كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري

السَّيِّدِ وَالرَّجُلِ لَا تَمْنَعُ إفْرَادَ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَهُمَا وَبِالْمَحْصُورِينَ غَيْرُهُمْ كَأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ فَلَا يُؤَمِّنُهُمْ الْآحَادُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَمَانِ ) ( قَوْلُهُ : لِكُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ) مِثْلُ الْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ ( قَوْلُهُ : وَفَاسِقٌ ) وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِسَبَبِ مَعُونَتِهِ لِلْحَرْبِيِّينَ عَلَيْنَا ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْأَسِيرُ أَمِينًا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي أَمَانٍ مِمَّنْ هُوَ فِي أَسْرِهِ صَحَّ أَمَانُهُ إيَّاهُ إذَا صَدَرَ مِنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ وَجْهَ النَّظَرِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ( قَوْلُهُ : أَمَّا أَسِيرُ الدَّارِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي التَّنْبِيهِ ) وَفِي التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ مَا يَقْتَضِيه وَاعْتَمَدَهُ النَّسَائِيّ فِي نُكَتِهِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ أَمَانِ الْأَسِيرِ الذِّمِّيِّ أُطْلِقَ مِنْ الْقَيْدِ وَالْحَبْسِ وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ مَمْنُوعًا مِنْ الْخُرُوجِ ، وَإِنْ كَانَ أَمَانُهُ بِاخْتِيَارِهِ عَلَى عَكْسِ مَا فِي التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ فِي أَيْدِيهِمْ ا هـ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمِّنُهُ آمِنًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ ) مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَفُوتُ بِالْأَمَانِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ مُسْلِمٌ أَوْ جَمَاعَةٌ كُنَّا أَمَّنَاهُ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ وَلَوْ قَالَهُ وَاحِدٌ وَشَهِدَ اثْنَانِ قُبِلَتْ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَدْ يُمْنَعُ جَوَازُ قَتْلِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَنْعُ أَمَانِهِ ( قَوْلُهُ : لِئَلَّا يَتَعَطَّلُ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ ) عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ النِّسَاءِ غَيْرِ الْمَحْصُورَاتِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ يُؤَمِّنُ الْمُؤَمِّنُ الْمُكَلَّفُ طَوْعًا لَا الْأَسِيرُ مَحْصُورِينَ وَامْرَأَةً ا هـ وَالْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْجِنْسُ لَا

لِوَاحِدَةٍ فَقَطْ قَالَ الكوهكيلوني وَعُلِمَ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ النِّسَاءِ غَيْرِ الْمَحْصُورَاتِ قَالَ شَيْخُنَا وَعُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَدَّى أَمَانُ الْآحَادِ لِمَحْصُورٍ إلَى سَدِّ الْجِهَادِ امْتَنَعَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَفَاءً بِالضَّابِطِ وَعُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِ الْمَذْكُورِ فِي النِّكَاحِ بَلْ مَحْصُورٌ خَاصٌّ بِمَا هُنَا وَهُوَ أَمَانُ مَنْ لَمْ يَنْسَدَّ بِسَبَبِهِ بَابُ الْغَزْوِ عَنَّا وَمَنْ سَوَّى بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي النِّكَاحِ فَقَدْ وَهِمَ كا

وَقَدْ بَيَّنَ ضَابِطَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ ) الْأَمَانُ ( إلَى إبْطَالِ الْجِهَادِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ شِعَارُ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ الْقَهْرِيَّةِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بِأَمَانِ الْآحَادِ انْسِدَادُهُ ( وَ ) لَا إلَى ( تَكْلِيفِ حَمْلِ الزَّادِ ) وَالْعَلَفِ فَلَوْ آمَنَّا آحَادًا عَلَى طَرِيقِ الْغُزَاةِ وَاحْتَجْنَا إلَى حَمْلِ ذَلِكَ وَلَوْ لَا الْأَمَانُ لَأَخَذْنَا أَطْعِمَةَ الْكُفَّارِ لَمْ يَصِحَّ الْأَمَانُ لِلضَّرَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .

( فَلَوْ أَمَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ ) مِنَّا وَاحِدًا أَوْ ( جَمَاعَةً ) مِنْهُمْ ( وَتَعَاقَبُوا صَحَّ أَمَانُهُمْ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ ) وَإِنْ أَمَّنُوهُمْ مَعًا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ .

( وَقَوْلُهُ ) أَيْ الْمُسْلِمِ وَإِنْ تَعَدَّدَ ( كُنْت أَمَّنْته مَقْبُولٌ قَبْلَ الْأَسْرِ لَا بَعْدَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَمَانَهُ قَبْلَ الْأَسْرِ لَا بَعْدَهُ نَعَمْ إنْ شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ لَمْ يُشَارِكَاهُ فِي الْأَخْبَارِ قُبِلَ مِنْهُ .

( وَلَا يُنْقَضُ أَمَانُ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ إلَّا لِخَوْفِ خِيَانَةٍ ) سَيَأْتِي مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ .

( فَصْلٌ وَيَنْعَقِدُ ) الْأَمَانُ ( بِالصَّرِيحِ كَأَجَّرْتُكَ وَأَمَّنْتُك وَأَنْتَ مُجَاوِرٌ ) أَنْتَ ( آمِنٌ وَلَا بَأْسَ عَلَيْك وَلَا تَخَفْ وَلَا تَفْزَعْ وَمِتْرَسٌ بِالْعَجَمِيَّةِ ) أَيْ لَا خَوْفَ عَلَيْك وَإِدْخَالُ الْكَافِ عَلَى الْأَمْثِلَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَبِالْكِنَايَةِ كَانَتْ عَلَى مَا تُحِبُّ وَكُنْ كَيْفَ شِئْت وَنَحْوُهُ ) كَالْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ ( وَبِكِتَابَةِ ) بِالْفَوْقَانِيَّةِ ( وَبِإِرْسَالِهِ ) أَيْ الْمُسْلِمِ الْمَذْكُورِ مُكَلَّفًا ( وَلَوْ كَافِرًا وَبِالتَّعْلِيقِ بِالْغَرَرِ ) كَقَوْلِهِ إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ أَمَّنْتُك لِبِنَاءِ الْبَابِ عَلَى التَّوَسُّعَةِ ( وَبِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ ) لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهَا كِنَايَةً مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونِ فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَفْظِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا .
( قَوْلُهُ : وَبِالْكِنَايَةِ ) أَيْ مَعَ النِّيَّةِ

( فَإِنْ أَمَّنَهُ ) الْمُسْلِمُ ( فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ ) وَلَوْ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ ( أَمَّنَ فِيهِ وَفِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا ) فِي ( غَيْرِهِ ) .

( وَإِنْ أَطْلَقَ ) أَمَانَهُ لَهُ ( وَهُوَ وَالٍ ) إمَامًا كَانَ أَوْ نَائِبَهُ بِإِقْلِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ ( فَفِي ) أَيْ فَهُوَ آمِنٌ فِي ( مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعِ سُكْنَاهُ وَفِي الطَّرِيقِ إلَيْهِ ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ( مَا لَمْ يَعْدِلْ ) عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ .
( قَوْلُهُ : فَفِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ) وَلَوْ عُزِلَ عَنْ بَعْضِ عَمَلِهِ لَمْ يَزُلْ أَمَانُهُ مِنْهُ وَإِنْ قُلِّدَ غَيْرُهُ لَمْ يَدْخُلْ أَمَانُهُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِعَمَلِهِ وَقْتَ أَمَانِهِ

( وَيُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ ( عِلْمُ الْكَافِرِ ) بِهِ ( وَكَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ ) لَهُ وَلَوْ بِمَا يُشْعِرُ بِهِ كَمَا يَأْتِي ( وَيَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ قَبْلَ عِلْمِهِ وَقَبُولِهِ ( وَيَكْفِي مَا يُشْعِرُ بِالْقَبُولِ كَتَرْكِ الْقِتَالِ ) وَكَإِشَارَةٍ وَتَقَدُّمِ اسْتِجَارَةٍ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَبُولِ رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ تَبَعًا لِقَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَالْأَصْلُ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ زَادَ الْأَصْلُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَاكْتَفَى الْبَغَوِيّ بِالسُّكُوتِ وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْمَنْقُولُ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ النَّقِيبِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَبُولِ رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَصُورَةُ تَرْكِ الْقِتَالِ أَنْ يَكُونَ مُقَاتِلًا بِالْفِعْلِ أَوْ مُتَهَيِّئًا لَهُ كَشَهْرِ سِلَاحٍ مَثَلًا فَيُؤَمِّنُهُ فَيَتْرُكُ ذَلِكَ فَهُوَ قَرِينَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالْقَبُولِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ إلَخْ ) أَيْ بِحَسَبِ مَا رَأَوْهُ وَإِلَّا فَفِي الذَّخَائِرِ وَإِنْ سَكَتَ فَقَدْ حَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ تَرَدُّدٌ أَوْ قَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْأَمَانُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْقَبُولُ بِاللَّفْظِ أَوْ الْقَرِينَةِ وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى عَدَمِ الرَّدِّ ا هـ وَاكْتِفَاءُ الْبَغَوِيّ كَالْعِرَاقِيِّينَ يُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ شَيْخِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ عَلِمَ بِإِيجَابِ عَقْدِ الْأَمَانِ لَهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَإِرْقَاقُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ انْعَقَدَ لَهُ الْأَمَانُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَمَتَى قَالَ أَمَّنْتُك أَوْ أَجَرْتُك أَوْ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَا بَأْسَ عَلَيْك أَوْ لَا يَدُلُّ لَكِنَّهُ نَوَى بِهِ ذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ الْأَمَانُ

( فَإِنْ قَبِلَ ) الْكَافِرُ الْأَمَانَ ( وَقَالَ لَا أُؤَمِّنُك فَهُوَ رَدٌّ ) لِلْأَمَانِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَخْتَصُّ بِطُرُقٍ .

( فَإِنْ أَشَارَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ فَظَنَّهُ أَمَّنَهُ ) بِإِشَارَتِهِ ( فَجَاءَنَا وَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُ ) أَنَّهُ أَمَّنَهُ بِهَا ( أَوْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ ) مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ ( وَظَنَّ صِحَّتَهُ ) أَيْ الْأَمَانِ ( بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ ) وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ ، فَإِنْ قَالَ فِي الْأُولَى عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَمَانَ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لَمْ يُبَلَّغْ الْمَأْمَنَ بَلْ يَجُوزُ اغْتِيَالُهُ إذْ لَا أَمَانَ لَهُ ( فَإِنْ مَاتَ الْمُشِيرُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ فَلَا أَمَانَ وَلَا اغْتِيَالَ ) فَيُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ .
( قَوْلُهُ : مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ ) كَمَجْنُونٍ أَوْ مُكْرَهٍ قَوْلُهُ : وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ أَمَّنَهُ مُرْتَدٌّ وَجَهِلَ رِدَّتَهُ أَوْ قَالَ ظَنَنْت إسْلَامَهُ وَقَوْلُهُ وَكَذَا يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ ) مَا مَرَّ مِنْ اعْتِبَارِ صِيغَةِ الْأَمَانِ هُوَ فِيمَا إذَا دَخَلَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا بِلَا سَبَبٍ أَمَّا ( مَنْ دَخَلَ ) إلَيْهَا ( رَسُولًا أَوْ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَنْقَادُ بِهِ لِلْحَقِّ إذَا ظَهَرَ لَهُ ( فَهُوَ آمِنٌ ) .
( قَوْلُهُ وَ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ أَوْ نَحْوِهِ ) كَالْحَدِيثِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَلْ بِمُدَّةِ إمْكَانِ الْبَيَانِ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَيُقَاسُ بِهِ الدُّخُولُ لِلتِّجَارَةِ وَلِلسِّفَارَةِ فَتَتَقَيَّدُ مُدَّتُهُ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَكَلَامُهُمْ يَفْهَمُهُ

( لَا ) مَنْ دَخَلَ ( لِتِجَارَةٍ ) فَلَيْسَ آمِنًا ( فَلَوْ أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهَا ) أَيْ التِّجَارَةَ أَيْ الدُّخُولَ لَهَا ( أَمَانٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ بَلَغَ الْمَأْمَنَ ) وَلَا يُغْتَالُ وَكَذَا لَوْ سَمِعَ مُسْلِمًا يَقُولُ : مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا فَهُوَ آمِنٌ فَدَخَلَ وَقَالَ ظَنَنْت صِحَّتَهُ وَبِهِ صُوَرٌ لِأَصْلٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ( اُغْتِيلَ ) وَكَذَا يُغْتَالُ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الدُّخُولَ لَهَا أَمَانٌ إذْ لَا مُسْتَنَدَ لِظَنِّهِ ( وَلِلْإِمَامِ لَا لِلْآحَادِ جَعْلُهَا ) أَيْ التِّجَارَةِ أَيْ الدُّخُولِ لَهَا ( أَمَانًا ) إنْ رَأَى فِي الدُّخُولِ لَهَا مَصْلَحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، فَإِذَا قَالَ مَنْ دَخَلَ تَاجِرًا فَهُوَ آمِنٌ جَازَ وَاتُّبِعَ وَمِثْلُهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْآحَادِ .

( وَمُدَّتُهُ ) أَيْ الْأَمَانِ ( وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) فَيَصِحُّ بِخِلَافٍ فِي الْهُدْنَةِ فَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ الْأَمَانُ كَالْهُدْنَةِ ؛ لِأَنَّ بَابَهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْآحَادِ بِخِلَافِهَا ( وَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ ) مِنْهَا ( بَطَلَ الزَّائِدُ ) عَلَيْهَا أَيْ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا فِيمَا عَدَاهُ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَأَمَّا الزَّائِدُ لِضَعْفِنَا الْمَنُوطِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَكَهُوَ وَفِي الْهُدْنَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ التَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ فِي الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِنَّ لِتَقْيِيدِهِ بِمُدَّةٍ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَا يُؤَيِّدُهُ قَالَ : وَإِنَّمَا مُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ السُّنَّةِ لِئَلَّا يُتْرَكَ الْجِهَادُ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ ( وَبَلَغَ بَعْدَهَا ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ( الْمَأْمَنَ ) .

( قَوْلُهُ وَمُدَّتُهُ إنْ أَطْلَقَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَلْحَقَ أَمَانَ الْآحَادِ لِلْآحَادِ بِأَمَانِ الْإِمَامِ فِي الْمُهَادَنَةِ أَلْحَقَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ عِنْدَ الْقُوَّةِ وَكَانَ قِيَاسُهُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ أَيْضًا لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ أَنَّ مُدَّتَهُ عِنْدَ الضَّعْفِ مَنُوطَةٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْآحَادِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ الزَّائِدُ فَقَطْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ أَمَانَ الْآحَادِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ فَمَا دُونَهَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ وَإِنَّمَا الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَخَلَطَ أَمَانَ الْإِمَامِ بِأَمَانِ الْآحَادِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَمَانِ الْآحَادِ : إنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَقْدِيرُ مُدَّتِهِ وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إقْرَارُهُ أَقَرَّهُ عَلَى الْأَمَانِ وَقَرَّرَ لَهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ التَّقْيِيدِ بِمُدَّةٍ فِي الرِّجَالِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَمَانَهُ عَلَى مَالِهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ وَجْهَانِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي الذُّرِّيَّةِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ

( وَيَبْطُلُ أَمَانُ مُتَجَسِّسٍ وَطَلِيعَةٍ ) إذْ مِنْ شَرْطِ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ ( وَ ) مَعَ ذَلِكَ ( يُغْتَالُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مِثَالِهِ خِيَانَةٌ فَعُلِمَ أَنَّ شَرْطَ الْأَمَانِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ دُونَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَصْلَحَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ نَظَرًا .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ نَظَرًا ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي أَمَانِ الْآحَادِ أَمَّا أَمَانُ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ نَصَّ عَلَيْهِ ع وَقَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ الرَّاجِحُ

( وَلِلْكُفَّارِ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلِلْكَافِرِ ( نَبْذُهُ ) أَيْ الْأَمَانَ ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِهِمْ ( لَا لَنَا ) وَإِنْ اسْتَشْعَرْنَا خِيَانَةً مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ مِنْ قِبَلِنَا .

( وَلِلْإِمَامِ نَبْذُهُ لِلْخِيَانَةِ ) أَيْ لِاسْتِشْعَارِهِ الْخِيَانَةَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمُهَادَنَةَ تُنْبَذُ بِذَلِكَ فَأَمَانُ الْآحَادِ أَوْلَى .

( فَصْلٌ : تَجِبُ الْهِجْرَةُ ) مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( عَلَى مُسْتَطِيعٍ ) لَهَا ( إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } الْآيَةَ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ } سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِهِ تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ مِنْهَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ أَيْضًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي إقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْهِجْرَةَ فَهُوَ مَعْذُورٌ إلَى أَنْ يَسْتَطِيعَ ، فَإِنْ فُتِحَ الْبَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ سَقَطَ عَنْهُ الْهِجْرَةُ صُرِّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : مِنْ دَارِ الْكُفْرِ ) عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مِنْ بَلَدِ الْهُدْنَةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِهِ ) أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ وَكَتَبَ أَيْضًا تَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ مِنْهَا لِأَنَّ الْمُقَامَ عَلَى مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ مُنْكَرٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَبْعَثُ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ ( قَوْلُهُ : فَتَجُوزُ الْإِقَامَةُ ) بَلْ تُرَجَّحُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَدْ قِيلَ : إنَّ { إسْلَامَ الْعَبَّاسِ كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَيَكْتُبُ بِأَخْبَارِ الْمُشْرِكِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَقَوَّى بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَانَ يُحِبُّ الْهِجْرَةَ فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ مُقَامَك بِمَكَّةَ خَيْرٌ لَك }

( وَإِنْ قَدَرَ ) عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ لِكَوْنِهِ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ أَوْ لِأَنَّ لَهُ عَشِيرَةً تَحْمِيه ( وَلَمْ يَخَافُ فِتْنَةً فِيهِ اُسْتُحِبَّ ) لَهُ أَنْ يُهَاجِرَ لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ أَوْ يَمِيلَ إلَيْهِمْ أَوْ يَكِيدُوا لَهُ وَلَا يَجِبُ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُثْمَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إلَى مَكَّةَ } ؛ لِأَنَّ عَشِيرَتَهُ بِهَا فَيَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ( لَا إنْ رَجَا إسْلَامَ غَيْرِهِ ) ثُمَّ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُهَاجِرَ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ .

ثُمَّ ( فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاعْتِزَالِ وَالِامْتِنَاعِ ) فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِيهِ ( حَرُمَتْ ) أَيْ الْهِجْرَةُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إسْلَامٍ فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ نَعَمْ إنْ رَجَا نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ بِهِجْرَتِهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُهَاجِرَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَقَاتَلَهُمْ ) عَلَى الْإِسْلَامِ ( إنْ قَدَرَ ) وَإِلَّا فَلَا .
قَوْلُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَاتِلْهُمْ ) أَيْ وُجُوبًا

( وَعَلَى الْأَسِيرِ ) وَلَوْ مُخْلًى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ( الْهَرَبُ إنْ قَدَرَ ) عَلَيْهِ لِخُلُوصِهِ بِهِ مِنْ قَهْرِ الْأَسْرِ فَوَصْفُ الْأَصْلِ الْأَسِيرَ بِالْمَقْهُورِ بَيَانٌ لِحَقِيقَتِهِ لَا لِإِخْرَاجِ أَسِيرٍ غَيْرِ مَقْهُورٍ وَتَقْيِيدِي بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَالْقَمُولِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْهِجْرَةِ لَكِنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَمْ لَا وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ .
( قَوْلُهُ : فَوَصْفُ الْأَصْلِ الْأَسِيرَ بِالْمَقْهُورِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَذَفَ فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُحَرَّرِ لَفْظَةَ الْمَقْهُورِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ غَيْرَ الْمَقْهُورِ الْهَرَبُ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ ) عِبَارَتُهُ وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إذَا أَمْكَنَتْهُ إقَامَةُ شِعَارِ الشَّرِيعَةِ قَالَ وَ الْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ مُنْتَهَرٌ مُهَانٌ ( قَوْلُهُ : جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ) لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَسِيرِ وَعِبَارَتُهُ يَجِبُ عَلَى الْأَسِيرِ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمٌ مُسْتَضْعَفٌ فِيهَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ا هـ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُمْكِنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْهُمْ أَوْ لَا قَالَ فِي الْبَسِيطِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَأَمْكَنَهُ إقَامَةُ شِعَارِ الشَّرِيعَةِ جَازَ لَهُ الْمُقَامُ وَهُوَ بَعِيدٌ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَمْ لَا ) تَخْلِيصًا لِنَفْسِهِ مِنْ رِقِّ الْأَسْرِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ

( وَإِنْ أَطْلَقُوهُ ) مِنْ الْأَسْرِ ( بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ ) قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذًا لِلْمَالِ إذْ لَا أَمَانَ .

( وَإِنْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنَّهُ آمِنٌ ) مِنْهُمْ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( اغْتِيَالُهُمْ ) وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَكَذَا إنْ أَمَّنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنُوهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَخْتَصُّ بِطَرَفٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْأُمِّ مَا لَوْ قَالُوا أَمَّنَّاك وَلَا أَمَانَ لَنَا عَلَيْك وَلَوْ تَبِعَهُ قَوْمٌ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَهُ قَصْدُهُمْ وَقَتْلُهُمْ فِي الدَّفْعِ بِكُلِّ حَالٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : قَتَلَهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إلَخْ ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلدَّفْعِ لَيْسَ اغْتِيَالًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْتُلُهُمْ لِأَجْلِ الدَّفْعِ فَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الصَّائِلِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ جَوَازُ الِاغْتِيَالِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْأَمَانُ بِذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي بَابِ الْهُدْنَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَرَاوِزَةِ لِأَنَّهُمْ بِطَلَبِهِ نَاقِضُونَ لِلْعَهْدِ مَعَهُ وَصَرَّحَ الْكُلُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِغَيْرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فس

( أَوْ ) أَطْلَقُوهُ ( بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَحَلَّفُوهُ مُكْرَهًا ) عَلَى ذَلِكَ ( وَلَوْ بِالطَّلَاقِ خَرَجَ ) وُجُوبًا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ وَحَرُمَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَالْيَمِينِ لَا تُبِيحُ لَهُ الْإِقَامَةَ حَيْثُ حَرُمَتْ ( وَلَمْ يَحْنَثْ ) لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِهِ ( وَإِنْ حَلَفَ لَهُمْ تَرْغِيبًا ) لَهُمْ لِيَثِقُوا بِهِ وَلَا يَتَّهِمُوهُ بِالْخُرُوجِ ( بِلَا شَرْطٍ ) مِنْهُمْ ( وَلَوْ ) كَانَ حَلِفُهُ ( قَبْلَ الْإِطْلَاقِ حَنِثَ ) بِخُرُوجِهِ لِانْعِقَادِ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ شَرْطٌ بِأَنْ قَالُوا : لَا نُطْلِقُك حَتَّى تَحْلِفَ أَنَّك لَا تَخْرُجُ فَحَلَفَ فَأَطْلَقُوهُ فَخَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ أَخَذَ اللُّصُوصُ رَجُلًا وَقَالُوا : لَا نَتْرُكُك حَتَّى تَحْلِفَ أَنَّك لَا تُخْبِرُ بِمَكَانِنَا فَحَلَفَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَكَانِهِمْ لَمْ يَحْنَثْ ؛ لِأَنَّهُ يَمِينُ إكْرَاهٍ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ بِلَا شَرْطٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ .

( وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ إطْلَاقِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ .

( وَلَهُ ) عِنْدَ خُرُوجِهِ ( أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ ) وَجَدَهُ عِنْدَهُمْ ( لِيَرُدَّهُ ) عَلَيْهِ ( وَلَوْ أَمَّنَهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَخَذَهُ شَخْصٌ مِنْ الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فَأُدِيمَ حُكْمُهُ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ .

( فَإِنْ الْتَزَمَ ) لَهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِ ( مَالًا ) فِدَاءً ( وَهُوَ مُخْتَارٌ ) لَا مُكْرَهٌ ( أَوْ أَنْ يَعُودَ ) إلَيْهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( الْعَوْدُ ) إلَيْهِمْ ( وَاسْتُحِبَّ ) لَهُ ( الْوَفَاءُ بِالْمَالِ ) الَّذِي الْتَزَمَهُ لِيَعْتَمِدُوا الشَّرْطَ فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَالُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ فِدَاءٌ لَا يَمْلِكُونَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ الْتَزَمَ مَالًا فِدَاءً ) بِأَنْ عَاقَدَهُمْ عَلَيْهِ

( وَإِنْ بَايَعَهُمْ لَزِمَ الثَّمَنُ إنْ صَحَّ الْبَيْعُ ) كَمَا لَوْ بَايَعَ مُسْلِمًا ( وَإِلَّا رَدَّ الْعَيْنَ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُمْ الْأَسِيرُ شَيْئًا لِيَبْعَثَ إلَيْهِمْ ثَمَنَهُ أَوْ اقْتَرَضَ فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ أَوْ مُكْرَهًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَيَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَلَى الشِّرَاءِ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ بَيْعٍ بَلْ قَالُوا : خُذْ هَذَا وَابْعَثْ إلَيْنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهٌ .
( قَوْلُهُ : عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُمْ إلَخْ ) مَا عَبَّرَ بِهِ هُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ

( وَإِنْ وَكَّلُوهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ ) لَهُمْ ( بِدَارِنَا بَاعَهُ وَرَدَّ ثَمَنَهُ ) إلَيْهِمْ .

( فَرْعٌ ) لَوْ ( تَبَارَزَا ) أَيْ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِدُونِهِ ( بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِعَانَةِ ) أَيْ أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْلِمَ وَلَا الْكُفَّارُ الْكَافِرَ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ( أَوْ ) بِغَيْرِ شَرْطٍ لَكِنْ ( كَانَ ) عَدَمُ الْإِعَانَةِ ( عَادَةً فَقَتَلَ ) الْكَافِرُ ( الْمُسْلِمَ أَوْ وَلَّى أَحَدُهُمَا ) مُنْهَزِمًا ( أَوْ أَثْخَنَ الْكَافِرُ قَتَلْنَاهُ ) جَوَازًا ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ كَانَ لِانْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَقَدْ انْقَضَى وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لِلْمُثْخَنِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ) هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَرَطَ الْأَمَانَ إلَخْ

( وَإِنْ شَرَطَ الْأَمَانَ إلَى دُخُولِهِ الصَّفَّ وَفَّى ) لَهُ ( بِهِ ) وُجُوبًا .

