كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا فَلَوْ وَطِئَهَا ) فَأَوْلَدَهَا ( فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا حَدَّ ) عَلَى الْوَاطِئِ لِلشُّبْهَةِ كَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَجَزَمَ فِي الْوَقْفِ بِأَنَّهُ يَحُدُّ وَقَاسَ عَلَيْهِ مَا صَحَّحَهُ مِنْ حَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَمَا صَحَّحَهُ هُنَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَالْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ أَوْجَهُ انْتَهَى .
وَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَوْ وُجُوبُ الْحَدِّ فِي الْوَصِيَّةِ دُونَ الْوَقْفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا أَبَدًا أَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَا مُدَّةً فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَأْجَرِ ( وَلَا اسْتِيلَادَ ) بِإِيلَادِهِ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ( وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَمْلُوكَ لَيْسَ كَالْكَسْبِ ( وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدٌ وَيَكُونُ مِثْلَهَا ) أَيْ مِثْلَ الْأَمَةِ فِي أَنَّ رَقَبَتَهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتَهُ لِلْمُوصَى لَهُ وَقِيلَ الْقِيمَةُ لِلْوَارِثِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الْعَبْدِ بِالرَّقِيقِ كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّ كَانَ ذَكَرًا اشْتَرَى بِقِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى اشْتَرَى بِقِيمَتِهَا أَمَةَ .
قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ إلَخْ ) الْمُعْتَمَدُ مَا صَحَّحَاهُ فِي الْبَابَيْنِ مِنْ حَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مِلْكُهُ لَهَا أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِمَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوصِي بِهَا وَتُورَثُ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ، وَتَصَرُّفُهُ فِيهَا أَتَمُّ مِنْ تَصَرُّفِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِإِجَارَةِ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ وَإِعَارَتِهِ وَالسَّفَرِ بِهِ وَنَحْوِهَا وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِجَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا نَحْوِهَا ( قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ .
( وَالْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ ) كَخِدْمَةِ عَبْدٍ وَكَسْبِهِ وَسُكْنَى دَارٍ وَغَلَّتِهَا ( لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا وَبِسُكْنَى دَارٍ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهَا عَمَلَ الْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ ) إلَّا أَنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ .
( فَرْعٌ : لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ السَّفَرُ بِالْعَبَدِ ) الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ لِئَلَّا يَخْتَلَّ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَيْسَ كَزَوْجِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ ثَمَّ لِلسَّيِّدِ ( وَنَفَقَتُهُ ) الشَّامِلَةُ لِلْكِسْوَةِ وَنَحْوِهَا ( وَفِطْرَتُهُ عَلَى الْوَارِثِ وَلَوْ ) كَانَ الْإِيصَاءُ بِالْمَنْفَعَةِ ( مُؤَبَّدًا ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَخَلَاصُهُ أَنْ يَعْتِقَهُ وَلَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِشَخْصٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ كَانَ كَالْوَارِثِ فِيمَا ذُكِرَ ، وَعَلَفُ الْبَهِيمَةِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَلِلْوَارِثِ إعْتَاقُهُ ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَهُ ( لَا ) إعْتَاقُهُ ( عَنْ كَفَّارَةٍ ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ لِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَيَظْهَرُ الْجَوَازُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَمِثْلُ إعْتَاقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إعْتَاقُهُ عَنْ النَّذْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ ( وَتَبْقَى مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةً ) لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا كَانَتْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ ( وَلَا يَرْجِعُ ) الْعَتِيقُ عَلَى الْمُعْتِقِ ( بِقِيمَتِهَا ) أَيْ الْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ كِتَابَتُهُ ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
وَلَوْ أَوْصَى بِمَا تَحْمِلُهُ الْأَمَةُ فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ وَتَزَوَّجَتْ بِحُرٍّ أَوْ بِرَقِيقِ وَ عَتَقَ كَانَ أَوْلَادُهَا أَرِقَّاءَ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ انْعِقَادُهُمْ أَحْرَارٌ وَيَغْرَمُ الْوَارِثُ قِيمَتَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ فَوَّتَهُمْ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا قَالَهُ ( وَفِي الدَّارِ ) الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا ( لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى
الْعِمَارَةِ ) لَهَا ( وَلَا يُمْنَعُ ) مِنْهَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْوَارِثُ كَمَا مَرَّ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِ وَكَعِمَارَةِ الدَّارِ سَقْيُ الْبُسْتَانِ الْمُوصَى بِثِمَارِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ : لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ السَّفَرُ ) أَيْ الْغَالِبُ فِيهِ الْأَمْنُ ( قَوْلُهُ بِالْعَبْدِ ) يَنْبَغِي جَوَازُ سَفَرِهِ بِالْأَمَةِ مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ ( قَوْلُهُ فَيَظْهَرُ الْجَوَازْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) هَذَا مَرْدُودٌ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِنُقْصَانِ مَنَافِعِهِ ( قَوْلُهُ وَتَبْقَى مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنَافِعِ لِلْمُوصَى لَهُ مَجِيءُ مَا سَبَقَ فِي أَكْسَابِهِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ وَرِثَهُ هَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْهِبَةِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ الظَّاهِرُ الْمَنْعِ ، وَلَوْ مَلَكَ عَبْدًا بِالْإِرْثِ فَمَا اكْتَسَبَهُ عِنْدَهُ هَلْ يَفُوزُ بِهِ أَوْ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ نَفْسَهُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ كَمَا لَوْ أَجَّرَ الْحُرُّ نَفْسَهُ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ اسْتَعَارَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا ( قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَادُهَا أَرِقَّاءَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ بَاعَهُ ) أَيْ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ ( مِنْ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لَا ) مِنْ ( غَيْرِهِ جَازَ ) وَإِنْ كَانَ بَهِيمَةً أَوْ جَمَادًا إذْ لَا فَائِدَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ تَقْصِدُ بِالْبَيْعِ غَالِبًا بِخِلَافِهِ هُوَ لِاجْتِمَاعِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي مِلْكِهِ ( إلَّا مَا قُدِّرَ ) الْإِيصَاءُ فِيهِ ( بِمُدَّةٍ ) مَعْلُومَةٍ ( فَلَهُ حُكْمُ الْمُسْتَأْجَرِ ) فَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ اجْتَمَعَا فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ وَقَدْ حَكَى الدَّارِمِيّ فِيهِ وَجْهَيْنِ ، وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ بَيْعَهَا فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ الصِّحَّةُ مِنْ الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِهِ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ ( وَكَذَا مَا أَوْصَى بِبَعْضِ مَنَافِعِهِ كَالنَّتَاجِ ) أَيْ كَالْحَيَوَانِ الْمُوصَى بِنَتَاجِهِ ( يَجُوزُ بَيْعُهُ ) مُطْلَقًا لِبَقَاءِ بَعْضِ مَنَافِعِهِ وَفَوَائِدِهِ كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالظَّهْرِ ، وَصُورَةُ بَيْعِهِ أَنْ يَبِيعَهُ حَائِلًا ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَامِلًا بَاطِلٌ لِكَوْنِ الْحَمْلِ حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَى شَرْعًا وَلَا يُشْكَلُ ذَلِكَ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْأَشْجَارِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ مُتَعَلَّقٌ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِهِ هُنَا .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ غَيْرِهِ جَازَ ) لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْوَارِثُ كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَامْتَنَعَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ شِرَائِهِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ كَافِرًا فَيُشْبِهُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى نَقْلِ الْمَنَافِعِ إلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالُوهُ فِي اسْتِئْجَارِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا غ وَقَوْلُهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِ إلَخْ لَا يُجْبَرُ .
وَقَوْلُهُ فَيُشْبِهُ أَنْ يُجْبَرَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا ) قَالَ أَبُو شُكَيْلٍ لَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً فِي عَبْدٍ مَثَلَا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَهَا فَلَعَلَّ الْأَصَحَّ الْمَنْعُ هُنَا وَفِي الْمُسْتَأْجَرِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَا فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَمْلَ مَا لَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً وَطَرِيقُ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ ذَكَرُوهُ فِي اخْتِلَاطِ حَمَامِ الْبُرْجَيْنِ مَعَ الْجَهْلِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا الظَّاهِرُ صِحَّةُ بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ وَقَدْ تَنَاوَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَوْ فَدَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ نَصِيبُ الْآخَرِ .
( فَصْلٌ : وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَارِثِ وَطْءَ ) الْأَمَةِ ( الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحْبَلُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْف - - الْهَلَاكِ بِالطَّلْقِ ، وَالنُّقْصَانِ وَالضَّعْفِ بِالْوِلَادَةِ وَالْحَمْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَكِنْ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِي كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ التَّحْرِيمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ كَمَا فِي وَطْءِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَرْقٌ بِأَنَّ الرَّاهِنَ هُوَ الَّذِي حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَبِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَفْعِ الْعَلَقَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا وَوَافَقَ الْأَذْرَعِيُّ مَا فِي الرَّوْضَةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ مُرَادٌ فَقَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا أَمِنَ حَبَلَهَا وَلَمْ يُعَطِّلْ زَمَنَ الْوَطْءِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ جَازَ الْوَطْءُ وَإِلَّا فَلَا ( فَإِنْ وَطِئَ ) فَأَوْلَدَهَا ( فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ ) وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ ( وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهُ ) لِتَكُونَ رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ رَقِيقًا ( وَتُعْتَقُ أُمُّهُ بِالِاسْتِيلَادِ ) الْمُرَادُ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَارِثِ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ( مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ ) لِلْمُوصَى لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ الْحَاصِلَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ لَهُ لَا لِلْوَارِثِ .
قَوْلُهُ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ مُرَادٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فُرِّعَ ) يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ ، وَمَنْ يُزَوِّجُهُ ؟ قَالَ فِي الْوَسِيطِ أَمَّا الْعَبْدُ فَيَظْهَرُ اسْتِقْلَالُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَقْدِ لِلتَّضَرُّرِ بِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْأَكْسَابِ وَهُوَ الْمُتَضَرِّرُ ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْوَارِثُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمُلْكِهِ الرَّقَبَةَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُوصَى لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَرُّرِهِ .
( قَوْلُهُ أَمَّا الْعَبْدُ فَيَظْهَرُ اسْتِقْلَالُ الْمُوصَى لَهُ إلَخْ ) مَا تَفَقَّهَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِمُخَالَفَتِهِ خَبَرَ { أَيَّمَا مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ } وَفِي رِوَايَةٍ { فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ } وَلِأَنَّ مَالِكَ رَقَبَتِهِ يَتَضَرَّرُ بِتَعَلُّقِ مُؤَنِ النِّكَاحِ بِأَكْسَابِ الزَّوْجِ النَّادِرَةِ وَهِيَ لِمَالِكِ رَقَبَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَعَلَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِأَنَّ مُؤَنَ النِّكَاحِ لَا تَتَعَلَّقُ بِأَكْسَابِهِ النَّادِرَةِ أَوْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِأَنَّ أَكْسَابَهُ النَّادِرَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ ، وَيُرْشِدُ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ تَعْلِيلُهُ أَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ فِيهِمَا فَيُزَوِّجُهُ مَالِكُ رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ
( فَصْلٌ وَإِنْ قُتِلَ ) الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ( فَاقْتَصَّ الْوَارِثُ ) مِنْ قَاتِلِهِ ( بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ) أَيْ انْتَهَتْ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ وَبَطَلَتْ مَنَافِعُهَا ( وَلَوْ وَجَبَ مَالٌ ) بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ أَوْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُهُ ( اشْتَرَى بِهِ مِثْلَهُ ) أَيْ مِثْلُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ ( وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ لِتَكُونَ رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ إذْ الْقِيمَةُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَتُقَامُ مَقَامَهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ مِثْلِهِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ كَمَا فِي الْوَقْفِ ( وَلَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَالْأَرْشُ لِلْوَارِثِ ) لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَاقٍ يَنْتَفِعُ بِهِ وَمَقَادِيرُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَنْضَبِطُ وَتَخْتَلِفُ بِالْمَرَضِ وَالْكِبَرِ فَكَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَلِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلٌ عَنْ الْعَيْنِ .
( وَإِنْ جَنَى ) الرَّقِيقُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ( عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ ) وَبَطَلَ حَقُّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ إنْ جَنَى عَلَى النَّفْسِ كَمَوْتِهِ ( أَوْ خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ ( تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ ) فِي الْجِنَايَةِ ( إنْ لَمْ يُفْدِيَاهُ ) وَبَطَلَ حَقُّهُمَا ، قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى بَيْعِ قَدْرِ الْأَرْشِ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ الْبَعْضِ فَيُبَاعُ الْكُلُّ وَبِمَا بَحَثَهُ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( وَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ ) عَلَى الْأَرْشِ ( اُشْتُرِيَ ) بِالزَّائِدِ ( مِثْلُهُ وَإِنْ فَدَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ) أَوْ غَيْرُهُمَا ( عَادَ كَمَا كَانَ ) مِنْ كَوْنِ الرَّقَبَةِ لِلْوَارِثِ وَالْمَنْفَعَةِ لِلْمُوصَى لَهُ وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ لِطَالِبِ الْفِدَاءِ مِنْهُمَا لِظُهُورِ غَرَضِهِ ( أَوْ فَدَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ) فَقَطْ ( بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ نَصِيبُ الْآخَرِ ) وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ إنْ فُدِيَتْ الرَّقَبَةُ فَكَيْفَ تُبَاعُ الْمَنَافِعُ وَحْدَهَا ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهَا وَحْدَهَا
مَعْقُولٌ قَدْ قَالُوا بِهِ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ عَلَى السَّطْحِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّهَا تُبَاعُ وَحْدَهَا بِالْإِجَارَةِ .
( قَوْلُهُ : فَاقْتَصَّ الْوَارِثُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ) وَفِي إسْقَاطِهِ مَجَّانًا وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا سُقُوطُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ ( قَوْلُهُ إنْ جَنَى عَلَى النَّفْسِ إلَخْ ) فَلَوْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ وَاقْتَصَّ مِنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ كَانَ بَاقِي الْمَنْفَعَةِ فَالْوَصِيَّةُ بِحَالِهَا ، وَإِنْ بَطَلَتْ مَنَافِعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَتِهِ وَفِيمَا ذَكَرَاهُ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ فَفِيهِ مَنْفَعَةُ الْحِرَاسَةِ وَنَحْوِهَا فَمَا بَقِيَ مِنْ مَنَافِعِهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْوَصِيَّةَ بِحَالِهَا لِمَالِكِهَا ( قَوْلُهُ : وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهَا وَحْدَهَا إلَخْ ) صَرَّحَ الْقَمُولِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ بِالثَّانِي ؛ لِأَنَّ بَيْعَ حَقِّ الْبِنَاءِ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِهِ هُنَا .
( فَصْلٌ ) فِي كَيْفِيَّةِ حِسَابِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الثُّلُثِ ( وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ ) مُؤَبَّدًا ( كَبُسْتَانٍ أَوْصَى بِثَمَرَتِهِ مُؤَبَّدًا ) وَلَوْ بِحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ ( قِيمَةُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ ) لِتَفْوِيتِ الْيَدِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ عُمْرِهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَتَعَيَّنَ تَقْوِيمُ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا ، مِثَالُهُ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ قِيمَتُهُ بِمَنَافِعِهِ مِائَةٌ وَبِدُونِهَا عَشْرَةٌ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْمِائَةُ لَا التِّسْعُونَ فَيُعْتَبَرُ فِي نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِائَتَانِ ( وَلَوْ أَوْصَى بِهَا ) أَيْ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ مَثَلَا ( مُدَّةً قَوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَّ مَسْلُوبِ مَنَافِعِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَمَا نَقَصَ حُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ ) فَلَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ سَنَةً وَقِيمَتُهُ بِمَنْفَعَتِهِ مِائَةٌ وَبِدُونِهَا تِلْكَ السَّنَةِ تِسْعُونَ حُسِبَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ الثُّلُثِ ( فَلَوْ ) أَوْصَى ( بِمَنْفَعَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَنَقَصَ ) قِيمَتُهُ مَسْلُوبُ مَنْفَعَتِهِ تِلْكَ الْمُدَّةِ عَنْ قِيمَتِهِ بِهَا ( نِصْفُ الْقِيمَةِ وَكَانَ ) الْعَبْدُ ( كُلَّ الْمَالِ رُدَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي ) مِقْدَارِ ( سُدُسِ الْعَبْدِ ) بِمَنَافِعِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَنْفَعَةِ الْمُوصَى بِهَا فِي الْمُدَّةِ وَقِيلَ يَنْقُصُ مِنْ آخِرِ الْمُدَّةِ سُدُسُهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَنَافِعِ - تَخْتَلِفُ بِالْأَوْقَاتِ ( وَلَوْ أَوَصَى بِهِ ) أَيْ بِعَبْدٍ مَثَلًا ( دُونَ مَنْفَعَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ ) أَيْ الْعَبْدُ ( مِنْ الثُّلُثِ ) لِجَعْلِنَا الرَّقَبَةَ الْخَالِيَةَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَالتَّالِفَةِ ( وَلَوْ غُصِبَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ فَأُجْرَتُهُ ) عَنْ مُدَّةِ الْغَصْبِ ( لِلْمُوصَى لَهُ ) لَا لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُؤَجَّرِ ؛ لِأَنَّهَا هُنَا بَدَلُ حَقِّهِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ فَإِنَّ الْإِجَارَةِ تَنْفَسِخُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَتَعُودُ الْمَنَافِعُ إلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ .
( قَوْلُهُ : لِتَفْوِيتِ الْيَدِ ) شَمِلَ مَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لِشَخْصٍ وَبِمَنْفَعَتِهِ مُؤَبَّدًا لِآخَرَ إذْ فِيهِ التَّفْوِيتُ فِي الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَوْ أَوْصَى بِمَنَافِعِهِ مَا عَاشَ الْمُوصَى لَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ الْقِيمَةِ تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ لِعَدَمَ إمْكَانِهِ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ نَعَمْ فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ مَا يَشْمَلُ حُسْبَانَ الْجَمِيعِ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ قَوْلُهُ : لِجَعْلِنَا الرَّقَبَةَ الْخَالِيَةَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَالتَّالِفَةِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَظْهَرُ غَيْرُهُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ قُلْنَا فِي عَكْسِهَا الْمُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كُلُّ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَا الرَّقَبَةَ الْخَالِيَةَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَالتَّالِفَةِ إلَّا ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فِيهَا تَصَرُّفَاتٌ عَدِيدَةٌ فَلَمْ تُحْسَبْ لِأَجْلِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فِي الرَّقَبَةِ كُلُّ التَّصَرُّفَاتِ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي أَخْرَجَتْ الرَّقَبَةَ عَنْ الْوَارِثِ لَا تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَيْضًا الْمَنَافِعُ لَا تَجْبُرُ ذَلِكَ لِفَوَاتِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَوْصَى لِزَيْدٍ مِنْ أُجْرَةِ دَارِهِ ) مَثَلًا ( كُلُّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ ) جَعَلَهُ ( بَعْدَهُ ) لِوَارِثِ زَيْدٍ أَوْ ( لِلْفُقَرَاءِ وَالْأُجْرَةُ ) فِي كُلِّ سَنَةٍ ( عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ) مَثَلًا ( اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهَا ) أَيْ الدَّارِ أَيْ قِيمَتِهَا ( مَعَ خُرُوجِ الدِّينَارِ مِنْهَا وَ ) قِيمَتُهَا ( سَالِمَةً ) عَنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَاعْتِبَارُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثُّلُثِ كَاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ ( ثُمَّ ) إنْ خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ ( لَا يَجُوزُ ) لِلْوَارِثِ ( بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ الدَّارِ أَيْ بَيْعُ بَعْضِهَا وَتَرْكُ مَا حُصِّلَ مِنْهُ دِينَارٌ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَخْتَلِفُ فَقَدْ تَنْقُصُ فَتَعُودُ إلَى دِينَارِ أَوْ أَقَلَّ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْمُوصَى لَهُ هَذَا إنْ أَرَادَ بَيْعَ بَعْضِهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَطْلَقَ ( فَإِنْ بَاعَهَا مُسَاوِيَةً الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ بَيَّنَّا ) فِي بَيْعِ الْوَارِثِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ ( أَنَّهُ يَصِحُّ ) الْبَيْعُ ( مِنْ مَالِكِهَا ) أَيْ الْمَنْفَعَةِ ( بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِعُشْرِ الْأُجْرَةِ ) كُلُّ سَنَةٍ ( فَإِنَّ لَهُ ) أَيْ الْوَارِثِ ( بَيْعُ تِسْعَةَ الْأَعْشَارِ ) لِلْإِشَاعَةِ ( وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَالزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ ) رَقَبَةٌ وَأُجْرَةٌ ( تَرِكَةٌ ) يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْوَارِثُ كَيْفَ شَاءَ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ ( وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ صَحَّتْ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( فِي السَّنَةِ الْأُولَى ) بِدِينَارِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا فِيمَا بَعْدَهَا إذْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ الْمُوصَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ .
( قَوْلُهُ فَرْعٌ لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ مِنْ أُجْرَةِ دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارِ ) لَوْ لَمْ تَغُلَّ الدَّارُ فِي السَّنَةِ إلَّا دِينَارًا وَاحِدًا أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ تَغُلَّ إلَّا أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : إنَّهُ يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ إتْمَامُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ جُعِلَتْ الْغَلَّةُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ أَنَّهُ لَا يُتَمِّمُ لِلْمُوصَى لَهُ مَا فَاتَهُ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ( قَوْلُهُ صَحَّتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَقَطْ ) شَمِلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ مَا إذَا قَيَّدَهُ الْمُوصِي بِالثُّلُثِ وَبِحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ
( فَرْعٌ : لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا وَأَعَادَهَا أَحَدُهُمَا ) أَوْ غَيْرُهُمَا ( بِآلَتِهَا عَادَ الْحُكْمُ ) مِنْ كَوْنِ رَقَبَةِ الدَّارِ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتِهَا لِلْمُوصَى لَهُ .
.
( فَصْلٌ : تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ ) بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهِ ( وَتَبْطُلُ ) الْوَصِيَّةُ بِهِ ( إنْ عَجَزَ الثُّلُثُ أَوْ مَا يَخُصُّهُ ) أَيْ الْحَجَّ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الثُّلُثِ ( عَنْ أُجْرَةِ الْحَجِّ وَيَحُجُّ عَنْهُ لَوْ أَطْلَقَ ) الْوَصِيَّةَ بِهِ ( مِنْ الْمِيقَاتِ ) الشَّرْعِيِّ كَمَا لَوْ قُيِّدَ بِهِ وَحَمْلًا عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ فِي الشَّرْعِ ( وَإِنْ شَرَطَهُ ) أَيْ الْحَجَّ عَنْهُ ( مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ ) عَنْهُ ( فَمِنْ حَيْثُ أَمْكَنَ ) فَإِنْ لَمْ يَعْجَزْ فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَدُوَيْرَةُ أَهْلِهِ مِثَالٌ فَسَائِرُ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي هِيَ أَبْعَدُ مِنْ الْمِيقَاتِ كَذَلِكَ ( وَإِنْ جَعَلَ ثُلُثَهُ لِلْحَجِّ وَالتُّسْعَ لِحَجِيجٍ ) حِجَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ( صُرِفَ فِيهَا فَإِنْ فَضَلَ ) مِنْهُ ( مَا يُعْجِزُ عَنْ حَجَّةٍ فَهُوَ لِلْوَارِثِ وَإِنْ جَعَلَهُ لِحَجَّةٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلْيَكُنْ الْأَجِيرُ أَجْنَبِيًّا لَا وَارِثًا لِلْمُحَابَاةِ ) بِالزَّائِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَدْرَهَا أَوْ دُونَهَا .
( وَالْحَجُّ الْوَاجِبُ وَلَوْ بِالنَّذْرِ يَجِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لَا ، أَضَافَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أَمْ أَطْلَقَ لِلُزُومِهِ لَهُ كَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَحَلُّهُ فِي النُّذُورِ إذَا الْتَزَمَهُ فِي الصِّحَّةِ ، فَإِنْ الْتَزَمَهُ فِي الْمَرَضِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَطْعًا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَقَالَ : يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِهِ وَيَحُجُّ عَنْهُ ( مِنْ الْمِيقَاتِ ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا هَذَا وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَقُلَّ الْخِصَالِ ( لَا إنْ أَوْصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ ) أَوْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ( فَيَمْتَثِلُ ) كَمَا لَوْ أَوْصَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ ثُلُثِهِ فَيُزَاحِمُ الْوَصَايَا ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ عَلَّقَهُ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ الرِّفْقَ بِالْوَرَثَةِ .
( وَلَوْ ازْدَحَمَتْ
الْوَصَايَا ) الَّتِي مِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ ( لَمْ يُقَدَّمْ الْحَجُّ ) وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا بَلْ يُزَاحِمُهَا بِالْمُضَارَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَإِنْ لَمْ يَفِ الْحَاصِلُ مِنْهَا تَمَّمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ اقْضُوا دَيْنِي مِنْ ثُلُثِي فَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِهِ وَحِينَئِذٍ تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ مَا يُتَمِّمُ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ ثُلُثِ الْبَاقِي لِتُصْرَفَ حِصَّةُ الْوَاجِبِ مِنْهُ وَمَعْرِفَةِ ثُلُثِ الْبَاقِي عَلَى مَعْرِفَةِ مَا يُتَمِّمُ بِهِ فَيُسْتَخْرَجُ بِمَا يَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ ( وَإِنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأُجْرَةُ ) لَهَا ( مِائَةٌ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَالتَّرِكَةُ ثَلَثُمِائَةٍ وَزَّعْنَا الثُّلُثَ ) عَلَى الْوَصِيَّتَيْنِ ( وَنُتَمِّمُ الْحَجَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَنْقُصُ الثُّلُثُ وَتَدُورُ الْمَسْأَلَةُ ) كَمَا عُرِفَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُفْرَضَ مَا يُتَمِّمُ بِهِ أُجْرَةَ الْحَجِّ شَيْئًا يَبْقَى ثَلَثُمِائَةٍ إلَّا شَيْئًا انْزَعْ مِنْهَا ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَةٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ اقْسِمْهُ بَيْنَ الْحَجِّ وَزَيْدٍ نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْحَجِّ خَمْسُونَ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ فَيَضُمُّ الشَّيْءُ الْمَنْزُوعُ إلَيْهِ يَبْلُغُ خَمْسِينَ وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِائَةً وَذَلِكَ تَمَامُ الْأُجْرَةِ فَأَسْقِطْ خَمْسِينَ بِخَمْسِينَ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِينَ وَإِذَا كَانَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الشَّيْءِ خَمْسِينَ كَانَ الشَّيْءُ سِتِّينَ فَعُلِمَ أَنَّ مَا نَزَعْتَهُ سِتُّونَ .
