كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
الْحُكُومَةِ ، وَيُقْتَصُّ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا أُخِذَ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ لَا لِإِسْقَاطِهِ فَإِذَا قَطَعَ الثَّانِيَةَ حَصَلَ الْإِمْكَانُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا ، وَقَدْ سَبَقَ مِنْهُ أَخْذُ الْأَرْشِ عَنْ إحْدَاهُمَا ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَهُ فَلَا عَوْدَ إلَيْهِ بَعْدَ إسْقَاطِهِ ( وَجْهَانِ ) كَنَظِيرِهِمَا فِي الْقِصَاصِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحُ الثَّانِي .
( قَوْلُهُ : التَّاسِعُ الْيَدَانِ ، وَفِيهِمَا الدِّيَةُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ التَّنَبُّهُ هُنَا لِصُورَةٍ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ صَوْلِ الْفَحْلِ ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ أَتَى الدَّفْعَ عَلَى قَطْعِ يَمِينِ الصَّائِلِ فَوَلَّى فَتَبِعَهُ فَقَطَعَ يَسَارَهُ لَزِمَهُ قَوْدُهَا فَلَوْ عَادَ الصَّائِلُ بَعْدَ قَطْعِ يَدَيْهِ فَدَفَعَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ ثَانِيًا فَأَتَى ذَلِكَ الدَّفْعُ عَلَى قَطْعِ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِيَدِهِ الْيُسْرَى ، وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى قَطْعِ يَدَيْهِ ثُمَّ قَطْعِ إحْدَى رِجْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ وَلَّى لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ هَذَا لَفْظُ الْمُعْتَمَدِ ، وَذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ بِمَعْنَاهُ .
ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَدَيْنِ بَعْضُ الدِّيَةِ وَصُورَةُ ذَلِكَ مَا إذَا سُلِخَ جِلْدُهُ فَبَادَرَ الْآخَرُ وَالْحَيَاةُ فِيهِ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ يَدَيْهِ فَإِنَّ الَّذِي سُلِخَ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، وَأَمَّا قَاطِعُ الْيَدَيْنِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الدِّيَةِ مَا يَخُصُّ الْجِلْدَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا وَتُوجِبُ عَلَيْهِ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَوَدَ ( قَوْلُهُ : وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَتِهَا ) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْيَدَيْنِ شَرْعًا كَمَا قَالَ { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ، وَقَدْ { قُطِعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّارِقُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ } فَإِطْلَاقُ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ فِي الرَّجُلِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ ؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ مِنْهُ فِي السَّرِقَةِ فَكَذَا الْيَدُ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَمَّلَ الدِّيَةَ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِأَصَابِعِهَا وَكَمَّلَهَا فِي الْأَصَابِعِ بِدُونِ الْكَفِّ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ عِنْدَ قَطْعِ الْمَجْمُوعِ بِشَيْءٍ .
( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ : مِمَّا نَظَمَهُ
الْمَعَرِّيُّ يُشَكِّكُ بِهِ عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ يَدٌ بِخَمْسٍ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ فَأَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي وَهُوَ جَوَابٌ بَدِيعٌ مَعَ اخْتِصَارِهِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْيَدَ لَوْ كَانَتْ تُودَى بِمَا تُقْطَعُ فِيهِ أَوْ بِمَا يُقَارِبُهُ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَطْرَافِ لِسُهُولَةِ مَا يَغْرَمُ الْجَانِي فِي مُقَابَلَتِهَا فَغَلَّظَ الشَّرْعُ ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَ دِيَتَهَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ حِفْظًا لَهَا وَدَفْعًا لِضَرَرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا ، وَلَوْ كَانَتْ لَا تُقْطَعُ إلَّا فِي سَرِقَةِ مَا نُودَى بِهِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ ، وَقَلَّ مَنْ يُقْطَعُ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ فَحَفِظَ الشَّارِعُ ذَلِكَ بِتَقْلِيلِ مَا تُقْطَعُ فِيهِ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ وَدَفْعًا لِضَرَرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا .
ا هـ .
وَقَدْ أَجَابَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ جَيِّدٍ فَقَالَ لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً ، وَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْأُصْبُعِ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الْأُصْبُعُ الْوُسْطَى مِثْلَ الْمُسَبِّحَةِ ، وَالْبِنْصِرُ مِثْلُ الْخِنْصَرِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِهِ الْعَشْرُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ مَا لَوْ كَانَ فِي الْكَفِّ سِتُّ أَصَابِعَ أَصْلِيَّةٍ لِاسْتِوَائِهَا فِي الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ فَتَجِبُ سِتُّونَ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُ خَمْسِينَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا سُدُسَ الدِّيَةِ ، وَدَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ الْأُصْبُعُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَفَاصِلُ ، وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ هُنَاكَ أَنَّ الْأَرْجَحَ عِنْدَهُ نُقْصَانُ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْأُصْبُعِ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَيْ
وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ إلَخْ ) ، وَأَنَّ الْأَنَامِلَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ الْغَالِبَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ ، وَلَمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَصَابِعُ فِي الْخِلْقَةِ الْمَعْهُودَةِ فَارَقَهَا حُكْمُ الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ ( قَوْلُهُ : كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَاضِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَقْرَبُ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحُ الثَّانِي ) هُوَ الرَّاجِحُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَطَعَ ذُو ) الْيَدَيْنِ ( الْبَاطِشَتَيْنِ مُعْتَدِلًا ) أَيْ يَدَيْ مُعْتَدِلٍ ( لَمْ تُقْطَعْ يَدَاهُ ) لِلزِّيَادَةِ ( بَلْ لَهُ ) أَيْ لِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ ( يَدٍ ) مِنْهُمَا ( وَيَأْخُذُ نِصْفَ دِيَةِ ) يَدٍ ( نَاقِصَةٍ شَيْئًا فَلَوْ بَادَرَ ، وَقَطَعَهُمَا عُزِّرَ ) لِتَعَدِّيهِ ( وَأُخِذَتْ مِنْهُ حُكُومَةٌ ) لِلزِّيَادَةِ ( وَلَا يُقْتَصُّ ) صَوَابُهُ ، وَيُقْتَصُّ ( مِنْ أَصْلِيَّةٍ مَعَ ) وُجُودِ ( زَائِدَةٍ ) حَيْثُ ( يُمْكِنُ تَخْصِيصُهَا ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ بِالْقَطْعِ ، وَإِلَّا فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ الزَّائِدَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا .
( قَوْلُهُ : يُمْكِنُ تَخْصِيصُهَا ) فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهَا
( فَرْعٌ ) لَوْ ( كَانَتْ إحْدَى يَدَيْهِ بَاطِشَةً ) دُونَ الْأُخْرَى أَوْ أَقْوَى بَطْشًا مِنْهَا ( فَقُطِعَتْ وَأُخِذَتْ دِيَتُهَا فَصَارَتْ الْأُخْرَى بَاطِشَةً ) أَوْ أَقْوَى بَطْشًا ( صَارَتْ ) هِيَ الْأَصْلِيَّةَ حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا قَاطِعٌ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ ( وَ ) لَكِنْ ( لَمْ يَسْتَرِدَّ ) مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحُكُومَةِ مِمَّا أَخَذَهُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ بَطْشَ الْأُخْرَى نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُغَيِّرُ بِهَا مَا مَضَى ( وَكَذَا لَوْ كَانَتَا بَاطِشَتَيْنِ ) عَلَى السَّوَاءِ ( فَغَرَّمْنَا قَاطِعَ أَحَدَهُمَا ) الْأَوْلَى إحْدَاهُمَا ( نِصْفَ الدِّيَةِ ) لِلْيَدِ ( وَالْحُكُومَةَ وَزَادَ بَطْشُ الثَّانِيَةِ لَمْ يَسْتَرِدَّ ) مِنْ الْمَقْطُوعِ الدِّيَةَ أَيْ نِصْفَهَا الْمَذْكُورَ ( لِتُسَلَّمَ ) لَهُ ( حُكُومَةٌ ) يَعْنِي لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمَغْرُومِ عَنْ الْأُولَى مَا يَرُدُّهُ إلَى قَدْرِ الْحُكُومَةِ ( وَإِنْ ضَعُفَتْ الثَّانِيَةُ بِقَطْعِهَا ) أَيْ الْأُولَى ( اُقْتُصَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ قَاطِعِ الْأُولَى أَوْ أُخِذَتْ دِيَتُهَا ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا أَنَّهَا الْأَصْلِيَّةُ .
( قَوْلُهُ : الْأَوْلَى أَحَدُهَا ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
الْعُضْوُ ( الْعَاشِرُ الرِّجْلَانِ ، وَفِيهِمَا الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( وَالْأَعْرَجُ كَغَيْرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْعُضْوِ ( وَكَذَا ) تَجِبُ الدِّيَةُ ( لَوْ تَعَطَّلَ مَشْيُهُ بِكَسْرِ ظَهْرِهِ ) فَقَطَعَ شَخْصٌ رِجْلَهُ الْمُعَطَّلَةَ ؛ لِأَنَّ الرِّجْلَ صَحِيحَةٌ وَالْخَلَلُ فِي غَيْرِهَا ( وَلِلْقَدَمِ وَالْأَصَابِعِ ) أَيْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ ( حُكْمُ الْكَفِّ ، وَأَصَابِعِهَا ) فِيمَا مَرَّ فِيهِمَا ( وَالسَّاقُ وَالْفَخِذُ كَالسَّاعِدِ وَالْعَضُدِ ) فِيمَا مَرَّ فِيهِمَا ، وَحُكْمُ الْعَضُدِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ثُمَّ صَرِيحًا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِيهِ ( وَالْأَصَابِعُ وَالْأَنَامِلُ وَالشَّلَلُ ) فِي الرِّجْلِ ( كَمَا فِي الْيَدِ ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا لَكِنَّ ذِكْرَ الْأَصَابِعِ مُكَرَّرٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ثُمَّ صَرِيحًا ) قَدْ تَقَدَّمَ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا قُطِعَ مِنْ السَّاعِدِ وَالْمَرْفِقِ وَالْعَضُدِ
( الْعُضْوُ الْحَادِيَ عَشَرَ حَلَمَتَا الْمَرْأَةِ ) ، وَهُمَا الْمُجْتَمِعَانِ نَاتِئَيْنِ عَلَى رَأْسِ الثَّدْيَيْنِ ( وَفِيهِمَا ) أَيْ فِي قَطْعِهِمَا ( الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ سَوَاءٌ أَذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْإِرْضَاعِ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْنُ الْحَلَمَةِ يُخَالِفُ لَوْنَ الثَّدْيِ غَالِبًا ، وَحَوَالَيْهَا دَائِرَةٌ عَلَى لَوْنِهَا ، وَهِيَ مِنْ الثَّدْيِ لَا مِنْهَا ( وَلِبَاقِي الثَّدْيَيْنِ ) بَعْدَ قَطْعِ الْحَلَمَتَيْنِ ( حُكُومَةٌ فَلَوْ قَطَعَهُمَا مَعَ الْحَلَمَتَيْنِ سَقَطَتْ ) أَيْ الْحُكُومَةُ أَيْ لَمْ تَجِبْ لِدُخُولِهَا فِي دِيَةِ الْحَلَمَتَيْنِ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ ( وَ ) لَوْ قَطَعَهُمَا ( مَعَ جِلْدَةِ الصَّدْرِ فَحُكُومَةُ الْجِلْدَةِ ) تَجِبُ مَعَ الدِّيَةِ ( فَإِنْ وَصَلَتْ ) أَيْ الْجِرَاحَةُ ( الْبَاطِنَ فَجَائِفَةٌ ) أَيْ فَالْوَاجِبُ أَرْشُ جَائِفَةٍ مَعَ دِيَةِ الْحَلَمَةِ ( ، وَإِذَا قَطَعَ حَلَمَتَيْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ لَا دِيَةَ إذْ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ جَمَالٍ ( وَكَذَا ثُنْدُوَتُهُ ) ، وَهِيَ لَحْمَةٌ تَحْتَ حَلَمَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَهْزُولًا فَيَجِبُ فِي قَطْعِهَا مَعَ حَلَمَتِهِ حُكُومَةٌ أُخْرَى ( وَلَا يَتَدَاخَلَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ مِنْهُ عُضْوَانِ ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ .
( قَوْلُهُ : وَلِبَاقِي الثَّدْيَيْنِ حُكُومَةٌ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ : لَا قِصَاصَ فِي الثَّدْيِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ قَالَ الْفَتِيُّ ، وَلَك أَنْ تَقُولَ الثَّدْيُ هُوَ الشَّاخِصُ ، وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ الشَّفَتَيْنِ ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَدْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ ، وَقَالَ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ ، وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ قَبْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا أَنَّ الثَّدْيَ بِالثَّدْيِ ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ إنَّهُ الْقِيَاسُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ ) بِفَتْحِ الشِّينِ ( فَدِيَةٌ ) تَجِبُ كَمَا فِي الْيَدِ ( وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ ) لَا دِيَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ ( لَا ) إنْ اسْتَرْسَلَ بِذَلِكَ ( ثَدْيُ خُنْثَى ) فَلَا تَجِبُ حُكُومَةٌ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) كَوْنُهُ ( امْرَأَةً ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ ، وَلَا يَفُوتُ جَمَالُهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ امْرَأَةً وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ .
الْعُضْوُ ( الثَّانِيَ عَشَرَ الذَّكَرُ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي قَطْعِهِ ( لِعِنِّينٍ وَغَيْرِهِ ) مِنْ خَصِيٍّ وَشَيْخٍ ، وَمَخْتُونٍ وَغَيْرِهِمْ ( الدِّيَة ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( وَتَكْمُلُ ) الدِّيَةُ ( بِالْحَشَفَةِ ) أَيْ بِقَطْعِهَا ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الذَّكَرِ ، وَهُوَ لَذَّةُ الْجِمَاعِ يَتَعَلَّقُ بِهَا ، وَأَحْكَامُ الْوَطْءِ تَدُورُ عَلَيْهَا فَهِيَ مَعَ الذَّكَرِ كَالْأَصَابِعِ مَعَ الْكَفِّ ( وَفِي ) قَطْعِ ( بَعْضِهَا ) بَعْضُ دِيَتِهَا ( بِقِسْطِهِ ) مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَطْعِهَا فَقُسِّطَتْ عَلَى أَبْعَاضِهَا ( فَإِنْ اخْتَلَّ ) بِالْقَطْعِ ( مَجْرَى الْبَوْلِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ حُكُومَةٍ ) فَسَادُ ( الْمَجْرَى ، وَقِسْطُهُ ) أَيْ الْمَقْطُوعِ ( مِنْ الدِّيَةِ ) عَلَيْهِ ( ، وَفِي ) قَطْعِ ( بَاقِي الذَّكَرِ أَوْ فَلَقَةٍ مِنْهُ حُكُومَةٌ ) ، وَكَذَا فِي قَطْعِ الْأَشَلِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ أَشَلَّهُ أَوْ شَقَّهُ طُولًا فَأَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ فَدِيَةٌ ) تَجِبُ ( أَوْ تَعَذَّرَ ) يَضُرُّ بِهِ ( الْجِمَاعُ بِهِ لَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ ، وَمَنْفَعَتُهُ بَاقِيَانِ وَالْخَلَلُ فِي غَيْرِهِمَا قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
انْتَهَى .
وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ، وَلَا غَيْرُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ : وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ سَالِمَةٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فَفِي الشَّامِلِ وَالتَّهْذِيبِ عَلَيْهِ الْحُكُومَةُ ثُمَّ قَالَ ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ وَالْمَسْأَلَةُ غَيْرُ صَافِيَةٍ عَنْ الْإِشْكَالِ فَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا تَفْرِيعًا عَلَى مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ لَا نَقْلًا عَمَّنْ ذَكَرَهُ .
انْتَهَى .
وَالْبَحْثُ ظَاهِرٌ أَخَذَهُ مِنْ تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْحُكُومَةِ السَّابِقِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ اخْتَلَّ مَجْرَى الْبَوْلِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ حُكُومَةِ الْمَجْرَى ، وَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ) تَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْقِطْعَةَ مِنْ الْحَشَفَةِ الَّتِي لَهَا الْحِصَّةُ الْمَعْلُومَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْحُكُومَةِ بَلْ يَجِبُ أَرْشُهَا بِالنِّسْبَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَتَجِبُ لِفَسَادِ الْمَجْرَى حُكُومَةٌ
الْعُضْوُ ( الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ الْأُنْثَيَانِ وَالْأَلْيَتَانِ ) ، وَهُمَا النَّائِتَانِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ ( فَفِي ) قَطْعِ ( كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْأَوَّلِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ فِي الرُّكُوبِ وَالْقُعُودِ وَغَيْرِهِمَا ( وَإِنْ نَبَتَتَا ) أَيْ الْأَلْيَتَانِ بَعْدَ قَطْعِهِمَا فَلَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ كَالْمُوضِحَةِ إذَا الْتَحَمَتْ ( فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُ الْأَلْيَةِ فَالْقِسْطُ ) لَهُ مِنْ دِيَتِهَا ( إنْ انْضَبَطَ ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ ، وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي وُجُوبِ دِيَتِهَا ( بُلُوغُ الْحَدِيدَةِ فِيهَا إلَى الْعَظْمِ ) وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْعُضْوِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ، وَلَا نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْقَدْرِ النَّاتِئِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
قَوْلُهُ : الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ الْأُنْثَيَانِ وَالْأَلْيَتَانِ ) لَوْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ فَذَهَبَ مَنِيُّهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ
الْعُضْوُ ( الْخَامِسَ عَشَرَ الشُّفْرَانِ ) بِضَمِّ الشِّينِ لِلْمَرْأَةِ ( فَفِي قَطْعِهِمَا ، وَإِشْلَالِهِمَا الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا ، وَمَنْفَعَةً إذْ بِهِمَا يَقَعُ الِالْتِذَاذُ بِالْجِمَاعِ سَوَاءٌ شَفْرُ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِمَا لَيْسَ فِي الشُّفْرَيْنِ بَلْ فِي دَاخِلِ الْفَرْجِ ( وَهُمَا ) اللَّحْمَانِ ( الْمُشْرِفَانِ عَلَى الْمَنْفَذِ ) أَيْ الْفَرْجِ ( فَإِنْ قُطِعَ الْعَانَةُ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ الذَّكَرِ فَدِيَةٌ ، وَحُكُومَةٌ ) تَجِبَانِ ( وَإِنْ زَالَتْ بِهِ ) أَيْ بِقَطْعِهِمَا ( الْبَكَارَةُ فَأَرْشُهَا ) وَاجِبٌ ( مَعَ الدِّيَةِ ) ، وَلَوْ قَطَعَهُمَا فَجَرَحَ مَوْضِعَهُمَا آخَرُ بِقَطْعِ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَ الثَّانِي حُكُومَةٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
الْعُضْوُ ( السَّادِسَ عَشَرَ سَلْخُ الْجِلْدِ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّ فِي الْجِلْدِ جَمَالًا ، وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً ( فَإِنْ سُلِخَ مَقْطُوعًا ) عُضْوُهُ كَيَدِهِ ( أَوْ قُطِعَ مَسْلُوخًا جِلْدُهُ سَقَطَ الْقِسْطُ ) مِنْ الدِّيَةِ فَتَجِبُ فِي الْأُولَى دِيَةُ الْجِلْدِ إلَّا قِسْطُ الْعُضْوِ وَتُوَزَّعُ فِي الثَّانِيَةِ مِسَاحَةُ الْجِلْدِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ فَمَا يَخُصُّ الْعُضْوَ يَحُطُّ مِنْ دِيَتِهِ ، وَيَجِبُ الْبَاقِي .
( قَوْلُهُ : السَّادِسَ عَشَرَ سَلْخُ الْجِلْدِ ) ، وَفِيهِ الدِّيَةُ إنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، وَحَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ أَوْ السَّالِخُ ، وَإِحْدَى جِنَايَتَيْهِ عَمْدٌ وَالْأُخْرَى خَطَأٌ ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ عَاشَ ، وَلَمْ يَنْبُتْ فَدِيَةٌ ، وَإِنْ نَبَتَ فَحُكُومَةٌ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي حَالِ عَوْدِهِ أَقَلُّ مِمَّا يَجِبُ إذَا لَمْ يَعُدْ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَاعْلَمْ أَنَّ إيجَابَ الدِّيَةِ فِي السَّلْخِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَتَبِعَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأُمِّ وَبِهِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْحُكُومَةُ ، وَلَا يَبْلُغُ بِهَا دِيَةُ النَّفْسِ وَيُعْتَبَرُ انْدِمَالُهُ فَإِذَا عَادَ جِلْدُهُ كَانَتْ حُكُومَتُهُ أَقَلَّ مِنْهَا إذَا لَمْ يَعُدْ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ عَنْ النَّصِّ ثُمَّ خَالَفَهُ ، وَحُمِلَ النَّصُّ عَلَى مَنْ سُلِخَ بَعْضُ جِلْدِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي التَّنْبِيهِ ، وَإِنْ قُطِعَ اللَّحْمُ النَّاتِئُ عَلَى الظَّهْرِ أَيْ مِنْ جَانِبَيْ السَّلْسَلَةِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ، وَفِي بَعْضِهِ بِحِسَابِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهِيَ غَرِيبَةٌ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَالتَّحْرِيرِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ كَعَادَتِهِ
( فَصْلٌ : فِي ) كَسْرِ ( التَّرْقُوَتَيْنِ حُكُومَةٌ ) كَالضِّلْعِ وَسَائِرِ الْعِظَامِ ( لَا جَمَلٌ ) نَفْيٌ لِمَا قِيلَ إنَّ فِيهِمَا جَمَالًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ ، وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْحُكُومَةَ كَانَتْ فِي الْوَاقِعَةِ قَدْرَ جَمَلٍ وَالتَّرْقُوَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ : الْمَنَافِعُ ) أَيْ إزَالَتُهَا ( وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا الْأَوَّلُ الْعَقْلُ ، وَفِيهِ إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ ) بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي السَّمْعِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ فِي الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ ( الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي ، وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ ( فَإِنْ رُجِيَ ) عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ( اُنْتُظِرَ ) فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ ( كَمَنْ ) أَيْ كَمَا فِي سِنِّ مَنْ ( لَمْ يُثْغِرْ ، وَفِي ) إزَالَةِ ( بَعْضِهِ ) بَعْضُ الدِّيَةِ ( بِالْقِسْطِ إنْ انْضَبَطَ بِزَمَانٍ ) كَمَا لَوْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا ، وَيُفِيقُ يَوْمًا ( أَوْ غَيْرَهُ ) بِأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا ، وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا .
( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ بِأَنْ كَانَ يَفْزَعُ أَحْيَانًا مِمَّا لَا يَفْزَعُ أَوْ يَسْتَوْحِشُ إذَا خَلَا ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ ، وَكَذَا حَيْثُ تَجِبُ فِي سَائِرِ الْمَنَافِعِ الْآتِيَةِ ( وَلَا قِصَاصَ فِيهِ ) لِلْخِلَافِ فِي مَحَلِّهِ وَلِعَدَمِ الْإِمْكَانِ ( وَإِذَا زَالَ ) الْعَقْلُ ( بِجِنَايَةٍ لَهَا أَرْشٌ ) مُقَدَّرٌ ( أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( مَعَ دِيَتِهِ ) أَيْ الْعَقْلِ ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ ( وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فِيهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ ) كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ وَالتَّصْرِيحِ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ
زِيَادَتِهِ ، وَكَذَا تَنْظِيرُ الِانْتِظَارِ فِيمَا مَرَّ بِسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا ، وَقَوْلُهُ سِنَّ مَثْغُورٍ ، وَصَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَا عَبَّرَ بِهِ ( فَإِنْ كَذَّبَهُ الْجَانِي ) فِي زَوَالِ عَقْلِهِ وَنَسَبِهِ إلَى التَّجَانُنِ ( اُخْتُبِرَ فِي غَفَلَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ ، وَفِعْلُهُ أُعْطِيَ ) الدِّيَةَ ( بِلَا يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَانَنُ فِي الْجَوَابِ ، وَيَعْدِلُ إلَى كَلَامٍ آخَرَ ؛ وَلِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ .
وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ لَا يُقَالُ يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ عَلَى عَقْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي انْتِظَامُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا نَعَمْ إنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ حَلَفَ زَمَنَ إفَاقَتِهِ ( وَإِنْ انْتَظَمَا حَلَفَ الْجَانِي ) لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ وَالِاخْتِبَارِ بِأَنْ يُكَرِّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمَنَافِعُ ، وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا ) ( قَوْلُهُ : الْأَوَّلُ الْعَقْلُ ) قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَنَافِعِ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْعَقْلِ عَلَى أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مَلَكَةٌ أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ تُدْرَكُ بِهَا الْعُلُومُ .
ثَانِيهَا أَنَّهُ نَفْسُ الْعِلْمِ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَهْلِ الْحَقِّ قَالُوا وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِي الْعُقُولِ لِكَثْرَةِ الْعُلُومِ وَقِلَّتِهَا .
ثَالِثُهَا أَنَّهُ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَتَبِعَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا فَخَرَجَ بِالضَّرُورِيَّةِ النَّظَرِيَّةُ لِصِحَّةِ الِاتِّصَافِ بِالْعَقْلِ مَعَ انْتِفَائِهَا ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ جَمِيعَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنَّ مَنْ فَقَدَ الْعِلْمَ بِمُدْرِكٍ غَيْرِ عَاقِلٍ ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فَقُلْت لَهُ أَتَخُصُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الضَّرُورَةِ فَقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا صَحَّ مَعَهُ الِاسْتِنْبَاطُ ، وَنَقَلَ الْقُشَيْرِيُّ فِي الْمُرْشِدِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أُنْكِرُ وُرُودَ الْعَقْلِ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنًى ، وَلَكِنَّ غَرَضِي أَنْ أُبَيِّنَ الْعَقْلَ الَّذِي رُبِطَ بِهِ التَّكْلِيفُ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ فِي الْبَصَرِ وَنَحْوِهِ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي السَّمْعِ خَاصَّةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ .
وَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ نَقَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي السَّمْعِ خَاصَّةً ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ : كُلُّ حَاسَّةٍ تَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةٍ كَالْعَقْلِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الشَّمِّ إذَا أُزِيلَتْ ، وَجَبَتْ فِيهَا دِيَةُ النَّفْسِ إلَى أَنْ قَالَ ، وَإِذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي الْعَقْلِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ إنَّهُ يَعُودُ إلَى مُدَّةٍ انْتَظَرَ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَعُدْ عِنْدَهَا أَوْ
مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ ، وَلَمْ تَسْقُطْ بِعَوْدٍ مَظْنُونٍ .
ا هـ .
بَلْ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي نَفْسُهُ دَالٌّ عَلَيْهِ فِي الْعَقْلِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ قَالُوا يَعُودُ الْعَقْلُ انْتَظَرَ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا فَلَا مُطَالَبَةَ أَوْ بَعْدَهُ رُدَّتْ كَمَا فِي ضَوْءِ الْبَصَرِ ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَإِنْ قَالُوا يَعُودُ إلَى مُدَّةٍ قَدَّرُوهَا اُنْتُظِرَ فَإِنْ مَضَتْ ، وَلَمْ يَعُدْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ ، وَإِنْ عَادَ فَلَا ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي ) فَكَانَ أَحَقَّ بِكَمَالِ الدِّيَةِ ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَقَوْلُهُ وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ انْتِفَاعَهُ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ ) ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمُدْرَكَاتِ الضَّرُورِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَفِي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ ) الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ لَا يَتَبَعَّضُ فِي ذَاتِهِ بِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُهُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَبَعَّضُ زَمَانُهُ فَيَعْقِلُ يَوْمًا وَيُجَنُّ يَوْمًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَبَعَّضُ .
( قَوْلُهُ : لِلْخِلَافِ فِي مَحَلِّهِ ) فَقِيلَ الْقَلْبُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا د ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَزَالَهُ بِجِنَايَةٍ لَهَا أَرْشٌ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَزَالَ عَقْلَهُ بِمُبَاشَرَةٍ لَا تُوجِبُ غُرْمًا كَاللَّطْمَةِ وَاللَّكْمَةِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا تَجِبُ إلَّا الدِّيَةُ ، وَهَلْ يُعَزَّرُ ؟ .
فِيهِ وَجْهَانِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ لَا الدِّمَاغُ إذْ لَوْ كَانَ فِي الرَّأْسِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ دِيَةِ الْعَقْلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَجَّ رَأْسَهُ ، وَأَتْلَفَ عَلَيْهِ
الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَنْفَعَةٌ فِي الْعُضْوِ الْمَشْجُوجِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَذَّبَهُ الْجَانِي فِي دَعْوَى زَوَالِهِ مِنْ وَلِيِّهِ ) أَوْ مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ ( قَوْلُهُ : أَعْطَى الدِّيَةَ بِلَا يَمِينٍ ) فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا وَادَّعَى زَمَنَ إفَاقَتِهِ حَلَفَ فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَالِاخْتِبَارُ بِأَنْ يُكَرَّرَ ذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِذَهَابِ عَقْلِهِ أَنْ نَمْتَحِنَهُ بِأَفْعَالِهِ مَرَّاتٍ حَتَّى يَقَعَ لَنَا الْعِلْمُ بِذَهَابِهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَصَنِّعٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَسْأَلُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا هَذَا يَزُولُ تَرَبَّصْنَا بِهِ الْمُدَّةَ فَإِنْ زَالَ لَمْ نَحْكُمْ بِشَيْءٍ ، وَإِلَّا حَكَمْنَا بِالدِّيَةِ .
( الثَّانِي السَّمْعُ ) أَيْ إزَالَتُهُ ( وَفِيهِ الدِّيَةُ ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { ، وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ } وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ ( وَ ) فِي إزَالَتِهِ ( مَعَ ) قَطْعِ ( الْأُذُنَيْنِ ) ( دِيَتَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُذُنَيْنِ ( ، وَفِي ) إزَالَةِ ( سَمْعِ إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا ) أَيْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ ، وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ ، وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ بَلْ ؛ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ ( فَإِنْ قَالُوا ) أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ ( يَعُودُ ، وَقَدَّرُوا ) لِعَوْدِهِ ( مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ عَيْشُهُ ) أَيْ أَنْ يَعِيشَ ( إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ ) فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أُخِذَتْ الدِّيَةُ ، وَلَا تُنْتَظَرُ الْمُدَّةُ ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَا إلَى غَايَةٍ كَالتَّفْوِيتِ ( وَإِنْ قَالُوا ) لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا ، وَلَكِنْ ( ارْتَتَقَ الْمَنْفَذُ ) يَعْنِي مَنْفَذَ السَّمْعِ أَوْ الشَّمِّ ( وَالسَّمْعُ أَوْ الشَّمُّ بَاقٍ فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ ( إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ ) فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ ( وَلَوْ أَذْهَبَ سَمْعَ طِفْلٍ فَلَمْ يَنْطِقْ ) بِأَنْ تَعَطَّلَ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ دِيَةُ ) تَعْطِيلِ ( النُّطْقِ بَلْ حُكُومَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَتَدَرَّجُ إلَى النُّطْقِ تَلَقِّيًا مِمَّا يَسْمَعُ نَعَمْ تَجِبُ الدِّيَةُ لِإِزَالَةِ سَمْعِهِ ( ، وَيُمْتَحَنُ ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( إنْ ادَّعَى زَوَالَهُ ) ، وَأَنْكَرَهُ الْجَانِي ( فِي غَفَلَاتِهِ وَنَوْمِهِ بِالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ فَإِنْ انْزَعَجَ ) عَلِمَا كَذِبَهُ ، وَ ( حَلَفَ الْجَانِي ) إنَّ سَمْعَهُ بَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا ( وَإِلَّا ) عَلِمْنَا صِدْقَهُ ، وَ ( حَلَفَ هُوَ ) لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ ، وَلَا بُدَّ فِي امْتِحَانِهِ مِنْ تَكَرُّرِهِ مَرَّةً
بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ ( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ زَوَالَهُ ( مِنْ إحْدَاهُمَا حُشِيَتْ الْأُخْرَى وَامْتُحِنَ ) كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ ادَّعَى زَوَالَ بَعْضِهِ ) مِنْ الْأُذُنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا ، وَكَذَّبَهُ الْجَانِي ( صُدِّقَ ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ ( وَقُسِّطَ ) وَاجِبُ السَّمْعِ عَلَى الزَّائِلِ وَالْبَاقِي ( إنْ أَمْكَنَ ) التَّقْسِيطُ بِأَنْ عَرَفَ فِي الْأُولَى أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا فَصَارَ يَسْمَعُ مِنْ دُونِهِ ، وَبِأَنْ يَخْشَى فِي الثَّانِيَةِ الْعَلِيلَةَ ، وَيَضْبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَعْكِسَ ، وَيَجِبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ نِصْفًا وَجَبَ فِي الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ رُبُعُهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّقْسِيطُ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ .
( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ ) فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ مِنْ الْجِهَاتِ ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ وَتَقْدِيمِ ذِكْرِ السَّمْعِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتُ وَالْبَصَرُ تُدْرَكُ بِهِ الْأَجْسَامُ وَالْأَلْوَانُ وَالْهَيْئَاتُ فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالُوا يَعُودُ ، وَقَدَّرُوا مُدَّةَ إلَخْ ) نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي السَّمْعِ خَاصَّةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أُخِذَتْ الدِّيَةُ ) ، وَلَا تُنْظَرُ الْمُدَّةُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ : وَيُمْتَحَنُ إنْ ادَّعَى زَوَالَهُ إلَخْ ) صُورَةُ امْتِحَانِهِ أَنْ يَتَغَفَّلَ ثُمَّ يُصَاحُ بِأَزْعَج صَوْتِ ، وَأَهْوَلِهِ أَوْ بِأَنْ يُطْرَحَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ طَسْتٌ أَوْ نَحْوُهُ عَلَى صَخْرَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ ( قَوْلُهُ : بِالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ ) كَالرَّعْدِ وَطَرْحِ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ مِنْ عُلُوٍّ قَوْلُهُ : وَإِلَّا حَلَفَ هُوَ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَا بُدَّ فِي يَمِينِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِذَهَابِ سَمْعِهِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ جِنَايَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالدِّيَةِ لِجَوَازِ ذَهَابِهِ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ .
( الثَّالِثُ الْبَصَرُ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي إزَالَتِهِ ( الدِّيَةُ ) قَالُوا لِخَبَرِ مُعَاذٍ { فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ } ، وَهُوَ غَرِيبٌ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ سَوَاءٌ الْأَحْوَلُ وَالْأَعْمَشُ وَالْأَعْشَى وَغَيْرُهُمْ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إزَالَتِهِ ( وَحْدَهُ ، وَ ) إزَالَتِهِ ( مَعَ الْعَيْنَيْنِ ) كَمَا فِي الْبَطْشِ مَعَ الْيَدَيْنِ بِخِلَافِ السَّمْعِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ لِمَا مَرَّ ( ، وَفِي ) إزَالَةِ ( بَعْضِهِ ) بَعْضُ دِيَتِهِ ( بِالْقِسْطِ ) ( إنْ تَقَدَّرَ ) أَيْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهُ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ بَعْضِهَا ( وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ ) كَمَا فِي السَّمْعِ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا ) فِي زَوَالِهِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا ( حُكِمَ ) فِيهِ ( بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ ) مُطْلَقًا ( أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إنْ كَانَ خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيُمْتَحَنُ بِمِثْلِ ) تَقْرِيبِ ( حَيَّةٍ مُغَافِصَةٍ ) أَيْ بَغْتَةٍ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ ، وَخَيْرٌ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بَيْنَ الِامْتِحَانِ بِذَلِكَ وَسُؤَالِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ أَوْ قَائِمٌ بِخِلَافِ السَّمْعِ إذْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى مَعْرِفَتِهِ لَكِنْ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ إذَا تَوَقَّعُوا عَوْدَهُ ، وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً انْتَظَرَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُمْ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ نَقْلُ سُؤَالِهِمْ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَجَمَاعَةٍ وَالِامْتِحَانُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدَ الْأَمْرَ إلَى خِيَرَةِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا عَنْ الْمُتَوَلِّي وَرَتَّبَ فِي الْكِفَايَةِ فَقَالَ يُسْأَلُونَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ اُمْتُحِنَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُوَافِقُ شَيْئًا
مِنْ ذَلِكَ لِجَمْعِهِ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالِامْتِحَانِ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلتَّقْسِيمِ فَيُوَافِقَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ .
وَإِذَا رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَشَهِدُوا بِذَهَابِ الْبَصَرِ فَلَا حَاجَة إلَى التَّحْلِيفِ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ بِخِلَافِ الِامْتِحَانِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْلِيفِ بَعْدَهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( ثُمَّ إنْ قَالُوا يَعُودُ ) ، وَقَدَّرُوا مُدَّةً ( اُنْتُظِرَ كَالسَّمْعِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ عَوْدِهِ فِي الْمُدَّةِ ( فَالدِّيَةُ ) تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهِ لَوْ عَاشَ ( لَا الْقِصَاصُ ) فَلَا يَجِبُ لِلشُّبْهَةِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبَ الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَهُ ، وَهُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ ( وَإِنْ ادَّعَى ) الْجَانِي ( عَوْدَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ ) ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ ( صُدِّقَ الْوَارِثُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ .
( قَوْلُهُ : الثَّالِثُ الْبَصَرُ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَرْمَدَ أَتَى امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ تَدَّعِي الطِّبَّ لِتُدَاوِيَ عَيْنَهُ فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ هَلْ يَلْزَمُهَا ضَمَانُهَا ؟ .
فَأَجَابَ إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِدَوَائِهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا ضَمَانُهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ تَعَدَّتْ فَعَلَيْهَا فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْمَدُ أَذِنَ لَهَا فِي الْمُدَاوَاةِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَضْمَنُ ، قَالَ : وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَذِنَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فِي قَطْعِ سِلْعَتِهِ أَوْ فَصْدِهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ أَمَّا إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إذْنُهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ .
( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْبَطْشِ مَعَ الْيَدَيْنِ ) أَيْ ابْتِدَاءً أَمَّا لَوْ عَادَ إذْهَابُهُ الْبَصَرَ فَفَقَأَهُمَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي زَوَالِهِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا حُكِمَ فِيهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : أَحْسَنُ مَنْ رَأَيْته ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلْنَذْكُرْ كَلَامَهُ ، وَإِنْ تَضَمَّنَ تَكْرَارًا فَفِي ضِمْنِهِ فَوَائِدُ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا رُوجِعَ الْأَطِبَّاءُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَالَهَا ، وَجَوَّزُوا ذَهَابَهُ وَبَقَاءَهُ عَمِلْنَا بِقَوْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا فَيُسْتَقْبَلُ فِي غَفَلَاتِهِ بِمَا يُزْعِجُ الْبَصَرَ رُؤْيَتُهُ وَيُشَارُ إلَى عَيْنِهِ بِمَا يَتَوَقَّاهُ الْبَصَرُ بِإِغْمَاضِهِ ، وَيُؤْمَرُ بِالْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الْحَفَائِرِ وَالْآبَارِ ، وَمَعَهُ مَنْ يُحَوِّلُهُ عَنْهَا ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَإِذَا بَانَ صِدْقُهُ قَضَى لَهُ بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَبِالدِّيَةِ فِي غَيْرِهِ ، وَإِنْ تَوَقَّى ذَلِكَ حَلَفَ الْجَانِي إنَّ بَصَرَهُ لَبَاقٍ لَمْ يَذْهَبْ .
وَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَقَفَ أَمْرُهُمَا إلَى كَمَالِهِمَا ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ خَلَفَهُمَا وَلِيُّهُمَا فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ
عَلِمَ الْأَطِبَّاءُ الْحَالَ فَفِيهِ أَقْسَامٌ .
الْأَوَّلُ أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ مِنْهُمْ بِبَقَاءِ الْبَصَرِ فِي الْحَالِ ، وَمَا بَعْدَهَا فَيُحْكَمُ بِهِمَا وَيَبْرَأُ الْجَانِي مِنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَثَرٌ أُخِذَ بِحُكُومَتِهِ ، وَلَمْ يُعَزَّرْ ، وَإِلَّا عُزِّرَ أَدَبًا ، وَلَا غُرْمَ الثَّانِي أَنْ يَشْهَدَا بِبَقَاءِ بَصَرِهِ فِي الْحَالِ ، وَجَوَازِ ذَهَابِهِ فِي الثَّانِي ، فَإِنْ قَدَّرَا لِتَجْوِيزِ ذَهَابِهِ مُدَّةً فَقَالَا يَجُوزُ ذَهَابُهُ إلَى سَنَةٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَهَا عُمِلَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَوُقِفَ سَنَةً فَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فِيهَا فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ ، وَالدِّيَةُ فِي غَيْرِهِ ، وَإِنْ ذَهَبَ بَعْدَهَا فَلَا دِيَةَ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ كَانَ ثَمَّ أَثَرٌ ، وَلَا يُعَزَّرُ ، وَإِلَّا عُزِّرَ ، وَلَا غُرْمَ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَقَأَ بَصَرَهُ آخَرُ أَخَذَ بِهِ قَوَدًا وَدِيَةً دُونَ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ فَقَأَهَا فِي السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِبَقَاءِ الْبَصَرِ حَالَ جِنَايَتِهِ .
الثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدَا بِذَهَابِهِ فِي الْحَالِ وَبَعْدَهُ فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ إذَا شَهِدَ لَهُ رَجُلَانِ ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ إذَا شَهِدَ لَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ .
الرَّابِعُ أَنْ يَشْهَدَا بِذَهَابِهِ فِي الْحَالِ ، وَجَوَازِ عَوْدِهِ فِي الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً لِعَوْدِهِ ، وَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَبَدِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَوَقُّفَ عَنْ قِصَاصٍ ، وَلَا دِيَةٍ ، وَأُخِذَا فِي الْحَالِ ، وَإِنْ قَدَّرُوهُ بِمُدَّةٍ ، وَقَالُوا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ عَادَ فِيهَا بَرِئَ الْجَانِي ، وَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ إنْ أَثَّرَتْ جِنَايَتُهُ ، وَلَا يُعَزَّرُ ، وَإِلَّا عُزِّرَ ، وَلَا غُرْمَ ، وَإِنْ انْقَضَتْ السَّنَةُ ، وَلَمْ يَعُدْ أُخِذَ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ .
فَلَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ آخَرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فَالْقَوَدُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَقَالَ الْأَوَّلُ عَادَ الْبَصَرُ قَبْلَ جِنَايَتِك فَعَلَيْك ضَمَانُهُ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ ادَّعَيَا عِلْمَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ إنْ صُدِّقَ الثَّانِي أَنَّ بَصَرَهُ لَمْ يَعُدْ حَلَفَ لِلْأَوَّلِ إنْ طَلَبَ يَمِينَهُ ، وَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ، وَإِنْ صُدِّقَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ عَادَ قَبْلَ جِنَايَةِ الثَّانِي بَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ بِتَصْدِيقِهِ ، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ : عَلَى الثَّانِي ، وَهُدِرَتْ عَيْنُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ جَانٍ بَلْ مَاتَ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ أُخِذَ الْجَانِي بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ( قَوْلُهُ : فَقَالَ يَسْأَلُونَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ إلَخْ ) ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَإِنَّهُ إنَّمَا يَمْتَحِنُهُ عِنْدَ فَقْدِهِمْ أَوْ تَحَيُّرِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الْوَاوَ لِلتَّقْسِيمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ادَّعَى النَّقْصَ فِي عَيْنٍ أَوْ أُذُنٍ عُصِبَتْ ) أَيْ الْعَيْنُ ( أَوْ حُشِيَتْ ) أَيْ الْأُذُنُ ( وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى ، وَعَرَفَ مِقْدَارَ رُؤْيَتِهَا لِلْمَاشِي ) مَثَلًا فِي الْأُولَى بِأَنْ يُوقَفَ شَخْصٌ بِمَوْضِعٍ يَرَاهُ ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهُ حَتَّى يَقُولَ لَا أَرَاهُ فَيَعْلَمُ عَلَى الْمَسَافَةِ ( أَوْ ) مِقْدَارَ ( سَمَاعِ صَوْتِهِ ) فِي الثَّانِيَةِ بِأَنْ يَجْلِسَ بِمَحَلٍّ ، وَيُؤْمَرُ مَنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ ثُمَّ يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ يَقُولَ سَمِعْت فَيَعْلَمُ الْمَوْضِعَ ( ثُمَّ ) عُصِبَتْ الْعَيْنُ أَوْ حُشِيَتْ الْأُذُنُ ( الثَّانِيَةُ ) وَأُطْلِقَتْ الْأُولَى ( وَيُغَيِّرُ ) فِي الْأُولَى ( لِبَاسَ الْمُتَرَاءَى ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَقْرُبَ رَاجِعًا إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيَضْبِطُ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ ، وَيَجِبُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ( وَ ) يُغَيِّرُ فِي الثَّانِيَةِ ( صَوْتَهُ ) أَيْ الْمُصَوِّتُ ( عِنْدَ الِامْتِحَانِ لِلصَّحِيحَةِ ، وَيَنْتَقِلُ فِي الْجِهَةِ ) أَيْ فِي سَائِرِ الْجِهَاتِ عِنْدَ الِامْتِحَانِ ( لِلْعَلِيلَةِ فَإِنْ اسْتَوَتْ الْمِسَاحَةُ صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ ( وَإِلَّا حَلَفَ الْجَانِي ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِهَاتِ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْحَلِفِ فِي ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَإِذَا عُرِفَ تَفَاوُتُ الْمِسَاحَتَيْنِ فَالْوَاجِبُ الْقِسْطُ ( فَإِنْ أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ أَوْ سَمِعَ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ ، وَبِالْأُخْرَى مِنْ مِائَةٍ فَالنِّصْفُ ) مِنْ الدِّيَةِ يَجِبُ ، وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ السَّمْعِ فِي الْمِثَالِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَإِنْ قَالُوا ) أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ ( الْمِائَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مِائَتَيْنِ وَجَبَ الثُّلُثَانِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَكِنْ لَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ تَحْتَاجُ إلَى مِثْلَيْ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى لِقُرْبِ الْأُولَى وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ ثُلُثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ ( فَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ ، وَفِي ) إزَالَةِ عَيْنِ ( الْأَعْشَى )
الَّذِي عَشِيَتْ عَيْنَاهُ ( بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ نِصْفُهَا ) أَيْ وُجُوبُ نِصْفِهَا مُوَزَّعًا عَلَى إبْصَارِهِ بِالنَّهَارِ ، وَعَدَمِ إبْصَارِهِ بِاللَّيْلِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ أَعْمَشَهُ أَوْ أَخْفَشَهُ أَوْ أَحْوَلَهُ ) أَوْ أَشْخَصَ بَصَرَهُ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَخْفَشَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ لَكِنَّهُ تَرَكَ مِنْ الْأَصْلِ إشْخَاصَ الْبَصَرِ .
( وَإِنْ أَذْهَبَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ شَخْصَيْنِ ( الضَّوْءَ وَالْآخَرُ الْحَدَقَةَ وَاخْتَلَفَا فِي عَوْدِ الضَّوْءِ ) ، وَعَدَمِ عَوْدِهِ فَقَالَ الثَّانِي قَلَعْت الْحَدَقَةَ قَبْلَ عَوْدِهِ ، وَقَالَ الْأَوَّلُ بَلْ بَعْدَهُ ( صُدِّقَ الثَّانِي ) بِيَمِينِهِ ( وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ ) لَوْ عَشِيَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْإِعْشَاءِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الرَّابِعُ : الشَّمُّ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي إزَالَتِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ ( الدِّيَةُ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَكِنَّهُ غَرِيبٌ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ ( وَيُمْتَحَنُ بِالرَّوَائِحِ ) إذَا أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَ الشَّمِّ ( فَإِنْ هَشَّ لِلطَّيِّبِ ) مِنْهَا ( وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِلْخَبِيثِ مِنْهَا ( حَلَفَ الْجَانِي ) لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا حَلَفَ هُوَ ) لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ ( وَإِنْ لَزِمَ أَنْفُهُ ) أَيْ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ الْجَانِي فَعَلْته لِعَوْدِ شَمِّك ( وَقَالَ ) هُوَ ( فَعَلْته اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ ) كَامْتِخَاطٍ وَتَفَكُّرٍ وَرُعَافٍ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ ( وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَهُ ) ، وَأَنْكَرَ الْجَانِي ( فَكَالسَّمْعِ ) فِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ ( وَلْيُبَيِّنْ ) فِي الدَّعْوَى وَالْحَلِفِ ( الْقَدْرَ ) الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُدَّعٍ مَجْهُولًا ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمُتَيَقَّنَ ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالشَّمِّ ، وَلَوْ نَقَصَ شَمُّ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ اُعْتُبِرَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ ، وَبَحَثَهُ الْأَصْلُ ( فَإِنْ قُطِعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَدِيَتَانِ ) كَمَا فِي السَّمْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : الرَّابِعُ الشَّمُّ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) أَيْ إنْ كَانَ كَامِلًا فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا بِأَنْ يَشُمَّ قَوِيَّ الرَّائِحَةِ أَوْ الْقَرِيبَ دُونَ ضَعِيفِهَا أَوْ الْبَعِيدَ فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ تَامَّةٌ أَوْ لَا ؟ .
بَلْ إنْ عُرِفَ قَدْرُ النَّقْصِ فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ ، وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْمَنَافِعِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ لَا يَنْقُصُ بِهِ مِنْ وَاجِبِهَا شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ ادَّعَى نُقْصَانَهُ فَكَالسَّمْعِ ) لَوْ ارْتَتَقَ الْمَنْفَذُ فَلَمْ يُدْرِكْ الرَّوَائِحَ ، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ الْقُوَّةُ بَاقِيَةٌ فَلْيَكُنْ كَمَا مَرَّ فِي السَّمْعِ ، وَلَوْ عَادَ الشَّمُّ بَعْدَ ظَنِّنَا زَوَالَهُ رُدَّتْ الدِّيَةُ لَكِنْ إنْ عَادَ أَنْقَصَ ، وَعُلِمَ قَدْرُ الذَّاهِبِ فَلَهُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ ، وَلَوْ كَانَ يَشَمُّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ شَمًّا ضَعِيفًا بِأَنْ يَشُمَّ مِنْ قُرْبٍ لَا مِنْ بُعْدٍ أَوْ الرِّيحَ الْقَوِيَّ دُونَ الضَّعِيفِ فَجَنِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ شَمُّهُ ، وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ كَالْأَعْضَاءِ الضَّعِيفَةِ .
( الْخَامِسُ النُّطْقُ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي إزَالَتِهِ ( الدِّيَةُ ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { فِي اللِّسَانِ الدِّيَةِ إنْ مَنَعَ الْكَلَامَ } ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَعُودُ نُطْقُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمُزَالُ نُطْقُهُ ( أَلْثَغَ ) فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَطْشُ الْمُزَالُ ضَعِيفًا ( إلَّا إنْ كَانَتْ ) أَيْ اللُّثْغَةُ حَصَلَتْ ( بِجِنَايَةٍ ) فَلَا تَكْمُلُ ( الدِّيَةُ إذْ نُقْصَانُهَا ) أَيْ اللُّثْغَةِ أَيْ النُّقْصَانُ الْحَاصِلُ بِهَا ( عَلَى جَانِبِهَا ) أَيْ مُحَصَّلُهَا بِجِنَايَتِهِ ( ، وَيُمْتَحَنُ بِالتَّفْزِيعِ ) فِي أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ إذَا أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَ النُّطْقِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ ) بِالتَّفْزِيعِ ( حَلَفَ كَأَخْرَسَ ) أَيْ كَمَا يَحْلِفُ الْأَخْرَسُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ( وَلَوْ أَبْطَلَ ) بِجِنَايَتِهِ ( حُرُوفًا فَذَهَبَ إفْهَامُ كَلَامِهِ فَالدِّيَةُ ) وَاجِبَةٌ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ قَدْ فَاتَتْ ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ إلَّا قِسْطُ الْحُرُوفِ الْفَائِتَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ غَيْرَهَا مِنْ الْحُرُوفِ ، وَإِنَّمَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَتَعَطَّلَ مَشْيُهُ وَالرِّجْلُ سَلِيمَةٌ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَجَزَمَ بِمَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَكَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَلَوْ أَفْهَمَ ) كَلَامُهُ مَعَ إبْطَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ ( وُزِّعَتْ ) أَيْ الدِّيَةُ ( عَلَى مَا كَانَ يَحْسُنُ مِنْ الْحُرُوفِ ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَرَكَّبُ مِنْهَا ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ، وَلَامُ أَلِفٍ حَرْفَانِ مُكَرَّرَانِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَفِي إبْطَالِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبُعُ سُبُعِهَا ، وَتُوَزَّعُ فِي لُغَةِ غَيْرِ
الْعَرَبِ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِهَا ، وَلَوْ كَانَ أَلْثَغَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِعِشْرِينَ حَرْفًا مَثَلًا ، وَلَا يُحْسِنُ غَيْرَهَا وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى مَا يُحْسِنُهُ لَا عَلَى الْجَمِيعِ ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ مَا خَفَّ مِنْهَا عَلَى اللِّسَانِ ، وَمَا ثَقُلَ .
( وَإِنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ ، وَحُرُوفُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ ) ، وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( فَبِمَ ) الْأَوْلَى فَعَلَامَ ( يُوَزَّعُ ) أَيْ عَلَى أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أَوْ أَقَلِّهِمَا ( وَجْهَانِ ) رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ ( وَإِنْ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُهَا مَعَ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ ) أَوْ لَا يَجِبُ غَيْرُ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ كَمَا لَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَذَهَبَ كَلَامُهُ ( فِيهِ وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَالْبَاءُ ، وَهِيَ أَوْلَى لِتَلَازُمِ الْحَرْفَيْنِ فِي الذَّهَابِ ، وَعَدَمِهِ ( فَإِنْ أَبْدَلَ ) بِالْجِنَايَةِ عَلَى لِسَانِهِ ( حَرْفًا بِحَرْفٍ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْفَائِتِ ) ، وَلَا يَصِيرُ الْآخَرُ بَدَلًا فَإِنَّهُ أَيْضًا أَحَدُ الْحُرُوفِ الْمَقْصُودَةِ ( وَفِي ) حُدُوثِ ( الْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَنَحْوِهَا ) كَالْوَأْرَةِ بِالْجِنَايَةِ ( حُكُومَةٌ ) فَقَطْ لِبَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ .
( قَوْلُهُ : الْخَامِسُ النُّطْقُ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ، وَإِنْ كَانَ أَلْثَغَ ) لَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً فَدِيَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِهِ الْخِلْقِيَّ مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَالْفَارِسِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْفَارِسِيَّةِ صَادٌ ، وَلَا حَاءٌ ، وَلَا طَاءٌ ، وَلَا عَيْنٌ ، وَلَا خَاءٌ قَوْلُهُ : فَلَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ ) لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَخْصِيصُ التَّصْوِيرِ بِغَيْرِ جِنَايَةِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُنَا فَالْأَوْجَهُ لَا فَرْقَ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَتَعَطَّلَ مَشْيُهُ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْحُرُوفَ الْفَائِتَةَ كَمَا لَا يَضْمَنُ دِيَةَ الْمَشْيِ حَيْثُ تَعَطَّلَ بِكَسْرِ الصُّلْبِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي كَسْرِ الصُّلْبِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْحُكُومَةُ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا ) وَلِبَعْضِهَا فُرُوعٌ تُسْتَحْسَنُ كَالْهَمْزَةِ الْمُسَهَّلَةِ عَنْ الْمُخَفَّفَةِ وَالْأَلِفِ الْمُمَالَةِ عَنْ الْمُنْتَصِبَةِ ، وَفُرُوعٌ تُسْتَقْبَحُ كَالْجِيمِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ الْكَافِ كَمَا يُقَالُ فِي كَمُلَ جَمُلَ وَكَعَكْسِهِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ رَكْلٌ وَكَالْفَاءِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ الْبَاءِ كَمَا يُقَالُ فِي أَصْبَهَانَ أَصْفَهَانُ ، وَمَبْلَغُ الْحُرُوفِ بِالْفُرُوعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَالْمُسْتَقْبِحَةِ تِسْعَةٌ ، وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا ابْنُ جَمَاعَةَ ( قَوْلُهُ : وَلَامُ الْأَلِفِ حَرْفَانِ مُكَرَّرَانِ ) فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَاعْتَبَرَهَا ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : جُمْهُورُ النُّحَاةِ عَدَّوْهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِالْأَلِفِ وَالْهَمْزَةِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ غَيْرُ الْأَلِفِ السَّاكِنَةِ ، وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا الْأَلِفَ تَجَوُّزًا .
( قَوْلُهُ : وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِمَّا اتَّفَقَا فِيهِ ، وَإِلَّا فَالتَّوْزِيعُ عَلَى
حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( قَوْلُهُ : رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ ) هُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ .
( وَأَمَّا الْأَطْرَافُ النَّاقِصَةُ الْجِرْمِ الَّتِي ) الْأَوْلَى الَّذِي ( لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَيُحَطُّ الْأَرْشُ ) لِلْجِرْمِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْأَطْرَافِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ إزَالَتِهَا ، وَالْأَوْلَى مِنْهَا أَيْ مِنْ دِيَتِهَا ( وَإِنْ كَانَ الذَّهَابُ ) لِلْجِرْمِ ( بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ) فَلَوْ سَقَطَتْ أُصْبُعُهُ أَوْ أُنْمُلَتُهُ بِجِنَايَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ حُطَّ مِنْ دِيَتِهَا أَرْشُ الْأُصْبُعِ أَوْ الْأُنْمُلَةِ ( وَكَذَا يُحَطُّ وَاجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى ) شَيْءٍ مِنْ ( الْمَعَانِي ) الْمُؤَثِّرَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةُ فِي نَقْصِهِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِيمَا نَقَصَ بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مُبْطِلَةً لِلْمَعْنَى وَحْدَهُ أَمْ مَعَ الْعُضْوِ ( وَ ) يُحَطُّ وَاجِبُ الْجِنَايَةِ ( عَلَى جِرْمٍ لَا أَرْشَ لَهُ مُقَدَّرًا ، وَلَهُ مَنْفَعَةٌ ) زَالَتْ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ مِنْ دِيَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوِ الْجِرْمِ لِذَلِكَ ( لَا إنْ ذَهَبَا ) أَيْ الْمَعْنَى أَيْ بَعْضُهُ فِي تِلْكَ وَالْجِرْمُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ ( بِآفَةٍ ) سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَهَابُهُمَا بَلْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَالُ الدِّيَةِ إذْ لَا يَنْضَبِطُ ضَعْفُ الْمَنْفَعَةِ ، وَقُوَّتُهَا وَالْجِرْمُ الْمَذْكُورُ تَابِعٌ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ذَهَابِ الْجِرْمِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَفَلَقَةٍ انْفَصَلَتْ مِنْ لَحْمِ أُنْمُلَةٍ بِجِنَايَةٍ ، وَإِنْ وَجَبَ بِهَا حُكُومَةٌ لِلشَّيْنِ أَوْ بِآفَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْمُخَالَفَةِ فِي الْأُولَى ، وَبِالْأَوْلَى فِي الثَّانِيَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوْلَى مِنْهَا ) هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ
( فَصْلٌ : الْكَلَامُ مِنْ اللِّسَانِ كَالْبَطْشِ مِنْ الْيَدِ ) فِي أَنَّهُ إذَا ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ ، وَلَوْ مَعَ الْعُضْوِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَفِي بَعْضِ مَا يَأْتِي ( وَذَهَابُهُ بِقَطْعِ بَعْضِهَا ) أَيْ اللِّسَانِ ( مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ كَشَلَلِ الْيَدِ بِقَطْعِ أُصْبُعٍ ) مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَمُلَتْ الدِّيَةُ بِإِذْهَابِ الْكَلَامِ بِالْجِنَايَةِ بِدُونِ قَطْعِ جِرْمٍ فَلَأَنْ تَكْمُلَ مَعَ قَطْعِهِ أَوْلَى ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَقَدْ يُشْكَلُ مَا ذَكَرُوهُ بِأَنَّا نَرَى مَقْطُوعَ اللِّسَانِ يَتَكَلَّمُ ، وَيَأْتِي بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا أَوْ بِمُعْظَمِهَا وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النُّطْقَ فِي اللِّسَانِ لَيْسَ كَالْبَطْشِ فِي الْيَدِ ( فَلَوْ قَطَعَ رُبُعَهَا فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ ) أَيْ نِصْفُ أَحْرُفِهِ ( أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ قُطِعَ نِصْفُ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ ( فَنِصْفُ دِيَةٍ ) تَجِبُ اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ الْمَضْمُونِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ ( وَلَوْ قُطِعَ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( آخِرُ الْبَاقِي فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا ) أَيْ الدِّيَةِ تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ ، وَفِيهَا قُوَّةُ الْكَلَامِ ، وَأُبْطِلَ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ ، وَلَوْ تَسَاوَتْ نِسْبَةُ الْجِرْمِ وَالْكَلَامِ بِأَنْ قُطِعَ نِصْفُ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَلَا يَقْتَصُّ مَقْطُوعُ نِصْفٍ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مِنْ مَقْطُوعِ نِصْفٍ ذَهَبَ رُبُعُ كَلَامِهِ ) إذَا قَطَعَ الثَّانِي الْبَاقِيَ مِنْ لِسَانِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أَجْرَيْنَا الْقِصَاصَ فِي بَعْضِ اللِّسَانِ لَنَقَصَ الْأَوَّلُ عَنْ الثَّانِي ( وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ أَذْهَبَ النُّطْقَ بِقَطْعٍ ) لِلِسَانِ غَيْرِهِ أَوْ لِبَعْضِهِ ( وَلَمْ يُذْهِبْهُ الْقِصَاصُ ) مِنْ الْجَانِي فَلَوْ قُطِعَ نِصْفُ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَاقْتُصَّ مِنْ الْجَانِي فَلَمْ يَذْهَبْ إلَّا رُبُعُ كَلَامِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رُبُعُ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ ، وَذِكْرُ حُكْمِ قَطْعِ جَمِيعِ اللِّسَانِ فِي ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ
( لَا عَكْسُهُ ) بِأَنْ لَمْ يُذْهِبْ الْجَانِي النُّطْقَ ، وَأَذْهَبَهُ الْقِصَاصُ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ فَلَوْ اُقْتُصَّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ مِنْ الْجَانِي فَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْقِصَاصِ مُهْدَرَةٌ ( ، وَيَضْمَنُ أَرْشَ حَرْفٍ فَوَّتَتْهُ ضَرْبَةٌ أَفَادَتْهُ حُرُوفًا ) لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ النُّطْقِ بِهَا ، وَلَا يَنْجَبِرُ الْفَائِتُ بِمَا حَدَثَ ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ ، وَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى الْحُرُوفِ ، وَفِيهَا الْحُرُوفُ الْمُفَادَةُ أَوْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ قَالَ الْإِمَامُ : هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِحُرُوفٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِحَرْفٍ .
( وَلَا تَضْمَنُ ضَرْبَةٌ قَوَّمَتْ لِسَانًا اعْوَجَّ ) بِوَاسِطَةِ عَجَلَةٍ أَوْ اضْطِرَابٍ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْقِصْ مِنْهُ حَرْفًا ، وَلَا مَنْفَعَةً ( وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ لِسَانٍ ، وَبَقِيَ نُطْقُهُ فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ لَا قِسْطٌ إذْ لَوْ وَجَبَ لَلَزِمَ إيجَابُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى لُزُومِ الْقِسْطِ ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ( وَلَوْ قَطَعَ لِسَانًا ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ بِجِنَايَةٍ ) عَلَى اللِّسَانِ ( مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ ) لِشَيْءٍ مِنْهُ ( فَالدِّيَةُ ) تَجِبُ لِقَطْعِهِ جَمِيعَ اللِّسَانِ مَعَ بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ ، وَاللِّسَانُ يُذَكَّرُ ، وَيُؤَنَّثُ ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُشْكَلُ مَا ذَكَرُوهُ بِأَنَّا نَرَى إلَخْ ) مُرَادُ الْأَصْحَابِ أَنَّ النُّطْقَ حَالٌّ فِي اللِّسَانِ كَحُلُولِ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنِ ، وَلَيْسَ كَحُلُولِ السَّمْعِ فِي الْأُذُنِ وَالشَّمِّ فِي الْأَنْفِ ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ مُنْبَسِطٌ عَلَى اللِّسَانِ كَانْبِسَاطِ قُوَّةِ الْبَطْشِ وَكَوْنِنَا نَرَى مَقْطُوعَ اللِّسَانِ يَتَكَلَّمُ وَيَأْتِي بِالْحُرُوفِ كُلِّهَا لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِي آخِرِ اللِّسَانِ ، وَمِنْ بَعْضِهِمْ فِي عَذْبَتِهِ أَوْ طَرَفِهِ ، وَلِذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ الْمَقْطُوعِينَ فَبَعْضُهُمْ يَتَكَلَّمُ لِعَدَمِ اسْتِئْصَالِ الْقَطْعِ ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَتَكَلَّمُ م قَوْلُهُ : فَلَوْ قَطَعَ رُبْعَهَا فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إطْلَاقُ ذَهَابِ رُبْعِ كَلَامِهِ أَوْ نِصْفِ كَلَامِهِ مَجَازٌ ، وَالْمُرَادُ ذَهَبَ رُبْعُ أَحْرُفِ كَلَامِهِ أَوْ نِصْفُ أَحْرُفِ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ فَائِدَةً يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا لَا تَوْزِيعَ عَلَيْهِ إنَّمَا التَّوْزِيعُ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ وَنَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُفْهَمَ مِنْهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ ( قَوْلُهُ : اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ ) الْمَضْمُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالدِّيَةِ فَالنُّطْقُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَالَيْنِ ، وَشَاهِدُهُ مَا لَوْ قُطِعَ بَعْضُ لِسَانِهِ ، وَلَمْ يَذْهَبْ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَانِي قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْحُكُومَةُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَإِنَّمَا ، وَجَبَتْ حُكُومَةٌ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ هَدَرًا ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُ مُعْتَبَرًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى النُّطْقِ لَكَانَ الْأَصَحُّ التَّقْسِيطَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنُّطْقِ كَمَا قُلْنَاهُ ، وَأَيْضًا فَلَوْ قَطَعَ عَذْبَةَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ الْكَلَامُ مِنْهُ لَزِمَتْهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ اعْتِبَارًا بِالنُّطْقِ ، وَأَيْضًا فَلَوْ اُقْتُصَّ مِمَّنْ قَطَعَ نِصْفَ اللِّسَانِ ، وَكَانَ ذَهَبَ بِجِنَايَتِهِ
نِصْفُ الْكَلَامِ فَلَمْ يَذْهَبْ بِالْقِصَاصِ إلَّا رُبْعُ الْكَلَامِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رُبْعَ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالنُّطْقِ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ النِّصْفُ فِيمَا إذَا قُطِعَ نِصْفُ اللِّسَانِ فَذَهَبَ رُبْعُ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى النِّصْفِ الْجَرْمِيِّ قَدْ تَحَقَّقَتْ ، وَقَاعِدَةُ الْإِجْرَامِ ذَوَاتُ الْمَنَافِعِ أَنْ يُقَسَّطَ عَلَى نِسْبَتِهَا فَرَجَعْنَا لِهَذَا الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَغَيْرِهِ .
( السَّادِسُ : الصَّوْتُ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي إبْطَالِهِ ، وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ ( الدِّيَةُ ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ { مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الصَّوْتِ إذَا انْقَطَعَ بِالدِّيَةِ } ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ ( فَإِنْ أَشَلَّ بِإِذْهَابِهِ ) أَيْ الصَّوْتِ ( اللِّسَانَ ) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ ( فَدِيَتَانِ ) تَجِبَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَتْ بِالتَّفْوِيتِ كَمَالُ الدِّيَةِ ( وَلَوْ أَذْهَبَ بِهِ ) أَيْ بِإِبْطَالِ الصَّوْتِ ( النُّطْقَ ، وَهِيَ ) أَيْ اللِّسَانُ ( سَلِيمَةً ) فَقَدْ تَعَطَّلَ النُّطْقُ بِفَوَاتِ الصَّوْتِ ( فَدِيَةٌ ) وَاحِدَةٌ تَجِبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعْطِيلَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ كَإِبْطَالِهَا ، وَيَنْبَغِي إيجَابُ حُكُومَةٍ لِتَعْطِيلِ النُّطْقِ .
( قَوْلُهُ : لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ { مَضَتْ السُّنَّةُ } إلَخْ ) ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ ) فِي كُلٍّ مِنْهُمْ إذَا انْفَرَدَتْ بِالتَّفْوِيتِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَالنُّطْقِ وَالذَّوْقِ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي إيجَابُ حُكُومَةٍ لِتَعْطِيلِ النُّطْقِ ) قَدْ مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى السَّمْعِ أَنَّ الْحُكُومَةَ تَجِبُ فِي تَعْطِيلِ النُّطْقِ
( السَّابِعُ وَالثَّامِنُ الْمَضْغُ وَالذَّوْقُ ، وَفِي ) إبْطَالِ ( كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( الدِّيَةُ ) كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ ( ، وَإِبْطَالُ الْمَضْغِ ) يَحْصُلُ ( بِاسْتِرْخَاءِ اللَّحْيَيْنِ ) بِأَنْ يَتَصَلَّبَ مَغْرِسُهُمَا حَتَّى تَمْتَنِعَ حَرَكَتُهُمَا مَجِيئًا وَذَهَابًا ( وَتَخْدِيرُهُمَا ) بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَى الْأَسْنَانِ فَيُصِيبَهُمَا خَدْرٌ وَتَبْطُلُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِمَضْغٍ ( ، وَدِيَةُ الذَّوْقِ مُوَزَّعَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ حَلَاوَةٍ وَحُمُوضَةٍ ، وَمَرَارَةٍ وَمُلُوحَةٍ ، وَعُذُوبَةٍ لِكُلٍّ ) مِنْهَا ( خُمُسُهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( ، وَفِي نُقْصَانِهِ ) أَيْ الذَّوْقِ بِأَنْ نَقَصَ الْإِحْسَاسُ نُقْصَانًا لَا يَتَقَدَّرُ بِأَرْشٍ ، وَبَقِيَ لَا يُدْرِكُ الطُّعُومَ بِكَمَالِهَا ( حُكُومَةٌ ، وَإِنْ أَزَالَ النُّطْقَ وَالذَّوْقَ فَدِيَتَانِ ) لِاخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ وَلِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ ، فَالذَّوْقُ فِي طَرَفِ الْحُلْقُومِ ، وَالنُّطْقُ فِي اللِّسَانِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَأَقَرَّهُ لَكِنْ جَزَمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الذَّوْقَ فِي اللِّسَانِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ وَجَمِيعُ الْحُكَمَاءِ ، وَقَالَ الزَّنْجَانِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ الْمَشْهُورُ ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالنُّطْقِ مَعَ اللِّسَانِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِّسَانِ .
( وَيُمْتَحَنُ ) إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَالْجَانِي فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ ( بِالْأَشْيَاءِ الْمُرَّةِ وَنَحْوِهَا ) كَالْحَامِضَةِ الْحَادَّةِ بِأَنْ يُلْقِمَهَا لَهُ غَيْرُهُ مُغَافَصَةً فَإِنْ لَمْ يَعْبِسْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِلَّا فَالْجَانِي بِيَمِينِهِ .
( قَوْلُهُ : السَّابِعُ وَالثَّامِنُ الْمَضْغُ وَالذَّوْقُ ، وَفِي إبْطَالِ كُلٍّ الدِّيَةُ .
) إبْطَالُ الذَّوْقِ بِأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَمُرٍّ ، وَمَالِحٍ وَعَذْبٍ ( قَوْلُهُ : وَدِيَةُ الذَّوْقِ مُوَزَّعَةٌ عَلَى خَمْسَةٍ حَلَاوَةٍ إلَخْ ) قَالَ فِي التَّوْشِيحِ قَالَ الْحُكَمَاءُ الْجِسْمُ إمَّا لَطِيفٌ أَوْ كَثِيفٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ وَالْفَاعِلُ فِيهِ إمَّا الْحَرَارَةُ أَوْ الْبُرُودَةُ أَوْ الْمُعْتَدِلُ بَيْنَهُمَا فَيَفْعَلُ الْحَارُّ فِي الْكَثِيفِ مَرَارَةً ، وَفِي اللَّطِيفِ حَرَافَةً ، وَفِي الْمُعْتَدِلِ مُلُوحَةً ، وَالْبُرُودَةُ فِي الْكَثِيفِ عُفُوصَةً ، وَفِي اللَّطِيفِ حُمُوضَةً ، وَفِي الْمُعْتَدِلِ قَبْضًا ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي الْكَثِيفِ حَلَاوَةً ، وَفِي اللَّطِيفِ دُسُومَةً ، وَفِي الْمُعْتَدِلِ تَفَاهَةً وَكَأَنَّ الْفُقَهَاءَ ذَكَرُوا أُصُولَ الطُّعُومِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ أُصُولُهَا أَرْبَعَةٌ الْحَلَاوَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالْحُمُوضَةُ وَالْمُلُوحَةُ ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكَمَاءُ الْعُذُوبَةَ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا التَّفَاهَةُ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : رُبَّمَا فَرَّعَهَا الطَّبِيبُ إلَى ثَمَانِيَةٍ ، وَلَا نَعْتَبِرُهَا فِي الْأَحْكَامِ لِدُخُولِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ كَالْحَرَافَةِ مَعَ الْمَرَارَةِ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ كَانَ الطِّبُّ يَشْهَدُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ تَوَابِعُ ، وَإِذَا أُخِذَتْ دِيَةُ الْمَتْبُوعِ دَخَلَ التَّابِعُ تَحْتَهُ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَأَقَرَّهُ ) ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ .
( التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْإِمْنَاءُ وَالْإِحْبَالُ وَالْجِمَاعُ فَفِي كُلٍّ ) مِنْ إبْطَالِ قُوَّةِ الْإِمْنَاءِ وَقُوَّةِ الْإِحْبَالِ ، وَلَذَّةِ الْجِمَاعِ ، وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ الْمَنِيِّ وَسَلَامَةِ الذَّكَرِ ( الدِّيَةُ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ وَلِفَوَاتِ النَّسْلِ بِإِذْهَابِ الْإِمْنَاءِ وَالْإِحْبَالِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي إبْطَالِ قُوَّةِ الْإِمْنَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِمْنَاءَ الْإِنْزَالُ فَإِذَا أَبْطَلَ قُوَّتَهُ ، وَلَمْ يَذْهَبْ الْمَنِيُّ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ لَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْزَالُ بِمَا يَسُدُّ طَرِيقَهُ فَيُشْبِهُ ارْتِتَاقَ الْأُذُنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ إلَّا الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْبَسِيطِ كَعِبَارَةِ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ فَأَبْطَلَ مَنِيَّهُ ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ فِي غَيْرِ مَنْ ظَهَرَ لِلْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ عَقِيمٌ ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ ( وَأَنَّ ) الْأَوْلَى فَإِنْ ( أَذْهَبَ إمْنَاءَهُ أَوْ لَذَّةَ جِمَاعِهِ بِكَسْرِ الصُّلْبِ فَدِيَةٌ ) تَجِبُ ، وَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِذْهَابِ الْجِمَاعِ إذْهَابُ لَذَّتِهِ ( وَيُصَدَّقُ ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي إذْهَابِ ذَلِكَ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ كَالْحَيْضِ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْبَصَرِ لَا يُمْكِنُ ذَهَابُهُ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ ، وَمَسْأَلَةُ تَصْدِيقِهِ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِي ذَهَابِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهَا شَامِلٌ لَهَا وَلِلْبَقِيَّةِ ، وَهُوَ أَحْسَنُ ( أَوْ ) أَذْهَبَ إمْنَاءَهُ أَوْ لَذَّةَ جِمَاعِهِ ( بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ فَدِيَتَانِ ) تَجِبَانِ كَمَا فِي إذْهَابِ الصَّوْتِ مَعَ اللِّسَانِ .
( وَإِنْ أَبْطَلَ إحْبَالَهَا فَدِيَةٌ ) تَجِبُ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ إذْهَابُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ فِي
الْمَطْلَبِ : وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ بِإِذْهَابِهِ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا قُلْت : وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُهُ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ لِتَعْبِيرِهِ بِإِحْبَالِهَا لَا بِحَبَلِهَا ( أَوْ ) أَبْطَلَ ( لَبَنَهَا حَالَ الْإِرْضَاعِ ) أَيْ حَالَ وُجُودِ لَبَنِهَا ( أَوْ قَبْلَهُ ) بِأَنْ جَنَى عَلَى ثَدْيِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ ثُمَّ وَلَدَتْ ، وَلَمْ يُدَرَّ لَهَا لَبَنٌ ( وَجَوَّزُوا كَوْنَهُ بِجِنَايَتِهِ فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ، وَفَارَقَ ذَلِكَ إبْطَالَ الْإِمْنَاءِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ بِأَنَّ اسْتِعْدَادَ الطَّبِيعَةِ لِلْمَنِيِّ صِفَةٌ لَازِمَةٌ وَالْإِرْضَاعُ شَيْءٌ يَطْرَأُ ، وَيَزُولُ ( ، وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَشَلَّ ذَكَرُهُ فَدِيَةٌ ) لِإِشْلَالِ الذَّكَرِ ( وَحُكُومَةٌ ) لِكَسْرِ الصُّلْبِ .
( قَوْلُهُ : الْإِمْنَاءُ وَالْإِحْبَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُتَصَوَّرُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ ( قَوْلُهُ : وَلَذَّةُ الْجِمَاعِ ) مِثْلُ إبْطَالِ لَذَّةِ الطَّعَامِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ إلَخْ ) قَدْ يُقَالُ مُرَادُ الْمُعَبِّرِ بِالْإِمْنَاءِ إبْطَالُ الْمَنِيِّ بِإِبْطَالِ قُوَّتِهِ الدَّافِعَةِ لَهُ إلَى مَحَلِّهِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يُشْعِرُ بِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي السَّمْعِ ، وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُهُ مَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ مِنْ إبْطَالِ قُوَّةِ دَفْعِهِ إلَى خَارِجٍ مَعَ وُجُودِهِ فِي مَحَلِّهِ ، وَكَلَامُ الْجَعْبَرِيِّ يُشْعِرُ بِهِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ التَّعْجِيزِ ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ الْإِمْنَاءِ فَلَوْ جَنَى عَلَى رَجُلٍ فَعَجَزَتْ قُوَّتُهُ عَنْ إخْرَاجِ مَنِيِّهِ أَوْ امْرَأَةٍ فَعَجَزَتْ عَنْ نَقْلِ مَنِيِّهَا مِنْ وِعَائِهِ إلَى رَحِمِهَا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ .
ا هـ .
وَيُفَارِقُ السَّمْعَ حَالَةَ الِارْتِتَاقِ بِأَنَّ قُوَّتَهُ بَاقِيَةٌ ، وَقُوَّةَ الْإِمْنَاءِ قَدْ ذَهَبَتْ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمَنِيُّ ش ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ بِإِذْهَابِهِ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا ) بِأَنْ جَنَى عَلَى صُلْبِهِ فَصَارَ الْمَنِيُّ لَا يُحْبِلُ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَنَى عَلَى الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَنَّهُمَا مَحَلُّ انْعِقَادِ الْمَاءِ .
ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مُتَعَيِّنٌ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَسِيطِ : مَنْفَعَةُ الْإِمْنَاءِ وَالْإِحْبَالِ بِهِ ، وَقَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ضَرَبَهُ ) عَلَى عُنُقِهِ ( فَضَاقَ مُبْلِعُهُ ) فَلَمْ يُمْكِنْهُ ابْتِلَاعُ الطَّعَامِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ لِالْتِوَاءِ الْعُنُقِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ( وَإِنْ سَدَّهُ ) أَيْ الْمُبْلِعُ ( فَمَاتَ فَدِيَةٌ ) تَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِنَايَةٍ ( وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ فِي الِانْسِدَادِ الدِّيَةُ حَتَّى لَوْ حَزَّهُ آخَرُ ، وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( دِيَةٌ ) كَمَا فِي سَالِخِ الْجِلْدِ مَعَ حَازِّ الرَّقَبَةِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَإِمَامُهُ فِي الِانْسِدَادِ الدِّيَةُ ) ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمَا ، وَهُوَ الرَّاجِحُ .
( الثَّانِيَ عَشَرَ الْإِفْضَاءُ ) لِلْمَرْأَةِ ( وَإِنْ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) كَمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ أَوْ اخْتِلَالِهَا ، وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى قَوْلِهِ ، وَإِنْ زَالَتْ بِهِ الْبَكَارَةُ كَانَ أَوْلَى مَعَ أَنَّ حُكْمَ إزَالَةِ الْبَكَارَةِ سَيَأْتِي وَذِكْرُهُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ الْتَأَمَ ) مَحَلُّ الْإِفْضَاءِ ( سَقَطَتْ دِيَتُهُ ) وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ بَقِيَ أَثَرٌ كَمَا فِي عَوْدِ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتْ ثُمَّ بِالِاسْمِ ، وَهُنَا بِفَقْدِ الْحَائِلِ ، وَقَدْ سَلِمَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِفْضَاءُ ( رَفْعُ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ ) بِالذَّكَرِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَإِنْ كَانَ بِجِمَاعِ نَحِيفَةٍ ) وَالْغَالِبُ إفْضَاءُ وَطْئِهَا إلَى الْإِفْضَاءِ ( فَهُوَ عَمْدٌ ، وَ ) بِجِمَاعِ ( غَيْرِهَا فَشِبْهُ عَمْدٍ أَوْ ) بِجِمَاعِ ( مَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَخَطَأٌ ، وَيَجِبُ مَعَهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( الْمَهْرُ ) إذَا كَانَ الْإِفْضَاءُ بِالذَّكَرِ ؛ لِأَنَّهُمَا بَدَلَا مَنْفَعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ ( وَإِنْ رَفَعَ حَاجِزَيْ الدُّبُرِ وَالْبَوْلِ ) أَيْ الْحَاجِزَ بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَالْحَاجِزَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ ( فَدِيَةٌ ) لِلْأَوَّلِ ( وَحُكُومَةٌ ) لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ الْمَنْفَعَةَ ، وَلَا يُفَوِّتُهَا ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ فِي الْأَوَّلِ قَوِيٌّ مِنْ أَعْصَابٍ غَلِيظَةٍ لَا يَكَادُ يَزُولُ بِالْوَطْءِ وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إفْضَاءٌ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يَخْتَلُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْنَعُ إمْسَاكَ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَلَوْ أَزَالَ الْحَاجِزَيْنِ لَزِمَهُ دِيَتَانِ .
( وَكَذَا إنْ أَفْضَاهَا ، وَلَمْ يَسْتَمْسِكْ الْبَوْلُ ) تَجِبُ دِيَةٌ ، وَحُكُومَةٌ ( لَا دِيَتَانِ ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ مَنْ يُفْضِيهَا وَطْؤُهُ ، وَلَا يَلْزَمُ ) هَا ( التَّمْكِينُ ) بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا ( وَلَا فَسْخَ لِأَحَدٍ )
مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا لِلزَّوْجِ بِضِيقِ الْمَنْفَذِ ، وَلَا لِلزَّوْجَةِ بِكِبَرِ آلَتِهِ ، وَإِنْ خَالَفَتْ الْعَادَةَ بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ الْوَطْءَ مُطْلَقًا ( إلَّا أَنْ يَقْضِيَهَا بِالْوَطْءِ كُلُّ أَحَدٍ ) مِنْ نَحِيفٍ وَغَيْرِهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ ضِيقَ مَنْفَذِهَا حِينَئِذٍ كَالرَّتْقِ ، وَهَذَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ إطْلَاقَ عَدَمِ الْفَسْخِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَمُقَابِلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ .
ثُمَّ قَالَ : وَيُنَزَّلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يُفْضِيهَا دُونَ نَحِيفٍ آخَرَ ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُفْضِيهَا كُلُّ أَحَدٍ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَظِيرِهِ فِي آلَةِ الزَّوْجِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ كِبَرُهَا لَا تَحْتَمِلُهُ امْرَأَةٌ أَصْلًا كَانَ كَالْجَبِّ أَوْ تَحْتَمِلُهُ امْرَأَةٌ مُتَّسَعَةُ الْمَنْفَذِ فَلَا فَسْخَ ( وَلَوْ أَفْضَى ) شَخْصٌ ( الْخُنْثَى فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ لَا دِيَةٌ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ الْمَنْفَذَ فَرْجٌ ( وَفِي ) إزَالَةِ ( بَكَارَتِهِ حُكُومَةٌ لِجِرَاحَتِهِ ) لَا لِبَكَارَتِهِ لِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : الثَّانِي عَشَرَ الْإِفْضَاءُ ، وَإِزَالَةُ الْبَكَارَةِ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ زَوْجٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ ( قَوْلُهُ : وَلِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ أَوْ اخْتِلَالِهَا ) عَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ النَّسْلَ ؛ لِأَنَّ النُّطْفَةَ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَحَلِّ الْعُلُوقِ لِامْتِزَاجِهَا بِالْبَوْلِ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الذَّكَرِ قَوْلُهُ : مَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ) أَيْ أَوْ أَمَتَهُ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَسْتَمْسِكْ الْبَوْلُ ) أَيْ أَوْ الْغَائِطُ ( قَوْلُهُ : وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ مَنْ يُفْضِيهَا وَطْؤُهُ ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الْإِفْضَاءِ الْمُحَرَّمِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَظِيرِهِ فِي آلَةِ الزَّوْجِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِ هَذَا التَّوَسُّطِ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا أَيْ فَيَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ لَا تَسَعَ حَشَفَتُهُ امْرَأَةً أَصْلًا وَبَيْنَ أَنْ يَتَّسِعَ لَهَا بَعْضُ النِّسَاءِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَغَيْرِهِ
( فَرْعٌ : فِي إزَالَةِ بَكَارَةِ أَجْنَبِيَّةٍ بِأُصْبُعٍ ) مَثَلًا ( لَا بِذَكَرٍ حُكُومَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ ( وَيَقْتَصُّ بِالْبَكَارَةِ مِنْ بِكْرٍ مِثْلُهَا ) بِرَفْعِهِ فَاعِلُ يَقْتَصُّ ( فَإِنْ زَالَتْ ) بِذَكَرٍ ( بِزِنًا ، وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ أَهْدَرَتْ ) بَكَارَتُهَا حُكُومَةً كَمَا أَهْدَرَتْ مَهْرًا إذْ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ بِدُونِ إزَالَتِهَا فَكَأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِزَالَتِهَا بِخِلَافِ دِيَةِ الْإِفْضَاءِ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْوَطْءِ لَا بِالْإِفْضَاءِ ( أَوْ ) ، وَهِيَ ( مُكْرَهَةٌ أَوْ ) زَالَتْ ( بِشُبْهَةٍ ) مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَحُكُومَةٌ ، وَمَهْرُهَا ثَيِّبًا ) يَجِبَانِ ( وَإِنْ أَزَالَهَا الزَّوْجُ ، وَلَوْ بِخَشَبَةٍ فَلَا شَيْءَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِإِزَالَتِهَا ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي طَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ بِخَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( فَإِنْ أَفْضَاهَا ) غَيْرُ الزَّوْجِ مَعَ إزَالَةِ بَكَارَتِهَا ( دَخَلَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا لِلْإِتْلَافِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ فَإِنَّ الْمَهْرَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْأَرْشَ لِإِزَالَةِ الْجِلْدَةِ .
( قَوْلُهُ : بِرَفْعِهِ فَاعِلُ يَقْتَصُّ ) وَيَصِحُّ جَرُّهُ صِفَةً لِبِكْرٍ ، وَفَاعِلُ يَقْتَصُّ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ زَالَتْ بِزِنًا ، وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ أُهْدِرَتْ ) مَحَلُّهُ فِي الْحُرَّةِ الْمَالِكَةِ لِأَمْرِهَا أَمَّا الْأَمَةُ فَلَا يَسْقُطُ أَرْشُهَا بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَا تُسْقِطُ أَرْشَ طَرَفِهَا بِإِذْنِهَا فِي قَطْعِهِ ، وَإِنْ سَقَطَ الْمَهْرُ بِمُطَاوَعَتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : أَوْ ، وَهِيَ مُكْرَهَةٌ ) فِي مَعْنَاهَا مُطَاوِعَةٌ لَا تُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا لِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ وَنَحْوِهِمَا غ ( قَوْلُهُ : مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ) قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا ، وَهِيَ بِكْرٌ لَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوَطْءُ .
( قَوْلُهُ : فَحُكُومَةٌ ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا يَجِبَانِ ) كَذَا صَحَّحَاهُ هُنَا ، وَفِي وَطْءِ الْغَاصِبِ وَصَحَّحَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَهْرَ بِكْرٍ ، وَأَرْشَ بَكَارَةٍ ، وَفِي اقْتِضَاضِ الْأَجْنَبِيِّ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَهْرَ بِكْرٍ فَقَطْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَتْ هَذِهِ التَّرَاجِيحُ مُتَنَاقِضَةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بَلْ لِكُلِّ شَيْءٍ مُدْرِكٌ اقْتَضَى تَرْجِيحَهُ فَوَجَبَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَهْرُ بِكْرٍ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِجَامِعِ التَّوَصُّلِ إلَى الْوَطْءِ بِعَقْدٍ ، وَإِنَّمَا وَجَبَ هَاهُنَا أَرْشُ بَكَارَةٍ ، وَلَمْ يَجِبْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ لَا يُضْمَنُ فِي صَحِيحِ النِّكَاحِ فَكَذَا فِي فَاسِدِهِ ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي الْبَيْعِ
الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِكْرًا وَوَطِئَهَا فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِالْوَطْءِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِدُونِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ ، وَفِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْغَصْبِ مَهْرُ الْبِكْرِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ الْمُلْحَقِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَإِكْرَاهُ الْحُرَّةِ هُنَا عَلَى الْوَطْءِ يُشْبِهُ الْغَصْبَ ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ ، وَأَمَّا وَطْءُ الْأَجْنَبِيِّ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فَلِوُقُوعِهِ فِي حَرِيمِ عَقْدٍ صَحِيحٍ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ ، وَقَوْلُهُ أَنَّ أَرْشَ الْبَكَارَةِ لَا يُضْمَنُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ مَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ ، وَقَوْلُهُ لِوُقُوعِهِ فِي حَرِيمِ عَقْدٍ صَحِيحٍ كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ وَطْء الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَقَعْ فِي عَقْدٍ ، وَلَا فِي حَرِيمِ عَقْدٍ بَلْ لَوْ عُكِسَ هَذَا ، وَقِيلَ يَجِبُ فِي وَطْءِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مَهْرُ بِكْرٍ لِوُقُوعِهِ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ لَكَانَ أَقْرَبَ فَلْيُتَأَمَّلْ فس
( الثَّالِثَ عَشَرَ : الْبَطْشُ ، وَفِيهِ ) أَيْ فِي إبْطَالِهِ ( الدِّيَةُ ، وَكَذَا الْمَشْيُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ ( وَإِنْ أَبْطَلَ بَطْشَ يَدٍ أَوْ أُصْبُعٍ فَدِيَتُهَا ) وَاجِبَةٌ لَكِنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ ( إنْ انْدَمَلَ ) جُرْحُهَا ( وَلَمْ يُعَدَّ ) أَيْ الْبَطْشُ ( وَتُسْتَرَدُّ ) الدِّيَةُ ( إنْ عَادَ ) بَعْدَ أَخْذِهَا ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْأَسْنَانِ ( فَإِنْ بَقِيَ ) بَعْدَ عَوْدِهِ ( نَقْصٌ ) مِنْهُ أَوْ أَثَرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَحُكُومَةٌ ) تَجِبُ ( كَانَ احْدَوْدَبَ ) بِسَبَبِ ذَلِكَ ( فَإِنْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ ) وَرِجْلُهُ سَلِيمَةٌ ( فَدِيَةٌ ) تَجِبُ كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ( فَإِنْ أَشَلَّ الرِّجْلَيْنِ ) مِنْهُ ( بِذَلِكَ ) أَيْ بِكَسْرِ صُلْبِهِ ( أَوْ ) أَشَلَّ ( ذَكَرَهُ فَدِيَةٌ ) فِي الْإِشْلَالِ ( وَحُكُومَةٌ فِي ) كَسْرِ ( الصُّلْبِ ) ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ ذَهَابَ الْمَشْيِ فِي الْأُولَى لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِشَلَلِ الرِّجْلِ فَأَفْرَدَ كَسْرَ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ ( وَلَوْ ذَهَبَ ) بِكَسْرِ صُلْبِهِ ( مَشْيُهُ ، وَإِمْنَاؤُهُ ) أَوْ وَجِمَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَعَبَّرَ بَدَلَ الْإِمْنَاءِ بِالْمَنِيِّ ( فَدِيَتَانِ ) تَجِبَانِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الرِّجْلِ لَا فِي الصُّلْبِ ، وَالْمَنِيُّ لَيْسَ مُسْتَقَرًّا فِي الصُّلْبِ ، وَلَا لَهُ مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ مِنْ الْبَدَنِ ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الصَّحِيحَةِ ( وَيُمْتَحَنُ ) مَنْ ادَّعَى ذَهَابَ مَشْيِهِ ( بِأَنْ يُفَاجَأَ بِمُهْلِكٍ ) كَسَيْفٍ فَإِنْ مَشَى عَلِمْنَا كَذِبَهُ ، وَإِلَّا حَلَفَ ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( فُعِلَ بِهِ مُوجِبُ دِيَاتٍ ) مِنْ إزَالَةِ أَطْرَافٍ وَنَحْوِهَا ( وَانْدَمَلَتْ ) جِرَاحَتُهُ ( فَحَزَّهُ ) مِنْ رَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا ( لَزِمَتْهُ ) الدِّيَاتُ ( مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ ) لِاسْتِقْرَارِ دِيَاتِ الْأَطْرَافِ بِالِانْدِمَالِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَنْدَمِلْ ، وَمَاتَ بِسُقُوطِهِ مِنْ سَطْحٍ وَنَحْوِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ اعْتِبَارِ التَّبَرُّعِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ لَوْ مَاتَ بِذَلِكَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَ صَدَرَ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْمَوْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُهُ ( وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا ) أَوْ مِنْ بَعْضِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ سَرَتْ إلَى النَّفْسِ ( فَالدِّيَةُ ) لِلنَّفْسِ وَاجِبَةٌ وَسَقَطَ بَدَلُ الْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا ( أَوْ حَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَاتَّفَقَتْ ) أَيْ الْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( فَالدِّيَةُ ) تَجِبُ لِلنَّفْسِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ بَدَلَ الْأَطْرَافِ فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهَا كَالسِّرَايَةِ ؛ وَلِأَنَّ السِّرَايَةَ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ بِالِانْدِمَالِ كَانَتْ الْجِنَايَاتُ كُلُّهَا قَتْلًا وَاحِدًا ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ أَوْ عَادَ فَقَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ ، وَلَا يَنْدَرِجُ فِيهَا قِيمَةُ أَطْرَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِمَا نَقَصَ ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ وَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِمُقَدَّرٍ ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِي ضَمَانِهِ التَّعَبُّدُ ( فَلَوْ كَانَتْ ) أَيْ الْجِنَايَاتُ ( خَطَأً أَوْ عَمْدًا ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( دَخَلَتْ الْأَطْرَافُ ) أَيْ دِيَتُهَا ( فِي ) دِيَةِ ( النَّفْسِ ، وَلَا يَتَدَاخَلُ الْخَطَأُ وَالْعَمْدُ ) لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَنْ يَجِبَانِ عَلَيْهِ ( فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً ثُمَّ حَزَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ عَمْدًا ، وَعَفَا الْوَلِيُّ ) عَنْ الْقِصَاصِ ( فَلَهُ نِصْفُ
دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ ، وَدِيَةُ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ ) .
وَإِنْ قَتَلَهُ قِصَاصًا فَلَهُ نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ خَطَأً قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَلِلْوَلِيِّ قَطْعُ يَدِهِ ، وَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ ، وَإِنْ عُفِيَ عَنْ الْقَطْعِ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِلْيَدِ ، وَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلنَّفْسِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
قَوْلُهُ : كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اعْتِبَارِ التَّبَرُّعِ إلَخْ ) قَالَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ .
ا هـ .
قَدْ تَعَرَّضُوا لَهُ فِي تَعْلِيلِهِمْ التَّدَاخُلَ لِلسِّرَايَةِ وَحَزِّ الْجَانِي قَبْلَ الْبُرْءِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَنْشَأَ مِنْ الْجَانِي قَبْلَ تَقَرُّرِ بَدَلِ الْجِنَايَاتِ السَّابِقَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَتَى بِهَا وَبِالْحَزِّ مَعًا ، وَفِي قَوْلِهِمْ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَمَاتَ فَقَالَ الْجَانِي مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ قَتَلْته أَنَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ دِيَةٌ ، وَقَالَ الْوَلِيُّ بَلْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ كَأَنْ قَالَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ آخَرُ أَوْ شَرِبَ سُمًّا مُوحِيًا صُدِّقَ الْوَلِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدِّيَتَيْنِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ لَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ السُّقُوطِ ، وَأَنَّ السُّقُوطَ سَبَبٌ آخَرُ س ( قَوْلُهُ : ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا إلَخْ ) أَيْ قَبْلَ انْدِمَالِ شَيْءٌ مِنْهَا كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي السِّرَايَةِ ، وَجَائِفَةٌ فَمَاتَ مِنْهَا قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ ( قَوْلُهُ : وَسَقَطَ بَدَلُ الْأَطْرَافِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا ) أَيْ ، وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ ، وَأَصْلُهَا فَمَاتَ مِنْهَا إنَّ أَرْشَ ذَلِكَ الْجُرْحِ الْخَفِيفِ لَا يَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ الْحُكُومَاتِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ ، وَفِيهِ طَرَفَانِ ) ( الْأَوَّلُ الْحُكُومَةُ ) هِيَ فُعُولَةٌ مِنْ الْحُكْمِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ( وَهِيَ جُزْءٌ ) مِنْ الدِّيَةِ ( نِسْبَتُهُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ ) أَيْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَيْهَا ( نِسْبَةُ مَا نَقَصَ ) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ( مِنْ قِيمَتِهِ ) إلَيْهَا ( بِفَرْضِ الرِّقِّ ) أَيْ بِفَرْضِهِ رَقِيقًا إذْ الْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ بَعْدَ بُرْئِهِ سَلِيمًا مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُقَوَّمَ ، وَبِهِ أَثَرُهَا ، وَيُنْظَرَ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَهَا مِائَةً ، وَبَعْدَهَا تِسْعِينَ فَالتَّفَاوُتُ عُشْرٌ فَيَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَلِلْحَاجَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ إلَى تَقْدِيرِ الرِّقِّ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْعَبْدُ أَصْلُ الْحُرِّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا كَمَا أَنَّ الْحُرَّ أَصْلُ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا ( وَتَجِبُ ) الْحُكُومَةُ ( إبِلًا ) لَا نَقْدًا كَالدِّيَةِ ، وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِبِلِ فَقَالَ فِي إذْهَابِ الْعُذْرَةِ فَيُقَالُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنْ قِيلَ الْعُشْرُ وَجَبَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ، وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ ، حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قَالَ ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ .
انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْغَرَضِ .
( وَلَا يَبْلُغُ ) الْحَاكِمُ ( بِحُكُومَةِ طَرَفٍ أَرْشَهُ ) الْمُقَدَّرَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لِئَلَّا تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعُضْوِ مَعَ بَقَائِهِ مَضْمُونَةً بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْعُضْوُ نَفْسُهُ فَتُنْتَقَصُ حُكُومَةُ
الْأُنْمُلَةِ بِجُرْحِهَا أَوْ قَطْعِ ظُفُرِهَا عَنْ دِيَتِهَا ، وَحُكُومَةُ جِرَاحَةِ الْأُصْبُعِ بِطُولِهِ عَنْ دِيَتِهِ ( ، وَلَا ) يَبْلُغُ ( بِمَا ) أَيْ بِحُكُومَةِ مَا ( دُونَ الْجَائِفَةِ ) مِنْ الْجِرَاحَاتِ عَلَى الْبَطْنِ أَوْ نَحْوِهِ ( الْجَائِفَةُ ) أَيْ أَرْشَهَا ( وَلَا بِنَحْوِ ) أَيْ بِحُكُومَةِ نَحْوِ ( الصُّلْبِ وَالسَّاعِدِ ، وَ ) سَائِرِ ( مَا لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ) مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالظَّهْرِ وَالْكَتِفِ ( دِيَةَ النَّفْسِ ) ، وَإِنْ بَلَغَتْ أَرْشَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ السَّاعِدُ كَالْكَفِّ حَتَّى لَا يَبْلُغَ بِحُكُومَةِ جُرْحِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْأَصَابِعَ دُونَ السَّاعِدِ وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ فِي لَقْطِ الْأَصَابِعِ ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ الْمَرْفِقِ لَزِمَهُ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةُ السَّاعِدِ ( وَلَوْ بَلَغَ بِحُكُومَةِ كَفٍّ دِيَةَ أُصْبُعٍ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا دَفْعًا وَاحْتِوَاءً يَزِيدُ عَلَى مَنْفَعَةِ أُصْبُعٍ ، وَكَمَا أَنَّ حُكُومَةَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ الْيَدِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةُ أُصْبُعٍ ، وَأَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا ( فَإِنْ بَلَغَتْ حُكُومَةُ الْعُضْوِ أَرْشَهُ ) الْمُقَدَّرَ ( نَقَصَ الْحَاكِمُ ) شَيْئًا مِنْهَا ( بِاجْتِهَادِهِ ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ ( وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ ) قَالَ الْإِمَامُ : وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقَلُّهُ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا أَوْ صَدَاقًا أَيْ فَيَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْحُكُومَاتِ ) .
لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ شَرَعَ فِيمَا لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فَإِنَّ وَاجِبَهُ الْحُكُومَةُ ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْ الدِّيَةِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ ؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا ، وَإِذَا تَقَدَّرَتْ الْحُكُومَةُ بِاجْتِهَادِ حَاكِمٍ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ حُكْمًا مُقَدَّرًا فِي كُلِّ أَحَدٍ بِخِلَافِ مَا أُورِدَ فِي تَقْدِيرِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَالْفَرْقُ قُصُورُ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ عَنْ النَّصِّ ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْنَ مُعْتَبَرٌ فِي الِاجْتِهَادِ ، وَهُوَ يَقِلُّ فِي شَخْصٍ وَيَكْثُرُ فِي آخَرَ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إبِلًا ) مَحَلُّ اعْتِبَارِ الْإِبِلِ فِي الْحُكُومَةِ وَالتَّقْوِيمُ بِهَا إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْحُرِّ أَمَّا الْحُكُومَةُ الْوَاجِبَةُ لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيهَا النَّقْدَ قَطْعًا وَكَذَا التَّقْوِيمُ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ كَالدِّيَةِ فس قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَبْلُغُ بِمَا دُونَ الْجَائِفَةِ الْجَائِفَةَ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا بُدَّ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ تَسَاوِي الْجِنَايَتَيْنِ الْمُتَفَاوِتَتَيْنِ كَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ إذَا فُرِضَ النَّقْصُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْعُشْرِ فَتَنْقُصُ حُكُومَتُهُمَا عَنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْلُغَا أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَيَكُونُ النَّقْصُ فِي السِّمْحَاقِ أَقَلَّ قَالَ : وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الزَّكَاةِ قَرِيبًا مِنْهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَا بِنَحْوِ الصُّلْبِ وَالسَّاعِدِ وَسَائِرِ مَا لَيْسَ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ دِيَةُ النَّفْسِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا مُحَالٌ فَكَيْفَ يَصِلُ جُزْءُ الشَّيْءِ إلَى تَمَامِهِ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَهَذَا مُحَالٌ فَمَا مِنْ حَيٍّ إلَّا ، وَلَهُ قِيمَةٌ وَبِتَقْدِيرِ فَرْضِ أَنَّهُ لَا
قِيمَةَ لَهُ يَبْقَى قَوْلُهُ : جُزْءٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَكَانَ يُقَالُ : وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الْجُزْءِ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْصِ عَنْ الدِّيَةِ ، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ هَذَا لَوْ كَانَتْ الْحُكُومَةُ مُجَرَّدَ اجْتِهَادٍ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ .
ا هـ .
إنَّمَا ذَكَرُوهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ لَا يَبْلُغَ أَرْشُ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ قِيَاسًا عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَائِهِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي الْأُمِّ فَأَمَّا الضِّلْعُ إذَا كُسِرَ ، وَجُبِرَ فَلَا يَبْلُغُ دِيَةَ جَائِفَةٍ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَصِيرَ مِنْهُ جَائِفَةٌ .
ا هـ .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجُرْحَ عَلَى الْبَطْنِ يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهِ مَا يُنْقَصُ عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَرْشَ الْجَائِفَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ ( قَوْلُهُ : دِيَةُ النَّفْسِ ) مُرَادُهُمْ بِذِكْرِهِ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ بُلُوغُهَا أَرْشَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ ، وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
( فَصْلٌ : وَيُقَوَّمُ ) الْمَجْرُوحُ لِمَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ ( مُنْدَمِلًا ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ قَدْ يَسْرِي إلَى النَّفْسِ أَوْ إلَى مَا يَكُونُ وَاجِبُهُ مُقَدَّرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبَ لَا الْحُكُومَةَ ( وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ ) بِالْجُرْحِ بَعْدَ انْدِمَالِهِ شَيْءٌ مِنْ مَنْفَعَةٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ قِيمَةٍ كَقَلْعِ سِنٍّ أَوْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ ( فَأَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ ) يُعْتَبَرُ ( وَهَكَذَا إلَى حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ ) حَتَّى تَنْقُصَ الْقِيمَةُ بِتَأَثُّرِهَا بِالْخَوْفِ وَالْخَطَرِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ ) بِهِ شَيْءٌ ( فَيُعَزَّرُ فَقَطْ ) إلْحَاقًا لِلْجُرْحِ حِينَئِذٍ بِاللَّطْمِ وَالضَّرْبِ لِلضَّرُورَةِ ( أَمْ يَفْرِضُ الْقَاضِي شَيْئًا ) بِاجْتِهَادِهِ ( وَجْهَانِ ) رُجِّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي .
( وَلَوْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ أَوْ قَلَعَ سِنًّا ) أَوْ أُصْبُعًا ( زَائِدَةً ، وَلَمْ يَنْقُصْ ) بِذَلِكَ شَيْءٌ ( قُدِّرَتْ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( بِلِحْيَةِ عَبْدٍ تُزَيِّنُهُ ) ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى ( وَقُدِّرَتْ السِّنُّ ) أَوْ الْأُصْبُعُ ( زَائِدَةً ، وَلَا أَصْلِيَّةً أَخْلَفَهَا ) أَيْ يُقَوَّمُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ ( ثُمَّ يُقَوَّمُ مَقْلُوعُ ) تِلْكَ الزَّائِدَةِ فَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ تَسُدُّ الْفُرْجَةَ ، وَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ جَمَالٍ ( وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفٌ زَائِدٌ قَدَّرَ الْقَاضِي لِلزَّائِدِ شَيْئًا ) بِاجْتِهَادِهِ ، وَلَا تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يُقَوَّمَ ، وَلَهُ الزَّائِدَةُ بِلَا أَصْلِيَّةٍ ثُمَّ يُقَوَّمُ دُونَهَا كَمَا فَعَلَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ أَوْ تُعْتَبَرُ بِأَصْلِيَّةٍ كَمَا اُعْتُبِرَتْ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ بِلِحْيَةِ الرَّجُلِ وَلِحْيَتُهَا كَالْأَعْضَاءِ الزَّائِدَةِ وَلِحْيَتُهُ كَالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ .
انْتَهَى .
وَيُقَاسُ بِالْأُنْمُلَةِ فِيمَا ذُكِرَ نَحْوُهَا كَالْأُصْبُعِ .
( وَإِنْ ضَرَبَهُ ) بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ لَطَمَهُ ، وَلَمْ يَظْهَرْ ) بِذَلِكَ ( شَيْنٌ فَالتَّعْزِيرُ ) وَاجِبٌ
فَإِنْ ظَهَرَ شَيْنٌ كَأَنْ اسْوَدَّ مَحَلُّ ذَلِكَ أَوْ اخْضَرَّ ، وَبَقِيَ الْأَثَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ ( وَالْعَظْمُ الْمَكْسُورُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إنْ انْجَبَرَ ، وَلَمْ يَبْقَ ) فِيهِ ( أَثَرٌ كَالْجِرَاحِ ) فِيمَا مَرَّ فَيُعْتَبَرُ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ ، وَهُوَ الْغَالِبُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ ( وَإِنْ انْجَبَرَ مُعْوَجًّا فَكَسَرَهُ الْجَانِي لِيَسْتَقِيمَ ) ، وَلَيْسَ لَهُ كَسْرُهُ لِذَلِكَ ( فَحُكُومَةٌ أُخْرَى ) ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ جَدِيدَةٌ ( ، وَفِي إفْسَادِ مَنْبَتِ الشُّعُورِ حُكُومَةٌ ) ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا فِيهِ جَمَالٌ كَاللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ أَمَّا مَا الْجَمَالُ فِي إزَالَتِهِ كَشَعْرِ الْإِبِطِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ التَّعْزِيرُ وَاجِبًا فِيهِ لِلتَّعَدِّي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ هُنَا ، وَفِي الضَّابِطِ الْآتِي يَقْتَضِي وُجُوبَهَا ( لَا فِيهَا ) أَيْ الشُّعُورِ أَيْ لَا حُكُومَةَ فِي إزَالَتِهَا بِغَيْرِ إفْسَادِ مَنْبَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا ( وَضَابِطُهُ ) أَيْ مَا يُوجِبُ الْحُكُومَةَ ، وَمَا لَا يُوجِبُهَا ( أَنَّ أَثَرَ الْجِنَايَةِ ) مِنْ ضَعْفٍ أَوْ شَيْنٍ ( إنْ بَقِيَ أَوْجَبَ حُكُومَةً ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَالْجِنَايَةُ جُرْحٌ ) أَوْ كَسْرٌ ( فَوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ( أَوْ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٌ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ ( فَلَا شَيْءَ ) فِيهِ مِنْ حُكُومَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَهَكَذَا إلَى حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ ) كَمَا أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ لَمَّا تَعَذَّرَ تَقْوِيمُهُ حَالَ الْعُلُوقِ قُوِّمَ حَالَ الْوَضْعِ ( قَوْلُهُ : رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ الثَّانِي هُوَ الرَّاجِحُ ، وَإِنْ جَزَمَ فِي الْعُبَابِ بِالْأَوَّلِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ ) أَوْ شَارِبَهَا ( قَوْلُهُ : قُدِّرَتْ بِلِحْيَةِ عَبْدٍ ) تُزَيِّنُهُ اللِّحْيَةُ وَيَشِينُهُ زَوَالُهَا كَابْنِ ثَلَاثِينَ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يُقَوَّمُ مَقْلُوعَ تِلْكَ الزَّائِدَةِ ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ أَقْرَبُ أَحْوَالِ النَّقْصِ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا سَبَقَ رَوْضَةٌ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ إلَخْ ) الْفَرْقُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِلَا أُنْمُلَةٍ أَصْلِيَّةٍ يَقْتَضِي أَنْ تَقْرُبَ الْحُكُومَةُ مِنْ أَرْشِ الْأَصْلِيَّةِ لِضَعْفِ الْيَدِ حِينَئِذٍ بِفَقْدِ أُنْمُلَةٍ مِنْهَا ، وَإِنَّ اعْتِبَارَهَا بِأَصْلِيَّةٍ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إجْحَافٌ بِالْجَانِي بِإِيجَابِ شَيْءٍ عَلَيْهِ لَمْ تَقْتَضِهِ جِنَايَتُهُ بِخِلَافِ السِّنِّ وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً ، وَلَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ أَوْ زَادَتْ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَالَاتِ إلَى الِانْدِمَالِ ( قَوْلُهُ : إمَّا مَا الْجَمَالُ فِي إزَالَتِهِ كَشَعْرِ الْإِبِطِ ) أَيْ وَالْعَانَةِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَقَالَ شَيْخُنَا لَا يُقَالُ إزَالَةُ لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ جَمَالٌ لَهَا فَيَقْتَضِي أَنْ لَا حُكُومَةَ فِيهَا ، وَالْجَوَابُ أَنَّ شَعْرَ الْإِبِطِ وَنَحْوَهُ لَا تَكُونُ إزَالَتُهُ إلَّا جَمَالًا لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَأَمَّا لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَنَحْوُهَا فَتَكُونُ جَمَالًا فِي عَبْدٍ يَتَزَيَّنُ بِهَا .
كا ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ اللِّحْيَةَ يُتَزَيَّنُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ ( قَوْلُهُ : أَصَحُّهُمَا وُجُوبُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : الْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ يَتْبَعُ أَرْشَهُ ) بِالنَّصْبِ ( حُكُومَةُ جَوَانِبِهِ ) بِالرَّفْعِ ( كَالْمُوضِحَةِ ) فَلَوْ أَوْضَحَ رَأْسَهُ ، وَبَقِيَ حَوْلَ الْمُوضِحَةِ شَيْنٌ كَتَغَيُّرِ لَوْنٍ وَنُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَارْتِفَاعٍ وَانْخِفَاضٍ تَبِعَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَوْضِعِهِ بِالْإِيضَاحِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ ( وَكَذَا مَا دُونَهَا ) كَالْمُتَلَاحِمَةِ ( إنْ عَرَفَ نِسْبَتَهُ مِنْهَا ) بِأَنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُوضِحَةٌ ( وَأَوْجَبْنَاهُ ) أَيْ مَا اقْتَضَتْهُ النِّسْبَةُ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْحُكُومَةِ فَإِنَّ شَيْنَهُ يَتْبَعُهُ ، وَلَا يَنْفَرِدُ بِحُكُومَةٍ فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْهَا بِأَنْ عَسُرَ تَقْدِيرُ أَرْشِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ جُرْحٌ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَلَا يَتْبَعُهُ شَيْنُهُ فِي الْحُكُومَةِ ؛ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَقْوَى عَلَى الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرِ ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَالْأَنْوَارِ إنَّ شَيْنَ الْجُرْحِ الَّذِي لَا مُقَدَّرَ لَهُ يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ لَكِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي تَصْوِيرِهِ عُسْرٌ فَإِنَّا نَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِهِ سَلِيمًا ثُمَّ جَرِيحًا بِلَا شَيْنٍ فَتَحْصُلُ حُكُومَةٌ ثُمَّ يُقَوَّمُ جَرِيحًا بِشَيْنٍ وَجَرِيحًا بِلَا شَيْنٍ فَتَحْصُلُ حُكُومَةٌ ثَانِيَةٌ ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَوَّمَ سَلِيمًا ثُمَّ جَرِيحًا بِشَيْنٍ ، وَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَعَلَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَيْ فِي الْمِقْدَارِ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِنَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ نَعَمْ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لَوْ عُفِيَ عَنْ إحْدَى الْحُكُومَتَيْنِ فَتَجِبُ الْأُخْرَى ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ : الْأَقْيَسُ عِنْدَنَا إيجَابُ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ جَامِعَةٍ لَهُمَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْمُقَدَّرِ فَعَلَى إيجَابِ حُكُومَتَيْنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْصٍ إذَا نَقَصَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْمُقَدَّرِ ، وَعَلَى إيجَابِ حُكُومَةٍ لَا بُدَّ مِنْ النَّقْصِ ( فَإِنْ تَعَدَّى شَيْنُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ عَنْ مَحَلِّهِ إلَى
الْقَفَا ) أَوْ الْوَجْهِ ( فَوَجْهَانِ ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَارِزِيُّ عَدَمَ التَّبَعِيَّةِ لِتَعَدِّيهِ مَحَلَّ الْإِيضَاحِ ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ يُشِيرُ إلَيْهِ ( وَلَوْ أَوْضَحَ جَبِينَهُ فَأَزَالَ حَاجِبَهُ فَالْأَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ ) لِلشَّيْنِ ، وَإِزَالَةِ الْحَاجِبِ ( وَ ) سُنَّ ( أَرْشُ الْمُوضِحَةِ ) يَجِبُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا ذُكِرَ .
( وَلَوْ جَرَحَهُ عَلَى بَدَنِهِ ) جِرَاحَةً ( وَبِقُرْبِهَا جَائِفَةٌ قُدِّرَتْ بِهَا ، وَلَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْقِسْطِ وَالْحُكُومَةِ ) كَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهَا مُوضِحَةٌ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : الْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ يَتْبَعُ أَرْشَهُ إلَخْ ) أَمَّا غَيْرُ الْمُقَدَّرِ فَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ جِرَاحَاتِ الْبَدَنِ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهَا بِجَائِفَةٍ بِقُرْبِهَا فَالْأَرْجَحُ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ قِسْطِ أَرْشِ الْجَائِفَةِ وَالْحُكُومَةِ كَمَا مَرَّ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ زَادَ الْقِسْطُ فَالشَّيْنُ تَابِعٌ أَوْ الْحُكُومَةُ فَقَدْ وَفَّيْنَا حَقَّ الشَّيْنِ ، وَهَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَمُقْتَضَاهُمَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْإِفْرَادِ ( قَوْلُهُ : إنْ عُرِفَ نِسْبَتُهُ مِنْهَا ) فَإِنْ شَكَّ فِي قَدْرِهَا أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ ( قَوْلُهُ : صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَارِزِيُّ ) أَيْ وَالْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ التَّبَعِيَّةِ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَمِيلُ إلَيْهِ ) ، وَهُوَ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ ؛ لِأَنَّ الْإِيضَاحَ لَوْ نَزَلَ إلَى الْقَفَا أَوْ الْوَجْهِ لَتَعَدَّدَ الْأَرْشُ فَانْتَفَتْ عِلَّةُ الِاسْتِتْبَاعِ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ ) فَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ قِيمَةٌ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ كَمَا مَرَّ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ نَفْسِهِ مِمَّا لَا مُقَدَّرَ لَهُ ( مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ سَلِيمًا ) ؛ لِأَنَّا نُشَبِّهُ الْحُرَّ فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَبْدِ لِيُعْرَفَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ لِيُرْجَعَ بِهِ فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْلَى ( فَإِذَا قُطِعَ ) مِنْهُ ( مَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ ) أَيْ يَجِبُ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهَا كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ فِي الْحُرِّ إلَى الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُ أَطْرَافِهِ كَالْحُرِّ ( فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ) ، وَفِي يَدَيْهِ قِيمَتُهُ ( وَفِي ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ قِيمَتَاهُ ، وَإِذَا قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِنْ قَطَعَ الْأُخْرَى آخَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ ، وَقَدْ نَقَصَ مِائَتَيْنِ لَزِمَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَنِصْفُ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ ) يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ مِائَتَانِ ، وَخَمْسُونَ ( لِأَنَّ الْجِنَايَةَ ) الْأُولَى ( لَمْ تَسْتَقِرَّ ) بَعْدُ حَتَّى يَنْضَبِطَ النُّقْصَانُ ( وَقَدْ أَوْجَبْنَا ) بِهَا ( نِصْفَ الْقِيمَةِ فَكَأَنَّهُ انْتَقَصَ نِصْفُهَا فَإِنْ مَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا ) أَيْ الْجِنَايَتَيْنِ ( وَالْجَانِي وَاحِدٌ فَكَقَطْعِهِ إيَّاهُمَا مَعًا ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَسْرِ جِنَايَتَاهُ فَكَمَا لَوْ قَطَعَهُ اثْنَانِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ ) مَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا وَالْجَانِي ( هُوَ وَآخَرُ ) بِأَنْ جَنَى هُوَ عَلَى يَدٍ وَالْآخَرُ عَلَى الْأُخْرَى ( فَكَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ .
وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ حَزَّهُ آخَرُ لَزِمَهُ ) أَيْ الثَّانِيَ ( قِيمَتُهُ بِلَا يَدٍ ) ، وَلَزِمَ الْأَوَّلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ ، وَيُفَارِقُ الْحُرَّ حَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فُقْدَانُ الْأَطْرَافِ فِي بَدَلِهِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي بَدَلِ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ ، وَبَدَلُ الْحُرِّ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ لَا
يَخْتَلِفُ ؛ وَلِأَنَّ فَقْدَ بَعْضِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ يُؤَثِّرُ فِي بَدَلِ أَطْرَافِهِ لِتَأْثِيرِهِ فِي نُقْصَانِ بَدَلِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْحُرِّ .
( قَوْلُهُ : الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ ) أَيْ الْمَعْصُومِ ( قَوْلُهُ : وَفِيهَا مَا نَقَضَ مِنْ قِيمَتِهِ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَكُونُ فِي طَرَفِهِ نِصْفُ مَا فِي طَرَفِ الْحُرِّ وَنِصْفُ مَا فِي طَرَفِ الْعَبْدِ فَفِي يَدِهِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَرُبْعُ الْقِيمَةِ ، وَفِي أُصْبُعِهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِيمَا زَادَ مِنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ نَقَصَ ( قَوْلُهُ : فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ ) لَوْ قَطَعَ الْغَاصِبُ أَوْ نَحْوُهُ يَدَهُ مَثَلًا وَنَقَصَ بِذَلِكَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ فَقَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نَقْصِ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ وَبَيَّنَّا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْشِ بِسَبَبِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَقَدْ يُغْفَلُ عَنْهُ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ، وَقَطَعَ يَدَيْهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُقَابِلَ الْيَدَيْنِ تَمَامَ الْقِيمَةِ ، وَلَوْ فَعَلْنَا هَذَا لَجَعَلَنَا الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِجَمِيعِ الْمَبِيعِ ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ الْقَوْلُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَبْدِ فِي يَدِ بَائِعِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِي ذَلِكَ إلَّا اعْتِبَارُ النُّقْصَانِ
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ ، وَحُكْمِ السِّحْرِ ، وَفِيهِ خَمْسَةُ أَطْرَافٍ ) .
( الْأَوَّلُ فِي السَّبَبِ الْمُؤَثِّرِ وَغَيْرِهِ ) ، وَلَوْ عِلَّةً أَوْ شَرْطًا ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَرَاتِبَ الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ أَثَرٌ فِي الْهَلَاكِ ثَلَاثَةٌ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ ( وَالضَّابِطُ ) فِيمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، وَمَا لَا يُؤَثِّرُ ( أَنْ يَحْصُلَ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ أَوْ ) صَوَابُهُ إنْ ( كَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْهَلَاكِ فَهُوَ كَالْهَلَاكِ ) بِحَذْفِ مُضَافٍ وَزِيَادَةِ الْكَافِ أَيْ فَهُوَ عِلَّةُ الْهَلَاكِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْهَلَاكِ ( وَفِيهِ الدِّيَةُ ، وَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ ) فِي الْهَلَاكِ ( بَلْ يُوجِبُ الْهَلَاكَ ) بِأَنْ يَتَوَقَّفَ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الْهَلَاكِ عَلَيْهِ ( كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي تَعَلَّقَتْ بِهِ الدِّيَةُ أَيْضًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ ) ذَلِكَ عَلَيْهِ ( فَالْمَوْتُ عِنْدَهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا شَيْءَ فِيهِ ، وَلَا أَثَرَ لِصَفْعَةٍ خَفِيفَةٍ مَاتَ مَعَهَا ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْهَلَاكِ ( وَلَوْ قَصَدَ صَغِيرًا ) غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ ضَعِيفِ التَّمْيِيزِ ( أَوْ مَجْنُونًا أَوْ نَائِمًا أَوْ امْرَأَةً ضَعِيفَةً بِتَهَدُّدٍ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِتَهْدِيدٍ شَدِيدٍ ( أَوْ سِلَاحٍ أَوْ صِيَاحٍ ) أَيْ شَدِيدٍ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ ( فَجُنَّ أَوْ ارْتَعَدَ فَسَقَطَ مِنْ ) طَرَفِ ( سَطْحٍ ) أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهَا ، وَمَاتَ مِنْهُ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَانَةِ ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَتَأَثَّرُونَ بِذَلِكَ ( لَا عَمْدٌ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ ، وَلَا عَمْدٌ ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ بِذَلِكَ لَيْسَ غَالِبًا سَوَاءٌ أَغَافَصَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَمْ وَاجَهَهُ أَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَمَا ذُكِرَ بِمُدَّةٍ بِلَا تَأَلُّمٍ أَوْ عَقِبَهُ بِلَا سُقُوطٍ أَوْ بِسُقُوطٍ بِلَا ارْتِعَادٍ فَلَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَالتَّقْيِيدُ بِالِارْتِعَادِ كَأَنَّهُ لُوحِظَ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ السُّقُوطِ
بِالصِّيَاحِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ) بِذَلِكَ كَأَنْ قَصَدَ بِهِ صَيْدًا فَارْتَعَدَ بِهِ صَبِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ ، وَمَاتَ مِنْهُ ( فَخَطَأٌ ) تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ ( وَلَوْ كَانَ ) الصَّغِيرُ أَوْ نَحْوُهُ ( عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ بِالصَّيْحَةِ ) أَوْ نَحْوِهَا ( أَوْ كَانَ بَالِغًا أَوْ مُرَاهِقًا مُتَيَقِّظًا وَسَقَطَ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ فَسَقَطَ ( مِنْ السَّطْحِ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِمْ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ مُتَدَافِعٌ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ فِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَفِي الثَّانِي بِالْمُرَاهِقِ الْمُتَيَقِّظِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُرَاهِقِ .
( فَرْعٌ : لَوْ طَلَبَهَا السُّلْطَانُ أَوْ كَاذِبٌ عَلَيْهِ لِعُقُوبَةٍ ) أَوْ لِغَيْرِهَا كَإِحْضَارِ وَلَدِهَا ، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَهَا عِنْدَهُ بِسُوءٍ شَرْطٌ ( أَوْ تَهَدَّدَهَا غَيْرُهُ فَأَجْهَضَتْ ) أَيْ أَلْقَتْ ( جَنِينًا ) فَزَعًا مِنْهُ ( وَجَبَ ضَمَانُهُ ) بِغُرَّةٍ مُغَلَّظَةٍ عَلَى عَاقِلَةِ الطَّالِبِ ( لَا ضَمَانُ ثِيَابٍ أَفْسَدَهَا حَدَثٌ ) خَرَجَ مِنْهُ فَزَعًا مِمَّنْ ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقِصْهُ جَمَالًا ، وَلَا مَنْفَعَةً ( وَلَا إنْ مَاتَتْ ) أَيْ الْحَامِلُ أَوْ غَيْرُهَا ( بِتَهْدِيدِ الْإِمَامِ ) أَوْ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتْ بِالْإِجْهَاضِ .
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ وَحُكْمِ السِّحْرِ ) ( قَوْلُهُ : صَوَابُهُ إنْ كَانَ ) هُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ ( قَوْلُهُ : بِحَذْفِ مُضَافٍ وَزِيَادَةِ الْكَافِ ) لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْهَلَاكِ ، وَهُوَ السَّبَبُ فَهُوَ كَالْهَلَاكِ أَيْ الْمُبَاشَرَةِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ طَلَبَ أَرْمَدُ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تُدَاوِيَ عَيْنَهُ فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ لَمْ تَضْمَنْ إنْ كَحَّلَتْهُ بِكُحْلٍ أَذِنَ لَهَا فِيهِ أَوْ دَاوَتْهُ بِدَوَاءٍ أَذِنَ فِيهِ بِعَيْنِهِ ، وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الضَّمَانُ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَجْنُونًا ) أَيْ أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ مُوَسْوِسًا أَوْ مَصْعُوقًا أَوْ مَذْعُورًا ( قَوْلُهُ : أَوْ سِلَاحٍ ) أَيْ عَلَى بَصِيرٍ يَرَاهُ ( قَوْلُهُ : أَوْ صِيَاحٍ ) شَمِلَ مَا لَوْ تَعَدَّى الصَّبِيُّ بِدُخُولِهِ إلَى مِلْكِ الصَّائِحِ ( قَوْلُهُ : فَجُنَّ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْجُنُونَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ارْتِعَادٌ ، وَلَا سُقُوطٌ حَيْثُ عُلِمَ زَوَالُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ ( قَوْلُهُ : أَوْ ارْتَعَدَ فَسَقَطَ إلَخْ ) لَوْ ذَهَبَ بِذَلِكَ مَشْيُ رِجْلَيْهِ أَوْ بَطْشُ يَدَيْهِ أَوْ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ مَضْمُونٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الِارْتِعَادَ وَالصَّائِحُ عَدَمَهُ صُدِّقَ الصَّائِحُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِارْتِعَادِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ نَحْوِهَا ) كَحَفِيرٍ أَوْ حَبْلٍ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالِارْتِعَادِ إلَخْ ) قَيْدًا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَكَذَا الْحَاوِي الصَّغِيرُ ضَمَانُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ بِطَرَفِ سَطْحٍ أَوْ بِئْرٍ بِمَا إذَا ارْتَعَدَ وَسَقَطَ ، وَمَاتَ فَاقْتَضَى عَدَمَهُ إنْ لَمْ يَرْتَعِدْ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ وَغَيْرُهُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ : وَاسْتَبْعَدَهُ ، وَقَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْقَيْدِ ، وَلَعَلَّهُ مُلَازِمٌ لِهَذِهِ الْحَالَةِ ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ الْمِنْهَاجُ فِي مَسْأَلَةِ الصِّيَاحِ عَلَى صَيْدٍ ، قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ هُنَا أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُرَاهِقِ إنْ قَوِيَ تَمْيِيزُهُ ) قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ : وَقَوْلُهُ لَا يُمَيِّزُ مُقَابِلُهُ قَوْلُهُ : بَعْدُ ، وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ .
ا هـ .
وَقَالَ الْإِمَامُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ أَوْ كَانَ ضَعِيفَ التَّمْيِيزِ بِحَيْثُ يَبْعُدُ مِنْهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ ( قَوْلُهُ : إنْ قَوِيَ تَمْيِيزُهُ ) هَذَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ ( قَوْلُهُ : فَرْعٌ لَوْ طَلَبَهَا السُّلْطَانُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْجَلَّادِ أَنَّ رَسُولَ الْإِمَامِ لَوْ عَلِمَ ظُلْمَهُ أَوْ خَطَأَهُ لَمْ تَضْمَنْ عَاقِلَةُ الْإِمَامِ وَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالرَّسُولِ فَإِنْ وُجِدَ إكْرَاهٌ فَعَلَيْهِمَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ عِنْدَهُ بِسُوءٍ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ طَلَبَهَا فِي دَيْنٍ فَأَسْقَطَتْ ضَمِنَ إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً لِتَعَدِّيهِ أَوْ غَيْرَ مُخَدَّرَةٍ لَكِنَّهُ يُخَافُ مِنْ سَطَوْته ، وَهِيَ غَيْرُ مُخَدَّرَةٍ فَلَا ضَمَانَ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ هِيَ حَامِلٌ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ يَفْعَلُهُ ، وَهُوَ حَسَنٌ قُلْت وَلِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْقَصَصِ الَّتِي يَطْلُبُ فِيهَا الْأَعْدَاءُ عَلَى امْرَأَةٍ ، وَهِيَ بَرْزَةٌ غَيْرُ حَامِلٍ فَهُوَ احْتِيَاطٌ حَسَنٌ .
ع ( قَوْلُهُ : خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ أَصْلِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَعَلَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ بِذِكْرِ السُّوءِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى التَّضْمِينِ جَوْرًا مِنْ بَابٍ أَوْلَى .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً بِالزِّنَا فَمَاتَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا ، وَلَوْ جَهَضَتْ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهَا تُسْقِطُ مِنْ ذَاعِرِ الْقَذْفِ ، وَلَا تَمُوتُ مِنْهُ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَا يَغْلِبُ ) مِنْ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ إذَا اجْتَمَعَا مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ( فَالْعِلَّةُ ) ، وَهِيَ الْمُبَاشَرَةُ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الشَّرْطِ ( تَغْلِبُ الشَّرْطَ إنْ كَانَتْ عُدْوَانًا كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا ) ، وَلَوْ عُدْوَانًا ( فَرَدَّى غَيْرُهُ فِيهَا إنْسَانًا ) عُدْوَانًا ( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ) أَيْ الْعِلَّةُ ( عُدْوَانًا كَجَاهِلٍ تَرَدَّى ) فِيهَا فَمَاتَ ( فَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ عُدْوَانًا فَدِيَةُ خَطَأٍ ) تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ ( وَإِلَّا فَلَا ) ضَمَانَ .
( فَرْعٌ : لَوْ أَلْقَى صَبِيًّا فِي مَسْبَعَةٍ ) أَيْ مَوْضِعِ السِّبَاعِ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ ( لَمْ يَضْمَنْ ) هـ ( وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الِانْتِقَالِ ) كَمَا عُلِمَ بِزِيَادَةٍ مِمَّا مَرَّ فِي أَوَائِلِ الْجِنَايَاتِ فِي فَصْلِ أَنْهَشَهُ حَيَّةً ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْبَالِغِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّبِيَّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ لَوْ أَلْقَى صَبِيًّا ) أَيْ حُرًّا
( وَلَوْ تَبِعَ رَجُلًا بِالسَّيْفِ ، وَكَذَا صَبِيًّا مُمَيِّزًا ) فَوَلَّى هَارِبًا ( فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي مُهْلَكٍ ) كَنَارٍ أَوْ مَاءٍ ( عَالِمًا ) بِهِ ( لَا جَاهِلًا ) فَهَلَكَ ( أَوْ لَقِيَهُ سَبُعٌ ) فِي طَرِيقِهِ ( فَقَتَلَهُ ، وَلَمْ يُلْجِئْهُ إلَيْهِ بِمَضِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ ) هـ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى بَاشَرَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ قَصْدًا ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيمَا كَانَ يَحْذَرُ مِنْ تَابِعِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَقَتَلَهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ التَّابِعِ إهْلَاكٌ ، وَمُبَاشَرَةُ السَّبُعِ الْعَارِضَةُ كَعُرُوضِ الْقَتْلِ عَلَى إمْسَاكِ الْمُمْسِكِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ الْمُلْقِي نَفْسَهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ جَاهِلًا بِالْمُهْلِكِ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ تَغْطِيَةِ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَلْجَأَهُ إلَى السَّبُعِ بِمَضِيقٍ ( ضَمِنَ ) هـ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَ نَفْسِهِ ، وَقَدْ أَلْجَأَهُ التَّابِعُ إلَى الْهَرَبِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ مُمَيِّزًا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ انْخَسَفَ السَّقْفُ بِالْهَارِبِ لَا الْمُلْقِي ) أَيْ لَا بِالْمُلْقِي ( نَفْسَهُ ) عَلَيْهِ مِنْ عُلُوٍّ ( ضَمِنَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْهَرَبِ ، وَأَلْجَأَهُ إلَيْهِ مُفْضِيًا إلَى الْهَلَاكِ مَعَ جَهْلِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ بِبِئْرٍ مُغَطَّاةٍ بِخِلَافِ الْمُلْقِي نَفْسَهُ عَلَيْهِ إذَا انْخَسَفَ بِثِقَلِهِ لَا بِضَعْفِ السَّقْفِ ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ .
قَوْلُهُ : فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ إلَخْ ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ ، وَقَوْلُهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ ظُلْمَةٍ ) أَيْ ظُلْمَةِ الْمَكَانِ أَوْ اللَّيْلِ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قَصْدًا أَرَدْنَا بِهِ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا بُنِيَ عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ أَمْ خَطَأٌ إنْ قُلْنَا خَطَأٌ ضَمِنَهُمَا الْمُتَّبِعُ كَمَا لَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ جَاهِلًا ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا أَطْلَقَاهُ هُنَا ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ فِيمَنْ لَهُ تَمْيِيزٌ مِنْهُمَا أَمَّا مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَصْلًا فَلَا عَمْدَ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ الْحَقُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَجْنُونِ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ
( وَلَوْ عَلَّمَ وَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( صَبِيًّا ) ، وَلَوْ مُرَاهِقًا ( السِّبَاحَةَ ) أَيْ الْعَوْمَ ( أَوْ الْفِرَاسَةَ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ لُغَةً فِي الْفُرُوسَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ كَمَا مَرَّ ( فَهَلَكَ فَشِبْهُ عَمْدٍ ) فَتَلْزَمُهُ دِيَتُهُ ( كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ تَأْدِيبًا ) إذَا هَلَكَ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ هَلَكَ بِإِهْمَالِهِ قَالَ فِي الْوَسِيطِ : وَلَوْ قَالَ لَهُ اُدْخُلْ الْمَاءَ فَدَخَلَ مُخْتَارًا فَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَا يَضْمَنُ الْحُرُّ بِالْيَدِ وَالصَّبِيُّ مُخْتَارٌ ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْحِفْظِ .
انْتَهَى .
( وَإِنْ أَدْخَلَهُ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ فَكَمَا لَوْ خَتَنَهُ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَلَّمَ وَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ صَبِيًّا السِّبَاحَةَ ) وَكَالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ آنِفًا ش أَمَّا لَوْ سَلَّمَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَهُمَا شَرِيكَانِ وَكَتَبَ أَيْضًا إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا ، وَإِلْقَائِهِ فِي الْمَسْبَعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْخَطَرَ فِيهِ أَكْثَرُ ، وَهُنَا الْخَطَرُ قَلِيلٌ ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ ؟ .
قِيلَ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُهْلِكٌ بِالتَّفْرِيطِ مِنْ السَّبَّاحِ ، وَلَيْسَتْ الْمَسْبَعَةُ نَفْسُهَا مُهْلِكَةً لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ ( قَوْلُهُ : فَشِبْهُ عَمْدٍ ) مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ السَّبَّاحِ تَقْصِيرٌ فَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ عَمْدًا فَغَرِقَ وَجَبَ الْقِصَاصُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْحِفْظِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدْخَلَهُ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ فَكَمَا لَوْ خَتَنَهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا يَتَّضِحُ التَّشْبِيهُ إذَا كَانَ فِي إدْخَالِهِ الْمَاءَ لِيَعْبُرَ بِهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ لَا إنْ كَانَ عَبَثًا وَسَيَأْتِي عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي إرْكَابِ الْوَلِيِّ الصَّبِيَّ الدَّابَّةَ ، وَمُصَادَمَتِهِ مَا يَقْتَضِي تَفْصِيلًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَهُ .
( وَإِنْ سَلَّمَ الْبَالِغُ ) الْعَاقِلُ ( نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ ) لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ فَغَرِقَ ( هَدَرٌ ) لِاسْتِقْلَالِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ ، وَلَا يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَلَّمَ الْبَالِغُ نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ هَدَرٌ ) حَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ السَّبَّاحُ كَمَا قَالَ فِي الصَّبِيِّ قَالَ فَأَمَّا لَوْ رَفَعَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُغْرِقِ عَمْدًا فَغَرِقَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ بَلْ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَغْرَقَهُ ، وَقَوْلُهُ حَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا وَغَيْرِهِ .
( حَفْرُ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ ) فِي ( مُشْتَرَكٍ ) فِيهِ بَيْنَ الْحَافِرِ وَغَيْرِهِ ( بِلَا إذْنٍ عُدْوَانٌ ) فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ لِتَعَدِّي الْحَافِرِ بِخِلَافِ حَفْرِهَا بِالْإِذْنِ ، وَحَفْرُهَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ ( وَرِضَاهُ بِاسْتِبْقَائِهَا ) أَيْ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ عُدْوَانًا ( كَالْإِذْنِ فِي حَفْرِهَا ) فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ ( وَلَا يُفِيدُهُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِالْإِذْنِ ) أَيْ فِيهِ ( بَعْدَ التَّرَدِّي ) فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ حَفَرَ بِإِذْنِي لَمْ يُصَدَّقْ وَاحْتَاجَ الْحَافِرُ إلَى بَيِّنَةٍ بِإِذْنِهِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : حَفْرُ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إلَخْ ) لَوْ حَفَرَ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْعُمْقِ فَعَمَّقَهَا غَيْرُهُ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِمَا بِالسَّوِيَّةِ كَالْجِرَاحَاتِ ( قَوْلُهُ : فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِهِ ) لَوْ كَانَ الْحَافِرُ عَبْدًا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَوْضِعَ التَّضْمِينِ فِي التَّعَدِّي مَا إذَا تَجَدَّدَ التَّرَدِّي لِلْهَلَاكِ فَلَوْ تَرَدَّتْ بَهِيمَةٌ ، وَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ ثُمَّ مَاتَتْ جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ لِحُدُوثِ سَبَبٍ آخَرَ كَمَا لَوْ حَبَا سَبُعٌ فَافْتَرَسَهَا مِنْ الْبِئْرِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الطَّرَفِ الرَّابِعِ .
( قَوْلُهُ : وَرِضَاهُ بِاسْتِيفَائِهَا ) كَأَنْ مَنَعَهُ مِنْ طَمِّهَا ( قَوْلُهُ : كَالْإِذْنِ فِي حَفْرِهَا ) وَكَذَا لَوْ مَلَكَ تِلْكَ الْبُقْعَةَ .
( وَلَوْ تَعَدَّى بِدُخُولِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَهَلَكَ يَضْمَنُهُ الْحَافِرُ ) لِتَعَدِّيهِ أَوَّلًا لِتَعَدِّي الْوَاقِعِ فِيهَا بِالدُّخُولِ ( وَجْهَانِ ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِيَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي دُخُولِهَا فَإِنْ عَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ ، وَإِلَّا فَهَلْ يَضْمَنُ الْحَافِرُ أَوْ الْمَالِكُ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَى الْحَافِرِ .