( وَإِنْ فَرَّ الْمُسْلِمُ ) عَنْهُ فَتَبِعَهُ لِيَقْتُلَهُ ( أَوْ أَثْخَنَ ) أَيْ أَثْخَنَهُ الْكَافِرُ ( مَنَعْنَاهُ ) مِنْ قَتْلِهِ وَقَتَلْنَاهُ ( وَإِنْ خَالَفَ الشَّرْطَ ) أَيْ شَرْطَ تَمْكِينِهِ مِنْ إثْخَانِهِ لِنَقْضِهِ الْأَمَانَ فِي الْأُولَى وَانْقِطَاعِ الْقِتَالِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ شَرَطَ لَهُ التَّمْكِينَ مِنْ قَتْلِهِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَهَلْ يَفْسُدُ بِهِ أَصْلُ الْأَمَانِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : وَهَلْ يَفْسُدُ بِهِ أَصْلُ الْأَمَانِ ) وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَفْسُدُ وَكَتَبَ أَوَّلًا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْفَسَادِ وَهُوَ الْأَصَحُّ

( وَإِنْ أَعَانَهُ أَصْحَابُهُ قَتَلْنَاهُمْ ) مُطْلَقًا ( وَقَتَلْنَاهُ أَيْضًا إنْ رَضِيَ ) بِإِعَانَتِهِمْ لَهُ بِأَنْ اسْتَنْجَدَهُمْ أَوْ لَمْ يَسْتَنْجِدْهُمْ لَكِنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ بِأَنْ مَنَعَهُمْ فَلَمْ يَمْتَنِعُوا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِدُونِ مَا ذُكِرَ بَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَبِالْعَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَارَزَةَ عَظِيمَةُ الْوَقْعِ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِأَنْ يَأْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ قَرْنِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الْإِعَانَةِ وَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَعَانَهُ أَصْحَابُهُ ) أَيْ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ

( فَصْلٌ ) لَوْ ( عَاقَدَ الْإِمَامُ عِلْجًا ) وَهُوَ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ الشَّدِيدُ سُمِّيَ بِهِ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِقُوَّتِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعِلَاجُ عِلَاجًا لِدَفْعِهِ الدَّاءَ ( لِيَدُلَّ عَلَى قَلْعَةٍ ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَشْهُرُ مِنْ فَتْحِهَا ( وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ ) نَازِلًا ( تَحْتَهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي ) بِهَا ( بِجَارِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ مِنْهَا لَا مِنْ غَيْرِهَا اسْتَحَقَّهَا ) وَفَاءً بِالشَّرْطِ وَصَحَّ ذَلِكَ مَعَ إبْهَامِهَا وَعَدَمِ مِلْكِهَا وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِمِيهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ رَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً ؛ لِأَنَّهَا تَرِقُّ بِالْأَسْرِ هَذَا ( إنْ فُتِحَتْ ) أَيْ الْقَلْعَةُ ( بِدَلَالَتِهِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ آخَرَ ) كَأَنْ تَرَكْنَاهَا ثُمَّ عُدْنَا إلَيْهَا ( وَلَوْ لَمْ يَظْفَرْ ) مِنْهَا ( بِغَيْرِهَا ) أَيْ بِغَيْرِ الْجَارِيَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَاقَدَهُ بِجَارِيَةٍ مِنْ غَيْرِهَا فَيُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْجَعَالَاتِ وَخَرَجَ بِالْعِلْجِ مَا لَوْ عَاقَدَ مُسْلِمًا بِمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنْوَاعَ غَرَرٍ فَلَا يَحْتَمِلُ مَعَهُ وَاحْتَمَلَتْ مَعَ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِ قِلَعِهِمْ وَطُرُقِهِمْ غَالِبًا وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالدَّلَالَةُ نَوْعٌ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ .
كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ جَوَازَهُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ تَصْحِيحَهُ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ الِاسْتِحْقَاقُ بِدَلَالَتِهِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ وَقَالَ الرَّاجِحُ بِمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَعَالَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعَبِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ بِدَلَالَتِهِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ وَقِيَاسُهُ عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ مِنْ الْبَلَدِ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْكُلْفَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى وَبَعْضُهُمْ

بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ فِيهِ تَعَبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمُبْهَمَةِ بِخِلَافِ ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْلِهِ قَلْعَةُ كَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ التَّعْيِينِ كَمَا صَوَّرَهُ بِهِ الْجُمْهُورُ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ يَكْثُرُ فِيهَا الْغَرَرُ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لَكِنْ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَبْهَمَ فِي قِلَاعٍ مَحْصُورَةٍ ( فَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ أَوْ فُتِحَتْ بِغَيْرِ دَلَالَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ) وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْفَتْحِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ بِدُونِ الْفَتْحِ فَكَأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُقَيَّدٌ بِالْفَتْحِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَلَالَتِهِ بَلْ بِالْفَتْحِ بِهَا .
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ فَتَحَهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى وَلَوْ بِدَلَالَتِهِ لِانْتِفَاءِ مُعَاقَدَتِهِ مَعَهَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمُعَيَّنَةُ فِيهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ اشْتِرَاطِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ لِإِعْطَائِهَا لِلْعِلْجِ ( فَلَا شَيْءَ ) لَهُ لِفَقْدِ الْمَشْرُوطِ ( أَوْ ) مَاتَتْ ( بَعْدَهُ ) وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَسْلِيمِهَا ( وَجَبَتْ قِيمَةُ مَنْ مَاتَتْ بَعْدَ الظَّفَرِ ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا وَقَدْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْإِمَامِ فَكَانَ التَّلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ ( لَا ) مَنْ مَاتَتْ ( قَبْلَهُ ) فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَقِيلَ تَجِبُ لَهُ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِهَا وَهِيَ حَاصِلَةٌ لَكِنْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ فَرَدَّهُ وَقَدْ مَاتَتْ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ .
وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَيْسَ لَهُ نَصٌّ يُخَالِفُهُ وَلَوْ هَرَبَتْ فَهِيَ كَمَا لَوْ مَاتَتْ وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَتُهَا فَلْتَجِبْ ( مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ ) أَيْ مِنْ الْأَخْمَاسِ

الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ ( وَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الظَّفَرِ دُونَهُ ) أَيْ الْعِلْجِ ( أُعْطِيَ قِيمَتَهَا ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا لَهُ بِالْإِسْلَامِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شِرَاءِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا الْبِنَاءُ مَرْدُودٌ بَلْ يَسْتَحِقُّهَا قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالظَّفَرِ وَقَدْ كَانَتْ إذْ ذَاكَ كَافِرَةً فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِسْلَامِهَا كَمَا لَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَكِنْ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكِنْ هُنَاكَ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ وَهُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ وَمَا ذُكِرَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهَا هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةٌ لِمِثْلِ أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ الْعِلْجُ أَيْضًا فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ بَعْدَهَا لِانْتِقَالِ حَقِّهِ مِنْهَا إلَى قِيمَتِهَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْبِنَاءِ السَّابِقِ وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ ( لَا ) إنْ أَسْلَمَتْ ( قَبْلَ الظَّفَرِ وَهِيَ حُرَّةٌ ) فَلَا يُعْطَى قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهَا مُطْلَقًا يَمْنَعُ تَسْلِيمَهَا إلَيْهِ كَمَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَقَبْلَ الظَّفَرِ يَمْتَنِعُ إرْقَاقُهَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطَى قِيمَتَهَا مِنْ تَصَرُّفِهِ .
وَكَلَامُ أَصْلِهِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَبِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيه ( وَالتَّعْيِينُ فِي ) الْجَارِيَةِ ( الْمُبْهَمَةِ ) فِيمَا ذُكِرَ ( إلَى الْإِمَامِ ) وَيُجْبَرُ الْعِلْجُ عَلَى الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ جَارِيَةٌ وَهَذِهِ جَارِيَةٌ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْلِمِ إلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ مَا شَاءَ بِالصِّفَةِ

الْمَشْرُوطَةِ وَيُجْبِرُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى الْقَبُولِ ( فَإِنْ مَاتَتْ الْجَوَارِي ) فِيمَا إذَا عَاقَدَهُ عَلَى مُبْهَمَةٍ ( بَعْدَ الظَّفَرِ فَقِيمَةُ جَارِيَةٍ ) مِنْهُنَّ ( يُعَيِّنُهَا ) لَهُ ( الْإِمَامُ ) كَمَا يُعَيِّنُ الْجَارِيَةَ ( هَذَا ) كُلُّهُ ( إنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا وَدَخَلَتْ ) أَيْ الْجَارِيَةُ الْمَشْرُوطَةُ ( فِي الْأَمَانِ وَلَمْ يَرْضَوْا ) أَيْ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ ( بِتَسْلِيمِهَا ) أَيْ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ ( وَلَا ) رَضِيَ ( الْعِلْجُ بِعِوَضِهَا وَأَصَرُّوا ) كُلُّهُمْ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِذَلِكَ ( نَقَضْنَا الصُّلْحَ وَبُلِّغُوا الْمَأْمَنَ ) بِأَنْ يُرَدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ الْقِتَالُ ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ مَنَعَ الْوَفَاءَ بِمَا شَرَطْنَاهُ قَبْلَهُ ( وَإِنْ رَضُوا ) أَيْ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ( أُعْطُوا قِيمَتَهَا ) وَأَمْضَى الصُّلْحَ ( وَهَلْ هِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) أَيْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ ( أَوْ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ ) حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ ( وَجْهَانِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْأَمَانِ بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَمَانِ صَاحِبِ الْقَلْعَةِ وَأَهْلُهُ وَلَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ مِنْهُمْ فَتُسَلَّمُ إلَى الْعِلْجِ .

قَوْلُهُ : وَهُوَ لَا يَدْرِي بِجَارِيَةٍ ) أَيْ مَثَلًا ( قَوْلُهُ : ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ جَوَازَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ تَصْحِيحَهُ ) فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ النَّفَلَ زِيَادَةُ مَالٍ عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ مَثَّلَ لَهُ بِأُمُورٍ مِنْهَا الْمَذْكُورُ هُنَا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ السَّهْمَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُسْلِمٍ فَلَزِمَ مِنْ إطْلَاقِهِ وَتَعْبِيرِهِ بِالسَّهْمِ جَوَازُهُ مَعَ الْمُسْلِمِ ( قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ وَنَسَبَهُ فِي تَنْقِيحِهِ لِلرَّوْضَةِ وَوَهَّمَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَتِهَا وَ الثَّانِي يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لِلْحَاجَةِ فَقَدْ يَكُونُ الْمُسْلِمُ أَعْرَفَ وَهُوَ أَنْصَحُ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِالْكُفَّارِ ا هـ فَالْتَبَسَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ أَنْصَحُ بِأَصَحَّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ ) وَكَسَائِرِ الْجَعَالَاتِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى تَصْحِيحِ اسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِ لِلْجِهَادِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ مَعَ مُسْلِمٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ لِلْجِهَادِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هَذَا نَظِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ الْإِمَامُ لِدَلَالَةِ الطَّرِيقِ إلَى الْكُفَّارِ وَذَلِكَ جَائِزٌ ش ( قَوْلُهُ بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ ) أَيْ وَغَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا الْبِنَاءُ مَرْدُودٌ بَلْ يَسْتَحِقُّهَا قَطْعًا لِأَنَّهُ إلَخْ ) وَمَا قَالَهُ هُوَ قَضِيَّةٌ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخَرِ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَوْجِيهِهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ ش ( قَوْلُهُ : وَمَا ذَكَرَهُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهَا هُوَ مَا عَلَيْهِ

الْجُمْهُورُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ) و جَزَمَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْقَطْعُ بِهِ قَالَ وَالسَّبَبُ فِي امْتِنَاعِ مَجِيءِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هُنَا هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ سُومِحَ فِيهَا لِلْحَاجَةِ إلَى نِكَايَةِ الْكُفَّارِ وَالْفَتْحِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرَ فِيهَا إلَى الَّذِي انْصَبَّ قَصْدُ الدَّالِّ إلَيْهِ وَهُوَ الْجَارِيَةُ فَحَيْثُ غَرِمْنَا عِوَضَهَا فَهُوَ قِيمَتُهَا لِأَنَّ الدَّالَّ إنَّمَا يَشْرِطُ شَيْئًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ فَإِذَا تَخَيَّلَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا أُجْرَةُ مِثْلِهِ تَعَزَّزَ وَفَاتَ الْمَقْصُودُ ( قَوْلُهُ : وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطِي قِيمَتَهَا مِنْ تَصَرُّفِهِ ) هُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ قَبْلَ الظَّفَرِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَعَدَمِ الْقُدْرَةِ الْحِسِّيَّةِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ عِبَارَتَهُ لَوْ وَجَدْنَا الْجَارِيَةَ مُسْلِمَةً إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الظَّفَرِ وَهِيَ حُرَّةٌ لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهَا وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا إنَّهَا تُسَلَّمُ إلَى الْعِلْجِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ا هـ لَكِنْ فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ قِيمَتُهَا فَإِنْ أَسْلَمَهَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ لَا قَبْلَ الظَّفَرِ وَهِيَ حُرَّةٌ ا هـ أَيْ فَإِنَّهَا لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ يُعْطَى قِيمَتَهَا وَهَذِهِ هِيَ الْمُوَافِقَةُ لِأَصْلِهِ وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَإِنْ وُجِدَتْ لَكِنْ أَسْلَمَتْ نَظَرْت فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الظَّفَرِ لَزِمَتْ الْقِيمَةُ لِأَنَّ إسْلَامَهَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الرِّقِّ عَلَيْهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ مَاتَ الْجَوَارِي إلَخْ ) لَوْ مَاتَ كُلُّ مَنْ فِيهَا فَهَلْ تَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ قِيمَةُ مَنْ تُسَلَّمُ إلَيْهِ قَبْلَ

الْمَوْتِ احْتِمَالَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الرَّاجِحُ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً مِنْ أَهْلِهَا خَارِجَهَا فَأَسَرْنَاهَا أَنَّهُ لَا يُعْطَاهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ وَوُجِدَتْ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ دَارَنَا بِأَمَانٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ( أَوْ ذِمَّةٍ كَانَ مَا صَحِبَهُ لَا مَا خَلَّفَهُ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ( مِنْ الْمَالِ وَالْوَلَدِ فِي أَمَانِ وَلَوْ ) لَمْ يَشْرِطْ دُخُولَهُمَا فِيهِ أَوْ كَانَ مَا صَحِبَهُ مِنْ الْمَالِ ( وَدِيعَةَ حَرْبِيٍّ ) آخَرَ بِخِلَافِ مَا خَلَّفَهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ إلَّا إنْ شَرَطَ الْإِمَامُ دُخُولَهُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ آخَرَ الْبَابِ ( وَقَاتِلُهُ يَأْثَمُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ عَصَمَ دَمَهُ ( قَالَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ دِيَةُ ذِمِّيٍّ ) .
( قَوْلُهُ : مِنْ الْمَالِ وَالْوَلَدِ ) أَمَّا زَوْجَتُهُ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِذِكْرِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ فِيهِ غ الْأَوْجَهُ دُخُولُهَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَمَانِ الْمَرْأَةِ اسْتِقْلَالًا وَكَنَظِيرِهِ فِي الْجِزْيَةِ ش وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا خَلَفَهُ ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَشْرِطَ الْإِمَامُ ) أَيْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ

( وَكَذَا ) يَكُونُ مَا مَعَهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي أَمَانٍ ( إنْ أَمَّنَهُ رَجُلٌ ) مِنْ الْآحَادِ ( فِي دَارِنَا ) أَوْ فِي غَيْرِهَا ( وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّ مَا مَعَهُ فِي أَمَانٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ ( دَخَلَ ) فِي الْأَمَانِ ( مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ) مُدَّةَ أَمَانِهِ ( مِنْ الْمَالِ ) الَّذِي مَعَهُ مِنْ مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَنَفَقَةٍ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْوَلَدِ وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِذَلِكَ وَدُونَ مَا خَلَّفَهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَ دُخُولَهُ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي أَمَانِ الْإِمَامِ لِقُوَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَبِمَا قَرَّرْته انْدَفَعَ مَا قِيلَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ تَنَاقُضًا .
( قَوْلُهُ : مِنْ مَلْبُوسٍ إلَخْ ) وَمَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي حِرْفَتِهِ مِنْ الْآلَاتِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي أَمَانِ الْإِمَامِ ) أَمَّا إذَا كَانَ الْأَمَانُ لِلْحَرْبِيِّ بِدَارِهِمْ فَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ بِدَارِهِمْ دَخَلَا وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ إنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ وَإِنْ أَمَّنَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَدْخُلْ أَهْلُهُ وَلَا مَا لَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَا بِدَارِنَا دَخَلَا إنْ اشْتَرَطَهُ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ ش

( وَإِنْ نَقَضَ ) عَهْدَهُ ( وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ) وَمِنْ أَسْبَابِ النَّقْضِ أَنْ يَعُودَ لِيَتَوَطَّنَ ثَمَّ ( فَوَلَدُهُ ) الَّذِي عِنْدَنَا ( بَاقٍ عَلَى أَمَانِهِ ) وَإِنْ مَاتَ هُوَ فَإِذَا بَلَغَ وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ تُرِكَ وَإِلَّا بُلِّغَ الْمَأْمَنَ ( وَكَذَا مَالُهُ ) الَّذِي عِنْدَنَا بَاقٍ عَلَى أَمَانِهِ مَا دَامَ حَيًّا ( وَلَوْ دَخَلَ ) دَارَنَا ( لِأَخْذِهِ وَرَجَعَ لَمْ يُقْتَلْ ) وَلَمْ يُسْبَ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ لِأَخْذِهِ يُؤَمِّنُهُ كَالدُّخُولِ لِرِسَالَةِ هَذَا ( إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ دَفْعَةً ) فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ ثُمَّ عَادَ لِيَأْخُذَ الْبَاقِيَ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ فَعَلَيْهِ إذَا أَخَذَ مَالَهُ أَنْ يُعَجِّلَ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ وَلَا يُعَرِّجَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ أَسْبَابِ النَّقْضِ إلَخْ ) إذَا رَجَعَ الْمُؤَمَّنُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ انْقَطَعَ أَمَانُهُ فَإِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ إلَيْنَا ثَانِيًا احْتَاجَ إلَى أَمَانٍ جَدِيدٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَلَوْ عَادَ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّ أَمَانِي بَاقٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَدَّقَ وَيُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ غ وَقَوْلُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُصَدَّقَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِذَا مَاتَ ) وَلَوْ ( هُنَاكَ ) بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ( فَهُوَ ) أَيْ مَالُهُ ( لِوَارِثِهِ ) لَا فَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَمَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَالْأَمَانُ حَقٌّ لَازِمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ بِحُقُوقِهِ إلَى وَارِثِهِ ( الذِّمِّيِّ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْحَرْبِيِّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ وَعَلَيْهِ يُقَالُ لَنَا حَرْبِيٌّ يَرِثُهُ ذِمِّيٌّ ( فَإِنْ فُقِدَ ) وَارِثُهُ ( فَفَيْءٌ وَكَذَا يَكُونُ ) مَالُهُ ( فَيْئًا إذَا سُبِيَ ) وَاسْتُرِقَّ ( وَمَاتَ رَقِيقًا ) ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يُورَثُ ( فَإِنْ عَتَقَ ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِيمَا يَظْهَرُ ( فَلَهُ ) أَيْ فَمَالُهُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِ كَانَ مَالُهُ لِوَارِثِهِ .
قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُهُ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَتَحْرُمُ أَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ أَمَّنُوهُ ) مِنَّا فَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ فَاقْتَرَضَ مِنْهُمْ شَيْئًا أَوْ سَرَقَ وَعَادَ إلَى دَارِنَا لَزِمَهُ رَدُّهُ إذْ لَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ .

( فَصْلٌ ) لَوْ ( حَاصَرْنَا قَلْعَةً ) مَثَلًا ( فَنَزَلُوا ) أَيْ أَهْلُهَا ( عَلَى حُكْمِ الْإِمَامِ أَوْ رَجُلٍ عَدْلٍ ) فِي الشَّهَادَةِ ( عَارِفٍ بِمَصَالِحِ الْحَرْبِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظٍ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ كَالْقَضَاءِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرُ الْعَارِفِ بِمَصَالِح الْحَرْبِ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَصْلِ التَّكْلِيفَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ اكْتِفَاءً بِالْعَدَالَةِ ( وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الرَّأْيُ وَيُمْكِنُ الْأَعْمَى أَنْ يَبْحَثَ وَيَعْرِفَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى وَيَجُوزُ نُزُولُهُمْ عَلَى حُكْمِ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَكَذَا ) يَجُوزُ نُزُولُهُمْ عَلَى حُكْمِ ( مَنْ يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَنْ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا مَنْ يَصْلُحُ لِلْحُكْمِ ( لَا ) مَنْ يَخْتَارُهُ ( هُمْ ) فَلَا يَجُوزُ نُزُولُهُمْ عَلَى حُكْمِهِ ( حَتَّى تُشْتَرَطَ فِيهِ الْأَوْصَافُ ) الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ يَشْتَرِطُوهَا فِيهِ .

( وَكُرِهَ تَحْكِيمُ مُصَادِقِهِمْ ) أَيْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صَدَاقَةٌ .

( وَلَوْ اسْتُنْزِلُوا عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ ) أَيْ اسْتَنْزَلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ مَا يَقْضِيه اللَّهُ فِيهِمْ يُنْفِذُهُ ( لَمْ يَجُزْ لِجُهَّالِهِمْ بِهِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَإِنْ حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا } قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ اسْتَنْزَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كُرِهَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْصُلُ مِنْهُ اخْتِلَافٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ انْتَهَى .

( وَإِنْ حَكَمَ اثْنَانِ فَاخْتَلَفَا ) فِي الْحُكْمِ ( وَرَضِيَا ) أَيْ الْفَرِيقَانِ ( مَعًا بِحُكْمِ أَحَدِهِمَا جَازَ ) وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا فَوَاضِحٌ ( فَإِنْ مَاتَ الْمُحَكَّمُ ) قَبْلَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ الْمُحَكَّمُ وَحْدَهُ أَمْ مَعَ غَيْرِهِ ( أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا ) لِلْحُكْمِ ( رُدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ ) إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فِي الْحَالِ .

( وَلْيَحْكُمْ ) الْمُحَكَّمُ ( بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ ) لِعُلُوِّ الْإِسْلَامِ عَلَى الشِّرْكِ وَيَتَخَيَّرُ فِيمَنْ يَرِقُّ بِالْأَسْرِ كَالنِّسَاءِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْإِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ .

( فَإِنْ حَكَمَ بِمُحَرَّمٍ ) أَيْ بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ ( كَقَتْلِ الذَّرَارِيِّ ) وَالنِّسَاءِ ( لَمْ يَنْفُذْ ) وَلَوْ حَكَمَ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ جَازَ وَتَكُونُ الْأَمْوَالُ غَنِيمَةً أَوْ بِاسْتِرْقَاقِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَقَتْلِ مَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بِاسْتِرْقَاقِ مَنْ أَسْلَمَ وَمَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ جَازَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ عَلَى الْإِمَامِ .

( وَلِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ مِنْ حُكْمِهِ ) أَيْ الْمُحَكَّمِ ( لَا التَّشْدِيدُ ) فِيهِ فَإِذَا حَكَمَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْفِدَاءِ فَلَهُ الْمَنُّ أَوْ بِالْمَنِّ فَلَيْسَ لَهُ مَا عَدَاهُ ( لَكِنْ لَا يُسْتَرَقُّ إنْ حَكَمَ بِالْقَتْلِ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ يَتَضَمَّنُ ذُلًّا مُؤَبَّدًا وَقَدْ يَخْتَارُ الْإِنْسَانُ الْقَتْلَ عَلَيْهِ ( وَكَذَا لَا يَمُنُّ إنْ اسْتَرَقَّ ) أَيْ حَكَمَ بِاسْتِرْقَاقِهِ ( إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا لَهُمْ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَالْفِدَاءِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمْ قَبْلَ قَبْضِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلِلْإِمَامِ التَّخْفِيفُ مِنْ حُكْمِهِ ) فَلَهُ تَقْرِيرُهُمْ بِالْجِزْيَةِ إذَا حُكِمَ بِقَتْلِهِمْ أَوْ إرْقَاقِهِمْ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا حُكِمَ بِالْقَتْلِ إلَخْ ) وَإِذَا حُكِمَ بِالْقَتْلِ أَوْ الْإِرْقَاقِ لَمْ يَجِبْ تَقْرِيرُهُمْ بِالْجِزْيَةِ لَوْ طَلَبُوا وَهَلْ لِلْإِمَامِ تَقْرِيرُهُمْ تَرَدَّدَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالْأَرْجَحُ هُنَا الْجَوَازُ لِأَنَّهُمْ فِي قُوَّةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتِمَّ الْأَمْرُ يَرُدُّونِ إلَى قَلْعَتِهِمْ وَقَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ هُنَا الْجَوَازُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ حَكَمَ ) عَلَيْهِمْ ( بِالْجِزْيَةِ أَوْ الْفِدَاءِ أُلْزِمُوهُمَا ) أَيْ أُلْزِمُوا بِقَبُولِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ الْأَسِيرُ لِرِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ أَوَّلًا بِخِلَافِهِ ( فَإِنْ امْتَنَعُوا ) مِنْ الْقَبُولِ ( فَكَأَهْلِ ذِمَّةٍ امْتَنَعُوا ) مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ .

( وَمَنْ أَسْلَمَ ) مِنْهُمْ ( قَبْلَ الْحُكْمِ ) عَلَيْهِ ( حَقَنَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ ) وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ يُسَلِّمُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَثَبَتَ بِالسَّبْيِ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ وَذِكْرُ الْوَلَدِ مِنْ زِيَادَتِهِ .

( أَوْ ) أَسْلَمَ ( بَعْدَ الْحُكْمِ ) عَلَيْهِ ( بِالْقَتْلِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ) فَيَمْتَنِعُ قَتْلُهُ وَإِرْقَاقُهُ وَفِدَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْزِلُوا هَذَا الشَّرْطَ .

( أَوْ ) أَسْلَمَ ( بَعْدَ الْحُكْمِ ) عَلَيْهِ ( بِالرِّقِّ ) أَيْ بِالْإِرْقَاقِ ( لَا قَبْلَهُ اُسْتُرِقَّ ) ؛ لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ الْمُحَكَّمِ و قَدْ حَكَمَ بِإِرْقَاقِهِ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْقَاقَ الَّذِي كَانَ جَائِزًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِرْقَاقِهِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِرْقَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الرِّقَّ عَكْسُ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ وَالْوَجْهُ مَا قَدَّمَهُ ثَمَّ وَجَرَى عَلَيْهِمْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ لَا قَبْلَهُ وَقَالَ بَدَلَ اُسْتُرِقَّ اسْتَمَرَّ رِقُّهُ لَوَافَقَ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : وَالْوَجْهُ مَا قَدَّمَهُ ثُمَّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ وَقَالَ إلَخْ ) هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ اسْتَرَقَّ اسْتَمَرَّ رَقِيقًا فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ اسْتَرَقَّ مَمْلُوكَهُ وَأَرَقَّهُ نَقِيضُ أَعْتَقَهُ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( صَالَحَ زَعِيمٌ ) لِقَلْعَةٍ أَيْ سَيِّدُ أَهْلِهَا ( عَلَى أَمَانِ مِائَةٍ ) مِنْهُمْ ( فَعَدَّ مِائَةً غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ نَفْسِهِ ( جَازَ ) لِلْإِمَامِ ( قَتْلُهُ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِائَةِ ، وَقَدْ اتَّفَقَ مِثْلُهُ ذَلِكَ فِي مُحَاصَرَةٍ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَحَّحَ الْأَمَانَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ جُهِلَتْ أَعْيَانُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : لَوْ صَالَحَ زَعِيمٌ عَلَى أَمَانِ مِائَةٍ إلَخْ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزَّعِيمَ إنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يَرِقُّ وَإِنْ كَانَ كَامِلًا تَخَيَّرَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِالْمَالِ وَالرِّجَالِ

( فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ ) تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ السِّيَرِ ( يَسْقُطُ ) عَنْ الْكَافِرِ ( بِالْإِسْلَامِ ) أَيْ إسْلَامِهِ ( حَدُّ الزِّنَا ) الَّذِي لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ لَهُ تَعَالَى ( لَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ ) فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ كَالدَّيْنِ .

( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } ) وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ } قُلْت لَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ وَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ كَانَ زَنَى فَهَلْ يُحَدُّ عَلَى وَجْهَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي ذِكْرِ مَا يَكْتُبُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ عَلَى الْجِزْيَةِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ رِجَالِهِمْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِزِنًا أَوْ اسْمَ نِكَاحٍ وَعَدَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَى أَنْ قَالَ أَيُّهُمْ قَالَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْته كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا وَكَذَا إنْ كَانَ فِعْلًا لَمْ يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فَيُقْتَلُ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا نَقْضِ عَهْدٍ ا هـ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إسْلَامَهُ لَا يَعْصِمُهُ مِنْ الْحَدِّ الْوَاقِعِ فِي كُفْرِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَشِبْهَهُ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ فَاعْلَمْهُ غ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فِي الْأُصُولِ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَكْلِيفِ الْكَافِرَةِ بِالْفُرُوعِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَهُ فِي الْأَشْرَافِ فَقَدْ رَاجَعْت كَلَامَ ابْنِ الْمُنْذِرِ فَوَجَدْته نَسَبَهُ لِقَوْلِهِ إذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ فَهُوَ قَدِيمٌ قَطْعًا و نَصُّ الْأُمِّ جَدِيدٌ فَتَخَرَّجَ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَإِنَّ أَصَحَّهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ

( وَعَلَيْهِ ) بَعْدَ إسْلَامِهِ ( رَدُّ مَالِ الْمُسْلِمِ ) الَّذِي كَانَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ ( فَإِنْ غَنِمَ ) بِأَنْ غَنِمْنَاهُ وَلَوْ ( مَعَ أَمْوَالِهِمْ رَدٌّ ) لِمَالِكِهِ ( وَإِنْ خَرَجَ لِوَاحِدٍ ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ وَ ( غَرِمَ لَهُ ) الْإِمَامُ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) بَدَلَهُ ( فَإِنْ فُقِدَ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ مَا هُوَ أَهَمُّ أَوْ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ الظَّلَمَةُ ( نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ ) .

( فَإِنْ اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ جَارِيَةَ مُسْلِمٍ ) ثُمَّ ( وَقَعَتْ فِي الْمَغْنَمِ أَخَذَهَا وَوَلَدَهَا ) مَالِكُهَا وَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ أَخَذَ مَالِكُهَا مِنْهُ مَعَهَا الْمَهْرَ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِشُبْهَةٍ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ مَالِكَهَا إذَا أَخَذَهَا ( اسْتِبْرَاؤُهَا ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا ( بَلْ يُسْتَحَبُّ ) .

( وَإِنْ نَكَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمَةً ) أَوْ أَصَابَهَا بِلَا نِكَاحٍ فَأَوْلَدَهَا ( ثُمَّ ظَفِرْنَا بِهِمْ لَمْ يَرِقَّ الْوَلَدُ ) كَأُمِّهِ ( لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ ) تَبَعًا لَهَا ( وَيَلْحَقُ النَّاكِحُ ) أَوْ الْمُصِيبُ ( لِلشُّبْهَةِ ) .

( وَيُصَدَّقُ ) بِيَمِينِهِ ( فِي دَعْوَى الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ لِدَفْعِ رِقِّ أَسِيرِ غَيْرِ ) أَيْ أَسِيرٌ وُجِدَ بِغَيْرِ ( دَارِ الْحَرْبِ ) بِخِلَافِ أَسِيرٍ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ .

( وَإِنْ غَنِمْنَا رَقِيقًا مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ ) كَافِرٌ ( مُسْتَأْمَنٌ ) أَوْ غَيْرُهُ ( مِنْ مُسْلِمٍ رَدَّ لِبَائِعِهِ وَرَدَّ ) بَائِعُهُ ( الثَّمَنَ لِلْمُسْتَأْمَنِ ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ .

( فَرْعٌ ) فِدَاءُ الْأَسِيرِ مُسْتَحَبٌّ لِلْآحَادِ فَلَوْ ( قَالَ ) شَخْصٌ ( لِلْكَافِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَسِيرِ أَطْلِقْهُ وَ ) لَك ( عَلَيَّ أَلْفٌ ) مَثَلًا فَأَطْلَقَهُ ( لَزِمَهُ ) الْأَلْفُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك بِكَذَا فَفَعَلَ ( وَلَا رُجُوعَ ) لَهُ عَلَيْهِ بِهِ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ذَلِكَ ( بِإِذْنِهِ ) فَأَطْلَقَهُ ( فَلَهُ الرُّجُوعُ ) عَلَيْهِ بِهِ إذَا غَرِمَهُ ( وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ ) أَيْ الرُّجُوعَ كَقَوْلِ الْمَدِينِ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي .

( فَلَوْ قَالَ الْأَسِيرُ لِلْكَافِرِ أَطْلِقْنِي بِكَذَا أَوْ قَالَ لَهُ الْكَافِرُ افْتَدِ نَفْسَك بِكَذَا فَقَبِلَ لَزِمَهُ ) مَا اُلْتُزِمَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ لَهُمْ مَالًا لِيُطْلِقُوهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَهُ : خُذْ هَذَا وَابْعَثْ لَنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْأُولَى صُورَتُهُ أَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى أَنْ يُطْلِقَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الدَّارِمِيُّ وَهُنَا عَاقَدَهُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ عَيْنًا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا قَالَ فِي الْإِسْعَادِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ بَعْثِ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُعَاقَدَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتَضِي عِوَضًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ صَحَّتْ لَمَلَكَ الْأَسِيرُ نَفْسَهُ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَإِنَّ الْفِدَاءَ إنَّمَا يَقْتَضِي حُصُولَ غَرَضٍ لِمُلْتَزِمِهِ لَا حُصُولَ مِلْكٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقْ زَوْجَتَك بِكَذَا أَوْ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك بِكَذَا فَفَعَلَ صَحَّ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ

( وَلَوْ غَنِمَهُ ) أَيْ مَا فَدَى بِهِ الْأَسِيرُ ( الْمُسْلِمُونَ رُدَّ لِلْمُفَادِي ) وَلَا يَكُونُ غَنِيمَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ .

( وَإِنْ أَسَرُوا مُسْلِمَةً وَأَمْكَنَ أَحَدًا تَخْلِيصُهَا لَزِمَهُ ) وَمِثْلُهَا الْمُسْلِمُ كَمَا عُلِمَ مِنْ أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي مَعْنَاهَا مَنْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا الْمُسْلِمُ ثَمَّ أَوْ أَسْلَمَتْ بِنَفْسِهَا وَطَلَبَتْ إنْجَاءَ نَفْسِهَا مِنْهُمْ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ ) حَرْبِيٍّ ( مُسْتَأْمَنٍ وَأَمَانَةِ مُخْتَصٍّ بِبَلَدٍ بَلَغَ مَأْمَنَهُ أَوْ ) وَأَمَانَةِ ( عَامٍّ ) فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ ( لَمْ يَجِبْ تَبْلِيغُهُ ) مَأْمَنَهُ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ مِنْ بِلَادِنَا بِبِلَادِهِمْ مِنْ مَحَلِّ أَمَانَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِ الْأَمَانِ .

( كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ ) لِلْكُفَّارِ تُطْلَقُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قَالَ تَعَالَى { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } أَيْ لَا تَقْضِي وَيُقَالُ جَزَيْت دَيْنِي أَيْ قَضَيْته وَجَمْعُهَا جِزَىً كَقَرْيَةٍ وَقُرًى وَالْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُ الْكَافِرَ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ : أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ وَجِزْيَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَهُوَ الْأَمَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ كَأَهْلِ إقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْهُدْنَةُ وَسَتَأْتِي أَوَّلًا إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ كَمَا مَرَّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَأْمِينَ الْإِمَامِ غَيْرُ مَحْصُورَيْنِ لَا يُسَمَّى أَمَانًا ، وَإِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَصِحُّ فِي مَحْصُورِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَالْأَصْلُ فِي الْجِزْيَةِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَقَدْ { أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ } كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ ( وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا ، وَهِيَ خَمْسَةٌ ) عَاقِدٌ وَصِيغَةٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَكَانٌ وَمَالٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ( الْأَوَّلُ الْعَاقِدُ ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ ) لَهُمْ ( إنْ طَلَبُوا ) عَقْدَهَا ( وَأَمِنَ مَكْرَهُمْ ) سَوَاءٌ أَرَأَى فِيهَا مَصْلَحَةً أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطْلُبُوا أَوْ خَافَ مَكْرَهُمْ فَلَا

يُجِيبُهُمْ ( فَإِنْ عَقَدَ ) هَا لَهُمْ ( غَيْرُهُ ) مِنْ الْآحَادِ ( لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ ( وَ ) لَكِنْ ( يَبْلُغُونَ الْمَأْمَنَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ ، وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ وَلَوْ قَالَ عَلَيْهِمْ كَانَ أَنْسَبَ ( وَيَكْتُبُ ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ( بَعْدَ الْعَقْدِ أَسْمَاءَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَحُلَاهُمْ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ، وَهُوَ تَكْرَارٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مَعَ زِيَادَةٍ آخِرَ الْكِتَابِ
كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ ) ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعِظَامِ فَاخْتَصَّ بِمَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ ؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ بِهَذَا الْعَقْدِ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ وِلَايَةُ الْعَقْدِ لَهُمَا كَالْعَقْدِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ ) أَيْ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ

( الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَهِيَ ( كَأَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أَذِنْت لَكُمْ فِي الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا ) مَثَلًا ( عَلَى الِانْقِيَادِ لِلْحُكْمِ ) أَيْ حُكْمِنَا الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ غَيْرِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ الْمَحَارِمَ ( وَيَذْكُرُ ) لَهُمْ فِي الْعَقْدِ ( الْجِزْيَةَ ) أَيْ الْتِزَامَهَا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِانْقِيَادَ وَالْجِزْيَةَ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ ذِكْرُهُمَا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَفَسَّرَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا وَالصَّغَارَ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا قَالُوا وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيَضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ ( وَيُشْتَرَطُ تَقْدِيرُهَا ) كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ ( لَا التَّعَرُّضُ لِلْكَفِّ ) أَيْ لِكَفِّهِمْ ( عَنْ اللَّهِ ) تَعَالَى ( وَرَسُولِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِدُخُولِهِ فِي ) ذِكْرِ ( الِانْقِيَادِ وَلَا بُدَّ ) فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ( مِنْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الْقَبُولِ ) كَمَا فِي الْإِيجَابِ ( كَرَضِيتُ وَقَبِلْت ) وَقَوْلُهُ ( وَنَحْوِهِ ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيَكْتَفِي بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ كَالْبَيْعِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ ( وَيَلْزَمُ ) الْعَقْدُ ( بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْكَافِرِ ( قَرِّرْنِي بِكَذَا فَقَرَّرَهُ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيجَابَ كَالْقَبُولِ ( فَإِنْ عَقَدَهَا مُؤَقَّتًا ) بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ ( أَوْ ) مَجْهُولٍ كَأَنْ ( قَالَ ) أَقْرَرْتُكُمْ ( مَا شِئْنَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ) أَوْ زِيدَ أَوْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ ( لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ مُؤَقَّتًا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ } فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ حِينَ وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ

لَا فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ بَلْ يَجُوزُ الْإِطْلَاقُ ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ ( أَوْ ) قَالَ أَقْرَرْتُكُمْ ( مَا شِئْتُمْ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ لَهُمْ نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ( بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ ) لَا تَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَقْدَهَا عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَهُ الْمُنَافِيَ لِمُقْتَضَاهُ

( قَوْلُهُ كَأَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أُقِرُّكُمْ ) وَالْمُضَارِعُ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ يَقْتَضِي الْوَعْدَ لَكِنْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْشَاءُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّجَرُّدِ مِنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ تَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ بِدَارِنَا مَثَلًا ) وَإِلَّا فَقَدْ يُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْمُرَادُ بِدَارِنَا غَيْرُ الْحِجَازِ لِمَا سَيَأْتِي وَلَا بُدَّ مِنْهُ إنْ عَقَدَ مُطْلَقًا وَالْخِطَابُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ عَقَدَ لِغَائِبِينَ فَقَبِلُوهُ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ الْخَبَرَ جَازَ ( قَوْلُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ) وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ ( قَوْلُهُ وَنَحْوَهُ ) أَيْ نَحْوَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ ) فَلَوْ عَقَدَ لِغَائِبِينَ فَرَضُوا بِذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ جَازَ ( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَقْرُبُ إلَخْ ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ بِقَوْلِهِ قَرِّرْنِي بِكَذَا ) أَوْ أَمِّنِّي عَلَى كَذَا ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيجَابَ كَالْقَبُولِ ) وَنَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِقَوْلِهِ سَأَلْتُك أَنْ تُؤَمِّنَنِي فَأَمَّنَهُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ عَقَدَهَا مُؤَقَّتًا إلَخْ ) هَلْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَقَّتَ بِزَمَانٍ لَا يَعِيشُ الذِّمِّيُّ أَكْثَرَ مِنْهُ قَطْعًا كَذَلِكَ أَمْ لَا فِيهِ احْتِمَالَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ بِمَعَانِيهَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَقْرَبُ هُنَا اعْتِبَارُ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا ، وَهُوَ مُفْسِدٌ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَقَامَ مَنْ عَقَدَ لَهُ الْإِمَامُ ) أَوْ نَائِبُهُ الْجِزْيَةَ بِدَارِنَا ( سَنَةً ) فَأَكْثَرَ ( بِعَقْدٍ فَاسِدٍ سَقَطَ الْمُسَمَّى ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ ( وَوَجَبَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجِزْيَةِ ( وَبَلَغَ الْمَأْمَنَ أَوْ ) أَقَامَ كَافِرٌ سَنَةً فَأَكْثَرَ ( بِغَيْرِ عَقْدٍ فَلَا مَالَ ) عَلَيْهِ لِمَا مَضَى بِخِلَافِ مَنْ سَكَنَ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ لِلْأَحْكَامِ دَارًا غَصْبًا كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّ عِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ ، وَهَذَا الْحَرْبِيُّ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ ( وَجَازَ ) لَنَا ( اغْتِيَالُهُ ) أَيْ قَتْلُهُ غِيلَةً ( وَاسْتِرْقَاقُهُ وَأَخْذُ مَالِهِ ) وَيَكُونُ فَيْئًا ( وَالْمَنُّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ) بِخِلَافِ سَبَايَا الْحَرْبِ وَأَمْوَالِهَا ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهَا فَاشْتُرِطَ اسْتِرْضَاؤُهُمْ ( وَيَلْزَمُ الْمَالُ ) أَيْ الْأُجْرَةُ ( مَنْ سَكَنَ ) دَارًا ( غَصْبًا ) كَمَا تَقَرَّرَ ( وَمَتَى مَنَّ عَلَيْهِ وَبَذَلَ الْجِزْيَةَ قُبِلَتْ ) مِنْهُ وُجُوبًا
قَوْلُهُ سَقَطَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ الْعَقْدِ ) كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ سَقَطَ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ مَا إذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ مَعَهُمْ عَلَى السُّكْنَى فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فَإِنَّهُمْ إذَا سَكَنُوهُ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَجَبَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْعِوَضَ وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَيَرْجِعُ إلَى الْمُسَمَّى ( قَوْلُهُ أَوْ أَقَامَ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَلَا مَالَ ) مِثْلُهُ عَقْدُ الْآحَادِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَعَقْدَ الْآحَادِ لَهَا لَاغٍ ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ

( وَإِذَا بَذَلَهَا الْأَسِيرُ حَرُمَ قَتْلُهُ ) ؛ لِأَنَّ بَذْلَهَا يَقْتَضِي حَقْنَ الدَّمِ كَمَا لَوْ بَذَلَهَا قَبْلَ الْأَسْرِ ( لَا اسْتِرْقَاقُهُ ) فَلَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ الْأَسْرِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِرْقَاقَ فَقَبُولُ الْجِزْيَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ وَمَالُهُ مَغْنُومٌ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( قَوْلُهُ وَإِذَا بَذَلَهَا الْأَسِيرُ حَرُمَ قَتْلُهُ لَا اسْتِرْقَاقُهُ ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِالْجِزْيَةِ وَتَرَدَّدَ الْبُلْقِينِيُّ فِي جَوَازِ إجَابَتِهِ لِذَلِكَ ثُمَّ رَجَّحَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُجَابُ عَنْهُ كَمَلِكٍ لَهُ جَيْشٌ أَوْ مُطَاعٍ صَاحِبِ عَشَرَةٍ جَازَ تَقْرِيرُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ قُوَّةً فِي الْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَّحَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ ) مَنْ رَأَيْنَاهُ فِي دَارِنَا ( دَخَلْت لِسَمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ أَوْ لِأَدَاءِ رِسَالَةٍ وَلَوْ وَعِيدًا ) أَيْ وَلَوْ فِي وَعِيدٍ وَتَهْدِيدٍ ( صُدِّقَ ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَهَذَا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عِنْدَنَا أَسِيرًا وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ( وَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ ) احْتِيَاطًا وَذِكْرُ تَحْلِيفِ مَنْ دَخَلَ لِسَمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِأَمَانٍ مُسَلَّمٌ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ احْتِيَاطًا ) أَيْ لَا وُجُوبًا جَمَعَ بِهِ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَبَيْنَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَحْلِيفُهُ

( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ لَهُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَقْلٌ وَبُلُوغٌ وَحُرِّيَّةٌ وَذُكُورَةٌ وَكَوْنُهُ كِتَابِيًّا ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ يَأْتِي
( قَوْلُهُ الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمَعْقُودُ لَهُ وَيُشْتَرَطُ إلَخْ ) لَا يُقْبَلُ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَقَطْ قَالَ شَيْخُنَا إذْ شَرِيعَتُنَا بِالنِّسْبَةِ لِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مُغَيَّاةٌ بِنُزُولِهِ

( فَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَجْنُونٍ ) مُطْبَقٌ جُنُونُهُ ؛ لِأَنَّهَا لِحَقْنِ الدَّمِ ، وَهُوَ مَحْقُونُهُ ( وَطَرَيَانُهُ ) أَيْ الْجُنُونِ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ ( كَمَوْتِهِ ) فِيهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ( فَلَوْ تَقَطَّعَ ) جُنُونُهُ ( لَفَّقَ ) زَمَنَهُ ( إنْ أَمْكَنَ ) كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ أَوْ وَيَوْمَيْنِ فَإِذَا تَمَّ زَمَنُ إفَاقَتِهِ عَامًا فَأَكْثَرَ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ اعْتِبَارًا لِلْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُجْتَمِعَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّلْفِيقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ ( وَلَا أَثَرَ لِيَسِيرِهِ ) أَيْ زَمَنِ جُنُونِهِ ( كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ ) فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ
( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ أُسِرَ ) مَنْ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ عَقْدٌ وَلَا أَمَانٌ ( حَالَةَ جُنُونِهِ رُقَّ ) فَلَا يُقْتَلُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْجُنُونِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُسِرَ حَالَ إفَاقَتِهِ

( وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَرَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا ) أَوْ مُكَاتَبًا لِمَا مَرَّ وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا } وَرَوَى { لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ } ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ وَالْمَالُ لَا جِزْيَةَ فِيهِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ وَيُفَارِقُ الْمُبَعَّضُ مَنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ بِأَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِفَاقَةَ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِهِ هُنَا

( فَإِنْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ ( أَوْ عَتَقَ ) الْعَبْدُ وَطَلَبْنَا مِنْهُ الْجِزْيَةَ فَامْتَنَعَ ( وَلَمْ يَبْذُلْهَا بَلَغَ الْمَأْمَنَ ) سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ( وَإِنْ بَذَلَهَا لَمْ يَكْفِ عَقْدُ أَبٍ وَسَيِّدٍ وَلَوْ كَانَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( قَدْ أَدْخَلَهُ فِي عَقْدٍ إذَا بَلَغَ ) أَوْ عَتَقَ كَأَنْ : قَالَ قَدْ الْتَزَمْت هَذَا عَنِّي وَعَنْ ابْنِي إذَا بَلَغَ أَوْ عَبْدِي إذَا عَتَقَ وَإِذَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ ( فَيُعْقَدُ لَهُ ) عَقْدٌ مُسْتَأْنَفٌ ( وَيُسَاوَمُ كَغَيْرِهِ ) لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْكَمَالِ وَلِوُجُوبِ جِزْيَةٍ أُخْرَى وَتَقَدَّمَ أَنَّ إعْطَاءَهَا فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْتِزَامِهَا ( وَيَجْعَلُ ) الْإِمَامُ ( حَوْلَهُمَا ) أَيْ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ ( وَاحِدًا ) لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ أَخْذُ الْجِزْيَةِ ( وَيَسْتَوْفِي ) الْمَالَ ( الْمُنْكَسِرَ ) ، وَهُوَ مَا لَزِمَ التَّابِعَ فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ الَّذِي اتَّفَقَ الْكَمَالُ فِي أَثْنَائِهِ إنْ رَضِيَ التَّابِعُ بِذَلِكَ ( أَوْ يُؤَخِّرُهُ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي ) فَيَأْخُذُهُ مَعَ جِزْيَةِ الْمَتْبُوعِ فِي آخِرِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ أَوَاخِرُ الْأَحْوَالِ ( وَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَهُمَا بِحَوْلٍ ) فَيَأْخُذُ مَا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ
( قَوْلُهُ فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ ) أَيْ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ

( وَلَوْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ ( سَفِيهًا فَعَقَدَ ) لِنَفْسِهِ ( هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقْنَ مُمْكِنٌ بِدِينَارٍ ( أَوْ بِدِينَارٍ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةَ حَقْنِ الدَّمِ ( وَإِنْ اخْتَارَ ) السَّفِيهُ ( إلْحَاقَهُ ) أَيْ الْتِحَاقَهُ ( بِالْمَأْمَنِ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى مَالِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ ( وَإِنْ صَالَحَ السَّفِيهُ عَنْ الْقِصَاصِ ) الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مُسْتَحَقُّهُ ( بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَمْنَعْ ) أَيْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ كَمَا يَشْتَرِي لَهُ الطَّعَامَ فِي الْمَخْمَصَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ صِيَانَةً لِرُوحِهِ ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْعِهِ لَهُ مِنْ عَقْدِ الْجِزْيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ ( أَنَّ صَوْنَ الدَّمِ ) فِي تِلْكَ ( يَحْصُلُ بِالدِّينَارِ ) وَصَوْنَ الرُّوحِ لَا يَحْصُلُ فِي هَذِهِ إلَّا بِالزِّيَادَةِ
( قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَعَقَدَ إلَخْ ) لَوْ قَبِلَ رَشِيدٌ بِدِينَارَيْنِ ثُمَّ سَفِهَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ اخْتَارَ إلْحَاقَهُ بِالْمَأْمَنِ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَلِيُّ ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَأْخَذَهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ مِنْ أَنَّ الْعَهْدَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ إذْ لَوْ دَخَلَ لَتَوَقَّفَ عَقْدُهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ إذْنِهِ ع قَوْلُهُ ، وَإِنْ صَالَحَ السَّفِيهُ عَنْ الْقِصَاصِ إلَخْ ) مُفَادَاتُهُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا الظَّاهِرُ أَنَّ مُفَادَاتَهُ نَفْسُهُ بِالْمَالِ كَذَلِكَ

( وَتُعْقَدُ الذِّمَّةُ لِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى ) طَلَبَهَا بِلَا بَذْلِ جِزْيَةٍ ( وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا ) أَمَّا فِي الْمَرْأَةِ فَلِمَا مَرَّ ، وَأَمَّا فِي الْخُنْثَى فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَيُعْلِمُهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا ( وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمَا الْتِزَامَ الْأَحْكَامِ ) وَذِكْرُ الْعَقْدِ لِلْخُنْثَى مَعَ اشْتِرَاطِ الِالْتِزَامِ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِهِ

( وَتُسْتَرَقُّ ) الْمَرْأَةُ ( إنْ دَخَلَتْ ) دَارَنَا ( بِلَا أَمَانٍ وَنَحْوِهِ ) كَطَلَبِ أَمَانٍ ( كَالصَّبِيِّ ) وَنَحْوِهِ ( وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ فِيهِمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ ( حَالَ الْقِتَالِ ) مِنْ قَتْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَغَيْرِهِمَا ( يَفْعَلُهُ بِمَنْ دَخَلَ ) دَارَنَا ( بِلَا أَمَانٍ ) وَنَحْوِهِ ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ

( وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى ) الْمَعْقُودُ لَهُ الْجِزْيَةُ ( ذَكَرًا طَالَبْنَاهُ ) بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى كَمَا مَرَّ إذْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ الْجِزْيَةُ
( قَوْلُهُ وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى الْمَعْقُودُ لَهُ إلَخْ ) أَفَادَ الشَّارِحُ بِمَا قَرَّرَهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَجَوَابُهُ أَمَّا الِاعْتِرَاضُ ، فَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ ، وَهَذَا حَرْبِيٌّ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا وَذَلِكَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا بَلْ أَوْلَى لِتَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ هُنَاكَ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَدْ تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ هُنَا بِأَنَّهُ صَدَرَ مَعَهُ عَقْدٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ بِظُهُورِ حَالِهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِخُنْثَيَيْنِ ثُمَّ بَانَا رَجُلَيْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُنْثَى إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ وَمَا يُتْلِفُهُ عَلَيْنَا مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ لَا يَضْمَنُهُ بِخِلَافِ الْخُنْثَى فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ وَأَقَامَ جَهْرَةً وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فَلَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَرَضَ أَنَّ الْخُنْثَى أَقَامَ خَفِيَّةً إلَى أَنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِ فَبَانَتْ ذُكُورَتُهُ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ كَالْحَرْبِيِّ الْمَذْكُورِ وَأَوْلَى قس قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْخُنَاثَى : لَا تُعْقَدُ لِلْخُنْثَى الذِّمَّةُ وَيُعْقَدُ لَهُ الْأَمَانُ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ فَإِذَا أَمِنَ وَدَامَ سِنِينَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا مَضَى ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَيَسْتَأْنِفُ مَعَهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ

( وَإِنْ حَاصَرْنَا قَلْعَةً ) مَثَلًا أَيْ أَهْلَهَا ( فَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَنْ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ نُصَالِحْهُمْ ) فَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) فِيهَا ( إلَّا نِسَاءٌ وَطَلَبْنَ الْعَقْدَ بِالْجِزْيَةِ فَفِي قَوْلٍ تُعْقَدُ لَهُنَّ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ يَحْتَجْنَ إلَى صِيَانَةِ أَنْفُسِهِنَّ عَنْ الرِّقِّ كَمَا يَحْتَاجُ الرِّجَالُ إلَى الصِّيَانَةِ عَنْ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِنَّ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَلَا يُسْتَرْقَقْنَ ( وَلَا يَلْزَمُهُنَّ الْمَالُ ) أَيْ الْجِزْيَةُ ( فَإِنْ بَذَلْنَهَا جَاهِلَاتٍ ) بِلُزُومِهَا ( رُدَّتْ عَلَيْهِنَّ ) ؛ لِأَنَّهُنَّ دَفَعْنَهَا عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ( فَإِنْ عَلِمْنَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُنَّ ) الْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُنَّ فَبَذَلْنَهَا ( فَهِيَ هِبَةٌ تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ بِالْإِذْنِ ) وَالتَّصْرِيحُ بِالْإِذْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَفِي قَوْلٍ ) لَا تُعْقَدُ لَهُنَّ بَلْ ( يُسْبَيْنَ ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ لِقَطْعِ الْحَرْبِ وَلَا حَرْبَ فِيهِنَّ فَإِنْ عُقِدَ لَهُنَّ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُنَّ حَتَّى يَرْجِعْنَ إلَى الْقَلْعَةِ فَإِذَا فَتَحْنَهَا سَبَاهُنَّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ جِزْيَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ أَخْذُ الْتِزَامٍ ( فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ ) فِي الْقَلْعَةِ ( رَجُلٌ وَبَذَلَ الْجِزْيَةَ ) جَازَ وَ ( عَصَمَهُنَّ ) مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا أَطْلَقَهُ مُطْلِقُونَ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِمَا إذَا كُنَّ مِنْ أَهْلِهِ ، وَهُوَ حَسَنٌ
( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( فَرْعٌ يَدْخُلُ فِي ) عَقْدِ ( الذِّمَّةِ ) لِلْكَافِرِ ( الْمَالُ حَتَّى الْعَبْدُ وَكَذَا زَوْجَةٌ وَطِفْلٌ ) وَمَجْنُونٌ لَهُ وَسَائِرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ دُخُولُهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَأْمَنُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهَا فَبَذْلُهُ الْجِزْيَةَ إنَّمَا هُوَ لِعِصْمَتِهَا فَيَحْرُمُ إتْلَافُهَا ، وَعَلَى مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْهَا غَيْرَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا الضَّمَانُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إتْلَافُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا أَظْهَرَهُمَا وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ ( مَنْ اُشْتُرِطَ ) دُخُولُهُ مَعَهُ فِيهِ ( مِنْ نِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ وَمَجَانِينَ ) وَخَنَاثَى وَأَرِقَّاءَ ( لَهُمْ مِنْهُ قَرَابَةٌ وَعَلَقَةٌ وَلَوْ مُصَاهَرَةً ) بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشْتَرَطْ دُخُولُهُ مِنْهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَتْبِعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الضَّبْطِ وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ الْوَافِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الِاسْتِتْبَاعُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ قَالَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ بِشَرْطِ دُخُولِ أَتْبَاعِي فِي الْعَقْدِ وَلَا يُعَيِّنُهُمْ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِلَّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى .
نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ
( قَوْلُهُ قَالَ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالشَّرْطِ وَنَحْوِهِمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ) الظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَاغْتُفِرَ اشْتِرَاطُ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْتِزَامِهِ الْمَالَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ مِنْ مَالِهِمْ عَنْ ) مَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ مِنْ ( النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ) وَالْمَجَانِينِ سِوَى مَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ ( جَازَ ) وَكَأَنَّهُمْ قَبِلُوا جِزْيَةً كَثِيرَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوهَا مِنْ مَالِ الْمَذْكُورِينَ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ إنْ أَذِنَ لَهُمْ فَهُمْ وُكَلَاءُ عَنْهُنَّ وَفِي بَذْلِهِنَّ لَهَا مَا مَرَّ

( فَصْلٌ لَا تُعْقَدُ ) الْجِزْيَةُ ( إلَّا لِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ( أَوْ مَجُوسِيٍّ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ وَقَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ } ؛ وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ ( وَكَذَا مَنْ زَعَمَ التَّمَسُّكَ ) تَبَعًا لِتَمَسُّكِ أَبِيهِ ( بِالزَّبُورِ ) أَيْ بِزَبُورِ دَاوُد ( وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ ) وَنَحْوِهِمَا ( وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً ) بِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُعْقَدُ لَهُمْ ( وَإِنْ حَرُمَتْ ذَبِيحَتُهُمْ وَمُنَاكَحَتُهُمْ ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَجُوسِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ كِتَابِهِمْ فَلِهَؤُلَاءِ أَوْلَى وَكَمَا يَحْرُمُ ذَبَائِحُ هَؤُلَاءِ وَمُنَاكَحَتُهُمْ يَحْرُمَانِ مِنْ الْمَجُوسِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ ، وَإِنَّمَا حُرِّمَا وَحَلَّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا أَمَّا غَيْرُ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالشَّمْسِ فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ
قَوْلُهُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا ) وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا جِبْرِيلُ وَإِنَّمَا أُلْهِمُوهَا إلْهَامًا ، وَهِيَ مَوَاعِظُ لَا أَحْكَامَ فِيهَا فَلَمْ تُلْحَقْ بِالْكِتَابِيِّينَ ( قَوْلُهُ فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ إلَى أَنْ يُسْلِمُوا بِقَوْلِهِ { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَخَصَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } إلَى قَوْلِهِ { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } أَيْ يَلْتَزِمُوهَا وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ وَهُمْ الْمَجُوسُ بِالْخَبَرِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيمَنْ عَدَا الْمَذْكُورِينَ بِعُمُومِ الْآيَةِ

( فَرْعٌ تُعْقَدُ ) أَيْضًا ( لِمَنْ دَخَلَ أَصْلَهُ التَّهَوُّدُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ ) الْأَنْسَبُ وَالتَّنَصُّرُ ( وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ ) فِي دِينِهِ ( لَا ) بَعْدَ ( النَّسْخِ ) لَهُ ( وَلَوْ بِعِيسَى ) أَيْ بِشَرِيعَتِهِ فَتُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ لِدِينِهِ أَوْ مَعَهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ؛ وَلِأَنَّهُمْ ، وَإِنْ بَدَّلُوا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ مَا لَمْ يُبَدَّلْ فَلَا يَنْحَطُّ التَّمَسُّكُ بِهِ عَنْ شُبْهَةِ كِتَابِ الْمَجُوسِ وَلَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا أَوْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى كَآبَائِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِدِينٍ بَطَلَ وَسَقَطَتْ فَضِيلَتُهُ ( فَإِنْ شَكَكْنَا ) فِي دُخُولِهِمْ فِيهِ أَكَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ ( أَقْرَرْنَاهُمْ ) بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ ( كَالْمَجُوسِ ) وَبِهِ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ

( قَوْلُهُ تُعْقَدُ لِمَنْ دَخَلَ أَصْلُهُ إلَخْ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَصْلُهُ أُمُّهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا ، وَكَتَبَ أَيْضًا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا دَخَلَ آبَاؤُهُمْ وَكَذَا فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْأَبُ فِي التَّنْصِيرِ بَعْدَ النَّسْخِ وَدَخَلَتْ الْأُمُّ فِيهِ قَبْلَهُ لَمْ يَقِرَّ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُمَا بِالْجِزْيَةِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى ( قَوْلُهُ لَا بَعْدَ النَّسْخِ لَهُ وَلَوْ بِعِيسَى ) إسْرَائِيلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ النَّاسِخُ لِشَرْعِ مُوسَى بِعْثَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ التَّهَوُّدَ بَعْدَ بِعْثَةِ عِيسَى كَالتَّهَوُّدِ وَالتَّنَصُّرَ بَعْدَ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَا يَقِرُّ بِالْجِزْيَةِ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ التَّوْرَاةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْإِنْجِيلِ وَالْيَهُودِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ نَسَخَ الْقُرْآنُ ذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا شَمِلَتْ عِبَارَتُهُ الْإِسْرَائِيلِيَّ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُعْقَدُ لِمَنْ تَهَوَّدَ أَصْلُهُ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ ثُمَّ انْتَقَلَ هُوَ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَخَرَجَ بِأَصْلِهِ أُمُّهُ

( وَتُعْقَدُ لِمَنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ) ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابِيُّ أُمَّهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْكِتَابِ مَوْجُودَةٌ وَفِي الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ احْتِيَاطًا
( قَوْلُهُ وَتُعْقَدُ لِمَنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ ) مَحَلُّهُ إذَا بَلَغَ وَدَانَ ابْنُ الْوَثَنِيِّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ بِدِينِ أُمِّهِ فَإِنْ دَانَ بِدِينِ أَبِيهِ لَمْ يَقِرَّ قَوْلًا وَاحِدًا