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ : ( فَانْزَعْ سِتِّينَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ خُذْ ثُلُثَ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُونَ ) اقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ يَحْصُلُ ( لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعُونَ وَلِلْحَجِّ أَرْبَعُونَ فَهِيَ مِنْ السِّتِّينَ الَّتِي نَزَعْتَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَمَامَ أُجْرَةِ الْحَجِّ ، وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ ) تَطَوُّعًا أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ( مِنْ ثُلُثِهِ بِمِائَةٍ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ لِزَيْدٍ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِعَمْرٍو وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ) مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ
( فَلِعَمْرٍو نِصْفَ الثُّلُثِ ) .
إذْ الثُّلُثُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ ( ثُمَّ يُصْرَفُ مِنْ الْبَاقِي مِائَةٌ لِلْحَجِّ فَإِنْ فَضَلَ ) مِنْهُ ( شَيْءٌ فَلِزَيْدٍ ) فَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ ثَلَاثُمِائَةٍ كَانَ لِعَمْرٍو مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْحَجِّ وَزَيْدٍ لِلْحَجِّ مِائَةٌ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصَ لَهُ إلَّا بِمَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ الْحَجِّ ( وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ فَمَا دُونَ ) هُمَا ( قُسِّمَ بَيْنَ عَمْرٍو وَالْحَجِّ ) نِصْفَيْنِ بِمُعَادَّةِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو ( وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ ) إذْ لَمْ يَفْضُلُ مِنْ الْحَجِّ شَيْءٌ وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ وَفِيمَا يَأْتِي .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ الْتَزَمَهُ فِي الْمَرَضِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَطْعًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ) عِبَارَتُهُ النَّذْرُ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثُ لَا خِلَافَ فِيهِ ا هـ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ( قَوْلُهُ : إلَّا إنْ أَوْصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَيُمْتَثَلُ ) لَوْ عَيَّنَ شَخْصًا لِلْحَجِّ فَامْتَنَعَ فَمُلَخَّصُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَجَّ فَرْضٍ سَقَطَ التَّعْيِينُ وَيَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ مَا يُدْفَعُ لِلْمُعَيَّنِ أَمْ لَمْ يُعَيِّنْ أَوْ حَجُّ تَطَوُّعٍ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَحُجُّ عَنْهُ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ كَقَوْلِهِ : بِيعُوا عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ فَامْتَنَعَ الْمُعَيَّنُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ غَيْرِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الثُّلُثِ إلَخْ ) لَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا مَثَلًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِدُونِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ صُرِفَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ .
وَقِيلَ يَجِبُ صَرْفُ الْجَمِيعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَلَا سِيَّمَا إذَا اتَّسَعَتْ التَّرِكَةُ وَكَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ بَلْ يَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ مُطْلَقًا إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَوْ قَالَ : أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا وَلَمْ يُعَيِّنْ سَنَةً فَقَالَ زَيْدٌ : أَنَا لَا أَحُجُّ الْعَامَ بَلْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ هَلْ يُؤَخَّرُ الْحَجُّ لِأَجْلِهِ أَمْ يُسْتَأْجَرُ غَيْرُهُ فِي عَامِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَجَّةُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ وَأَخَّرَ تَهَاوُنًا
حَتَّى مَاتَ إنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ عَنْ عَامِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يُتَمَكَّنْ أُخِّرَتْ إلَى الْيَأْسِ مِنْ حَجِّهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا كَالتَّطَوُّعِ قَالَ : وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ التَّغْرِيرِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْغَيْرُ مِنْ الْحَجِّ عَنْهُ أَحَجَّ غَيْرَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ إنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ فَأَعْتِقُوهُ فَلَمْ يَبِعْهُ فُلَانٌ لَا يُشْتَرَى عَبْدٌ آخَرُ .
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْعَبْدِ عِتْقُهُ وَهُوَ حَقٌّ لَهُ .
( فَرْعٌ : لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ إسْقَاطُ فَرْضِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ ) بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْذَنِ الْوَارِثُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ فِي بَابِهِ ( وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ ) الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ ( تَطَوُّعًا بِلَا وَصِيَّةٍ لَمْ يَصِحُّ ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَيِّتِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ إسْقَاطُ فَرْضِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ إلَخْ ) شَمَلَ مَا إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ وَلَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي الْإِحْجَاجِ عَنْهُ طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ كَالتَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ .
وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ا هـ فَالرَّاجِحُ الطَّرِيقُ الثَّانِي .
( وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ عَنْهُ وَالدَّيْنُ كَالْحَجِّ ) الْوَاجِب فِي ذَلِكَ ( وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَسَنَذْكُرُهَا فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فُرِّعَ الدُّعَاءُ ) لِلْمَيِّتِ مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ ( يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَكَذَا ) يَنْفَعُهُ ( الْوَقْفُ وَالصَّدَقَةُ عَنْهُ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَحَفْرُ الْآبَارِ ) وَنَحْوِهَا ( عَنْهُ كَمَا يَنْفَعُهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ ) وَلِلْإِجْمَاعِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي بَعْضِهَا كَخَبَرِ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ .
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } وَخَبَرُ { سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ .
قَالَ : سَقْيُ الْمَاءِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ لِلسَّابِقِينَ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ وَقِيلَ مَنْسُوخٌ بِهِ وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ الْمُتَصَدِّقُ ( وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ شَيْءٌ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ ) لَهُ ( أَنْ يَجْعَلَ صَدَقَتَهُ ) أَيْ يَنْوِيَ بِهَا ( عَنْ أَبَوَيْهِ ) .
( قَوْلُهُ فَرْعٌ : الدُّعَاءُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ ) قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الدُّعَاءِ شَيْئَانِ نَفْسُ الدُّعَاءِ وَثَوَابُهُ لِلدَّاعِي لَا لِلْمَيِّتِ وَحُصُولُ الْمَدْعُوُّ بِهِ إذَا قَبِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمَيِّتِ وَلَا يُسَمَّى ثَوَابًا .
بَلْ هُوَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَعْنَى نَفْعُهُ لِلْمَيِّتِ حُصُولُ الْمَدْعُوُّ بِهِ لَهُ إنْ اسْتِجَابَةُ اللَّهُ تَعَالَى نَعَمْ دُعَاءُ الْوَلَدِ نَفْسُ ثَوَابِهِ لِلْوَالِدِ لِخَبَرٍ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ .
جَعَلَ دُعَاءَ وَلَدِهِ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَمَلِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ انْقِطَاعِ الْعَمَلِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ نَفْسُ الدُّعَاءِ أَمَّا الْمَدْعُوُّ بِهِ فَلَيْسَ مِنْ نَفْسِ عَمَلِهِ .
( وَفِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ ) بِغَيْرِ إذْنِهِ ( وَجْهَانِ ) : أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَبِهِ جَزَمَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَعِبَارَتِهِ وَلَا تَضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا عَنْ مَيِّتٍ إنْ لَمْ يُوصِ بِهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْعِبَادَاتِ .
وَثَانِيهِمَا الْجَوَازُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ } وَخَبَرُ أَحْمَدَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ : هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا } ، وَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى إذْ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ ( وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقِرَاءَةَ عَلَى الْقَبْرِ ) أَيْ حُكْمُهَا ( فِي الْإِجَارَةِ ) وَذَكَرْتُ ثَمَّ زِيَادَةً تَتَعَلَّقُ بِهَا ( وَلَا يُصَلَّى عَنْهُ إلَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ ) فَيُصَلِّيهِمَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ تَبَعًا لِلطَّوَافِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( وَقَدْ ذَكَرْنَا الصَّوْمَ ) عَنْهُ فِي بَابِهِ ( وَفِي الصَّوْمِ عَنْ مَرِيضٍ مَأْيُوسٍ مِنْ بُرْئِهِ وَجْهَانِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ تَشْبِيهًا بِالْحَجِّ وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقِرَاءَةَ عَلَى الْقَبْرِ إلَخْ ) قَالَ بَعْضَهُمْ : إذَا قَرَأَ بِسَبَبِ مَيِّتٍ وَكَانَ ذَاكِرًا لَهُ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ فَحُضُورُهُ بِهَذَا الذِّكْرِ فِي الْقَلْبِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ حُضُورٌ فِي مَحَلِّ الْعِبَادَةِ وَمَوْضِعِ نُزُولِ الْأَجْرِ وَالرَّحْمَةِ أَرْجُو أَنْ يَشْمَلَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَفِي الصَّوْمِ عَنْ مَرِيضٍ مَأْيُوسٌ مِنْ بُرْئِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ صِحَّتِهِ ) وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَدْ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : عَاجِزًا كَانَ أَوْ قَادِرًا بِأَمْرٍ وَغَيْرِ أَمْرٍ وَأَيْضًا فَالْوَلِيُّ إنَّمَا لَهُ سَلْطَنَةُ الصَّوْمِ عَنْ قَرِيبِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَمَّا فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ .
( فَرْعٌ ) لَوْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَشْرَةِ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَجَدَهَا الْوَصِيُّ بِمِائَةٍ وَلَمْ يَجِدْ حِنْطَةً تُسَاوَيْ الْمِائَتَيْنِ فَهَلْ يَشْتَرِيهَا بِمِائَةٍ وَيَرُدُّ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ ، أَوْ هُوَ وَصِيَّةٌ لِبَائِعِ الْحِنْطَةِ ، أَوْ يَشْتَرِي بِهَا حِنْطَةً وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا .
قَالَ شَيْخُنَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ
( فَصْلٌ : وَلَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ ) أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ ( فِي الْمَرَضِ عَتَقَ ) عَلَيْهِ ( مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلْسٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالًا ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ .
وَقِيلَ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِلَا عِوَضٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَلَكَهُ فِي مَرَضِهِ وَرَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَالْأَصَحُّ مَا هُنَا ، وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهَا بِالْفَلَسِ لَوْ أَصْدَقَتْ أَبَاهَا عَتَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ ( وَلَوْ اشْتَرَاهُ فِيهِ ) أَيْ فِي مَرَضِهِ ( وَهُوَ مَدْيُونٌ صَحَّ ) الشِّرَاءُ إذْ لَا خَلَلَ فِيهِ ( وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ ) فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا صَحَّ الشِّرَاءُ أَيْضًا وَ ( عَتَقَ ) أَيْ اُعْتُبِرَ عِتْقُهُ ( مِنْ الثُّلُثِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ بِالِاخْتِيَارِ وَبَذَلَ فِي مُقَابِلَتِهِ مَالًا فَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَقَدْرُ الثُّلُثِ .
( وَلَوْ اشْتَرَاهُ وَحُوبِيَ ) بِثَمَنِهِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ ( فَقَدْرُهَا ) أَيْ الْمُحَابَاةُ ( هِبَةٌ ) فَحِينَئِذٍ ( يُعْتَقُ ) قَدْرُهَا ( مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغُرَمَاءُ ) وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُث ( وَمَتَى حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَرِثْ ) مِنْهُ .
قَالُوا : لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ مِنْهُ لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَارِث فَيَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى إرْثِهِ الْمُتَوَقَّفِ عَلَى عِتْقِهِ الْمُتَوَقَّفِ عَلَيْهَا فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ عَلَى الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ ( أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَرِثَ ) مِنْهُ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ
عِتْقُهُ عَلَى إجَازَتِهِ .
( فَصْلٌ : وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِكَ اُشْتُرِطَ ) فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ ( قَبُولُهُ ) لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ : مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَمَقْصُودُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْإِعْتَاقُ ( لَا إنْ قَالَ أَعْتِقُوهُ ) بَعْدَ مَوْتِي فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا مُؤَكَّدًا فِي الْعِتْقِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْجِهَاتِ الْعَامَّةِ ( وَإِنْ وَهَبَ لِعَبْدِهِ نَفْسَهُ اُشْتُرِطَ ) لِصِحَّةِ الْهِبَةِ ( الْقَبُولُ فِي الْحَالِ ) كَسَائِرِ الْهِبَاتِ ( إلَّا إنْ نَوَى ) بِذَلِكَ ( عِتْقَهُ ) فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ ، كَمَنْ قَالَ تَصَدَّقْتُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ وَنَوَى الْوَقْفَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَقْفَا ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُقْتَضَيَانِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ هَذِهِ الْهِبَةِ الْإِعْتَاقُ .
( فَصْلٌ : وَإِنْ أَمَرَ ) بِإِعْتَاقِ بَعْضِ عَبْدِهِ ( أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ بَعْضِ عَبْدِهِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ) كَأَنْ قَالَ : إذَا مِتُّ فَأَعْتِقُوا ثُلُثَ عَبْدِي ، أَوْ ثُلُثُ عَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ( فَمَاتَ ) عَتَقَ مِنْهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِالْإِعْتَاقِ فِي الْأُولَى وَبِدُونِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَ ( لَمْ يَسْرِ إلَى الْبَاقِي ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهُ عِنْدَ الْعِتْقِ وَلَا مُوسِرٍ بِقِيمَتِهِ لِكَوْنِهِ مَيْتًا ( بِخِلَافِ عِتْقِهِ الْبَعْضَ ) مِنْ عَبْدِهِ ( فِي الْمَرَضِ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهُ ) فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي ( لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْبَاقِي ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثَةِ ) وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ( وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ أَعْتَقْتُكُمْ أَوْ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ ) أَوْ أَثْلَاثُكُمْ أَحْرَارٌ ( عَتَقَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ ) وَلَا يُقْتَصَرُ الْعِتْقُ عَلَى ثُلُثِ كُلٍّ مِنْهُمْ حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ فِي عَبْدِهِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ بَعْضِ عَبْدِهِ كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ ( وَإِنْ عَلَّقَهُ ) أَيْ عِتْقَ ثُلُثِ عَبِيدِهِ ( بِمَوْتِهِ ) كَأَنْ قَالَ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ أَوْ أَثْلَاثُكُمْ أَحْرَارٌ بَعْدَ مَوْتِي ( عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمْ ( ثُلُثُهُ ) وَلَا قُرْعَةَ ( إذْ لَا سِرَايَةَ ) بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ لَكِنْ لَوْ زَادَ مَا أَعْتَقَهُ عَلَى الثُّلُثِ كَأَنْ قَالَ : نِصْفكُمْ حُرٌّ بَعْد مَوْتِي أُقْرِعَ لِرَدِّ الزِّيَادَةِ لَا لِلسَّرَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ .
( وَلَوْ قَالَ لِلثَّلَاثَةِ : نِصْفُ كُلٍّ مِنْكُمْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ) ذَلِكَ ( أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ ) وَفِي نُسْخَةٍ عِتْقٍ ( فَمَنْ أَصَابَهُ الرِّقُّ رَقَّ وَعَتَقَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرِينَ ) وَلَا يَسْرِي وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَنْصَافَ فِي مَرَضِهِ فَمَنْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ سَرَى إلَى بَاقِيهِ إلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ فَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ كُلُّهُ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ نِصْفِ
غَانِمٍ وَثُلُثِ سَالِمٍ ) بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا لِرَدِّ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَ خَمْسَةَ - - أَسْدَاسِ عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا إعْتَاقُ أَرْبَعَةِ أَسْدَاسِهِ ( فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِغَانِمٍ عَتَقَ نِصْفُهُ وَ ) عَتَقَ ( سُدْسُ سَالِمٍ ) لِيَتِمَّ الثُّلُثُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لَسَالِمٍ ( عَتَقَ مِنْ كُلِّ ) مِنْهُمَا ثُلُثُهُ ( وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُمَا مَعًا فِي مَرَضِهِ ) كَأَنْ قَالَ : نِصْفُ كُلٍّ مِنْكُمَا حُرٌّ ( أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَرَعَ ) أَيْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِالْحُرِّيَّةِ ( عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَرَقَّ الْبَاقِي ) مِنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْآخَرِ ( كَمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ أَوَّلًا ) فِي أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثَاهُ فَلَوْ قَالَ : نِصْفُ غَانِمٍ حُرٌّ وَثُلُثُ سَالِمٍ حُرٌّ عَتَقَ ثُلُثَا غَانِمٍ وَلَا قُرْعَةَ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَعْتَقَ ) أَمَةً ( حَامِلًا بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَوْ قَبْلَهُ ( تَبِعَهَا الْحَمْلُ وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ ) كَأَنْ قَالَ : هِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي إلَّا جَنِينَهَا أَوْ دُونَ جَنِينِهَا ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْهَا وَالْعِتْقُ لَا يَثْبُتُ فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلِأَنَّ الْأُمَّ تَسْتَتْبِعُ الْحَمْلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْمَعْنَى أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُشْكِلُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الْحَمْلَ لَا يَعْتِقُ الْأُمَّ ، وَلَوْ كَانَ كَعُضْوٍ مِنْهَا لَعَتَقَتْ هَذَا ( إنْ كَانَ ) الْحَمْلُ ( مِلْكَهُ وَإِلَّا فَلَا ) يَتْبَعُهَا ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلْكَ يَمْنَعُ الِاسْتِتْبَاعَ .
( فَصْلٌ : مَتَى أُوصِيَ لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ ) مَثَلًا ( مُعَيَّنٍ فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي ) لَا ثُلُثَهُ فَقَطْ إذْ الْمَقْصُودُ إرْفَاقُ الْمُوصَى لَهُ وَقِيلَ لَهُ ثُلُثُهُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ وَاعْتَمَدَهُ هَذَا ( إنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ ) وَإِلَّا فَلَهُ مَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ ( وَإِنْ قَالَ ) أَعْطُوا فُلَانًا ( أَحَدَ أَثْلَاثِهِ ) أَيْ الْعَبْدُ فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ ( نَفَذَتْ ) وَصِيَّتُهُ ( فِي ) الثُّلُثِ ( الْبَاقِي إنْ احْتَمَلَهُ ) الثُّلُثُ وَإِلَّا فَفِيمَا يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا الْقَيْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَحُكْمُ هَذِهِ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهَا .
قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ صُبْرَةٍ فَتَلَفَ ثُلُثَاهَا فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي أَيْ لَا الْبَاقِي وَإِنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنَاوَلَتْ التَّالِفَ كَمَا تَنَاوَلَتْ الْبَاقِيَ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ .
قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَظِيرهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ) قَالَ شَيْخُنَا : أَيْ مِنْ حَيْثُ هَذَا التَّعْلِيلِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ لَا يُوصِي بِهِ وَإِلَّا فَالتَّلَفُ وَعَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَمَا هُنَا فِي خَلْطِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ وَمَا فِي الْغَرَرِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ ؛ لِأَنَّ الْبَهْجَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَقَيَّدَهَا الشَّارِحُ بِالْعَبْدِ .
( فَصْلٌ : نَقْلُ الْمُوصَى بِهِ لِلْمَسَاكِينِ ) مِنْ بَلَدِ الْمَالِ ( إلَى ) مَسَاكِينَ ( بَلَدٍ آخَرَ جَائِزٌ ) كَمَا مَرَّ مَعَ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ فِي بَابِهَا هَذَا ( إنْ لَمْ يُخَصِّصْ ) الْمُوصِي فُقَرَاءَ بَلَدٍ ( فَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ وَلَا فَقِيرَ بِهَا بَطَلَتْ ) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانِ وَلَا وَلَدَ لَهُ .
( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَد لَهُ ) تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْهَدْيِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّذْرِ أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى وُجُودِهِمْ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ بِأَنَّ النَّذْرَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ فَيَصِيرُ النَّاذِرُ بِتَفْرِقَتِهِ إلَى وُجُودِهِمْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ تَفْرِقَتِهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلِلْمَالِ مُسْتَحِقٌّ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْمُوصَى لَهُمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَإِنْ وَجَدْنَا مَنْ أَوْصَى لَهُمْ وَإِلَّا دَفَعْنَا الْمَالَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْوَارِثُ .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ ) لَوْ ( أَوْصَى ) لِزَيْدٍ ( بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْحَائِزِ وَأَجَازَ ) الْوَصِيَّةَ ( أُعْطِيَ النِّصْفَ ) لِاقْتِضَائِهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مِنْهُمَا نَصِيبٌ وَأَنْ يَكُونَ النَّصِيبَانِ مِثْلَيْنِ فَتَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبًا لَهُ كَانَتْ وَصِيَّةً بِجَمِيعِ الْمَالِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِابْنِهِ نَصِيبًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ ( أَوْ ) أَوْصَى لَهُ بِنَصِيبٍ ( كَنَصِيبِ أَحَدِ أَبْنَائِهِ ) وَلَهُ أَبْنَاءٌ ( فَهُوَ كَابْنٍ ) آخَرَ مَعَهُمْ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ أَوْ أَرْبَعَةً فَبِالْخُمْسِ وَهَكَذَا ( وَضَابِطُهُ أَنْ تُصَحَّحَ الْفَرِيضَةُ ) بِدُونِ الْوَصِيَّةِ ( وَيُزَادَ فِيهَا مِثْلُ مَا لِلذُّكُورِ مِنْ سَهْمٍ ) أَيْ مِثْلُ نَصِيبِ الْمُوصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ .
( فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهَا فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ ) ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً فَيُزَادُ عَلَيْهَا سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ ( أَوْ ) كَانَ لَهُ ( بِنْتَانِ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ إحْدَاهُمَا فَهِيَ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( بِالرُّبْعِ ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ كَانَتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ ) لَوْلَا الْوَصِيَّةُ ( لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ) مِنْهُمَا ( سَهْمٌ فَزِيدَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ ) يَبْلُغُ أَرْبَعَةً ( وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا ) مَعًا ( فَالْوَصِيَّةِ بِخُمْسَيْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْفَرِيضَةَ ( مِنْ ثَلَاثَةٍ ) لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَنُصِيبهُمَا مِنْهَا اثْنَانِ ( فَتَزِيدُ ) عَلَى الثَّلَاثَةِ ( سَهْمَيْنِ مِثْلُ نَصِيبِهِمَا ) تَبْلُغُ خَمْسَةً ( وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ بِنْتٍ ) أَيْ بِمِثْلِهِ ( وَلَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَأَخٌ فَالْوَصِيَّةُ بِسَهْمَيْنِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ ) لِأَنَّهَا مِنْ تِسْعَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَنَصِيبُ كُلِّ بِنْتٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَتُزِيدُهُمَا عَلَى التِّسْعَةِ تَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى وَلَهُ ثَلَاثُ بَنِينَ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ
ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ بِسَهْمَيْنِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ ( وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّتْ ) وَصِيَّتُهُ ( كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ أَيْ ابْنِهِ ) إذْ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَمِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرٌ كَيْفَ وَالْوَصِيَّةُ وَارِدَةٌ عَلَى مَالِ الْمُوصِي إذْ لَيْسَ لِلِابْنِ نَصِيبٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّقْدِيرُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ وَقِيلَ يَبْطُلُ لِوُرُودِهَا عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْأَصْلِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا ( وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَا ابْنَ لَهُ ) وَارِثٌ ( بَطَلَتْ ) وَصِيَّتُهُ إذْ لَا نَصِيبَ لِلِابْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ وَلَا ابْنٍ لَهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَكَأَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِ لِي لَوْ كَانَ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَوْصَى وَلَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَانِ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ فَهِيَ بِالثُّلُثِ فِي الْأُولَى ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا ( وَبِالرُّبُعِ فِي الثَّانِيَةِ ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ ( وَكَذَا ) الْحُكْمُ ( لَوْ قَالَ ) أَوْصَيْتُ لَهُ ( بِنَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ ) أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَضَافَ إلَى وَارِثٍ مَوْجُودِ ( وَلَوْ أَوْصَى وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ لَوْ كَانَتْ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّمُنِ ) لِأَنَّهَا مِنْ سَبْعَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَنَصِيبُ الْبِنْتِ مِنْهَا سَهْمٌ فَتَزِيدُ عَلَى السَّبْعَةِ وَاحِدًا تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً ( وَإِنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ أُعْطِيَ كَأَقَلِّهِمْ نَصِيبًا ) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ فَزِدْ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ مِثْلُ سَهْمِ أَقَلِّهِمْ ثُمَّ اقْسِمْ فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ فَيُقَسَّمُ الْمَالُ كَمَا يُقَسَّمُ بَيْنَ ابْنِ وَبِنْتَيْنِ ( أَوْ ) أَوْصَى
( بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثَيْنِ ) لِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرِ الشَّيْءِ وَمِثْلِهِ ( أَوْ ) قَالَ أَوْصَيْتُ لَهُ ( بِضِعْفِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِي ) أَوْ وَرَثَتِي ( أُعْطِيَ مِثْلَ نَصِيبِ أَقَلِّهِمْ ) نَصِيبًا ( فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةَ بَنِينَ فَالْوَصِيَّةُ بِخُمْسَيْ التَّرِكَةِ ) وَلَوْ أَوْصَى بِضِعْفَيْ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالْوَصِيَّةُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرِهِ وَمِثْلَيْهِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِابْنِهِ نَصِيبًا إلَخْ ) وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَعَلَ لِابْنِهِ مَعَ الْوَصِيَّةِ نَصِيبًا فَلِذَلِكَ كَانَتْ بِالنِّصْفِ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ نَصِيبًا فَلِذَلِكَ كَانَتْ بِالْكُلِّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ بِنْتٍ وَلَهُ ثَلَاثُ بَنَاتِ وَأَخٍ إلَخْ ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِنْتٌ وَأَخٌ وَأَوْصَى لِزَيْدِ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَهَا كَبِنْتِ ثَانِيَةٍ ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَخٍ لِأُمٍّ فَالْوَصِيَّةُ بِالسُّدُسِ ( قَوْلُهُ : إذْ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ ) كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ عَبْدِي بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهُ ( قَوْلُهُ : إذْ لَا نَصِيبَ لِلِابْنِ ) يَظْهَرُ مِنْ هُنَا أَنَّ الِابْنَ لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوَ قَاتِلًا أَوْ رَقِيقًا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْبَيَانِ .
قَالَ صَاحِبُ التَّمَوُّهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ هَذَا إذَا عَلِمَ الْمُوصِي أَنَّ مَنْ ذَكَرْنَاهُ لَا يَرِثُ ، أَمَّا إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَرِثُ فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ وَارِثًا .
( فَرْعٌ ) لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ فَإِنْ أَجَازُوا فَقَدْ عَالَتْ إلَى أَرْبَعَةٍ لِزَيْدِ ثَلَاثَةٌ وَلِعَمْرٍو سَهْمٌ وَإِنْ رَدُّوا قَسْمَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ تَكُونُ قِسْمَةُ الْوَصِيَّةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَوَرَاءَ مَا ذَكَرَهْ مِنْ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ لَهُمَا صُوَرٌ : إحْدَاهَا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَتَرُدَّ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فَيُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمَرْدُودِ سَهْمٌ وَهُوَ رُبْعُ الثُّلُثِ بِتَقْدِيرِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا وَفِي الْبَاقِي وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ تِسْعَةً وَيَبْقَى سَهْمَانِ لِلْوَرَثَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ
الْكُلَّ لَوْلَا وَصِيَّةُ الثُّلُثِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ أَوْ بَعْضُهَا اُسْتُحِقَّ مَا زَالَتْ عَنْهُ الْمُزَاحَمَةُ .
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَتَرُدُّ لِصَاحِبِ الْكُلِّ فَيُعْطَى صَاحِبُ الْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَفِي صَاحِبِ الثُّلُثِ وَجْهَانِ : فَفِي أَحَدِهِمَا يُكَمَّلُ لَهُ الثُّلُثُ مِنْ غَيْرِ عَوْلِ وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ .
وَفِي الثَّانِي الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ يُعْطَى صَاحِبُ الثُّلُثِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَهُمَا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ .
وَالصُّورَة الثَّالِثَةُ أَنْ يُجِيزَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لِوَاحِدٍ وَالْبَعْضَ لِلْآخَرِ فَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَوْصَى بِنَصِيبٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ أَوْ قِسْطٍ أَوْ شَيْءٍ أَوْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ ) أَوْ عَظِيمٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ نَحْوِهَا ( فَالتَّفْسِيرُ ) لَهُ يُرْجَعُ فِيهِ ( إلَى الْوَارِثِ وَيُقْبَلُ ) تَفْسِيرُهُ ( بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ ) كَمَا فِي الْإِقْرَارِ لِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ( فَلَوْ ادَّعَى ) الْمُوصَى لَهُ ( زِيَادَةً ) عَلَى ذَلِكَ ( حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إرَادَتَهَا ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ ( وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ إلَّا شَيْئًا قُبِلَ التَّفْسِيرُ ) مِنْ وَارِثِهِ ( و ) كَوْنُهُ ( بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلِ وَحُمِلَ ) الشَّيْءُ ( الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْأَكْثَرِ ) لِيَقَعَ التَّفْسِيرُ بِالْأَقَلِّ ( وَكَذَا ) الْحُكْمُ ( لَوْ قَالَ ) أَعْطُوهُ ثُلُثَ مَالِي ( إلَّا قَلِيلًا .
فَرْعٌ : لَوْ قَالَ أَعْطُوهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ وَاحِدًا فِي عَشَرَةٍ فَكَمَا فِي الْإِقْرَارِ ) فَيُعْطَى فِي الْأُولَى تِسْعَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَشَرَةً إنْ أَرَادَ الْمُوصِي الْحِسَابَ وَأَحَد عَشَرَ إنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ وَوَاحِدًا إنْ أَرَادَ الظَّرْفَ أَوْ أَطْلَقَ ( أَوَ ) قَالَ أَعْطُوهُ ( أَكْثَرَ مَالِي أَوْ مُعْظَمُهُ أَوْ عَامَّتُهُ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ ) لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَالِبَ مَالِي كَذَلِكَ ( أَوْ ) أَعْطُوهُ ( أَكْثَرَ مَالِي وَنِصْفَهُ ) أَيْ نِصْفَ أَكْثَرِهِ ( فَبِمَا ) أَيْ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا ( فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ ) بِأَنْ يَزِيدَ الْوَارِثُ عَلَيْهَا شَيْئًا وَنِصْفَهُ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ فِي الْوَصِيَّةِ بِوَضْعِ النُّجُومِ ( أَوْ ) أَعْطُوهُ ( أَكْثَرَ مَالِي وَمِثْلَهُ فَالْوَصِيَّةُ بِالْكُلِّ أَوْ زُهَاءَ أَلْفٍ ) بِضَمِّ الزَّايِ وَالْمَدِّ ( فِيمَا فَوْقَ نِصْفِهِ وَاسْتُشْكِلَ ) أَيْ اسْتَشْكَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( لِأَنَّ زُهَاءَ أَلْفِ ) مَعْنَاهُ لُغَةً ( قَدْرُهُ ) أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَلْفٌ .
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْرُهُ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا مِنْ زَهَوْتِهِ بِكَذَا أَيْ حَزَرْتَهُ حَكَاهُ الصَّاغَانِيُّ قُلِبَتْ
الْوَاوُ هَمْزَةً لِتَطَرُّفِهَا إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ كَمَا فِي كِسَاءٍ ( أَوْ ) أَعْطُوهُ ( دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حُمِلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ ( مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) كَمَا فِي الْبَيْعِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ التَّفْسِيرُ بِغَيْرِهِ .
( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ فَسَّرَهُ الْوَارِثُ .
وَقَوْلُهُ ) أَعْطُوهُ ( كَذَا دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ ) كَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ مِائَةً وَدِرْهَمًا أَوْ أَلْفًا وَدِرْهَمًا أَوْ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا ( كَمَا فِي الْإِقْرَارِ ) بِذَلِكَ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِيهِ ( وَ ) قَوْلُهُ ( كَذَا كَذَا مِنْ دَنَانِيرِي ) يَلْزَمُ بِهِ ( دِينَارٌ وَ ) قَوْلُهُ ( كَذَا وَكَذَا مِنْهَا ) يَلْزَمُ بِهِ ( دِينَارَانِ أَوْ كَذَا كَذَا مِنْ دِينَارِي فَحَبَّةٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا مِنْهُ فَحَبَّتَانِ وَالْحِسَابُ فَنٌّ طَوِيلٌ وَلِذَا جَعَلُوهُ عِلْمًا بِرَأْسِهِ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ فَالْحَوَالَةُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ ) تَكُونَ ( عَلَى مُصَنَّفَاتِهِ ) وَإِنْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ ) .
( تَصِحُّ فِي التَّبَرُّعِ الْمُعَلَّقِ ) وَلَوْ فِي الصِّحَّةِ ( بِالْمَوْتِ ) كَقَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا أَوْ فَأَعْتِقُوا عَبْدِي ( لَا الْمُنَجَّزِ ) وَلَوْ فِي الْمَرَضِ ( الرُّجُوعُ ) عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ فَكَانَ كَالْهِبَةِ وَلِأَنَّ الْقَبُولَ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَقْتَرِنْ بِإِيجَابِهِ الْقَبُولُ فَلِلْمُوجِبِ فِيهِ الرُّجُوعُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ فِي الْمُنَجَّزِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ جَرَى فِي الْمَرَضِ كَالْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِلرُّجُوعِ - فِي الْوَصِيَّةِ كَوْنُ التَّمْلِيكِ لَمْ يَتِمُّ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالتَّبَرُّعُ الْمُنَجَّزُ عَقْدٌ تَامٌّ بِإِيجَابِ وَقَبُولِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهٍ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ ( بِالْقَوْلِ كَنَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ وَأَبْطَلْتُهَا ) أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا وَفَسَخْتُهَا ( وَهِيَ ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِهَا ( حَرَامٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ ) كَمَا لَوْ حَرَّمَ طَعَامَهُ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدِ إبَاحَتِهِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْلُهُ ( أَوْ هِيَ لَوَرَثَتِي بَعْدِي أَوْ مِيرَاثٌ عَنِّي ) لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِيرَاثًا إلَّا إذَا انْقَطَعَ تَعَلُّقُ الْمُوصَى لَهُ عَنْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِ نِصْفِ الْوَصِيَّةِ حَمْلًا عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو أَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ تَشْرِيكٌ انْتَهَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ تَشْرِيكًا ثَمَّ لِمُشَارَكَتِهَا الْأُولَى فِي التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا الْمُعْتَضَدْ بِقُوَّةِ الْإِرْثِ الثَّابِتِ قَهْرًا ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ بِنَحْوِ ذَلِكَ ( لَا ) .
قَوْلُهُ هِيَ
( تَرِكَتِي ) فَلَيْسَ رُجُوعًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ التَّرِكَةِ ( وَإِنْكَارُهُ ) الْوَصِيَّةَ ( إنْ سُئِلَ ) عَنْهَا ( رُجُوعٌ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا مَرَّ فِي جَحْدِ الْوَكَالَةِ ( وَصَحَّحَ ) الْأَصْلُ ( خِلَافَهُ فِي التَّدْبِيرِ ) وَعَلَّلَهْ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا وَمِنْ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَرْضُ شَخْصَيْنِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِإِنْكَارِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ : وَاَلَّذِي ذَهَبِ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ رُجُوعٌ لَكِنْ عَدَمُهْ عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي تَذْنِيبِهِ لِلْأَكْثَرِينَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَذَكَرَ الْأَصْلُ فِي التَّدْبِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ هَذَا الْمُوصَى بِهِ رُجُوعٌ ( لَا قَوْلُهُ ) فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ الْوَصِيَّةِ ( لَا أَدْرِي ) فَلَيْسَ رُجُوعًا ( وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمُوصَى بِهِ بِمُعَاوَضَةٍ ) كَبَيْعٍ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ وَلَوْ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ ( أَوْ هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ ) وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ فِيهِمَا ( أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ ) أَوْ تَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ( رُجُوعٌ ) لِظُهُورِ قَصْدِ الصَّرْفِ عَنْ الْمُوصَى لَهُ ( وَكَذَا ) يَحْصُلُ الرُّجُوعُ ( بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا ) لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الرُّجُوعِ وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ التَّدْبِيرَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَمَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ مَحَلُّهُ فِي الصَّحِيحَةِ .
أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَحَكَى فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : ثَالِثُهَا إنْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ كَانَتْ رُجُوعًا وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ طَرْدُهَا فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِيهِمَا كَالْعَرْضِ عَلَى مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى .
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ ) ( قَوْلُهُ : يَصِحُّ فِي التَّبَرُّعِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ إلَخْ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ التَّدْبِيرُ فَلَا رُجُوعَ عَنْهُ إلَّا بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ فِي الْمَرَضِ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفَرْعِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ بِنَحْوِ ذَلِكَ ) وَهُوَ أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي مَحَلِّ النَّقْلِ جَاءَ لِتَسَاوِي الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْإِرْثَ أَقْوَى مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي ثُبُوتِهِ قَهْرًا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ ا هـ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لِوَارِثِي بَعْدَ مَوْتِي مَفْهُومُ صِفَةٍ أَيْ لَا لِغَيْرِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ هُوَ لِعَمْرٍو بَعْدَ قَوْلِهِ هُوَ لِزَيْدٍ فَمَفْهُومُ لَقَبٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِذَلِكَ قِيلَ بِالتَّشْرِيكِ فِي هَذِهِ دُونَ تِلْكَ ( قَوْلُهُ وَإِنْكَارُهُ إنْ سُئِلَ رُجُوعٌ ) وَكَذَا إنْ لَمْ يُسْئَلْ فِيمَا يَظْهَرُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ عَلَى مَا مَرَّ فِي جَحْدِ الْوَكَالَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَبِإِنْكَارِهَا بِلَا غَرَضٍ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ طَرْدَهَا فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ ) الْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ أَيْضًا غ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ رُجُوعٌ فِيهِمَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّصَرُّفِ ) فِي الْمُوصَى بِهِ ( مِثْلُ ) قَوْلِهِ : ( إذَا مِتُّ فَبِيعُوهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ فِيهِ وَالِاسْتِيلَادُ ) لِلْأَمَةِ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا ( رُجُوعٌ ) لِمَا مَرَّ ( لَا الْوَطْءُ ) لِلْأَمَةِ ( وَلَوْ أَنْزَلَ ) وَلَا أَثَرَ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِيلَادِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْزِلُ وَلَا تَحْبَلُ وَيُفَارِقُ الْعَرْضَ عَلَى مَا ذُكِرَ بِأَنَّ إفْضَاءَ الْعَرْضِ إلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ إفْضَاءِ الْوَطْءِ إلَى الْوَلَدِ ( وَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ ( وَغَصْبِهِ ) أَيْ أَوْ بِغَصْبِهِ لَهُ ( رُجُوعٌ ) .
( قَوْلُهُ : وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّصَرُّفِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مُحَابَاةً فَلَوْ أَوْصَى بِبَيْعِهِ مُحَابَاةً بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَالْوَصِيَّةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمُحَابَاةِ فَإِنْ كَانَتْ نِصْفَ الثَّمَنِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَوْ ثُلُثَهُ فَأَرْبَاعًا ذَكَرَهْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
( فَرْعٌ : لَوْ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو اشْتَرَكَا ) فِيهِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْجَمِيعِ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّشْرِيكِ دُونَ الرُّجُوعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِهِ لِلثَّانِي بَعْدَمَا أَوْصَى بِهِ لِلْأَوَّلِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ كُلًّا مِنْهُمَا جَمِيعَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَيُضَارَبَانِ فِيهِ ( فَإِنْ رَدَّهُ أَحَدُهُمَا كَانَ الْجَمِيعُ لِلْآخَرِ .
وَإِنْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا فَرَدَّ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ النِّصْفُ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَهُ الْمُوصِي صَرِيحًا بِخِلَافِهِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا عُرِفَ ( وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ بِنِصْفِهِ لِلثَّانِي ) وَقَبِلَا ( اقْتَسَمَاهُ أَرْبَاعًا ) إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَقَدْ شَرَّكَهُ مَعَ الثَّانِي فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ حَيْثُ غَلَّطَ الْأَصْلَ فِي قَوْلِهِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا ، وَرَدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الْبَابِ ؛ إذْ نِسْبَةُ النِّصْفِ إلَى مَجْمُوعِ الْوَصِيَّتَيْنِ الثُّلُثُ ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَوْصَى لِلْأَوَّلِ بِالْكُلِّ وَلِلثَّانِي بِالثُّلُثِ اقْتَسَمَاهُ أَرْبَاعًا .
إذْ نِسْبَةُ الثُّلُثِ إلَى الْمَجْمُوعِ الرُّبُعُ ( فَإِنْ رَدَّهُ الثَّانِي فَالْكُلُّ لِلْأَوَّلِ أَوْ ) رَدَّهُ ( الْأَوْلُ فَالنِّصْفُ لِلثَّانِي وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ ) أَوْصَى ( بِعِتْقِهِ فَيُقَدَّمُ الْعِتْقُ ) وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ رُجُوعًا عَنْهَا ( أَوْ يُقَسِّمُ ) بِأَنْ يَعْتِقَ نِصْفَهُ وَيَدْفَعَ إلَى زَيْدٍ الْبَاقِيَ ( وَجْهَانِ ) كَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ رُجُوعًا بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ ؛ لِأَنَّهَا هُنَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى ( وَكَذَا عَكْسُهُ ) بِأَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ثُمَّ
أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَنْ يُنَصَّفَ عَلَى الثَّانِي .
( قَوْلُهُ : إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَقَدْ شَرَكَهُ مَعَ الثَّانِي إلَخْ ) قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ مَسْأَلَةٌ أَوْصَى لِوَاحِدِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخِرِ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةُ دِينَارٍ كَمْ يَخْلُصُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الثُّلُثِ ؟ أَجَابَ يَخْلُصُ لَهُ تِسْعُونَ دِينَارًا وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهِيَ الْعَشَرَةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ ثُلُثُ مَالِهِ يَخْلُصُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ نِصْفُ الْعَبْدِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِنِصْفِ الْعَبْدِ رُبْعُهُ ا هـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي التَّوَسُّطِ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ غَلِطَ الْأَصْلُ فِي قَوْلِهِ إلَخْ ) هَذَا مِنْ الْأَغَالِيطِ الْقَبِيحَةِ وَقَدْ رَدَّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَبَبُ الْغَلَطِ ذُهُولُهُ عَنْ قَاعِدَةِ الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ ثُلُثُهُ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَنِسْبَةُ النِّصْفِ إلَى الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ الثُّلُثُ ت ( قَوْلُهُ : بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ ) وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : أَوْ رَدَّهُ الْأَوَّلُ فَالنِّصْفُ لِلثَّانِي ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيُلْحَقُ بِالرَّدِّ مَا إذَا رَجَعَ الْمُوصِي عَنْ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَوْلُهُ فَيُقَدَّمُ الْعِتْقُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالْقِيَاسُ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ الْقِيَاسُ مَا ذُكِرَ .
وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عِلَّةَ إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قُوَّةُ الْعِتْقِ وَتَنَافِيهِ مَعَ الْمِلْكِ وَلَا فَرْقَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ بَيْنَ قُوَّةِ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ تَتَأَخَّرَ لِكَوْنِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ نَافِذَةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمِلْكِ لَاغِيَةٌ وَأَمَّا الْوَجْهُ الصَّائِرُ إلَى التَّنْصِيفِ فَسَوَاءٌ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَظْهَرْ لَك
( فَصْلٌ : قَوْلُهُ أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِمَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِعَمْرٍو رُجُوعٌ ) لِظُهُورِهِ فِيهِ ، وَفَارِقُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَرْعِ السَّابِقِ بِأَنَّهُ ثَمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى فَاسْتُصْحِبْنَاهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِهِ هُنَا ( وَإِنْ قَالَ ) فِي شَيْءٍ ( بِيعُوهُ وَاصْرِفُوا ثَمَنَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ قَالَ بِيعُوهُ وَاصْرِفُوا ثَمَنَهُ إلَى الرِّقَابِ اشْتَرَكُوا ) فِي الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنَّمَا الزَّحْمَةُ فِي الثَّمَنِ ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُوصِي ذَاكِرًا لِلْأُولَى صُرِفَ الْجَمِيعُ إلَى الرِّقَابِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي نَظَائِرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي بَعْضِهَا وَفَارِقُ اشْتِرَاكِهِمَا فِيمَا ذَكِرَ مَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ لِلْمَسَاكِينِ حَيْثُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ رُجُوعًا بِأَنَّهَا فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ جِنْسِ الْأُولَى بِخِلَافِهَا ثُمَّ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ .
( وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدَارٍ ) أَوْ بِخَاتَمٍ ( ثُمَّ ) أَوْصَى ( لِعَمْرٍو بِأَبْنِيَتِهَا ) أَوْ بِفَصِّهِ ( فَالْعَرْصَةُ ) وَالْخَاتَمُ ( لِزَيْدٍ وَالْأَبْنِيَةُ ) وَالْفَصُّ مُشْتَرَكَانِ ( بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَوْصَى لِعَمْرٍو بِسُكْنَاهَا ) لَا بِأَبْنِيَتِهَا ( قَالَ بَعْضُهُمْ اُخْتُصَّ ) عَمْرٌو ( بِالْمَنْفَعَةِ وَاسْتُشْكِلَ ) أَيْ اسْتَشْكَلَهُ الْأَصْلُ فَقَالَ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْأَبْنِيَةِ وَالْفَصِّ وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَالْأَبْنِيَةُ وَالْفَصُّ مَوْجُودَانِ وَبِأَنَّهُمَا مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ اسْمِ الدَّارِ وَالْخَاتَمِ فَهُمَا بَعْضُ الْمُوصَى بِهِ بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ .
( فَرْعٌ : هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُعَيَّنَةِ ) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ بِمُعَيَّنٍ ( أَمَّا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ بَاعَ ) مَثَلًا ( أَمْلَاكَهُ أَوْ هَلَكَتْ لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ ( رُجُوعًا ) عَنْ الْوَصِيَّةِ ( وَتَعَلَّقَتْ بِالْحَادِثِ ) لَهُ مِنْ
الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ إذْ لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ وَثُلُثُ الْمَالِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ بَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا يَمْلِكُهُ حَالَ الْمَوْتِ زَادَ أَمْ نَقَصَ أَمْ تَبَدَّلَ وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ .
( فَرْعٌ : طَحْنُ الْحِنْطَةِ وَبَدْرِهَا وَعَجْنُ الدَّقِيقِ وَذَبْحُ الشَّاةِ وَخَبْزُ الْعَجِينُ وَإِحْضَانُ الْبِيضِ ) الدَّجَاجَ أَوْ نَحْوُهُ لِيَتَفَرَّخَ ( وَدَبْغُ الْجِلْدِ رُجُوعٌ ) عَنْ الْوَصِيَّةِ ( لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا زَوَالُ الِاسْمِ ) قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى لَهُ فَكَانَ كَالتَّلَفِ .
.
( وَالثَّانِي الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ ) عَنْ الْوَصِيَّةِ ( وَيُعْزَى الْأَوَّلُ ) مِنْهُمَا ( إلَى النَّصِّ وَالثَّانِي إلَى أَبِي إِسْحَاقَ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَلَيْسَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِبُطْلَانِ الِاسْمِ وَاضِحًا كُلَّ الْوُضُوحِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَصِيرَ الْمَرْهُونَ إذَا تَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ عَلَى رَأْيٍ بَلْ يَكُونُ الْخَلُّ مَرْهُونًا مَعَ بُطْلَانِ الِاسْمِ ، وَالرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ الْوَصِيَّةِ مُتَقَارِبَانِ ثُمَّ قَضِيَّتُهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ : أَوْصَيْتُ بِهَذَا الطَّعَامِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْتُ بِهَذَا أَوْ أَوْصَيْتُ بِمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ .
انْتَهَى .
قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ خَبْزُ الْعَجِينِ رُجُوعًا فَإِنَّ الْعَجِينَ يَفْسُدُ لَوْ تُرِكَ فَلَعَلَّهُ قَصَدَ إصْلَاحَهُ وَحِفْظَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ قَالَ وَلَك أَنْ تَقُولَ قِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّبْغُ رُجُوعًا لِبَقَاءِ الِاسْمِ وَكَذَا الْإِحْضَانُ إلَى أَنْ يَتَفَرَّخَ ( وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي مَا لَوْ حَصَلَ - ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ) فَقِيَاسُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُجُوعٌ ، وَقِيَاسُ الثَّانِي الْمَنْعُ .
هَذَا وَقَدْ رَأَيْتُ الْأَصْحَابَ يُعَلِّلُونَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا .
فَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ .
( قَوْلُهُ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِ عَلَى رَأْيِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ الْوَصِيَّةِ مُتَقَارِبَانِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَمَّا مَا قَالَهُ مِنْ تَقَارُبِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَصِيَّةِ فَقَدْ يُمْنَعُ فَيُقَالُ : الرَّهْنُ وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِيهِ قَبْلَ تَغْيِيرِ الِاسْمِ وَهُمَا عُمْدَةُ الْعُقُودُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَقَارُبَهُمَا فَالرَّأْيُ فِي الرَّهْنِ لِلْأَصْحَابِ فَلَا يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بَلْ بِقَوْلِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنْ قَوْلَ الْأَصْحَابِ يُرَدَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَصْلٍ لَهُ لَمْ نَعْدَمْ فَرْقًا ، وَهُوَ أَنَّ الْعَصِيرَ بَعْدَ انْقِلَابِهِ خَمْرًا ثُمَّ خَلًّا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِقْبَاضِ فَيُوجَدُ مِنْ مُوجِبِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ وَارِثُهُ إنْ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ مَا يَدُلَّ عَلَى رِضَاهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ التَّغْيِيرِ وَهُوَ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْتَمَدْ الِاسْمُ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يُفَرِّقَ إلَى آخِرِهِ سُؤَالٌ حَسَنٌ لَا مَدْفَعَ لَهُ فِي ظَنِّي إلَّا التَّخْرِيجُ عَلَى أَنَّ تَغْيِيرَ الصِّفَةِ هَلْ يُجْعَلُ كَتَغْيِيرِ الْمَوْصُوفِ ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرُوهُمَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا بِصِفَةٍ ثُمَّ ظَهَرَتْ بِصِفَةٍ غَيْرِهَا هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ كَتَغْيِيرِ الْمَوْصُوفِ لَمْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالِاسْمِ أَمْ لَا وَتَكُونُ عُمْدَةُ الْوَصِيَّةُ الصِّفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا لِضَعْفِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا بِمَا حَصَلِ بَعْدَهَا .
( قَوْلُهُ : قَالَ وَلَك أَنْ تَقُولُ قِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كِلَا الْعِلَّتَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ : لَوْ قَلَى الْحِنْطَةَ سَوِيقًا فَإِنْ طَحَنَهَا كَانَ رُجُوعًا لِلْعِلَّتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَطْحَنْهَا بَعْدَ
الْقَلْيِ كَانَ رُجُوعًا لِإِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَهُوَ قَصْدُ الِاسْتِهْلَاكِ ، وَأَيْضًا فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ عَلَّلَ الْحُكْمَ بِوَاحِدَةٍ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُ عَلَّلَ بِالْأُخْرَى مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْعِلَّتَيْنِ فِي سَلْبِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ لِتَخَلُّفِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَوُجُودِ الْأُخْرَى أَثَرٌ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَى أَنَّ فِي إحْضَانِ الْبَيْضِ تَعْرِيضًا لَهُ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ رُجُوعًا عَلَى الْمَذْهَبِ .
قَالَ فِي الْبَسِيطِ : لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِ اسْمِ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يُسَمَّى بُسْتَانًا وَأَمَّا دَبْغُ الْجِلْدِ فَلَعَلَّ كَلَامَ الْعَبَّادِيِّ فِيهِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَكِيٍّ فَإِنَّهُ بِالدَّبْغِ يُجْعَلُ مَالًا وَكَانَ قَبْل الدَّبْغِ يُسَمَّى إهَابًا وَبَعْدَهُ يُسَمَّى أَدِيمًا فَتَغَيَّرَ الِاسْمُ م ( قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ طَبَخَ ) الْمُوصِي ( اللَّحْمَ أَوْ شَوَاهُ أَوْ جَعَلَهُ ) وَهُوَ لَا يَفْسُدُ ( قَدِيدًا أَوْ ) جَعَلَ ( الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ حَشَا بِالْقُطْنِ فِرَاشًا ) أَوْ جُبَّةً ( أَوْ غَزَلَهُ أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ فَرُجُوعٌ ) لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلِأَنَّ الْقَدِيدَ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى لَحْمٌ قَدِيدٌ ( وَلَوْ تَمْرٌ ) أَيْ جَفَّفَ ( رُطَبًا أَوْ قَدَّدَ لَحْمًا قَدْ يَفْسُدُ فَلَا ) يَكُونُ رُجُوعًا ( فِي الْأَشْبَهِ ) مِنْ وَجْهَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَوْنٌ لِلرُّطَبِ وَاللَّحْمِ عَنْ الْفَسَادِ فَلَا يُشْعِرُ بِتَغْيِيرِ الْقَصْدِ وَيُفَارِقُ خُبْزَ الْعَجِينِ عَلَى الْمَنْقُولِ بِأَنَّ فِيهِ مَعَ صَوْنِهِ عَنْ الْفَسَادِ تَهْيِئَتَهُ لِلْأَكْلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا ، وَمُقَابِلُ الْأَشْبَهِ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ لِزَوَالِ الِاسْمِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ حَشَا بِالْقُطْنِ فِرَاشًا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْصَى بِالْفِرَاشِ وَالْجُبَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْقُطْنِ فَلَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ إصْلَاحَهُمَا لَهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ تَمْرٌ رُطَبًا ) أَوْ عِنَبًا ( قَوْلُهُ أَوْ قَدَّدَ لَحْمًا إلَخْ ) أَوْ ثَوْبًا فَغَسَلَهُ أَوْ كَانَ مَقْطُوعًا فَخَاطَهُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَوْنُ الرُّطَبِ وَاللَّحْمِ عَنْ الْفَسَادَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَدْ يُقَالُ مِثْلَ هَذَا فِيمَا لَوْ مَرِضَتْ الشَّاةُ أَوْ جُرِحَتْ وَخِيفَ مَوْتُهَا فَذَبَحَهَا خَشْيَةَ مَوْتِهَا .