( قَوْلُهُ : وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ فَإِنْ كَانَ لَيْلًا أَوْ عَمِيَ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا وَبَصِيرًا فَلَا ضَمَانَ ( قَوْلُهُ : صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِيَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ ) قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ مُعْتَمَدٌ فِي الْأُولَى دُونَ هَذِهِ إذْ الْأَرْجَحُ فِيهَا ضَمَانُ الْحَافِرِ لَا الْمَالِكِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( حَفَرَ بِئْرًا فِي شَارِعٍ ضَيِّقٍ ) يَتَضَرَّرُ النَّاسُ بِالْبِئْرِ فِيهِ ( ضَمِنَ ) مَا هَلَكَ بِهَا ( وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ ) فِيهِ ، وَلَيْسَ لَهُ الْإِذْنُ فِيمَا يَضُرُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ( وَلَهُ حَفْرُهَا فِي ) الشَّارِعِ ( الْوَاسِعِ ) سَوَاءٌ الْمُنْعَطِفُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ ( لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ) كَالْحَفْرِ لِلِاسْتِقَاءِ أَوْ لِاجْتِمَاعِ مَاءِ الْمَطَرِ ( فَلَا ضَمَانَ ) لِمَا يَهْلِكُ بِهَا ( وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ ) فِيهِ ( الْإِمَامُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، وَقَدْ تَعْسُرُ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فِيهِ ، نَعَمْ إنْ نَهَاهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ ، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَحْكَمَ رَأْسَهَا فَإِنْ لَمْ يُحْكِمْهَا وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً ضَمِنَ مُطْلَقًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَكَذَا ) لَهُ حَفْرُهَا فِي ذَلِكَ ( لِنَفْسِهِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ ( وَ ) لَكِنَّهُ ( يَضْمَنُ ) مَا هَلَكَ بِهَا لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ ( إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ ) أَيْ حَفَرَهَا أَوْ رَضِيَ بِاسْتِبْقَائِهَا فَلَا ضَمَانَ إذْ لَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ النَّاسِ بِقِطْعَةٍ مِنْ الشَّارِعِ حَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ لَهُ الْحَفْرَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَ ) حَفْرُهَا ( فِي الْمَوَاتِ لِلِاسْتِقَاءِ ) مِنْهَا أَوْ لِلتَّمَلُّكِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَا يَضْمَنُ ) ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ كَالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ مُسْلِمٍ { الْبِئْرُ جُبَارٌ } أَيْ لَا ضَمَانَ فِيهِ .
قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ نَهَاهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَحْكُمْ رَأْسَهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لَوْ أَحْكَمَ مُحْتَسِبٌ رَأْسَهَا ثُمَّ جَاءَ ثَالِثٌ ، وَفَتَحَهُ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ كَمَا لَوْ طَمَّهَا فَجَاءَ آخَرُ وَحَفَرَهَا ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ .
( وَإِنْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ ) لَوْ مُتَعَدِّيًا كَأَنْ حَفَرَ فِيهِ ، وَهُوَ مُؤَجَّرٌ أَوْ مَرْهُونٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنِ ( وَدَخَلَ رَجُلٌ دَارِهِ بِالْإِذْنِ ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ هُنَا بِئْرًا أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَالتَّحَرُّزُ مِنْهَا مُمْكِنٌ ) فَهَلَكَ بِهَا ( لَمْ يَضْمَنْ ) وَذِكْرُ الْمِلْكِ مِثَالٌ ، وَالْمُرَادُ مَا يُسْتَحَقُّ مَنْفَعَتُهُ ، وَلَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ( أَمَّا إذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ بِهَا وَالدَّاخِلُ أَعْمَى أَوْ الْمَوْضِعُ مُظْلِمٌ ) أَيْ أَوْ الْبِئْرُ مُغَطَّاةٌ ( فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ دَعَاهُ إلَى طَعَامٍ مَسْمُومٍ ) فَأَكَلَهُ فَيَضْمَنُ ( فَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ ) ، وَدَعَا إلَيْهِ إنْسَانًا فَهَلَكَ بِهَا ( فَقَدْ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ ) وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا ثُمَّ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَحْفَرَهَا فِي مِلْكِهِ ) الْمِلْكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ مَنْفَعَتُهُ أَبَدًا بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ كَمِلْكِهِ عَلَى الظَّاهِرِ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ حَفَرَ بِالْحَرَمِ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الصَّيْدَ الْوَاقِعَ فِيهَا ، وَمَا لَوْ حَفَرَهَا وَاسِعَةً فَوْقَ الْعَادَةِ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا ر ( قَوْلُهُ : لَمْ يَضْمَنْ ) ، وَعَلَيْهِ حَمَلُوا حَدِيثَ { الْبِئْرُ جُبَارٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ
( فَرْعٌ : بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي الشَّارِعِ ، وَحَفْرُ بِئْرٍ فِي الْمَسْجِدِ ) وَوَضْعُ ( سِقَايَةٍ عَلَى بَابِ دَارِهِ ) لِيَشْرَبَ النَّاسُ مِنْهَا ( كَالْحَفْرِ فِي الشَّارِعِ فَلَا يَضْمَنُ ) الْهَالِكَ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ ( إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الضَّرَرِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ فَإِنْ بَنَى أَوْ حَفَرَ مَا ذُكِرَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَعُدْوَانٌ إنْ أَضَرَّ بِالنَّاسِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ ، وَلَا تَصِيرُ بِهِ الْبُقْعَةُ بَلْ ، وَلَا الْبِنَاءُ مَسْجِدًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ فَهَلَكَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ ( ، وَلَا يَضْمَنُ بِتَعْلِيقِ قِنْدِيلٍ ، وَفَرْشِ حَصِيرٍ ) أَوْ حَشِيشٍ وَنَصْبِ عُمُدٍ ، وَبِنَاءِ سَقْفٍ وَتَطْيِينِ جِدَارٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ( ، وَيَضْمَنُ ) الْهَلَاكَ ( الْمُتَوَلِّدَ مِنْ جَنَاحٍ خَارِجٍ إلَى شَارِعٍ ) ، وَإِنْ كَانَ إخْرَاجُهُ جَائِزًا بِأَنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ( وَكَذَا ) يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ جَنَاحٍ خَارِجٍ ( إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ ) لَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ ( أَوْ ) إلَى ( مِلْكِ غَيْرٍ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ فِي الْأُولَى ، وَالْمَالِكِ فِي الثَّانِيَةِ .
( وَإِنْ كَانَ ) الْجَنَاحُ ( عَالِيًا ) لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِهِ بِالْإِذْنِ ( وَالدِّيَةُ ) فِي الْحُرِّ وَالْقِيمَةُ فِي الرَّقِيقِ ( عَلَى الْعَاقِلَةِ ) إنْ تَلِفَا بِذَلِكَ ( وَإِنْ تَلِفَ بِهِ مَالٌ ) لَيْسَ بِرَقِيقٍ ( فَفِي مَالِهِ ) يَجِبُ الضَّمَانُ أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ فَهُوَ كَالشَّارِعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا
مِمَّا مَرَّ فِي الصُّلْحِ .
( قَوْلُهُ : كَالْحَفْرِ فِي الشَّارِعِ ) هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا حَفَرَ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُصَلِّينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ) فَإِنْ بَنَى الْمَسْجِدَ لِنَفْسِهِ فَكَالْحَفْرِ لَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا حَفَرَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَعُدْوَانٌ ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُضْمَنُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ جَنَاحٍ إلَخْ ) قَدْ يُفْهَمُ الضَّمَانُ ، وَلَوْ تَوَلَّدَ الْهَلَاكُ مِنْهُ بِغَيْرِ سُقُوطِهِ كَمَا إذَا صَدَمَهُ رَاكِبُ شَيْءٍ عَالٍ أَوْ سَقَطَ حَيَوَانُ كُفَّارٍ وَنَحْوُهُ فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَالَ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالْقِيَاسُ مَا ذَكَرْته ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا إذَا سَقَطَ الْجَنَاحُ أَوْ بَعْضُهُ فَلَوْ تَوَلَّدَ مِنْهُ لَا بِسُقُوطِهِ بِأَنْ صَدَمَهُ رَاكِبُ شَيْءٍ عَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَيَكُونُ كَالْقَاعِدِ فِي الطَّرِيقِ إذَا تَعَثَّرَ بِهِ مَاشٍ ، وَمَاتَ الْمَاشِي ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ إلَخْ ) ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْحَفْرِ بِأَنَّ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي الشَّوَارِعِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ ، وَقَدْ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ ، وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ : إنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ ، وَلَا يَرْغَبُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ أَشْرَعَ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ ثُمَّ وَقَفَ مَا تَحْتَ الْجَنَاحِ شَارِعًا فَلَا ضَمَانَ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ سَبَّلَ أَرْضَهُ الْمُجَاوِرَةَ لِدَارِهِ شَارِعًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ الْإِشْرَاعَ إلَيْهَا ثُمَّ أَشْرَعَ أَنَّهُ
لَا ضَمَانَ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَضَعَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا كَمَا فَعَلُوا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ الضَّمَانُ هُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَيُفَرَّقَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْجَنَاحِ أَغْلَبُ ، وَأَكْثَرُ وَالْحَفْرُ فِي الطَّرِيقِ مِمَّا تَقِلُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ، وَإِذَا كَثُرَ الْجَنَاحُ كَثُرَ تَوَلُّدُ الْهَلَاكِ مِنْهُ فَلَا يُحْتَمَلُ إهْدَارُهُ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَيْسَ الْفَرْقُ بِالْبَيِّنِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَجْنِحَةِ غَلَبَةُ سُقُوطِهَا ، وَلَا حُصُولُ الْهَلَاكِ مِنْهُ بَلْ هُوَ نَادِرٌ وَالتَّعَثُّرُ بِالْبِئْرِ فِي الشَّارِعِ يَكْثُرُ فِي اللَّيْلِ وَالظُّلْمَةِ ، وَمِنْ ضَعِيفِ الْبَصَرِ وَالْأَعْمَى ، وَقَدْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْعَمْدِ بِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ فِي الْجَنَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ ضَمِنَ .
ا هـ .
وَفِي تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ هُنَا أَنَّهُ إذَا أَوْقَفَ دَابَّتَهُ أَوْ رَبَطَهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا ضَمَانَ أَوْ بِدُونِ إذْنِهِ فَفِي الضَّمَانِ قَوْلَانِ ، وَقِيَاسُهُ هُنَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ : أَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ فَهُوَ كَالشَّارِعِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ : لَا يَضْمَنُ ) الْمَالِكُ ( التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ فِي مِلْكِهِ ) أَيْ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ إذْ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ ، وَيَنْجَرَّ إلَى بُطْلَانِ فَائِدَةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ ، وَلَا يَرْغَبُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ ( كَمَنْ نَصَبَ فِيهِ ) أَيْ فِي مِلْكِهِ ( سِكِّينًا ) أَوْ شَبَكَةً ( فَأَهْلَكَتْ ) شَيْئًا ( أَوْ ) وَضَعَ ( جَرَّةً عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ ) لَهُ ( فَسَقَطَتْ بِرِيحٍ أَوْ هَدْمٍ ) لِمَحَلِّهَا ( بِبَلِّهَا ) فَأَهْلَكَتْ شَيْئًا ( أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي مِلْكِهِ فَرَفَسَتْ رَجُلًا ) فَأَهْلَكَتْهُ ( وَلَوْ كَانَ خَارِجَ مِلْكِهِ أَوْ نَجَّسَتْ ثَوْبَهُ ) مَثَلًا ( أَوْ كَسَرَ حَطَبًا فِيهِ ) أَيْ فِي مِلْكِهِ ( فَتَطَايَرَ ) مِنْهُ شَيْءٌ فَأَهْلَكَ شَيْئًا ( أَوْ حَفَرَ ) فِيهِ ( بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً فَتَنَدَّى جِدَارُ جَارِهِ ) فَانْهَدَمَ ( أَوْ غَارَتْ ) بِذَلِكَ ( بِئْرُهُ ) أَيْ مَاؤُهَا ( أَوْ تَغَيَّرَتْ ) فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمُلَّاكَ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ كَمَا مَرَّ فَقَوْلُهُ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ جَوَابُ شَرْطٍ تَقَدَّمَ ( فَإِنْ وَسَّعَ حَفَرَهَا أَوْ قَرَّبَهَا مِنْ الْجِدَارِ ) أَيْ جِدَارِ جَارِهِ ( خِلَافَ الْعَادَةِ أَوْ وَضَعَ فِي أَصْلِ جِدَارِ غَيْرِهِ سِرْجِينًا أَوْ لَمْ يَطْوِ بِئْرَهُ ، وَمِثْلُهَا ) أَيْ مِثْلُ أَرْضِهَا ( يَنْهَارُ ) إذَا لَمْ تُطْوَ ( ضَمِنَ ) مَا هَلَكَ بِذَلِكَ لِتَقْصِيرِهِ .
( قَوْلُهُ : كَمَنْ نَصَبَ فِيهِ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَمَنْ ( قَوْلُهُ : أَوْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ لَهُ فَسَقَطَتْ إلَخْ ) سَيَأْتِي بَيَانُ عَدَمِ الضَّمَانِ بِهَا فِي بَابِ حُكْمِ الصَّائِلِ
( وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ نَارٍ ) أَوْقَدَهَا ( فِي مِلْكِهِ وَطَرَفِ سَطْحِهِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ ( إلَّا إنْ أَوْقَدَ ) هَا ( وَأَكْثَرَ ) فِي الْإِيقَادِ ( خِلَافَ الْعَادَةِ أَوْ ) أَوْقَدَهَا ( فِي ) يَوْمِ رِيحٍ ( عَاصِفٍ ) أَيْ شَدِيدٍ فَيَضْمَنُ كَطَرْحِهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ( إلَّا ) الْأَوْلَى لَا ( إنْ عَصَفَ ) الرِّيحُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْإِيقَادِ فَلَا يَضْمَنُ لِعُذْرِهِ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَهُ إطْفَاؤُهُ فَتَرَكَهُ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَفِي عَدَمِ تَضْمِينِهِ نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَفِي عَدَمِ تَضْمِينِهِ نَظَرٌ ) لَا يَضْمَنُ كَمَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ إلَى شَارِعٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَأَمْكَنَهُ هَدْمُهُ أَوْ إصْلَاحُهُ ، وَلَمْ يَفْعَلْ
( وَإِنْ سَقَى أَرْضَهُ كَالْعَادَةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ جُحْرٍ ) فَأَهْلَكَ شَيْئًا ( لَمْ يَضْمَنْهُ إلَّا إنْ سَقَى فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ عَلِمَ ) بِالْجُحْرِ ( وَلَمْ يَحْتَطْ ) فَيَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ .
( فَصْلٌ : إذَا كَانَ الْمِيزَابُ كُلُّهُ خَارِجًا ) عَنْ الْجِدَارِ بِأَنْ سَمَّرَ عَلَيْهِ ( أَوْ بَعْضُهُ دَاخِلًا ) فِيهِ ( وَبَعْضُهُ خَارِجًا ) عَنْهُ فَهَلَكَ بِالْخَارِجِ فِيهِمَا ( إنْسَانٌ ) حُرٌّ ( لَزِمَهُ الدِّيَةُ ) أَوْ غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي الْجَنَاحِ ، وَكَمَا لَوْ طَرَحَ تُرَابًا فِي الطَّرِيقِ لِيُطَيِّنَ بِهِ سَطْحَهُ فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ ، وَهَلَكَ ، وَدَعْوَى ضَرُورَةِ الْبِنَاءِ إلَيْهِ مَمْنُوعَةٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِمَاءِ السَّطْحِ بِئْرًا فِي دَارِهِ أَوْ يُجْرِيَ الْمَاءَ فِي أُخْدُودٍ فِي الْجِدَارِ ( وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ ، وَهَلَكَ بِالْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ أَوْ بَعْضِهِ ) أَيْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( أَوْ بِطَرَفِ الْكُلِّ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ ، وَإِنْ زَادَتْ مِسَاحَةُ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِثِقَلِ الْجَمِيعِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ فَسَدَ بِمَائِهِ ) أَيْ الْمِيزَابِ ( ثَوْبُ مَارٍّ ضَمِنَ ) مَا نَقَصَ بِهِ ( وَالضَّمَانُ بِالْجَنَاحِ كَهُوَ بِالْمِيزَابِ ) فِيمَا فَصَّلَهُ آنِفًا .
( قَوْلُهُ : فَهَلَكَ بِالْخَارِجِ إنْسَانٌ لَزِمَهُ الدِّيَةُ ) أَيْ ، وَإِنْ جَازَ إخْرَاجُهُ إلَى الشَّارِعِ إذَا كَانَ عَالِيًا لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ كَمَا فِي الْجَنَاحِ ، وَقَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالْمُسْلِمِ ، قَالَ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الذِّمِّيِّ كَالْجَنَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ ، قَالَ وَيُحْتَمَلُ تَرَتُّبُهُ عَلَى الْجَنَاحِ ؛ لِأَنَّ الْجَنَاحَ يَمْشِي عَلَيْهِ الذِّمِّيُّ وَيَقْعُدُ وَيَنَامُ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ ، قَالَ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ ، وَهَلَكَ بِالْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ إلَخْ ) لَوْ سَقَطَ كُلُّ الْخَارِجِ وَبَعْضُ الدَّاخِلِ أَوْ عَكْسُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَسُقُوطِ كُلِّهِ ، وَلَوْ سَقَطَ كُلُّهُ وَانْكَسَرَ نِصْفَيْنِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَصَابَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ أَصَابَ بِمَا كَانَ فِي الْجِدَارِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بِالْخَارِجِ ضَمِنَ الْكُلَّ كَمَا ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَلَوْ نَامَ عَلَى طَرَفِ سَطْحِهِ فَانْقَلَبَ إلَى الطَّرِيقِ عَلَى مَارٍّ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ سُقُوطُهُ بِانْهِيَارِ الْحَائِطِ مِنْ تَحْتِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ كَانَ لِتَقَلُّبِهِ فِي نَوْمِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِفِعْلِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بَعْضُهُ ) عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ تُصُوِّرَ حُصُولُ التَّلَفِ بِسُقُوطِ الدَّاخِلِ فِي الْمِلْكِ دُونَ الْخَارِجِ لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَتَشَطَّى ثُمَّ يَسْقُطَ فَيُصِيبَ الدَّاخِلَ بِمُفْرَدِهِ شَيْئًا دُونَ التَّشْطِيَةِ الْخَارِجَةِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الدَّاخِلَةِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ وَيَأْتِي فِي الْمِيزَابِ مِثْلُهُ ( قَوْلُهُ : ثَوْبُ مَارٍّ ) أَيْ أَوْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِهِ ) فَيَضْمَنُ نِصْفَ التَّالِفِ إنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا ، وَلَوْ اتَّصَلَ مَاؤُهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ ، قَالَ الْغَزِّيِّ : فَالْقِيَاسُ التَّضْمِينُ أَيْضًا
( وَالْجِدَارُ إنْ بُنِيَ ) أَيْ إنْ بَنَاهُ شَخْصٌ ( مُسْتَوِيًا أَوْ مَائِلًا إلَى مِلْكِهِ ) أَوْ مَوَاتٍ فَسَقَطَ ، وَأَتْلَفَ شَيْئًا ( فَلَا ضَمَانَ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ ، وَلَمْ يُقَصِّرْ ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ شَاءَ نَعَمْ إنْ كَانَ مِلْكُهُ الْمَائِلِ إلَيْهِ الْجِدَارُ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ كَانَ كَمَا لَوْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْهَوَاءِ تَابِعَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْقَرَارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ .
( وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى شَارِعٍ أَوْ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( ضَمِنَ ) مَا تَلِفَ بِهِ ، وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالسَّابَاطِ وَالْجَنَاحِ ( فَإِنْ مَالَ الْمُسْتَوِي ) إلَى ذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ وَسَقَطَ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَ هَدْمُهُ ) ، وَإِصْلَاحُهُ ( وَأُمِرَ بِهِ ) بِأَنْ أَمَرَهُ بِهَدْمِهِ الْوَالِي أَوْ غَيْرُهُ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْبَلِّ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ ، وَكَمِلْكِ الْغَيْرِ الدَّرْبَ الْمُنْسَدَّ أَوْ نَحْوَهُ ( وَلَوْ سَقَطَ ) مَا بَنَاهُ مُسْتَوِيًا ، وَلَوْ بَعْدَ مَيْلِهِ إلَى شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَمْ يَرْفَعْهُ لَمْ يَضْمَنْ ) مَا تَلِفَ بِهِ ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ نَعَمْ إنْ قَصَّرَ فِي رَفْعِهِ ضَمِنَ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمُخْتَارُ ، وَلَوْ بَنَاهُ مَائِلًا بَعْضُهُ فَالضَّمَانُ بِالسَّاقِطِ مِنْهُ كَهُوَ بِالْمِيزَابِ فِيمَا مَرَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَوْ اسْتَهْدَمَ الْجِدَارَ ، وَلَمْ يَمِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ ، وَلَا ضَمَانَ مَا تَوَلَّدَ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مِلْكَهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا مَالَ لَزِمَهُ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ مُرَادًا .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ كَانَ مِلْكُهُ الْمَائِلُ إلَيْهِ الْجِدَارُ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ إلَخْ ) مَا تَفَقَّهَهُ مَرْدُودٌ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ ضَمَانِهِ بِحَفْرِهِ فِي مِلْكِهِ مُتَعَدِّيًا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى شَارِعٍ ) أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمُخْتَارُ ) أَيْ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّأْخِيرِ .
ا هـ .
وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ تَصْحِيحٌ مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْوَجْهِ الْمُقَابِلِ لِمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ ش ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَهْدَمَ الْجِدَارَ ، وَلَمْ يَمِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ ، وَلَا ضَمَانُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا مَالَ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ لُزُومُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ إذَا طَلَبَهُ مَالِكُ مَا مَالَ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا مَالَ إلَخْ ) ، قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَإِذَا مَالَ الْجِدَارُ إلَى الطَّرِيقِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى النَّقْضِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْمَارِّينَ نَقْضُهُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ بَاعَ ( نَاصِبُ الْمِيزَابِ ) أَوْ الْجَنَاحِ ( أَوْ بَانِي الْجِدَارِ مَائِلًا ) الدَّارَ ( لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ ) أَيْ ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ نَعَمْ لَوْ بُنِيَ الْجِدَارُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إيَّاهُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَبْرَأَ بِذَلِكَ فَقَدَّرَ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إنَّ رِضَاهُ بِبَقَائِهَا يُبَرِّئُ الْحَافِرَ ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَمَنْ هَلَكَ بِهِ ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ ( فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ ) نَعَمْ إنْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ يَوْمَ السُّقُوطِ غَيْرَهَا يَوْمَ النَّصْبِ أَوْ الْبِنَاءِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ، صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَائِلًا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ الْمَائِلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ الْجِدَارَ الْحَادِثَ مَيْلُهُ كَالْجِدَارِ الَّذِي بَنَاهُ مَائِلًا ( وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ مُطَالَبَةُ مَنْ مَالَ جِدَارُهُ إلَى مِلْكِهِ بِالنَّقْضِ كَأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ تَنْتَشِرُ إلَى ) هَوَاءِ ( مِلْكِهِ ) فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَتِهَا لَكِنْ لَوْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ لَوْ بَاعَ نَاصِبُ الْمِيزَابِ أَوْ بَانِي الْجِدَارِ مَائِلًا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِيَنْظُرَ فِيمَا لَوْ بَاعَهُ لِلْغَيْرِ بِشَرْطِ نَقْضِهِ ، وَإِخْرَاجِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَمْ يَنْقُضْهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْضُهُ فِيهَا فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ لِلْفَقِيهِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ يَوْمَ السُّقُوطِ غَيْرَهَا يَوْمَ النَّصْبِ أَوْ الْبِنَاءِ ) بِأَنْ كَانَ وَلَاؤُهُ يَوْمَ النَّصْبِ أَوْ الْبِنَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَاتَّجَرَ قَبْلَ السُّقُوطِ لِمَوَالِي الْأُمِّ ( قَوْلُهُ : فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ مُطَالَبَةُ مَنْ مَالَ جِدَارُهُ إلَى مِلْكِهِ بِالنَّقْضِ ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَوْ أَمَرَهُ بِإِصْلَاحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ مَعَ التَّمَكُّنِ فَالْوَجْهُ الضَّمَانُ لَا مَحَالَةَ فِيمَا أَرَاهُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( طَرَحَ قُمَامَةً ) أَيْ كُنَاسَةً ( أَوْ قِشْرَ بِطِّيخٍ ) أَوْ نَحْوَهُ ( أَوْ مَتَاعًا فِي مِلْكِهِ أَوْ ) فِي ( مَوَاتٍ أَوْ أَلْقَى الْقُمَامَةَ فِي سُبَاطَةٍ مُبَاحَةٍ لَمْ يَضْمَنْ ) مَا تَلِفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِالْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( أَوْ طَرَحَ شَيْئًا مِنْهَا فِي طَرِيقٍ ضَمِنَ ) مَا تَلِفَ بِهِ سَوَاءٌ أَطَرَحَهُ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ أَمْ طَرَفِهِ ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَالسِّكِّينِ ( لَا مَنْ مَشَى عَلَيْهِ قَصْدًا ) فَهَلَكَ أَيْ لَا يَضْمَنُهُ الطَّارِحُ كَمَا لَوْ نَزَلَ الْبِئْرَ فَسَقَطَ ، وَخَرَجَ بِطَرْحِهَا مَا لَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا بِرِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا إذَا قَصَّرَ فِي رَفْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْحَمَّامِ فِي بَابِ إتْلَافِ الْبَهَائِمِ .
( ، وَيَضْمَنُ بِرَشِّ ) الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ ( لِمَصْلَحَتِهِ ) مَا تَلِفَ بِهِ لِمَا مَرَّ ( لَا ) بِرَشِّهِ ( لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ ) كَدَفْعِ الْغُبَارِ عَنْ الْمَارَّةِ وَذَلِكَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ هَذَا ( إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ ) ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُ كَبَلِّ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ وَلِتَقْصِيرِهِ نَعَمْ إنْ مَشَى عَلَى مَوْضِعِ الرَّشِّ قَصْدًا فَلَا ضَمَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ، وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : إنَّهُ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ ؛ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ غَرَضِهِ مَصْلَحَةُ نَفْسِهِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِالْغُبَارِ .
انْتَهَى .
( وَإِنْ بَنَى دَكَّةً عَلَى بَابِ دَارِهِ ) فِي الطَّرِيقِ ( أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ لَا ) فِي ( طَرَفِ حَانُوتِهِ ضَمِنَ مَا تَعَثَّرَ ) وَتَلِفَ ( بِهِ ) لِمَا مَرَّ ؛ وَلِأَنَّهُ بَنَى
الدَّكَّةَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِمَا وَضَعَهُ بِطَرَفِ حَانُوتِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْمَوْضُوعِ شَيْئًا عَنْ طَرَفِ الْحَانُوتِ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَتَاعِ الطَّوَافِ وَالْجَنَاحِ وَنَحْوِهِمَا ، وَأَوْلَى بِالتَّضْمِينِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَلْقَى الْقُمَامَةَ فِي سُبَاطَةٍ مُبَاحَةٍ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَالْغَزِّيُّ إنَّهُ حَقٌّ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ لَا يُخَالِفُهُ لَكِنْ حَذَفَهُ فِي الصَّغِيرِ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي مُنْعَطَفٍ لَيْسَ فِي حُكْمِ الشَّارِعِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّارِعِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ فِعْلُ ذَلِكَ فِيهَا حَتَّى يُقَالَ اسْتَوْفُوا مَنْفَعَةً مُسْتَحَقَّةً .
ا هـ .
هِيَ مِنْ الشَّارِعِ ، وَقَدْ يُضْطَرُّ الْمَارُّ إلَيْهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُعَدَّةً لِإِلْقَاءِ الْقُمَامَةِ وَنَحْوِهَا نُسِبَ بِعُدُولِهِ إلَيْهَا إلَى التَّقْصِيرِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا قَصَّرَ فِي رَفْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ فَيَأْتِي مَا مَرَّ وَالْأَصَحُّ لَا ضَمَانَ وَكَتَبَ أَيْضًا الِاسْتِثْنَاءَ تَفْرِيعٌ عَلَى ضَعِيفٍ .
كا ( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ ) لَوْ شَكَكْنَا هَلْ جَاوَزَ الْعَادَةَ أَمْ لَا فَفِي الْإِيضَاحِ لِلْجَاجَرْمِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، قَالَ : وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مُجَاوَزَةُ الْعَادَةِ فَالْعِبْرَةُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ .
ا هـ .
ا ب ( تَنْبِيهٌ ) ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ اغْتَسَلَ فِي الْحَمَّامِ وَتَرَكَ الصَّابُونِ وَالسِّدْرَ الْمُزْلِقَيْنِ بِأَرْضِ الْحَمَّامِ فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ فَتَلِفَ أَوْ تَلِفَ مِنْهُ عُضْوٌ ، وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَالضَّمَانُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّارِكِ وَالْحَمَّامِيِّ إذْ عَلَى الْحَمَّامِيِّ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ وَالْوَجْهُ إيجَابُهُ عَلَى تَارِكِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِنَّ الْعَادَةَ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ إنْ نَهَى الْحَمَّامِيُّ عَنْهُ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَا نَهَى فَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ ضَمِنَ ، وَإِلَّا
فَلَا ؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ تَنْقِيَةِ الْحَمَّامِ عَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْعَادَةِ لَا عَلَى الْمُغْتَسِلِ .
ا هـ .
، قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي أَوْجَهُ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنَّهُ الصَّحِيحُ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ ) هَذَا تَعْلِيلُ الرَّأْيِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِضَمَانِ مَنْ حَفَرَ فِي شَارِعٍ وَاسِعٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالصَّحِيحُ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي قَوْلُهُ : وَأَوْلَى بِالتَّضْمِينِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ تَعَدَّى ) شَخْصٌ ( بِإِسْنَادِ خَشَبَةٍ إلَى جِدَارٍ ) لِغَيْرِهِ ( فَسَقَطَ ) عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ الْجِدَارَ ( ، وَمَا تَلِفَ بِهِ ) ، وَإِنْ تَأَخَّرَ السُّقُوطُ عَنْ الْإِسْنَادِ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ الْغَصْبِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَطَارَ حَيْثُ يُفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ طَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ وَطَيَرَانِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ ؛ لِأَنَّ الطَّائِرَ مُخْتَارٌ ، وَالْجَمَادَ لَا اخْتِيَارَ لَهُ ( أَوْ ) أَسْنَدَهَا ( إلَى جِدَارِهِ ) أَوْ جِدَارِ غَيْرِهِ بِلَا تَعَدٍّ ( فَسَقَطَ أَوْ مَالَ فِي الْحَالِ لَا بَعْدَ حِينٍ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ ) كَمَا لَوْ أَسْقَطَ جِدَارًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ أَوْ بَنَاهُ مَائِلًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَالَ فِي الْحَالِ أَيْ ثُمَّ سَقَطَ ، وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ حِينٍ ، وَلَوْ حَذَفَ فِي الْحَالِ كَانَ أَخْصَرَ .
( وَمَنْ نَخَسَ دَابَّةَ رَجُلٍ ) أَوْ ضَرَبَهَا ( بِغَيْرِ إذْنِهِ ) ، وَلَوْ مُغَافَصَةً ( ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ بِسَبَبِ ) ذَلِكَ ( أَوْ بِإِذْنِهِ ) ، وَلَوْ مُغَافَصَةً ( ضَمِنَ الْمَالِكُ ) مَا أَتْلَفَتْهُ وَذِكْرُ الْمَالِكِ مِثَالٌ ، وَأَوْلَى مِنْهُ التَّعْبِيرُ بِالرَّاكِبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي بَابِ إتْلَافِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ ، وَأَوْلَى مِنْهُمَا مَعًا التَّعْبِيرُ بِمَنْ هِيَ مَعَهُ ، وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ مُغَافَصَةً ( وَإِنْ اسْتَقْبَلَ دَابَّةً فَرَّتْ ) مِمَّنْ هِيَ مَعَهُ ( فَرَدَّهَا ) بِغَيْرِ إذْنِهِ ( ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ فِي انْصِرَافِهَا ) .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَرَصَ ) أَوْ ضَرَبَ ( رَجُلًا ) حَامِلًا لِشَيْءٍ ( فَتَحَرَّكَ وَسَقَطَ مَا يَحْمِلُهُ فَكَإِكْرَاهِهِ عَلَى إلْقَائِهِ ) فَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصَوَّرَ الْأَصْلُ الْمَحْمُولَ بِالرَّجُلِ ، وَهُوَ مِثَالٌ وَلِهَذَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي اجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ ) ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ ( يُقَدَّمُ أَوَّلُهُمَا ) فِي التَّلَفِ لَا فِي الْوُجُودِ ( بِأَنْ وَضَعَ ) شَخْصٌ ( حَجَرًا ) مَثَلًا ( فَعَثَرَ بِهَا رَجُلٌ ) كَأَنَّهُ يَرَى تَأْنِيثَ الْحَجَرِ وَتَذْكِيرَهُ فَإِنَّهُ أَنَّثَهُ هُنَا وَذَكَّرَهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَالْمَعْرُوفُ تَذْكِيرُهُ ( فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا آخَرُ ) حَالَةَ كَوْنِهِمَا ( مُتَعَدِّيَيْنِ ) فَهَلَكَ ( ضَمِنَ الْوَاضِعُ ) إذْ التَّلَفُ يُضَافُ إلَى الْحَجَرِ لِكَوْنِهِ الْمُلْجِئَ إلَى الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى الْوَاضِعُ فَقَطْ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ .
( فَإِنْ تَعَدَّى الْحَافِرُ ) فَقَطْ ( وَوَضَعَ الْآخَرُ الْحَجَرَ فِي مِلْكِهِ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَعَدِّي ) لِتَعَدِّيهِ ( فَإِنْ وَضَعَهَا ) أَيْ الْحَجَرَ ( سَيْلٌ أَوْ نَحْوُهُ ) كَسَبُعٍ وَحَرْبِيٍّ فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَهَلَكَ ( لَمْ يَضْمَنْ الْمُتَعَدِّي بِالْحَفْرِ ) كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ السَّبْعُ أَوْ الْحَرْبِيُّ فِي الْبِئْرِ ( وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا فِي وَاضِعِ الْحَجَرِ فِي مِلْكِهِ ) وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَصْلُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحَافِرَ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِلْبِئْرِ ، وَنَصَبَ غَيْرُهُ فِيهَا سِكِّينًا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَجَرَحَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ مَسْأَلَةِ وَاضِعِ الْحَجَرِ فِي مِلْكِهِ ، وَمَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْوَضْعَ فِي الْأُولَى فِعْلُ مَنْ يَقْبَلُ الضَّمَانَ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ مُتَهَيِّئًا لِلضَّمَانِ أَصْلًا فَسَقَطَ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ .
انْتَهَى .
