كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( فَصْلٌ : قِسْطُ الْغَنِيِّ كُلَّ سَنَةٍ ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ عِشْرِينَ دِينَارًا ) أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ ( نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ ) ، وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ ( وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ مَلَكَ دُونَهَا ) أَيْ دُونَ الْعِشْرِينَ ( وَفَوْقَ الرُّبْعِ ) أَيْ رُبْعِ الدِّينَارِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا شُرِطَ هَذَا ( لِئَلَّا يَبْقَى فَقِيرًا ) ، وَقَدْ يُقَالُ يُقَاسُ بِهِ الْغَنِيُّ لِئَلَّا يَبْقَى مُتَوَسِّطًا ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ ، وَشَرْطُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا يَمْلِكَانِهِ ( فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى ) لَهُمَا ( فِي الْكَفَّارَةِ ) مِنْ مَسْكَنٍ وَثِيَابٍ وَسَائِرِ مَا لَا يُكَلَّفُ بَيْعَهُ فِيهَا ( ، وَقِسْطُهُ ) أَيْ الْمُتَوَسِّطُ ( رُبْعُ دِينَارٍ ) أَوْ قَدْرُهُ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ فِي السَّرِقَةِ ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْغَنِيِّ أَوْ بِالْفَقِيرِ إفْرَاطٌ أَوْ تَفْرِيطٌ وَضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا ذُكِرَ قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي بِالْعُرْفِ ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْأَصْلِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( فَلَوْ كَثُرُوا ) أَيْ الْعَاقِلَةُ أَوْ قَلَّ الْوَاجِبُ ( نَقَصَ ) الْقِسْطُ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ ( وَلَا عَكْسَ ) أَيْ لَوْ قَلُّوا ، وَكَثُرَ الْوَاجِبُ لَمْ يَزِدْ الْقِسْطُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ ) ؛ وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ نِصْفُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ ( قَوْلُهُ : وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ ) وَغَيْرُهُ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْثُورَةِ ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْغَنِيُّ الَّذِي يَحْمِلُ الْعَقْلَ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الدَّوَامِ وَالْفَقِيرُ هُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الدَّوَامِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ عَزْوِهِ إلَيْهِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَقَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ إلَى آخِرِهِ مُشْكِلٌ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَوَسِّطَ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي النَّقْلِ خَلَلٌ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْعِمْرَانِيُّ اسْتَنْبَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فَقَالَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ هُنَا مَنْ لَا يَمْلِكُ كِفَايَتَهُ عَلَى الدَّوَامِ .
ا هـ .
وَاسْتِنْبَاطُ ابْنِ الرِّفْعَةِ يُبْعِدُ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَوَسِّطُ فس ( قَوْلُهُ : لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّعْصِيبِ فَقُسِّمَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ وَالتَّعْصِيبِ كَالْمِيرَاثِ
( فَرْعٌ : الْوَاجِبُ النَّقْدُ فَيَجْمَعُ الْعَاقِلُ الْمَالَ ) الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ ( بَعْدَ ) تَمَامِ ( الْحَوْلِ ، وَيَشْتَرِي ) بِهِ ( الْإِبِلَ ) ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ لَا النَّقْدُ بِعَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ النَّقْدُ تَسَمُّحٌ ( فَإِنْ فُقِدَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ ) لِلْمَالِ ( تَعَيَّنَتْ ) كَوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ ( وَإِلَّا ) يَعْنِي ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، وَلَا عِنْدَهُ ( فَالْقِيمَةُ ) أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ ، وَإِنْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ وَالْإِبِلُ بِالْبَلَدِ قُوِّمَتْ يَوْمَئِذٍ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْضُ النُّجُومِ بِبَعْضٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ الْوَاجِبُ ) أَيْ أَخْذُهُ مِنْ الْعَاقِلَةِ ( قَوْلُهُ : وَيَشْتَرِي بِهِ الْإِبِلَ ) ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ قَدْ ذَكَرُوا فِي أَوَائِلِ الدِّيَاتِ أَنَّ إبِلَ الْعَاقِلَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ نَوْعِ إبِلِهِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ أَغْلِبْهَا أَوْ مِنْ الْجَمِيعِ بِالْقِسْطِ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ غَيْرَ مَا فِي يَدِهِ أُجْبِرَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهِ إنْ كَانَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ أَوْ الْقَبِيلَةِ
( وَيُعْتَبَرُ الْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ آخِرَ الْحَوْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ ، وَقْتُ الْأَدَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ قَبْلَهُ ، وَلَا بَعْدَهُ كَالزَّكَاةِ فَلَوْ أَيْسَرَ آخِرَهُ ، وَلَمْ يُؤَدِّ ثُمَّ أَعْسَرَ ثَبَتَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَوْ افْتَقَرَ آخِرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ لِسُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ ادَّعَى الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى حَلَفَ ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِغِنَاهُ ( وَأَمَّا الْكَمَالُ ) بِالتَّكْلِيفِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ ( فَمِنْ ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ( الْفِعْلِ إلَى الزُّهُوقِ ) بَلْ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ، وَكَمَّلَ فِي آخِرِهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حِصَّةُ تِلْكَ السَّنَةِ ، وَمَا بَعْدَهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنُّصْرَةِ بِالْبَدَنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُكَلَّفُونَ النُّصْرَةَ بِالْمَالِ فِي الِانْتِهَاءِ ، وَالْمُعْسِرُ كَامِلٌ أَهْلٌ لِلنُّصْرَةِ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَالُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ .
( قَوْلُهُ : كَالزَّكَاةِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ مُوَاسَاةً فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ ) عَلَى الْعَاقِلَةِ ( لَوْ فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ لَزِمَتْ ) الدِّيَةُ ( الْجَانِيَ لَا أَصْلَهُ ، وَفَرْعَهُ ) هَذَا مُكَرَّرٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ ( وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ ( وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ ) بِالتَّحَمُّلِ ( بِحَلِفٍ ) مِنْ الْمُدَّعِي ( بَعْدَ نُكُولِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ ( وَلَا ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ ( عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَمُّلِ بِمَا ذُكِرَ ( ، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ يَمِينٌ ) نَفْيُ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَإِذَا حَلَفُوا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى التَّعْطِيلِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّحَمُّلُ .
( وَتَلْزَمُهُ ) أَيْ الدِّيَةُ الْجَانِيَ ( مُؤَجَّلَةً ) كَالْعَاقِلَةِ ( فَلَوْ مَاتَ غَنِيًّا حَلَّتْ ) عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِلَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمْ سَبِيلُهُ الْمُوَاسَاةُ ، وَعَلَى الْجَانِي سَبِيلُهُ صِيَانَةُ الْحَقِّ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَسْقُطُ ( أَوْ ) مَاتَ ( مُعْسِرًا سَقَطَتْ ) عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا مُعْسِرًا ( وَلَوْ غَرِمَ وَاعْتَرَفُوا ) بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَتْلِ ( لَمْ يَسْتَرِدَّ ) مَا غَرِمَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً ( بَلْ يَرْجِعُ ) بِهِ ( عَلَيْهِمْ ) .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا حَلَفُوا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا ، وَلَا عَبْدًا ، وَلَا اعْتِرَافًا } .
ا هـ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ ، وَلَا عَبْدًا أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ عَنْ عَبْدٍ ( قَوْلُهُ : كَالدِّيَةِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَحْمِلُ الْجَانِي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فِي الْعَمْدِ تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فِي غَيْرِهِ
( فَصْلٌ : تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْأُرُوشَ وَالْغُرَّةَ وَالْحُكُومَاتِ ، وَكَذَا قِيمَةُ الْعَبْدِ ) كَالدِّيَةِ وَأَلْحَقَ بَدَلَ الْعَبْدِ بِبَدَلِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ ( فَإِنْ اخْتَلَفُوا ) أَيْ الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ ( فِي ) قَدْرِ ( قِيمَةُ الْعَبْدِ صُدِّقَتْ الْعَاقِلَةُ بِيَمِينِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا الْغَارِمَةُ ( وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ) قَدْرَ ( دِيَتَيْنِ أُخِذَتْ فِي سِتِّ سِنِينَ ) فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ .
( قَوْله صُدِّقَتْ الْعَاقِلَةُ بِيَمِينِهَا ) فَلَوْ صَدَّقَهُ الْجَانِي فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا اعْتَرَفُوا بِهِ فِي مَالِهِ
( وَ ) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ ( بَعْضَ جِنَايَةِ الْمُبَعَّضِ ) أَيْ تَحْمِلُ مِنْ دِيَةِ قَتِيلِهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ ( وَ ) تَحْمِلُ ( طَرَفَهُ ) أَيْ طَرَفَ الْمُبَعَّضِ أَيْ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ ، وَمِثْلُهُ طَرَفُ الْعَبْدِ ( وَيُوَزَّعُ كُلُّ الْوَاجِبِ ، وَلَوْ نِصْفَ دِينَارٍ ) عَلَى الْعَاقِلَةِ هَذَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فَلَوْ كَثُرَ ، وَأَنْقَصَ ( ، وَلَا تَحْمِلُ ) الْعَاقِلَةُ ( عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ كَغَيْرِهِمَا ( وَأَمَّا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا ( فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ .
( فَصْلٌ : تُؤَجَّلُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ ) عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْجَانِي ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي مُوَاسَاةً كَالزَّكَاةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْجَانِي ( ثَلَاثَ سِنِينَ ) كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَعَزَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى قَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ، وَمَا نَقَصَ ) عَنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ ( كَدِيَةِ الْمَرْأَةِ ) وَالذِّمِّيِّ ( أَوْ زَادَ ) عَلَيْهَا ( كَأَرْشِ الْأَطْرَافِ ) كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ( فَفِي كُلِّ سَنَةٍ ) يَجِبُ ( قَدْرُ ثُلُثِ ) الدِّيَةِ ( الْكَامِلَةِ ) تَوْزِيعًا لَهَا عَلَى السِّنِينَ الثَّلَاثِ ، وَعَبَّرَ بِقَدْرٍ لِيُفِيدَ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْأَجَلِ إلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ لَا إلَى بَدَلِ النَّفْسِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا ، وَلَا نَقْصَ عَنْ السَّنَةِ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْفَوَائِدَ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَاعْتُبِرَ مُضِيُّهَا لِيَجْتَمِعَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ فَيُوَاسُونَ عَنْ تَمَكُّنٍ .
( قَوْلُهُ : ثَلَاثَ سِنِينَ ) ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِهِ كَالزَّكَاةِ ( قَوْلُهُ : كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) أَيْ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِغَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا ، وَلَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إلَّا تَوْقِيفًا فَإِنْ قِيلَ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا نَعْلَمُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَصْلًا مِنْ كِتَابٍ ، وَلَا سُنَّةٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَنْ عَرَفَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا يُرَدُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ الْقَوْمِ بِالْأَخْبَارِ وَالتَّوَارِيخِ ( قَوْلُهُ : وَالذِّمِّيُّ ) أَيْ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ
( فَإِنْ زَادَ ) الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ ( شَيْئًا ) ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثُلُثَيْهَا ( أُجِّلَ ) لِلزَّائِدِ ( سَنَةً ) ثَانِيَةً ، وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ ثُلُثَيْهَا شَيْئًا ، وَلَمْ يُجَاوِزْ الدِّيَةَ أُجِّلَ لِلزَّائِدِ سَنَةً ثَالِثَةً ، وَهَكَذَا .
( وَلَوْ قَتَلَ ) وَاحِدٌ ( جَمَاعَةً فَثُلُثٌ ) مِنْ كُلِّ دِيَةٍ ( قِسْطُ كُلِّ سَنَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ ، وَمُسْتَحِقُّوهُ مُخْتَلِفُونَ فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ ( أَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( كُلَّ سَنَةٍ ثُلُثُ مَا يَخُصُّهُمْ ) كَجَمِيعِ الدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ( وَمَنْ مَاتَ ) مِنْ الْعَاقِلَةِ ( بَعْدَ الْحَوْلِ لَا قَبْلَهُ لَزِمَ ) وَاجِبُهُ ( تَرِكَتَهُ ) بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ كَالزَّكَاةِ .
( فَصْلٌ : لَا يُخَصُّ الْحَاضِرُ ) مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي بَلَدِ الْجِنَايَةِ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ ( بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ ) أَيْضًا ، وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ ( كَالدَّيْنِ ) وَالتَّنْظِيرُ بِالدَّيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ ( كَتَبَ الْقَاضِي ) أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْجِنَايَةِ بَعْدَ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ ( لِلْقَاضِي ) أَيْ قَاضِي بَلَدِ الْعَاقِلَةِ ( بِمَا وَجَبَ ) بِالْجِنَايَةِ لِيَأْخُذَهُ مِنْهُ ( أَوْ ) كَتَبَ إلَيْهِ ( بِحُكْمِ الْقَتْلِ ) أَيْ بِحُكْمِهِ بِهِ ( لِيُوجِبَ ) أَيْ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ ، وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ .
( فَصْلٌ : ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ ) فِي وَاجِبِ النَّفْسِ ( مِنْ ) وَقْتِ ( الزُّهُوقِ ) لَهَا بِمُزْهِقٍ أَوْ بِسِرَايَةِ جُرْحٍ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَكَانَ ابْتِدَاءُ أَجَلِهِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ ( وَفِي ) وَاجِبِ ( الْجُرُوحِ ) الْمُنْدَمِلَةِ ( مِنْ ) وَقْتِ ( الْجِنَايَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِهَا ( وَيُطَالَبُ ) بِالْوَاجِبِ ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ ) لَهَا ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الضَّرْبِ انْدِمَالَهَا ، وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ قَبْلَهُ بِالْوَاجِبِ ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ فِي الْمُطَالَبَةِ لِتَبَيُّنِ مُنْتَهَى الْجِرَاحَةِ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ لَيْسَ وَقْتَ طَلَبٍ فَلَا يُقَاسُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ بِالْمُطَالَبَةِ فَلَوْ مَضَتْ سَنَةٌ ، وَلَمْ تَنْدَمِلْ لَمْ يُطَالَبْ بِوَاجِبِهَا .
( وَ ) ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ ( فِيمَا سَرَتْ إلَيْهِ ) الْجُرُوحُ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ ( مِنْ ) وَقْتِ ( السِّرَايَةِ ) لَهَا فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ ثُمَّ سَرَى إلَى كَفِّهِ مَثَلًا فَابْتِدَاءُ مُدَّةِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ وَوَاجِبُ الْكَفِّ مِنْ سُقُوطِهَا ، وَقِيلَ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْوَاجِبَيْنِ مِنْ سُقُوطِ الْكَفِّ ، وَقِيلَ مِنْ الِانْدِمَالِ ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ ) ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ مَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ : جِنَايَةُ الرَّقِيقِ ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ ) أَيْ وَاجِبُهَا الْمَالِيُّ ، وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ مُتَعَلِّقٌ ( بِرَقَبَتِهِ ) إذْ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ لِسَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ مَعَ بَرَاءَتِهِ ، وَلَا أَنْ يُقَالَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى عِتْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتٌ لِلضَّمَانِ أَوْ تَأْخِيرٌ إلَى مَجْهُولٍ ، وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مُعَامَلَةِ غَيْرِهِ لَهُ لِرِضَاهُ بِذِمَّتِهِ فَالتَّعَلُّقُ بِرَقَبَتِهِ طَرِيقٌ وَسَطٌ فِي رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبِ انْفَكَّ مِنْهُ بِقِسْطِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا ، وَيُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا الْوَاجِبَ بِجِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ مُضَافَةٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إذَا أَوْجَبَتْهُ الْجِنَايَةُ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ ( لَا مَعَ ذِمَّتِهِ ) .
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالْجِنَايَةِ ، وَإِلَّا لَمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَدُيُونِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ لَا يَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ نَعَمْ إنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ تَعَلَّقَ وَاجِبُهَا بِذِمَّتِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ جِنَايَةَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْآمِرِ وَالْمُبَعَّضِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبِ جِنَايَتِهِ بِنِسْبَةِ حُرِّيَّتِهِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَاقِي وَاجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حِصَّتَيْ وَاجِبِهَا وَالْقِيمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( ، وَلَا يُبَاعُ ) فِي وَاجِبِ الْجِنَايَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَا يُبَاعُ ( مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ ) الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ ( إلَّا بِإِذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ ( أَوْ ضَرُورَةٍ ) كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضَهُ ( وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ ، وَقِيمَةُ يَوْمِ الْجِنَايَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ الْقِيمَةَ
فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ ، وَهِيَ بَدَلُهَا أَوْ الْأَرْشُ فَهُوَ الْوَاجِبُ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَمَا حَكَى عَنْ النَّصِّ لِتَوَجُّهِ طَلَبِ الْفِدَاءِ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمُ تَعَلُّقِهَا وَاعْتَبَرَ الْقَفَّالُ يَوْمَ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ، وَحُمِلَ النَّصُّ عَلَى مَا لَوْ مَنَعَ بَيْعَهُ حَالَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ هُوَ الْأَوْجَهُ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ مُتَّجَهٌ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي إرْشَادِهِ وَشَرْحِهِ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : الطَّرَفُ الرَّابِعُ جِنَايَةُ الرَّقِيقِ ) أَيْ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ كَأَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ غَيْرُ سَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَرَّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ سُئِلْت عَنْ مُبَعَّضٍ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ ، وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ أَمْ لَا ، وَمَنْ ذَكَرَهَا ؟ .
فَأَجَبْت بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَدَ الْمُبَعَّضِ مَضْمُونَةٌ بِرُبْعِ الدِّيَةِ ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ الْحُرِّيَّةَ وَرُبْعُ الْقِيمَةُ ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ الرِّقَّ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَ رُبْعُ الدِّيَةِ الْمُقَابِلُ لِلْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ ، وَأَمَّا رُبْعُ الْقِيمَةِ الْمُقَابِلُ لِلرِّقِّ فَكَأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ حُرٌّ ، وَعَبْدُ السَّيِّدِ فَسَقَطَ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ عَبْدِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ وَبَقِيَ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ الْحُرِّ ، وَهُوَ ثَمَنُ الْقِيمَةِ ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى هَذَا الْمُبَعَّضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ تَحَصَّلَ بِمُهَايَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْهُ مَالَهُ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا شَيْءَ مَعَهُ بَقِيَ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ قُلْته تَفَقُّهًا ، وَلَمْ أُرَاجِعْ الْأُمَّهَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ ) حَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ قَوْلُهُ : كَمَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا ) بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِ ( قَوْلُهُ : لَا مَعَ ذِمَّتِهِ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِأَنَّهُ جَنَى عَلَى عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ جِنَايَةً خَطَأً ، وَقَالَ الْعَبْدُ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ سَيِّدُهُ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ ، وَالتَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنْ لَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ التَّعَلُّقِ ( قَوْلُهُ : عَلَى الْآمِرِ ) فَيَفْدِيهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ ( قَوْلُهُ : وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ إلَخْ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَسَائِلَ إحْدَاهَا مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ ، وَأَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ ، قَالَ فَلَا يَفْدِيهِ بِالْأَقَلِّ بَلْ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ الثَّانِيَةُ إذَا اطَّلَعَ السَّيِّدُ عَلَى اللُّقَطَةِ فِي يَدِ الْعَبْدِ ، وَأَقَرَّهَا ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ أَوْ أَتْلَفَهَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُقِرَّهَا عِنْدَهُ ، وَلَكِنَّهُ أَهْمَلَهُ ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا عَلَى الْأَصَحِّ الْمُعْتَمَدِ ، وَهُوَ مَنْقُولُ الرَّبِيعِ ( قَوْلُهُ : وَقِيمَةُ يَوْمِ الْجِنَايَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْبُلْقِينِيِّ .
( وَإِنْ جَنَى ) الْعَبْدُ ثَانِيًا ( قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَرْشُ فَيَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا أَوْ الْقِيمَةِ ) ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَوَزَّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ جَنَى ثَانِيًا بَعْدَ الْفِدَاءِ ، وَقَبْلَ الْبَيْعِ سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ فَدَاهُ ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَيْرُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ ( وَكَذَا إنْ قَتَلَهُ ) سَيِّدُهُ ( أَوْ أَعْتَقَهُ ) وَنَفَّذْنَا عِتْقَهُ ( بَعْدَ جِنَايَاتٍ فَدَاهُ ) لِمَنْعِهِ مِنْ بَيْعِهِ ( بِالْأَقَلِّ ) مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ ( وَإِنْ مَاتَ ) الْجَانِي ( أَوْ هَرَبَ فَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ إلَّا إنْ كَانَ ) قَدْ ( مَنَعَ مِنْهُ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ فَيَفْدِيهِ أَوْ يُحْضِرُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ) ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَيَفْدِيهِ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَلَيْسَ الْوَطْءُ ) لِأَمَتِهِ الْجَانِيَةِ ( اخْتِيَارًا لَهُ ) أَيْ لِلْفِدَاءِ إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى الِالْتِزَامِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِخِلَافِهِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَمَّ يَثْبُتُ بِفِعْلِ مَنْ هُوَ لَهُ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِهِ ، وَهُنَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ ( فَإِنْ قُتِلَ الْجَانِي خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِقِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فَإِذَا أُخِذَتْ سَلَّمَهَا السَّيِّدُ أَوْ بَدَلَهَا مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ ( أَوْ عَمْدًا ، وَاقْتَصَّ السَّيِّدُ ) هُوَ جَائِزٌ لَهُ ( لَزِمَهُ الْفِدَاءُ ) لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْبَيْعِ إلَخْ ) مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ لَزِمَهُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِهَا وَالْقِيمَةُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ مَنْعُ الْبَيْعِ مَعَ الْجِنَايَةِ ، وَلَمْ يَخْتَرْ الْفِدَاءَ لَا يَلْزَمُهُ فِدَاءُ كُلِّ جِنَايَةٍ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ش ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي إلَّا إنْ كَانَ مُنِعَ مِنْهُ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ ( قَوْلُهُ : وَنَفَّذْنَا عِتْقَهُ ) بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ بَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ فِدَاءَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ أَوْ تَأَخَّرَ لِفَلَسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ فُسِخَ الْبَيْعُ ، وَبِيعَ فِيهَا ( قَوْلُهُ : فَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ ) شَمِلَ مَا لَوْ عَلِمَ السَّيِّدُ مَوْضِعَهُ ، وَقَدَرَ عَلَى إحْضَارِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ ( قَوْلُهُ : فَيَفْدِيهِ ) أَيْ لِكُلِّ جِنَايَةٍ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِهَا ، وَقِيمَتِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الرُّجُوعِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَبْدِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنْ ، قَالَ أَنَا أُسَلِّمُهُ ، وَأَغْرَمُ النَّقْصَ قُبِلَ ، وَلَوْ كَانَ يَتَأَخَّرُ بَيْعُهُ تَأَخُّرًا يَضُرُّ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَأَنْ أَبَقَ أَوْ هَرَبَ وَلِلسَّيِّدِ أَمْوَالٌ غَيْرُهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَطْعًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : مَحَلُّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَزِمَهُ الْفِدَاءُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ ) ، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يُنْظَرَ فِي وُجُوبِ الْفِدَاءِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْقَوَدُ عَيْنًا أَيْ فَلَا
يَلْزَمُهُ عَلَى الثَّانِي وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ : لَزِمَهُ الْفِدَاءُ أَيْ إنْ كَانَ قَدْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ أَوْ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهُوَ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ .
( فَصْلٌ : يَفْدِي السَّيِّدُ ) وُجُوبًا ( أُمَّ الْوَلَدِ ) ، وَإِنْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لِمَنْعِهِ بَيْعَهَا بِالْإِيلَادِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا بِخِلَافِ مَوْتِ الْعَبْدِ لِتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا مَاتَ بِلَا تَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ ، وَلَا فِدَاءَ ( بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ وَ ) مِنْ ( قِيمَتِهَا يَوْمَ جِنَايَتِهَا ) لَا يَوْمَ إحْبَالِهَا اعْتِبَارًا بِوَقْتِ لُزُومِ فِدَائِهَا وَوَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهَا الْمَمْنُوعِ بِالْإِحْبَالِ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الْأَمَةَ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِحْبَالِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ بَيْعَهَا حَالَ الْجِنَايَةِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ ، وَكَالْمُسْتَوْلَدَةِ الْمَوْقُوفُ لِمَنْعِ الْوَاقِفِ بَيْعَهُ بِوَقْفِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ كَذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهَا ، وَيُشْبِهُ الْقَطْعَ بِهِ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّقِ بِرَقَبَتِهَا قُلْت إنَّمَا يُشْبِهُ الْقَطْعَ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ بَيْعَهَا ( فَإِذَا تَكَرَّرَتْ جِنَايَتُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فِدَاءٌ وَاحِدٌ ) ، وَإِنْ فَدَى الْأُولَى قَبْلَ جِنَايَاتِهَا الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ إحْبَالَهُ إتْلَافٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ( فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْأَرْشُ ) الْحَاصِلُ بِجِنَايَاتِهَا ( الْقِيمَةَ شَارَكَ كُلُّ ذِي جِنَايَةٍ تَحْدُثُ مِنْهَا مَنْ ) جَنَتْ عَلَيْهِ ( قَبْلَهُ فِيهَا ) أَيْ شَارَكَهُ فِي قِيمَتِهَا .
فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَجَنَتْ جِنَايَتَيْنِ ، وَأَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَبَضَ الْأَلْفَ اسْتَرَدَّ مِنْهُ الثَّانِي نِصْفَهُ أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهُ أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ أَلْفٌ وَالْأُولَى خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهَا ، وَمِنْ السَّيِّدِ خَمْسَمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ لِيَصِيرَ
مَعَهُ ثُلُثَا الْأَلْفِ ، وَمَعَ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ ( كَدُيُونِ الْمَيِّتِ ) إذَا قُسِمَتْ تَرِكَتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ حَدَثَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَهَلَكَ بِهَا شَيْءٌ فَيُزَاحِمُ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ ، وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ .
( قَوْلُهُ : يَفْدِي السَّيِّدُ أُمَّ الْوَلَدِ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ أُمَّ وَلَدِهِ الَّتِي تُبَاعُ كَأَنْ اسْتَوْلَدَهَا ، وَهِيَ مَرْهُونَةٌ رَهْنًا لَازِمًا ، وَهُوَ مُعْسِرٌ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِالرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا ، قَالَ الرَّاهِنُ أَنَا أَفْدِيهَا عَلَى صُورَةٍ لَا يَكُونُ فِيهَا مُوسِرًا يَسَارًا يَنْفُذُ بِهِ الِاسْتِيلَادُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ اسْتَمَرَّتْ مَرْهُونَةً ، وَإِنْ بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ اسْتَمَرَّ الرِّقُّ فِي حَقِّ مُشْتَرِيهَا ( قَوْلُهُ : وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الْأَمَةَ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا ) أَيْ مُوسِرًا ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا إلَخْ ) هَذَا جَارٍ عَلَى رَأْيِ الْقَفَّالِ أَمَّا عَلَى النَّصِّ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْجِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهَا ) أَيْ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ فِي جِنَايَتِهَا لَا حَيْثُ لَزِمَ الدَّيْنُ ذِمَّتَهَا بِمُعَامَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا إذْ كَلَامُهُ فِي الْجِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : قُلْت بَلْ إنَّمَا يُشْبِهُ الْقَطْعَ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْأَرْشُ الْقِيمَةَ شَارَكَ كُلُّ ذِي جِنَايَةٍ تَحْدُثُ إلَخْ ) فَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إيلَادُهَا لِإِعْسَارِهِ كَمَرْهُونَةٍ فَدَاهَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ بِالْأَقَلِّ .
( وَحَمْلُ الْجَانِيَةِ ) غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ ( لِلسَّيِّدِ لَا ) يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَرْشُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ الْجِنَايَةِ أَمْ حَدَثَ بَعْدَهَا ( فَلَا تُبَاعُ حَتَّى تَضَعَ ) إذْ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ السَّيِّدِ عَلَى بَيْعِ الْحَمْلِ ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ ( فَإِنْ لَمْ يَفْدِهَا ) بَعْدَ وَضْعِهَا ( بِيعَا ) مَعًا ( وَأَخَذَ ) السَّيِّدُ ( ثَمَنَ الْوَلَدِ ) أَيْ حِصَّتَهُ ، وَأَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ ( وَإِنَّمَا يُبَاعُ الْجَانِي بِالْأَرْشِ النَّقْدِ لَا الْإِبِلِ ، وَلَوْ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لَوْ لَمْ يَفْدِ السَّيِّدُ الْجَانِيَ ، وَلَا سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ بَاعَهُ الْقَاضِي وَصَرَفَ الثَّمَنَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ بِالْأَرْشِ جَازَ إنْ كَانَ نَقْدًا ، وَكَذَا بِلَا ، وَقُلْنَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا .
( الْبَابُ السَّادِسُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ ) .
وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ } بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ ، وَتَنْوِينُهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا ( وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ الْمُوجِبُ ، وَهُوَ كُلُّ جِنَايَةٍ تُوجِبُ انْفِصَالَهُ مَيِّتًا ) ، وَهِيَ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ ( فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ) بِهَا ( وَلَمْ يَنْفَصِلْ ) مِنْهَا جَنِينٌ ( فَلَا دِيَةَ ) لَهُ وَإِنْ كَانَ بِهَا انْتِفَاخٌ أَوْ حَرَكَةٌ فِي بَطْنِهَا فَزَالَ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الْجَنِينِ وَلِجَوَازِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ رِيحًا فَانْفَشَّتْ ( وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ ) كَمَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الدِّيَةِ ( وَلَوْ عُلِمَ مَوْتُهُ بِخُرُوجِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ ) كَرُؤْيَتِهِ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ قَدِّهَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ ( فَكَالْمُنْفَصِلِ ) سَوَاءٌ أَجَنَى عَلَيْهَا بَعْدَ خُرُوجِ رَأْسِهِ أَمْ قَبْلَهُ ، وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا أَمْ لَا لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ وَذِكْرُ الْأَصْلِ مَوْتَ الْأُمِّ تَصْوِيرٌ لَا تَقْيِيدٌ ( وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا فَإِنْ بَقِيَ زَمَانًا لَا يَتَأَلَّمُ ) فِيهِ ( ثُمَّ مَاتَ فَلَا شَيْءَ ) عَلَى الْجَانِي سَوَاءٌ أَزَالَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ عَنْ أُمِّهِ قَبْلَ إلْقَائِهِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ( أَوْ ) بَقِيَ زَمَانًا ( يَتَأَلَّمُ ) فِيهِ حَتَّى مَاتَ ( أَوْ مَاتَ فِي الْحَالِ أَوْ تَحَرَّكَ ) تَحَرُّكًا شَدِيدًا كَقَبْضِ يَدٍ وَبَسْطِهَا ( وَلَوْ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ لَا اخْتِلَاجًا ) فَمَاتَ ( فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ ) عَلَى الْجَانِي ( وَلَوْ ) انْفَصَلَ الْجَنِينُ ( لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اخْتِلَاجِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِشَارًا بِسَبَبِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَضِيقِ .
