْفَسِخْ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُرِيدُونَ بِكَوْنِهَا فِي إجَارَتِهِ إلَّا أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِمَنْفَعَتِهَا وَقَدْ انْتَقَلَ عَنْهُ الِاسْتِحْقَاقُ وَأَيْضًا قَدْ فُهِمَ مِنْ غَرَضِ الْحَالِفِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تَحَكُّمٌ
عَلَيْهِ فِي أَرْضٍ يَزْرَعُهَا وَقَدْ زَالَ التَّحَكُّمُ بِانْتِقَالِ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِهِ
( وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَاضِي ) بِأَنْ حَلَفَ لَا يَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي ( بَرَّ بِمَنْ قَضَى ) أَيْ بِالرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي ( فِي بَلَدِهِ ) الَّذِي حَلَفَ فِيهِ دُونَ قَضَاءِ بَقِيَّةِ الْبِلَادِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ عُزِلَ مَنْ كَانَ قَاضِيًا أَوْ مَاتَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ بِالرَّفْعِ إلَى الثَّانِي لَا إلَى الْمَعْزُولِ ( وَلَوْ عَلِمَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْمُنْكَرَ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْحَالِفِ قَبْلَ رَفْعِهِ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ مِنْ مُخْبِرٍ آخَرَ أَمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ الْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا حَاجَةَ لِلرَّفْعِ فِي الثَّانِيَةِ وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) فِي بَلَدِهِ ( قَاضِيَانِ كَفَى الرَّفْعُ إلَى أَحَدِهِمَا ) نَعَمْ إنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْبَلَدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ قَاضِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا فَاعِلُ الْمُنْكَرِ ، وَهُوَ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ إذَا رَفَعَ الْمُنْكَرَ إلَى الْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ كَمَا مَرَّ لَا بِوُجُودِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ نَاحِيَةُ الْحَالِفِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَلَدُهُ
( قَوْلُهُ بَرَّ بِمَنْ قَضَى فِي بَلَدِهِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ ) فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَبَرُّ إذَا رَفَعَهُ إلَيْهِ ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَبَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ مُوجِبِهِ قَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى نَحْوِهِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ قَاضِي النَّاحِيَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي الزَّجْرُ عَنْهُ لِنُفُوذِ حُكْمِهِ عَلَى مُرْتَكِبِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ انْتَفَى ذَلِكَ ا ب
( وَ ) إنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا رَأَيْت مُنْكَرًا ( إلَّا رَفَعْته إلَى قَاضٍ فَكُلُّ قَاضٍ ) بِبَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( كَافٍ ) فِي الْبِرِّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَاضِيًا عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ لَا ( وَإِنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ ) حَقَّهُ ( فَفَارَقَهُ ) قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ ( كَفُرْقَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ) عَنْ مَجْلِسِ الْبَيْعِ عَالِمًا ( مُخْتَارًا حَنِثَ ) وَإِلَّا فَلَا لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْعًا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ( فَإِنْ فَارَقَهُ الْغَرِيمُ ) وَفَرَّ مِنْهُ ( فَلَا حِنْثَ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ ) فِي الْمُفَارَقَةِ أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ أَوْ فَارَقَ الْحَالِفُ بِمَكَانِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَرِيمِهِ ( فَإِنْ تَمَاشَيَا وَوَقَفَ أَحَدُهُمَا حَنِثَ ) الْحَالِفُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَقَفَ الْغَرِيمُ فَقَدْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ بِمَشْيِهِ أَوْ الْحَالِفُ فَقَدْ فَارَقَهُ بِالْوُقُوفِ ؛ لِأَنَّهُ الْحَادِثُ فَنُسِبَتْ الْمُفَارَقَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ فَمَشَى الْغَرِيمُ دُونَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ ثَمَّ الْمَشْيُ
( قَوْلُهُ فَإِنْ فَارَقَهُ الْغَرِيمُ فَلَا حِنْثَ إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ إطْلَاقِ الْيَمِينِ فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَدَعَهُ يُفَارِقُهُ وَنَحْوُهُ فَعَلَى مَا نَوَاهُ
( فَإِنْ قَالَ ) وَاَللَّهِ ( لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ ) مِنْك حَقِّي أَوْ حَتَّى تُوَفِّيَنِي حَقِّي ( فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ ) عَالِمًا ( مُخْتَارًا ) وَلَوْ بِالْفِرَارِ ( حَنِثَ الْحَالِفُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ) فِرَاقَهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْمُفَارَقَةِ ( فَإِنْ نَسِيَ الْغَرِيمُ ) الْحَالِفَ ( أَوْ أُكْرِهَ ) عَلَى الْمُفَارَقَةِ ( فَفَارَقَ فَلَا حِنْثَ ) إنْ كَانَ مِمَّنْ يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَقِسْ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي ( وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ ) ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ ( فَإِنْ قَالَ لَا نَفْتَرِقُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك ) حَقِّي ( حَنِثَ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا ) الْآخَرَ عَالِمًا ( مُخْتَارًا وَكَذَا ) إنْ قَالَ ( لَا افْتَرَقْنَا ) حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك لِصِدْقِ الِافْتِرَاقِ بِذَلِكَ فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ ( ثُمَّ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( يُنْظَرُ فِي الِاسْتِيفَاءِ ) لِلْحَقِّ ( فَإِنْ أَبْرَأَهُ ) مِنْهُ الْحَالِفُ ( حَنِثَ ) بِالْإِبْرَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ ( لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ ) بِاخْتِيَارِهِ ( وَكَذَا ) يَحْنَثُ ( لَوْ أَحَالَ ) الْغَرِيمُ الْحَالِفَ ( بِهِ ) أَيْ بِالْحَقِّ ( أَوْ ) أَحَالَ هُوَ أَجْنَبِيًّا ( عَلَيْهِ ) بِهِ ( أَوْ اعْتَاضَ عَنْهُ ) ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعِوَضِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اسْتِيفَاءً حَقِيقَةً فَهُوَ مُفَوِّتٌ لِلْبِرِّ بِاخْتِيَارِهِ ( إلَّا إنْ نَوَى ) بِيَمِينِهِ ( أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَعَلَيْهِ حَقُّهُ ) فَلَا يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
( فَإِنْ أَفْلَسَ ) الْغَرِيمُ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ ( فَفَارَقَهُ ) عَالِمًا مُخْتَارًا ( حَنِثَ ) ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا شَرْعًا كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّى حَنِثَ ، وَإِنْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ شَرْعًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ مَنَعَهُ الْحَاكِمُ ) مِنْ مُلَازَمَتِهِ فَفَارَقَهُ ( فَمُكْرَهٌ ) أَيْ فَكَمُكْرَهٍ فَلَا حِنْثَ ( وَإِنْ
اسْتَوْفَى ) حَقَّهُ ( مِنْ وَكِيلِهِ ) أَيْ مِنْ وَكِيلِ غَرِيمِهِ ( أَوْ ) مِنْ ( مُتَبَرِّعٍ ) بِهِ وَفَارَقَهُ ( حَنِثَ إنْ ) كَانَ ( قَالَ ) لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي ( مِنْك وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ مِنْك ( فَلَا ) يَحْنَثُ ( فَإِنْ اسْتَوْفَى ) حَقَّهُ ثُمَّ فَارَقَهُ ( ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا لَمْ يَحْنَثْ ) إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْأَرْشُ كَثِيرًا لَا يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ حَنِثَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ قِيلَ نُقْصَانُ الْحَقِّ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَهَلَّا كَانَ نُقْصَانُ الْأَرْشِ كَذَلِكَ قُلْنَا ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْحَقِّ مُحَقَّقٌ وَنُقْصَانُ الْأَرْشِ مَظْنُونٌ ( فَإِنْ بَانَ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ ) كَمَغْشُوشٍ أَوْ نُحَاسٍ ( وَلَمْ يَعْلَمْ ) بِالْحَالِ ( فَجَاهِلٌ ) فَلَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ ( وَإِنْ حَلَفَ ) الْغَرِيمُ فَقَالَ وَاَللَّهِ ( لَا أُوَفِّيك حَقَّك فَسَلَّمَهُ ) لَهُ ( مُكْرَهًا ) أَوْ نَاسِيًا ( لَمْ يَحْنَثْ أَوْ لَا اسْتَوْفَيْت ) حَقَّك مِنِّي ( فَأَخَذَهُ مُكْرَهًا ) أَوْ نَاسِيًا ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ عَالِمًا مُخْتَارًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ ) أَيْ الْغَرِيمِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ أَوْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَقَّهُ فَالْقَوْلُ فِي مُفَارَقَتِهِ مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا وَفِي الْحَوَالَةِ وَالْمُصَالَحَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا سَبَقَ
( وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ لَمْ يَكْفِ وَضْعُ سَوْطٍ وَيَدٍ ) وَغَيْرِهِمَا عَلَيْهِ ( بِلَا اسْمِ ضَرْبٍ ) فَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ ضَرْبًا كَفَى ( وَلَا يَكْفِي عَضٌّ ) لَا ( نَتْفُ شَعْرٍ ) وَلَا قَرْصٌ وَلَا خَنْقٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا وَلِهَذَا يُقَالُ مَا ضَرَبَهُ وَلَكِنْ عَضَّهُ وَنَتَفَ شَعْرَهُ وَقَرَصَهُ وَخَنَقَهُ ( فَلَوْ لَطَمَ أَوْ لَكَمَ فَضَرْبٌ ) فَيَكْفِي ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي الضَّرْبِ ( الْإِيلَامُ ) لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ ضَرَبَهُ وَلَمْ يُؤْلِمْهُ ( بِخِلَافِ الْعُقُوبَةِ ) مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِيلَامُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الزَّجْرُ ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَالْيَمِينُ يَتَعَلَّقُ بِالِاسْمِ نَعَمْ إنْ وَصَفَ الضَّرْبَ بِالشِّدَّةِ فَقَالَ ضَرْبًا شَدِيدًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيلَامِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ قَالَ وَيُرْجَعُ فِي الشِّدَّةِ إلَى الْعُرْفِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَضْرُوبِ ( وَيَبَرُّ ) الْحَالِفُ ( بِضَرْبِ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ ) وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلٌّ لِلضَّرْبِ ( لَا ) بِضَرْبِ ( الْمَيِّتِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّهُ
( قَوْلُهُ فَإِنْ سَمَّى ذَلِكَ ضَرْبًا كَفَى ) ، وَهُوَ الصَّدْمُ بِمَا يَعْرِضُ مِنْهُ وُقُوعُ الْأَلَمِ حَصَلَ الْأَلَمُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ وَكَتَبَ أَيْضًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الصَّدْمُ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يَتَوَقَّعُ مِنْهُ إيلَامٌ قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ وَصَفَ الضَّرْبَ بِالشِّدَّةِ ) أَوْ نَوَى ضَرْبًا شَدِيدًا
( فَرْعٌ ) لَوْ ( حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ مِائَةَ عُودٍ ) أَوْ عَصًا أَوْ خَشَبَةً ( فَشَدَّهَا ) وَضَرَبَهُ بِهَا مَرَّةً ( أَوْ ضَرَبَ ) هـ ( بِعِثْكَالٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ عُرْجُونٍ ( عَلَيْهِ مِائَةٌ ) مِنْ الْأَغْصَانِ ( مَرَّةً بَرَّ ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى بِمُوجِبِ اللَّفْظِ ( وَيَكْفِيهِ ) فِي الْبِرِّ ( تَثَاقُلُ الْكُلِّ عَلَيْهِ ) بِحَيْثُ يَنَالُهُ ثِقَلُ الْجَمِيعِ ( وَلَوْ شَكَّ ) فِي إصَابَتِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَن الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَلَمْ يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ بِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ وَالْمَشِيئَةُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَفَارَقَ أَيْضًا نَظِيرُهُ فِي الْحُدُودِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ وَفِي الْبِرِّ حُصُولُ الِاسْمِ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالشَّكِّ ( لَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يُكَفِّرَ ) عَنْ يَمِينِهِ ( وَإِنْ حَالَ ) بَيْنَ بَدَنِهِ وَمَا ضَرَبَ بِهِ ( ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَأَثُّرَ الْبَشَرَةِ بِالضَّرْبِ ) فَإِنَّهُ يَكْفِي فَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِ الْعِثْكَالِ أَوْ نَحْوِهِ حَائِلًا بَيْنَ بَدَنِهِ وَبَيْنَ بَعْضِهِ الْآخَرَ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَمْنَعُ التَّأَثُّرَ ( وَلَوْ قَالَ ) لَأَضْرِبَنهُ ( مِائَةَ سَوْطٍ لَمْ يَبَرَّ بِالْعُثْكَالِ ) الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سِيَاطًا ( وَ ) إنَّمَا ( يَبَرُّ بِسِيَاطٍ مَجْمُوعَةٍ بِشَرْطِ عَمَلِهِ إصَابَتِهَا ) بَدَنَهُ مَا مَرَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ مِائَةَ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةَ سَوْطٍ وَضَرَبَهُ بِهَا لَمْ يَبَرَّ قِيَاسُ الَّتِي قَبْلَهَا وَمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ يَبَرُّ فَكَلَامٌ سَقَطَ صَدْرُهُ ، وَهُوَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَجْلِدَنهُ مِائَةَ سَوْطٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَبَرُّ بِالْعُثْكَالِ فِي الْأَوْلَى ضَعِيفٌ ، وَإِنْ زَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ ( وَلَوْ قَالَ
) لَأَضْرِبَنَّهُ ( مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ ) مِائَةَ ( ضَرْبَةٍ لَمْ يَبَرَّ بِا ) لِمِائَةِ ( الْمَجْمُوعَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ بِهَا إلَّا مَرَّةً أَوْ ضَرْبَةً قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَعَلَيْهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّوَالِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
( قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : مُرَادُهُ بِالشَّكِّ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : كَذَا فَرَضَ الْجُمْهُورُ مَسْأَلَةَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَكَّ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إذَا شَكَّ حَنِثَ وَحَمَلَ النَّصَّ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إصَابَةُ الْجَمِيعِ ، وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ هَذَا الضَّرْبِ يَشُكُّ فِي الْحِنْثِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ا هـ وَتَنَاوَلَ الشَّكُّ أَيْضًا مَا إذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ إصَابَةِ الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فِي حَمْلِ الشَّكِّ عَلَى خِلَافِ الْيَقِينِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الظَّنِّ هُنَا تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ لَكِنْ تَرَجَّحَ عَدَمُهَا فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ الْبِرِّ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مِائَةَ سَوْطٍ لَمْ يَبَرَّ بِالْعُثْكَالِ إلَخْ ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَن عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ شَرْعًا قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ لَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا فِي الْمَنْقُولِ بِذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ الْإِيلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَضْرِبَهُ مِائَةً لَا إيلَامَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا عَجَبٌ إنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ الْبِرَّ يَحْصُلُ وَكَوْنُهُ يَعْصَى بِهِ أَوْ لَا كَلَامَ آخَرَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَن أَمْرًا مِنْ قَتْلٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ يَخْلُصُ مِنْ الْحِنْثِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ تَعَرُّضٌ لِتَجْوِيزِ ضَرْبِ الْمِائَةِ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ لَهَا إلَّا مَرَّةً أَوْ ضَرَبَهُ ) بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَمَى
الْجِمَارَ السَّبْعَ دَفْعَةً
( فَصْلٌ ) فِي حِنْثِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ ( لَا يَحْنَثُ نَاسٍ ) لِيَمِينِهِ ( وَجَاهِلٌ ) بِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ( وَمُكْرَهٌ ) عَلَيْهِ ( فِي يَمِينٍ ) بِاَللَّهِ تَعَالَى وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ لِخَبَرٍ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ أَوْ النِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ( وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ ) بِالْإِتْيَانِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا ؛ لِأَنَّا إذَا لَمْ نُحَنِّثْهُ لَمْ نَجْعَلْ يَمِينَهُ مُتَنَاوِلَةً لِمَا وُجِدَ إذْ لَوْ تَنَاوَلَتْهُ لَحَنِثَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَضْرِبَك بِشَهْرٍ فَضَرَبَهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ لَمْ تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَهَذِهِ مَعَ مَسْأَلَتِنَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَدْ وُجِدَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ لِمَانِعٍ ، وَهُوَ النِّسْيَانُ مَثَلًا هُنَا وَاسْتِحَالَةُ الْحِنْثِ قَبْلَ الْيَمِينِ هُنَاكَ فَالْمُتَّجَهُ مَا هُنَاكَ ، وَهُوَ الِانْحِلَالُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً انْتَهَى يُجَابُ بِأَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ فِي تِلْكَ مُعْتَدٌّ بِهِ شَرْعًا حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ مِنْ الِانْحِلَالِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْحِنْثُ بِهِ لِلِاسْتِحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا لَيْسَ مُعْتَدًّا بِهِ شَرْعًا
( قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ مَا هُنَاكَ ، وَهُوَ الِانْحِلَالُ إلَخْ ) أَمْكَنَ النَّاسِي وَالْمُكْرَهَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِفِعْلِهِمَا مَعْنَى الْحِنْثِ وَالْمَنْعِ فَلَا تَنْحَلُ بِهِ الْيَمِينُ ت وَقَوْلُهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِفِعْلِهِمَا مَعْنَى الْحِنْثِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ثُمَّ أَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ يَتَّبِعُ اللُّغَةَ تَارَةً إلَخْ قَالُوا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهَا تُبْنَى أَوَّلًا عَلَى اللُّغَةِ عَلَى الْعُرْفِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الشَّرْعِيُّ ثُمَّ الْعُرْفِيُّ ثُمَّ اللُّغَوِيُّ وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْأَدِلَّةِ الَّتِي اُسْتُنْبِطَ مِنْهَا الْأَحْكَامُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الشَّرْعِيُّ عَلَى الْعُرْفِيِّ كَبَيْعِ الْهَازِلِ وَطَلَاقِهِ فَإِنَّهُ نَافِذٌ ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُنَفِّذُونَهُ وَيُقَدَّمُ الْعُرْفِيُّ فِيهِمَا عَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ فَهُوَ كَالنَّاسِخِ لَهَا وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَاعِدَةُ الْأَيْمَانِ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ فَإِنْ اضْطَرَبَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ مُخْتَارًا وَلَا مُكْرَهًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ ) عَمَلًا بِتَعْلِيقِهِ ( فَلَوْ انْقَلَبَ ) الْحَالِفُ ( مِنْ نَوْمِهِ ) بِجَنْبِ الدَّارِ ( فَحَصَلَ فِيهَا أَوْ حُمِلَ ) إلَيْهَا ( وَ ) لَوْ ( لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحْنَثْ ) إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْأُولَى وَلَا فِعْلَ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ ) حُمِلَ إلَيْهَا ( بِأَمْرِهِ حَنِثَ ) كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَدَخَلَهَا وَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ دَخَلَهَا عَلَى ظَهْرِ فُلَانٍ كَمَا يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ دَخَلَهَا رَاكِبًا
( فَصْلٌ ) لَوْ ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ ) بِلَفْظِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْجَمِيعِ ؛ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا يَأْتِي ( بِخِلَافِ ) نَظِيرِهِ فِي ( السَّلَامِ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّخُولَ لِكَوْنِهِ فِعْلًا لَا يَتَبَعَّضُ إذْ لَا يَنْتَظِمُ أَنْ يُقَالَ دَخَلْت عَلَيْكُمْ إلَّا فُلَانًا بِخِلَافِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ ( فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِمْ فَقَوْلًا ) حَنِثَ ( الْجَاهِلُ ) فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ ( وَلَوْ دَخَلَ عَالِمًا بِهِ لِشُغْلٍ حَيْثُ هُوَ ) أَيْ زَيْدٌ أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ( حَنِثَ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ جَاهِلًا بِهِ ( فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ اسْتَدَامَ ) الْحَالِفُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى فِعْلِهِ لَا عَلَى فِعْلِ زَيْدٍ
( فَصْلٌ ) فِي أُصُولٍ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ ( لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ صَبِيٍّ وَ ) لَا ( مَجْنُونٍ وَ ) لَا ( مُكْرَهٍ ) لِعَدَمِ صِحَّةِ عِبَارَتِهِمْ شَرْعًا ( وَيَمِينُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ ) فَتَنْعَقِدُ ( وَتَنْعَقِدُ مِنْ كَافِرٍ ) كَمُسْلِمٍ ( وَمَنْ حَلَفَ ) عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ ( وَقَالَ أَرَدْت شَهْرًا ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ ( قُبِلَ ) مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ( لَا فِي حَقِّ آدَمِيٍّ كَطَلَاقٍ ) وَعَتَاقٍ ( وَإِيلَاءٍ ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ظَاهِرًا ( وَيَدِينُ ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا وَقَالَ أَرَدْت زَيْدًا ) مَثَلًا ( لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ ) عَمَلًا بِنِيَّتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ : لَا أَدْرِي مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْإِيمَانِ إنْ اتَّبَعَ اللُّغَةَ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ رَأْسٍ ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ فَأَصْحَابُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ ثُمَّ أَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ يَتَّبِعُ اللُّغَةَ تَارَةً عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا ، وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْعُرْفُ أُخْرَى عِنْدَ اطِّرَادِهِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي
( فَرْعٌ اللَّفْظُ الْخَاصُّ ) فِي الْيَمِينِ ( لَا يُعَمَّمُ ) بِنِيَّةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا ( وَالْعَامُّ قَدْ يُخَصَّصُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ ) بِمَا نَالَ مِنْهُ ( فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ ) مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ وَمَاءٍ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ وَغَيْرِهَا ( وَإِنْ نَوَاهُ ) وَكَانَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا تَقْتَضِي مَا نَوَاهُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى الْمَاءِ مِنْ عَطَشٍ خَاصَّةً ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَا نَوَى بِجِهَةٍ يَتَجَوَّزُ بِهَا ( وَيُخَصَّصُ الثَّانِي ) أَيْ الْعَامُّ ( إمَّا بِالنِّيَّةِ كَلَا أُكَلِّمُ أَحَدًا وَنَوَى زَيْدًا أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَلَا آكُلُ الرُّءُوسَ أَوْ بِالشَّرْعِ كَلَا أُصَلِّي حُمِلَ ) الْأَخِيرُ ( عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ ) وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا نَوَاهُ وَالثَّانِي عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ عُرْفًا فِي الرُّءُوسِ
( فَرْعٌ قَدْ يُصْرَفُ اللَّفْظُ ) مِنْ الْحَقِيقَةِ ( إلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ كَلَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَنَوَى مَسْكَنَهُ دُونَ مِلْكِهِ فَيُقْبَلُ ) قَوْلُهُ ( فِي غَيْرِ حَقِّ آدَمِيٍّ ) بِأَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ كَأَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ ( وَ ) قَدْ يُصْرَفُ إلَيْهِ ( بِالْعُرْفِ ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا وَالْحَقِيقَةُ بَعِيدَةٌ ( كَلَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يُحْمَلُ ) اللَّفْظُ ( عَلَى ) أَكْلِ ( الثَّمَرِ لَا ) عَلَى أَكْلِ ( الْوَرَقِ ) وَالْأَغْصَانِ ( وَقَدْ تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُتَعَارَفَةً ) وَالْمَجَازُ بَعِيدًا ( كَلَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ يُحْمَلُ ) اللَّفْظُ ( عَلَى ) أَكْلِ ( لَحْمِهَا لَا ) عَلَى ( اللَّبَنِ وَ ) لَحْمِ ( الْوَلَدِ ، وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ وَأَعَادَهَا ) أَيْ الْيَمِينَ مَرَّةً ( نَاوِيًا ) بِهَا يَمِينًا ( أُخْرَى ) أَوْ أَطْلَقَ ( فَيَمِينَانِ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ كَمَا مَرَّ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ حَيْثُ يَتَعَدَّدُ وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الظِّهَارِ حَيْثُ تَتَعَدَّدُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ بِأَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَنَاسَبَ أَنْ يُزْجَرَ عَنْهُ بِالْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْإِثْمِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ ؛ لِأَنَّ كَفَّارَتَهَا لَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَتِهَا بَلْ فِي مُقَابَلَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْحِنْثِ وَالْحِنْثُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْفِعْلِ ، وَهُوَ مُتَّحِدٌ ، وَأُمَّا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ فَمُلْحَقَةٌ بِالظِّهَارِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ كَرَّرَ ) قَوْلَهُ ( لَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ ( فَيَمِينٌ ) وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ
قَوْلُهُ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى أَكْلِ لَحْمِهَا ) وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ فَمَا أَدْرِي هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ يَتَنَاوَلُ الشَّحْمَ وَالْأَلْيَةَ وَالْكَبِدَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ التَّنَاوُلُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّحْمَ لِإِخْرَاجِ اللَّبَنِ وَالْوَلَدِ فِي الْجِلْدِ احْتِمَالٌ وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ بِتَنَاوُلِهِ جَمِيعَ مَا يُؤْكَلُ مِنْهَا وَصَرَّحَ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْخُوَارِزْمِيّ بِأَنَّهُ يَتَنَاوَل اللَّحْم وَالشَّحْمَ وَالْأَلْيَةَ فِي الشَّاةِ وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ التَّنَاوُلُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ وَكَتَبَ أَيْضًا الشَّحْمَ وَالْأَلْيَة وَالْكَرِشَ وَالْكَبِدَ وَالرِّئَةَ وَالْقَلْبَ وَالْمُخَّ وَالدِّمَاغَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَجْزَائِهَا كَاللَّحْمِ
( فَرْعٌ ) الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ عَلَى الْمَمْلُوكِ الْمُضَافِ يُعْتَمَدُ الْمَالِكُ دُونَ الْمَمْلُوكِ وَالْمَعْقُودَةُ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ يُعْتَمَدُ الْمُضَافُ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَوْ ( حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا سَيَمْلِكُهُ ) مِنْ الْعَبِيدِ ( أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ أَوْلَادَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا سَيُولَدُ ) لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ وَقْتَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ - - ( أَوْ ) قَالَ وَاَللَّهِ ( لَا أُكَلِّمُ النَّاسَ حَنِثَ بِوَاحِدٍ ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ يَحْنَثُ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ وَأَلْ لِلْجِنْسِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَ ثَلَاثَةً وَأَيَّدَهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ ) لَا أُكَلِّمُ ( نَاسًا فَبِثَلَاثَةٍ ) يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً أَوْ لَا يَشْتَرِي عَبِيدًا قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ : وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَإِنْ قَلَّ
( قَوْله أَوْ أَوْلَادُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا سَيُولَدُ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْزِلُ عَلَى مَا لِلْمَحْلُوفِ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْمِيلِهِ وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ شَعْرَ فُلَانٍ فَحَلَقَهُ ثُمَّ ثَبَّتَ شَعْرَ آخَرَ فَمَسَّهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي قَوْلُهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ النَّاسَ حَنِثَ بِوَاحِدٍ ) مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ أَوْ الْأَطْفَالِ أَوْ الْمَجَانِينِ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ نِسَاءً ) وَلَا يَشْتَرِي عَبِيدًا أَوْ يُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ مَعَ لَامِ التَّعْرِيفِ لِلْجِنْسِ وَمُنَكَّرًا لِلْعَدَدِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَفِيهِ نَظَرٌ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ إذَا حَلَفَ عَلَى مَعْدُودٍ كَالنَّاسِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ لَأُكْلَمَن النَّاسَ وَلَأَتَصَدَّقَن عَلَى الْمَسَاكِينِ لَا يَبَرُّ إلَّا بِثَلَاثَةٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ الْجَمْعِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْيِ حَنِثَ بِالْوَاحِدِ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ الْعَدَدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفْيَ الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ وَإِثْبَاتَ الْجَمِيعِ مُتَعَذِّرٌ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْإِثْبَاتِ ، وَأَقَلُّ الْعَدَدِ فِي النَّفْيِ .