( فَرْعٌ : هَدْمُ الدَّارِ الْمُبْطِلِ لِاسْمِهَا رُجُوعٌ ) عَنْ الْوَصِيَّةِ ( فِي النَّقْضِ ) أَيْ الْمَنْقُوضِ مِنْ طُوبٍ وَخَشَبٍ ( وَكَذَا فِي الْعَرْصَةِ ) لِظُهُورِ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ عَنْ جِهَةِ الْوَصِيَّةِ ( وَانْهِدَامُهَا ) وَلَوْ بِهَدْمِ غَيْرِهِ ( يُبْطِلُهَا فِي النَّقْضِ ) بِبُطْلَانِ الِاسْمِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( فَقَطْ ) أَيْ لَا فِي الْعَرْصَةِ وَالِاسْمِ إنْ بَقِيَ لِبَقَائِهِمَا بِحَالِهِمَا وَذِكْرُ حُكْمِ الِاسْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمُلْحَقِ بِهَا الِاسْمِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الرُّويَانِيُّ إنَّ الْقَوْلَ بِبَقَائِهَا فِي الْعَرْصَةِ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِدَارٍ فَذَهَبَ السَّيْلُ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَارًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ : وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْبُطْلَانُ فِي الْجَمِيعِ هَذَا ( إنْ بَطَلَ الِاسْمُ وَ إلَّا بَطَلَ ) الْإِيصَاءُ ( فِي نَقْضِ الْمُنْهَدِم مِنْهَا ) فَقَطْ .
وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ فِيهِ أَيْضًا .
وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ ( وَلَا أَثَرَ لِانْهِدَامِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ) وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ زَالَ اسْمُهَا بِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَبَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ يَوْمَئِذٍ .
( فَرْعٌ : قَطْعُ الثَّوْبِ قَمِيصًا وَصَبْغُهُ وَقِصَارَتُهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي ( رُجُوعٌ ) عَنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِظُهُورِهِ فِي الصَّرْفِ عَنْ جِهَتِهَا ( لَا غُسْلُهُ ) كَتَعْلِيمِ الْعَبْدِ ( وَلَا نَقْلُهُ ) مِنْ مَكَانِهِ ( إلَى بُعْدٍ ) أَيْ مَكَان بَعِيدِ عَنْ مَكَانِ الْمُوصَى لَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرِ ( وَلَا خِيَاطَتُهُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ ) حِينَ الْوَصِيَّةِ بِهِ إذْ لَا إشْعَارَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِالرُّجُوعِ ( وَجَعْلُ الْخَشَبِ بَابًا كَالثَّوْبِ ) أَيْ كَجَعْلِهِ ( قَمِيصًا ) فَيَكُونُ رُجُوعًا .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ هَدْمُ الدَّارِ إلَخْ ) لَوْ أَوْصَى بِدَارٍ ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا لِلْمُوصِي بَيْتًا آخَرَ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّا نَقُولُ حَيْثُ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِيمَا يَنْفَصِلُ بِالِانْهِدَامِ فَالْبَيْتُ الْمُلْحَقُ خَارِجٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ فَالْبَيْتُ الْمُلْحَقُ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَوْصَى بِصَاعِ حِنْطَةٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ ) بِمَا يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ مِنْهُ ( فَهُوَ رُجُوعٌ ) وَإِنْ خُلِطَ بِأَرْدَأَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ ( وَكَذَا إنْ كَانَ ) الصَّاعُ ( مِنْ صُبْرَةٍ وَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ ) مِنْهَا فَإِنَّهُ رُجُوعٌ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْوَصِيَّةُ وَلَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِهَا ( لَا مِثْلِهَا ) أَيْ لَا إنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ شَائِعٌ مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ خَلْطِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ ( وَأَرْدَأَ ) أَيْ وَلَا إنْ خَلَطَهَا بِأَرْدَأَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْمُوصَى بِهِ بِالنُّقْصَانِ بِخَلْطِهِ بِالْأَرْدَإِ تَعْيِيبٌ فَلَا يُؤَثِّرُ ( وَإِنْ خَلَطَهَا غَيْرُهُ ) أَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا وَلَوْ بِأَجْوَدَ ( فَوَجْهَانِ ) أَوْجَهُهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ وَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْجَوْدَةِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ اخْتِلَاطِهَا بِنَفْسِهَا فَقَالَ وَلَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا بِالْأَجْوَدِ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي نَظَائِرِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَوْ بَلَّهَا بِالْمَاءِ كَانَ رُجُوعًا ( أَوْ ) أَوْصَى ( بِصَاعٍ حِنْطَةٍ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّاعَ أَعْطَاهُ الْوَارِثُ مِمَّا شَاءَ ) مِنْ حِنْطَةِ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ قَالَ مِنْ حِنْطَتِي وَإِلَّا فَمِنْ أَيِّ حِنْطَةٍ شَاءَ وَلَا أَثَرَ لِلْخَلْطِ فَلَوْ وَصَفَهَا وَقَالَ مِنْ حِنْطَتِي الْفُلَانِيَّةِ فَالْوَصْفُ مَرْعِيٌّ فَإِنْ بَطَلَ بِالْخَلْطِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ .
( قَوْلُهُ أَوْجَهُهُمَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا خَلَطَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا .
( فَرْعٌ : لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ ) مَثَلَا ( سَنَةً ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَةً وَمَاتَ فَوْرًا ) أَيْ عَقِبَ الْإِجَارَةِ ( بَطَلَتْ ) وَصِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةُ السَّنَةِ الْأُولَى فَإِذَا انْصَرَفَتْ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ( أَوْ ) مَاتَ ( بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَطَلَ النِّصْفُ ) الْأَوَّلُ أَيْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ ( وَلَوْ حَبَسَهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( الْوَارِثَ السَّنَةَ بِلَا عُذْرٍ غَرِمَ ) لِلْمُوصَى لَهُ ( الْأُجْرَةَ وَلَا أَثَرَ لِانْقِضَائِهَا ) أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ( قَبْلَ مَوْتِهِ ) أَوْ مَعَهُ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا .
( قَوْلُهُ فَإِذَا انْصَرَفَتْ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِاسْتِغْرَاقِ الْإِجَارَةِ مُدَّةَ الْوَصِيَّةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْعَيْنَ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا يَعِيشُ إلَيْهَا الْمُوصَى لَهُ غَالِبًا كَانَ رَاجِعًا .
( وَلَيْسَ التَّزْوِيجُ وَالْخِتَانُ وَالتَّعْلِيمُ ) وَالِاسْتِخْدَامُ ( وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَارَةُ ) لِلْمُوصَى بِهِ ( وَالرُّكُوبُ ) لِلْمَرْكُوبِ ( وَاللُّبْسُ ) لِلثَّوْبِ ( وَالْإِذْنُ ) لِلرَّقِيقِ ( فِي التِّجَارَةِ رُجُوعًا ) إذْ لَا إشْعَارَ لَهَا بِهِ بَلْ هِيَ إمَّا انْتِفَاعٌ وَلَهُ الْمَنْفَعَةُ وَالرَّقَبَةُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِمَّا اسْتِصْلَاحٌ مَحْضٌ وَرُبَّمَا قَصَدَ بِهِ إفَادَةَ الْمُوصِي - لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَمَةٍ لِيَتَسَرَّى بِهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا كَانَ رُجُوعًا ( وَلَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ ) فِي أَرْضٍ أَوْصَى بِهَا ( فَرُجُوعٌ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِلدَّوَامِ فَيَشْعُرُ بِأَنَّهُ قَصَدَ إبْقَاءَهَا لِنَفْسِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا كَانَ رُجُوعًا فِيهِ دُونَ الْبَاقِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( لَا إنْ زَرَعَ ) فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ كَلُبْسِ الثَّوْبِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَزْرُوعُ مِمَّا تَبْقَى أُصُولُهُ دَائِمًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ كَالْغِرَاسِ ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ ( وَكَذَا إنْ عَمَّرَ ) بُسْتَانًا مَثَلًا أَوْصَى بِهِ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ ( لَا إنْ غَيَّرَ ) بِذَلِكَ ( اسْمُهُ ) كَأَنْ جَعَلَهُ خَانًا ( أَوْ ) لَمْ يُغَيِّرْهُ لَكِنْ ( أَحْدَثَ فِيهِ بَابًا مِنْ عِنْدِهِ ) فَيَكُونُ رُجُوعًا .
قَوْلُهُ لَا إنْ زَرَعَ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ : لَكِنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَادَتُهَا أَنْ تُزْرَعَ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ بِمِائَةٍ أُخْرَى مُعَيَّنَةٍ اسْتَحَقَّهُمَا ) لِتَمْيِيزِ ( كُلِّ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى ) وَإِنْ أَطْلَقَهُمَا ( أَوْ إحْدَاهُمَا فَمِائَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ ( فَلَوْ أَوْصَى ) لَهُ ( بِمِائَةٍ ثُمَّ بِخَمْسِينَ فَخَمْسُونَ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ تَقْلِيلَ حَقِّهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِخَمْسِينَ ثُمَّ بِمِائَةٍ فَمِائَةٌ ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ فَلَوْ وَجَدْنَا الْوَصِيَّتَيْنِ وَلَمْ نَعْلَمْ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْهُمَا لَمْ نَدْفَعْ إلَّا الْمُتَيَقَّنَ وَهُوَ خَمْسُونَ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الْوَصِيَّةِ بِهَا وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِعَمْرٍو بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا أُعْطِيَ نِصْفَ مَا بِيَدِهِمَا .
( قَوْلُهُ ثُمَّ بِمِائَةٍ أُخْرَى مُعَيَّنَةٍ ) أَوْ بِمِائَةٍ صِحَاحٍ ثُمَّ بِمِائَةٍ مُكَسَّرَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَالَفَ فِي السِّكَّتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِيصَاءِ ) الْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ : إثْبَاتُ تَصَرُّفٍ مُضَافٍ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ يُقَالُ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَأَوْصَيْتُ إلَيْهِ وَوَصَّيْتُهُ إذَا جَعَلْتُهُ وَصِيًّا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا : أَوْصَيْتُهُ وَقَدْ أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ فَكَتَبَ وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( وَيَنْبَغِي ) أَيْ يُنْدَبُ ( الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الْحُقُوقِ ) مِنْ دُيُونٍ وَوَدَائِع وَعَوَارٍ وَغَيْرِهَا ( وَ ) فِي ( تَنْفِيذِ الْوَصَايَا ) إنْ كَانَتْ ( وَأَمْرِ الْأَطْفَالِ ) وَنَحْوِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَاسْتِبَاقًا لِلْخَيْرَاتِ ، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ الْوَصِيَّةُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَدٌّ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ إلَى ثِقَةٍ كَافٍ وَجِيهٍ إذَا وَجَدَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْوَصِيَّةَ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِهِ خَائِنٌ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الظَّلَمَةِ ؛ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ وَلَدِهِ عَنْ الضَّيَاعِ قَالَ : وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى الْحَمْلِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ .
وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ الْإِيصَاءِ ( وَيَجِبُ ) الْإِيصَاءُ ( فِي رَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ عَجَزَ عَنْهَا فِي الْحَالِ ) وَلَمْ يَكُنْ بِهَا شُهُودٌ كَمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَجُمْلَةً عَجَزَ عَنْهَا فِي الْحَالِ صِفَةً لَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ بِجَعْلٍ أَلْ فِي الْمَظَالِمِ لِلْجِنْسِ ( فَإِنْ لَمْ يُوصِ ) أَيْ الْمَيِّتُ أَحَدًا بِهَا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ ( فَأَمْرُهَا إلَى الْقَاضِي ) فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَقُومُ بِهَا .
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِيصَاءِ ) ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ الْوَصِيَّةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ يَجِبُ الْإِيصَاءُ عَلَى الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ إذَا عَلِمَ اسْتِيلَاءَ الْخَوَنَةِ مِنْ أُمَنَاءِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَمْوَالِ ر ( قَوْلُهُ قَالَ : وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى الْحَمْلِ إلَخْ ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَتَجُوزُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ ، وَهَلْ يُفْرَدُ هَذَا مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَنْقُلُهَا إلَى الْوَصِيِّ ؟ لَكِنْ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ ر وَقَوْلُهُ فَيَجُوزُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ أَيْ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْإِيصَاءِ .
( وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ ) وَصِيٌّ وَمُوصٍ وَمُوصًى فِيهِ وَصِيغَةٌ .
( الْأَوَّلُ الْوَصِيُّ : وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَالَ مَوْتِ الْمُوصِي حُرًّا مُكَلَّفًا كَافِيًا ) فِي التَّصَرُّفِ الْمُوصَى بِهِ ( تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ وَلَوْ أَعْمَى ) وَيُوَكَّلُ الْأَعْمَى فِيمَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَال ابْنِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَصِيًّا لِغَيْرِهِ كَالْمَجْنُونِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فَرَاغًا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَلَا إلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ فِي الْإِيصَاءِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَمَعْنَى الْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْتَمِدُ تَفْوِيضًا مِنْ الْغَيْرِ وَمَعْنَى الْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ لِلْعَاجِزِ ، وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَا إلَى غَيْرِ كَافٍ فِيمَا ذُكِرَ لَسَفَهٍ أَوْ هَرِمٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمُنَافَاتِهِ الْمَقْصُودَ وَلَا إلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِكُفْرٍ عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ فِسْقٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِلتُّهْمَةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْإِيصَاءُ إلَى الْفَاسِقِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَمْ تَصِحَّ وَقَوْلُهُ تُقْبَلُ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْلُ قَيْدًا لِمَا قَبْلَهُ بَلْ ذَكَرَ بَدَلَهُ الْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ أَيْ الظَّاهِرَةُ وَعَدَمُ الْعَدَاوَةِ لِلطِّفْلِ - ثُمَّ ذَكَر أَنَّ جَمَاعَةً حَصَرُوا الشُّرُوطَ كُلَّهَا فِيمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْقُوضٌ بِالْكَافِرِ ، وَاعْتُبِرَتْ شُرُوطُ الْوَصِيِّ حَالَ الْمَوْتِ لَا حَالَ الْإِيصَاءِ وَلَا حَالَ الْقَبُولِ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ إنَّمَا تَدْخُلُ بِالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَسَلُّطِهِ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ وَكَالشَّاهِدِ تُعْتَبَرُ صِفَاتُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ
الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ الْجَدِّ فِي حَيَاةِ الْجَدِّ وَهُوَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ زَالَتْ وِلَايَتُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ مَاتَ أَوْ فَسَقَ أَوْ جُنَّ صَحَّ ( فَلَوْ أَوْصَى إلَى مُسْتَوْلَدَتِهِ وَمُدَبَّرِهِ جَازَ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الشُّرُوطِ بِحَالِ الْمَوْتِ .
( تَنْبِيهٌ ) وَفِي قَبُولِ الْإِيصَاءِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي قَبُولِ الْوَدِيعَةِ .
( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي فَرَاغًا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُفْهَمُ مَنْعُ الْإِيصَاءِ لِمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ مُدَّةً لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّصَرُّفُ بِالْوِصَايَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأَخْرَسَ وَإِنْ كَانَتْ إشَارَتُهُ مُفْهِمَةً وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ لِلْأَجِيرِ الْمَذْكُورِ وَيُوَكِّلُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِثِقَةِ يَتَصَرَّفُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَالْعَدَالَةُ ) أَيْ الظَّاهِرَةُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : بَقِيَ مَا لَوْ كَانَ عَدْلًا ظَاهِرًا فَاسِقًا بَاطِنًا هَلْ يَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَالتَّصَرُّفِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِيهَا وَالْقِيَامُ بِحَقِّهَا ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِي الْمَالِ حَافِظًا لَهُ وَلَكِنَّهُ فَاسِقٌ فِي دِينِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ بَاطِنًا ، وَقَدْ يَجُرُّهُ الْفِسْقُ فِي دِينِهِ إلَى الْفِسْقِ بِالْخِيَانَةِ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ اُسْتُهْلِكَ الْمَالُ فَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ ( قَوْلُهُ : وَعَدَمُ الْعَدَاوَةِ لِلطِّفْلِ ) اشْتِرَاطُ عَدِمَ الْعَدَاوَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ سَفِيهًا ظَاهِرٌ أَمَّا الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ فَفِي تَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ عَدَاوَةُ الْمُوصِي كَمَا يُقَالُ الْعَدَاوَةُ مَعَ الْآبَاءِ عَدَاوَةٌ مَعَ الْأَبْنَاءِ قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ جَمَاعَةً حَصَرُوا الشُّرُوطَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ يَرُدُّ عَلَيْهِ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا : الْأَخْرَسُ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا الثَّانِيَةُ : لِوَصِيِّ إذَا ادَّعَى دِينًا فِي التَّرِكَةِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إثْبَاتِهِ تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ يَدِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا أَنْ يُبَرَّأَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ .
ا هـ .
(
قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ ) قَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَسْأَلَةِ الْمَوْتِ وَلَوْ تَأَهَّلَ الْجَدُّ بَعْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ الْمُوصِي انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْوَصِيِّ .
( وَيَصِحُّ ) الْإِيصَاءُ ( مِنْ الذِّمِّيِّ إلَى ذِمِّيٍّ ) عَدْلٍ فِي دِينِهِ عَلَى ذِمِّيٍّ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِأَوْلَادِهِ ( وَإِلِي مُسْلِمٍ ) كَمَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَلِي تَزْوِيجَ الذِّمِّيَّاتِ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ إلَى ذِمِّيٍّ إذْ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلِتُهْمَتِهِ قَالَ تَعَالَى : { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ } وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْعَدَاوَةِ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْوَصِيِّ الذِّمِّيِّ مِنْ مِلَّةِ الْمُوصَى عَلَيْهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ وَصِيَّةُ النَّصْرَانِيِّ إلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمَجُوسِيِّ وَبِالْعَكْسِ لِلْعَدَاوَةِ ، وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا جَازَتْ وَصِيَّةُ ذِمِّيٍّ إلَى مُسْلِمٍ ، وَقَدْ يُرَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ إلَى مُسْلِمِ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ إيصَائِهِ إلَى الذِّمِّيِّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَلْزَمُ النَّظَرَ بِالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّفْوِيضِ إلَى الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمِ وَلَدٌ بَالِغٌ سَفِيهٌ ذِمِّيٌّ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ عَلَيْهِ ذِمِّيًّا وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ الْمُعَاهِدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ .
( قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ) جَزَمَ الدَّمِيرِيِّ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالتَّفْوِيضُ إلَى الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إلَخْ ) وَأَيْضًا فَإِعْرَاضُ الْمُوصِي عَنْ أَهْلِ دِينِهِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ فَكَيْفَ يَأْتَمِنُهُمْ وَصِيُّهُ الْمُسْلِمُ فَالْوَجْهُ مَنْعُهُ .
وَقَوْلُهُ فَالْوَجْهُ مَنْعُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ وَلَدٌ بَالِغٌ سَفِيهٌ ذِمِّيٌّ إلَخْ ) مَا تَفَقَّهَهُ مَرْدُودٌ
( فَرْعٌ ) سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أَمْوَالِ أَيْتَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَشْفُ عَلَيْهِمْ فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَبِمَا تَقَرَّرْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ الذُّكُورَةُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إلَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَ ) عَلَيْهِ ( لَوْ صَلُحَتْ الْأُمُّ ) لِلْوَصَايَا ( فَهِيَ أَوْلَى ) مِنْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ .
.
( فَرْعٌ لَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ ) وَصِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بِتَعَدٍّ فِي الْمَالِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ ( انْعَزَلَ وَكَذَا الْقَاضِي ) لِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ الْقَاضِي أَعَادَهَا فِي الْأَقْضِيَةُ ( لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ ) فَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِحُدُوثِ الْفِتَنِ وَاضْطِرَابِ الْأَحْوَالِ بِانْعِزَالِهِ وَلِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِوِلَايَتِهِ ( لَكِنْ يُسْتَبْدَلُ بِهِ ) غَيْرُهُ ( إنْ أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ وَيَجُوزُ نَصْبُ الْفَاسِقِ ) ابْتِدَاءً ( لِلضَّرُورَةِ وَبِالتَّوْبَةِ ) مِنْ الْفِسْقِ ( تَعُودُ وِلَايَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا ) وِلَايَةُ ( غَيْرِهِمَا ) لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا شَرْعِيَّةٌ وَوِلَايَةُ غَيْرِهِمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ لَمْ تَعُدْ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ .
( قَوْلُهُ فَرْعٌ لَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ ) أَوْ جُنَّ أَوْ غُمِّيَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا شَرْعِيَّةٌ إلَخْ ) وَفَرَّقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِأَنَّ فِسْقَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مَانِعٌ وَفِسْقُ غَيْرِهِمَا قَاطَعٌ ( قَوْلُهُ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ لَمْ تَعُدْ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ ) نَعَمْ إذَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ إذَا زَالَ مَا يَمْنَعُهُ صَارَ وَلِيًّا فَيُشْبِهُ الْعُودَ ر .
( وَإِنْ لَزِمَ الْوَصِيُّ ضَمَانَ الْمَالِ ) لِلْمُوصَى عَلَيْهِ كَأَنْ أَتْلَفَهُ ( لَمْ يَبْرَأْ ) مِنْهُ ( إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْقَاضِي ) ثُمَّ يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَيْهِ إنْ وَلَّاهُ ( بِخِلَافِ الْأَبِ ) إذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْقَاضِي ( فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ ) .
( فَرْعٌ تَصَرُّفُ الْوَلِيُّ الْمَعْزُولُ ) يَعْنِي الْمُنْعَزِلُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ ( بَاطِلٌ ) كَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ ( فَإِنْ أَدَّى ) وَهُوَ مُنْعَزِلٌ ( حَقًّا لِصَاحِبِهِ ) كَمَغْصُوبٍ وَعَوَارٍ ( أَوْ قَضَى دَيْنًا مِنْ جِنْسِهِ ) إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ ( لَمْ يَنْقَضِ ) لِأَنَّ أَخْذَ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ كَافٍ .
( فَرْعٌ لَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَى ) وَلِيٍّ ( غَيْرِ الْأَصْلِ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ) انْعَزَلَ وَ ( لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ بِالْإِفَاقَةِ ) مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْأَصْلِ تَعُودُ وِلَايَتُهُ وَإِنْ انْعَزَلَ ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِلَا تَفْوِيضٍ وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ ( فَإِنْ أَفَاقَ الْإِمَامُ وَقَدْ وَلِيَ آخَرُ ) بَدَلَهُ ( نَفَذَ ) تَوَلَّيْتُهُ ( إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ) وَإِلَّا فَلَا فَيُوَلِّي الْأَوَّلَ ( وَإِنْ ضَعُفَ مَنْصُوبُ الْقَاضِي ) عَنْ الْكِفَايَةِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ( عَزَلَهُ ) لِأَنَّهُ الَّذِي وَلَّاهُ ( أَوْ ) ضَعُفَ ( الْوَصِيُّ ) عَنْ ذَلِكَ ( ضَمَّ إلَيْهِ مَنْ يُعِينُهُ ) عَلَى التَّصَرُّفِ وَلَا يَعْزِلُهُ .
قَالَ الرَّافِعِي : وَمَنْصُوبُ الْأَبِ يُحْفَظُ مَا أَمْكَنَ .
( الرُّكْنُ الثَّانِي الْمُوصِي : وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ فَإِنْ أَوْصَى بِأَطْفَالٍ وَمَجَانِينَ ) أَيْ عَلَيْهِمْ ( فَلْيَكُنْ مَعَ ذَلِكَ وَلِيَا ) عَلَيْهِمْ بِالشَّرْعِ لَا بِالتَّفْوِيضِ ( كَأَبٍ أَوْ جَدٍّ ) أَيْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا وَكَالْأَطْفَالِ السُّفَهَاءِ الَّذِينَ بَلَغُوا كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ وَلَوْ أُمًّا وَأَخًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَهُمْ فَكَيْفَ يُنِيبُ فِيهِ .
( وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ أَنْ يُوصِيَ ) غَيْرَهُ ( بِلَا إذْنٍ ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالتَّفْوِيضِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيصَاءِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْوَصِيِّ مُطْلَقًا صَحَّ لَكِنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ إنَّمَا يُوصِي عَنْ - الْمُوصِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغ وَغَيْرِهِمَا ( فَإِذَا قَالَ لَهُ أَوْصِ بِتَرِكَتِي مَنْ شِئْت ) أَوْ فُلَانًا كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى فَأَوْصَى بِهَا ( صَحَّ ) لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْوِصَايَةِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ نَظَرَهُ لِلْأَطْفَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ يُتَّبَعُ بِدَلِيلِ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ أَمْنَهُ وَفِي نَظَائِرِهِ ( وَلَوْ لَمْ يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ ) بِأَنْ قَالَ : أَوْصِ مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى شَخْصًا ( لَمْ يَصِحُّ ) الْإِيصَاءُ .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ أَنْ يُوصِيَ ) شَمِلَ الْأَبَ وَالْجَدَّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِيصَاءِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْوَصِيِّ أَوْ مُطْلَقًا ) كَأَنْ قَالَ : أَوْصِ بِتَرِكَتِي عَنِّي أَوْ عَنْ نَفْسِكَ أَوْ أُوصِ بِتَرِكَتِي قَوْلُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إلَخْ ) وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيّ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ لَا يُوصِي أَصْلًا إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يُوصِيَ عَنْهُ س لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا فَهِمَهُ كَابْنِ الْمُقْرِي مِنْ كَلَامِهِمَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَصِحُّ الْإِيصَاءُ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ : لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ حَتَّى يَقُولَ أَوْصِ عَنِّي عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَوْصَى عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرهُ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ .
ا هـ .
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالْعَزِيزِ لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ أَوْصِ إلَى مَنْ شِئْتَ أَوْ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ فَهَلْ يَحْمِلُ عَلَى الْوِصَايَةِ عَنْهُ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ أَوْ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُوصِي عَنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَقَالَ : الْأَصَحُّ الثَّانِي انْتَهَتْ .
وَقَدْ فَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِمَا وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يُضِفْ الْإِيصَاءَ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ عَنِّي فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ كَلَامِ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَعْنَاهَا لَوْ أَطْلَقَ الْإِيصَاءَ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِضَافَةِ الْمُوصَى فِيهِ إلَى نَفْسِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَوْصِ بِتَرِكَتِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْإِيصَاءَ بِقَوْلِهِ عَنِّي قَالَ فِي الْعَزِيزِ قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ أُوصِ بِتَرِكَتِي إلَى مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى بِهَا إلَى رَجُلٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ فِي صِحَّةِ الْوِصَايَةِ قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ
: وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيّ الصِّحَّةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ ثُمَّ قَالَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَحَمَلَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ : لَوْ أَوْصَى الْوَصِيُّ فِي أَمَرَ نَفْسِهِ كَانَ وَصِيُّهُ وَصِيًّا لِلْمُوصِي فَقَالَ : لَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لِتَرِكَةِ الْمُوصِي وَأَمْرَ أَطْفَالَهُ .
هَذَا كَلَامُ الْعَزِيزِ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ : وَلَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَذِنَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ عَنْ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ عَنْ الْمُوصِي فَيَصِحُّ قَطْعًا حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ .
( وَلَوْ قَالَ ) لِوَصِيِّهِ ( أَوْصَيْتُ إلَى مَنْ أَوْصَيْتُ إلَيْهِ إنْ مِتَّ أَنْت ) أَوْ إذَا مِتَّ أَنْت فَوَصِيَّتُكَ وَصِيَّتِي ( لَمْ يَصِحُّ ) لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ مَجْهُولٌ ( وَالْمَنْصُوبُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ يُطَالِبُ الْوَرَثَةَ بِقَضَائِهِ أَوْ تَسْلِيمِ التَّرِكَةِ ) لِتُبَاعَ فِي الدَّيْنِ تَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْمُوصِي ، وَكَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءُ الْوَصَايَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ عَيَّنَ ) الْمُوصِي ( لِغَرِيمِهِ عَبْدًا ) عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ ( تَعَيَّنَ ) لَهُ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهُ ؛ لِأَنَّ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَغْرَاضًا ( وَكَذَا لَوْ أَمَرَ بِبَيْعِهِ لَهُ ) أَيْ غَرِيمُهُ أَيْ لِأَجَلِهِ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ فَيَتَعَيَّنُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَطْيَبُ وَأَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ .
( قَوْلَهُ بِأَنْ قَالَ بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ إلَخْ ) وَبِعْهُ وَأَخْرِجْ كَفَنِي مِنْ ثَمَنِهِ تَعَيَّنَ فَإِنْ اقْتَرَضَ ثَمَنَ الْكَفَنِ وَاشْتَرَاهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ لِوَفَاءِ الْقَرْضِ بَلْ يُوفِيهِ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ اشْتَرَى كَفَنًا وَنَوَاهُ لِلْمَيِّتِ فَلَهُ الْبَيْعُ لِلْوَفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَيِّتَ فَلَا كَالِاقْتِرَاضِ وَلَوْ قَالَ اجْعَلْ كَفَنِي مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَهُ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهَا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَيَقْضِي مِنْهَا وَلَوْ أَوْصَى بِتَجْهِيزِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَالًا فَأَرَادَ الْوَارِثُ بَذْلَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ الْوَصِيُّ فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ بَعْضِ التَّرِكَةِ لِذَلِكَ وَأَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَتَعَاطَاهُ فَأَيُّهُمَا أَحَقُّ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْوَارِثَ أَحَقُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَهُوَ رَشِيدٌ وَلَوْ قَالَ تَقَاضَوْا دَيْنِي وَكَانَ وَارِثُهُ غَائِبًا أَقَامَ الْقَاضِي مَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيَحْفَظُهُ لِلْوَارِثِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَهَلْ يُمْنَعُ الْقَاضِي مِنْهُ أَوْ يَلْزَمُهُ إذَا طَالَتْ الْغَيْبَةُ وَخِيفَ الضَّيَاعُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ
( فَإِنْ لَمْ يُوصِ ) الْأَبُ أَحَدًا ( فَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْحَاكِمِ ) بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَمْرُ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمَا ( إلَّا فِي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا ) فَالْحَاكِمُ أَوْلَى وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَصْلُ ذَلِكَ قَالَ : كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ الْجَدُّ أَوْلَى بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَهُمْ مِنْهُمْ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي يَسْتَمِدُّ مِنْهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ دُونَ الْجَدِّ .
.
( وَلِلْأَبِ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ الْجَدِّ ) فِي حَيَاتِهِ وَهُوَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ وَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ ( إلَّا فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ ) أَوْ نَحْوِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ شَرْعِيٌّ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُ الْوِلَايَةِ عَنْهُ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ كَانَ الْجَدُّ غَائِبًا وَأَرَادَ الْأَبُ الْإِيصَاءَ بِالتَّصَرُّفِ عَلَيْهِمْ إلَى حُضُورِهِ فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْبُلُوغِ الْجَوَازُ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ عَلَّقَ الْأَبُ الْوِصَايَةَ بِمَوْتِ الْجَدِّ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا فَلَوْ أَوْصَى الْجَدُّ أَيْضًا قُدِّمَ وَصِيُّ الْأَبِ
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْمُوصَى فِيهِ وَهُوَ التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمُبَاحَةُ كَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ وَلَوْ أَعْيَانًا ) كَغُصُوبٍ وَوَدَائِعَ ( وَأُمُورُ الْأَطْفَالِ ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَمْوَالِهِمْ ( لَا تَزْوِيجُهُمْ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ فَيَتَوَلَّاهُ مِنْ يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُ وَهُوَ الْإِمَامُ وَلِأَنَّهُمْ إنْ كَانُوا بَالِغِينَ لَمْ يَجُزْ الْإِيصَاءُ فِي حَقِّهِمْ أَوْ صِغَارًا فَغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يُزَوِّجُهُمْ وَلَا تَزْوِيجُ أَرِقَّائِهِمْ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ تَزْوِيجِهِمْ تَبَعٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى تَزْوِيجِ مَالِكِيهِمْ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَتْبُوعُ فَالتَّابِعُ أَوْلَى .
( وَلَا ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ( فِي مَعْصِيَةِ ) كَعِمَارَةِ بَيْعِ التَّعَبُّدِ وَكَنَائِسِهِ لِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ وَفِي نُسْخَةٍ فِي بَعْدِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَهُوَ يُنَاسِبُهَا مَا هُنَا لَكِنْ الْأُولَى أَوْلَى وَأَوْفَقُ بِكَلَامِ الْأَصْلِ .
( الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ ( كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ أَوْ فَوَّضْتُ ) إلَيْكَ ( أَوْ أَقَمْتُكَ مَقَامِي وَفِي الِاكْتِفَاءِ ) مِنْ الْوَصِيِّ ( بِالْعَمَلِ قَبُولًا ) أَيْ عَنْ قَبُولِهِ ( مَا ) مَرَّ ( فِي الْوَكَالَةِ ) فَيُكْتَفَى بِهِ ( وَهَلْ ) قَوْلُهُ ( وَلَّيْتُكَ ) كَذَا ( بَعْدَ مَوْتِي كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ ) أَيْ هَلْ تَنْعَقِدُ الْوِصَايَةُ بِلَفْظِ الْوِلَايَةِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الِانْعِقَادَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ ( وَلَوْ رَدَّ ) الْوِصَايَةَ ( أَوْ قَبِلَ ) هَا ( قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُؤْثِرْ ) كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَلَوْ قَبِلَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ أَوْ رَدَّ فِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ لَغَتْ ( وَتَصِحُّ مُؤَقَّتَةً وَمُعَلَّقَةً كَأَوْصَيْتُ إلَيْكَ ) إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ تَمُوتَ أَنْت ( فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ مِتَّ فَهُوَ الْوَصِيُّ ) ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارِ وَكَذَا التَّأْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ وَلِأَنَّ الْإِيصَاءَ كَالْإِمَارَةِ وَقَدْ { أَمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَقَالَ إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمِثَالُ الْمَذْكُورُ فِيهِ التَّأْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : فَلَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ فَهَلْ تَبْقَى وِلَايَةُ الْوَصِيِّ وَيَكُونُ الْمُرَادُ إنْ قَدِمَ أَهْلًا لِذَلِكَ أَوْ لَا وَتَكُونُ وِلَايَتُهُ مُغَيَّاةً بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ الثَّانِي قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِالْوَصِيَّةِ إلَى غَيْرِ الْمُتَأَهِّلَ لَهَا وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَالْقَبُولُ ) وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ يَكُونُ هُنَاكَ مَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَوْ يَعْرِضُهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا وَفِي قَبُولِ الْإِيصَاءِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي قَبُولِ الْوَدِيعَةِ ( قَوْلُهُ وَجْهَانِ ) وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِيهَا أَوْ كِنَايَةٌ ( قَوْلُهُ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الِانْعِقَادَ ) فَهُوَ صَرِيحٌ وَقَالَ أَبُو شُكَيْلٍ : لَعَلَّ أَصَحَّهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ ) أَوْ يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ أَوْ يَبْلُغَ ( قَوْلُهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ إنْ قَدِمَ أَهْلًا لِذَلِكَ ) وَهُوَ الْأَقْرَبُ ع ( قَوْلُهُ أَوْ لَا وَتَكُونُ وِلَايَتُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مُغَيَّاةٌ بِذَلِكَ ) لَوْ مَاتَ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَوْ بُلُوغِهِ اسْتَمَرَّتْ وِصَايَةُ الْوَصِيِّ وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ إلَى وَلَدِي إذَا بَلَغَا أَوْ إلَى زَيْدٍ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ الْمَجْنُونِ فَفِي صِحَّةِ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ عَاقِلًا عِنْدَ مَوْتَ أَبِيهِ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ
( فَرْعٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْصَيْتُ إلَيْك ) أَوْ أَقَمْتُكَ مَقَامِي ( فِي أَمْرِ أَطْفَالِي ) وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ ( فَلَهُ التَّصَرُّفُ ) فِي الْمَالِ ( وَالْحِفْظِ ) لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ ( أَوْ ) اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ ( أَوْصَيْتُ إلَيْكَ ) أَوْ أَقَمْتُكَ مَقَامِي ( فَبَاطِلَةٌ ) لِعَدَمِ بَيَانِ مَا بِهِ الْإِيصَاءُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ ( وَتَصِحُّ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ مِنْ الْعَاجِزِ عَنْ النُّطْقِ ) كَالْأَخْرَسِ دُونَ الْقَادِرِ عَلَيْهِ .
( فَرْعٌ : الْوَصِيُّ فِي أَمْرٍ لَا يَتَعَدَّاهُ ) عَمَلَا بِالْإِذْنِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ أَمِينٌ فَلَا تَثْبُتُ أَمَانَتُهُ فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمَنِ فِيهِ كَالْمُودَعِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ ) وَلَمْ يَجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهِ أَوْ أَطْلَقَ كَأَنْ قَالَ : أَوْصَيْتُ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أَوْ إلَيْكُمَا ( لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا ) بِالتَّصَرُّفِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ وَاحْتِيَاطًا فِي الثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ بِأَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي ( إلَّا بِرَدِّ الْأَعْيَانِ لِمُسْتَحَقِّيهَا ) كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُوصَى بِهَا ( وَقَضَاءِ دَيْنٍ مِنْ جِنْسِهِ ) إنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ فِي ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ اسْتِقْلَالُ أَحَدِهِمَا وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ يَقَعُ مَوْقِعَهُ ( فَسَلَّمَ الرَّافِعِيُّ ) وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى عَادَتِهِ فَسَلِمَ الْأَصْلُ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَدْفُوعُ ( يَقَعُ الْمَوْقِعَ ) فَلَا يُنْقَضُ ( وَأَمَّا أَنَّهُ يُبَاحُ ) لَهُ ( ذَلِكَ فَلَمْ يَكَدْ يُسَلِّمُهُ ) فَإِنَّهُ قَالَ أَمَّا جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَيْسَ بِبَيِّنٍ فَإِنَّهُمَا إنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِالْوِصَايَةِ فَلْيَكُنْ بِحَسْبِهَا قَالَ وَفِي كَلَامِهِمْ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْتُهُ .
( فَإِنْ قَالَ أَوْصَيْتُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمَا أَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا وَصِيِّي أَوْ أَنْتُمَا أَوْصِيَائِي ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ وَصِيَّايَ ( فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ ( وَلَوْ ضَعُفَ أَحَدُهُمَا ) عَنْ التَّصَرُّفِ ( انْفَرَدَ الْآخَرُ ) بِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ ( وَلِلْإِمَامِ نَصْبُ مَنْ ) أَيْ شَخْصٍ ( يُعِينُ الْآخَرَ فَإِنْ تَعَيَّنَ اجْتِمَاعَهُمَا ) عَلَى التَّصَرُّفِ ( وَاسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا ) بِهِ ( لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَ ) عَلَى الْأَوْلَادِ أَوْ غَيْرِهِمْ ( وَعَلَى الْحَاكِمِ نَصْبُ آخَرَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ
جُنَّ ) أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ لِيَتَصَرَّفَ مَعَ الْمَوْجُودِ ( وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا ) فِي التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ اسْتِقْلَالَ مِنْ بَقِيَ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يَنْصِبُ بَدَلَهُ بَلْ يَسْتَقِلُّ بِهِ الثَّانِي كَمَا أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ فِيمَا لَوْ شَرَطَهُ أَوْ لَا ( وَلَوْ مَاتَا ) مَثَلًا ( جَمِيعًا لَزِمَهُ ) أَيْ الْحَاكِمُ ( نَصَبَ اثْنَيْنِ ) مَكَانَهُمَا وَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ اتِّبَاعًا لِرَأْيِ الْمُوصِي وَإِذَا تَعَيَّنَ اجْتِمَاعُ الِاثْنَيْنِ ( فَلَا يَصْدُرُ تَصْرِفٌ إلَّا بِرَأْيِهِمَا ) وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرَاهُ ( فَيُوَكِّلَانِ ) ثَالِثًا ( أَوْ يَأْذَنُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ) فِيهِ ( وَإِنْ جَعَلَ الْمَالِكُ أَحَدَهُمَا مُشْرِفًا ) عَلَى الْآخَرِ ( لَمْ يَتَصَرَّفْ الْآخَرُ إلَّا بِإِذْنِهِ ) قَالَ الْعَبَّادِيُّ : لَوْ قَالَ الْمُوصِي : اعْمَلْ بِرَأْيِ فُلَانٍ أَوْ بِعِلْمِهِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ جَازَ أَنْ يُخَالِفَهُ فَيَعْمَلَ بِدُونِ أَمْرِهِ فَإِنْ قَالَ لَهُ : لَا تَعْمَلْ إلَّا بِأَمْرِ فُلَانٍ أَوْ إلَّا بِعِلْمِهِ أَوْ إلَّا بِحَضْرَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ الِانْفِرَادُ ؛ لِأَنَّهُمَا وَصِيَّانِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا ) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَا وَاحِدًا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ عَامِلِينَ يَجْتَمِعَانِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَنَاطَ الْأَيْدِي بِالِاجْتِمَاعِ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْثَقُ وَالْآخَرُ أَحْذَقُ ( قَوْلُهُ وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَسَلَّمَ الرَّافِعِيُّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَازَعُ حَقِيقَةً إذْ هُوَ الْمُنْشِئُ لِذَلِكَ ( قَوْلُهُ قَالَ وَفِي كَلَامِهِمْ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْتُهُ ) الْأَشْبَهُ بِالْجَوَابِ عِنْدِي فِي هَذَا وَغَيْرِهِ أَنْ يَنْزِلَ مَنْعُ الْوَصِيِّ الِاسْتِقْلَالَ عَلَى مَا يَظْهَرُ بِالِاجْتِمَاعِ فِيهِ أَثَرٌ دُونَ مَا لَمْ يَظْهَرْ لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ أَثَرٌ فَيُقَالُ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ عَامًّا فَهُوَ مُقَيَّدٌ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَحَارِمِ عَلَى الْأَظْهَرِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَتَنْزِيلًا لِلَّفْظِ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَا سَتَعْرِفُهُ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاشْتِرَاكُ فِي حِفْظِ الْمَالِ فِي التَّصْرِيحِ بِعَدِمِ الِاسْتِقْلَالِ م مَا يُدْخِلُهُ الِاجْتِهَادُ فَلَيَسَ لِأَحَدِهِمَا التَّفَرُّدُ بِهِ وَمَا لَمْ يَدْخُلْهُ مِمَّا لِلْمُوصَى لَهُ تَنَاوَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَصِيِّ ؛ جَازَ لَهُ التَّفَرُّدُ بِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَجْهًا وَغَيْرُهُ جَعَلَهُ قَيْدًا لِلْإِطْلَاقِ ز ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ ) جَوَابُهُ أَنَّهَا فِي الْمَعْنَى كَالَّتِي قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ فِي تَثْنِيَةِ الصِّفَةِ إشْعَارًا بِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصِّفَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ ) أَيْ بِأَنْ رَدَّهَا ( قَوْلُهُ أَوْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ ) بِأَنْ رَدَّهَا قَوْلُهُ فَيُوَكِّلَانِ أَوْ يَأْذَنُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِيهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ وَصِيَّانِ كُلٌّ مِنْهُمَا
مُسْتَقِلٌّ بِنَصِّ الْمُوصِي فَلِكُلٍّ الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ اسْتِقْلَالَا هَكَذَا أَفْتَيْتُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَهُ نَصَّا .
ا هـ .
قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ فِي تَحْرِيرِهِ وَلِذَلِكَ أَفْتَيْتُ فِي وَصِيَّيْنِ عَلَى يَتِيمَيْنِ شُرِطَ عَلَيْهِمَا الِاجْتِمَاعُ عَلَى التَّصَرُّفِ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَقَارِ أَحَدِ الطِّفْلَيْنِ لِلطِّفْلِ الْآخَرِ بِشَرْطِ مُبَاشَرَةِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الْإِيجَابَ وَالْآخَرُ الْقَبُولَ فَإِنَّ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ رَأْيِهِمَا ا هـ .
وَمَا أَفْتَى بِهِ الْأَذْرَعِيُّ رَجَّحَهُ غَيْرُهُ وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِصْطَخْرِيِّ إذَا كَانَا وَصِيَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ قَالَ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ الْعِرَاقِيُّ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْعَبَّادِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَوْصَى إلَى زَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى إلَى عَمْرٍو لَمْ يَنْعَزِلْ زَيْدٌ إلَّا أَنْ قَالَ ) أَوْصَيْتُ إلَى عَمْرٍو ( فِيمَا أَوْصَيْتُ فِيهِ إلَى زَيْدٍ ) فَيَنْعَزِلُ زَيْدٌ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ ( ثُمَّ ) إذَا لَمْ يَنْعَزِلْ زَيْدٌ ( لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ كَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ وَنُقِلَ عَنْ الْبَغَوِيّ مُقَابِلُهُ وَضَعَّفَهُ لَكِنْ صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ ( إلَّا أَنْ انْفَرَدَ بِالْقَبُولِ ) فَيَسْتَقِلُّ بِهِ حِينَئِذٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ ( وَإِنْ قَالَ لِزَيْدٍ ضَمَمْتُ إلَيْكَ عُمْرَا أَوْ لِعَمْرٍو ضَمَمْتُكَ إلَى زَيْدٍ وَقَبْلًا اشْتَرَكَا ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ زَيْدٌ وَصِيٌّ وَعَمْرٌو مُشْرِفٌ عَلَيْهِ ( وَلَوْ قَبِلَ زَيْدٌ وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ ) بِالتَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْوِصَايَةِ إلَيْهِ ( قَالَ الرَّافِعِيُّ ) وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى عَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ ( وَفِيهِ نَظَرٌ ) لِأَنَّ ضَمَّ عَمْرٍو إلَيْهِ يَمْنَعُ اسْتِقْلَالَهُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ كَمَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَضْمُومِ يُشْعِرُ بِمِثْلِهِ فِي الْمَضْمُومِ إلَيْهِ فَلْيَصِرْ عَمْرٌو مُشْرِفًا عَلَى زَيْدٍ وَيَجُوزُ جَعْلُ قَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ رَاجِعًا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فُيُوفِي بِكَلَامِ الْأَصْلِ ( أَوْ ) قَبِلَ ( عَمْرٌو ) وَحْدَهُ ( فَلَا ) يَسْتَقِلَّ بِهِ ( بَلْ يَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ آخَرَ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّدْهُ بِالْوِصَايَةِ بَلْ ضَمَّهُ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الشَّرِكَة .
( قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ) لَوْ فَوَّضَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَغَابَ وَبَاعَ فِي غَيْبَتِهِ بَطَلَ أَوْ أَنَابَ الْغَائِبُ عَنْهُ أَوْ الْقَاضِي وَانْضَمَّ إلَى الْحَاضِرِ جَازَ التَّصَرُّفُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ اتَّفَقَ وَكِيلَانِ أَوْ وَصِيَّانِ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا مَثَلًا : هَذَا وَيَقُولُ الْآخَرُ حُرٌّ لَا أَسْتَحْضِرُ فِيهَا نَقْلًا قَالَهُ فِي الْكَوَاكِبِ الدُّرِّيَّةِ بَعْدَ إيرَادِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صُدُورُ الْكَلَامِ مِنْ نَاطِقٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ .
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ : كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصْطَلَحَيْنِ إنَّمَا اُقْتُصِرَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ اتِّكَالًا عَلَى نُطْقِ الْآخَرِ بِالْأُخْرَى فَمَعْنَاهَا مُسْتَحْضَرٌ فِي ذِهْنِهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصْطَلَحَيْنِ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامِ ، كَمَا يَكُونُ قَوْلُ الْقَائِلِ لِقَوْمٍ رَأَوْا شَبَحًا : زَيْدٌ أَيْ الْمَرْئِيُّ زَيْدٌ .
ا هـ .
وَقَالَ الْمُرَادِيُّ إنَّ صُدُورَ الْكَلَامِ مِنْ نَاطِقَيْنِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْإِسْنَادِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ وَكُلُّ وَاحِدِ مِنْ الْمُصْطَلَحَيْنِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ كَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ قَالَ شَيْخُنَا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيمَا تَقَدَّمَ نُطْقُ أَحَدِهِمَا بِهَذَا وَالْآخَرُ بِحُرٍّ أَوْ نَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ اصْطِلَاحُ النَّجَاةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَلَامٌ فَاصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ لَا يُلَازِمُ اصْطِلَاحَ النَّجَاةِ دَائِمًا كَاتِبُهُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَيْلَ زَيْدٌ وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ ) قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ وَالنَّظَرُ لَا يَدْفَعُهُ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ هُوَ الْوَصِيُّ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَقَامَ الْحَاكِمُ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَضْمُومَ الَّذِي هُوَ الْمُشْرِفُ اسْتَقَلَّ هُوَ وَكَأَنَّهُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ تَبَيَّنَ أَنْ ضَمَّهُ كُلًّا ضَمٌّ .
( فَرْعٌ ) أَوْصَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى زَيْدٍ أَوْ لِلَّهِ وَلِزَيْدِ أَوْ لِلَّهِ
ثُمَّ لِزَيْدٍ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْوِصَايَةَ إلَى زَيْدٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَذِكْرُ - اللَّهِ تَعَالَى - لِلتَّبَرُّكِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعَانُ فِي كُلِّ شَيْءٍ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ ) فِي التَّصَرُّفِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ أَنَا أَتَصَرَّفُ ( فَإِنْ كَانَا مُسْتَقِلَّيْنِ نَفَذَ تَصَرُّفُ السَّابِقِ ) مِنْهُمَا وَقِيلَ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ الْمُوصَى فِيهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَإِلَّا تَرَكَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَصَرَّفَا فِيهِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) كَانَا ( غَيْرَ مُسْتَقِلَّيْنِ أُلْزِمَا الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ ) الَّتِي رَآهَا الْحَاكِمُ ( وَإِنْ امْتَنَعَا ) مِنْ ذَلِكَ ( لَمْ يَنْعَزِلَا فَيُنَوَّبُ ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْمَعْرُوفُ فَيُنِيبُ مَنْ أَنَابَ ( الْحَاكِمُ عَنْهُمَا اثْنَيْنِ ) أَمِينَيْنِ ( أَوْ ) أَنَابَ ( وَاحِدًا ) أَمِينًا ( إنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا ) مِنْ ذَلِكَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِ مَنْ تَصْرِفُ ) الْوَصِيَّةُ ( إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ ) أَوْ غَيْرِهِمْ ( عَيَّنَ الْحَاكِمُ ) مَنْ يَرَاهُ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي الْحِفْظِ قَسَمَهُ ) الْحَاكِمُ ( بَيْنَهُمَا فَإِنْ تَنَازَعَا فِي ) النِّصْفِ ( الْمَقْسُومِ أَقْرَعَ ) بَيْنَهُمَا ( وَلَوْ لَمْ يَكُونَا مُسْتَقِلَّيْنِ ) بِالتَّصَرُّفِ ( وَيَتَصَرَّفَانِ مَعًا فِي الْكُلِّ ) بِأَنْ يَتَصَرَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ فِيمَا بِيَدِهِ وَيَدِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِمَا كَانَ النِّصْفُ بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَجَازَ أَنْ يُعَيِّنَ ذَلِكَ النِّصْفَ هَذَا إذَا انْقَسَمْ الْمُوصَى فِيهِ .
( فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ تَحْتَ يَدِهِمَا ) كَأَنْ يَجْعَلَاهُ فِي بَيْتٍ وَيُقْفِلَانِهِ ( وَإِنْ تَرَاضَيَا بِنَائِبٍ لَهُمَا ) فِي الْحِفْظِ ( فَذَاكَ ) وَاضِحٌ ( وَإِلَّا حُفِّظَهُ الْقَاضِي هَذَا ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ ( فِي وَصِيِّ التَّصَرُّفِ ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحِفْظِ إلَى وَقْتِ التَّصَرُّفِ ( أَمَّا وَصِيَّا الْحِفْظِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا ) بِحَالِ .
( فَصْلٌ : لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ ) عَنْ الْوَصِيَّةِ مَتَى شَاءَ ( وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ ) مَتَى شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ هَذَا ( إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ ) الْوَصِيَّةُ ( وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ ) مِنْ قَاضٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ ؟ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَمِلُ اللُّزُومَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ الظَّالِمِ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ انْتَهَى .
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا فِي الدَّفْعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُوصِي أَنَّ عَزْلَهُ لِوَصِيِّهِ مُضَيِّعٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ أَوْ الْأَمْوَالِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ أَوْ خُلُوِّ النَّاحِيَةِ عَنْ حَاكِمٍ أَمِينٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ .
( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إلَخْ ) يَأْتِي مِثْلُهُ فِي رُجُوعِ الْمُوصِي وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُقَارَضِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ ) وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا وَيُمْكِنْ تَصْوِيرُ كَوْنِهِ مُسْتَأْجِرًا بِمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْمُوصِي عَلَى عَمَلٍ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلِطِفْلِهِ بَعْد مَوْتِهِ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ عَزْلُهُ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَيَقْضِي ) الْوَصِيُّ ( دَيْنَ الصَّبِيِّ وَغُرْمَهُ ) الَّذِي لَزِمَهُ ( وَزَكَاتَهُ وَكَفَّارَةُ قَتْلِهِ ) نَعَمْ لَوْ كَانَ لَا يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ كَالْحَنَفِيِّ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَحْبِسَ زَكَاتَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُخْبِرَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ مَا عَدَا الدَّيْنِ مُغَايِرًا لَهُ وَالْأَصْلُ جَعْلُهُ دَاخِلًا فِيهِ حَيْثُ قَالَ وَيَقْضِي الدُّيُونَ الَّتِي عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الْغَرَامَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ ( وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُمَوِّنُهُ بِالْمَعْرُوفِ ) وَهُوَ تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ فَإِنْ أَسْرَفَ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ ( وَيَشْتَرِي لَهُ خَادِمًا إنْ لَاقَ ) بِهِ ( وَاحْتَاجَ ) إلَيْهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ زِيدَ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ .
( قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ مَا عَدَّا الدَّيْنِ مُغَايِرًا لَهُ ) هُوَ فِي كَلَامِهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ .
( فَرْعٌ : يَقْبَلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ ) بِيَمِينِهِ إذَا نَازَعَهُ الْوَلَدُ بَعْدَ كَمَالِهِ ( فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالْإِنْفَاقِ ) عَلَيْهِ وَعَلَى مُمَوِّنِهِ ( وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ ) فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ ادَّعَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَخِيرَيْنِ ( لَا إنْ عَيَّنَ ) قَدْرَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ ( وَكَذَّبَهُ الْحِسُّ ) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلَدِ فِي الزَّائِدِ ( وَلَا يُقْبَلُ ) قَوْلُ الْوَصِيِّ ( فِي تَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ ) كَأَنْ قَالَ مَاتْ مِنْ سِتِّ سِنِينَ ، وَقَالَ الْوَلَدُ مِنْ خَمْسٍ وَاتَّفَقَا عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ يَوْمِ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَوْتِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلِسُهُولَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَوْتِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَازَعَ الْوَلَدُ الْوَالِدَ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَيِّمُ فِي أَوَّلِ مُدَّةِ مِلْكِهِ لِلْمَالِ الَّذِي أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ ( وَلَا فِي ) دَعْوَى ( رَدِّ الْمَالِ ) إلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } وَلَوْ قَبْلَ قَوْلِهِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى الْإِشْهَادِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ لِسُهُولَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
( وَ ) لَا فِي ( بَيْعِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا وَاسْتِمْرَارُ مِلْكِهِ وَتَقَدَّمَ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ كَالْوَصِيِّ فِيمَا ذُكِرَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إلَّا فِي دَعْوَى الْبَيْعِ لِمَا ذُكِرَ فَيَصْدُقَانِ بِيَمِينِهِمَا لِوُفُورِ شَفَقَتَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَيْضًا وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَقَالَ الْقَمُولِيُّ : إنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ مَرَّةً : إنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَفِي كَلَامِ الْجُرْجَانِيُّ إشَارَةٌ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى فِي فَتْوَى بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا قَالَهُ
فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْآنَ وَهُوَ الْحَقُّ أَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى وِلَايَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَصَرَّفَ كَانَ نَائِبَ الشَّرْعِ وَأَمِينَهُ مِثْلُهُ انْتَهَى فَعِنْدَهُ يَقْبَلُ قَوْلُهُمَا بِلَا يَمِينٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ بِدُونِهَا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ ( وَإِنْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ ( مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا اسْتَمَرَّتْ وِلَايَةُ الْوَصِيِّ ) كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إلَخْ ) أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ فَرَضَ الْحَاكِمُ لِطِفْلٍ قَدْرًا مَعْلُومًا لِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَأُذِنَ لِحَاضِنِهِ إمَّا أَبَاهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ قَيِّمُ الْحَاكِمُ فِي اسْتِدَانَةِ ذَلِكَ وَصَرْفِهِ عَلَيْهِ أَوْ فِي إنْفَاقِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَإِذَا حَضَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَطَلَبَ الرُّجُوعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ حَلَفَهُ الْحَاكِمُ وُجُوبًا عَلَى مَا ذَكَرهُ مِنْ مُوجِبِ اسْتِحْقَاقِهِ الرُّجُوعُ وَاسْتِحْقَاقُهُ فَإِنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الصَّغِيرِ .
ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ وَاضِحٌ ، وَقَوْلُهُ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : بَعْدَ كَمَالِهِ ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ دَعْوَاهُ بَعْدَ رُشْدِهِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ الْوَلَدُ بَعْدَ كَمَالِهِ مَا إذَا كَانَ نَقْصُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ ( قَوْلُهُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ ) ر أَشَارَ بِهِ إلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُودَعِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ إلَخْ ) وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمَالَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَخَالَفَ الْإِنْفَاقَ بِأَنَّهُ يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا هُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى حَالَةِ الْحَجْرِ بِخِلَافِ الرَّدِّ .
( قَوْلُهُ وَلَا فِي بَيْعِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ أَوْ تَرَكِهِ الشُّفْعَةُ مِنْ غَيْرِ غِبْطَةٍ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ فَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً فَبَلَغَ وَنَازَعَهَا فَمُقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِي قَبُولُ قَوْلِهَا لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا فَكَذَا مَنْ فِي مَعْنَاهَا كَآبَائِهَا ، وَيُسَجِّلُ الْحَاكِمُ بِقَوْلِ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمِ وَلَا يُسَجِّلُ بِقَوْلِ الْوَصِيِّ ا هـ .
وَالْأُمُّ غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ ، وَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعْدَ إيرَادِهِ لِذَلِكَ وَأَقُولُ وَسُقُوطُ وِلَايَتِهَا مِنْ غَيْرِ نَصْبِ اتِّهَامٍ مِنْ الشَّرْعِ فَلَا تَزِيدُ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ أَقُولُ تَقْدِيمُ
الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فِي الْحَضَانَةِ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ شَفَقَتِهَا عَلَى الْأَبِ وَلَعَلَّ سُقُوطَ وِلَايَتِهَا لِنَقْصِهَا بِالْأُنُوثَةِ كَالْقَضَاءِ لَا لِنُقْصَانِ شَفَقَتِهَا ( قَوْلُهُ : فَقَالَ الْقَمُولِيُّ إنَّهُ كَالْوَصِيِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْآنَ إلَخْ ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْعَزْلِ ، وَالتَّفْصِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ الْفُرُوقِ لِلْجُوَيْنِيِّ لَكِنْ فِي دَفْعِ الْمَالِ أ ب
( فَصْلٌ : يَدْفَعُ ) الْوَصِيُّ ( لِلْمُبَذِّرِ نَفَقَةَ يَوْمٍ ) بِيَوْمٍ ( أَوْ ) نَفَقَةَ ( أُسْبُوعٍ ) بِأُسْبُوعٍ ( عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَكْسُوهُ ) كِسْوَةَ مِثْلِهِ ( فَإِنْ كَانَ يُتْلِفُهَا هَدَّدَهُ ثُمَّ ) إنْ ارْتَدَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا ( قَصَرَهُ فِي الْبَيْتِ عَلَى إزَارٍ وَإِنْ خَرَجَ كَسَاهُ وَوَكَّلَ بِهِ ) مِنْ يُرَاقِبُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِزَارِ فِي الْبَيْتِ يَتَمَشَّى فِي وَقْتِ الْحَرِّ أَمَّا فِي وَقْتِ الْبَرْدِ فَبَعِيدٌ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ فَيَلْبِسُهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرَ الْبَرْدِ وَيُرَاقَبُ فِي الْبَيْتِ كَمَا يُرَاقَبُ حَالَ خُرُوجِهِ .
قَوْلُهُ : فَيَلْبَسُهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرَ الْبَرْدِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ وَلَا يُزَوِّجُ الْوَصِيُّ الطِّفْلَ وَإِنْ أُوصِيَ ) لَهُ ( بِذَلِكَ ) لِمَا مَرَّ ( وَلَا يُبَايِعُهُ ) بِأَنْ يَبِيعَ مَا لَهُ لِنَفْسِهِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى وَبِدُونِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَاب الْحَجْرِ ( وَلَا يَبِيعُ مَالَ صَبِيٍّ لِصَبِيٍّ يَلِيَهُمَا ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَقَدْ أَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْوَصِيِّ الْآخَرِ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا لَكِنْ أَطْلَقَ الْقَاضِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَبِيعَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ ( وَتَقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ لَا لَهُ بِمَالِ ) كَمَا فِي شَهَادَة الْوَلَدِ ( وَلَا ) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ ( بِمَالٍ وُصِّيَ إلَيْهِ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِنَفْسِهِ وِلَايَةً وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ لَا بِلَوْ لَكَانَ أَنْسَبَ بِقَوْلِ الْأَصْلِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمَالٍ وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا فِي تَفْرِقَةِ الثُّلُثِ فَقَطْ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَجُوزُ لِمَنْ هُوَ وَصِيٌّ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ أَنْ يَشْهَدَ بِغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُبَايِعُهُ ) لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ كَالْوَكِيلِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ .
قَالَ شَيْخُنَا : عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالْوَكِيلِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ الْمُسْتَقِلِّ فَلَعَلَّ الْمَنْعَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ .
( فَرْعٌ ) فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالُ يَتِيمٍ وَلَيْسَ هُوَ بِوَصِيٍّ وَخَافَ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ ضَيَاعَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي أَمْرِ الطِّفْلِ وَالتَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِالتِّجَارَةِ وَالْإِنْفَاقِ لِلضَّرُورَةِ ، وَقَوْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( مَسَائِلُ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَصْلٌ مَسَائِلُهُ ( مَنْثُورَةٌ لِلْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ الْمُعْتَادُ ) أَيْ أَنْ يُوَكَّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا وَجْهٌ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي النِّكَاحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ فِي التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْوِلَايَةِ كَالْأَبِ وَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا ( وَلَا يُخَالِطُ الطِّفْلَ بِالْمَالِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْإِرْفَاقِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ ( وَلَا يَسْتَقِلُّ بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَيْسَ لَهُ تُوَلِّي الطَّرَفَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ إفْرَازُ حَقٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ .
( وَلَوْ بَاعَ لَهُ ) شَيْئًا ( حَالًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ ) فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَالِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَقَدْ ذَكَرُهُ كَالرَّوْضَةِ فِي آخَرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الرَّهْنِ ( وَلَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ هَلْ يَبْطُلُ ) الْبَيْعُ أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الثَّانِي وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي جُنُونِ الْعَاقِدِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ ) لَا فِيمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُبَاشَرَةِ مِثْلِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَالْمَعْنَى أَمَّا النَّقْلُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : الضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مِنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَالْوَصِيِّ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِي الطِّفْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مِنْ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ وَعَنْ الْيَتِيمِ إنْ شَاءَ فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْهُ فِي الْوَكَالَةِ وَقَالَ فِي جَوَازِهِ عَنْ الطِّفْلِ نَظَرٌ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ مِنْ الْوَصِيِّ وَمِنْ الْمَنْقُولِ مَا ذَكَرهُ الْإِمَامُ وَالنَّوَوِيُّ وَأَصْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّيْنِ وَهُوَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى صِيغَةٍ لِعَقْدٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا فَيَعْقِدَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِإِذْنِهِمَا ، وَمِنْ الْمَنْقُولِ أَيْضًا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ : إنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ كَوِلَايَةِ الْأَبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : تَوَلِّي طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالْوِصَايَةِ وَالتَّزْوِيجِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْكِيلَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ مُطْلَقًا .
وَقَدْ صَرَّحَ بِمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ غَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ : إذَا وَكَّلَ الْوَصِيُّ الْمُطْلَقُ فِي حَيَاتِهِ وَكِيلًا صَالِحًا مَوْثُوقًا بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي اقْتِضَاءً ظَاهِرًا تَجْوِيزَ ذَلِكَ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْقِرَاضِ يُوَكِّلُ وَيَسْتَنِيبُ فِي تَفْصِيلِ تَصَرُّفَاتِهِ وَلَا يُنَصِّبُ مُقَارِضًا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْغَزَالِيُّ .
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ اسْتِقْلَالُهُ بِالتَّصَرُّفِ ( قَوْلُهُ : أَيْ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ ) لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ وَقَالَ شَيْخُنَا : الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الصَّحِيحُ عَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيْعِ
كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ جُنَّ غ .
( وَيُقَارِضُ بِمَالِهِ ) ثِقَةً ( وَلَوْ مُسَافِرٌ إنْ أَمِنَ ) الطَّرِيقَ ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَالْوَلِيُّ مَأْمُورٌ بِهَا وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ مُسَافِرًا ) أَيْ فِي الْبَرِّ .
( وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ إلَى اللَّهِ ) - تَعَالَى - ( وَإِلَى زَيْدٍ حُمِلَ ) ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ ( عَلَى التَّبَرُّكِ ) لِظُهُورِ الْمُرَادِ فَتَكُونُ الْوِصَايَةُ إلَى زَيْدٍ وَقِيلَ إلَى زَيْدِ وَالْحَاكِمِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ وَفَارِقُ نَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ حَيْثُ تَصِحُّ فِي النِّصْفِ لِزَيْدٍ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَالِ - لِلَّهِ تَعَالَى - وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَيَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فَإِذَا شَرَكَ بَيْنَهَا وَبَيْن جِهَةٍ أُخْرَى صَحَّ الْقَوْلُ بِالتَّنْصِيفِ وَأَمَّا الْوِصَايَةُ بِالْأَوْلَادِ إلَيْهِ - تَعَالَى - فَلَيْسَ لَهَا جِهَةٌ صَحِيحَةٌ فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ تَعَالَى وَالتَّبَرُّكِ بِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَلَوْ أَتَى بَدَلَ الْوَاوِ بِثُمَّ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْوِصَايَةَ لِزَيْدٍ قَطْعًا وَفِي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ - - إنْفَاذَ مَا كَانَ مِنْ وَصَايَاهُ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقُرَشِيِّ إلَى آخِرِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى زَيْدٍ إلَخْ ) سَيَأْتِي فِي أَرْكَانِ الطَّلَاقِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ فِي قَوْلِهِ : أَمْرُ زَوْجَتِي بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِكَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ قَبْلُ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَنَّهُ جَعَلَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ قَبْلُ وَاسْتَقَلَّ وَمُقْتَضَاهُ هُنَا وُجُوبُ اسْتِفْسَارِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ حَمَلُهُ عَلَى التَّبَرُّكِ لِظُهُورِ الْمُرَادِ حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى التَّصْحِيحِ .
( وَإِنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِرَجُلٍ ) لَمْ يَذْكُرْهُ ( وَقَالَ : قَدْ سَمَّيْتُهُ لِوَصِيِّ فَسَمَّاهُ ) وَصِيُّهُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ ( فَلِلْوَرَثَةِ تَكْذِيبُهُ فَلَوْ شَهِدَ لَهُ الْوَصِيُّ ) بِذَلِكَ ( وَحَلَفَ ) مَعَهُ ( اسْتَحَقَّ ) الْمُوصَى بِهِ بِشَرْطِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ سَمَّاهُ ) الْمُوصِي ( لِوَصِيَّيْنِ ) لَهُ ( أَعْطَى مَنْ عَيَّنَّاهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّعْيِينِ هَلْ تَبْطُلُ ) الْوَصِيَّةُ ( أَمْ يَحْلِفُ كُلٌّ ) مِنْ الْمُعَيَّنِينَ ( مَعَ شَاهِدِهِ قَوْلَانِ ) فَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا جَعَلَهَا لِوَاحِدٍ فَقِسْمَتُهَا بَيْنَهُمَا خِلَافُ قَوْلِهِ وَقَوْلُ الْوَصِيَّيْنِ وَقَوْلُ الْمُوصَى لَهُ قَالَ : وَقَضِيَّةُ مَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى تَرْجِيحُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ .
قَوْلُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ) هُوَ الْأَصَحُّ .
( وَإِنْ خَافَ الْوَصِيُّ عَلَى الْمَالِ ) مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ ( فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ) وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ هَذَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ ، وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي بَذْلِ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرَائِنَ عَلَيْهِ قَالَ : وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ : فَلَوْ نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِهَذَا الْغَرَضِ فَهَلْ يُصَدَّقُ ؟ يَنْظُرُ إنْ دَلَّتْ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالَهُ آنِفًا فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهُ غَالِبًا .
( قَوْلُهُ : فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ) قَالَ الْأَزْرَقُ : وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَعْيَانَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا أَدَّى عَدَمُ ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ الْمَنَافِعِ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلَهُ : قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ جَعَلَ الْمُوصِي لِلْوَصِيِّ أَوْ الْمُشْرِفُ عَلَيْهِ جُعْلًا فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ بِمُتَبَرِّعٍ بِالْعَمَلِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَالَ الْمُوصِي : فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلَا أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَلَا مَنْ يَخَافُ مِنْهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَإِنْ قَالَ لَهُ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِعَبْدِهِ وَلَهُ إعْطَاءُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ
( وَإِنْ قَالَ ) الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ ( بِعْ أَرْضِي ) الْفُلَانِيَّةِ ( وَأَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً مِنْ ثَمَنِهَا وَحَجَّ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَأَحُجَّ ( عَنِّي ) مِنْهُ فَبَاعَهَا ( وَزَّعَ ) الثَّمَنَ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَأُجْرَةِ الْحَجِّ ( فَإِنْ عَجَزَ ) الثَّمَنُ عَنْهُمَا ( وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةَ ( فِي وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( بِعَيْنِهِ نَفَذَهَا فِيهِ وَرَدَّ الْفَاضِلَ لِلْوَرَثَةِ ) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِعَشْرَةٍ وَكَانَ ثُلُثُهُ عَشْرَةً فَرَدَّ أَحَدُهُمَا دَفِعَتِ الْعَشَرَةُ إلَى الْآخَرِ ( أَوْ ) أَمْكَنَ تَنْفِيذُهَا فِي ( كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمَا ( عَلَى انْفِرَادِهِ كَأَنْ قَالَ أَحِجُّوا ) عَنِّي ( وَاعْتِقُوا ) عَنِّي ( عَبْدًا مِنْ ثُلُثِي ) وَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مِائَةٍ مَثَلًا ( وَلَمْ يَفِ ) الثُّلُثُ ( إلَّا بِأَحَدِهِمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا ) وَلَا يُوَزِّعُ إذْ لَوْ وَزَّعَ لَمْ يَحْصُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
.
( كِتَابُ الْوَدِيعَةِ ) .
تُقَالَ عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ يَدَعُ إذَا سَكَنَ ؛ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدُ الْمُودَعِ ، وَقِيلَ : مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ فِي دَعَةٍ أَيْ رَاحَةٍ ؛ لِأَنَّهَا فِي رَاحَةٍ الْمُودَعِ وَمُرَاعَاتِهِ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَقَوْلُهُ { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وَخَبَرُ { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً بَلْ ضَرُورَةً إلَيْهَا ( وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ لِمَمْلُوكٍ أَوْ مُخْتَصِّ ) .
( كِتَابُ الْوَدِيعَةِ ) .
( قَوْلُهُ : مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إلَخْ ) مَادَّةُ وَدَعْ تَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ اسْتَقَرَّ وَتَرَكَ وَتَرَفَّهَ وَالْكُلُّ مَوْجُودٌ هُنَا لِاسْتِقْرَارِهَا عِنْدَ الْمُودَع وَتَرْكِهَا عِنْدَهُ وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِهَا ( قَوْلُهُ : وَهِيَ تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيدَاعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ هُنَاكَ وَكَذَا يَمْتَنِعُ اسْتِيدَاعُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْكَافِرِ ر وَقَوْلُهُ : صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَقَبُولُهَا مُسْتَحَبٌّ لِلْأَمِينِ الْقَادِرِ عَلَى حِفْظِهَا ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْد عَدَمِ غَيْرِهِ ) كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ ( بِالْأُجْرَةِ ) فَالْوَاجِبُ أَصْلُ الْقَبُولِ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ بِلَا عِوَضٍ وَقَضَيْتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كَمَا يَأْخُذُ أُجْرَةَ الْحِرْزِ ، وَمَنَعَهُ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا فِي سَقْيِ اللُّبَا ( فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ) أَيْ ؟ يَقْبَلْ ( عَصَى ) لَتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ ( وَلَمْ يَضْمَنْ ) إنْ تَلِفَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا .
( أَوْ أُكْرِهَ ) عَلَى قَبُولِهَا ( فَفَعَلَ وَتَلِفَتْ بِلَا تَقْصِيرٍ ) مِنْهُ ( لَمْ يَضْمَنْ ) كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مُخْتَارًا وَأَوْلَى ( وَ ) قَبُولُهَا أَيْ أَخْذُهَا ( حَرَامٌ عَلَى الْعَاجِزِ ) عَنْ حِفْظِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُهَا لِلتَّلَفِ .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا إمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ - وَأَمَّا عَلَى الْمُودَعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمُ الْمَالِكُ بِعَجْزِهِ لَا يُبِيحُ لَهُ الْقَبُولَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِثْمِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ وَكِيلًا أَوْ وَلِيَّ يَتِيمِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطْعًا .
( وَفِيمَنْ لَا يَثِقُ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ ) فِيهَا ( وَجْهَانِ ) : أَحَدُهُمَا : يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا .
وَالثَّانِي : يُكْرَهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهَا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَبِالتَّحْرِيمِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالرُّويَانِيُّ ، وَالشَّاشِيُّ ،
وَالْبَغَوِيُّ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَهُوَ الْمُخْتَار .
قَالَ وَلِيَكُنْ مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا مِنْهُ جَزْمًا .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ وَ إلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ وَفِيهِ مَا مَرَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَصِحُّ إيدَاعُ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ فِيهِ ، أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَزِبْلٍ وَكَلْبٍ مُحْتَرَمٍ فَيَجُوزُ إيدَاعُهُ كَالْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَشَمِلَهُ قَوْلُ الْوَسِيطِ : الْوَدِيعَةُ كُلُّ مَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ الْحَافِظَةُ وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَالِ قَالَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَدِيعَةِ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ بِالتَّقْصِيرِ وَهَذَا لَا يُضْمَنُ إذَا تَلِفَ وَهَذَا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ كَالْمَالِ لَا يُرِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِتَلَفِهِ كَالْمَالِ بَلْ يُرِيدُ أَنَّهُ يَصِحُّ إيدَاعُهُ وَيَجِبُ رَدَّهُ مَا دَامَ بَاقِيًا كَمَا فِي الْمَالِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ لَا يُضْمَنُ .
( قَوْلُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ ) وَخَافَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ هَلَكَتْ ( قَوْلُهُ : كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ ) الْمُتَّجَهُ أَنْ قَبُولَهَا مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ كَقَبُولِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ عر وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي نَظِيرهِ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّي التَّوَاكُلُ إلَى ضَيَاعِهَا غ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَحَرَامٌ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ حِفْظِهَا ) يَشْمَلُ مَنْ وَثِقَ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا فَلَوْ أَخَذَهَا وَأَحْرَزَهَا فَهَلْ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَتَغْرِيرِهِ أَوْ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ كَغَيْرِهِ .
فِيهِ نَظَرٌ وَعَدَمُ الضَّمَانِ أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ) وَابْنُ يُونُسَ ( قَوْلُهُ : وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ ) لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهُ قَوْلُهُ وَالثَّانِي يُكْرَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ ) مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : يُشْتَرَطُ ) لِلْإِيدَاعِ ( الْإِيجَابُ ) الْمُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ لِلْإِيدَاعِ .
وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ : الْعَاقِدَانِ ، الْوَدِيعَةُ ، وَالصِّيغَةُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ صِيغَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الِاسْتِحْفَاظِ ( كَأَوْدَعْتُكَ ) هَذَا الْمَالَ ( وَاحْفَظْهُ وَنَحْوِهِ ) كَاسْتَحْفَظْتُكَ وَأَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ ( لِأَنَّهَا عَقْدٌ ) كَالْوَكَالَةِ لَا إذْنٌ مُجَرَّدٌ فِي الْحِفْظِ ( وَلَوْ عَلَّقَهَا ) كَأَنْ قَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُكَ هَذَا ( فَكَالْوَكَالَةِ ) فَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَسْقُطَ الْمُسَمَّى إنْ كَانْ وَيَرْجِعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيَصِحُّ الْحِفْظُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ ثَمَّ حِينَئِذٍ ، وَالْقِيَاسَ عَلَى الْوَكَالَةِ هُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ قَطْعِ الرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ ( وَ ) يَشْتَرِطُ ( الْقَبُولُ ) مِنْ الْوَدِيعِ ( وَلَوْ بِالْقَبْضِ ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ أَوْلَى لِبُعْدِهَا عَنْ مُشَابَهَةِ الْعُقُودِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : وَلَا تَفْتَقِرُ الْوَدِيعَةُ إلَى عِلْمِ الْوَدِيعِ بِمَا فِيهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا .
( فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ ) الْمَالِكُ ( لَهُ ) بَلْ وَضَعَ مَالَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أُرِيدُ أَنْ أُودِعَكَ أَمْ لَا ( أَوْ أَوْجَبَ ) لَهُ حِينَ وَضَعَهُ بَيْن يَدَيْهِ ( وَرَدَّ ) هُوَ ( ضَمِنَ بِالْقَبْضِ ) إنْ قَبَضَ إلَّا إنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ فَقَبَضَهُ حِسْبَةً صَوْنًا لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَضْمَنُ ( لَا بِالتَّضْيِيعِ ) لَهُ بِأَنْ ذَهَبَ فَتَرَكَهُ فَلَا يَضْمَنُ ( وَإِنْ أَثِمَ ) بِهِ إنْ كَانَ ذَهَابُهُ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ كَمَا يَعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَخَرَجَ بِرَدِّهِ مَا لَوْ قَبِلَ وَلَوْ بِقَوْلِهِ ضَعْهُ فَإِنَّهُ إيدَاعٌ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ .
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ ( وَذَهَابُ الْوَدِيعِ ) مَعَ تَرْكِهِ الْوَدِيعَةِ ( وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ كَالرَّدِّ ) لَهَا فَلَا
ضَمَانَ .
( قَوْلُهُ كَأَوْدَعْتُكَ ) أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ وَالْكِتَابَةُ مِنْهُ وَمِنْ النَّاطِقِ كَالْبَيْعِ ( قَوْلُهُ : وَالْقَبُولُ وَلَوْ بِالْقَبْضِ ) لَوْ قَالَ : أَعْطِنِي هَذَا وَدِيعَةً فَدَفَعَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَدِيعَةً فَالشَّرْطُ وُجُودُ اللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْبَغَوِيّ إلَخْ ) هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَبُولُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ اللَّفْظَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْفِعْلُ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ قَالَ : أَعْطِنِي هَذَا لِأَحْفَظَهُ أَوْ أَوْدِعْنِيهِ كَيْ لَا يَضِيعَ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ ر غ .
( فَصْلٌ : وَدِيعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ ) وَالْعَبْدِ ( ضَامِنٌ ) لِوَدِيعَتِهِمْ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ مُوجِبِهَا إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ كَقَابِلِهَا فَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْأَخْذِ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْإِيدَاعِ وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمْرِهِمْ ( فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا ) فِي يَدِهِمْ ( فَأَخَذَهَا ) مِنْهُمْ ( حِسْبَةً ) صَوْنًا لَهَا عَنْ الضَّيَاعِ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مِنْ جَارِحَةٍ لِيَتَعَهَّدَهُ فَتَلِفَ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( وَضَمَانُ الْوَدِيعَةِ ) الَّتِي أَوْدَعَهَا مَالِكُهَا لِصَبِيِّ أَوْ عَبْدٍ ( يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَرَقَبَةَ الْعَبْدِ بِالْإِتْلَافِ ) مِنْهُمَا لَهَا لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِمَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَا مَالَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ وَلَا تَسْلِيطٍ وَقِيلَ يَلْزَمُ الضَّمَانُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ذِمَّتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا بِالتَّقْصِيرِ ) إذْ لَيْسَ عَلَيْهِمَا حِفْظُهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْتِزَامِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمَا بِلَا اسْتِيدَاعٍ فَتَلِفَتْ ( وَالسَّفِيهُ ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ( كَالصَّبِيِّ ) فِيمَا ذَكَرَ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَزُولُ ضَمَانُهُ إلَّا بِرَدِّهَا إلَى مَالِكِ أَمَرِهِمْ ) أَوْ إتْلَافِ مَالِكِهَا إيَّاهَا بِلَا تَسْلِيطِ مِنْ الْمُودِعِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُمْكِنُ إحْبَاطُهُ وَتَضْمِينُهُ مَالَ نَفْسِهِ مُحَالٌ فَتُضْمَنُ الْبَرَاءَةُ .