( الْبَابُ السَّادِسُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ ) ( قَوْلُهُ وَبِتَنْوِينِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا ) ، وَهُوَ أَجْوَدُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ كُلُّ جِنَايَةٍ تُوجِبُ انْفِصَالَهُ ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ فَاشْتَكَاهُ إلَى الْوَالِي ، وَجَاءَ بِرَسُولٍ مِنْ عِنْدِهِ إلَى بَيْتِ أُخْتِ الْمُتْلِفِ فَأَخَذَاهَا لِتُرِيَهُمَا بَيْتَ أَخِيهَا فَأَجْهَضَتْ جَنِينًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ الطَّرْحَ مِنْ إفْزَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ ) أَيْ انْفِصَالُهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا إلَخْ ) أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ وَصَاحَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ فَالْأَرْجَحُ فِيهَا إيجَابُ الْغُرَّةِ ، وَلَا أَرْشَ لَهُ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ ر ( قَوْلُهُ : أَوْ بَقِيَ زَمَنًا يَتَأَلَّمُ ) لَمْ يَعْتَبِرُوا مَعَ الْأَلَمِ الْوَرَمَ ، وَهُوَ يَشْهَدُ لِمَا تَقَدَّمَ تَصْحِيحُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَةِ عَنْ شَرْحِ الْوَسِيطِ .
( وَإِنْ حَزَّهُ شَخْصٌ ، وَقَدْ انْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ ) ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً ( أَوْ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ فَالْقِصَاصُ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ ( فَالْقَاتِلُ ) لَهُ هُوَ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَازِّ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَالْقَاتِلُ لَهُ هُوَ الْأَوَّلُ ) لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِهِمَا فِي الْفَرَائِضِ وَالْعَدَدِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ بِقَوْلِهِ : وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ فَحَزَّ شَخْصٌ رَأْسَهُ أَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالْقِصَاصِ مِنْ وُجُوبِهِ عَلَى الْقَادِّ فِيمَا إذَا أَلْقَى شَخْصٌ شَخْصًا مِنْ شَاهِقٍ لَوْ وَصَلَ إلَى الْأَرْضِ لَمَاتَ لَا مَحَالَةَ فَتَلَقَّاهُ شَخْصٌ بِسَيْفٍ قَبْلَ وُصُولِهِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْحَيَاةُ إلَى تَمَامِ الِانْفِصَالِ فَلَيْسَ كَمَسْأَلَةِ حَزِّ الرَّقَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَيْسَ ضَرْبُ بَطْنِ أُمِّهِ كَحَزِّ رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ بَطْنِ الْأُمِّ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْجَنِينِ مُحَقَّقَةً وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْجَنِينِ فَلَيْسَ جِنَايَةً قَاطِعَةً لِحَيَاةٍ مُحَقَّقَةٍ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْغُرَّةَ لِكَوْنِهِ دَافِعًا لِلْحَيَاةِ الَّتِي الْجَنِينُ يَنْتَهِي إلَيْهَا ، وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَلَا تَنْقَضِي بِخُرُوجِ بَعْضِ الْجَنِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ، وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْحَمْلِ .
( وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّهُ آخَرُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالصِّيَاحِ حَيَاتَهُ ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ فَغُرَّتَانِ ) فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَا مُنْفَرِدَيْنِ ( أَوْ ) جَنِينَيْنِ ( أَحَدُهُمَا حَيٌّ وَمَاتَ ) وَالْآخَرُ مَيِّتٌ ( فَدِيَةٌ ) لِلْأَوَّلِ ( وَغُرَّةٌ ) لِلثَّانِي ( أَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي الضَّرْبِ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا ) كَمَا فِي الدِّيَةِ ( وَإِنْ ضَرَبَهَا فَمَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْهُ ) مَيِّتًا ( وَجَبَتْ الْغُرَّةُ ) كَمَا لَوْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا ؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يَدْخُلُ ضَمَانُهُ فِي ضَمَانِهَا ( وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيِّتَةٍ ، وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَهَدَرٌ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِمَوْتِهَا ، وَقِيلَ تَجِبُ غُرَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَكُونُ بِالشَّكِّ قَالَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حَيَاتَهُ حَتَّى نَقُولَ الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا .
( قَوْلُهُ : وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا أَلْقَتْهُ فِي الْحَالِ ، وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَلْقَتْهُ بَعْدَ زَمَانٍ ، وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوقِهِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فَقَالَ إنْ أَلْقَتْهُ عَنْ قُرْبٍ ، وَجَبَتْ الْغُرَّةُ وَإِنْ أَلْقَتْهُ عَنْ بُعْدٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَلْقَتْ الْمَضْرُوبَةُ يَدًا وَمَاتَتْ فَغُرَّةٌ ) تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْيَدَ بَانَتْ بِالْجِنَايَةِ وَخَرَجَ بِمَاتَتْ مَا لَوْ عَاشَتْ ، وَلَمْ تُلْقِ جَنِينًا فَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ غُرَّتِهِ كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فِيهَا إلَّا نِصْفُ دِيَتِهِ ، وَلَا يَضْمَنُ بَاقِيهِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ ( كَيَدَيْنِ ) أَلْقَتْهُمَا وَمَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ فَيَجِبُ فِيهِمَا غُرَّةٌ ( وَكَذَا ) لَوْ أَلْقَتْ ( ثَلَاثًا ، وَأَرْبَعًا ) مِنْ الْأَيْدِي أَوْ وَالْأَرْجُلِ ( وَرَأْسَيْنِ ) لِإِمْكَانِ كَوْنِهِمَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا زَائِدٌ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِامْرَأَةٍ لَهَا رَأْسَانِ فَنَكَحَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الثَّالِثِ فَأَكْثَرَ حُكُومَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَخَرَجَ بِمَاتَتْ مَا لَوْ عَاشَتْ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا إذَا مَضَى بَعْدَ الْإِلْقَاءِ زَمَنٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الْجَنِينَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَلْقَتْهُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّهَا لَوْ أَلْقَتْ يَدًا وَمَاتَتْ ، وَجَبَتْ الْغُرَّةُ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِ يَعْنِي الْمِنْهَاجَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَمُوتَ بَعْدَ إلْقَاءِ الْيَدِ أَوْ تَعِيشَ وَاَلَّذِي صَوَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْمَوْتِ ( قَوْلُهُ : لِإِمْكَانِ كَوْنِهِمَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ ) قِيلَ وَإِنْ تَصَوَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاسْتُؤْذِنَتْ فَأَجَابَ الْوَجْهَ الدَّاخِلَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الَّذِي يَلِي الْفَرْجَ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلِيُّ عَادَةً وَالْآخَرُ زَائِدٌ بِالِانْحِرَافِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الثَّالِثِ فَأَكْثَرَ حُكُومَةٌ ) مَا تَفْقَهُهُ مَرْدُودٌ بِمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَبِأَنَّ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ كَالدِّيَةِ فِيمَنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ غَيْرَ الْغُرَّةِ إذْ هِيَ بِمَثَابَةِ الدِّيَةِ فِي غَيْرِهِ فَكَمَا لَا تَقْتَضِي زِيَادَةُ الْأَعْضَاءِ وُجُوبَ زَائِدٍ عَلَى الدِّيَةِ فَكَذَا لَا تَقْتَضِي زِيَادَةً عَلَى الْغُرَّةِ ، وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ فَقَطْ .
( وَإِنْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ ) ، وَلَوْ مُلْتَصِقَيْنِ ( فَغُرَّتَانِ ) إذْ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَنَانِ فَالْبَدَنَانِ حَقِيقَةً يَسْتَلْزِمَانِ رَأْسَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَأْسٌ فَالْمَجْمُوعُ بَدَنٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ إلَّا غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ ( وَإِنْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا بِلَا يَدٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَزَوَالِ الْأَلَمِ ) مِنْ الْأُمِّ ( فَغُرَّةٌ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَدَ مُبَانَةٌ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ ( أَوْ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَدِيَةٌ وَدَخَلَ ) فِيهَا ( أَرْشُ الْيَدِ فَإِنْ عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ فَنِصْفُ دِيَةٍ ) لِلْيَدِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَشْهَدْ الْقَوَابِلُ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَعْلَمْ ( فَنِصْفُ غُرَّةٍ ) لِلْيَدِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا حَيْثُ لَا تُرَاجَعُ الْقَوَابِلُ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْحَيَاةُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ ، وَهُنَا انْفَصَلَ حَيًّا فَيُنْظَرُ فِي أَنَّ الْيَدَ انْفَصَلَتْ ، وَهُوَ حَيٌّ أَوَّلًا ( أَوْ ) أَلْقَتْهُ بَعْدَ ( الِانْدِمَالِ وَزَوَالِ الْأَلَمِ أُهْدِرَ الْجَنِينُ ) حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا لِزَوَالِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ ( وَوَجَبَ لِلْيَدِ ) الْمُلْقَاةِ قَبْلَهُ ( إنْ خَرَجَ مَيِّتًا نِصْفُ غُرَّةٍ ) كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ تُضْمَنُ بِنِصْفِ دِيَتِهِ ( أَوْ حَيًّا ) وَمَاتَ أَوْ عَاشَ ( نِصْفُ دِيَةٍ إنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ ) أَوْ عُلِمَ ( كَمَا سَبَقَ ) أَيْ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ ، وَقِيلَ يَجِبُ نِصْفُ غُرَّةٍ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُ حَيٍّ فَانْدَمَلَ ثُمَّ مَاتَ يَجِبُ نِصْفُ دِيَتِهِ ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : ؟ وَإِنْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ فَغُرَّتَانِ ) ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ تَجِبُ غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَحَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَّصِلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ عَلَّلَ وُجُوبَ الْغُرَّتَيْنِ بِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَنَانِ مُنْفَصِلَانِ إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْبَدَنَيْنِ الْمُنْفَصِلَيْنِ ، وَقَالَ ابْنُ الْقِطَّانِ فِي فُرُوعِهِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ مُلْتَزِقَيْنِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَحَجْبِ الْأُمِّ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهَا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا لَا يُخَالِفُ كَلَامَ غَيْرِهِ .
ا هـ .
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا مَيِّتًا بِلَا يَدٍ إلَخْ ) وَإِنْ كَانَ كَامِلَ الْيَدَيْنِ فَالْيَدُ مِنْ غَيْرِهِ فَتَلْزَمُهُ غُرَّتَانِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْجَنِينِ أَثَرُ الزِّيَادَةِ فَغُرَّةٌ وَاحِدَةٌ .
( وَإِنْ انْفَصَلَ ) بَعْدَ إلْقَاءِ الْيَدِ ( مَيِّتًا كَامِلَ الْأَطْرَافِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلَا شَيْءَ ) فِيهِ ، وَأَمَّا الْيَدُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ فِيهَا حُكُومَةً لَا غُرَّةً لِلِاحْتِمَالِ الْآتِي ( أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ ) فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْيَدَ الَّتِي أَلْقَتْهَا كَانَتْ زَائِدَةً لِهَذَا الْجَنِينِ وَانْمَحَقَ أَثَرُهَا ( أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ ) لَا غُرَّةٌ كَمَا ، وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ( ، وَإِنْ عَاشَ فَحُكُومَةٌ ) كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ ( وَتَأَخُّرُ الْيَدِ عَنْ الْجَنِينِ ) إلْقَاءً ( كَتَقَدُّمِهَا ) كَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْيَدُ فَالْأَوْجَهُ فِيهَا حُكُومَةٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا هَذَا غَيْرُ مُفَرَّعٍ عَلَى بَحْثِ الشَّارِحِ السَّابِقِ قَرِيبًا الَّذِي رَدَّهُ الْوَالِدُ إذْ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ غُرَّةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا ، وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا لَمْ تُوجِبْهَا فَلَا تَكُونُ هَدْرًا ( قَوْلُهُ : كَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ) هَذَا ، وَهْمٌ لَيْسَ فِي الرَّافِعِيِّ
( وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قَبْلَ الِانْدِمَالِ بِلَا يَدٍ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا ) ، وَقَوْلُهُ قَبْلُ صِلَةُ ضَرَبَهَا ( أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَاشَ ) وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّ الْيَدَ يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ ( فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَعَلَى الثَّانِي التَّعْزِيرُ ) فَقَطْ ( أَوْ ) ضَرَبَهَا الْآخَرُ ( بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَانْفَصَلَ مَيِّتًا فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ غُرَّةٍ ، وَعَلَى الثَّانِي غُرَّةٌ ) كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَانْدَمَلَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرَ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةٍ ، وَعَلَى الثَّانِي دِيَةٌ ( أَوْ حَيًّا فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ سَوَاءٌ عَاشَ أَمْ لَا ) التَّصْرِيحُ بِالتَّسْوِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي إنْ عَاشَ ) الْجَنِينُ ( إلَّا التَّعْزِيرُ ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَإِنْ انْفَصَلَ كَامِلَ الْأَطْرَافِ ، وَكَانَ ضَرْبُ الثَّانِي قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِمَا الْغُرَّةُ أَوْ حَيًّا ، وَعَاشَ فَعَلَى الْأَوَّلِ حُكُومَةٌ ) لِلْيَدِ لِلِاحْتِمَالِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الضَّارِبُ ( وَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي إلَّا التَّعْزِيرُ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ ) فَلَوْ كَانَ ضَرْبُ الثَّانِي بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا غُرَّةٌ أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ أَوْ عَاشَ فَالتَّعْزِيرُ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ حُكُومَةٌ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْجَنِينِ ) الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ ( وَوَصْفُهُ كَمَا ) ذَكَرَهُ ( فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي الْعُدَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ ، وَلَوْ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ أَوْ لَمْ تَظْهَرْ لَكِنْ قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ لَا إنْ قُلْنَ لَوْ بَقِيَ لَتُصُوِّرَ ، وَلَا إنْ شَكَكْنَ فِي أَنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ ( وَيُشْتَرَطُ ) فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ الْكَامِلَةِ فِيهِ ( الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ فَلَوْ كَانَ مِنْ كِتَابِيَّيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوَثَنِيٍّ ) أَوْ نَحْوِهِ ( فَثُلُثُ غُرَّةِ مُسْلِمٍ ) تَجِبُ فِيهِ كَمَا فِي دِيَتِهِ ( أَوْ مِنْ مَجُوسِيَّيْنِ ) أَوْ نَحْوِهِمَا ( فَثُلُثَا عُشْرِهَا ) أَيْ ثُلُثُ خُمُسِهَا يَجِبُ فِيهِ لِذَلِكَ ( وَيَشْتَرِي بِهَا ) الْأَوْلَى بِهِ أَيْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ ( غُرَّةٌ ) تَعْدِلُ بَعِيرًا ، وَثُلُثَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَثُلُثَ بَعِيرٍ فِي الثَّانِي ( وَإِنْ تَعَذَّرَتْ ) أَيْ الْغُرَّةُ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ بِذَلِكَ ( فَالْإِبِلُ ) إنْ وُجِدَتْ ( أَوْ الدَّرَاهِمُ ) إنْ لَمْ تُوجَدْ تَجِبُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لَمْ تَظْهَرْ لَكِنْ قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ ) لَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ السِّقْطُ جَنِينًا فِيهِ غُرَّةٌ أَنْ يَبِينَ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ يُفَارِقُ الْمُضْغَةَ أَوْ الْعَلَقَةَ إصْبَعٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا بَانَ مِنْ خَلْقِ ابْنِ آدَمَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا بَانَ ، وَلَوْ لِلْقَوَابِلِ وَكَتَبَ أَيْضًا ، وَتَظْهَرُ الصُّورَةُ الْخَفِيَّةُ بِوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي دِيَتِهِ ) فَتَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا ثُلُثُ غُرَّةِ مُسْلِمٍ .
( وَإِنْ وَطِئَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً ) بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ ، وَأَلْقَتْ جَنِينًا بِجِنَايَةٍ ( وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا فَلَهُ حُكْمُهُ ، وَإِنْ أُشْكِلَ ) الْأَمْرُ ( أَخَذَ الْأَقَلَّ ) ، وَهُوَ الثُّلُثُ ( وَوَقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا ) أَوْ يَنْكَشِفَ الْحَالُ ( وَلَوْ أَرَادَ الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى ثُلُثِ الْمَوْقُوفِ مُنِعَا ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ لِلْمُسْلِمِ لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ ( أَوْ ) أَرَادَ ( الذِّمِّيَّةُ وَالْمُسْلِمُ ) أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ ( جَازَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْجَنِينُ كَافِرًا فَالثُّلُثُ ) أَيْ ثُلُثُ الْمَوْقُوفِ ( لِأُمِّهِ فَلَهَا أَنْ تُصَالِحَ الْمُسْلِمَ ) عَلَيْهِ ( وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَالْكُلُّ لَهُ ) أَيْ لِلْوَاطِئِ الْمُسْلِمِ ( فَالْحَقُّ فِيهِ لَا يَعْدُوهُمَا ) فَلَا حَقَّ فِيهِ لِلذِّمِّيِّ ( وَجَنِينُ الْمُرْتَدَّةِ ) الَّتِي حَبِلَتْ بِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ ( مُسْلِمٌ ) فَتَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ ( فَلَوْ أَحْبَلَهَا مُرْتَدٌّ ) أَوْ غَيْرُهُ لَكِنْ بِزِنًا ( فِي ) حَالٍ ( رِدَّتِهَا ) ، وَأَلْقَتْ جَنِينًا بِجِنَايَةٍ ( فَهَدَرٌ ) كَجَنِينِ الْحَرْبِيِّينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ مُرْتَدَّيْنِ كَافِرٌ .
( قَوْلُهُ : بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ مُرْتَدَّيْنِ كَافِرٌ ) ، وَأَمَّا فِي إحْبَالِ غَيْرِ الْمُرْتَدِّ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَلِعَدَمِ نِسْبَةِ الْجَنِينِ إلَيْهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( عَتَقَتْ ) أَمَةٌ حُبْلَى أُجْهِضَتْ جَنِينًا بِجِنَايَةٍ ( بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْإِجْهَاضِ ) لَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْتِ الْعَتِيقَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ ( أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْجَنِينِ الذِّمِّيِّ ) ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ وَثَنِيًّا أَوْ نَحْوَهُ ( فَغُرَّةٌ ) كَامِلَةٌ تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ بِالْمَآلِ ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالذِّمِّيِّينَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ حَذَفَ الْوَصْفَ بِالذِّمِّيِّ كَانَ أَوْلَى ( وَلِسَيِّدِهَا ) أَيْ الْأَمَةِ ( مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ مِنْ الْغُرَّةِ ( الْأَقَلُّ مِنْ الْغُرَّةِ ، وَ ) مِنْ ( عُشْرُ الْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَةِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهَا أَوْ الْعُشْرُ أَقَلُّ فَهُوَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ السَّيِّدُ وَمَا زَادَ بِالْحُرِّيَّةِ ( فَلَوْ كَانَتْ ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا ( حَرْبِيَّةً أَوْ الْجَانِي ) عَلَى الْأَمَةِ قَبْلَ عِتْقِهَا ( السَّيِّدُ ) ، وَجَنِينُهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ ( فَهَدَرٌ ، وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ مِنْ زَوْجٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي ابْتِدَاءً .
( قَوْلُهُ : فَلَوْ كَانَتْ حَرْبِيَّةً ) إنْ كَانَ جَنِينُهَا مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مِنْ زِنًا وَإِلَّا فَهُوَ مَضْمُونٌ .
( فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ الرَّقِيقِ ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى ( عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ ) عَلَى وِزَانِ اعْتِبَارِ الْغُرَّةِ فِي الْحُرِّ بِعُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ فِي نَفْسِهِ بِتَقْدِيرِ الْحَيَاةِ فِيهِ بَلْ قِيمَةُ أُمِّهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا وَيَجِبُ ذَلِكَ ( عَلَى الْعَاقِلَةِ ) كَمَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ ( فَلَوْ أَلْقَتْ ) أَيْ الْأَمَةُ بِجِنَايَةٍ ( جَنِينًا ) مَيِّتًا ( فَعَتَقَتْ ثُمَّ ) أَلْقَتْ ( آخَرَ فَفِي الْأَوَّلِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَفِي الثَّانِي غُرَّةٌ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ ( وَيُعْتَبَرُ ) فِي عُشْرِ قِيمَتِهَا ( أَكْثَرُ قِيمَتِهَا ) وَفِي نُسْخَةٍ قِيَمُهَا ( مِنْ الْجِنَايَةِ إلَى الْإِجْهَاضِ مَعَ تَقْدِيرِ إسْلَامِ الْكَافِرَةِ وَرِقِّ الْحُرَّةِ وَسَلَامَةِ الْمَعِيبَةِ ) إذَا كَانَ الْجَنِينُ بِخِلَافِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ ، وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِرَجُلٍ وَالْجَنِينُ لِآخَرَ بِوَصِيَّةٍ فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا ( فَإِنْ كَانَ لِلْجَانِي نِصْفُ الْأُمِّ ) الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا ، وَجَنِينُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا ( فَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ) وَيَهْدُرُ نَصِيبَهُ .
( قَوْلُهُ : فِي الْجَنِينِ الرَّقِيقِ إلَخْ ) خَرَجَ بِالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ د ، وَقَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي جُزْءِ الْحُرِّيَّةِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْغُرَّةِ وَفِي جُزْءِ الرِّقِّ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ : إذَا كَانَ الْجَنِينُ بِخِلَافِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ ) فَتُقَدَّرُ سَلِيمَةً فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَعِيبًا ( قَوْلُهُ : فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِهِ الْوَارِثُ كا .
( وَإِنْ ضَرَبَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا عَتَقَ نَصِيبَهُ ) مِنْ الْأُمِّ وَالْجَنِينِ ( وَعَلَيْهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِشَرِيكِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ لِمَا عَتَقَ ) مِنْ الْجَنِينِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ كَانَ مِلْكَهُ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمُعْتِقُ ( مُوسِرًا وَحَكَمْنَا بِعِتْقِهَا عَلَيْهِ فَلِشَرِيكِهِ ) عَلَيْهِ ( نِصْفُ قِيمَتِهَا حَامِلًا ) ، وَلَا يُفْرِدُ الْجَنِينَ بِقِيمَةٍ بَلْ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي التَّقْوِيمِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ ( وَيَلْزَمُهُ ) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ( غُرَّةٌ ) أَيْ نِصْفُهَا ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ ( لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ دُونَهُ ) أَيْ الْمُعْتِقِ ( لِأَنَّهُ قَاتِلٌ ، وَإِنْ أَعْتَقَ ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( نَصِيبَهُ ) مِنْهَا ( ثُمَّ جَنَى ) عَلَيْهَا ( مُعْسِرًا فَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ ، وَ ) عَلَيْهِ ( لِمَا عَتَقَ مِنْ الْجَنِينِ نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَلِلْجَنِينِ غُرَّةٌ لِوَرَثَتِهِ أَوْ جَنَى ) عَلَيْهَا بَعْدَ إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ ( الشَّرِيكُ الْآخَرُ وَالْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ غُرَّةٍ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ أَوْ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ لِلْجَانِي نِصْفُ قِيمَتِهَا حَامِلًا ، وَعَلَى الْجَانِي غُرَّةٌ ) لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ ( أَوْ ) أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ( وَالْجَانِي أَجْنَبِيٌّ وَالْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ غُرَّةٍ ) لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ ( وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ ) لَلشَّرِيك الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جَنِينًا نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ ( أَوْ مُوسِرٌ فَغُرَّةٌ ) تَلْزَمُ الْجَانِيَ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جَنِينًا حُرًّا .
( وَإِنْ أُجْهِضَتْ بِجِنَايَةِ الشَّرِيكَيْنِ ) عَلَيْهَا ( فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( عَلَى الْآخَرِ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَنَى عَلَى مِلْكِهِ وَمِلْكِ صَاحِبِهِ وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَلِفَ بِفِعْلِهِمَا فَتُهْدَرُ جِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ ( وَيَتَقَاصَّانِ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ( فَلَوْ أَعْتَقَاهَا مَعًا أَوْ ) أَعْتَقَهَا ( وَكِيلُهُمَا بِكَلِمَةٍ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْإِجْهَاضِ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( رُبْعُ غُرَّةٍ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ ، وَقِيلَ نِصْفُهَا اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ .
وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ ( لِلْأُمِّ مِنْهَا ) الْأَوْلَى مِنْهُ أَيْ مِنْ رُبْعِ الْغُرَّةِ ( الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ ) ، وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ ( فَلَوْ أَعْتَقَاهَا قَبْلَ الْإِجْهَاضِ ) وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ ( وَالْجَانِي أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ ) لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ ( نِصْفُ غُرَّةٍ وَلِشَرِيكِهِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْغُرَّةِ وَنِصْفِ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ ، وَقِيلَ عَلَيْهِ غُرَّةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَتَهُمَا ) فَحَبِلَتْ ( فَأَلْقَتْ جَنِينًا ) مَيِّتًا ( بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ ) عَلَيْهَا ( فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَالْجَنِينُ حُرٌّ ، وَعَلَى الْجَانِي غُرَّةٌ ، وَهِيَ لِمَنْ يَلْحَقُهُ ) الْجَنِينُ ( وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنِصْفُ الْجَنِينِ حُرٌّ ، وَوَجَبَ ) عَلَى الْجَانِي ( نِصْفُ غُرَّةٍ لِمَنْ يَلْحَقُهُ ) الْجَنِينُ ، وَعَلَيْهِ ( لِلْآخَرِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَةِ الْأُمِّ ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا ، وَلَحِقَهُ الْجَنِينُ فَإِنْ لَحِقَ الْمُوسِرُ فَلَهُ غُرَّةٌ ( وَإِنْ قَتَلَتْ مُسْتَوْلَدَةٌ جَنِينَهَا ) الْحَاصِلَ ( مِنْ السَّيِّدِ ) بِأَنْ جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا ( أُهْدِرَ ) لِمَا زَادَهُ عَلَى الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ ( لِأَنَّ الْأُمَّ قَاتِلَةٌ لَا تَرِثُ وَالْأَبُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْمُسْتَوْلَدَةِ شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ( نَعَمْ إنْ كَانَ لَهَا أُمٌّ حُرَّةٌ ) ، وَإِنْ عَلَتْ ( طَالَبَتْ السَّيِّدَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَسُدُسِ الْغُرَّةِ ) .
( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( مَاتَ ) الزَّوْجُ ( وَخَلَّفَ امْرَأَةً حَامِلًا ، وَأَخًا لِأَبٍ ) أَوْ لِأَبَوَيْنِ ( وَأَلْقَتْ جَنِينًا ) مَيِّتًا ( بِجِنَايَةِ عَبْدٍ ) عَلَيْهَا ( مِنْ التَّرِكَةِ فَلَهَا مِنْهُ رُبْعُهُ وَمِنْ الْغُرَّةِ ثُلُثُهَا وَلِلْأَخِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ وَثُلُثَا الْغُرَّةِ فَالْغُرَّةُ مِلْكُهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَبْدِ ، وَهُوَ مِلْكُهُمَا ) أَرْبَاعًا وَالْجَنِينُ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا ( وَالسَّيِّدُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ فَيَسْقُطُ مِنْ نَصِيبِ كُلٍّ ) مِنْ الْأُمِّ وَالْأَخِ ( مِنْ الْغُرَّةِ مَا يُقَابِلُ مِلْكَهُ مِنْ الْعَبْدِ ) وَيُطَالَبُ الْآخَرُ بِمَا بَقِيَ لَهُ إنْ كَانَ فَلِلْأَخِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ فَيَسْقُطُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ يَبْقَى لَهُ رُبْعُهُ مِنْهَا ، وَهُوَ سُدُسٌ يَتَعَلَّقُ بِنَصِيبِ الْأُمِّ مِنْ الْعَبْدِ وَلِلْأُمِّ رُبْعُهُ فَيَسْقُطُ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الْغُرَّةِ رُبْعُهُ يَبْقَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِنْهَا ، وَهُوَ سُدُسٌ وَنِصْفُ سُدُسٍ يَتَعَلَّقُ بِنَصِيبِ الْأَخِ مِنْ الْعَبْدِ فَيَتَقَاصَّانِ فِي سُدُسٍ وَيَبْقَى لَهَا نِصْفُ سُدُسٍ وَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْأَخِ مِنْهَا ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ .
فَقَالَ ( فَإِنْ صَلُحَ ) الْعَبْدُ ( غُرَّةً ) بِأَنْ سَاوَاهَا قِيمَةً كَأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا سِتِّينَ دِينَارًا ( سَقَطَ نَصِيبُ الْأَخِ ) مِنْ الْغُرَّةِ ( كُلُّهُ ) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَرُبْعُهُ بِالتَّقَاصِّ ( وَبَقِيَ لَهَا ) بَعْدَ سُقُوطِ رُبْعِ نَصِيبِهَا مِنْ الْغُرَّةِ وَالتَّقَاصِّ ( نِصْفُ ) سُدُسٍ مِنْ الْغُرَّةِ ( تَأْخُذُهُ مِنْ نَصِيبِهِ ) أَيْ الْأَخِ فَإِنْ سَلَّمَ لَهَا مِقْدَارَهُ مِنْ الْعَبْدِ صَارَ لَهَا ثُلُثُهُ ، وَلَهُ ثُلُثَاهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْعَبْدُ غُرَّةً ( فَإِنَّ ) الْأَوْلَى كَأَنْ ( كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ عِشْرِينَ ) دِينَارًا ( وَالْغُرَّةُ سِتِّينَ بَقِيَ لَهَا ) مِنْ نَصِيبِهَا مِنْهَا ( خَمْسَةَ عَشَرَ تَأْخُذُ فِيهَا نَصِيبَهُ ) مِنْ الْعَبْدِ ( وَ )
قَدْ ( اسْتَوْفَتْ ) حَقَّهَا ( وَبَقِيَ لَهُ ) مِنْ نَصِيبِهِ مِنْهَا ( عَشَرَةٌ يَأْخُذُ فِيهَا نَصِيبَهَا ) مِنْهُ ( وَسَقَطَ الْبَاقِي ) لَهُمَا مِنْ الْغُرَّةِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ مِنْ نَصِيبِ الْأَخِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ نَصِيبِهِ مِنْهَا ، وَتَعَلَّقَتْ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ بِمَا بَقِيَ لِلْأُمِّ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسَةً فَسَقَطَ لَهُ خَمْسَةٌ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ إلَّا بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ ، وَقِيمَةِ نَصِيبِهَا وَسَقَطَ مِمَّا لَهَا مِنْ الْغُرَّةِ رُبْعُهُ ، وَهُوَ خَمْسَةٌ فَقَدْ بَقِيَ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ ، وَلَهُ عَشْرَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ سَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ لِلْآخَرِ انْعَكَسَ قَدْرُ مِلْكَيْهِمَا فَيَصِيرُ لَهُ رُبْعُهُ ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الْأَخِ ابْنًا فَالْغُرَّةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَيْضًا وَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا ، وَقَرَّرَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ : لَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ امْرَأَةً حَامِلًا إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَعَ الْخَلَلُ فِي هَذَا الْفَرْعِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَحَدُهَا قَوْلُهُمَا فَالْأَخُ يَمْلِكُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْغُرَّةِ .
وَوَجْهُ الْخَلَلِ فِي هَذَا أَنَّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْغُرَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ شُيُوعًا ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ شُيُوعًا لَكِنْ لَا يَذْهَبُ الثُّلُثَانِ بِالثُّلُثَيْنِ إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَبْقَى لِلْأَخِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِنَصِيبِ الزَّوْجَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ كُلَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَبْدِ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ الثَّانِي قَوْلُهُمَا فَيَبْقَى نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ مُتَعَلِّقًا بِحِصَّتِهِ هَذَا لَا يُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دِينٌ .