( لَا لِجَاسُوسٍ ) يُخَافُ شَرُّهُ لِلضَّرَرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ كَمَا أَنَّ النَّامُوسَ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ

( فَصْلٌ تُعْقَدُ ) الْجِزْيَةُ ( لِلصَّائِبَةِ وَالسَّامِرَةِ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ) وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ ( وَكَذَا ) تُعْقَدُ لَهُمْ ( لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ ، وَإِنْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أَوْ بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ ) تَبَعًا لِتَمَسُّكِ آبَائِهِمْ ( بِكِتَابٍ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ ) الْأَنْسَبُ بِمَا مَرَّ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ ( صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ ) دُونَ غَيْرِهِمْ ( وَعَقَدَ لَهُمْ ) الْجِزْيَةَ ؛ لِأَنَّ دِينَهُمْ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَالتَّصْرِيحُ بِقَبْلِ النَّسْخِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ( فَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ ) وَلَوْ مِنْهُمْ بِأَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمَا ( بِكَذِبِهِمْ فَإِنْ ) كَانَ قَدْ ( شَرَطَ ) فِي الْعَقْدِ ( قِتَالَهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ ( فَوَجْهَانِ ) : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّهْذِيبِ وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّهُ الظَّاهِرُ كَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ يُلْحَقُونَ بِالْمَأْمَنِ
( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا ) وَالْأَمَانُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الِاغْتِيَالَ عِنْدَ ظَنِّ الْكَافِرِ صِحَّتَهُ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَعَلَى إطْلَاقِ الِاغْتِيَالِ جَرَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَفُرُوعُهُ

( فَرْعٌ إذَا تَوَثَّنَ نَصْرَانِيٌّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ ) كَمَا مَرَّ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ ( ثُمَّ أَطْفَالُهُمْ ) أَيْ الْمُتَوَثِّنِينَ ( مِنْ ) أُمِّهِمْ ( النَّصْرَانِيَّةِ نَصَارَى وَكَذَا مِنْ ) أُمِّهِمْ ( الْوَثَنِيَّةِ فَتُعْقَدُ ) الْجِزْيَةُ ( لِمَنْ بَلَغَ ) مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ عَلَقَةُ التَّنَصُّرِ فَلَا تَزُولُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدُ

( فَصْلٌ تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى شَيْخٍ هَرِمٍ وَزَمِنٍ وَأَجِيرٍ وَرَاهِبٍ وَأَعْمَى وَفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ ) ؛ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ ؛ وَلِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لِأَهْلِ خَيْبَرَ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ : لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ( فَيُطَالَبُ ) الْفَقِيرُ فِي صُورَتِهِ ( إنْ أَيْسَرَ ) بِهَا

( الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْمَكَانُ الْقَابِلُ ) لِلتَّقْرِيرِ ( فَيُمْنَعُ الْكُفَّارُ ) وَلَوْ ذِمِّيِّينَ ( الْإِقَامَةُ بِالْحِجَازِ ، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا ) بِالْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مِخْلَافٍ أَيْ قُرَاهَا ( كَالطَّائِفِ ) وَوَجٍّ ( وَخَيْبَرَ وَكَذَا الطُّرُقُ الْمُمْتَدَّةُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحِجَازِ سَوَاءٌ أَقَامُوا فِيهِ بِجِزْيَةٍ أَمْ لَا لِشَرَفِهِ وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ { آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ } وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } وَخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَأَخْرَجْنَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمْ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا ؛ لِأَنَّهُ حَجْزٌ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ ( لَا بَحْرًا ) أَيْ يُمْنَعُونَ الْإِقَامَةَ بِمَا ذَكَرَ لَا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعُ إقَامَةٍ ( وَيُمْنَعُونَ مِنْ ) الْإِقَامَةِ فِي ( جَزَائِرِهِ وَسَوَاحِلِهِ الْمَسْكُونَةِ ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْكُونَةِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ : التَّقْيِيدُ بِهِ تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَانِ الْبَغَوِيّ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كَمَا حَذَفَهُ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الْإِقَامَةِ بِالطُّرُقِ الْمُمْتَدَّةِ .
وَالْبَغَوِيُّ إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ ( فَإِنْ دَخَلَ ) الْكَافِرُ الْحِجَازَ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ( أُخْرِجَ ) مِنْهُ ( وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ ) لِدُخُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهُ ( وَيُؤْذَنُ ) لَهُ جَوَازًا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ ( فِي دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ ) إنْ كَانَ دُخُولُهُ ( لِلْمَصْلَحَةِ ) لَنَا ( كَأَدَاءِ رِسَالَةٍ وَعَقْدِ

ذِمَّةٍ وَهُدْنَةٍ وَحَمْلِ ) مَتَاعِ ( تِجَارَةٍ يُحْتَاجُ ) إلَيْهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ ( اشْتَرَطَ ) فِي الْإِذْنِ لَهُ فِي الدُّخُولِ ( أَخْذَ شَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا ( وَقَدْرُهُ ) أَيْ الْمَشْرُوطِ مَنُوطٌ ( بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَ ) إذَا دَخَلَهُ بِالْإِذْنِ ( لَا يُقِيمُ ) فِيهِ ( أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ) مِنْ الْأَيَّامِ ( سِوَى يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا ثُمَّ سَوَاءٌ أَدَخَلَ لِمَصْلَحَةٍ أَمْ لَا ( وَيَشْتَرِطُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَيُوَكِّلُ ) غَيْرَهُ كَمُسْلِمٍ ( بِقَبْضِ دَيْنَهُ ) إنْ كَانَ لَهُ ثَمَّ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ( وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ ) مِنْ الْأَيَّامِ وَفِي نُسْخَةٍ ثَلَاثٌ ( فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ) حَيْثُ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ .
( وَيُمْنَعُ الْمُرُورَ بِحَرَمِ مَكَّةَ ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } أَيْ فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ ( وَيَخْرُجُ ) وَاحِدٌ مِنَّا ( إلَيْهِ لِسَمَاعِ رِسَالَةٍ ) وَ يُبَلِّغُهَا لِلْإِمَامِ ( فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ، وَإِنْ طَلَبَ ) مِنَّا ( الْمُنَاظَرَةَ ) لِيُسْلِمَ ( خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ فَإِنْ بَذَلَ عَلَى دُخُولِهِ ) الْحَرَمَ ( مَا لَا لَمْ يُقْبَلْ ) أَيْ لَمْ يُجَبْ

إلَيْهِ ( فَإِنْ أُجِيبَ ) فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ( وَ ) إنْ ( وَصَلَ الْمَقْصِدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى ) وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُ بِعِوَضٍ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ ( أَوْ ) وَصَلَ ( دُونَهُ ) أَيْ الْمَقْصِدِ ( فَبِالْقِسْطِ ) مِنْ الْمُسَمَّى يُؤْخَذُ وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ عَلَى عَشَرَةٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشَرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةُ وَزَادَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيِّ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ وَكَرُّ زَلِّهَا اهْتَدَى فَلَمْ يَعُدْ سَيْلُ الْحِلِّ إذْ جَاءَ بُنْيَانُهُ ( وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ ) لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ وَثَبَتَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ }

( قَوْلُهُ فَيُمْنَعُ الْكَافِرُ الْإِقَامَةَ بِالْحِجَازِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ هَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَوْ يَفْسُدُ الْإِطْلَاقُ وَيَتَقَيَّدُ بِغَيْرِ الْحِجَازِ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي ( فَرْعٌ ) لَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارًا بِالْحِجَازِ وَلَمْ يَسْكُنْهَا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ ) وَكَانُوا زُهَاءَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا ( قَوْلُهُ لَا بَحْرًا ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِي الْمَرْكَبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ا هـ ، وَهُوَ الْمُرَادُ ( قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ مَا رَجَّحُوهُ مِنْ الْمَنْعِ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ ) وَبَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ الْحِجَازِ .
( قَوْلُهُ وَحَمْلِ مَتَاعِ تِجَارَةٍ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الذِّمِّيِّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ وَحَكَى نَصًّا لِلشَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ قَالَ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ جَرَى الْأَصْحَابُ وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّ مَا ذَكَرُوهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ إلَخْ ) وَفِي الْبَسِيطِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ فَرْسَخًا فَرْسَخًا وَيُقِيمُونَ فِي كُلِّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا مَنْعَ فَإِنَّهُ فِي صُورَةِ السَّفَرِ ا هـ وَكَانَ الْمُرَادُ حَالَةَ الِاجْتِيَازِ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى التَّوَطُّنِ كَأَهْلِ النُّجْعَةِ

وَأَصْلُهُ قَوْلُ إمَامِهِ لَوْ كَانُوا يَتَنَاقَلُونَ مِنْ بُقْعَةٍ إلَى بُقْعَةٍ وَلَوْ لُفِّقَتْ أَيَّامُ تَرَدُّدِهِمْ لَزَادَتْ عَلَى مَقَامِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّ خُطَّةَ الْحِجَازِ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُكَلِّفُهُمْ أَنْ يَجْرُوا فِي انْتِقَالِهِمْ عَلَى الْمَنَازِلِ الْمَعْهُودَةِ وَلَوْ قَطَعُوا فَرْسَخًا فَرْسَخًا وَكَانُوا يُقِيمُونَ عَلَى مُنْتَهَى كُلِّ فَرْسَخٍ فَلَا مَنْعَ وَلَا حَجْرَ .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ .
( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا ، وَإِنْ أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَقَامَ فِي مَسِيرِهِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَقْصِدِ فَانْتِقَالُهُ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَا يُعَدُّ بِهِ مُسَافِرًا ر ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ إلَّا فِي قَوْله تَعَالَى { فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَعْبَةُ ( قَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٍ ) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَقُدُومُ نَصَارَى نَجْرَانَ فِي جُمْلَةِ الْوُفُودِ سَنَةَ عَشَرَةٍ فَأَنْزَلَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَسْجِدِ وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ

( وَإِنْ دُفِنَ ) الْكَافِرُ ( فِي حَرَمِ مَكَّةَ نُبِشَ ) قَبْرُهُ وَأُخْرِجَ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ لَهُ حَيًّا ( مَا لَمْ يَتَهَرَّ ) أَيْ يَتَقَطَّعْ فَإِنْ تَهَرَّى تُرِكَ

( وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ مِنْ الْحِجَازِ ) ، وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ ( إلَّا مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ ) فَيُنْقَلُ مِنْهُ ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ النَّقْلِ مَوْتُهُ ( وَلَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ ) فِيمَا ذَكَرَ ( حَرَمُ الْمَدِينَةِ ) لِمَا مَرَّ ( لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ) إلْحَاقُهُ بِهِ فِيهِ
قَوْلُهُ وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ مِنْ الْحِجَازِ ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ ، وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ لَا إنْ مَرِضَ وَشَقَّ نَقْلُهُ ( قَوْلُهُ فَيُنْقَلُ مِنْهُ ) ، وَإِنْ خِيفَ مِنْ النَّقْلِ مَوْتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ مِنْهُ إنْ شَقَّ نَقْلُهُ أَوْ خِيفَ مَوْتُهُ مِنْهُ ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ

( وَلَا يُدْفَنُ ) الْكَافِرُ ( فِي الْحِجَازِ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ ) وَإِلَّا دُفِنَ فِيهِ ( فَلَوْ دُفِنَ ) فِيهِ ( لَمْ يُنْبَشْ ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَعَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ : لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَرْفَعَ نَفْسَ قَبْرِهِ
( قَوْلُهُ وَإِلَّا دُفِنَ فِيهِ ) مَحَلُّهُ فِي الذِّمِّيِّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجِبُ دَفْنُهُ بَلْ فِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ

( وَلَا يَدْخُلُ حَرْبِيٌّ سَائِرَ الْبِلَادِ ) أَيْ بَاقِيهَا ( إلَّا بِإِذْنٍ ) فَيَجُوزُ دُخُولُهُ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكَافِرِ فِيهِ بِالْجِزْيَةِ ( وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ ) أَيْ لِلْحَرْبِيِّ فِي دُخُولِهِ لَهُ ( إلَّا ) لِحَاجَةٍ كَمَا فُهِمْت بِالْأَوْلَى أَوْ ( لِمَصْلَحَةٍ ) لَنَا ( كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ ) وَعَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ هُدْنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ لِتَجَسُّسٍ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَسَادٌ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي الْأَمَانِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنَفْيِ الْمَضَرَّةِ لَا بِوُجُودِ الْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ هُنَا إنَّمَا هُوَ لِدُخُولِهِمْ بِلَادِنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ ( وَيَقِفُ ) أَيْ يَمْكُثُ إذَا دَخَلَ لِمَا ذَكَرَ ( بِقَدْرٍ لِحَاجَةٍ وَلَا يَدْخُلُ مَسَاجِدَهَا ) أَيْ بَقِيَّةَ الْبِلَادِ ( إلَّا بِإِذْنٍ وَيَأْذَنُ لَهُ الْآحَادُ ) كَالْإِمَامِ ( وَلَوْ فِي دُخُولِهِ الْجَامِعِ لِحَاجَةِ مُسْلِمٍ أَوْ حَاجَتِهِ ) هُوَ ( إلَيْهِ وَلِسَمَاعِ قُرْآنٍ ) وَحَدِيثٍ وَعِلْمٍ ( لَا أَكْلٍ ) وَشُرْبٍ ( وَنَوْمٍ وَيُعَزَّرُ إنْ دَخَلَ ) مَسْجِدًا ( بِلَا إذْنٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِلَا إذْنٍ ( أَوْ جَاهِلًا فَلَا ) يُعَزَّرُ لِعُذْرِهِ ( وَيُعَرَّفُ ) الْحُكْمَ ( وَجُلُوسُ الْقَاضِي فِيهِ إذْنٌ لِلْكَافِرِ الْمُخَاصَمِ ) فِي الدُّخُولِ ( وَلِلْإِمَامِ إنْزَالُ وَفْدِهِمْ ) أَيْ الْقَادِمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا ( بِمَسْجِدٍ وَلَوْ ) كَانَ الْوَافِدُ ( جُنُبًا لَا حَائِضًا تُلَوِّثُ ) الْمَسْجِدَ ( وَلَا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا ) غَيْرَ مُمَيِّزَيْنِ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ عَنْ الْقَاذُورَاتِ الْحَاصِلَةِ فِيهِ بِذَلِكَ ( وَغَيْرُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى ) بِالْإِنْزَالِ فِيهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عُلِمَ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ سَأَلَ مَنْ لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ تَعْلِيمَ الْعِلْمِ مُنِعَ ) مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ كَمَا فِي تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ ( وَلَوْ عِلْمَ نَحْوًا أَوْ شِعْرًا ) أَوْ نَحْوَهُمَا ( جَازَ ) ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ

( وَلَا يُمَكَّنُ ) إذَا دَخَلَ لِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ ( مِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ ) وَلَا يَأْذَنُ لَهُ الْإِمَامُ فِي حَمْلِ شَيْءٍ مِنْهُمَا إلَى دَارِنَا
( قَوْلُهُ وَيَأْذَنُ لَهُ الْآحَادُ ) شَرْطُ الْإِذْنِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَفِي الْكَافِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ عَدَمَ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَجُلُوسُ الْقَاضِي فِيهِ إذْنٌ لِلْكَافِرِ الْمُخَاصِمِ ) قُعُودُ الْمُفْتِي فِيهِ لِلِاسْتِفْتَاءِ كَذَلِكَ

( الرُّكْنُ الْخَامِسُ الْمَالُ وَأَقَلُّهُ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ } ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يُعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ
( قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ دِينَارٌ ) وَأَكْثَرُهُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّرَاضِي ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّرَاضِي فَجَازَ بِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ كَالْبَيْعِ ( قَوْلُهُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَخْ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِمَا أُرِيدَ بِالْجِزْيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } قَالَ وَلَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَحَدًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْمُتَوَسِّطُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الدِّينَارَ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِحَقْنِ الدَّمِ أَوْ لِسُكْنَى الدَّارِ أَوْ لِلْمَجْمُوعِ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالْمُتَوَسِّطُ يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَوَوْا فِي مُقَابِلِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ ) وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : إنَّهُ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ

( وَتُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ ) أَيْ الْمُشَاحَةُ مَعَ الْكَافِرِ الْعَاقِلِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَهُمْ ( فَيَعْقِدُ لِلْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةٍ وَالْمُتَوَسِّطِ بِدِينَارَيْنِ ) وَالْفَقِيرِ بِدِينَارٍ ( فَإِنْ أَبَى ) عَقْدَهَا ( إلَّا بِدِينَارٍ أُجِيبَ ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ وَالْمُمَاكَسَةُ كَمَا تَكُونُ فِي الْعَقْدِ تَكُونُ فِي الْأَخْذِ بَلْ الْأَصْحَابُ إنَّمَا صَدَّرُوا بِهِ فِي الْأَخْذِ فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْمُمَاكَسَةُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ - الْغَنِيِّ إلَى آخِرِهِ وَيُسْتَثْنَى السَّفِيهُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ وَلَا عَقْدُ الْوَلِيِّ لَهُ بِالزَّائِدِ عَلَى الدِّينَارِ خِلَافًا لِلْقَاضِي ( فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ ) بَذْلِ ( الزَّائِدِ ) عَلَى دِينَارٍ ( بَعْدَ الْعَقْدِ ) بِهِ ( فَنَاقِضٌ ) لِلْعَهْدِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ فَيَبْلُغُ الْمَأْمَنَ كَمَا سَيَأْتِي فَعُلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ( فَإِنْ بَلَغَ الْمَأْمَنَ وَعَادَ بَاذِلًا لِلدِّينَارِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَعَادَ وَطَلَبَ الْعَقْدَ بِدِينَارٍ ( أُجِيبَ ) كَمَا لَوْ طَلَبَهُ أَوَّلًا ( فَإِنْ شُرِطَ وَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ دِينَارٌ وَ ) كُلِّ ( غَنِيٍّ أَرْبَعَةٌ وَ ) كُلِّ ( مُتَوَسِّطٍ دِينَارٌ إنْ اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ ) أَيْ الْفَقْرُ وَالْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ ( وَقْتَ الْأَخْذِ ) لَا وَقْتَ طُرُوِّهَا وَلَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَأُطْلِقَ أَيْ الشَّرْطُ مَا لَوْ قَيَّدَ بِأَنْ قُيِّدَتْ الْأَحْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِوَقْتٍ فَيُتَّبَعُ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَقْرِ ) أَوْ التَّوَسُّطِ مِنْهُمْ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْ يُعْهَدُ لَهُ مَالٌ وَكَذَا مَنْ غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ وَقَالَ أَسْلَمْت مِنْ وَقْتِ كَذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ

( قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ ) ، وَإِنْ عَلِمُوا جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الدِّينَارِ ( قَوْلُهُ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إلَخْ ) فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَاقِدِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَقْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا دَانِقًا ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا عَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدَ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ الْأُمِّ وَقَوْلُهُ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ إلَخْ ( قَوْلُهُ فَتُعْقَدُ لِلْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةٍ وَالْمُتَوَسِّطِ بِدِينَارَيْنِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَذْكُرُوا ضَابِطَ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ يُحْتَمَلُ كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَيُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ ا هـ وَالْأَقْرَبُ ضَبْطُهُمَا بِمَا فِي الْعَاقِلَةِ ( قَوْلُهُ بَلْ الْأَصْحَابُ إنَّمَا صَدَّرُوا بِهِ فِي الْأَخْذِ فَقَالُوا إلَخْ ) الْمُمَاكَسَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ لَهُمْ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَعْقِدَ لِلْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا ذَكَرَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا ذَلِكَ لَكِنْ لَهَا حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ عُلِمَ غِنَاهُ أَوْ تَوَسُّطُهُ بِمَا ذَكَرَ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيَعْقِدُ لِلْغَنِيِّ إلَى آخِرِهِ ثَانِيهِمَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى صِفَةِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَالتَّوَسُّطِ وَتَغْيِيرِ حَالِ الْآخِذِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ وَأَطْلَقَ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ إلَى آخِرِهِ فَقَدْ قَالُوا هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَكَتَبَ أَيْضًا الْمُرَادُ الْمُمَاكَسَةُ عَلَى أَنْ يَعْقِدَ

لِلْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلِلْمُتَوَسِّطِ بِدِينَارَيْنِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا أَوْ يَعْقِدَ عَلَى صِفَةِ الْغَنِيِّ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَعَلَى صِفَةِ التَّوَسُّطِ بِدِينَارَيْنِ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيًا قَالَ شَيْخُنَا وَبِهَذَا الْجَمْعِ يُوَافِقُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ أَيْ الْمُمَاكَسَةِ عِنْدَ الْأَخْذِ وَحِينَئِذٍ فَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يُعْقَدُ عَلَى الْأَشْخَاصِ وَتَارَةً يُعْقَدُ عَلَى الْأَوْصَافِ فَإِنْ عَقَدَ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ فَالْمُمَاكَسَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الثَّانِي فَعِنْدَ الْأَخْذِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّائِدِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَنَاقِضٌ لِلْعَهْدِ ) شَمِلَ مَا لَوْ عَقَدَهَا رَشِيدٌ ثُمَّ سَفِهَ ، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ

( وَلَا تُؤْخَذُ ) الْجِزْيَةُ ( فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِالْقِسْطِ ) اتِّبَاعًا لِسِيرَةِ الْأَوَّلِينَ ( إلَّا مِمَّنْ مَاتَ ) أَوْ أَسْلَمَ أَوْ اسْتَقَالَ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ نَبَذَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَيُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ إذْ وُجُوبُهَا بِالسُّكْنَى فَإِذَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَجَبَ قِسْطُهُ كَالْأُجْرَةِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَتِرْكَتُهُ كُلُّهَا فَيْءٌ فَلَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ أُخِذَ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْجِزْيَةِ وَسَقَطَتْ حِصَّةُ بَيْتِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِسْطُ حِينَئِذٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَخْذِهِ
( قَوْلُهُ إلَّا مِمَّنْ مَاتَ ) أَيْ أَوْ جُنَّ ( قَوْلُهُ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَخْذِهِ ) فَقَالَ : وَإِنْ فَلَسَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ضَرَبَ مَعَ غُرَمَائِهِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ .
ا هـ .
فَالنَّصُّ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قَسَمَ مَالَهُ حِينَئِذٍ وَتُحْمَلُ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَخْذِهِ ) أَيْ إنْ قَسَمَ مَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَإِلَّا فَلَا يُؤْخَذُ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا إذْ عِبَارَتُهُ ، وَإِنْ فَلَسَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ضَرَبَ مَعَ غُرَمَائِهِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ

( فَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ ) مَعَ الْجِزْيَةِ ( دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ ) وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا ( سَوَّى بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ حَتَّى تَكُونَ كَالزَّكَاةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا حَقٌّ الْآدَمِيِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا أُجْرَةٌ
( قَوْلُهُ فَلَوْ مَاتَ ) أَيْ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ

( وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ طَلَبُ تَعْجِيلِ الْجِزْيَةِ ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِالْقِسْطِ

( فَصْلٌ فَإِنْ أَقَرُّوا بِبَلَدِهِمْ ) بِجِزْيَةٍ ( اُسْتُحِبَّ ) مَعَهَا ( اشْتِرَاطُ ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَّا ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَارُّ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ ( لَا عَلَى فَقِيرٍ ) ؛ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَيَسَّرُ لِلْفَقِيرِ الْقِيَامُ بِهَا وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ { الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ } ( وَيُبَيِّنُ ) لَهُمْ فِي الْعَقْدِ ( أَيَّامَ الضِّيَافَةِ ) أَيْ قَدْرَهَا ( فِي الْحَوْلِ ) كَمِائَةِ يَوْمٍ فِيهِ ( وَمُدَّةَ الْإِقَامَةِ ) كَيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ ( وَلَا تَزِيدُ ) مُدَّتُهَا أَيْ لَا تُنْدَبُ زِيَادَتُهَا ( عَلَى الثَّلَاثِ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مَشَقَّةً فَإِنْ وَقَعَ تَوَافُقٌ عَلَى زِيَادَةٍ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ( وَيُبَيِّنُ ) لَهُمْ ( عَدَدَ الضِّيفَانِ خَيْلًا وَرَجْلًا ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ ( كَعِشْرِينَ ) ضَيْفًا فِي الْعَامِ مِنْ الْفُرْسَانِ كَذَا وَمِنْ الرَّجَّالَةِ كَذَا ( عَلَى الْوَاحِدِ ) مِنْهُمْ ( أَوْ أَلْفٍ ) كَذَلِكَ ( عَلَى الْجَمِيعِ وَ ) هُمْ ( يُوَزِّعُونَهَا ) عَلَى أَنْفُسِهِمْ ( بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ ) أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَإِذَا تَفَاوَتُوا فِي الْجِزْيَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ فَيَجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ عِشْرِينَ مَثَلًا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً وَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ أَطْعِمَةً فَاخِرَةً أَجْحَفَ بِهِ الضِّيفَانُ ( وَ ) يُبَيِّنُ لَهُمْ ( جِنْسَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرِهِمَا ) بِالنِّسْبَةِ ( لِكُلِّ وَاحِدٍ ) مِنَّا كَأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ .
وَكَذَا

مِنْ السَّمْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ ( وَ ) يُبَيِّنُ ( الْعَلَفَ ) أَيْ عَلَفَ الدَّوَابِّ مِنْ تِبْنٍ وَحَشِيشٍ وَقَتٍّ ( لَا قَدْرَهُ ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ ( إلَّا الشَّعِيرُ ) إنْ ذَكَرَهُ ( فَيُقَدِّرُهُ ) وَإِطْلَاقُ الْعَلَفِ لَا يَقْتَضِي الشَّعِيرَ فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ دَوَابُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ إلَّا وَاحِدَةً نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) الْأَنْسَبُ يَلْزَمُهُمْ ( أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَمَّامٍ وَثَمَنُ دَوَاءٍ وَ ) يُبَيِّنُ لَهُمْ ( الْمَنَازِلَ ) أَيْ مَنَازِلَ الضِّيفَانِ ( مِنْ فُضُولِ مَنَازِلِهِمْ ) وَبُيُوتِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا ضِيَافَةَ عَلَيْهِمْ ( وَالْكَنَائِسَ ) وَنَحْوِهَا ( الدَّافِعَةَ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ ) وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ تَعْلِيَةَ الْأَبْوَابِ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كَمَا شَرَطَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ ( وَلَا يُخْرَجُونَ ) أَيْ أَرْبَابُ الْمَنَازِلِ ( مِنْ مَنَازِلِهِمْ ) ، وَإِنْ ضَاقَتْ ( وَهِيَ ) أَيْ الضِّيَافَةُ ( زِيَادَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ ) لَا مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْجِزْيَةُ عَلَى التَّمْلِيكِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْزِئُ فِيهَا التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ ( تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ ) مِنْهُمْ ( وَإِنْ اعْتَاضَ عَنْهَا ) أَيْ الضِّيَافَةِ ( الْإِمَامُ دَرَاهِمَ ) أَوْ دَنَانِيرَ وَبِهَا عَبَّرَ الْأَصْلُ ( بِرِضَاهُمْ جَازَ وَاخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْفَيْءِ ) كَالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الدِّينَارُ وَيُفَارِقُ الضِّيَافَةَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَاهُمْ ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ قَدْ تَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ

( قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَرُّوا بِبَلَدِهِمْ ) بِجِزْيَةٍ وَلَوْ كَانَتْ بِدَارِنَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الظَّاهِرُ ( قَوْلُهُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَّا ) خَرَجَ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَيُشْبِهُ جَوَازَ شَرْطِهِ نَعَمْ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ الضِّيَافَةَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ مُطْلَقًا تَرَدَّدَ لِلْإِمَامِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ قَبُولُهَا دَنَانِيرَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ الْحَقُّ أَنَّ الضِّيَافَةَ كَالْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الدِّينَارِ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى شَرْطِهِ وَجَبَ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ ، وَإِنْ عَلِمُوا جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الدِّينَارِ وَتَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِيمَا إذَا صُولِحُوا بِدَارِنَا أَوْ بِبَلَدٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ لَكِنْ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَجْهًا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى إجْرَاءِ النَّصِّ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ أَحَدٌ سَنَةً لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ ( قَوْلُهُ لِضِيَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) وَمَا زَادَ فَهُوَ صَدَقَةٌ ( قَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ فِي الْحَوْلِ كَمِائَةِ يَوْمٍ فِيهِ ) كَذَا قَالَاهُ ثُمَّ نَقَلَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَشَرَطَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ قُدُومِ كُلِّ قَوْمٍ فَوَجْهَانِ إنْ جَعَلْنَاهَا جِزْيَةً لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ انْتَهَى قَالُوا وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَعْنَى أَوْ ( قَوْلُهُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ) وَلِأَنَّ الضِّيَافَةَ تَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِينَ وَمَنْ قَصَدَ إقَامَةً أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ) وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( قَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ عَدَدَ الضِّيفَانِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّمَا يُشْتَرَطُ إذَا جُعِلَتْ مِنْ الْجِزْيَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعَرُّضُ لِلْعَدَدِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَذْكُورُ فِي

الْكِتَابِ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُعَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا كَأَصْلِهِ قَوْلُهُ إلَّا الشَّعِيرَ ) أَيْ أَوْ نَحْوَهُ

( فَرْعٌ لِضَيْفِهِمْ حَمْلُ الطَّعَامِ ) مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُمَةٌ وَمَا هُنَا مُعَارَضَةٌ ( لَا الْمُطَالَبَةُ بِالْعِوَضِ وَ ) لَا ( طَعَامِ الْغَدِ وَلَا ) طَعَامِ ( الْأَمْسِ ) الَّذِي لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ
( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ فَهِيَ مُوَاسَاةٌ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ

( وَإِنْ ازْدَحَمَ الضِّيفَانُ عَلَى الْمُضِيفِ ) لَهُمْ ( أَوْ عَكْسُهُ خُيِّرَ الْمُزْدَحَمُ عَلَيْهِ ) فَيُخَيَّرُ الْمُضِيفُ فِي الْأُولَى وَالضَّيْفُ فِي الثَّانِيَةِ ( وَإِنْ كَثُرَتْ الضِّيفَانُ عَلَيْهِمْ بَدَءُوا بِالسَّابِقِ ) لِسَبْقِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تُسَاوَوْا ( أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمْ وَلِيَكُنْ لِلضِّيفَانِ عَرِيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( قَوْلُهُ بَدَءُوا بِالسَّابِقِ ) قَالَ شَيْخُنَا يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ

( فَصْلٌ وَالْجِزْيَةُ تُؤْخَذُ ) مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ ( بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ) وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ فِي آيَةِ الْجِزْيَةِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَمَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ ظَهْرَهُ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضَ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَوْ وُجُوبِهَا أَشَدُّ خَطَأً وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا ( فَلَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ فِي أَدَائِهَا وَتَضْمِينُهُ ) لَهَا ( وَالْحَوَالَةُ ) بِهَا ( عَلَيْهِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهَيْئَةَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ
( قَوْلُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ) فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آخِذُهَا ذِمِّيًّا ( قَوْلُهُ وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ وَيَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَالْغَزِّيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمْ فس ( قَوْلُهُ مَرْدُودٌ ) هَذَا خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَتَفْسِيرُهُ إلَخْ ( قَوْلُهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ ) فَتَكُونُ حَرَامًا ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ ) فَهِيَ حَرَامٌ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ إنْ تَأَذَّى بِهَا وَإِلَّا فَمَكْرُوهَةٌ

( فَصْلٌ ) لَوْ ( طَلَبَ قَوْمٌ ) مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ عَرَبٌ أَوْ عَجَمٌ ( أَنْ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ ) لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ ( وَقَدْ عَرَفُوهَا ) حُكْمًا وَشَرْطًا ( وَ ) أَنْ ( يُضَعَّفَ ) عَلَيْهِمْ ( أُجِيبُوا ) إلَى ذَلِكَ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَسَقَطَ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ وَاسْمُ الْجِزْيَةِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ لَمَّا قَالُوا لَهُ نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّيهِ الْعَجَمُ فَخُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ لِزَكَاةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَعَقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ هَذَا ( إنْ تَيَقَّنَّا وَفَاءَهَا بِدِينَارٍ ) وَإِلَّا فَلَا يُجَابُوا ( وَلَوْ اقْتَضَى ) إجَابَتُهُمْ ( تَسْلِيمَ بَعْضٍ ) مِنْهُمْ ( عَنْ بَعْضٍ ) مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنَّهُمْ يُجَابُونَ وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ ( فَيَقُولُ الْإِمَامُ ) فِي صُورَةِ الْعَقْدِ ( جَعَلْت عَلَيْكُمْ ضِعْفَ الصَّدَقَةِ أَوْ صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ ) أَوْ نَحْوَهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْأَمْوَالُ الْمَأْخُوذَةُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ ( جِزْيَةٌ ) حَقِيقَةً ، وَإِنْ بُدِّلَ اسْمُهَا ( تُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ ) فَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى ( وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ ) وَخُنْثَى بِخِلَافِ الْفَقِيرِ ( فَإِنْ وَفَّى قَدْرَ الزَّكَاةِ ) بِلَا تَضْعِيفٍ ( أَوْ نِصْفَهَا ) أَنَّ نِصْفَهَا ( بِالدِّينَارِ يَقِينًا لَا ظَنًّا كَفَى أَخْذُهُ ) فَلَوْ كَثُرُوا وَعَسُرَ عَدَدُهُمْ لِمَعْرِفَةِ الْوَفَاءِ بِالدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ أَخْذِ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ تَضْعِيفُهَا وَلَا تَنْصِيفُهَا فَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا عَلَى مَا يَرَوْنَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ( وَلَوْ شَرَطَ الضِّعْفَ ) لِلزَّكَاةِ ( وَكَثُرَ ) أَيْ زَادَ عَلَى دِينَارٍ ( وَبَذَلُوا

الدِّينَارَ ) بِأَنْ سَأَلُوا إسْقَاطَ الزَّائِدِ وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ ( أُجِيبُوا ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أُثْبِتَتْ لِتَغْيِيرِ الِاسْمِ فَإِذَا رَضُوا بِالِاسْمِ وَجَبَ إسْقَاطُهَا ( وَإِنْ قَلَّ ) الضِّعْفُ ( عَنْ الدِّينَارِ زَادَ فِي التَّضْعِيفِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ )
( قَوْلُهُ وَأَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ أُجِيبُوا ) شَمِلَ تَضْعِيفُ زَكَاةِ الْمَالِ التِّجَارَةَ وَالْمَعْدِنَ وَالرِّكَازَ ( قَوْلُهُ كَفَى أَخْذُهُ ) وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ زِيَادَةَ شَيْءٍ عَلَى قَدْرِ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ قَوْلُهُ فَإِذَا رَضُوا بِالِاسْمِ وَجَبَ إسْقَاطُهُ ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَمَّا مَا اسْتَقَرَّ وَاجِبُهُ فَلَا يُغَيَّرُ ع

( فَرْعٌ تُضَعَّفُ الْمَاشِيَةُ ) أَيْ الزَّكَاةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( فَيُؤْخَذُ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ ) وَمِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاتَانِ وَمِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعَانِ وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَمِمَّا سُقِيَ بِلَا مُؤْنَةٍ الْخُمُسُ وَمِمَّا سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ الْعُشْرُ وَمِنْ الرِّكَازِ خُمُسَانِ وَهَكَذَا ( وَلَا يُضَعَّفُ الْجُبْرَانُ لَوْ أَخَذْنَاهُ ) أَوْ أَعْطَيْنَاهُ لِئَلَّا يُكْثِرَ التَّضْعِيفُ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتَا لَبُونِ أَخْرَجَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ أَوْ حَقَّتَيْنِ مَعَ أَخْذِهِ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذُ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ ( وَيُعْطَى ) الْإِمَامُ ( الْجُبْرَانَ مِنْ الْفَيْءِ ) كَمَا يَصْرِفُهُ إذَا أَخَذَهُ إلَى الْفَيْءِ ( وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْ دُونِ النِّصَابِ ) بِالْقِسْطِ كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ وَنِصْفِ شَاةٍ مِنْ عَشَرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَهَلْ يَعْتَبِرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ قِيَاسُ بَابِ الزَّكَاةِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالتَّوَسُّطِ آخَرَ الْحَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ تَرْجِيحُ الثَّانِي ( وَيُؤْخَذُ مِنْ مِائَتَيْنِ ) مِنْ الْإِبِلِ ( ثَمَانُ حِقَاقٍ أَوْ عَشَرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا ) يُفَرِّقُ فَلَا ( يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ ) كَمَا لَا يُفَرِّقُ فِي الزَّكَاةِ ( قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَشْقِيصَ ) هُنَا بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ

( قَوْلُهُ لِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ ) أَيْ لِئَلَّا يُضَعَّفَ الضِّعْفُ رَافِعِيٌّ ( قَوْلُهُ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَخْ ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ هُنَا عَلَى أَنَّ الْخِيرَةَ لِلْإِمَامِ أَيْ لِاتِّهَامِ الْكَافِرِ فَلَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ إلَى خِيرَتِهِ ( قَوْلُهُ قِيَاسُ بَابِ الزَّكَاةِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ) الْأَصَحُّ اعْتِبَارُ كُلِّ الْحَوْلِ فِي غَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ صَاحِبُ الْمِائَتَيْنِ حِقَّتَيْنِ وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً جَازَ ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْفَرِيضَةُ لِعَدَمِ التَّشْقِيصِ

( فَصْلٌ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ حَرْبِيٍّ دَخَلَ ) دَارَنَا ( رَسُولًا أَوْ بِتِجَارَةٍ نَضْطَرُّ ) نَحْنُ ( إلَيْهَا ) أَوْ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ لَهُ الدُّخُولَ بِلَا إذْنٍ ( فَإِنْ لَمْ نَضْطَرَّ ) إلَيْهَا ( وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ ) أَخْذَ شَيْءٍ ( وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ عُشْرِهَا جَازَ ) كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْعُشْرِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الْجِزْيَةِ عَلَى دِينَارٍ ( وَيَجُوزُ ) لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ ( دُونَهُ ) أَيْ الْعُشْرِ ( وَ ) أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَخْذَ شَيْءٍ ( فِي نَوْعٍ ) مِنْ تِجَارَاتِهِمْ ( أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ ) آخَرَ ( وَلَوْ أَعْفَاهُمْ ) عَنْ الْأَخْذِ ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ لِاتِّسَاعِ الْمَكَاسِبِ وَغَيْرِهِ ( فَإِنْ شَرَطَ ) عَلَيْهِمْ ( عُشْرَ الثَّمَنِ ) أَيْ ثَمَنِ مَا بِيعَ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ ( أُمْهِلُوا إلَى الْبَيْعِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ ( وَالْمَأْخُوذُ ) أَيْ مَا يُؤْخَذُ ( فِي الْحَوْلِ ) لَا يُؤْخَذُ إلَّا ( مَرَّةً وَلَوْ تَرَدَّدُوا ) إلَى بِلَادِهِمْ كَالْجِزْيَةِ ( وَلَا يُؤْخَذُ ) شَيْءٌ ( مِنْ تِجَارَةِ ذِمِّيٍّ وَلَا ذِمِّيَّةٍ اتَّجَرَتْ إلَّا إنْ شَرَطَ ) عَلَيْهِمَا ( مَعَ الْجِزْيَةِ ) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَا بِالْحِجَازِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ اتَّجَرَتْ ( وَلَا ) يُؤْخَذُ شَيْءٌ ( مِنْ غَيْرِ مُتَّجِرٍ ) دَخَلَ بِأَمَانٍ ، وَإِنْ دَخَلَ الْحِجَازَ ( وَيَكْتُبُ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ ) بَرَاءَةً ( حَتَّى لَا يُطَالَبُ ) مَرَّةً ( أُخْرَى ) قَبْلَ الْحَوْلِ

( فَصْلٌ ) لَوْ ( صَالَحْنَاهُمْ وَأَبْقَيْنَا أَرْضَهُمْ عَلَى مِلْكِهِمْ وَضَرَبْنَا عَلَيْهَا خَرَاجًا ) يُؤَدُّونَهُ ( كُلَّ سَنَةٍ ) عَنْ كُلِّ جَرِيبٍ كَذَا ( يَفِي ) ذَلِكَ الْخَرَاجُ ( بِالْجِزْيَةِ ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ( جَازَ ) فَالْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ تُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى ( وَيُؤْخَذُ ) الْخَرَاجُ مِنْهُمْ ( وَإِنْ لَمْ تُزْرَعْ ) أَيْ الْأَرْضُ أَوْ بَاعُوهَا أَوْ وَهَبُوهَا ( مَا لَمْ يُسْلِمُوا ) ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ اسْتَأْجَرَهَا فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ ) فِي الْأُولَى ( وَالْأُجْرَةُ ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَالْخَرَاجُ ) بَاقٍ ( عَلَى الْبَائِعِ ) وَالْمُؤَجِّرِ ( وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ ) الْخَرَاجُ ( فِي مَوَاتٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ لَا غَيْرِهِ ) أَيْ لَا فِي مَوَاتٍ لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ ( وَإِنْ أَحْيَوْهُ إلَّا بِشَرْطٍ ) بِأَنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ عَمَّا يُحْيُونَهُ ( وَإِنْ ضَرَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا ) وَيَسْكُنُونَهَا وَيُؤَدُّونَ كُلَّ سَنَةٍ عَنْ كُلِّ جَرِيبٍ كَذَا ( فَهُوَ ) أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ ( أُجْرَةٌ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدُ إجَارَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَبْلُغَ دِينَارًا ( وَالْجِزْيَةُ بَاقِيَةٌ ) فَتَجِبُ مَعَ الْأُجْرَةِ ( وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُهَا ) أَيْ الْأَرْضِ وَلَا هِبَتُهَا وَلَهُمْ إجَارَتُهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ يُؤَجَّرُ ( وَيُؤْخَذُ ) ذَلِكَ ( مِنْ أَرْضِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ ) مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُنَا ) بَعْدَ عَقْدِهَا لَهُمْ ( الْكَفُّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِعِصْمَتِهِمَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ { أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ( وَلَوْ غُصِبَتْ لَهُمْ خَمْرٌ ) وَخِنْزِيرٌ وَنَحْوُهُمَا ( رُدَّتْ ) إلَيْهِمْ لِعُمُومِ خَبَرِ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } ( وَيَعْصِي مُتْلِفُهَا إلَّا إنْ أَظْهَرُوهَا ) فَلَا يَعْصِي ( وَلَا يَضْمَنُ ) ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوهَا ( وَتُرَاقُ ) الْخَمْرُ ( عَلَى مُسْلِمٍ اشْتَرَاهَا ) مِنْهُمْ وَقَبَضَهَا ( وَلَا ثَمَنَ ) عَلَيْهِ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ تَعُدُّوا بِإِخْرَاجِهَا إلَيْهِ ( وَلَوْ قَضَى ) الذِّمِّيُّ ( دَيْنَ مُسْلِمٍ ) كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ( بِثَمَنِ خَمْرٍ ) أَوْ نَحْوِهِ ( حَرُمَ ) عَلَى الْمُسْلِمِ ( قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ ) أَنَّهُ ثَمَنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي عَقِيدَتِهِ ( وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَبُولُ ) وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ مَعَ الْعِلْمِ مَمْنُوعٌ ( وَيَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ ) لِعِصْمَتِهِمْ ( لَا ) إنْ كَانُوا مُقِيمِينَ ( فِي دَارِ الْحَرْبِ ) وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ إذْ لَا يَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهَا بِخِلَافِ دَارِنَا ( إلَّا أَنَّ شَرَطَ ) الذَّبَّ عَنْهُمْ ثَمَّ ( أَوْ انْفَرَدُوا عَنَّا ) بِبَلَدٍ ( مُجَاوِرِينَ لَنَا ) فَيَلْزَمُنَا ذَلِكَ لِالْتِزَامِنَا إيَّاهُ فِي الْأُولَى ، وَإِنْ كُرِهَ لَنَا طَلَبُهُ وَإِلْحَاقًا لَهُمْ فِي الثَّانِيَةِ بِبَاقِي الْعِصْمَةِ ( وَإِنْ عُقِدَتْ ) أَيْ الذِّمَّةُ ( بِشَرْطِ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ بِنَا ) مِمَّنْ يَقْصِدُهُمْ بِسُوءٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ( وَهُمْ مُجَاوِرُونَ لَنَا ) أَوْ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ وَهُمْ مَعَنَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَسَدَ الْعَقْدُ ) لِتَضَمُّنِهِ تَمْكِينَ الْكُفَّارِ مِنَّا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ

لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ لَا يَمُرُّ بِنَا أَوْ مَنْ يَمُرُّ بِنَا وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لَنَا ( وَيَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ هَادَنَّاهُ غُرْمُ ) بَدَلِ ( مَا أَتْلَفْنَاهُ ) أَيْ نَحْنُ وَمَنْ هَادَنَّاهُ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلْعِصْمَةِ فِي الْجَانِبَيْنِ نَعَمْ إنْ كَانَ إتْلَافُ مَنْ هَادَنَّاهُ بَعْدَ نَقْضِهِ الْعَهْدَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( فَإِنْ لَمْ نَذُبَّ عَنْهُمْ فَلَا جِزْيَةَ ) لِمُدَّةِ عَدَمِ الذَّبِّ كَمَا لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الدَّارِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا ( فَإِنْ ظَفِرَ الْإِمَامُ بِمَنْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ ) وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ( رُدَّ ) عَلَيْهِمْ ( مَا وَجَدُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا يَضْمَنُونَ ) أَيْ الْمُغِيرُونَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ( مَا أَتْلَفُوهُ إنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ ) كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا مَالَنَا

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ ) ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِعِصْمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ قِتَالِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ وَالْإِسْلَامُ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ فَكَذَا الْجِزْيَةُ وَإِذَا أَتْلَفْنَا عَلَيْهِمْ نَفْسًا أَوْ مَالًا وَجَبَ عَلَيْنَا ضَمَانُهُ كَمَا يَجِبُ ضَمَانُ مَالِ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ عَقْدِ الذِّمَّةِ ( قَوْلُهُ حَرُمَ قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ ) الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ قَوْلُهُ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إلَخْ ) الَّذِي فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مَا إذَا بَاعَ كَافِرٌ كَافِرًا أَوْ أَقْرَضَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ بِإِخْبَارِ قَاضِيهِمْ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِمْ ا هـ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ ) فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَدْفَعَ عَنْهُمْ الْحَرْبِيِّينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيُلْحَقُ بِالْكَفِّ وَالدَّفْعِ أَمْرٌ ثَالِثٌ ، وَهُوَ اسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ وَاسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ( فَائِدَةٌ ) فِي ذِكْرِ شُرُوطِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى نَصَارَى الشَّامِ إنَّكُمْ لَمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا سَأَلْنَاكُمْ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا وَذَرَارِيّنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا وَشَرَطْنَا لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ لَا نُحْدِثَ فِي مَدِينَتِنَا وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً وَلَا قَلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ وَلَا نُجَدِّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا نُحْيِي مَا مَاتَ مِنْهَا فِي خُطَطِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَأَنْ نُوَسِّعَ أَبْوَابَهَا لِلْمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَأَنْ يَنْزِلَ مَنْ مَرَّ مِنْ

الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ نُطْعِمُهُمْ وَلَا نُؤَدِّي فِي كَنَائِسِنَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا وَلَا نَكْتُمُ عَيْنًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا نُعَلِّمُ أَوْلَادَنَا الْقُرْآنَ وَلَا نُظْهِرُ شِرْكًا وَلَا دَعْوًا إلَيْهِ وَلَا نَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِنَا الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ إذَا أَرَادُوهُ وَأَنْ نُوَقِّرَ الْمُسْلِمِينَ وَنَقُومَ لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِنَا إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ وَلَا نَتَشَبَّهُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ فِي قَلَنْسُوَةٍ وَلَا عِمَامَةٍ وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ وَلَا نَكْتَنِي بِكُنَاهُمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ وَلَا نَتَقَلَّدُ وَلَا نَتَّخِذُ شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ وَلَا نَحْمِلُهُ مَعَنَا وَلَا نَنْقُشُ عَلَى خَوَاتِمِنَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا نَبِيعُ الْخَمْرَ ، وَإِنْ نَجُزُّ مَقَامَ رُؤْسِنَا وَأَنْ نَلْتَزِمَ دِينًا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَنْ نَشُدَّ زَنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِنَا وَأَنْ لَا نُظْهِرَ الصَّلِيبَ عَلَى كَنَائِسِنَا وَأَنْ لَا نُظْهِرَ صُلْبَانَنَا وَلَا كُتُبَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْوَاقِهِمْ وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا فِي كَنَائِسِنَا إلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي كَنَائِسِنَا فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ أَمْوَاتِنَا وَلَا نُظْهِرَ النِّيرَانَ مَعَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسْوَاقِهِمْ وَلَا نُجَاوِزُهُمْ بِمَوْتَانَا وَلَا نَتَّخِذُ مِنْ الرَّقِيقِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَطَّلِعُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا نَضْرِبُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَطْنَا لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا وَقَبِلْنَا عَلَيْهِ الْأَمَانَ فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا شَيْئًا مِمَّا شَرَطْنَا لَكُمْ فَقَدْ ضَمِنَا عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ لَا ذِمَّةَ لَنَا وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ ( قَوْلُهُ وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لَنَا ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا يُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ هُنَا

( فَصْلٌ وَيُمْنَعُونَ ) وُجُوبًا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي ( مِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبَيْعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ ) لِلرُّهْبَانِ وَنَحْوِهَا ( فِي بَلَدٍ أَحْدَثَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ( أَوْ ) بَلَدٍ ( أَسْلَمَ أَهْلُهُ ) كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا صَارَ مِلْكًا لَنَا ؛ وَلِأَنَّ إحْدَاثَهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ فِي دَارِنَا ( فَإِنْ وُجِدَتْ كَنَائِسُ ) مَثَلًا فِيمَا ذَكَرَ ( جُهِلَ أَصْلُهَا بَقِيَتْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ ) أَوْ بَرِيَّةٍ ( فَاتَّصَلَ بِهَا عُمْرَانُ مَا أَحْدَثَ ) مِنَّا بِخِلَافِ مَا لَوْ عُلِمَ إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بِنَائِهَا ( وَإِنْ شَرَطَ حِدَاثَهَا ) فِي بِلَادِنَا ( فَسَدَ الْعَقْدُ ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ ( وَمَنْ بَنَى مِنْهُمْ دَارًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ لَمْ يُمْنَعُ ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ ( فَإِنْ خَصَّصَ الذِّمِّيِّينَ ) بِهَا ( فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا انْفَرَدُوا بِسُكْنَاهَا صَارَتْ كَكَنَائِسِهِمْ ( وَلَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا عَنْوَةً نَقَضْنَا كَنَائِسَهُمْ الْقَائِمَةَ ) ؛ لِأَنَّا قَدْ مَلَكْنَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَيَمْتَنِعُ إبْقَاؤُهَا كَنَائِسَ ( وَلَمْ نُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مُتَعَبَّدَاتِهِمْ ) لِذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ بِنَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( أَوْ ) فَتَحْنَاهُ ( صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا ) وَيَسْكُنُونَهَا بِخَرَاجٍ ( وَشَرَطُوا إبْقَاءَ الْكَنَائِسِ ) مَثَلًا لَهُمْ ( أَوْ إحْدَاثَهَا مُكِّنُوا ) مِنْ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْهَا وَقَوْلُهُ مُكِّنُوا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يَرِدُ الشَّرْعُ بِجَوَازِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَدَمُ الْمَنْعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ ( مُنِعُوا وَلَوْ مِنْ إبْقَائِهَا ) كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِهَا ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَدَ

كُلَّهُ صَارَ لَنَا ( أَوْ ) فَتَحْنَاهُ صُلْحًا ( عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ ) يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا ( لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ الْكَنَائِسِ ) وَنَحْوِهَا ( وَلَوْ أَحْدَثُوهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لَهُمْ ( وَلَا ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِهِمْ ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَأَعْيَادِهِمْ وَضَرْبٍ نَاقُوسِهِمْ ( وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّجَسُّسِ ) أَيْ إيوَاءِ الْجَاسُوسِ ( وَتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ ) وَسَائِرِ مَا نَتَضَرَّرُ بِهِ فِي دِيَارِهِمْ ( وَلَهُمْ عِمَارَةُ ) أَيْ تَرْمِيمُ ( كَنَائِسَ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا ) إذَا اسْتُهْدِمَتْ ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ فَتُرَمَّمُ بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ مِنْ جَدِيدٍ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَجِبُ إخْفَاؤُهَا فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ ( لَا إحْدَاثُهَا ؛ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ ) الْمَذْكُورَةَ ( لَيْسَتْ بِإِحْدَاثٍ ) هَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْأَخِيرِ لَكِنْ لَا يَخْفَى الْمُرَادُ .
( فَلَوْ انْهَدَمَتْ ) أَيْ الْكَنَائِسُ الْمُبْقَاةُ وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لَهَا تَعَدِّيًا خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ ( أَعَادُوهَا ) هَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ ( وَلَيْسَ لَهُمْ تَوْسِيعُهَا ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأُولَى ( وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ النَّاقُوسِ ) هَذَا سَيَأْتِي وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ فِي الْكَنِيسَةِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ ( لَا فِي بَلَدِهِمْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ : وَأَمَّا نَاوُوسُ الْمَجُوسِ فَلَسْت أَرَى فِيهِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحُوطٌ وَبُيُوتٌ تُجَمِّعُ فِيهَا الْمَجُوسُ جِيَفَهُمْ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالشِّعَارِ

( قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ إلَخْ ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يُنْزِلَهُ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَنْزِلًا يُظْهِرُ فِيهِ جَمَاعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا نَاقُوسًا إنَّمَا يُصَالِحُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي بَلَدِهِمْ الَّتِي وُجِدُوا فِيهَا فَفَتَحَهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَيَجُوزُ أَنْ يَدَعَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بَلَدًا لَا يُظْهِرُونَ هَذَا فِيهِ فَيُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِلَا جَمَاعَاتٍ تَرْفَعُ أَصْوَاتَهُمْ وَلَا نَوَاقِيسَ وَلَا يَكْفِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَصَوْمَعَةٍ ) لِلرُّهْبَانِ وَنَحْوِهَا كَدَيْرٍ وَبَيْتِ نَارِ مَجُوسٍ وَمُجْتَمَعِ صَلَوَاتٍ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ شُرِطَ إحْدَاثُهَا ) أَوْ إبْقَاؤُهَا ( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْخَادِمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ) عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْوَافِي تَفَقُّهًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَى أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى بَلَدٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَفِيهِ كَنَائِسُهُمْ ثُمَّ اسْتَعَادَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ مَا كَانَ لَهَا قَبْلَ اسْتِيلَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لَنَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ أَوْ إحْدَاثَهَا مُكِّنُوا ) تَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَحَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ قَالَ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ وَحَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ الْكَنَائِسِ ) لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ الْكَنَائِسِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ وَاللَّفْظِيِّ ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ دُخُولَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ بِالْإِذْنِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ

فِيهَا صُورَةٌ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَقَرُّونَ عَلَيْهَا جَازَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِزَالَةِ وَقَوْلُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ( قَوْلُهُ إذَا اسْتَهْدَمَتْ ) بِفَتْحِ التَّاءِ ( قَوْلُهُ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا أَشْرَفَ الْجِدَارُ عَلَى الْخَرَابِ فَلَا وَجْهَ إلَّا أَنْ يَبْنُوا جِدَارًا دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى جِدَارٍ ثَالِثٍ وَرَابِعٍ فَيَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْكَنِيسَةِ شَيْءٌ ا هـ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجُدُرِ آلَةٌ قَدِيمَةٌ وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ فِي تَوْجِيهِ الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ مِنْ اتِّسَاعِ الْخُطَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ إعَادَةُ الْكَنِيسَةِ وَالزِّيَادَةُ تَابِعَةٌ لَهَا فَكَأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَا لَوْ أَعَادُوهَا بِغَيْرِ تِلْكَ الْآلَةِ الْقَدِيمَةِ .
ا هـ .
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْإِعَادَةِ بِغَيْرِ الْآلَةِ الْقَدِيمَةِ قَالَ شَيْخُنَا : أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ ( قَوْلُهُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا إنْ صَارَتْ دِرَاسَةً مُسْتَطْرَقَةً كَالْمَوَاتِ مُنِعُوا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا جُدْرَانٌ وَآثَارٌ أُعِيدَتْ

( وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ ) وُجُوبًا مِنْ ( تَطْوِيلِ بِنَائِهِ عَلَى ) بِنَاءِ ( جَارِهِ الْمُسْلِمِ ) ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ لِخَبَرٍ { الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى } وَلِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا هَذَا ( إنْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِقَرْيَةٍ ) فَإِنْ انْفَرَدُوا بِهَا جَازَ تَطْوِيلُ بِنَائِهِمْ وَالتَّقْيِيدُ بِهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْمُقَيَّدَ إذْ لَا جَارَ لَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِ فَلَوْ قَالَ لَا إنْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ بَلْ وَأَخَّرَهُ إلَى قَوْلِهِ لَا عَالٍ كَانَ أَوْلَى ( وَإِنْ رَضِيَ الْجَارُ ) بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِحَقِّ الدَّيْنِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مُعْتَدِلًا أَمْ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى فَلَوْ كَانَ قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمُّ بِنَاؤُهُ أَوْ لِأَنَّهُ هَدَمَهُ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ بِنَاءِ جِدَارِهِ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ حَقُّهَا الَّذِي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ تَعَطَّلَ عَلَيْهِ بِإِعْسَارِهِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْجَارِ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ دُونَ جَمِيعِ الْبَلَدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( وَكَذَا ) يُمْنَعُ مِنْ ( الْمُسَاوَاةِ ) لِمَا مَرَّ ( فَيُهْدَمُ ) مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّطْوِيلُ وَالْمُسَاوَاةُ ( لَا عَالٍ اشْتَرَاهُ ) مَثَلًا وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقَّ الْهَدْمِ ( أَوْ بَنُوهُ قَبْلَ أَنْ تُمْلَكَ بِلَادُهُمْ ) فَلَا يُهْدَمُ ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ لَكِنْ يُمْنَعُ طُلُوعَ سَطْحِهِ إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَيُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ امْتَنَعَ الْعُلُوُّ

وَالْمُسَاوَاةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَالِيَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْ سُكْنَاهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ فِي الْمُرْشِدِ وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ مَلَكَ دَارًا لَهَا رَوْشَنٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُشْرَعُ لَهُ الرَّوْشَنُ أَيْ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ لَا يَجْرِي ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ فَوْقِ الْمِلْكِ وَالرَّوْشَنَ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ زَادَ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى ( وَ ) يُمْنَعُونَ ( مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ ) إنْ لَمْ يَنْفَرِدُوا ؛ لِأَنَّ فِيهِ عِزًّا ( فَإِنْ انْفَرَدُوا ) بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا ( فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا يُمْنَعُونَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَيْنَا وَثَانِيهِمَا لَا يُمْنَعُونَ كَإِظْهَارِ الْخَمْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ قَالَ وَلَوْ اسْتَعَنَّا بِهِمْ فِي حَرْبٍ حَيْثُ يَجُوزُ فَالظَّاهِرُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ رُكُوبِهَا مِنْ الْقِتَالِ ( لَا ) مِنْ رُكُوبِ ( الْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً ) ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا خَسِيسَةٌ ( وَ ) لَا مِنْ رُكُوبِ الْحُمُرِ وَلَوْ نَفِيسَةً لِذَلِكَ .
( وَكَذَا الْبَرَاذِينُ الْخَسِيسَةُ ) بِخِلَافِ النَّفِيسَةِ ( وَيَرْكَبُونَهَا عَرْضًا ) بِأَنْ يَجْعَلُوا أَرْجُلَهُمْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبُوا إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ إلَى بَعِيدَةٍ فَيُمْنَعُونَ فِي الْحَضَرِ وَيَرْكَبُونَهَا ( بِالْأَكُفِّ لَا السَّرْجِ وَبِالرِّكَابِ الْخَشَبِ ) لَا الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ تَمْيِيزًا لَهُمْ عَنَّا لِيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ ( وَيُمْنَعُونَ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ ) مُطْلَقًا ( وَ ) مِنْ ( اللُّجُمِ الْمُزَيِّنَةِ بِالتِّبْرَيْنِ ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُولَى : وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَضَرِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَسْفَارِ الْمَخُوفَةِ وَالطَّوِيلَةِ ( هَذَا ) كُلُّهُ ( فِي الرِّجَالِ لَا ) فِي ( النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ) وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا صِغَارَ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ حَكَاهُ الْأَصْلُ عَنْ