وَأَمَّا الْمُسْتَدَلُّ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَقْعُ فِي الْبِئْرِ مُتَعَدِّيًا بِمُرُورِهِ أَوْ كَانَ النَّاصِبُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ ( ، وَلَا يَضْمَنُ نَاصِبُ سِكِّينٍ فِي بِئْرٍ حُفِرَتْ عُدْوَانًا ) جِرَاحَةً ( مَنْ سَقَطَ ) فِيهَا ( فَجَرَحَتْهُ )
السِّكِّينُ ( بَلْ يَضْمَنُهَا الْحَافِرُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ هُوَ الْمُلْجِئُ لَهُ إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ ( فَإِنْ كَانَ الْحَافِرُ مَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ) أَمَّا الْمَالِكُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّ السُّقُوطَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الَّذِي أَفْضَى إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ فَكَانَ الْحَافِرُ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ بَلْ هُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ عَلَى مَا قَدَّمْته ( وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَأَلْقَى رَجُلٌ رَجُلًا عَلَيْهَا ) فَهَلَكَ ( ضَمِنَ ) هـ الْمُلْقِي ( لَا صَاحِبُ السِّكِّينِ ؛ لِأَنَّهُ تَلَقَّاهُ بِهَا ) فَيَضْمَنُ .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي اجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ ) ( قَوْلُهُ : تَقَدَّمَ أَوَّلُهُمَا فِي التَّلَفِ ) لَا فِي الْوُجُودِ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْحَفْرِ عَلَى الْوَضْعِ ، وَعَكْسِهِ ( قَوْلُهُ : ضَمِنَ الْوَاضِعُ ) جَعَلُوا الْوَاضِعَ كَالدَّافِعِ فَوَضْعُهُ الْحَجَرَ فِي مَحَلِّ الْعُدْوَانِ بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ فِيهِ ، وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ لَاقْتَضَى الْإِحَالَةَ عَلَى الدَّافِعِ جَزْمًا فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ ، وَقِيلَ لَمَّا كَانَ الْحَفْرُ شَرْطًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِتْلَافُ ( فَرْعٌ ) ، وَقَعَ عَبْدٌ فِي بِئْرٍ فَجَاءَ آخَرُ فَأَرْسَلَ لَهُ حَبْلًا فَشَدَّهُ الْعَبْدُ فِي وَسَطِهِ ، وَجَرَّهُ الرَّجُلُ فَسَقَطَ الْعَبْدُ فَهَلَكَ ، قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ يَضْمَنُهُ ( قَوْلُهُ : وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ مَسْأَلَةِ وَاضِعِ الْحَجَرِ فِي مِلْكِهِ ، وَمَسْأَلَةِ السَّيْلِ إلَخْ ) نَعَمْ تُشْكَلُ مَسْأَلَةُ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ بِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ لَوْ بَرَزَتْ بَقْلَةٌ فِي الْأَرْضِ فَتَعَثَّرَ بِهَا مَارٌّ وَسَقَطَ عَلَى حَدِيدَةٍ مَنْصُوبَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَدِيدَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا شَاذٌّ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَقْلَةَ بَعِيدَةُ التَّأْثِيرِ فِي الْقَتْلِ فَزَالَ أَثَرُهَا بِخِلَافِ الْحَجَرِ ش .
( فَرْعٌ ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : لَوْ وَقَعَا عَلَى بِئْرٍ دَفَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَلَمَّا هَوَى جَذَبَ مَعَهُ الدَّافِعَ فَسَقَطَ فَمَاتَا فَإِنْ جَذَبَهُ طَمَعًا فِي التَّخَلُّصِ ، وَكَانَتْ الْحَالُ تُوجِبُ ذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ جَذَبَهُ لَا لِذَلِكَ بَلْ لِإِتْلَافِ الْمَجْذُوبِ ، وَلَا طَرِيقَ إلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْآخَرِ كَمَا لَوْ تَجَرَّحَا وَمَاتَا .
( قَوْلُهُ : فَهُوَ مَضْمُونٌ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) سَيَأْتِي فِي فَصْلِ لَوْ وَقَعَ إنْسَانٌ فِي بِئْرٍ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ ضَعْفُ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْآخَرِ إلَخْ ) قُلْت وَكَذَا يَضْمَنُ فِيمَا يَظْهَرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَوْ جَذَبَهُ لِإِتْلَافِهِ ، وَكَانَ طَرِيقًا إلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّعْلِيلُ خِلَافَهُ .
ا هـ .
( فَرْعٌ : يَتَنَاصَفُ الضَّمَانَ حَافِرٌ ، وَمُعَمِّقٌ ) لِبِئْرٍ بِأَنْ حَفَرَهَا وَاحِدٌ ثُمَّ عَمَّقَهَا آخَرُ ( وَلَوْ تَفَاضَلَا ) فِي الْحَفْرِ كَأَنْ حَفَرَ أَحَدُهُمَا ذِرَاعًا وَالْآخَرُ ذِرَاعَيْنِ كَالْجِرَاحَاتِ ( وَلَوْ طَمَّتْ بِئْرٌ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَنَبَشَهَا آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ) لِانْقِطَاعِ أَثَرِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ بِالطَّمِّ سَوَاءٌ أَكَانَ الطَّامُّ الْحَافِرَ أَمْ غَيْرَهُ فَعِبَارَتُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ ، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا وَطَمَّهَا .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( عَثَرَ بِحَجَرٍ وُضِعَ عُدْوَانًا فَدَحْرَجَهُ فَأَتْلَفَ ) شَيْئًا ( انْتَقَلَ الضَّمَانُ ) مِنْ الْوَاضِعِ ( إلَى الْمُدَحْرِجِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ إنَّمَا حَصَلَ هُنَاكَ بِفِعْلِهِ ، وَقَوْلُهُ عُدْوَانًا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْوَاضِعِ بِلَا عُدْوَانٍ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى وَالتَّعْبِيرُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ تَصَرُّفِهِ ، وَهُوَ إنَّمَا يُنَاسِبُ زِيَادَتَهُ الْمَذْكُورَةَ .
( وَلَوْ وَضَعَ ) إنْسَانٌ ( حَجَرًا ) فِي طَرِيقٍ عُدْوَانًا ( وَآخَرَانِ حَجَرًا ) بِجُبِّهِ كَذَلِكَ ( فَعَثَرَ بِهِمَا ) إنْسَانٌ ، وَهَلَكَ ( فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ ) ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْعَالُهُمْ كَالْجِرَاحَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ .
( وَإِنْ عَثَرَ الْمَاشِي بِوَاقِفٍ أَوْ قَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ فِي مِلْكِهِ ) أَوْ نَحْوِهِ فَهَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا ( فَالْمَاشِي ضَامِنٌ ، وَمُهْدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ ( دُونَهُمْ ) فَلَيْسُوا بِضَامِنِينَ ، وَلَا مُهْدِرِينَ ، وَإِنَّمَا يُهْدَرُ الْمَاشِي ( إنْ دَخَلَ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْمَالِكِ فَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُهْدَرْ وَذِكْرُ النَّائِمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيُهْدَرُ الْعَاثِرُ فَقَطْ بِقَاعِدٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ) أَوْ نَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ لِمَا مَرَّ ، وَكَالْقَاعِدِ الْوَاقِفُ وَالنَّائِمُ كَمَا صَرَّحَ بِالْأَوَّلِ الْأَصْلُ ، وَبِالثَّانِي الْمِنْهَاجُ ، وَأَصْلُهُ .
( وَمَتَى ضَاقَ الطَّرِيقُ أُهْدِرَ النَّائِمُ وَالْقَاعِدُ لَا الْعَاثِرُ بِهِمَا ، وَالْقَائِمُ فِيهِ مَضْمُونٌ ) عَلَى الْعَاثِرِ ( وَالْعَاثِرُ بِهِ ) أَيْ بِالْقَائِمِ ( مُهْدَرٌ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ مَرَافِقِ الشَّارِعِ كَالْمَشْيِ لَكِنَّ الْهَلَاكَ حَصَلَ بِحَرَكَةِ الْمَاشِي فَخُصَّ بِالضَّمَانِ ، وَالْقُعُودُ وَالنَّوْمُ لَيْسَا مِنْ مَرَافِقِ الطَّرِيقِ فَمَنْ فَعَلَهُمَا فَقَدْ تَعَدَّى ، وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ ( فَإِنْ تَنَحَّى ) الْقَائِمُ أَيْ انْحَرَفَ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمَاشِي لَمَّا قَرُبَ مِنْهُ ( لَا عَنْهُ ) فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ ( فَكَمَا شَيْئَيْنِ اصْطَدَمَا ) وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا انْحَرَفَ عَنْهُ فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ أَوْ انْحَرَفَ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَ تَمَامِ انْحِرَافِهِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَاقِفًا لَا يَتَحَرَّكُ وَالْقَائِمُ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ أَوْ ضَيِّقٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ كَسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى كَالْقَاعِدِ فِي ضَيِّقٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( وَالْمَسْجِدُ ) بِالنِّسْبَةِ ( لِقَاعِدٍ ) أَوْ قَائِمٍ فِيهِ ( وَكَذَا نَائِمٌ مُعْتَكِفٌ فِيهِ كَالْمِلْكِ ) لَهُمْ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْعَاثِرِ دِيَتُهُمْ ، وَهُوَ مُهْدَرٌ ، وَفِي تَشْبِيهِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَهُ الْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ كَجُنُبٍ ، وَحَائِضٍ ، وَكَافِرٍ دَخَلَ بِلَا إذْنٍ ( وَ
) الْمَسْجِدُ ( لِنَائِمٍ ) فِيهِ ( غَيْرِ مُعْتَكِفٍ ، وَقَاعِدٍ ) أَوْ قَائِمٍ فِيهِ ( لِمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ ) فَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كَمَا مَرَّ ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْقَائِمُ فِيهِ لِذَلِكَ فَكَالْقَاعِدِ فِي ضَيِّقٍ ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضْمِينِ وَاضِعِ الْقُمَامَةِ وَالْحَجَرِ وَالْحَافِزِ وَالْمُدَحْرِجِ وَالْعَاثِرِ وَغَيْرِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا .
قَوْلُهُ : فَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُهْدَرْ ) أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ فَيُهْدَرُ الْمَاشِي ، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْأَوْلَى مِنْ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ أَوْ نَحْوِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَتَى ضَاقَ الطَّرِيقُ أُهْدِرَ النَّائِمُ وَالْقَاعِدُ ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ إهْدَارِ الْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِمُنْعَطَفٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَى تَعَدٍّ ، وَلَا تَقْصِيرٍ فَلَا ، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَقَوْلُهُ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كَمَا مَرَّ ) فَإِنْ كَانَ النَّائِمُ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَحْبَتِهِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَقْطَارِهِ الْوَاسِعَةِ فَكَالْجَالِسِ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ، وَإِنْ نَامَ أَوْ جَلَسَ فِي مَمَرٍّ ضَيِّقٍ كَبَابِهِ وَدِهْلِيزِهِ فَكَالْجَالِسِ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( وَقَعَ ) إنْسَانٌ ( فِي بِئْرٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ عَمْدًا بِغَيْرِ جَذْبٍ ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ ( فَقَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ ) عَلَيْهِ ( إنْ قَتَلَ ) مِثْلُهُ ( مِثْلَهُ غَالِبًا ) لِضَخَامَتِهِ ، وَعُمْقِ الْبِئْرِ وَضِيقِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ مِثْلُهُ غَالِبًا ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَإِنْ سَقَطَ ) عَلَيْهِ ( خَطَأً ) بِأَنْ لَمْ يَخْتَرْ الْوُقُوعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ ، وَمَاتَ بِثِقَلِهِ عَلَيْهِ ، وَبِانْصِدَامِهِ بِالْبِئْرِ ( فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ ( وَنِصْفٌ ) أَيْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ ( عَلَى ) عَاقِلَةِ ( الْحَافِرِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ ، وَبِوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا إنْ كَانَ الْحَفْرُ ( عُدْوَانًا ، وَإِلَّا فَهَدَرٌ ) أَيْ النِّصْفُ الْآخَرُ ، وَإِذَا غَرِمَ عَاقِلَةُ الثَّانِي فِي صُورَةِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا رَجَعُوا بِمَا غَرِمُوهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُخْتَارٍ فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهِ بَلْ أَلْجَأَهُ الْحَفْرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ مَعَ الْمُكْرِهِ لَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ بَلْ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةَ عَاقِلَةِ الْحَافِرِ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِمْ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ .
( فَإِنْ نَزَلَ الْأَوَّلُ ) فِي الْبِئْرِ ( وَلَمْ يَنْصَدِمْ ) فَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ فَقَتَلَهُ ( فَالْكُلُّ ) أَيْ كُلُّ دِيَةِ الْأَوَّلِ ( عَلَى ) عَاقِلَةِ ( الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ ( فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي فَضَمَانُهُ عَلَى ) عَاقِلَةِ ( الْحَافِرِ الْمُتَعَدِّي ) بِحَفْرِهِ ( لَا إنْ أَلْقَى نَفْسَهُ ) فِي الْبِئْرِ ( عَمْدًا ) فَلَا ضَمَانَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ ( وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَالْحُكْمُ ) فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا ( كَمَا سَبَقَ ) فِيمَا إذَا مَاتَ وَحْدَهُ .
( وَلَوْ حُفِرَتْ ) بِئْرٌ ( عُدْوَانًا وَسَقَطَ فِيهَا ثَلَاثَةٌ وَتَرَتَّبُوا ) فِي السُّقُوطِ ، وَمَاتُوا ( فَثُلُثَا دِيَةِ الْأَوَّلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَخِيرَيْنِ وَثُلُثٌ ) أَيْ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي ( عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ ) ، وَقِيلَ يَجِبُ دِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَخِيرَيْنِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَتَيْ الثَّالِثِ وَالْحَافِرِ نِصْفَيْنِ ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ ( وَإِنْ جَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ ) إلَى الْبِئْرِ فَوَقَعَ فَوْقَهُ ، وَمَاتَا ( ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ ، وَأَلْقَاهُ فِي الْبِئْرِ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِمْسَاكَ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْوُقُوعِ فَكَانَ مُخْطِئًا ( وَيَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ ) ، وَيُهْدَرُ النِّصْفُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ صَدْمَةِ الْبِئْرِ وَثِقَلِ الثَّانِي ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ( فَإِنْ جَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا ، وَمَاتُوا فَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي ثُلُثُ دِيَةِ الْأَوَّلِ وَثُلُثٌ ) مِنْهَا ( هَدَرٌ ، وَثُلُثٌ ) آخَرُ ( يَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ صَدْمَةِ الْبِئْرِ وَثِقَلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَكِنَّ ثِقَلَ الثَّانِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةِ الثَّانِي ، وَيُهْدَرُ النِّصْفُ ) الْآخَرُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ وَجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ، وَلَا أَثَرَ لِلْحَفْرِ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِالْجَذْبِ ، وَهُوَ مُبَاشَرَةٌ أَوْ سَبَبٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الشَّرْطِ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَهْلَكَهُ بِجَذْبِهِ ( فَلَوْ جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا ) ، وَمَاتُوا ( فَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ وَرُبُعٌ ) مِنْهَا ( يَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ وَرُبُعٌ ) آخَرُ ( هَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَابٍ صَدْمَةِ الْبِئْرِ وَثِقَلِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ ثِقَلَ الثَّانِي
مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ثُلُثَا دِيَةِ الثَّانِي وَثُلُثٌ ) مِنْهَا ( هَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ جَذْبِ الْأَوَّلِ لَهُ وَثِقَلُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَثِقَلُ الثَّالِثِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُ دِيَةِ الثَّالِثِ ، وَنِصْفٌ ) مِنْهَا ( هَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ جَذْبِ الثَّانِي لَهُ وَثِقَلِ الرَّابِعِ ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَهْلَكَهُ بِجَذْبِهِ .
( وَإِنْ ) لَمْ يَقَعْ كُلُّ مَجْذُوبٍ عَلَى جَاذِبِهِ بَلْ ( وَقَعَ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( فِي نَاحِيَةٍ فَدِيَةُ كُلِّ مَجْذُوبٍ عَلَى عَاقِلَةِ جَاذِبِهِ ، وَالْأَوَّلُ دِيَتُهُ تَتَعَلَّقُ بِعَاقِلَةِ الْحَافِرِ ) أَمَّا إذَا حُفِرَتْ الْبِئْرُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ فَلَا شَيْءَ عَلَى حَافِرِهَا ( وَمَنْ وَجَبَتْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةٌ ) أَوْ بَعْضُهَا ( فَالْكَفَّارَةُ ) تَجِبُ ( فِي مَالِهِ ) كَمَا تَكُونُ فِي مَالِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ .
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي اجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ مُتَقَاوِمَيْنِ فَإِنْ اصْطَدَمَا ) أَيْ حُرَّانِ كَامِلَانِ ( فَمَاتَا سَوَاءٌ كَانَا رَاكِبَيْنِ أَوْ مَاشِيَيْنِ أَوْ مَاشٍ طَوِيلٍ وَرَاكِبٍ ) الْأَوْلَى أَوْ مَاشِيًا طَوِيلًا وَرَاكِبًا ( غَلَبَتْهُمَا الدَّابَّتَانِ ) أَوْ لَا ( وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا ) أَيْ الْمَرْكُوبَانِ جِنْسًا ، وَقُوَّةً ( كَفَرَسَيْنِ أَمْ لَا كَفَرَسٍ ، وَبَعِيرٍ أَوْ بَغْلٍ ) وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ سَيْرُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَمْشِي وَالْآخَرُ يَعْدُو ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا مُقْبِلَيْنِ أَمْ مُدْبِرَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُقْبِلًا وَالْآخَرُ مُدْبِرًا وَسَوَاءٌ أَوَقَعَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَلْقِيَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالْآخَرُ مُسْتَلْقِيًا ( فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ ) لِوَارِثِ الْآخِرِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ ، وَفِعْلِ الْآخَرِ ، فَفِعْلُهُ هَدَرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَضْمُونٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِمُخَفَّفَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدَا الِاصْطِدَامَ كَأَنْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ غَافِلَيْنِ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ ( فَلَوْ تَعَمَّدَا ) .
هـ ( فَشِبْهُ عَمْدٍ ) لَا عَمْدٌ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِاصْطِدَامَ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ ، وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ ( فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ ) لِوَارِثِ الْآخَرِ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ مِنْ التَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا لَمْ تَكُنْ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ ضَعِيفَةً بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَتِهَا مَعَ قُوَّةِ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَرَكَتِهَا حُكْمٌ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِي جِلْدَةِ الْعَقِبِ مَعَ الْجِرَاحَاتِ الْعَظِيمَةِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ عَلَى فِيلٍ
وَالْآخَرُ عَلَى كَبْشٍ ؛ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَةِ الْكَبْشِ مَعَ حَرَكَةِ الْفِيلِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَاشِيَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ ( وَعَلَى كُلٍّ ) مِنْ الْمُصْطَدِمَيْنِ فِي تَرِكَتِهِ ( كَفَّارَتَانِ ) إحْدَاهُمَا لِقَتْلِ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِقَتْلِ صَاحِبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إهْلَاكِ نَفْسَيْنِ .
( وَ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَرِكَتِهِ ( نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ ) أَيْ مَرْكُوبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِتْلَافِ مَعَ هَدَرِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَقَدْ يَجِيءُ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَجِيءُ فِي الدِّيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَرَثَتَهُ ، وَعُدِمَتْ الْإِبِلُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّتَانِ لَهُمَا ( فَإِنْ كَانَتَا لِغَيْرِهِمَا ) كَالْمُعَارَيْنِ وَالْمُسْتَأْجِرِينَ ( لَمْ يُهْدَرْ مِنْهُمَا شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَ وَنَحْوَهُ مَضْمُونَانِ وَكَذَا الْمُسْتَأْجَرُ وَنَحْوُهُ إذَا أَتْلَفَهُ ذُو الْيَدِ أَمَّا غَيْرُ الْحُرَّيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا .
قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَا رَاكِبَيْنِ إلَخْ ) لَوْ لَمْ يَقْدِرْ رَاكِبُ الدَّابَّةِ عَلَى ضَبْطِهَا فَفِي ضَمَانِهِ إتْلَافَهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِخُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْ اخْتِيَارِهِ ، وَأَظْهَرُهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ إلَّا مَا يَضْبِطُهُ .
ا هـ .
شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِهَا فَاتَّفَقَ إنْ قَهَرَتْهُ ، وَقَطَعَتْ الْعِنَانَ الْوَثِيقَ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ مُضْطَرًّا إلَى رُكُوبِهَا ( قَوْلُهُ : أَمْ مُدْبِرَيْنِ ) بِأَنْ حَرَنَتْ الدَّابَّتَانِ فَاصْطَدَمَتَا مِنْ خَلْفٍ ( قَوْلُهُ : كَأَنْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ إلَخْ ) أَوْ مُدْبِرَيْنِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَرَكَتِهَا حُكْمٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ) ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْبُلْقِينِيُّ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ إلَخْ ) ، قَالُوا أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّصْوِيرِ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَاشِيَيْنِ كَمَا ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْخَانِيَ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِ دَابَّةٍ فَانْفَلَتَتْ عَلَى أُخْرَى ، وَأَتْلَفَتْهَا وَغَلَبَتْهُ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهَا فَلَا ضَمَانَ ، قَالَ وَمَسْأَلَةُ السَّفِينَتَيْنِ إذَا غَلَبَتْ الرِّيحُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الدَّابَّةُ إذَا غَلَبَتْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَفِي الْإِبَانَةِ نَحْوُ ذَلِكَ أَعْنِي نَحْوَ مَسْأَلَةِ الْخَانِي ، قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ : وَنِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ ) تَعْبِيرُهُ كَأَصْلِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ ، وَلَا يُقَالُ بِقِيمَةِ النِّصْفِ فَإِنَّهُ أَقَلُّ لِلتَّشْقِيصِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ إنَّهُ الصَّوَابُ .
( فَرْعٌ ) اصْطَدَمَ اثْنَانِ بِإِنَاءَيْنِ فِيهِمَا طَعَامٌ فَانْكَسَرَا ضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ قِيمَةِ
إنَاءِ الْآخَرِ ، وَأَمَّا الطِّعَامَاتُ فَإِنْ تَمَيَّزَا فَعَلَيْهِمَا مُؤْنَةُ الْفَضْلِ ، وَأَرْشُ النَّقْصِ أَوْ اخْتَلَطَا ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قُوِّمَا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْصٌ اشْتَرَكَا بِقَدْرِ الْقِيمَتَيْنِ ، وَفِي قِسْمَتِهِ بِالتَّرَاضِي قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ ، وَإِلَّا ضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ الْأَرْشِ وَتَقَاصَّا ثُمَّ كَانَا فِي الشَّرِكَةِ كَمَا سَبَقَ ( قَوْلُهُ : إذَا أَتْلَفَهُ ذُو الْيَدِ ) أَيْ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ وَكَانَا مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الْمَرْكُوبَ أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَى الدَّابَّةِ فَمَضْمُونٌ لَا مَحَالَةَ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( تَجَاذَبَا حَبْلًا ) لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا ( فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا ، وَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ ، وَهُدِرَ الْبَاقِي ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ ، وَفِعْلِ الْآخَرِ سَوَاءٌ أَسَقَطَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَقِلَّيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا كَذَا وَالْآخَرُ كَذَاك ( فَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُمَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لَهُمَا ( وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِإِرْخَاءِ الْآخَرِ ) الْحَبْلَ ( فَنِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) ، وَهُدِرَ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمَا ( وَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ لِأَحَدِهِمَا ) وَالْآخَرُ ظَالِمٌ ( فَالظَّالِمُ هَدَرٌ ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَالِكِ وَالْمَجْنُونَانِ وَالصَّبِيَّانِ ) وَالْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ فِي اصْطِدَامِهِمَا ( كَالْكَامِلَيْنِ ) فِيهِ ( إنْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا ، وَكَذَا لَوْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِمَا ) ، وَكَانَا مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الْمَرْكُوبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ إذْ لَا تَقْصِيرَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ : وَيُشْبِهُ أَنَّ الْوَلِيَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ مِنْ أَبٍ وَغَيْرِهِ خَاصٍّ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ ظَاهِرٌ ، وَكَلَامُهُمْ أَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ وَلِيُّ الْحَضَانَةِ الذَّكَرُ ، وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ ( فَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ ) بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ ، وَلَوْ لِمَصْلَحَتِهِمَا ( فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَاهُمَا ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ دَابَّتَيْهِمَا ) لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ ( أَوْ ) أَرْكَبَهُمَا ( أَجْنَبِيَّانِ كُلٌّ وَاحِدًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ دِيَتِهِمَا ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الدَّابَّتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ النِّصْفَيْنِ مُتَعَدِّيًا ( وَ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمَانُ ( مَا أَتْلَفَتْهُ دَابَّةُ مَنْ أَرْكَبَهُ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ فِي الْوَسِيطِ فَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّبِيُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ، وَقُلْنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ احْتَمَلَ أَنْ يُحَالَ
الْهَلَاكُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ ، وَهَذَا احْتِمَالٌ حَسَنٌ وَالِاعْتِذَارُ عَنْهُ تَكَلُّفٌ .
انْتَهَى .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُرْكِبُ بِذَلِكَ ثَابِتٌ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيَّانِ مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الْمَرْكُوبَ ، وَقَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا كَذَلِكَ فَهُمَا كَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا ، وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ ( وَإِنْ وَقَعَ ) الصَّبِيُّ ( فَمَاتَ ضَمِنَهُ الْمُرْكِبُ ) إنْ لَمْ يَكُنْ أَرْكَبَهُ لِغَرَضٍ مِنْ فَرُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا ، وَإِنْ أَرْكَبَهُ لِذَلِكَ ، وَهُوَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ ، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرْكَبَهُ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ ( وَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ جَمُوحًا ضَمِنَ ) لِتَعَدِّيهِ .
قَوْلُهُ : فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ إذْ لَا تَقْصِيرَ إلَخْ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُنْسَبَ الْوَلِيُّ إلَى تَقْصِيرٍ فِي تَرْكِ مَنْ يَكُونُ مَعَهُمَا مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرْسَالِهِ مَعَ الصِّبْيَانِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إنَّهُ لَوْ بَعَثَ صَبِيًّا بِقَمْقَمَةٍ إلَى الْحَوْضِ لِيَسْتَقِيَ مِنْهُ الْمَاءَ فَسَقَطَ فِي الْحَوْضِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا يَعْقِلُ وَيُمَيِّزُ وَيُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ كَانَ الْبَاعِثُ قَيِّمًا أَوْ غَيْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْقِلُ ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِهِ ضَمِنَ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ إلَخْ ) كَمَا لَوْ دَفَعَ لِصَبِيٍّ سِكِّينًا فَوَقَعَتْ مِنْهُ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا فَلَوْ أَرْكَبَهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا كَانَ كَإِرْكَابِ وَلِيِّهِمَا ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ ، قَالَ فِي الْوَسِيطِ إلَخْ ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ : وَالِاعْتِذَارُ عَنْهُ تَكَلُّفٌ ) يَعْنِي قَوْلَهُ فِي الْبَسِيطِ فِي جَوَابِهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُبَاشَرَتُهُ عُدْوَانًا لِصِبَاهُ أَمْكَنَ أَنْ تُجْعَلَ كَالتَّرَدِّي مَعَ الْحَفْرِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُرْكِبِ بِذَلِكَ ثَابِتٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ رَجُلٍ زَارَ بِزَوْجَتِهِ أَصْهَارَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَأَرْكَبَهَا فَرَسًا ، وَعَمَّرَهَا نَحْوَ خَمْسَ عَشَرَ سَنَةً ، وَلَا عَادَةَ لَهَا بِرُكُوبِ الْخَيْلِ ، وَأَعْطَاهَا اللِّجَامَ فَجَفَلَتْ الْفَرَسُ ، وَلَهَا عَادَةٌ بِذَلِكَ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّهَا جُفَالَةٌ ، وَهُوَ رَاكِبٌ الْحِمَارَ مَعَهَا فَسَقَطَتْ عَنْ ظَهْرِهَا وَاشْتَبَكَتْ رِجْلُهَا فِي الرِّكَابِ وَغَارَتْ الْفَرَسُ
فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ فِي أَثْنَاءِ عَدْوِ الْفَرَسِ فَهَلْ يَلْزَمُ الَّذِي أَرْكَبَهَا الضَّمَانُ أَمْ لَا وَالْفَرَسُ الْمَذْكُورَةُ نَفَرَتْ بِصَبِيٍّ آخَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ، وَلَكِنَّهُ أُخِذَ عَنْ ظَهْرِهَا فَسَلِمَ ، وَإِذَا خَلَّفَتْ مَصَاغًا وَصَدَاقًا وَغَيْرَ ذَلِكَ هَلْ يَرِثُ الزَّوْجُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَإِذَا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ ، وَلَهُ تَرِكَةٌ هَلْ يُؤْخَذُ جَمِيعُ دِيَتِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَمْ لَا ؟ .
فَأَجَابَ نَعَمْ ضَمَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الزَّوْجِ الَّذِي قَصَّرَ بِمَا ذُكِرَ ، وَلَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْ الْمَذْكُورَةِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ ذَلِكَ الْمِيرَاثُ الَّذِي كَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَقَوْلُهُ هَلْ يُؤْخَذُ جَمِيعُ دِيَتِهَا إلَخْ بِخَطِّ شَيْخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ جَمُوحًا ) أَوْ شَرِسَةً
( وَلَوْ اصْطَدَمَ حَامِلَانِ فَمَاتَتَا مَعَ الْجَنِينَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدَةٍ ) فِي تَرِكَتِهَا ( أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إهْلَاكِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ ( وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ دِيَةِ الْأُخْرَى ) كَغَيْرِهِمَا ( وَنِصْفُ الْغُرَّتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا لَزِمَ عَاقِلَتَهَا الْغُرَّةُ فَلَا يُهْدَرُ مِنْهَا شَيْءٌ بِخِلَافِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا بِخِلَافِ أَنْفُسِهِمَا .
( وَإِنْ اصْطَدَمَ عَبْدَانِ فَمَاتَا فَهَدَرٌ ) ، وَإِنْ تَفَاوَتَا قِيمَةً لِفَوَاتِ مَحَلِّ تَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ نَعَمْ لَوْ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا كَأَنْ كَانَا ابْنَيْ مُسْتَوْلَدَتَيْنِ لَمْ يُهْدَرَا ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَالْمُسْتَوْلَدَتَيْنِ ( أَوْ ) مَاتَ ( أَحَدُهُمَا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي رَقَبَةِ الْحَيِّ ) ، وَإِنْ أَثَّرَ فِعْلُ الْمَيِّتِ فِي الْحَيِّ نَقَصَا تَعَلَّقَ غُرْمُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَةِ الْحَيِّ ، وَجَاءَ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ ( أَوْ ) اصْطَدَمَ ( عَبْدٌ ، وَحُرٌّ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ ) ، وَهُدِرَ الْبَاقِي ( أَوْ مَاتَ الْحُرُّ فَنِصْفُ دِيَتِهِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ، وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ ) وَ ( يَتَعَلَّقُ بِهَا ) الْأَوْلَى بِهِ ( نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ ) ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ فَاتَتْ فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِبَدَلِهَا فَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْ الْعَاقِلَةِ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، وَيَدْفَعُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِلْوَرَثَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ .
( وَلِوَرَثَتِهِ ) أَيْ الْحُرِّ ( مُطَالَبَةُ الْعَاقِلَةِ ) أَيْ عَاقِلَتِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ لِيَتَوَثَّقُوا بِهِ ، نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ قَاتِلِ الْجَانِي بِالْقِيمَةِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ أَرْشٌ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ فَقَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ قَاتِلِ الْمَرْهُونِ بِالْقِيمَةِ لِيَتَوَثَّقَ بِهَا ثُمَّ قَالَ وَلْيَكُنْ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هَلْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْجَانِيَ ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ .
انْتَهَى .
فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَاصِمَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ( أَوْ ) اصْطَدَمَ ( مُسْتَوْلَدَتَانِ ) لِاثْنَيْنِ فَمَاتَتَا ( فَنِصْفُ قِيمَة كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( عَلَى سَيِّدِ الْأُخْرَى ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ جِنَايَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ
عَلَى سَيِّدِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ .
( وَيُهْدَرُ النِّصْفُ الْآخَرُ ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِشَرِكَتِهَا الْأُخْرَى فِي قَتْلِ نَفْسِهَا ( وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ السَّيِّدَيْنِ ( الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ، وَقِيمَةِ مُسْتَوْلَدَتِهِ ) عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي إتْلَافِهَا ( وَيَتَقَاصَّانِ ، وَيَرْجِعُ ) أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( بِمَا زَادَ ) لَهُ إنْ كَانَتْ زِيَادَةً فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ إحْدَاهُمَا مِائَةً وَالْأُخْرَى مِائَتَيْنِ رَجَعَ سَيِّدُهَا عَلَى سَيِّدِ الْأُولَى بِخَمْسِينَ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا هَدَرٌ كَمَا مَرَّ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ يَتَعَلَّقُ بِبَدَلِ الْأُخْرَى فَتَسْقُطُ خَمْسُونَ بِمِثْلِهَا فَيَفْضُلُ لِمَالِكِ النَّفِيسَةِ خَمْسُونَ ( فَإِنْ ) كَانَتَا حَامِلَيْنِ ، وَقَدْ ( مَاتَ جَنِينَاهُمَا ) مَعَهُمَا ( وَهُمَا رَقِيقَانِ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْ السَّيِّدَيْنِ ( مَعَ نِصْفِ الْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَةِ مُسْتَوْلَدَةِ الْآخَرِ ( نِصْفُ عُشْرِهَا ) أَيْ عُشْرِ قِيمَتِهَا لِنِصْفِ جَنِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ ( أَوْ ) ، وَهُمَا ( حُرَّانِ ) فَإِنْ كَانَا ( مِنْ شُبْهَةٍ فَعَلَى سَيِّدِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْأُخْرَى ( نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينِهِمَا أَوْ مِنْ السَّيِّدَيْنِ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْأُخْرَى ( نِصْفُ غُرَّةِ جَنِينِ الْأُخْرَى ، وَيُهْدَرُ الْبَاقِي ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا ، وَأَلْقَتْ جَنِينَهَا كَانَ هَدَرًا ، وَيَتَقَاصَّانِ بِمِثْلِ مَا مَرَّ .
لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْغُرَّةِ عِنْدَ إعْوَازِ الرَّقِيقِ ( نَعَمْ إنْ كَانَ لِأَحَدِ الْجَنِينَيْنِ ) مَعَ سَيِّدِ أُمِّهِ ( جَدَّةٌ ) أُمُّ أُمٍّ وَارِثَةٌ ، وَإِنْ عَلَتْ ، وَلَا يَرِثُ مَعَهُ غَيْرُهَا ( فَإِرْثُهَا فِي الْغُرَّةِ السُّدُسُ ، وَقَدْ أُهْدِرَ نِصْفُهُ ) أَيْ السُّدُسِ ( لِأَجْلِ ) عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ ( سَيِّدِ بِنْتِهَا ) أَرْشَ جِنَايَتِهَا ( فَيُتَمِّمُ ) لَهَا السُّدُسَ ( مِنْ نَصِيبِهِ ) بِنِصْفِ سُدُسٍ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ، وَمِثْلُهَا مَا
لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَامِلًا فَقَطْ ، وَكَانَ لِجَنِينِهَا جَدَّةٌ ، وَهِيَ الَّتِي فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْجَنِينَيْنِ جَدَّةٌ فَلَهَا عَلَى كُلِّ سَيِّدٍ نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ ، وَيَقَعُ مَا بَقِيَ لِلسَّيِّدَيْنِ فِي التَّقَاصِّ عَلَى مَا مَرَّ ، وَقَوْلُهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ تَصَرُّفِهِ ، وَلَيْسَ قَيْدًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَدَّةٍ لَهَا عَلَى كُلِّ سَيِّدٍ نِصْفُ سُدُسِ غُرَّةٍ فِي ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ مِنْ أَيِّ مَالٍ مِنْ أَمْوَالِهِ شَاءَ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْجَدَّةَ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ مَا ذُكِرَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ أَمَةٍ تَحْتَمِلُ نِصْفَ غُرَّةٍ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ إلَّا بِأَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ كَمَا مَرَّ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْجَنِينَيْنِ مِنْ سَيِّدٍ ، وَالْآخَرُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا وَالْآخَرُ حُرًّا .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ لَوْ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا كَأَنْ كَانَا مُسْتَوْلَدَتَيْنِ ) أَيْ أَوْ مَوْقُوفَيْنِ أَوْ مَنْذُورَ إعْتَاقِهِمَا وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ كَانَا مَغْصُوبَيْنِ لَزِمَ الْغَاصِبَ فِدَاؤُهُمَا بِالْأَقَلِّ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا مَا إذَا أَوْصَى أَوْ وَقَفَ لِأَرْشِ مَا يُجَنَّبُهُ الْعَبْدُ إنْ قَالَ فَيُصْرَفُ لِسَيِّدِ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُ قِيمَةِ عَبْدِهِ ، قَالَ : وَهَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِقْهُهُ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ ) ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَمَّا الْخِلَافُ فِي مُخَاصَمَةِ الْمُرْتَهِنِ فَمَشْهُورٌ عِنْدَ غَصْبِ الْمَرْهُونِ وَادَّعَى مَنْ فِي يَدِهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَيُتَخَيَّلُ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مُقِرٌّ بِهِ ، وَأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَثُّقِ وَلِهَذَا ، قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا أَقَرَّ الْجَانِي عَلَى الْمَرْهُونِ وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ دُونَ الرَّاهِنِ غَرِمَ الْمَرْهُونُ وَوُفِّيَ مِنْهُ الدَّيْنُ ، وَإِنْ كَانَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ مَوْجُودًا فِيهِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إذَا قُلْنَا لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ الْحَلِفُ فَحَلَفُوا ثَبَتَ الْحَقُّ ضِمْنًا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْغُرَمَاءِ إبْرَاءٌ فَجَازَ أَنْ نَقُولَ هُنَا كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَتَسَلَّمُ الْأَرْشَ الْحَاكِمُ لِأَجْلِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ تَوَصُّلًا إلَى وُصُولِ الْحَقِّ لَدَيْهِ نَعَمْ وَيُتَخَيَّلُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَرْقٌ إنْ صَحَّ فِي مُطَالَبَةِ الْمُرْتَهِنِ خِلَافٌ ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فِي الْوَثِيقَةِ لَمْ يَفُتْ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُقْبَلَ الْيَسَارُ بَعْدَ الْإِعْسَارِ ، وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ مُسْتَحِقِّ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا مَحَلٌّ لِحَقِّهِ غَيْرِ الْأَرْشِ حَالًا ، وَمَآلًا خُصُوصًا إذَا قُلْنَا لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ مَاتَ فَقَوِيَ الْحَقُّ هَاهُنَا وَتَأَكَّدَ
الطَّلَبُ بِسَبَبِهَا فَانْحَطَّ الرَّهْنُ عَنْهُ فَامْتَنَعَ إلْحَاقُهُ بِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمْنَا حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ ، وَهَذَا بَحْثٌ يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ م .
( وَإِنْ اصْطَدَمَ سَفِينَتَانِ بِفِعْلِ صَاحِبَيْهِمَا ) أَيْ مُجْرِيهمَا وَغَرِقَتَا بِمَا فِيهِمَا ( وَهُمَا ، وَمَا فِيهِمَا ) مِلْكٌ ( لَهُمَا فَكَاصْطِدَامِ الرَّاكِبَيْنِ ) فِيمَا مَرَّ فَيُهْدَرُ نِصْفُ بَدَلِ كُلِّ سَفِينَةٍ وَنِصْفُ مَا فِيهَا ، وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا لِلْآخَرِ نِصْفُ بَدَلِ سَفِينَتِهِ وَنِصْفُ مَا فِيهَا فَإِنْ مَاتَا بِذَلِكَ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَّارَتَانِ ، وَلَزِمَ عَاقِلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مِنْ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا كَانَ الْمَلَّاحَانِ صَبِيَّيْنِ ، وَأَقَامَهُمَا الْوَلِيُّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي السَّفِينَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ وَلِأَنَّ الْعَمْدَ مِنْ الصَّبِيَّيْنِ هُنَا هُوَ الْمُهْلِكُ وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ أَيْضًا كَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِصَاصِ وَلِلدِّيَاتِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ لَهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ حَمَلَا أَنْفُسًا ، وَأَمْوَالًا فِي سَفِينَتَيْهِمَا وَتَعَمَّدَا كَسْرَهُمَا ) الْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ وَتَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ ( بِمُهْلِكٍ غَالِبًا اُقْتُصَّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ بِالْقُرْعَةِ ، وَدِيَاتُ الْبَاقِينَ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ وَالْكَفَّارَاتُ ) حَالَةَ كَوْنِهَا ( بِعَدَدٍ مَنْ أَهْلَكَا مِنْ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي مَالِهِمَا ) فَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ سَفِينَةٍ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ ، وَمَاتُوا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْحَالُ وَجَبَ فِي مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ قَتْلِهِمَا لِوَاحِدٍ مِنْ عِشْرِينَ بِالْقُرْعَةِ تِسْعُ دِيَاتٍ وَنِصْفٌ .
( وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ قِيمَةِ مَا فِي السَّفِينَتَيْنِ لَا يُهْدَرُ مِنْهُ شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِمَا ( وَأَمَّا سَفِينَتَاهُمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُمَا ، وَيَلْزَمُ كُلًّا ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ ) بَدَلِ ( مَا لِلْآخَرِ ) كَمَا مَرَّ فِي الدَّابَّتَيْنِ ( وَيَقَعُ التَّقَاصُّ فِيمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ ) ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الِاصْطِدَامَ بِمَا لَا يُهْلِكُ غَالِبًا ، وَقَدْ يُهْلِكُ فَشِبْهُ عَمْدٍ ، وَحُكْمُهُ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ
لَا يُوجَدُ قِصَاصًا وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُغَلَّظَةً ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الِاصْطِدَامَ بَلْ ظَنَّا أَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ عَلَى الرِّيحِ فَأَخْطَأَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنْ يُقَرِّبَ سَفِينَتَهُ سَفِينَةَ الْآخَرِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُخَفَّفَةٌ ( وَإِنْ كَانَ السَّفِينَتَانِ لِغَيْرِهِمَا ، وَهُمَا أَمِينَانِ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ قِيمَتِهِمَا لِلْمَالِكَيْنِ وَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمَالِكَيْنِ ( مُطَالَبَةُ أَمِينِهِ بِالْكُلِّ ) كَمَا لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالنِّصْفِ ، وَمُطَالَبَةُ أَمِينِ الْآخَرِ بِالْبَاقِي ( وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ ) يَعْنِي إذَا طَالَبَ أَمِينُهُ بِالْكُلِّ فَلِأَمِينِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَمِينِ الْآخَرِ بِالنِّصْفِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ عَبْدَيْنِ فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ اصْطَدَمَا لَا بِاخْتِيَارِهِمَا فَإِنْ قَصَّرَا بِأَنْ سَيَّرَا ) هُمَا ( فِي رِيحٍ شَدِيدَةٍ لَا تَسِيرُ فِي مِثْلِهَا السُّفُنُ ) أَوْ لَمْ يَعْدِلَاهُمَا عَنْ صَوْبِ الِاصْطِدَامِ مَعَ إمْكَانِهِ أَوْ لَمْ يُكْمِلَا عِدَّتَهُمَا مِنْ الرِّجَالِ وَالْآلَاتِ ( فَالضَّمَانُ ) لِمَا هَلَكَ عَلَيْهِمَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ مِثْلُ مَا مَرَّ لَكِنْ لَا قِصَاصَ ( وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ أَوْ غَلَبَ الرِّيحُ ) فَحَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ ( فَلَا ضَمَانَ ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِمَا كَمَا لَوْ حَصَلَ الْهَلَاكُ بِصَاعِقَةٍ بِخِلَافِ غَلَبَةِ الدَّابَّةِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهَا تَنْضَبِطُ بِاللِّجَامِ سَوَاءٌ أُوجِدَ مِنْهُمَا فِعْلٌ بِأَنْ سَيَّرَاهُمَا ثُمَّ هَاجَتْ رِيحٌ أَوْ مَوْجٌ ، وَعَجَزَا عَنْ الْحِفْظِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ شَدَّاهُمَا عَلَى الشَّطِّ فَهَاجَتْ رِيحٌ وَسَيَّرَتْهُمَا ( وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا ) بِيَمِينِهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي ( أَنَّهُمَا غَلَبَا ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا ( وَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا ) أَوْ فَرَّطَ دُونَ الْآخَرِ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( حُكْمُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَرْبُوطَةً ) وَالْأُخْرَى سَائِرَةً فَصَدَمَتْهَا السَّائِرَةُ فَكَسَرَتْهَا ( فَالضَّمَانُ عَلَى مُجْرِي الصَّادِمَةِ ) .
( قَوْلُهُ : مَلَّاحِيهِمَا ) ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ سُمِّيَ مَلَّاحًا لِمُعَالَجَتِهِ الْمَاءَ الْمِلْحَ بِإِجْرَاءِ السَّفِينَةِ عَلَيْهِ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ ) مَا اسْتَثْنَاهُ كَالْبُلْقِينِيِّ مَمْنُوعٌ بَلْ الْخَطَرُ فِي إقَامَتِهِ مَلَّاحًا بِالسَّفِينَةِ أَشَدَّ مِنْهُ فِي إرْكَابِهِ الدَّابَّةَ ( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ إلَخْ ) مَا اسْتَظْهَرَهُ مَرْدُودٌ إذْ الضَّرَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى غَرَقِ السَّفِينَةِ أَشَدُّ مِنْ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمَرْكُوبِ ( قَوْلُ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ بِالْقُرْعَةِ ) ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ جَارِحِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ : وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَالِكَيْنِ مُطَالَبَةُ أَمِينِهِ بِالْكُلِّ ) أَيْ لِتَقْصِيرِهِ فَدَخَلَتْ سَفِينَتُهُ ، وَمَا فِيهَا فِي ضَمَانِهِ ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِي الْإِتْلَافِ غَيْرُهُ فَضَمِنَا نِصْفَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَرْبُوطَةً فَالضَّمَانُ عَلَى مَجْرَى الصَّادِمَةِ ) شَرْطُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُفَرِّطًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ السَّفِينَةُ وَاقِفَةً فِي نَهْرٍ وَاسِعٍ فَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي نَهْرٍ ضَيِّقٍ فَصَدَمَتْهَا أُخْرَى فَهُوَ كَمَنْ قَعَدَ فِي شَارِعٍ ضَيِّقٍ فَضَرَبَهُ إنْسَانٌ لِتَفْرِيطِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( خَرَقَ سَفِينَةً عَامِدًا خَرْقًا يُهْلِكُ غَالِبًا ) كَالْحَرْقِ الْوَاسِعِ الَّذِي لَا مَدْفَع لَهُ فَغَرِقَ بِهِ إنْسَانٌ ( فَالْقِصَاصُ ) أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْخَارِقِ ( وَخَرَقَهَا لِلْإِصْلَاحِ ) لَهَا أَوْ لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا لَكِنْ بِمَا لَا يُهْلِكُ غَالِبًا كَمَا فُهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ السَّابِقِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( شِبْهُ عَمْدٍ فَإِنْ أَصَابَ ) بِالْآلَةِ ( غَيْرَ مَوْضِعِ الْإِصْلَاحِ ) أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ ( فَخَرَقَهُ فَخَطَأٌ مَحْضٌ ) .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ثَقُلَتْ سَفِينَةٌ بِتِسْعَةِ أَعْدَالٍ فَأَلْقَى فِيهَا ) إنْسَانٌ ( عَاشِرًا ) عُدْوَانًا ( أَغْرَقَهَا لَمْ يَضْمَنْ الْكُلَّ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَقَ حَصَلَ بِثِقَلِ الْجَمِيعِ لَا بِفِعْلِهِ فَقَطْ ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُزْمِنْهُ ثُمَّ عَمْرًا آخَرُ ، وَلَوْلَا الْأَوَّلُ مَا أَزْمَنَهُ حَيْثُ حُكِمَ بِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلثَّانِي بِأَنَّ الضَّمَانَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِالسَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ ( وَهَلْ يَضْمَنُ النِّصْفَ أَوْ الْعُشْرَ وَجْهَانِ ) كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْجَلَّادِ إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْعُشْرِ .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ تَرْجِيحِ الْعُشْرِ هُوَ الْأَصَحُّ ) ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ
( فَصْلٌ : يَجُوزُ ) إذَا أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ فِيهَا مَتَاعٌ وَرِكَابٌ عَلَى غَرَقٍ ، وَخِيفَ هَلَاكُ الْمَتَاعِ ( إلْقَاءُ بَعْضِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ لِسَلَامَةِ الْبَعْضِ ) الْآخَرِ أَيْ لِرَجَائِهَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يُشْتَرَطُ إذْنُ الْمَالِكِ فَلَوْ كَانَ لِمَحْجُورٍ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهُ ، وَلَوْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ لِمُكَاتَبٍ أَوْ لِعَبْدٍ مَأْذُونٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ أَوْ السَّيِّدِ وَالْمَأْذُونِ قَالَ فَلَوْ رَأَى الْوَلِيُّ أَنَّ إلْقَاءَ بَعْضِ أَمْتِعَةِ مَحْجُورِهِ يَسْلَمُ بِهِ بَاقِيهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ فِيمَا لَوْ خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ غَاصِبٍ عَلَى الْمَالِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا لِتَخْلِيصِهِ جَوَازُهُ هُنَا .
انْتَهَى .
( وَيَجِبُ إلْقَاؤُهُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهُ إذَا خِيفَ الْهَلَاكُ ( لِسَلَامَةِ حَيَوَانٍ ) مُحْتَرَمٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَحَرْبِيٍّ ، وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ ( وَ ) يَجِبُ ( إلْقَاءُ حَيَوَانٍ ) ، وَلَوْ مُحْتَرَمًا ( لِسَلَامَةِ آدَمِيٍّ ) مُحْتَرَمٍ ( إنْ لَمْ يُمْكِنْ ) فِي دَفْعِ الْغَرَقِ ( غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ إلْقَاءِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ أَمْكَنَ لَمْ يَجِبْ إلْقَاؤُهُ بَلْ لَا يَجُوزُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ نَعَمْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَسْرَى مِنْ الْكُفَّارِ وَظَهَرَ لِلْأَمِيرِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قَتْلِهِمْ فَيُشْبِهُ أَنْ يَبْدَأَ بِإِلْقَائِهِمْ قَبْلَ الْأَمْتِعَةِ ، وَقَبْلَ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ قَالَ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي الْإِلْقَاءِ تَقْدِيمُ الْأَخَسِّ فَالْأَخَسِّ قِيمَةً مِنْ الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ إنْ أَمْكَنَ حِفْظًا لِلْمَالِ مَا أَمْكَنَ ( لَا عَبِيدٌ لِأَحْرَارٍ ) أَيْ لَا يَجُوزُ إلْقَاؤُهُمْ لِسَلَامَةِ الْأَحْرَارِ بَلْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا ذُكِرَ ( وَإِنْ لَمْ يُلْقِ ) مَنْ لَزِمَهُ الْإِلْقَاءُ حَتَّى غَرِقَتْ السَّفِينَةُ ( فَهَلَكَ ) بِهِ شَيْءٌ ( أَثِمَ ، وَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُطْعِمْ مَالِكُ الطَّعَامِ
الْمُضْطَرَّ حَتَّى مَاتَ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِشَرْطِ إذْنِ الْمَالِكِ فِي حَالِ الْجَوَازِ ) دُونَ الْوُجُوبِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ كَانَ لِمَحْجُورٍ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهُ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ ) وَيَجِبُ فِي مَحَلِّ الْوُجُوبِ ( قَوْلُهُ : فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ إلْقَاؤُهُ لِسَلَامَةِ حَيَوَانٍ إلَخْ ) اسْتَشْكَلَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا الْإِلْقَاءَ بِأَنَّهُ إنْ جُعِلَتْ الْخِيَرَةُ فِي عَيْنِ الْمَطْرُوحِ لِلْمَلَّاحِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِ صَاحِبِهِ فَقَدْ لَا يَأْذَنُ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ ثُمَّ ، قَالَ إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمَالِكِ فِي حَالَةِ الْجَوَازِ ، وَهِيَ مَا إذَا حَصَلَ هَوْلٌ خِيفَ مِنْهُ الْهَلَاكُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ دُونَ حَالَةِ الْوُجُوبِ ، وَهِيَ مَا إذَا غَلَبَ الْهَلَاكُ إنْ لَمْ يُطْرَحْ .
ا هـ .
يَخْتَارُ أَنَّ الْإِلْقَاءَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إذْنِ صَاحِبِ الْمَطْرُوحِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَانَ لِغَيْرِهِ طَرْحُهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ فَلَا ضَرَرَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَّا الْمَلَّاحُ فَلَهُ الطَّرْحُ فِي حَالَةِ الْوُجُوبِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ هُنَاكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إذَنْ غَايَتُهُ أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ الطَّعَامِ كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ عَدَمِ الْإِذْنِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ نَعَمْ لَوْ كَانَ إلَخْ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ : قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي الْإِلْقَاءِ تَقْدِيمُ الْأَخَسِّ فَالْأَخَسِّ قِيمَةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الشَّخْصِ ( إلْقَاءُ الْمَالِ ) ، وَلَوْ مَالَهُ بِلَا خَوْفٍ ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ ( وَيَضْمَنُ بِإِلْقَائِهِ ) مَالَ غَيْرِهِ ، وَلَوْ ( فِي ) حَالِ ( الْخَوْفِ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ مَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْجِئَهُ إلَى إتْلَافِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ بِإِذْنِهِ أَوْ أَلْقَى مَالَ نَفْسِهِ ، وَلَوْ اخْتَصَّ الْخَوْفُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ بِالشَّطِّ أَوْ بِزَوْرَقٍ ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ حِينَئِذٍ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إذَا أَطْعَمَهُ مَالِكُ الطَّعَامِ قَهْرًا بِأَنَّ الْمُطْعِمَ ثَمَّ دَافِعٌ لِلتَّلَفِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْمُلْقِي .
( قَوْلُهُ : وَيَضْمَنُ بِإِلْقَائِهِ ، وَلَوْ فِي حَالِ الْخَوْفِ بِلَا إذْنٍ مِنْ مَالِكِهِ ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ بِيَدِ وَلِيِّهِ حَيْثُ سَاغَ لَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطْرَحْ بَعْضَهُ لَغَرِقَ الْكُلُّ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِحِفْظِ أَكْثَرِ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُهُ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ هَذَا فِي الْمُودَعِ وَالْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَنْدَ تَمَحَّضَ الْخَوْفِ عَلَى تَلَفِ الْمَالِ فَقَطْ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ بِوُقُوعِ الْغَرَقِ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَالَ الْغَزِّيِّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ .
( فَلَوْ قَالَ ) شَخْصٌ ( لِأَحَدِ الرُّكْبَانِ ) فِي السَّفِينَةِ ( أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ ، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَضْمَنَهُ ) أَوْ عَلَى إنِّي ضَامِنُهُ ( فَأَلْقَاهُ ) فِيهِ ( لَزِمَهُ ضَمَانُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْتَمِسِ فِيهَا شَيْءٌ ) ، وَلَمْ تَحْصُلْ النَّجَاةُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَمَسَ إتْلَافًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِعِوَضٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ ( وَمِثْلُهُ ) قَوْلُهُ لِمَنْ مَعَهُ أَسِيرٌ ( أَطْلِقْ الْأَسِيرَ ، وَ ) لِمَنْ لَهُ قِصَاصٌ ( اُعْفُ عَنْ الْقِصَاصِ ، وَ ) لِمَنْ لَهُ طَعَامٌ ( أَطْعِمْ هَذَا ) الْجَائِعَ ( وَلَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَك كَذَا ) فَأَجَابَ سُؤَالَهُ ( فَيَلْزَمُهُ ) مَا الْتَزَمَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَنَحْوِهِ فَفَعَلَ لَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ .
وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ أَدِّ دَيْنِي بِأَنَّ نَفْعَ الْأَدَاءِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ نَفْعِ الْإِلْقَاءِ ، وَيُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا مَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْ زَيْدٍ بِمِائَةٍ ، وَعَلَى أُخْرَى حَيْثُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ غَرَضٌ ذَكَرُوهُ فِي الضَّمَانِ ، وَفِي الْخُلْعِ ( وَهَذَا ضَمَانٌ حَقِيقَتُهُ الِافْتِدَاءُ ) مِنْ الْهَلَاكِ لَا الضَّمَانُ الْمَعْرُوفُ ، وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ إذْ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَجِبْ ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشِيرَ إلَى مَا يُلْقِيهِ أَوْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُ ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يُلْقِيهِ بِحَضْرَتِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي بِالرُّكَّابِ حَسَنٌ بِخِلَافِ تَعْبِيرِهِ هُنَا بِالرُّكْبَانِ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ مُنْكَرٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ الرِّكَابُ ؛ لِأَنَّ الرُّكْبَانَ رَاكِبُو الْإِبِلِ خَاصَّةً ، وَقِيلَ رَاكِبُو الدَّابَّةِ ( وَإِنَّمَا يَضْمَنُ ) الْمُلْتَمِسُ ( بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَخَافَ الْغَرَقَ ) فَإِنْ لَمْ يَخَفْهُ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ الْتَمَسَ هَدْمَ دَارِ غَيْرِهِ فَفَعَلَ ( وَأَنْ لَا يَخْتَصَّ مَالِكُهُ بِالْفَائِدَةِ ) أَيْ بِفَائِدَةِ
الْإِلْقَاءِ بِأَنْ يَخْتَصَّ بِهَا الْمُلْتَمِسُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمَالِكُ أَوْ يَعُمَّ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَصَّ بِهَا الْمَالِكُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنُهُ ) خَرَجَ مَا إذَا ، قَالَ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ أَوْ ، وَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ عَلَى أَنْ أَضْمَنَ فَأَلْقَاهُ أَوْ عَلَى أَنْ أَضْمَنَ فَأَلْقَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ فَقَدْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ هَذَا غَيْرُ كَافٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَابِطٍ فَيَقُولُ ضَامِنُهُ أَوْ ضَامِنٌ لَهُ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ الضَّمِيرِ فِيمَا قَبْلَهُ ( قَوْلُهُ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ ) أَوْ طَلِّقْ زَوْجَتَك عَلَى كَذَا فَطَلَّقَ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشِيرَ إلَى مَا يُلْقِيهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ فَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ الْإِلْقَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، قَالَ : وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ
( فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا فِيهَا لَهُ فَقَالَ ) لَهُ مَنْ بِالشَّطِّ أَوْ بِزَوْرَقٍ بِقُرْبِهَا ( أَلْقِ كَذَا ) أَيْ مَتَاعَك أَوْ بَعْضَهُ فِي الْبَحْرِ ( وَأَنَا ضَامِنٌ ) لَهُ فَأَلْقَاهُ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلْمُعْيِنِ الْأَخْذُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عِوَضًا كَمَا لَوْ قَالَ لِمُضْطَرٍّ كُلْ طَعَامَك ، وَأَنَا ضَامِنُهُ لَك فَأَكَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَمِسِ ، وَلَا يَحِلُّ لِلْآكِلِ الْأَخْذُ .
( فَلَوْ قَالَ ) أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ ( وَأَنَا ضَامِنٌ ) لَهُ ( وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ) أَوْ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ أَنَا وَرُكَّابُهَا أَوْ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ ، وَهُمْ ضَامِنُونَ أَوْ أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ لَهُ كُلٌّ مِنَّا عَلَى الْكَمَالِ أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ وَكُلٌّ مِنْهُمْ ضَامِنٌ ( لَزِمَهُ الْجَمِيعُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ ( أَوْ ) قَالَ ( أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ ) لَهُ ( لَزِمَهُ قِسْطُهُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ كُلٌّ مِنَّا بِالْحِصَّةِ ( وَإِنْ أَرَادَ ) بِهِ ( الْإِخْبَارَ عَنْهُمْ ) أَيْ عَنْ ضَمَانٍ سَبَقَ مِنْهُمْ ( فَصَدَّقُوهُ ) فِيهِ ( لَزِمَهُمْ ، وَإِنْ أَنْكَرُوا صُدِّقُوا ) ، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ ( وَإِنْ قَالَ أَنْشَأْت عَنْهُمْ ) الضَّمَانَ ( ثِقَةً بِرِضَاهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ، وَإِنْ رَضَوْا ) ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُوقَفُ ، وَإِنْ قَالَ أَنَا ، وَهُمْ ضُمَنَاءُ وَضَمِنْت عَنْهُمْ بِإِذْنِهِمْ طُولِبَ بِالْجَمِيعِ فَإِنْ أَنْكَرُوا الْإِذْنَ فَهُمْ الْمُصَدَّقُونَ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( فَإِنْ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( قَالَ أَنَا وَهُمْ ضَامِنُونَ ) لَهُ ( وَأُصَحِّحُهُ أَوْ أُخَلِّصُهُ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِي لَزِمَهُ الْجَمِيعُ ) لَوْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى أَلْفٍ أُصَحِّحُهَا لَك أَوْ أَضْمَنُهَا لَك مِنْ مَالِهَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ أَوْ مِنْ مَالِي فِي الثَّانِيَةِ ، وَبِقَوْلِهِ مِنْ مَالِهِمْ فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ قَالَ أَنَا ، وَهُمْ ضَامِنُونَ ) لَهُ ( ثُمَّ بَاشَرَ الْإِلْقَاءَ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمَالِكِ ( فَهَلْ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ ( أَوْ قِسْطَهُ ) عَمَلًا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ ( وَجْهَانِ ) حَكَى الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ نَصُّ الْأُمِّ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قَسَّطَهُ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
وَلَوْ قَالَ أَلْقِ مَتَاعَك ، وَعَلَيَّ نِصْفُ الضَّمَانِ ، وَعَلَى فُلَانٍ ثُلُثُهُ ، وَعَلَى فُلَانٍ سُدُسُهُ لَزِمَهُ النِّصْفُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ ( وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُلْقَى قُبَيْلَ هَيَجَانِ الْبَحْرِ ) إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ حِينَئِذٍ ، وَلَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ فِي الْبَحْرِ مَعَ الْخَطَرِ كَقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْقَى مِثْلِيًّا ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا فِي إيجَابِ الْمِثْلِ مِنْ الْإِجْحَافِ بِالْمُلْتَمِسِ ، وَعَلَّلَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لِمُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ إلَّا مُشْرِفٌ عَلَى هَلَاكٍ ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ يَجِبُ فِي الْمِثْلِيِّ الْمِثْلُ .
قَوْلُهُ : وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ يَجِبُ فِي الْمِثْلِيِّ الْمِثْلُ ) الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْتَدْعِي الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ وَتُعْتَبَرُ بِمَا قَبْلَ الْهَيَجَانِ ، وَفِي وَجْهٍ الْوَاجِبُ فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً كَالْقَرْضِ مُخْتَصَرُ الْكِفَايَةِ ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمِثْلُ وَالثَّانِي الْقِيمَةُ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ مِنْ رَدِّهِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ .
ا هـ .
وَقَالَ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ فَإِذَا أَلْقَاهُ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا فَهَلْ يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ ، وَجْهَانِ كَالْقَرْضِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَتَى لَزِمَ الْمُسْتَدْعِيَ الضَّمَانُ ضَمِنَ الْمِثْلَ بِمِثْلِهِ وَالْمُتَقَوِّمَ بِقِيمَتِهِ ، وَتُعْتَبَرُ بِمَا قَبْلَ هَيَجَانِ الْمَوْجِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ حِينَئِذٍ ، وَلَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ فِي الْبَحْرِ ، وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْهَلَاكِ كَقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّ ، وَعَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً كَالْقَرْضِ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَدْعِيَ يَمْلِكُهُ كَالْمُقْرِضِ .
ا هـ .
يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَلْفِظْهُ الْبَحْرُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ لِعَمْرٍو أَلْقِ مَتَاعَ زَيْدٍ ، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ ) فَفَعَلَ ( ضَمِنَ عَمْرٌو ) دُونَ الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ ضَمِنَ الْآمِرُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( لَفَظَ الْبَحْرُ ) الْمَتَاعَ ( الْمُلْقَى ) فِيهِ عَلَى السَّاحِلِ وَظَفِرْنَا بِهِ ( أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَاسْتَرَدَّ الضَّامِنُ ) مِنْهُ ( عَيْنَ مَا أَعْطَى ) إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا ( مَا سِوَى الْأَرْشِ ) الْحَاصِلُ بِالْغَرَقِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ وَاضِحٌ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَتَلَ الْمَنْجَنِيقُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا أَيْ لَوْ قَتَلَ حَجَرُهُ ( رُمَاتَهُ أَوْ بَعْضَهُمْ ) بِأَنْ عَادَ عَلَيْهِمْ ( سَقَطَ قِسْطُ ) فِعْلِ ( كُلٍّ ) مِنْهُمْ مِنْ دِيَتِهِ ( وَلَزِمَ عَاقِلَةَ الْبَاقِينَ بَاقِي دِيَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ ، وَفِعْلِهِمْ ( فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً أُهْدِرَ الْعُشْرُ مِنْ دِيَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( وَلَزِمَ عَاقِلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ التِّسْعَةِ عُشْرُهَا ، وَكَذَا حُكْمُ دِيَةِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَشَرَةِ إذَا مَاتَ أُهْدِرَ عُشْرُهَا ، وَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْ ) عَاقِلَةِ ( التِّسْعَةِ عُشْرُهَا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ حَصَلَ عَوْدُهُ عَلَى بَعْضِهِمْ بِأَمْرٍ صَنَعَهُ الْبَاقُونَ ، وَقَصَدُوهُ بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ وَغَلَبَتْ إصَابَتُهُ فَهُوَ عَمْدٌ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بَلْ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مُخْطِئٍ ، وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ صَوَّرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ مَدَّ مَعَهُمْ الْحِبَالَ وَرَمَى بِالْحَجَرِ أَمَّا مَنْ أَمْسَكَ خَشَبَةَ الْمَنْجَنِيقِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْكِفَّةِ ، وَلَمْ يَمُدَّ الْحِبَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُبَاشِرُ غَيْرُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قَالَ لَكِنْ نَازَعَ صَاحِبُ الْوَافِي فِي التَّعْلِيلِ ، وَقَالَ جَوْدَةُ الرَّمْيِ بِذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِوَاضِعِ الْحَجَرِ ، وَلَا تُزَالُ يَدُهُ عَلَى الْمِقْلَاعِ وَالسَّهْمِ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى حَدٍّ يَرَاهُ الْجَاذِبُونَ لِلْحِبَالِ ، وَيَنْتَهِي جَذْبُهُمْ بِقُعُودِهِمْ عَلَى الْأَرْضِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّصْوِيرِ فَحَيْثُ تُصُوِّرَ مَا ذُكِرَ فَالْحَقُّ الْأَوَّلُ ، وَإِلَّا فَالثَّانِي ( فَإِنْ رَمَوْا ) بِهِ شَخْصًا ( مُعَيَّنًا أَوْ ) أَشْخَاصًا ( مُعَيَّنِينَ وَغَلَبَتْ الْإِصَابَةُ ) بِهِ ( وَهُمْ حُذَّاقٌ ) فَأَصَابُوا مَنْ قَصَدُوهُ ( فَعَمْدٌ )
لِصِدْقِ حَدِّ الْعَمْدِ بِهِ فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ ( أَوْ لَمْ تَغْلِبْ الْإِصَابَةُ ) بِهِ ( أَوْ قُصِدَ ) بِهِ ( غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ الْجَمَاعَةِ فَشِبْهُ عَمْدٍ ) يُوجِبُ دِيَةً مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يَعْتَمِدُ قَصْدَ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِهِ اُقْتُلْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ ، وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا وَاحِدًا أَوْ أَصَابَ الْحَجَرُ غَيْرَ مَنْ قَصَدُوهُ بِأَنْ عَادَ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ فَخَطَأٌ يُوجِبُ دِيَةً مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَالسَّهْمُ ) إذَا رَمَى بِهِ شَخْصٌ آخَرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جَمَاعَةٍ ( كَذَلِكَ ) أَيْ شِبْهُ عَمْدٍ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَشْخَاصًا مُعَيَّنِينَ وَغَلَبَتْ الْإِصَابَةُ إلَخْ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْآلَةِ أَنْ تَهْلِكَ غَالِبًا لَا فِي إصَابَتِهَا فَمَتَى أَمْكَنَتْ الْإِصَابَةُ وَحَصَلَتْ وَجَبَ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ رَمَى شَخْصًا بِسَهْمٍ قَدْ يُصِيبُهُ ، وَقَدْ لَا يُصِيبُهُ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَيَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِمَا .
ا هـ .
يُجَابُ بِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ فِي الْآلَةِ مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ ذَلِكَ حَيْثُ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ بِهَا كَأَنْ تَكُونَ الْآلَةُ بِيَدِ الْجَانِي أَمَّا الْمَنْجَنِيقُ فَالْمُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْإِصَابَةِ بِهَا لَا فِيهَا وَاسْتِشْهَادُهُ بِرَمْيِ السَّهْمِ ، وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ مِنْ السَّطْحِ لَيْسَ بِتَامٍّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ إفْرَادِ الْمَسْأَلَةِ
( وَلَوْ جَرَحَ ) شَخْصٌ ( مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ هُوَ ) ثَانِيًا ( وَثَلَاثَةٌ ) آخَرُونَ ( وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ فَالدِّيَةُ ) تَلْزَمُهُمْ ( أَرْبَاعًا بِعَدَدِ الْجَارِحِينَ لَا ) أَخْمَاسًا بِعَدَدِ ( الْجِرَاحَاتِ ) وَسُقُوطُ الْخُمُسِ الْآخَرِ بِالرِّدَّةِ ، وَهَذَا الْمَنْفِيُّ وِجْهَةُ نَظَرِ قَائِلِهِ بِمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ فِي الرِّدَّةِ ، وَأَرْبَعَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ( وَيُحَطُّ لِجَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ ) مِنْ الرُّبْعِ ( ثُمُنٌ ) مِنْ الدِّيَةِ ( لِأَنَّ جُرْحَ الرِّدَّةِ هَدَرٌ ) ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرُّبْعِ الْمُوَزَّعِ عَلَيْهِ ، وَعَلَى جُرْحِ الْإِسْلَامِ ثُمُنٌ فَيُحَطُّ مِنْ رُبْعِ جَارِحِيهِمَا وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ، وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ عَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجِرَاحَةِ الْأُولَى فَتَجِبُ الدِّيَةُ أَرْبَاعًا بِلَا حَطٍّ ( أَوْ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ جَرَحَ ثَلَاثَةٌ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحُوهُ مَعَ رَابِعٍ ، وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ ( فَيُحَطُّ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ) ثُمُنٌ لِذَلِكَ ، وَيَبْقَى عَلَى الرَّابِعِ الرُّبْعُ ( وَلَوْ جَرَحَهُ أَرْبَعَةٌ فِي الرِّدَّةِ ثُمَّ ) جَرَحَهُ ( أَحَدُهُمْ مَعَ ثَلَاثَةٍ ) آخَرِينَ ( فِي الْإِسْلَامِ ) ، وَمَاتَ بِالْجَمِيعِ ( فَعَلَى الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ ، وَعَلَى جَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ نِصْفُ سُبُعٍ ، وَيُهْدَرُ الْبَاقِي ) ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَنِصْفُ سُبْعٍ ؛ لِأَنَّ جِرَاحَاتِ الرِّدَّةِ هَدَرٌ ( وَإِنْ جَرَحَهُ أَرْبَعَةٌ فِي الرِّدَّةِ ثُمَّ ) جَرَحَهُ ( أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ ) فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ ( لَزِمَهُ ثُمُنٌ ) مِنْ الدِّيَةِ ( وَيُهْدَرُ الْبَاقِي ) لِمَا مَرَّ ( وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ) فَلَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةٌ فِي الرِّدَّةِ ثُمَّ أَحَدُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ سُدُسُ الدِّيَةِ ، وَهُدِرَ الْبَاقِي ، وَلَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ فِي الرِّدَّةِ ثُمَّ أَحَدُهُمَا مَعَ ثَالِثٍ فِي الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ سُدُسُ الدِّيَةِ ، وَلَزِمَ الثَّالِثَ ثُلُثُهَا ، وَهُدِرَ الْبَاقِي .
( وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِرَاحُ ) مِنْ وَاحِدٍ ( خَطَأً ، وَعَمْدًا ) وَشَارَكَهُ غَيْرُهُ ( بِأَنْ جَرَحَهُ خَطَأً ثُمَّ جَرَحَهُ مَعَ آخَرَ عَمْدًا تَنَاصَفَا الدِّيَةَ ، وَيُخَفَّفُ عَلَى ) ، وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ ( الْعَاقِلَةِ نِصْفُ مَا عَلَى جَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ ، وَقِسْ عَلَيْهِ كَمَا فِي ) مَسْأَلَةِ ( الرِّدَّةِ ) السَّابِقَةِ فَلَوْ جَرَحَ شَخْصٌ آخَرُ خَطَأً ثُمَّ جَرَحَهُ مَعَ ثَلَاثَةٍ عَمْدًا فَمَاتَ بِالْجَمِيعِ تَرَبَّعُوا الدِّيَةَ ، وَيُخَفَّفُ عَلَى عَاقِلَةِ جَارِحِ الْمَرَّتَيْنِ نِصْفُ مَا عَلَيْهِ ( وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ زَيْدًا ) ، وَهُوَ حُرٌّ ( ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ ) بِأَنْ قَطَعَهَا بَكْرٌ ( ثُمَّ جَرَحَ الْعَبْدُ عَمْرًا ، وَمَاتَ الْعَبْدُ بِالسِّرَايَةِ ) سَوَاءٌ أَمَاتَ زَيْدٌ ، وَعَمْرٌو بِهَا أَمْ لَمْ يَمُوتَا ( فَعَلَى الْقَاطِعِ ) لِيَدِ الْعَبْدِ ( قِيمَتُهُ ، وَيَخْتَصُّ زَيْدٌ ) مِنْهَا ( بِأَرْشِ ) نَقْصِ ( الْيَدِ ) لِوُرُودِ الْقَطْعِ عَلَى مُتَعَلِّقِ حَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَمْرٍو ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَرْشُ ( مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ) بِقَطْعِ يَدِهِ لَا نِصْفُ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ زَيْدٍ اخْتَصَّ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ ، وَلَيْسَ بِجَائِزٍ ؛ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا صَارَتْ نَفْسًا سَقَطَ اعْتِبَارُ بَدَلِ الطَّرَفِ .
( وَيُضَارِبُ ) زَيْدٌ ( عَمْرًا فِي الْبَاقِي ) مِنْ الْقِيمَةِ ( بِمَا بَقِيَ ) لَهُ فَلَوْ قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ مُسْلِمٍ حُرٍّ وَأُخْرَى مِنْ آخَرَ ، وَقَدْ قُطِعَتْ يَدُهُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ لِكُلٍّ خَمْسُونَ بَعِيرًا فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ نُقْصَانَ يَدِهِ بِقَدْرِ عَشَرَةِ أَبْعِرَةٍ دَفَعْنَا لِلْأَوَّلِ ، وَبَقِيَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَلِلثَّانِي خَمْسُونَ فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَقِيَّةُ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَتْسَاعًا .
( وَإِنْ حَفَرَ ) شَخْصٌ ( بِئْرًا عُدْوَانًا ثُمَّ أَحْكَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ سَدَّ رَأْسِهَا فَفَتَحَهُ آخَرُ ضَمِنَ ) الْآخَرُ مَا هَلَكَ بِهَا كَمَا مَرَّ فِي فَرْعِ يَتَنَاصَفُ الضَّمَانَ حَافِرٌ ، وَمُعَمِّقٌ .
( وَإِنْ وَقَعَتْ بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ ) ، وَلَوْ حُفِرَتْ عُدْوَانًا ( وَلَمْ تَنْصَدِمْ ) ، عِبَارَةِ الْأَصْلِ وَلَمْ تَتَأَثَّرْ وَبَقِيَتْ مُدَّةً ( وَمَاتَتْ جُوعًا ) أَوْ عَطَشًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ ، وَبَقِيَتْ مُدَّةً ( وَمَاتَتْ جُوعًا ) أَوْ عَطَشًا ( أُهْدِرَتْ ) فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ لِحُدُوثِ سَبَبٍ آخَرَ كَمَا لَوْ افْتَرَسَهَا سَبُعٌ فِي الْبِئْرِ .
( وَإِنْ تَضَارَبَا ) أَيْ اثْنَانِ ( فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بِصَوْلَةٍ وَضَرْبَةِ صَاحِبِهِ ) لَهُ ( فَنِصْفُ دِيَتِهِ ) وَاجِبٌ عَلَى صَاحِبِهِ ( وَأُهْدِرَ قِسْطُ صَوْلَتِهِ ) وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَ بِصَوْلَتِهِ ، وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ دَخَلَ بَعِيرٌ لَمْ يُعْرَفْ بِفَسَادٍ بَيْنَ ) بَعِيرَيْنِ ( مَقْرُونَيْنِ ) بِحَبْلٍ ( فَخَنَقَهُمَا ) بِجَذْبِهِ الْحَبْلَ ( أُهْدِرَا ) بِخِلَافِ مَا إذَا عُرِفَ بِالْفَسَادِ فَيَضْمَنُ مَالِكُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِإِطْلَاقِهِ وَالْأَصْلُ صَوَّرَ ذَلِكَ بِخَنْقِ أَحَدِهِمَا ، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ .
قَوْلُهُ : فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِصَوْلَةٍ ) أَيْ وَثْبَتِهِ
( الطَّرَفُ الْخَامِسُ فِي ) حُكْمِ ( السِّحْرِ ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ ) لَا كَمَا قِيلَ : إنَّهُ تَخْيِيلٌ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَالسَّاحِرُ قَدْ يَأْتِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَسْحُورِ فَيَمْرَضُ ، وَيَمُوتُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى بَدَنِهِ مِنْ دُخَانٍ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ دُونَهُ ، وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ ( ، وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ إبَاحَتِهِ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ ) تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا أَوْ فِعْلًا ، وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ تَعَلَّمَهُ ( أَثِمَ ) فَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ بَلْ إنْ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادٍ مُكَفِّرٍ كَفَرَ ، قَالَ فِي الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إلَّا عَلَى فَاسِقٍ ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى فَاسِقٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ ( وَتَحْرُمُ الْكِهَانَةُ ) أَيْ تَعْلِيمُهَا ، وَفِعْلُهَا ( وَالتَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالشَّعِيرِ وَالشَّعْبَذَةُ ) كَذَلِكَ ( وَحُلْوَانُهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ أَيْ إعْطَاءً أَوْ أَخْذًا لِعِوَضٍ عَنْهَا بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَالْكَاهِنُ مَنْ يُخْبِرُ بِوَاسِطَةِ النَّجْمِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ الْعَرَّافِ فَإِنَّهُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ الْوَاقِعَةِ كَعَيْنِ السَّارِقِ ، وَمَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَا يَغْتَرُّ بِجَهَالَةِ مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ ، وَإِنْ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بِخَطٍّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ لَهُ فَلَا بَأْسَ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُوَافَقَةَ فَلَا يَجُوزُ .
( فَصْلٌ : إنَّمَا يُعْتَمَدُ فِي ) تَأْثِيرِ ( السِّحْرِ ) مِنْ السَّاحِرِ ( إقْرَارُهُ بِهِ ) لَا بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشَاهِدُ تَأْثِيرَهُ ، وَلَا يُعْلَمُ قَصْدُ السَّاحِرِ نَعَمْ يَثْبُتُ بِهَا تَأْثِيرُهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ سَاحِرٌ أَنَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنَّ مَا اعْتَرَفَ بِهِ فُلَانٌ يَقْتُلُ غَالِبًا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ( فَإِنْ قَالَ قَتَلْته بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ ) عَلَيْهِ ( أَوْ ) يَقْتُلُ ( نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ أَوْ ) قَالَ ( قَصَدْت ) بِهِ ( غَيْرَهُ ) فَأَصَبْته ( فَخَطَأٌ ) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ فِي الثَّلَاثَةِ ( وَالدِّيَةُ ) الْوَاجِبَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ( فِي مَالِهِ ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ ( إلَّا إنْ صَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ ) فَتَجِبُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِتَصْدِيقِهَا .
( فَرْعٌ : لَوْ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي ) ، وَلَمْ أُمْرِضْهُ ( نُهِيَ ) عَنْهُ ( فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ ) ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْعُدْ ( أَوْ ) قَالَ ( أَمْرَضْته بِهِ عُزِّرَ ) ؛ لِأَنَّ السِّحْرَ كُلَّهُ حَرَامٌ ( فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ كَانَ لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ) أَيْ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ السَّاحِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ ، وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ ( فَإِذَا ادَّعَى السَّاحِرُ بُرْأَهُ ) مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ( وَاحْتُمِلَ ) بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فِيهَا ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْت بِسِحْرِي ، وَلَمْ يُعَيِّنْ ) أَحَدًا ( عُزِّرَ ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا ( وَلَا قِصَاصَ لِأَحَدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَالتَّصْرِيحُ بِلُزُومِ التَّعْزِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( اعْتَرَفَ ) شَخْصٌ ( بِقَتْلِهِ ) إنْسَانًا ( بِالْعَيْنِ فَلَا ضَمَانَ ، وَلَا كَفَّارَةَ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا ، وَلَا تُعَدُّ مُهْلِكَةً ، وَدَلِيلُ أَنَّهَا حَقٌّ خَبَرُ مُسْلِمٍ { الْعَيْنُ حَقٌّ } ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ( ، وَيُسْتَحَبُّ ) لِلْعَائِنِ ( أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَعِينِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ( بِالْمَأْثُورِ ) أَيْ الْمَنْقُولِ ، وَهُوَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ ، وَلَا تَضُرَّهُ ( وَأَنْ يَقُولَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ كَبَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ ( وَ ) أَنْ ( يَغْسِلَ جِلْدَهُ مِمَّا يَلِي إزَارَهُ بِمَاءٍ ، وَيَصُبَّ عَلَى الْمَعِينِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ - أَيْ طُلِبَ مِنْكُمْ الْغُسْلُ - فَاغْسِلُوا } قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِك مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَى الْمَعِينِ ، وَبِمَا قَالَهُ عُلِمَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِغَسْلِ جِلْدِهِ لَا يُطَابِقُ أَصْلَهُ ( وَ ) أَنْ ( يَغْتَسِلَ ) الْمَعِينُ ( بِوُضُوئِهِ ) أَيْ الْعَائِنِ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَغْسِلَ مِنْهُ الْمَعِينُ ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ يَغْتَسِلَ بِأَوْ وَالْأُولَى هِيَ الْمُطَابِقَةُ لِلْأَصْلِ .
قَوْلُهُ : فَرْعٌ اعْتَرَفَ بِقَتْلِهِ بِالْعَيْنِ إلَخْ ) أَيْ أَوْ الْحَالِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا ) ، وَلَا تُعَدُّ مُهْلِكَةً ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ بِهَا اخْتِيَارًا ، قَالَ الْإِمَامُ وَلِهَذَا لَوْ نَظَرَ ، وَهُوَ صَائِمٌ إلَى مَنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَلَوْ كَانَ لِلنَّظَرِ أَثَرٌ فِي الضَّمَانِ لَأَفْسَدَهُ .
( الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْعَاقِلَةِ ) وَمَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ ، وَفِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ .
( وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ فِي بَيَانِهَا ) أَيْ الْعَاقِلَةِ وَالْأَصْلُ فِي تَحَمُّلِهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي } ، وَفِيهِمَا أَنَّ { امْرَأَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَحَذَفَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا ، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا } أَيْ الْقَاتِلَةِ ، وَقَتْلُهَا شِبْهُ عَمْدٍ فَثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ أَوْلَى ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْجَانِي مِنْهُمْ ، وَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَأَبْدَلَ الشَّرْعُ تِلْكَ النُّصْرَةَ بِبَذْلِ الْمَالِ ، وَخَصَّ تَحَمُّلَهُمْ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَكْثُرُ لَا سِيَّمَا فِي مُتَعَاطِي الْأَسْلِحَةِ فَحَسُنَتْ إعَانَتُهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ وَأُجِّلَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ رِفْقًا بِهِمْ وَسُمُّوا عَاقِلَةً لِعَقْلِهِمْ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَيُقَالُ لِتَحَمُّلِهِمْ عَنْهُ الْعَقْلَ أَيْ الدِّيَةَ ، وَيُقَالُ لِمَنْعِهِمْ عَنْ الْقَاتِلِ وَالْعَقْلُ الْمَنْعُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ مِنْ الْفَوَاحِشِ .
( وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ ) ثَلَاثٌ ( الْعَصَبَةُ ) مِنْ النَّسَبِ ( وَالْوَلَاءُ ، وَبَيْتُ الْمَالِ ) لَا غَيْرُهَا كَزَوْجِيَّةٍ ، وَمُحَالَفَةٍ ، وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ ( فَلَا يَتَحَمَّلُ الْقَاتِلُ ) مَعَ وُجُودِ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَحَمَّلَ فِيهِ لِمَا مَرَّ ( وَلَا أُصُولُهُ ، وَ ) لَا ( فُرُوعُهُ ) كَالْقَاتِلِ إذْ مَالُهُمْ كَمَالِهِ بِدَلِيلِ لُزُومِ النَّفَقَةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ ، وَبَرَأَ الْوَالِدُ أَيْ مِنْ الْعَقْلِ ، وَفِي النَّسَائِيّ { لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ } (
كَابْنِ الْجَانِيَةِ ، وَلَوْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمِّهَا ) أَوْ مُعْتِقَهَا فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا ، وَإِنْ كَانَ يَلِي نِكَاحَهَا ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ هُنَا مَانِعَةٌ وَثَمَّ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ فَإِذَا وُجِدَ مُقْتَضٍ زُوِّجَ بِهِ .
( وَيُقَدَّمُ ) مِنْهُمْ ( الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْمُدْلِي بِالْأَبَوَيْنِ ) عَلَى الْمُدْلِي بِالْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ مَنْ ذُكِرَ ( كَالْمِيرَاثِ ) وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ ( فَإِنْ عُدِمُوا ) أَيْ الْعَاقِلَةُ مِنْ النَّسَبِ ( أَوْ لَمْ يَفُوا ) بِالْوَاجِبِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ ( فَالْمُعْتِقُ ) يَتَحَمَّلُ لِخَبَرِ { الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } ( فَإِنْ فُقِدَ ، وَكَذَا لَوْ فَضَلَ ) عَنْ الْوَاجِبِ ( شَيْءٌ فَعَصَبَتُهُ ) مِنْ النَّسَبِ ( ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ) ، وَهَكَذَا ( ثُمَّ مُعْتِقُ أَبِي الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ) ، وَهَكَذَا ( ثُمَّ مُعْتِقُ جَدِّ الْمُعْتَقِ ) ثُمَّ عَصَبَتُهُ ( وَهَكَذَا ) إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي كَالْإِرْثِ وَيُفَارِقُ الْأَخْذَ مِنْ الْبَعِيدِ إذَا لَمْ يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ الْإِرْثِ حَيْثُ يَحُوزُهُ الْأَقْرَبُ بِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِمِيرَاثِ الْعَصَبَةِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ هُنَا فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْأَصْلِ وَذَوُو الْأَرْحَامِ لَا يَتَحَمَّلُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَّا إذَا قُلْنَا بِتَوْرِيثِهِمْ فَيَتَحَمَّلُونَ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ كَمَا يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِهِمْ .
انْتَهَى .
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ ذَكَرًا غَيْرَ أَصْلٍ ، وَلَا فَرْعٍ .
( الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْعَاقِلَةِ ) ( قَوْلُهُ : وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ ) ضَرْبُ الدِّيَةِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَاتِلِ لِمَصْلَحَةِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ مَعَ عَدَمِ تَحْمِيلِ الْقَاتِلِ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقَتْلُ وَكَوْنُ أَوْلِيَائِهِ يَغْنَمُونَ بِكَوْنِهِ مَقْتُولًا فَلْيَغْرَمُوا بِكَوْنِهِ قَاتِلًا ، وَلِذَلِكَ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا لَكَ غُنْمُهُ فَعَلَيْك غُرْمُهُ } ( قَوْلُهُ : وَخُصَّ تَحَمُّلُهُمْ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ ) وَخَرَجَ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةُ الْعَمْدِ فَتَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا ، وَلَا صُلْحًا ، وَلَا اعْتِرَافًا ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : لَا خِلَافَ فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثٌ ) شَمِلَ خَطَأَ الْإِمَامِ ، وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا عَلَى طَرَفِهِ بَلْ هِيَ هَدَرٌ ( قَوْلُهُ : بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ ) ، وَلَا بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ فُقِدَ ) أَيْ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ ) فَعُلِمَ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى عَصَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَيَّدُوا الضَّرْبَ عَلَى عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ بِمَوْتِهِ ، وَقَالَ إنَّهُ لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَلَاءِ ، وَلَا بِالْوَلَاءِ فِي حَيَاتِهِ فَهُمْ كَالْأَجَانِبِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ مُعْتِقُ جَدِّ الْمُعْتِقِ ) ، وَهَكَذَا ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقٌ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ انْتَقَلْنَا إلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ ثُمَّ إلَى عَصَبَتِهِ غَيْرِ أُصُولِهِ ، وَفُرُوعِهِ ثُمَّ إلَى مَوَالِي الْجَدَّاتِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ ، وَمَوَالِي الذُّكُورِ الْمُدْلِينَ بِالْإِنَاثِ كَالْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ قَوْلُهُ : قَالَ
الْمُتَوَلِّي : إلَّا إذَا قُلْنَا بِتَوْرِيثِهِمْ فَيَتَحَمَّلُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ ، وَعَلَى هَذَا فَيَتَحَمَّلُونَ فِي زَمَانِنَا لِمَا سَبَقَ فِي الْفَرَائِضِ ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِتَحَمُّلِهِمْ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ ، وَقَالَ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ كَذِي الرَّحِمِ لَا يَتَحَمَّلُ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْعَصَبَةِ
( ، وَلَا يَدْخُلُ ) فِي الْعَاقِلَةِ ( فَرْعُ الْمُعْتِقِ ، وَ ) لَا ( أَصْلُهُ ) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوْلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهَا دُونَ ابْنِهَا الزُّبَيْرِ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ، وَقِيسَ بِالِابْنِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ قَالَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ يَتَحَمَّلُ فَهُمَا كَالْمُعْتِقِ لَا كَالْجَانِي ، وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا ، وَبَيْنَ الْجَانِي بِأَصْلِيَّةٍ ، وَلَا فَرْعِيَّةٍ ( ، وَيَعْقِلُ عَتِيقُ الْمَرْأَةِ ) الْجَانِي ( عَاقِلَتَهَا ) الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الدِّيَةَ عَنْهَا لَوْ وَجَبَتْ كَمَا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ يُزَوِّجُ عَتِيقَتُهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا .
( قَوْلُهُ : وَقِيسَ بِالِابْنِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ ) ؛ وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمُعْتِقِ عَنْ عَتِيقِهِ سَبَبُهُ إعْتَاقُهُ إيَّاهُ فَنُزِّلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ مَنْزِلَةَ جِنَايَتِهِ
( وَمَنْ اعْتَرَفَ بِنَسَبِ لَقِيطٍ لَزِمَ عَصَبَتَهُ ) دِيَةُ جِنَايَتِهِ ( إنْ لَمْ تُكَذِّبْهُ الْبَيِّنَةُ ) ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ لَهَا ، وَإِذَا لَزِمَتْ الدِّيَةُ عَصَبَتَهُ لَزِمَتْهُ هُوَ بِالْأَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّقِيطُ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ .
( فَإِنْ أَعْتَقَهُ جَمَاعَةٌ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ حِصَّةً وَاحِدَةً رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ نِصْفَهُ ) بِحَسَبِ الْحَالِ فَالْمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ فِيمَا عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِجَمِيعِهِمْ لَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَعَلَى الْكُلِّ نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ مُتَوَسِّطِينَ فَرُبْعُ دِينَارٍ أَوْ بَعْضًا ، وَبَعْضًا فَعَلَى كُلِّ غَنِيٍّ حِصَّتُهُ مِنْ النِّصْفِ لَوْ كَانَ الْكُلُّ أَغْنِيَاءَ ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ حِصَّتُهُ مِنْ الرُّبْعِ لَوْ كَانَ الْكُلُّ مُتَوَسِّطِينَ ( فَإِنْ مَاتَ ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ جَمِيعُهُمْ ( فَعَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْ عَصَبَتِهِ مِثْلُ مَا ) كَانَ ( عَلَيْهِ ) مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ بِحَسَبِ حَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ ( فَإِنْ مَاتَ مُعْتِقٌ ) لَهُ ، وَكَانَ وَاحِدًا ( عَنْ عَصَبَتِهِ حَمَلَ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( حِصَّةً تَامَّةً مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبْعِهِ ) فَلَا يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ يَتَحَمَّلُهُ الْمُعْتِقُ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ آنِفًا ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَتَوَزَّعُ عَلَى الْمُعْتِقِينَ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ الْقَدْرُ الْمُتَحَمَّلُ بِخِلَافِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لَا يُوَزَّعُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا يَرِثُونَهُ بَلْ يَرِثُونَ بِهِ كَمَا مَرَّ فَالْوَلَاءُ فِي حَقِّهِمْ كَالنَّسَبِ ( ، وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ ، وَلَا عَصَبَتُهُ ) عَنْ مُعْتِقِهِ إذْ لَا إرْثَ .
( فَصْلٌ : ) لَوْ ( جَرَحَ ابْنُ عَتِيقَةٍ ) أَبَاهُ رَقِيقٌ ( رَجُلًا ) خَطَأً ( ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ بِعِتْقِ أَبِيهِ ) إلَى مَوَالِي أَبِيهِ ( فَمَاتَ الْجَرِيحُ ) بِالسِّرَايَةِ ( فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ بَدَلُ أَرْشِ الْجُرْحِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ حِينَ الْجُرْحِ لَهُمْ وَزَادَ لَفْظَ بَدَلَ بِلَا فَائِدَةٍ ( وَالْبَاقِي ) مِنْ الدِّيَةِ إنْ كَانَ ( عَلَى الْجَانِي ) لِحُصُولِ السِّرَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَهُ لَا عَلَى مَوَالِي أُمِّهِ لِانْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ ، وَلَا عَلَى مَوَالِي أَبِيهِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ عَلَى الِانْجِرَارِ ، وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِوُجُودِ جِهَةِ الْوَلَاءِ بِكُلِّ حَالٍ ؛ وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ نَعَمْ يَتَحَمَّلُ مِنْهُ مَوَالِي الْأُمِّ مَا زَادَ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْجِرَارِ فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ قَطْعَ أُصْبُعٍ فَسَرَى إلَى الْكَفِّ ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ لَزِمَ مَوَالِيَ الْأُمِّ مَعَ أَرْشِ الْأُصْبُعِ ، وَهُوَ عُشْرُ الدِّيَةِ مَا زَادَ قَبْلَ الِانْجِرَارِ ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَعْشَارِهَا ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إلَى الْكَفِّ حَصَلَتْ حِينَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَكَانَتْ كَأَصْلِ الْجِرَاحَةِ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ .
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَاقٍ بِأَنْ سَاوَى أَرْشُ الْجُرْحِ الدِّيَةَ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ حِينَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ يُوجِبُ هَذَا الْقَدْرَ ، وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَزِيدَ قَدْرُ الْوَاجِبِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِالسِّرَايَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ الِانْجِرَارِ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ ( وَقَدْ جَرَحَهُ ) جَارِحُهُ ( ثَانِيًا ) خَطَأً ( بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ فَعَلَى مَوَالِي الْأَبِ نِصْفُهَا ) الْأَوْلَى بَاقِيهَا ( أَيْضًا ) أَيْ كَمَا يَجِبُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ ( ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا خَطَأً ، وَمَاتَ ) الْجَرِيحُ
بِالسِّرَايَةِ ( بَعْدَ إسْلَامِهِ ) أَيْ الذِّمِّيِّ ( فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ مَا يَخُصُّ الْجُرْحَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ عَاقِلَتُهُ حِينَ الْجُرْحِ ( وَبَاقِي الدِّيَةِ ) إنْ كَانَ ( عَلَيْهِ ) لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ ، وَقَوْلُهُ مُسْلِمًا مِثَالٌ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ رَجُلًا ( فَإِنْ مَاتَ ) الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ ( وَقَدْ جَرَحَهُ ) جَارِحُهُ ( ثَانِيًا ) خَطَأً ( وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَعَلَى ) عَاقِلَتِهِ ( الذِّمِّيِّينَ النِّصْفُ ) الْآخَرُ ( إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَرْشُ أَقَلَّ ) مِنْهُ .
( فَإِنْ كَانَ ) أَقَلَّ مِنْهُ كَأَرْشِ مُوضِحَةٍ ( فَعَلَيْهِمْ الْأَرْشُ ) فَقَطْ ( وَالْبَاقِي ) مِنْ النِّصْفِ ( عَلَى الْجَانِي فَإِنْ كَانَ ) جُرْحُهُ ( الثَّانِي مُذَفِّفًا فَكُلُّ الدِّيَةِ ) عَلَى عَاقِلَتِهِ ( الْمُسْلِمِينَ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ جُرِحَ ثُمَّ قُتِلَ يَدْخُلُ أَرْشُ جُرْحِهِ فِي الدِّيَةِ ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَجَرَحَهُ مَعَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِجُرْحَيْهِ حِصَّةُ جُرْحِ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ الرُّبْعُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ رُبْعٌ إنْ لَمْ تَكُنْ حِصَّةُ جُرْحِ الْكُفْرِ دُونَ الرُّبْعِ ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ قَدْرُ الْأَرْشِ وَالْبَاقِي عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَإِنْ تَخَلَّلَتْ ) مِمَّنْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ شَخْصًا فَمَاتَ ( رِدَّةٌ أَوْ إسْلَامٌ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ ) ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الرِّدَّةُ أَوْ الْإِسْلَامُ بِالْإِصَابَةِ ( فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ .
( وَمَنْ حَفَرَ ) ، وَكَانَ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا ( بِئْرًا عُدْوَانًا أَوْ رَمَى صَيْدًا فَعَتَقَ ) الْعَبْدُ ( أَوْ عَتَقَ أَبَاهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ ) إلَى مَوْلَى أَبِيهِ ( أَوْ أَسْلَمَ ) الذِّمِّيُّ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْإِسْلَامِ ( تَرَدَّى رَجُلٌ ) فِي الْبِئْرِ ( أَوْ أَصَابَهُ السَّهْمُ ) فَمَاتَ ( أَوْ عَتَقَ أَبُوهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ ) إلَى مَوَالِي أَبِيهِ ( أَوْ أَسْلَمَ ) الذِّمِّيُّ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْإِسْلَامِ ( تَرَدَّى رَجُلٌ ) فِي الْبِئْرِ ( أَوْ أَصَابَهُ السَّهْمُ ) فَمَاتَ ( ضَمِنَ ) الْحَافِرُ أَوْ الرَّامِي الدِّيَةَ ( فِي مَالِهِ ) فَلَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ لِانْتِقَالِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْوُجُوبِ ، وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا مَرَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ حَفْرِ الذِّمِّيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ رَجُلًا خَطَأً فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ ) مِنْهُ ( اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ فَيَلْزَمُهُ إنْ مَاتَ بِهِ ) أَيْ بِالْجِرَاحِ ( الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِهَا ) أَيْ الْجِرَاحَةِ ( وَقِيمَتُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( وَعَلَى الْعَتِيقِ بَاقِي الدِّيَةِ ) إنْ كَانَ لَا عَلَى سَيِّدِهِ ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِمَا مَرَّ .
( وَإِنْ مَاتَ ) جَرِيحٌ ( بِجِرَاحَةٍ خَطَأً ، وَقَدْ ارْتَدَّ جَارِحُهُ ) بَعْدَ جُرْحِهِ ( فَالْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجُرْحِ ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي ) مِنْ الدِّيَةِ إنْ كَانَ ( فِي مَالِهِ ) فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْبَاقِي فِي مَالِهِ ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ جُرِحَ ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ إذْ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ .
( وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الرِّدَّةُ ) مِنْ الْجَارِحِ ( بَيْنَ إسْلَامِيُّهُ ) ، وَقَبْلَ مَوْتِ الْجَرِيحِ ( فَهَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ جَمِيعُ الدِّيَةِ ) اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ ( أَمْ ) عَلَيْهِمْ ( أَرْشُ الْجُرْحِ ، وَالزَّائِدُ ) عَلَيْهِ ( فِي مَالِهِ ) لِحُصُولِ بَعْضِ السِّرَايَةِ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ فَتَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلتَّحَمُّلِ ( قَوْلَانِ ) قَالَ الرَّبِيعُ : أَصَحُّهُمَا عِنْدِي الْأَوَّلُ ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ إنْ عَادَ قَرِيبًا ، وَعَلَيْهِ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِ الْعَاقِلَةِ أَوْلِيَاءً لِلنِّكَاحِ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ ، وَعَلَى الثَّانِي جَرَى الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
قَوْلُهُ : وَعَلَى الثَّانِي جَرَى الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَإِنْ فُقِدَتْ الْعَاقِلَةُ أَوْ أَعْسَرُوا ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَفُوا بِوَاجِبِ الْحَوْلِ عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ ) عَنْ الْجَانِي الْمُسْلِمِ كَمَا يَرِثُهُ وَلِخَبَرِ { أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ } ( لَا عَنْ ذِمِّيٍّ ، وَمُرْتَدٍّ ) كَمَا لَا يَرِثُهُمَا ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَا لَهُمَا فَيْءٌ ( بَلْ ) تَجِبُ الدِّيَةُ ( فِي مَالِهِمَا مُؤَجَّلَةً فَإِنْ مَاتَا حَلَّتْ ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْمُسْتَأْمَنُ فِي ذَلِكَ كَالذِّمِّيِّ .
، ( قَوْلُهُ : أَوْ أَعْسَرُوا ) أَوْ عُدِمَتْ أَهْلِيَّةُ تَحَمُّلِهِمْ لِفَقْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهَا ( قَوْلُهُ : عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ ) تَصْدِيقُ الْإِمَامِ كَتَصْدِيقِ الْعَاقِلَةِ حَتَّى يَجِبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَذَّبَهُ وَجَبَ فِي مَالِ الْجَانِي ( قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَأْمَنُ ) أَيْ وَالْمُعَاهَدُ
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَاقِلَةِ ) ، وَهِيَ خَمْسٌ التَّكْلِيفُ ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَاتِّفَاقُ الدِّينِ ( فَلَا يَعْقِلُ صَبِيٌّ ، وَمَعْتُوهٌ ، وَفَقِيرٌ ، وَإِنْ اعْتَمَلَ ) أَيْ اكْتَسَبَ ( وَرَقِيقٌ ) ، وَمُبَعَّضٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( وَامْرَأَةٌ ، وَخُنْثَى ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ ؛ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ ، وَإِنْ مَلَكَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ ( فَلَوْ بَانَ ) الْخُنْثَى ( ذَكَرًا غَرِمَ حِصَّتَهُ ) الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي شَاهِدِ النِّكَاحِ وَوَلِيِّهِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي سَتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَغْرِسُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْمُؤَدِّي ، وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى الْمُسْتَحِقِّ ( ، وَلَا ) يَعْقِلُ ( مُسْلِمٌ عَنْ ذِمِّيٍّ ، وَ ) لَا ( عَكْسُهُ ) لِمَا مَرَّ ( ، وَيَتَعَاقَلُ يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ) أَيْ عَقَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا يَتَوَارَثَانِ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ( وَ ) يَتَعَاقَلُ ( ذِمِّيٌّ ، وَمُعَاهَدٌ بَقِيَ عَهْدُهُ مُدَّةَ الْأَجَلِ ) وَاعْتَبَرَ الْأَصْلُ زِيَادَةَ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَى الْأَجَلِ فَخَرَجَ بِهِ مَا إذَا نَقَصَتْ عَنْهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَمَا إذَا سَاوَتْهُ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضِي ، وَيَكْفِي فِي تَحَمُّلِ كُلِّ حَوْلٍ عَلَى انْفِرَادِهِ زِيَادَةُ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحَمُّلِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا ؛ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِنَا ( لَا حَرْبِيٍّ ) فَلَا يَعْقِلُ عَنْ ذِمِّيٍّ ، وَلَا مُعَاهَدٍ ، وَلَا يَعْقِلَانِ عَنْهُ ، وَإِنْ اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا لِانْقِطَاعِ الْمُنَاصَرَةِ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ الدَّارِ ( وَإِذَا فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ ) بِأَنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ
الْبَاقِي مِنْهُ ( فَعَلَى الْجَانِي ) الضَّمَانُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً كَمَا فِي سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنْ كَانَ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِعَدَمِ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ أُخِذَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَبْلَ الْجَانِي عَلَى مَا مَرَّ ( لَا ) عَلَى ( فَرْعِهِ ، وَأَصْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيجَابِ بِخِلَافِهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَمُبَعَّضٌ ) كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ ، قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ إلَخْ فِيمَا عُلِّلَ أَنَّهُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُقَيِّدُوا الْمُنَاصَرَةَ بِالظُّهُورِ ، وَالْمُنَاصَرَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ كَمَا فِي الْهَرَمِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهِ وَالْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ طُولَ عُمُرِهِ .
ش قَوْلُهُ : وَيَتَعَاقَدُ ذِمِّيٌّ ، وَمُعَاهَدٌ أَيْ ، وَمُسْتَأْمَنٌ قَوْلُهُ : بَقِيَ عَهْدُهُ مُدَّةَ الْأَجَلِ بِأَنْ زَادَ أَيْ الْعَهْدُ عَلَى مُدَّتِهِ قَوْلُهُ : لِانْقِطَاعِ الْمُنَاصَرَةِ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ الدَّارِ ؛ وَلِأَنَّ التَّغْرِيمَ تَضْمِينٌ ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ مَا يُتْلِفُهُ قَرِيبُهُ أَوْلَى قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : بِأَنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ الْبَاقِي مِنْهُ أَيْ ، وَلَوْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ ظُلْمًا أَوْ كَانَ ثَمَّ مَصْرِفٌ أَهَمُّ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ مَنَعَ صَاحِبُ الشَّوْكَةِ دَفْعَ الْعَقْلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ كَمَا لَوْ امْتَنَعَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ دَفْعِ الْعَقْلِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَلَا مِنْ الْجَانِي ، قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ : فِي شَرْحِهِ ، وَهَاتَانِ فَائِدَتَانِ لَا تَسَعُ الْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِمَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُونَوِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إذَا مُنِعَتْ أَخَذَتْ الدِّيَةَ مِنْ الْجَانِي ، قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي وَيُنَزَّلُ مَنْعَ الظُّلْمَةِ مَنْزِلَةَ الْفَقْدِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّ حَيْلُولَةَ الظُّلْمَةِ دُونَ أَمْوَالِهِ كَفَقْدِهِ ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا ، وَكَذَا يَنْبَغِي لَوْ لَمْ يَحُولُوا دُونَهَا ، وَلَكِنْ ثَمَّ مَصْرِفٌ أَهَمُّ ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