الثَّالِثُ قَوْلُهُ : وَالزَّوْجَةُ تَمْلِكُ رُبْعَ الْعَبْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ رُبْعُ الْغُرَّةِ وَوَجْهُ الْخَلَلِ فِيهِ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ رُبْعُ الْغُرَّةِ شُيُوعًا الرَّابِعُ قَوْلُهُ : يَبْقَى لَهَا نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ هَذَا وَهْمٌ فَالْبَاقِي لَهَا رُبْعُ الْغُرَّةِ مُتَعَلِّقًا بِحِصَّةِ الْأَخِ الْخَامِسِ قَوْلُهُ : لِيَفْدِيَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ سُدُسِ الْغُرَّةِ إلَى الزَّوْجَةِ صَوَابُهُ بِأَنْ يَدْفَعَ رُبْعَ الْغُرَّةِ ، وَلَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِقَضِيَّةِ التَّقَاصِّ ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ ثَمَّ قَالَ أَيْضًا قَوْلُهُ : تَبَعًا لِأَصْلِهِ يَبْقَى نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ مُتَعَلِّقًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّمَا يَبْقَى سُدُسُ الْغُرَّةِ وَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِحِصَّةِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْعَبْدِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَبْقَى لَهَا نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ يَبْقَى نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ أَوْ يَبْقَى رُبْعُ حِصَّتِهِ مِنْ الْغُرَّةِ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ الزَّوْجَةِ ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ ، وَقَدْ بَسَطْته فِي
الْفَوَائِدِ .
( فَرْعٌ : لَوْ جَنَى ) حُرُّ ( ابْنُ عَتِيقَةٍ ) أَبَاهُ رَقِيقٌ عَلَى امْرَأَةٍ حَامِلٍ ( ثُمَّ ) عَتَقَ أَبَاهُ ، وَ ( انْجَرَّ وَلَاؤُهُ ) مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ ( ثُمَّ أُجْهِضَتْ جَنِينًا ) مَيِّتًا بِالْجِنَايَةِ ( فَهَلْ الْغُرَّةُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ ( أَوْ ) عَلَى مَوَالِي ( الْأَبِ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِجْهَاضِ ( وَجْهَانِ ) قِيَاسُ مَا رَجَّحَهُ قُبَيْلَ فَرْعِ وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَتَهُمَا تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ هُنَا .
قَوْلُهُ : قِيَاسُ مَا رَجَّحَهُ قُبَيْلَ فَرْعِ وَطِئَ شَرِيكَانِ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ .
( وَعَلَى الْمُكَاتَبِ غُرْمُ ) وَفِي نُسْخَةٍ غُرَّةُ ( جَنِينِ أَمَتِهِ ) الْحَاصِلِ ( مِنْهُ إذَا أَجْهَضَهَا ) بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهَا ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ سَهْوٌ نَشَأَ مِنْ قِرَاءَتِهِ جَنَى فِي كَلَامِ أَصْلِهِ بِبِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ .
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَحْبَلَ مُكَاتَبٌ أَمَتَهُ فَجَنَى عَلَيْهَا فَأُجْهِضَتْ وَجَبَ فِي الْجَنِينِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ بَعْدُ فَقَوْلُهُ فَجُنِيَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ جَنَى عَلَيْهَا أَجْنَبِيٌّ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى الْمُكَاتَبِ غُرْمُ جَنِينِ أَمَتِهِ مِنْهُ إذَا أَجْهَضَهَا ) أَيْ جَانٍ عَلَيْهَا ، وَعَلَى فِي قَوْلِهِ ، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ تَعْلِيلِيَّةٌ بِمَعْنَى الْأُمِّ أَيْ ، وَتَجِبُ لِأَجْلِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ غُرَّةُ جَنِينِ أَمَتِهِ مِنْهُ عَلَى مَنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَجْهَضَهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِلْمُكَاتَبِ .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْغُرَّةِ ، وَهِيَ عَبْدٌ مُمَيِّزٌ أَوْ أَمَةٌ مُمَيِّزَةٌ ، وَلَوْ كَبِيرًا ) ، وَإِنْ امْتَنَعَ دُخُولُهُ عَلَى النِّسَاءِ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ ( لَا مَعِيبَ ) بِعَيْبٍ ( يُوجِبُ الرَّدَّ ) لِلْمَبِيعِ فَلَا يُجْزِئُ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَا يَضُرُّ فِيهَا عَيْبٌ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ وَلِوُرُودِ الْخَبَرِ هُنَا بِلَفْظِ الْغُرَّةِ ، وَهِيَ الْخِيَارُ وَالْمَعِيبُ بِخِلَافِهِ ( وَ ) لَا ( هَرَمَ ) ، وَلَا غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِيهَا لَفْظُ الرَّقَبَةِ ( وَيُشْتَرَطُ أَنْ تُسَاوِيَ ) الْغُرَّةُ الْكَامِلَةُ ( نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ ) الْمُسْلِمِ ، وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُ الدِّيَةِ لِعَدَمِ كَمَالِ حَيَاتِهِ ، وَلَا الْإِهْدَارِ فَقُدِّرَتْ بِأَقَلِّ دِيَةٍ وَرَدَتْ ، وَهِيَ الْخُمُسُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالسِّنُّ ، وَإِيجَابُ ثَلَاثَةِ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٍ لِأُنْمُلَةِ غَيْرِ الْإِبْهَامِ لَمْ يَرِدْ بِخُصُوصِهِ بَلْ لَزِمَ مِنْ تَوْزِيعِ مَا لِلْإِصْبَعِ عَلَى أَجْزَائِهَا ( وَمَتَى عُدِمَتْ ) أَيْ الْغُرَّةُ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ سَلِيمَةً بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ ( فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ) كَمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِهَا فَإِذَا عُدِمَتْ أُخِذَ مَا هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِهِ لَا قِيمَتُهَا ؛ وَلِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الدِّيَاتِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَبْلُغُ دِيَةً كَامِلَةً أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِهَا فَإِنْ عُدِمَتْ الْإِبِلُ قُوِّمَتْ الْخَمْسُ ، وَأَخَذَتْ قِيمَتَهَا كَمَا فِي فَقْدِ إبِلِ الدِّيَةِ فَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهَا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ مَعَ الْمَوْجُودِ ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ ( ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ خَصِيٍّ وَمَعِيبٍ ) ، وَلَوْ خُنْثَى وَاضِحًا قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَلَا كَافِرٍ
، وَهُوَ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَلَى كَافِرٍ بِبَلَدٍ تَقِلُّ فِيهِ الرَّغْبَةُ أَوْ عَلَى مُرْتَدٍّ أَوْ كَافِرَةٍ يُمْتَنَعُ وَطْؤُهَا لِتَمَجُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِذَلِكَ ( وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الْغُرَّةِ ( كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ ) فَلَا يَصِحُّ .
( قَوْلُهُ : وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ) عُلِمَ مِنْهُ امْتِنَاعُ الْخُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكَرٍ ، وَلَا أُنْثَى ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَتَبِعَهُ الدَّمِيرِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فس مَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَيْضًا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَلِيمًا مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الْخُنُوثَةَ مِنْ عُيُوبِهِ ( قَوْلُهُ : مُمَيِّزَةٌ ) فَالْمُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ ، وَقَدْ يَحْصُلُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ ( قَوْلُهُ : نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ ) أَيْ قِيمَتُهَا ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي مُسْتَحِقِّهَا ) أَيْ الْغُرَّةِ ( وَ ) فِي ( مَنْ تَلْزَمُهُ الْمُسْتَحِقُّ ) لَهَا هُوَ ( الْوَارِثُ ) لِلْجَنِينِ ؛ لِأَنَّهَا دِيَةُ نَفْسٍ ( فَعَلَى عَاقِلَةِ مَنْ شَرِبَتْ دَوَاءً ) أَوْ غَيْرَهُ ( وَأَجْهَضَتْ ) جَنِينًا مَيِّتًا بِشُرْبِهَا ( غُرَّةٌ لِلْوَرَثَةِ ) أَيْ وَرَثَتِهِ ( دُونَهَا ) ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ ( وَالْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذْ لَا عَمْدَ فِيهَا ) أَيْ فِي مُقْتَضِيهَا مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ ، وَلَا حَيَاتُهُ حَتَّى يَقْصِدَ ( بَلْ ) فِيهِ ( خَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَمْ عَمْدًا أَمْ شُبْهَةً بِأَنْ قَصَدَ غَيْرَهَا فَأَصَابَهَا أَوْ قَصَدَهَا بِمَا يُجْهِضُ غَالِبًا أَوْ بِمَا لَا يُجْهِضُ غَالِبًا ، وَقِيلَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ أَيْضًا ، وَهُوَ قَوِيٌّ لِتَعَذُّرِ قَصْدِ الشَّخْصِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ كَالْعَمْدِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ( يُغَلَّظُ فِيهِ ) فَيُؤْخَذُ عِنْدَ فَقْدِ الْغُرَّةِ حِقَّةٌ وَنِصْفٌ ، وَجَذَعَةٌ وَنِصْفٌ وَخَلَفَتَانِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّظَ فِي الْغُرَّةِ أَيْضًا بِأَنْ يَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهُوَ حَسَنٌ ( وَإِنْ جَرَحَهَا ) أَيْ الْحَامِلَ ( فَأَجْهَضَتْ ) جَنِينًا مَيِّتًا ( فَأَرْشٌ ) يَجِبُ لِلْجُرْحِ مُقَدَّرًا وَغَيْرَ مُقَدَّرٍ ( وَغُرَّةٌ ) تَجِبُ لِلْجَنِينِ ( وَلَوْ ضَرَبَهَا ) فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ( وَبَقِيَ ) فِيهَا ( شَيْنٌ فَغُرَّةٌ وَحُكُومَةٌ ) تَجِبَانِ .
قَوْلُهُ : إذْ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ إلَخْ ) أَيْ ، وَلَا مَوْضِعُهُ ( قَوْلُهُ : الْمُعْتَبَرُ فِيهِ ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ : يَنْبَغِي أَنْ يُغْلِظَ فِي الْغُرَّةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهُوَ حَسَنٌ ) لَفْظُ الشَّافِعِيِّ ، وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ دِيَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فِي الْعَمْدِ ، وَعَمْدُ الْخَطَأِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ خُمُسَاهَا بَعِيرَانِ خَلِفَتَانِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا ، وَهُوَ قِيمَةُ ثَلَاثِ جِذَاعٍ وَحِقَاقٍ نِصْفَيْنِ مِنْ إبِلِ عَاقِلَةِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إبِلٌ فَمِنْ إبِلِ بَلَدِهِ أَوْ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَدَّتْ عَاقِلَتُهُ أَيَّ غُرَّةٍ شَاءَتْ ، وَقِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ رَجُلٍ مِنْ دِيَاتِ الْخَطَأِ .
ا هـ .
وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّغْلِيظِ ، وَلَفْظُ الْحَاوِي الْجِنَايَةُ عَلَى الْجَنِينِ لَا تَكُونُ إلَّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ، وَالْغُرَّةُ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا ، وَتَغْلِيظًا كَدِيَةِ النَّفْسِ .
ا هـ .
فَوَافَقَ النَّصَّ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ إنْ وُجِدَتْ الْغُرَّةُ أُخِذَتْ ، وَلَا تَغْلِيظَ ، وَإِنْ عُدِمَتْ ، وَقُلْنَا تَجِبُ قِيمَتُهَا فَلَا تَغْلِيظَ أَيْضًا ، وَإِنْ قُلْنَا لَهَا بَدَلٌ مُقَدَّرٌ ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ ، وَقِيلَ تُغَلَّظُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
ا هـ .
وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْمَنْصُوصُ ، وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ : فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَقِيمَتُهَا قِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ، وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ فَقِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَثْلَاثًا وَيُعْتَبَرُ التَّخْفِيفُ وَالتَّغْلِيظُ .
( فَصْلٌ ) لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ عَلَى حَامِلٍ ثُمَّ ( أَنْكَرَ الْإِجْهَاضَ ) لِلْجَنِينِ بِأَنْ قَالَ إنَّهَا لَمْ تُجْهَضْ أَوْ لَمْ تُجْهِضِيهِ بَلْ هُوَ مُلْتَقَطٌ ( أَوْ ) أَنْكَرَ ( خُرُوجَهُ حَيًّا ) بِأَنْ قَالَ خَرَجَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ الْغُرَّةُ ، وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ ( صُدِّقَ ) الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدَّعِيهِ ( وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ ) إنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ ( وَتُقْبَلُ هُنَا النِّسَاءُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِجْهَاضَ وَالِاسْتِهْلَالَ أَوْ نَحْوَهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ فَيُقْبَلْنَ عَلَى ذَلِكَ ( لَا عَلَى ) أَصْلِ ( الْجِنَايَةِ ) ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِيهِ الرِّجَالُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَعَلَّلَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ غَالِبًا لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَمَا قَالَهُ هُوَ قَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّ الْجِنَايَةَ الَّتِي لَا تُثْبِتُ إلَّا الْمَالَ كَقَتْلِ الْخَطَأِ تَثْبُتُ بِذَلِكَ ( وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْإِجْهَاضَ أَوْ مَوْتَ مَنْ خَرَجَ حَيًّا ) كَانَ ( بِسَبَبٍ آخَرَ ) أَيْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْإِجْهَاضُ أَوْ الْمَوْتُ عَقِبَ الْجِنَايَةِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ وَكَانَ ( الْغَالِبُ بَقَاءَ الْأَلَمِ ) فِي الْأُمِّ أَوْ الْجَنِينِ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْإِجْهَاضِ وَالْمَوْتِ ( صُدِّقَتْ هِيَ ) بِيَمِينِهَا ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ .
( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ بَقَاءَ الْأَلَمِ إلَى ذَلِكَ ( فَلَا ) تُصَدَّقُ هِيَ بَلْ الْمُصَدَّقُ هُوَ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الْأَلَمَ لَمْ يَزُلْ حَتَّى أُجْهِضَتْ أَوْ مَاتَ الْجَنِينُ ( وَلَا يُقْبَلُ هُنَا إلَّا رَجُلَانِ ) صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي الْأُولَى ، وَقَاسَ بِهَا
الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَةَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسِيَاقُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ نَظِيرُ مَا مَرَّ عَنْهُ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ صُدِّقَتْ هِيَ صُدِّقَ الْوَارِثُ كَانَ أَنْسَبَ بِكَلَامِهِ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ .
( قَوْلُهُ : وَيُقْبَلُ هُنَا النِّسَاءُ ) أَيْ الْمُتَمَحِّضَاتُ ( قَوْلُهُ : لَا عَلَى أَصْلِ الْجِنَايَةِ ) فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ الْمُتَمَحِّضَاتُ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسِيَاقُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ يَقْتَضِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحه .
( وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ عُرِفَ اسْتِهْلَالُ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَجَهِلَ ، وَجَبَ الْيَقِينُ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ عَنْ الزَّائِدِ ( فَإِنْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى فَغُرَّةٌ وَدِيَةُ أُنْثَى ) وَكَذَا إنْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ فَغُرَّةٌ وَدِيَةُ رَجُلٍ ( وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ ) ذَكَرًا وَأُنْثَى ( وَأَحَدُهُمَا حَيٌّ وَمَاتَ فَادَّعَى الْوَارِثُ حَيَاةَ الذَّكَرِ وَمَوْتَ الْأُنْثَى ) وَالْجَانِي الْعَكْسُ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِحَيَاةِ الذَّكَرِ ، وَتَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةُ أُنْثَى ( وَ ) لَوْ ( صَدَّقَهُ الْجَانِي ) فِي حَيَاةِ الذَّكَرِ وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ ( لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيَلْزَمُهَا دِيَةُ أُنْثَى وَغُرَّةُ الْآخَرِ ) وَالْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي ، وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِالْحُكُومَةِ بَدَلَ الْغُرَّةِ سَبْقُ قَلَمٍ ( وَإِنْ أَلْقَتْ ) جَنِينَيْنِ ( حَيًّا وَمَيِّتًا ) وَمَاتَ الْحَيُّ أَوْ جَنِينَيْنِ وَمَاتَا كَمَا صَوَّرَ بِهِ أَصْلَهُ ( وَمَاتَتْ فَادَّعَى وَرَثَةُ الْجَنِينَيْنِ سَبْقَ مَوْتِهَا ) مَوْتَهُ لِيَرِثَهَا ثُمَّ يَرِثُونَهُ ( وَ ) ادَّعَى ( وَارِثُهَا عَكْسَهُ ) لِتَرِثَ هِيَ الْجَنِينَ ثُمَّ يَرِثَهَا هُوَ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ بِهَا ، وَإِلَّا ( فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فَلَا تَوَارُثَ ) بَيْنَ الْجَنِينِ وَالْأُمِّ لِلْجَهْلِ بِمَوْتِ السَّابِقِ وَمَا تَرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ ( قُضِيَ لِلْحَالِفِ ) كَنَظَائِرِهِ وَذِكْرُ الْجَنِينَيْنِ مِثَالٌ فَمَا نَقَصَ عَنْهُمَا أَوْ زَادَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ إلَخْ ) ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجَنِينَيْنِ حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت حُبْلَى بِوَلَدَيْنِ فَأَحَدُهُمَا حُرٌّ فَالْعِتْقُ صَحِيحٌ وَيَضْمَنُ الْحُرَّ بِغُرَّةٍ وَالرَّقِيقُ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَلْقَتْ الْآخَرَ ضُمِنَ الْأَوَّلُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا لِسَيِّدِهَا وَالثَّانِي بِالْغُرَّةِ لِوَرَثَتِهِ
( بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ) الْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ } أَيْ فِي قَوْمٍ { عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } ، وَقَوْلُهُ { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَخَبَرُ { وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا مِنْ النَّارِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ ( الْكَفَّارَةُ تَلْزَمُ مَنْ سِوَى الْحَرْبِيِّ مُمَيِّزًا كَانَ أَمْ لَا بِقَتْلِ كُلِّ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ مِنْ مُسْلِمٍ ، وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ ، وَجَنِينٍ ، وَعَبْدٍ وَنَفْسِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا ، وَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالْمَالِ أَوْ الْقِصَاصِ كَمَا فِي قَتْلِ عَبْدِهِ وَنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَخَرَجَ بِسِوَى الْحَرْبِيِّ الْحَرْبِيُّ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ وَمِثْلُهُ الْجَلَّادُ الْقَاتِلُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ ظُلْمًا ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ وَآلَةُ سِيَاسَتِهِ وَبِالْقَتْلِ الْجِرَاحَاتُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِوُرُودِ النَّصِّ بِهَا فِي الْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيَّزِ لَوْ قَتَلَ بِأَمْرِ غَيْرِهِ ضَمِنَ آمِرُهُ دُونَهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ( لَا بِقَتْلِ مُبَاحِ الدَّمِ ) بِأَنْ أَذِنَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( كَقَتْلِ مُرْتَدٍّ ، وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَزَانٍ مُحْصَنٍ ) وَحَرْبِيٍّ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْبُغَاةِ أَنَّ
الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ أَصْلًا بِقَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلِ إذَا كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ دَلِيلِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ مَحَلُّهُ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ فِي قَتْلِهِ ، وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي قَتْلِهِ بِلَا إذْنٍ مَعْنَى الْقِصَاصِ فَلَا إشْكَالَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ .
( بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ) .
لَمَّا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ خَتَمَ بِهَا قَوْلُهُ : الْكَفَّارَةُ تَلْزَمُ إلَخْ ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ بِسَبَبِهَا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ ، وَلَا الدِّيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } قَالَ الشَّافِعِيُّ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ أَيْ فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ؛ وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُهْدِرُ دَمَهُ إذْ سَبَبُ الْعِصْمَةِ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ قَائِمٌ فِيهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَدَّمَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَفَّارَةَ عَلَى الدِّيَةِ ، وَفِي الْكَافِرِ الدِّيَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ ، وَالْكَافِرَ تَقْدِيمَ حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَسَبُّبًا ) كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ أَمَرَ بِهِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَتَرَدَّى فِيهَا إنْسَانٌ ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا حُكْمُ سُقُوطِ مَا بَنَاهُ مِنْ جَنَاحٍ وَرَوْشَنٍ وَمِيزَابٍ أَوْ رَوْشَنِ الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ فِيهِ حَجَرًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ أَلْقَى فِيهِ قِشْرَ بِطِّيخٍ أَوْ بَاقِلَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَنَفْسُهُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ نَفْسُهُ مَعْصُومَةً أَمَّا لَوْ كَانَ مُهْدَرًا كَمَا إذَا زَنَى ، وَهُوَ مُحْصَنٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ الْغَيْرُ فَإِنَّهُ يَعْصِي بِافْتِيَاتِهِ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ الْجَلَّادُ إلَخْ ) وَالْعَائِنُ الْمُقِرُّ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْعَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ
كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) ، وَقَالَ غَالِبُ ظَنِّي أَنَّ بَعْضَهُمْ صَرَّحَ بِهِ ( قَوْلُهُ : كَقَتْلِ مُرْتَدٍّ إلَخْ ) أَيْ ، وَتَارِكِ صَلَاةٍ وَصُورَةُ مَسْأَلَتِهِمْ أَنَّهُمْ مُهْدَرُونَ فِي حَقِّ قَاتِلِهِمْ ، قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ انْفَرَدَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ بِقَتْلِ قَاتِلِ أَبِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ قَتْلِهِ .
( وَلَا ) تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ ( بِذَرَارِيِّ ) أَيْ بِقَتْلِ ذَرَارِيِّ ( أَهْلِ الْحَرْبِ وَنِسَائِهِمْ ) ، وَإِنْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمْ بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمْ ( وَهِيَ ) الْكَفَّارَةُ ( غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ ) بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ عَلَى الْأَطْرَافِ ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ ، وَهِيَ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى الْجَمَاعَةِ ( بَلْ عَلَى كُلِّ شَرِيكٍ ) فِي الْقَتْلِ ( كَفَّارَةٌ ) كَالْقِصَاصِ وَفَارَقَتْ جَزَاءَ الصَّيْدِ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِهَتْكِ الْحُرْمَةِ لَا بَدَلًا ( وَهِيَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) فِي التَّرْتِيبِ وَالصِّفَاتِ ( لَكِنْ لَا إطْعَامَ ) فِيهَا اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا مِنْ إعْتَاقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، وَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الظِّهَارِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اعْتَبَرُوهُ ثُمَّ حُمِلَا عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إلْحَاقٌ فِي وَصْفٍ ، وَهَذَا إلْحَاقٌ فِي أَصْلٍ ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يُلْحَقُ بِالْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ فِي التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ ، وَلَمْ يُحْمَلْ إهْمَالُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فِي الْوُضُوءِ ( بَلْ ) بِمَعْنًى لَكِنْ ( إنْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ أَطْعَمَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ ) أَيْ كَفَائِتِهِ فَيُخْرِجُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ طَعَامٍ .
( قَوْلُهُ : وَهِيَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَخْ ) يُتَصَوَّرُ إعْتَاقُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ بِأَنْ يُسْلِمَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ .
( وَتَجِبُ ) الْكَفَّارَةُ ( فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) إذَا قَتَلَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا ) كَمَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا مِنْهُ ( فَلَوْ عُدِمَ ) مَالُهُمَا ( فَصَامَ الصَّبِيُّ ) الْمُمَيِّزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ( أَجْزَأَهُ ) بِنَاءً عَلَى إجْزَاءِ قَضَائِهِ الْحَجَّ الَّذِي أَفْسَدَهُ ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ ذَلِكَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ ، وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا الْوَلِيُّ بِحَالٍ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ السَّفِيهَ يُعْتِقُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ هَلْ يَتَوَلَّاهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ أَوْ يُعَيِّنُ لَهُ رَقَبَةً ، وَيَأْذَنُ لَهُ فِي عِتْقِهَا فِيهِ نَظَرٌ ( وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( الْإِعْتَاقُ وَالْإِطْعَامُ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ ) وَكَأَنَّهُمَا مَلَكَاهُمَا ثُمَّ نَابَا عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ ( لَا غَيْرُهُمَا ) كَوَصِيٍّ ، وَقَيِّمٍ أَيْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا ( بَلْ يَتَمَلَّكُ لَهُمَا الْحَاكِمُ ) مَا يُعْتِقُ وَيُطْعِمُ عَنْهُمَا ( ثُمَّ يُعْتِقُ ) وَيُطْعِمُ ( عَنْهُمَا الْوَصِيُّ ) أَوْ الْقَيِّمُ .
( قَوْلُهُ : وَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا ) ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الصَّبِيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ الْوَلِيُّ عَنْهُ عَبْدًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ ، وَإِعْتَاقِهِ عَنْهُ ، وَإِعْتَاقُ عَبْدِ الطِّفْلِ لَا يَجُوزُ .
ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ الْمَذْكُورُ هُنَا كَمَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْمَنْعُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَلَى التَّرَاخِي وَشَاهِدُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَدَاءُ دَيْنِ الطِّفْلِ حَتَّى يُطَالِبَهُ الْمُسْتَحِقُّ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْوَصَايَا .
ا هـ .
وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ عِتْقُ التَّبَرُّعِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ ( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ السَّفِيهَ يُعْتِقُ عَنْهُ وَلِيُّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْإِطْعَامُ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْإِطْعَامِ عَنْهُمَا فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ فِيهَا إذَا مَاتَا قَبْلَ صَوْمِهِمَا قَالَ شَيْخُنَا وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِلصَّبِيِّ خَاصَّةً بِالْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ قَتَلَهُ بِإِصَابَةِ الْعَيْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ قَوَدٌ ، وَلَا دِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ بِهِ اخْتِيَارًا قَالَ الْإِمَامُ وَلِهَذَا لَوْ نَظَرَ ، وَهُوَ صَائِمٌ إلَى مَنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَلَوْ كَانَ لِلنَّظَرِ أَثَرٌ فِي الضَّمَانِ لَأَفْسَدَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ قَتَلَهُ بِالْحَالِ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا عِنْدَنَا ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارًا كَالسَّاحِرِ .
ا هـ .
قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ .
( بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ ) ( الْأَوَّلُ فِي الدَّعْوَى ، وَلَهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ التَّعْيِينَ ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَلَوْ قَالَ قَتَلَ أَبِي أَحَدُ هَذَيْنِ ) أَوْ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ ( لَمْ تُسْمَعْ ) دَعْوَاهُ لِلْإِبْهَامِ كَمَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْقَتْلِ ( وَلَا فِي غَيْرِهِ ) كَغَصْبٍ ، وَإِتْلَافٍ وَسَرِقَةٍ ( وَلَمْ يَحْضُرْهُ ) يَعْنِي الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَجْهُولُ الْغَائِبُ فَلَوْ قَالَ قَتَلَ أَبِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى ، وَلَمْ يُحْضِرْ الْقَاضِي أَحَدًا مِنْهُمَا ( وَكَذَا ) لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ( عَلَى جَمْعٍ لَا يُتَصَوَّرُ ) وُقُوعُهُ ( مِنْهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى مُحَالٍ ( فَإِنْ أَمْكَنَ ) أَيْ تَصَوَّرَ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ ( سُمِعَتْ ) .
( بَابُ دَعْوَى الدَّمِ ) ( قَوْلُهُ : فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَجْهُولَةُ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالْقَتْلِ ، وَقَدْ ظَهَرَ اللَّوْثُ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ فَيَدَّعِي أَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ بِأَنَّ لَهُ تَحْلِيفَهُمْ ، وَهُوَ فَرْعُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْكُلِّ ع ، وَقَوْلُهُ فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ .
( الشَّرْطُ الثَّانِي التَّفْصِيلُ ) لِلدَّعْوَى ( فَيَقُولُ ) قَتَلَهُ ( خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ شَرِيكًا ) لِغَيْرِهِ وَيَصِفُ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ ، الْأُوَلَ بِمَا يُنَاسِبُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ ، وَلَوْ قَالَ كَأَصْلِهِ مُنْفَرِدًا بِدُونِ أَوْ كَانَ أَوْلَى ( فَلَوْ أَطْلَقَ ) دَعْوَاهُ ( اُسْتُحِبَّ ) لِلْقَاضِي ( اسْتِفْصَالُهُ ) وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِفْصَالَ تَلْقِينٌ مَمْنُوعٌ بَلْ التَّلْقِينُ أَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَالِاسْتِفْصَالُ أَنْ يَقُولَ كَيْفَ قُتِلَ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) اسْتِفْصَالُهُ ( بَلْ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ ، وَلَا يَسْأَلَهُ الْجَوَابَ حَتَّى يُحَرِّرَ الدَّعْوَى ) فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ بِشَرِكَةٍ سُئِلَ عَمَّنْ شَارَكَهُ فِي الْقَتْلِ ( فَإِنْ ذَكَرَ مَعَ الْخَصْمِ شُرَكَاءَ ) فِيهِ ( لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ لَغَتْ دَعْوَاهُ ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( فَإِنْ أَمْكَنَ ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ ) لِعَدَمِ حَصْرِهِ لَهُمْ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُمْ ( وَالْوَاجِبُ الْقَوَدُ ) بِأَنْ قَالَ قُتِلَ عَمْدًا مَعَ شُرَكَاءَ عَامِدِينَ ( سُمِعَتْ ) دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَهَا أَمْكَنَ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ ( أَوْ ) وَالْوَاجِبُ ( الدِّيَةُ ) بِأَنْ قَالَ قَتْلُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ تَعَمُّدٍ وَفِي شُرَكَائِهِ مُخْطِئٌ ( فَلَا ) تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِحَصْرِ الشُّرَكَاءِ ( نَعَمْ إنْ قَالَ مَثَلًا ) لَا أَعْلَمُ عَدَدَهُمْ تَحْقِيقًا ، وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ ( لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سُمِعَتْ ) دَعْوَاهُ ( وَطُولِبَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ( بِالْعُشْرِ ) مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ ، وَقَوْلُهُ مَثَلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ .
( قَوْلُهُ : الشَّرْطُ الثَّانِي التَّفْصِيلُ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ مُدَّعِيَ الْقَتْلِ بِالسَّحَرِ لَا يُسْتَفْصَلُ بَلْ يَسْأَلُ الْحَاكِمُ السَّاحِرَ وَيَعْمَلُ بِبَيَانِهِ وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ لَا بَيِّنَةٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَيِّنَةِ فِيهِ مَمْنُوعٌ بَلْ مَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السَّحَرُ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ سَحَرْته بِكَذَا فَشَهِدَ عَدْلَانِ مِنْ السَّحَرَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ السِّحْرِ يَقْتُلُ غَالِبًا فَيَثْبُتُ مَا شَهِدَا بِهِ ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يُحَرِّرَ الدَّعْوَى ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ تَصْحِيحُ دَعْوَاهُ إذَا أَعْرَضَ عَنْهُ الْحَاكِمُ أَوْ قَالَ لَهُ صَحِّحْ دَعْوَاك بِالسُّؤَالِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَلْزَمْ الْحَاكِمَ الِاسْتِفْصَالُ وَيَجُوزُ وَيُحْمَلُ النَّصُّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ تَصْحِيحُهَا ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُصَحِّحُهَا لَهُ وَيُرْشِدُهُ إلَى صَوَابِهَا وَدَفْعُهُ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعٍ ، وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ اسْتِفْسَارُهُ لِلضَّرُورَةِ وَرَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ .
( تَنْبِيهٌ ) هَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الِاسْتِفْصَالُ بِالدِّمَاءِ لِخَطَرِهَا أَوْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَاوَى ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَالْقِيَاسُ الثَّانِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِكِتَابَةِ رُقْعَةٍ بِالْمُدَّعِي وَالدَّعْوَى بِمَا فِيهَا ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَمْكَنَ ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ ، وَالْوَاجِبُ الْقَوَدُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ إلَخْ ) الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالرَّاجِحِ إنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا فَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ إلَّا إثْبَاتُ الْمَالِ وَمَا يَخُصُّ الْحَاضِرَ مَجْهُولٌ .