ابْنِ كَجٍّ وَأَقَرَّهُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ الْأَشْبَهُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ صَحَّحُوا أَنَّ النِّسَاءَ يُؤْمَرْنَ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ وَالتَّمْيِيزِ فِي الْحَمَّامِ قَالَ وَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَجْهٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ كَالضَّرُورِيِّ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ

( قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ تَطْوِيلِ بِنَائِهِ إلَخْ ) لَوْ رَفَعَ بِنَاءَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَخِّرْ هَدْمَ بِنَائِهِ بِذَلِكَ فَلَوْ تَأَخَّرَ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى رَفَعَ الْمُسْلِمُ بِنَاءَهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ النَّقْضِ بِذَلِكَ ، وَهُوَ كَمَا لَوْ رَفَعَ بِنَاءَهُ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِنَقْضِهِ فَبَاعَهُ لِمُسْلِمٍ هَلْ يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّ النَّقْضِ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي حَاشِيَةِ الْكِفَايَةِ : يَظْهَرُ تَخْرِيجُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمُسْتَعِيرُ مَا بَنَاهُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ وَكَذَا بَيْعُ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِهَا وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ د وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ لَا وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِنَقْضِهِ فَلَا يُهْدَمُ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِ الْهَدْمِ حِينَئِذٍ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ : لَوْ كَانَ جَارُهُ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمِلْكِ وَالْجِيرَانُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ ، وَهِيَ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ وَالْأَمَامُ وَالْخَلْفُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جِيرَانُهُ الْمُقَابِلُونَ لَهُ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ أَوْ يُطْلَقُ عَلَى الَّذِي يُلَاصِقُ دَارِهِ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَقَوْلُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي جِيرَانِهِ الْمُقَابِلُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَأَفْتَيْت بِمَنْعِ بُرُوزِ الذِّمِّيِّ فِي الْبَحْرِ وَالْخُلْجَانِ وَنَحْوِهَا عَلَى جَارٍ لَهُ مُسْلِمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّعْظِيمِ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْإِعْلَاءِ بَلْ قِيَاسُ مَنْعِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبِنَاءِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبُرُوزِ فِيهِ بُعْدٌ

قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ ) وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَقَالَ إنَّهُ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْعَقْدِ وَلَوْ شَرَطَ كَانَ تَأْكِيدًا وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ قَوْلَ التَّنْبِيهِ وَيُمْنَعُونَ أَيْ بِالشَّرْطِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَعْلُوَ ا هـ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ : فَقَيَّدَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْ فَإِنْ شَرَطَ مُنِعُوا بِلَا خِلَافٍ ا هـ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ هَدَمَهُ ) أَوْ انْهَدَمَ ( قَوْلُهُ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْجَارِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَيْتَ شَعْرِي أَيَعْتَبِرُ فِي الْجَارِ أَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَمْ لَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ الْمُرَادُ هُنَا الْجَارُ الْمُلَاصِقُ فَقَطْ أَوْ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ أَوْ يُعْتَبَرُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَوْ مَنْ كَانَ بِنَاؤُهُ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ أَوْ الْعِبْرَةُ بِالْمَحَلَّةِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا إلَّا قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّعْلِيَةِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ دُونَ جَمِيعِ الْبَلَدِ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمُعْتَمَدِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الطُّرَرِ : الْمَذْهَبُ وَالْجَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ( قَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : قَدْ يُقَالُ التَّحْجِيرُ إحْدَاثُ تَعْلِيَةٍ إنْ كَانَ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهَلْ يُجْرَى مِثْلُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ ) الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ وَمِنْ

رُكُوبِ الْخَيْلِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ } فَأَمَرَ أَوْلِيَاءَهُ بِإِعْدَادِهَا لِأَعْدَائِهِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } أَيْ الْغَنِيمَةُ وَرُوِيَ { الْخَيْلُ ظُهُورُهَا عِزٌّ } وَقَدْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبِنَاءِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فس وَقَالَ الدَّمِيرِيِّ يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبِنَاءِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ رُكُوبِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا خَسِيسَةٌ ) وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَرْكَبُونَهَا بِلَا سَرْجٍ وَبِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ وَلَيْسَتْ حِينَئِذٍ مِمَّا يَرْكَبُهَا أَعْيَانُ النَّاسِ وَلَا تَجَمُّلَ وَلَا تَعَاظُمَ بِرُكُوبِهَا ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُحْسِنُ إلَخْ ) ضَعِيفٌ وَكَتَبَ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعُوا الرُّكُوبَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي مَوَاطِنِ الزَّحْمَةِ كَالْأَسْوَاقِ الْجَامِعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ لَهُمْ وَالْأَذَى وَالتَّأَذِّي بِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ غ ( قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَضَرِ وَنَحْوِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : فِي فَتَاوِيهِ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ اسْتِخْدَامِ مَنْ فِيهِ فَرَاهَةٌ مِنْ الْعَبِيدِ كَالتُّرْكِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالسُّرُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَفِ

( فَرْعٌ وَيُلْجَأُ فِي الزَّحْمَةِ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ وَلَا يُصَدَّرُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ ) بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ فَإِنْ خَلَتْ الطُّرُقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ وَلَا يُوَقَّرُ } كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَلَا يُصَدَّرُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ ) إهَانَةً لَهُ ( وَتَحْرُمُ مَوَادَّتُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي الْوَلِيمَةِ مِنْ أَنَّهُ تُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ وَالْمُوَادَّةُ إلَى الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ
( قَوْلُهُ وَيُلْجَأُ فِي الزَّحْمَةِ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ ) أَيْ وُجُوبًا قَالَ فِي الْحَاوِي وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ قَوْلُهُ وَلَا يُوَقَّرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُصَدَّرُ إلَخْ ) فَيَحْرُمُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ اُسْتُفْتِيت فِي جَوَازِ سُكْنَى نَصْرَانِيٍّ فِي رَبْعٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ فَوْقَ مُسْلِمِينَ فَأَفْتَيْت بِالْمَنْعِ وَأَلْحَقْته بِالتَّصْدِيرِ فِي الْمَجْلِسِ وَقَوْلُهُ وَأَفْتَيْت بِالْمَنْعِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ إهَانَةً لَهُ ) دَخَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ أَدْنَاهُ وَعَظَّمَهُ فَأَنْشَدَهُ يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ جَنَّةٌ وَحُبُّهُ مُفْتَرِضٌ وَاجِبٌ أَنَّ الَّذِي شُرِفْت مِنْ أَجَلِهِ يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَاشْتَدَّ غَضَبُ الْمَلِكِ وَأَمَرَ بِسَحْبِ الْيَهُودِيِّ وَصَفَعَهُ لِاسْتِحْضَارِهِ تَكْذِيبَ الْمَعْصُومِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ شَرَفِهِ وَشَرَفِ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ( قَوْلُهُ وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُ ) نَعَمْ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ فَيُظْهِرُ اسْتِجْلَابَهُ بِالْمَوَدَّةِ وَنَحْوِهَا مَعَ الِاقْتِصَادِ غ

( فَصْلٌ وَعَلَيْهِمْ وَلَوْ نِسَاءً ) فِي دَارِنَا ( لُبْسَ الْغِيَارِ ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ ( وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ ) كُلٌّ مِنْهُمْ ( بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ ) الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ ( عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ لَوْنًا يُخَالِفُهُ ) أَيْ يَخِيطُ عَلَيْهِ مَا يُخَالِفُ لَوْنَهُ ( وَيَلْبِسُهُ ) وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَإِلْقَاءُ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْأَكْهَبُ وَيُقَالُ لَهُ الرَّمَادِيُّ ( وَبِالْمَجُوسِ الْأَحْمَرِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْأَسْوَدِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْلَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ انْتَهَى وَيُكْتَفَى عَنْ الْخِيَاطَةِ بِالْعِمَامَةِ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ ( وَيَشُدُّ ) كُلٌّ مِنْهُمْ ( زُنَّارًا ) بِضَمِّ الزَّايِ ( وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ ) يُشَدُّ بِهِ وَسَطَهُ ( فَوْقَ الثِّيَابِ ) لِمَا مَرَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَلْوَانِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْغُبَارِ وَالزُّنَّارِ ( أَوْلَى ) مُبَالَغَةً فِي شُهْرَتِهِمْ ( وَمَنْ لَبِسَ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً يُمَيِّزُهَا ) عَنْ قَلَانِسِنَا ( بِذُؤَابَةٍ ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلَامَةٍ ( فِيهَا فَإِنْ دَخَلُوا حَمَّامًا بِهِ مُسْلِمُونَ أَوْ ) كَانُوا فِي غَيْرِهِ ( مُتَجَرِّدِينَ ) عَنْ ثِيَابِهِمْ بِحَضْرَةِ مُسْلِمِينَ ( تَمَيَّزُوا ) عَنْهُمْ ( بِجَلَاجِلَ فِي أَعْنَاقِهِمْ أَوْ خَوَاتِمَ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ )

لَا ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِمَا مَرَّ ( وَيَجْزُونَ نَوَاصِيَهُمْ ) كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَلَا يُرْسِلُونَ الضَّفَائِرَ ) كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَشْرَافُ وَالْأَجْنَادُ ( وَتَجْعَلُ الْمَرْأَةُ خُفَّيْهَا لَوْنَيْنِ ) كَأَنْ تَجْعَلَ أَحَدَهُمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرَ أَبْيَضَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا
( قَوْلُهُ فِي دَارِنَا ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا انْفَرَدُوا بِمَحَلِّهِ فَإِنَّ لَهُمْ تَرْكُهُ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ إلَخْ ) تَبَعًا فِي تَفْسِيرِ الْغِيَارِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَمَا أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ بَعْضُ الثِّيَابِ الظَّاهِرَةِ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( قَوْلُهُ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مَمْنُوعٌ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ إلَخْ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ لَبِسَ الْكُلُّ لَوْنًا وَاحِدًا جَازَ وَمَنْ تَمَيَّزَ مِنْهُمْ بِلِبَاسٍ وَأَلِفْنَاهُ لَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ لِلِاشْتِبَاهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ

( وَلِلْمُسْلِمَاتِ دُخُولُ الْحَمَّامِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَيُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ ) كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ مَعَ دَلِيلِهِ ( وَيُمْنَعَنَّ ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ ( الذِّمِّيَّاتُ دُخُولَهُ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُنَّ أَجْنَبِيَّاتٌ فِي الدِّينِ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مَا لَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ
( قَوْلُهُ وَيُمْنَعْنَ الذِّمِّيَّاتُ دُخُولَهُ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ بِمَا إذَا كَشَفَتْ الْمُسْلِمَاتُ مِنْ جَسَدِهِنَّ زِيَادَةً عَلَى مَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَهُ لِلْكَافِرَاتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ا هـ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ أَنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ ش وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ لَبِسَ الذِّمِّيُّ الْحَرِيرَ أَوْ تَعَمَّمَ أَوْ طَيْلَسَ لَمْ يُمْنَعْ ) كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفِيعِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ
( قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعْ ) قَالَ الْغَزِّيِّ وَغَلِطَ مَنْ فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْإِبَاحَةَ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ

( وَعَلَيْهِمْ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِنَا ) الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَإِذَا فَعَلُوهُ أَجْرَيْنَا عَلَيْهِمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ كَمَا مَرَّ

( وَ ) عَلَيْهِمْ ( الْإِعَانَةُ ) لَنَا ( بِلَا تَضَرُّرٍ ) مِنْهُمْ إذَا اسْتَعَنَّا بِهِمْ ( وَالْكَفُّ عَنْ إظْهَارِ اعْتِقَادِهِمْ ) الْمُنْكَرَ كَاعْتِقَادِهِمْ ( فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ ) صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا ( وَ ) مِثْلُ ( التَّثْلِيثِ ) أَيْ قَوْلِهِمْ اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ

( وَيُمْنَعُونَ ) فِي دَارِنَا ( مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالنَّاقُوسِ وَالْخِنْزِيرِ وَأَعْيَادِهِمْ وَقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ ) لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ ( وَ ) مِنْ ( إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَالنَّوْحِ ) وَاللَّطْمِ ( وَ ) مِنْ ( إسْقَاءِ مُسْلِمٍ خَمْرًا ) أَوْ إطْعَامِهِ خِنْزِيرًا ( وَ ) مِنْ ( رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَ ) مِنْ ( اسْتِبْذَالِهِمْ إيَّاهُمْ فِي الْمِهَنِ ) أَيْ الْخِدْمَةِ ( بِأُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا ) سَوَاءٌ أَشُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا ( فَإِنْ أَظْهَرُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عُزِّرُوا وَلَمْ يُنْتَقَضْ ) بِهِ ( عَهْدُهُمْ وَلَوْ شُرِطَ ) عَلَيْهِمْ ( نَقْضُهُ ) أَيْ انْتِقَاضُهُ ( بِهِ ) ؛ لِأَنَّا لَا نَتَضَرَّرُ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي وَحَمَلُوا الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ عَلَى تَخْوِيفِهِمْ وَذِكْرُ التَّعْزِيرِ فِي إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَعَدَمُ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ إلَخْ ) ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْمَعَازِفِ وَإِظْهَارُهَا اسْتِعْمَالُهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا مَنْ لَيْسَ فِي دُورِهِمْ قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ وَكَتَبَ أَيْضًا بِضَابِطِ التَّظَاهُرِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ

( فَإِنْ قَاتَلُوا ) الْمُسْلِمِينَ ( بِلَا شُبْهَةٍ أَوْ مَنَعُوا الْجِزْيَةَ أَوْ الِانْقِيَادَ لِلْحُكْمِ ) بِمَعْنَى امْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ بِالْقُوَّةِ وَالْعُدَّةِ لَا بِالْهَرَبِ ( انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ ) ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ الِانْتِقَاضُ بِذَلِكَ وَلَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِمُخَالَفَتِهِمْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلُوا لِشُبْهَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْبُغَاةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الثَّانِيَةِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ أَمَّا الْعَاجِزُ إذَا اسْتَمْهَلَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ قَهْرًا وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيُخَصُّ قَوْلُهُمْ بِالْمُتَغَلِّبِ الْمُقَاتِلِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلَ مَفْهُومٌ مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَاتَلُوا بِلَا شُبْهَةٍ إلَخْ ) اسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ النَّقْضَ بِالْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فَكَيْفَ تُقْطَعُ الْعُقُودُ بِالْأَفْعَالِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً مِنْ جَانِبِ الذِّمِّيِّ اُلْتُحِقَتْ فِي حَقِّهِ بِالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَالْعَقْدُ الْجَائِزُ إذَا انْتَفَى مَقْصُودُهُ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَبْعُدْ انْقِطَاعُهُ ، وَإِنْ كَانَ الصَّادِرُ فِعْلًا ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلُوا لِشُبْهَةٍ إلَخْ ) وَكَقِتَالِهِمْ الصَّائِلِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنَّا ( قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( وَلَوْ نَكَحَ مُسْلِمَةً ) وَوَطِئَهَا ( أَوْ زَنَى بِهَا ) مَعَ عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا ( أَوْ قَتَلَ ) مُسْلِمًا ( قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ) ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ كَذِمِّيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا ( أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا ) عَلَى مُسْلِمٍ ( أَوْ تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِأَنْ تَطَلَّعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا وَنَقَلَهَا إلَيْهِمْ أَوْ آوَى جَاسُوسًا لَهُمْ ( أَوْ دَعَا ) مُسْلِمًا ( إلَى دِينِهِ ) أَوْ فَتَنَهُ عَنْ دِينِهِ ( أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ الْإِسْلَامَ ) أَوْ الْقُرْآنَ ( جَهْرًا ) أَوْ نَحْوَهَا ( مِمَّا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ فَإِنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهِ اُنْتُقِضَ وَإِلَّا فَلَا ) يُنْتَقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحٌ أَنَّهُ لَا انْتِقَاضَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَحَ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ فَقَدْ يَسْلَمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ بِمُسْلِمٍ كَزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمْ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ مُوجَبُ مَا فَعَلَهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا ( فَلَوْ شَرَطَ ) عَلَيْهِ ( ذَلِكَ ) أَيْ الِانْتِقَاضَ بِهِ ( ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِزِنَاهُ ) حَالَةَ كَوْنِهِ ( مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا ) ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا وَقِيلَ لَا يَصِيرُ فَيْئًا

وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ

( قَوْلُهُ أَوْ زَنَى بِهَا ) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَحُكْمُ مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالزِّنَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا ) مُقْتَضَى تَقْيِيدِ التَّنْبِيهِ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ لَكِنْ عَبَّرَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ بِقَوْلِهِ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَقَتْلٌ مُوجِبٌ الْقِصَاصَ وَكَذَا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِفِعْلِ ذَلِكَ مَعَ الذِّمِّيِّ وَقَيَّدَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِكَوْنِهِ عَلَى مُسْلِمٍ وَفِي مَعْنَاهُ الْقَتْلُ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ؛ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ حَرَامٌ كَالتَّعَرُّضِ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ الْمُلْتَزَمَةِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ وَاسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَوْلُهُ مُقْتَضَى تَقْيِيدِ التَّنْبِيهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ .
( قَوْلُهُ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا ) أَوْ فَرْعَهُ الْمُسْلِمَ ( قَوْلُهُ أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ كَنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا أَوْ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِ انْتَقَضَ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ وَقِيلَ ذِكْرُهُ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ كَذِكْرِهِ بِمَا يُوَافِقُهُ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ) قَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا مَا لَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَمْ لَا لَكِنْ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ يَجِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوطٌ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ ، وَهَذَا الْعَقْدُ فِي مُطْلَقِ الشَّرْعِ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ ، وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : إنَّ فِيهِ نَظَرًا ( قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ

فِي الْأَوَّلِ ) كَبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَلِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ كَالْقِتَالِ ( قَوْلُهُ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ إلَخْ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْفُونِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَفُرُوعِهِ .
( قَوْلُهُ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ ) ، وَهُوَ غَرِيبٌ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ ) بَلْ الصَّوَابُ وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَتَلَقَّى حُكْمُهَا مِمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْأَمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ لِرِسَالَةٍ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَالْتُحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَكَرَ عَقْدَ الْجِزْيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَوْتِهِ بَعْدَ النَّقْضِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا قَالَ الرَّافِعِيُّ : عَنْ الْقَوْلِ الْأَصَحِّ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ هـ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هُنَا قُتِلَ بِمُوجِبِ مَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ

( فَرْعٌ إذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ بِقِتَالِهِ ) لَنَا ( قُتِلَ ) وَلَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ ( أَوْ ) انْتَقَضَ عَهْدُهُ ( بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فِيهِ مِنْ قَتْلٍ وَغَيْرِهِ ) مِنْ اسْتِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَأَخْرَجَ مَا لَوْ سَأَلَ ذَلِكَ فَتَجِبُ إجَابَتُهُ وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَمْنِهِ صَبِيٍّ حَيْثُ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ بِأَنْ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا ، وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ وَاسْتَشْكَلَ مَا ذُكِرَ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الدَّاخِلَ دَارَنَا بِهُدْنَةٍ أَوْ أَمَانٍ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ مَعَ أَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ آكَدُ مِنْهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا وَبِالِانْتِقَاضِ زَالَ الْتِزَامُهُ لَهَا بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لَهَا وَقَضِيَّةُ الْأَمَانِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ

( قَوْلُهُ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فِيهِ مِنْ قَتْلٍ إلَخْ ) فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ وَكَتَبَ أَيْضًا فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ امْتَنَعَ غَيْرُ الْمَنِّ أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الرِّقِّ فَيَرِقُّ أَوْ الْقَتْلِ فَيُطْلَقُ أَمَّا الْمُفَادَاةُ فَتَلْزَمُ قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ ثَبَتَ فِي مُقَابَلَةِ الِانْقِيَادِ وَلَمْ يُوجَدْ فَانْتَفَى بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْأَمَانِ فَإِنَّا الْتَزَمْنَاهُ لَا فِي مُقَابَلَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِهِ وَأَيْضًا فَفِي تَبْلِيغِهِ الْمَأْمَنَ مَعَ نَقْضِ الْعَهْدِ تَرْغِيبٌ لَهُ فِي دُخُولِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ فِيهِ تَرْغِيبٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فِي دُخُولِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْإِقَامَةِ بِهَا وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى عَقْدِ الْجِزْيَةِ الَّذِي بِهِ يُرْجَى إسْلَامُهُمْ

( وَ ) إذَا انْتَقَضَ أَمَانُ رَجُلٍ ( لَمْ يُنْتَقَضْ أَمَانُ نِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ الْأَمَانُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ نَاقِضَةٌ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ وَلَا إرْقَاقُهُمْ وَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ فِي دَارِنَا ( فَإِنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ بَلَغْنَ ) أَيْ النِّسَاءُ مَأْمَنَهُنَّ ( دُونَ الصِّبْيَانِ حَتَّى يَبْلُغُوا أَوْ يَطْلُبَهُمْ مُسْتَحِقُّ الْحَضَانَةِ ) إذْ لَا حُكْمَ لِاخْتِيَارِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِصَدَدِ أَنْ تُعْقَدَ لَهُمْ الْجِزْيَةُ فَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَإِنْ بَلَغُوا وَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ فَذَاكَ وَإِلَّا أَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَالنِّسَاءِ الْخُنَاثَى وَكَالصِّبْيَانِ الْمَجَانِينُ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ

( وَلَوْ نَبَذَ ذِمِّيٌّ ) إلَيْنَا ( الْعَهْدَ وَسَأَلَ إبْلَاغَهُ الْمَأْمَنَ أَجَبْنَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْدُ مِنْهُ خِيَانَةٌ ( وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ ) بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ ( اسْمَ مَنْ عَقَدَ لَهُ وَدِينَهُ وَحِلْيَتَهُ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ فَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ ( وَيَصِفُ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ ) مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجَبْهَتِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفِهِ وَأَسْنَانِهِ وَآثَارِ وَجْهِهِ إنْ كَانَ فِيهِ آثَارٌ ( وَلَوْنَهُ ) مِنْ سُمْرَةٍ وَشُقْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا ( وَيَجْعَلُ لِكُلٍّ ) مِنْ طَوَائِفِهِمْ ( عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ وَيُعَرِّفُ ) الْإِمَامَ الْأَوْلَى لِيَعْرِفَ ( بِمَنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ ) أَوْ بَلَغَ مِنْهُمْ ( أَوْ دَخَلَ فِيهِمْ ، وَأَمَّا مَنْ يَحْضُرُهُمْ لِأَدَائِهَا ) أَيْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ ( أَوْ لِيَشْتَكِيَ إلَيْهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ( مِمَّنْ تَعَدَّى ) عَلَيْهِمْ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ( فَيَجُوزُ ) جَعْلُهُ عَرِيفًا لِذَلِكَ ( وَلَوْ ) كَانَ ( كَافِرًا ) ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ فِي الْغَرَضِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ

( كِتَابُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ ) ( وَتُسَمَّى الْمُوَادَعَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ ) وَالْمُسَالَمَةُ وَالْمُهَادَنَةُ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهُدُونِ ، وَهُوَ السُّكُونُ تَقُولُ هَدَّنْتُ الرَّجُلَ وَأَهْدَنْتُهُ إذَا سَكَّنْته وَهَدَنَ هُوَ سَكَنَ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { ، وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } الْآيَةَ { وَمُهَادَنَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ } كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ
( كِتَابُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ )

( وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهَا فَيُشْتَرَطُ ) لَهَا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ ( أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ) إنْ كَانَتْ لِلْكُفَّارِ مُطْلَقًا أَوْ لِأَهْلِ إقْلِيمٍ كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ فِي جِهَةٍ وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْأَخْطَارِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا فَاللَّائِقُ تَفْوِيضُهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ( وَلِلْوَالِي ) بِإِقْلِيمٍ ( مُهَادَنَةُ بَعْضِ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ ) لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ ( فَإِنْ عَقَدَ ) هَا ( غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ مَنْ ذَكَرَ فَدَخَلَ قَوْمٌ مِمَّنْ هَادَنَهُمْ دَارَنَا لَمْ قَدِرَتْ لَكِنْ ( بَلَغُوا الْمَأْمَنَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ أَمَانِهِ ( وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ ) كَقِلَّتِهِمْ أَوْ قِلَّةِ مَالِهِمْ أَوْ تَوَقُّعِ إسْلَامِهِمْ بِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ أَوْ الطَّمَعِ فِي قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ بِلَا قِتَالٍ ، وَإِنْفَاقِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لَمْ يُهَادِنُوا بَلْ يُقَاتِلُوا إلَى أَنْ يَسْلَمُوا أَوْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا قَالَ تَعَالَى { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ } .
( وَلَوْ طَلَبُوهَا لَمْ تَلْزَمْنَا إجَابَتُهُمْ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ ) وُجُوبًا ( فِي الْأَصْلَحِ ) مِنْ الْإِجَابَةِ وَالتَّرْكِ ( وَأَنْ يَخْلُوَا ) عَقْدُ الْهُدْنَةِ ( عَنْ كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَذَلِكَ ( كَالْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُمْ ) الْعَاقِدُ ( مُسْلِمًا ) أَسِيرًا ( أَوْ مَالَهُ أَوْ يَرُدَّ ) إلَيْهِمْ ( مَنْ جَاءَتْ ) إلَيْنَا مِنْهُمْ ( مُسْلِمَةً ) وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ ( أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطُوا جِزْيَةً أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ ) أَنْ ( يُعْطِيَهُمْ مَالًا ) وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ

أَوْ عَلَى أَنْ يُقِيمُوا بِالْحِجَازِ أَوْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ أَوْ يُظْهِرُوا الْخُمُورَ فِي دَارِنَا قَالَ تَعَالَى { فَلَا تَهِنُوا } الْآيَةَ وَفِي ذَلِكَ إهَانَةٌ يَنْبُو عَنْهَا الْإِسْلَامُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ { أَنَّهُ جَاءَتْ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلَى قَوْلِهِ { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } فَامْتَنَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَدِّهِنَّ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَ الْمُسْلِمَةَ زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تَزَوَّجَ كَافِرًا وَسَوَاءٌ أَجَاءَتْ مُسْلِمَةً أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا جَاءَتْ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ وَمَالِهِ الْكَافِرُ وَمَالُهُ فَيَجُوزُ شَرْطُ تَرْكِهِمَا وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمُ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِمَا - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .
( فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ ) إلَى إعْطَائِهِمْ مَالًا كَأَنْ خِفْنَا مِنْهُمْ الِاصْطِلَامَ لِإِحَاطَتِهِمْ بِنَا أَوْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ أَسْرَانَا ( وَجَبَ إعْطَاؤُهُمْ ) ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّيَرِ مِنْ نَدْبِ فَكِّ الْأَسْرَى وَأُجِيبُ بِحَمْلِ نَدْبِ مَا هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ تَعْذِيبِ الْأَسْرَى أَوْ خَوْفِ اصْطِلَامِهِمْ وَهَلْ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحِيحٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ ( وَلَمْ يَمْلِكُوهُ ) أَيْ مَا أُعْطِيَ لَهُمْ لِأَخْذِهِمْ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ ) فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ ( عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَأَذِنَ فِي الْهُدْنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَقْوَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ مِنْ تَبُوكَ وَرُوِيَ أَيْضًا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ

يَوْمَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا } ( وَعَلَى عَشْرِ سِنِينَ إنْ كَانَ ) بِالْمُسْلِمِينَ ( ضَعْفٌ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْعَشْرِ عَقَدَ عَلَى عَشْرٍ ثُمَّ عَشْرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَلَا يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ ( وَمَتَى زَادَ ) الْعَاقِدُ ( عَلَى الْجَائِزِ ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَوْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا ( بَطَلَ الزَّائِدُ ) أَيْ الْعَقْدُ فِيهِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَهُ فِي الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمْ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَهَا مُؤَبَّدًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ مِنْ الْمُدَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ ( فَإِنْ انْقَضَتْ ) أَيْ الْعَشْرُ ( وَالضَّعْفُ ) بِنَا ( مُسْتَمِرٌّ اُسْتُؤْنِفَ عَقْدٌ ) جَدِيدٌ ( وَتَتِمُّ الْمُدَّةُ إنْ اسْتَقْوَيْنَا ) فِيهَا عَمَلًا بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ( فَلَوْ هَادَنَ مُطْلَقًا ) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ ( بَطَلَ الْعَقْدُ ) وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ( أَوْ قَالَ ) هَادَنْتُكُمْ ( مَا شَاءَ فُلَانٌ ) مُثِيرُ ( الْعَدْل مِنَّا ذِي رَأْيٍ صَحَّ ) الْعَقْدُ فَإِذَا نَقَضَهَا انْتَقَضَتْ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشَاءَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا ( لَا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ ) ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَلَا لِفَاسِقٍ وَلَا لِمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ ( فَإِنْ قَالَ ) هَادَنْتُكُمْ ( مَا شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَجُزْ ) أَيْ لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادَنْتُكُمْ مَا

شَاءَ اللَّهُ ؛ فَلِأَنَّهُ يُعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ دُونَ غَيْرِهِ ( وَلَوْ دَخَلَ ) إلَيْنَا ( بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ فَاسْتَمَعَ فِي مَجَالِسَ يَحْصُلُ فِيهَا الْبَيَانُ ) التَّامُّ ( بَلَغَ الْمَأْمَنَ وَلَا يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) لِحُصُولِ غَرَضِهِ