قَالَ شَيْخُنَا : لَا يُقَالُ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّ تَسْلِيطَ الْمُمَيَّزِ غَيْرِ الْأَعْجَمِيِّ لَا أَثَرَ لَهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَدَارَ عَلَى إتْلَافِهِ مَالَ نَفْسِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودِعِ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ سَبَقَ ضَمَانُ الْمُودِعِ بِوَضْعِ يَدِهِ وَكَانَ الْقِيَاسُ ضَمَانُهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِي حَالَةِ مُبَاشَرَةِ الْمَالِكِ الْعَارِيَّةَ عَنْ تَسْلِيطٍ ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ تَسْلِيطِهِ فَضَعُفَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ ضَمَانِ الْيَدِ كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ خَشِيَ ضَيَاعَهَا فَأَخَذَهَا إلَخْ ) قَالَ الْغَزِّيِّ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَعَدَّى بِأَخْذِهَا فَلَا يَأْخُذُهَا كَمَا لَا يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمَالِ ( قَوْلُهُ : وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ : لَا بِالتَّقْصِيرِ ) وَإِنْ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ إنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُهَا بِالتَّفْرِيطَ ( قَوْلُهُ : وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ ) لَوْ طَرَأَ سَفَهُ رَشِيدٍ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ حَاكِمٍ فَهَلْ يُبْنَى إيدَاعُهُ وَالْإِيدَاعُ مِنْهُ عَلَى الْخِلَاف فِي تَصَرُّفَاتِهِ أَوْ أَنَّهُ كَالْمَحْجُورِ أَوْ كَالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَهُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِيلَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيُّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ مَحْجُورٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُهُ
( وَوَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ ) فَيَكُونُ وَدِيعَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِوَدِيعَةٍ بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي يَدِهِ يَجِبُ رَدُّهَا فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَقَالَا : لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ .
قُلْتُ : وَقَدْ يُقَالُ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَيْنَ يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الثَّانِي حَالًا وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّلَبِ .
( فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ ( ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ الْجَوَازُ ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ ) وَجُنُونِهِ وَحَجْر السَّفَهِ وَالْجُحُودِ الْمُضَمَّنِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَكَالَةِ ( وَلَوْ عَزَلَ ) الْوَدِيعُ ( نَفْسَهُ ) أَوْ عَزَلَهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ وَبَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً كَالثَّوْبِ الَّذِي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ وَ ( لَزِمَهُ الرَّدُّ ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبُ مِنْهُ ( فَإِنْ أَخَّرَ ) هـ ( بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ ) .
( قَوْلُهُ : الْأَوَّلُ الْجَوَازُ ) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إذَا اقْتَضَى فَسْخُهَا ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ امْتَنَعَ وَصَارَتْ لَازِمَةً وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِلْمُوصِي عَزْلُ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ قُلْتُ : وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الشَّرِيكِ وَالْمُقَارِضِ ( قَوْلُهُ : وَالْجُحُودُ الْمُضْمَنُ ) وَبِكُلِّ فِعْلٍ مُضْمَنٌ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِآخَرَ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَخْ ) يُشْبِهُ تَقْيِيدُهُ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ر غ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّخْلِيَةُ .
الْحُكْمُ ( الثَّانِي الْأَمَانَةُ ) لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَلَوْ ضَمِنَ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ ( وَ ) إنَّمَا ( يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ وَلَهُ ) أَيْ لِلتَّقْصِيرِ ( أَسْبَابٌ ) ثَمَانِيَةٌ ( أَحَدُهَا : إيدَاعُهَا ) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا ( بِلَا عُذْرٍ ) عِنْدَ غَيْرِهِ ( وَلَوْ عِنْدَ الْقَاضِي ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلَا عُذْرَ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مَا لَوْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ فَأَوْدَعَهَا الْوَدِيعُ الْقَاضِيَ ( وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ فِي حِفْظِهَا وَعَلَفِهَا ) وَسَقْيِهَا وَلَوْ بِأَجْنَبِيٍّ ( وَنَظَرُهُ ) بَاقٍ ( عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ ( فَإِنْ كَانَتْ بِمَخْزَنِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَاسْتَحْفَظَ ) عَلَيْهَا ( ثِقَةً يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ يُلَاحِظُ ) بِهَا فِي عَوْدَاتِهِ ( فَلَا بَأْسَ ) بِهِ ( وَإِنْ قَطَعَ نَظَرُهُ عَنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْهَا فَفِي تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ ) عَنْ الْإِمَامِ وَصَرَّحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ( وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ ) هَا ( ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ أَمَّا إذَا اُسْتُحْفِظَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ مَنْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .
( قَوْلُهُ : الثَّانِي الْأَمَانَةُ ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً وَالضَّمَانُ يُنَافِيهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بِجُعْلٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْوَكَالَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْأَمَانَةَ أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى وَفَرَّطَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فَلَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَهَذَا فِي صَحِيحِ الْوَدِيعَةِ وَفَاسِدِهَا .
وَفِي الْكَافِي لَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهَذَا إيدَاعٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الْإِيدَاعِ فَلَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ صَارَتْ عَارِيَّةً فَاسِدَةً فَلَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَا يَضْمَنُ فِي صَحِيحِ الْإِيدَاعِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْعَارِيَّةُ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَسْبَابٌ ) تَزِيدُ جُزْئِيَّاتِهَا عَلَى سِتِّينَ صُورَةً ( قَوْلُهُ : وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) الِاسْتِثْنَاءُ مَرْدُودٌ ( قَوْلُهُ وَصَرْحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ ) عَلَيْهَا ( كَالْحَرِيقِ وَاسْتِهْدَامِ الْحِرْزِ وَلَمْ يَجِدْ ) حِرْزًا ( غَيْرَهُ ) يَنْقُلُهَا إلَيْهِ ( أَوْ ) عِنْدَ ( سَفَرٍ ثُمَّ ) إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِمَا رَدَّهَا ( إلَى الْقَاضِي ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ غَائِبٍ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مِمَّنْ سَافَرَ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لَا لِحَاجَةٍ ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا ( وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ ( وَلَا الْمَغْصُوبِ ) مِنْ غَاصِبِهِ ( لِلْغَائِبِ ) فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا لَهُ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وَإِذَا تَعَيَّنَ تَعَرَّضَ لَهُ وَلِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا رَدَّهَا ( إلَى أَمِينٍ ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ ( وَالتَّرْتِيبُ ) فِيمَا ذُكِرَ ( وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ ) بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي أَوْ أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ رَدَّهَا إلَى أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي ( ضَمِنَ ) لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى .
قَالَ الْفَارِقِيُّ : وَهَذَا فِي غَيْرِ زَمَانِنَا أَمَّا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ بِرَدِّهَا إلَى ثِقَةٍ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ ( فَإِنْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ وَسَافَرَ ضَمِنَ ) لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ ( لَا إنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا سَاكِنًا ) بِالْمَكَانِ ( حَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُهُ ) فَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ إعْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ وَخَرَجَ بِالْحَيْثِيَّةِ مَا لَوْ أَوْدَعَهَا عِنْد وُجُودِ الْحَاكِمِ فَيَضْمَنُ .
( قَوْلُهُ : إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ) مِثْلُهُ وَلِيُّ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ طَرَأَ غ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهَا ) أَيْ لِغَيْبَةٍ أَوْ حَبَسٍ أَوْ نَحْوِهِ ( قَوْلُهُ : رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي ) أَيْ الْأَمِينُ أَمَّا غَيْرُهُ فَكَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ غ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ إذَا أَرَادَ دَفْعَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الرَّاهِنِ وَوَكِيلِهِ طَوِيلَةٌ وَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقْبِضُهُ عَنْهُمَا وَلَا يُلْجِئُهُ إلَى حِفْظِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا أَوْدَعَهُ أَمِينًا وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةِ فَكَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَتَّجِهُ جَرَيَانُهُ هُنَا إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ : يُفَرَّقُ بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ مَدْخَلًا فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْفَارِقِيُّ : مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ بِلَا خِلَافٍ .
( قَوْلُهُ : أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ ) قِيلَ : هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ وَأَصَحَّهُمَا عَدَمُ اللُّزُومِ ( قَوْلُهُ : ضَمِنَ لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى ) وَجْهُ ضَمَانِهِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَمِينِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي أَنَّ أَمَانَتَهُ قَطْعِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُوَلَّى حَتَّى تُعْرَفَ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعَدَالَةُ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ فَأَشْبَهَ عُدُولَ الْحَاكِمِ عَنْ النَّصِّ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُهَا بِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهَا الْغَائِبِ قَوْلُهُ : لَا إنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَوْ حَمَلَ إطْلَاقَ الْأَمِينِ عَلَى مَنْ لَهُ التَّسْلِيمُ عِنْدَ
إرَادَةِ السَّفَرِ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ حَاكِمٍ وَأَمِينٍ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْوِيهِ ( قَوْلُهُ سَاكِنًا إلَخْ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَجَعَلَ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى أَنْ يَرْقُبَهَا مِنْ الْجَوَانِبِ أَوْ مِنْ فَوْقُ كَالْحَارِسِ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامَ النِّهَايَةِ إلَى وَجْهٍ يُخَالِفُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : كَانَ الرَّافِعِيُّ سَقَطَ مِنْ أَصْلِهِ سَطْرٌ أَوْ زَلَّ نَظَرُهُ وَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَوْنُ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ فِي الْأَمِينِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ وَلَعَلَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالْأَمَانَةِ دُونَ الْعَدَالَةِ لِذَلِكَ وَصَرَّحَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمِينِ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ وَقَوْلُهُ وَجَعَلَ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى أَنْ يَرْقُبَهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
وَقَوْلُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامَ النِّهَايَةِ إلَخْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَطْلَقَ الِاكْتِفَاءَ بِاطِّلَاعِ الْأَمِينِ مَعْ كَوْنِ الْمَوْضِعِ حِرْزًا وَحَكَى عَنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِ اعْتِبَارَ سُكْنَى الدَّارِ وَاسْتَحْسَنَهُ ثُمَّ قَالَ : وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الطُّرُقِ وَالِاطِّلَاعُ الَّذِي ذَكَرهُ غَيْرُ الْعِرَاقِيِّينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَكِنَّهُمْ بَيَّنُوهُ وَفَصَلُوهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ خَالِيَةً وَالْمُطَّلِعُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَكِنَّهُ يَرْعَاهَا مِنْ فَوْقُ رِعَايَةَ الْحَارِسِ أَوْ مِنْ الْجَوَانِبِ فَلَا يَكَادُ يَصِلُ إلَى الْغَرَضِ وَإِنْ أَحَاطَتْ بِالدَّارِ حِيَاطَتُهُ وَعَمَّهَا مِنْ الْجَوَانِبِ رِعَايَتُهُ فَهَذِهِ الْيَدُ الَّتِي تَلِيقُ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ الَّتِي عَنَاهَا الْعِرَاقِيُّونَ ا هـ .
السَّبَبُ ( الثَّانِي السَّفَرُ ) بِهَا ( فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ ) الْوَدِيعَةَ ( بِالسَّفَرِ بِهَا ) وَإِنْ قَصُرَ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا لِتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الَّذِي حِرْزُهُ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ ( إلَّا إنْ عُدِمَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ ) مِنْ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَالْحَاكِمِ وَالْأَمِينِ ( عَلَى التَّرْتِيبِ ) السَّابِقِ ( وَسَافَرَ ) بِهَا فِي ( طَرِيقٍ آمِنٍ فَيَجُوزُ ) السَّفَرُ بِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الْوَدِيعُ مَعَ عُذْرِهِ عَنْ مَصَالِحِهِ وَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ ( بَلْ يَجِبُ ) عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا حِينَئِذٍ ( إنْ خَافَ عَلَيْهَا ) مِنْ نَحْوِ حَرِيقِ أَوْ إغَارَةٍ لِئَلَّا تَضِيعَ وَقَوْلُهُ : عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ إنْ عُلِّقَ بِعَدَمٍ لَا بِذَكَرْنَاهُ ( فَإِنْ حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ ) بِهَا ( فَإِنْ فُوجِئَ ) بِأَنْ هَجَمَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ ( فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا ) فَضَاعَتْ ( ضَمِنَ ) وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدِ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ أُضِلَّ مَوْضِعَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا ( وَلَوْ أَوْدَعَ ) هَا ( مُسَافِرًا فَسَافَرَ بِهَا ) أَوْ مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بِهَا ( فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ ) بِهِ وَلَوْ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ثَانِيًا لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمُجَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ الْمَنْعُ .
( قَوْلُهُ : فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ بِالسَّفَرِ بِهَا ) حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ ضَمِنَهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ سَفَرَهُ بِهَا مُضَمَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ لِحَمْلِهَا مُؤْنَةٌ أَمْ لَا .
( فَرْعٌ ) لَوْ أَمَرَهُ بِإِيدَاعِ أَمِينٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفَعَلَ صُدِّقَ الْأَمِينُ فِي التَّلَفِ وَالْمَالِكُ فِي عَدَمِ رَدَّهَا إلَيْهِ فَإِذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ لِلْأَمِينِ فِي نَقْلِهَا إذَا خَافَ الْمَكَانَ أَمْ لَا وَجْهَانِ : فَعَلَى الثَّانِي لَوْ نَقَلَهَا عِنْدَ حُدُوثِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا عَدَمُ لُزُومِهِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ ( قَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّصْبِيبِ ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ إلَخْ ) كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِيدَاعِ قَدْ قَارَبَ بَلَدَهُ وَدَلَّتْ قَرِينَةُ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا فِيهِ
( السَّبَبُ الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ ) بِهَا ( فَعَلَى ذِي مَرَضٍ مَخُوفٍ ) أَوْ حَبْسٍ لَقَتْلٍ ( إنْ تَمَكَّنَ ) مِنْ الرَّدِّ وَالْإِيدَاعِ وَالْوَصِيَّةِ ( الرَّدُّ ) لَهَا ( إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ثُمَّ ) إنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِمَا فَعَلَيْهِ ( الْوَصِيَّةُ ) بِهَا ( إلَى الْحَاكِمِ ثُمَّ ) إنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ ( إلَى أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ ) الْمُوصَى إلَيْهِ ( وَارِثًا ) وَعَطَفَ عَلَى الْوَصِيَّةِ قَوْلَهُ ( أَوْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا ) أَيْ إيدَاعًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْإِيدَاعُ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَيَدَهُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ ؛ إذْ الْوَارِثُ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ أَوْ أَوْدَعَهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ صِحَّتِهِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّقْصِيرَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي أَوَّلَ السَّبَبِ الرَّابِعِ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْقَاضِي أَمَّا الْقَاضِي إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَلِعُمُومِ وِلَايَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ : وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ .
قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إيصَائِهِ لَيْسَ تَفْرِيطًا وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ وَهُوَ الْأَوْجُهُ .
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ وَنُقِلَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ كُلَّ حَالَةٍ تُعْتَبَرُ
الْوَصِيَّةُ فِيهَا مِنْ الثُّلُثِ كَوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِالْبَلَدِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِيمَا ذَكِرَ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ( وَالْوَصِيَّةُ ) هُنَا ( الْإِعْلَامُ بِهَا ) وَالْأَمْرُ بِرَدِّهَا مَعَ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ وَمَعَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ إيصَاءِ الْوَارِثِ أَوْ غَيْرِهِ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْإِنْكَار ( وَيَجِبُ تَمْيِيزُهَا ) فِي الْوَصِيَّةِ بِإِشَارَةٍ أَوْ صِفَةٍ .
( فَإِنْ قَالَ هِيَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَصِفْهُ ضَمِنَ ) هَا ( وَلَوْ لَمْ يُخْلِفْ ثَوْبًا ) لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّمْيِيزِ فَيُضَارِبُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِقِيمَتِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَيَّزَهَا لَا يَضْمَنُهَا ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي التَّرِكَةِ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ ( وَلَوْ خَلَفَهُ ) أَيْ ثَوْبًا ( لَمْ يَتَعَيَّنْ ) كَوْنُهُ ( لَهَا ) أَيْ لِلْوَدِيعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَلِفَتْ وَالْمَوْجُودُ غَيْرُهَا بَلْ يَجِبُ قِيمَتُهُ فِي التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ ( فَإِنْ لَمْ يُوصِ ) بِهَا ( وَادَّعَى الْوَارِثُ التَّلَفَ ) لَهَا ( وَقَالَ : إنَّمَا لَمْ يُوصِ ) بِهَا ( لَعَلَّهُ ) أَيْ تَلَفَهَا ( كَانَ بِغَيْرِ تَقْصِيرِ ) وَادَّعَى صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ تَقْصِيرَهُ ( فَالظَّاهِرُ بَرَاءَةُ ذِمَّتَهِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجْزِمْ الْوَارِثُ بِالتَّلَفِ بِأَنْ قَالَ : عَرَفْتُ الْإِيدَاعَ لَكِنْ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ وَأَنَا أُجَوِّزُ أَنَّهَا تَلِفَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يُوصِ بِهَا لِذَلِكَ فَيَضْمَنُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ مُسْقِطًا ( وَلَا أَثَرَ لِخَطِّ الْمَيِّتِ ) أَيْ كِتَابَتُهُ عَلَى شَيْءٍ هَذَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ أَوْفِي جَرِيدَتَهُ لِفُلَانِ عِنْدِي كَذَا وَدِيعَةً ( إنْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ ) فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَتَبَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ تَلْبِيسًا أَوْ اشْتَرَى الشَّيْءَ وَعَلَيْهِ الْكِتَابَةُ فَلَمْ يَمْحُهَا أَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ بَعْدَ كِتَابَتِهَا فِي الْجَرِيدَةِ وَلَمْ
يَمْحُهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ إقْرَارِ مُورِثِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ .
( قَوْلُهُ : الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ بِهَا ) قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَدِيعَةِ بَيِّنَةٌ بَاقِيَةٌ ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ ا هـ .
وَيُلْتَحَقُ بِالْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الطَّلْقِ وَالْأَسْرِ وَالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ إلَخْ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَسَائِرُ الْأُمَنَاءِ كَالْمُودَعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِمَا ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مَالِكُهَا بِالْبَلَدِ وَلَكِنَّهُ مَحْبُوسٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إلَى أَمِينٍ ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا أَوْ وَكِيلُهُ وَالْحَاكِمُ حَاضِرًا يَعْنِي فِي الْبَلَدِ ( قَوْلُهُ : وَمَحِلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ ) وَبِالْجُمْلَةِ الْوَجْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ : وَإِذَا تَرَكَ الْإِيصَاءَ أَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ فَإِذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْد مَوْتِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ فِي تَرِكَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بِإِعْرَاضِهِ وَتَرْكِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَعَ ظُهُورِ شَوَاهِدِ الْمَوْتِ بَعْدُ مُضَيِّعًا لِلْوَدِيعَةِ وَالتَّضْيِيعُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَتَرْكُ الْإِيصَاءِ لَا يُثْبِتُ ضَمَانًا فَإِنَّ فَائِدَةَ الْإِيصَاءِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْبَاقِيَةِ حَتَّى لَا تَضِيعَ .
ا هـ .
س وَقَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ السَّبَبِ الرَّابِعِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ ) قَالَ شَيْخُنَا : أَيْ
أَوْ الْوَدِيعَةُ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قُتِلَ غِيلَةً ) بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ ( قَوْلُهُ : وَالْوَصِيَّةُ هُنَا الْإِعْلَامُ بِهَا إلَخْ ) لَا أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْوَصِيِّ لِيَرُدَّهَا فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِيدَاعِ ( قَوْلُهُ : وَمَعَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ إلَخْ ) هَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ مِنْ لُزُومِ الْإِشْهَادِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ لُزُومِهِ .
وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ .
( فَصْلُ : يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ حِرْزٍ إلَى مِثْلِهِ ) أَوْ فَوْقَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى ( وَلَوْ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى لَا سَفَرَ بَيْنَهُمَا وَلَا خَوْفَ ) وَلَا نَهْيَ مِنْ الْمَالِكِ كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ ، لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا ضَرَرُهُ مِثْلَ ضَرَرِهَا وَدُونَهُ ( لَا ) نَقْلُهَا ( إلَى حِرْزٍ دُونَهُ ) وَإِنْ كَانَ حِرْزُ مِثْلِهَا ( إلَّا إنْ اتَّحَدَتْ الدَّارُ ) الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْحِرْزَيْنِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا بِنِيَّةِ التَّعَدِّي وَكَالدَّارِ الْخَانِ وَيُسْتَثْنَى مَعَ مَا اسْتَثْنَاهُ مَا لَوْ نَقَلَهَا بِظَنِّ الْمِلْكِ فَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَفَعَ بِهَا ظَانًّا مِلْكَهَا فَتَلِفَتْ أَمَّا إذَا نَقَلَهَا لِسَفَرٍ أَوْ خَوْفٍ فَلَا ضَمَانَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا عَيَّنَ الْمَالِكُ الْحِرْزَ وَهَذَا الْفَصْلُ جَعَلَهُ الْأَصْلُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ فَعَدَّ الْأَسْبَابَ تِسْعَةً .
( قَوْلُهُ : أَوْ فَوْقَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى ) لَيْسَ هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ تُسَمَّى سَفَرًا أَوْ كَانَ فِيهَا خَوْفٌ ضَمِنَ ( قَوْلُهُ : وَلَا خَوْفَ ) أَيْ فِيهَا ( قَوْلُهُ لَا إلَى حِرْزٍ دُونَهُ ) جَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا فِيمَا إذَا عَيَّنَ لَهُ حِرْزًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّهْيِ عَنْ النَّقْلِ مِنْهُ غ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ نَقَلَهَا إلَى مَحَلِّهِ أَوْ دَارٍ هِيَ حِرْزٌ مِثْلُهَا مِنْ أَحْرَزَ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هُوَ الصَّحِيحُ وَنَسَبَ لِلشَّيْخَيْنِ الْجَزْمَ بِخِلَافِهِ ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَفِي الرَّوْضَةِ ، وَأَصْلُهَا فِي السَّبَبِ الرَّابِعِ ، وَقَدْ أَطْلَقَا فِي السَّبَبِ الثَّامِنِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ بِالنَّقْلِ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا مِنْ أَحْرَزَ مِنْهُ ، وَقَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَدْ أَطْلَقَا فِي السَّبَبِ الثَّامِنِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ .
( السَّبَبُ الرَّابِعُ تَرْكُ دَفْعِ الْهَلَاكِ ) عَنْ الْوَدِيعَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ دَفْعُ مُهْلَكَاتِهَا عَلَى الْعَادَةِ ( وَإِنْ أَوْدَعَهُ حَيَوَانًا ) وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ إطْعَامِهِ ( فَلَمْ يُطْعِمْهُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ ) مِثْلُهُ ( فِيهَا صَارَ مَضْمُونًا ) عَلَيْهِ ( وَإِنْ لَمْ يَمُتْ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهُ فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ بِمَا يَصُونُهُ عَنْ التَّلَفِ وَالْعَيْبِ ( لَا ) إنْ مَاتَ ( دُونَهَا ) أَيْ الْمُدَّةُ فَلَا يَضْمَنُهُ ( إلَّا إنْ كَانَ بِهَا ) الْأَوْلَى بِهِ ( جُوعٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُ الْقِسْطَ ) لَا الْجَمِيعَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَا ضَمَانَ وَتَرْجِيحُ التَّقْسِيطِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ حَيْثُ شَبَّهَهُ بِمَا لَوْ اكْتَرَى بَهِيمَةً فَحَمَلَهَا أَكْثَرَ مِمَّا شَرَطَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا .
( وَإِنْ نَهَاهُ ) عَنْ إطْعَامِهِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِلْإِذْنِ فِي إتْلَافِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ : اُقْتُلْ دَابَّتِي فَقَتَلَهَا نَعَمْ إنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ كَأَنْ أُودِعَ لِوَلِيٍّ حَيَوَانَ مَحْجُورِهِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَيُشْبِهُ أَنَّ نَهْيَهُ كَالْعَدَمِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَيَّدَهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ ( وَيُعْصَى بِطَاعَتِهِ ) أَيْ الْمَالِكِ بِتَرْكِ الْإِطْعَامِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ ( وَإِنْ مَنَعَهُ ) مِنْ إطْعَامِهِ ( لِعِلَّةٍ ) بِهِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ كَقُولَنْجَ ( فَأَطْعَمَهُ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فَمَاتَ ضَمِنَ وَيَرْجِعُ بِالْإِنْفَاقِ ) عَلَيْهِ ( بِالْإِذْنِ ) لَهُ فِيهِ ( وَلَوْ مِنْ الْحَاكِمِ عَلَى الْمَالِكِ وَتَفَارِيعُهُ ) مِنْ الِافْتِرَاضِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ بَيْعِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ إيجَارِهِ وَصَرْفِ الْأُجْرَةِ فِي مُؤْنَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( كَمَا ) مَرَّ ( فِي
هَرَبِ الْجَمَّالِ ) وَعَلَفِ الضَّالَّةِ وَنَفَقَةِ اللَّقِيطِ وَنَحْوِهِمَا ( وَلَوْ أَخْرَجَهَا ) الْأَوْلَى أَخْرَجَهُ ( فِي الْأَمْنِ لِلسَّقْيِ وَالْعَلَفِ مِنْ دَارِهِ وَلَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ ) وَكَانَ ( أَمِينًا لَمْ يَضْمَنْ ) وَإِنْ كَانَ يَعْلِفُ وَيُسْقَى دَوَابَّهُ فِيهَا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ لَا إيدَاعٌ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي الْخَوْفِ أَوْ فِي الْأَمْنِ لَكِنْ مَعَ غَيْرِهِ أَمِينٌ ضَمِنَ ( وَهَلْ يَضْمَنُ نَخْلًا ) وَفِي نُسْخَةٍ نَخِيلًا اسْتَوْدَعَهَا ( لَمْ يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهَا ) فَتَرَكَهُ كَالْحَيَوَانِ أَوْ لَا ( وَجْهَانِ ) صَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِيَ وَفَرَّقَ بِحُرْمَةِ الرُّوحِ قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَا تَشْرَبُ بِعُرُوقِهَا وَفِيمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ سَقْيِهَا .