ا هـ .
وَهُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ع قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَإِنْ ادَّعَى مَا
يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ قَتَلَهُ عَمْدًا مَعَ شُرَكَاءَ عَامِدِينَ سُمِعَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ ، وَإِلَّا فَكَمَا لَوْ ادَّعَى الدِّيَةَ ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَكَتَبَ أَيْضًا ، وَقَالَ الْإِمَامُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ مِمَّا يُوجِبُ الْقَوَدَ لَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَوْ لِبَيِّنَةٍ فَإِنْ قُلْنَا لَا قَوَدَ بِالْقَسَامَةِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ ، وَالْحَالُ هَذِهِ إلَّا إثْبَاتُ الْمَالِ وَالْقَتْلُ الْمُدَّعَى بِهِ مَجْهُولٌ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَإِذَا الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْمَرْجُوحِ .
ا هـ .
يُجَابُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةَ ثُمَّ إنْ ثَبَتَ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِنَحْوِ بَيِّنَةٍ فَذَاكَ ، وَإِنْ أَرَادَ إثْبَاتَهُ بِالْقَسَامَةِ لَمْ يُجِبْهُ الْحَاكِمُ لِذَلِكَ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَرْطُهُمَا التَّكْلِيفُ ) وَشَرَطَ الْأَصْلُ كَوْنَ الْمُدَّعِي مُلْتَزِمًا فَخَرَجَ بِهِ الْحَرْبِيُّ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنْ ذَكَرَهُ ذُهُولٌ مَمْنُوعٌ ، وَقَدْ اغْتَرَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَحَذَفَهُ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْضًا ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ ( فَتُسْمَعُ ) الدَّعْوَى ( ، وَإِنْ كَانَ ) كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( جَنِينًا حَالَ الْقَتْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ الْحَالُ بِالتَّسَامُعِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي مَظِنَّةِ الْحَلِفِ إذَا عَرَفَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ سَمَاعِ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا ، وَقَبَضَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ مِلْكَهَا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ ، وَذِكْرُ حُكْمِ الْجَنِينِ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ ) أَيْ إنْ ذَكَرَهُ ذُهُولٌ عَنْ قَوَاعِدَ مَذْكُورَةٍ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَغَيْرِهِ فَقَدْ نَصُّوا هُنَاكَ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا دَخَلَ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ ، وَأَوْدَعَ عِنْدَنَا مَالًا ثُمَّ عَادَ لِلِاسْتِيطَانِ فَإِنَّ الْأَمَانَ لَا يُنْتَقَضُ فِي مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ عَبْدٌ كَافِرٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ طَالَبَهُ الْحَرْبِيُّ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ ، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ ، وَلَمْ يُنْفِقْ بَيْعَهُ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرُوا أَيْضًا هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَدْيُونُ أَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ دَيْنَ الْحَرْبِيِّ بَاقٍ بِحَالِهِ ( قَوْلُهُ : وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلِهَا لِاشْتِرَاطِ الِالْتِزَامِ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَكَذَا عَلَى الْحَرْبِيِّ بِإِتْلَافٍ فِي حَالِ الْتِزَامِهِ
( وَتُسْمَعُ دَعْوَى السَّفِيهِ ) أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ ( وَيَحْلِفُ وَيَحْلِفُ وَيَقْتَصُّ وَالْمَالُ ) إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَيْهِ ( يَأْخُذُهُ الْوَلِيُّ كَمَا فِي دَعْوَى الْمَالِ ) يَدَّعِي السَّفِيهُ وَيَحْلِفُ ، وَالْوَلِيُّ يَأْخُذُ الْمَالَ ( وَتُسْمَعُ ) الدَّعْوَى ( عَلَى السَّفِيهِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ ( فَإِنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي اقْتَصَّ مِنْهُ ) عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْأُولَى وَالْحُكْمِيُّ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مَقْبُولٌ ( أَوْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ مَالٍ فَلَا ) يَقْتَصُّ مِنْهُ لَكِنْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ( ، وَلَا يَحْلِفُ ) الْمُدَّعِي ( إنْ أَنْكَرَ السَّفِيهُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي كَالْإِقْرَارِ ( وَإِنْ كَانَ لَوْثٌ أَقْسَمَ الْمُدَّعِي ، وَقُضِيَ لَهُ ) كَمَا فِي غَيْرِ السَّفِيهِ ( وَإِنْ أَقَرَّ مُفْلِسٌ ) إقْرَارًا حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا ( لِرَجُلٍ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ ) أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ ( وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَوْ ) بِجِنَايَةِ ( عَمْدٍ ، وَعَفَا عَلَى مَالٍ زَاحَمَ ) الرَّجُلُ ( الْغُرَمَاءَ ) عَمَلًا بِإِقْرَارِ الْمُفْلِسِ ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ تَحَمَّلَتْ مُوجِبَ مَا صَدَّقَتْ فِيهِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ كَانَ بَيِّنَةٌ أَوْ لَوْثٌ ، وَأَقْسَمَ الْمُدَّعِي زَاحَمَ الْغُرَمَاءَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ ، وَلَا لَوْثٌ حَلَفَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي ، وَقَضَى لَهُ ( وَالدَّعْوَى فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ ) تَكُونُ ( عَلَيْهِ إنْ أَوْجَبَتْ قِصَاصًا أَوْ كَانَ ثَمَّ لَوْثٌ ) لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ فِي الْأُولَى وَالْقَسَامَةِ فِي الثَّانِيَةِ فَيُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمُهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ قِصَاصًا ، وَلَا ثَمَّ لَوْثٌ ( فَعَلَى السَّيِّدِ ) الدَّعْوَى ( وَتَعَلَّقَ الْمَالُ ) حَيْثُ وَجَبَ ( بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ) كَسَائِرِ جِنَايَاتِهِ .
الشَّرْطِ ( الْخَامِسُ عَدَمُ التَّنَاقُضِ ) فِي دَعْوَاهُ ( فَإِنْ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ ) شَرِكَةً أَوْ انْفِرَادًا ( لَغَتْ ) دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تُكَذِّبُهَا ( وَكَذَا ) تَلْغُو ( الْأُولَى قَبْلَ الْحُكْمِ ) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا بِخِلَافِهَا بَعْدَهُ فَيُمْكِنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ ( فَلَوْ أَقَرَّ لَهُ الثَّانِي ) بِمَا ادَّعَاهُ ( لَزِمَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَيُحْتَمَلُ كَذِبُ الْمُدَّعِي فِي الْأُولَى وَصِدْقُهُ فِي الثَّانِيَةِ ( وَإِذَا ادَّعَى ) قَتْلًا ( عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِخَطَأٍ ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( أَوْ عَكْسَهُ ) بِأَنْ ادَّعَى خَطَأً وَوَصَفَهُ بِعَمْدٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ ادَّعَى شِبْهَ عَمْدٍ وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ ( سُمِعَتْ ) دَعْوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِعَمْدٍ أَوْ عَكْسِهِ فَيَتَبَيَّنُ بِتَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ فِي الْوَصْفِ وَيَصْدُقُ فِي الْأَصْلِ ( فَاعْتُمِدَ تَفْسِيرُهُ ) فَيَمْضِي حُكْمُهُ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِهَا بَعْدَهُ فَيُمْكِنُ إلَخْ ) سَكَتَ عَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ ، وَأَخْذِ الْمَالِ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنْ قَالَ إنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ قَاتِلًا رَدَّ عَلَيْهِ الْمَالَ ، وَإِنْ قَالَ إنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِيهِ فَهَلْ يُرَدُّ الْقِسْطُ أَوْ نَقُولُ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ ، وَيُنْشِئُ الْقَسَامَةَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَخِيرًا فَهَذَا مَوْضِعُ تَرَدُّدٍ ، وَقِيَاسُ الْبَابِ الثَّانِي .
( قَوْلُهُ : وَاعْتَمَدَ تَفْسِيرَهُ فَيَمْضِي حُكْمُهُ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ الْعَارِفِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الِانْتِقَالُ إلَّا إذَا ادَّعَى سَبْقَ لِسَانٍ أَوْ نَحْوَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ تَأْوِيلًا أَوْ لَا وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ بِمُقْتَضَى النَّظَائِرِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنْ ادَّعَى الْفَقِيهُ الْعَمْدَ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِغَيْرِهِ أَوْ ادَّعَى الْخَطَأَ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْعَمْدِ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ فَإِنَّهُ قَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِعَمْدٍ عَمْدًا وَبِالْعَكْسِ وَكَتَبَ أَيْضًا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ ادَّعَى خَطَأً فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُ هَلْ كَانَ خَطَأً مَحْضًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَإِنْ فُسِّرَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ سَأَلَهُ عَنْ صِفَتِهِ كَمَا يَسْأَلُهُ عَنْ صِفَةِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ ثُمَّ يَعْمَلُ عَلَى صِفَتِهِ دُونَ دَعْوَاهُ ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مُخَالَفَةِ صِفَتِهِ دَعْوَاهُ مِنْ جَوَازِ الْقَسَامَةِ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً مَحْضًا فَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ صِفَةِ الْخَطَأِ ؟ .
فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَحْوَالِ الْقَتْلِ ، وَأَصَحُّهُمَا اللُّزُومُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ الْمَضْمُونُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ طَابَقَتْ الصِّفَةُ فَذَاكَ ، وَإِنْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يُضْمَنُ فَلَا قَسَامَةَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَرِيءٌ مِنْ الدَّعْوَى ، وَإِنْ وَصَفَهُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ أَقْسَمَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ دُونَ شِبْهِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ
الدَّعْوَى أَقَلُّ مِنْ الصِّفَةِ
( وَإِنْ قَالَ ) بَعْدَ دَعْوَاهُ الْقَتْلَ ، وَأَخْذِهِ الْمَالَ ( أَخَذْت الْمَالَ بَاطِلًا ) أَوْ مَا أَخَذْته حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِهِ ( سُئِلَ فَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِقَاتِلٍ ) وَكَذَبْت فِي الدَّعْوَى ( اُسْتُرِدَّ ) الْمَالُ مِنْهُ ( أَوْ ) قَالَ ( قُضِيَ لِي ) عَلَيْهِ ( بِيَمِينٍ ، وَأَنَا حَنَفِيٌّ ) لَا أَعْتَقِدُ أَخْذَ الْمَالِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي ( لَمْ يَسْتَرِدَّ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ لَا إلَى اعْتِقَادِ الْخَصْمَيْنِ فَلَوْ تَعَذَّرَ سُؤَالُهُ بِمَوْتِهِ سُئِلَ وَارِثُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْجَوَابِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُلْزَمُ بِالرَّدِّ ( وَ ) نَظِيرُ مَا ذُكِرَ ( مَنْ قَالَ لَا أَمْلِكُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ إرْثٌ ) أَيْ ؛ لِأَنِّي وَرِثْته ( مِنْ كَافِرٍ وَفُسِّرَ ) كُفْرُهُ ( بِالِاعْتِزَالِ أَوْ ) لَا أَمْلِكُهُ ( لِأَنَّهُ قُضِيَ لِي ) مِنْ حَنَفِيٍّ بِأَخْذِهِ ( بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ ) ، وَأَنَا شَافِعِيٌّ لَا أَرَى الْأَخْذَ بِهَا ( أَوْ ) لَا أَمْلِكُ هَذِهِ الْأَمَةَ ( لِأَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةُ أَبِي ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ ) اسْتَوْلَدَهَا ( بِنِكَاحٍ ) وَاسْتَنَدَ هُوَ فِيمَا قَالَهُ إلَى ذَلِكَ ( فَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَيَمْلِكُ فِيهَا مَا أَقَرَّ بِهِ لِفَسَادِ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالرَّدِّ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ .
( أَوْ ) قَالَ لَا أَمْلِكُ هَذَا ( لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَالِكَهُ فَمَالٌ ضَائِعٌ ) ، وَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ ( وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ ) أَيْ مَنْ أَقْسَمَ ( نَدِمْت عَلَى الْقَسَامَةِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ ( فَإِنْ ) ادَّعَى قَتْلًا عَلَى رَجُلٍ ، وَ ( أَخَذَ الدِّيَةَ بِيَمِينِهِ وَاعْتَرَفَ آخَرُ بِالْقَتْلِ ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ ) الْآخِذُ ( فَلَا أَثَرَ ) لِقَوْلِهِ فِيمَا جَرَى ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ ( رَدَّ الدِّيَةَ ) عَلَى الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ ( وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُقِرِّ ) بِهَا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا بَنَى الدَّعْوَى الْأُولَى عَلَى ظَنٍّ حَصَلَ لَهُ ، وَإِقْرَارُ الثَّانِي يُفِيدُ الْيَقِينَ أَوْ ظَنًّا أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْطِ .
قَوْلُهُ : فَمَالٌ ضَائِعٌ ) وَفِي الشَّامِلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ الْيَدِ عَنْهُ
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَسَامَةِ ) ( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَسَامَةِ ) هِيَ لُغَةً اسْمٌ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ وَلِأَيْمَانِهِمْ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِأَيْمَانِهِمْ وَيُطْلِقُهَا أَئِمَّتُنَا عَلَى الْأَيْمَانِ مُطْلَقًا أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِقَتْلِ الْيَهُودِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ ، وَأَنْكَرَهُ الْيَهُودُ أَتَحْلِفُونَ ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ ، وَلَمْ نُشَاهِدْ ، وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ } ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَسَامَةِ )
( وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي مَحِلِّهَا ) أَيْ الْقَسَامَةِ ( وَهُوَ قَتْلُ الْحُرِّ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ ) الْآتِي بَيَانُهُ ( وَكَذَا الْعَبْدُ ) ، وَلَوْ مُكَاتَبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَهُ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَفِي مَعْنَاهُ الْأَمَةُ ، وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ ( فَلَا قَسَامَةَ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ مِنْ جُرْحٍ ، وَإِتْلَافِ مَالٍ ) بَلْ يُصَدَّقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَصْلِ ( وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ ) ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَحُرْمَتُهَا أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ غَيْرِهَا وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا قَسَامَةَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ اللَّوْثِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ لِانْتِفَاءِ مَا يُفِيدُ الظَّنَّ ( وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ ) فِيمَا لَوْ كَانَ كَافِرًا ( وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ تَجْدِيدِ الْعَهْدِ ) فِي الثَّانِيَةِ ( فَلَا قَسَامَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ ضَمَانُ الْجُرْحِ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ تَجْدِيدِ الْعَهْدِ جَرَتْ الْقَسَامَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ حِينَئِذٍ ضَمَانُ النَّفْسِ .
( وَاللَّوْثُ ) لُغَةً الْقُوَّةُ ، وَيُقَالُ الضَّعْفُ يُقَالُ لَاثَ فِي كَلَامِهِ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ ضَعِيفٍ وَاصْطِلَاحًا ( قَرِينَةٌ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي كَأَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي مَسَاكِنِ أَعْدَائِهِ ) كَالْحِصْنِ وَالْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَحَلَّةِ ( الْمُنْفَرِدَةِ عَنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ ، وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ غَيْرُهُمْ ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مَثَلًا بِقَارِعَةِ طَرِيقٍ يَطْرُقُهَا غَيْرُهُمْ فَلَا لَوْثَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَتَلَهُ وَاعْتِبَارُ عَدَمِ الْمُخَالَطَةِ جَرَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ فَقَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بَلْ جَمِيعُهُمْ إلَّا الشَّاذَّ ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ تَصْحِيحُ اعْتِبَارِ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِمْ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ صَدَاقَتُهُ لِلْقَتِيلِ ، وَلَا كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَإِلَّا فَاللَّوْثُ مَوْجُودٌ فَلَا تُمْنَعُ الْقَسَامَةُ ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَضِيَّةُ خَيْبَرَ فَإِنَّ إخْوَةَ الْقَتِيلِ كَانُوا مَعَهُ وَمَعَ ذَلِكَ شُرِعَتْ الْقَسَامَةُ ، قَالَ الْعِمْرَانِيُّ : وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْمَكَانَ غَيْرُ أَهْلِهِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْعَدَاوَةُ ( أَوْ ) يُوجَدُ ( قَرِيبًا مِنْ قَرْيَتِهِمْ ) مَثَلًا ( وَلَا سَاكِنَ فِي الصَّحْرَاءِ ، وَلَا عِمَارَةَ ) ثَمَّ ( أَوْ ) يُوجَدُ ، وَقَدْ ( تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَعْدَاءَهُ ( وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ عَضٍّ ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ عَصْرٍ ( وَلَوْ ) كَانَ وُجُودُهُ ( فِي الْمَسْجِدِ أَوْ ) فِي ( بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ ) فِي ( الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ ) كَبُسْتَانٍ ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ عَضٍّ يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ الطَّرَفِ الثَّانِي بَلْ ذِكْرُهُ هُنَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا
يُعْتَبَرُ فِيمَا قَبْلَهُ ، وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( أَوْ ) يُوجَدُ ، وَقَدْ ( ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ ) إذْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أَوْ بَعْضُهُمْ ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ ازْدَحَمُوا كَانَ أَوْلَى ، وَأَخْصَرَ ( أَوْ وُجِدَ ) الْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ يُوجَدُ ( قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مُلَطَّخٌ سِلَاحُهُ ) أَوْ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ ( بِالدَّمِ ، وَلَا قَرِينَةَ تُعَارِضُهُ ) بِأَنْ لَا يَكُونَ ثُمَّ مَا تُمْكِنُ إحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ ( فَلَوْ وُجِدَ بِقُرْبِهِ سَبُعٌ أَوْ رَجُلٌ ) آخَرُ ( مُوَلٍّ ظَهْرَهُ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ أَوْ غَيْرُ مُوَلٍّ ( أَوْ وُجِدَ أَثَرُ قَدَمٍ أَوْ تَرْشِيشِ دَمٍ فِي غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِ السِّلَاحِ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ فِي حَقِّهِ ) إنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ كَأَنْ وُجِدَ بِهِ جِرَاحَاتٌ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وُجِدَ .
( قَوْلُهُ : وَاللَّوْثُ قَرِينَةٌ تُوقِعُ إلَخْ ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الْقَرِينَةَ الْحَالِيَّةَ وَالْقَوْلِيَّةَ وَالْفِعْلِيَّةَ ، وَالْمُرَادُ أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تُوقِعُ فِي قَلْبِ الْحَاكِمِ صِدْقَ دَعْوَاهُ ( قَوْلُهُ : صَدَقَ الْمُدَّعِي ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا عَرَفَ أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ ( قَوْلُهُ : أَعْدَائِهِ ) يَكْفِي كَوْنُهُمْ أَعْدَاءَ الْقَبِيلَةِ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْعَدَاوَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِسَبَبِ دِينٍ وَدُنْيَا إذَا كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ يُسَاكِنْهُمْ .
( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ تَصْحِيحُ اعْتِبَارٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِمْ إلَخْ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْعِمْرَانِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْمَكَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَبِيهَةٌ بِالدَّارِ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ قَتِيلٍ .
( قَوْلُهُ : وَلَا سَاكِنَ فِي الصَّحْرَاءِ ، وَلَا عِمَارَةَ ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ طَرِيقٌ جَادَّةٌ كَثِيرَةُ الطَّارِقِينَ .
( ثُمَّ وَلَوْ اسْتَفَاضَ ) بَيْنَ النَّاسِ ( أَنَّهُ ) أَيْ أَنَّ فُلَانًا هُوَ ( الْقَاتِلُ أَوْ رُئِيَ مِنْ بَعِيدٍ ) يُحَرِّكُ يَدَهُ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَضْرِبُ ( فَوُجِدَ مَكَانَهُ قَتِيلٌ أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ ) ، وَلَوْ قَبْلَ الدَّعْوَى ( وَكَذَا امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ فُسَّاقٌ أَوْ ذِمِّيُّونَ ) ، وَلَوْ دَفْعَةً بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ ( فَلَوْثٌ ) فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الظَّنَّ ، وَاحْتِمَالُ التَّوَاطُؤِ كَاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ ، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي شَهَادَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ كَعَبِيدٍ وَنِسْوَةٍ جَاءُوا دَفْعَةً ، وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا الْمَنْعُ ، وَأَقْوَاهُمَا أَنَّهُ لَوْثٌ ، وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَقْوَى ، قَالَ الْإِسْنَوِيِّ : وَهُوَ عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ بَحَثَ ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ لَا سِيَّمَا ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَنْعَ فَيَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ .
انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، وَلَمْ يَنْسُبْ تَرْجِيحَ الْمَنْعِ إلَى أَحَدٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَحْثٌ ، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ مَمْنُوعٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِهِ فِي نَظِيرِهِ مِمَّنْ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ كَفَسَقَةٍ ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالشَّهَادَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَيَانُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الْإِخْبَارُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُشْتَرَطُ الْبَيَانُ فَقَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِلَوْثٍ لَوْثًا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ .
قَوْلُهُ : أَوْ شَهِدَ عَدْلٌ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا شَهِدَ الْعَدْلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَكَانَ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّوْثِ نَقْلُ الْيَمِينِ إلَى جَانِبِ الْمُدَّعِي ، وَهِيَ هُنَا فِي جَانِبِهِ ابْتِدَاءً ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنْ شَهِدَ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَاللَّوْثُ حَاصِلٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَمْدِ الْمَحْضِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ ) أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ وَفِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْثٌ ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَقَالَ ، وَقَوْلُ رَاوٍ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ فُسَّاقٌ إلَخْ ) قَوْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَيْسَ بِلَوْثٍ ، قَالَ شَيْخُنَا عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ ) هَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَجِيءُ إذَا شَهِدَ بِأَنَّهُ لَوْثٌ ، وَهُوَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا كَلَامُ الْمَطْلَبِ لَا يَحْسُنُ إيرَادُهُ تَقْيِيدًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
( لَا قَوْلَ الْمَقْتُولِ ) أَيْ الْمَجْرُوحِ جَرَحَنِي فُلَانٌ أَوْ قَتَلَنِي أَوْ دَمِي عِنْدَهُ أَوْ نَحْوُهُ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ ( فَإِنْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى قَتْلِهِ ) كَمَا فِي الِازْدِحَامِ بِمَضِيقٍ ( لَمْ تُسْمَعْ ) دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ ( وَتُسْمَعُ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي الِازْدِحَامِ ) كَمَا لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى بَعْضِهِمْ ( وَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي لَوْثًا عَايَنَهُ ) ، وَلَا يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَضَائِهِ بِعِلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالْأَيْمَانِ .
( قَوْلُهُ : فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ ) ، قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ضَرَرُهُ بِالْغُرْمِ أَوْ هَلَاكُهُ حَقِيقَةً بِرَفْعِهِ لِمُخَالِفٍ كَمَالِكِيٍّ يَرَى وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ إلَخْ ) بَحَثَهُ الشَّيْخَانِ وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ ، وَلَا يُجْدِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ عَلَى الْجَمِيعِ تُقْبَلُ مِنْهُ فَعَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ .
( وَقَتِيلُ الصَّفَّيْنِ ) الْمُتَقَاتِلَيْنِ أَيْ قَتِيلُ أَحَدِهِمَا الْمَوْجُودِ عِنْدَ انْكِشَافِهِمَا ( إنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ ) بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ بِأَنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ ( فَلَوْثٌ فِي حَقِّ صَفِّ الْعَدُوِّ ) لِلْقَتِيلِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ صَفِّهِ لَا يَقْتُلُونَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ الْقِتَالُ ( فَفِي ) أَيْ فَهُوَ لَوْثٌ فِي ( حَقِّ ) أَهْلِ ( صَفِّهِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ ( فَلَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ ) أَيْ الْقَتِيلِ ( فِي مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ وَبَعْضُهُ فِي أُخْرَى لِأَعْدَاءٍ ) لَهُ ( آخَرِينَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ ) أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ ( وَيُقْسِمَ ) قَالَ الرُّويَانِيُّ : وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهَا وَيُقْسِمَ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ ، وَلَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا عَدَاوَةٌ لَمْ يُجْعَلْ قُرْبَهُ مِنْ إحْدَاهُمَا لَوْثًا ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنْ يُبْعِدَ الْقَاتِلُ الْقَتِيلَ عَنْ فِنَائِهِ وَيَنْقُلَهُ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَمْ يُثْبِتْ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إسْنَادَهُ .
( قَوْلُهُ : إنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ بَيْنَهُمَا ) أَوْ اخْتَلَطَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَكَتَبَ أَيْضًا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إذَا الْتَحَمَ الْقِتَالُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ سِلَاحُ أَصْحَابِهِ كَانَ لَوْثًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ سِلَاحُ أَضْدَادِهِ كَانَ لَوْثًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنَالُهُ سِلَاحُ الْجَمِيعِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَضْدَادِهِ خَاصَّةً وَالثَّانِي ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا مَعَ الْفَرِيقَيْنِ ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ مُسْتَهْزَمِينَ ، وَأَضْدَادُهُ طَالِبِينَ كَانَ لَوْثًا مَعَ أَضْدَادِهِ خَاصَّةً ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ ، وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الطَّلَبِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بِأَنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ رَمْيًا أَوْ طَعْنًا أَوْ ضَرْبًا ) وَكُلٌّ مِنْ الصَّفَّيْنِ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَى الْآخَرِ ( قَوْلُهُ فَلَا قَسَامَةَ وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يُنَافِي تَحْلِيفُهُمْ حَمْلَنَا ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ لَوْثٌ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْبَابِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَعَ وُجُودِهِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِضَعْفِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفَائِدَةُ اللَّوْثِ صِحَّةُ سَمَاعِ الدَّعْوَى كا .
( فَصْلٌ : قَدْ يُعَارِضُ اللَّوْثَ مَا يُبْطِلُهُ فَإِذَا ظَهَرَ لَوْثٌ عَلَى جَمَاعَةٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ ) وَفِي نُسْخَةٍ الْأَكْثَرَ مِنْهُمْ وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَيُقْسِمَ ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ كَذَلِكَ يَظْهَرُ ، وَقَلَّمَا يَخْتَصُّ بِالْوَاحِدِ ( فَإِنْ قَالَ الْقَاتِلُ أَحَدُهُمْ ، وَلَا أَعْرِفُهُ فَلَا قَسَامَةَ ، وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرُهُ : هَذَا خِلَافُ الصَّحِيحِ فَقَدْ مَرَّ أَوَّلُ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يُجِبْهُ لِلْإِبْهَامِ وَسَبَبُ مَا وَقَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ ، وَهُوَ مِمَّنْ يُصَحِّحُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَقَلَّدَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيفِ ( فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ ( فَذَلِكَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ ( ، وَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلَوْ ( نَكَلُوا ) كُلُّهُمْ عَنْ الْيَمِينِ ( وَقَالَ ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ قَالَ ( عَرَفْته فَلَهُ تَعْيِينُهُ وَيُقْسِمُ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ حَاصِلٌ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا ، وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ ( وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ دَعْوَى مُفَصَّلَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا ( لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ ( لَوْثًا حَتَّى يُبَيِّنَ ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِفَةَ الْقَتْلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مُوجِبَهُ فَظُهُورُ اللَّوْثِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ دُونَ وَصْفِهِ لَا قَسَامَةَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ مُوجِبِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى قَتْلٍ مَوْصُوفٍ تَسْتَدْعِي ظُهُورَ اللَّوْثِ فِي قَتْلٍ مَوْصُوفٍ لَكِنْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ
يُفْهِمُ تَمَكُّنَ الْوَلِيِّ مِنْ الْقَسَامَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ بِظُهُورِ اللَّوْثِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ تَمَكَّنَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَسَامَةِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ اللَّوْثِ فِي الِانْفِرَادِ وَالِاشْتِرَاكِ لَا يُعْتَبَرُ فِي صِفَتَيْ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ : فَقَلَّدَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ ) قَدْ تَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ : وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ لَوْثًا حَتَّى يُبَيِّنَ ) إذَا شَهِدَ الْعَدْلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وَكَانَ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّوْثِ نَقْلُ الْيَمِينِ إلَى جَانِبِ الْمُدَّعِي ، وَهِيَ هُنَا فِي جَانِبِهِ ابْتِدَاءً ، وَقَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ إلَخْ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ : وَهَذَا الَّذِي بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِهِ فَمَتَى ظَهَرَ لَوْثٌ ، وَفَصَّلَ الْوَلِيُّ سُمِعَتْ الدَّعْوَى ، وَأَقْسَمَ بِلَا خِلَافٍ وَمَتَى لَمْ يُفَصِّلْ لَمْ تُسْمَعْ ، وَلَمْ يُقْسِمْ عَلَى الْأَصَحِّ .
ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : مَا قَالَ إنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ نَصُّ الْأُمِّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ ، وَكَذَا لَفْظُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا جَهِلَ الْمُدَّعِي صِفَةَ الْقَتْلِ هَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى ، وَيُقْسِمُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَمْ لَا هَكَذَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَظَهَرَ بِهَذَا فَسَادُ قَوْلِهِ ، وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ بِأَصْلِ قَتْلٍ دُونَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ فَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَصَحِّ بَلْ مَتَى ظَهَرَ اللَّوْثُ وَفَصَّلَ الْمُدَّعِي سُمِعَتْ الدَّعْوَى ، وَأَقْسَمَ قَطْعًا وَمَتَى لَمْ يُفَصِّلْ لَمْ تُسْمَعْ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَمْ يُقْسِمْ ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ الْحَقُّ أَنْ لَا اعْتِرَاضَ ، وَأَنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ فِي الِاكْتِفَاءِ لِلَّوْثِ بِظُهُورِهِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ ، وَأَنَّ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ الدَّعْوَى فِي اللَّوْثِ لَا تُسْمَعُ إلَّا بِقَتْلٍ مَوْصُوفٍ لَا يُنَافِي ذَلِكَ الْإِطْلَاقَ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّوْثَ قَرِينَةٌ تَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ،
وَتُوقِعُ مَعَ الْوَلِيِّ ظَنًّا غَالِبًا إمَّا بِتَعَمُّدِ الْقَاتِلِ أَوْ خَطَئِهِ فَيُصَرِّحُ بِالدَّعْوَى عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَدْ جَوَّزُوا الْحَلِفَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْوَصْفِ لِلْقَتْلِ فِي الدَّعْوَى اشْتِرَاطُهُ فِي ظُهُورِ اللَّوْثِ .
