كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضَةِ وَبِهِمَا لِزَيْدٍ كَذَا أَوْ قِبَلِي وَفِي نُسْخَةٍ وَقِبَلِي بِالْوَاوِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِمَا ( فَإِنْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ ) فِي جَوَابِهِ ( خُذْهُ أَوْ زِنْهُ ) أَوْ اسْتَوْفِهِ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ ( أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسِك أَوْ هِيَ صِحَاحٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ ) لَا الْتِزَامٌ ( فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( قَالَ ) فِي جَوَابِهِ ( نَعَمْ أَوْ بَلَى أَوْ صَدَقْت ) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ أَيْ بِمَعْنَى نَعَمْ ( فَإِقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالُوا وَلَوْ قَالَ لَعَمْرِي فَإِقْرَارٌ وَلَعَلَّ الْعُرْفَ يَخْتَلِفُ فِيهِ .
انْتَهَى .
( إلَّا إنْ صَدَّرَ ) الْإِقْرَارَ بِأَنْ أُدِّيَ أَوْ رُدَّ ( بِصُورَةِ الِاسْتِهْزَاءِ ) وَالتَّكْذِيبِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ تَعَجُّبًا ، وَإِنْكَارًا ( فَفِيهَا تَرَدُّدٌ ) أَيْ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مُسْتَهْزِئًا لَك أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ فَإِنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَأَصْلُهُمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ أَيْ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ ، وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ لَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ وَصَلَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ ، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ قَرَنَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ أَيْ نَحْوَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ سَهْوٌ إذْ لَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي إلَّا مَا قُلْنَاهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يَحْصُلُ مَا ادَّعَاهُ لِتَعْبِيرِهِ بِثُمَّ ( وَقَوْلُهُ ) فِي الْجَوَابِ ( أَنَا مُقِرٌّ بِهِ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا لَهُ أَوْ لَا أُنْكِرُ دَعْوَاك ) أَوْ مَا تَدَّعِيهِ ( إقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمُدَّعَى لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي فِي أَنَا مُقِرٌّ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا
مُقِرٌّ بِهِ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ أَنَا مُقِرٌّ لَك بِهِ ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ أَيْ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْت بِهِ غَيْرَك كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ لِدَرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ ( لَا إنْ تَرَكَ الصِّلَةَ ) كَقَوْلِهِ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا ( أَوْ الْمَفْعُولَ ) كَقَوْلِهِ لَا أُنْكِرُ ( أَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ لَك بِهِ وَلَا أُنْكِرُهُ ) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى أَوْ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ يَحْتَمِلَانِ عَدَمَ الْإِنْكَارِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ ، وَالرَّابِعَ فِي مَعْنَى السُّكُوتِ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الثَّالِثِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَك بِهِ ) لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ وَفَرَّقَ الْهَرَوِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ مَعَ احْتِمَالِهِ الْوَعْدَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ .
انْتَهَى .
وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أُقِرُّ لَك بِهِ .
( وَقَوْلُهُ ) فِي الْجَوَابِ ( أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ قَدْ قَضَيْتُك إقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْإِبْرَاءِ وَالْقَضَاءِ وَكَأَبْرَأْتَنِي مِنْهُ أَبْرِئْنِي مِنْهُ فِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتنِي أَوْ أَبْرِئْنِي مِنْ دَعْوَاك ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ
وَالْقَفَّالُ كَمَا لَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك ( لَا ) قَوْلُهُ ( قَدْ أَقْرَرْت ) لِي ( بِالْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ ) مِنِّي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ ، وَقَدْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا ( وَلَا ) قَوْلُهُ ( أَظُنُّ وَعَسَى وَلَعَلَّ ) وَأَحْسَبُ وَأُقَدِّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا جَزْمَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ الْوَعْدُ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ ( بِخِلَافِ ) قَوْلِهِ ( لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ أَشْهَدُ ) أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ شَهَادَتِي فَإِنَّهُ إقْرَارٌ ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي عِلْمِ فُلَانٍ أَوْ فِي قَوْلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ رَوْضَةِ الْحُكَّامِ ( وَقَوْلُهُ بَلَى أَوْ نَعَمْ فِي جَوَابِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك ) كَذَا ( إقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا وَقِيلَ نَعَمْ لَيْسَ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لِلنَّفْيِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ بِخِلَافِ بَلَى فَإِنَّهُ لِرَدِّ النَّفْيِ ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } لَوْ قَالُوا نَعَمْ كَفَرُوا وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ ( وَ ) قَوْلُهُ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ ( اشْتَرَيْتهَا وَمَلَكْتهَا ) أَيْ أَوْ مَلَكْتهَا ( مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك إقْرَارٌ ) لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِاشْتَرَيْتُهَا مِنْك وَبِمَلَكْتُهَا مِنْ وَكِيلِك مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا ) قَوْلُهُ ( مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك ) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا .
( وَنَعَمْ إقْرَارٌ ) بِالْعَبْدِ ( لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدِي ) كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدِي ( لَا ) لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ هَذَا ( الْعَبْدَ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ ) لَهُ ( إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ أَوْ ) قَالَ ( مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ ( وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي ) لِلدَّيْنِ كَأَنْ قَالَ لَك اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك ( بِنَعَمْ أَوْ ) بِقَوْلِك ( أَقْضِيك غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ ) الْكِيسَ أَوْ نَحْوَهُ ( أَوْ أَجِدَ ) الْمِفْتَاحَ مَثَلًا أَوْ نَحْوَهُمَا كَابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَوْ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى أَوْ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ كَمَا صَرَّحَ بِهَا أَصْلُهُ ( إقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهَا عُرْفًا لَكِنْ مَا نَقَلَ الْأَصْلُ هَذِهِ الصُّورَةَ قَالَ وَجَمِيعُهَا إقْرَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَمُخْتَلِفُونَ فِيهَا وَالْمَيْلُ إلَى مُوَافَقَتِهِ فِي أَكْثَرِهَا .
انْتَهَى .
وَالصُّوَرُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا إقْرَارٌ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ بَقِيَّةَ الصُّوَرِ كَذَلِكَ إلَّا قَوْلَهُ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ وَمَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِإِقْرَارٍ لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِمَا يُحْمَلُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْلِ السَّابِقِ هَذَا ، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ إيرَادِهِ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ : وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي غَيْرِ نَعَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمِثْلُهُ أَسْرِجْ دَابَّةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ مَتَى تَقْضِي حَقِّي فَقَالَ غَدًا ( وَلَوْ قَالَ كَانَتْ لَك أَوْ كَانَ لَك عِنْدِي دَارٌ ) مَثَلًا ( فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَرِفُ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ
بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ مِلْكُك أَمْسِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فِيهِ الْيَقِينُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَك عِنْدِي مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَصْلِهِ أَوْ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا زَادَهُ وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ .
( أَوْ ) قَالَ ( أَسْكَنْتُك ) هَذِهِ ( الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك ) مِنْهَا فَهُوَ ( إقْرَارٌ بِالْيَدِ ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا مِنْ قَبْلُ وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ فِي يَدِك أَمْسِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ هُنَا بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ أَسْكَنْتُكهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ مِنْ غَصْبٍ أَوْ سَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ دَارِي إلَى قَوْلِهِ الدَّارُ لِقَوْلِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ فِي التَّعْبِيرِ بِدَارِي نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا لَوْ قَالَ دَارِي لِزَيْدٍ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ إذَا أَقَرَّ بِمِلْكٍ أَمَّا بِيَدٍ فَلَا ، إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا أَوْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّ الْعَيْنَ لَهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ ( وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ أَيْسَرْت وَأَمْكَنَ اسْتِفْهَامُهُ اُسْتُفْهِمَ ) أَيْ اُسْتُفْسِرَ فَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّأْجِيلِ صَحَّ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ لَغَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ ( فَإِقْرَارٌ ) نُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعُدَّةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مِثْلَهُ .
انْتَهَى .
وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت شَيْئًا وَيُصَدَّقُ فِيهِ بِيَمِينِهِ ( وَقَوْلُهُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ
) وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ ( هُوَ صَادِقٌ أَوْ عَدْلٌ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت فِي لُزُومِهِ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَعْنِي فِيمَا شَهِدَ بِهِ نَظَرٌ ، ( وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَا ) أَيْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَوْ شَاهِدَانِ ( عَلَيَّ بِكَذَا ) كَأَلْفٍ ( فَهُمَا صَادِقَانِ لَا صَدَّقْتهمَا إقْرَارٌ ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الْآنَ فَيَلْزَمُهُ بِخِلَافِ صَدَقَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ قَدْ يُصَدَّقُ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ وَخَرَجَ بِكَذَا مَا لَوْ قَالَ مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٌ وَتَعْدِيلٌ ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّزْكِيَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَذَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ إذَا قَالَ زَيْدٌ إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ .
( وَإِنْ قَالَ أَقْرَضْتُك كَذَا فَقَالَ كَمْ ثَمَنٌ بِهِ عَلَيَّ أَوْ لَا اقْتَرَضْت مِنْك ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَاَللَّهِ لَا اقْتَرَضْت مِنْك ( غَيْرَهُ ، فَإِقْرَارٌ ) قَالَ فِيهَا ، وَإِنْ قَالَ مَا أَعْجَبَ هَذَا أَوْ نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ( لَا ) إنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ لِي عَلَيْك كَذَا ( لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَك ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَكْثَرُ مِنْ مَالِك بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِك أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت فَإِقْرَارٌ فِيهَا لِزَيْدٍ .
وَسَتَأْتِي الثَّانِيَةُ فِي الْبَابِ الْآتِي وَالثَّالِثَةُ فِي الدَّعَاوَى فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا هُنَا ؛ لِأَنَّهَا مَسَائِلُ مُخْتَلِفَةٌ وَاَلَّتِي هُنَا أَعَادَهَا كَأَصْلِهِ فِي الدَّعَاوَى وَلَوْ قَالَ لِي مَخْرَجٌ مِنْ
دَعْوَاك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا وَالْمُصَنِّفُ فِي الدَّعَاوَى .
( قَوْلُهُ : الرُّكْنُ الرَّابِعُ : الصِّيغَةُ إلَخْ ) قَالَ لِشَاهِدَيْنِ اشْهَدَا عَلَيَّ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إقْرَارًا ، وَلَا تَجُوزُ لَهُمَا الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ صِيغَةُ أَمْرٍ لَا صِيغَةُ إخْبَارٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا تَعْلَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا قَدْ ذَكَرُوا فِي الْوَقْفِ مَا يُخَالِفُهُ فَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ : إذَا قَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَيَّ إنَّنِي وَقَفْت جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَذَكَرَ مَصَارِفَهَا صَارَتْ الْجَمِيعُ وَقْفًا ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ الشُّهُودِ بِالْحُدُودِ ، وَلَا سُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ ، وَمَهْمَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ ثَبَتَ الْوَقْفُ قَالَ شَيْخُنَا وَبِمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْوَالِدُ وَشَيْخُهُ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى اعْتِمَادِهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْضُ إخْبَارٍ وَالثَّانِيَ إنْشَاءٌ عَلَى أَنَّ الشَّارِحَ فِي فَتَاوِيهِ سَوَّى بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ بِمَا ذُكِرَ ، وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرًا فِي فَتَاوِيهِ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِصِيغَةِ اشْهَدُوا بِلَفْظِ الْجَمِيعِ أَوْ التَّثْنِيَةِ عَلَيَّ بِكَذَا كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ بَعْدَ وَرَقَةٍ .
( قَوْلُهُ لِذَلِكَ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهَا ظُرُوفٌ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَلَا بُدَّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِهِمَا ، وَإِلَّا فَهُوَ خَبَرٌ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقٍّ عَلَى الْمُخْبِرِ ، وَلَا عِنْدَهُ ( قَوْلُهُ :
فَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ إلَخْ ) ، وَكَذَا نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِ الْقَاضِي مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْك فَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْك فَتَرَدُّدٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ بَلَى ) كَوْنُ الْجَوَابِ بِبَلَى بَعْدَ الْإِثْبَاتِ إقْرَارًا نَظَرًا لِلْعُرْفِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا لَا يُجَابُ بِهَا إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ نَعَمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي { قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ فَقَالَ بَلَى لَكِنَّهُ قَلِيلٌ } ( قَوْلُهُ أَوْ أَجَلْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا يَعْرِفُ مَعْنَى أَجَلْ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِإِطْلَاقِهَا بَلْ يَجِبُ اسْتِفْسَارُ مُطْلَقِهَا .
ا هـ .
، وَلَا شَكَّ أَنَّ جَيْرِ كَذَلِكَ فس ( قَوْلُهُ : إلَّا إنْ صَدَّرَ بِصُورَةِ الِاسْتِهْزَاءِ فَفِيهَا تَرَدُّدٌ ) قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ انْضَمَّ إلَى الصَّرِيحِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي الِاسْتِهْزَاءَ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ وَالْإِشَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْحَاوِي لِلِاسْتِهْزَاءِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا هُوَ عِبَارَةُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ قُلْت ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَى الصَّرِيحِ مَا يُفْهِمُ الِاسْتِهْزَاءَ فَلَيْسَ مُلْزِمًا .
وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ : وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ فَقَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ أَوْ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ الدَّالِّ عَلَى شِدَّةِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ .
ا هـ .
قَالَ النَّاشِرِيُّ : وَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ اتِّبَاعِ الْقَرَائِنِ سَدِيدٌ ، وَقَوْلُهُ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا أُقِرُّ لَك بِهِ إلَخْ ) وَخَالَفَ قَوْلَ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا فَإِنَّهُ إقَامَةٌ لِلشَّهَادَةِ ، وَإِنْ أَتَتْ صِيغَةُ وَعْدٍ ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا
لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِهَذَا اللَّفْظِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَلَك أَنْ تَقُولَ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِنْكَارَ وَالْإِقْرَارَ نَقِيضَانِ ، وَإِنْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ فَلِذَلِكَ قَطَعُوا بِكَوْنِهِ مُقِرًّا ( قَوْلُهُ : وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ) فَلَوْ قَالَ مَا مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ مَا مَا بِعْته هَذِهِ الْعَيْنَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ صَارَ التَّقْدِيرُ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَبِعْته هَذِهِ الْعَيْنَ وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ نَعَمْ إنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ أَرَادَهُ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ أَنْتِ طَالِقٌ ( قَوْلُهُ : وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ لِلْعُرْفِ إلَخْ ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ نَحْوِيًّا وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَمَلَكْتهَا مِنْك ) أَيْ أَوْ عَلَيْك .
( قَوْلُهُ وَنَعَمْ إقْرَارٌ لِمَنْ قَالَ اشْتَرِ عَبْدِي ) تَخْصِيصُهُ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتَأْجِرْ عَبْدِي هَذَا أَوْ ارْتَهِنْهُ أَوْ اسْتَعِرْهُ أَوْ تَزَوَّجْ مِنِّي جَارِيَتِي هَذِهِ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ، وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَوَابُك لِلْمُتَقَاضِي بِنَعَمْ إلَخْ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَلَوْ قَالَ اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ أَعْطِنِي غَدًا أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَضْرِبَ الدَّرَاهِمَ أَوْ أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ أَوْ لَا تُدِمْ الْمُطَالَبَةَ أَوْ مَا أَكْثَرَ مَا تَتَقَاضَى أَوْ وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اللُّزُومِ فِي أُعْطِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَرْدُودٌ بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ عِنْدَ انْضِمَامِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِيهِ وَنَحْوِهِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَنَا مُقِرٌّ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا أَوْ أَنَا أُقِرُّ
فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ أَنَا مُوَافِقُهُمْ فِي الْأَكْثَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ ، وَمَا اسْتَدْرَكَهُ لَا يَبْعُدُ أَيْضًا مَعَ الضَّمِيرِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقْضِيهِ يَحْتَمِلُ أَقْضِيهِ غَيْرَك فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَقْضِيهِ لَك وَالْوَجْهُ إجْرَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اقْضِ هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِ اقْضِ الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك وَالسُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ تَقْدِيرًا ، وَإِلَّا فَالظُّهُورُ مِنْهُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَكْثَرَ مَا نَتَقَاضَى ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَتَقَاضَى مِنِّي أَوْ غَيْرِي ، وَقَوْلُهُ فَالْوَجْهُ إجْرَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا اللُّزُومَ فِي أُعْطِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عَرَا عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَالِ مَرْدُودٌ فَيَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُهُ بِوُجُودِ الضَّمِيرِ كَأُعْطِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنَا مُقِرٌّ بِدُونِ بِهِ فَكَانَ الرَّافِعِيُّ احْتَرَزَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ، وَقَوْلُهُ إنَّهُمَا لَيْسَا بِإِقْرَارٍ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَإِقْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ يَجِبُ إمْهَالُهُ إلَى يَسَارِهِ حُمِلَ قَوْلُهُ إنْ أَيْسَرْت عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ أَدَاءِ الْأَلْفِ لَا لِوُجُوبِهِ ( قَوْلُهُ : كَذَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : لَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِك فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ) لَوْ قَالَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِائَةِ ، وَلَا بِمَا فَوْقَهَا ، وَلَا بِمَا دُونَهَا ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَى الْمِائَةِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَ الْمِائَةِ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ غَصَبْت ثَوْبِي فَقَالَ مَا غَصَبْت مِنْ أَحَدٍ قَبْلَك ، وَلَا بَعْدَك لَا يَكُونُ مُقِرًّا ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِهِ لَا
يُوجِبُ الْغَصْبَ مِنْهُ .
( وَلَوْ كَتَبَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ ) لِشُهُودٍ ( اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَغَا ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا ، وَظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الضَّمَانِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ أَيْضًا وَأَنَّ كِتَابَةَ الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ لَيْسَتْ لَغْوًا ( وَكَذَا ) يَلْغُو ( قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتَّ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالْوَاقِعُ لَا يُعَلَّقُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَفْسَرْ كَمَا مَرَّ فِي تَعْلِيقِ الْمُعْسِرِ بِيَسَارِهِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُعْسِرِ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ الْمُشْعِرِ بِلُزُومِ مَا قَالَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ أَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّأْجِيلَ ( فَلَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ كَذَا ( إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَزِمَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً ، وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ لُزُومُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَفِي الْأَشْرَافِ لِلْهَرَوِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
انْتَهَى .
وَيُؤَيِّدُهُ تَصْحِيحُهُمْ عَدَمَ انْعِقَادِ النَّذْرِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْأَمْرِ بِمُجَرَّدِ الْخِبْرَةِ يُنَافِي الِالْتِزَامَ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَلَفَّظَ بِهِ كَانَ إقْرَارًا ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا مَا فِي فَتَاوِيهِ إذَا قَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَيَّ إنَّنِي وَقَفْت جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَذَكَرَ مَصَارِفَهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا صَارَتْ الْجَمِيعُ وَقْفًا ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ الشُّهُودِ بِالْحُدُودِ ، وَلَا سُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ قَالَ شَيْخُنَا فَالْمُعْتَمَد أَنَّهُ لَوْ تَلَفَّظَ بِمَا هُنَا كَانَ إقْرَارًا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنَّ عَلَيَّ لِزَيْدٍ كَذَا أَوْ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنِّي ، وَقَفْت كَذَا عَلَى كَذَا كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَتَاوِيهِ آخِرًا ، وَقَوْلُهُ وَذَكَرَ مَصَارِفَهَا كَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا أَيْضًا ذِكْرُ الْمَصَارِفِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ ، وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ مُتَعَيَّنٌ ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِهِ فِي الِاعْتِرَاضِ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إذَا رَأَى نَصًّا أَنْ يَهْجُمَ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ وَالْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ سَبَرُوا نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَجَّحُوا مِنْهَا مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَوَجْهُ تَرْجِيحِ اللُّزُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِي وَالْبَدَاءُ مَعْنَاهُ الظُّهُورُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَسَادُ الْإِقْرَارِ فَلَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْقِيبٌ لِلْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَأَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فَفَاسِدٌ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ إلَّا أَنْ أَشَاءَ فَأَشَاءُ الْإِقْرَارَ أَوْ عَدَمَهُ لَزِمَ .
( وَإِنْ لُقِّنَ إقْرَارٌ أَوْ غَيْرُهُ ) مِنْ الْعُقُودِ أَوْ غَيْرِهَا ( بِغَيْرِ لُغَتِهِ ، وَقَالَ لَمْ أَفْهَمْهُ وَأَمْكَنَ ) عَدَمُ فَهْمِهِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ اخْتِلَاطٌ ( حَلَفَ ) أَيْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ( وَإِنْ ) أَقَرَّ ثُمَّ ( قَالَ أَقْرَرْت صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا وَأَمْكَنَ ) الصِّبَا ( أَوْ عَهْدُ ) الْجُنُونِ ( أَوْ كَانَتْ أَمَارَةٌ ) عَلَى الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ تَرْسِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِظُهُورِ مَا قَالَهُ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصِّبَا وَلَمْ يُعْهَدْ الْجُنُونُ وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَالْأَمَارَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ، وَإِكْرَاهُهُ لِزَيْدٍ لَا يَقْدَحُ فِي إقْرَارِهِ لِغَيْرِهِ ( لَا إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ( بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْمُقِرِّ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إقْرَارِهِ ( بَالِغًا ) فِي الْأُولَى ( أَوْ عَاقِلًا ) فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ مُخْتَارًا ) فِي الثَّالِثَةِ فَلَا يُصَدَّقُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَتَعَرَّضُوا لِبُلُوغِهِ وَصِحَّةِ عَقْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَادَّعَى الْمُقِرُّ خِلَافَهُ لَمْ يُقْبَلْ ( وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ ) أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالِاخْتِيَارِ ( وَلَا لِلْحُرِّيَّةِ وَالرُّشْدِ ) وَفِي نُسْخَةٍ مَعَ الْحُرِّيَّةِ وَالرُّشْدِ ( فِي الشَّهَادَةِ ) بِذَلِكَ بَلْ يُكْتَفَى بِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَمَا يُكْتَبُ فِي الْوَثَائِقِ أَنَّهُ أَقَرَّ طَائِعًا فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَبُلُوغِهِ احْتِيَاطٌ ( فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ ) مِنْ الْمُقِرِّ ( بِالْإِكْرَاهِ ) لَهُ ( اُشْتُرِطَ ) فِي الشَّهَادَةِ بِهِ ( تَفْصِيلُهَا ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ فَرُبَّ شَيْءٍ يَكُونُ إكْرَاهًا عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ (
وَقُدِّمَتْ ) بَيِّنَةٌ لِإِكْرَاهٍ عَلَى بَيِّنَةِ الِاخْتِيَارِ ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الِاخْتِيَارِ بِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا وَزَالَ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ لِذَلِكَ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مَعَ مِائَةٍ لَمْ تَجِبْ الْأَلْفُ وَلَا الْمِائَةُ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ هَذِهِ زَوْجَةُ فُلَانٍ حُكِمَ بِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِكْرَاهِ اُشْتُرِطَ تَفْصِيلُهَا ) فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ كَذَا مُكْرَهًا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا مُفَصَّلَةً ، وَإِذَا فَصَّلَا ، وَكَانَ أَقَرَّ فِي كِتَابِ التَّبَايُعِ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِأَنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّوَاعِيَةِ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ ) أَيْ الْمَجْهُولِ ( فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ ) سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءً أَمْ جَوَابًا عَنْ دَعْوَى ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالشَّيْءُ يُخْبَرُ عَنْهُ مُفَصَّلًا تَارَةً وَمُجْمَلًا أُخْرَى إمَّا لِلْجَهْلِ بِهِ أَوْ لِثُبُوتِهِ مَجْهُولًا بِوَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيُخَالِفُ الْإِنْشَاءَانِ حَيْثُ لَا تُحْتَمَلُ الْجَهَالَةُ احْتِيَاطًا لِابْتِدَاءِ الثُّبُوتِ وَتَحَرُّزًا عَنْ الْغَرَرِ ( مِثْلُ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ وَيُفَسِّرُهُ ) وُجُوبًا ( بِمَا شَاءَ ) ، وَإِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ ( وَلَوْ حَبَّةَ شَعِيرٍ ) وَقِمْعَ بَاذِنْجَانَةٍ ( وَحَدَّ قَذْفٍ وَحَقَّ شُفْعَةٍ وَدِيعَةً وَنَجَسًا يُقْتَنَى كَكَلْبٍ ) مُعَلَّمٍ أَوْ قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ ( وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ ) لَصُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَرَمًا وَعَطَفَ عَلَى مَا شَاءَ أَوْ عَلَى حَبَّةٍ قَوْلَهُ ( لَا رَدَّ سَلَامٍ وَعِيَادَةً ) لِمَرِيضٍ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا فِي مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِمَا ( إلَّا ) أَيْ لَكِنْ ( إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ ) قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ يُنَافِيهِ مَعَ عُسْرِ الْفَرْقِ فَإِنَّ الْحَقَّ أَخَصُّ مِنْ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ مَا لَا يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ نَفْيُ الْعُرْفِ لَهُ عَلَى حَقٍّ وَيُرَادُ ذَلِكَ وَفِي الْخَبَرِ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَرَدَّ السَّلَامِ } .
فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَشِعْ اللَّفْظُ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ ( وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ كَالْخِنْزِيرِ وَمَا لَا يَنْفَعُ كَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْكَلْبِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ وَالْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا ) إذْ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ وَلَا
اخْتِصَاصٌ وَلَا يَلْزَمُ رَدُّهَا ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا مِنْهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَظَاهَرْ بِهَا وَلَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ كَوْنُهَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ مُحْتَرَمَةً بِمَعْنَى أَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا رَدَّهَا فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي حَقِّهِ مُحْتَرَمَةٌ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِمُضْطَرٍّ قَالَ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ وَرَجَّحَ الْإِمَامُ خِلَافَهُ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ ) ( قَوْلُهُ : فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ ) لِلْإِجْمَاعِ وَلِلْحَاجَةِ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ إذْ لَوْ أَلْغَيْنَا إقْرَارَهُ لَأَضْرَرْنَا بِالْمُقَرِّ لَهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِفَاسِدِهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ ( قَوْلُهُ : مِثْلُ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مَا لَوْ قَالَ لَهُ فِي ذِمَّتِي شَيْءٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ يَرَى بَيْعَ الْكَلْبِ كَالشَّاةِ ، وَقَوْلُهُ شَيْءٌ هُوَ أَعَمُّ النَّكِرَاتِ ( قَوْلُهُ : وَيُفَسِّرُهُ بِمَا شَاءَ ، وَلَوْ حَبَّةَ شَعِيرٍ إلَخْ ) سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْيَمِينِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا يَصِحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا فَسَّرَ بِهِ ( قَوْلُهُ : مُعَلَّمٍ ) لَوْ قَالَ بَدَلَ مُعَلَّمٍ يُقْتَنَى لَدَخَلَ كَلْبُ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ : وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا إلَخْ ) بَلْ الشَّيْءُ الْمُقَرُّ بِهِ لَيْسَ بِأَعَمَّ مِنْ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ يُطَالِبُنِي بِهِ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرْضَى إلَخْ ) وَالْإِحْسَانَ وَالصُّحْبَةَ وَنَحْوَهُمَا ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ ) أَيْ وَالْخِنْزِيرِ ( قَوْلُهُ : وَرَجَّحَ الْإِمَامُ خِلَافَهُ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا قُبِلَ ) تَفْسِيرُهُ ( بِمَا ) يُقْبَلُ بِهِ ( فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ ) بِالْأَوْلَى ، وَقَيَّدَهُ بِمَا ( إذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ احْتِرَازًا مِنْ ) تَفْسِيرِهِ بِنَحْوِ ( حَقِّ الشُّفْعَةِ الْوَدِيعَةِ وَيُقْبَلُ ) تَفْسِيرُهُ ( بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ) إذْ الْغَصْبُ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامًا وَثُبُوتَ مَالٍ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ قَهْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَيَّ ( قَالُوا وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَفَسَّرَهُ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ قُبِلَ ) ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ مِمَّا عِنْدَهُ ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالُوا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّئٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ( وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ ) أَوْ غَصَبْتُك كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( لَغَا إذْ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ ) لَكِنَّهُ إنْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَ نَفْسِك فَظَاهِرٌ أَنَّا نَقْبَلُهُ ؛ لِأَنَّهُ غِلَظٌ عَلَى نَفْسِهِ ( لَا ) إنْ قَالَ ( غَصَبْتُك شَيْئًا ) ثُمَّ قَالَ أَرَدْت نَفْسَك فَلَا يَلْغُو وَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُك شَيْئًا تَعْلَمُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ بِأَنَّ شَيْئًا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ مَا .