ا هـ .
( فَرْعٌ ) الْمَعْرِفَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالنَّكِرَةِ فِي الْيَمِينِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ لِتَغَايُرِهِمَا فَلَوْ ( قَالَ ) وَاَللَّهِ ( لَا يَدْخُلُ دَارِي أَحَدٌ فَدَخَلَ هُوَ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ غَيْرُهُ حَنِثَ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ ( وَكَذَا ) لَوْ عَرَّفَ نَفْسَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ كَأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ ( لَا أُلْبِسُ هَذَا الْقَمِيصَ أَحَدًا ) فَأَلْبَسَهُ نَفْسَهُ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ حَنِثَ ( أَوْ عَرَّفَ ) غَيْرَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ كَأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ ( لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَحَدٌ حَنِثَ بِغَيْرِ زَيْدٍ ) أَيْ بِدُخُولِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُعَرَّفًا ( أَوْ ) قَالَ وَاَللَّهِ ( لَا يَقْطَعُ هَذَا الْيَدَ أَحَدٌ يَعْنِي يَدَهُ فَقَطَعَهَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ ) لِذَلِكَ ( أَوْ ) قَالَ ( لَأَدْخُلَن هَذِهِ ) الدَّارَ ( أَوْ هَذِهِ ) الدَّارَ الْأُخْرَى ( بَرَّ بِوَاحِدَةٍ ) أَيْ بِدُخُولِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ إثْبَاتَيْنِ اقْتَضَتْ ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا ( أَوْ لَا أَدْخُلُ ) هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ ( لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِدُخُولِهِمَا ) لَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيَيْنِ كَفَى لِلْبِرِّ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يَضُرُّ دُخُولُهُ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ إثْبَاتَيْنِ كَفَى لِلْبِرِّ أَنْ يَدْخُلَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَضُرُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْأُخْرَى ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ رَادًّا بِهِ مَا نَقَلَهُ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَيِّهِمَا دَخَلَ ؛ لِأَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيَيْنِ اقْتَضَتْ انْتِفَاءَهُمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } وَزَعَمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ غَيْرُ مُسْتَقِيم وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ
إحْدَاهُمَا ( أَوْ ) قَالَ ( لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَبَدًا أَوْ لَأَدْخُلَن ) الدَّارَ ( الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَدَخَلَ الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ بَرَّ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْأُخْرَى الْيَوْمَ وَلَا الْأُولَى بَرَّ أَيْضًا ) أَيْ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَبَدًا وَلَأَدْخُلَن هَذِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَدْخُلْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَنِثَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ دُخُولِ الْأُولَى أَبَدًا شَرْطٌ لِلْبِرِّ وَعَدَمَ دُخُولِ الثَّانِيَةِ فِي الْيَوْمِ شَرْطٌ لِلْحِنْثِ فَإِذَا وُجِدَ شَرْطُهُ حَنِثَ
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ نَفْيَيْنِ إلَخْ ) يُخَالِفُهُ مَا حَكَاهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أَكَلَتْ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا يَرْجِعُ إلَى مُرَادِهِ مِنْهُمَا فَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْيَمِينُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُرَادِ تَعْيِينَ مَا شَاءَ وَعِبَارَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِيهِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّعْيِينِ فَقَالَ : فَتَتَعَيَّنُ يَمِينُهُ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَزَعَمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مَا رَجَّحَهُ الْأَصْلُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إلَخْ ) عِبَارَتُهُ أَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ فَإِذَا كَانَتْ فِي الْإِثْبَاتِ حَصَلَ الْبِرُّ بِوَاحِدٍ وَإِذَا كَانَتْ فِي النَّفْيِ كَانَ الْمَنْفِيُّ فِعْلَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْحِنْثَ بِوَاحِدٍ فَقَوْلُهُ كَفَى لِلْبِرِّ أَنْ لَا يَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ طَرِيقُ الْبِرِّ أَنْ لَا يَدْخُلَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِ الدُّخُولِ لِوَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَبَحْثُ الرَّافِعِيِّ ضَعِيفٌ جِدًّا
( فَصْلٌ مَنْثُورٌ ) مَسَائِلُهُ لَوْ ( حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ يُشِيرُ إلَى دَارٍ فَانْهَدَمَتْ حَنِثَ بِالْعَرْصَةِ ) أَيْ بِدُخُولِهَا ( أَوْ ) لَا يَدْخُلُ ( هَذِهِ الدَّارَ فَلَا ) يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ( إلَّا إنْ بَقِيَتْ الرُّسُومُ أَوْ أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا ) لِبَقَاءِ اسْمِهَا فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ صَارَتْ فَضَاءً وَمَا لَوْ أُعِيدَتْ بِغَيْرِ آلَتِهَا فَلَا حِنْثَ بِدُخُولِهَا لِزَوَالِ اسْمِهَا عَنْهَا ( أَوْ لَا أَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ عَرْصَةَ دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا ( وَلَوْ جُعِلَتْ الدَّارُ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا ) أَوْ غَيْرَهُمَا ( لَمْ يَحْنَثْ ) لِزَوَالِ اسْمِهَا عَنْهَا
( فَصْلٌ مَنْثُورٌ مَسَائِلُهُ ) ( قَوْلُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ ) أَوْ دَارًا وَالْبَيْتُ كَالدَّارِ ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ بَقِيَتْ الرُّسُومُ ) الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْهَا بَقَاءُ شَاخِصٍ ، وَهِيَ أَمْثَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَالُوا إلَى تَرْجِيحِ اعْتِبَارِ بَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ وَنُقِلَ عَنْ تَعْلِيقِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُهَذَّبِ حَيْثُ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ إذَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ سَاحَةً لَمْ يَحْنَثْ أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا تُسَمَّى مَعَهُ دَارًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا .
ا هـ .
وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ وَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَانْهَدَمَتْ حَتَّى صَارَتْ ثُمَّ دَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ ا هـ ، وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلَيْهِمَا ( قَوْلُهُ فَشَمِلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَخْ ) شَمِلَ بَقَاءَ الْأَسَاسِ الْمَغِيبِ فِي الْأَرْضِ ( قَوْلُهُ وَمَا لَوْ أُعِيدَتْ بِغَيْرِ آلَتِهَا ) أَوْ بِآلَتِهَا وَآلَةٍ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الْمُشَارِ إلَيْهَا
( أَوْ ) قَالَ وَاَللَّهِ ( لَا أَشُمُّ الرَّيْحَانَ أَوْ رَيْحَانًا فَبِالضَّيْمَرَانِ ) أَيْ بِشَمِّهِ يَحْنَثُ ( فَقَطْ ) أَيْ ( دُونَ ) شَمِّ ( الْبَنَفْسَجِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالنَّرْجِسِ وَالْمَرْزَنْجُوشِ وَالزَّعْفَرَانِ ) وَنَحْوِهَا ( أَوْ ) لَا أَشُمُّ ( مَشْمُومًا حَنِثَ بِشَمِّ جَمِيعِ ذَلِكَ لَا ) بِشَمِّ ( الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا يُسَمَّى مَشْمُومًا عُرْفًا وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَحَلُّ حِنْثِهِ بِذَلِكَ إذَا اجْتَذَبَ الرَّائِحَةَ بِخَيَاشِيمِهِ حَتَّى شَمَّهَا ؛ لِأَنَّ شَمَّهَا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَوْ حَمَلَ النَّسِيمُ الرَّائِحَةَ حَتَّى شَمَّهَا لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ شَمَّهَا بِذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَذَبَ بِخَيَاشِيمِهِ مَا حَمَلَهُ النَّسِيمُ إلَيْهِ حَنِثَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ طِيبًا حَنِثَ بِكُلِّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي إطْلَاقِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُرْفِ نَظَرٌ ( أَوْ لَا أَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ لَمْ يَحْنَثْ بِدُهْنِهِمَا وَفِي ) شَمِّ ( يَابِسِهِمَا وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا كَذَلِكَ
( قَوْلُهُ فَبِالضَّيْمَرَانِ ) أَيْ الرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَحَلُّ حِنْثِهِ بِذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ قَوْلُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْجَهُهُمَا كَذَلِكَ ) أَصَحُّهُمَا حِنْثُهُ لِبَقَاءِ رَائِحَتِهَا
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَسْتَخْدِمُ زَيْدًا فَخَدَمَهُ بِلَا طَلَبٍ لَمْ يَحْنَثْ ) ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّ السِّينَ تَقْتَضِي الطَّلَبَ قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي : يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ اسْتِدَامَةُ الْخِدْمَةِ اسْتِخْدَامًا كَمَا أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ لُبْسٌ نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ إنْ طَلَبَ الْخِدْمَةَ يَحْنَثُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْخِدْمَةُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْدُمُهُ فَخَدَمَهُ ، وَهُوَ سَاكِتٌ فَيَحْنَثُ ( أَوْ لَا يَتَسَرَّى حَنِثَ بِأَنْ يَحْجُبَ الْجَارِيَةَ ) عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ حَتَّى عَنْ الضِّيفَانِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ ( وَيَطَأُ ) هَا ( وَيُنْزِلُ ) فِيهَا ( وَحَنِثَ وَبَرَّ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبًا ) فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ لَيَقْرَأَنهُ ( وَلَا تُجْزِئُهُ ) قِرَاءَتُهُ جُنُبًا ( عَنْ نَذْرِهِ ) الْقِرَاءَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّذْرِ التَّقَرُّبُ وَالْمَعْصِيَةُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا ( وَيَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِنَذْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبًا ) ، وَإِنْ عَصَى ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَنْعَقِدُ عَلَى فِعْلِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِخِلَافِ النَّذْرِ إذْ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ
( قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ لَيْسَ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ قَالَ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ حَتَّى عَنْ الضِّيفَانِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُصَلِّيَ فِي مُصَلَّى فَصَلَّى فِيهِ عَلَى ثَوْبٍ حَنِثَ ) كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَصَلَّى عَلَى حَصِيرٍ فِيهِ ( فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مُلَاقَاتَهُ ) أَيْ عَدَمَ مُلَاقَاةِ الْمُصَلَّى بِقَدَمِي وَجَبْهَتِي وَبَدَنِي وَثِيَابِي ( قُبِلَ ) مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ ( لَا ) إنْ قَالَ ذَلِكَ ( وَالْيَمِينُ بِطَلَاقٍ ) أَوْ عِتْقٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَيَدِينُ ( أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَأَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ ) أَوْ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ ( فَقَالَ يَا جِدَارُ افْعَلْ كَذَا لِيُفْهِمَهُ ) الْغَرَضَ ( لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إنْ أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ ) وَتَكَلَّمَ ( وَلَمْ يُنَادِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَجَعَلَ مِنْهُ رُقْعَةً ) فِي ثَوْبِهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا ( وَحَنِثَ بِعِمَامَةٍ ) تَعَمَّمَ بِهَا ، وَقَدْ نُسِجَتْ ( مِنْهُ إنْ حَلَفَ بِالْعَرَبِيَّةِ دُونَ الْفَارِسِيَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بِهَا لُبْسًا ( لَا ) بِالْتِحَافِ ( لِحَافٍ ) نُسِجَ مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا كَمَا فِي التَّدَثُّرِ بِالثَّوْبِ
( وَلَوْ قِيلَ لَهُ كَلِّمْ زَيْدًا الْيَوْمَ فَحَلَفَ وَلَوْ بِطَلَاقٍ لَا يُكَلِّمُهُ فَلِلْأَبَدِ ) انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَوْمَ ) فَيَنْعَقِدُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي فَصْلٍ لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُ صَبِيٍّ بِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ هُنَا فِي السُّؤَالِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ ( فَإِنْ كَلَّمَهُ وَالْحَالِفُ مَجْنُونٌ لَمْ يَحْنَثْ ) وَقِيلَ يَحْنَثُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ
( قَوْلُهُ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ ) ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ
( وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ حَانُوتَ فُلَانٍ حَنِثَ بِمَا ) أَيْ بِدُخُولِهِ الْحَانُوتَ الَّذِي ( يَعْمَلُ فِيهِ وَلَوْ مُسْتَأْجَرًا ) لِلْعُرْفِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْحِنْثِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ انْتَهَى وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ( وَقَوْلُهُ وَسُلْطَانُ اللَّهِ يَمِينٌ إنْ أَرَادَ الْقُدْرَةَ لَا الْمَقْدُورَ فَإِنْ قَالَ وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ النِّعْمَةَ وَالْعُقُوبَةَ ) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا أَوْ أَرَادَ فِعْلَهُمَا ( فَلَيْسَ يَمِينًا أَوْ أَرَادَهُمَا ) أَيْ أَرَادَ إرَادَتَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( فَيَمِينٌ ) وَذِكْرُ حُكْمِ عَدَمِ إرَادَةِ شَيْءٍ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ لَأَضْرِبَنك حَتَّى تَبُولِي أَوْ يُغْشَى عَلَيْك أَوْ حَتَّى تَمُوتِي حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَخِيرَةِ بَحْثٌ لِلْأَصْلِ وَعِبَارَتُهُ أَوْ حَتَّى أَقْتُلَهَا أَوْ تُرْفَعَ مَيِّتَةً حُمِلَ عَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ وَيَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيْضًا انْتَهَى لَكِنَّ مَا بَحَثَهُ جَزَمَ بِهِ فِي أَوَاخِرِ الطَّلَاقِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ حَسَنٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهَا فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَهَذَا عَلَى الشِّكَايَةِ بِأَحَدِهِمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يُوجَدُ مِنْهُمَا مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَلَا تُعْتَبَرُ الشِّكَايَةُ
( قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الْخَيْمَةَ فَنُقِلَتْ إلَى مَوْضِعٍ ) آخَرَ ( وَدَخَلَهَا حَنِثَ ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ ) أَيْ عَلَى الْقَطْعِ بِهِ أَوْ بِهِمَا ( فَأُعِيدَتْ صَنْعَتُهُ ) أَيْ السَّيْفِ بَعْدَ كَسْرِهِ ( أَوْ قُلِبَ حَدُّهَا ) أَيْ السِّكِّينِ وَجُعِلَ فِي ظُهْرِهَا وَقَطَعَ بِهِمَا ( لَمْ يَحْنَثْ ) وَفِي مَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرُ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ بَلْ يُمْكِنُ إدْرَاجُ حُكْمِ السِّكِّينِ فِي حُكْمِ السَّيْفِ بِتَفْسِيرِ ضَمِيرِ صَنْعَتِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( وَلَا أَثَرَ ) فِي الْحِنْثِ ( لِتَبْدِيلِ مِسْمَارٍ وَنِصَابٍ ) بِغَيْرِهِمَا
( أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يَقْرَأُ بِمُصْحَفٍ فَفَتَحَهُ وَقَرَأَ فِيهِ حَنِثَ أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ ) فِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ( أَوْ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ ) ، وَهُوَ مَبْرِيٌّ ( فَكُسِرَ ثُمَّ بُرِيَ ) وَكَتَبَ بِهِ ( لَمْ يَحْنَثْ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْبُوبَةُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْأُولَى لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةَ حَالَةَ الْحَلِفِ وَالْقَلَمَ فِي الثَّانِيَةِ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا ؛ لِأَنَّهَا سَتَصِيرُ قَلَمًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ فَدَخَلَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ فِيهِ حَنِثَ قَالَ الرَّافِعِيُّ ( أَوْ لَا يَسْتَنِدُ إلَى هَذَا الْجِدَارِ ) أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ ( فَهُدِمَ وَبُنِيَ بِآلَتِهِ لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِبَعْضِهَا ) وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ أَوْ جَلَسَ عَلَيْهِ ( حَنِثَ )
( تَنْبِيهٌ ) حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً هَلْ يَحْنَثُ بِالْمُسْتَعْمَلِ يَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ مَنَعَ اسْتِعْمَالَهُ تَعَبُّدًا أَوْ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ فَهَلْ يَنْزِلُ عَلَى مُطْلَقِ الِاسْمِ أَوْ لَا حَتَّى يُنْقَضَ الْوُضُوءُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَ زَيْدٍ فَحَضَرَ الْجُمُعَةَ فَوَجَدَهُ إمَامًا فَهَلْ يُصَلِّيَ وَيَحْنَثُ أَوْ لَا يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى الصَّلَاةِ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَهُ الْقَاضِي وَقُلْنَا بِوُجُوبِ التَّغْلِيظِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَؤُمُّ زَيْدًا فَصَلَّى خَلْفَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ هَلْ يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْيَوْمَ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَاسْتَدَامَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ قَطَعَ الْأَكْلَ قَطْعًا بَيِّنًا ثُمَّ عَادَ حَنِثَ ، وَإِنْ قَطَعَ لَيَشْرَبُ الْمَاءَ أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ أَوْ لِانْتِظَارِ مَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يَحْنَثْ قَطْعًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ وَقَوْلُهُ فَهَلْ يَنْزِلُ عَلَى مُطْلَقِ الِاسْمِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَهَلْ يُصَلِّي وَيَحْنَثُ
( أَوْ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ فِيمَا ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِمَا ( يَمْلِكُ مِنْ مُبَاحٍ وَبِعَقْدٍ لَا إرْثٍ وَيَحْنَثُ بِكَسْبٍ ) كَسْبِهِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثُمَّ ( مَاتَ عَنْهُ وَوَرِثَهُ الْحَالِفُ ) وَأَكَلَهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّ مَا قَبِلَهُ غَيْرُهُ صَارَ مُكْتَسَبًا لَهُ فَلَا يَبْقَى مُكْتَسَبًا لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ فَيَبْقَى مُكْتَسِبًا لِلْأَوَّلِ وَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِمَّا زَرَعَهُ فَأَكَلَ مِمَّا زَرَعَهُ وَبَاعَهُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ وَلَك أَنْ لَا تُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَيُشْتَرَطُ لِكَسْبِهِ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ ( وَالْحَلْوَى مَا اُتُّخِذَ مِنْ نَحْوِ عَسَلٍ وَسُكَّرٍ ) مِنْ كُلِّ حُلْوٍ لَيْسَ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ كَدِبْسٍ وَقَنْدٍ وَفَانِيذٍ لَا عِنَبٍ وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانٍ ( لَا هُمَا ) أَيْ الْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَتْ بِحَلْوَى بِدَلِيلِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَلْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْمَعْمُولِ بِخِلَافِ الْحُلْوِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي اللَّوْزَيْنَجِ وَالْجَوْزَيْنَجِ وَجْهَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ الْحِنْثُ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعِدُّونَهُمَا حَلْوَاءَ قَالَ وَمِثْلُهُ مَا يُقَالُ لَهُ الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانِ وَالْقَطَائِفُ ( وَالشِّوَاءُ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ ) الْمَشْوِيِّ ( لَا ) عَلَى ( الشَّحْمِ ) وَالسَّمَكِ الْمَشْوِيَّيْنِ ( وَالطَّبِيخُ ) يَقَعُ ( عَلَى مَرَقٍ وَلَحْمِهِ وَكَذَا ) عَلَى ( أُرْزٍ وَعَدَسٍ طُبِخَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( بِوَدَكٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ وَالْمَرَقُ ) يَصْدُقُ ( بِمَطْبُوخِ اللَّحْمِ ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْمَرَقَ فَهُوَ مَا يُطْبَخُ بِاللَّحْمِ أَيِّ لَحْمٍ كَانَ ( فَإِنْ طُبِخَ بِهِ ) أَيْ بِالْمَرَقِ وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ ( الشَّحْمُ وَالْبُطُونُ ) وَالْكَرِشُ ( فَوَجْهَانِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَكْثَرُ النَّاسِ يُعِدُّونَ ذَلِكَ مَرَقًا وَلَا يُقَصِّرُونَ