( وَيُصَدَّقُ ) بِيَمِينِهِ ( مُدَّعِي الْغَيْبَةِ ) عَنْ مَكَانِ الْقَتْلِ ( أَوْ ) مُدَّعِي ( أَنَّهُ غَيْرُ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ اللَّوْثُ ) كَأَنْ قَالَ لَمْ أَكُنْ فِي الْقَوْمِ الْمُتَّهَمِينَ أَوْ لَسْت أَنَا الَّذِي رُئِيَ مَعَهُ السِّكِّينُ الْمُتَلَطِّخُ عَلَى رَأْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ ( فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِحُضُورِهِ وَبَيِّنَةٌ بِكَوْنِهِ ) كَانَ غَائِبًا ( فِي مَكَان آخَرَ تَسَاقَطَتَا ) ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ إنْ اتَّفَقْنَا عَلَى سَبْقِ حُضُورِهِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالصَّحِيحُ الثَّانِي فَقَدْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ أَصْحَابِنَا ، وَإِنْ اخْتَارَ هُوَ الْأَوَّلَ ( وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي مَكَان آخَرَ ) أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ ( بَعْدَ الْقَسَامَةِ وَالْحُكْمِ ) بِمُوجِبِهَا ( نَقَضَ وَاسْتَرَدَّ الْمَالَ ، وَلَا تُسْمَعُ ) الْبَيِّنَةُ ( أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ) وَفِي نُسْخَةٍ هُنَا وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ( أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ ) قَالَ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْأُولَى أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ : هُوَ وَإِنْ كَانَ نَفْيًا إلَّا أَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ فَتُسْمَعُ ، قَالَ : وَلَوْ اقْتَصَرَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ ، وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ ( وَالْحَبْسُ وَالْمَرَضُ ) الْمُبْعِدُ لِلْقَتْلِ أَيْ دَعْوَى وُجُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَوْمَ الْقَتْلِ ( كَالْغَيْبَةِ ) أَيْ كَدَعْوَاهَا فِيمَا مَرَّ ( وَالشَّهَادَةُ مِنْ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ لَوْثٌ ) فِي حَقِّهِمَا فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِمَا ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ ( لَا ) الشَّهَادَةُ ( أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدَهُمَا ) فَلَيْسَتْ لَوْثًا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ وَلِيِّ أَحَدِهِمَا ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ
كَانَ وَلِيُّهُمَا وَاحِدًا كَانَ لَوْثًا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُقَوِّي مَا قَالَهُ مَا لَوْ كَانَتْ دِيَتُهُمَا مُتَسَاوِيَةً قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ تَعْيِينِ الْمُوضِحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا ، وَقَدْرِهَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ وَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ ، وَلَمْ يُعَيِّنَا وَكَانَ زَيْدٌ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَنْصِيصُهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ مُدَّعِي الْغَيْبَةِ إلَخْ ) مَحَلُّ تَصْدِيقِهِ مَا إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي فَلَوْ ، قَالَ بَعْدَ حَلِفِهِ لَمْ أَكُنْ حَاضِرًا فِي مَوْضِعِ الْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُبَرِّئُ بِهِ نَفْسَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَذَكَرَهُ قَبْلَ الْحَلِفِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ ) إنْ اتَّفَقَا عَلَى سَبْقِ حُضُورِهِ أَيْ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخَانِ الْحُكْمَ عِنْدَ عَدَمِ الِاتِّفَاقِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُتَّجَهُ التَّعَارُضُ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اخْتَارَ هُوَ الْأَوَّلَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ عَنْ الثَّانِي : وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْغَيْبَةَ مَعْنَاهَا كَوْنُهُ فِي مَكَان آخَرَ وَالْحُضُورُ كَوْنُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْكَوْنِ فِي مَكَان انْتِفَاءُ الْكَوْنِ فِي غَيْرِهِ فَإِذًا كُلُّ بَيِّنَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى إثْبَاتٍ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ الْغَيْبَةِ لِذَلِكَ ر ( قَوْلُهُ : وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِذَا ( تَكَاذَبَ الْوَارِثَانِ فِي مُتَّهَمَيْنِ ، وَعَيَّنَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( غَيْرَ مَنْ يَرَاهُ الْآخَرُ ) أَنَّهُ الْقَاتِلُ أَوْ كَذَّبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَنْ عَيَّنَهُ كَأَنْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ ، وَلَوْ فَاسِقًا ( بَطَلَ اللَّوْثُ ) فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي لِانْخِرَامِ ظَنِّ الْقَتْلِ بِالتَّكْذِيبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْ قَاتِلِ الْمُوَرِّثِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ وَارِثَيْنِ دَيْنًا لِلْمُوَرِّثِ ، وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ تَكْذِيبُهُ حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهَا ، وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ ، وَإِنْ كَذَّبَ الْآخَرُ وَاللَّوْثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُثِيرٌ لِلظَّنِّ فَيَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَالْأَلَمُ يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا ( وَلَهُمَا التَّحْلِيفُ ) أَيْ وَلِكُلٍّ مِنْ الْوَارِثَيْنِ تَحْلِيفُ مَنْ عَيَّنَهُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالتَّكَاذُبِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ أَقْسَمَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ ) إذْ لَا تَكَاذُبَ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي أَبْهَمَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْ عَيَّنَهُ الْآخَرُ ( وَأَخَذَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا مِمَّنْ عَيَّنَهُ ( رُبْعَ الدِّيَةِ ) لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُهَا وَحِصَّتُهُ مِنْهُ نِصْفُهُ ( وَإِنْ قَالَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ ( الْمَجْهُولُ مَنْ عَيَّنَهُ أَخِي أَقْسَمَا ثَانِيًا ، وَأَخَذَ الْبَاقِيَ ) أَيْ
أَقْسَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْآخَرُ ، وَأَخَذَ رُبْعَ الدِّيَةِ ( وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ( خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ نِصْفَهَا ) فِيهِ ( خِلَافٌ ) يَأْتِي فِي نَظَائِرِهِ ( أَوْ ) قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَمَا ذَكَرَ ( الْمَجْهُولَ غَيْرَ مَنْ عَيَّنَهُ ) صَاحِبِي ( رَدَّ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( مَا أَخَذَهُ ) لِتَكَاذُبِهِمَا ( وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا رَدَّ صَاحِبُهُ وَحْدَهُ ) مَا أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ كَذَّبَهُ بِخِلَافِ قَائِلِهِ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُحَلِّفَ مَنْ عَيَّنَهُ ، وَقَوْلُهُ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( تَحْلِيفُ مَنْ عَيَّنَهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِاَلَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ .
قَوْلُهُ : وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَاهِدٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ نِصْفُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ قَالَ ) أَحَدُهُمَا ( قَتَلَهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَقْسَمَا عَلَى زَيْدٍ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ( وَطَالَبَاهُ بِالنِّصْفِ ) ، وَلَا يُقْسِمُ الْأَوَّلُ عَلَى عَمْرٍو ؛ لِأَنَّ أَخَاهُ كَذَّبَهُ فِي الشَّرِكَةِ ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( تَحْلِيفُ خَصْمِهِ فِي الْبَاقِي ) فَلِلْأَوَّلِ تَحْلِيفُ عَمْرٍو فِيمَا بَطَلَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَلِلثَّانِي تَحْلِيفُ زَيْدٍ فِيهِ ( وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ أَثَرٍ فِي اللَّوْثِ ) وَالْقَسَامَةِ ( كَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَالْعَصْرِ ( وَالْجُرْحِ ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ فَلَا لَوْثَ فَلَا قَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ فَجْأَةً ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَرُّضِ غَيْرِهِ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِيَبْحَثَ عَنْ الْقَاتِلِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبَسَطَهُ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ ) فِي ذَلِكَ ( الْجُرْحُ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ إلَخْ ) ، قَالَ فِي الْأُمِّ وَسَوَاءٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ كَانَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ سِلَاحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِلَا أَثَرٍ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ ) أَيْ الْوَارِثُ ( مَعَ ) وُجُودِ ( اللَّوْثِ خَمْسِينَ يَمِينًا ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ حَائِزًا أَمْ لَا لِتَكْمُلَ الْحُجَّةُ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ النَّفْسُ كَامِلَةً أَمْ لَا ( لَقَدْ قَتَلَ هَذَا أَبِي ) مَثَلًا ( وَإِنْ شَاءَ مَيَّزَهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ ( بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ ) وَغَيْرُهُمَا كَقَبِيلَةٍ وَضُبَعَةٍ ( عَمْدًا ) أَيْ قَتَلَهُ عَمْدًا ( أَوْ خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَشَمَلَ قَوْلُهُ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ مَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ أَوْصَى لَهُ سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَبْدٍ قَتَلَ ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَلَهَا الدَّعْوَى ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقْسِمَ ، وَإِنَّمَا يُقْسِمُ الْوَارِثُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ ( وَيَقُولُ ) قَتَلَهُ ( وَحْدَهُ أَوْ مَعَ زَيْدٍ ، وَهَلْ ذَلِكَ ) أَيْ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ زَيْدٍ ( شَرْطٌ ) لِاحْتِمَالِ الِانْفِرَادِ صُورَةً مَعَ الِاشْتِرَاكِ حُكْمًا كَالْمُكْرَهِ مَعَ الْمُكْرِهِ أَوْ تَأْكِيدٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَتَلَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ ( وَجْهَانِ ) أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْجَانِيَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَرِيءَ مِنْ الْجُرْحِ زَادَ الْوَلِيُّ فِي الْيَمِينِ وَمَا بَرِيءَ مِنْ جُرْحِهِ حَتَّى مَاتَ مِنْهُ نَقَلَهُ الْأَصْلُ ( وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي تَخْوِيفُهُ وَوَعْظُهُ ) إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَحْلِفْ إلَّا عَنْ تَحَقُّقٍ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا } ( وَيُغْلِظُ ) عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ ( كَمَا فِي اللِّعَانِ ) فَيُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ فِيهَا زَمَانًا وَمَكَانًا ، وَلَفْظًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ كَالشَّهَادَةِ فَيَجُوزُ تَفْرِيقُهَا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا وَيُفَارِقُ اشْتِرَاطَهَا فِي اللِّعَانِ
بِأَنَّ اللِّعَانَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْبَدَنِيَّةُ ، وَأَنَّهُ يَخْتَلُّ بِهِ النَّسَبُ ، وَتَشِيعُ بِهِ الْفَاحِشَةُ ( فَإِنْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ وَنَحْوُهُ ) كَإِغْمَاءٍ ثُمَّ زَالَ عَمَّنْ قَامَ بِهِ ( بَنَى ) عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ لِعُذْرِهِ مَعَ لُزُومِ مَا وَقَعَ ( أَوْ ) تَخَلَّلَهَا ( مَوْتٌ ) لِلْمُدَّعِي ( اسْتَأْنَفَ وَارِثُ الْمُدَّعِي ) فَلَا يَبْنِي ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ ، وَلَا يَسْتَأْنِفُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهَا قَدْ يَحْكُمُ بِهِمَا بِخِلَافِ يَمِينِ الْقَسَامَةِ لَا اسْتِقْلَالَ لِبَعْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ لَا يَحْكُمُ بِهَا ( لَا إنْ تَمَّتْ ) أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ بَلْ يَحْكُمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ ( وَيَبْنِي وَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) عَلَى أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ مَوْتَهُ الْأَيْمَانُ ( وَإِنْ عُزِلَ الْقَاضِي ) أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا وَوَلِيَ غَيْرُهُ ( لَا الْمُدَّعِي ) إنْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا أَيْ لَا يَبْنِي عَلَيْهَا بَلْ يَسْتَأْنِفُ ( إلَّا إنْ عَادَ الْمَعْزُولُ ) فَيَبْنِي الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ ، وَإِنَّمَا اسْتَأْنَفَ فِيمَا إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا بِمَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ ، وَبِمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا ، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَعُزِلَ الْقَاضِي وَوَلِيَ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ، وَخَرَجَ بِالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَيْضًا مَنْ فِي حُكْمِ وَارِثِهِ فَلَهُ الْبِنَاءُ فِيمَا لَوْ تَخَلَّلَ أَيْمَانَهُ عَزْلُ الْقَاضِي أَوْ مَوْتُهُ ثُمَّ وَلِيَ
غَيْرُهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ يَمِينَهُ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا وَيَمِينُ الْمُدَّعِي لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ ( وَعَزْلُ الْقَاضِي وَمَوْتُهُ بَعْدَ تَمَامِهَا كَهُوَ ) الْأَوْلَى كَهُمَا ( فِي أَثْنَائِهَا فِي الطَّرَفَيْنِ ) أَيْ طَرَفِ الْمُدَّعِي وَطَرَفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَرَّرَ .
( قَوْلُهُ : يَحْلِفُ الْوَلِيُّ مَعَ وُجُودِ اللَّوْثِ خَمْسِينَ يَمِينًا ) مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ أَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ ( قَوْلُهُ : أَيْ كُلًّا مِنْ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ ) أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ الْجَنِينَ فَيُقْسِمُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا قَتِيلًا إنَّمَا يُطْلَقُ الْقَتِيلُ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَالْأَقْسَامُ تَجِيءُ فِي قَدِّ الْمَلْفُوفِ مَعَ أَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ فِيهِ حَالَةَ الْقَتْلِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ تَحَقُّقُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَنِينِ ع وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْعَهُ التَّهَيُّؤَ لِلْحَيَاةِ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ ، وَقَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ إلَخْ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَيُفَارِقُ اشْتِرَاطَهَا ) أَيْ الْمُوَالَاةِ .
( وَلَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( أَنْ يُقْسِمَ ، وَلَوْ غَابَ حَالَ قَتْلِهِ ) عَنْ مَحَلِّ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِفُ الْحَالَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ سَمَاعِ مَنْ يَنُوبُهُ ، وَلَا تَمْنَعُ الْقَسَامَةَ غَيْبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( ، وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ ) ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ فَكَذَا الْيَمِينُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ وَاحِدٌ ، وَهُمْ خُلَفَاؤُهُ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ خِلَافَتِهِ وَفِي صُوَرِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ كَقَسْمِ الْمَالِ وَفِي الْمُعَادَةِ لَا يَحْلِفُ وَلَدُ الْأَبِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا فَإِنْ أَخَذَ حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَيُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ ) مِنْ الْأَيْمَانِ إنْ وَقَعَ كَسْرٌ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ ( فَمَنْ خَلَّفَ تِسْعَةً ، وَأَرْبَعِينَ ابْنًا حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْبَاقِيَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَيُتَمِّمُ ، وَلَوْ خَلَّفَ أُمًّا وَابْنًا حَلَفَتْ تِسْعًا وَحَلَفَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ ، وَلَوْ خَلَّفَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ ابْنًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( سَبْعَ عَشَرَةَ ) يَمِينًا ( فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمْ ( حَلَفَ خَمْسِينَ لِحَقِّهِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَصْبِرْ ) أَيْ إلَى حُضُورِ الْآخَرِينَ لِتَعَذُّرِ أَخْذِ شَيْءٍ قَبْلَ تَمَامِ الْحُجَّةِ فَيَفْرِضُ حَائِزًا لِذَلِكَ فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى حَضَرَا حَلَفَ كُلٌّ بِقَدْرِ حَقِّهِ ( وَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَوْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ ( حَلَفَ نِصْفَهَا ) كَمَا لَوْ حَضَرَ ابْتِدَاءً ( وَ ) حَلَفَ ( الثَّالِثُ ) إذَا حَضَرَ أَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ ( سَبْعَ عَشَرَةَ ) بِتَكْمِيلِ الْمُنْكَسِرِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَتْ الْأَيْمَانُ كَالْبَيِّنَةِ فَلِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِوُجُودِهَا مِنْ بَعْضِهِمْ
كَالْبَيِّنَةِ قُلْنَا لِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ دُونَ الْيَمِينِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ وَالْيَمِينُ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ وَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ فِي الْحَالِ ، وَكَانَ لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا قُلْنَا إنَّ تَكْذِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا يَمْنَعُ الْقَسَامَةَ ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَغَوِيّ فَإِنْ قُلْنَا يَمْنَعُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَتَعَيَّنُ الِانْتِظَارُ ؛ لِأَنَّ تَوَافُقَ الْوَرَثَةِ شَرْطٌ ، وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ التَّكَاذُبِ لَا التَّوَافُقُ ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْحَاضِرُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْقَسَامَةِ حَتَّى إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَمَّلَ مَعَهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِيهَا تَقْصِيرٌ مُبْطِلٌ وَالْقَسَامَةُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ صَدْرَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَصْبِرْ ، وَعَجُزَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ إذْ الصَّحِيحُ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْحَاضِرِ مِنْهَا بِالتَّأْخِيرِ .
( وَإِنْ مَاتَا ) أَيْ الثَّانِي وَالثَّالِثُ بَعْدَ حَلِفِ الْحَاضِرِ ( فَوَرِثَهُمَا ) الْحَاضِرُ ( حَلَفَ حِصَّتَهُمَا ) ، وَلَا يَكْفِيهِ حَلِفُهُ السَّابِقُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِحِصَّتِهِمْ يَوْمَئِذٍ ( وَلَوْ خَلَّفَ زَوْجَةً وَبِنْتًا حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ عَشَرًا وَالْبِنْتُ أَرْبَعِينَ ) بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبِنْتِ كَنَصِيبِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ( أَوْ ) خَلَّفَتْ ( زَوْجًا وَبِنْتًا حَلَفَتْ الْبِنْتُ الثُّلُثَيْنِ ، وَهُوَ ) أَيْ الزَّوْجُ ( الثُّلُثَ ) بِجَعْلِ الْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهَا كَنَصِيبِهِ مَرَّتَيْنِ .
قَوْلُهُ : وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ ) لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هُوَ بِحَسَبِ أَسْمَاءِ فَرَائِضِهِمْ أَوْ بِحَسَبِ سِهَامِهِمْ ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَوْلِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَآخَرَيْنِ لِأُمٍّ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ ، وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ فَهَلْ يَحْلِفُونَ عَلَى أَسْمَاءِ فَرَائِضِهِمْ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ وَالْأُمُّ سُدُسَهَا وَالْأُخْتَانِ لِلْأَبِ ثُلُثَيْهَا وَالْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ ثُلُثَهَا جَبْرًا لِلْمُنْكَسِرِ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى نِسْبَةِ سِهَامِهِ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الْخَمْسِينَ وَالْأُخْتَانِ لِلْأَبِ أَرْبَعَةَ أَعْشَارِهَا وَالْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ خُمُسَيْهَا ، فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَ الثَّانِيَ ( قَوْلُهُ : حَلَفَ خَمْسِينَ لِحَقِّهِ ) أَيْ لِأَخْذِهِ فَيَأْخُذُهُ فِي الْحَالِ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا حَضَرَ آخَرُ أَوْ بَلَغَ حَلَفَ نِصْفَهَا إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْأَيْمَانُ كَالْبَيِّنَةِ فَهَلَّا كَانَ وُجُودُهَا مِنْ بَعْضِهِمْ حُجَّةً لِجَمِيعِهِمْ كَالْبَيِّنَةِ قِيلَ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ النِّيَابَةِ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ دُونَ الْيَمِينِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ وَالْيَمِينَ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ ، قَالَ شَيْخُنَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِينَةٌ ( قَوْلُهُ : وَكَانَ الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ إلَخْ ) إنَّمَا حَذَفَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِحَقِّهِ أَيْ لِأَخْذِهِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ تَوَافُقَ الْوَرَثَةِ شَرْطٌ ) وَالْبَغَوِيُّ ، قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ ذُهُولًا قُلْت بَلْ إيرَادُهُ هُوَ الذُّهُولُ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ ، قَالَ فِي تَوْجِيهِ رَأْيِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ صَغِيرًا أَوْ غَائِبًا كَانَ لِلْبَالِغِ الْحَاضِرِ أَنْ يُقْسِمَ مَعَ احْتِمَالِ التَّكْذِيبِ مِنْ الثَّانِي إذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ ، وَقَالَ فِي تَوْجِيهِ الْأَصَحِّ وَفِيمَا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ غَائِبًا لَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ الْخَارِمُ لِلظَّنِّ فَكَانَ
كَمَا إذَا ادَّعَى ، وَلَمْ يُسَاعِدْهُ الْآخَرُ ، وَلَمْ يَكْذِبْ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُقْسِمَ .
ا هـ .
وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ حَلِفَ الْبَعْضِ مَعَ غَيْبَةِ الْبَاقِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى الرَّأْيَيْنِ مَعًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِحِصَّتِهِمَا يَوْمَئِذٍ ) لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَانَا مَيِّتَيْنِ حَالَ الْحَلِفِ فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِحَلِفِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَيِّتًا فس هُوَ وَاضِحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّعْلِيلِ .
( وَيَحْلِفُ الْخُنْثَى خَمْسِينَ ) يَمِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَيْمَانِ شَيْئًا ( وَيَأْخُذُ النِّصْفَ ) فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى هَذَا ( إنْ انْفَرَدَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ) أَيْ مَعَهُ ( عَصَبَةٌ ) لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ كَإِخْوَةٍ ( فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا نِصْفَهَا ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى ( وَيُؤْخَذُ الْمَالُ ) الْبَاقِي ( وَيُوقَفُ ) بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ ، وَلَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا إلَى الْبَيَانِ ( وَلَا تُعَادُ الْقَسَامَةُ عِنْدَ الْبَيَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) مَعَهُ ( عَصَبَةٌ لَمْ يُؤْخَذْ ) أَيْ الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ يُوقَفُ حَتَّى يُبَيِّنَ الْخُنْثَى ( فَإِنْ بَانَ أُنْثَى ، وَلَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْبَاقِي ( لِبَيْتِ الْمَالِ ) ، وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا أَخَذَهُ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْقَاضِي ذَلِكَ ، وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى ، وَلَا عَصَبَةَ حَلَفَ الْمُدَّعَى أَيْ عَلَيْهِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَيْ لِأَجْلِهِ ( وَالْخُنْثَيَانِ يَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( الثُّلُثَيْنِ ) أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ( مَعَ الْجَبْرِ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ ، وَالْآخَرُ أُنْثَى ( وَيُعْطَى الثُّلُثَ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى ( وَالِابْنُ مَعَ الْخُنْثَى يَحْلِفُ ثُلُثَيْهَا ) لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةِ الْخُنْثَى ( وَيُعْطَى النِّصْفَ ) لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ ( وَالْخُنْثَى يَحْلِفُ نِصْفَهَا ) لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ ( وَيُعْطَى الثُّلُثَ ) لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ ( وَيُوقَفُ السُّدُسُ ) بَيْنَهُمَا إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ ، وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا وَخُنْثَى حَلَفَتْ نِصْفَ الْأَيْمَانِ وَالْخُنْثَى ثُلُثَهَا ، وَأَخَذَا ثُلُثَيْ الدِّيَةِ ، وَلَا يُؤْخَذُ الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْخُنْثَى ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
قَوْلُهُ : أَخَذَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ ) أَيْ إنْ أَقَرَّ فَإِنَّهُ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ .
( فَرْعٌ : مَنْ مَاتَ ) مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ حَلِفِهِ ( وُزِّعَتْ أَيْمَانُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ ) كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ مَاتَ مَنْ لَزِمَهُ النِّصْفُ ) مَثَلًا ( فَحَلَفَ اثْنَيْنِ فَحَلَفَ الْأَوَّلُ ) حِصَّتَهُ ( ثَلَاثَ عَشَرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَخُوهُ ) قَبْلَ حَلِفِهِ ( وَوَرِثَهُ حَلَفَ حِصَّتَهُ ) ثَلَاثَ عَشَرَةَ ؛ لِأَنَّهَا الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يَحْلِفُهُ مُوَرِّثُهُ ( لَا تَكْمِلَةَ النِّصْفِ ) فَقَطْ ( وَمَنْ نَكَلَ ) مِنْ الْوَرَثَةِ عَنْ الْيَمِينِ ( وَمَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ تَحْلِيفُ الْخَصْمِ لَا الْقَسَامَةُ ) لِبُطْلَانِ حَقِّهِمْ بِنُكُولِ مُوَرِّثِهِمْ .
( فَرْعٌ ) لَوْ كَانَ ( لِلْقَتِيلِ ابْنَانِ ) وَ ( حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَمَاتَ الْآخَرُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ ابْنَيْنِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ ، وَهِيَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَنَكَلَ الْآخَرُ وُزِّعَتْ أَيْمَانُهُ الَّتِي نَكَلَ عَنْهَا ، وَهِيَ الرُّبْعُ عَلَى عَمِّهِ ، وَأَخِيهِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا ) مِنْ الدِّيَةِ تَكْمِلَةً لِلْحُجَّةِ ( فَيَحْلِفُ الْعَمُّ تِسْعًا ) إذْ يَخُصُّهُ ثَمَانٍ وَثُلُثٌ ( وَالْأَخُ أَرْبَعًا ) إذْ يَخُصُّهُ أَرْبَعٌ وَسُدُسٌ يُضَمُّ ذَلِكَ إلَى حِصَّتَيْهِمَا فِي الْأَصْلِ ( فَيَكْمُلُ لِلْعَمِّ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَوَّلًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ ( وَلِلْأَخِ سَبْعَ عَشَرَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَوَّلًا ثَلَاثَ عَشَرَةَ ، وَإِنَّمَا حَلَفَ الْأَخُ هُنَا بِالْحِصَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَفِيمَا قَبْلَ الْفَرْعِ بِحِصَّةٍ لِتَكْمِلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْ أَخِيهِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا لِبُطْلَانِ حَقِّ النَّاكِلِ بِنُكُولِهِ ( وَلَا يَخْتَصُّ الْعَدَدُ بِاللَّوْثِ بَلْ يَمِينُ مُدَّعِي الْقَتْلِ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ ) مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْقَسَامَةِ ( خَمْسُونَ ) ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ دَمٍ وَلِخَبَرِ { فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا } فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَمَحَلُّهُ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( إنْ انْفَرَدَ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ تَعَدَّدَ ( حَلَفَ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( خَمْسِينَ ) كَمَا يَحْلِفُهَا الْوَاحِدُ اعْتِبَارًا بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِنِسْبَةِ حَقِّهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَنْفِي مَا يَنْفِيهِ الْوَاحِدُ لَوْ انْفَرَدَ وَكُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ لَوْ انْفَرَدَ بَلْ يُثْبِتُ بَعْضَ الْأَرْشِ فَيَحْلِفُ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ وَبِهَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ يَمِينِ الْمُدَّعِينَ ابْتِدَاءً وَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ عَلَى الْمُدَّعِينَ كَيَمِينِهِمْ ابْتِدَاءً ،
وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ .
( وَالْأَشْبَهُ أَنَّ يَمِينَ الْجِرَاحَاتِ كَالنَّفْسِ ) فَتَكُونُ خَمْسِينَ ( سَوَاءٌ نَقَصَتْ ) أَيْ الْجِرَاحَاتُ أَيْ إبْدَالُهَا ( عَنْ الدِّيَةِ كَالْحُكُومَةِ ) وَبَدَلُ الْيَدِ ( أَوْ زَادَتْ ) كَبَدَلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذْ لَا تَخْلُفُ الْيَمِينُ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى بِقِلَّةِ الْمُدَّعَى وَكَثْرَتِهِ .
( قَوْلُهُ : بَلْ يَمِينُ مُدَّعِي الْقَتْلِ مَعَ الشَّاهِدِ ) أَيْ ، وَلَوْ فِي خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ ( قَوْلُهُ : وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَالْأَشْبَهُ أَنَّ يَمِينَ الْجِرَاحَاتِ ) أَيْ وَنَحْوَهَا .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَالْوَاجِبُ بِهَا الدِّيَةُ ) فِي الْحُرِّ وَالْقِيمَةُ فِي الرَّقِيقِ ( لَا الْقِصَاصُ ) لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ } ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَلَيْسَتْ كَاللِّعَانِ فِي رَجْمِ الْمَرْأَةِ لِتَمَكُّنِهَا فِيهِ مِنْ الدَّفْعِ بِلِعَانِهَا أَوَّلًا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِتُقَوِّيهَا بِالنُّكُولِ ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ ، وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ { أَتَحْلِفُونَ ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ } بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَدَلُ دَمِ صَاحِبِكُمْ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ ( وَيَعْقِلُ عَنْهُ ) أَيْ الْقَاتِلُ ( فِي غَيْرِ الْعَمْدِ ) مِنْ شِبْهِهِ ، وَالْخَطَأُ أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً .
( فَإِنْ ادَّعَى ) الْقَتْلَ ( عَلَى اثْنَيْنِ وَاللَّوْثَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ ) خَمْسِينَ ( وَحَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ ) ادَّعَى ( عَلَى ثَلَاثَةٍ بِلَوْثٍ ) أَيْ مَعَهُ ( أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ عَمْدًا ، وَهُمْ حُضُورٌ حَلَفَ لَهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا ) ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ ( وَإِنْ غَابُوا حَلَفَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ ) مِنْهُمْ ( خَمْسِينَ ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِأَيْمَانِهِ الْأُوَلَ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ غَيْرَهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ غَيْرَهُ فِي الْأَيْمَانِ السَّابِقَةِ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .
انْتَهَى .
وَفِي تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ( وَإِنْ أَقَرَّ ) مَنْ حَضَرَ ( بِعَمْدٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ بِخَطَأٍ وَصَدَّقَتْهُ الْعَاقِلَةُ كَانَ ) الْوَاجِبُ ( عَلَيْهَا ، وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ ( فَفِي مَالِ الْمُقِرِّ وَكُلُّ مَنْ حَلَفَ لَهُ أَخَذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ ) .
قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْبُلْقِينِيِّ الْبَحْثَ ، وَقَالَ إنْ كَانَ فِي مَسَافَةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَيْمَانِ قَطْعًا ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا دُونَهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا تَعَلَّقَ بِالْغَائِبِ قَطْعًا ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ دَعْوَى عَلَيْهِ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ عَنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ ، وَقْتَ الْأَيْمَانِ ، وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَالْبَيِّنَةِ وَمُقْتَضَاهُ الْقَطْعُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَنْعُهُ ، وَقَوْلُهُ وَقَالَ إنْ كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : وَفِي تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ وَبِهِ أَفْتَيْت
( فَرْعٌ ) لَوْ ( نَكَلَ ) الْمُدَّعِي ( فِي ) دَعْوَى ( عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ ) أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ ( عَنْ الْقَسَامَةِ أَوْ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ثُمَّ نَكَلَ خَصْمُهُ ) عَنْ الْيَمِينِ ( فَرُدَّتْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ ) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَكَلَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَكَلَ عَنْ يَمِينِ الْقَسَامَةِ أَوْ الْمُكَمِّلَةِ لِلْحُجَّةِ ، وَهَذِهِ يَمِينُ الرَّدِّ وَالسَّبَبُ الْمُمْكِنُ مِنْ تِلْكَ هُوَ اللَّوْثُ وَمِنْ هَذِهِ نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالنُّكُولُ عَنْ شَيْءٍ فِي مَقَامٍ لَا يُبْطِلُ حَقًّا فِي مَقَامٍ آخَرَ ؛ وَلِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ يَسْتَفِيدُ بِهَا مَا لَا يَسْتَفِيدُ بِالْقَسَامَةِ ، وَهُوَ الْقِصَاصُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ ( وَيَقْتَصُّ أَوْ يَطْلُبُ الدِّيَةَ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ وَكِلَاهُمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ ) أَوْ الدِّيَةُ ( وَإِذَا نَكَلَ ) الْمُدَّعِي ( عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ) ، وَلَا لَوْثَ ( ثُمَّ ظَهَرَ لَوْثٌ أَقْسَمَ ) لِمَا مَرَّ .
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِيمَنْ يَحْلِفُ ) فِي الْقَسَامَةِ ( مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ ) مِنْ دِيَةٍ أَوْ قِيمَةٍ ( أَقْسَمَ ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ( فَيُقْسِمُ السَّيِّدُ ، وَلَوْ مُكَاتَبًا ) بِقَتْلِ عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ ( لَا ) الْعَبْدُ ( الْمَأْذُونُ ) لَهُ فَلَا يُقْسِمُ بِقَتْلِ عَبْدِهِ ، وَهُوَ عَبْدُ التِّجَارَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنَّمَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ فَقَوْلُهُ ( بِقَتْلِ عَبْدِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِيُقْسِمُ ( فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ ) عَنْ أَدَاءِ النُّجُومِ ( قَبْلَ نُكُولِهِ ) عَنْ الْيَمِينِ ، وَلَوْ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ ( حَلَفَ السَّيِّدُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ ( أَوْ بَعْدَ نُكُولِهِ فَلَا ) يَحْلِفُ لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ كَمَا لَا يُقْسِمُ الْوَارِثُ إذَا نَكَلَ مُوَرِّثُهُ ( لَكِنْ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَجْزٌ بَعْدَ الْقَسَامَةِ أَخَذَ ) السَّيِّدُ ( الْمَالَ ) أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ ، وَكَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا أَقْسَمَ .