( قَوْلُهُ : وَيُقْبَلُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ) أَيْ وَالنَّجَاسَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ غَصْبُ الْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْمَيْتَةِ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِالْمَيْتَةِ أَنْ يُطْعِمَهَا لِلْجَوَارِحِ كَبُزَاتِهِ وَنُسُورِهِ وَبِالْخَمْرِ أَنْ يُطْفِئَ بِهَا نَارًا أَوْ يَبُلَّ بِهَا تُرَابًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْمُهَذَّبِ ، وَإِنَّمَا الْإِثْبَاتُ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَقْصِدَ إمْسَاكَهَا لَا لِمَنْفَعَةٍ ( قَوْلُهُ : فَظَاهِرٌ أَنَّا نَقْبَلُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ ) وَلَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ ( حُبِسَ ) لِلتَّفْسِيرِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ لِمَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ إذْ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ بِأَنْ يَبِيعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ زِنَةُ هَذِهِ الصَّنْجَةِ أَوْ قَدْرُ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ يُرْجَعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ .
( وَإِنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى ) بِهِ ( كَمِائَةٍ وَدَعْوَاهُ ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ ( مِائَتَانِ ، وَقَالَ الْمُدَّعِي ) ، وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ تَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ بَابِ الدَّعَاوَى وَمِمَّا يَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ ، وَإِنْ قَالَ ( أَرَادَهُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ ، وَ ) عَلَى ( نَفْيِ الْإِرَادَةِ ) لَهُمَا ( يَمِينًا وَاحِدَةً ) لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى ( فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ ) لَهُمَا ( لَا ) عَلَى ( إرَادَتِهِ ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إذَا ادَّعَتْ إرَادَةَ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَيْثُ تَحْلِفُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهَا وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَالْمُقَرُّ لَهُ لَا يَدَّعِي عَلَى الْمُقِرِّ إثْبَاتَ حَقٍّ لَهُ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُثْبِتُ حَقًّا ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ حَتَّى وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ .
( وَإِذَا مَاتَ ) الْمُقِرُّ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ فَإِنْ امْتَنَعَ ( وُقِفَتْ التَّرِكَةُ ) كُلُّهَا إلَّا أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ مِنْهَا ( حَتَّى يُفَسِّرَ
الْوَارِثُ ) ؛ لِأَنَّهَا ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهِنَةٌ بِالدَّيْنِ وَلَا يُخَالِفُهُ صِحَّةُ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ عَدَمَ إرَادَةِ الْمَالِ فَيَمْتَنِعَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا .
فَإِنْ قَالَ الْوَارِثُ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ مَا أُقِرُّ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى بِهِ وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَهُ إذْ الْوَارِثُ فِي تَقْدِيرِ النَّاكِلِ وَأَلْحَقَ الْهَرَوِيُّ الْمَجْنُونَ بِالْمَيِّتِ ثُمَّ حَكَى عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي حَالِ جُنُونِهِ أَقَلُّ مَا يُتَمَوَّلُ .
انْتَهَى .
الْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ ، وَقَدْ نَقَلَ أَعْنِي الْهَرَوِيَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارًا وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ أَرَادَهُ بِإِقْرَارٍ وَيَأْخُذُهُ ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي اشْتِرَاطِ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ بِإِقْرَارٍ .
وَإِذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْوَارِثُ فَالْمُصَدَّقُ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ كَالْمُقِرِّ ( وَ ) تَكُونُ ( يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ ) أَيْ إرَادَةِ مُوَرِّثِهِ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ مِنْ حَالِ مُوَرِّثِهِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ( بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِ الْوَصِيَّةَ ) حَيْثُ أَوْصَى بِمَجْهُولٍ وَفَسَّرَهُ الْوَارِثُ وَزَعَمَ الْمُوصِي لَهُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ ( فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا عَلَى نَفْيِ عِلْمِ الِاسْتِحْقَاقِ ) لِلزِّيَادَةِ ( لَا ) عَلَى نَفْيِ ( الْإِرَادَةِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ ، وَقَدْ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَالْوَصِيَّةُ إنْشَاءُ أَمْرٍ عَلَى الْجَهَالَةِ وَبَيَانُهُ إذَا مَاتَ الْمُوصِي إلَى الْوَارِثِ ( وَإِنْ فَسَّرَهُ الْمُقِرُّ بِغَيْرِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى ) بِهِ ( وَصَدَّقَهُ ) الْمُقَرُّ لَهُ ( فِي الْإِرَادَةِ ) بِإِقْرَارِهِ لِمَا فُسِّرَ بِهِ فَقَالَ هُوَ لِي عَلَيْهِ وَلِي عَلَيْهِ مَعَهُ كَذَا ثَبَتَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي نَفْيِ
غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْفِ إلَى آخِرِهِ ( وَ ) إنْ ( قَالَ ) مَعَ تَصْدِيقِهِ فِي الْإِرَادَةِ ( مَا دَيْنِي ) عَلَيْهِ ( إلَّا غَيْرَهُ فَهُوَ رَدٌّ لِلْإِقْرَارِ ) وَكَانَ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ غَيْرَهُ ( وَإِنْ ) كَذَّبَهُ فِي الْإِرَادَةِ بِأَنْ ( قَالَ ) إنَّمَا ( أَرَدْت ) بِإِقْرَارِك ( مَا ادَّعَيْت ) أَنَا ( حَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الْمُدَّعَى ) بِهِ ( وَ ) نَفْيِ ( الْإِرَادَةِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْفِ الْمُقَرُّ لَهُ مَا فَسَّرَ بِهِ ) الْمُقِرُّ ( ثَبَتَ لَهُ ) ، وَإِنْ نَفَاهُ بَطَلَ الْإِقْرَارُ هَذَا إنْ ادَّعَى مَعَ الْإِرَادَةِ الِاسْتِحْقَاقَ .
( فَلَوْ ادَّعَى الْإِرَادَةَ فَقَطْ ) بِأَنْ قَالَ مَا أَرَدْت بِإِقْرَارِك مَا فَسَّرْته بِهِ ، وَإِنَّمَا أَرَدْت بِهِ كَذَا إمَّا مِنْ جِنْسِ الْمُقَرِّ بِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( لَمْ يُسْمَعْ ) مِنْهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِرَادَةَ لَا يُثْبِتَانِ حَقًّا لَهُ بَلْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ نَفْسَهُ ، وَهُوَ مَا أَرَادَهُ بِقَوْلِهِ ( حَتَّى يَدَّعِيَ الْمَالَ ) أَيْ فَيُسْمَعَ فَدَعْوَى الْإِرَادَةِ مَعَ دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ مَسْمُوعَةٌ وَدَعْوَاهَا وَحْدَهَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ( كَمَا أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِكَذَا ) بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ نَفْسَهُ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : لَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ حُبِسَ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عِنْدَ دَعْوَى الْجَهْلِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا ) فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا الْمِائَةَ ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ فِي حَلِفِهِ إلَى نَفْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَى الزِّيَادَةَ وَاعْتَرَفَ بِالْإِرَادَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَزِمَهُ الْحَقُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا ) يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى عِلَّةِ أَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى الْحَلِفِ عَلَيْهَا حَتَّى تَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الذِّرَاعِ مِنْ الْأَرْضِ إذَا بِيعَ ، وَقَالَ الْبَائِعُ عَنَيْنَا التَّعْيِينَ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ الْإِشَاعَةُ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ ، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْمُشْتَرِيَ فَلَا مَنْدُوحَةَ لَنَا عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْإِرَادَةِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهِنَةٌ بِالدَّيْنِ ) وَعَلَّلَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ رُبَّمَا يَأْتِي التَّفْسِيرُ عَلَى جَمِيعِهَا ( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ مَا ادَّعَاهُ فُلَانٌ فِي تَرِكَتِي فَهُوَ حَقٌّ فَهَلْ هُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ أَوْ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ يُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ فِيهِ تَرَدُّدٌ الْأَصَحُّ الثَّانِي قَوْلُهُ : الْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ الدَّائِنُ اسْتَوْفَيْت مِنْ فُلَانٍ أَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ قَدْ أَوْفَيْتُك فَقَالَ بَلَى ثُمَّ ادَّعَاهُ فِي الْبَعْضِ صُدِّقَ ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ .
( فَصْلٌ : لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَوْ مَالٌ عَظِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ ) أَوْ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ أَوْ نَفِيسٌ أَوْ نَحْوُهَا ( أَوْ حَقِيرٌ ) أَوْ قَلِيلٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ طَفِيفٌ أَوْ نَحْوُهَا ( أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ أَوْ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ ، وَكَذَا مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ) عَلَى فُلَانٍ ( ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ قُبِلَ ) ، وَإِنْ كَثُرَ مَالُ فُلَانٍ لَصَدَقَ اسْمُ الْمَالِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ عَظِيمًا وَنَحْوِهِ مِنْ حَيْثُ إثْمِ غَاصِبِهِ وَكُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ وَبِكَوْنِهِ حَقِيرًا وَنَحْوَهُ مِنْ حَيْثُ احْتِقَارُ النَّاسِ لَهُ أَوْ فَنَاؤُهُ وَبِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَلَّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وَذَلِكَ عَيْنٌ تَتَعَرَّضُ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَيْ مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ ، وَإِلَى مَا قَالَهُ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَلِهَذَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ظَاهِرَ مَا أَقَرَّ بِهِ بَيْنَنَا ، وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غَيْرَ ظَاهِرٍ مَا قَالَهُ ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَخَرَجَ بِالْمُتَمَوَّلِ قَالَ الْإِمَامُ ، وَهُوَ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا أَوْ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ جَلْبِ نَفْعِ أَوْ دَفْعِ ضَرَرِ مَا لَيْسَ مُتَمَوَّلًا كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ لِمُبَايَنَتِهِ اسْمَ الْمَالِ لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِمَالٍ مُتَمَوَّلٍ كَتَمْرَةٍ وَحَبَّةِ بُرٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقْبَلُ بِهِ ، وَكُلُّ مُتَمَوَّلٍ مَالٌ ، وَلَا يَنْعَكِسُ ، ذَكَرَهُ
الْأَصْلُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِالْمُسْتَوْلَدَةِ لَا بِمَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَحَذَفَهُمَا الْمُصَنِّفُ ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ فِيهِمَا أَنْ يَقُولَ عِنْدِي مَالٌ وَالصُّورَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ وَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ وَنَحْوَهَا مَالٌ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا فَإِنْ كَوْنَهَا لَا تُعَدُّ مَالًا لِعَدَمِ تَمَوُّلِهَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا مَالًا كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ لَا يُعَدُّ مِنْ الرِّجَالِ ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَالْإِبْهَامُ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْقَدْرِ أَوْ ) لَهُ عَلَيَّ ( أَكْثَرُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَالِ فُلَانٍ ( عَدَا فَالْإِبْهَامُ كَذَلِكَ ) أَيْ فِي الْمَذْكُورَاتِ ( إلَّا فِي الْقَدْرِ ) فَلَا إبْهَامَ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَالُ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ فَفُسِّرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهَا قُبِلَ دُونَ مَا إذَا فُسِّرَ بِأَقَلَّ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ مَا عَلِمْت أَنَّ لَهُ إلَّا كَذَا مِمَّا يُوَافِقُ مَا فُسِّرَ بِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ عَدَدٌ لَزِمَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْبَغَوِيّ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فَالْإِبْهَامُ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى ( أَوْ ) لَهُ عَلَيَّ ( مِنْ الذَّهَبِ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَالْإِبْهَامُ فِي النَّوْعِ وَالْقَدْرِ ) دُونَ الْجِنْسِ ( أَوْ ) لَهُ عَلَيَّ ( مِنْ صِحَاحِ الذَّهَبِ ) أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ ( فَالْإِبْهَامُ فِي الْقَدْرِ فَقَطْ ، وَإِنْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمِ فُلَانٍ فَهَلْ يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( أَدْنَى شَيْءٍ ) كَمَا لَوْ قَالَ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ ( أَوْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهَا ) بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ ( مِنْ أَيِّ جِنْسٍ فُسِّرَ ) لِذِكْرِهِ الْجَمْعَ فِيهِ ( وَجْهَانِ ) اقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى الثَّانِي ، وَقَالَ كَذَا
قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ .
قَالَ : وَهُوَ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ وَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا إلْزَامُ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَالثَّانِي إلْزَامُ زِيَادَةٍ ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِلْأَكْثَرِيَّةِ يَنْفِيهَا جَمِيعًا .
انْتَهَى .
فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَخَذَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَعَ كَلَامِ التَّهْذِيبِ عَنْ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ عَدَدِهَا إنْ عُرِفَ قَدْرُهَا ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ ، وَهُوَ الْأَوْجُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ فُلَانٍ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ ( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( مِنْ الدَّرَاهِمِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَتْهُ ) بِلَا زِيَادَةٍ حَمْلًا لِلْأَكْثَرِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَوْ فُسِّرَ بِدُونِهَا لَمْ يُقْبَلْ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلْجُوَيْنِيِّ ، وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَزِيَادَةُ أَقَلِّ مَا يُتَمَوَّلُ ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ السَّابِقَةِ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا ( أَوْ ) وَمَعَهُ ( أَكْثَرُ ) مِنْ ثَلَاثَةٍ كَعَشَرَةٍ ( وَقَالَ ) الْمُقِرُّ ( ظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً ) أَوْ عَلِمْت أَنَّهَا أَكْثَرُ وَنَسِيت عِنْدَ الْإِقْرَارِ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا ، وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ وَظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَعَلِمْتهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ قُلْت ذَاكَ فِيمَا إذَا عُبِّرَ بِالْمُفْرَدِ ، وَهَذَا فِيمَا إذَا عُبِّرَ بِالْجَمْعِ ثُمَّ قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً وَنَحْوَهُ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ مِنْ
الدَّرَاهِمِ .
( فَرْعٌ قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ كَذَا مِثْلُ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ) فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا بِمَا يُقْبَلُ بِهِ تَفْسِيرُهُ ؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا مُبْهَمَةٌ ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ ثُمَّ نُقِلَتْ فَصَارَتْ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ ( وَ ) قَوْلُهُ ( كَذَا كَذَا بِلَا عَطْفٍ تَأْكِيدٌ ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ كَذَا ( وَمِثْلُهُ شَيْءٌ شَيْءٌ ) بِلَا عَطْفٍ نَعَمْ إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَطَفَ ، صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ( فَإِنْ عَطَفَ ) فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا ، وَكَذَا أَوْ شَيْءٌ وَشَيْءٌ ( فَشَيْئَانِ ) يَلْزَمُهُ التَّفْسِيرُ بِهِمَا مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ بِحَيْثُ يُقْبَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ كَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ ( وَيَجِبُ ) عَلَيْهِ ( بِقَوْلِهِ ) لَهُ عَلَيَّ ( كَذَا دِرْهَمٌ بِالرَّفْعِ ) عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ( دِرْهَمٌ ) لِكَوْنِ الدِّرْهَمِ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَهُ بِقَوْلِهِ كَذَا ( وَكَذَا ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ ( لَوْ نَصَبَ أَوْ خَفَضَ أَوْ سَكَّنَ ) الدِّرْهَمَ ( أَوْ كَرَّرَ كَذَا بِلَا عَاطِفٍ ) فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ لِذَلِكَ وَلِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ فِي الْأَخِيرَةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَإِنْ اقْتَضَى النَّصْبُ لُزُومَ عِشْرِينَ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ عَدَدٍ مُفْرَدٍ يُنْصَبُ الدِّرْهَمُ عَقِبَهُ إذْ لَا نَظَرَ فِي تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ إلَى الْإِعْرَابِ بِدَلِيلِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ مِائَةٍ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ وَلَا يُؤَثِّرُ اللَّحْنُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ( وَمَتَى كَرَّرَهَا وَعَطَفَ بِالْوَاوِ أَوْ بِثُمَّ وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ ) كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ كَذَا ثُمَّ كَذَا دِرْهَمًا ( تَكَرَّرَ ) الدِّرْهَمُ بِعَدَدِ كَذَا فَيَلْزَمُهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمِثَالَيْنِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُبْهَمَيْنِ وَعَقَّبَهُمَا بِالدِّرْهَمِ مَنْصُوبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ غَيْرَ أَنَّا نُقَدِّرُهُ فِي صِنَاعَةِ الْإِعْرَابِ تَمْيِيزًا لِأَحَدِهِمَا وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ لِلْآخَرِ ؛ وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ ، وَهُوَ يَعُودُ إلَى الْمُتَعَاطِفَاتِ قَبْلَهُ ( لَا إنْ خَفَضَهُ أَوْ رَفَعَهُ ) أَوْ سَكَّنَهُ فَلَا يَتَكَرَّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَمْيِيزًا لِمَا قَبْلَهُ ، وَإِنْ صَلَحَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى فِي الرَّفْعِ هُمَا دِرْهَمٌ وَالْخَفْضُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ إذَا أَرَادَ بِهَا كَالْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَثُمَّ وَلَوْ قَالَ كَذَا بَلْ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَالثَّانِي شَيْئَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ رَأَيْت زَيْدًا بَلْ زَيْدًا إذَا عَنَى الْأَوَّلَ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا عَنَى غَيْرَهُ وَذِكْرُ ثُمَّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ .
( قَوْلُهُ : أَوْ نَفِيسٌ أَوْ نَحْوُهَا ) كَوَافِرٍ أَوْ غَيْرِ تَافِهٍ أَوْ مَالٍ ، وَأَيِّ مَالٍ ( قَوْلُهُ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ ) قِيلَ الْمُتَمَوَّلُ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا أَوْ يَقَعُ مَوْقِعًا يَحْصُلُ بِهِ جَلْبُ نَفْعٍ أَوْ دَفْعُ ضَرَرٍ ( قَوْلُهُ : مِنْ حَيْثُ أَثِمَ غَاصِبُهُ ، وَكَفَرَ مُسْتَحِلُّهُ ) أَيْ وَثَوَابُ بَاذِلِهِ لِمُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَقِيرِ أَوْ الشَّحِيحِ ( قَوْلُهُ : وَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا ظَاهِرَ مَا أَقَرَّ بِهِ بَيْنَنَا إلَخْ ) ، وَكَذَلِكَ لَا أَلْتَفِتُ إلَى سَبَبِ مَا أَقَرَّ بِهِ إذَا كَانَ لِكَلَامِهِ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ خِلَافَ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُجِيبُ عَلَى خِلَافِ السَّبَبِ الَّذِي كُلِّمَ عَلَيْهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ عَلَى الظَّاهِرِ ( قَوْلُهُ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ ) كَشَهَادَةِ الزُّورِ ( قَوْلُهُ : وَحَبَّةِ بُرٍّ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلْحَاقُهُ حَبَّةَ الْبُرِّ بِالتَّمْرَةِ مَمْنُوعٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ لَا تَسُدُّ مَسَدًّا فِي عُمُومِ الْأَشْخَاصِ بِخِلَافِ التَّمْرَةِ وَنَحْوِهَا .
ا هـ .
يُجَابُ بِأَنَّ لَهَا وَقْعًا فِي نَفَقَةِ عُصْفُورِهِ إذْ تَسُدُّ مِنْهَا مَسَدًّا ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقْبَلُ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَكْثُرُ التَّمْرُ كَالْبَصْرَةِ فَأَمَّا حَيْثُ يَقِلُّ فَيُقْبَلُ قَطْعًا .
( قَوْلُهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِالْمُسْتَوْلَدَةِ ) مِثْلُ الْمُسْتَوْلَدَةِ الْمُكَاتَبُ قَوْلُهُ : أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ عَدًّا ) أَوْ وَزْنًا ( قَوْلُهُ : إلَّا فِي الْقَدْرِ ) أَوْ الْوَزْنِ ( قَوْلُهُ كَانَ أَخْصَرَ ) أَيْ نَظَرًا لِلْكَلِمَاتِ لَا لِلْحُرُوفِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَوْجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَيْدَانِ وَالْخَادِمِ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى عَدَدٍ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَخْ ) قَدْ ذُكِرَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ
النُّقْرَةَ حُرِّرَتْ فَوُجِدَ أَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنْ الْمُتَعَامَلِ بِهَا الْآنَ ( قَوْلُهُ : يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَعَلِمْتهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا بِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ظَنَنْتهَا ثَلَاثَةً وَنَحْوَهُ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَحِينَئِذٍ فَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ مَتَى قَالَ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمِ زَيْدٍ وَعُلِمَ عَدَدُهَا ، وَلَمْ يَقُلْ أَرَدْت ثَلَاثَةً لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت ثَلَاثَةً أَوْ أَطْلَقَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَثَلَاثَةٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ ) قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجُهُ ثَلَاثَةٌ ( قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَطَفَ فَشَيْئَانِ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَشْيَاءُ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ قَالَ الْإِمَامُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِثْلُ مَا فِي يَدِ فُلَانٍ لَزِمَهُ مِثْلُ مَا فِي يَدِهِ جِنْسًا ، وَقَدْرًا وَصِفَةً ، وَلَوْ قَالَ مِثْلُ مَا لِزَيْدٍ جِنْسًا حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ دُونَ الْعَدِّ ، وَإِنْ قَالَ قَدْرًا حُمِلَ عَلَى الْقَدْرِ دُونَ الْجِنْسِ .
قَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي : لِي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فَقَالَ لَك أَكْثَرُ مِنْهَا ثُمَّ بَيَّنَ دِرْهَمًا قُبِلَ ، وَلَوْ قَالَ أَكْثَرُ مِنْهَا عَدَدًا تَلْزَمُهُ زِيَادَةُ الْعَدَدِ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ ، وَلَوْ قَالَ أَكْثَرُ مِنْهَا جِنْسًا وَعَدَدًا لَزِمَهُ أَدْنَى زِيَادَةٍ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ) أَوْ مُبْتَدَأٌ ، وَلَهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ ، وَكَذَا حَالٌ ، وَقَالَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يَكُونَ كَذَا مُبْتَدَأً وَدِرْهَمٌ بَدَلًا مِنْهُ أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ ، وَلَهُ خَبَرٌ وَعِنْدِي ظَرْفٌ لَهُ ( قَوْلُهُ : تَكَرَّرَ الدِّرْهَمُ بِعَدَدِ كَذَا ) قَالَ
الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ التَّأْكِيدَ أَوْ يُطْلِقَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ فِيهِ كَدِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ قَطْعًا بِخِلَافِ وَدِرْهَمٍ قَوْلُهُ : لَا إنْ خَفَضَهُ أَوْ رَفَعَهُ ) فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ وَالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَالْإِنْشَاءَ أَقْوَى ، وَأَسْرَعُ نُفُوذًا وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ وَغَدًا بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ ، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ فِي ، وَقْتَيْنِ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ .
الثَّانِي : أَنَّ الدَّرَاهِمَ يَدْخُلُهَا التَّفْضِيلُ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ فَدِرْهَمٌ أَجْوَدُ مِنْهُ أَوْ أَرْدَأُ أَوْ الطَّلَاقُ لَا يُوصَفُ بِجَوْدَةٍ ، وَلَا رَدَاءَةٍ ( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي شَيْئَانِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ : وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ .
( فَصْلٌ ) وَلَوْ ( قَالَ لَهُ ) عَلَيَّ ( خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَالدِّرْهَمُ تَفْسِيرٌ لَهُ ( أَوْ ) قَالَ ( لَهُ ) عَلَيَّ ( أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ أَوْ أَلْفٌ وَثَوْبٌ فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ ) فَلَهُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ الثَّوْبِ مِنْ الْمَالِ كَأَلْفِ فَلْسٍ كَمَا فِي عَكْسِهِ ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ أَوْ ثَوْبٌ وَأَلْفٌ ؛ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ إنَّمَا وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ وَلَمْ يُوضَعْ لِلتَّفْسِيرِ نَعَمْ لَوْ قَالَ أَلْفٌ وَدِرْهَمُ فِضَّةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ أَيْضًا فِضَّةً لِلْعَادَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ .
( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ) أَوْ أَلْفٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ( أَوْ أَلْفٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَمْيِيزًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ نَصَبَهُ فِي الْأَخِيرَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَلَا يَضُرُّ فِيهِ اللَّحْنُ وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُ أَوْ نَصَبَهُ فِيهَا لَكِنْ مَعَ تَنْوِينَ نِصْفٍ أَوْ رَفْعِهِ أَوْ خَفْضِهِ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَزِمَهُ مَا عَدَّدَهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ مَنُونِينَ مَرْفُوعِينَ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( نِصْفٌ وَدِرْهَمٌ فَالنِّصْفُ مُجْمَلٌ ) كَالْأَلْفِ فِي لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ ) أَلْفٌ وَ ( ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْكُلُّ دَنَانِيرُ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ ثِيَابٌ ) فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ ، وَقَفِيرُ حِنْطَةٍ فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ ) بِخِلَافِهِ فِي لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ قَالَ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ وَالْحِنْطَةَ لَا تَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ أَلْفُ حِنْطَةٍ ( أَوْ ) قَالَ
لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفُ دِرْهَمٍ ) حَالَةَ كَوْنِهِمَا ( مُنَوَّنَيْنِ مَرْفُوعِينَ وَجَبَ مَا عَدَدُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَهُمَا أَوْ خَفَضَهُمَا مَنُونِينَ أَوْ رَفَعَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَّنَهُ أَوْ نَصَبَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَّنَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الْأَلْفَ أَوْ نَصَبَهُ أَوْ خَفَضَهُ وَلَمْ يُنَوِّنْهُ وَنَصَبَ الدِّرْهَمَ أَوْ رَفَعَهُ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَّنَهُ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَوْ سَكَّنَ الْأَلْفَ ، وَأَتَى فِي الدِّرْهَمِ بِالْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ .
( فَصْلٌ ) لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدَانِقًا بِالنَّصْبِ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةِ دَوَانِيقَ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ ، وَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَدَانِقًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا فَإِذَا كَانَ عَطْفًا فَيَقْتَضِي وُجُوبَ زِيَادَةٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ ، وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرًا لَا يَقْتَضِي إيجَابَ زِيَادَةٍ بَلْ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ عَلَيَّ اثْنَا عَشَرَ عَدَدًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّوَانِيقِ وَغَايَةُ مَا يُطْلَقُ اسْمُ الدَّوَانِيقِ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا يُسَمَّى دِرْهَمًا فَتُجْعَلُ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَدَدِ دَوَانِيقَ تَبْقَى سَبْعَةٌ فَتَكُونُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ الْمَبْلَغُ ثَمَانِيَةً إلَّا دَانِقًا فَهَذَا الْقَدْرُ الْيَقِينُ ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، وَلَا نُلْزِمُهُ بِالشَّكِّ شَيْئًا ( قَوْلُهُ : فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ أَيْضًا فِضَّةً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَمْيِيزًا أَيْ وَالظَّاهِرُ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ كَالْوَصْفِ ، وَهُوَ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ نَصَبَهُ فِي الْأَخِيرَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ رَفَعَهُ ) أَيْ الدِّرْهَمَ ، وَقَوْلُهُ لَزِمَهُ مَا عَدَدُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ نِصْفٌ وَدِرْهَمٌ فَالنِّصْفُ مُجْمَلٌ ) ، وَلَوْ قَالَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُدُسٌ فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ فِي الْأَصَحِّ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ وَسُدُسًا بِالنَّصْبِ فَالْأَصَحُّ كَذَلِكَ أَيْ مِنْ لُزُومِ اثْنَيْ عَشَرَ وَسُدُسِ دِرْهَمٍ ، وَلَا يَضُرُّهُ اللَّحْنُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَحْوِيًّا ، وَإِنْ كَانَ نَحْوِيًّا لَزِمَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا كَأَنَّهُ قَالَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَاثْنَا عَشَرَ سُدُسًا ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَلْزَمُهُ سَبْعَةُ
دَرَاهِمَ كَأَنَّهُ قَالَ اثْنَيْ عَشَرَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالْأَسْدَاسِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ رَأَيْت اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةً تَنْزِيلًا عَلَى النِّصْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةِ أَسْدَاسِ دِرْهَمٍ تَقْدِيرُهُ اثْنَا عَشَرَ عَدَدًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْأَسْدَاسِ ، وَغَايَةُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَسْدَاسِ خَمْسَةٌ ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا سُدُسًا سُمِّيَ دِرْهَمًا فَجَعَلَهُ خَمْسَةً مِنْ الْعَدَدِ أَسْدَاسًا يَبْقَى سَبْعَةٌ فَتَكُونُ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ الْمَبْلَغُ سَبْعَةً وَخَمْسَةَ أَسْدَاسٍ قَالَ هَذَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا تَلْزَمُهُ بِالشَّكِّ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَهُمَا إلَى قَوْلِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الْأَلْفَ إلَى قَوْلِهِ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ .
( فَصْلٌ : الْمُعْتَبَرُ ) فِي الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بِهَا ( دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ ) ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا مَا لَمْ يُفَسِّرْهَا الْمُقِرُّ بِمَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( فَإِنْ فَسَّرَهَا ) أَيْ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا ( بِفُلُوسٍ لَمْ يُقْبَلْ ) وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَبُولُ التَّفْسِيرِ بِهَا ، وَإِنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ إذَا غَلَبَ التَّعَامُلُ بِهَا بِبَلَدٍ بِحَيْثُ هُجِرَ التَّعَامُلُ بِالْفِضَّةِ ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عِوَضًا عَنْ الْفُلُوسِ كَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ( أَوْ بِنَاقِصَةٍ عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَدِرْهَمٍ شَامِيٍّ ( أَوْ مَغْشُوشَةٍ وَدَرَاهِمِ الْبَلَدِ ) أَيْ بَلَدِ الْإِقْرَارِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ نَاقِصَةٍ أَوْ مَغْشُوشَةٍ ( قُبِلَ مُتَّصِلًا ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَالْعُرْفَ يَصْرِفَانِهِ إلَيْهِ ( وَكَذَا مُنْفَصِلًا ) حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَلَوْ لَمْ يُفَسِّرْهَا وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالصَّوَابُ ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ ؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ نَقْلِ مَنْ يُخَالِفُهُ .