( قَوْلُهُ وَلِلْوَالِي مُهَادَنَةُ بَعْضِ مَنْ فِي وِلَايَتِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي إقْلِيمِهِ وَلَكِنْ مُجَاوِرَةً لَهُ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ فِي الْهُدْنَةِ مَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ إقْلِيمِهِ وَقَالَ أَيْضًا يَنْبَغِي عَلَى مُقْتَضَى مَا قَالُوهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِوَالِي إقْلِيمٍ بَلْ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقِيَامَ بِمَصَالِحِ بَلْدَةٍ مُجَاوِرَةٍ لِلْعَدُوِّ جَازَتْ لَهُ الْهُدْنَةُ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ مَصْلَحَةَ بَلَدِهِ ، وَهَذَا مِنْهَا ( قَوْلُهُ لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ ) ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ ) ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ش بَلْ الْأَصَحُّ إذْ عَلَتْهُ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ ( قَوْلُهُ فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأَصْلَحِ ) قَالَ الْإِمَامُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِهِ لَا يُعَدُّ وَاجِبًا ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ ( قَوْلُهُ أَوْ مَالَهُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَحِقَ بِهِ مَالُ أَهْلِ ذِمَّتِنَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ تَرْكَ مَا اُسْتُوْلُوا عَلَيْهِ لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا كَانَ فَاسِدًا كَتَرْكِ مَالِنَا قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا وَأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآحَادِ وَالْكَلَامُ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ وَلِهَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ هُنَا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ أَوْ يَجُوزُ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْقِيَامُ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْآحَادِ .
( قَوْلُهُ أَوْ خَوْفِ ) عُطِفَ عَلَى تَعْذِيبِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ إلَخْ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ : هَلْ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنْ تَكُونَ صِحَاحًا أَمْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا ( قَوْلُهُ وَلَا عَلَى عَشَرِ سِنِينَ إنْ

كَانَ ضَعْفٌ ) فِي مَعْنَى الضَّعْفِ شِدَّةُ الْمَشَقَّةِ وَكَتَبَ أَيْضًا فَعِنْدَ الضَّعْفِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى عَشَرِ سِنِينَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِدُونِ الْعَشَرِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الصُّلْحِ بِدَلِيلِ آيَةِ الْقِتَالِ وَقَدْ وَرَدَ التَّحْدِيدُ بِالْعَشَرِ فَتَبْقَى الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَهَا مُؤَبَّدًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الذُّرِّيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا دَامُوا صِغَارًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ إلَخْ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ فَلَوْ هَادَنَ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ : وَهَلْ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ ا هـ كَلَامُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( قَوْلُهُ عِنْدَ ضَعْفِنَا ) أَيْ أَوْ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا فَبِالْعَقْدِ ) الْفَاسِدِ لَهَا ( نُبَلِّغُهُمْ الْمَأْمَنَ ) وَنُنْذِرُهُمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانُوا بِدَارِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ بِلَا إنْذَارٍ ( وَبِالصَّحِيحِ يُكَفُّ عَنْهُمْ ) الْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ ) إلَى أَنْ ( يَنْقُضُوهَا ) أَيْ الْهُدْنَةَ بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ قَالَ تَعَالَى { فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ } وَقَالَ { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ } ( وَلَا يَلْزَمُنَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ وَلَا ) مَنْعُ ( بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهُدْنَةِ الْكَفُّ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ ( فَإِنْ أَخَذَ الْحَرْبِيُّونَ مَالَهُمْ ) بِغَيْرِ حَقٍّ ( وَظَفِرْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ ) إلَيْهِمْ لُزُومًا ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْنَا اسْتِنْقَاذُهُ كَمَا نَرُدُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ
( قَوْلُهُ بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ ) كَقِتَالِنَا بِلَا شُبْهَةٍ ( قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُنَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ ) لَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ بِطَرَفِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْنَا دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ وَلَوْ أَمْكَنَ ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ

( وَلَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَعَزْلِهِ ) فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ بَعْدَهُ إمْضَاؤُهُ

( وَلَا ) يُنْتَقَضُ ( بِتَبَيُّنِ فَسَادِهَا ) أَيْ الْهُدْنَةِ ( بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ )

( وَيَنْبَغِي ) لِلْإِمَامِ إذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ ( أَنْ يَكْتُبَ بِهَا ) كِتَابًا ( وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا ) فِيهِ لِيَعْمَلَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي شُرُوطِهَا ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ ) فِيهَا ( لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) ( وَذِمَّتِي )
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ ) هُوَ الْأَصَحُّ

( فَإِنْ أَخَذُوا مَالًا أَوْ سَبُّوا ) اللَّهَ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ ( رَسُولَ اللَّهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ ( أَوْ آوَوْا عَيْنًا ) عَلَيْهِمْ أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا ( أَوْ تَجَسَّسُوا ) كَأَنْ كَاتَبُوا أَهْلَ الْحَرْبِ ( جَمِيعًا ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا ( أَوْ ) فَعَلَ ( بَعْضُهُمْ ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ( وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَنْهُ انْتَقَضَ ) الْعَهْدُ ( وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ نَقْضًا ) وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِنَقْضِهِ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يَخِلُّ بِالْعَقْدِ ( وَبَيَّتُوا فِي بِلَادِهِمْ بِلَا إنْذَارٍ ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ نَاقِضًا لِآيَةِ { ، وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } وَلِصَيْرُورَتِهِمْ حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا قَبْلَ الْمُهَادَنَةِ ( وَالنَّازِلُ بِنَا ) أَيْ بِدَارِنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ ( نَبْلُغُهُ الْمَأْمَنَ ) وَلَا نَغْتَالُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمَأْمَنَ ( فَإِنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ الْبَاقُونَ ) فِيمَا مَرَّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِأَنْ اعْتَزَلُوهُمْ أَوْ بَعَثُوا إلَى الْإِمَامِ بِأَنَّا مُقِيمُونَ عَلَى الْعَهْدِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا ثُمَّ ( نَظَرْت فَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بَيَّتْنَاهُمْ ) أَيْ مُنْتَقَضِي الْعَهْدَ ( وَإِلَّا أَنْذَرْنَاهُمْ ) أَيْ الْبَاقِينَ ( لِيَتَمَيَّزُوا ) عَنْهُمْ ( أَوْ يُسْلِمُوهُمْ إلَيْنَا فَإِنْ أَبَوْا ) ذَلِكَ ( مَعَ الْقُدْرَةِ ) عَلَيْهِ ( فَنَاقِضُونَ ) لِلْعَهْدِ ( بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ ) فَنَقْضُهُ مِنْ الْبَعْضِ لَيْسَ نَقْضًا مِنْ الْبَاقِينَ بِحَالٍ لِقُوَّتِهِ ( وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ النَّقْضِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( وَلَوْ ) أَيْ وَكُلُّ مَا ( اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا فِي الْجِزْيَةِ نُقِضَ هُنَا قَطْعًا ) لِضَعْفِ هَذَا وَقُوَّةِ ذَاكَ وَتَأَكُّدِهِ بِالْجِزْيَةِ

قَوْلُهُ أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا ) أَيْ ذِمِّيًّا وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا كَانَ عَمْدًا مَحْضًا أَوْ عُدْوَانًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَا خَطَأً وَدَفْعًا لِصَائِلٍ أَوْ قَاطِعٍ غ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا أَطْلَقَهُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَوْضِعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِشُبْهَةٍ أَمَّا لَوْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ كَمَا سَبَقَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ ( قَوْلُهُ لِإِتْيَانِهِمْ بِمَا يُخِلُّ بِالْعَقْدِ ) { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَادَنَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَعَانَ بَعْضُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى حَرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ فَنَقَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدَ جَمِيعِهِمْ وَغَزَاهُمْ } وَكَذَلِكَ لَمَّا قَتَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ وَهُمْ حُلَفَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَى بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ الْقَاتِلَ وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ غَزَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَتَحَ مَكَّةَ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ يَتِمُّ بِعَقْدِ بَعْضِهِمْ وَرِضَا الْبَاقِينَ وَيَكُونُ السُّكُونُ رِضًا بِذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ مِثْلَهُ ( قَوْلُهُ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَتْبَاعًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ }

( فَرْعٌ لَوْ اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ خِيَانَتَهُمْ بِأَمَارَاتٍ ) تَدُلُّ عَلَيْهَا ( لَا ) بِمُجَرَّدِ ( تَوَهُّمٍ لَمْ يُنْتَقَضْ ) عَهْدُهُمْ ( بَلْ يُنْبَذُ ) إلَيْهِمْ جَوَازًا ( الْعَهْدُ ) قَالَ تَعَالَى { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ } بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْبَذُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُؤَبَّدٌ ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا فِي قَبْضَتِنَا فَيَسْهُلُ التَّدَارُكُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ جَانِبُهُمْ وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَجَرَوْا فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي عَلَى الْغَالِبِ مِنْ كَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِبِلَادِنَا وَأَهْلِ الْهُدْنَةِ بِبِلَادِهِمْ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ بِالْخَوْفِ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَيُنْذِرُهُمْ ) بَعْدَ نَبْذِ عَهْدِهِمْ ( وَيَبْلُغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ ) قَبْلَ قِتَالِهِمْ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا وَفَاءً بِالْعَهْدِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ قَبْلَ ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ مَأْمَنُهُمْ ( دَارُ الْحَرْبِ ) وَتَبْلِيغُهُمْ إيَّاهُ يَكُونُ ( بِالْكَفِّ ) لِلْأَذَى مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( عَنْهُمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مِنْهُمْ ) إنْ كَانَ

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَخْ ) وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ أَمَانٌ فَنُقِضَتْ بِالْخَوْفِ ؛ وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ أَقْوَى بِدَلِيلِ تَأْبِيدِهَا ( قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ نَقْضَ الْإِمَامِ لَا يَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَظُهُورِ الْأَمَارَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ وَكَلَامُ الْحَاوِي صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ ) فَقَالَ ، وَهُوَ عَجِيبٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ ، وَهُوَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ بِنَقْضِهِ أَيْ يَقْوَى عِنْدَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْ وَغَيْرُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَظُهُورِ الْأَمَارَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَامِدٍ وَكَلَامُ الْحَاوِي صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيُبَلِّغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ ) لَوْ كَانَ لَهُ مَأْمَنٌ لَزِمَ الْإِمَامَ إلْحَاقُهُ بِمَسْكَنِهِ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ تَخَيَّرَ الْإِمَامُ

( فَرْعٌ ) يَجِبُ عَلَى الَّذِينَ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ الْكَفُّ عَنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلُ فِي حَقِّنَا وَبَذْلُ الْجَمِيلِ مِنْهُمَا فَلَوْ ( نَقَصُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَرَامَةِ ) لَهُمْ ( أَوْ الْإِمَامَ مِنْ التَّعْظِيمِ ) لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يُكْرِمُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُ ( سَأَلَهُمْ ) عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ ( فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً ) أَيْ عُذْرًا ( وَلَمْ يَنْتَهُوا نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَنْذَرَهُمْ ) قَبْلَ نَقْضِهِ ، وَإِنْ أَقَامُوا عُذْرًا يُقْبَلُ مِثْلُهُ قِبَلَهُ

( فَصْلٌ ) لَوْ ( صَالَحَ ) الْإِمَامُ الْكُفَّارَ أَيْ هَادَنَهُمْ ( بِشَرْطِ رَدِّ مَنْ جَاءَ ) نَا ( مِنْهُمْ مُسْلِمًا صَحَّ ) فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } ( وَلَمْ يَجُزْ ) بِذَلِكَ ( رَدُّ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ ) إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تَزَوَّجَ بِكَافِرٍ ؛ وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْهَرَبِ مِنْهُمْ وَأَقْرَبُ إلَى الِافْتِتَانِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ } الْآيَةَ ( فَإِنْ صَرَّحَ بِشَرْطِ رَدِّهَا لَمْ يَصِحَّ ) لِذَلِكَ ( وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ ( فَإِنْ جَاءَتْ ) إلَيْنَا ( مُسْلِمَةً ) أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَجِيئِهَا ( وَطَالَبَ الزَّوْجُ بِمَهْرِهَا ) لِارْتِفَاعِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ ( لَمْ نُعْطِهِ ) لَهُ أَيْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا إعْطَاؤُهُ لَهُ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَآتُوهُمْ } أَيْ الْأَزْوَاجَ مَا أَنْفَقُوا أَيْ مِنْ الْمُهُورِ فَهُوَ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمِلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَأَمَّا غُرْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ الْمَهْرَ ؛ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ

( قَوْلُهُ لَوْ صَالَحَ بِشَرْطِ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا صَحَّ ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ وَتَمْنَعُهُ وَضَابِطُهُ كُلُّ مَنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ جَازَ شَرْطُ رَدِّهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ بِذَلِكَ رَدُّ الْمَرْأَةِ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا شَرَطَ جَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَسْلَمَةَ فَجَاءَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ فِي طَلَبِهَا وَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ مُسْلِمَةً فَجَاءَ زَوْجُهَا فِي طَلَبِهَا وَجَاءَتْ سُعْدَى زَوْجَةُ صَيْفِيِّ بْنِ إبْرَاهِيم بِمَكَّةَ فَجَاءَ فِي طَلَبِهَا وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قَدْ شَرَطْت لَنَا رَدَّ النِّسَاءِ فَارْدُدْ عَلَيْنَا نِسَاءَنَا فَتَوَقَّفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَقِّعًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى نَزَلَ { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلَى قَوْلِهِ { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } فَامْتَنَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَدِّهِنَّ } ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا إعْطَاؤُهُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْأَمَانُ كَمَا لَا يَشْمَلُ الْأَمَانُ زَوْجَتَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهَا لَكَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَيْلُولَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى

( وَإِنْ أَسْلَمَتْ ) أَيْ وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ ( مَنْ لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً فَإِنْ أَفَاقَتْ رَدَدْنَاهَا لَهُ ) لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهَا وَزَوَالِ ضَعْفِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِفَاقَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا لَمْ تُفِقْ فَلَا تُرَدُّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْمَجْنُونِ ( وَكَذَا إنْ جَاءَتْ عَاقِلَةً ، وَهِيَ كَافِرَةٌ ) سَوَاءٌ أَطَلَبَهَا فِي الصُّورَتَيْنِ زَوْجُهَا أَمْ مَحَارِمُهَا ( لَا إنْ أَسْلَمَتْ ) قَبْلَ مَجِيئِهَا أَوْ بَعْدَهُ ( ثُمَّ جُنَّتْ ) أَوْ جُنَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ إفَاقَتِهَا ( وَكَذَا إنْ شَكَكْنَا ) فِي أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ جُنُونِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا ( لَا تُرَدُّ ) وَلَا نُعْطِيهِ مَهْرَهَا

( وَلَوْ جَاءَتْ صَبِيَّةٌ مُمَيِّزَةٌ تَصِفُ الْإِسْلَامَ لَمْ نَرُدَّهَا ) ؛ لِأَنَّا ، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ إسْلَامَهَا نَتَوَقَّعُهُ فَيُحْتَاطُ لِحُرْمَةِ الْكَلِمَةِ ( إلَّا إنْ بَلَغَتْ وَوَصَفَتْ الْكُفْرَ ) فَنَرُدُّهَا

( وَلَوْ هَاجَرَ ) قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا ( الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ وَلَوْ مُسْتَوْلِدَةً وَمُكَاتَبَةً ثُمَّ أَسْلَمَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَ قَاهِرًا لِسَيِّدِهِ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْقَهْرِ فَيُعْتَقُ ؛ وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهَا ( أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ هَاجَرَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ فَكَذَا ) يُعْتَقُ لِوُقُوعِ قَهْرِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ ( أَوْ بَعْدَهَا فَلَا ) يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ ( وَلَا يُرَدُّ ) إلَى سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُسْلِمًا مُرَاغِمًا لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ وَيُهِينُهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ تَحْمِيهِ ( بَلْ يُعْتِقُهُ السَّيِّدُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْإِمَامُ ) عَلَيْهِ ( لِمُسْلِمٍ أَوْ اشْتَرَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ عَنْهُمْ وَلَهُمْ وَلَاؤُهُ ) وَاعْلَمْ أَنَّ هِجْرَتَهُ إلَيْنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي عِتْقِهِ بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَتْ هُدْنَةً وَمُطْلَقًا إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَوْ هَرَبَ إلَى مَأْمَنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَوْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَهَا عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ هِجْرَتِهِ مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُورَثُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هِجْرَتَهُ ؛ لِأَنَّ بِهَا يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا ( وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَتَبْقَى مُكَاتَبَةً إنْ لَمْ تُعْتَقْ فَإِنْ أَدَّتْ ) نُجُومَ الْكِتَابَةِ ( عَتَقَتْ ) بِهَا ( وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا ، وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ وَقَدْ أَدَّتْ شَيْئًا ) مِنْ النُّجُومِ ( بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَهُ حُسِبَ ) مَا أَدَّتْهُ ( مِنْ قِيمَتِهَا ) الْوَاجِبَةِ لَهُ ( فَإِنْ وَفَّى بِهَا أَوْ زَادَ ) عَلَيْهَا ( عَتَقَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ( وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ ) وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُتَبَرِّعَةِ عَنْهُمْ بِهِ وَلِفَوْزِهَا بِالْعِتْقِ فِي

مُقَابَلَتِهِ ( وَلَا يَسْتَرْجِعُ ) مِنْ سَيِّدِهَا ( الْفَاضِلَ ) أَيْ الزَّائِدَ ( وَإِنْ نَقَصَ ) عَنْهَا ( وَفَّى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ )

( وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ وَ ) لَا ( مَجْنُونٌ ) لِضَعْفِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِشَرْطِ رَدِّهِمَا ( حَتَّى يَبْلُغَ ) الصَّبِيُّ ( أَوْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ وَيَصِفَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( الْكُفْرَ ) أَوْ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ لَمْ يُرَدَّ
( قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ إلَخْ ) مَا صَرَّحَ بِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ مِنْ امْتِنَاعِ الرَّدِّ يُخَالِفُ مَا رَجَّحَاهُ فِي بَابِ اللَّقِيطِ مِنْ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا وَالْكَلَامُ هُنَا فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ اسْتِمَالَتِهِ وَرَدِّهِ إلَى الْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَالصَّبِيُّ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ لِيَتَمَرَّنَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ وَفِي رَدِّهِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ تَضْيِيعٌ لِهَذَا الْوَاجِبِ ( قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَصِفْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَمْ يُرَدَّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ

( وَإِنْ جَاءَ ) مِنْهُمْ ( حُرٌّ بَالِغٌ ) عَاقِلٌ ( مُسْلِمٌ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ ) عَلَيْنَا ( نَظَرْت فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ لَمْ يُرَدَّ وَإِلَّا رُدَّ إنْ طَلَبْته عَشِيرَتُهُ ) ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمْ كَمَا { رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَنْدَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو } وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يَحْمُونَهُ ، وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَنْفُسُهُمْ يُؤْذُونَهُ بِالتَّقْيِيدِ وَنَحْوِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ تَأْدِيبًا فِي زَعْمِهِمْ ( لَا ) إنْ طَلَبَهُ ( غَيْرُهُمْ ) فَلَا يُرَدُّ ( إلَّا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَقْهَرُهُمْ ) وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ فَيُرَدُّ وَعَلَيْهِ حُمِلَ { رَدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ فِي طَلَبَهُ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي الطَّرِيقِ وَأَفْلَتَ الْآخَرُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ فَلَا يُرَدُّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ مَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا ( وَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الرُّجُوعُ ) إلَيْهِمْ ( بَلْ لَهُ قَتْلُ طَالِبِهِ ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ وَقَتْلَ طَالِبِهِ .
( وَلَنَا التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ ) أَيْ بِقَتْلِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ : حِينَ رُدَّ إلَى أَبِيهِ أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا الْتَزَمَ بِالْهُدْنَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُمْ وَيَمْنَعَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمْ ، وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَمْ يَشْرِطْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضَتِهِ وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيضِ التَّصْرِيحُ فَيَمْتَنِعُ نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ

كَلَامُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَى نَفْسِهِ أَمَانًا لَهُمْ وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( وَلَا يُمْنَعُ الْإِقَامَةَ ) عِنْدَنَا ( بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا نَدْبًا سِرًّا ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْإِمَامُ سِرًّا لَا تَرْجِعْ ، وَإِنْ رَجَعْت فَاهْرَبْ إنْ قَدِرْت قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيَقُولُ لِلطَّالِبِ لَا أَمْنَعُك مِنْهُ إنْ قَدِرْت عَلَيْهِ وَلَا أُعِينُك إنْ لَمْ تَقْدِرْ ( وَمَعْنَى الرَّدِّ لَهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ) كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ لَا إجْبَارُهُ عَلَى الرُّجُوعِ إذْ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ ( فَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ الْإِمَامُ ) إلَيْهِمْ ( لَمْ يَصِحَّ ) إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَعْثِ الرَّدُّ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ : يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الطَّلَبُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَوْ طَلَبُوا مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ ، وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى كُفْرِهِ مَكَّنَّاهُمْ مِنْهُ وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا شَرَطُوا أَنْ تَقُومَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَفَّيْنَا بِالشَّرْطِ انْتَهَى بِزِيَادَةٍ

( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الرُّجُوعُ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ لَكِنْ فِي الْبَيَانِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَهْرَبَ مِنْ الْبَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ بِالرُّجُوعِ ( قَوْلُهُ وَلَنَا التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ ) قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْإِمَامِ ا هـ مَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ الْإِمَامُ إلَيْهِمْ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْبَعْثَ فَكَأَنَّهُ مَنَعَهُمْ الْإِسْلَامَ وَالْهِجْرَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ

( فَصْلٌ ) لَوْ ( عُقِدَتْ ) أَيْ الْهُدْنَةُ ( بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ ) مِنَّا ( مُرْتَدًّا صَحَّ ) وَلَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ رَقِيقًا ( فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّهِ فَنَاقِضُونَ ) لِلْعَهْدِ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ ( أَوْ ) عُقِدَتْ ( عَلَى أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ وَلَوْ ) كَانَ الْمُرْتَدُّ ( امْرَأَةً ) فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ { شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ حَيْثُ قَالَ لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ جَاءَ رَسُولًا مِنْهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْنَاهُ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا فَسُحْقًا سُحْقًا } وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَيَغْرَمُونَ ) فِيهَا ( مَهْرَهَا ) أَيْ الْمُرْتَدَّةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهُوَ عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي انْفِسَاخَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَوَقُّفَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِلْزَامُهُمْ الْمَهْرَ مَعَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الِانْفِسَاخِ لَا وَجْهَ لَهُ ( وَكَذَا ) يَغْرَمُونَ ( قِيمَةَ رَقِيقٍ ) ارْتَدَّ دُونَ الْحُرِّ ( فَإِنْ عَادَ ) الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ إلَيْنَا بَعْدَ أَخْذِنَا قِيمَتَهُ ( رَدَدْنَاهَا ) عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَهْرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ وَالنِّسَاءُ لَا يَصِرْنَ زَوْجَاتٍ قَالَ : وَيَغْرَمُ الْإِمَامُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِهَا ؛ لِأَنَّا بِعَقْدِ الْهُدْنَةِ حُلْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَوْلَاهُ لَقَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى يَرُدُّوهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ لِزَوْجِهَا مُفَرَّعًا عَلَى الْغُرْمِ لِزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْمُهَاجِرَةِ وَلَمْ أَرَهُ مُصَرَّحًا بِهِ ، وَقَدْ يُشْعِرُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْبَيْعِ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْكَافِرِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ ثَمَّ وَجَرَى عَلَيْهِ

الْمُصَنِّفُ ثَمَّ
( قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْأَحْرَارَ الْمَجَانِينَ بَعْدَ الرِّدَّةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَيْهِمْ فِي حَالِ جُنُونِهِمْ نُطَالِبُهُمْ بِرَدِّهِمْ ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِمْ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَإِنْ ذَهَبُوا فِي حَالِ عَقْلِهِمْ ثُمَّ جُنُّوا هُنَاكَ لَمْ نُطَالِبْهُمْ بِرَدِّهِمْ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاخْتِيَارِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ الْمَجْنُونِ الِاخْتِيَارُ الصَّادِرُ عَنْ رُؤْيَةٍ وَتَأَمُّلٍ وَإِلَّا فَلَهُ اخْتِيَارٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبَانَ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارٌ وَقَوْلُهُ نُطَالِبُهُمْ بِرَدِّهِمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَا وَجْهَ لَهُ ) فَإِنْ قِيلَ وَجْهُهُ الْقِيَاسِ عَلَى مَنْ جَاءَتْنَا مِنْ نِسَائِهِمْ مُسْلِمَةً نَغْرَمُ الْمَهْرُ عَلَى قَوْلٍ سَبَقَ فَإِسْلَامُ تِلْكَ كَارْتِدَادِ هَذِهِ قُلْنَا ذَاكَ مِنْ أَجْلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصُّلْحِ وَمُرَاعَاةِ الْمُسْلِمَةِ نَغْرَمُ لَهُمْ عَلَى قَوْلٍ الْمَهْرَ لِظَاهِرِ آيَةِ الِامْتِحَانِ { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا } فَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مَهْرَ بِضْعٍ بَائِنٍ مِنْهُ أَوْ مُشْرِفٍ عَلَى الْبَيْنُونَةِ ا هـ وَقَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ وَجْهَهُ حُصُولِ حَيْلُولَتِهِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إذْ لَوْلَاهَا لَأَكْرَهْنَاهَا عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَغَرِمُوا لِذَلِكَ كَاتِبَهُ ( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ لِزَوْجِهَا مُفَرَّعًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ : وَبِسَبَبٍ وَلَا نَرُدُّ إلَى الْأَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ عِوَضًا لَمْ نَأْخُذْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ عِوَضًا .
ا هـ .

( كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ ) عَلَى الْخَيْلِ وَالسِّهَامِ وَنَحْوِهِمَا فَالْمُسَابَقَةُ تَعُمُّ الْمُفَاضَلَةَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّبَاقُ فِيهِمَا ( وَهِيَ لِقَصْدِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ ) لِلرِّجَالِ لِلْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } الْآيَةَ وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُوَّةَ فِيهَا بِالرَّمْيِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ { قَالَ أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضَمُرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَمَا لَمْ يَضْمُرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ سُفْيَانُ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَمِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ } وَخَبَرِ أَنَسٍ { كَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ } وَخَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا } رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ { لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ يُرْوَى سَبْقُ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرًا وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ إلَى السَّابِقِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرْكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى }

( كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ ) ( قَوْلُهُ فَالْمُسَابَقَةُ نِعْمَ الْمُفَاضَلَةُ ) وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } أَيْ نَنْتَضِلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ ( قَوْلُهُ ، وَهِيَ لِقَصْدِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُسَابَقَةَ وَالْمُنَاضَلَةَ سُنَّةٌ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَطْلُوبَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُنَاضَلَةُ آكَدُ فَفِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا ارْمُوا وَارْكَبُوا ، وَإِنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّهْمَ يَنْفَعُ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ كَمَوَاضِعِ الْحِصَارِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْفَرَسِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الضِّيقِ بَلْ رُبَّمَا ضَرَّ ا هـ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُبَاحٌ إذَا قَصَدَ بِهِ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُدَّةً لِلْجِهَادِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا إذَا قَصَدَ بِهِ اللَّهْوَ أَمَّا إذَا قَصَدَ تَعَلُّمَهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُحَرَّمَةِ فَلَا قَوْلُهُ وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ إلَى السَّابِقِ ) وَالثَّانِيَةُ أَثْبَتُ

( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي السَّبَقِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ ، وَهِيَ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عُدَّةً لِلْقِتَالِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّأَهُّبُ لِلْقِتَالِ وَبِهَذَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ : لَا يَجُوزُ السَّبَقُ وَالرَّمْيُ مِنْ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ أَهْلًا لِلْحَرْبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ : وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ عَائِشَةَ سَابَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ( وَالْأَصْلُ ) فِي السَّبَقِ ( الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ الْمَرْكُوبَةُ ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّهَا الَّتِي يُقَاتَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا وَتَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَيُفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ رَاكِبِ الْإِبِلِ السَّهْمَ الزَّائِدَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ ، وَهِيَ فِي الْخَيْلِ مِنْ الِانْعِطَافِ وَالِالْتِوَاءِ وَسُرْعَةِ الْإِقْدَامِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الْإِبِلِ وَخَرَجَ بِالْمَرْكُوبَةِ غَيْرُهَا كَالصَّغِيرَةِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ : وَاَلَّذِي تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْلِ قِيلَ الَّذِي يُسْهَمُ لَهُ ، وَهُوَ الْجَذَعُ أَوْ الثَّنْيُ وَقِيلَ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَرْكُوبَةِ فِي الْإِبِلِ وَتَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ فِي الْخَيْلِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَيَجُوزُ ) السَّبْقُ ( عَلَى الْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالرَّمْيُ بِأَنْوَاعِ الْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ ) وَلَوْ بِمِسَلَّاتٍ وَإِبَرٍ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ ( وَكَذَا الْمَزَارِيقُ ) ، وَهِيَ الرِّمَاحُ الْقَصِيرَةُ ( وَالزَّانَاتُ ) بِالزَّايِ وَالنُّونِ ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا رَأْسٌ دَقِيقٌ وَحَدِيدَتُهَا عَرِيضَةٌ تَكُونُ مَعَ الدَّيْلَمِ وَهُمْ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا أَسْلِحَةٌ يَرْمِي بِهَا وَيَبْتَغِي بِهَا الْإِصَابَةَ كَالسِّهَامِ ( وَرَمْيُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ وَالْمِقْلَاعِ وَالْمَنْجَنِيقِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ

بِخِلَافِ إشَالَتِهِ بِالْيَدِ وَيُسَمَّى الْعِلَاجَ وَبِخِلَافِ الْمُرَامَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ أَوْ السَّهْمَ إلَى الْآخَرِ وَتُسَمَّى الْمُدَاحَاةَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَعَانِ فِي الْحَرْبِ ( وَالتَّرَدُّدُ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ وَحِذْقٍ ( وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالسِّبَاحَةُ ) فِي الْمَاءِ ( وَالزَّوَارِقُ وَالْبَقَرُ ) وَنَحْوُهَا كَالْكِلَابِ ( وَالطُّيُورُ وَالصِّرَاعُ وَالْمُشَابَكَةُ ) بِالْيَدِ وَكُلُّ مَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ كَلِعْبِ شِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ وَكُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَرَمْيٍ بِبُنْدُقٍ وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ وَمَعْرِفَةِ مَا فِي يَدٍ مِنْ شَفْعٍ وَوَتْرٍ ( فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَابَقَ هُوَ وَعَائِشَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ } وَقِيسَ بِهِ الْبَقِيَّةُ أَمَّا بِعِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ ؛ وَلِأَنَّ الزَّوَارِقَ سَبْقُهَا بِالْمَلَّاحِ لَا بِمَنْ يُقَاتِلُ فِيهَا وَالتَّجْوِيزُ بِلَا عِوَضٍ فِي الْبَقَرِ وَالتَّرْجِيحُ فِي الْمُشَابَكَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا ) عَلَى ( مُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ ) فَلَا تَجُوزُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهَا سَفَهٌ وَكَذَا عَلَى الْغَطْسِ فِي الْمَاءِ إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ الشَّرْطُ

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ أَهْلًا لِلْحَرْبِ ) مِثْلُهُنَّ الْخُنَاثَى وَتَعَقَّبَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا التَّعْلِيلَ وَقَالَ بَلْ هُنَّ أَهْلٌ لِلْحَرْبِ وَلَكِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَالرَّمْيِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِنَّ ( قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْإِبِلُ الْمَرْكُوبَةُ ) بِأَنْ يَعْتَادَ الْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ وَتَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ فِي الْخَيْلِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ) رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ السَّبَقُ عَلَى الْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ ) وَقَيَّدَهَا الْبُلْقِينِيُّ بِمَا يُعْتَادُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا لَا تُظْهِرُ فَرُوسِيَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ السَّبَقِ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ وَالصِّرَاعِ ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَسَبَقَ قَلَمُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَضَبَطَهُ بِضَمِّهَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَرَمْيٍ بِبُنْدُقٍ ) تَبِعَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ جَوَازُهُ وَحَكَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ } ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَذْفَ الرَّمْيُ بِحَصَاةٍ وَنَحْوِهَا بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ وَلَا تَحْصُلُ بِهِ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ بِخِلَافِ رَمْيِ الْبُنْدُقِ بِالْقَوْسِ فَإِنَّ فِيهِ نِكَايَةً كَنِكَايَةِ الْمِسَلَّةِ فَيُرَجَّحُ فِيهِ الْجَوَازُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبُنْدُقِ الرَّمْيِ بِهِ إلَى حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْحُكْمِ السَّابِقِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ ، وَأَمَّا الرَّمْيُ بِهِ عَنْ قَوْسِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَبَالَغَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ الْمَنْقُولُ فِي الْحَاوِي الْجَوَازُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ

لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَهُوَ أَقْرَبُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا الْتِقَافٌ فَلَا نَقْلَ فِيهِ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي حَالَةِ الْمُسَابَقَةِ وَقَدْ يَمْنَعُ خَشْيُهُ فَسَادَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ د وَقَوْلُهُ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

( الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْمَوْقِفِ ) الَّذِي يَجْرِيَانِ مِنْهُ ( وَالْغَايَةُ ) الَّتِي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ( وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا ) فَلَوْ شَرَطَا تَقَدُّمَ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَقَدُّمَ غَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ فَرُوسِيَّةِ الْفَارِسِ وَجَوْدَةِ سَيْرِ الْفَرَسِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ السَّبَقَ حِينَئِذٍ لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الْفَرَسِ ( فَلَوْ أَهْمَلَا الْغَايَةَ وَشَرَطَ أَنَّ الْمَالَ لِمَنْ سَبَقَ ) مِنْهُمَا ( أَوْ عَيَّنَا الْغَايَةَ وَقَالَا إنْ اتَّفَقَ السَّبَقُ فِي وَسَطِ الْمَيْدَانِ لِوَاحِدٍ ) مِنَّا ( كَانَ فَائِزًا بِالسَّبَقِ لَمْ يَصِحَّ ) أَمَّا فِي الْأُولَى ؛ فَلِأَنَّهُمَا قَدْ يُدِيمَانِ السَّيْرَ حِرْصًا عَلَى الْمَالِ فَيُتْعَبَانِ وَتَهْلِكَ الدَّابَّةُ وَلِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الدَّوَابِّ فِي قُوَّةِ السَّيْرِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبَعْدَهُ فَتَعَيَّنَتْ الْمَعْرِفَةُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ ؛ فَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا السَّبَقَ فِي خِلَالِ الْمَيْدَانِ لَاعْتَبَرْنَاهُ بِلَا غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ قَدْ يُسْبَقُ ثُمَّ يَسْبِقُ وَالْعِبْرَةُ بِآخِرِ الْمَيْدَانِ ( وَلَوْ قَالُوا ) الْأَنْسَبُ قَالَا بَعْدَ أَنْ عَيَّنَا غَايَةَ السَّبَقِ ( إلَى هَذِهِ ) الْغَايَةِ ( فَإِنْ تَسَاوَيَا ) فِيهِ ( فَإِلَى غَايَةٍ ) أُخْرَى ( بَعْدَهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا ) بَيْنَهُمْ ( جَازَ ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ

( الثَّالِثُ ) فِيمَا إذَا عَقَدَ بِعِوَضٍ ( الْمَالَ ) فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ كَكَلْبٍ ( وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ) كَالثَّمَنِ هَذَا مُكَرَّرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْطِ التَّاسِعِ ( وَأَنْ يَحْصُلَ كُلُّهُ وَأَكْثَرُهُ لِلسَّابِقِ فَإِنْ تَسَابَقَا وَالْمَالُ مِنْ غَيْرِهِمَا ) مَثَلًا ( وَجَعَلَهُ لِلسَّابِقِ ) مِنْهُمَا ( فَذَاكَ ) ظَاهِرٌ ( وَلَوْ جَعَلَ لِلثَّانِي ) مِنْهُمَا ( أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ فِي السَّبَقِ لِيَفُوزَ بِالْأَكْثَرِ ( لَا ) إنْ جَعَلَ لَهُ ( مِثْلَهُ وَلَا أَكْثَرَ ) مِنْهُ أَوْ جَعَلَهُ كُلَّهُ لَهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى فَلَا يَجُوزُ وَإِلَّا لَمْ يَجْتَهِدْ أَحَدٌ فِي السَّبَقِ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ ( وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً ) مَثَلًا ( وَشَرَطَ الْمَالَ بَاذِلُهُ لِلْأَوَّلِ دُونَهُمْ ) الْأَوْلَى دُونَ الْآخَرِينَ ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَجْتَهِدُ فِي السَّبَقِ لِيَفُوزَ بِالْمَالِ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ لِلثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ ) حَتَّى لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَضِّلَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ( فَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي الْأَكْثَرَ ) أَوْ الْكُلَّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( لَمْ يَجُزْ ) لِمَا مَرَّ فِي الِاثْنَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الثَّانِي وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ( أَوْ ) شَرَطَ لَهُ ( كَالْأَوَّلِ ) أَيْ مِثْلَهُ ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَجْتَهِدُ هُنَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجْتَهِدْ أَحَدٌ فِي السَّبْقِ ( وَيُمْنَعُ ) الْبَاذِلُ لِلْمَالِ ( الثَّالِثَ أَوْ يُنْقِصُهُ ) عَنْ الثَّانِي فَلَا يَشْتَرِطُ لَهُ مِثْلَهُ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ ( فَلَوْ مَنَعَ الثَّانِيَ ) وَشَرَطَ لِلْآخَرَيْنِ كَأَنْ شَرَطَ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَلِلثَّالِثِ تِسْعَةً ( فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ الْمُسَمَّى بِالْفِسْكِلِ كَمَا يَأْتِي يَفْضُلُ مَنْ قَبْلَهُ وَأَصَحُّهُمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ الْجَوَازُ

وَيُقَامُ الثَّالِثُ مَقَامَ الثَّانِي وَكَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ فَبُطْلَانُ الْمَشْرُوطِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي ثَمَّ وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْلَ السِّبَاقِ يُقَالُ لِلْجَائِي مِنْهَا أَوَّلًا السَّابِقُ وَالْمُجْلِي وَثَانِيًا الْمُصَلِّي وَثَالِثًا الْمُسَلِّي وَرَابِعًا التَّالِي وَخَامِسًا الْعَاطِفُ وَيُقَالُ الْبَارِعُ وَسَادِسًا الْمُرْتَاحُ وَسَابِعًا الْمُرَمِّلُ بِالرَّاءِ وَيُقَالُ الْمُؤَمِّلُ بِالْهَمْزِ وَثَامِنًا الْخَطِّيُّ وَتَاسِعًا اللَّطِيمُ وَعَاشِرًا السُّكَيْتُ مُخَفَّفًا كَالْكُمَيْتِ وَمُثْقَلًا أَيْضًا وَيُقَالُ لَهُ الْفِسْكِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهِمَا وَقِيلَ فِيهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ حَادِيَ عَشَرَ سَمَّاهُ الْمُقَرْدِحَ وَالْفُقَهَاءُ قَدْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى رِكَابِ الْخَيْلِ
( قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ أَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا شَرَطَ لِلثَّانِي الْكُلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي وَحْدَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا وَكَأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي عُدِمَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ( قَوْلُهُ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ ) قَالَ شَيْخُنَا ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ وَأَصَحُّهُمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ ) وَاحِدٌ ( مَنْ سَبَقَ ) مِنْ هَؤُلَاءِ ( فَلَهُ كَذَا فَجَاءُوا مَعًا وَتَأَخَّرَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمْ ( اسْتَحَقُّوهُ دُونَهُ ) فَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ قَالَ لِلْأَوَّلِ دِينَارٌ وَلِلثَّانِي نِصْفٌ ) مِنْ دِينَارٍ ( فَسَبَقَ وَاحِدٌ وَجَاءَ الْبَاقُونَ مَعًا أَخَذَ ) أَيْ الْوَاحِدُ ( الدِّينَارَ وَأَخَذُوا ) أَيْ الْبَاقُونَ ( النِّصْفَ ) ، وَإِنْ جَاءُوا مَعًا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ( وَإِنْ سَبَقَ ثَلَاثَةٌ ) مِنْهُمْ بِأَنْ جَاءُوا مَعًا ( وَتَأَخَّرَ وَاحِدٌ فَلِلثَّلَاثَةِ دِينَارٌ وَلِلْوَاحِدِ نِصْفٌ ) التَّصْرِيحُ بِهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) قَالَ ( كُلُّ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ دِينَارٌ فَسَبَقَ ثَلَاثَةٌ فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمْ ( دِينَارٌ )
( قَوْلُهُ لَوْ قَالَ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا ) كَأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ مَالُ الْمَصَالِحِ فَأَمَّا غَيْرُ مَالِ الْمَصَالِحِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ يَكْتَفِيَ بِالْإِطْلَاقِ وَيَنْزِلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ قُلْنَا الْأَرْجَحُ اعْتِبَارُ التَّقْيِيدِ وَقَوْلُهُ وَمَحَلُّهُ مَالُ الْمَصَالِحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ يَكْتَفِيَ بِالْإِطْلَاقِ

الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُحَلِّلٌ ) إذَا شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْغُنْمَ وَالْغُرْمَ وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا ؛ لِأَنَّهُ يُحَلِّلُ الْعَقْدَ وَيُخْرِجُهُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ ( فَإِنْ أَخْرَجَ الْمَالَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ ( وَشَرَطَهُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا جَازَ ) لِانْتِفَاءِ صُورَةِ الْقِمَارِ ( وَإِنْ أَخْرَجَاهُ مَعًا عَلَى أَنَّ السَّابِقَ ) مِنْهُمَا ( يَأْخُذُ الْمَالَيْنِ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَغْنَمَ وَأَنْ يَغْرَمَ ، وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْقِمَارِ ( إلَّا بِمُحَلِّلٍ مُكَافِئٍ ) فَرَسُهُ ( لِفَرَسَيْهِمَا يَغْنَمُ إنْ سَبَقَ وَلَا يَغْرَمُ ) إنْ سُبِقَ فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَلِخَبَرِ { مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ ، وَقَدْ أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَهُوَ قِمَارٌ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَسْبِقَهُمَا فَلَيْسَ بِقِمَارٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ لَا يَسْبِقُ يَكُونُ قِمَارًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا الثَّالِثُ فَأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَسُهُ مُكَافِئًا لِفَرَسَيْهِمَا بِأَنْ كَانَ ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ أَوْ فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ صُورَةِ الْقِمَارِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ ، وَسَيَأْتِي هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ أَيْضًا وَذِكْرُهُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ شَرَطَ لِلْمُحَلِّلِ الْكُلَّ إنْ سَبَقَ ) الْمُتَسَابِقَيْنِ ( وَأَنَّ السَّابِقَ مِنْهُمَا يَأْخُذُ مَالَهُ فَقَطْ جَازَ ) بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِنْ شَرَطَ لِلْمُحَلِّلِ الْكُلَّ وَأَنَّ السَّابِقَ مِنْهُمَا يَأْخُذُهُ جَازَ أَيْضًا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ ( وَالسَّابِقُ يُطْلَقُ عَلَى ) السَّابِقِ ( الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( فَلَوْ جَاءَ الْمُحَلِّلُ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الثَّالِثُ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ الْجَمِيعَ ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُحَلِّلِ أَحْرَزَ مَالَهُ ثُمَّ

يُشَارِكُ الْمُحَلِّلَ ) فِيمَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ ( فَلَوْ تَوَسَّطَ الْمُحَلِّلُ ) بَيْنَهُمَا ( حَازَ الْأَوَّلُ الْجَمِيعَ ) ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ ( فَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا أَحْرَزَا مَالَهُمَا ) أَيْ أَحْرَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَالَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ ( وَيَجُوزُ مُحَلِّلَانِ فَأَكْثَرُ ) فَلَوْ تَسَابَقَ اثْنَانِ وَمُحَلِّلَانِ فَسَبَقَ مُحَلِّلٌ ثُمَّ مُتَسَابِقٌ ثُمَّ الْمُحَلِّلُ الثَّانِي ثُمَّ الْمُتَسَابِقُ الثَّانِي أَوْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مُحَلِّلٌ ثُمَّ الْمُحَلِّلُ الْآخَرُ فَالْجَمِيعُ لِلسَّابِقِ الْأَوَّلِ الشَّرْطُ
( قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ صُورَةِ الْقِمَارِ ) فَإِنَّ الْمُخْرِجَ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْبِقَ كَيْ لَا يَغْرَمَ وَالْآخَرُ حَرِيصٌ عَلَيْهِ لِيَأْخُذَ

( الْخَامِسُ إمْكَانُ سَبْقِ كُلٍّ ) مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَالْمُحَلِّلِ ( فَلَوْ نَدَرَ الْإِمْكَانَ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّسَابُقِ تُوقِعُ سَبْقَ كُلٍّ لِيَسْعَى فَيَتَعَلَّمُ أَوْ يُتَعَلَّمُ مِنْهُ فَلَا يَكْفِي الِاحْتِمَالُ النَّادِرُ كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ ( وَقَالَ الْإِمَامُ : لَوْ أَخْرَجَ الْمَالَ مَنْ يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَاذِلِ جُعْلًا ) فِي نَحْوِ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ ارْمِ كَذَا فَإِنْ أَصَبْت مِنْهُ كَذَا فَلَكَ هَذَا الْمَالُ وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ مَنْ يُقْطَعُ بِسَبْقِهِ وَهَذِهِ مُسَابِقَةٌ بِلَا مَالٍ ( وَلَوْ أَخْرَجَاهُ مَعًا وَلَا مُحَلِّلَ وَأَحَدُهُمَا يُقْطَعُ بِسَبْقِهِ فَالسَّابِقُ مُحَلِّلٌ ) أَيْ كَالْمُحَلِّلِ ( لِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ ) شَيْئًا وَشَرْطُ الْمَالِ مِنْ جِهَتِهِ لَغْوٌ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ ( وَلَوْ اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ ) الْأَوْلَى النَّوْعُ ( كَعَتِيقٍ وَهَجِينٍ ) مِنْ الْخَيْلِ ( وَنَجِيبٍ وَبُخْتِيٍّ ) مِنْ الْإِبِلِ ( جَازَ ) السِّبَاقُ عَلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَنْدُرْ سَبْقُ أَحَدِهِمَا ( كَمَا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا حِمَارٌ وَبَغْلٌ ) لِتَقَارُبِهِمَا ( لَا ) إنْ اخْتَلَفَ ( الْجِنْسَانِ ) الْأَوْلَى الْجِنْسُ ( كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ ) أَوْ فَرَسٍ وَحِمَارٍ ( وَلَوْ أَمْكَنَ سَبْقُ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ وَالْحِمَارَ لَا يُلْحِقَانِ الْفَرَسَ غَالِبًا الشَّرْطُ
قَوْلُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ ) أَيْ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَوْ أَخْرَجَ الْمَالَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ ) أَيْ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ تَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ بِتَخَلُّفِ الْمُخْرِجِ لِلْمَالِ أَوْ بِسَبَقِ الْمُحَلِّلِ لَمْ تَظْهَرْ الْفُرُوسِيَّةُ الْمَقْصُودَةُ بِالْعَقْدِ فَيَبْطُلُ وَلَيْسَ كَقَوْلِهِ إنْ أَصَبْت كَذَا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى الْإِصَابَةِ قَالَ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَنَا مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ شَيْخُنَا مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ الْأَوْجَهُ

( السَّادِسُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ سَيْرِهِمَا ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّعْيِينَ ( وَلَوْ ) كَانَ تَعْيِينُهُمَا ( بِالْوَصْفِ ) كَمَا فِي الرِّبَا وَالسَّلَمِ ( وَيَنْفَسِخُ ) الْعَقْدُ ( بِمَوْتِ الْمُشَارِ إلَيْهِ ) كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ اخْتِيَارُهُ ( لَا ) بِمَوْتِ ( الْمَوْصُوفِ ) كَالْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَرْكُوبَيْنِ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعَيُّنِ لَا بِالْوَصْفِ فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ فِي الثَّانِي وَفِي مَعْنَى الْمَوْتِ الْعَمَى وَذَهَابُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ
( قَوْلُهُ السَّادِسُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبَيْنِ ) أَيْ وَالرَّاكِبَيْنِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ تَعْيِينُهُمَا بِالْوَصْفِ ) بِخِلَافِ وَصْفِ الْفَارِسَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي

( السَّابِعُ أَنْ يَرْكَبَا ) الْمَرْكُوبَيْنِ ( لِلْمُسَابَقَةِ وَلَا يُرْسِلَا ) هُمَا فَلَوْ شَرَطَا إرْسَالَهُمَا لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْفِرَانِ بِهِ وَلَا يَقْصِدَانِ الْغَايَةَ بِخِلَافِ الطُّيُورِ إذَا جَوَّزْنَا الْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ لَهَا هِدَايَةً إلَى قَصْدِ الْغَايَةِ

( الثَّامِنُ أَنْ لَا تَقْطَعَهُمَا ) أَيْ الْمَرْكُوبَيْنِ ( الْمَسَافَةَ ) فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِلَا انْقِطَاعٍ وَتَعَبٍ وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ

( التَّاسِعُ كَوْنُ الْمَالِ ) عَيْنًا أَوْ دَيْنًا ( مَعْلُومًا كَالْأُجْرَةِ ) فَلَوْ شَرَطَا مَالًا مَجْهُولًا كَثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَوْ دِينَارٍ إلَّا ثَوْبًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ ( فَإِنْ كَانَ ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( مَالٌ فِي الذِّمَّةِ وَجَعَلَاهُ عِوَضًا ) بِأَنْ قَالَ لَهُ : إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَيْك ( فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ) فَيَجُوزُ ( وَلِلْأَجْنَبِيِّ ) إذَا أَخْرَجَ الْمَالَ ( أَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا إذَا سَبَقَ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ ) وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ إذَا سَبَقَ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ( وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُتَسَابِقَانِ فَلِأَحَدِهِمَا إخْرَاجُ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ ) وَلَا بُدَّ مِنْ مُحَلِّلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ اشْتِرَاطُ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ فِي مَخْرَجِ الْمَالِ دُونَ الْآخَرِ وَالْأَرْجَحُ اعْتِبَارُ إسْلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ انْتَهَى .
وَفِي الثَّانِي وَقْفَةٌ
( قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ اشْتِرَاطُ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ إلَخْ ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ دُونَ الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا آخِذًا لِلْمَالِ وَإِمَّا غَيْرَ غَارِمٍ ( قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ اعْتِبَارُ إسْلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ) هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ أُبِيحَ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ ( قَوْلُهُ التَّاسِعُ كَوْنُ الْمَالِ مَعْلُومًا ) أَيْ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ اعْتِبَارُ إسْلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ

( الْعَاشِرُ اجْتِنَابُ شَرْطٍ مُفْسِدٍ فَإِنْ قَالَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ وَلَا أَرْمِي ) أَوْ لَا أُسَابِقُك ( بَعْدَهَا أَوْ لَا أُسَابِقُك إلَى شَهْرٍ بَطَلَ الْعَقْدُ ) كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ ؛ وَلِأَنَّهُ شَرْطُ تَرْكِ قُرْبَةٍ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَفَسَدَ وَأَفْسَدَ الْعَقْدَ ( وَكَذَا ) يَبْطُلُ ( لَوْ شَرَطَ ) عَلَى السَّابِقِ ( أَنْ يُطْعِمَهُ ) أَيْ الْمَالَ ( أَصْحَابَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ

( فَصْلٌ اعْتِبَارُ السَّبَقِ فِي الْخَيْلِ ) وَنَحْوِهَا ( بِالْعُنُقِ ) وَيُسَمَّى الْهَادِيَ ( وَ ) فِي ( الْإِبِلِ ) وَنَحْوِهَا ( بِالْكَتَدِ ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ وَيُسَمَّى الْكَاهِلَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَيْلَ تَمُدُّ أَعْنَاقَهَا فِي الْعَدْوِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا تَرْفَعُهَا فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا فَالْمُتَقَدِّمُ بِبَعْضِ الْعُنُقِ أَوْ الْكَتَدِ سَابِقٌ ( فَإِنْ طَالَ عُنُقُ السَّابِقِ مِنْ الْفَرَسَيْنِ اُعْتُبِرَ ) فِي السَّبَقِ ( زِيَادَةٌ ) مِنْهُ ( عَلَى قَدْرِ الْآخَرِ ) -

( قَوْلُهُ اعْتِبَارُ السَّبَقِ فِي الْخَيْلِ إلَخْ ) قَالَ الكوهكيلوني لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ السَّبَقَ فِي غَيْرِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ بِمَاذَا قُلْت السَّبَقُ بِعُنُقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبِعُنُقِ الْفِيلِ أَوْ بِكَتِفِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بِكَتَدِ الْإِبِلِ وَعُنُقِ غَيْرِهَا كَانَ أَوْلَى ( قَوْلُهُ ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ إلَخْ ) فِي مَوْضِعِ السَّنَامِ مِنْ الْإِبِلِ هَذَا أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ الْكَتِفُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدَهُمَا الْكَتِفُ وَالثَّانِيَ مَا بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ فِي مَوْضِعِ السَّنَامِ مِنْ الْإِبِلِ ( قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَيْلَ تَمُدُّ أَعْنَاقَهَا إلَخْ ) اقْتَضَى أَنَّ الْخَيْلَ لَوْ كَانَتْ تَرْفَعُهَا اُعْتُبِرَ فِيهَا الْكَتَدُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْفُورَانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَاعْتَمَدَاهُ فَجَعْلُ الشَّيْخَيْنِ ذَلِكَ وَجْهًا ضَعِيفًا عَجِيبٌ وَقَوْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهَا بِالْكَتَدِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ زِيَادَةٌ عَلَى قَدْرِ الْآخَرِ ) فَإِنْ تَقَدَّمَ بِزِيَادَةِ الْخِلْقَةِ فَمَا دُونَهَا فَلَيْسَ بِسَابِقٍ ، وَإِنْ تَقَدَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَهُوَ سَابِقٌ أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ الَّذِي هُوَ أَقْصَرُ عُنُقًا فَهُوَ السَّابِقُ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَوْ شَرَطَا لِلسَّبَقِ التَّقَدُّمَ بِشَيْءٍ تَعَيَّنَ مَا شَرْطَاهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ

( فَرْعٌ ) لَوْ ( سَبَقَ أَحَدُهُمَا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَسَطَ ( الْمَيْدَانِ وَالثَّانِي آخِرَهُ فَالسَّابِقُ الثَّانِي ) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِآخِرِهِ ( وَإِنْ عَثَرَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ ( أَوْ وَقَفَ ) بَعْدَ مَا جَرَى ( لِمَرَضٍ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَسُبِقَ فَلَا سَبْقٌ أَوْ ) وَقَفَ ( بِلَا عِلَّةٍ فَمَسْبُوقٌ لَا ) إنْ وَقَفَ ( قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ ) فَلَيْسَ مَسْبُوقًا سَوَاءٌ أَوَقَفَ لِمَرَضٍ أَمْ غَيْرِهِ

( وَلَوْ شَرَطَا السَّبَقَ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا ( بِأَذْرُعٍ مَعْلُومَةٍ ) بَيْنَهُمَا عَلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ ( جَازَ ) وَالْغَايَةُ فِي الْحَقِيقَةِ نِهَايَةُ الْأَذْرُعِ الْمَشْرُوطَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَكِنَّهُ شَرَطَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ تَخَلُّفَ الْآخَرِ عَنْهَا بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ ( وَلِيَجْرِيَا ) أَيْ الْمُتَسَابِقَانِ بِالْمَرْكُوبَيْنِ ( فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَعْدَ التَّسَاوِي فِي الْأَقْدَامِ ) بِالْمَوْقِفِ وَالتَّصْرِيحُ بِاعْتِبَارِ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَفِي تَعْبِيرِهِ كَغَيْرِهِ بِالْأَقْدَامِ تَجَوُّزٌ فَلَوْ عَبَّرَ بِالْقَوَائِمِ كَانَ أَوْلَى ( وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُ قَصَبَةٍ فِي الْغَايَةِ يَأْخُذُهَا ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ يَقْطَعُهَا ( السَّابِقُ ) لِيَظْهَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْقُهُ

( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا ) أَيْ الْمُسَابَقَةِ ( عَقْدُهَا لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( وَاللُّزُومُ فِي حَقِّ مُخْرِجِ الْمَالِ ) وَلَوْ غَيْرَ الْمُتَسَابِقَيْنِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ مَنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مُحَلِّلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا لُزُومَ فِي الْمُسَابَقَةِ بِلَا عِوَضٍ وَلِمَنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ جَائِزًا فَسْخُهُ وَلَوْ بِلَا عَيْبٍ دُونَ مَنْ كَانَ فِي حَقِّهِ لَازِمًا فَلَا يُفْسَخُ إلَّا بِسَبَبٍ كَمَا قَالَ ( وَيُفْسَخُ بِعَيْبٍ ) ظَهَرَ ( فِي الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ ) كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ لَهُ عَلَى الْفَسْخِ وَلَا يَتْرُكُ الْعَمَلَ إلَّا إنْ سَبَقَ وَامْتَنَعَ لُحُوقُ الْآخَرِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ
قَوْلُهُ عَقْدُهَا لَازِمٌ ) مِثْلُهُ عَقْدُ الْمُنَاضَلَةِ

( وَيُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ ( الْقَبُولُ بِالْقَوْلِ إنْ سَبَّقَ أَحَدُهُمَا ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ أَخْرَجَ السَّبَقَ بِفَتْحِهَا وَظَاهِرُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيمَا لَوْ سَبَّقَا مَعًا فَلَوْ تَرَكَ التَّقْيِيدَ كَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ لَفْظًا

( وَلَا يُكَلَّفُ الْمُسَبِّقُ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا ( الْبُدَاءَةُ بِالتَّسْلِيمِ ) لِلْمَالِ ( بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ ) تُسَلَّمُ لِلْمُكْرِي بِالْعَقْدِ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّ فِي الْمُسَابَقَةِ خَطَرًا فَيَبْدَأُ فِيهَا بِالْعَمَلِ

( وَيَصِحُّ ضَمَانُ السَّبَقِ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ ( وَالرَّهْنُ بِهِ ) وَلَوْ قَبْلَ الْعَمَلِ إنْ كَانَ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ كَالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا نَعَمْ يَجُوزُ لِلْكَفِيلِ الْتِزَامُ تَسْلِيمِهِ كَمَا فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْعِوَضُ عَيْنًا لَزِمَ الْمُسَبِّقَ تَسْلِيمُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَحَبَسَهُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَ ) إنْ ( تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ ) فَرَاغِ ( الْعَمَلِ ضُمِنَتْ ) عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ ( أَوْ قَبْلَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ ) كَالْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ ( لَا إنْ مَرِضَتْ ) يَعْنِي تَعَيَّبَتْ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ( بَلْ يُنْتَظَرُ زَوَالُهُ ) أَيْ الْعَيْبِ كَالْمَبِيعِ وَيَنْبَغِي فِيهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ
( قَوْلُهُ وَيَصِحُّ ضَمَانُ السَّبَقِ وَالرَّهْنِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا إلَخْ ) قَالَ الْفَتِيُّ هَذَا الِاخْتِصَارُ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَخَّصْت كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَقُلْت وَيَصِحُّ ضَمَانُ السَّبَقِ وَالرَّهْنِ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا وَيُجْبَرُ وَيُحْبَسُ إنْ امْتَنَعَ وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ ضُمِنَتْ فَلْتُصَلَّحْ النُّسَخُ هَكَذَا ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي ثُبُوتُ الْخِيَارِ ) قَدْ شَمِلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ وَيَنْفَسِخُ بِعَيْبٍ فِي الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70