( قَوْلُهُ : مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ أَقْسَمَ ) فَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ ، قَالَ الشَّيْخَانِ : إنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ وَيُحَلِّفُهُ فَإِنْ نَكَلَ فَفِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ خِلَافٌ يَأْتِي ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَكِنْ صَحَّحَا فِي الدَّعَاوَى فِيمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَادَّعَى الْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ هُنَاكَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا قَطَعُوا بِهِ مِنْ امْتِنَاعِ الْقَسَامَةِ وَاضِحٌ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا فَإِنَّ مَالَهُ يَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِلْمَصْلَحَةِ لَا إرْثًا فَلَوْ أَقْسَمَ الْإِمَامُ لَكَانَ إقْسَامًا مِمَّنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ ، وَلَا نَائِبَ عَنْهُ أَمَّا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافُ اسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ مِنْ الْإِمَامِ هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَارِثِ الْخَاصِّ ، وَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقِطَّانِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ ، قَالَ فِيمَا لَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَاحِدَةً ، وَلَا عَصَبَةَ لَهُ أَنَّ الْإِمَامَ يُقْسِمُ مَعَهَا فَيَحْلِفُ خَمْسًا ، وَعِشْرِينَ وَيَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الدِّيَةِ هَذَا لَفْظُهُ ، وَقَوْلُهُ ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ هُنَاكَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ، قَالَ شَيْخُنَا ، وَهُوَ الْأَصَحُّ .
( وَإِنْ أَوْصَى لِمُسْتَوْلَدَتِهِ بِعَبْدٍ فَقُتِلَ ) ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ ( حَلَفَ السَّيِّدُ ) ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ ( وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ ) أَوْصَى لَهَا ( بِقِيمَةِ عَبْدِهِ إنْ قُتِلَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهَا ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا الْخَطَرُ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْأَخْطَارَ ( وَالْقَسَامَةُ لِلسَّيِّدِ أَوْ وَرَثَتُهُ ) بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نُكُولٍ ( فَلَا تَلْزَمُهُمْ ) الْقَسَامَةُ ، وَإِنْ تَيَقَّنُوا الْحَالَ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَحْصِيلِ غَرَضِ الْغَيْرِ ، وَإِنَّمَا أَقْسَمُوا مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُسْتَوْلَدَةِ ( لِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ ) ؛ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَتْلِ مَمْلُوكِهِ فَتُورَثُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمَالُ لَهُ ( ثُمَّ يُصْرَفُ ) أَيْ يَصْرِفُونَهُ ( لَهَا ) بِمُوجِبِ الْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ غَرَضًا ظَاهِرًا فِي تَنْفِيذِهَا كَمَا يَقْضُونَ دُيُونَهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّرِكَةِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِمْ وَيَجِبُ قَبُولُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ ( فَإِنْ نَكَلُوا ) عَنْ الْقَسَامَةِ ( لَمْ تُقْسِمْ الْمُسْتَوْلَدَةُ ) ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لِإِثْبَاتِ الْقِيمَةِ ، وَهِيَ لِلسَّيِّدِ فَيَخْتَصُّ بِتَحْلِيفِهِ ( بَلْ لَهَا الدَّعْوَى ) عَلَى الْخَصْمِ بِالْقِيمَةِ ( وَالتَّحْلِيفُ ) لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا فِيهَا ظَاهِرًا ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي دَعْوَاهَا وَالتَّحْلِيفُ إلَى إثْبَاتِ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَا إلَى إعْرَاضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الدَّعْوَى صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَلَوْ نَكَلَ الْخَصْمُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ ) يَمِينَ الرَّدِّ .
( وَإِنْ أَوْصَى ) لِغَيْرِهِ ( بِعَيْنٍ فَادَّعَاهَا شَخْصٌ فَفِي حَلِفِ الْوَارِثِ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ تَرَدُّدٌ ) أَيْ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يَحْلِفُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَالثَّانِي لَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ فَهُوَ الْحَالِفُ جَزْمًا ( وَإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهَا حُرٌّ يَمْلِكُ ( وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ ) بَعْدَهَا صَحَّتْ ( وَتَصِيرُ لِلْمُشْتَرِي ) ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ ) كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ كَانَ ) ثَمَّ ( لَوْثٌ ) وَفَضَلَ عَنْ الْأَقَلِّ شَيْءٌ لِلْوَرَثَةِ ( أَقْسَمَ ) السَّيِّدُ ( مَعَ الْوَرَثَةِ بِالتَّوْزِيعِ ) لِلْأَيْمَانِ عَلَيْهِمَا بِحَسْبِ مَا يَأْخُذَانِ ( وَكَذَا ) يُقْسِمُ ( وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ ) لِلْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ دُونَهُمْ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ارْتَدَّ السَّيِّدُ ) ، وَلَوْ ( قَبْلَ قَتْلِ الْعَبْدِ وَكَذَا ) لَوْ ارْتَدَّ ( الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ لَا قَبْلَهُ فَلَهُ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَوْ فِي الرِّدَّةِ ( الْقَسَامَةُ ) لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ الْوَارِثُ قَبْلَ مَوْتِ الْجَرِيحِ وَاسْتَمَرَّ مُرْتَدًّا حَتَّى مَاتَ الْجَرِيحُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَصِّلْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ ( وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا ) أَيْ الْقَسَامَةُ إلَى أَنْ يُسْلِمَ السَّيِّدُ أَوْ الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ لَا يَتَوَرَّعُ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ( فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ ثَبَتَ الْمَالُ ) كَمَا لَوْ أَقْسَمَ فِي الْإِسْلَامِ ( وَكَانَ الْمَالُ ) الْحَاصِلُ بِهِ ( لِلْمُقْسِمِ فِي الرِّدَّةِ كَاكْتِسَابٍ ) أَيْ كَالْحَاصِلِ بِالِاكْتِسَابِ بِاحْتِشَاشٍ ( وَاحْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ ) وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي بَابِ الرِّدَّةِ ، وَإِنَّمَا صَحَّ إقْسَامُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْكُفَّارِ ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ ، وَذِكْرُهُ أَوْلَوِيَّةَ تَأْخِيرِ الْقَسَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ سَكْرَانُ ) مُدَّعِيًا كَانَ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ وَمَا يُقَالُ لَهُ وَيَنْزَجِرَ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ( فَلَوْ حَلَفَ صَحَّ كَغَيْرِهِ ، وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ فَبَانَ اللَّوْثُ عَلَى عَبْدِهِ فَلَا قَسَامَةَ ) لِوَارِثِهِ ( لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ شَيْءٌ لَا إنْ كَانَ مَرْهُونًا ) فَلَهُ الْقَسَامَةُ ( لِيَسْتَفِيدَ ) بِهَا ( فَكُّهُ ) وَبَيْعُهُ ، وَقِسْمَةُ ثَمَنِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ .
( وَلَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ قَتْلًا عَمْدًا فَأَقَرَّ خَصْمُهُ بِالْخَطَأِ ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ ، وَلَا لَوْثَ ( صُدِّقَ الْخَصْمُ وَحَلَفَ خَمْسِينَ ) يَمِينًا ( فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ أَقْسَمَ الْمُدَّعِي ) وَدَعْوَى الْخَصْمِ كَوْنَ الْقَتْلِ غَيْرَ عَمْدٍ لَا يَمْنَعُ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَسَامَةِ ، وَلَا تُبْطِلُ اللَّوْثَ بَلْ تُؤَكِّدُهُ ( وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْخَطَأِ ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ ( فَلِلْمُدَّعِي طَلَبُ الدِّيَةِ ) مِنْهُ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ فَيَطْلُبُهَا مِنْهُمْ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ صِفَةً ، وَتَأْجِيلًا ( فَإِنْ نَكَلَ ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَحَلَفَ الْمُدَّعِي اقْتَصَّ ) مِنْهُ فَإِنْ عُفِيَ عَلَى الدِّيَةِ فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ .
( وَإِنْ ادَّعَى ) عَلَيْهِ قَتْلًا ( خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( وَأَقَرَّ ) خَصْمُهُ ( بِعَمْدٍ فَلَا قِصَاصَ ) عَلَيْهِ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعَى لَهُ ( وَطُولِبَ بِدِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا الْمُدَّعَاةُ وَالْخَصْمُ ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالدِّيَةِ بَلْ بِالْقِصَاصِ لَكِنْ طَلَبُ الْمُدَّعِي لَهَا يَسْتَلْزِمُ الْعَفْوَ عَنْهَا .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ ) إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ ( بِعَدْلَيْنِ ) يَشْهَدَانِ بِالْمُوجِبِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْجَانِي ( وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ ) فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ عَفَوْت عَنْهُ فَاقْبَلُوا مِنِّي رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا لِآخُذَ الْمَالَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مُوجِبَةٌ لِلْقِصَاصِ لَوْ ثَبَتَتْ ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْقِصَاصُ حَتَّى يُعْتَبَرَ الْعَفْوُ ( وَإِقْرَارُ الْجَانِي ) عُطِفَ عَلَى عَدْلَيْنِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْمَالِ ) مِمَّا ذُكِرَ مَعَ عَدْلَيْنِ ( بِرَجُلٍ مَعَ امْرَأَتَيْنِ أَوْ ) بِرَجُلٍ ( وَيَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ وَذَلِكَ ( كَعَمْدِ الْأَبِ وَالصَّبِيِّ ) وَالْمَجْنُونِ ( وَكَالْهَاشِمَةِ لَا ) الْهَاشِمَةِ ( الْمَسْبُوقَةِ بِإِيضَاحٍ ) فَلَا يَثْبُتُ أَرْشُهَا بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِيضَاحَ قَبْلَهَا الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ .
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ ) .
( قَوْلُهُ : أَوْ إقْرَارُ الْجَانِي ) أَوْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ : مِمَّا ذُكِرَ ) أَيْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ ) الْمُرَادُ جِنْسُ الْيَمِينِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْجِرَاحِ مُتَعَدِّدَةٌ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : كَعَمْدِ الْأَبِ إلَخْ ) وَمُوضِحَةٌ عَجَزَ عَنْ تَعْيِينِ مَوْضِعِهَا .
( وَمَتَى شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) أَوْ رَجُلٌ مَعَ يَمِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَنَّهُ تَعَمَّدَ زَيْدًا بِسَهْمٍ ) رَمَاهُ بِهِ ( فَقَتَلَهُ وَمَرَقَ ) مِنْهُ ( فَقَتَلَ عَمْرًا قُبِلَ ) مِنْهُ ذَلِكَ لِعَمْرٍو ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى مُتَعَلِّقَ حَقِّ الْمُدَّعِي أَمْ لَا ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا ( أَنَّ الْإِيضَاحَ وَالْهَشْمَ هُنَاكَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ) ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ اُحْتِيطَ لَهَا ، وَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ ( وَهُنَا جِنَايَتَانِ فِي مَجْلِسٍ لَا تَتَعَلَّقُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ) وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْضَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ عَادَ وَهَشَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ وَمِثْلُهُ رَجُلٌ وَيَمِينٌ .
( قَوْلُهُ : يَنْبَغِي أَنْ يُثْبِتَ أَرْشَ الْهَاشِمَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ ) عَلَى الْجَانِي ( بِالْإِضَافَةِ ) لِلْهَلَاكِ إلَى فِعْلِهِ فَلَوْ قَالَ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ ضَرَبَهُ فَأَنْهَرَ الدَّمَ لَمْ يَكْفِ فِي ثُبُوتِ قَتْلِهِ بِذَلِكَ ( وَيَكْفِي ) فِيهِ قَوْلُهُ ( جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ ) أَوْ فَمَاتَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ أَنْهَرَ دَمَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ ( لَا ) جَرَحَهُ ( فَمَاتَ ) فَلَا يَكْفِي ( حَتَّى يَقُولَ مِنْهُ أَوْ مَكَانَهُ ) أَوْ نَحْوُهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ ( ، وَلَا يَشْهَدُ بِالْقَتْلِ بِرُؤْيَةِ الْجُرْحِ حَتَّى يَقْطَعَ بِمَوْتِهِ مِنْهُ ) بِقَرَائِنَ يُشَاهِدُهَا ( وَتَثْبُتُ الدَّامِيَةُ وَالْمُوضِحَةُ ) فَالدَّامِيَةُ ( بِقَوْلِهِ ضَرَبَهُ فَأَسَالَ دَمَهُ ) أَوْ فَأَدْمَاهُ أَوْ فَجَرَحَهُ ( لَا ) بِقَوْلِهِ ضَرَبَهُ ( فَسَالَ ) دَمُهُ لِاحْتِمَالِ سَيَلَانِهِ بِغَيْرِ الضَّرْبِ ( وَ ) الْمُوضِحَةُ بِقَوْلِهِ ( أَوْضَحَ ) أَيْ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ ( عَظْمَهُ أَوْ فَاتَّضَحَ ) عَظْمُهُ ( بِضَرْبِهِ لَا ) بِقَوْلِهِ ( أَوْضَحَهُ ) أَيْ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَهُ أَوْ أَوْضَحَ رَأْسَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَاتَّضَحَ أَوْ فَوَجَدْنَا رَأْسَهُ مُوضِحًا لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا إيضَاحَ الْعَظْمِ وَلِاحْتِمَالِ الْإِيضَاحِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ ذِكْرِ الْعَظْمِ حَتَّى لَا يَكْفِي فَأَوْضَحَهُ أَوْ فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ حَيْثُ قَالَ وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ ، وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ أَيْ لِفَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْأَصْلُ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَوَّلَ عَنْ حِكَايَةِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَحَكَى الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَرَجَّحَهُ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَقَالَ إنَّهُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِهِ ( وَلْيُبَيِّنْ مَحَلَّ الْمُوضِحَةِ وَمِسَاحَتَهَا ) فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مَوَاضِحُ ( لِلْقِصَاصِ ) أَيْ لِوُجُوبِهِ ( أَوْ يُعَيِّنْهَا بِالْإِشَارَةِ ) إلَيْهَا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ إلَّا مُوضِحَةٌ ( لِأَنَّهَا قَدْ تُوَسَّعُ ) أَيْ
لِجَوَازِ أَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَوَسَّعَهَا غَيْرُ الْجَانِي .
قَوْلُهُ : لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهَا إيضَاحَ الْعَظْمِ ) فَإِنَّهَا مِنْ الْإِيضَاحِ ، وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِإِيضَاحِ الْعَظْمِ ، وَتَنْزِيلُ أَلْفَاظِ الشَّاهِدِ عَلَى أَلْفَاظٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ لَا وَجْهَ لَهُ نَعَمْ لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ فَقِيهًا ، وَعَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ لَفْظُ الْمُوضِحَةِ إلَّا عَلَى مَا يُوَضِّحُ الْعَظْمَ كَفَاهُ فِي شَهَادَتِهِ بِهَا ( قَوْلُهُ : وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْأَصْلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَحَكَى الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَرَجَّحَهُ ) ، قَالَ وَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّ الْإِيضَاحَ لَفْظٌ اصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ فَهُوَ لُغَوِيٌّ مَشْهُورٌ أَنَاطَ بِهِ الشَّرْعُ الْأَحْكَامَ فَهُوَ كَصَرَائِحِ الطَّلَاقِ يُقْضَى بِهَا مَعَ الِاحْتِمَالِ فَإِذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَّحَ زَوْجَتَهُ قَضَى بِطَلَاقِهَا ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَرَّحَ رَأْسَهَا .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا قَدْ تُوَسِّعُ ) ، قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْبَيَانِ عِنْدَ احْتِمَالِ الِاتِّسَاعِ أَمَّا عِنْدَ الِاحْتِمَالِ فَلَا ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا اقْتَضَاهُ الْكَلَامُ الْآخَرُ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ
( فَلَوْ شَهِدَا ) فِي صُورَةِ الْوَضَحِ ( بِإِيضَاحٍ بِلَا تَعْيِينٍ ، وَجَبَ الْمَالُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّ الْمُوضِحَةِ ، وَقَدْرِهَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ ( لَا إنْ وُجِدَ ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِإِيضَاحِهِ ( سَلِيمًا ) لَا أَثَرَ عَلَيْهِ ( وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ ) فَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِبُطْلَانِ الشَّهَادَةِ ( وَيَكْفِي فِي شَهَادَةِ مَقْطُوعٍ ) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِقَطْعِ ( يَدٍ فَقَطْ ) قَوْلُ الشَّاهِدِ ( قَطَعَ يَدَهُ وَيَكْفِي ) فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِقَطْعِهَا ( رُؤْيَتُهَا مَقْطُوعَةً عَنْ التَّعْيِينِ ) لَهَا ( وَكَذَا ) يَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ ( قَطْعَ يَدِهِ ، وَهُمَا ) أَيْ يَدَاهُ ( مَقْطُوعَتَانِ لَكِنْ لَا قِصَاصَ ) فِيهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا ( بِخِلَافِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ ) لِتَعَيُّنِهَا .
( فَصْلٌ : تُرَدُّ شَهَادَةُ الْوَارِثِ ) لِمُوَرِّثِهِ غَيْرَ بَعْضِهِ ( بِالْجُرْحِ ) الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ ( قَبْلَ الِانْدِمَالِ ، وَلَوْ عَاشَ ) الْجَرِيحُ لِلتُّهْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ أَخَذَ الْأَرْشَ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ لَكِنَّ مُسْتَحِقَّ الْأَرْشِ غَيْرُهُ كَأَنْ جُرِحَ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَادَّعَى بِالْجُرْحِ عَلَى الْجَارِحِ لِكَوْنِ الْأَرْشِ لَهُ فَشَهِدَ لَهُ وَارِثُ الْجَرِيحِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ ، وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ .
( قَوْلُهُ : تُرَدُّ شَهَادَةُ الْوَارِثِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ ) صُورَتُهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمَجْرُوحُ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِأَرْشِهِ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ طَلَبِ الْأَرْشِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ طَلَبُ أَرْشِهِ فَالشَّهَادَةُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى فَمِنْ الْوَارِثِ أَوْلَى ، وَكَتَبَ أَيْضًا شَهَادَتُهُمْ بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ كَشَهَادَتِهِمْ بِالْجُرْحِ ( قَوْلُهُ : لِلتُّهْمَةِ ) اسْتَثْنَى ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ تَبَعًا لِشَيْخِهِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ مَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَجْرُوحِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ أَرْشَ الْجُرْحِ ، وَلَا مَالَ لَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ قَدْ يُبْرِئُ مِنْهُ ع ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذَا كَانَ مُتَعَذِّرَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ كَالزَّكَاةِ وَمَالِ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَالِ وَقْفٍ عَامٍّ فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا لَا يَسْرِي إلَى النَّفْسِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ غ ( قَوْلُهُ : وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُرْحَ إلَخْ ) وَبِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ لَهُ بِالْمَالِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَالَ وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فِي مَلَاذِهِ وَشَهَوَاتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِالْجُرْحِ فَإِنَّ النَّفْعَ حَالُ الْوُجُوبِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِبْ وَبَعْدَهُ تَجِبُ لَهُ .
( وَلَا يَحْكُمُ بِالْجُرْحِ بِشَهَادَةِ مَحْجُوبٍ ) كَأَخٍ مَعَ وُجُودِ ابْنٍ ( صَارَ وَارِثًا ) بِأَنْ مَاتَ الِابْنُ ( فَإِنْ وَرِثَ بَعْدَ الْحُكْمِ ) بِهِ ( لَمْ يُنْقَضْ ) كَمَا لَوْ حَدَثَ الْفِسْقُ ( وَلَوْ شَهِدَ وَارِثَانِ ) ظَاهِرًا ( بِهِ ثُمَّ حُجِبَا قَبْلَ الْحُكْمِ رُدَّتْ ) شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ أَدَائِهَا ( وَلِلْعَاقِلَةِ الشَّهَادَةُ بِجُرْحِ شُهُودِ ) الْقَتْلِ ( الْعَمْدِ ، وَ ) بِجُرْحِ شُهُودِ ( الْإِقْرَارِ بِالْخَطَأِ ) أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ إذْ لَا تُهْمَةَ لِانْتِفَاءِ تَحَمُّلِهِمْ الدِّيَةَ ( وَلِبَعِيدِهِمْ ) الْغَنِيِّ وَفِي عَدَدِ الْأَقْرَبِ وَفَاءٌ بِالْوَاجِبِ ( الشَّهَادَةُ بِالْجُرْحِ مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَمْدِ وَالْإِقْرَارِ بِغَيْرِهِ ( لَا فَقِيرُهُمْ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ تَوَقُّعَ الْغَنِيِّ أَقْرَبُ مِنْ تَوَقُّعِ مَوْتِ الْقَرِيبِ الْمُحْوِجِ إلَى التَّحَمُّلِ فَالتُّهْمَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِمُطْلَقًا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : إذْ لَا تُهْمَةَ ) لِانْتِفَاءِ تَحَمُّلِهِمْ الدِّيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقِ شُهُودِ جِنَايَةٍ يَحْمِلُونَهَا ( قَوْلُهُ : وَالْفَرْقُ أَنَّ تَوَقُّعَ الْغِنَى إلَخْ ) وَالْإِنْسَانُ يَطْلُب غِنَى نَفْسِهِ ، وَيُدَبِّرُ أَسْبَابَهُ وَيَتَخَيَّلُ مُسَاعَدَةَ الْقَدَرِ وَالظَّفَرِ بِالْمَقْصُودِ ، وَلَا يَطْلُبُ فَقْرَ غَيْرِهِ ، وَلَا يَسْعَى فِيهِ ، وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْفَقِيرَ مَعْدُودٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي الْحَالِ لِقُرْبِ نَسَبِهِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ لِبَقَاءِ فَقْرِهِ وَالْبَعِيدُ النَّسَبِ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَحَمَّلَ بِمَوْتِ الْقَرِيبِ ( قَوْلُهُ : أَقْرَبَ مِنْ تَوَقُّعِ مَوْتِ الْقَرِيبِ ) أَيْ أَوْ فَقْرِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( بَادَرَ الشُّهُودُ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ أَوْ ) بَادَرَ غَيْرُهُمْ ( وَشَهِدَا بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ) عَلَيْهِمَا بِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( سُئِلَ الْمُطَالِبُ ) أَيْ الْمُدَّعِي احْتِيَاطًا لِحُصُولِ الرِّيبَةِ بِشَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ ( فَإِنْ كَذَّبَهُمَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا ) بِالْقَتْلِ بِشَهَادَةِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِتَكْذِيبِ الْوَلِيِّ لَهُمَا وَلِلتُّهْمَةِ بِالْمُبَادَرَةِ وَبِدَفْعِ ضَرَرِ مُوجِبِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِمَا عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَلِصَيْرُورَتِهِمْ ا عَدُوَّيْنِ لَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِمَا ( وَإِنْ صَدَّقَهُمَا ) دُونَ الْأَوَّلَيْنِ ( أَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ ) الْجَمِيعَ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْمُدَّعِي ( الْوَلِيُّ بَطَلَ الْجَمِيعُ ) أَيْ الشَّهَادَتَانِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّالِثِ وَوَجْهُهُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْأَوَّلَيْنِ ، وَعَدَاوَةَ الْآخَرَيْنِ لَهُمَا وَالتُّهْمَةُ ، وَفِي الثَّانِي أَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيبَ الْآخَرِ ( أَوْ ) وَالْمُدَّعِي ( وَكِيلُهُ ) أَيْ الْوَلِيُّ ، وَعَيَّنَ لَهُ الْوَلِيُّ الْآخَرَيْنِ ( انْعَزَلَ ) عَنْ الْوَكَالَةِ وَذِكْرُ الِانْعِزَالِ عِنْدَ تَكْذِيبِ الْجَمِيعِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَى مُوَكِّلِهِ عَلَيْهِمَا ( فَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْ هَؤُلَاءِ ) الْأَرْبَعَةِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُمَا ( صَحَّ ) التَّوْكِيلُ ( فَإِنْ شَهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْآخَرَيْنِ ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا ( فَصَدَّقَهُمَا ) أَيْ الْوَكِيلُ الْآخَرَيْنِ وَحْدَهُمَا أَوْ مَعَ الْأَوَّلَيْنِ ( انْعَزَلَ ) عَنْ الْوَكَالَةِ ( وَلِلْوَلِيِّ الدَّعْوَى عَلَى الْأَوَّلَيْنِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مُنَاقِضٌ ) لَهُمَا لَكِنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ صَدَّقَ ) الْوَلِيُّ ( الْمُبَادِرَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ) عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ( وَلَوْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ ) أَيْ غَيْرَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا لِمَا مَرَّ ( وَلَوْ شَهِدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا ) أَوْ
أَجْنَبِيَّانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( بِمَالٍ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ لِلْمُدَّعِي بِمَالٍ وَصَدَّقَهُمَا ) الْمُدَّعِي ( لَمْ يَضُرَّ ) فِي صِحَّةِ دَعْوَاهُ وَشَهَادَةِ الْأَوَّلَيْنِ ، وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِمَا أَيْضًا لِإِمْكَانِ اجْتِمَاعِ الْمَالَيْنِ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ عَلَيْهِمَا ، وَإِنْ شَهِدَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ .
قَوْلُهُ : بَادَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرُهُمَا وَشَهِدَا بِهِ إلَخْ ) ، قَالَ الْفَتَى لَيْسَ قَوْلُهُ : هُنَا أَوْ غَيْرُهُمَا بِمُسْتَقِيمٍ أَصْلًا فَأَخَّرْته لِيَسْتَقِيمَ فَقُلْت بَادَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ وَشَهِدَا بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ - انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ بَادَرَ اثْنَانِ غَيْرُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ لَمْ يَكُونَا بِدَافِعَيْنِ ، وَلَكِنَّهُمَا مُبَادِرَانِ فَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْوَارِثُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْ صَدَّقَ الْكُلَّ بَطَلَتْ الشَّهَادَتَانِ .
( قَوْلُهُ : وَبِصَيْرُورَتِهِمْ ا عَدُوَّيْنِ لَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِمَا ) ، قَالَ شَيْخُنَا إنَّمَا حَصَلَتْ الْعَدَاوَةُ لَهُمَا بِسَبَبِ مُبَادَرَتِهِمَا بِهَا لَا مِنْ حَيْثُ الشَّهَادَةُ بِشَرْطِهَا إذْ حُصُولُهَا لَا يُثْبِتُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَفِي الثَّانِي أَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيبَ الْآخَرِ ) التَّصْوِيرُ فِي تَعْقِيبِ الثَّانِيَةِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ فَلَا مُرَاجَعَةَ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُصْغِي لَهَا ، وَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَغَتْ لِلتَّدَافُعِ ، وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَقْتَ الشَّهَادَةِ انْتَظَرَ كَمَالَهُ لِيُرَاجَعَ ، وَقِيلَ يَحْكُمُ عَلَى الْآخَرِينَ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ ) عَنْ الْقِصَاصِ ، وَعَيَّنَهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ( سَقَطَ الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَبِالْإِقْرَارِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ فَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِي ( فَلِلْجَمِيعِ الدِّيَةُ ) إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِي ، وَكَذَا إنْ عَيَّنَهُ فَأَنْكَرَ فَإِنْ أَقَرَّ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ ( فَإِنْ عَيَّنَهُ الْمُقِرُّ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ ) جَمِيعًا بَعْدَ دَعْوَى الْجَانِي ( قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُ ( فِي الدِّيَةِ وَيَحْلِفُ ) الْجَانِي ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الشَّاهِدَانِ الْعَافِي عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَا عَنْهَا ، وَعَنْ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِالْإِقْرَارِ فَتَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ حِصَّةُ الْعَافِي ( وَيَكْفِي مُنْكِرُ الْعَفْوِ ) الْمُدَّعِي بِهِ عَلَيْهِ ( الْيَمِينُ ) فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ الْعَفْوُ بِيَمِينِ الرَّدِّ ( وَيُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ ) مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ ( عَنْ الْقِصَاصِ لَا عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ شَاهِدَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِحُجَّةٍ نَاقِصَةٍ لَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِهِ بِهَا أَمَّا إثْبَاتُ الْعَفْوِ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَيَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ النَّاقِصَةِ أَيْضًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَكَذَا إسْقَاطُهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَيَّنَهُ الْمُقِرُّ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ قُبِلَتْ فِي الدِّيَةِ ) أَطْلَقُوا شَهَادَةَ الْوَارِثِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَفَاءً بِكُلِّ الدِّيَةِ أَمْ لَا ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِكُلِّ الدِّيَةِ فَإِنْ لَمْ يَفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِشَهَادَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ شَهَادَةِ الْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بَعْدُ بِمَالٍ وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَيَكُونُ إطْلَاقُهُمْ هُنَا مُفَرَّعًا عَلَى الرَّاجِحِ هُنَاكَ ر
( فَصْلٌ ) لَوْ ( اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي هَيْئَةِ الْقَتْلِ ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَدَّهُ نِصْفَيْنِ وَالْآخَرُ حَزَّ رَقَبَتَهُ ( أَوْ ) فِي ( مَكَانِهِ ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَالْآخَرُ فِي السُّوقِ ( أَوْ ) فِي ( زَمَانِهِ ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ غَدْوَةً وَالْآخَرُ يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ عَشِيَّتَهُ ( أَوْ فِي آلَتِهِ ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالرُّمْحِ ( لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا ، وَلَا لَوْثَ ) بِهَا لِلتَّنَاقُضِ فِيهَا ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرُهُ أَعْظَمُ وَلِهَذَا غَلَّظَ فِيهِ بِتَكَرُّرِ الْأَيْمَانِ ( لَا ) إنْ اخْتَلَفَا ( فِي زَمَانِ الْإِقْرَارِ وَمَكَانِهِ ) الْمَزِيدِ عَلَى الْأَصْلِ أَيْ فِيهِمَا مَعًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ فَلَا تَلْغُو الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي الْقَتْلِ وَصِفَتِهِ بَلْ فِي الْإِقْرَارِ ( إلَّا إنْ عَيَّنَا يَوْمًا ) أَوْ نَحْوَهُ ( فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ ) بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَاهُ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَتَلْغُو الشَّهَادَةُ .
( وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا ) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِالْقَتْلِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَوْثٌ ) تَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ دُونَ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ( فَإِنْ ادَّعَى ) عَلَيْهِ الْوَارِثُ قَتْلًا ( عَمْدًا أَقْسَمَ ) وَرُتِّبَ حُكْمُ الْقَسَامَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( فَيَحْلِفُ مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ ( فَإِنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي أَوْ مَعَ الْآخَرِ ) أَيْ شَاهِدِ الْقَتْلِ ( فَعَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَإِنْ ادَّعَى ) عَلَيْهِ ( عَمْدًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ وَالْآخَرُ ) بِإِقْرَارِهِ ( بِمُطْلَقٍ ) أَيْ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ ) شَهِدَ ( أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ ) ثَبَتَ أَصْلُ الْقَتْلِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْكَارُهُ ( وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ ) لِصِفَةِ الْقَتْلِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْهُ ، وَأَصَرَّ عَلَى إنْكَارِ أَصْلِ الْقَتْلِ ( جُعِلَ نَاكِلًا وَحَلَفَ الْمُدَّعِي ) يَمِينَ الرَّدِّ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَاقْتُصَّ مِنْهُ ( فَإِنْ بَيَّنَ ) فَقَالَ قَتَلْته عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ عَفَى عَلَى مَالٍ أَوْ قَتَلَهُ ( خَطَأً وَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ ) عَلَى نَفْيِ الْعَمْدِيَّةِ إنْ كَذَّبَهُ فَإِذَا حَلَفَ لَزِمَهُ دِيَةُ خَطَأٍ بِإِقْرَارِهِ ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفَ ) الْمُدَّعِي ( وَاقْتَصَّ ) مِنْهُ .
( وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ ادَّعَى ) بِهِ ( وَالْآخَرُ بِخَطَأٍ ) أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ ( ثَبَتَ الْقَتْلُ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِهِ ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْعَمْدِيَّةِ وَضِدِّهَا لَيْسَ كَالِاخْتِلَافِ فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ ؛ لِأَنَّ التَّكَاذُبَ ثَمَّ فِي أَمْرٍ مَحْسُوسٍ وَالْعَمْدِيَّةَ وَضِدَّهَا فِي مَحَلِّ الِاشْتِبَاهِ فَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ قَدْ يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ غَيْرَهُ عَلَى أَنَّهُ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ هُنَا أَيْضًا ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيَانِ ( فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ ) عَمْدٌ ثَبَتَ أَوْ أَنَّهُ ( خَطَأٌ ) أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ ( فَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ أَقْسَمَ ) ؛ لِأَنَّ مَعَهُ شَاهِدًا وَذَلِكَ لَوْثٌ هُنَا وَيُخَالِفُ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِ الْعَمْدِ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِ الْقَتْلِ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّ اللَّوْثَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الْإِقْرَارِ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْ الْإِقْسَامِ ( حَلَفَ الْجَانِي ، وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ مُخَفَّفَةٌ ) فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ مُوجِبُ الْعَمْدِ أَوْ نَكَلَ فَدِيَةُ الْخَطَأِ فِي مَالِهِ .
( فَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قُدَّ مَلْفُوفًا ) فِي ثَوْبٍ ( وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِحَيَاتِهِ ) حِينَ الْقَدِّ ( لَمْ يَثْبُتْ الْقَتْلُ ) بِشَهَادَتِهِمَا ( وَالْقَوْلُ فِي حَيَاتِهِ ) حِينَئِذٍ ( قَوْلُ الْوَلِيِّ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْجَانِي وَمُسْتَحِقِّ الدَّمِ ( وَإِذَا حَلَفَ اقْتَصَّ ) مِنْ الْقَادِّ عَمَلًا بِمُقْتَضَى تَصْدِيقِهِ كَالدِّيَةِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عَنْ جَمَاعَةٍ وَنُقِلَ مُقَابِلُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ، وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا لَكِنَّهُ رَجَّحَ الثَّانِيَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ آنِفًا كَمَا قَدَّمْته ثَمَّ وَنَقَلَهُ فِيهِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَالْبَغَوِيِّ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ .
قَوْلُهُ : وَإِذَا حَلَفَ اقْتَصَّ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يُقْتَصَّ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( شَهِدَ ) رَجُلٌ عَلَى آخَرَ ( أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا وَآخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْرًا أَقْسَمَ وَلِيَّاهُمَا ) لِحُصُولِ اللَّوْثِ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا .
( بَابُ الْإِمَامَةِ ) الْعُظْمَى ( وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) كَالْقَضَاءِ إذْ لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ إمَامٍ يُقِيمُ الدِّينَ وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومِينَ وَيَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا ( فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ ) لَهَا ( إلَّا وَاحِدٌ ) ، وَلَمْ يَطْلُبُوهُ ( لَزِمَهُ طَلَبُهَا ) لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ ( وَأُجْبِرَ ) عَلَيْهَا ( إنْ امْتَنَعَ ) مِنْ قَبُولِهَا فَإِنْ صَلُحَ لَهَا جَمَاعَةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ صَلُحَ جَمَاعَةٌ لِلْقَضَاءِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي بَابِهِ مَعَ أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِبَعْضِ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْآتِي .
( بَابُ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى ) .
، قَالَ قَوْمٌ الْإِمَامَةُ رِئَاسَةٌ عَامَّةٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِشَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ .
فَقَيْدُ الْعُمُومِ احْتِرَازٌ عَنْ الْقَاضِي وَالرَّئِيسِ وَغَيْرِهِمَا ، وَنَقْضُ هَذَا التَّعْرِيفِ بِالنُّبُوَّةِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هِيَ خِلَافَةُ الرَّسُولِ فِي إقَامَةِ الدِّينِ وَحِفْظِ حَوْزَةِ الْمِلَّةِ بِحَيْثُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ عَلَى كُلِّ كَافَّةِ الْأُمَّةِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِلْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ بَادَرَ الصَّحَابَةُ إلَيْهَا ، وَتَرَكُوا التَّشَاغُلَ بِتَجْهِيزِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةَ أَنْ يَدْهَمَهُمْ أَمْرٌ ، وَأَيْضًا لَوْ تُرِكَ النَّاسُ فَوْضَى لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْحَقِّ جَامِعٌ ، وَلَا يَرْدَعُهُمْ عَنْ الْبَاطِلِ رَادِعٌ لَهَلَكُوا ، وَلَاسْتَحْوَذَ أَهْلُ الْفَسَادِ عَلَى الْعِبَادِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ، وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } .
( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَالَ الْعَقْدِ ) لَهَا ( أَوْ الْعَهْدِ ) بِهَا ( أَهْلًا لِلْقَضَاءِ ) فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حُرًّا ذَكَرًا مُجْتَهِدًا ذَا كِفَايَةٍ سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا لِنَقْصِ غَيْرِهِ ( شُجَاعًا ) لِيَغْزُوَ بِنَفْسِهِ وَيُدِيرَ الْجُيُوشَ وَيَقْوَى عَلَى فَتْحِ الْبِلَادِ ( قُرَشِيًّا ) لِخَبَرِ النَّسَائِيّ { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } ، وَأَمَّا خَبَرُ { أَطِيعُوا ، وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ } فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَلَوْ اخْتَلَتْ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْعَهْدِ ، وَكَمُلَتْ عِنْدَ مَوْتِ الْعَاهِدِ لَمْ يَصِحَّ الْعَهْدُ ( ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا ) فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ( وَلَا مَعْصُومًا ) بِاتِّفَاقِ مَنْ يَعْتَدُّ بِهِ ( فَإِنْ فُقِدَ ) قُرَشِيٌّ جَامِعٌ لِلشُّرُوطِ ( فَمُنْتَسِبٌ إلَى كِنَانَةَ ثُمَّ ) إلَى ( إسْمَاعِيلَ ) ، وَقَوْلُهُ ( وَهُمْ ) يَعْنِي أَوْلَادَهُ الشَّامِلِينَ لِكِنَانَةَ ( الْعَرَبِ ) مِنْ زِيَادَتِهِ ( ثُمَّ ) إلَى ( جُرْهُمَ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ تَزَوَّجَ إسْمَاعِيلُ حِينَ أَنْزَلَهُ أَبُوهُ أَرْضَ مَكَّةَ ( ثُمَّ ) إلَى ( إِسْحَاقَ ثُمَّ ) إلَى ( غَيْرِهِمْ ) ، وَقِيلَ إذَا فُقِدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلِيَ رَجُلٌ مِنْ الْعَجَمِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَك أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ فَكَمَا قَالُوا إذَا فُقِدَ قُرَشِيٌّ وَلِيَ كِنَانِيٌّ هَلَّا قَالُوا إذَا فُقِدَ كِنَانِيٌّ وَلِيَ خُزَيْمِيٌّ ، وَهَكَذَا يَرْتَقِي إلَى أَبٍ بَعْدَ أَبٍ حَتَّى يُنْتَهَى إلَى إسْمَاعِيلَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي فَمَا ذَكَرُوهُ مِثَالٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْأَخِيرِ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ فَوْقَ عَدْنَانَ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ ، وَلَا يُمْكِنُ حِفْظُ النَّسَبِ فِيهِ مِنْهُ إلَى إسْمَاعِيلَ .
( قَوْلُهُ : فَيَشْتَرِطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا ) لِيُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ ، مُكَلَّفًا لِيَلِيَ أَمْرَ غَيْرِهِ ، عَدْلًا لِيُوثَقَ بِهِ ، حُرًّا ذَكَرًا لِيَكْمُلَ وَيُهَابَ وَيَتَفَرَّغَ وَيُخَالِطَ الرِّجَالَ ، مُجْتَهِدًا لِيَعْلَمَ ، وَلَا يَتَعَطَّلَ بِالِاسْتِفْتَاءِ ( قَوْلُهُ : عَدْلًا ) هَذَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى وِلَايَةِ فَاسِقٍ جَازَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْوَصَايَا ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إذَا تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ قَدَّمْنَا أَقَلَّهُمْ فِسْقًا ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِ النَّاسِ فَوْضَى ، وَقَوْلُهُ ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ( قَوْلُهُ : حُرًّا ذَكَرًا ) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي الْإِمَامَةَ الْخَاصَّةَ بِالرِّجَالِ فَكَيْفَ تَلِي الْإِمَامَةَ الْعَامَّةَ الَّتِي تَقْتَضِي الْبُرُوزَ ، وَعَدَمَ التَّحَرُّزِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي الْوِلَايَاتِ الْخَاصَّةَ فَالْعَامَّةُ أَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُهَابُ ، وَلَا يَتَفَرَّغُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ وَلِيَ الْخُنْثَى ثُمَّ بَانَ ذَكَرًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْقَاضِي ، وَأَوْلَى ( قَوْلُهُ : مُجْتَهِدًا ) ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أُمُورِ الدِّينِ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَوْ كَانَ مُقَلِّدًا لَاحْتَاجَ إلَى مُرَاجَعَةِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفَاصِيلِ الْوَقَائِعِ فَيَخْرُجُ عَنْ رُتْبَةِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَيَفُوتُ مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ مَا لَا يَتَنَاهَى ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَيْثُ قَالَ : لَوْ اجْتَمَعَ عَدْلٌ جَاهِلٌ ، وَعَالِمٌ فَاسِقٌ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّعْوِيضِ إلَى الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَيَسْتَشِيرُهُمْ فَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ عُمِلَ بِهِ وَيَمْضِي الْحُكْمُ
فِيهِ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ كَمَا ، قَالَهُ الْإِمَامُ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْتَهِدِينَ .
( تَنْبِيهٌ ) شَمَلَ قَوْلُهُمْ مُجْتَهِدًا الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ وَمُجْتَهِدَ الْمَذْهَبِ وَمُجْتَهِدَ الْفُتْيَا قَوْلُهُ : لِخَبَرِ النَّسَائِيّ { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا } ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ فُقِدَ قُرَشِيٌّ إلَخْ ) ، قَالَ الْإِمَامُ لَوْ عُقِدَتْ لِغَيْرِ قُرَشِيٍّ لِلْعَدَمِ ثُمَّ نَشَأَ قُرَشِيٌّ بِالشُّرُوطِ فَإِنْ عَسُرَ خَلْعُ الْأَوَّلِ أُقِرَّ ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عِنْدِي تَسْلِيمُ الْأَمْرِ لِلْقُرَشِيِّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إلَى جُرْهُمَ ) هُمْ الَّذِينَ رَبَّوْا إسْمَاعِيلَ ، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةَ النُّهُوضِ ) كَالنَّقْصِ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ ( وَ ) أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ ( نَظَرٌ لَا يُمَيِّزُ بِهِ الْأَشْخَاصَ ، وَلَا يَضُرُّ فَقْدُ ذَوْقٍ ) وَشَمٍّ ( وَلَا قَطْعِ ذَكَرٍ وَنَحْوِهِ ) كَالْأُنْثَيَيْنِ ( وَلَا يَضُرُّ عَشَا الْعَيْنِ ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْقَصْرِ ( ؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ ) عَنْ النَّظَرِ إنَّمَا هُوَ ( حَالُ الِاسْتِرَاحَةِ ) وَيُرْجَى زَوَالُهُ .
( وَتَنْعَقِدُ ) الْإِمَامَةُ ( بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ الْأَوَّلُ الْبَيْعَةُ ) كَمَا بَايَعَ الصَّحَابَةُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( ، وَلَا تَنْعَقِدُ ) الْبَيْعَةُ ( إلَّا بِعَقْدِ ذَوِي عَدَالَةٍ ، وَعِلْمٍ وَرَأْيٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ ) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَسَائِرِ وُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ حُضُورُهُمْ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَنْتَظِمُ بِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ سَائِرُ النَّاسِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْأَصْقَاعِ بَلْ إذَا وَصَلَ الْخَبَرُ إلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ لَزِمَهُمْ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُتَابَعَةُ ( وَلَوْ كَانَ أَهْلُهُ ) الْأَوْلَى أَهْلُهَا ( وَاحِدًا يُطَاعُ كَفَى ) فِي الْبَيْعَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَصْقَاعُ ) جَمْعُ صُقْعٍ ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ صِحَاحٌ .
( وَيُشْتَرَطُ ) لِانْعِقَادِهَا ( الْإِشْهَادُ ) بِشَاهِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا وَاحِدٌ ( لَا إنْ عَقَدَهَا جَمَاعَةٌ ) كَذَا صَحَّحَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَأَصْلِهِ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ إطْلَاقَ وَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَحَكَى بَعْدَ تَصْحِيحِهِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ أَصْحَابِنَا اشْتِرَاطَ حُضُورِ الشُّهُودِ لِئَلَّا يَدَّعِيَ عَقْدَ سَابِقٍ ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ دُونَ النِّكَاحِ .
انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِشْهَادُ فِي الشِّقَّيْنِ أَوْ لَا يُشْتَرَطَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّفْصِيلِ إلَخْ ) الْأَوْجَهُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ
الطَّرِيقُ ( الثَّانِي اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ ) لِغَيْرِهِ ( وَلَوْ لِوَلَدِهِ ) أَيْ جَعْلُهُ خَلِيفَةً بَعْدَهُ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِعَهْدِهِ إلَيْهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ مِنْ الدُّنْيَا ، وَأَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ أَنِّي اسْتَعْمَلْت عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَإِنْ بَرَّ ، وَعَدَلَ فَذَلِكَ عِلْمِي بِهِ وَرَأْيِي فِيهِ ، وَإِنْ جَارَ وَبَدَّلَ فَلَا عِلْمَ لِي بِالْغَيْبِ ، وَالْخَيْرَ أَرَدْت وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ ، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِمَامُ الْجَامِعُ لِلشُّرُوطِ فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِخْلَافِ الْجَاهِلِ وَالْفَاسِقِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ ( بِشَرْطِ الْقَبُولِ ) مِنْ الْخَلِيفَةِ ( فِي حَيَاتِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ، وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ .
انْتَهَى .
فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ حَيَاتِهِ رَجَعَ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَى الْإِيصَاءِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ ( وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى الْأَصْلَحَ ) لِلْإِمَامَةِ أَيْ يَجْتَهِدَ فِيهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ وَلَّاهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ لِوَلَدِهِ ) أَوْ وَالِدِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِمَامُ الْجَامِعُ لِلشُّرُوطِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ ) ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْإِيصَاءِ ، وَلَوْ شَبَّهَ بِالْإِيصَاءِ لِمَا كَانَ قَبُولُهُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ فِي الْوِصَايَةِ .
( وَلَهُ جَعْلُهَا ) أَيْ الْخِلَافَةَ ( لِزَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَهُ لِعَمْرٍو ثُمَّ ) بَعْدَهُ ( لِبَكْرٍ ) ، وَتَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ عَلَى مَا رَتَّبَ كَمَا رَتَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَ جَيْشِ مُؤْتَةَ فَيَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً مُتَرَتِّبِينَ ( وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ ) ، وَلَمْ يُشَاوِرْ أَحَدًا ( فَإِنْ جَعَلَهَا شُورَى ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بَعْدَهُ ( تَعَيَّنَ مَنْ عَيَّنُوهُ ) مِنْهُمْ ( بَعْدَ مَوْتِهِ ) كَمَا جَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ ، وَعُثْمَانَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( لَا قَبْلَهُ ) فَلَا يَتَعَيَّنُ مَنْ عَيَّنُوهُ بَلْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوا أَحَدًا حِينَئِذٍ ( إلَّا بِإِذْنِهِ ، فَإِنْ خَافُوا الْفُرْقَةَ ) أَيْ تَفَرُّقَ الْأَمْرِ وَانْتِشَارَهُ بَعْدَهُ ( اسْتَأْذَنُوهُ ) فَإِنْ أَذِنَ فَعَلُوهُ ( وَلَا يَلْزَمُهُمْ التَّعْيِينُ ) فِيمَا إذَا جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ بَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ كَمَا لَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا شُورَى .
( وَلَوْ أَوْصَى بِهَا جَازَ ) كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ لَكِنْ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيَتَعَيَّنُ مَنْ اخْتَارَهُ لِلْخِلَافَةِ ) بِالِاسْتِخْلَافِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْقَبُولِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهُ .
فَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مُتَرَتِّبِينَ فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ فَالْخِلَافَةُ لِلثَّانِي أَوْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَلِلثَّالِثِ ( فَإِنْ اسْتَعْفَى ) الْخَلِيفَةُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ ( لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يُعْفَى وَيُوجَدَ غَيْرُهُ ) فَإِنْ عُفِيَ بَعْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ انْعَزَلَ ، عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ ، وَإِعْفَاؤُهُ وَخَرَجَ مِنْ الْعَهْدِ بِاجْتِمَاعِهِمَا ، وَإِلَّا امْتَنَعَا وَبَقِيَ
الْعَهْدُ لَازِمًا ، وَشُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَيَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً مُتَرَتِّبِينَ ) .
فَلَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ فَالْخِلَافَةُ لِلثَّانِي أَوْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَلِلثَّالِثِ ، وَلَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ وَالثَّلَاثَةُ أَحْيَاءٌ وَانْتَصَبَ الْأَوَّلُ ، وَأَرَادَ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ ، وَلَمْ يَعْهَدْ إلَى أَحَدٍ فَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَيْعَةِ مُبَايَعَةُ غَيْرِ الثَّانِي وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى مَنْ يَخْتَارُ خَلِيفَةً بَعْدَهُ ، وَلَا يَصِحُّ اخْتِيَارُ غَيْرِهِ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ ) ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَك أَنْ تَقُولَ هَذَا التَّوْجِيهُ يُشْكِلُ بِكُلِّ وِصَايَةٍ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مَنْ جَعَلَهُ خَلِيفَةً فِي حَيَاتِهِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ اسْتِنَابَتَهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا عَهْدًا بِالْإِمَامَةِ أَوْ يُرِيدَ جَعْلَهُ إمَامًا فِي الْحَالِ ، وَهُوَ إمَّا خَلْعُ النَّفْسِ أَوْ اجْتِمَاعُ إمَامَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ جَعَلْته خَلِيفَةً أَوْ إمَامًا بَعْدَ مَوْتِي فَهَذَا هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ جَعَلْته خَلِيفَةً أَوْ إمَامًا بَعْدَ مَوْتِي ، قَالَ الْإِسْنَوِيِّ : وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا وَبَيْنَ عَقْدِهَا لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَجَوَابُ إشْكَالِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ فِي حَيَاتِهِ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمَحْذُورُ مِنْ اجْتِمَاعِ خَلِيفَتَيْنِ اخْتِلَافُ الْكَلِمَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُنَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْعُ الْآخَرِ ، وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَوْتِهِ ، وَجُوِّزَ ذَلِكَ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَلِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ جَمْعًا لِلْكَلِمَةِ
( وَيَصِحُّ اسْتِخْلَافُ غَائِبٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا جُهِلَتْ ( وَيَسْتَقْدِمُ ) أَيْ يَطْلُبُ قُدُومَهُ بِأَنْ يَطْلُبَهُ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ ( بَعْدَ الْمَوْتِ ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ ( فَإِنْ بَعُدَ ) قُدُومُهُ بِأَنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ ( وَتَضَرَّرُوا ) أَيْ الْمُسْلِمُونَ بِتَأَخُّرِ النَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ ( عُقِدَتْ ) أَيْ الْخِلَافَةُ أَيْ عَقَدَهَا أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ ( لِنَائِبٍ ) عَنْهُ بِأَنْ يُبَايِعُوهُ بِالنِّيَابَةِ دُونَ الْخِلَافَةِ ( وَيَنْعَزِلُ بِقُدُومِهِ ، وَلَهُ ) أَيْ لِلْإِمَامِ ( تَبْدِيلُ وَلِيِّ عَهْدِ غَيْرِهِ ) فَلَوْ جُعِلَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مُتَرَتِّبِينَ وَمَاتَ ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ فَانْتَصَبَ الْأَوَّلُ لِلْخِلَافَةِ فَلَهُ تَبْدِيلُ الْأَخِيرَيْنِ بِغَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَ أَمْلَكَ بِهَا ( لَا ) تَبْدِيلَ وَلِيِّ ( عَهْدِهِ ) إذْ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ بِلَا سَبَبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا لَهُ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ .
( وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْعَهْدِ نَقْلُهَا ) أَيْ الْخِلَافَةَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي ( وَلَا عَزْلُ نَفْسِهِ ) اسْتِقْلَالًا ( وَ ) إنَّمَا ( يَنْعَزِلُ بِالتَّرَاضِي ) مِنْهُ وَمِنْ الْإِمَامِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) فَإِنْ تَعَيَّنَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِمَامِ لَمْ يَنْعَزِلْ ( وَإِنْ خُلِعَ الْإِمَامُ ) بِأَنْ خَلَعَهُ غَيْرُهُ ، وَلَيْسَ بِجَائِزٍ ( بِغَيْرِ سَبَبٍ لَمْ يَنْخَلِعْ ) إذْ لَوْ انْخَلَعَ لَمْ يُؤْمَنْ تَكَرُّرُ التَّوْلِيَةِ وَالِانْخِلَاعِ وَفِي ذَلِكَ سُقُوطُ الْهَيْبَةِ ( وَكَذَا لَوْ خَلَعَ نَفْسَهُ ) لَمْ يَنْخَلِعْ إلَّا ( لِعَجْزٍ ) مِنْهُ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَنْخَلِعُ فَقَوْلُهُ ( وَنَحْوُهُ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( وَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ مَا دَامَ الْأَمْرُ لَهُ ) أَيْ قَبْلَ خَلْعِهِ نَفْسَهُ فَإِنْ وَلَّاهُ حِينَئِذٍ انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ ، وَإِلَّا فَيُبَايِعُ النَّاسُ غَيْرَهُ .
( قَوْلُهُ : إلَّا لِعَجْزٍ وَنَحْوِهِ ) أَيْ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( صَلُحَ لَهَا اثْنَانِ اُسْتُحِبَّ ) لِأَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ ( تَقْدِيمُ أَسَنِّهِمَا ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ ( ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ الْحُرُوبُ ) بِظُهُورِ الْبُغَاةِ ، وَأَهْلِ الْفَسَادِ ( فَالْأَشْجَعُ ) أَحَقُّ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الشَّجَاعَةِ ( أَوْ ) كَثُرَتْ ( الْبِدَعُ فَالْأَعْلَمُ ) أَحَقُّ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الْعِلْمِ لِسُكُونِ الْفِتَنِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ ( ثُمَّ ) إنْ تَسَاوَيَا فِيمَا ذُكِرَ اُعْتُبِرَتْ ( الْقُرْعَةُ ) لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ مَنْ شَاءُوا بِلَا قُرْعَةٍ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ تَنَازَعَاهَا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِمَا ) تَنَازُعُهُمَا ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا لَيْسَ مَكْرُوهًا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقْرَعُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَازَعَاهَا ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقْرَعُ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَاضِحٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا زِيَادَةُ تَجْرِبَتِهِ الْأُمُورَ بِخِلَافِهِ ثَمَّ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الطَّرِيقُ الثَّالِثُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهَا ذُو شَوْكَةٍ ، وَلَوْ ) كَانَ ( غَيْرَ أَهْلٍ ) لَهَا كَأَنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ جَاهِلًا ( فَتَنْعَقِدُ لِلْمَصْلَحَةِ ) ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِفِعْلِهِ ( وَكَذَا ) تَنْعَقِدُ ( لِمَنْ قَهَرَهُ ) عَلَيْهَا فَيَنْعَزِلُ هُوَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُهِرَ عَلَيْهَا مَنْ انْعَقَدَتْ إمَامَتُهُ بِبَيْعَةٍ أَوْ عَهْدٍ فَلَا تَنْعَقِدُ لَهُ ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْمَقْهُورُ ( وَلَا يَصِيرُ أَحَدٌ إمَامًا بِمُجَرَّدِ ) حُصُولِ ( الْأَهْلِيَّةِ ) أَيْ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ ( بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحْدَى الطُّرُقِ ) السَّابِقَةِ .
( قَوْلُهُ : كَأَنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ جَاهِلًا ) أَيْ أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ رَقِيقًا .
( فَصْلٌ : تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ ) ، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا ( فِيمَا يَجُوزُ ) فَقَطْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِخَبَرِ { اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ } وَخَبَرِ { مَنْ نَزَعَ يَدَهُ مِنْ طَاعَةِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ } وَخَبَرِ { مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدَهُ مِنْ طَاعَتِهِ } رَوَاهَا مُسْلِمٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ اتِّحَادُ الْكَلِمَةِ وَدَفْعُ الْفِتَنِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ ( وَ ) تَجِبُ ( نَصِيحَتُهُ فِيمَا يَقْدِرُ ) أَيْ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ .
( قَوْلُهُ : مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ ) ضَبَطَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَاءِ وَالدَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَمَعْنَاهُ عَلَى كِلَيْهِمَا مُقَطَّعُ الْأَطْرَافِ .
( وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِإِمَامَيْنِ ) فَأَكْثَرَ ، وَلَوْ بِأَقَالِيمَ ( وَلَوْ تَبَاعَدَتْ الْأَقَالِيمُ ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ الرَّأْيِ ، وَتَفَرُّقِ الشَّمْلِ ( فَإِنْ عُقِدَتَا ) أَيْ الْإِمَامَتَانِ لِاثْنَيْنِ ( مَعًا بَطَلَتَا أَوْ مُرَتَّبًا انْعَقَدَتْ لِلسَّابِقِ ) كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ ( وَيُعَزَّرُ الْآخَرُونَ ) أَيْ الثَّانِي وَمُبَايِعُوهُ ( إنْ عَلِمُوا ) بَيْعَةَ السَّابِقِ لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا .
وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { إذَا بُويِعَ لِلْخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا } فَمَعْنَاهُ لَا تُطِيعُوهُ فَيَكُونُ كَمَنْ قُتِلَ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ أَصَرَّ فَهُوَ بَاغٍ يُقَاتَلُ ( فَإِنْ جُهِلَ سَبْقٌ أَوْ ) عُلِمَ لَكِنْ جُهِلَ ( سَابِقٌ فَكَمَا ) مَرَّ ( فِي ) نَظِيرِهِ مِنْ ( الْجُمُعَةِ ) وَالنِّكَاحِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ ( وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ وُقِفَ ) الْأَمْرُ رَجَاءَ الِانْكِشَافِ ( فَإِنْ أَضَرَّ الْوَقْفُ ) بِالْمُسْلِمِينَ ( عُقِدَ لِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَهُمَا أَوْجَبَ صَرْفَهَا عَنْ غَيْرِهِمَا ، وَإِنْ بَطَلَ عَقْدَاهُمَا بِالْإِضْرَارِ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ جَوَازُ عَقْدِهَا لِغَيْرِهِمَا إذْ هُوَ مُقْتَضَى بُطْلَانِ عَقْدِهِمَا ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ ( وَالْحَقُّ ) فِي الْإِمَامَةِ ( لِلْمُسْلِمِينَ ) لَا لَهُمَا ( فَلَا تُسْمَعُ ) ( دَعْوَاهُمَا ) أَيْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا ( السَّبْقَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ) أَحَدُهُمَا ( لِلْآخَرِ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَلَا يَثْبُتُ ) الْحَقُّ ( لِلْآخَرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) تَشْهَدُ لَهُ بِسَبْقِهِ ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ إنَّ الصَّوَابَ ثُبُوتُهُ لَهُ بِالْإِقْرَارِ لِانْحِصَارِ الْحَقِّ فِيهِ حِينَئِذٍ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا كَمَا عُرِفَ ( وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقِرِّ ) بِالسَّبْقِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْآخَرِ ( مَعَ آخَرَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ مُنَاقِضٌ ) لَهَا بِأَنْ كَانَ يَدَّعِيَ اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ قَبْلَ إقْرَارِهِ فَإِنْ سَبَقَ مُنَاقِضٌ بِأَنْ كَانَ يَدَّعِي السَّبْقَ لَمْ
تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ عُقْدَتَا مَعًا بَطَلَتَا ) ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا النُّبُوَّةُ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِشَرِيعَتَيْنِ لَا يُطَاعُ إمَامَانِ وَلِئَلَّا تَخْتَلِفَ الْكَلِمَةُ لِاخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ وَيُخَالِفُ قَاضِيَيْنِ فِي الْبَلَدِ عَلَى الشُّيُوعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنَّ الْإِمَامَ وَرَاءَهُمَا يَفْصِلُ مَا تَنَازَعَا فِيهِ قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ : وَيَنْعَزِلُ الْإِمَامُ بِعَمًى وَصَمَمٍ وَخَرَسٍ وَمَرَضٍ يُنْسِيه الْعُلُومَ ، وَجُنُونٍ ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِمَامَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ : فَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ فَالْوِلَايَةُ لِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَخَافَ فِتْنَةً فَهِيَ لِلْأَوَّلِ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لِلثَّانِي مُطْلَقًا ( لَا إنْ كَثُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ ) مِنْ جُنُونِهِ ( وَتَمَكَّنَ فِيهِ مِنْ أُمُورِهِ ) أَيْ مِنْ قِيَامِهِ بِهَا فَلَا يَنْعَزِلُ ( ، وَلَا ) يَنْعَزِلُ ( إنْ فَسَقَ ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْإِغْمَاءِ كَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قَلَّ زَمَنُهُ ، وَلَمْ يَتَكَرَّرْ ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ زَمَنُهُ ، وَتَكَرَّرَ بِحَيْثُ يَقْطَعُهُ عَنْ النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ فَلَا ( ، وَلَا ) يَنْعَزِلُ ( بِثِقَلِ سَمْعٍ ، وَتَمْتَمَةِ لِسَانٍ وَفِي مَنْعِهِمَا ) الْإِمَامَةُ ( ابْتِدَاءً خِلَافٌ ) وَالْأَقْرَبُ لَا كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الدَّوَامِ ) بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ إذْ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لِلثَّانِي مُطْلَقًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قَلَّ زَمَنُهُ إلَخْ ) مَحْمَلُ كَلَامِهِمْ الشِّقُّ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ : وَالْأَقْرَبُ لَا ) هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ أَيْ وَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ
( فَصْلٌ : لَا يَنْعَزِلُ إمَامٌ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ لَهُمْ إمَامٌ إلَّا إنْ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ ) فَيَنْعَزِلُ ( فَحِينَئِذٍ لَا يُؤَثِّرُ عَهْدُهُ ) لِغَيْرِهِ بِالْإِمَامَةِ ( وَتُعْقَدُ لِغَيْرِهِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ عَهِدَ لِغَيْرِهِ قَبْلَ الْيَأْسِ لِبَقَائِهِ عَلَى إمَامَتِهِ ( وَإِنْ خُلَّصُ مِنْ الْأَسْرِ بَعْدَ الْيَأْسِ لَمْ يَعُدْ ) إلَى إمَامَتِهِ بَلْ يَسْتَقِرُّ فِيهَا وَلِيُّ عَهْدِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبُغَاةِ إمَامٌ لَمْ يَنْعَزِلْ ) الْإِمَامُ الْمَأْسُورُ ، وَإِنْ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ ( وَيَسْتَنِيبُ ) عَنْ نَفْسِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ ( ثُمَّ يُسْتَنَابُ عَنْهُ إنْ عَجَزَ ) عَنْهَا فَلَوْ خَلَعَ الْأَسِيرُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَصِرْ الْمُسْتَنَابُ إمَامًا .