انْتَهَى .
وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ، وَقَضِيَّةُ الثَّانِي خِلَافُهُ ( أَوْ ) فَسَّرَهَا بِمَا ذُكِرَ وَدَرَاهِمُ الْبَلَدِ ( تَامَّةٌ أَوْ نُقْرَةٌ قُبِلَ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا ) كَالِاسْتِثْنَاءِ فِيهِمَا ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ صَرِيحٌ فِيهِ وَضْعًا وَعُرْفًا فَلَا يُقْبَلُ مُنْفَصِلًا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ( أَوْ فَسَّرَهُ ) أَيْ مَا أُقِرَّ بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ فَسَّرَهَا ( مِنْ
الْفِضَّةِ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ ) بِدَرَاهِمَ ( سِكَّتُهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِي ) ذَلِكَ ( الْبَلَدِ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ بِمَا لَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْبَلَدِ لُبْسَهُ وَيُخَالِفُ تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصِ لِرَفْعِ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى سِكَّةِ الْبَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ مُعَامَلَةٍ ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فِيهَا ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُ بِمُعَامَلَةٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهِ .
( وَقَوْلُهُ ) لَهُ عَلَيَّ ( دُرَيْهِمٌ ) بِالتَّصْغِيرِ ( أَوْ دِرْهَمٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ كَدِرْهَمٍ ) عَارٍ عَلَى ذَلِكَ ( وَالْجَمْعُ ) الْمَوْصُوفُ بِتَصْغِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ دُرَيْهِمَاتٌ أَوْ دَرَاهِمُ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ ( كَالْجَمْعِ ) الْعَارِي عَنْ ذَلِكَ فَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِهِ بِالنَّقْصِ وَغَيْرِهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالصِّغَرِ كَالتَّقْيِيدِ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ صَرِيحٌ فِي الْوَازِنِ وَالْوَصْفُ بِالصِّغَرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّكْلِ ، وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِهِ وَقِسْ بِذَلِكَ الْوَصْفَ بِغَيْرِ الصِّغَرِ .
( فَرْعٌ : يَجِبُ بِقَوْلِهِ ) لَهُ عَلَيَّ ( دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ ثَلَاثَةٌ ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ ( وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهَا فِي الْوَزْنِ ) بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ زِنَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ( وَ ) يَجِبُ ( بِقَوْلِهِ ) لَهُ عَلَيَّ ( أَقَلُّ عَدَدِ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ هُوَ الْمَعْدُودُ ، وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُتَعَدِّدٌ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْوَاحِدُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( وَ ) يَجِبُ ( بِقَوْلِهِ ) لَهُ عَلَيَّ ( مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ أَنْ تَكُونَ وَازِنَةً بِوَزْنِ الْإِسْلَامِ صِحَاحًا ) فَلَا يُقْبَلُ مِائَةٌ بِالْعَدَدِ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْدُ الْبَلَدِ ) عَدَدًا ( نَاقِصًا فَيُقْبَلُ مِنْهُ ) حَمْلًا عَلَى
الْمَعْهُودِ ( وَ ) يَجِبُ فِي إقْرَارِهِ ( بِمِائَةٍ عَدَدٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْعَدَدُ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْوَزْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِائَةُ دِرْهَمٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ فَالْقِيَاسُ لُزُومُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةٍ إنْ كَانَ عَدَدٌ مَجْرُورًا بِالْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَكَذَا إنْ كَانَ مَنْصُوبًا ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمِائَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَيَلْزَمُهُ تَفْسِيرُهَا بِمَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمَيْنِ عَدَدًا لَا وَزْنًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ بَنَاهُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ عَدَدًا جَمْعٌ ، وَتَمْيِيزُ الْمِائَةِ لَا يَقَعُ جَمْعًا وَمَا تَوَهَّمَهُ فَاسِدٌ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ جَمْعٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَلْ هُوَ مُفْرَدٌ فَيَصِحُّ كَوْنُهُ تَمْيِيزًا لِلْمِائَةِ كَزَوْجٍ وَشَفْعٍ .
( فَرْعٌ : قَوْلُهُ ) لَهُ عَلَيَّ ( مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ ) بِهِ ( تِسْعَةٌ ) إخْرَاجًا لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ ، وَإِدْخَالًا لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ ( وَ ) قَوْلُهُ لَهُ عِنْدِي أَوْ بِعْتُك ( مِنْ الْجِدَارِ إلَى الْجِدَارِ ) يَلْزَمُهُ بِهِ ( مَا بَيْنَهُمَا ) إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَ هَذِهِ وَتِلْكَ ( أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ ) هُنَا ( السَّاحَةُ وَلَيْسَ الْجِدَارُ مِنْهَا بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَذِكْرُ الْجِدَارِ مِثَالٌ فَالشَّجَرَةُ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الدِّرْهَمِ إلَى هَذَا الدِّرْهَمِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّحْدِيدُ لَا التَّعْدِيدُ ( وَ ) قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ ( مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ أَوْ ) مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ ( إلَى عَشَرَةٍ ) يَلْزَمُهُ بِهِ ( ثَمَانِيَةٌ ) ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا
لَا يَشْمَلُهُمَا ( وَ ) قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ ) يَلْزَمُهُ بِهِ ( لِمُرِيدِ الْحِسَابِ ) إذَا فُهِمَ مَعْنَاهُ ( عَشَرَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا مُوجَبَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَاهُ ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِهِ إذْ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ مَا لَا يَفْهَمُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمٌ ( وَ ) يَلْزَمُ بِهِ ( لِمُرِيدٍ ) مَعْنَى ( مَعَ ) بِأَنْ قَالَ أَرَدْت مَعَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَهُ ( أَحَدَ عَشَرَ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَاصِلُ بِضَمِّهِمَا وَوَرَدَتْ فِي بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ } أَيْ مَعَهُمْ وَبِمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْمَعِيَّةُ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ وَيُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ كَنَظِيرِهِ فِي أَلْفٍ وَدِرْهَمٍ ( وَ ) يَلْزَمُ بِهِ ( لِمُرِيدِ الظَّرْفِيَّةِ أَوْ الْمُطْلِقِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ ( دِرْهَمٌ ) أَخْذًا بِالْيَقِينِ .
( قَوْلُهُ : الْمُعْتَبَرُ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ ) قَدْ ذُكِرَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ النُّقْرَةَ حُرِّرَتْ فَوُجِدَ أَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا الْآنَ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَبُولُ التَّفْسِيرِ بِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ إنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَيْسَ لَهُمْ نَقْدٌ إلَّا الْفُلُوسَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا فَإِنْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَلِلِاحْتِمَالِ فِيهِ مَجَالٌ ، قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : مِنْ نَقْلِ مَا يُخَالِفُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ دَرَاهِمُ ) جَمْعُ كَثْرَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ تَفْسِيرُهَا إلَّا بِأَحَدَ عَشَرَ .
وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ صِيغَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْكَثْرَةِ وَالْأُخْرَى لِلْقِلَّةِ أَمَّا مَا لَا صِيغَةَ لَهُ إلَّا جَمْعَ الْكَثْرَةِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَدَرَاهِمُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلِذَا عَمِلُوا الْقِلَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَهُ صِيغَتَانِ كَأَفْلُسٍ وَفُلُوسٍ أَنْ يَلْزَمَ فِيهِ أَحَدَ عَشَرَ .
وَالْأَوْجَهُ لُزُومُ الْمُتَيَقَّنِ مُطْلَقًا كَا ( قَوْلِهِ : وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِسِتَّةِ دَوَانِيقَ كَمَا فِي الْبَيْعِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ ، وَفِي بَعْضِهَا عَدَدًا ، وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَشَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالنِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ إلَخْ ) ، وَمَا ذَكَرَهُ
الْإِسْنَوِيُّ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ ، وَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ أَيْ لَيْسَتْ وَازِنَةً ، وَكَتَبَ أَيْضًا اعْتِرَاضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ .
أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ عَلَى عَدَدِ الْمُمَيِّزِ لِلْمِائَةِ بِأَنَّهُ جَمْعٌ أَقَلُّهُ اثْنَانِ حَتَّى يَلْزَمَهُ مِائَتَانِ خَطَأٌ صَرِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ تُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَعَدَدُ الْمُمَيِّزِ لَيْسَ جَمْعًا دَائِمًا بِمَعْنَى مَعْدُودِ الثَّانِي أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ بَيْنَ عَدَدِ الْمُمَيِّزِ الْمَنْصُوبِ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ فَرْقًا مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا تَقُولُ رِطْلٌ زَيْتًا وَرِطْلُ زَيْتٍ نَعَمْ فَرَّقَ ابْنُ قُتَيْبَةَ بَيْنَ الْمَجْرُورِ وَالْمَنْصُوبِ فِي الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ فَقَالَ إذَا قَالَ عِنْدِي ظَرْفٌ عَسَلًا كَانَ إقْرَارًا بِالْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ ، وَإِنْ قَالَ ظَرْفُ عَسَلٍ كَانَ إقْرَار بِالظَّرْفِ دُونَ الْمَظْرُوفِ ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَأْتِي هُنَا .
وَأَمَّا اسْتِشْهَادُهُ بِمِائَةِ ثَوْبٍ فَخَارِجٌ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ ثَوْبًا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعَدَدِ الثَّالِثِ ، قَوْلُهُ : إنَّهُ إذَا رَفَعَ الْمِائَةَ وَالدِّرْهَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَفْسِيرُ الْمِائَةِ بِمَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمَيْنِ خَطَأٌ بِنَاءً عَلَى الْفَسَادِ السَّابِقِ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ أَيْ لَيْسَتْ وَازِنَةً ، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ دِرْهَمًا مُفْرَدٌ ، وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِلْأَلْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَلْفٌ لَا تَنْقُصُ عَنْ دِرْهَمٍ وَتِلْكَ الْأَلْفُ قِيمَتُهَا دِرْهَمٌ ( قَوْلُهُ : فَرْعٌ قَوْلُهُ : مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ إلَخْ ) أَيْ أَوْ مِنْ عَشَرَةٍ إلَى دِرْهَمٍ ( قَوْلُهُ ، وَإِدْخَالًا لِلْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالثَّانِي وَمِنْ لَازِمِهِ
الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ : وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ ) أَيْ أَوْ الْمَبِيعُ السَّاحَةُ إلَخْ عُلِمَ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ إلَى هَذِهِ النَّخْلَةِ كَقَوْلِهِ مِنْ هَذَا الْجِدَارِ إلَى هَذَا الْجِدَارِ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ النَّخْلَةَ إلَى هَذِهِ النَّخْلَةِ دَخَلَتْ النَّخْلَةُ الْأُولَى فِي الْإِقْرَارِ دُونَ الْأَخِيرَةِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ ) وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ هُنَا إلَى هُنَا ( قَوْلُهُ بَلْ لَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الدِّرْهَمِ إلَى هَذَا الدِّرْهَمِ ) فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ يَقْتَضِي خِلَافَ إنْ أَرَادَ الدَّرَاهِمَ ، وَقَوْلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ وَلِمُرِيدٍ مَعَ أَحَدَ عَشَرَ ) اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ جَزْمًا لِاحْتِمَالِ مَعَ دِرْهَمٍ لِي فَمَعَ نِيَّةِ مَعَ أَوْلَى وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ وُجُوبِ أَحَدَ عَشَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ وَيَرْجِعَ فِي تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ قَالَ فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ مَعَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَهُ ، وَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ .
ا هـ .
وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُرِدْ الظَّرْفَ ، وَإِلَّا اتَّحَدَ الْقِسْمَانِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَحَدَ عَشَرَ بِخِلَافِ مَعَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ مَعَ دِرْهَمٍ لِي ، وَهُوَ مَعْنَى الظَّرْفِ .
ا هـ .
وَأَجَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ قَصْدَ الْمَعِيَّةِ بِمَثَابَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالتَّقْدِيرُ لَهُ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةٌ ، وَلَفْظُ الْمَعِيَّةِ مُرَادِفٌ لِحَرْفِ الْعَطْفِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِهِمْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بِقَوْلِهِمْ مَعَ عَمْرٍو بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ مَعَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ الْمُصَاحَبَةِ ، وَهِيَ تَصْدِيقٌ بِمُصَاحَبَةِ دِرْهَمٍ لِغَيْرِهِ ، وَلَا يُقَدَّرُ فِيهَا عَطْفٌ بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ
مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ يَلْزَمُنِي فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ ، وَأَيْضًا دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ صَرِيحٌ فِي الْمَعِيَّةِ وَدِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ صَرِيحٌ فِي الظَّرْفِ فَإِذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَعِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُ الْمَعِيَّةِ بِالْمُصَاحَبَةِ لِدِرْهَمٍ آخَرَ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْمُجَاوِزِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ لَا مِنْ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ نِيَّتِهِ ، وَلَوْ قُدِّرَ مَعَهُ مَجَازُ الْإِضْمَارِ لَكَثُرَ الْمَجَازُ ، وَأَمَّا دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ قَوْلِهِ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْأَلْفِ وَدِرْهَمٌ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ أَلْفًا وَدِرْهَمًا فِيهِ عَطْفُ الدِّرْهَمِ عَلَى الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفُ مُبْهَمٌ ، وَهُنَا بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ عَطْفُ الْعَشَرَةِ تَقْدِيرًا عَلَى الدِّرْهَمِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُبْهَمٍ فَكَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ الْمَعْطُوفِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فس .
وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ مِنْ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ الضَّرْبَ ، وَهُوَ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ مَا فِي الْعَدَدِ الْآخَرِ مِنْ الْآحَادِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ .
( قَوْلُهُ : وَبِمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْمَعِيَّةُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا مُقْتَضَى تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرَدْت الْمَعِيَّةَ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَدِمَ لُزُومَ أَحَدَ عَشَرَ لَهُ ، وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ .
( فَصْلٌ : الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ لَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ) فِي الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَالْإِقْرَارُ يَعْتَمِدُ الْيَقِينَ كَمَا مَرَّ ( فَيَجِبُ بِقَوْلِهِ ) لَهُ عِنْدِي ( سَيْفٌ فِي غِمْدٍ وَزَيْتٌ فِي جَرَّةٍ ) وَنَحْوِهِمَا ( الْمَظْرُوفُ لَا الظَّرْفُ وَبِعَكْسِهِ عَكْسُهُ ) فَيَجِبُ بِقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ وَجَرَّةٌ فِيهَا زَيْتٌ وَنَحْوُهُمَا الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ ( وَكَذَا ) الْحُكْمُ فِي لَهُ عِنْدِي ( فَرَسٌ عَلَيْهِ سَرْجٌ وَعَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَخَاتَمٌ فِيهِ ) أَوْ عَلَيْهِ ( فَصٌّ وَجَارِيَةٌ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ وَفَرَسٌ فِي حَافِرِهَا نَعْلٌ وَقُمْقُمَةٌ عَلَيْهَا عُرْوَةٌ وَعَكْسُهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ كَقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي سَرْجٌ عَلَى فَرَسٍ وَعِمَامَةٌ عَلَى عَبْدٍ وَفَصٌّ فِي خَاتَمٍ وَحَمْلٌ فِي بَطْنِ جَارِيَةٍ وَنَعْلٌ فِي حَافِرِ فَرَسٍ وَعُرْوَةٌ عَلَى قُمْقُمَةٍ فَتَجِبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الْفَرَسُ وَالْعَبْدُ وَالْخَاتَمُ وَالْجَارِيَةُ وَالْقُمْقُمَةُ لَا السَّرْجُ وَالْعِمَامَةُ وَالْفَصُّ وَالْحَمْلُ وَالنَّعْلُ وَالْعُرْوَةُ وَفِي صُوَرِ عَكْسِهَا عَكْسُ ذَلِكَ .
( أَوْ ) قَالَ ( لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ ) فَكَانَتْ حَامِلًا ( أَوْ ) لَهُ عِنْدِي ( خَاتَمٌ ) فَكَانَ فِيهِ فَصٌّ ( دَخَلَ الْفَصُّ ) فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْخَاتَمَ يَتَنَاوَلُهُ فَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فِي خَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ لِقَرِينَةِ الْوَصْفِ الْمُوقِعِ فِي الشَّكِّ ( لَا الْحَمْلُ ) فِي الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ بِأَنْ كَانَ مُوصًى بِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ وَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ وَالشَّجَرَةُ كَالْجَارِيَةِ وَالثَّمَرَةُ كَالْحَمْلِ فِيمَا ذُكِرَ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ قَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ : وَالضَّابِطُ أَنَّ
مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ ( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ عِنْدِي ( فَرَسٌ بِسَرْجَةٍ أَوْ عَبْدٌ بِعِمَامَتِهِ لَزِمَ ) الْمُقِرَّ ( الْجَمِيعُ ، وَكَذَا ) يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي ( ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا مَرَّ وَالطِّرَازُ جُزْءٌ مِنْ الْمُطَرَّزِ ، وَإِنْ رَكِبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْجِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ طِرَازٌ كَقَوْلِهِ مُطَرَّزٌ .
انْتَهَى .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَخَاتَمٍ عَلَيْهِ فَصٌّ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ( لَا فَرَسٌ مُسْرَجٌ ) أَوْ دَارٌ مَفْرُوشَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْفَرَسُ وَالدَّارُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرْجِ وَالْفِرَاشِ وَلَيْسَتَا شَبِيهَتَيْنِ بِمَا قَبْلَهُمَا ( وَبِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي هَذَا الْكِيسِ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ ) لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ اللُّزُومَ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَقِبَهُ بِهِ ( وَيُتَمِّمُهُ ) وُجُوبًا ( لَوْ نَقَصَ ) مَا فِيهِ عَنْ الْأَلْفِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ الْأَلْفُ .
( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( الْأَلْفُ الَّذِي فِي الْكِيسِ فَلَا تَتْمِيمَ ) لَوْ نَقَصَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَّا مَا فِي الْكِيسِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ التَّعْرِيفِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْكِيسِ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ قَدْ تَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ فِي الْكِيسِ بِتَرْكِ الَّذِي ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي الْكِيسِ ، وَإِنْ افْتَرَقَا بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ ( وَلَا غُرْمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ ) فِيهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفُرِّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُنَكَّرِ الْمَوْصُوفِ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ
فَأَمْكَنَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا ، وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْمُعَرَّفِ الْمَوْصُوفِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْخَبَرُ كُلُّهُ ، قَالَ السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَالَتَيْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ عَلَيَّ كَمَا فَرَضَهُ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ ، وَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي كَمَا فَرَضَهُ الْغَزَالِيُّ ؛ لِأَنَّ عِنْدِي ، وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا حِينَ الْإِقْرَارِ نَعَمْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي أَنَّ فِي عَلَيَّ إذَا أَلْزَمْنَاهُ الْإِتْمَامَ أَوْ الْجَمْعَ كَانَ إلْزَامَ ضَمَانٍ وَفِي عِنْدِي يَكُونُ أَمَانَةً وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَلِفَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ حَجَرَ عَلَى الْمُقِرِّ لَمْ يُزَاحِمْهُ الْغُرَمَاءُ فِيهِ انْتَهَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدِي أَلْفٌ فِي هَذَا الْكِيسِ بِالتَّنْكِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامٌ لِلدَّيْنِيَّةِ .
( فَصْلٌ ) الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ إلَخْ ( قَوْلُهُ : لَا يَتْبَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ) لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا يَتَّصِلُ بِظَرْفِهِ خِلْقَةً وَعَادَةً ، وَمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ مَا لَوْ أَضَافَ الظَّرْفَ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ صُرَّةُ تَمْرٍ وَغِمْدُ سَيْفٍ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ إقْرَارٌ بِهِمَا ( قَوْلُهُ : وَفَصٌّ فِي خَاتَمٍ ) أَيْ مُرَكَّبٌ فِيهِ قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ إلَخْ ) ، وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ يَظْهَرُ عَدَمُ اللُّزُومِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَخَاتَمٍ عَلَيْهِ فَصٌّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَعْرِفَةِ الْمَوْصُوفَةِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْإِخْبَارُ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ ) الظَّاهِرُ خِلَافُهُ .
( فَصْلٌ : قَالَ لِفُلَانٍ أَلْفٌ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَوْ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ ) أَوْ فِيهِ فَهُوَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَيُسْأَلُ وَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( وَفَسَّرَهُ بِجِنَايَةٍ ) صَدَرَتْ ( مِنْهُ ) عَلَى فُلَانٍ أَوْ عَلَى مَالِهِ أَرْشُهَا أَلْفٌ ( قُبِلَ ) وَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ ( أَوْ ) فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَصِيٌّ لَهُ مِنْ ثَمَنِهِ بِأَلْفٍ قُبِلَ وَبِيعَ لِأَجَلِهِ وَتَعَيَّنَ ثَمَنُهُ ) لِلصَّرْفِ لَهُ فَلَيْسَ لِلْمُقِرِّ إمْسَاكُهُ وَدَفْعُ الْأَلْفِ مِنْ مَالِهِ امْتِثَالًا لِشَرْطِ الْمُوصِي قَالَ السُّبْكِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنْ رَضِيَ الْمُقَرُّ لَهُ جَازَ وَاَلَّذِي قَالَهُ مُتَعَيَّنٌ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا هُنَا وَجَازَ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَثْبُتُ مَعَ حَقِّ الْوَارِثِ يَعْنِي فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ وَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَقِّ السَّيِّدِ فَكَانَ أَضْعَفَ وَالْفَاضِلُ عَنْ الْأَلْفِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ لِلْمُقِرِّ ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنُهُ أَلْفًا لَمْ يَلْزَمْهُ تَتْمِيمُهُ ( أَوْ ) فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَقْرَضَنِي فِي ثَمَنِهِ أَلْفًا قُبِلَ ، وَكَذَا إنْ قَالَ هُوَ رَهْنٌ عِنْدَهُ بِهِ ) قُبِلَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ تَعَلُّقٌ ظَاهِرٌ بِالْمَرْهُونِ فَصَارَ كَالتَّفْسِيرِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ ( ، وَإِنْ قَالَ وَزْنُهَا ) أَيْ الْأَلْفِ ( فِي ثَمَنِهِ وَلَمْ آذَنْ فَالْعَبْدُ ) كُلُّهُ ( لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوْ ) قَالَ ( وَزَنْت مِثْلَهُ ) أَيْ أَلْفًا ( لَكِنَّ لَهُ الْعُشْرَ ) مَثَلًا فِي الْعَبْدِ بِأَنْ قَالَ وَزَنَ فِي ثَمَنِ عُشْرِهِ أَلْفًا وَوَزَنْت أَنَا أَلْفًا فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ ( قُبِلَ ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْنَاهُ دَفْعَتَيْنِ ) لِاحْتِمَالِهِ فَيَكُونُ لَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَلِلْمُقَرِّ لَهُ عُشْرُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى قِيمَتِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْغَايَةِ دَفْعَهُ وَفِي نُسْخَةٍ إنْ بِدُونِ الْوَاوِ ، وَهِيَ
الْمُوَافِقَةُ لِلْأَصْلِ لَكِنَّ الْأُولَى أَكْثَرُ فَائِدَةً ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قَالَ وَزَنْت مِثْلَهُ فَقَطْ ( كَانَ ) الْعَبْدُ ( بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ فَإِنْ قَالَ وَزَنْت مِثْلَيْهِ أَوْ نِصْفَهُ مَثَلًا كَانَ الِاشْتِرَاكُ بِحِسَابِهِ فَلَهُ فِي الْأُولَى ثُلُثَاهُ وَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثُلُثُهُ ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ ( وَإِنْ قَالَ أَعْطَانِي أَلْفًا ) لِأَشْتَرِيَ لَهُ الْعَبْدَ ( وَ ) قَدْ ( اشْتَرَيْته لَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ فَالْعَبْدُ لَهُ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ بَطَلَ ) إقْرَارُهُ ( فِي الْعَبْدِ ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ ) الَّتِي أَقَرَّ بِهَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ ( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ ( عَلَيَّ أَلْفٌ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ ) أَوْ مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ فِيهِ ( فَأَلْفٌ ) تَلْزَمُهُ ( بِكُلِّ حَالٍ ) حَتَّى تَلْزَمَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنُ الْعَبْدِ أَوْ قِيمَتُهُ أَلْفًا .
قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنَّ التَّفْسِيرَ بِالْجِنَايَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الشِّرَاءِ لَا يَجِيءُ هُنَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِإِتْيَانِهِ بِعَلَيَّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي عَبْدِي قَالَ السُّبْكِيُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ فِي هَذَا الْعَبْدِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ التَّفْسِيرُ بِالْمُشَارَكَةِ أَوْ بِالشِّرَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
( فَرْعٌ : قَوْلُهُ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ كَأَلْفٍ ) أَيْ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ( فِي ) هَذَا ( الْعَبْدِ ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ( إلَّا أَنْ يُرِيدَهُمَا مَعًا ) فَيَلْزَمَانِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَدِرْهَمٌ ) فَقَطْ يَلْزَمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ يَأْتِيَانِ فِي لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إنْ رَضِيَ الْمُقَرُّ لَهُ جَازَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ رَهْنٌ عِنْدَهُ بِهِ ) إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِالْأَلْفِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعَارَ لِمَنْ رَهَنَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ احْتِمَالُ الْعَارِيَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِهِ الْأَلْفَ ؛ لِأَنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْمُعِيرَ ضَامِنٌ دَيْنَ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ فِي رَقَبَةِ مَالِهِ ، وَقَضِيَّةُ الضَّمَانِ أَنَّ الْأَلْفَ لَازِمَةٌ لَهُ فِي الْعَبْدِ فَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ الْإِلْزَامَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ وَزْنُهَا فِي ثَمَنِهِ إلَخْ ) لَوْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهُ ، وَهَبَ لِي أَلْفًا اشْتَرَيْته بِهِ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ كَانَ قَرْضًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُقِرِّ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ لَهُ الْعَشَرَةَ إلَخْ ) قَالَ الْفَتَى قَوْلُهُ : وَلَكِنَّ لَهُ الْعَشَرَةَ قُبِلَ إنْ قَالَ اشْتَرَيْنَاهُ دَفْعَتَيْنِ ، وَإِلَّا كَانَ بَيْنَهُمَا أَيْ إذَا اشْتَرَيَاهُ دَفْعَةً وَفِي قَوْلِهِ بَيْنَهُمَا اخْتِصَارٌ ، وَإِيهَامٌ أَمَّا الْإِبْهَامُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ مَا وَزَنَهُ قَوْلُهُ : فَرْعٌ قَوْلُهُ دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ كَأَلْفٍ فِي الْعَبْدِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ هَذَا التَّشْبِيهُ لَا يُطَابِقُ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّذِي فِي التَّهْذِيبِ لَوْ قَالَ لَهُ دِرْهَمٌ فِي هَذَا الدِّينَارِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَلْفٌ فِي هَذَا الْعَبْدِ ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ فِي دِينَارٍ لِي إلَّا أَنْ يُرِيدَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فَيَلْزَمُهُ كِلَاهُمَا نَعَمْ كَانَ الرَّافِعِيُّ تَابَعَ الْإِمَامَ فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ كَالْعَبْدِ فِيمَا سَبَقَ إلَّا فِي الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تُتَصَوَّرُ هُنَا ، وَكَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَيْنِ
الْحُكْمَيْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَالَ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ أَوْ ) لَهُ ( فِي هَذِهِ الدَّارِ نِصْفُهَا فَإِقْرَارٌ ) فِي الْأُولَى ( عَلَى الْأَبِ ) بِأَلْفٍ فِي الْمِيرَاثِ ( وَ ) فِي الثَّانِيَةِ ( بِنِصْفِ الدَّارِ ) وَاسْتُشْكِلَتْ الْأُولَى بِأَنَّ قِيَاسَ مَا فُسِّرَ بِهِ فِي لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِتَعَلُّقِ الْأَلْفِ بِعُمُومِ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْخُصُوصِ بِتَفْسِيرِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُفَسَّرَ بِجِنَايَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ مَثَلًا لَوْ تَلِفَ ضَاعَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَوَّلِ وَانْقَطَعَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِعَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الثَّانِي فَيَصِيرُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُرْفَعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ .
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فُسِّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ ، وَأَمْكَنَ قُبِلَ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثُمَّ وَلَهُ عَبِيدٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْعَبِيدِ أَلْفٌ وَفُسِّرَ بِجِنَايَةِ أَحَدِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ وَخَرَجَ أَحَدُهُمْ لَمْ يُقْبَلْ وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ ، وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ ، وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ وَمَا قَالَهُ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ كَقَوْلِهِ لَهُ فِي مِيرَاثِي نِصْفُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَهُ فِيهِ ثُلُثُهُ إقْرَارًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ( فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي ) أَلْفٌ ( أَوْ ) فِي ( دَارِي ) نِصْفُهَا ( أَوْ ) فِي ( مَالِي ) أَلْفٌ فَهُوَ ( وَعْدٌ ) لِهِبَةٍ ( لَا يَلْزَمُ ) فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ إذَا لَمْ يُرِدْهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْكُلَّ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَنْتَظِمْ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِبَعْضِهِ كَمَا لَا يَنْتَظِمُ
مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِكُلِّهِ فِي قَوْلِهِ دَارِي لِفُلَانٍ وَفَارَقَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَا مَرَّ فِي مِيرَاثِ أَبِي بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ أَثْبَتَ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ إذْ لَا تَبَرُّعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي هَذِهِ أَضَافَ الْمِيرَاثَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا فَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ تَبَرُّعًا ، وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي الْفَرْقَ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَإِضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ إقْرَارًا عَلَى أَبِيهِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ فَإِنَّهُمْ لَا يُضِيفُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إلَّا فِي الْمُسْتَقِرِّ .
( فَإِنْ كَانَ ) مَا ذُكِرَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ ( بِصِيغَةٍ مُلْزِمَةٍ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ فِي مِيرَاثِي ) أَلْفٌ ( أَوْ لَهُ فِي مَالِي أَلْفٌ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ ) بِحَقٍّ ( ثَابِتٍ ) أَوْ لَهُ فِي دَارِي نِصْفُهَا بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ ثَابِتٍ ( لَزِمَهُ ) مَا أَقَرَّ بِهِ ( سَوَاءٌ بَلَغَ الْمِيرَاثُ ) أَوْ الْمَالُ ( أَلْفًا أَوْ نَقَصَ عَنْهُ لِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِهِ ) لَهُ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ ثَابِتٍ قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ .
( فَرْعٌ ) فِي التَّأْكِيدِ وَالْعَطْفِ وَنَحْوِهِمَا ( التَّكْرَارُ بِلَا عَاطِفٍ تَأْكِيدٌ فَيَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ زَادَ التَّكْرِيرُ دِرْهَمٌ وَبِقَوْلِهِ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثَلَاثَةٌ ) لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ ( فَإِنْ أَكَّدَ الثَّانِيَ بِالثَّالِثِ فَدِرْهَمَانِ ) يَلْزَمَانِهِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ ( لَا إنْ قَالَ أَرَدْت ) بِالثَّانِي أَوْ بِالثَّالِثِ ( تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ لِعَدَمِ اتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ فِيهِمَا وَتَخَلُّلِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ ، وَهَاتَانِ دَاخِلَتَانِ كَحَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَحَالَةِ إرَادَةِ الِاسْتِئْنَافِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فَلَا حَاجَةَ لِإِفْرَادِهِمَا بِالذِّكْرِ ( وَالْعَطْفُ بِثُمَّ كَالْوَاوِ ) فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ
دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لِاخْتِلَافِ حَرْفِ الْعَطْفِ ( وَمَتَى قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ مَعَ ) دِرْهَمٍ ( أَوْ فَوْقَ ) دِرْهَمٍ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ لِي أَوْ مَعَهُ ( دِرْهَمٌ ) أَوْ فَوْقَهُ دِرْهَمٌ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ ( وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( دِرْهَمٌ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ مَعَ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ لِي أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لِي أَوْ يُرِيدُ فَوْقَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَتَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ وَمَعَهُ فِي أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ لِمَا يَأْتِي ( أَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ قَبْلَ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمَانِ ) يَلْزَمَانِهِ لِاقْتِضَاءِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمُغَايَرَةَ وَتَعَذُّرِ التَّأْكِيدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةِ بِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَكَانِ فَيَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ وَالْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ تَرْجِعَانِ إلَى الزَّمَانِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَلَيْسَ إلَّا الْوُجُوبُ عَلَيْهِ ، وَاعْتَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُمَا تَرْجِعَانِ إلَى الرُّتْبَةِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَلْزَمُ رُجُوعُهُمَا إلَى الْوُجُوبِ فَقَدْ يُرِيدُ دِرْهَمًا مَضْرُوبًا قَبْلَ دِرْهَمٍ وَنَحْوَهُ وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ يُرِيدُ لِزَيْدٍ دِرْهَمٌ قَبْلَ وُجُوبِ دِرْهَمٍ لِغَيْرِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَبْلَ وَبَعْدَ صَرِيحَانِ أَوْ ظَاهِرَانِ فِي الزَّمَانِ فَالْحَمْلُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْتَبَةِ وَغَيْرِهَا بَعِيدٌ ، وَالْحَمْلُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ مُنَافٍ لِعَلَيَّ الْمَوْضُوعَةِ لِلِالْتِزَامِ وَاحْتِمَالُ إرَادَةِ قَبْلَ وُجُوبَ دِرْهَمٍ لِغَيْرِهِ مُنَافٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ لَهُ وَلَيْسَ كُلُّ احْتِمَالٍ مَقْبُولًا .
( وَمَتَى قَالَ ) لَهُ ( عَلَيَّ ) أَوْ عِنْدِي ( دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ فَقَفِيرُ حِنْطَةٍ وَجَبَ ) عَلَيْهِ ( دِرْهَمٌ ) فَقَطْ ( إنْ
لَمْ يُرِدْ ) بِالْفَاءِ ( الْعَطْفَ ) ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ طَلْقَتَانِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي أَوْ أَجْوَدُ مِنْهُ ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْقَدِحُ فِي الطَّلَاقِ وَبِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى ، وَأَسْرَعُ نُفُوذًا وَلِهَذَا يَتَعَدَّدُ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ فِي يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ ، وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَطَالِقٌ مَهْجُورَةٌ أَوْ لَا تُرَاجَعْ أَوْ خَيْرٌ مِنْك أَوْ نَحْوَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ صَرْفٌ لِلصَّرِيحِ عَنْ مُقْتَضَاهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ فَيَلْزَمُهُ فِي الْأُولَى دِرْهَمَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ دِرْهَمٌ ، وَقَفِيرُ حِنْطَةٍ كَمَا فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ ( وَفِي ) قَوْلِهِ ( بِعْتُك بِدِرْهَمٍ فَدِرْهَمُ الثَّمَنِ دِرْهَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ ) وَمَنَعَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ يُمْكِنُ أَنْ يَعْقُبَ بَعْضُهُ بَعْضًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ الشَّيْءُ إذَا بِيعَ بِدِرْهَمٍ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِدِرْهَمٍ آخَرَ قَالَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ وَنَحْنُ نَلْتَزِمُهُ بِخِلَافِ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ لِدَلَالَةِ الْوَاوِ عَلَى الْجَمْعِ بِلَا تَرْتِيبٍ ( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ ) أَوْ لَكِنْ ( دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ ) يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ فَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَيُعِيدُ الْأَوَّلَ أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ ( أَوْ لَا بَلْ ) أَوْ لَكِنْ ( دِرْهَمَانِ فَدِرْهَمَانِ ) يَلْزَمَانِهِ لِتَعَذُّرِ نَفْيِ مَا قَبْلَ بَلْ أَوْ لَكِنْ لِاشْتِمَالِ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهِ .
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ نَفْيُ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا قَبْلَهَا ، وَإِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ فَإِذَا أَنْشَأَ طَلْقَةً ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهَا إلَى إنْشَاءِ
طَلْقَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ إعَادَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ فَإِذَا أَخْبَرَ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهِ إلَى إخْبَارٍ بِالْكُلِّ جَازَ دُخُولُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ ( فَإِنْ عَيَّنَهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِثْلُ ) قَوْلِهِ ( لَهُ عِنْدِي هَذَا ) الدِّرْهَمُ ( بَلْ هَذَانِ ) الدِّرْهَمَانِ ( أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ فَالْكُلُّ ) يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ دُخُولِ مَا قَبْلَ بَلْ فِيمَا بَعْدَهَا وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَكَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عِنْدِي ( عَشَرَةٌ بَلْ تِسْعَةٌ فَعَشَرَةٌ ) تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَكْثَرِ لَا يُقْبَلُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَقَلُّ ( أَوْ ) لَهُ عِنْدِي ( دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ ) أَوْ لَا بَلْ دِرْهَمٌ ( فَدِرْهَمَانِ ) تَلْزَمَانِهِ ( أَوْ ) قَالَ ( دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ أَوْ ) قَالَ ( قَفِيزٌ ، وَقَفِيزَانِ ) أَوْ دِينَارٌ بَلْ دِينَارَانِ بَلْ ثَلَاثَةٌ ( فَثَلَاثَةٌ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْأَقْفِزَةِ وَالدَّنَانِيرِ تَلْزَمُهُ وَلَوْ قَالَ دِينَارٌ بَلْ دِينَارَانِ بَلْ قَفِيزٌ بَلْ قَفِيزَانِ لَزِمَهُ دِينَارَانِ ، وَقَفِيزَانِ وَلَوْ قَالَ دِينَارٌ وَدِينَارَانِ بَلْ قَفِيزٌ ، وَقَفِيزَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثَلَاثَةُ أَقْفِزَةٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ .
( قَوْلُهُ فَإِقْرَارٌ عَلَى الْأَبِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا ، وَكَذَّبَهُ الْبَاقُونَ لَمْ يَغْرَمْ إلَّا بِالْحِصَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ ، وَأَمْكَنَ قُبِلَ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي الْفَرْقَ إلَخْ ) وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَطْلَبِ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَبِيهِ بِالْأَلْفِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ لَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ بِرَهْنٍ عَلَى دَيْنِ الْغَيْرِ كَقَوْلِهِ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ ، وَأَجَابَ بِمَا لَا مُقْنِعَ فِيهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالثُّلُثِ ، وَقَوْلُهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَالِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالثُّلُثِ ، وَقَوْلُهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي يَعُمُّ الْكُلَّ ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِاقْتِضَاءِ لَفْظِ الْمُقِرِّ كُلَّ الْمِيرَاثِ الشَّامِلِ لِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْأَبِ ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْغَيْرِ ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ ، وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ ، وَقَدْ يُقْصَدُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ هُنَا .
ا هـ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُمْ لَا يُضِيفُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ وَالتَّعَلُّقَ حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُقِرِّ حَيْثُ أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَقَلَّ بِهِ وَصَارَ مِثْلَ الْمُوَرَّثِ فِيهِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدٍ بِهِ فَيُنَاقِضُهُ إثْبَاتُ التَّعَلُّقِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ زَادَ التَّكْرِيرُ ) أَيْ أَلْفَ مَرَّةٍ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّأْكِيدِ وَسَوَاءٌ كَرَّرَهُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ عِنْدَ
الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْغَزِّيِّ : وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ .
ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَيَلِيقُ بِهِ التَّكْرَارُ لِتَوَهُّمِ عَدَمِ السَّمَاعِ لِذُهُولٍ أَوْ بُعْدٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ إنْشَاءٌ فس يُرَدُّ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الطَّلَاقِ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَكَّدُ بِالْمَصْدَرِ فَيُقَالُ هِيَ طَالِقٌ طَلَاقًا وَالْإِقْرَارُ بِخِلَافِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْحَمْلُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ مُنَافٍ إلَخْ ) فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِالْمَضْرُوبِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ كُلُّ احْتِمَالٍ مَقْبُولًا ) فَإِنَّ اللَّفْظَ الظَّاهِرَ مَعْمُولٌ بِهِ عَلَى حُكْمِ ظُهُورِهِ كَمَا قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ ، وَأَقَرَّهُ ) ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَمَنْعُ الْبُلْقِينِيِّ مَمْنُوعٌ وَمِثْلُ الْفَاءِ ثُمَّ ، قَالَ فِي الْخَادِمِ وَمِنْ هُنَا صَارَ الْعَبَّادِيُّ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ بَلْ لِلْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ .
( قَوْلُهُ إذْ الشَّيْءُ إذَا بِيعَ بِدِرْهَمٍ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِدِرْهَمٍ آخَرَ ) قَالَ شَيْخُنَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الدِّرْهَمِ الثَّانِي بِهِ فِي زَمَنِ خِيَارٍ ( قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبِلَ الْبَيْعُ لُحُوقَ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ فِي زَمَنِ خِيَارِ فَلَأَنْ يَقْبَلَ لُحُوقَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بِالْأَوْلَى .
( فَصْلٌ : لَا يَتَعَدَّدُ ) الْمُقَرُّ بِهِ ( بِالتَّكْرَارِ ) لِلْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَتَعَدُّدُهُ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ إلَّا إذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ ( فَالْإِقْرَارُ أَمْسِ بِأَلْفٍ وَالْيَوْمَ بِأَلْفٍ يُوجِبُ أَلْفًا ) فَقَطْ ( ، وَإِنْ كَتَبَ بِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( صَكًّا ) ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ عَزَا ) أَيْ نَسَبَ ( كُلًّا مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ ( لَا أَحَدَهُمَا إلَى سَبَبٍ ) كَأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ ، وَأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ ( أَوْ وَصْفٍ ) كَأَلْفٍ صِحَاحٍ ، وَأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ أَوْ أَلْفٍ حَالَّةٍ ، وَأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ ( تَعَدَّدَ ) الْمُقَرُّ بِهِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَزَا أَحَدَهُمَا إلَى ذَلِكَ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( وَإِنْ أَقَرَّ أَمْسِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا ) وَفِي نُسْخَةٍ وَغَدَهُ ( بِأَلْفٍ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ أَلْفٌ يَصِحُّ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ ، وَمَنْ اقْتَرَضَ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ اقْتَرَضَ مِثْلَهَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ بِالْأَلْفِ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالْخَمْسِمِائَةِ ( فَإِنْ قَالَ طَلَّقْت ) زَوْجَتِي ( أَمْسِ وَطَلَّقْت ) هَا ( الْيَوْمَ أَوْ قَبَضْت مِنْك الْيَوْمَ ) أَلْفًا ( وَقَبَضْت ) مِنْك ( أَمْسِ ) أَلْفًا ( تَعَدَّدَ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ) أَوْ بِغَصْبِهِ ( أَمْسِ وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ ) أَوْ بِغَصْبِهِ ( الْيَوْمَ لُفِّقَتْ شَهَادَتُهُمَا ) وَأُثْبِتَ الْأَلْفُ وَالْغَصْبُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُوجِبُ حَقًّا بِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثَابِتٍ فَيُنْظَرُ إلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، وَإِلَى اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ ( لَا إنْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ أَوْ السَّبَبُ ) فِيهَا لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ لَكِنْ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَسْتَأْنِفَ الدَّعْوَى بِهِ وَيَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُمَا وَيَحْلِفَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ( وَلَا تُلَفَّقُ ) شَهَادَتُهُمَا ( فِي الْإِنْشَاءِ
كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْقَرْضِ ) كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ أَمْسِ أَوْ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ غَدِهِ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ هُوَ إخْبَارًا حَتَّى يُنْظَرَ إلَى الْمَقْصُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ( وَنُلَفِّقُهَا فِي الْإِقْرَارِ ) لَا إنْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ أَوْ السَّبَبُ كَمَا مَرَّ .
( وَلَوْ أَقَرَّ يَوْمَ السَّبْتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَيَوْمَ الْأَحَدِ ) أَنَّهُ طَلَّقَهَا ( طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَتَانِ وَتُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ ) فِي الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ اللُّغَتَانِ ) كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ بِالْعَجَمِيَّةِ ( لَا فِي الشَّهَادَةِ بِنَفْسِ الْقَذْفِ ) كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ قَذَفَ يَوْمَ السَّبْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَ يَوْمَ الْأَحَدِ بِالْعَجَمِيَّةِ فَلَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ إنْشَاءٌ ( وَلَا فِيمَا إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ يَوْمَ السَّبْتِ قَذَفَهُ أَوْ ) أَنَّهُ ( قَذَفَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ يَوْمَ الْأَحَدِ قَذَفَهُ أَوْ ) أَنَّهُ ( قَذَفَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ التَّكْرَارِ كَمَا أَشَرْت إلَى بَعْضِهِ ( وَلَا تُلَفَّقُ ) لِذَلِكَ ( شَهَادَتَا الْإِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ ) كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَآخَرُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ نَعَمْ إنْ قَالَ الشَّاهِدُ بِالْإِبْرَاءِ أَرَدْت بِهِ الْإِيفَاءَ أَيْ إبْرَاءَهُ بِفِعْلِ الْإِيفَاءِ لُفِّقَتْ الشَّهَادَتَانِ ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ ( وَفِي تَلْفِيقِ شَهَادَتَيْ الْإِبْرَاءِ وَالْبَرَاءَةِ تَرَدُّدٌ ) كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَهُ وَآخَرُ بِأَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَصْلِهِ أَنْ يَقُولَ شَهَادَتَيْ الْإِيفَاءِ وَالْبَرَاءَةِ ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِهِ تَرْجِيحُ التَّلْفِيقِ حَيْثُ قَالَ وَالْعِبَارَةُ
لِلرَّافِعِيِّ : قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ تُلَفَّقُ ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْبَرَاءَةِ إلَى الْمَدْيُونِ عِبَارَةٌ عَنْ إيفَائِهِ وَقِيلَ بِخِلَافِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ الْبَرَاءَةِ بِمَعْنَى الْإِيفَاءِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِبْرَاءِ وَالْبَرَاءَةِ عَيْنُ الْإِيفَاءِ وَالْبَرَاءَةِ ، فَيَلْزَمُ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِبْرَاءِ بَدَلَ الْإِيفَاءِ تَكْرَارٌ مَحْضٌ .
قَوْلُهُ فَالْإِقْرَارُ أَمْسِ بِأَلْفٍ وَالْيَوْمَ بِأَلْفٍ يُوجِبُ أَلْفًا فَقَطْ ) ، وَهَذَا يَنْقُضُ قَاعِدَةَ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى قَالَ شَيْخُنَا إنَّمَا صِرْنَا لِمَا ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُضِدَ هُنَا بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ عَمَّا زَادَ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ إمَامِنَا ( قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ) يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَمَّا إذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ لَا يَقْتَضِي نَقْصًا أَمَّا إذَا اقْتَضَاهُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ إنَّهَا طَبَرِيَّةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ أَوْ عَدَدِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ إلَخْ ) حَيْثُ تَطَابَقَ الشَّهَادَتَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَمَحَلًّا سُمِعَتْ ، وَلُفِّقَتْ وَحَيْثُ لَا فَلَا وَحَيْثُ تَطَابَقَا فِي الْمَعْنَى وَتَخَالَفَا فِي اللَّفْظِ سُمِعَتْ أَيْضًا وَلُفِّقَتْ ( قَوْلُهُ : لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْوَصْفِ أَوْ السَّبَبِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَوْصُوفِ وَالْمُسَبَّبِ ( قَوْلُهُ : وَلَا تُلَفَّقُ فِي الْإِنْشَاءِ كَالْبَيْعِ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَمِنَ أَلْفًا وَالْآخَرُ أَنَّهُ ضَمِنَ خَمْسَمِائَةٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَفِي ثُبُوتِ خَمْسِمِائَةٍ قَوْلَانِ ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ التَّخْرِيجِ فِي الْإِنْشَاءَاتِ أَوْ هُوَ هُوَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مَرْدُودٌ فَإِنَّ مَنْ ضَمِنَ أَلْفًا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَمِنَ خَمْسَمِائَةٍ قَطْعًا وَيُصَدَّقُ أَيْضًا إطْلَاقُ لَفْظِ ضَمِنَ مَا دَامَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ ، وَأَقَرَّ آخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ تَثْبُتُ .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوَسُّطِ بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ مَرْدُودٌ وَغَيْرُ صَحِيحٍ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَاقِلٌ ، وَهُوَ الثِّقَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ هُوَ التَّخْرِيجُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ ، وَهُوَ هُوَ بِلَا شَكٍّ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ ظَاهِرٌ فِيهِ .
ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالْحَامِلُ لَهُ
عَلَى هَذَا الْإِيرَادِ الْعَجِيبِ إمَّا عَدَمُ تَأَمُّلٍ أَوْ عَدَمُ فَهْمٍ فَإِنَّ الضَّمَانَ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْشَاءِ قَطْعًا فَيَأْتِي فِيهِ التَّخْرِيجُ ، وَقَوْلُهُ مَنْ ضَمِنَ أَلْفًا ضَمِنَ خَمْسَمِائَةٍ يُقَالُ أَيْضًا فِي الْخُلْعِ وَالصَّدَاقِ وَسَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ ؛ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ شَهِدَ بِالْأَقَلِّ .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ يُقَالُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْعَبَّادِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَلْزَمُ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِبْرَاءِ بَدَلَ الْإِيفَاءِ تَكْرَارٌ مَحْضٌ ) لَا تَكْرَارٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرَدُّدَ جَارٍ فِي تَلْفِيقِ شَهَادَتَيْ الْإِبْرَاءِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْإِيفَاءِ وَالْبَرَاءَةِ وَالرَّاجِحُ فِيهِمَا التَّلْفِيقُ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ : وَلَوْ جَاءَ بِصَكٍّ فِيهِ إقْرَارٌ ، وَأَتَى الْمُقِرُّ بِصَكٍّ فِيهِ إبْرَاءٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخٌ أَوْ تَارِيخُهُمَا وَاحِدٌ أَوْ تَارِيخُ الْبَرَاءَةِ مُتَأَخِّرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ الْإِقْرَارِ مُتَأَخِّرًا لَزِمَ ، قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلْيَكُنْ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّكَّيْنِ بَيِّنَةٌ أَوْ إقْرَارٌ ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ بِالْكِتَابِ الْمُجَرَّدِ مُسْتَبْعَدٌ ، وَكَذِبٌ أَيْضًا أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِ زَيْدٍ لَهُ بِدَيْنٍ فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَتَارِيخُهُمَا وَاحِدٌ بِأَنَّا نَحْكُمُ بِبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهَا الشَّغْلُ وَشَكَّكْنَا فِي رَفْعِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لَهُ ، وَقَوْلُهُ ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ادَّعَى ثَلَاثِينَ فَشَهِدَ ) لَهُ ( وَاحِدٌ بِهَا وَآخَرُ بِعِشْرِينَ ثَبَتَتْ الْعِشْرُونَ وَلَهُ الْحَلِفُ مَعَ ) الشَّاهِدِ ( الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِعِشْرِينَ فَشَهِدَ ) لَهُ وَاحِدٌ بِهَا وَآخَرُ ( بِثَلَاثِينَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي الْعَشَرَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ ( فَلَوْ أَعَادَهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( بِعَشَرَةٍ ) بَعْدَ الدَّعْوَى بِهَا وَالِاسْتِشْهَادِ ( قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُ ( وَإِنْ ادَّعَاهَا ) الْمُدَّعِي ( فِي الْمَجْلِسِ ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا .
( فَرْعٌ ) لَهُ مَسْطُورٌ بِإِقْرَارٍ بِأَلْفَيْنِ اسْتَوْفَى أَلْفًا وَادَّعَى الْآخَرَ فَكَيْفَ يَشْهَدُ الشُّهُودُ ، وَهُمْ شَهِدُوا بِالْإِقْرَارِ بِالْجَمْعِ فَقِيلَ يَشْهَدُونَ بِأَلْفٍ مِنْ أَلْفَيْنِ وَقِيلَ بِإِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ مِنْ أَلْفَيْنِ لَا بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ شَهِدُوا بِهِمَا بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ وَفِي الْبَاقِي قَوْلَا تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا كُلُّهُ خَبْطٌ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ عَيْنَ الْحَقِّ بَلْ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَتُسْمَعُ الشَّهَادَةُ بِهِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ ضَمَّ إلَيْهِ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ أَفْرَدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِمَا سَمِعُوهُ وَالْحَاكِمُ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ ؛ لِأَنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ وَيُرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَلَيْسَ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفَيْنِ شَهَادَةً قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَسْأَلُهُمْ الشَّهَادَةَ بِمَا جَرَى لِكَوْنِهِ طَرِيقًا فِي إثْبَاتِ دَعْوَاهُ وَلَا يَسْأَلُهُمْ الشَّهَادَةَ بِمَا ادَّعَاهُ وَلَوْ سَأَلَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَهُمْ سُؤَالًا صَحِيحًا وَلَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ بَعْضَ الْحُكَّامِ يَقُولُ لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ بِمَا ادَّعَاهُ ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ صَادِرَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ دُونَ أَسْرَارِهِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا كُلُّهُ خَبْطٌ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ صَادِرَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ دُونَ أَسْرَارِهِ ) قَالَ فِي الْمَيْدَانِ وَيَخْرُجُ مِمَّا تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ كَمَا أَنَّ مَنْ أَقْرَضَ أَلْفَيْنِ فَقَدْ أَقْرَضَ أَلْفًا سِيَّمَا إذَا جَوَّزْنَا لِمَنْ سَمِعَ الْإِقْرَارَ أَنْ يَشْهَدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ .
( مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ ) لَوْ ( قَالَ : مَا يُنْسَبُ إلَيَّ أَوْ مَا فِي يَدِي لِزَيْدٍ ثُمَّ قَالَ ) ، وَقَدْ نَازَعَهُ زَيْدٌ فِي عَيْنٍ هَلْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ ( لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعَيْنُ فِي يَدِي صُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ ) وَعَلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي مِمَّا فِي يَدِي إلَّا أَلْفُ وَبَاقِيهِ لِزَيْدٍ وَمِثْلُهُ وَارِثُهُ فِيمَا يَظْهَرُ نَعَمْ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ وَمَا فِيهَا لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ وَتَنَازَعَ وَارِثُهُ وَالْمُقَرُّ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ فَقَالَ الْوَارِثُ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الدَّارِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَعَاكَسَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَبِمَا فِيهَا وَوَجَدْنَا الْمَتَاعَ فِيهَا فَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ فِيهَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ وَكَالْوَارِثِ فِي هَذَا الْمُقِرُّ ( وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ لَا حَقَّ لِي فِيمَا فِي يَدِ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ ) ، وَقَدْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ عَمْرٍو ( لَمْ أَعْلَمْ كَوْنَ هَذِهِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ حِينَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا وَطُولِبَ بِالتَّعْيِينِ ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالْإِقْرَارِ ، وَأَبْهَمَ الْمُقَرَّ بِهِ فَيَلْزَمُهُ تَعْيِينُهُ ( وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ عَلَى زَيْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) لِلشَّكِّ فِي الْإِخْبَارِ ( وَإِنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَا ) بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ( عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ لَمْ تَطْلُقْ ) لِذَلِكَ ( أَوْ ) عَلَى سَبِيلِ ( الْإِنْشَاءِ طَلُقَتْ ) كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ الْهَرَوِيُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِخْبَارِ حَتَّى لَا يَقَعَ لِلشَّكِّ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ ، قَالَ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ مُنْقَاسٌ ( أَوْ ) قَالَ ( لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَإِلَّا فَلِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( أَلْفُ دِينَارٍ لَزِمَتْهُ الدَّرَاهِمُ فَقَطْ ) وَكَلَامُهُ
الْآخَرُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ النَّذْرِ غَالِبًا ( وَإِنْ أَقَرَّ لِابْنِهِ ) ، وَإِنْ نَزَلَ ( بِعَيْنٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ ) فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ الْهِبَةَ فَنَزَلَ الْإِقْرَارُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْمِلْكَيْنِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ الْمِقْدَارَيْنِ ، وَتَرْجِيحُ مَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَفِيهَا أَنَّ الْأُمَّ وَالْجَدَّةَ فِي ذَلِكَ كَالْأَبِ .
( وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ خَصَّصَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ ) كَانَ لَهُ إنَّمَا أَرَدْت فِي عِمَامَتِهِ ، وَقَمِيصِهِ لَا فِي دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ ( وَ ) لَكِنْ ( لَهُ تَحْلِيفُهُ ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ ( مَا عَلِمَهُ قَصَدَ ذَلِكَ ) وَيُفَارِقُ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ لَا حَقَّ لِي السَّابِقَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ فَدَعْوَاهُ لَهُ ثَمَّ مُوَافَقَةٌ لِلْأَصْلِ وَبِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ غَالِبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ كَالنِّسْيَانِ ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى نِسْيَانِ عَيْنٍ بِقَبُولِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْإِرَادَةِ فِي ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ بِلَا قَرِينَةٍ ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ قَالَ أَرَدْت بَعْضَهُنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا بِلَا قَرِينَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ إنَّمَا لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَتِنَا ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِيهَا نَصٌّ فِي إفْرَادِهِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِهِ فِي تَيْنِكَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِهِ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الْهَرَوِيِّ الْقِيَاسُ قَبُولُ قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا حَقَّ لِي وَنَحْوِهَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِإِقَامَتِهَا ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ
الْبُلْقِينِيِّ بَلْ هُوَ مُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِمَا قَدَّمْته آنِفًا ، وَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لِتَكْذِيبِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي تَأْوِيلًا ظَاهِرًا كَإِرَادَةِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْإِشْهَادِ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ وَالْجَهْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ مَعَ دَعْوَى ظُهُورِ مُسْتَنَدٍ يَشْهَدُ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا لِلتَّحْلِيفِ هَكَذَا فُهِمَ .
( وَإِنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ تُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ كَوَزْنِ هَذِهِ الصَّنْجَةِ دَرَاهِمَ ، وَقَدْرِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ صَحَّ ) وَيُرْجَعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ ( وَكَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ مَا لِزَيْدٍ ) عَلَيَّ ( فَلِزَيْدٍ سِتُّمِائَةٍ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ إلَّا نِصْفَ ثَمَانِمِائَةٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ إلَّا ثُلُثَ سِتُّمِائَةٍ ) وَذَكَرَ الْأَصْلُ لِذَلِكَ ثَلَاثَةَ طُرُقٍ أَوَّلُهَا أَنْ تَفْرِضَ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَتَقُولَ لِعَمْرٍو أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ فَتُسْقِطُ نِصْفَهُ مِنْ أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَسُدُسُ شَيْءٍ يَعْدِلُ الشَّيْءَ تُسْقِطُ سُدُسَ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ تَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةٍ فَالشَّيْءُ سِتُّمِائَةٍ ، وَهُوَ مَا لِزَيْدٍ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِمِائَةٍ ثَانِيهَا : أَنْ تَفْرِضَ لِزَيْدٍ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لِاسْتِثْنَائِهِ الثُّلُثَ مِمَّا لَهُ وَتُسْقِطَ ثُلُثَهَا مِنْ أَلْفِ عَمْرٍو يَصِيرُ أَلْفًا إلَّا شَيْئًا ثُمَّ تُزِيدُ نِصْفَهُ عَلَى مَا فُرِضَ لِزَيْدٍ يَصِيرُ مَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَشَيْئَانِ وَنِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ أَلْفًا فَتَسْقُطُ خَمْسُمِائَةٍ بِمِثْلِهَا تَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَالشَّيْءُ مِائَتَانِ فَلِزَيْدٍ سِتُّمِائَةٍ .
وَلَك أَنْ تَقُولَ أَخْذًا مِنْ الطَّرِيقِ
السَّابِقِ بَعْدَ قَوْلِهِمْ يَصِيرُ أَلْفًا إلَّا شَيْئًا ثُمَّ تُسْقِطُ نِصْفَهَا خَمْسَمِائَةٍ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ مِنْ أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَنِصْفُ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ الْمَفْرُوضَ فَتُسْقِطُ نِصْفَ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ يَبْقَى شَيْئَانِ وَنِصْفُ شَيْءٍ يَعْدِلُ خَمْسَمِائَةٍ فَالشَّيْءُ مِائَتَانِ فَلِزَيْدٍ سِتُّمِائَةٍ .
ثَالِثُهَا : أَنْ تَضْرِبَ مَخْرَجَ النِّصْفِ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ يَكُونُ سِتَّةً فَتُنْقِصُ مِنْهَا الْحَاصِلَ مِنْ ضَرْبِ أَحَدِ الْجُزْأَيْنِ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ يَبْقَى خَمْسَةٌ تُسَمِّيهَا الْمَقْسُومَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَضْرِبُ مَا يَبْقَى مِنْ مَخْرَجِ كُلٍّ بَعْدَ إسْقَاطِ جُزْئِهِ فِي مَخْرَجِ الْآخَرِ فَيَبْقَى مِنْ مَخْرَجِ النِّصْفِ وَاحِدٌ تَضْرِبُهُ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ تَضْرِبُهَا فِي الْأَلْفِ تَحْصُلُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ تَقْسِمُهَا عَلَى الْخَمْسَةِ يَخْرُجُ سِتُّمِائَةٍ ، وَهِيَ مَا لِزَيْدٍ وَيَبْقَى مِنْ مَخْرَجِ الثُّلُثِ اثْنَانِ تَضْرِبُهُمَا فِي مَخْرَجِ النِّصْفِ بِأَرْبَعَةٍ تَضْرِبُهَا فِي الْأَلْفِ تَحْصُلُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ تَقْسِمُهَا عَلَى الْخَمْسَةِ تَخْرُجُ ثَمَانِمِائَةٍ ، وَهِيَ مَا لِعَمْرٍو ( وَإِنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثُلُثَيْ مَا لِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( وَلِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مَا لِزَيْدٍ ) عَلَيَّ ( فَلِزَيْدٍ سِتَّةٌ وَثُلُثَا وَاحِدٍ وَلِعَمْرٍو خَمْسَةٌ ) .
وَطَرِيقُهُ بِالثَّالِثِ أَنْ تَضْرِبَ الْمَخْرَجَ فِي الْمَخْرَجِ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ تَضْرِبَ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ اثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ تُسْقِطُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ تَبْقَى سِتَّةٌ ثُمَّ تَضْرِبَ الْبَاقِيَ مِنْ مَخْرَجِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ إسْقَاطِ بَسْطِهِ مِنْهُ فِي مَخْرَجِ الْآخَرِ فَيَبْقَى مِنْ مَخْرَجِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ تَضْرِبُهُ فِي أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ تَضْرِبُهَا فِي الْعَشَرَةِ بِأَرْبَعِينَ تَقْسِمُهَا عَلَى السِّتَّةِ يَخْرُجُ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ ، وَهِيَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ تَضْرِبُ وَاحِدًا ، وَهُوَ الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الرُّبْعِ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ تَضْرِبُهَا فِي
الْعَشَرَةِ بِثَلَاثِينَ تَقْسِمُهَا عَلَى السِّتَّةِ يَخْرُجُ خَمْسَةٌ ، وَهِيَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو ، وَهَذَا الطَّرِيقُ لَا يَطَّرِدُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَبْلَغُ فِي الْإِقْرَارَيْنِ كَالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( وَلِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( سِتَّةٌ إلَّا رُبْعَ مَا لِزَيْدٍ ) عَلَيَّ ( فَلِزَيْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَلِعَمْرٍو أَرْبَعَةٌ ) .
وَطَرِيقُهُ بِالْأَوَّلِ أَنْ تَفْرِضَ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَتَقُولَ لِعَمْرٍو سِتَّةٌ إلَّا رُبْعَ شَيْءٍ فَتُسْقِطَ نِصْفَهُ مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى سَبْعَةٌ وَثُمُنُ شَيْءٍ يَعْدِلُ الشَّيْءَ فَتُسْقِطَ ثُمُنَ شَيْءٍ بِمِثْلِهِ يَبْقَى سَبْعَةُ أَثْمَانِ شَيْءٍ تَعْدِلُ سَبْعَةً فَالشَّيْءُ ثَمَانِيَةٌ ، وَهُوَ مَا لِزَيْدٍ وَلِعَمْرٍو أَرْبَعَةٌ ( وَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ ) عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( وَلِعَمْرٍو ) عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا رُبْعَ مَا لِزَيْدٍ ) عَلَيَّ ( فَلِزَيْدٍ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعٍ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِيَةٌ ، وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ ، وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ مَا لَك عَلَى عَمْرٍو ، وَقَالَ عَمْرٌو وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ مَا لَك عَلَى زَيْدٍ صَحَّ ) وَاسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ عَرَفَ الطُّرُقَ السَّابِقَةَ ( وَخَرِّجْ ) أَنْتَ ( عَلَى ذَلِكَ ) مَا شِئْت مِنْ الْأَمْثِلَةِ ، وَقَدْ بَسَّطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لَهَا مَعَ زِيَادَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ وَارِثُهُ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ لَا حَقَّ لِي فِيمَا فِي يَدِ عَمْرٍو إلَخْ ) لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا وَسَلَّمَ الْأُجْرَةَ ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ الْإِجَارَةِ فَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي الْإِشْهَادِ ؛ لِأَنَّهُ أَشْهَدَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْإِجَارَةِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى اعْتِقَادِهِ صِحَّتَهَا فَيَكُونُ بِحَقٍّ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِبُطْلَانِهَا أَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ( قَوْلُهُ : إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا ) بِإِسْكَانِ الْوَاوِ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ لَمْ تَطْلُقْ لِكَوْنِهِ شَاكًّا فِي ثُبُوتِ الْإِقْرَارِ وَسُقُوطِهِ وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْيَقِينِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْهَرَوِيُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ مُنْقَاسٌ ) هَذَا بَنَاهُ الْهَرَوِيُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ السَّابِقِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ مُعْسِرٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا ، وَقُلْنَا يُسْتَفْسَرُ فَإِنْ فَسَّرَ بِالتَّأْجِيلِ صَحَّ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ لَغَا ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْسِرَهُ فَلَا يُحْكَمُ بِالْوُجُوبِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ قَالَ إنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ يَكُونُ إقْرَارًا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُنْقَاسُ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْإِنْشَاءِ حَمْلٌ عَلَى التَّأْسِيسِ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْإِلْغَاءِ وَالْإِبْطَالِ ت ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ لِابْنِهِ ، وَإِنْ نَزَلَ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ رَشِيدًا ( قَوْلُهُ : كَمَا يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ الْمِقْدَارَيْنِ ) ، وَأَصْلُ بَقَاءِ مِلْكِ الِابْنِ عَارَضَهُ أَصْلُ بَقَاءِ تَصَرُّفِ الْمُقِرِّ وَعَدَمُ انْقِطَاعِ سَلْطَنَتِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ) وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْهَرَوِيُّ رَجَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ،
وَأَفْتَى بِهِ وَعِبَارَتُهُ إنْ كَانَ قَدْ أَسْنَدَ الْمِلْكَ فِي إقْرَارِهِ إلَى الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ مَعَهَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ كَانَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ فِيهَا فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ : مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ تَنَازَعَا فِي الْجِهَةِ صُدِّقَ الْأَصْلُ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهَبْت لَك كَذَا وَخَرَّجْت مِنْهُ إلَيْك فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ مِنْهُ بِالْهِبَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ فَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْإِقْبَاضِ عَلَى النَّصِّ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي تَلْخِيصِهِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الْهِبَةِ عَنْ النَّصِّ مَا يُوَافِقُهُ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِفَرْعٍ فِي الرَّهْنِ .
( قَوْلُهُ : وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَسْأَلَةِ دَعْوَى نِسْيَانِ عَيْنٍ بِقَبُولِ قَوْلِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ فِي تَيْنِكَ ) هُمَا نِسَائِي طَوَالِقُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ ( قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ، وَأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَاحِقٌ لَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يُغَيِّرُهُ ) مِنْ اسْتِثْنَاءٍ وَغَيْرِهِ .
( فَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا يُبْطِلُ حُكْمَ الْإِقْرَارِ شَرْعًا ( وَقَدَّمَ الْأَلْفَ ) عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ ( لَا إنْ أَخَّرَهُ ) عَنْهُ ( لَزِمَهُ ) الْأَلْفُ ( إنْ انْفَصَلَ وَكَذَا إذَا اتَّصَلَ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّزُومِ بِذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا إنَّمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا ( وَإِنْ قَالَ مُتَّصِلًا لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ ) أَوْ هَذَا الْعَبْدِ ( ثُمَّ ادَّعَى مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا هُنَا لَا يَرْفَعُ الْأَوَّلَ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِالْعَبْدِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ قَبْضِهِ ( لَا إنْ فَصَلَ ) قَوْلَهُ ( مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ ) عَنْ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ قُبِلَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ ثَمَنُ خَمْرٍ وَظَنَنْته يَلْزَمُنِي فَلَهُ تَحْلِيفُهُ ) أَيْ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَيَحْلِفَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ( وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته أَوْ لَا يَلْزَمُنِي أَوْ أَلْفٌ لَا لَزِمَهُ ) الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ وَالْأُولَى قَدَّمَهَا لَكِنْ فِي جَوَابِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ أَوْ لَا ) بِإِسْكَانِ الْوَاوِ ( أَوْ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (
أَوْ إنْ شِئْت ) أَوْ شَاءَ فُلَانٌ ( لَمْ يَلْزَمْهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْأَلْفُ ) عَلَى الْمَشِيئَةِ ( أَوْ تَأَخَّرَ ) عَنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالِالْتِزَامِ .
وَالْأَوْلَى نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ لَمْ تَطْلُقْ ( أَوْ ) قَالَ ابْتِدَاءً ( كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته لَمْ يَلْزَمْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ سَوَاءٌ أَذَكَرَ قَضَيْتُهُ أَمْ لَا ( أَوْ ) قَالَ ( لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ) أَوْ نَحْوُهُ كَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) لِمَا مَرَّ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَدَّمَ التَّعْلِيقَ فَقَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ ( إلَّا إنْ قَصَدَ التَّأْجِيلَ ) وَلَوْ بِأَجَلٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ ( وَ ) لَكِنْ ( مَنْ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلًا ثَبَتَ الْأَجَلُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ ، وَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ مُؤَجَّلًا وَمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا ، وَفَارَقَ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ اللُّزُومَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بِأَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُهَا جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ فَيَتَغَيَّرُ مَعْنَاهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ جِهَتِهِ .
الْبَابُ الثَّالِثُ : فِي تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يُغَيِّرُهُ ) ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ ، وَقَدَّمَ الْأَلْفَ لَا إنْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَ لُزُومِهِ هُنَا وَبَيْنَ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ مَعْنَى أَوَّلِ الْكَلَامِ ، وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيَانُ جِهَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ تَبْعِيضِهِ حَذَرًا مِنْ جَعْلِ جُزْءِ الْجُمْلَةِ جُمْلَةً بِرَأْسِهَا أَنْ لَا يَتَبَعَّضَ فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا نَعَمْ لَوْ قَالَ ظَنَنْته يَلْزَمُنِي فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَيَحْلِفَ الْمُقِرُّ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَحَلَفَ لَزِمَهُ الْمُقَرُّ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُنَافِي فَلَا يَلْزَمُهُ ( قَوْلُهُ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ ادَّعَى مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَشْكَلُ بِمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ تَحَمُّلِ عَقْلٍ ثُمَّ فَصَلَ ، وَقَالَ هُوَ مُؤَجَّلٌ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَازِمُهُ التَّأْجِيلُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحُلُولِ كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ .
قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا يُنَافِي مُطْلَقَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا فَقُبِلَ مَفْصُولًا ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ يُنَافِي مُطْلَقَ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُلُولِ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَرَى
عَلَيْهِ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَا أَظُنُّ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافٌ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ إلَخْ ) أَوْ أَقَرَّ الْحَنَفِيُّ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ مِائَةً قِيمَةَ نَبِيذٍ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُلْزِمْهُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ رَفْعَ حُكْمِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ كَذَا بَحَثَهُ فِي التَّوْشِيحِ ثُمَّ قَالَ رُفِعَ إلَيَّ حَنَفِيٌّ أَقَرَّ بِأَنَّ لِزَوْجَتِهِ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ صَدَاقًا زَادَهُ عَلَى مَبْلَغِ صَدَاقِهَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِالصَّدَاقِ الْأَوَّلِ فَقِيلَ لِي ، وَأَخَذَهُ بِقَوْلِهِ لِزَوْجَتِي عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ صَدَاقًا إلَخْ فَلَمْ أُلْزِمْهُ لِمَا ذَكَرْته ، وَقَوْلُهُ كَذَا بَحَثَهُ فِي التَّوْشِيحِ أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى ( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ مَنْ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلًا ثَبَتَ الْأَجَلُ ) قَالَ الكوهكيلوني لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ مُؤَجَّلًا لَا يُقْبَلُ هَذَا التَّأْجِيلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظَةُ عَلَيَّ فِي الْكِتَابِ ؛ وَلِأَنَّ عِنْدِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَقْلًا .
( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ مُؤَجَّلًا ) قَالَ النَّاشِرِيُّ الْقَرْضُ قَدْ يَتَأَجَّلُ بِنَذْرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَلِمَ لَا يُقْبَلُ تَنْزِيلًا لِلْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ .
ا هـ .
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَوْضُوعِهِ ، وَأَيْضًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُلُولِهِ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَلَكِنْ امْتَنَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ .
( فَصْلٌ : وَإِذَا قَالَ ) لِامْرَأَةٍ ( بِعْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ خَالَعْتكِ بِكَذَا فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ ) بَلْ ( قَبِلْت صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّهُ عَقَّبَ إقْرَارَهُ بِمَا رَفَعَهُ ( وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ ) أَوْ عَلَيْهِ ( ثُمَّ أَقَرَّ ) بِشَيْءٍ ( لَزِمَهُ ) مَا أَقَرَّ بِهِ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِذَا قَالَ لَهُ مَعِي ) أَوْ عِنْدِي ( أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ وَلَوْ مُنْفَصِلًا بِوَدِيعَةٍ قُبِلَ ) قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِاحْتِمَالِ إرَادَةِ وُجُوبِ حِفْظِهَا وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهَا حَتَّى صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ عَلَيَّ قَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عِنْدَ ( فَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ ) هُوَ وَدِيعَةٌ لَكِنْ ( لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ دَيْنًا ، وَهُوَ الَّذِي أَرَدْت ) بِإِقْرَارِك ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِيَمِينِهِ ) لِذَلِكَ .
( وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخَذْته مِنْهُ ثُمَّ فَسَّرَ ) هـ ( الْوَدِيعَةِ ) قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ( فَإِنْ تَلِفَ ) وَلَوْ بِدَعْوَاهُ ( لَمْ يَضْمَنْ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْوَدَائِعِ ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ضَمَانٍ وَلَا عَلَى دَيْنِيَّةٍ ( لَا إنْ قَالَ ) لَهُ أَلْفٌ ( فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنٌ عَلَيَّ ) فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الْوَدِيعَةِ بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِيَمِينِهِ إذْ الْعَيْنُ لَا تُوصَفُ بِكَوْنِهَا دَيْنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ ( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ ( وَدِيعَةً دَيْنًا أَوْ مُضَارَبَةً دَيْنًا لَزِمَهُ ) الْأَلْفُ ( مَضْمُونًا ) عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا ( فَإِنْ قَالَ ) فِي تَفْسِيرِهِ ( مُنْفَصِلًا أَرَدْت أَنَّهُ أَوْدَعَنِي ) أَوْ قَارَضَنِي ( بِشَرْطِ الضَّمَانِ ) إنْ تَلِفَ ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ
الضَّمَانِ فِي الْأَمَانَةِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ( وَإِنْ اتَّصَلَ ) ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ ( قُبِلَ ) إلْغَاءً لِلضَّمَانِ بِهَذَا الْقَوْلِ كَذَا فَهِمَهُ كَشَيْخِنَا الْحِجَازِيِّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ فُسِّرَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ قَوْلَا تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ ، وَلَيْسَ مُوَافِقًا لَهُ بَلْ الْمُوَافِقُ لَهُ وَكَذَا إنْ اتَّصَلَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ حَيْثُ قَالُوا إنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا لَمْ يُقْبَلْ أَوْ مُتَّصِلًا فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ .
( وَإِنْ قَالَ ) فِي شَيْءٍ ( وَهَبْته لَهُ وَخَرَّجْت إلَيْهِ مِنْهُ ) أَوْ وَمَلَكَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ ) لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْهِبَةِ ( إلَّا إنْ قَالَ ، وَأَقْبَضْته ) لَهُ ( وَأَمْكَنَ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَوْ قَالَ ، وَهَبْته لَهُ ، وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَا نَصَّ عَلَيْهِ ( وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ هُنَا كَالْإِقْرَارِ بِهِ فِي الرَّهْنِ ) فَإِذَا قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَوْهُوبَ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا ( أَوْ ) قَالَ ( لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ عَارِيَّةً ضَمِنَهُ ) سَوَاءٌ أَصَحَّحْنَا عِبَارَةَ الدَّرَاهِمِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ ( وَمَتَى قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك عَارِيَّةٌ ) بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ أَوْ الْجَرِّ أَوْ الْإِسْكَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ( أَوْ هِبَةُ عَارِيَّةٍ أَوْ هِبَةُ سُكْنَى بِالْإِضَافَةِ ) فِيهِمَا ( فَهِيَ عَارِيَّةٌ ) بِإِقْرَارِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْأُولَى إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِاحْتِمَالِهِ الْعَارِيَّةَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذِهِ لَك وَعَارِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَإِذَا قُيِّدَ بِهِ جِهَةٌ صَالِحَةٌ وَرَاءَ
الْمِلْكِ حُمِلَ عَلَيْهَا ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصِ ( وَإِذَا أَقَرَّ بِعَقْدٍ ) كَبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَادَّعَى فَسَادَهُ ) لَمْ يُصَدَّقْ ، وَإِنْ قَالَ أَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَعَ ذَلِكَ ( فَلَهُ التَّحْلِيفُ ) لِلْمُقَرِّ لَهُ لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ ، وَقَدْ يَخْفَى الْمُفْسِدُ أَوْ يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَحُكِمَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ .
( وَإِنْ أَقَرَّ بِإِتْلَافٍ ) ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ ( وَقَالَ أَشْهَدْت لِعَزْمِي عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْإِتْلَافِ ( لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ بِخِلَافِ ) نَظِيرِهِ فِي ( الْقَرْضِ ) وَنَحْوِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ ( فَإِنَّهُ يُسْمَعُ ) قَوْلُهُ ( لِلتَّحْلِيفِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ ( وَإِنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ ) أَوْ ثُمَّ ( لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ ) بَلْ مِنْ عَمْرٍو أَوْ ( وَغَصَبَهَا زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو وَسَلَّمَهَا لِزَيْدٍ ) لِسَبْقِ الْإِقْرَارِ لَهُ ( وَغَرِمَ لِعَمْرٍو الْقِيمَةَ وَصَلَ ) إقْرَارَهُ الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ ( أَوْ فَصَلَ ) سَلَّمَهَا لِزَيْدٍ بِنَفْسِهِ أَوْ سَلَّمَهَا لَهُ الْحَاكِمُ لِلْحَيْلُولَةِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، وَالْحَيْلُولَةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْإِتْلَافِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَبْدًا ثُمَّ أَبَقَ عِنْدَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْحَيْلُولَةِ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مِثْلِيًّا غَرِمَ الْقِيمَةَ أَيْضًا .
قَوْلُهُ : وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَزِمَهُ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ مَا طَلَّقْت امْرَأَتِي ، وَلَكِنْ أُقِرُّ بِطَلَاقِهَا أَوْ أُرِيدُ أَنْ أُقِرَّ بِطَلَاقِهَا قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَلَاثًا .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي الْعَزِيزِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ عَلَى إنْسَانٍ ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ كُنْت عَازِمًا عَلَى الْإِتْلَافِ فَقَدَّمْت الْإِشْهَادَ عَلَى الْإِتْلَافِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ قَالَ كُنْت عَازِمًا عَلَى أَنْ أَسْتَقْرِضَ مِنْهُ فَقَدَّمْت الْإِشْهَادَ عَلَى الْإِقْرَاضِ قُبِلَ ؛ لِأَنَّ هَذَا مُعْتَادٌ وَذَاكَ غَيْرُ مُعْتَادٍ .
ا هـ .
وَحُذِفَتْ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَسَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ شَيْخُنَا ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا بِظَاهِرِهِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ ، وَقَالَ فَعَلْته عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ صُورَةَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَقْرَضَ بِالْقَبْضِ وَاعْتَرَفَ لَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي عَدَمِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَحْلِيفُ خَصْمِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ قَوْلِهِ وَصُورَةُ مَا هُنَا أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْ فُلَانٍ كَذَا ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ قَبْضِ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ قَرْضٌ ، وَهُوَ فِي يَدِ مُقْرِضِهِ فَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ مَا يُنَافِي قَوْلَهُ .
( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ عَلَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى عِنْدَ ) وَفُسِّرَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ } .
( قَوْلُهُ فَإِنْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ تَلِفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا قَالَ أَقْرَرْت بِهِ ظَانًّا بَقَاءَهُ ثُمَّ بَانَ لِي أَوْ ذَكَرْت تَلَفَهُ أَوْ أَنِّي رَدَدْته قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ( فَرْعٌ ) أَفْتَى الْغَزَالِيُّ فِيمَنْ قَالَ لِي
عَلَيْك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَقَالَ صَدَقَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّنَانِيرُ بِقَوْلِهِ صَدَقَ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهِ فَقَالَ هُوَ ثَمَنُ خَمْرٍ لَمْ يُقْبَلْ ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ مُطْلَقًا فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الْأَلْفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ نَعَمْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ الشُّهُودَ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَ بِهِ الْأَلْفُ ( قَوْلُهُ : بَلْ الْمُوَافِقُ لَهُ إلَخْ ) الْأَوْجَهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ وَاضِحٌ .
( قَوْلُهُ : لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ ) ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ الْمِلْكَ بِالْعَقْدِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ ، وَقَوْلُهُ وَيُشْبِهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ وَهَبْته لَهُ ، وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ : ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ إلَخْ ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ أَقَرَّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي بَعْدَ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ أَقْبَضْته لَا عَنْ جِهَةِ الْهِبَةِ قُبِلَ قَوْلُهُ .
( قَوْلُهُ : وَمَتَى قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك عَارِيَّةٌ إلَخْ ) أَوْ لَك سُكْنَاهَا فَإِقْرَارٌ بِمِلْكِ السُّكْنَى بِإِجَارَةٍ فَإِنْ ادَّعَاهَا وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ لَزِمَ الْمُقَرَّ لَهُ دَفْعُهَا إنْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ ، وَإِنْ رَدَّ فَلَا شَيْءَ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَقَوْلُهُ فَإِقْرَارٌ بِمِلْكِ السُّكْنَى أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : بَلَى مِنْ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ مِنْ عَمْرٍو ) أَوْ وَغَصَبْتهَا مِنْ عَمْرٍو ( قَوْلُهُ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ
مِثْلِيًّا غَرِمَ الْقِيمَةَ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( بَاعَ ) عَيْنًا لِشَخْصٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَتَقَابَضَا ( ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الْخِيَارِ ) الَّذِي لَا يَخُصُّ الْمُشْتَرِيَ ( بِالْبَيْعِ ) أَيْ بِبَيْعِهَا ( لِآخَرَ أَوْ بِالْغَصْبِ ) أَيْ بِغَصْبِهَا ( مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ ) بَيْعُهُ لِلْأَوَّلِ ( وَغَرِمَ ) قِيمَتَهَا ( لِلْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ ، وَإِقْبَاضِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عِوَضَهُ وَلِلْعِوَضِ مَدْخَلٌ فِي الضَّمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا ، وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ أُجْهِضَتْ بِجِنَايَةٍ يَغْرَمُ الْمَغْرُورُ قِيمَةَ الْجَنِينِ لِمَالِك أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْغُرَّةَ وَلَوْ أَجْهَضَتْ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ لَمْ يَغْرَمْ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ ، وَقَضِيَّةُ الثَّانِي وَكَلَامُ الْأَصْلِ أَنَّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِقَبْضِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي ( فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ ) أَيْ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ ( الْمُشْتَرِي فَلِلْمُقَرِّ لَهُ دَعْوَى الْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ بَقَائِهَا ) أَيْ الْعَيْنِ ( فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ يَغْرَمُ لَهُ الْقِيمَةَ بِإِقْرَارِهِ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَخَرَجَ بَعْدَ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ أَقَرَّ فِي زَمَنِهِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ .
( أَوْ ) قَالَ ( هَذِهِ ) الْعَيْنُ الَّتِي ( فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِي لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ وَفِي غُرْمِهِ لِعَمْرٍو خِلَافٌ ) أَيْ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنْ لَا غُرْمَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا مَعْذُورٌ لِعَدَمِ كَمَالِ اطِّلَاعِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قَالَ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبْتهَا مِنْ عَمْرٍو فَهَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو حَتَّى تُسَلَّمَ إلَيْهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ
انْتَهَى وَمَال السُّبْكِيُّ إلَى الْمَنْعِ قَالَ ؛ لِأَنَّهُمَا إقْرَارَانِ بِغَصْبَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَفَ وَلَمْ يُعِدْ الْعَامِلَ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ وَاحِدٌ لَهُمَا مَعًا ( أَوْ ) قَالَ هَذِهِ ( لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَهِيَ نِصْفَانِ ) وَفِي نُسْخَةٍ قَسَمْتهَا ( بَيْنَهُمَا وَمَتَى اُنْتُزِعَتْ عَيْنٌ مِنْ ) يَدِ ( رَجُلٍ بِيَمِينٍ لِنُكُولِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ ) أَيْ أَقَامَ ( بِهَا آخَرُ ) بَيِّنَةً ( غَرِمَ لَهُ ) الرَّجُلُ الْقِيمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ ( وَإِنْ قَالَ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ ، وَهِيَ مِلْكُ عَمْرٍو ) أَوْ هِيَ مِلْكٌ لِعَمْرٍو وَغَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْيَدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِيهَا ( وَلَا غُرْمَ ) عَلَيْهِ ( لِعَمْرٍو ) إذْ لَا مُنَافَاةَ هُنَا بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ ( لِاحْتِمَالِ أَنَّ زَيْدًا مُسْتَأْجِرٌ ) أَوْ مُرْتَهِنٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالْمَنَافِعِ فَيَكُونُ الْآخِذُ غَاصِبًا مِنْهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَفَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ تُرَدُّ عَلَيْهِ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ قَالَ بَلْ ذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ قُلْت ، وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَا يُنَافِي قَوْلَنَا إنَّهُمَا لَا يُخَاصَمَانِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
انْتَهَى .