الْمَرَقَ عَلَى مَا يُطْبَخُ بِاللَّحْمِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْمَطْبُوخَ حَنِثَ بِمَا طُبِخَ بِالنَّارِ أَوْ أُغْلِيَ وَلَا يَحْنَثُ بِالْمَشْوِيِّ وَالطَّبَاهِجَةِ مُسْتَوِيَةٌ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ ( وَالْغَدَاءُ ) أَيْ وَقْتُهُ ( مِنْ ) طُلُوعِ ( الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ الْعَشَاءُ ) أَيْ وَقْتُهُ مِنْ الزَّوَالِ ( إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ، وَقَدْرُهُمَا ) أَنْ يَأْكُلَ ( فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ ثُمَّ هُوَ ) أَيْ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ( سَحُورٌ ) أَيْ وُقِّتَ لَهُ ( إلَى ) طُلُوعِ ( الْفَجْرِ وَالْغَدْوَةِ مِنْ ) طُلُوعِ ( الْفَجْرِ ) إلَى الِاسْتِوَاءِ ( وَالضَّحْوَةِ بَعْدَ ) طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ حِينِ ( زَوَالِ الْكَرَاهَةِ ) لِلصَّلَاةِ ( إلَى الِاسْتِوَاءِ وَالصَّبَاحُ مَا بَعْدَ الطُّلُوعِ ) لِلشَّمْسِ ( إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ الْعَشَاءِ مِنْ الزَّوَالِ وَفِي مِقْدَارِ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَفِي امْتِدَادِ الْغَدْوَةِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ وَفِي أَنَّ الضَّحْوَةَ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ قُلْت ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ أَيْضًا فِي كَوْنِ الصَّبَاحِ مُقَيَّدًا بِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ الْحِنْثُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مَرَقًا ) هُوَ الْأَصَحُّ ( 98 ) ( فَرْعٌ ) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَرِيدًا لَمْ يَحْنَثْ بِخُبْزٍ غَيْرِ مُثْرَدٍ فِي مَرَقٍ وَفِي الْحَاوِي لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلَتْ لَذِيذًا فَأَكَلَ مَا يَسْتَلِذُّ بِهِ هُوَ وَلَا يَسْتَلِذُّهُ غَيْرُهُ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلَذٍّ بِمَا أَكَلَهُ وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْت مُسْتَلَذًّا حَنِثَ بِمَا يَسْتَلِذُّهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلَذَّ مِنْ صِفَاتِ الْمَأْكُولِ وَاللَّذِيذُ مِنْ صِفَاتِ الْأَكْلِ وَفِيمَا أَطْلَقَهُ نَظَرٌ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ يَحْنَثُ بِمَا يُعَدُّ مُسْتَلَذًّا عُرْفًا ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلِذَّهُ هُوَ وَإِلَّا فَقَدْ يَسْتَلِذُّ بَعْضُ الْأَجْلَافِ بِمَا لَا يُسْتَلَذُّ أَصْلًا وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُ وَكَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِالْوَاضِحِ غ ( قَوْلُهُ وَالضَّحْوَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ ) وَالصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ وَالرَّبِيعُ وَالْخَرِيفُ الْمُدَدُ الْمَعْلُومَةُ
( وَقَوْلُهُ لِمَنْ دَقَّ الْبَابَ ) وَكَانَ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ ( مَنْ هَذَا كَلَامٌ ) مِنْهُ ( لَهُ ) فَيَحْنَثُ ( إنْ عَلِمَ بِهِ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَكَذَا إيقَاظُ نَائِمٍ ) حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ وَأَيْقَظَهُ بِالْكَلَامِ فَإِنَّهُ كَلَامٌ لَهُ فَيَحْنَثُ إنْ عَلِمَ بِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعِلْمِ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا انْتَبَهَ النَّائِمُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فِيهَا نَقْلًا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَبَّهَهُ مِنْ النَّوْمِ حَنِثَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ ، وَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ، وَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَى مَا ذَكَرْته ( وَقَوْلُهُ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا أَوْ الْيَوْمَ وَغَدًا لَمْ يَحْنَثْ بِاللَّيْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْيَمِينِ ( إلَّا بِنِيَّتِهِ ) فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا ( أَوْ ) قَالَ ( لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ فَالْيَمِينُ عَلَى يَوْمَيْنِ فَقَطْ ) فَلَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَمْ يَحْنَثْ ( أَوْ ) لَا أُكَلِّمُهُ ( يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ فَثَلَاثَةٌ ) أَيْ فَالْيَمِينُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ مُبْتَدَأٌ ( وَيُشْتَرَطُ فِي ) الْبِرِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى ( هَدْمٍ ) أَوْ نَقْضِ هَذِهِ ( الدَّارِ كَذَا ) هَذَا ( الْحَائِطَ لَا كَسْرَهُ إزَالَةَ الِاسْمِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى كَسْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبِرِّ إزَالَةُ الِاسْمِ
( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا تَنَبَّهَ النَّائِمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( حَلَفَ لَا يَزُورُهُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا يَحْنَثُ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ أَوْ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ صُوفًا فَأَدْخَلَ شَاةً ) عَلَيْهَا صُوفٌ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّوفُ فِيمَا يَظْهَرُ ( أَوْ ) لَا يُدْخِلُهُ ( بَيْضًا فَأَدْخَلَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ ) وَلَوْ ( فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُظِلُّهُ سَقْفٌ حَنِثَ ) بِاسْتِظْلَالِهِ ( بِالْأَزَجِ أَوْ ) حَلَفَ ( لَا يُفْطِرُ فَبِأَكْلٍ وَجِمَاعٍ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفَطِّرُ يَحْنَثُ ( لَا رِدَّةٍ وَحَيْضٍ وَ ) دُخُولِ ( لَيْلٍ ) وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفَطِّرُ عَادَةً كَجُنُونٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ الْجَنِينَ فَذَبَحَ شَاةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاتُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذْبَحُ شَاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُرَاعَى فِيهَا الْعَادَةُ وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ ذَبْحٌ لِشَاتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأُولَى أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَقْرَبُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْبِهُ الْفَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِحَمْلِهَا وَجَهْلِهِ وَظَنِّهِ حِيَالَهَا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مَا دَامَ الْأَمِيرُ فِي الْبَلَدِ فَخَرَجَ الْأَمِيرُ مِنْهَا فَاصْطَادَ ثُمَّ رَجَعَ وَاصْطَادَ لَمْ يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ دَوَامِ الصِّفَةِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مَا يُوَافِقُهُ
( قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّوفُ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَذَبَحَ شَاةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ إلَخْ .
( خَاتِمَةٌ ) وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ فَشَرِبَ النَّبِيذَ قَالَ الْقَاضِي لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ : لَا أَبِيعُ الْعَبْدَ فَبَاعَ بَعْضَهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ وَوَهَبَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَهَا ثَوْبًا فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِنِيَّتِهَا لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ لَا لَهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِوَكَالَتِهَا وَلَوْ قَالَتْ لَا أَلْبَسُ ثَوْبَهُ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِنِيَّتِهَا فَلَبِسَتْهُ حَنِثَتْ ، وَإِنْ مَلَكَهَا فَلَبِسَتْهُ لَمْ تَحْنَثْ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا لَبِسْت ثَوْبًا فَوَهَبَهُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ لَا أَخَذْت لَهُ دِرْهَمًا فَوَهَبَهُ دِرْهَمًا فَقَبَضَهُ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ لَهُ دِرْهَمًا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَحَالَةُ الْقَبْضِ هُوَ قَابِضٌ دِرْهَمًا لِغَيْرِهِ ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَإِنَّمَا لَبِسَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ لَهُ
( كِتَابُ الْقَضَاءِ ) بِالْمَدِّ أَيْ الْحُكْمُ وَجَمْعُهُ أَقْضِيَةٌ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ يُقَالُ لِإِتْمَامِ الشَّيْءِ وَإِحْكَامِهِ وَإِمْضَائِهِ وَالْفَرَاغِ مِنْهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَتِمُّ الْأَمْرَ وَيُحْكِمُهُ وَيُمْضِيهِ وَيَفْرُغُ مِنْهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وقَوْله تَعَالَى { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وقَوْله تَعَالَى { إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ } وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهَا فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ { إذَا جَلَسَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلَكَيْنِ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ فَإِنْ عَدَلَ أَقَامَا ، وَإِنْ جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ } وَمَا جَاءَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ { مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ } مَحْمُولٌ عَلَى عِظَمِ الْخَطَرِ فِيهِ أَوْ عَلَى مَنْ يُكْرَهُ لَهُ الْقَضَاءُ أَوْ يَحْرُمُ عَلَى مَا سَيَأْتِي ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ : الْأَوَّلُ : فِي التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي التَّوْلِيَةِ وَ ) فِي ( الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ ) أَيْ تَوَلِّيهِ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ ( كَالْإِمَامَةِ ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ
كِتَابُ الْقَضَاءِ ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَالْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ إظْهَارُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاءُ الْحُكْمِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ إظْهَارُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ مِنْ مُطَاعٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُطَاعِ عَنْ الْمُفْتِي قَالَ الشَّيْخُ : وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِي أَيْضًا تَجِبُ طَاعَتُهُ فَهُوَ مُطَاعٌ شَرْعًا قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُوَ الْإِلْزَامُ مِمَّنْ لَهُ فِي الْوَقَائِعِ الْخَاصَّةِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا : أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ سِتٌّ يَلُوحُ بِعَدِّهَا التَّحْقِيقُ حُكْمٍ وَمَحْكُومٍ بِهِ وَلَهُ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَحَاكِمٌ وَطَرِيقٌ فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ، وَهُوَ الْإِيجَابُ أَوْ التَّحْرِيمُ أَوْ الْإِبَاحَةُ أَوْ الصِّحَّةُ أَوْ الْفَسَادُ وَكَذَلِكَ السَّبَبِيَّةُ وَالشَّرْطِيَّةُ وَالْمَانِعِيَّةُ وَلَا يَحْكُمُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا نَدْبٍ فَإِنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِمَا مُبَاشَرَةً وَلَا اسْتِلْزَامًا بِخِلَافِ تِلْكَ الْأُمُورِ ( قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ الْإِمَامُ عَلَى فَصْلِ كُلِّ الْخُصُومَاتِ بِنَفْسِهِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ ( تَنْبِيهٌ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ هَلْ التَّصَدِّي لِلْقَضَاءِ أَفْضَلُ أَمْ التَّصَدِّي لِلْفُتْيَا فَأَجَابَ بِأَنَّ التَّصَدِّي لِلْفُتْيَا أَفْضَلُ فَإِنَّ مُتَعَلَّقَهَا أَهَمُّ ( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ ) هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا ( قَوْلُهُ أَيْ تَوْلِيَةً ) أَمَّا إيقَاعُ التَّوْلِيَةِ لِلْقَاضِي فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى قَاضِي الْإِقْلِيمِ فِي الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ الْخَبَرُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ تَعَيَّنَ فَرْضُ
التَّوْلِيَةِ عَلَى الْقَاضِي ، وَإِنْ بَلَغَهُ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا وَلِيَ سَقَطَ الْفَرْضُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَأَمَّا إيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَإِذَا ارْتَفَعَا إلَى النَّائِبِ فَإِيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الدَّفْعُ إذَا كَانَ فِيهِ تَعْطِيلٌ وَتَطْوِيلُ نِزَاعٍ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( قَوْلُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إمَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ هُمَا وَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ
( وَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِي نَاحِيَتِهِ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ ( لَزِمَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ ) إذَا وَلِيَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهَا ( وَلَا يُعْذَرُ ) الْمُتَعَيِّنُ ( لِخَوْفِ مَيْلٍ ) مِنْهُ أَيْ جَوْرٍ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَقْبَلَ وَيَحْتَرِزَ مِنْ الْمَيْلِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ ( وَلَا يَفْسُقُ بِالِامْتِنَاعِ ) مِنْ ذَلِكَ ( لِتَأَوُّلِهِ ) فِي امْتِنَاعِهِ ، وَإِنْ أَخْطَأَ ( وَيُجْبَرُ ) عَلَى الْقَبُولِ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ التَّعَيُّنِ ، وَأُمَّا خَبَرُ { أَنَّا لَا نُكْرِهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَحَدًا } فَحَمَلُوهُ عَلَى حَالِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ مَعَ أَنَّهُ غَرِيبٌ ( فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ) مِنْ الْقَبُولِ ( كُرِهَ ) لِلْمَفْضُولِ ( الطَّلَبُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ { عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ } ( وَجَازَ ) لَهُ ( الْقَبُولُ ) إذْ وَلِيَ مَعَ كَرَاهَتِهِ فَلَوْ قَالَ وَالْقَبُولُ كَانَ أَوْلَى وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالتَّوْلِيَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْقَبُولِ فَكَالْمَعْدُومِ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ أَقْوَى فِي الْقِيَامِ فِي الْحَقِّ ( وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مِثْلُهُ وَكَانَ هَذَا مَشْهُورًا ) يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ ( مُكَفِّيًا ) بِغَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ ( كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ ) وَعَلَى هَذَا حُمِلَ امْتِنَاعُ السَّلَفِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا أَوْ مَكْفِيًّا ( اُسْتُحِبَّ ) لَهُ ذَلِكَ ( لِيُنْتَفَعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيَكْتَفِيَ ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دُونَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَبُولُ وَكَذَا الطَّلَبُ ) ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبَّانِ ( إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ ) أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا فَيَحْتَرِزُ ؛ لِأَنَّ أَهَمَّ الْعَزَائِمِ حِفْظُ السَّلَامَةِ وَبِمَا
تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ حُذِفَ لَفْظَةُ كَذَا كَانَ أَوْلَى
( قَوْلُهُ وَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ ) وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى بَذْلِ مَالٍ لَزِمَهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَأَئِمَّتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ غ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهَا ) أَيْ النَّاحِيَةِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُقُ بِالِامْتِنَاعِ لِتَأَوُّلِهِ ) فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَمْتَنِعُ بِلَا تَأْوِيلٍ فَيَفْسُقُ فَلَا بُدَّ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَاسِقَ مَتَى حَصَلَ بِتَوْبَتِهِ الْعِلْمُ بِزَوَالِ الْفِسْقِ صَحَّتْ فِي الْحَالِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَاضِلِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ يَرْتَفِعُ فِسْقُهُ ، وَهَذَا مِثْلُهُ وَلَهُ نَظَائِرُ ع ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ إلَخْ ) قَالَ الْمُفْتِي هَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ مُتَعَيِّنًا وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَزِدْت بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُجْبَرُ لَفْظَةً وَإِلَّا إلَخْ لِيَسْتَقْسِمَ الْكَلَامُ ا هـ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ وَمَنْ تَعَيَّنَ فَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لَيْسَ عَائِدًا عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ ( قَوْلُهُ كُرِهَ لِلْمَفْضُولِ الطَّلَبُ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ الْفَاضِلِ فِي الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ الْمُقَلِّدِينَ الْعَارِفِينَ بِمَدَارِكِ مُقَلَّدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْفَاضِلُ مُجْتَهِدًا وَأَوْ مُقَلِّدًا عَارِفًا بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَالْمَفْضُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ تَوْلِيَتُهُ وَلَا قَبُولُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَوْجِيهُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) وَقَوْلُهُ وَالْبُلْقِينِيُّ إلَخْ وَيَلْحَقُ بِالْمَفْضُولِ فِيهِمَا الْمِثْلُ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ وَالْحَامِلُ ( قَوْلُهُ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ إلَخْ ) أَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا ( قَوْلُهُ
لِيَنْتَفِعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيَكْتَفِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُزَادُ مَا إذَا كَانَ الْمِثْلُ يَرْتَكِبُ أُمُورًا يَضْعُفُ مُدْرِكُهَا فَيُنْدَبُ لَهُ الطَّالِبُ وَقَدْ يَقْوَى الْإِيجَابُ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ يُنْقَضُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَوْ كَانَ لَا يَقُومُ بِكِفَايَةِ النَّاسِ فِي خُصُومَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ إلَّا بِجَهْدٍ وَتَعَبٍ وَتَكَلُّفٍ وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ بَعْضُ الْقَضَايَا لِلْكَثْرَةِ فَيُنْدَبُ الطَّلَبُ لِمَنْ يَقُومُ بِالْمَصَالِحِ بِحَيْثُ يَزُولُ مَا ذَكَرَ ( قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَ الْخَوْفِ فَيَحْتَرِزُ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْإِقْدَامِ لَكِنْ قَطَعَ فِي الذَّخَائِرِ بِوُجُوبِ الِامْتِنَاعِ ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ
( وَحَرُمَ ) عَلَى الصَّالِحِ ( لِلْقَضَاءِ طَلَبٌ ) لَهُ ( وَبَذْلُ مَالٍ لِعَزْلِ ) قَاضٍ ( صَالِحٍ ) لَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( دُونَهُ وَبَطَلَتْ ) بِذَلِكَ ( عَدَالَتُهُ ) فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَالْمَعْزُولُ بِهِ عَلَى قَضَائِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ ( وَلَوْ وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ طَلَبُهُ جَازَ بَذْلُ الْمَالِ وَ ) لَكِنَّ ( آخِذُهُ ظَالِمٌ ) كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى وَيَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ( وَكَذَا يُسْتَحَبُّ بَذْلُهُ لِعَزْلِ ) قَاضٍ ( غَيْرِ صَالِحٍ ) لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْهُ لَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ ( وَلَا يَجِبُ ) عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ( طَلَبٌ وَ ) لَا ( قَبُولٌ ) لَهُ ( فِي غَيْرِ بَلَدِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَرْكِ الْوَطَنِ وَفَارَقَ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ لَهُ مَعَ قِيَامِ حَاجَةِ بَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ صَالِحَانِ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ بِهِ صَالِحٌ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْبَلَدُ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَشْمَلْهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ مَعَ انْتِفَاءِ حَاجَةِ بَلَدِهِ إلَيْهِ هَذَا وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْبَلَدِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ وَالنَّاحِيَةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ النَّاحِيَةُ فَقَطْ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمِنْهَاجُ ( وَإِنْ صَلَحَ ) لَهُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا ( جَمَاعَةٌ وَقَامَ ) بِهِ ( أَحَدُهُمْ سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ ) عَنْ الْجَمِيعِ ( وَإِنْ امْتَنَعُوا ) مِنْهُ ( أَثِمُوا ) كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ ( وَأَجْبَرَ الْإِمَامُ
وَاحِدًا ) مِنْهُمْ عَلَيْهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَصَالِحُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ ( ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَاضٍ ) فَإِنْ كَانَ ( غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ ) لِلْقَضَاءِ ( فَكَالْمَعْدُومِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا ) لَهُ ( فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ ) ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ عَزَلَ ( وَوَلَّى ) غَيْرَهُ ( نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ ) أَيْ عِنْدَهَا ، وَأُمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِيمَا إذَا بَذَلَ مَالًا لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ
( قَوْلُهُ وَحَرُمَ طَلَبٌ لَهُ ) أَيْ وَقَبُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ) تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ النُّسَخِ السَّقِيمَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ طَلَبٌ وَلَا قَبُولٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْمَبْعُوثِ إلَيْهَا أَوْ بِقُرْبِهَا صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ وَكَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ وَوُجُوبِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدُونِهِ كَذَلِكَ
( وَيُشْتَرَطُ ) فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ ( أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا إذَا رَأَى مُجْتَهِدًا ) أَيْ ( غَيْرَ مُقَلِّدٍ ) فَلَا يُوَلَّاهُ كَافِرٌ وَلَوْ عَلَى كُفَّارٍ كَمَا سَيَأْتِي لِعَدَمِ عَدَالَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِنَقْصِهِ وَلَا أُنْثَى وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهَا مُجَالَسَةُ الرِّجَالِ وَرَفْعُ صَوْتِهَا بَيْنَهُمْ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } وَلَا خُنْثَى كَالْأُنْثَى وَلَا مُقَلِّدًا كَمَا فِي الْإِفْتَاءِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِنْ الْمُقَلِّدِ وَقَوْلُهُ إذَا رَأَى يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْآتِيَةِ .
( وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ عَلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَرَفَ ) مِنْهُمَا ( الْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ ) وَالنَّصَّ وَالظَّاهِرَ ( وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ ) وَعَرَفَ ( مِنْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَ وَالْآحَادَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُتَّصِلَ وَعَدَالَةَ الرُّوَاةِ وَجَرْحَهُمْ ) ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ ( وَ ) عَرَفَ ( أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَغَيْرَهُ ) لِئَلَّا يُخَالِفَهُمْ فِي اجْتِهَادِهِ ( وَ ) عَرَفَ ( الْقِيَاسَ جَلِيَّهُ وَخَفِيَّهُ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي الْبَابِ الثَّانِي ( وَصَحِيحَهُ وَفَاسِدَهُ ) لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَ ) عَرَفَ ( لِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَإِعْرَابًا ) لِوُرُودِ الشَّرِيعَةِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَخُصُوصُهُ وَإِطْلَاقُهُ وَتَقْيِيدُهُ وَإِجْمَالُهُ وَبَيَانُهُ ( وَ ) عَرَفَ ( أُصُولَ الِاعْتِقَادِ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَعِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَدِلَّتِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ
الصَّحَابَةُ يَنْظُرُونَ فِيهَا ( وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ ) وَلَا بَعْضُهُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ ( التَّبَحُّرُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ بَلْ يَكْفِي جُلٌّ ) أَيْ مَعْرِفَةُ جُلٍّ مِنْهَا .
( وَ ) أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلٌ ( مُصَحِّحٌ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ ) أَيْ غَالِبَهَا كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد فَيَعْرِفَ كُلَّ بَابٍ فَيُرَاجِعَهُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ضَبْطُ كُلِّ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ ) وَالِاخْتِلَافِ ( وَيَكْفِيهِ ) الْأَوْلَى بَلْ يَكْفِيهِ ( أَنْ يَعْرِفَ أَوْ يَظُنَّ ) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُفْتِي فِيهَا ( أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ لِمُوَافَقَتِهِ غَيْرَهُ ) أَوْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ فِي عَصْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَيَكْتَفِي ) عَنْ الْبَحْثِ فِي الْأَحَادِيثِ ( بِمَا قَبِلَهُ ) مِنْهَا ( السَّلَفُ وَتَوَاتَرَتْ أَهْلِيَّةُ رُوَاتِهِ ) مِنْ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ وَمَا عَدَاهُ يَكْتَفِي فِي أَهْلِيَّةِ رُوَاتِهِ بِتَأْهِيلِ إمَامٍ مَشْهُورٍ عُرِفَتْ صِحَّةُ مَذْهَبِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالضَّبْطِ ثُمَّ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ الِاجْتِهَادُ ) بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ ( وَيُشْتَرَطُ ) فِيمَنْ يَتَوَلَّى أَيْضًا ( أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مُكَلَّفًا عَدْلًا فَلَا يُوَلَّى فَاسِقٌ ) وَلَا أَعْمَى وَلَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ ( وَلَا كَافِرٌ ) وَلَوْ ( فِي كُفَّارٍ ) لِمَا مَرَّ .
( وَمَنْ نُصِّبَ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْوُلَاةِ مِنْ نَصْبِ حَاكِمٍ لَهُمْ ( فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ لَا ) تَقْلِيدُ ( حُكْمٍ ) ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ بِالْتِزَامِهِمْ
لَا بِإِلْزَامِهِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا سَمِيعًا ) فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ أَصَمَّ ( وَلَا أَخْرَسَ ) ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ ( وَلَا يَضُرُّ ثِقَلُ سَمْعِهِ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَهُ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يَكُونَ كَافِيًا ) فِي الْقَضَاءِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( أُمِّيًّا ) لَا يَكْتُبُ وَلَا يَحْسِبُ وَلَا يَقْرَأُ الْمَكْتُوبَ وَتَعْبِيرُهُ كَالرَّافِعِيِّ بِالْأُمِّيِّ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْسِنَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَيَّدَ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِمَا إذَا كَانَ مَنْ يَتَوَلَّى بِمَحَلٍّ فِيهِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَثِقُ هُوَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَإِلَّا لَضَاعَتْ حُقُوقٌ وَمَصَالِحُ كَثِيرَةٌ ( وَلَا ) الْأَوْلَى فَلَا ( يُجْزِئُ ضَعِيفُ رَأْيٍ ) لِتَغَفُّلٍ أَوْ اخْتِلَالِ رَأْيٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ( وَنُدِبَ ) لِتَوَلِّي الْقَضَاءِ ( قُرَشِيٌّ وَمُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالتُّقَى أَوْلَى مِنْ ) مُرَاعَاةِ ( النَّسَبِ ) وَنُدِبَ ( ذُو حِلْمٍ وَتَثَبُّتٍ وَلِينٍ وَفَطِنَةٍ وَتَيَقُّظٍ وَكِتَابَةٍ ) وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ الْكِتَابَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَ ) نُدِبَ ( صِحَّةُ حَوَاسَّ ) وَأَعْضَاءٍ ( وَمَعْرِفَةٌ بِلُغَةِ الْبَلَدِ ) الَّذِي يَقْضِي لِأَهْلِهِ ( قَنُوعٌ سَلِيمٌ مِنْ الشَّحْنَاءِ صَدُوقٌ ) وَافِرُ الْعَقْلِ ذُو وَفَاءٍ وَسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْأَصْلُ .
وَإِذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَهْلِيَّةَ أَحَدٍ وَلَّاهُ وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ حَالِهِ ( وَبِتَوْلِيَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ ) لِلْقَضَاءِ ( مَعَ وُجُودِ الصَّالِحِ ) لَهُ وَالْعِلْمِ بِالْحَالِ ( يَأْثَمُ الْوَلِيُّ ) أَيْ وَلِيُّ الْأَمْرِ ، وَهُوَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ ( وَالْمُوَلَّى ) بِفَتْحِهَا ( وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ، وَإِنْ أَصَابَ ) فِيهِ ( هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ) فِي الْبَابِ ( لَكِنْ مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ كَمَا فِي زَمَنِنَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ ( نَفَّذُوا ) أَيْ الْأَصْحَابُ ( لِلضَّرُورَةِ قَضَاءَ مَنْ وَلَّاهُ ) سُلْطَانٌ ( ذُو شَوْكَةٍ ، وَإِنْ
جَهِلَ وَفَسَقَ ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَصَالِحُ وَلِهَذَا يَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِي الْبُغَاةِ كَمَا مَرَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ زَالَتْ شَوْكَةُ مَنْ وَلَّاهُ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ انْعَزَلَ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ جَوَامِكَ فِي نَظَرِ الْأَوْقَافِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ إنَّمَا نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ فَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ قَطْعًا انْتَهَى وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ إذَا وَلِيَا بِالشَّوْكَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا ( وَلِلْقَاضِي الْعَادِلِ ) الْأَوْلَى وَلِلْعَادِلِ ( تَوَلِّي الْقَضَاءِ مِنْ ) الْأَمِيرِ ( الْبَاغِي ) فَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ ذَلِكَ لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ فَقَالَتْ إنْ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ خِيَارُكُمْ قَضَى لَهُمْ شِرَارُهُمْ
( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إلَخْ ) أَيْ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا عَدْلًا كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ مُجْتَهِدًا ) قَالَ الْقَفَّالُ : فِي زَمَانِهِ لَا يُوجَدُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ ، وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ عُرِفَ مَذْهَبُهُ وَصَارَ حَاذِقًا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ أَيْ مَنْصُوصَاتِهِ بِحَيْثُ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا لِإِمَامِهِ اجْتَهَدَ فِيهَا وَخَرَّجَهُ عَلَى أُصُولِهِ وَأَفْتَى فِيهَا بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهَذَا أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ( قَوْلُهُ وَلَا خُنْثَى ) كَالْأُنْثَى ، وَإِنْ زَالَ إشْكَالُهُ وَبَانَ رَجُلًا أَمَّا إذَا بَانَتْ رُجُولِيَّتُهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ صَحَّ تَقْلِيدُهُ جَزْمًا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا بَانَتْ بِغَيْرِ قَوْلِهِ .
( قَوْلُهُ وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ عَلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ) أَيْ لَا جَمِيعِهِمَا وَأَيِّ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَمَا تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوِهِمَا وَعَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ عِدَّةَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةٍ كَعَدَدِ الْآيِ وَلَعَلَّ الْحَافِظَ عَبْدَ الْغَنِيِّ جَعَلَ عِدَّتَهُ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ لِذَلِكَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ بَلْ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي كَلَامِهِ عَلَى مُشْكِلِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بِأَنَّهَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَغَالِبُ الْأَحَادِيثِ لَا يَكَادُ يَخْلُو عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَأَدَبٍ شَرْعِيٍّ وَسِيَاسَةٍ دِينِيَّةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْخَفَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ
وَالظَّاهِرُ ) أَيْ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ وَمُقْتَضَيَاتُ التَّرْجِيحِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَدِلَّةِ ( قَوْلُهُ وَعَرَفَ الْقِيَاسَ ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعْرِفَتُهُ تَصْحِيحَ حِسَابِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمُقْتَضَيَاتُ التَّرْجِيحِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَدِلَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَخْ ) الْأَوَّلُ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ وَخَالَفَهُمْ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْكَلَامِ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَمْ أَرَ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مَنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ عَدَمَ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَقَوْلُهُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْكَلَامِ الْبَيْضَاوِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَعْرِفَ أَوْ يَظُنَّ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا ) أَمَّا الْقَاضِي الَّذِي يَنْزِلُ أَهْلُ الْقَلْعَةِ عَلَى حُكْمِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ أَعَمًى كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ كَانَ يُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَنْبَغِي مَنْعُهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ يَرَى الْإِنْسَانَ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصُّوَرِ فَكَالْأَعْمَى ( قَوْلُهُ عَدْلًا ) ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ إذَا مَنَعَ النَّظَرَ فِي مَالِ الِابْنِ مَعَ عِظَمِ الشَّفَقَةِ فَمَنْعُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ الَّتِي بَعْضُهَا حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْلَى وَسَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِمَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَمْ بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا أَعْمَى ) وَلَا مَنْ لَا يُبْصِرُ نَهَارًا وَلَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا ) الْكِفَايَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كُلِّ وِلَايَةٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْقَضَاءِ التَّصَرُّفُ عَلَى
الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَشَرَطَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ كَوْنَهُ عَالِمًا بِلُغَةِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا لَكِنَّ الْجُمْهُورَ جَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ الْآدَابِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَحَمَلَ الْحُسْبَانِيُّ كَلَامَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَفْهَمُ عَنْهُمْ وَلَا يَفْهَمُونَ عَنْهُ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا إذَا عَرَفَ مُصْطَلَحَاتِهِمْ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ وَأَقَارِيرِهِمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ لَكِنْ مَعَ عَدَمِهِ نَفَّذُوا لِلضَّرُورَةِ قَضَاءَ مَنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ ) أَيْ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ لِلضَّرُورَةِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ جَهِلَ وَفَسَقَ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : الْحَقُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ نَفَذَ حُكْمُهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَتَرَدُّدٌ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ التَّعَذُّرُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّ السُّلْطَانَ ذَا الشَّوْكَةِ إذَا وَلَّى فَاسِقًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَإِذَا تَعَذَّرَ فَتَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ صَحِيحَةٌ ، وَإِنْ صَدَرَتْ مِنْ غَيْرِ ذِي الشَّوْكَةِ وَالْعِبَارَةُ السَّدِيدَةُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْمُجْتَهِدُ صَحَّ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ وَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ مُقَلِّدًا مَعَ وُجُودِ جَاهِلٍ أَوْ جَاهِلًا مَعَ وُجُودِ عَالِمٍ أَوْ فَاسِقًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ .
ا هـ .
وَهُوَ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَخَرَجَ بِالسُّلْطَانِ مَا إذَا وَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ مَثَلًا فِي النَّوَاحِي مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَيُفَارِقُ السُّلْطَانُ بِخَوْفِ سَطْوَتِهِ وَبَأْسِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي غَالِبًا وَقَدْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَأَحْكَامُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَجُوزُ نَفَاذُهَا وَقَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ
كَانَ لَهُ شَوْكَةٌ كَمَا فِي زَمَانِنَا فَهُوَ كَالسُّلْطَانِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَخْ ) لَيْسَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ ) قَالَ شَيْخُنَا : هِيَ ظَاهِرَةٌ فَحَيْثُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لَمْ يَسْتَرِدَّ مَا أَخَذَهُ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَغَيْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِرِ ظَاهِرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : تَنْفُذُ أَحْكَامُهَا لِلضَّرُورَةِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ جَدِّهِ رِوَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُلِّدَتْ الْقَضَاءَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَاهِدَةً فِيهِ فَحَكَمَتْ هَلْ يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ نَقْضُ حُكْمِهَا أَحَدُهُمَا : نَعَمْ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَكَذَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَعْمَى لِلضَّرُورَةِ فِيمَا يَعْرِفُهُ وَيَنْضَبِطُ لَهُ قَالَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَنْعُ جَزْمًا قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ عِبَارَتُهُ وَقَدْ دَخَلَ جَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي قَوْلِ الْحَاوِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ لِلضَّرُورَةِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ التَّنْفِيذِ بِمَا إذَا عَلِمَ بِهِ الْإِمَامُ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلتَّنْفِيذِ وَلَا ضَرُورَةَ لِاحْتِمَالِ بِنَائِهِ عَلَى أَنَّهُ أَهْلٌ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : تَنْفُذُ أَحْكَامُهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّنْفِيذِ ( تَنْبِيهٌ ) حَيْثُ نَفَذَ قَضَاءُ مَنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ قَالَ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ قَطْعًا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ
بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَكَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حِفْظُ مَالِ الطِّفْلِ بَلْ يَتْرُكُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ كَالشَّاهِدِ ، وَهُوَ إذَا شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُطَالَبَ الْقَاضِي الْفَاسِقُ بِالْحُكْمِ أَوْ الْإِثْبَاتِ فِي الْأَصَحِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ نَحْوُهُ فِي جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الطِّرَازِ أَنَّهُ يَجُوزُ نَصْبُ أَهْلِ الْبِدَعِ قُضَاةً وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ تَزْكِيَةُ غَيْرِهِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ قَطْعًا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حِفْظُ مَالِ الطِّفْلِ إلَخْ
( فَرْعٌ يَحْرُمُ ) بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ وَلَا يَصِحُّ ( تَقْلِيدُ مُبْتَدِعٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ) الْقَضَاءَ ( وَ ) كَذَا تَقْلِيدُ ( مَنْ يُنْكِرُ الْإِجْمَاعَ وَأَخْبَارَ الْآحَادِ وَالِاجْتِهَادَ ) الْمُتَضَمِّنَ إنْكَارُهُ إنْكَارَ الْقِيَاسِ وَالْمُرَادُ مَنْ يُنْكِرُ وَاحِدًا مِنْهَا
( فَصْلٌ فِي ) بَيَانِ ( الْمُفْتِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) فِي النَّاحِيَةِ ( غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ) الْفَتْوَى ( وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُهُ فَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) كَنَظِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ ( وَمَعَ هَذَا لَا يَحِلُّ التَّسَارُعُ إلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ ) هـ فَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ مُشَاهَدَتِهِمْ الْوَحْيَ يُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْفَتْوَى وَيَحْتَرِزُونَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مَا أَمْكَنَ
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْمُفْتِي ) هُوَ الْعَدْلُ الْمَقْبُولُ الرِّوَايَةُ الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي جَوَازِ الْفَتْوَى وَقَبُولِهَا ( إسْلَامُ الْمُفْتِي وَعَدَالَتُهُ ) الظَّاهِرَةُ ( فَتُرَدُّ فَتْوَى الْفَاسِقِ ) وَالْكَافِرِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ إذْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُمْ ( وَيَعْمَلُ ) الْفَاسِقُ ( لِنَفْسِهِ بِاجْتِهَادِهِ وَيُشْتَرَطُ ) فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا ( تَيَقُّظٌ وَقُوَّةُ ضَبْطٍ ) فَتُرَدُّ فَتْوَى مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَالسَّهْوُ ( وَأَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِ ) أَيْ التَّأَهُّلُ لَهُ ( فَمَنْ عَرَفَ ) مِنْ الْعَامَّةِ ( مَسْأَلَةً أَوْ مَسَائِلَ بِأَدِلَّتِهَا لَمْ يَجُزْ فَتْوَاهُ بِهَا وَلَا تَقْلِيدُهُ ) فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَدِلَّتُهَا نَقْلِيَّةً أَمْ قِيَاسِيَّةً ( وَكَذَا مَنْ لَمْ يَكُنْ ) مِنْ الْعُلَمَاءِ ( مُجْتَهِدًا ) لَا تَجُوزُ فَتْوَاهُ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَا تَقْلِيدُهُ ( وَلَوْ مَاتَ الْمُجْتَهِدُ لَمْ تَبْطُلْ فَتْوَاهُ ) وَمَذْهَبُهُ ( بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ ) كَمَا يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ قَوْلُهُ بِمَوْتِهِ لَبَطَلَ الْإِجْمَاعُ بِمَوْتِ الْمُجْمِعِينَ وَلَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً ؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ فَلَوْ مَنَعْنَا تَقْلِيدَ الْمَاضِينَ لَتَرَكْنَا النَّاسَ حَيَارَى ( فَعَلَى هَذَا مَنْ عَرَفَ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ وَتَبَحَّرَ فِيهِ ) لَكِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ ( جَازَ ) لَهُ ( أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَلْيُضِفْ ) مَا يُفْتِي بِهِ ( إلَى ) صَاحِبِ ( الْمَذْهَبِ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلْيُضِفْ الْمَذْهَبَ إلَى صَاحِبِهِ ( إنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يُفْتَى عَلَيْهِ ) فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُفْتِي عَلَيْهِ كَفَاهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ ( وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ ) أَنْ يُفْتِيَ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ مَا لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ مَذْهَبَهُ لِقُصُورِ فَهْمِهِ وَقِلَّةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَظَانِّ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتِلَافِ نُصُوصِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا وَالرَّاجِحِ ( إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْمَذْهَبِ ) عِلْمًا قَطْعِيًّا كَوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ
وَالْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَتَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ وَصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ
( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْمُفْتِي وَعَدَالَتُهُ ) وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُرُوءَةُ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَالشَّهَادَةِ لِقَبُولِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ تَيَقُّظٌ ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا فَقِيهَ النَّفْسِ سَلِيمَ الذِّهْنِ رَصِينَ الْفِكْرِ صَحِيحَ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَعْمَى وَالْأَخْرَسُ إذَا كَتَبَ أَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ ) فَيَعْتَمِدُ مُسَطَّرَاتِ مَذْهَبِهِ مِنْ نُصُوصِ إمَامِهِ وَتَفْرِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ وَمَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا إنْ وُجِدَ فِي الْمَنْقُولِ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يُدْرَكُ بِغَيْرِ كَثِيرِ فِكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا جَازَ إلْحَاقُهُ وَالْفَتْوَى بِهِ وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطٍ مُمَهَّدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَنْ الْفَتْوَى بِهِ وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ نَادِرًا فِي حَقِّ الْمَذْكُورِ إذْ يَبْعُدُ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنْ تَقَعَ مَسْأَلَةٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَلَا مُنْدَرِجَةً تَحْتَ ضَابِطٍ
( فَرْعٌ لَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ ) ، وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ لِضِيقِ الْوَقْتِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ ( وَلَوْ حَدَثَتْ وَاقِعَةٌ ) لِمُجْتَهِدٍ ( قَدْ اجْتَهَدَ فِيهَا ) قُبِلَ ( وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( إعَادَتُهُ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِيهَا كَنَظِيرِهِ فِي الْقِبْلَةِ ( إنْ نَسِيَ الدَّلِيلَ ) الْأَوَّلَ ( أَوْ تَجَدَّدَ ) لَهُ ( مُشَكِّكٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ مُشْكِلٌ أَيْ مَا قَدْ يُوجِبُ رُجُوعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ ذَلِكَ
( فَرْعٌ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ إمَامِ إمَّا عَوَامُّ فَتَقْلِيدُهُمْ ) أَيْ فَجَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ لَهُ ( مُفَرَّعٌ عَلَى ) جَوَازِ ( تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ ، وَقَدْ مَرَّ ) جَوَازُهُ ( وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ فَلَا يُقَلِّدُونَ ) غَيْرَهُمْ حَتَّى الْإِمَامِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا انْتَسَبُوا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَوْا عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي الِاجْتِهَادِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَدِلَّةِ وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُمْ اجْتِهَادَهُ وَإِذَا خَالَفَ أَحْيَانَا لَمْ يُبَالُوا بِالْمُخَالَفَةِ وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُمْ اجْتِهَادَهُ فَلَا بَأْسَ ، وَإِنْ خَالَفَهُ أَحْيَانَا وَ ) أَمَّا ( مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ بَلْ وَقَفَ عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ ) فِي الْأَبْوَابِ ( وَتَمَكَّنَ مِنْ قِيَاسِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ ) عَلَيْهِ ( فَلَيْسَ بِمُقَلَّدٍ فِي نَفْسِهِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ لِمَنْ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْعَوَامّ ( بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ وَمُقَلِّدٍ لِلْإِمَامِ ( فَإِنْ نَصَّ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ أُلْحِقَ ) الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْقِيَاسِ ( بِهَا ) أَيْ بِالْعِلَّةِ ( غَيْرِ الْمَنْصُوصِ ) بِالْمَنْصُوصِ ( وَلَوْ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْعِلَّةَ وَيَقِيسَ ) بِوَاسِطَتِهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ ( وَلْيَقُلْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ( هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ( لَا قَوْلِهِ ) وَمِنْهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا فِيهِ عَقِبَ قَوْلِهِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ نَصُّ إمَامِهِ فِي ) مَسْأَلَتَيْنِ ( مُشْتَبِهَتَيْنِ فَلَهُ التَّخْرِيجُ ) لِلْحُكْمِ ( مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى ) وَبِالْعَكْسِ
( قَوْلُهُ بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ : وَوَرَاءَهُ نَوْعٌ ثَالِثٌ ، وَهُوَ الْمُنْحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ التَّخْرِيجِ ، وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظُ مَذْهَبِ إمَامِهِ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهَا لَكِنْ قَصَّرَ عَنْ أُولَئِكَ فِي الْحِفْظِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ الْأُصُولِ وَنَحْوِهَا وَهَذِهِ صِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى آخِرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَلَا تَبْلُغُ فَتَاوِيهِمْ فَتَاوَى أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالثَّانِي قَائِمٌ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ لَكِنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ فَيُعْتَمَدُ فَتْوَاهُ نَقْلًا وَإِلْحَاقًا بِمَعْنَى الْمَنْقُولِ إنْ كَانَ يُدْرَكُ بِغَيْرِ كَثِيرِ فِكْرٍ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ لَهُمَا حِفْظُ مُعْظَمِ الْمَذْهَبِ وَلَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكْتَفِيَ فِي نَقْلِهِ بِمُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ ا هـ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تَخْيِيرِ الْمُسْتَفْتِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُفْتِيِّينَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ فَلَهُ التَّخْرِيجُ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى ) وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالْمُخَرَّجِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ فَإِنْ كَانَ فَلَا وَيُقَرَّرُ النَّصَّانِ عَلَى حَالِهِمَا
( فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ ) فِي الْجَوَابِ ( لِلزَّجْرِ ) وَالتَّهْدِيدِ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ ( مُتَأَوِّلًا كَمَا إذَا سَأَلَهُ مَنْ لَهُ عَبْدٌ عَنْ قَتْلِهِ ) لَهُ ( وَخَشِيَ مِنْهُ ) الْمُفْتِي ( أَنْ يَقْتُلَهُ جَازَ أَنْ يَقُولَ ) لَهُ ( إنْ قَتَلْته قَتَلْنَاك مُتَأَوِّلًا ) لَهُ ( لِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ } ) ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ لَهُ مَعَانٍ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ فَقَالَ لَا تَوْبَةَ لَهُ وَسَأَلَهُ آخَرُ فَقَالَ لَهُ تَوْبَةٌ ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَأَيْت فِي عَيْنَيْهِ إرَادَةَ الْقَتْلِ فَمَنَعْته ، وَأُمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَتَلَ وَجَاءَ يَطْلُبُ الْمَخْرَجَ فَلَمْ أُقَنِّطْهُ ( وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إطْلَاقِهِ ) الْجَوَابُ ( مَفْسَدَةٌ ) وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ ( وَاخْتِلَافُ الْمُفْتِيَيْنِ ) فِي حَقِّ الْمُسْتَفْتِي ( كَالْمُجْتَهِدِينَ ) أَيْ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُقَلِّدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلِلْمُسْتَفْتِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَيَعْمَلُونَ بِقَوْلِ مَنْ سَأَلُوهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ
( قَوْلُهُ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ ) وَكَمَا إذَا { سُئِلَ أَفِي سَبِّ الصَّحَابِيِّ قَتْلٌ فَوَاسِعٌ أَنْ يَقُولَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاقْتُلُوهُ }
( فَصْلٌ فِي ) بَيَانِ ( الْمُسْتَفْتِي ) وَآدَابِ الْمُفْتِي ( يَجِبُ ) عَلَى الْمُسْتَفْتِي عِنْدَ حُدُوثِ مَسْأَلَتِهِ ( أَنْ - يَسْتَفْتِيَ مَنْ عَرَفَ عِلْمَهُ وَعَدَالَتَهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ عَارِفٍ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ ) لِذَلِكَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا ( بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ ) يَعْنِي عَنْ عِلْمِهِ بِسُؤَالِهِ النَّاسَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مَنْ انْتَسَبَ إلَى ذَلِكَ وَانْتَصَبَ لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَنَاصِبِ الْعُلَمَاءِ بِمُجَرَّدِ انْتِسَابِهِ وَانْتِصَابِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْأَصْلِ خِلَافُهُ وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ ( فَلَوْ خَفِيَتْ ) عَلَيْهِ ( عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ اكْتَفَى بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ تَعْسُرُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى غَيْرِ الْقُضَاةِ ، وَهَذَا كَمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُضُورِ مَسْتُورَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُهُ حَيْثُ لَا يَسْتَفْتِيهِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِ الْعِلْمِ لَيْسَ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ النَّاسِ ( وَيَعْمَلُ ) الْمُسْتَفْتِي ( بِفَتْوَى عَالِمٍ مَعَ وُجُودِ أَعْلَمَ ) مِنْهُ ( جَهِلَهُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ بِأَنْ اعْتَقَدَهُ أَعْلَمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ إذَا جَهِلَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِزِيَادَةِ عِلْمٍ ( فَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمُفْتِيَانِ جَوَابًا وَصِفَةً ( وَلَا نَصَّ ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَالتَّقْيِيدُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( قَدَّمَ الْأَعْلَمَ .
وَكَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَحَدَهُمَا أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ ) قَدَّمَ مَنْ اعْتَقَدَهُ أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ كَمَا يُقَدِّمُ أَرْجَحَ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقَ الرِّوَايَتَيْنِ ( وَيُقَدِّمُ الْأَعْلَمَ عَلَى الْأَوْرَعِ ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْفَتْوَى بِالْعِلْمِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْوَرَعِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ نَصٌّ قَدَّمَ مَنْ مَعَهُ النَّصُّ وَكَالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي ( وَلَوْ ) حَالَ وَ ( أُجِيبَ فِي وَاقِعَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ ) أَيْ لَا يَكْثُرُ
وُقُوعُهَا ( ثُمَّ حَدَثَتْ ) لَهُ ثَانِيًا ( لَزِمَ إعَادَةُ السُّؤَالِ إنْ لَمْ يُعْلَمْ اسْتِنَادَ الْجَوَابِ إلَى نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ) بِأَنْ عَلِمَ اسْتِنَادَهُ إلَى رَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَالْمُقَلَّدُ حَيٌّ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ رَأْيِ الْمُفْتِي فَإِنْ كَثُرَ وُقُوعُ الْوَاقِعَةِ أَوْ عَلِمَ اسْتِنَادَ ذَلِكَ إلَى مَا ذُكِرَ أَوْ كَانَ الْمُقَلَّدُ مَيِّتًا لَمْ يَلْزَمْ إعَادَةُ السُّؤَالِ لِمَشَقَّةِ الْإِعَادَةِ فِي الْأُولَى وَنُدْرَةِ تَغَيُّرِ الرَّأْيِ فِي الثَّانِيَةِ وَعَدَمِهِ فِي الثَّالِثَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ وَبِتَصْحِيحِ لُزُومِ إعَادَةِ السُّؤَالِ فِيمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي أَوَائِلِ مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ خَمْسَةِ أَوْرَاقٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ الْمُفْتِي عَلَيْهِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ( وَلَوْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ بِجَوَابِ الْمُفْتِي اُسْتُحِبَّ ) لَهُ ( سُؤَالُ غَيْرِهِ ) لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ ( وَلَا يَجِبُ ) التَّصْرِيحُ بِاسْتِحْبَابِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيَكْفِي الْمُسْتَفْتِي ) فِي اسْتِفْتَائِهِ ( بَعْثُ رُقْعَةٍ ) إلَى الْمُفْتِي لِيَكْتُبَ عَلَيْهَا ( أَوْ ) بَعْثِ ( رَسُولٍ ثِقَةٍ ) إلَيْهِ لِيَسْأَلَهُ فَيَكْفِيهِ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ إذَا لَمْ يَعْرِفْ لُغَتَهُ وَلَهُ اعْتِمَادُ خَطِّ الْمُفْتِي إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ
فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ ) فَإِنَّهُ قَدْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى ظَانًّا جَوَازَ إقْدَامِهِ وَاعْتِقَادُهُ فِي نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَغْلَطُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَظُنُّونَ بِهَا مَا لَيْسَ لَهَا ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مُسْتَقِرٌّ قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي الرِّسَالَةِ وَلَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْعُلُومِ أَقْوَامٌ لَوْ سَكَتُوا عَنْهُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ( فَائِدَةٌ ) طَلَبَ شَخْصٌ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ يُجِيزَهُ بِالْفَتْوَى فَوَعَدَهُ وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَاسْتَنْجَزَ وَعَدَهُ فَقَالَ هِيَ شَهَادَةٌ عِنْدَ قَاضٍ هَذِهِ شَهَادَةٌ عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى أُفَكِّرَ أَتَحَرَّى فَأَمْرُهَا عَظِيمٌ وَخَطَرُهَا جَسِيمٌ ( قَوْلُهُ قُدِّمَ الْأَعْلَمُ ) أَيْ وُجُوبًا ( قَوْلُهُ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ) لَا لَيْسَ الصَّحِيحُ طَرْدَ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِهِ قَدْ يَتَغَيَّرُ جَوَابُهُ
( وَمِنْ الْأَدَبِ ) لَهُ ( أَنْ ) لَا ( يَسْأَلَ وَالْمُفْتِي قَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِمَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْفِكْرِ ) كَأَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِزًا أَوْ مُسْتَضْجِرًا ( وَأَنْ لَا يَقُولَ لِجَوَابِهِ ) أَيْ الْمُفْتِي ( هَكَذَا قُلْت أَنَا ) أَوْ كَذَا وَقَعَ لِي أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُك بِكَذَا وَأَنْ لَا يَقُولَ لَهُ إنْ كَانَ جَوَابُك مُوَافِقًا لِمَا كَتَبَ فُلَانٌ ، وَهُوَ كَذَا فَاكْتُبْ وَإِلَّا فَلَا تَكْتُبْ ذَكَرَهُ الْمَجْمُوعُ ( وَ ) أَنْ ( لَا يُطَالِبَ ) هـ ( بِدَلِيلٍ ) لِلْجَوَابِ ( فَإِنْ أَرَادَهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ أَيْ مَعْرِفَتَهُ ( فَبِوَقْتٍ آخَرَ ) يُطَالِبُهُ بِهِ ( وَلْيُبَيِّنْ ) لَهُ فِي الرُّقْعَةِ إنْ طَلَبَ جَوَابَهُ فِيهَا ( مَوْضِعَ السُّؤَالِ وَيَنْقُطْ الْمُشْتَبِهَ فِي الرُّقْعَةِ ) لِئَلَّا يَذْهَبَ الْوَهْمُ إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَنْهُ وَالسُّؤَالُ فَلْيَكُنْ مُرَتِّبُهَا حَاذِقًا ( وَيَتَأَمَّلْهَا ) أَيْ وَمِنْ أَدَب الْمُفْتِي أَنْ يَتَأَمَّلَهَا كَلِمَةً كَلِمَةً ( لَا سِيَّمَا آخِرَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ السُّؤَالِ ، وَقَدْ يَتَقَيَّدُ الْجَمِيعُ بِكَلِمَةٍ فِي آخِرِهَا وَيَغْفُلُ عَنْهَا ( وَيُثْبِتُ ) فِي الْجَوَابِ ، وَإِنْ وَضَحَتْ أَيْ الْمَسْأَلَةُ ( وَلَا يَقْدَحُ الْإِسْرَاعُ ) فِي الْجَوَابِ ( مَعَ التَّحَقُّقِ ) لَهُ بِخِلَافِهِ مَعَ عَدَمِ التَّحَقُّقِ ( وَ ) أَنْ ( يُشَاوِرَ فِيمَا يُحْسِنُ إظْهَارَهُ مَنْ حَضَرَ ) مَجْلِسَهُ ( مُتَأَهِّلًا ) لِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِرَجَاءِ ظُهُورِ وَمَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُحْسِنُ إظْهَارَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ .
( وَلَهُ أَنْ يَنْقُطَ مُشْكِلَ الرُّقْعَةِ ) وَيُشَكِّلَهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ بِسُؤَالِهِ الْمُسْتَفْتِي ( وَ ) أَنْ ( يُصْلِحَ لَحْنًا فَاحِشًا ) وَجَدَهُ فِيهَا ( وَلْيَشْغَلْ بَيَاضًا ) وَجَدَهُ فِي بَعْضِ السُّطُورِ ( بِخَطٍّ كَيْ لَا يَلْحَقَ ) فِيهِ ( شَيْءٌ ) بَعْدَ جَوَابِهِ ( وَيُبَيِّنُ خَطَّهُ بِقَلَمٍ بَيْنَ قَلَمَيْنِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلْيُبَيِّنْ خَطَّهُ وَلْيَكُنْ قَلَمُهُ بَيْنَ قَلَمَيْنِ أَيْ لَا دَقِيقٌ خَافٍ وَلَا غَلِيظٌ جَافٍ ( وَلَا بَأْسَ
بِكَتْبِهِ الدَّلِيلَ ) مَعَ الْجَوَابِ إنْ كَانَ وَاضِحًا مُخْتَصَرًا وَقَيَّدَ الْأَصْلُ الدَّلِيلَ بِقَوْلِهِ مِنْ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ وَمِثْلُهُمَا الْإِجْمَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَ وَلَا يُعْتَادُ ذِكْرُ الْقِيَاسِ وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ يُفْتِي فِيهَا غَيْرُهُ بِغَلَطٍ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ( لَا السُّؤَالَ ) فَفِي كَتْبِ الْمُفْتِي لَهُ بَأْسٌ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّ غَيْرِ الْمُفْتِي وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَلَمْ يَسْتَحِبُّوا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّ الْمُفْتِي وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْفَقُ بِالْأَوْلَى ( وَلَا يَكْتُبُ خَلْفَ ) يَعْنِي مَعَ ( مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرًا مِنْهُ لِمُنْكَرٍ ( وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ إنْ أَمِنَ فِتْنَةً ، وَإِنْ سَخِطَ الْمَالِكُ ) لِلرُّقْعَةِ ( وَيُنْهِي ) الْمُفْتِي ( الْمُسْتَفْتِي عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ اسْتِفْتَائِهِ مَنْ لَا يَصْلُحُ وَجَهْلِهِ وُجُوبَ بَحْثِهِ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى ( وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُ الرُّقْعَةِ ) الَّتِي أَجَابَ فِيهَا مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَمَّا إذَا وَجَدَ فُتْيَا مَنْ يَصْلُحُ ، وَهِيَ خَطَأٌ قَطْعًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْإِفْتَاءِ تَارِكًا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خَطَئِهَا إذَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ غَيْرُهُ بَلْ عَلَيْهِ الضَّرْبُ عَلَيْهَا أَوْ تَقْطِيعُهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ كَتَبَ صَوَابَ جَوَابِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْخَطَأِ وَحَسَنٌ أَنْ تُعَادَ إلَى ذَلِكَ الْمُفْتِي بِإِذْنِ صَاحِبِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَطَأُ قَطْعًا لَكِنْ وَجَدَهَا بِخِلَافِ مَا يَرَاهُ هُوَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى كَتْبِ جَوَابِ نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا بِتَخْطِئَةٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ
( قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا آخِرُهَا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِنَاءُ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ آكَدُ فَإِنَّهُ الَّذِي يُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَعْتَنِي بِآخِرِ الْكَلَامِ لِيُتْبِعَ الْأَسْئِلَةَ بِجَوَابَاتِهَا ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَحْسُنُ إظْهَارُهُ ) كَأَنْ يَقْبُحَ إظْهَارُهُ أَوْ يُرِيدَ صَاحِبُ الرُّقْعَةِ إخْفَاءَهُ أَوْ يَكُونَ فِي إشَاعَتِهِ مَفْسَدَةٌ ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهُمَا الْإِجْمَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ إلَخْ ) وَقَدْ يَحْتَاجُ الْمُفْتِي فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ إلَى أَنْ يُشَدِّدَ وَيُبَالِغَ فَيَقُولَ ، وَهَذَا إجْمَاعٌ أَوْ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا أَوْ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَقَدْ خَالَفَ الْوَاجِبَ أَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّوَابِ أَوْ فَقَدْ أَثِمَ أَوْ فَسَقَ أَوْ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا وَلَا يُهْمِلَ الْأَمْرَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَيُوجِبُهُ الْحَالُ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ إلَخْ ) ذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ فِي إصْلَاحِ كُتُبِ الْعِلْمِ خِلَافَهُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ إصْلَاحُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ الْغَلَطِ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا فَيَجِبُ
( وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ ) أَيْ يَسْأَلَ ( أَهْلَ الْعِلْمِ ) الْمَشْهُورِينَ فِي عَصْرِهِ ( عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى لِيَمْنَعَ مَنْ لَا يَصْلُحُ ) لَهَا مِنْهَا وَيَتَوَعَّدُهُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْعَوْدِ ( وَلْيَكُنْ الْمُفْتِي ) مَعَ شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ ( مُتَنَزِّهًا عَنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ فَقِيهَ النَّفْسِ سَلِيمَ الذِّهْنِ وَحَسَنَ التَّصَرُّفِ ) وَالِاسْتِنْبَاطِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُفْتِي ( عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً ) وَأَعْمَى ( وَأَخْرَسَ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ ) أَوْ يَكْتُبُ ( وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ فِي رَدِّ فَتْوَاهُ لِقَرَابَةٍ وَجَرِّ نَفْعٍ ) وَدَفْعِ ضَرَرٍ وَعَدَاوَةٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ الشَّرْعِ بِمَا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِشَخْصٍ فَكَانَ كَالرَّاوِي لَا كَالشَّاهِدِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ قَالَ وَعَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّ الْمُفْتِي إذَا نَابَذَ فِي فَتْوَاهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا صَارَ خَصْمًا لَهُ فَتُرَدُّ فَتْوَاهُ عَلَيْهِ كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ( وَتُقْبَلُ فَتْوَى مَنْ لَا يَكْفُرُ وَلَا يَفْسُقُ بِبِدْعَتِهِ كَشَهَادَتِهِ ) بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ نَحْوُهُمْ مِمَّنْ يَسُبُّ السَّلَفَ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُمْ وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَالُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ قَبُولِهَا مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِ فَتْوَاهُمْ تَرْوِيجًا وَإِعْلَاءً لَهُمْ ؛ لِأَنَّهَا دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَالتَّنْظِيرُ بِشَهَادَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيُفْتِي ) مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى ( وَلَوْ ) كَانَ ( قَاضِيًا ) فَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْفَتْوَى وَلَوْ فِي الْأَحْكَامِ ( وَفِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ مَسَائِلِهِ ) الْفِقْهِيَّةِ ( وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ نَعَمْ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ : الْمَذْهَبُ : لَا ، وَرَدَّ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَهُ بِأَنَّ الرُّويَانِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي لَا يُفِيدُ الْغَرَضَ ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْقَاضِي لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْمُفْتِي إذْ لَوْ شُرِطَتْ فِيهِ لَشُرِطَتْ فِي الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ شَرْطَ
الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ حَاسِبًا فَلْيَكُنْ الْمُفْتِي كَذَلِكَ
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ فِي رَدِّ فَتْوَاهُ لِقَرَابَةٍ ) لَا يُكْرَهُ إفْتَاءُ وَالِدٍ وَلَدِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَفِي غَيْرِهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ( قَوْلُهُ وَجَرُّ نَفْعٍ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُطِيعِ هَلْ يَجُوزُ لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِيمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ فِيمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ نَعَمْ ) هُوَ الصَّحِيحُ
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي الْمُفْتِي الْمُنْتَسِبِ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ ( أَنْ يَحْفَظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْرِفَ قَوَاعِدَهُ وَأَسَالِيبَهُ ) وَيَكُونَ فَقِيهَ النَّفْسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( وَلَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ ) التَّصَرُّفُ فِي الْفِقْهِ ( وَكَذَا الْبَحَّاثُ فِي الْخِلَافِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الْبَحَّاثُ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْخِلَافِ ( وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينَ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ ) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِدْرَاكِ حُكْمِهَا اسْتِقْلَالًا لِقُصُورِ آلَتِهِ وَلَا هُوَ مِنْ مَذْهَبِ إمَامٍ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ ( وَلَا يَجِبُ إفْتَاءٌ فِيمَا لَمْ يَقَعْ ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ
( وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى وَ ) يَحْرُمُ ( اتِّبَاعُ الْحِيَلِ ) الْمُحَرَّمَةِ مُطْلَقًا وَكَذَا غَيْرُهَا ( إنْ فَسَدَتْ الْأَغْرَاضُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا صَحَّتْ بِأَنْ احْتَسَبَ فِي طَلَبِهِ حِيلَةً لَا شُبْهَةَ فِيهَا وَلَا تَجُرُّ إلَى مَفْسَدَةٍ لِيُخَلِّصَ بِهَا الْمُسْتَفْتِي مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ وَنَحْوِهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ هَذَا ( وَ ) يَحْرُمُ ( سُؤَالُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ ) أَيْ بِالتَّسَاهُلِ وَاتِّبَاعِ الْحِيَلِ الْمَذْكُورَةِ ( وَلَا يُفْتِي فِي حَالٍ تُغَيِّرُ أَخْلَاقَهُ وَخُرُوجَهُ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَلَوْ بِفَرَحٍ وَمُدَافَعَةِ أَخْبَثَيْنِ ) وَنُعَاسٍ وَمَلَالَةٍ ( فَإِنْ أَفْتَى ) فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ ( مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ دَرْكِ الصَّوَابِ صَحَّتْ فَتْوَاهُ ، وَإِنْ خَاطَرَ وَالْأَوْلَى ) لِلْمُفْتِي ( أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْفَتْوَى فَإِنْ أَخَذَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ ) الْفَتْوَى ( وَلَهُ كِفَايَةٌ ) فَلَا يَجُوزُ ( وَلَا يَأْخُذُ أُجْرَةً مِنْ مُسْتَفْتٍ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ كَالْحَاكِمِ ( فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ رِزْقًا ) مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِيَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ ( جَازَ ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ ) عَلَى كَتْبِ الْجَوَابِ ( جَازَ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْفَتْوَى بِالْقَوْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا ( وَالْأَوْلَى ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي ( كَوْنُهَا ) أَيْ الْإِجَارَةِ لِلْكُتُبِ ( بِأُجْرَةٍ مِثْلُ كَتْبِهِ ) ذَلِكَ الْقَدْرَ لَوْ لَمْ تَكُنْ فَتْوَى لِئَلَّا يَكُونَ آخِذًا زِيَادَةً بِسَبَبِ الْإِفْتَاءِ ( مَعَ كَرَاهَةٍ ) لِلْإِيجَارِ لِذَلِكَ
( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ اتِّبَاعُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ إلَخْ ) مِنْ الْحِيَلِ الْمَذْمُومَةِ الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ
( وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةِ ) بِخِلَافِ الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ ( لَا ) قَبُولُ ( رِشْوَةٍ عَلَى فَتْوَى لِمَا يُرِيدُ ) الْمُسْتَفْتِي كَالْحَاكِمِ ( وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( الْمُدَرِّسَ وَمُفْتٍ كِفَايَتَهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ التَّكَسُّبِ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ
( وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ اصْطِلَاحٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَهْلُ بَلَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ ) كَالْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَالْوَصَايَا ( مَنْ لَا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ ) هَذَا فَاعِلُ يُفْتِي وَمَفْعُولُهُ أَهْلُ
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ( الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى ) فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ ( بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بَلْ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ ) وَيُفْتِيَ ( بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ ) إنْ رَجَّحَ شَيْئًا ( وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الرَّاجِحِ فَيَعْمَلُ وَيُفْتِي بِهِ ( فَإِنْ كَانَ أَهْلًا ) لِلتَّرْجِيحِ أَوْ التَّخْرِيجِ ( اشْتَغَلَ بِهِ مُتَعَرِّفًا ذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْمَآخِذِ ) لِلشَّافِعِيِّ ( وَإِلَّا تَلْقَاهُ مِنْ نَقْلَةِ الْمَذْهَبِ ) أَيْ الْمَوْصُوفِينَ بِالْأَهْلِيَّةِ ( فَإِنْ عَدِمَ التَّرْجِيحُ ) بِأَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ بِطَرِيقٍ ( تَوَقَّفَ ) حَتَّى يُحَصِّلَهُ ( وَحُكْمُ الْوَجْهَيْنِ ) فِيمَا ذُكِرَ ( كَالْقَوْلَيْنِ لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِالْمُتَأَخِّرِ ) مِنْهُمَا ( إلَّا إذَا وَقَعَا مِنْ شَخْصٍ ) وَاحِدٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا وَالْآخَرُ مُخَرَّجًا فَالْمَنْصُوصُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمَعْمُولُ بِهِ غَالِبًا كَمَا إذَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هَذَا أَوْلَى ( فَإِنْ اخْتَلَفُوا ) أَيْ الْأَصْحَابُ ( فِي الْأَرْجَحِ ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ ( وَلَمْ يَكُنْ ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْعَامِلِ وَالْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ( أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ ) إنْ صَحَّحُوا شَيْئًا ( وَإِلَّا تَوَقَّفَ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ فِي الْعَامِلِ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ الرَّاجِحِ .
وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ اعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُ وَالْأَعْلَمُ وَالْأَوْرَعُ فَإِنْ تَعَارَضَ أَعْلَمُ وَأَوْرَعُ قُدِّمَ الْأَعْلَمُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ تَرْجِيحٌ اعْتَبَرَ صِفَاتِ النَّاقِلِينَ لِلْقَوْلَيْنِ وَالْقَائِلِينَ لِلْوَجْهَيْنِ فَمَا رَوَاهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ وَحَرْمَلَةُ
وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا مَا وَافَقَ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَكَذَا مَا وَافَقَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا إنْ لَمْ يَجِدْ مُرَجِّحًا مِمَّا مَرَّ وَلَوْ تَعَارَضَ جَزْمُ مُصَنَّفَيْنِ فَكَتَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ فَيُرْجَعُ إلَى الْبَحْثِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَلَوْ جَزَمَ مُصَنِّفَانِ بِشَيْءٍ وَثَالِثٌ مُسَاوٍ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِهِ رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ وَنَقْلُ الْعِرَاقِيِّينَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ وَقَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ وَوُجُوهَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَتْقَنُ وَأَثْبَتُ مِنْ نَقْلِ الْخُرَاسَانِيِّينَ غَالِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ دَائِمًا وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ كَوْنُ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ وَمَظِنَّتِهِ وَالْآخَرُ مُسْتَطْرِدٌ فِي بَابٍ آخَرَ انْتَهَى مُلَخَّصًا ( وَالْعَمَلُ ) يَكُونُ ( بِالْجَدِيدِ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ) لَا بِالْقَدِيمِ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ ( إلَّا فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً بَيَّنْتهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً .
فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِعِشْرِينَ بَدَلَ ثَلَاثِينَ كَانَ أَوْلَى ( وَإِنْ كَانَ فِي الرُّقْعَةِ مَسَائِلُ رَتَّبَ ) الْمُفْتِي ( الْأَجْوِبَةَ عَلَى تَرْتِيبِهَا وَيُكْرَهُ ) لَهُ ( أَنْ يَقْتَصِرَ ) فِي جَوَابِهِ ( عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ قَوْلَانِ ) أَوْ وَجْهَانِ أَوْ خِلَافٌ أَوْ رِوَايَتَانِ أَوْ نَحْوُهَا ( إذْ لَا يُفِيدُ ) جَوَابًا لِلْمُسْتَفْتِي بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ لَهُ بِالرَّاجِحِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ انْتَظَرَ ظُهُورَهُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْتَاءِ كَمَا فَعَلَهُ كَثِيرٌ ( وَلَا يُطْلَقُ ) الْجَوَابُ ( حَيْثُ ) وُجِدَ فِي الْمَسْأَلَةِ ( التَّفْصِيلُ فَهُوَ ) أَيْ الْإِطْلَاقُ حِينَئِذٍ ( خَطَأٌ ) اتِّفَاقًا ( وَيُجِيبُ عَلَى مَا فِي الرُّقْعَةِ لَا عَلَى مَا يَعْلَمُهُ ) مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ ( فَإِنْ أَرَادَهُ ) أَيْ الْجَوَابَ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ (
قَالَ إنْ أَرَادَ كَذَا فَجَوَابُهُ كَذَا ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا فِي الرُّقْعَةِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي لِخَبَرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا كَتَبَ الْجَوَابَ أَعَادَ نَظَرَهُ فِيهِ وَتَأَمَّلَهُ ( وَيُجِيبُ ) الْمُفْتِي ( الْأَوَّلُ فِي النَّاحِيَةِ الْيُسْرَى ) مِنْ الرُّقْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ ( وَإِنْ شَاءَ ) أَجَابَ ( غَيْرَهَا ) أَيْ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فِي الْحَاشِيَةِ ( لَا قَبْلَ الْبَسْمَلَةِ ) أَيْ فَوْقَهَا
قَوْلُهُ إلَّا فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً ) قَالَ بَعْضُهُمْ : وَقَدْ تُتَبَّعَ مَا أَفْتَى بِهِ بِالْقَدِيمِ فَوُجِدَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا ( قَوْلًا بِالْقَدِيمِ مِنْهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ الْقَدِيمَ إنَّمَا هُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ إذَا نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ وَأَشَارَ إلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ فَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَرْجُوعًا عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الرُّجُوعُ عَنْ كُلِّ مَا قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى وَفْقِهِ فِي الْجَدِيدِ فَإِنَّهُ عَسَّلَهُ وَقَالَ لَيْسَ فِي حِلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنِّي كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ خَالَفُوا فِي مُعْظَمِهَا فَأَفْتَوْا فِيهَا بِالْجَدِيدِ ؛ وَلِأَنَّ فِي أَكْثَرِهَا قَوْلًا جَدِيدًا مُوَافِقًا لِلْقَدِيمِ فَالْفَتْوَى إنَّمَا هِيَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُطْلِقُ حَيْثُ التَّفْصِيلُ ) فَهُوَ خَطَأٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى جَوَابِ أَحَدِ الْأَقْسَامِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ لِلسَّائِلِ ثُمَّ يَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَأَنْ يُفَصِّلَ جَوَابِ كُلِّ قِسْمٍ
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِفْتَاءِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَيُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيَقْرَأَ { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } الْآيَةَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ نَحْوَهَا ( وَلْيَكْتُبْ ) أَوَّلَ فَتْوَاهُ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ أَوْ حَسْبُنَا اللَّهُ أَوْ حَسْبِي اللَّهُ أَوْ نَحْوُهَا ( وَيَخْتِمُ ) جَوَابَهُ ( بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَوْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَوْ نَحْوُهُ ( وَيَذْكُرُ ) أَيْ يَكْتُبُ بَعْدَهُ ( اسْمَهُ وَنَسَبَهُ ) وَمَا يُعْرَفُ بِهِ وَيَنْتَسِبُ إلَى مَذْهَبِهِ فَيَكْتُبُ الشَّافِعِيُّ مَثَلًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالِاسْمِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ( وَلَا يَقْبُحُ ) فِي الْجَوَابِ ( أَنْ يَقُولَ عِنْدَنَا ) أَوْ الَّذِي عِنْدَنَا أَوْ الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ كَذَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا أَغْفَلَ الْمُسْتَفْتِي الدُّعَاءَ لِلْمُفْتِي أَوْ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْفَتْوَى أَلْحَقَ الْمُفْتِي ذَلِكَ بِخَطِّهِ لِجَرَيَانِ الْعَادِيَةِ بِهِ
( قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } الْآيَةَ ) { سُبْحَانَك لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إنَّك أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }
( ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ ) أَيْ الْفَتْوَى ( بِالسُّلْطَانِ دَعَا لَهُ وَقَالَ ) الْأَوْلَى قَوْلُ الرَّوْضَةِ فَقَالَ ( وَعَلَى السُّلْطَانِ ) أَوْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ( سَدَّدَهُ اللَّهُ أَوْ شَدَّ أَزْرَهُ ) أَيْ قُوَّتَهُ أَوْ ظَهْرَهُ أَوْ وَفَّقَهُ اللَّهُ أَوْ أَصْلَحَهُ أَوْ نَحْوَهَا ( وَيُكْرَهُ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ ) فَلَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ السَّلَفِ ( وَيَخْتَصِرُ جَوَابَهُ وَيُوَضِّحُ عِبَارَتَهُ ، وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ يُتَأَوَّلُ قَالَ يُسْأَلُ ) الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ( إنْ أَرَادَ ) بِهِ ( كَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَذَا فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا قُتِلَ ) ، وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ أَنَا أَصْدَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ الصَّلَاةُ لَغْوٌ أَوْ نَحْوُهُمَا فَلَا يُبَادِرُ بِقَوْلِهِ هَذَا حَلَالُ الدَّمِ أَوْ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بَلْ يَقُولُ إنْ ثَبَتَ هَذَا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا وَأَشْبَعَ الْقَوْلَ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ
قَوْلُهُ وَيُوَضِّحُ عِبَارَتَهُ ) أَيْ بِحَيْثُ تَفْهَمُهَا الْعَامَّةُ
( وَإِنْ سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ أَوْ جَرَحَ احْتَاطَ ) فِي الْجَوَابِ ( وَذَكَرَ ) عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ فَذَكَرَ ( شُرُوطَ الْقِصَاصِ وَيُبَيِّنُ قَدْرَ التَّعْزِيرِ ) وَمَا يُعَزَّرُ بِهِ مِنْ عَصًا أَوْ سَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فِيمَا لَوْ سُئِلَ عَمَّنْ فَعَلَ مَا يَقْتَضِي تَعْزِيرًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُلْصِقَ الْجَوَابَ بِآخِرِ الِاسْتِفْتَاءِ وَلَا يَدَعُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةً مَخَافَةَ أَنْ يَزِيدَ السَّائِلُ شَيْئًا يُفْسِدُ الْجَوَابَ ( وَيَكْتُبُ ) الْجَوَابَ ( عَلَى الْمُلْصَقِ مِنْ الْوَرَقَةِ ) أَيْ وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْجَوَابِ وَرَقَةً مُلْصَقَةً كَتَبَ عَلَى مَوْضِعِ الْإِلْصَاقِ ( وَإِنْ ضَاقَتْ ) عَنْ الْجَوَابِ ( كَتَبَ فِي الظَّهْرِ ) أَوْ فِي الْحَاشِيَةِ ( وَالْحَاشِيَةُ أَوْلَى ) بِهِ ( لَا فِي ) وَرَقَةٍ ( أُخْرَى ) خَوْفًا مِنْ الْحِيلَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا كَتَبَ فِي ظَهْرِهَا كَتَبَ فِي أَعْلَاهَا إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَسْفَلِهَا مُتَّصِلًا بِالِاسْتِفْتَاءِ وَيَضِيقُ الْمَوْضِعُ قِيمَتُهُ فِي أَسْفَلِ ظَهْرِهَا لِيَصِلَ جَوَابُهُ
( قَوْلُهُ وَذَكَرَ شُرُوطَ الْقِصَاصِ ) وَيُبَيِّنُ قَدْرَ التَّعْزِيرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ أَوْ التَّعْزِيرَ بِشَرْطِهِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْمَسْبُوقِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَحْرُمُ الْمَيْلُ ) فِي فَتْوَاهُ مَعَ الْمُسْتَفْتِي أَوْ خَصْمِهِ ( بِأَنْ يَكْتُبَ مَا لِأَحَدِهِمَا دُونَ ) مَا عَلَيْهِ ( وَيُشَافِهُهُ بِمَا عَلَيْهِ ) إنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِكِتَابَتِهِ ( بَلْ إنْ اقْتَضَاهُمَا ) أَيْ مَا لَهُ عَلَيْهِ ( السُّوَالُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَحَدِهِمَا ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَوُجُوهُ الْمَيْلِ مَعْرُوفَةٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكْتُبَ مَا لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْلِمَ أَحَدَهُمَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حُجَّةَ صَاحِبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمُشَافَهَةِ ( وَلَا يُلَقِّنُهُ حَجَّتَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَإِنْ وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( الْإِفْتَاءُ ) وَلَوْ كِفَايَةً وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ رِقَاعٌ ( قَدَّمَ السَّابِقَ ) فَالسَّابِقَ ( بِفَتْوَى ) وَاحِدَةٍ كَالْقَاضِي نَعَمْ إنْ ظَهَرَ لَهُ جَوَابُ الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْمَسْبُوقِ كَذَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَكُنْ سَابِقٌ بِأَنْ تَسَاوَوْا أَوْ جَهِلَ السَّابِقَ ( أَقْرَعَ نَعَمْ يَجِبُ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ يَجُوزُ ( تَقْدِيمُ نِسَاءٍ وَمُسَافِرِينَ تَهَيُّؤًا ) لِلسَّفَرِ ( أَوْ تَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ ) عَنْ رُفْقَتِهِمْ عَلَى مَنْ سَبَقَهُمْ ( لَا إنْ ظَهَرَ ) بِتَقْدِيمِهِمْ ( تَضَرُّرُ غَيْرِهِمْ بِكَثْرَتِهِمْ ) فَلَا يُقَدَّمُونَ
( قَوْلُهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ يَجُوزُ ) عِبَارَةُ الْأَصْفُونِيِّ وَالصَّحِيحُ يَجِبُ تَقْدِيمُ امْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ شَدَّ رَحْلَهُ وَيَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رُفْقَتِهِ وَعِبَارَةُ الْحِجَازِيِّ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ امْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ شَدَّ رَحْلَهُ وَيَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ رُفْقَتِهِ ا هـ فَلَعَلَّ نُسَخَ الرَّوْضَةِ مُخْتَلِفَةٌ
( ، وَإِنْ سُئِلَ عَنْ ) إرْثِ ( الْإِخْوَةِ ) مَثَلًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ ( فَصْلٌ ) فِي جَوَابِهِ فَيَقُولُ ( ابْنٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ ( الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ عَوْلٌ ) كَالْمِنْبَرِيَّةِ ( قَالَ ) فِي جَوَابِهِ لِلزَّوْجَةِ مَثَلًا ( الثُّمُنُ عَائِلًا ) ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا أَوْ لَهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا أَوْ صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَلَا يَقُولُ لَهَا الثُّمُنُ وَلَا التُّسْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ بِخِلَافِ مَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ مِنْ رِقٍّ وَكُفْرٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ عَدَمِهِ بَلْ الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَسْقُطُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ بَيَّنَهُ ) فَيَقُولُ وَسَقَطَ فُلَانٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ نَحْوَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِحَالٍ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ بَيَّنَهُ فَيَقُولُ : وَسَقَطَ فُلَانٌ وَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ وَتُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَعْدَ إخْرَاجِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ إنْ كَانَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( وَيَكْتُبُ تَحْتَ الْفَتْوَى الصَّحِيحَةِ ) الَّتِي كَتَبَهَا غَيْرُهُ وَخَطُّهُ مُوَافِقٌ لِمَا عِنْدَهُ ( إنْ عَرَفَ أَنَّهَا أَهْلٌ ) لِلْإِفْتَاءِ ( الْجَوَابُ صَحِيحٌ وَنَحْوُهُ ) كَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ أَوْ جَوَابِي كَذَلِكَ ( وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ ) أَيْ يَكْتُبَ الْجَوَابَ كَمَا لَوْ كَتَبَهُ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ ( أَنْ أَرَى ذَلِكَ ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( وَيَخْتَصِرُ ) فِي الْجَوَابِ أَيْ يَأْتِي بِهِ أَخْصَرَ مِنْ عِبَارَةِ - السَّابِقِ أَمَّا إذَا عَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ ( وَإِنْ جَهِلَ ) أَيْ مَنْ كَتَبَ أَوَّلًا ( بَحَثَ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فَلَهُ أَمْرُهُ ) أَيْ الْمُسْتَفْتِي ( بِإِبْدَالِهَا ) أَيْ الرُّقْعَةِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ أَيْ مِنْ الْكِتَابَةِ مَعَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْمُرَ صَاحِبَهَا
بِإِبْدَالِهَا ( فَإِنْ تَعَسَّرَ ) إبْدَالُهَا ( أَجَابَ بِلِسَانِهِ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَبْدَأَ مِنْ الْمُفْتِيِّينَ بِالْأَسَنِّ الْأَعْلَمِ وَبِالْأَوْلَى فَالْأَوْلَى إذَا أَرَادَ جَمْعَهُمْ فِي رُقْعَةٍ وَإِلَّا فَمَنْ شَاءَ وَتَكُونُ الرُّقْعَةُ وَاسِعَةً يَدْعُو فِيهَا لِمَنْ يَسْتَفْتِيهِ وَيَدْفَعُهَا لَهُ مَنْشُورَةً وَيَأْخُذُهَا كَذَلِكَ فَيُرِيحُهُ مِنْ نَشْرِهَا وَطَيِّهَا ( وَإِنْ عَدِمَ ) الْمُسْتَفْتِي عَنْ وَاقِعَةٍ ( الْمُفْتِي فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهَا ) الْأَوْلَى وَغَيْرِهِ ( وَلَا ) وَجَدَ ( مَنْ يَنْقُلُ لَهُ حُكْمَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بِشَيْءٍ يَصْنَعُهُ ) فِيهَا ( إذْ لَا تَكْلِيفَ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِي نُسْخَةٍ وَمَنْ يَنْقُلُ بِحَذْفِ لَا وَهِيَ أَوْلَى وَأَخْصَرُ
( قَوْلُهُ وَإِذَا سُئِلَ عَنْ الْإِخْوَةِ إلَخْ ) مَنْ وَإِذَا سُئِلَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ أَوْ إخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ كَفَاهُ { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَنٌ أَنْ يَقُولَ تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَعْدَ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ دَيْنٍ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ جَوَابِي كَذَلِكَ ) أَوْ جَوَابِي مِثْلُهُ أَوْ بِهِ أَقُولُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَفْتَاهُ ) مُفْتٍ ( ثُمَّ رَجَعَ ) عَنْ فَتْوَاهُ ( قَبْلَ الْعَمَلِ ) بِهَا كَفَّ ( عَنْهُ ) وُجُوبًا ( وَكَذَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً ) أَوْ اسْتَمَرَّ عَلَى نِكَاحِهَا ( بِفَتْوَاهُ ثُمَّ رَجَعَ ) عَنْهَا ( لَزِمَهُ فِرَاقُهَا كَمَا ) فِي نَظِيرِهِ ( فِي الْقُبْلَةِ ) وَاحْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ ( وَإِنْ رَجَعَ ) عَنْهَا ( بَعْدَ الْعَمَلِ ) بِهَا ( وَقَدْ خَالَفَ ) مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُفْتِي ( دَلِيلًا قَاطِعًا نَقَضَهُ ) أَيْ عَمَلَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ قَاطِعًا بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ( فَلَا ) يَنْقُضُهُ ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ ( ، وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُقَلِّدًا لِإِمَامٍ ) مُعَيَّنٍ ( فَنَصُّ إمَامِهِ ، وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادِيًّا فِي حَقِّهِ كَالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ ) فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ فَإِذَا رَجَعَ الْمُفْتِي عَنْ فَتْوَاهُ لِكَوْنِهَا خَالَفَتْ نَصَّ إمَامِهِ وَجَبَ نَقْضُ الْعَمَلِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي حَقِّهِ ( وَعَلَى الْمُفْتِي إعْلَامُهُ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ وَجَبَ النَّقْضُ ، وَإِنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ ) مَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ خَالَفَ الْقَاطِعَ أَوْ نَصَّ إمَامِهِ ( لَمْ يَغْرَمْ ) مَنْ أَفْتَاهُ ( وَلَوْ كَانَ أَهْلًا ) لِلْفَتْوَى إذْ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ
قَوْلُهُ لَوْ أَفْتَاهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَخْ ) فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَلَكِنْ قَالَ لِلْمُسْتَفْتِي مُجْتَهِدٌ أَخْطَأَ مَنْ قَلَّدْته لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ أَعْلَمَ ( قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ ) أَيْ وَلَا إلْجَاءٌ
( فَرْعٌ يَجُوزُ ) لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ ( تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إنْ دُوِّنَتْ الْمَذَاهِبُ كَالْيَوْمِ ) فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ كُلًّا فِي مَسَائِلَ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْأَلُونَ تَارَةً مِنْ هَذَا وَتَارَةً مِنْ هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ( وَلَهُ الِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبِهِ ) إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ سَوَاءٌ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْأَعْلَمِ أَمْ خَيَّرْنَاهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي الْقِبْلَةِ هَذَا أَيَّامًا ، وَهَذَا أَيَّامًا ( لَكِنْ لَا يَتَّبِعُ الرُّخَصَ ) لِمَا فِي تَتَبُّعِهَا مِنْ انْحِلَالِ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ ( فَإِنْ تَتَبَّعَهَا مِنْ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ فَهَلْ يُفَسَّقُ ) أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا لَا بِخِلَافِ تَتَبُّعِهِمَا مِنْ الْمَذَاهِبِ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يُفَسَّقُ قَطْعًا وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُفَسَّقُ قَطْعًا
( قَوْلُهُ فَهَلْ يَفْسُقُ ) وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَفْسُقُ إنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ مَعَاصِيَهُ
( فَصْلٌ يَسْتَخْلِفُ ) جَوَازًا ( فِي عَامٍّ وَخَاصٍّ ) كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةِ ( قَاضٍ أَذِنَ لَهُ ) فِي الِاسْتِخْلَافِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى فَصْلِ الْخُصُومَاتِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِأَنْ أَطْلَقَ لَهُ التَّوْلِيَةَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ ( جَازَ ) لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ( فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ ) كَقَضَاءِ بَلَدَيْنِ أَوْ بَلَدٍ كَبِيرٍ ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ مُشْعِرَةٌ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ مَا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ كَقَضَاءِ بَلَدٍ صَغِيرٍ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرْضَ بِنَظِيرِ غَيْرِهِ وَلَا قَرِينَةَ تُشْعِرُ بِخِلَافِهِ ( فَلَوْ نَهَى عَنْهُ ) ، وَقَدْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ بَعْضِهِ ( بَطَلَتْ ) تَوْلِيَتُهُ لَهُ ( فِيمَا عَجَزَ ) عَنْهُ وَصَحَّتْ فِيمَا عَدَاهُ ( وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ خَلِيفَتِهِ ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ( كَخَلِيفَةٍ لَا يَصْلُحُ ) لِلْقَضَاءِ ( وَالْخَلِيفَةُ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَعْرِفَ شُرُوطَ الْوَاقِعَةِ ) حَتَّى أَنَّ نَائِبَ - الْقَاضِي فِي الْقُرَى إذَا كَانَ الْمَنُوبُ فِيهِ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَنَقْلَهَا دُونَ الْحُكْمِ كَفَاهُ بِشُرُوطِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ ( وَلَا يَكْفِي ) فِي الْخَلِيفَةِ ( فِي ) الْأَمْرِ ( الْعَامِّ إلَّا أَهْلُ الْقَضَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ ( وَلَوْ خَالَفَ اعْتِقَادَهُ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْحَنَفِيَّ ( إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ ) فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ لَمْ يُجْرِ صِيغَةَ شَرْطٍ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لَا تَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ
يَجْعَلَ هَذَا الْأَمْرَ شَرْطًا وَتَقْيِيدًا كَمَا لَوْ قَالَ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاقْضِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَفِي يَوْمِ كَذَا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ ( وَإِنْ قَالَ لَا تَحْكُمُ فِي كَذَا فِيمَا يُخَالِفُهُ فِيهِ ) كَقَوْلِهِ لَا تَحْكُمُ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ وَالْحُرِّ الْعَبْدَ ( جَازَ وَحَكَمَ فِي غَيْرِهِ ) مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَادِثِ
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ يَسْتَخْلِفُ فِي عَامٍّ وَخَاصٍّ قَاضٍ أَذِنَ لَهُ ) شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْلَافَ الْقَاضِي وَلَوْ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَاسْتِخْلَافُهُ وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَهُ إذَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِلصِّفَاتِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْضًا تَقْلِيدُ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ لِلْقَضَاءِ وَيُشْكِلُ عَلَى جَزْمِهِمْ بِجَوَازِ اسْتِخْلَافِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ سَمَاعُ الْقَاضِي شَهَادَةَ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ فَإِنَّ الْبَغَوِيّ حَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ أَبِي الدَّمِ مِنْهُمَا الْمَنْعَ قَالَ فِي الْغُنْيَةِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ تَضَمَّنَهُ التَّعْدِيلُ ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي تَفْوِيضِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَزْمِ بِصِحَّةِ اسْتِخْلَافِ الْوَلَدِ أَوْ الْوَالِدِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشُّرُوطُ مُجْتَمِعَةً فِيهِ ظَاهِرَةً عِنْدَ النَّاسِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَ غَيْرِ الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ فَإِنْ كَانَتْ عَدَالَتُهُ مَعْرُوفَةً ثَابِتَةً عِنْدَ غَيْرِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَيُجْزَمُ بِالْقَبُولِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قِسْ ( قَوْلُهُ جَازَ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ ) وَالْمَرَضُ وَالْغَيْبَةُ عَنْ الْبَلَدِ لِشُغْلٍ كَالْعَجْزِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ كَقَضَاءِ بَلَدٍ إلَخْ ) هَذَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْعَامِّ أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ بَطَلَتْ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ ) فَلَوْ كَانَ عَاجِزًا عِنْدَ الْوِلَايَةِ عَنْ شَيْءٍ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْضِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَمْ تَشْمَلْهُ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ خَلِيفَتِهِ ) فَإِنْ تَرَاضَيَا بِهِ الْتَحَقَ بِالْمُحَكَّمِ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ هَذَا إذَا عَلِمَا فَسَادَ تَوْلِيَتِهِ فَإِنْ جَهِلَا فَقَدْ بَيَّنَّا الْأَمْرَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ مُلْزِمٌ بِغَيْرِ تَرَاضِيهِمَا فَلَا يَلْحَقُ بِالْمُحَكَّمِ
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ ، وَهَذَا أَشْبَهُ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إذَا وَلَّى الْقَاضِي الْكَبِيرُ كَقَاضِي الشَّامِ مَثَلًا قَاضِيًا فِي بَلْدَةٍ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي قَاضِي الْإِمَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَفِيهِ لِلتَّرَدُّدِ مَجَالٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ فَمَا جَازَ لِلْوَكِيلِ جَازَ لَهُ وَمَا لَا فَلَا وَالْفَرْقُ قُوَّةُ وِلَايَةِ مَنْصُوبِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ لَهُ وَلِهَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالُهُ بِخِلَافِ هَذَا وَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ مُشْتَمِلًا عَلَى مِصْرَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ كَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ يَتَخَيَّرُ فَإِذَا نَظَرَ فِي أَحَدِهِمَا فَفِي انْعِزَالِهِ عَنْ الْآخَرِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ انْعَزَلَ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ حُكْمٍ فِيهِ بِالْعَجْزِ وَالثَّانِي لَا وَيَكُونُ بَاقِي الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا الْمَقْرُونَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الصِّحَّةِ مَعَ النَّهْيِ وَعَلَيْهِمَا يَتَخَرَّجُ تَدْرِيسُ مَدْرَسَتَيْنِ بِبَلَدَيْنِ وَكَانَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ عَسَاكِرَ يُدَرِّسُ بِالْبُعُونَةِ وَغَيْرِهَا بِدِمَشْقَ وَيُدَرِّسُ بِالصَّلَاحِيَّةِ بِالْقُدْسِ يُقِيمُ بِهِ أَشْهُرًا وَبِدِمَشْقَ أَشْهُرًا ، وَهَذَا مَعَ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ لَا ؛ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الْحُضُورِ فِي الْآخَرِ لَيْسَتْ بِعُذْرٍ ( قَوْلُهُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ قَلَّدْتُك الْقَضَاءَ فَاقْضِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَفِي يَوْمِ كَذَا ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ قُلِّدَ الْقَاضِي جَمِيعَ الْبَلَدِ لِيَنْظُرَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ أَوْ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ وَيَبْطُلُ
التَّقْلِيدُ إنْ كَانَ شَرْطًا ، وَإِنْ كَانَ آمِرًا بَطَلَ الْأَمْرُ .
ا هـ .
ع ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ لَا تَحْكُمُ فِي كَذَا إلَخْ ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا عَلَى غَائِبٍ صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ وَلَغَا الشَّرْطُ فَيَقْضِي بِاجْتِهَادِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُرَاعِيَ الشَّرْطَ هُنَاكَ قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ كَالْمَعْزُولِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مُوَلَّى فِي غَيْرِهِ
( فَإِنْ نَصَّبَ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَخَصَّصَ كُلًّا ) مِنْهُمَا ( بِطَرَفٍ ) مِنْهُ ( أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ الْخُصُومَاتِ جَازَ ) وَفَارَقَ الْإِمَامُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ بِأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا قَطَعَ الْإِمَامُ اخْتِلَافَهُمَا بِخِلَافِ الْإِمَامَيْنِ ( وَكَذَا لَوْ ) عَمَّمَ وَ ( أَثْبَتَ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( اسْتِقْلَالًا ) بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ ( فَإِنْ شَرَطَ ) فِي تَوْلِيَتِهِمَا ( إجْمَاعَ حُكْمِهِمَا بَطَلَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَكْثُرُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَتَتَعَطَّلُ الْحُكُومَاتُ ( وَلَوْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ اسْتِقْلَالَهُمَا وَلَا اجْتِمَاعَهُمَا ( حُمِلَ عَلَى ) إثْبَاتِ ( الِاسْتِقْلَالِ ) تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا يَجُوزُ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ نَصْبَهُمَا بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ جَائِزٌ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ ( فَإِنْ طَلَبَا ) أَيْ الْقَاضِيَانِ ( خَصْمًا ) بِطَلَبِ خَصْمَيْهِ لَهُ مِنْهُمَا ( أَجَابَ السَّابِقَ ) مِنْهُمَا بِالطَّلَبِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ طَلَبَاهُ مَعًا ( أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمَا ( وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ أُجِيبَ الطَّالِبُ ) لِلْحَقِّ دُونَ الْمَطْلُوبِ بِهِ وَقِيلَ يُقْرِعُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِمَا رَجَّحَهُ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ ( فَإِنْ تَسَاوَيَا ) بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَتَحَاكُمِهِمَا فِي قِسْمَةِ مِلْكٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صَدَاقٍ اخْتِلَافًا يُوجِبُ تَحَالُفَهُمَا ( فَأَقْرَبُ الْقَاضِيَيْنِ ) إلَيْهِمَا يَتَحَاكَمَانِ عِنْدَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ ( فَالْقُرْعَةُ ) يَعْمَلُ بِهَا ( لَا الْإِعْرَاضُ عَنْهُمَا ) حَتَّى يَصْطَلِحَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طُولِ التَّنَازُعِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ كَنَصْبِ قَاضِيَيْنِ مَا لَمْ يَكْثُرُوا كَذَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي الْمَطْلَبِ يَجُوزُ أَنْ يُنَاطَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
( قَوْلُهُ كَالْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا حَاكِمَيْنِ إلَى الْيَمَنِ وَأَرْدَفَهُمَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ } ( قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ اجْتِمَاعَ حُكْمِهِمَا بَطَلَتْ ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْحُكْمِ التَّنْجِيزِيِّ فَإِنْ شَرَطَهُ أَنَّهُ مَتَى حَكَمَ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْآخَرِ تَنْفِيذُهُ جَازَ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَيُقْطَعُ بِالْجَوَازِ وَأَنْ يَكُونَا مِنْ الْمُجْتَهِدَيْنِ أَمَّا الْمُقَلِّدَانِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا عَمَّ وِلَايَتَهُمَا ، وَأَمَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعًا الْحُكْمَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى حُكْمٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَرْفَعَانِهَا إلَى مَنْ وَلَّاهُمَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْمُوصِي أُوصِي إلَى مَنْ شِئْت أَوْ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَا عَنْك فَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى كَوْنِهِ عَنْ الْوَصِيِّ حَتَّى لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَنْزِلْ الْمُطْلَقُ عَلَى مَا يَجُوزُ قُلْت وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ مِنْهُ وِصَايَةُ الْوَصِيِّ إلَّا إنْ صَرَّحَ الْمُوصِي بِأَنْ وَصَّى عَنْهُ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ إرَادَةُ الِاسْتِقْلَالِ ع ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ أُجِيبَ طَالِبُ ) تَنَازَعَ خَصْمَانِ فِي الْحُضُورِ إلَى الْأَصْلِ وَالنَّائِبِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّفْعَ إلَى الْأَصْلِ وَالْآخَرُ إلَى النَّائِبِ قَالَ فِي الْحَاوِي إنْ كَانَ الْقَاضِي يَوْمَ التَّرَافُعِ نَاظِرًا فَالدَّعْوَى إلَيْهِ أَوْلَى بِالْإِجَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ نَائِبَهُ فَالدَّاعِي إلَيْهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَلُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ يُجَابُ الدَّاعِي إلَى الْأَصْلِ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ وَنَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ
قَاضِيَيْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَذَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَحُدَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ بِشَيْءٍ وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ ارْتِبَاطُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ
( فَرْعٌ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ قَلَّدَهُ بَلَدًا وَ سَكَتَ عَنْ ضَوَاحِيهَا فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِإِفْرَادِهَا عَنْهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي وِلَايَتِهِ ، وَإِنْ جَرَى بِإِضَافَتِهَا دَخَلَتْ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ رَوْعِي أَكْثَرُهُمَا عُرْفًا فَإِنْ اسْتَوَيَا رَوْعِي أَقْرَبُهُمَا عَهْدًا
( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قَلَّدَهُ بَلَدًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ ) مِنْ اثْنَيْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ قَاضٍ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ تَحَاكَمَا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ تَحَاكَمَا إلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ ( حَتَّى بِتَزْوِيجِ فَاقِدَةِ وَلِيٍّ ) لَهَا خَاصٍ نَسِيبٍ أَوْ مُعْتَقٍ ( لَا فِي حُدُودِ اللَّهِ ) تَعَالَى إذْ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ ؛ وَلِأَنَّ نِيَاطَ الْحُكْمِ هُنَا رِضَا مُسْتَحِقِّهِ ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا أُخْرَى بَيَّنْتهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ( وَإِنْ وَجَدَ الْقَاضِي ) فِي الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ ( بِشَرْطِ تَأَهُّلِ الْمُحَكَّمِ لِلْقَضَاءِ ) وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي ( وَ ) بِشَرْطِ ( رِضَا الْخَصْمَيْنِ بِحُكْمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَا بَعْدَهُ ) ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمَا هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْوِلَايَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ ( فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي الدِّيَةِ ) عَلَى الْعَاقِلَةِ ( لَمْ يُلْزِمْ الْعَاقِلَةَ حَتَّى يَرْضَوْا ) بِحُكْمِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ وَلَا يَكْفِي رِضَا الْقَاتِلِ وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ فَرَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ ( وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ) بَلْ غَايَتُهُ الْإِثْبَاتُ وَالْحُكْمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّرْسِيمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ : نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرِمُ أُبَّهَةَ الْوُلَاةِ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً إذْ لَا يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَلَا يَحْكُمُ لِنَحْوِ وَلَدِهِ ) مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِ ( وَلَا عَلَى عَدُوِّهِ ) كَمَا فِي الْقَاضِي وَالتَّرْجِيحُ فِي هَاتَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ،
وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَاضِي لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ جَوَازُ الْحُكْمِ لِرِضَا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا عَلَى عَدُوِّهِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَوْنُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ بِحَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْ عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا خَصْمِ قَاضٍ اسْتَنَابَ ) عَنْهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ وَرَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قَالُوا لَيْسَ التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةً لَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ فَيَحْسُنُ الْبِنَاءُ ( وَيُمْضِي الْقَاضِي حُكْمَهُ ) أَيْ الْمُحْكَمَ ( كَالْقَاضِي ) وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ قَضَاءُ غَيْرِهِ .
( فَرْعٌ ) يَجُوزُ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَى اثْنَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا وَيُفَارِقُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ ) قَالَ شَيْخُنَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ صَوْمُهُ لَا عَلَى عُمُومِ النَّاسِ خِلَافًا لَهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ رِضَاهُمْ بِالْحُكْمِ مِنْهُ ( قَوْلُهُ لَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ) مِثْلُهَا تَعْزِيرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي فَكَيْفَ عِنْدَ الْمُحَكَّمِ ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا أُخْرَى إلَخْ ) الْوَكِيلَيْنِ فَلَا يَكْفِي تَحْكُمُهُمَا ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ تَحْكِيمُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَالْوَلِيَّيْنِ ؛ فَلَا يَكْفِي تَحْكُمُهُمَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكَّمِ يَصُرُّ بِأَحَدِهِمَا ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَلَا يَكْفِي رِضَاهُ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكَّمِ يَضُرُّ بِغُرَمَائِهِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَامِلُ الْقِرَاضِ فَلَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَالِكِ ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ دُيُونٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْغُرَمَاءِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكَّمِ يَضُرُّ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا السَّيِّدِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ لَا أَثَرَ لِتَحْكِيمِهِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ( قَوْلُهُ بِشَرْطِ تَأَهُّلِ الْمُحَكَّمِ لِلْقَضَاءِ ) قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْحَاوِي وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ وَقَدْ عَثَرْت عَلَى نَصٍّ صَحِيحٍ مِنْ قِبَلِهِمْ وَكَتَبَ أَيْضًا وَخَرَجَ بِالْأَهْلِ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ أَيْ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ ش ( قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ) أَيْ عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ وَالْحَاكِمِ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي ) فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَإِذَا سَمِعَ الْمُحَكَّمُ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ وَلِيَ الْحُكْمَ حَكَمَ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَاكِمًا أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ
الشَّهَادَةِ وَهَلْ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ كَالْحَاكِمِ عَلَى الْمُرَجَّحِ أَمْ لَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَطَّرِدَ فِيهِ بِخِلَافِ مُرَتَّبٍ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ غ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْجَزْمُ بِالثَّانِي ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّرْسِيمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ فِي هَاتَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي الْأُولَى ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ ) لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا أَيْ صَرِيحًا ا هـ وَقَالَ الدَّمِيرِيِّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ ) وَفِي الْحَاوِي قُبَيْلَ الشَّهَادَاتِ إذَا تَحَاكَمَ الْإِمَامُ وَخَصْمُهُ إلَى بَعْضِ الرَّعِيَّةِ لَمْ يُقَلِّدْهُ خُصُوصَ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْخَصْمِ
( فَصْلٌ مَنْثُورٌ ) مَسَائِلُهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْلِيَةِ ( لِيَسْأَلْ الْإِمَامُ عَنْ حَالِ مَنْ يُوَلِّيهِ ) مِنْ جِيرَانِهِ وَخُلَطَائِهِ ( فَإِنْ وَلَّى مَجْهُولًا ) أَيْ مَنْ لَا يَعْرِفُ ( لَمْ تَنْفُذْ ) تَوْلِيَتُهُ ( وَإِنْ بَانَ أَهْلًا ) لَهَا لِلشَّكِّ مَعَ شِدَّةِ أَمْرِ الْقَضَاءِ وَخَطَرِهِ ؛ وَلِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَهْلِيَّةِ الْمُوَلَّى وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمُسْتَنَدِ حَتَّى لَوْ حَكَمَ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ نَافِذًا ( فَلْيُجَدِّدْ ) تَوْلِيَتَهُ بَانَ أَهْلًا أَوْ تَجَدَّدَتْ أَهْلِيَّتُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَصْبُ قَاضٍ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَنَاحِيَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ قَاضٍ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ قَاضِيًا مِنْ عِنْدِهِ أَوْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ : بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَ كُلِّ بَلَدَيْنِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى .
( وَيَجُوزُ تَفْوِيضُ نَصْبِ قَاضٍ إلَى وَالٍ وَ ) إلَى ( غَيْرِهِ ) مِنْ الْآحَادِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْغَيْرُ ( أَهْلَ الْبَلَدِ ) أَوْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ ( وَلَا يَخْتَارُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ ) ذَلِكَ ( وَلَدًا وَلَا وَالِدًا ) لَهُ كَمَا لَا يَخْتَارُ نَفْسَهُ ( وَيُشْتَرَطُ فِي التَّوْلِيَةِ تَعْيِينُ الْقَاضِي ) فَلَوْ قَالَ وَلَّيْت أَحَدَ هَذَيْنِ أَوْ مَنْ رَغِبَ فِي الْقَضَاءِ بِبَلَدِ كَذَا مِنْ عُلَمَائِهَا لَمْ يَجُزْ ( وَ ) تَعْيِينُ ( مَحَلِّ الْوِلَايَةِ ) فِي قَرْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا
( فَصْلٌ مَنْثُورٌ ) ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَفْوِيضُ نَصْبِ قَاضٍ إلَى وَالٍ ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ وَالِي الْإِقْلِيمِ لَيْسَ لَهُ نَصْبُ الْقَضَاءِ بِمُطْلَقِ وِلَايَةِ الْإِقْلِيمِ ( قَوْلُهُ وَإِلَى غَيْرِهِ إلَخْ ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُمَا مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِاخْتِيَارِ
( وَتَنْعَقِدُ ) الْوِلَايَةُ ( مُشَافَهَةً وَمُكَاتَبَةً وَمُرَاسَلَةً ) عِنْدَ الْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ ( بِصَرِيحٍ كَوَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ وَاسْتَخْلَفْتُك وَاسْتَنَبْتُكَ ) فِيهِ ( وَاقْضِ وَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ ) وَقَلَّدْتُك الْقَضَاءَ ( وَبِالْكِنَايَةِ كَاعْتَمَدْتُ عَلَيْك فِي الْقَضَاءِ أَوْ رَدَدْته إلَيْك أَوْ فَوَّضْته ) إلَيْك أَوْ عَهِدْت إلَيْك فِيهِ أَوْ وَكَّلْتُك فِيهِ أَوْ أَسْنَدْته إلَيْك وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ وَبَيْنَ فَوَّضْته إلَيْك أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَيِّنٌ لِجَعْلِهِ قَاضِيًا وَالثَّانِي مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يُرَادَ تَوْكِيلُهُ فِي نَصْبِ قَاضٍ ( بِقَبُولٍ ) لِذَلِكَ ( وَيُشْتَرَطُ ) الْقَبُولُ ( فَوْرًا إنْ خُوطِبَ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ كُوتِبَ أَوْ رُوسِلَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ إلَّا عِنْدَ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ وَالْأَصَحُّ خِلَافُ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِهِ لَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ لَكِنْ سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ خِلَافٌ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ ، وَأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فَلْيَكُنْ هَكَذَا هُنَا وَمِنْ لَازِمِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ : لَا كَالْوَكَالَةِ ( وَلَوْ وَلَّاهُ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا جَازَ ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ ( وَيَسْتَفِيدُ الْقَاضِي بِالتَّوْلِيَةِ ) الْمُطْلَقَةِ
قَوْلُهُ وَتُعْقَدُ الْوِلَايَةُ مُشَافَهَةً إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَإِنْ كَانَ مُرْتَزِقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ رِزْقَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى عَمَلِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ وَنَظَرَ اسْتَحَقَّ رِزْقَهُ ، وَإِنْ وَصَلَ وَلَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ مُتَصَدِّيًا لِلنَّظَرِ اسْتَحَقَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ كَالْأَجِيرِ فِي الْعَمَلِ إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّ لِلنَّظَرِ فَلَا رِزْقَ لَهُ كَالْأَجِيرِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ ا هـ وَتَابَعَهُ ابْنُ شَدَّادٍ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ لَا يَنْقَدِحُ فِيهِ خِلَافٌ ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُعْظَمُ لِوُضُوحِهِ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ : وَإِذَا قُرِئَ عَهْدُهُ حَكَمَ مَكَانَهُ وَلَوْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ فِي عَمَلِهِ وَيَسْتَحِقُّ رِزْقَهُ وَلَا أَدْرِي مَا شُبْهَةُ كَثِيرٍ مِنْ قُضَاةِ الْعَصْرِ يَتَوَلَّى أَحَدُهُمْ الْقَضَاءَ مِنْ مِصْرٍ ثُمَّ يَأْتِي عَمَلَهُ الشَّاسِعَ كَحَلَبِ بَعْدَ أَشْهُرٍ فَيُطَالِبُ بِرِزْقِهِ مِنْ تَارِيخِ وِلَايَتِهِ لِمُدَّةٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا عَمَلَهُ وَلَا حَكَمَ وَلَا تَصَدَّى لِحُكْمٍ وَأَفْظَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسْتَخْرِجُونَ مَا وُظِّفَ لَهُمْ مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى نَظَرٍ وَتَدْرِيسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا عُرِفَ بِالْحَاكِمِ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ فِيمَا غَبَرَ مِنْ الزَّمَانِ فَإِنَّا لِلَّهِ مِنْ هَذِهِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ غ ( قَوْلُهُ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَمَسُّ غَالِبًا إلَى قَاضٍ يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي جَعْلِ الْقَبُولِ عَلَى التَّرَاخِي إضْرَارٌ بِالرَّعَايَا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ ا هـ فَالرَّاجِحُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ شَيْخُنَا : لَكِنْ أَفْتَى الْوَالِدُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَفْظًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا خَاطَبَهُ بِالْوِلَايَةِ فَالْقَرِينَةُ اقْتَضَتْ الْقَبُولَ عَلَى الْفَوْرِ لَفْظًا وَمَا فِي
الْفَتَاوَى عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيُشْرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الْحُكْمَ الْبَاتَّ ) الْمُسْتَلْزِمَ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحْلِيفَ ( وَاسْتِيفَاءَ الْحُقُوقِ وَالْحَبْسَ لِلْمُمْتَنِعِ ) عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ ( وَالتَّعْزِيرَ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ وَتَزْوِيجَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ) خَاصٌّ ( وَوِلَايَةَ أَمْوَالِ النَّاقِصِينَ ) مِنْ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِين وَالسُّفَهَاءِ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لَهُمْ خَاصٌّ ( وَ ) وِلَايَةَ ( الضَّوَالِّ وَالْوُقُوفِ وَإِيصَالَهَا إلَى أَهْلِهَا وَالْبَحْثَ عَنْ ) حَالِ ( وُلَاتِهَا إنْ كَانَ ) لَهَا وُلَاةٌ ( وَيَعُمُّ نَظَرُهُ الْوُقُوفَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ ) ؛ لِأَنَّ الْخَاصَّةَ سَتَنْتَهِي إلَى الْعُمُومِ ( وَالْوَصَايَا إنْ لَمْ يَكُنْ ) لَهَا ( وَصِيٌّ وَيَنْظُرُ فِي ) أَحْوَالِ صَلَاةِ ( الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وُلَاةٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الْعَامَّةِ ( وَ ) فِي ( الطُّرُقِ فَيَمْنَعُ مُتَعَدِّيًا فِيهَا بِبِنَاءٍ وَإِشْرَاعٍ لَا يَجُوزُ وَيَنْصِبُ الْمُفْتِينَ وَكَذَا الْمُحْتَسِبِينَ وَآخِذِي الزَّكَاةِ إنْ لَمْ يُنَصِّبْهُمْ الْإِمَامُ وَ ) يُنَصِّبُ ( أَئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ ) إنْ لَمْ يُنَصِّبْهُمْ الْإِمَامُ فَلَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى الشَّرْطِ كَانَ أَوْلَى ( وَلَا يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ ) وَالْفَيْءَ ( وَالْخَرَاجَ إلَّا إنْ قُلِّدَ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ وُجُوهَ مَصَارِفِهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ
( قَوْلُهُ وَتَزْوِيجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ) خَاصٌّ أَوْ عُضِلَ أَوْ غَابَ ( قَوْلُهُ حَيْثُ لَا وَلِيَّ لَهُمْ ) خَاصٌّ بِأَنْ عَدِمَ أَوْ عَدِمَتْ أَهْلِيَّتَهُ ( قَوْلُهُ وَالْوُقُوفُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَصَّبَ لَهَا نَاظِرًا خَاصًّا أَنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ نَظَرِ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا ( قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُحْتَسِبِينَ ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَنَّ نَصْبَهُمْ إلَى الْإِمَامِ خَاصَّةً كَوِلَايَةِ الْمَظَالِمِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْرُوفُ الطَّرْدُ فِي هَذِهِ الْإِعْصَارِ
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الِانْعِزَالِ ) وَالْعَزْلِ ( فَيَنْعَزِلُ ) الْقَاضِي ( بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَعَمًى وَخَرَسٍ ) وَصَمَمٍ ( وَعَدَمِ ضَبْطٍ لِغَفْلَةٍ وَنِسْيَانٍ ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا ( وَكَذَا بِفِسْقٍ ) لِخُرُوجِهِ بِكُلٍّ مِنْهَا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ وَلَا بِإِغْمَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اضْطِرَابِ الْأُمُورِ وَحُدُوثِ الْفِتَنِ ( وَلَوْ زَالَتْ ) هَذِهِ الْأَحْوَالُ ( لَمْ يَعُدْ ) قَاضِيًا بِلَا تَوْلِيَةٍ ( وَإِذَا سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَتَعْدِيلَهَا ثُمَّ عَمِيَ حَكَمَ ) فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ ( إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ ) هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ، وَقَدْ ذَكَرَهَا كَأَصْلِهِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْعَزْلِ ) ( قَوْلُهُ فَيَنْعَزِلُ بِجُنُونٍ ) وَلَوْ مُتَقَطِّعًا وَزَمَنُ إفَاقَتِهِ أَكْثَرُ ( قَوْلُهُ وَعَدَمِ ضَبْطٍ إلَخْ ) سَوَاءٌ أَكَانَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا أَمْ فِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَمْ غَيْرَ مُجْتَهِدٍ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُمْ إذَا ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَمَّا الْمُقَلِّدِ لِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ وَأَوْلَى قَالَ : وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْيَوْمَ غَالِبًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لَهُ أَدْنَى تَغَفُّلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَيَقْدَحُ فِي وِلَايَتِهِ مَا عَسَاهُ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا بِفِسْقٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا الْفَاسِقُ الْمَنْصُوبُ لِلضَّرُورَةِ أَوْ مِنْ ذَوِي الشَّوْكَةِ إذَا قُلْنَا بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ فِي نُفُوذِهِ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِسْقِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَمْنَعُ التَّنْفِيذَ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُ دَوَامًا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ صَرْفُهُ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ فَأَحْكَامُهُ مَرْدُودَةٌ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ السَّعْيُ فِي صَرْفِهِ نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِهِ وَأَقَرَّهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَابْتِدَاءِ تَقْلِيدِهِ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ بِعَدَمِ انْعِزَالِ قَاضِي الضَّرُورَةِ بِزِيَادَةِ الْفِسْقِ وَيَظْهَرُ لِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَ بِهِ مُسْتَنِيبُهُ لَمْ يَعْزِلْهُ بِسَبَبِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَلَا كا ( فَرْعٌ ) لَوْ أَنْكَرَ الْقَاضِي كَوْنَهُ قَاضِيًا فَفِي الْبَحْرِ عَنْ جَدِّهِ صَارَ مَعْزُولًا كَالْوَكِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَهُ فِيمَا إذَا تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الْإِخْفَاءِ فَأَمَّا لَوْ أَنْكَرَهُ لِغَرَضٍ فِي الْإِخْفَاءِ بِأَنْ أَرَادَ مِنْهُ ظَالِمٌ الْحُكْمَ
بِمَا لَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَزِلَ بِهِ قَطْعًا وَبَقِيَ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ إمَامًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْأَشْرَافِ حَكَى فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ خِلَافًا وَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَزْلٍ ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْعَزْلُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ لَا يُتَصَوَّرُ التَّرَدُّدُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الْإِخْفَاءِ كَانَ عَزْلًا وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ يَعُدْ قَاضِيًا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ إغْمَاءٍ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِ لَا يَنْعَزِلُ إذَا كَانَ مَرْجُوَّ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَوِلَايَتُهُ مُسْتَمِرَّةٌ قَطْعًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا تَوَقُّفَ فِيهِ
( وَإِنْ وَلَّى ) الْإِمَامُ ( قَاضِيًا ظَانًّا مَوْتَ الْقَاضِي ) الْأَوَّلِ أَوْ فِسْقَهُ ( فَبَانَ حَيًّا ) أَوْ عَدْلًا ( لَمْ يَقْدَحْ فِي وِلَايَةِ الثَّانِي ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ لَا أَنَّهُ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ عَدَمُ انْعِزَالِهِ بِهِ ( وَيَجُوزُ ) لِلْإِمَامِ ( عَزْلُهُ بِخَلَلٍ ) لَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ ، وَقَدْ ( غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ) حُصُولُهُ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَلَ إمَامًا يُصَلِّي بِقَوْمٍ بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَقَالَ لَا يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَهَا أَبَدًا } وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي إمَامِ الصَّلَاةِ جَازَ فِي الْقَاضِي بَلْ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ وَلَوْ عُزِلَ لَمْ يَنْعَزِلْ أَمَّا ظُهُورُ خَلَلٍ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ ( وَ ) لَهُ عَزْلُهُ ( بِأَفْضَلَ مِنْهُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ خَلَلٌ ( وَبِخَوْفِ فِتْنَةٍ ) تَحْدُثُ مِنْ عَدَمِ عَزْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ خَلَلٌ وَلَمْ يَعْزِلْهُ بِأَفْضَلَ مِنْهُ نَظَرًا لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( حَرُمَ ) عَزْلُهُ ( فَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ ) مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ عَزْلُهُ مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَمَتَى كَانَ الْعَزْلُ فِي مَحَلِّ النَّظَرِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ وَيُحْكَمُ بِنُفُوذِهِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ هَلْ هِيَ عَزْلٌ لِلْأَوَّلِ وَجْهَانِ وَلْيَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ انْتَهَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَزْلٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ فَلَيْسَ بِعَزْلٍ لِلْأَوَّلِ قَطْعًا مَعَ أَنَّ
تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ أَضْعَفُ مِنْ تَصَرُّفِ الْقَاضِي ، وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ التَّوْلِيَةِ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُ خَلِيفَتِهِ بِلَا مُوجِبٍ بِنَاءً عَلَى انْعِزَالِهِ بِمَوْتِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَخَالَفَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ
( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ عَدَمُ انْعِزَالِهِ بِهِ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ عَزْلُهُ ) كَقَوْلِهِ عَزَلْته أَوْ صَرَفْته عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ رَجَعْت عَنْ تَوْلِيَتِهِ ( قَوْلُهُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُهُ ) كَكَثْرَةِ الشَّكَاوَى مِنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا كَثُرَتْ الشَّكَاوَى مِنْهُ وَجَبَ عَزْلُهُ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَوْ سَافَرَ الْقَاضِي سَفَرًا طَوِيلًا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ حَيْثُ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَزِلْ بِذَلِكَ وَيَصِيرُ مُعْرِضًا أَوْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَتِهِ فِيهِ لِلنَّظَرِ مَجَالٌ وَالْأَقْرَبُ الِانْعِزَالُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا تَعَيَّنَ لِلتَّوَلِّي وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لَازِمَةً فِي حَقِّهِ لَا تَقْبَلُ الْعَزْلَ وَالِانْعِزَالَ فَإِنْ عَزَلَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ أَنْفُسَهُمَا وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ عَزْلُهُمَا لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ عَلَيْهِمَا ، وَهَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ أَمَّا الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَالتَّصَرُّفِ وَالتَّدْرِيسِ وَالطَّلَبِ وَالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ فَلَا تَنْعَزِلُ أَرْبَابُهَا بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ رَزِينٍ وَالسُّبْكِيُّ فَقَالَا : مَنْ وَلِيَ تَدْرِيسًا لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِدُونِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ وَفِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْفَيْءِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ إسْقَاطَ بَعْضِ الْجُنْدِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ بِسَبَبٍ جَازَ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَجُوزُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ فَفِي الْخَاصَّةِ أَوْلَى وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْفَقِيهَ لَا يُزْعَجُ مِنْ بَيْتِ الْمَدَارِسِ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِالسَّبَقِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَنْفُذُ
عَزْلُهُ ) مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَامِ وَأَحْكَامُ الْإِمَامِ لَا تُرَدُّ إذَا لَمْ تُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَزْلٍ ) قَالَ شَيْخُنَا : يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُقَالَ إنْ وَلِيَ الثَّانِي عَلَى أَنْ يَجْلِسَ فِي مَحَلِّ الْأَوَّلِ وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَشَافِعَيْنِ فِي مَحْكَمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي زَمَانِنَا فَهُوَ عَزْلٌ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَا كَاتَبَهُ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُ خَلِيفَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ لَا يَنْعَزِلُ ) الْقَاضِي ( قَبْلَ بُلُوغِ ) خَبَرِ ( عَزْلِهِ ) مِنْ عَدْلٍ لِمَا فِي رَدِّ أَقْضِيَتِهِ مِنْ عِظَمِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ نَعَمْ لَوْ عَلِمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ مَعْزُولٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لَهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ بَاطِنًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَلَمْ يَبْلُغْ نُوَّابَهُ لَا يَنْعَزِلُونَ حَتَّى يَبْلُغَهُمْ الْخَبَرُ وَتَبْقَى وِلَايَةُ أَصْلِهِمْ مُسْتَمِرَّةً حُكْمًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَيَسْتَحِقُّ مَا رُتِّبَ لَهُ عَلَى سَدِّ الْوَظِيفَةِ قَالَ وَلَوْ بَلَغَ النَّائِبَ قَبْلَ أَصْلِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْأَصْلَ انْتَهَى ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ( فَإِنْ عَلَّقَهُ ) أَيْ عَزْلَهُ ( بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ ) كَقَوْلِهِ إذَا قَرَأَتْ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ ( الْعَزْل ) بِقِرَاءَتِهِ ( وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إعْلَامُهُ بِصُورَةِ الْحَالِ وَلِهَذَا يَنْعَزِلُ بِمُطَالَعَتِهِ وَفَهْمِ مَا فِيهِ
( قَوْلُهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِ خَبَرِ عَزْلِهِ ) لَوْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَحَكَمَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ هُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ( قَوْلُهُ مِنْ عَدْلٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِيهِ خَبَرُ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً كَالرِّوَايَةِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يَنْبَغِي إلْحَاقُ ذَلِكَ بِخَبَرِ التَّوْلِيَةِ بَلْ أَوْلَى حَتَّى يُعْتَبَرَ شَاهِدَانِ وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ وَلَا يَكْفِي الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِمَا فِي رَدِّ أَقْضِيَتِهِ مِنْ عِظَمِ الضَّرَرِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ فَقَوِيٌّ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) قَالَ شَيْخُنَا : الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِبَقَائِهِ عَلَى وِلَايَتِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَلَوْ بَلَغَهُ إلَخْ ) كِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَصْلِ بَعْدَ بُلُوغِهِ خَبَرُ عَزْلِهِ مُسْتَمِرَّةٌ حُكْمًا إذْ لَا مَعْنَى لِاسْتِمْرَارِهَا حُكْمًا إلَّا تَرَتُّبُ أَثَرِهَا ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا رُتِّبَ عَلَى الْوَظِيفَةِ بَعْدَ عَزْلِهِ الْمُضَادِّ لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَزْلَ نُوَّابِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ عَزْلُهُمْ لَكِنْ اُغْتُفِرَ عَدَمُ عَزْلِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَيْسَ الْقِيَاسُ فِيهِ مَا قَالَ بَلْ الْقِيَاسُ فِيهِ عَزْلُ النَّائِبِ مِنْ حِينِ بَلَغَهُ خَبَرُ عَزْلِ أَصْلِهِ ؛ لِأَنَّ عَزْلَ أَصْلِهِ عَزْلٌ لَهُ وَقَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَزِلْ أَصْلُهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَهِيَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ش وَقَوْلُهُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَصْلِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ فِيهِ إلَخْ
وَكَذَا قَوْلُهُ بَلْ الْقِيَاسُ فِيهِ عَزْلُ النَّائِبِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ ) فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بُلُوغُ خَبَرِ الْعَزْلِ إلَى الْقَاضِي لَا تَعْلِيقُ الْعَزْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ ش وَكَتَبَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إعْلَامُهُ بِصُورَةِ الْحَالِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ تَفَاصِيلَ الصِّفَاتِ مَرْعِيَّةٌ فِيهِ وَخَرَجَ مَا لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْكِتَابَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَعْلَمَهُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ شَاهِدَانِ وَخَرَجَ بِالتَّعْلِيقِ مَا لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ عَزَلْتُك إذًا أَنْت مَعْزُولٌ أَوْ إذَا أَتَاك كِتَابِي فَأَنْت مَعْزُولٌ فَمَا لَمْ يَأْتِهِ الْكِتَابُ لَا يَنْعَزِلُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَاءَهُ بَعْضُ الْكِتَابِ فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إنْ انْمَحَى مَوْضِعُ الْعَزْلِ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا وَقَعَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ قَصَدْت قِرَاءَتَهُ بِنَفْسِهِ قُبِلَ
( وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ) كَالْوَكِيلِ فَيَنْعَزِلُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ مَنْ وَلَّاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَنْعَزِلُ ( وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ خَلِيفَتُهُ وَلَوْ فِي ) الْأَمْرِ ( الْعَامِّ ) كَمَا فِي الْخَاصِّ كَبَيْعٍ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ سَمَاعِ شَهَادَةٍ فِي حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ أَطْلَقَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ اسْتِخْلَافِهِ مُعَاوَنَتُهُ ، وَقَدْ زَالَتْ فَلَا يُشْكِلُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ بِنَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ ثَمَّ مُعَاوَنَةَ الْوَكِيلِ بَلْ النَّظَرَ فِي حَالِ الْمُوَكِّلِ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَى إرَادَتِهِ ( لَا قَيِّمِ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ ) فَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِ الْقَاضِي لِئَلَّا تَخْتَلَّ مَصَالِحُهُمَا فَصَارَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَالْوَاقِفِ ( وَلَا مَنْ اسْتَخْلَفَهُ ) الْقَاضِي ( بِقَوْلِ الْإِمَامِ ) لَهُ ( اسْتَخْلِفْ عَنِّي بَلْ لَا يَنْعَزِلُ إنْ عَزَلَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ وَالْأَوَّلَ سَفِيرٌ فِي تَوْلِيَتِهِ فَكَانَ كَمَا لَوْ نَصَّبَ الْإِمَامُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِبَلْ إلَى آخَرَ مِنْ زِيَادَتِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ فَإِنْ عَيَّنَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِانْعِزَالِهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِالتَّعْيِينِ وَجَعَلَهُ سَفِيرًا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فِيمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَوْ نَصَّبَ الْإِمَامُ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي فَقَالَ السَّرَخْسِيُّ : لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَانْعِزَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الِاحْتِمَالَ ( وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ وَوَالٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ ) كَمَا لَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ بِغَيْرِ مَوْتِهِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ بِتَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ ؛ وَلِأَنَّ مَا عَقَدَهُ الْإِمَامُ إنَّمَا هُوَ لِغَيْرِهِ وَهُمْ
الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِمَوْتِ الْوَلِيِّ نَعَمْ لَوْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصَمَائِهِ انْعَزَلَ بِذَلِكَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ
قَوْلُهُ ( وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ خَلِيفَتُهُ ) شَمِلَ كَلَامُهُمْ نُوَّابَ الْقَاضِي الْكَبِيرِ كَقَاضِي الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَضَاءَ جَمِيعِ الْبِلَادِ ( قَوْلُهُ وَوَقْفٍ ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَاقِفُهُ لَهُ نَاظِرًا أَوْ انْقَرَضَ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ ( قَوْلُهُ فَصَارَ سَبِيلُهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ وَالْوَاقِفِ ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ فَفَوَّضَهُ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا آلَ النَّظَرُ إلَى الْقَاضِي الثَّانِي بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَشْبَهَ مَا إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِزَيْدٍ ثُمَّ لِبَكْرٍ فَنُصِّبَ زَيْدٌ قَيِّمًا فِيهِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ الْقَيِّمُ لَا مَحَالَةَ وَيَصِيرُ النَّظَرُ لِبَكْرٍ بِالشَّرْطِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ عَيَّنَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بِانْعِزَالِهِ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْإِذْنُ مُقَيَّدًا بِالنِّيَابَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْأَصْلُ لَمْ يَبْقَ النَّائِبُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ وَوَالٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ ) حُكْمُ وُلَاةِ الْإِمَامِ حُكْمُ قُضَاتِهِ وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ أَمْرًا عَامًّا يَخْتَصُّ بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَوِلَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ وَنَظَرِ الْحِسْبَةِ وَالْجُيُوشِ وَالْوُقُوفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَالَ مَعْزُولٌ كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ ) بِكَذَا ( لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ نَعَمْ لَوْ انْعَزَلَ بِالْعَمَى قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَزَلَ بِالْعَمَى فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِبْصَارِ وَقَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ ) وَلَوْ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ ( لَهُ ) أَيْ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُخَالِفُ الْمُرْضِعَةَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ ؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهَا عَلَى فِعْلِهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَتَهَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فِيهِمَا ( فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ قَاضِيًا حَكَمَ بِهِ ) وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ ( قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُ ( كَالْمُرْضِعَةِ ) إذَا شَهِدَتْ كَذَلِكَ ( فَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ لَمْ يُقْبَلْ ) نَظَرًا لِبَقَاءِ التُّهْمَةِ ( وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ بِكَذَا ) أَوْ أَنَّ هَذَا مِلْكُ فُلَانٍ ( قُبِلَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْقَاضِي ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَكَالْمَعْزُولِ ) فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ ثُمَّ ( وَإِنْ قَالَ ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت بِطَلَاقِ نِسَاءِ الْقَرْيَةِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ نِسَاءُ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ ( قُبِلَ ) قَوْلُهُ ( بِلَا حُجَّةٍ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالُوهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ مُطْلَقًا أَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ أَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ وَقْفَةٌ ، وَقَدْ اسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى وَأَفْتَيْت فِيمَنْ سُئِلَ مِنْ قُضَاةِ الْعَصْرِ عَنْ