( فَرْعٌ : يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ خَلِيفَةً ، وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَ الْمَاضِي وَخَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ ، وَقَامَ بِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ ( لَا خَلِيفَةُ اللَّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ يَغِيبُ وَيَمُوتُ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ، وَقِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِقِيَامِهِ بِحُقُوقِهِ فِي خَلْقِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ } قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ مَعَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ قَالَ الْبَغَوِيّ : وَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَ تَعَالَى { إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } ، وَقَالَ { يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ } ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ .
( بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ ) جَمْعُ بَاغٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ ، وَقِيلَ لِطَلَبِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { ، وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } الْآيَةَ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ لِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى ( وَفِيهِ أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِمْ ، وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَنْ الطَّاعَةِ ) لِإِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ ، وَلَوْ جَائِرًا بِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ ( بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ ) بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ ، وَتَأْوِيلُ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ ، وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إنْ كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ ، وَلَوْ بِحِصْنٍ ) بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى احْتِمَالِ كُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ ، وَإِعْدَادِ رِجَالٍ وَنَصْبِ قِتَالٍ وَنَحْوِهَا لِيَرُدَّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ .
( وَ ) كَانَ ( فِيهِمْ مُطَاعٌ ) لِيَحْصُلَ بِهِ قُوَّةُ الشَّوْكَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الشَّوْكَةَ تَحْصُلُ بِالتَّقَوِّي بِالْحِصْنِ أَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ أَصْلِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ ، وَعَدَدٌ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ قَالَ ، وَلَوْ تَقَوَّى قَوْمٌ قَلِيلٌ بِحِصْنٍ فَوَجْهَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ إنْ كَانَ الْحِصْنُ بِحَافَةِ الطَّرِيقِ وَكَانُوا يَسْتَوْلُونَ بِسَبَبِهِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَرَاءَ الْحِصْنِ
ثَبَتَ لَهُمْ الشَّوْكَةُ وَحُكْمُ الْبُغَاةِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَقَضِيَّةُ أَهْلِ النَّاحِيَةِ ، وَإِلَّا فَلَيْسُوا بُغَاةً ، وَلَا يُبَالِي بِتَعْطِيلِ عَدَدٍ قَلِيلٍ ( وَيَجِبُ قِتَالُهُمْ ) فَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ( وَلَيْسُوا فَسَقَةً ) كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَفَرَةً ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ بِاعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ ( وَلَا اسْمَ الْبَغْيِ ذَمًّا وَالْأَحَادِيثُ ) الْوَارِدَةُ ( فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِيمَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ كَحَدِيثِ { مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا } وَحَدِيثِ { مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ } وَحَدِيثِ { مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ } ( مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ ) عَنْ الطَّاعَةِ ( بِلَا تَأْوِيلٍ ) أَوْ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ قَطْعًا .
( بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ ) ( قَوْلُهُ : وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ ) قَاتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ مَعَ عَائِشَةَ ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ السِّيرَةَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الصِّدِّيقِ وَفِي قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي قِتَالِهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ قَتَلَتْك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ } ( قَوْلُهُ : وَلَوْ جَائِرًا ) ، وَإِنْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْجَائِرِ لَيْسَ بَغْيًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ بَغْيٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْجَوْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ وَنُوزِعَ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِخُرُوجِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِلَا عُذْرٍ ، وَلَا تَأْوِيلٍ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبُغَاةِ الْإِسْلَامُ فَالْمُرْتَدُّونَ إذَا نَصَبُوا الْقِتَالَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَوْلُهُ : إنْ كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ إلَخْ ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ آخَرَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُمْ ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ صِفِّينَ ، وَأَهْلَ الْجَمَلِ لَمْ يُنَصِّبُوا لَهُمْ إمَامًا وَحُكْمُ الْبُغَاةِ شَامِلٌ لَهُمْ .
( قَوْلُهُ : وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَصَّلَ
فَيُقَالَ إنْ كَانَ الْحِصْنُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ إلَخْ ) رُبَّمَا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهَا التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ ( قَوْلُهُ : كَحَدِيثِ { مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ } إلَخْ ) وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ ، وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { مَنْ مَاتَ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إمَامُ جَمَاعَةٍ فَإِنَّ مَوْتَتَهُ مَوْتُ جَاهِلِيَّةٍ } وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ { فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ فَيَمُوتُ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
( وَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِمْ الشُّرُوطُ ) الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ وَالْخَوَارِجُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ ( فَلَيْسَ لَهُمْ حُكْمُهُمْ ) أَيْ الْبُغَاةِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ وَكِيلُ امْرَأَةٍ قَتَلَ عَلِيٌّ أَبَاهَا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ، وَلَمْ يُعْطَ حُكْمُهُمْ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ شَوْكَتِهِ .
( فَرْعٌ : الْخَوَارِجِ قَوْمٌ ) مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ ( يُكَفِّرُونَ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً ) وَيَطْعَنُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ ، وَلَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ ( فَلَا يُقَاتَلُونَ ، وَلَا يُفَسَّقُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا ) وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَيُعَرِّضُ بِتَخْطِئَةِ تَحْكِيمِهِ فَقَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوهُ فِيهَا ، وَلَا الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا ، وَلَا نَبْدَأُ بِقِتَالِكُمْ نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ .
أَمَّا إذَا قَاتَلُوا ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ فَيُقَاتَلُونَ ، وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْأَصْلِ مَعَ هَذَا ، وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُمْ إنْ قَاتَلُوا فَهُمْ فَسَقَةٌ ، وَأَصْحَابُ نَهْبٍ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جُزْءٌ فِي الْمِنْهَاجِ ، وَأَصْلُهُ وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ ( وَإِنْ سَبُّوا الْأَئِمَّةَ وَغَيْرَهُمْ ) مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ ( عُزِّرُوا إلَّا إنْ عَرَّضُوا ) بِالسَّبِّ فَلَا يُعَزَّرُونَ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعَزِّرْ الَّذِي عَرَّضَ بِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَكَادُ تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يُعَرِّضُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَإِنْ قَتَلُوا أَحَدًا ) مِمَّنْ يُكَافِئُهُمْ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ ، وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهِمْ وَالِيًا فَقَتَلُوهُ ( اقْتَصَّ مِنْهُمْ ) كَغَيْرِهِمْ ( وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُمْ ) ، وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ .
( قَوْلُهُ : وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ ) كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ سَوَاءٌ كَانُوا بَيْنَنَا أَوْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَتِهِ ( قَوْلُهُ : فَقَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ إلَخْ ) ، قَالَ الْأَصْحَابُ وَاقْتُفِيَ فِي ذَلِكَ سِيرَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُنَافِقِينَ ( قَوْلُهُ : وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِمْ ) أَيْ الْبُغَاةِ ( فَنُجِيزُ ) نَحْنُ ( شَهَادَةَ الْبُغَاةِ وَنُنَفِّذُ قَضَاءَهُمْ فِيمَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاؤُنَا ) لِانْتِفَاءِ فِسْقِهِمْ ( إنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا ، وَلَمْ يَكُونُوا خِطَابِيَّةً ) ، وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ بِهِ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ فَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ عَدَمَ اسْتِحْلَالِهِمْ لِمَا ذُكِرَ بِأَنْ عَلِمْنَا اسْتِحْلَالَهُمْ لَهُ أَوْ لَمْ نَعْلَمْهُ امْتَنَعَ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْأُولَى إذَا اسْتَحَلُّوا ذَلِكَ بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا ، وَإِتْلَافِ أَمْوَالِنَا وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ التَّسْوِيَةِ فِي تَنْفِيذِ مَا ذُكِرَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَنَاقُضَ ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا خِطَابِيَّةً فَيُمْتَنَعُ مِنَّا ذَلِكَ أَيْضًا ، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ مُوَافِقِيهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ نَعَمْ لَوْ بَيَّنُوا فِي شَهَادَتِهِمْ السَّبَبَ قُبِلَتْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ كَمَا سَيَأْتِي .
ثَمَّ وَخَرَجَ بِمَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاؤُنَا غَيْرُهُ كَأَنْ حَكَمُوا بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَلَا نَنْفُذُهُ ( ، وَلَوْ كَتَبُوا بِحُكْمٍ ) مِنْهُمْ إلَى حَاكِمِنَا ( جَازَ تَنْفِيذُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ أُمْضِيَ وَالْحَاكِمُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ بَلْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ لِوَاحِدٍ مِنَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ تَنْفِيذِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَكَذَا ) لَوْ كَتَبُوا ( بِسَمَاعِ بَيِّنَةٍ ) يَجُوزُ لَنَا الْحُكْمُ بِهَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِرَعَايَانَا ( وَيُسْتَحَبُّ ) لَنَا ( أَنْ لَا نُنَفِّذَ حُكْمَهُمْ ) اسْتِخْفَافًا بِهِمْ ( وَلْيُعْتَدَّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ ) بِالْبَلَدِ الَّذِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ ( مِنْ حُدُودٍ ) ، وَتَعَازِيرَ ( وَخَرَاجٍ ) وَزَكَاةٍ (
وَجِزْيَةٍ ) لِاعْتِمَادِهِمْ التَّأْوِيلَ الْمُحْتَمِلَ فَأَشْبَهَ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ وَلِمَا فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّعِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : إنْ عَلِمْنَا اسْتِحْلَالَهُمْ لَهُ ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِسْقِ فِي مَعْنَاهُ ، وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي الْأُولَى إذَا اسْتَحَلُّوا ذَلِكَ بِالْبَاطِلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ) أَيْ إذَا اسْتَحَلُّوا ( قَوْلُهُ : بَلْ لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَخْ ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ وَالْكِتَابُ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَوْلَى حَتَّى يَجِبَ إنْفَاذُ الْحُكْمِ ، وَقَبُولُ الْكِتَابِ لِمَنْ هُوَ مِنَّا لَا مِنْهُمْ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ رَأَيْت الدَّارِمِيَّ ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ حَقٌّ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ ، وَجَبَ عَلَى الْقَاضِيَيْنِ الْأَخْذُ فَإِنْ تَرَكَا عَصَيَا .
ا هـ .
وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ الْمَذْكُورَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ خَاصَّةً ( قَوْلُهُ : فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ تَنْفِيذِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلْيَعْتَدَّ بِمَا اسْتَوْفَوْهُ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ مَحَلَّهُ فِي إمَامِ الْفِرْقَةِ الْبَاغِيَةِ فَأَمَّا آحَادُ رَعِيَّتِهِ الَّذِينَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ ذَلِكَ أَوْ الْفِرْقَةَ الَّتِي مَنَعَتْ وَاجِبًا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَلَى الْإِمَامِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ بِفِعْلِهَا ، قَالَ وَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّافِعِيُّ بِإِمَامِهِمْ .
ا هـ .
وَمَوْضِعُ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ وُلَاةُ أُمُورِهِمْ وَالْمُطَاعُ فِيهِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلِهَذَا فَرَضَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي إقَامَةِ الْإِمَامِ ر ( قَوْلُهُ : وَزَكَاةٌ ) ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَجَّلَةٍ أَوْ مُعَجَّلَةً وَاسْتَمَرَّتْ شَوْكَتُهُمْ حَتَّى وَجَبَتْ فَلَوْ زَالَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَقَعْ
مَا تَعَجَّلُوهُ مَوْقِعَهُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلًا لِلْأَخْذِ ، قَالَ : وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَدَقَةٌ عَامَّةٌ .
ا هـ .
، وَتَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ الِاعْتِدَادُ بِأَخْذِهِمْ الْحُقُوقَ بِأَنَّ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ إضْرَارًا بِالرَّعِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَا يُقَاسُونَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ س ، وَقَوْلُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلِمَا فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ إلَخْ ) ، وَقَدْ فَعَلَ عَلِيٌّ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ
( وَكَذَا لَوْ فَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ فِي جُنْدِهِمْ ) يُعْتَدُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُنْدِ الْإِسْلَامِ وَرُعْبُ الْكُفَّارِ قَائِمٌ بِهِمْ ( وَلَوْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ بِالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ اسْتِيفَاءَهُمْ ) مِنْهُ لَهُمَا ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ( لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُجْرَةٌ فَكَانَ الْمَطْلُوبُ بِهِمَا كَالْمُسْتَأْجِرِ ( بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَمُوَاسَاةٌ وَمَبْنَاهَا عَلَى الرِّفْقِ ( وَ ) بِخِلَافِ ( الْحَدِّ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ ، وَقَدْ أَنْكَرَ بِمَا يَدَّعِيهِ بَقَاءَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ كَالرُّجُوعِ ( لَا الْبَيِّنَةَ ) أَيْ لَا الْحَدُّ الثَّابِتُ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ بِهِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِيفَائِهِ ، وَلَا قَرِينَةَ تَدْفَعُهُ ( إلَّا إنْ بَقِيَ أَثَرُهُ ) عَلَى بَدَنِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلْقَرِينَةِ .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ ، وَمَا أَتْلَفُوهُ أَوْ أَتْلَفْنَاهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ) بِلَا ضَرُورَتِهَا ( مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ مَضْمُونٍ ) عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ ( وَمَا أَتْلَفْنَاهُ أَوْ أَتْلَفُوهُ بِضَرُورَةِ الْحَرْبِ فَهَدَرٌ ) اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ ، وَتَرْغِيبًا فِي الطَّاعَةِ ؛ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ فَلَا يُضْمَنُ مَا يُتَوَلَّدُ مِنْهُ ، وَهُمْ إنَّمَا أَتْلَفُوا بِتَأْوِيلٍ ( وَمَا أُتْلِفَ فِيهَا بِلَا حَاجَةٍ ) تَتَعَلَّقُ بِهَا ( ضُمِنَ ) كَالْمُتْلَفِ فِي غَيْرِهَا ( وَيَجِبُ رَدُّ الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الْقِتَالِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ ) إلَى أَرْبَابِهَا .
( قَوْلُهُ : مَا أَتْلَفُوهُ أَوْ أَتْلَفْنَاهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ إلَخْ ) اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ مَا إذَا قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ فَلَا ضَمَانَ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّا لَوْ غَرَّمْنَاهُمْ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُنَفِّرَهُمْ ذَلِكَ عَنْ الْعَوْدِ إلَى الطَّاعَةِ ، وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى التَّمَادِي فِيمَا هُمْ فِيهِ وَلِمِثْلِ ذَلِكَ أَسْقَطَ الشَّرْعُ التَّبَعَاتِ عَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْأُمَّةَ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُمْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَبَعَةً فِي دَمٍ ، وَلَا مَالٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا طَالَبَ أَحَدًا بِذَلِكَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ مَعَ مَعْرِفَةِ الْقَاتِلِ ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّمَانِ أَمَّا التَّحْرِيمُ فَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ لَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ ، وَلَا تَحْرِيمٍ ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْحَرْبِيُّونَ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( وَطِئَ بَاغٍ أَمَةَ عَادِلٍ ) بِلَا شُبْهَةٍ ( حُدَّ وَرُقَّ الْوَلَدُ ، وَلَا نَسَبَ ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ زِنًا ( وَمَتَى كَانَتْ مُكْرَهَةً ) عَلَى الْوَطْءِ ( لَزِمَهُ الْمَهْرُ ) كَغَيْرِهِ ( وَإِنْ وَطِئَهَا ) يَعْنِي أَمَةَ غَيْرِهِ ( حَرْبِيٌّ ) ، وَلَا شُبْهَةَ ، وَأَوْلَدَهَا ( رُقَّ الْوَلَدُ ) ، وَلَا نَسَبَ ( وَ ) لَكِنْ ( لَا حَدَّ ) عَلَيْهِ ( وَلَا مَهْرَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ .
( فَصْلٌ : الْمُتَأَوِّلُونَ بِلَا شَوْكَةٍ وَذَوُو الشَّوْكَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ لَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُمْ ، وَلَا يُعْتَدُّ بِحُقُوقٍ قَبَضُوهَا ) لِانْتِفَاءِ شُرُوطِهِمْ ( وَيَضْمَنُ الْمُتْلَفَاتِ ) ، وَلَوْ فِي الْحَرْبِ ( مَنْ لَا شَوْكَةَ لَهُ ) كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، وَإِلَّا لَأَبْدَتْ كُلُّ شِرْذِمَةٍ مَفْسَدَةً تَأْوِيلًا وَفَعَلَتْ مَا شَاءَتْ وَبَطَلَتْ السِّيَاسَاتُ ( وَذَوُو الشَّوْكَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ كَبَاغِينَ ) فِي الضَّمَانِ ، وَعَدَمِهِ فَلَا يَضْمَنُونَ الْمُتْلَفَاتِ لِحَاجَةِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَنْ الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا مَالًا أَوْ نَفْسًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا ، وَأَسْلَمُوا فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ لِجِنَايَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْحِيحِ جَمَاعَاتٍ ، وَقَطْعٍ آخَرِينَ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْوَجْهُ وَحَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَحَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ ) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ وَضَمَانُهُمْ كَالْبُغَاةِ ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا مَالًا أَوْ نَفْسًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا ، وَأَسْلَمُوا فَفِي ضَمَانِهِمْ الْقَوْلَانِ كَالْبُغَاةِ ، وَقَوْلُهُ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِهِمْ وَالْمَقْصُودُ بِهِ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ ) لَا نَفْيُهُمْ ، وَقَتْلُهُمْ فَيُقَاتَلُونَ ( كَالصَّائِلِ فَلَا يُقَاتِلُهُمْ ) الْإِمَامُ ( حَتَّى ) يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا ( يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ ) أَيْ يَكْرَهُونَ ( فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةٌ ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا ( أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا ) عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى الطَّاعَةِ ( فَإِنْ أَبَوْا ) عَنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِزَالَةِ ( وَعَظَهُمْ ) ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَوْدِ إلَى الطَّاعَةِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ أَهْلِ الدِّينِ وَاحِدَةً ( ثُمَّ ) إذَا لَمْ يَتَّعِظُوا ( يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْمُنَاظَرَةَ فَإِنْ أَصَرُّوا ) عَلَى إبَائِهِمْ ( آذَنَهُمْ ) بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمَهُمْ ( بِالْقِتَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( اسْتَنْظَرُوهُ ) أَيْ طَلَبُوا مِنْهُ الْإِنْظَارَ ( وَلَهُ ) فِيهِ ( مَصْلَحَةٌ ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِنْظَارَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ ( أَنْظَرَهُمْ ) بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ ( لَا إنْ خَشِيَ مَضَرَّةً ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِنْظَارَهُمْ لِتَقَوِّيهِمْ كَاسْتِلْحَاقِ مَدَدٍ فَلَا يُنْظِرُهُمْ ( وَإِنْ بَذَلُوا مَالًا وَرَهَنُوا أَوْلَادًا ) وَنِسَاءً لِاحْتِمَالِ تَقَوِّيهِمْ وَاسْتِرْدَادِهِمْ ذَلِكَ ، وَإِذَا كَانَ بِأَهْلِ الْعَدْلِ ضَعْفٌ أَخَّرَ الْقِتَالَ لِلْخَطَرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ سَأَلُوا الْكَفَّ عَنْهُمْ حَالَ الْحَرْبِ لِيُطْلِقُوا أَسْرَانَا وَبَذَلُوا ) بِذَلِكَ ( رَهَائِنَ قَبِلْنَاهَا ) اسْتِيثَاقًا وَاسْتِمَالَةً لِأَسْرَانَا ( فَإِنْ قَتَلُوا الْأُسَارَى لَمْ تُقْتَلْ الرَّهَائِنُ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُمْ ( بَلْ يُطْلِقُهُمْ كَأُسَارَاهُمْ ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ أَطْلَقُوهُمْ أَطْلَقْنَاهُمْ .
( قَوْلُهُ : الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِهِمْ إلَخْ ) إنَّمَا يَجِبُّ قِتَالَهُمْ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أُمُورٍ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ نَعَمْ لَوْ مَنَعُوا الزكاوات ، وَقَالُوا نُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنَّا فَفِي وُجُوبِ قِتَالِهِمْ قَوْلَانِ ، وَقِيَاسُ قَوْلِهِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يُبَاحُ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا إلَخْ ) فِي كَوْنِ الْبَعْثِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا خِلَافٌ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْأَوَّلِ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ خَلَائِقُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبْعُوثِ أَمِينًا نَاصِحًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَطِنًا فَالظَّاهِرُ كَمَا ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَعَثَهُ لِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ فَمُسْتَحَبٌّ أَوْ لِلْمُنَاظَرَةِ ، وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَهُّلِهِ لِذَلِكَ ، وَلَمْ أَرَ هَذَا مَنْقُولًا وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ ، وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَبَوْا ، وَعَظَهُمْ ثُمَّ يَعْرِضُ الْمُنَاظَرَةَ إلَخْ ) قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُرَاعَاةُ هَذَا التَّدْرِيجِ فِي الْقِتَالِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَقَالَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى فَإِذَا أَمْكَنَ الدَّفْعُ بِالْقَوْلِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ شَهْرِ السِّلَاحِ ، وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْأَمْرُ لَا يَدُلُّ إلَى خُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْ الضَّبْطِ ( قَوْلُهُ : أَيْ أَعْلَمَهُمْ ) وُجُوبًا ( قَوْلُهُ : بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ ) فَلَا تَتَقَدَّرُ مُدَّةُ الْإِمْهَالِ وَفِي التَّهْذِيبِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَفِي
الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَفِي الْعُمْدَةِ لِلْفُورَانِيِّ إنْ رَجَا رُجُوعَهُمْ ، وَتَوْبَتَهُمْ أَنْظَرَهُمْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى فِي أَهْلِ الْعَدْلِ ضَعْفًا .
( فَإِنْ انْهَزَمُوا مُتَبَدِّدِينَ ) أَيْ مُتَفَرِّقِينَ بِحَيْثُ بَطَلَتْ شَوْكَتُهُمْ وَاتِّفَاقُهُمْ ( لَمْ نُتْبِعْهُمْ ، وَلَوْ خِفْنَا أَنْ يَجْتَمِعُوا ) فِي الْمَآلِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَا يُتَوَقَّعُ ( أَوْ ) انْهَزَمُوا ( مُجْتَمَعِينَ تَحْتَ رَايَةِ زَعِيمِهِمْ اتَّبَعْنَاهُمْ ) حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ أَوْ يَتَبَدَّدُوا ( وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ عَجْزًا ) ، وَلَوْ غَيْرَ مُخْتَارٍ ( أَوْ أَلْقَى سِلَاحَهُ تَارِكًا الْقِتَالَ لَمْ يُقْتَلْ ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ لَمْ يُقَاتَلْ ، وَهِيَ أَوْلَى ، وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ أَلْقَى سِلَاحَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ تَرَكَ الْقِتَالَ ، وَهُوَ مَعَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِقِتَالِهِ الْكَفُّ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّرْكِ ( وَيُقَاتَلُ مُوَلٍّ ) ظَهْرَهُ ( تَحَرَّفَ لِلْقِتَالِ أَوْ تَحَيَّزَ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ لَا بَعِيدَةٍ ) لِأَمْنِ غَائِلَتِهِ فِي الْبَعِيدَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُتَوَقَّعُ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ انْهَزَمُوا مُتَبَدِّدِينَ لَمْ نُتْبِعْهُمْ ) فَلَا يُقَاتَلُ مُدْبِرُهُمْ ، وَلَا يُقْتَلُ مُثْخِنُهُمْ ، وَأَسِيرُهُمْ فَقَدْ أَمَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُنَادِيهِ يَوْمَ الْبَصْرَةِ لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى تَفِيءَ } وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ ، وَقَدْ زَالَ ( قَوْلُهُ : كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَا يُقْتَلُ مُثْخِنُهُمْ ) مَنْ أَثْخَنَهُ الْجُرْحُ أَيْ أَضْعَفَهُ ( وَلَا أَسْرَاهُمْ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى أَسْرَاهُمْ الرِّجَالِ ( التَّوْبَةُ ) وَبَيْعَةُ الْإِمَامِ ( وَيُطْلَقُونَ بَعْدَ ) انْقِضَاءِ ( الْحَرْبِ ) ، وَتَفَرُّقِ الْجَمْعِ ( إلَّا إنْ خِيفَ عَوْدُهُمْ ) إلَى الْقِتَالِ فَلَا يُطْلَقُونَ ، وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَبَعْضُهُ بِعَلَمِ مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ بَلْ إنْ جُعِلَ ضَمِيرُ عَوْدِهِمْ لِلْبُغَاةِ لَا لِلْأُسَارَى فَذَلِكَ كُلُّهُ تَكْرَارٌ ( فَلَوْ كَانُوا مُرَاهِقِينَ ، وَعَبِيدًا وَنِسَاءً غَيْرَ مُقَاتِلِينَ أَوْ أَطْفَالًا أُطْلِقُوا بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْبَيْعَةُ ، وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ إذْ لَا بَيْعَةَ لَهُمْ فَإِنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ فَهُمْ كَالرِّجَالِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ مِنْ أَنَّهُمْ كَغَيْرِ الْمُقَاتِلِينَ ( وَالْأَمْوَالُ ) الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ ( كَالْأَطْفَالِ ) فَتُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ ، وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ ( وَالْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ كَالْأُسَارَى ) فَيُرَدَّانِ إلَيْهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ إلَّا إنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ إلَى الْقِتَالِ ( وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا ) أَيْ الْأَمْوَالِ وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ فِي قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } ( إلَّا لِضَرُورَةٍ ) كَأَنْ تَعَيَّنَ السِّلَاحُ لِلدَّفْعِ وَالْخَيْلُ لِلْهَزِيمَةِ ( كَمَالِ ) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ ( الْغَيْرِ ) إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ ، وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ أُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِتَالِ لِلضَّرُورَةِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِمَا يَتْلَفُ فِي الْقِتَالِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ
نَشَأَتْ مِنْ الْمُضْطَرِّ بِخِلَافِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهَا إنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا أَسِيرَ لَهُمْ ) شَمَلَ مَا إذَا أَيِسَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاحِهِمْ لِتَمَكُّنِ الضَّلَالَةِ مِنْهُمْ وَخَشِيَ مِنْ شَرِّهِمْ ( قَوْلُهُ : لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا ) فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ ؛ لِأَنَّ الْمُدْبِرَ حَقِيقَةً مَنْ وَلَّى عَنْ الْحَرْبِ وَسَقَطَتْ شَوْكَتُهُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُ قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ أُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِتَالِ لِلضَّرُورَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَتَجِبُ أُجْرَتُهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا لِلضَّرُورَةِ وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا مِنْ طَعَامِهِمْ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ ) عِبَارَتُهُ ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْقِتَالِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَإِلَّا فَتَلْزَمُهُمْ الْأُجْرَةُ .
ا هـ .
وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي قِتَالِهِمْ ، وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ ، وَلَوْ فَعَلُوهُ ضَمِنُوا أَجْرَ الْمِثْلِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَتَجِبُ أُجْرَتُهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ .
( وَلَا نُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ ) وَيَعْظُمُ أَثَرُهُ ( كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ ) ، وَإِرْسَالِ السُّيُولِ الْجَارِفَةِ ( وَلَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيلَاءُ ) عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَأَنْ تَحَصَّنُوا بِبَلْدَةٍ ، وَلَمْ يَتَأَتَّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ ، وَقَدْ يَرْجِعُونَ فَلَا يَجِدُونَ لِلنَّجَاةِ سَبِيلًا ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ بَلْدَةٍ بِأَيْدِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَقَّعُ الِاحْتِيَالُ فِي فَتْحِهَا أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِئْصَالِهِمْ ( إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعٍ ) بِأَنْ خِيفَ اسْتِئْصَالُنَا بِهِمْ بِأَنْ أَحَاطُوا بِنَا وَاضْطُرِرْنَا إلَى دَفْعِهِمْ بِذَلِكَ أَوْ قَاتَلُونَا بِهِ وَاحْتَجْنَا إلَى دَفْعِهِمْ إلَى مِثْلِهِ فَيَجُوزُ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ بِهِ ( وَيَتَجَنَّبُ ) الْعَادِلُ نَدْبًا ( قَرِيبَهُ ) الْبَاغِي أَيْ قِتَالَهُ ( مَا أَمْكَنَ ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَالنَّارُ ) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا } ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِثْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ( قَوْلُهُ : بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَتَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ ) عَلَيْهِمْ ( بِكَافِرٍ ) ، وَلَوْ ذِمِّيًّا إذْ لَا يَجُوزُ تَسْلِيطُهُ عَلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ وَالْكُفَّارِ يَدِينُونَ بِقَتْلِهِمْ نَعَمْ يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَقَالُوا إنَّهُ مُتَّجَهٌ ( وَكَذَا ) يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَا يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ ( بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ ) لِعَدَاوَةٍ أَوْ لِاعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ إبْقَاءً عَلَيْهِمْ ، وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الشَّافِعِيِّ الْحَنَفِيَّ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَالْمَذْكُورُونَ هُنَا تَحْتَ رَأْيِ الْإِمَامِ فَفِعْلُهُمْ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلُوا بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ ( إلَّا إنْ احْتَجْنَاهُمْ ) أَيْ احْتَجْنَا إلَى مَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ ( وَلَهُمْ إقْدَامٌ ) أَيْ حُسْنُ إقْدَامٍ ( وَجَرَاءَةٍ ، وَأَمْكَنَ ) دَفْعُهُمْ عَنْهُمْ لَوْ اتَّبَعُوهُمْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ وَشَرَطْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُتْبِعُوا مُدْبِرًا ، وَلَا يَقْتُلُوا جَرِيحًا وَنَثِقُ بِوَفَائِهِمْ بِذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَالْكُفَّارُ يَدِينُونَ بِقَتْلِهِمْ ) مُقْبِلِهِمْ وَمُدْبِرِهِمْ ، وَجَرِيحِهِمْ ، وَأَسِيرِهِمْ ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَاصِرَهُمْ وَيَمْنَعَهُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ ) مَوْضِعُ الْمَنْعِ فِيمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى مَا رَأَيْنَاهُ فِيهِمْ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ ، وَإِلَّا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِيمَا يَرَاهُ مَذْهَبًا ، وَقَوْلُهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ وَشَرَطْنَا عَلَيْهِمْ إلَخْ ) ، قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ قُوَّتُنَا ، وَهُوَ إمْكَانُ دَفْعِهِمْ فِيهَا غُنْيَةً عَنْ ذَلِكَ
( وَإِنْ قُتِلَ ) وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ ( أَسِيرُهُمْ أَوْ مُثْخِنُهُمْ ) أَوْ مُدْبِرُهُمْ أَوْ ذُفِّفَ جَرِيحُهُمْ ( فَلَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ ) تَجْوِيزِ ( أَبِي حَنِيفَةَ ) قَتْلَهُ ( وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ ، وَجُمُوعُهُمْ بَاقِيَةٌ ) ، وَلَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ ( إلَّا إنْ تَابَ وَبَايَعَ ) الْإِمَامَ ، وَلَفْظُ تَابَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( ، وَإِنْ تَفَرَّقُوا أُطْلِقَ ) الْأَسِيرُ ، وَلَوْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُمْ ( وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ عَلَى الْأَسِيرِ ) مِنْهُمْ ( الْبَيْعَةَ ) لِلْإِمَامِ .