ثُمَّ قَالَ وَأَطْلَقُوا فِي قَوْلِهِ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ عَمْرٍو غُرْمَ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْغَصْبِ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمِلْكِ ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُجْعَلَ التَّصْوِيرُ ثَمَّ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ أَوْ يُقَالُ إطْلَاقُ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِالْمِلْكِ ، وَهُنَا لَمْ يُطْلَقْ بَلْ ضُمَّ إلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا تَتَقَيَّدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ .
انْتَهَى .
( وَلَوْ شَهِدَ الْمُقِرُّ بِهَا لِعَمْرٍو لَمْ تُقْبَلْ ) شَهَادَتُهُ ( لِأَنَّهُ غَاصِبٌ ) أَيْ فَهُوَ
فَاسِقٌ وَعَلَى هَذَا فَقَضِيَّتُهُ إنْ شَهِدَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ( أَوْ ) قَالَ ( غَصَبْتهَا مِنْ أَحَدِكُمَا وَجَهِلْت ) هـ ( حَلَفَ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ عَلَى جَهْلِهِ بِأَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ كَذَّبَاهُ ( وَ ) حَيْثُ كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ لَهُمَا أَوْ صَدَّقَاهُ ( وُقِفَتْ ) أَيْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا ( حَتَّى يُبَيِّنَ ) الْمَالِكُ ( أَوْ يَصْطَلِحَا ، وَإِذَا عَيَّنَ أَحَدَهُمَا ) سَلَّمَهَا لَهُ ، وَ ( حَلَفَ لِلْآخَرِ فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( وَحَلَفَ الْآخَرُ غَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ ) .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ بَاعَ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الْخِيَارِ بِالْبَيْعِ لِآخَرَ أَوْ بِالْغَصْبِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ وَغَرِمَ لِلْآخَرِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ كُنْت بِعْتهَا لِفُلَانٍ إمَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يَقْبِضْهَا أَوْ قَبَضَهَا أَوْ يُطْلِقُ فَإِنْ قَالَ لَمْ يَقْبِضْهَا فَهَذَا إتْلَافُ بَائِعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَهُوَ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الثَّمَنُ إنْ كَانَ قَبَضَهُ ، وَإِنْ كَانَ قَالَ قَبَضَهَا وَغَصَبْتهَا مِنْهُ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي عَطَفَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ أَطْلَقَ ، وَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَى مُرَادِهِ فَلَا غُرْمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْقِيمَةِ نَعَمْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدَّعِيَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ أَقْبَضَهُ وَيَحْلِفُ مُنْكِرُ قَبْضِهِ إنْ كَانَ الْمُقِرَّ أَوْ الْوَارِثَ .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ ، وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا لَهُ كَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ ) وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنْ لَا غُرْمَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ : وَمَالَ السُّبْكِيُّ إلَى الْمَنْعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَتَى اُنْتُزِعَتْ عَيْنٌ مِنْ يَدِ رَجُلٍ إلَخْ ) لَوْ قَالَ اسْتَعَرْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَمِلْكُهَا لِعَمْرٍو أَوْ مِلْكُهَا لِعَمْرٍو وَاسْتَعَرْتهَا مِنْ زَيْدٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا لِزَيْدٍ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهَا مِلْكُ عَمْرٍو ( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ وَفَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُقَالُ إطْلَاقُ الْإِقْرَارِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا تَتَقَيَّدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى هَذَا فَقَضِيَّتُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ ( الِاسْتِثْنَاءُ ) ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أَوْ نَحْوِهَا ( جَائِزٌ ) فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ هَذَا ( إنْ اتَّصَلَ ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَعَهُ كَلَامًا وَاحِدًا ( وَلَمْ يَسْتَغْرِقْهُ ) كَعَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً أَوْ إلَّا سَبْعَةً ( فَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ ( فَصَلَهُ ) بِسُكُوتٍ أَوْ ( بِأَجْنَبِيٍّ ) عَمَّا هُوَ فِيهِ ( وَلَوْ ) بِقَوْلِهِ ( أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بَطَلَ ) الِاسْتِثْنَاءُ نَعَمْ يُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْفَصْلَ بِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يُبْطِلُ الِاسْتِثْنَاءَ تَبِعَ فِيهِ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ وَنَظَرِ الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ تَخَلُّلَ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ يُبْطِلُ الِاسْتِثْنَاءَ قَالَ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا ، وَقَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لَنَا أَنَّهُ فَصْلٌ يَسِيرٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ يَا فُلَانُ إلَّا مِائَةً وَمَا نَقَلَاهُ فِيهِ نَظَرٌ .
انْتَهَى .
وَنَظَرُهُ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْمَقِيسِ فَجَوَابُهُ مَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ فَكَانَ مُلَائِمًا لِلِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَصْدِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَمُ الِاسْتِغْرَاقِ ( فَعَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً بَاطِلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِمَا أَثْبَتَهُ ( وَعَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً صَحِيحٌ ) ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .
( فَرْعٌ : الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الثَّنْيِ ، وَهُوَ الصَّرْفُ
، وَإِنَّمَا يَكُونُ الصَّرْفُ مِنْ الْإِثْبَاتِ إلَى النَّفْيِ وَبِالْعَكْسِ ( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ ) إذْ الْمَعْنَى إلَّا تِسْعَةً لَا تَلْزَمُنِي إلَّا ثَمَانِيَةً تَلْزَمُنِي فَتَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَالْوَاحِدُ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ ( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ مَعَ ذَلِكَ ( إلَّا سَبْعَةً ، وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ ) وَطَرِيقُ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ أَنْ تُسْقِطَ الْأَعْدَادَ الْمَنْفِيَّةَ مِنْ الْمُثْبَتَةِ وَالْبَاقِي هُوَ اللَّازِمُ أَوْ تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يُخْرَجُ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْأَصْلِ عَقِبَ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْمُثْبَتِ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا إنْ كَانَ شَفْعًا فَالْأَشْفَاعُ مُثْبَتَةٌ وَالْأَوْتَارُ مَنْفِيَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ وِتْرًا فَبِالْعَكْسِ ، وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْأَعْدَادُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى التَّوَالِي الْمُعْتَادِ إذْ يَتْلُو كُلُّ شَفْعٍ وِتْرًا وَبِالْعَكْسِ ( وَإِنْ قَالَ لَيْسَ ) لَهُ ( عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةً لَزِمَتْهُ ) الْخَمْسَةُ ( أَوْ ) قَالَ ( لَيْسَ ) لَهُ ( عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّ عَشَرَةً إلَّا خَمْسَةً خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ بِجَعْلِ النَّفْيِ الْأَوَّلِ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ( وَيَلْزَمُهُ بِعَشَرَةٍ ) أَيْ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ ( إلَّا خَمْسَةً إلَّا خَمْسَةً ) أَوْ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا عَشَرَةً ( خَمْسَةٌ ) وَيَلْغُو مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ ( فَلَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً وَجَبَتْ أَرْبَعَةٌ ) إذْ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَآخِرُهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ ؛ لِأَنَّ عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً سِتَّةٌ وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْأَخِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْإِقْرَارُ فِي لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا
عَشَرَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ ، وَإِلَّا ثَلَاثَةً بِثَلَاثَةٍ وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ وُجُوبِ الْأَرْبَعَةِ فِيمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا .
( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً ، وَإِلَّا ثَلَاثَةً ) أَوْ ثَلَاثَةً ( لَزِمَهُ اثْنَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَيَيْنِ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِلْعَاطِفِ الْمُشْرِكِ ( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا سَبْعَةً وَثَلَاثَةً ) أَوْ ، وَإِلَّا ثَلَاثَةً ( لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ ، وَالثَّانِيَ مِثْلُ الْعَدَدِ الْبَاقِي فَهُوَ الْمُسْتَغْرَقُ ( وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ ) بِالْعَطْفِ ( فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ ) فِي ( الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ) أَوْ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أَوْ عَدَمُهُ ؛ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ ( فَقَوْلُهُ ) لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ ) أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ( إلَّا دِرْهَمًا يُوجِبُ ثَلَاثَةً ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَغْرَقُ فَيَلْغُو ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ لَمْ يَلْغُ إلَّا مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ ، وَهُوَ دِرْهَمَانِ ( وَفِي عَكْسِهِ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا يَلْزَمُهُ ( دِرْهَمٌ ) لِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا ( أَوْ ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا فَثَلَاثَةٌ ) تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ
دِرْهَمٍ فَيَلْغُو .
فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ) ( قَوْلُهُ : فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ ) قَالَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَمْرُ لَا يَرْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَفِي الْجَوَامِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ مَرِيضٌ أَعْتِقُوا عَنِّي فُلَانًا بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ الْإِيصَاءُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْأَمْرِ بَاطِلٌ فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ عَبْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلِلْغَيْرِ بَيْعُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا شَيْءٌ ، وَقَوْلُهُ قَالَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ فَصَلَهُ بِأَجْنَبِيٍّ ) ، وَلَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بَطَلَ ، وَمَا يُحْكَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ صَحَّ فَمُؤَوَّلٌ ( قَوْلُهُ ، وَأَمَّا فِي الْمَقِيسِ فَجَوَابُهُ مَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَكَلَامُهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْمَأْخَذَ مَا ذَكَرَهُ لَا الْفَصْلُ الْيَسِيرُ .
( قَوْلُهُ فَعَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً بَاطِلٌ ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ خَرَّجُوهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ ، وَمَا لَا يَجُوزُ ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّفْظَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ مُتَهَافِتٌ فَأَلْغَيْنَا مَا نَشَأَ مِنْهُ التَّهَافُتُ ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ ، وَمَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الصِّيغَةَ صَحِيحَةٌ الثَّانِي أَنَّ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ مِمَّا لَا يَجُوزُ مَعْلُومٌ ، وَهُنَا جَمِيعُ الْأَعْدَادِ ، وَأَجْزَائِهَا صَالِحَةٌ لِلْإِخْرَاجِ ، وَإِخْرَاجُ بَعْضٍ دُونَ غَيْرِهِ تَحَكُّمٌ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً لَزِمَهُ سَبْعَةٌ وَيَجِيءُ فِي التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ هُنَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَا فِي الطَّلَاقِ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ التَّعْلِيقِ ، وَإِلْحَاقِ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ بِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ
إلَّا سَبْعَةً ) ، وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُثْبَتَ ثَلَاثُونَ وَالْمَنْفِيَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ شَيْخُنَا إذْ الِاسْتِثْنَاءُ الْأَخِيرُ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا قَبْلَهُ فَأُلْغِيَ وَاعْتُبِرَ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ ) صُورَةُ الْقَاعِدَةِ إذَا بَدَأَ بِنَفْيٍ عَامٍّ كَلَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَاصًّا كَلَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَقَالَ الكوهكيلوني ، وَلَك أَنْ تَقُولَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْمُتَّصِلُ ، وَهُوَ مَا يَجِبُ دُخُولُ مَا بَعْدَ الْأَدَاةِ فِيمَا قَبْلَهَا لَوْلَا الْإِخْرَاجُ وَفِي الْأُولَى لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَدَخَلَتْ الْخَمْسَةُ فِي الشَّيْءِ الْمَنْفِيِّ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْعَشَرَةِ نَفْيُ الْخَمْسَةِ لِإِمْكَانِ انْتِفَائِهَا بِانْتِفَاءِ تِسْعَةٍ هَذَا مَا أَفَادَهُ بَعْضُ مَشَايِخِي .
ا هـ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يُمَثِّلْ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا أَتَى بِعَدَدَيْنِ مَعْطُوفَيْنِ ثُمَّ اسْتَثْنَى عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا إذَا قَالَ لَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ إلَّا سِتَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ بِمُقْتَضَى الْقَرِينَةِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ ، وَقَدْ حَكَى الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ ، وَمَتَى أَخَذْنَا بِإِطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فَلَا اتِّفَاقَ .
ا هـ .
وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ ( قَوْلُهُ : وَالتَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ وُجُوبِ الْأَرْبَعَةِ فِيمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ) وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الطَّلَاقِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا الْأَخِيرَةِ فَقَطْ ) لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ
أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا خَمْسِينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ أَرَادَ بِالْخَمْسِينَ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قُبِلَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ أَوْ هُمَا قُبِلَ مِنْهُ ، وَإِنْ فَاتَ بَيَانُهُ عَادَ إلَى الْمَالَيْنِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَعُودُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَلْفِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَمِنْ الْمِائَةِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَالثَّانِي يَعُودُ إلَيْهِمَا فَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الدَّنَانِيرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَفِي الْوَجْهَيْنِ نَظَرٌ أَقُولُ لَوْ قِيلَ بِعَوْدِهِ إلَى الْمِائَةِ فَقَطْ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لَكَانَ أَوْلَى نَاشِرِيٌّ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ لِيُوَافِقَ مَا قَالُوهُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ وَفِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ مِنْ أَنَّهُ يُعَيِّنُ لَا يُقَالُ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا خَمْسَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَشَرَةً وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً وَشَكَّكْنَا فِي اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ السَّادِسِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ مَا لَمْ يُرَدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ لَا أَنَّهُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ ( وَ ) قَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ ( دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ كَإِلَّا ) أَيْ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا ( دَانِقٌ ) الْأَوْلَى دَانِقًا فَتَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَوَانِقَ ( وَلَوْ رَفَعَ غَيْرَ ) أَوْ جَرَّهُ أَوْ سَكَّنَهُ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : وَيَصِحُّ ) الِاسْتِثْنَاءُ ( مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ) أَيْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } ، وَقَوْلُهُ { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ } وَنَحْوُهُمَا ( كَأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا وَتُخْرَجُ قِيمَتُهُ ) أَيْ الثَّوْبِ مِنْ الْأَلْفِ إنْ فُسِّرَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ الْأَلْفِ ( فَلَوْ فُسِّرَ بِثَوْبٍ تَسْتَغْرِقُ ) قِيمَتُهُ الْأَلْفَ ( لَزِمَ الْأَلْفُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَهُ بِاللَّفْظِ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ ، وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ قَالَ السُّبْكِيُّ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ لَوْ لَزِمَهُ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَخَافُ إنْ أَقَرَّ لَهُ جَحَدَهُ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا أَيْ قِيمَتَهُ أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ إقْرَارَهُ وَيَسْتَفْسِرُهُ فَإِنْ فَسَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ بِأَنَّ قَوَّمَ ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ حَلَّفَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَلْزَمَهُ بِالْبَاقِي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى فِي مَسَائِلِ الظَّفَرِ مَا يُنَازِعُ فِي هَذَا ( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ عَكَسَ ) فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا أَلْفًا ( فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَيُفَسِّرُهُمَا وَيَجْتَنِبُ ) فِي تَفْسِيرِهِ ( الِاسْتِغْرَاقَ ) وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْعَكْسِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ عَلَيَّ ( أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ ) فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ ( فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَمَا دُونَ ) هـ ( لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ ) لِلِاسْتِغْرَاقِ ( وَكَذَا ) لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ( شَيْءٌ إلَّا شَيْئًا ) أَوْ مَالٌ إلَّا مَالًا أَوْ نَحْوَهُ فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُمَا فَإِنْ فَسَّرَ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْأَوَّلَ صَحَّ
الِاسْتِثْنَاءُ ، وَإِلَّا لَغَا وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَقَوْلُهُ { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ } ) ، وَقَوْلُهُ { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إلَّا سَلَامًا } ( قَوْلُهُ : فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْمُعَيَّنِ كَمَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ فَلَوْ ( قَالَ هَذَا الْخَاتَمُ إلَّا فَصَّهُ لِفُلَانٍ أَوْ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ ) لَهُ أَوْ غَصَبْتهمْ مِنْهُ ( إلَّا وَاحِدًا صَحَّ ) وَرُجِعَ إلَيْهِ فِي التَّعْيِينِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ ( فَإِنْ مَاتُوا ) بِقَتْلٍ أَوْ بِدُونِهِ ( إلَّا وَاحِدًا ، وَقَالَ ، وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى قُبِلَ ) قَوْلُهُ ( بِيَمِينِهِ ) لِاحْتِمَالِهِ ( وَقَوْلُهُ هَذَا ) الْأَوْلَى هَذِهِ ( الدَّارُ لِفُلَانٍ ، وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْهَا لِي ) أَوْ لِفُلَانٍ أَوْ هَذَا الْخَاتَمُ لَهُ وَفَصُّهُ لِي أَوْ لِفُلَانٍ ( مَقْبُولٌ ) ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ فَكَانَ ( كَالِاسْتِثْنَاءِ ) .
( فَرْعٌ ) لَوْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ أَحَدَهُمْ لَمْ يَدْخُلْ ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ ثُمَّ قَالَ ، وَهَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَصَّ عَلَى نَفْسِهِ فَقِيلَ يَكُونُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَهَذَا أَوْجَهُ .
قَوْلُهُ : وَهَذَا أَوْجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ فِيهِ مَسَائِلُ ) تَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ لَوْ ( قَالَ بِعْتُك الْجَارِيَةَ ) الَّتِي فِي يَدِك بِكَذَا وَسَلَّمْتهَا لَك فَأَدِّ الثَّمَنَ ( فَقَالَ بَلْ زَوَّجْتنِيهَا ) بِصَدَاقِ كَذَا ، وَهُوَ عَلَيَّ ( وَحَلَفَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( لِلْآخَرِ ) عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ ( سَقَطَ الثَّمَنُ وَالنِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ ، وَإِنْ وَطِئَهَا ) ذُو الْيَدِ ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَهْرِ لِمَنْ كَانَ مَالِكًا فَهُوَ مُنْكِرٌ لَهُ ( وَتُرَدُّ ) الْجَارِيَةُ ( إلَى مُدَّعِي الْبَيْعِ ثُمَّ هَلْ يَمْلِكُهَا كَالْمُعَادَةِ لِلْإِفْلَاسِ ) أَيْ كَالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ الْمُعَادَةِ إلَى الْبَائِعِ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ ( فَيُفْسَخُ ) وَلَوْ بِدُونِ الْحَاكِمِ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَرْجَعْتهَا أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا ( أَمْ يَكُونُ ظَافِرًا بِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُ ) بِزَعْمِهِ أَنَّهُ بَاعَهَا لَهُ ( فَيَبِيعُهَا ) وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَيَرُدُّ الْفَاضِلَ لِذِي الْيَدِ إنْ أَخَذَهُ ، وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ( وَجْهَانِ ) أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُمَا فِي رَدِّ الْعَيْنِ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا فَقَالَ بَلْ ، وَهَبْتنِيهَا وَحَلَفَا ( وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعِي الثَّمَنِ ) عَنْ يَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ التَّزْوِيجِ ( حَلَفَ الْآخَرُ ) ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ عَلَى النِّكَاحِ فَيَحْلِفُ يَمِينًا لِنَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ وَيَمِينًا لِإِثْبَاتِ مَا يَدَّعِيهِ هُوَ وَلَا يُكْتَفَى مِنْهُ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ خِلَافًا لِلْقَاضِي ( وَحُكِمَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَبِرَقَبَتِهَا لِلْآخَرِ فَإِنْ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ ) بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ ( حَلَّتْ لِلْبَائِعِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا إلَّا إنْ كَانَ كَاذِبًا ) فِي دَعْوَاهُ فَتَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا أَيْضًا ( وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعِي الزَّوْجِيَّةِ عَنْ ) يَمِينِهِ عَلَى ( نَفْيِ الشِّرَاءِ حَلَفَ الْمُدَّعِي ) لِلثَّمَنِ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فَيَحْلِفُ يَمِينَيْنِ نَظِيرَ مَا مَرَّ آنِفًا (
وَوَجَبَ ) لَهُ ( الثَّمَنُ ) ، وَإِنْ نَكَلَا مَعًا عَنْ الْيَمِينِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَهُوَ نُكُولٌ عَنْ يَمِينِ نَفْيٍ ، وَإِنْكَارٍ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إثْبَاتِ دَعْوَاهُ فَإِنْ نَكَلَا أَيْضًا لَمْ يُحْكَمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا ادَّعَى وَحَرُمَتْ عَلَى الْوَاطِئِ لِنُكُولِهِ عَمَّا ادَّعَاهُ ، وَهَلْ تَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ وَجْهَانِ ، وَإِنْ حَلَفَ الْمَالِكُ وَنَكَلَ الْوَاطِئُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ وَلُزُومِ الثَّمَنِ لِلْوَاطِئِ ، وَإِنْ حَلَفَ الْوَاطِئُ وَنَكَلَ الْمَالِكُ حُكِمَ بِالتَّزْوِيجِ .
فَإِنْ حَلَفَا مَعًا حُكِمَ بِالشِّرَاءِ وَلُزُومِ الثَّمَنِ لِلْوَاطِئِ ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَهُ بِهَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ ابْتِيَاعِهَا وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءَ وَنَقَلَهَا عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُوَلِّدْهَا مُدَّعِي النِّكَاحِ ( فَإِنْ أَوْلَدَهَا مُدَّعِي النِّكَاحِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِاعْتِرَافِ الْمَالِكِ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْلِدُ قَدْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الشِّرَاءِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ) لِلْمَالِكِ ( الْأَقَلُّ مِنْ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْمَهْرِ ، وَهُوَ يَدَّعِي الثَّمَنَ فَالْأَقَلُّ مِنْهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( أَمْ لَا ) يَلْزَمُهُ لَهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الثَّمَنَ عَنْ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ وَالْمَهْرُ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ لَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ ( وَجْهَانِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَالِكِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْجِهَةِ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي مَنْ شَهِدَ بِأَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ أَعْتَقَهُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ تَرِكَتِهِ قَدْرَ الثَّمَنِ ، فَكَذَا هُنَا ، وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الثَّانِيَ .
انْتَهَى .
وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ تَصْحِيحَهُ أَيْضًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَهَلْ لِذِي الْيَدِ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ عَلَى نَفْيِ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الشِّرَاءِ طَمَعًا فِي أَنَّهُ يَنْكُلُ
فَيَحْلِفُ وَيَثْبُتُ لَهُ النِّكَاحُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى مِلْكَهَا وَتَزْوِيجَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْآخَرِ لَمْ يُقْبَلْ فَكَيْفَ يَحْلِفُ عَلَى مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ ؟ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّا ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ النُّكُولَ وَالْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّ مِلْكَهَا بَاقٍ لِلْبَائِعِ لَمْ تُسْمَعْ ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لَهَا وَكَانَ الْمُصَنِّفُ حَذَفَ هَذِهِ سَهْوًا إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمِمَّا قَبْلَهَا وَجْهَانِ فَانْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ وَجْهَيْ تِلْكَ إلَى وَجْهَيْ هَذِهِ ( وَإِنْ نَكَلَ ) الْمُسْتَوْلِدُ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى نَفْيِ الشِّرَاءِ ( وَحَلَفَ الْمَالِكُ ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ( اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ وَلَمْ تُنْزَعْ ) أَيْ الْجَارِيَةُ ( مِنْ يَدِهِ ) فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ ( وَلَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ ) مَوْتِ ( الْمُسْتَوْلِدِ مَاتَتْ قِنَّةً وَلِلْبَائِعِ أَخْذُ ) قَدْرِ ( الثَّمَنِ مِنْ ) مَا تَرَكَتْهُ مِنْ ( أَكْسَابِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ ) قَبْلُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ يَقُولُ إنَّهَا بِأَسْرِهَا لَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّهَا لِلْمُسْتَوْلِدِ وَلَهُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهَا .
( وَيُوقَفُ الْفَاضِلُ ) مِنْهَا ( لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ ) وَتَعْبِيرُهُ بِالثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِالْقِيمَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ .
( وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ ) مَوْتِ ( الْمُسْتَوْلِدِ لَمْ يَأْخُذْهُ ) أَيْ الثَّمَنَ ( مِنْ تَرِكَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ - بِزَعْمِهِ - ) لِعِتْقِهَا بِمَوْتِ الْمُسْتَوْلِدِ ، وَالثَّمَنُ - بِزَعْمِهِ - عَلَيْهِ فَلَا يَأْخُذُهُ مِمَّا جَمَعْته بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ( بَلْ تُوقَفُ ) تَرِكَتُهَا ( إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ ) إذْ الْوَلَاءُ لَا يَدَّعِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ( هَذَا ) كُلُّهُ ( إنْ
أَصَرَّا ) عَلَى كَلَامَيْهِمَا ( فَإِنْ رَجَعَ الْمَالِكُ وَصَدَّقَ صَاحِبَ الْيَدِ لَمْ يَبْطُلْ الِاسْتِيلَادُ وَالْحُرِّيَّةُ ) لِلْوَلَدِ ( وَمَلَكَ أَكْسَابَهَا ) مَا دَامَ الْمُسْتَوْلِدُ حَيًّا فَإِذَا مَاتَتْ عَتَقَتْ وَكَانَتْ أَكْسَابُهَا لَهَا ( وَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْيَدِ وَصَدَّقَ الْبَائِعَ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ، وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثِينَ عَلَى التَّرِكَةِ بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ) بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ( لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِسْطُهُ ) مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ التَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ عَنْ مُوَرِّثِهِ بِحُكْمِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ فَيَتَقَيَّدُ بِقَدْرِهَا وَكَمَا فِي إقْرَارِ الشَّرِيكِ فِي عَبْدٍ بِجِنَايَتِهِ .
وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَوْصَى بِرُبْعِ مَالِهِ ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رُبْعُ مَا بِيَدِهِ لِلْمُوصَى لَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَبِأَنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ عَلَيْهِ ، وَهُنَا مَقْبُوضًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِنْ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِتَعَلُّقِ جَمِيعِ الدَّيْنِ بِهَا وَمَا لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ بِيَدِ ثَالِثٍ مُدَّعٍ لَهَا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَأَقَامَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ شَاهِدًا بِالْمُدَّعَى وَحَلَفَ مَعَهُ وَنَكَلَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مِنْ نَصِيبِ الْحَالِفِ جَمِيعَ الدَّيْنِ تَنْزِيلًا لِلنَّاكِلِ مَنْزِلَةَ الْمُعْسِرِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ ، وَأَحَدُ الْآخِذِينَ مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُوسِرِ بِنِسْبَةِ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ كُلُّ الْمَالِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ .
( وَلَا يُجَاوِزُ فِي الْوَصِيَّةِ ثُلُثَ نَصِيبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِعَشَرَةٍ ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ تَعَلَّقَ نِصْفُهَا بِثُلُثِ نَصِيبِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ
بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَأَجَازَ الْمُقِرُّ جَاوَزَ فِيهَا ثُلُثَ نَصِيبِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْإِقْرَارِ إلَّا الْقِسْطُ ( فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ) عَلَى مُوَرِّثِهِ وَلَوْ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ( نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ ) الَّتِي أَقَرَّ بِهَا ( بِعَيْنٍ وَخَرَجَتْ ) بِالْقِسْمَةِ أَوْ نَحْوِهَا ( لِلْمُقِرِّ أَخَذَهَا الْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْمُنْكِرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُغَرِّمَ الْمُقِرَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ ( وَإِنْ شَهِدَ الْمُقِرُّ ) لِلْمُوصَى لَهُ ( وَانْتُزِعَتْ ) أَيْ الْعَيْنُ مِنْ يَدِ الْمُنْكِرِ ( غَرِمَ لِلْمُنْكِرِ نِصْفَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ ) لِلْمُوصَى لَهُ فَيَغْرَمُ لِلْمُنْكِرِ مَا يُقَابِلُ مَا أَخَذَهُ بِالْقِسْمَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلُ ، وَأَوْلَى مِنْهُ ، وَأَخْصَرُ بَدَلَ النِّصْفِ ( وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ فَوَرِثَهُ الْمُقِرُّ لَزِمَهُ جَمِيعُ الدَّيْنِ ) لِحُصُولِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ هَلْ يَمْلِكُهَا كَالْمُعَادَةِ لِلْإِفْلَاسِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ قِيلَ دَعْوَى السَّيِّدِ بِالثَّمَنِ مُتَوَّجَةٌ فَمَا وَجْهُ دَعْوَى الزَّوْجِ وَالْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ قُلْت وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ نَفَى عَنْ نَفْسِهَا الْمِلْكَ ، وَقَضِيَّتُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقِرِّ عَلَى وَجْهٍ فَاحْتَاجَ النَّافِي لِلْبَيْعِ أَنْ يَدَّعِيَ التَّزْوِيجَ ، وَإِنْ قُلْنَا تُسَلَّمُ لِلْقَاضِي فَقَدْ يُقَالُ لَا تُسْمَعُ ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى عَلَى مَنْ لَمْ يَدَّعِ مِلْكًا ، وَلَا لَهُ يَدٌ ، وَقَدْ يُقَالُ تُسْمَعُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا سُلِّمَتْ لِلْقَاضِي ثُمَّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ فِي مُقَابَلَتِهَا شَيْئًا فَائِتًا عَلَيْهِ وَهَا هُنَا لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهَا لِلْغَيْرِ إلَّا بِبَدَلٍ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْآخَرِ لِفَوَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ بِهِ الْأَصْحَابُ ، وَهَاهُنَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُدَّعِي لِلْبَيْعِ إمَّا بِطَرِيقِ الْفَسْخِ أَوْ الظَّفَرِ ، وَإِذَا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالزَّوْجِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا .
( قَوْلُهُ : أَقَرَّ بِهِمَا الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُؤَيِّدُ وَجْهَ الْحِلِّ أَنَّ شَخْصًا لَوْ قَالَ : لَك هَذِهِ الْعَيْنُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي التَّحَالُفِ ( قَوْلُهُ : فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا إلَخْ ) قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ .
( قَوْلُهُ : فَيَحْلِفُ يَمِينًا لِنَفْيِ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ حَذَفَ هَذِهِ سَهْوًا إلَخْ ) حَذَفَهَا اكْتِفَاءً بِمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِذِي الْيَدِ حِينَئِذٍ
تَحْلِيفُ الْمَالِكِ عَلَى نَفْيِ الزَّوْجِيَّةِ لِسُكُوتِهِ عَنْهُ فَيَكُونُ مُرَجِّحًا لِلْوَجْهِ الثَّانِي قَوْلُهُ : وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى مِنْ نَصِيبِ الْحَالِفِ جَمِيعُ الدَّيْنِ ) أَيْ يُقْضَى فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ نَصِيبِ الْحَالِفِ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ جَمِيعُ مَا عَلَى مُوَرِّثِهِ مِنْ الدَّيْنِ أَيْ حَيْثُ وَفَّى بِهِ .
( قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي بَابِ الْفَلَسِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَاسْتِثْنَاءُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ : جَاوَزَ فِيهَا ثُلُثَ نَصِيبِهِ ) الْمُجَاوَزَةُ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ الْإِجَازَةِ لَا مِنْ الْإِقْرَارِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ .
( فَرْعٌ ) عَلَى إقْرَارِ أَحَدِ الْوَارِثِينَ ، وَإِنْ خَالَفَهُ حُكْمًا .
( لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ) لِثَالِثٍ ( بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ ) بَيْنَهُمَا ( تَعَيَّنَ ) مَا أَقَرَّ بِهِ ( فِي نَصِيبِهِ ) بِخِلَافِ الْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ كَمَا مَرَّ ، وَهَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَفِيهَا اضْطِرَابٌ ، وَالْمُرَجَّحُ فِي الْخُلْعِ الْإِشَاعَةُ خِلَافَ الْمُرَجَّحِ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ بَلْ يُخْتَلَفُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالْمَآخِذِ كَمَا فِي الرَّجْعَةِ وَالنَّذْرِ وَنَظَائِرِهِمَا قَالَ ، وَقَوْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ الْأَفْقَهُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَصْرِ خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِي الْإِقْرَارِ بِالنِّصْفِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّفْصِيلِ لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ أَوْ عَلَى الْإِشَاعَةِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الْحَقُّ لِنَقْلِهِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ، وَأَمَّا الْمَذْكُورُ هُنَا فَلَا وَجْهَ لَهُ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَوَاعِدُ الْفِقْهِ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ حَمْلِ مَا هُنَا عَلَى الْإِشَاعَةِ ( وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ مِنْ عَبْدٍ ) لَهُ ( نَفْسَهُ ) وَلَوْ بَيْعًا ضِمْنِيًّا كَأَنْ قَالَ لَهُ أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ ( أَوْ ) أَنَّهُ بَاعَ ( مَنْ حُرٍّ أَبَاهُ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي ( وَسَقَطَ الْمَالُ ) لِاعْتِرَافِهِ بِالْحُرِّيَّةِ ( وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا بِضَمَانٍ فَقَالَ بَلْ بِإِتْلَافٍ لَزِمَهُ ) الْأَلْفُ إذْ لَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ فِي الْجِهَةِ كَمَا مَرَّ .
( وَإِنْ أَقَرَّ بِدَارٍ مُبْهَمَةٍ وَمَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَارِثُ ) الدَّارَ كَالْمَوْرُوثِ ( عَيَّنَهَا الْمُدَّعِي فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ ) ذَلِكَ ( وَحَلَفَ أَنَّهَا غَيْرُ مَا أَرَادَ ) مُوَرِّثُهُ ( لَزِمَهُ التَّعْيِينُ وَحُبِسَ لَهُ )
إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى يُعَيِّنَ ( ، وَإِنْ بَاعَ دَارًا وَادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهَا ) بِغَيْرِ إذْنٍ ( وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا ، وَأَنَّهَا الْآنَ مِلْكُهُ سُمِعَتْ ) دَعْوَاهُ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ بِعْتُك دَارِي أَوْ مِلْكِي ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ وَعُدِلَ إلَى مَا قَالَهُ عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ ، وَهِيَ مِلْكُهُ إلَى الْآنَ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهَا الْآنَ مِلْكٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ ، وَلَيْسَ مُرَادٌ إذْ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ مِلْكَ الْغَيْرِ ( وَإِنْ قَالَ غَصَبْت دَارَهُ ) وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ ( وَقَالَ أَرَدْت دَارَةَ الشَّمْسِ ) أَوْ الْقَمَرِ ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ غَصْبَ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ ) فِيهِ ( كُلُّ مَا يَلْبَسُهُ ) مِنْ قَمِيصٍ وَطَيْلَسَانٍ وَلِحَافٍ ، وَقَلَنْسُوَةٍ وَغَيْرِهَا ( حَتَّى الْفَرْوَةِ لَا الْخُفِّ ) وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ فِي الْمُهِمَّاتِ مِمَّا يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِ الْفَرْوَةِ وَاللِّحَافِ وَالْقَلَنْسُوَةِ ، وَهِيَ مَا يُغَطِّي الرَّأْسَ مِنْ قُبْعٍ وَطَاقِيَّةٍ وَنَحْوِهِمَا رَدُّوهُ عَلَيْهِ ( وَإِنْ أَقَرَّ ) الْبَائِعُ ( بِالْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْفَسْخِ .
قَوْلُهُ : إذْ لَا تَصِحُّ دَعْوَى مِلْكِ الْغَيْرِ ) إذْ تَمَامُ تَصْوِيرِهَا أَنْ يَقُولَ ، وَهِيَ الْآنَ مِلْكِي فَإِرْثٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَدَّعِي بِمِلْكِ الْغَيْرِ ، وَلَوْ حُذِفَتْ مِنْ الرَّوْضَةِ لَفْظَةُ إلَى الدَّاخِلَةُ عَلَى الْآنَ لَاسْتَقَامَ ( قَوْلُهُ : وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ دُخُولِ الْفَرْوَةِ فِي اسْمِ الثِّيَابِ ، وَأَنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ عَجِيبٌ وَذُهُولٌ عَنْ الْمَنْقُولِ فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِدُخُولِهَا فِي الْمَلْبُوسِ فَقَالَ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِلُبْسِ السَّرَاوِيلِ ثُمَّ قَالَ ، وَلَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الْجُلُودِ ، وَلَا بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا ، وَلَا بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ هَذِهِ لَفْظَةُ ثُمَّ قَالَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا حَنِثَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَالْقَلَنْسُوَةُ هِيَ الْقُبَعُ وَالطَّاقِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَالَهُ هُنَاكَ إنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَدْخُلُ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَدْخُلُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَعْنِي فِي الْإِقْرَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَاتِ .
وَرَأَيْت فِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَتَغَطَّى بِلِحَافٍ لَمْ يَحْنَثْ .
ا هـ .
وَاعْتَرَضَ مِنْ أَوْجُهٍ .
أَحَدُهُمَا تَعَجُّبُهُ مِنْ قَوْلِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي دُخُولِ الْفَرْوَةِ فِي اسْمِ الثِّيَابِ هُوَ الْعَجَبُ ، وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ ذُهُولٌ عَنْ الْمَنْقُولِ هُوَ الذُّهُولُ فَإِنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا وَبَيْنَ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْوَةِ مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِلُبْسِهَا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ ، وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ جُلُودِ الضَّأْنِ وَالسِّنْجَابِ وَالسِّنَّوْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِشَعْرِهِ أَوْ
بِصُوفِهِ ، وَالْفَرْوَةُ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهَا اسْمُ الثَّوْبِ فَهِيَ تَدْخُلُ فِي عُمُومِ الثِّيَابِ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا ، وَتُعَدُّ مِنْ ثِيَابِ الْبَدَنِ بِلَا شَكٍّ ، وَالْمُرَادُ بِالْجُلُودِ هُنَاكَ الْمَنْزُوعُ عَنْهَا الشَّعْرُ أَوْ الصُّوفُ ، وَهَذِهِ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهَا فِي غَيْرِ الْخِفَافِ وَالرَّانَّاتِ ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِجَعْلِ الْجُلُودِ الْمُجَرَّدَةِ ثِيَابًا .
الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْقَلَنْسُوَةَ تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَاتِ خِلَافَ الْمَنْقُولِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ .
الثَّالِثُ : مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ لَا يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ اللِّحَافِ فِي الْإِقْرَارِ بِثِيَابِ بَدَنِهِ الْحِنْثُ بِاللِّحَافِ فِيمَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ لَهُ ثَوْبًا ؛ لِأَنَّ اللِّحَافَ ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ لُبْسًا ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ بِأَنَّهُ إذَا نَامَ وَارْتَدَى بِالثَّوْبِ الْمِخْيَطِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لُبْسًا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ ) لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَاهِبِ رُجُوعٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ .
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ ) ( يُشْتَرَطُ صُدُورُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ ) فِي الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ السَّفِيهِ ( وَهُوَ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يُلْحِقَ الْمَنْسُوبَ بِنَفْسِهِ ) كَهَذَا ابْنِي أَوْ أَنَا أَبُوهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْإِضَافَةِ فِيهِ إلَى الْمُقِرِّ ( فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُعْلَمَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ ) ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ شَخْصٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ فَالشَّرْعُ مُكَذِّبٌ لَهُ نَعَمْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّافِي أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْمَنْفِيَّ عَنْ فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ اللِّعَانِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُ وَلَدِ الزِّنَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ( وَإِنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ ) فَلَوْ كَانَ فِي سِنٍّ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْهُ أَوْ كَانَ قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ مِنْ زَمَنٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى زَمَنِ الْعُلُوقِ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهُ ( فَإِنْ قَدِمَتْ كَافِرَةٌ بِطِفْلٍ وَادَّعَاهُ مُسْلِمٌ ) الْأَوْلَى رَجُلٌ ( وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا ) بِأَنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَيْهَا أَوْ أَنَّهَا قَدِمَتْ إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ أَنْفَذَ إلَيْهَا مَاءَهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ ( لَحِقَهُ ) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا لَمْ يَلْحَقْهُ ( وَإِنْ اسْتَلْحَقَ كَبِيرًا ) حَيًّا عَاقِلًا ( فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ أَوْ الْبَيِّنَةِ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ .
وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاكْتِفَاءِ بِالسُّكُوتِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ بِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ خَطَرٌ ( فَإِنْ كَذَّبَهُ ) أَوْ سَكَتَ ، وَأَصَرَّ ( وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَهُ ) الْمُدَّعِي ( فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ النَّسَبُ ) ، وَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الدَّعْوَى ( وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ ادَّعَاهُ أَبًا فَكَذَّبَهُ ) أَوْ سَكَتَ وَلَا بَيِّنَةَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِلْحَاقُ ( وَلَوْ سَقَطَ صَغِيرًا أَوْ ذَا جُنُونٍ وَلَوْ طَرَأَ ) الْجُنُونُ ( فَلَمَّا بَلَغَ
) الصَّغِيرُ ( أَوْ أَفَاقَ ) الْمَجْنُونُ ( كَذَّبَهُ لَمْ يَنْدَفِعْ النَّسَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ وَكَمَا لَوْ كَذَّبَهُ قَبْلَ كَمَالِهِ وَيُفَارِقُ مَا لَوْ حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ بِظَاهِرِ الدَّارِ ثُمَّ بَلَغَ وَاعْتَرَفَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ يُقَرُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ أَضْعَفُ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّسَبِ بِالْإِقْرَارِ .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ ( تَحْلِيفُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَجْنُونِ يُخَالِفُهُ مَا لَوْ قَالَ لِمَجْنُونٍ هَذَا أَبِي حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُصَدِّقَهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَمَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْنُ بَعْدَ الْجُنُونِ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي صِبَاهُ بِخِلَافِ الْأَبِ ( وَإِنْ اسْتَلْحَقَ مَيِّتًا وَلَوْ كَبِيرًا لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ ) هُوَ وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ وَالْإِرْثُ فَرْعٌ ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَصْلُ ( وَلَا قِصَاصَ ) عَلَيْهِ ( إنْ قَتَلَهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ )
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ ) ( قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُعْلَمَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ ) فَلَوْ أَقَرَّ مَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ بِأَنَّهُ عَتِيقُ فُلَانٍ لَغَا إقْرَارُهُ ( قَوْلُهُ : الْمَنْفِيَّ عَنْ فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ ) بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ إلَخْ ) فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ رَقِيقًا لِلْمُقِرِّ عَتَقَ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْعِتْقِ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَنَّهُ أَنْفَذَ إلَيْهَا مَاءَهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّحُوقِ فِي هَذِهِ مَرْدُودٌ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لِأَبِي حَامِدٍ غَلَّطَهُ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ إحْبَالٌ بِالْمُرَاسَلَةِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ ، ذِكْرُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ مِثَالٌ فَإِنَّ كُلَّ بَلَدٍ بَعِيدٍ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ قَدِمَتْ مَغْرِبِيَّةٌ إلَى الشَّرْقِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النَّسَبِ فِيهَا عُسْرٌ وَالشَّارِعُ قَدْ اعْتَنَى بِهِ ، وَأَثْبَتَهُ بِالْإِمْكَانِ فَلِذَلِكَ أَثْبَتْنَاهُ قَوْلُهُ : حَتَّى يُفِيقَ وَيُصَدِّقَهُ ) أَيْ بِالِاسْتِلْحَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ ، وَلَوْ أَبَا عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا شَمِلَهُ عُمُومُ الْمَتْنِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرُّويَانِيُّ ، وَمَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ) وَتَبِعَهُ عَلَى اسْتِشْكَالِهِ آخَرُونَ ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْكَبِيرِ الْمَيِّتِ ، وَلَا مَنْ طَرَأَ جُنُونُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا ع .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ اسْتَلْحَقَ مَيِّتًا ، وَلَوْ كَبِيرًا إلَخْ ) أَوْ قَتَلَهُ لَكِنْ لَا يَرِثُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا قِصَاصَ إنْ قَتَلَهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ ) ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ مَالٌ
وَالْمُسْتَلْحِقُ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ادَّعَى جَمَاعَةٌ بَالِغًا ) عَاقِلًا أَيْ نَسَبَهُ ( لَحِقَ مَنْ صَدَّقَهُ ) ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ قَدْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَسَوَاءٌ صَارَتْ الْأُمُّ فِرَاشًا لَهُمْ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ ( أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ ( عَبْدًا ) أَوْ عَتِيقًا ( أَوْ امْرَأَةً فَسَيَأْتِي ) حُكْمُهُ ( فِي ) بَابِ ( اللَّقِيطِ ) .
( قَوْلُهُ : لَحِقَ مَنْ صَدَّقَهُ ، وَلَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ ) ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ ادَّعَيَا عَلَى شَخْصٍ شَيْئًا فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( اسْتَلْحَقَ ) شَخْصٌ ( عَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ عَتِيقَهُ لَمْ يُقْبَلْ ) إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ ( فَإِنْ صَدَّقَهُ الْكَبِيرُ ) الْعَاقِلُ ( قُبِلَ ) وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ ، وَالتَّرْجِيحُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِنْ تَرْجِيحِ الْأَصْلِ لَهُ فِي بَابِ اللَّقِيطِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالسُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُحَافَظَةً عَلَى مَا مَرَّ لِلسَّيِّدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْعَبْدُ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّسَبِ وَالرِّقِّ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْحُرِّيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ ( أَوْ ) اسْتَلْحَقَ ( عَبْدَهُ ) أَيْ عَبْدًا بِيَدِهِ ( وَلَمْ يُمْكِنْ ) لُحُوقُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ أَمِنَ مِنْهُ ( لَغَا ) قَوْلُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ ( لَحِقَهُ الصَّغِيرُ ) وَالْمَجْنُونُ ( وَالْمُصَدِّقُ ) لَهُ وَعَتَقُوا ( لَا ثَابِتُ النَّسَبِ ) مِنْ غَيْرِهِ ( وَ ) لَا ( الْمُكَذِّبُ ) لَهُ فَلَا يَلْحَقَانِهِ ( وَيُعْتَقَانِ ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِمَا وَقِيلَ لَا يُعْتَقَانِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَا يَرِثَانِ ) مِنْهُ كَمَا لَا يَرِثُ مِنْهُمَا ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا ) عَاقِلًا ( وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَسْقُطْ النَّسَبُ ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالثَّابِتِ بِالْفِرَاشِ وَقِيلَ يَسْقُطُ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالسُّبْكِيُّ ) أَيْ وَالْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ تَصْحِيحِهِ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْعِتْقِ ( قَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ ، وَهُوَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ ) والمستفرشة لَهُ ( هَذَا وَلَدِي مِنْهَا ) وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِي ( ثَبَتَ النَّسَبُ ) بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ ( لَا الِاسْتِيلَادُ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ أَتَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِاسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ مَعَ إنْكَارِ الزَّوْجِ الْوَطْءَ تَمَسُّكًا بِالظَّاهِرِ ، وَهُوَ الْعُلُوقُ بِالْوَطْءِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ اسْتِدْخَالِ الْمَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُلُوقَ مِنْ الِاسْتِدْخَالِ نَادِرٌ فَوَجَبَ الْمَهْرُ حَمْلًا عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ الْحَمْلِ مِنْهُ ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأَمَةِ فِي الْمِلْكِ حَالَ عُلُوقِهَا بِالْوَلَدِ فَلَيْسَ ظَاهِرًا حَتَّى يُعْمَلَ بِهِ بَلْ هُوَ وَعَدَمُهُ مُحْتَمَلَانِ عَلَى السَّوَاءِ ( فَإِنْ مَاتَ ) السَّيِّدُ عَنْهَا ( وَرِثَهَا الِابْنُ ) مَعَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا ( وَعَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا وَرِثَ ) مِنْهَا ( وَلَمْ يَسْرِ ) إلَى بَقِيَّتِهَا لِدُخُولِ مَا وَرِثَهُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا ( فَإِنْ قَالَ ) هَذَا وَلَدِي ( عَلِقَتْ بِهِ ) فِي مِلْكِي ( أَوْ اسْتَوْلَدْتهَا ) بِهِ ( فِي مِلْكِي أَوْ قَالَ هُوَ وَلَدِي مِنْهَا وَلَهَا فِي مِلْكِي عَشْرُ سِنِينَ ) مَثَلًا ( وَكَانَ ابْنَ سَنَةٍ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ ) لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ نَعَمْ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا قَبْلَ إقْرَارِهِ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ حَتَّى يَنْفِيَ احْتِمَالَهُ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّ إحْبَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يُثْبِتُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ .
( وَلَوْ ) كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ ( فِي الْمَرَضِ ) ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الِاسْتِيلَادِ نَافِذٌ فِيهِ كَمَا فِي الصِّحَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَيَلْغُو الْإِقْرَارُ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَوْ مُسْتَفْرَشَةً لَهُ بِأَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا فَيَلْحَقَهُ بِالِاسْتِفْرَاشِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُلُوقَ إلَخْ ) وَبِأَنَّ الْجَارِيَةَ يُمْكِنُهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الِاسْتِيلَادِ فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّرٍ ، وَلَا تَعَذُّرٍ ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ سَهْلَةٌ ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَيَعْسُرُ عَلَيْهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَطْءِ وَبِأَنَّ دَعْوَى الرَّجُلِ اسْتِدْخَالَ الْمَاءِ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْوَطْءَ يُوَافِقُ الظَّاهِرَ فَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا فَيُصَدَّقُ بِيَمَنِيِّهِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ ثُمَّ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَرْأَةُ الْوَطْءَ فَإِنْ لَمْ تَدَّعِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ لِعَدَمِ دَعْوَاهَا مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ هَذَا وَلَدِي مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَلَمْ تَدَّعِ الْأَجْنَبِيَّةُ الْوَطْءَ ( قَوْلُهُ : لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِنِكَاحٍ إلَخْ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ رَهْنًا ثُمَّ أَوْلَدَهَا ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ، وَقُلْنَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا كُلِّ الِاحْتِمَالِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( اسْتَلْحَقَ أَحَدَ وَلَدَيْ أَمَتَيْهِ ، وَهُمَا مُزَوَّجَتَانِ ) أَوْ مُسْتَفْرَشَتَانِ لَهُ ( لَغَا ) الِاسْتِلْحَاقُ لِلُحُوقِ وَلَدِ كُلِّ أَمَةٍ بِزَوْجِهَا فِي الْأُولَى وَلُحُوقِهِمَا بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالِاسْتِفْرَاشِ لَا بِالِاسْتِلْحَاقِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ( أَوْ ) كَانَتْ ( إحْدَاهُمَا ) غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ أَوْ مُسْتَفْرَشَةٍ دُونَ الْأُخْرَى ( أَوْ هُمَا غَيْرُ مُزَوَّجَتَيْنِ وَلَا مُسْتَفْرَشَتَيْنِ ) لَهُ ( لَزِمَهُ التَّعْيِينُ ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَإِذَا عَيَّنَ أَحَدَهُمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ مِنْ نَسَبٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ ادَّعَتْ الْأُخْرَى أَنَّهَا الْمُسْتَوْلَدَةُ ، وَوَلَدُهَا الْمُسْتَلْحَقُ أَوْ بَلَغَ الْوَلَدُ وَادَّعَاهُ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ بِمُقْتَضَى يَمِينِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ .
( وَإِنْ قَالَ هَذَا وَلَدِي مِنْ أَمَتِي ) وَلَيْسَتْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُسْتَفْرَشَةً لَهُ ( ثُمَّ زَادَ مِنْ زِنًا لِيَنْفِيَهُ ) عَنْهُ ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ مِنْ زِنًا ( وَإِنْ اتَّصَلَ ) بِإِقْرَارِهِ فَيَثْبُتْ النَّسَبُ دُونَ الِاسْتِيلَادِ ، وَهَذَا فِي حَالَةِ الِاتِّصَالِ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا وَالْبَحْثُ قَوِيٌّ وَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ فِيهِ نَظَرٌ ( وَإِنْ مَاتَ ) السَّيِّدُ وَلَمْ يُعَيِّنْ ( عَيَّنَ الْوَرَثَةُ ) ؛ لِأَنَّهُمْ خَلِيفَتُهُ ( وَتَعْيِينُهُمْ كَإِقْرَارِهِ ) أَيْ كَتَعْيِينِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ ( فِي ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ ) وَالْإِرْثِ ( فَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ ) كَيْفَ اسْتَوْلَدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ كَمَا فِي الْأَصْلِ ( فَالْقَائِفُ ) يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْوَلَدَانِ وَيَسْتَدِلُّ بِالْعَصَبَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى الْمُسْتَلْحَقَ ( فَإِنْ فُقِدَ ) الْقَائِفُ ( أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ ) الْأَمْرُ ( أَوْ أَلْحَقَهُمَا بِهِ أَوْ نَفَاهُمَا عَنْهُ فَالْقُرْعَةُ ) يُرْجَعُ إلَيْهَا ( لِيُعْرَفَ ) بِهَا ( الْحُرُّ ) مِنْهُمَا وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُمَا لِيَنْتَسِبَا ،
كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ .
بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي وَلَدٍ وَلَا قَائِفَ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ هُنَا فِي أَنَّ الْوَلَدَ أَيُّهُمَا فَلَوْ اعْتَبَرْنَا الِانْتِسَابَ رُبَّمَا انْتَسَبَا جَمِيعًا إلَيْهِ فَدَامَ الْإِشْكَالُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ( أَمَّا النَّسَبُ ) وَالْإِرْثُ ( فَلَا يَثْبُتُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( بِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِهَا فِي الْعِتْقِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ( وَيَثْبُتُ بِهَا الْوَلَاءُ ) تَبَعًا لِلْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ كَمَا سَيَأْتِي .
( وَلَا يُوقَفُ نَصِيبُ ابْنٍ ) بَيْنَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ إشْكَالٌ ، وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ زَوَالِهِ فَأَشْبَهَ غَرَقَ الْمُتَوَارِثِينَ إذَا لَمْ تُعْلَمْ مَعِيَّةٌ وَلَا سَبْقٌ ( وَالِاسْتِيلَادُ يَثْبُتُ بِالْقُرْعَةِ إنْ صَدَرَ مِنْ السَّيِّدِ مَا يَقْتَضِيهِ ) بِأَنَّ اعْتَرَفَ بِاسْتِيلَادِهَا فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحُرِّيَّةُ وَالْقُرْعَةُ عَامِلَةٌ فِيهَا فَكَمَا تُفِيدُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ تُفِيدُ حُرِّيَّةَ أُمِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ لَمْ يَثْبُتْ .
( فَرْعٌ : حَيْثُ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ ) لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا ( وَكَذَا إنْ كَانَ قَالَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ) تَقْتَضِي حُرِّيَّتَهُ فَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ مُلْحَقٌ بِالْمُقِرِّ دُونَ وَلَدِ الْأُخْرَى ( هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا فِرَاشًا لَهُ ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا ( فَإِنْ كَانَتْ ) كَذَلِكَ ( فَعَيَّنَ وَلَدَ الْأُخْرَى لَحِقَاهُ جَمِيعًا ) الْمُعَيَّنُ بِالْإِقْرَارِ وَالْآخَرُ بِالْفِرَاشِ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا فِي حَالَةِ الِاتِّصَالِ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى قَوْلِ تَبْعِيضَ الْإِقْرَارِ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ اعْتَضَدَ بِالْأَصْلِ ، وَهُوَ عَدَمُ مَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ ، وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَرُدُّهُ ، وَلَا كَذَلِكَ مَا أُلْحِقَ بِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالنِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى رَأْيٍ وَلِمِثْلِ ذَلِكَ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَمَنْ خَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ ، أَيْ لِاعْتِرَاضِ الرَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِي التَّهْذِيبِ بِمَا إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ مُنْفَصِلًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لَهُ أَمَتَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَلَدٌ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ وَلَدِي ، يُؤْمَرُ بِالتَّفْسِيرِ فَإِذَا عَيَّنَ فِي أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ نُظِرَ إنْ قَالَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ قَالَ اسْتَوْلَدْتهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ، وَإِنْ قَالَ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فِيهِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَوْلَانِ أَيْضًا ، وَإِنْ قَالَ اسْتَوْلَدْتهَا بِالزِّنَا لَمْ يُقْبَلْ هَذَا التَّفْسِيرُ ، وَهُوَ كَالْإِطْلَاقِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ هَذَا وَلَدِي صَدَرَ مِنْهُ مُنْفَصِلًا فِي أَوَّلِ لَفْظِهِ .
وَقَضِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَوْلَدْتهَا بِالزِّنَا يَرْفَعُ ذَلِكَ وَيَرْفَعُ أَيْضًا كَوْنَ الْوَلَدِ حُرًّا نَسِيبًا فَكَانَ مِثْلَ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ يَقُولُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَيَلْزَمُهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ نَعَمْ لَوْ قَالَهُ مُتَّصِلًا اُتُّجِهَ التَّخْرِيجُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَفْظُ التَّهْذِيبِ ، وَإِنْ
قَالَ اسْتَوْلَدْتهَا بِالزِّنَا لَا يُقْبَلُ هَذَا التَّفْسِيرُ ، وَهُوَ كَالْإِطْلَاقِ فَإِنْ وَصَلَ اللَّفْظَ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ، وَلَا أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ .
ا هـ .
فَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ سَهْوٌ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ : فَإِنْ وَصَلَ اللَّفْظَ إلَخْ ، وَقَدْ سَاقَ فِي الْمَطْلَبِ كَلَامَ التَّهْذِيبِ عَلَى الصَّوَابِ .
ا هـ .
وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ ثُمَّ قَالَ وَالْبَحْثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قَوِيٌّ وَذَلِكَ اسْتَوْلَدْتهَا إقْرَارٌ صَحِيحٌ ثُمَّ قَوْلُهُ : مِنْ زِنًا تَعْقِيبُ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ قَطْعًا ، وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْ تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا فِي كَلَامٍ لَا يَجْتَمِعُ أَوَّلُهُ مَعَ آخِرِهِ شَرْعًا كَقَوْلِهِ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ ، وَكَذَا أَلْفٌ قَضَيْتهَا عَلَى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ بِخِلَافِ أَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ مَا سَلَّمَهُ عَلَى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ ، وَلَا تَنَافِيَ هُنَا لِجَوَازِ كَوْنِ تِلْكَ الْأَمَةِ لِابْنِهِ فَوَطِئَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا فَالْوَطْءُ حَرَامٌ فَهُوَ زِنًا ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَثْبُتُ بِهَا ) إذَا حَكَمْنَا بِالْقُرْعَةِ ثُمَّ وَجَدْنَا ثَمَّةَ قَافَةً فَفِي الِاسْتِذْكَارِ فِي بُطْلَانِ الْقُرْعَةِ وَجْهَانِ فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا فَإِنْ بَيَّنَتْ الْقَافَةُ كَبَيَانِ الْقُرْعَةِ زِدْنَاهُ النَّسَبَ ، وَإِنْ بَيَّنَتْ لِلْآخَرِ ثَبَتَ وَرَجَعَ الْآخَرُ رَقِيقًا ( قَوْلُهُ : مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ تَقْتَضِي حُرِّيَّتَهُ ) بِأَنْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ ) ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ وَوَقْفَةٌ كَبِيرَةٌ وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ عَلَيْهِ مِلْكًا لِوَالِدِهِ ، وَلَا لِغَيْرِهِ وَالْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ بِالْمُحْتَمَلِ .
( فَرْعٌ : لِأَمَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ وَلَمْ تَكُنْ فِرَاشًا ) لَهُ ( وَلَا مُزَوَّجَةً ) قَبْلَ وِلَادَتِهِمْ ( وَقَالَ أَحَدُهُمْ وَلَدِي ) طُولِبَ بِالتَّعْيِينِ فَمَنْ عَيَّنَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ نَسِيبٌ حُرٌّ وَارِثٌ ( فَإِنْ عَيَّنَ الْأَوْسَطَ وَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيلَادَ فَالْآخَرَانِ رَقِيقَانِ ، وَإِنْ اقْتَضَاهُ بِأَنْ اعْتَرَفَ بِاسْتِيلَادِهَا فِي مِلْكِهِ لَحِقَهُ الْأَصْغَرُ أَيْضًا ) دُونَ الْأَكْبَرِ ( لِلْفِرَاشِ إلَّا إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءَهَا ) بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوْسَطِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ ( فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حِينَئِذٍ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ نَسَبَ مِلْكِ الْيَمِينِ يَنْتَفِي بِالِاسْتِبْرَاءِ ( وَيَكُونُ كَأُمِّهِ ) فَيُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَأُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُمِّ وَلَدٍ ، وَهُوَ يُعْتَقُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ الْأَكْبَرَ أَوْ الْأَصْغَرَ أَوْ فِي الثَّانِي الْأَصْغَرَ فَالْآخَرَانِ رَقِيقَانِ ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الثَّانِي الْأَكْبَرَ لَحِقَهُ الْآخَرَانِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى مَا قَالَهُ لَكِنْ مَا قَالَهُ تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِ أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ يَمْنَعُ اللُّحُوقَ بِالسَّيِّدِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فِرَاشَهُ بِهَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ بِهِ لَزَالَ بِالْوِلَادَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ قَطْعًا .
وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَحِقَهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فَالْوَجْهُ حَذْفُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ .
( وَإِنْ مَاتَ ) السَّيِّدُ ( قَبْلَ التَّعْيِينِ عَيَّنَ الْوَارِثُ ) ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) التَّعْيِينُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَوْ كَانَ ، وَقَالَ لَا أَعْلَمُ ( فَالْقَائِفُ ) يُعْرَضُونَ عَلَيْهِ لِيُعَيِّنَ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) مَعْرِفَتُهُ بِأَنْ فُقِدَ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ أَلْحَقَهُمْ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِهِ أَوْ نَفَاهُمْ عَنْهُ (
فَالْقُرْعَةُ ) يُرْجَعُ إلَيْهَا لِيُعْرَفَ بِهَا الْحُرُّ مِنْهُمْ ( ثُمَّ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيلَادَ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَا يُوقَفُ ) مِنْ مِيرَاثِ السَّيِّدِ ( نَصِيبُ ابْنٍ ) بَيْنَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَالْآخَرِينَ لِمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِلْحَاقِ أَحَدِ وَلَدَيْ أَمَتَيْهِ ( وَإِنْ اقْتَضَاهُ ) أَيْ إقْرَارَهُ الِاسْتِيلَادَ ( وَلَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ ) قَبْلَ وِلَادَةِ الصَّغِيرِ ( فَالصَّغِيرُ نَسِيبٌ ) حُرٌّ ( عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ وَلَدُ الْمُسْتَفْرَشَةِ بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ وَحَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ، وَيَكُونُ كَأُمِّهِ عَلَى مَا مَرَّ .
( وَيَدْخُلُ ) الصَّغِيرُ ( فِي الْقُرْعَةِ ) ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا بِكُلِّ تَقْدِيرٍ ( لِيُرَقَّ غَيْرُهُ إنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ مَعَهُ ) .
قَوْلُهُ : فَالْوَجْهُ حَذْفُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ يُحْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ مِنْ نُفُوذِ إيلَادِهَا مَانِعٌ كَأَنْ عَلِقَتْ بِالْأَوْسَطِ فِي مِلْكِهِ ، وَهِيَ مَرْهُونَةٌ ثُمَّ بِيعَتْ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الدَّيْنِ فَوَلَدَتْ الْأَصْغَرَ مِنْ زَوْجٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مَعَ الْأَصْغَرِ ، وَقَوْلُهُ يُحْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقُرْعَةُ ) قَالَ الكوهكيلوني وَظَنِّي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ مِنْ التَّوْأَمَيْنِ إلَّا وَاحِدٌ .
( الْقَسَمُ الثَّانِي ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ ( إلْحَاقُ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ ) مِمَّنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَيْهِ ( كَأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ ) أَوْ أَخِيهِ ( جَائِزٌ ) وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ فَانْظُرْ إلَى شَبَهِهِ بِهِ ، وَقَالَ عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ هَذَا أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ { هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهَا شَرْعًا تَوَرُّعًا لِأَجْلِ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ } وَمِنْ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ مُوَرِّثَهُ فِي حُقُوقِهِ وَالنَّسَبُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ ( بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ ) فِي الْإِلْحَاقِ بِنَفْسِهِ ( وَبِأَنْ يَكُونُ الْمُلْحَقُ بِهِ مَيِّتًا لَا ) حَيًّا وَلَوْ ( مَجْنُونًا ) لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْأَصْلِ مَعَ وُجُودِهِ بِإِقْرَارِ غَيْرِهِ ( وَأَنْ يَكُونَ الْمُلْحِقُ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ ( وَارِثًا حَائِزًا ) لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ ، وَهُوَ حَائِزٌ تَرِكَةَ أَبِيهِ الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ جَدِّهِ فَلَا وَاسِطَةَ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ .
وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا ، وَأَسْلَمَ عَمُّهُ الْكَافِرُ فَحَقُّ الْإِلْحَاقِ
بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَا لِابْنِهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ وَارِثًا حَائِزًا ؛ لِأَنَّهُ الْقَائِمُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ ، وَإِنْ تَعَدَّدَ أَوْ كَانَ امْرَأَةً وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُلْحَقُ بِهِ رَجُلًا ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللَّقِيطِ فَبِالْأَوْلَى اسْتِلْحَاقُ وَارِثِهَا ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ ابْنُ اللَّبَّانِ وَنَقَلَ عَنْهُ الْعِمْرَانِيُّ فِي زَوَائِدِهِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا فِي اسْتِلْحَاقِ الْمَرْأَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَأَقَرَّهُ ( فَيَصِحُّ ) اسْتِلْحَاقُ الْوَارِثِ الْحَائِزِ ( وَلَوْ نَفَاهُ الْمَيِّتُ ) الْمُلْحَقُ بِهِ أَوْ وَارِثُهُ كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بَعْدَمَا نَفَاهُ ( وَلَا يَصِحُّ ) الِاسْتِلْحَاقُ ( مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ كَالْقَاتِلِ وَالْكَافِرِ ) وَالْعَبْدِ وَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ ( وَلَا تُعْتَبَرُ مُوَافَقَتُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْوَارِثِ لِلْمُسْتَلْحَقِ .
( وَيَصِحُّ إلْحَاقُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ وَعَكْسُهُ ) أَيْ إلْحَاقُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ( وَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ ) جَمِيعِ ( مَنْ وَرِثَ وَلَوْ بِزَوْجِيَّةٍ وَوَلَاءٍ ) عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ لِيَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ حَائِزًا ( وَيُنْتَظَرُ الصَّغِيرُ ) أَيْ بُلُوغُهُ ( وَالْغَائِبُ ) أَيْ قُدُومُهُ لِيُوَافِقَا عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ ( فَإِنْ مَاتَا ) قَبْلَ الْمُوَافَقَةِ ( فَمُوَافَقَةُ وَارِثِهَا ) تُعْتَبَرُ ( وَكَذَا وَارِثُ وَارِثٍ أَنْكَرَ ) أَوْ سَكَتَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَوْ حَلَفَ ابْنَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ مَاتَ وَخَلَّفَ وَارِثًا اُعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ نَعَمْ إنْ لَمْ يَرِثْ الصَّغِيرُ وَالْغَائِبُ
وَالْمُنْكِرُ إلَّا الْمُقِرَّ ثَبَتَ النَّسَبُ ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ إقْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَائِزًا فَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَةٌ حَالًا أَوْ مَآلًا وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْغَائِبِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَالصَّغِيرِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَجْنُونُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَلَوْ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْحِقَ ) النَّسَبَ بِالْمَيِّتِ ( وَ ) لَهُ أَنْ ( يُوَافِقَ ) فِيهِ ( غَيْرَ الْحَائِزِ ) إنْ وَرِثَ مَعَهُ كَبِنْتٍ ، وَأَفَادَ بِذِكْرِ الْإِرْثِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا ، وَهُوَ وَاضِحٌ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ ) أَوْ بِالرَّدِّ لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ كَأَنْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ فَقَطْ ، وَأَوْرَدَ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَائِزًا حَدِيثَ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا ، وَمَعَ ذَلِكَ قُبِلَ إقْرَارُهُ ، وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ سَوْدَةَ كَانَتْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهَا فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ مَوْتِهِ وَارِثَةً إذْ ذَاكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَمْعَةَ كَانَ اسْتَلْحَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عَبْدٍ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوَّلَ عَلَى الْفِرَاشِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ بِإِثْبَاتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى مُجَرَّدِ إقْرَارِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا يُفْهَمُ إلَخْ ) ، وَهُوَ كَذَلِكَ مَعَ اعْتِبَارِ أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمُلْحَقِ مَانِعٌ مِنْ مِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ( قَوْلُهُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهُوَ وَاضِحٌ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا أَمَّا النَّقْلُ فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ مِنْ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ لِبَقِيَّةِ وَرَثَتِهَا فِي إلْحَاقِهِمْ بِهَا ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا التَّوْجِيهُ فَلِأَنَّ إلْحَاقَ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ أَوْسَعُ بَابًا مِنْ إلْحَاقِهِ بِنَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُلْحِقُ النَّسَبَ بِغَيْرِهَا ، وَلَا تُلْحِقُهُ بِنَفْسِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْتَظِمُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى امْتِنَاعِ اسْتِلْحَاقِهَا ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَثْبُتُ لِلْفَرْعِ مَا لَا يَثْبُتُ لِلْأَصْلِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ ، وَمَاتَ وَخَلَفَ وَارِثًا فَأَقَرَّ بِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ .
ا هـ .
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُسْتَلْحَقُ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ وَجَّهَ الْبُلْقِينِيُّ صِحَّةَ
إلْحَاقِ الْوَارِثِ بِهَا مَعَ عَدَمِ إلْحَاقِهَا بِأَنَّ الْإِلْحَاقَ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْوِرَاثَةِ فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِهَا جَمِيعُ وَرَثَتِهَا صَحَّ ، وَإِلْحَاقُهَا بِنَفْسِهَا لَيْسَ مَبْنَاهُ عَلَى الْوِرَاثَةِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَالشَّافِعِيُّ لَا يُثْبِتُ لَهَا دَعْوَةً إمَّا ؛ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْوِلَادَةِ مُمْكِنٌ ، وَإِمَّا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْإِلْحَاقِ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ ، وَهَذَا لَا يَأْتِي فِي إلْحَاقِ وَرَثَتِهَا .
ا هـ .
وَقَوْلُهُ فِي الْخَادِمِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَأَقَرَّهُ ) قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى رَأْيِهِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّ وَارِثَ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ فَكَذَا هُنَا .
( قَوْلُهُ كَالْقَاتِلِ إلَخْ ) أَيْ وَبِنْتُ الْأَخِ أَوْ الْعَمِّ وَفِي تَوَارُثِ الْمُقَرِّ بِهِ وَالْقَائِفِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْإِرْثِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بِزَوْجِيَّةٍ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَصُورَتُهُ فِي الزَّوْجِ أَنْ تُلْحِقَ وَرَثَتُهَا بِهَا ، وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِهَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ فَيُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ لَهُمْ لِأَجْلِ الْمِيرَاثِ وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ ، وَلَدًا بِالْمَرْأَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهَا النَّسَبَ عَلَى الصَّحِيحِ ( قَوْلُهُ : وَأَفَادَ بِذِكْرِ الْإِرْثِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا ، وَهُوَ وَاضِحٌ ) فَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا بَلْ مَصْلَحَةً فَالْإِمَامُ لَيْسَ وَارِثًا ، وَلَا نَائِبًا عَنْهُ بَلْ التَّوْكِيلُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي الْإِقْرَارِ .
ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنْ كَانَ نَقْلًا فَالْكَلَامُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ تَفَقُّهًا فَهُوَ فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِوَارِثٍ فِي
الْحَقِيقَةِ بَلْ نَائِبٌ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْوَارِثِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ يَنُوبُ فِي الْقَبْضِ عَمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ ظَاهِرًا مِنْ الْكَافِرِينَ وَالْإِمَامُ إذَا اسْتَلْحَقَ وَارِثًا أَعْطَاهُ مَالَ الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِذَا اسْتَلْحَقَ ذِمِّيًّا بِذِمِّيٍّ أَعْطَاهُ مَالَهُ هَذَا الَّذِي يُتَّجَهُ مَجِيئُهُ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ .
ا هـ .
وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّ مَأْخَذَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ التَّرِكَةَ الصَّائِرَةَ إلَى بَيْتِ الْمَالِ هَلْ يَثْبُتُ لَهَا حَقِيقَةُ الْمِيرَاثِ قَالَ ، وَلَوْ صَرَفْنَا طَائِفَةً مِنْ مَالِ كَافِرٍ إلَى أَهْلِ الْفَيْءِ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُ الْإِمَامِ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ بِنَسَبٍ بِلَا خِلَافٍ فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ وَارِثُهُ قَطْعًا وَالْمُدَّعَى خِلَافَةُ الْوِرَاثَةِ .
( فَرْعٌ : لَوْ أَقَرَّ الِابْنُ الْحَائِزُ بِأَخٍ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَهُ الْمَجْهُولُ لَمْ يُؤَثِّرْ ) فِيهِ إنْكَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ فِيهِ لَبَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ الثَّابِتِ بِقَوْلِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ إلَّا لِكَوْنِهِ حَائِزًا وَلَوْ بَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لَثَبَتَ نَسَبُ الْمُقِرِّ وَذَلِكَ دَوْرٌ ( فَلَوْ أَقَرَّا ) جَمِيعًا ( بِثَالِثٍ فَأَنْكَرَ الثَّالِثُ نَسَبَ الثَّانِي سَقَطَ ) نَسَبُهُ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّالِثِ فَاعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي ( وَلَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ) أَيْ بِأَخَوَيْنِ مَجْهُولَيْنِ ( مَعًا فَكَذَّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ) أَوْ صَدَّقَهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( ثَبَتَ نَسَبُهُمَا ) لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْحَائِزِ ( وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَكَذَّبَهُ ) الْآخَرُ ( سَقَطَ الْمُكَذَّبُ ) بِفَتْحِ الذَّالِ أَيْ نَسَبُهُ دُونَ نَسَبِ الْمُصَدَّقِ ( إنْ لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ ) ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ الْآخَرِ ( لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ مُقِرٌّ بِالْآخَرِ .
فَرْعٌ : لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ ) الْحَائِزَيْنِ ( دُونَ الْآخَرِ بِثَالِثٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقِرِّ مُشَارَكَتُهُ ) فِي الْإِرْثِ ( ظَاهِرًا ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ كَمَا مَرَّ ( لَكِنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقِرِّ ( بِنْتُهُ ) أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِهِ ، وَيُقَاسُ بِالْبِنْتِ مَا فِي مَعْنَاهَا ( وَفِي عِتْقِ حِصَّتِهِ ) أَيْ الْمُقِرِّ ( إنْ كَانَ ) الْمُقَرُّ بِهِ ( مِنْ التَّرِكَةِ ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِعَبْدٍ فِي التَّرِكَةِ إنَّهُ ابْنُ أَبِينَا ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ ، وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقِرِّ إذَا كَانَ صَادِقًا ( مُشَارَكَتُهُ ) أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ ( بَاطِنًا )
لِعِلْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ ( بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ ) مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنَّ حَقَّهُ بِزَعْمِ الْمُقِرِّ شَائِعٌ فِيمَا بِيَدِهِ وَيَدِ الْمُنْكِرِ فَلَهُ الثُّلُثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَطَرِيقُ التَّصْحِيحِ أَنْ تُعْمِلَ فَرِيضَتَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ثُمَّ تَنْظُرَ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَمَاثَلَتَا اكْتَفَيْت بِإِحْدَاهُمَا أَوْ تَدَاخَلَتَا فَبِأَكْثَرِهِمَا أَوْ تَوَافَقَتَا فَبِالْحَاصِلِ مِنْ ضَرْبِ وَفْقِ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى أَوْ تَبَايَنَتَا فَبِالْحَاصِلِ مِنْ ضَرْبِ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ حِصَّتَيْ الْمُقِرِّ بِتَقْدِيرَيْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ لَهُ كَابْنٍ وَبِنْتٍ أَقَرَّ الِابْنُ بِبِنْتٍ ، وَالْبِنْتُ بِابْنٍ فَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَفَرِيضَةُ إقْرَارِ الِابْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَفَرِيضَةُ إقْرَارِ الْبِنْتِ مِنْ خَمْسَةٍ ، وَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ فَتَصِحُّ مِنْ سِتِّينَ فَيَرُدُّ الِابْنُ عَشَرَةً لِلْمُقَرِّ لَهَا وَالْبِنْتُ ثَمَانِيَةً لِلْمُقَرِّ لَهُ وَفِي الْمِثَالِ السَّابِقِ فَرِيضَةُ الْإِقْرَارِ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَفَرِيضَةُ الْإِنْكَارِ مِنْ اثْنَيْنِ ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُنْكِرِ وَاثْنَانِ لِلْمُقِرِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
( وَلَوْ أَقَرَّ بِنَسَبِ مَنْ يَحْجُبُهُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ ) لِلْمَيِّتِ ( ثَبَتَ النَّسَبُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فِي الظَّاهِرِ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ ( لَا الْإِرْثُ لِلدَّوْرِ ) الْحُكْمِيِّ ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ ، وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ( فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْ مَعَهُمَا ) لِذَلِكَ ( وَإِنْ خَلَّفَ بِنْتًا أَعْتَقَتْهُ فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ لَهَا فَهَلْ يَرِثُ ) فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) عَلَّلَهُمَا بِقَوْلِهِ ( لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بَلْ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةَ الْوَلَاءِ ) وَكَأَنَّهُ قَالَ
وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا حِرْمَانًا وَالثَّانِي لَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةَ الْوَلَاءِ أَيْ الْإِرْثَ بِهَا ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَأَقَرَّتَا بِابْنٍ لَهُ سُلِّمَ لِلْأُخْتِ نَصِيبُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَهَا ، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ : لَوْ أَقَرَّ إلَخْ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ فُلَانٌ عَصَبَتِي وَوَارِثِي إنْ مِتَّ مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ لَمْ يُؤَثِّرْ ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ إنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ فَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْإِقْرَارِ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَخَ عَصَبَةٌ وَالْعَمَّ عَصَبَةٌ وَابْنَ الْعَمِّ عَصَبَةٌ أَيْضًا فَإِنْ فَسَّرَهُ ، وَقَالَ هَذَا أَخِي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعَ وَارِثِ أَبِيهِ ، وَإِنْ قَالَ هُوَ عَمِّي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعَ وَارِثِ جَدِّهِ ، وَإِنْ قَالَ هُوَ ابْنُ عَمِّي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعَ وَارِثِ عَمِّهِ ، وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ فُلَانٌ عَمٍّ ، وَهُوَ وَلِيٌّ فِي النِّكَاحِ وَوَارِثِي إنْ مِتَّ فَمَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا ، وَلَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهَا أَلْحَقَتْ نَسَبًا بِجَدِّهَا ، وَلَيْسَتْ وَارِثَةً لِجَمِيعِ مَالِ الْجَدِّ قَوْلُهُ ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ ) بِأَنْ يُوجِبَ شَيْءٌ حُكْمَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ مُتَمَانِعَيْنِ يَنْشَأُ الدَّوْرُ مِنْهُمَا وَالدَّوْرُ اللَّفْظِيُّ أَنْ يَنْشَأَ الدَّوْرُ مِنْ لَفْظِ اللَّافِظِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ السُّرَيْجِيَّةِ ، وَمَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ الْعَزْلِ بِإِدَارَةِ الْوَكَالَةِ ( قَوْلُهُ : وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ ) نَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَرِثَ أَخٌ عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا بِابْنٍ لِلْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ، وَلَا يَرِثُ شَيْئًا لِلدَّوْرِ لَوْ قَالَ بِشَهَادَةِ الْعَتِيقِ مِنْ الْإِرْثِ كَانَ أَوْلَى إذْ لَوْ شَهِدَ عَتِيقُ أَخٍ مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ كَانَ حُكْمُهُ أَنْ لَا يَرِثَ فَلَا تُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْعَتِيقِ فِي عَدَمِ الْإِرْثِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ) وَرَجَّحَهُ فِي الْبَيَانِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( ادَّعَى ) مَجْهُولٌ ( عَلَى أَخِي الْمَيِّتِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْأَخُ وَنَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( فَحَلَفَ الْمُدَّعِي ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ( ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَمْ يَرِثْ ) لِمَا مَرَّ فِي إقْرَارِ الْأَخِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَبَطَلَ نُكُولُ الْأَخِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي .
( فَرْعٌ : إقْرَارُ الْوَرَثَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ ) بِأَنْ أَقَرُّوا بِزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ ( مَقْبُولٌ فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ فَالتَّوْرِيثُ ) أَيْ حُكْمُهُ ( كَمَا ) مَرَّ فِي نَظِيرِهِ ( فِي النَّسَبِ ) فَيُشَارِكُ الْمُقَرُّ بِهِ الْمُقِرُّ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا .
( فَرْعٌ : لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ ، وَقَالَ ) مُنْفَصِلًا ( أَرَدْت مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَّرَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ وَاسْتُشْكِلَ بِقَوْلِ الْعَبَّادِيِّ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ ( وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى أَبِيهِ بِالْوَلَاءِ ) فَقَالَ هُوَ عَتِيقُ فُلَانٍ ( ثَبَتَ عَلَيْهِ ) الْوَلَاءُ ( إنْ كَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا ) قَالَ الْقَفَّالُ وَلَمْ تُعْرَفْ لَهُ أُمٌّ حُرَّةُ الْأَصْلِ ، وَإِلَّا فَإِقْرَارُهُ لَغْوٌ ( وَإِنْ أَقَرَّ اثْنَانِ ) مِنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ ( بِأَخٍ ) لَهُمْ ( وَشَهِدَا لَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الثَّالِثِ ) قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِشَرْطِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمَا فِيهَا ضَرَرًا .
( كِتَابُ الْعَارِيَّةِ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِعَقْدِهَا مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ عِيَارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } فَسَّرَهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ بِمَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ } وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ دِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ وَرُوِيَ أَغَصْبًا فَقَالَ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ } قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ : وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا فَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً أَيْ أَصَالَةً وَإِلَّا فَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ كَمَا سَيَأْتِي .
( كِتَابُ الْعَارِيَّةِ ) .
( قَوْلُهُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ إلَخْ ) رَدَّهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ بِدَلِيلِ تَعَاوَرْنَا الْعَوَارِيَّ وَالْعَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ بِدَلِيلِ عَيَّرْته بِكَذَا ، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ غَيْرَهُ لَحْنٌ وَرَدَّهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّارِعَ فَعَلَهَا ( قَوْلُهُ : وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ إلَخْ ) فَلَيْسَتْ هِبَةً لِلْمَنَافِعِ فَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالرَّدِّ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ ) وقَوْله تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ( قَوْلُهُ : كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ) وَإِعَارَةُ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ خَشِيَ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ وَوَجَدَ بِئْرًا وَمَعَ غَيْرِهِ دَلْوٌ أَوْ رِشَاءٌ يَكْتَفِي مِنْهُ بِدَلْوٍ مَثَلًا أَوْ أَوْصَى أَنْ تُعَارَ دَارُهُ مِنْ زَيْدٍ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ تَنْفِيذُهُ وَكَمَا فِي عَارِيَّةِ كِتَابٍ كَتَبَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ سَمَاعَ غَيْرِهِ أَوْ كُتِبَ بِإِذْنِهِ أَفْتَى بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَجِبُ عَيْنًا بَلْ هِيَ أَوْ النَّقْلُ إنْ كَانَ النَّاقِلُ ثِقَةً وَكَعَارِيَّةِ الْمُصْحَفِ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ ، وَهُوَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ قَالَ شَيْخُنَا الْوُجُوبُ مُسَلَّمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ إذَا وَجَدَ مَنْ يُعِيرُهُ أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلَا .
وَقَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ إلَخْ ) أَيْ وَالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُصْحَفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكَافِرِ كَبَيْعِهَا مِنْهُ .
( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُعِيرُ وَيُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ فِيهِ ( مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ ) وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ ، وَقْفٍ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا إذَا كَانَ نَاظِرًا ( فَتَصِحُّ ) الْإِعَارَةُ ( مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ ( لَا ) مِنْ ( الْمُسْتَعِيرِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهَا ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ وَالْمُسْتَبِيحُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا قُدِّمَ لَهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَنْ يُعِيرُ لَهُ فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ ، وَهُوَ الْمُعِيرُ مِنْ الثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا ، وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِئَ ، وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ( لَكِنَّ لَهُ ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ ( اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ ) كَأَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلَهُ فِي حَاجَتِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ خَادِمَهُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَاشِرِ وَأُورِدَ عَلَى قَيْدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ صِحَّةُ إعَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَصِحَّةُ إعَارَةٍ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْإِمَامِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ ، وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً بَلْ شَبِيهَةٌ بِهَا وَبِأَنَّهُمْ أَرَادُوا هُنَا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مَا يَعُمُّ الِاخْتِصَاصَ بِهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا
لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ إعَارَةِ الصُّوفِيِّ وَالْفَقِيهِ سَكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا .
( وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فِي خِدْمَةٍ لَهَا أُجْرَةٌ أَوْ تَضُرُّ بِهِ ) الْخِدْمَةُ كَمَا لَا يُعِيرُ مَالَهُ بِخِلَافِ خِدْمَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَأَنْ يُعِيرَهُ لِيَخْدُمَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَيُشْتَرَطُ فِيهِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ ) أَيْ النَّاجِزِ لِيَخْرُجَ السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ بِالْوَصِيَّةِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْمَأْخُوذُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَالْأُجْرَةِ سِوَى النَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالْأُجْرَةِ ( قَوْلُهُ : وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ الْإِعَارَةُ إلَّا مِمَّنْ يَجُوزُ إيدَاعُ تِلْكَ الْعَيْنِ عِنْدَهُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا وَقَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَيْ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) اسْتَعَارَ كِتَابًا فَرَأَى فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا فَيَجِبُ كَذَا رَأَيْته فِي زِيَادَاتِ الْعَبَّادِيِّ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِصْلَاحِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ لِرَدَاءَةِ خَطِّهِ أَوْ نَحْوِهِ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِمَالِيَّتِهِ لَا إصْلَاحٌ أَمَّا الْكِتَابُ الْمَوْقُوفُ فَيَصْلُحُ جَزْمًا خُصُوصًا مَا كَانَ خَطَأً مَحْضًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ { وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ } .
وَقَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِصْلَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ ) وَلَوْ بِوَكِيلِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ الطَّعَامُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ زَوْجَتَهُ ) فِي الْبَيَانِ إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيُرْكِبَهَا زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا وَجْهَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ يُرْكِبُهَا زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ ، وَهِيَ بِنْتُ الْمُعِيرِ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ نَحْوُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إرْكَابُ