( قَوْلُهُ : وَتَرْجِيحُ التَّقْسِيطِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ مُقَابِلُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَيُشْبِهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ ) إنْ أَرَادَ بِالتَّقْيِيدِ اسْتِقْرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ قَوْلُهُ : يَعْصِي بِطَاعَتِهِ وَإِنْ مَنَعَهُ لِعِلَّةٍ إلَخْ ) السَّقْيُ فِي ذَلِكَ كَالْعَلَفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَلَفِ يَجِبُ فَرْضُهُ فِي الْحَضَرِ حَيْثُ يُعْتَادُ أَمَّا أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا يُعْتَادُ سِوَى الرَّعْي فَهُوَ فِي حَقِّهِمْ كَالْعَلَفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ نَعَمْ لَوْ فَقَدَ الْكَلَأَ أَوْ الْمَاءَ بِمَكَانِهِ وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا إلَى مَنْ ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنْ عَلَيْهِ النُّجْعَةَ بِهَا لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ تُعْلَفُ فَلَوْ كَانَتْ رَاعِيَةً فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُ رَعْيِهَا مَعَ ثِقَةٍ فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ النُّجْعَةَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ لِعِلَّةِ الْغَيْرِ إلَخْ ) كَذَا أَطْلَقَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الضَّمَانَ بِمَا إذَا عَلِمَ بِعِلَّتِهَا فس وَإِذَا أَمَرَهُ بِعَلْفِهَا فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَجْهَانِ : الْأَقْرَبُ إلَى إطْلَاقِ الْمُعْظَمِ الثَّانِي غ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ مِنْ الْحَاكِمِ ) فَتَعَذَّرَ الْحَاكِمُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ الْوَلَاءِ لَهَلَكَ أَوْ نَقَصَ فَإِنْ كَانَ بِهِ سَمْنٌ مُعْتَدِلٌ فَهَلْ يُطْعِمُهُ قَدْرًا يَبْقَى كَذَلِكَ وَجْهَانِ : أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يُطْعِمُهُ مَا يَحْفَظُ سِمَنَهُ الْمَذْكُورُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ لِيَرْجِعَ .
( قَوْلُهُ : صَحَّحَ مِنْهَا الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَالزَّرْكَشِيُّ .
وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا كَالصُّوفِ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ : وَالظَّاهِرُ أَنْ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَا تَشْرَبُ بِعُرُوقِهَا ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ يَجِبُ ) عَلَى الْوَدِيعِ ( نَشْرُ الصُّوفِ ) وَنَحْوِهِ ( وَلُبْسُهُ إنْ احْتَاجَ ) الصُّوفُ لِنَشْرِهِ لِلرِّيحِ لَدَفْعِ الدُّودِ أَوْ لِلُبْسِهِ لِتَعْبَقَ بِهِ رَائِحَةُ الْآدَمِيِّ فَتَدْفَعَ الدُّودَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفَسَدَ ضَمِنَ سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْمَالِكُ أَمْ سَكَتَ نَعَمْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَأَنْ كَانَ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ لَمْ يَضْمَنْ ، فَلَوْ كَانَ مَا يَحْتَاج إلَى لُبْسِهِ لَا يَلِيقُ بِهِ لِضَيِّقِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ مَنْ يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهُ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةَ وَيُلَاحِظُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَكَنَشْرِ الصُّوفِ تَمْشِيَةُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّمَانَةِ لِطُولِ وُقُوفِهَا ( وَلَوْ فَتَحَ قُفْلًا ) عَنْ صُنْدُوقٍ فِيهِ صُوفٌ أَوْ نَحْوُهُ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِنَشْرِهِ أَوْ لُبْسِهِ ( لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ نَهَاهُ ) عَنْ ذَلِكَ ( لَكِنْ يُكْرَهُ امْتِثَالُهُ ) .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ يَجِبُ نَشْرُ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ ) لَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ آخَرَ طَعَامًا ثُمَّ خَافَ الْمُودِعُ عَلَى الطَّعَامِ السُّوسَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ يُقْرِضَهُ إيَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ الطَّعَامُ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ فِي سَبَبِ حِفْظِهِ ( قَوْلُهُ : وَلُبْسُهُ إنْ احْتَاجَ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ : مُرَادُهُ أَنَّهُ يَرْتَدِي بِهِ أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ النَّوْمِ فَلَا وَقَوْلُهُ : قَالَ النَّاشِرِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ مَنْ يَلِيقَ بِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( السَّبَبُ الْخَامِسُ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ مُضَمَّنٌ ) لِتَعَدِّيهِ ( لَا رُكُوبُهَا لِلسَّقْيِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ هَذَا ( إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ ) وَلَمْ تُنَسَّقْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا لِتَعَدِّيهِ حِينَئِذٍ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ رَكِبَهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ ظَالِمٍ وَهَرَبَ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَعَدِّيَ ( وَإِخْرَاجُهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ يَعْنِي أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الْحِرْزِ ( لِلِانْتِفَاعِ ) بِهَا ( مُضَمِّنٌ ) وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بِهَذَا الْقَصْدِ خِيَانَةٌ ( لَا مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْخِيَانَةِ وَلَوْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعَلًا بِهَا ( إلَّا ) إذَا نَوَاهَا ( عِنْدَ الْقَبْضِ ) لِلْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الِالْتِقَاطِ ( وَلَوْ فَتَحَ قُفْلًا ) عَنْ صُنْدُوقٍ فِيهِ وَدِيعَةٌ ( أَوْ خَتْمًا ) عَنْ كِيسِ كَذَلِكَ ( لَا رِبَاطًا أَوْ خَرَقَ الْكِيسَ عَنْهَا لَا مِنْ فَوْقِ الْخَتْمِ أَوْ أَوْدَعَهُ ) دَرَاهِمَ مَثَلًا ( مَدْفُونَةً فَنَبَشَهَا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا ) ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَتَحَ الرِّبَاطَ الَّذِي شَدَّ بِهِ رَأْسَ الْكِيسِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ مَنْعُ الِانْتِشَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ خَرْقِ الْكِيسِ مِنْ فَوْقِ الْخَتْمِ لَا يَضْمَنُ إلَّا نُقْصَانَ الْخَرْقِ نَعَمْ إنْ خَرَقَهُ مُتَعَمِّدًا ضَمِنَ جَمِيعَ الْكِيسِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ ضَمِنَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الصُّنْدُوقَ وَالْكِيسَ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ .
ثَانِيهِمَا الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ الْخِيَانَةَ فِيهِمَا وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَدِيعَةِ ( وَهَلْ يَضْمَنُ بِالْعَدِّ ) أَوْ الْوَزْنِ ( لِلدَّرَاهِمِ وَالذَّرْعِ لِلثِّيَابِ لِلْمَعْرِفَةِ ) بِهِمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَرَادَ بِهِ الِاحْتِيَاطَ ( وَجْهَانِ )
جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالثَّانِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ فِي اللُّقَطَةِ وَهِيَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَهَذِهِ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَالِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ مُضَمِّنٌ إلَخْ ) شَمِلَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا وَقَالَ لَهُ حَرِّقْهُ أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالتَّحْرِيقِ أَوْ الْإِلْقَاءِ فِي الْبَحْرِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ ضَمَانِهِ وَتَلْزَمُهُ أَيْضًا أُجْرَةُ اسْتِعْمَالِهِ ( قَوْلُهُ : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بِهَذَا الْقَصْدِ خِيَانَةٌ ) شَرْطُ الْفِعْلِ الْمُضَمَّنِ مَعَ النِّيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فَلَا يَضْمَنُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْفِعْلِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُنْدُوقٍ غَيْرِ مُقْفَلٍ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لَأَخْذِهَا ثُمَّ تَرَكَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : يُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا يَضْمَنُ مِنْ حِينِ نِيَّةِ الْأَخْذِ فَإِذَا نَوَى يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَخَذَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَضْمَنُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ ) كَأَنْ نَوَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا لَهُ بَعْدَ طَلَبهِ لَهَا ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ ضَمِنَ أَنَّهُ يَضْمِنَ الصُّنْدُوقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْخِيَانَةَ فِيهِمَا ) قَالَ الْفَتِيُّ : فَكَانَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ عَدَمَ ضَمَانِهَا أَصَحُّ فَأَسْقَطَهَا لِتَكُونَ مَأْخُوذَةً مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى ضَمَانِ فَتْحِ قُفْلِهِ أَوْ فَضِّ خَتْمِهِ لَا ظَرْفِهِمَا قَوْلُهُ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِالثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ وَإِنْ خَانَ ) فِي الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ مِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ ( ثُمَّ رَجَعَ ) عَنْ الْخِيَانَةِ ( لَمْ يَبْرَأْ ) مِنْ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَدَّ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ إلَى مَكَانِهِ ( إلَّا بِالْإِيدَاعِ ) ثَانِيًا فَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ ( وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا ) قَبْلَهُ إلَى مَالِكِهَا ( وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ بَعْدَ الْخِيَانَةِ لَا قَبْلَهَا صَارَ أَمِينًا ) وَبَرِئَ ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ حَقُّ الْمَالِكِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ عَنْ ضَمَانِ الْحَفْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ قَبْلَهَا كَأَنْ قَالَ : أَوْدَعْتُكَ فَإِنْ خُنْت ثُمَّ تَرَكْتَ الْخِيَانَةَ عُدْتَ أَمِينًا لِي فَخَانَ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَا يَصِيرُ أَمِينًا ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ وَتَعْلِيقٌ لِلِاسْتِثْمَانِ الثَّانِي .
( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ رَدَّ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ إلَخْ ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } وَيَدُهُ بِتَعَدِّيهِ قَدْ أَخَذَتْ الْوَدِيعَةَ وَكَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهَا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ التَّضْمِينَ حَقُّ الْمَالِكِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ ) لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ مَنْ يَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ كَالْغَاصِبِ إذَا أَبْرَأَهُ مَالِكُ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْرَأْ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ يَدُ أَمَانَةٍ وَالضَّمَانُ عَارِضٌ وَبِالْإِبْرَاءِ رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا بِخِلَافِ يَدِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ وَخَرَجَ بِالْمَالِكِ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ هَذَا الِاسْتِئْمَانَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَالِكِ خَاصَّةً لَا لِلْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ وَنَحْوِهِمَا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ فَعَلُوهُ لَمْ يَعُدْ أَمِينَا قَطْعًا
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ ) لَهُ ( خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ فَوَدِيِعَةٌ أَبَدًا أَوْ ) خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً ( وَيَوْمًا عَارِيَّةً ) فَوَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَعَارِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَ ( لَمْ يَعُدْ بَعْدَهَا ) أَيْ الْعَارِيَّةُ أَيْ يَوْمُهَا ( وَدِيعَةٌ ) أَبَدًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَوْ عَكَسَ الْأُولَى فَقَالَ خُذْهُ يَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَيَوْمًا وَدِيعَةً .
فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ عَقْدَ وَدِيعَةٍ .
وَلَوْ عَكَسَ الثَّانِيَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَارِيَّةً وَفِي الثَّانِي أَمَانَةً .
.
( فَصْلٌ ) لَوْ ( خَلَطَهَا ) بِمَالٍ ( فَلَمْ تَتَمَيَّزْ ) عَنْهُ بِسُهُولَةٍ ( ضَمِنَ ) هَا ( وَلَوْ ) خَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا أَوْ ( بِمَالِ الْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَانَةً نَعَمْ إنْ خَلَطَهَا سَهْوًا فَلَا ضَمَانَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا تَمَيَّزَتْ كَأَنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَنَانِير فَلَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ نَقْصٌ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنَ ( وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا ) وَهِيَ دَرَاهِمُ ( دِرْهَمًا وَرَدَّ بَدَلَهُ ) إلَيْهَا ( لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَالِك ) إلَّا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهِ ( ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ) عَنْهَا ( ضَمِنَ الْجَمِيعَ ) لَخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْهَا فَالْبَاقِي غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْ بَعْضِهَا لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ بِصِفَةٍ كَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَسِكَّةٍ ضَمِنَ مَالًا يَتَمَيَّزُ خَاصَّةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( فَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ ) إلَيْهَا ( لَمْ يَضْمَنْ سِوَاهُ ) مِنْ بَقِيَّةِ الدَّرَاهِمِ ( وَإِنْ تَلِفَتْ ) كُلُّهَا أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ هُوَ عَنْهَا لِاخْتِلَاطِهِ بِهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْطَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْأَخْذِ ( وَإِنْ تَلِفَ نِصْفُهَا ضَمِنَ نِصْفَهُ ) أَيْ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فَقَطْ ( هَذَا ) كُلُّهُ ( إذَا لَمْ يَفُضَّ خَتْمًا ) أَوْ قُفْلًا عَلَى الدَّرَاهِمِ ( فَإِنْ فَضَّهُ ضَمِنَ الْجَمِيعَ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَضَّ يَقْتَضِي الضَّمَانَ .
( قَوْلُهُ : خَلَطَهَا فَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَمِنَ ) حَتَّى لَوْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مَثَلًا ضَمِنَ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَيْسَ الضَّابِطُ التَّمَيُّزَ بَلْ سُهُولَتُهُ حَتَّى لَوْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مَثَلًا كَانَ مُضَمَّنًا فِيمَا يَظْهَرُ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ خَلَطَهَا سَهْوًا فَلَا ضَمَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَحْصُلَ نَقْصٌ بِالْخَلْطِ فَيَضْمَنُ ) أَيْ النَّقْصَ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ضَمِنَ الْجَمِيعَ لِخَلْطِ الْوَدِيعَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْطِ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبِ بِمِثْلِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى جِهَةِ التَّعَدِّي .
وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكُ لِنَفْسِهِ فَغَلِظَ عَلَيْهِ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى ذِمَّتِهِ وَالْمُودَعُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَالِ عُدْوَانًا فَإِنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَلَا وُجِدَ مِنْهُ الْإِمْسَاكُ لِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ ) قَالَ شَيْخُنَا : عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَوْ لَا أَمَّا مَسْأَلَةُ ضَمَانِ نِصْفِ دِرْهَمٍ فِيمَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَشْرَةً مَثَلًا وَتَلِفَ نِصْفُهَا فَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ سَلَامَةَ الدِّرْهَمِ أَوْ تَلَفَهُ فَضَمَّنَّاهُ نِصْفَ دِرْهَمِ ؛ إذْ هُوَ الْمُحَقَّقُ
( وَلَوْ قَطَعَ الْوَدِيعُ ) لِدَابَّةٍ ( يَدَهَا أَوْ أَحْرَقَ بَعْضَ الثَّوْبِ ) الْمُودَعِ عِنْدَهُ ( خَطَأً ضَمِنَهُ ) أَيْ الْمُتْلِفُ لِتَفْوِيتِهِ ( دُونَ الْبَاقِي ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِيهِ ( أَوْ عَمْدًا ) أَوْ شَبَهَهُ ( ضَمِنَهُمَا ) جَمِيعًا لِتَعَدِّيهِ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ تَسْوِيَتَهُمْ الْخَطَأَ بِالْعَمْدِ فِي الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهَا فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي الْبَعْضِ الْمُتْلَفِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا فِي ضَمَانِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْبَاقِي فِيهَا إذْ لَا تَعَدِّيَ فِيهِ .
.
( السَّبَبُ السَّادِسُ الْمُخَالَفَةُ ) فِي الْحِفْظِ لِلْوَدِيعَةِ ( وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَجْهِ الْحِفْظِ ) بِأَنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَعَدَلَ إلَى آخَرَ ( وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ ) وَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ تَقْصِيرًا لِتَأْدِيَتِهَا إلَى التَّلَفِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ ( فَلَا ) يَضْمَنُ فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فِي صُنْدُوقٍ وَ ( قَالَ ) لَهُ ( لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ فَرَقَدَ ) عَلَيْهِ ( وَانْكَسَرَ بِهِ ) أَيْ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ بِذَلِكَ ( ضَمِنَ ) لِلْمُخَالَفَةِ ( وَكَذَا ) يَضْمَنُ ( لَوْ سُرِقَ ) مَا فِيهِ ( فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ جَانِبٍ كَانَ يَرْقُدُ فِيهِ إنْ لَمْ يَرْقُدْ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ إذَا رَقَدَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخْلَى جَانِبَ الصُّنْدُوقِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ السَّارِقُ مِنْ الْأَخْذِ إذَا كَانَ بِجَانِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سُرِقَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْر الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ أَوْ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ وَلَوْ مِنْ الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلَفُ بِفِعْلِهِ ( وَلَوْ قَالَ ) لَهُ ( لَا تُقْفِلْ ) عَلَيْهَا ( أَوْ لَا تَجْعَلْ ) عَلَيْهَا ( قُفْلَيْنِ أَوْ ادْفِنْهَا ) فِي بَيْتِكَ ( وَلَا تَبْنِ عَلَيْهَا فَخَالَفَ ) فِي ذَلِكَ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِذَلِكَ ( وَلَا يَرْجِعُ بِالْبِنَاءِ ) أَيْ بِبَدَلِهِ عِنْدَ رَدِّهِ الْوَدِيعَةَ ( كَأُجْرَةِ النَّقْلِ ) لَهَا ( لِلضَّرُورَةِ ) فَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ ( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ ( ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّهَا ( فِي كُمِّكَ فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ فَإِنْ تَلِفَتْ ) أَيْ سَقَطَتْ ( بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ ضَمِنَ ) إذْ لَوْ رَبَطَهَا لَمْ تَضِعْ بِهَذَا السَّبَبِ فَالتَّلَفُ حَصَلَ بِالْمُخَالَفَةِ ( أَوْ ) تَلِفَتْ ( بِغَصْبٍ فَلَا ) ضَمَانَ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ مِنْ الرَّبْطِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَصْبِ وَالرَّبْطَ أَحْرَزُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّلَفِ بِالسُّقُوطِ ( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ لَمْ يَرْبِطْهَا فِي كُمِّهِ بَلْ ( جَعْلَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ )
لِأَنَّهُ أَحْرَزُ ( إلَّا إنْ كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ ) فَيَضْمَنُ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ( اجْعَلْهَا فِي جَيْبِكَ فَرَبَطَ ) هَا ( فِي الْكُمِّ ضَمِنَ ) لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ مِنْهُ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ امْتَثَلَ ) أَمْرَهُ ( وَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ لَمْ يُكَلَّفْ ) مَعَهُ ( إمْسَاكُهَا بِالْيَدِ بَلْ إنْ كَانَ الرَّبْطُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَأَخَذَهَا الطُّرَّارُ ) أَيْ الْقَاطِعُ مَأْخُوذٌ مِنْ طُرَّ الثَّوْبُ بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ قُطِعَ ( ضَمِنَ ) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُهَا وَتَنْبِيهُ الطُّرَّارِ وَإِغْرَاؤُهُ عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ قَطْعِهِ أَوْ حَلِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ( لَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ ) بِانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ وَضَاعَتْ ( وَقَدْ احْتَاطَ فِي الرَّبْطِ ) فَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ بَقِيَتْ الْوَدِيعَةُ فِي الْكُمِّ ( أَوْ ) كَانَ الرَّبْطُ ( مِنْ دَاخِلِهِ فَبِالْعَكْسِ ) فَيَضْمَنُهَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ لِتَنَاثُرِهَا بِالِانْحِلَالِ لَا إنْ أَخَذَهَا الطُّرَّارُ لِعَدَمِ تَنْبِيهِهِ .
وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مُطْلَقُ الرَّبْطِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى جِهَةِ التَّلَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَدَلَ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ فَحَصَل بِهِ التَّلَفُ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَالَ احْفَظْ الْوَدِيعَةَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَوَضَعَهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ فَانْهَدَمَتْ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَسَلِمَتْ .
وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرَّبْطَ لَيْسَ كَافِيًا عَلَى أَيْ وَجْهٍ فُرِضَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِهِ الْحِفْظَ وَلِهَذَا لَوْ رَبَطَ رَبْطًا غَيْرَ مُحْكَمٍ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الرَّبْطِ يَشْمَلُ الْمُحَكَّمَ وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ الْبَيْتِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلٍّ مِنْ زَوَايَاهُ وَالْعُرْفُ لَا يُخَصِّصُ مَوْضِعًا مِنْهُ ( وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ ) بِرَبْطِهَا فِي كُمِّهِ بِإِمْسَاكِهَا فِي يَدِهِ ( فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ فِيمَا سَبَقَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ ) إيَّاهَا ( فَوَضَعَهَا فِي الْكُمِّ بِلَا رَبْطٍ ) فَسَقَطَتْ ( وَهِيَ خَفِيفَةٌ ) لَا يَشْعُرُ بِهَا ( ضَمِنَ ) لِتَفْرِيطِهِ فِي الْإِحْرَازِ ( أَوْ )
وَهِيَ ( ثَقِيلَةٌ ) يَشْعُرُ بِهَا ( فَلَا ) يَضْمَنُهَا ( أَوْ ) وَضَعَهَا ( فِي كَوْرِ عِمَامَتِهِ بِلَا رَبْطٍ ) فَضَاعَتْ ( ضَمِنَ ) هَذَا إذَا أَوْدَعَهُ فِي السُّوقِ مَثَلًا وَلَمْ يَعُدْ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ لَزِمَهُ إحْرَازُهَا فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ مَا ذُكِرَ حِرْزًا لَهَا حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ أَحْرَزُ فَلَوْ خَرَجَ بِهَا فِي كُمِّهِ أَوْ جَيْبِهِ أَوْ يَدِهِ ضَمِنَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ .
( وَإِنْ أَعْطَاهُ ) إيَّاهَا ( فِي السُّوقِ وَقَالَ ) لَهُ ( احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ لَزِمَهُ الذَّهَابُ بِهَا ) إلَى بَيْتِهِ ( فَوْرًا ) وَحَفِظَهَا فِيهِ ( أَوْ ) أَعْطَاهَا لَهُ ( فِي الْبَيْتِ وَقَالَ ) لَهُ ( احْفَظْهَا فِيهِ لَزِمَهُ الْحِفْظُ فِيهِ ) فَوْرًا ( فَإِنْ أَخَّرَ ) فِيهِمَا الْحِفْظَ فِيهِ ( بِلَا مَانِعٍ ضَمِنَ ) لِتَفْرِيطِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ ) هَا ( فِيهِ وَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ لَا مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ ) وَخَرَجَ بِهَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا وَأَمْكَنَ إحْرَازُهَا فِي الْبَيْتِ ( ضَمِنَ ) لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا حَصَل التَّلَفُ فِي زَمَنِ الْخُرُوجِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ .
قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي تَقْيِيدِهِمْ الصُّورَةَ بِمَا إذَا قَالَ : احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ - إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مَرْبُوطَةً وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ سُرِقَ فِي الصَّحْرَاءِ ) الْمُرَادُ بِالصَّحْرَاءِ هُنَا غَيْرُ الدَّار حَتَّى لَوْ كَانَ خَارِجَ الْبَابِ فَهُوَ كَالصَّحْرَاءِ ( قَوْلُهُ : كَانَ يَرْقُدُ فِيهِ ) أَيْ عَادَةً قَوْلُهُ أَوْ تَلِفَتْ بِغَصْبٍ فَلَا ) شَمِلَ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ إمْسَاكِهَا بِيَدِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ إلَخْ ) هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَيْبِ فَتْحَةُ الْقَمِيصِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ أَوْ الْجَيْبِ الْمُعْتَادِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ .
قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي قَالَ : وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ عِنْد طَوْقِهِ فَتْحَةً نَازِلَةً كَالْخَرِيطَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ أَيْضًا .
قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا شَامِل لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي فِي الطَّوْقِ أَحْرَزُ .
( قَوْلُهُ : مَأْخُوذٌ مِنْ طُرَّ الثَّوْبُ بِضَمِّ الطَّاءِ إلَخْ ) وَأَمَّا طَرَّ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ نَبَتَ يُقَالُ طَرَّ الشَّارِبُ أَيْ نَبَتَ ( قَوْلُهُ : أَوْ مِنْ دَاخِلِهِ فَبِالْعَكْسِ ) لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ فَرَبَطَهَا فِي التَّحْتَانِيِّ مِنْهُمَا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ رُبِطَ دَاخِلَ الْكُمِّ أَمْ خَارِجَهُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ ر ( قَوْلُهُ : وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الرَّبْطَ إلَخْ ) وَجِهَاتُ الرَّبْطِ مُخْتَلِفَةٌ وَجِهَاتُ الْبَيْتِ مُسْتَوِيَةٌ فَإِنْ فُرِضَ اخْتِلَافُهَا فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْقُرْبِ مِنْ الشَّارِعِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ يُقَالُ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ ، وَبِهَذَا فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ثُمَّ قَالَ : وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِشْكَالَ الرَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّبْطَ فِي الْكُمِّ حِرْزٌ كَيْفَ كَانَ وَلَا يَجِبُ الْحِفْظُ فِي الْأَحْرَزِ س ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الرَّبْطِ يَشْمَلُ الْمُحْكَمَ وَغَيْرَهُ إلَخْ ) وَقَوْلُهُ : اُرْبُطْ مُطْلَقٌ لَا عَامُّ وَلَفْظُ الْبَيْتِ عَامٌّ ( قَوْلُهُ : لَزِمَهُ الذَّهَابُ بِهَا فَوْرًا إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ : يَنْبَغِي
أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْوَدِيعَةِ وَطُولُ التَّأْخِيرِ وَضِدُّهُمَا ا هـ .
وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَأَمَّا لَوْ قَالَ أَحْرِزْهَا الْآنَ فِي الْبَيْتِ فَأَخَذَ ضَمِنَ مُطْلَقًا .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا مَانِعٍ ضَمِنَ ) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : إنْ تَرَكَهَا فِي دُكَّانِهِ وَهُوَ حِرْزُ مِثْلِهَا إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِهِ بِالْعَشِيِّ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْبَيْتِ فِي الْحِرْزِ .
قُلْتُ وَلَعَلَّ هَذَا مَادَّةُ تَفْصِيلِ الْفَارِقِيِّ وَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ حَيْثُ قَالَا : إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْقُعُودُ فِي السُّوقِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ لِاشْتِغَالِهِ بِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَأَخَّرَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِالْقُعُودِ وَلَا لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فِي الْمُضِيِّ إلَى الْبَيْتِ ضَمِنَ مُطْلَقًا .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالُوهُ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَكِنْ الْمَنْقُولُ فِي الشَّامِلِ وَحُلْيَةِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ يَرُدُّهُ فَافْهَمْ .
قَالُوا : لَوْ قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ احْمِلْهَا إلَى بَيْتِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ ، وَقَالَ سَلِيمٌ فِي الْمُجَرَّدِ : إنْ حَمَلَهَا مِنْ سَاعَتِهِ فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ تَشَاغَلَ عَنْهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا مِنْ سَاعَتِهِ ثُمَّ حَمَلَهَا فَهَلَكَتْ فِي طَرِيقِهِ ضَمِنَ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ ) أَوْدَعَهُ دَابَّةً وَ ( قَالَ ) لَهُ ( اجْعَلْهَا فِي بَيْتِكَ فَوَضَعَهَا فِي حِرْزٍ ) آخَرَ ( مِثْلِ بَيْتِهِ ) أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( فَمَاتَتْ ) فَجْأَةً أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) حَمْلًا لِتَعْيِينِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِيَّةِ عِنْدَ التَّخْصِيصِ الَّذِي لَا غَرَضَ فِيهِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ حِنْطَةٍ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا ضَرَرُهُ مِثْلُ ضَرَرِهَا وَدُونَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ دُونَ بَيْتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ حِرْزُ مِثْلِهَا ( وَإِنْ انْهَدَمَ عَلَيْهَا ) الْحِرْزُ الْمُمَاثِلُ لِبَيْتِهِ أَوْ الْأَحْرَزُ مِنْهُ ( ضَمِنَ لِلْمُخَالَفَةِ ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِهَا ( وَإِنْ سُرِقَتْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ النَّقْلِ ) لَهَا ( فَنَقَلَ ضَمِنَ ) وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ ( إلَّا إنْ وَقَعَ خَوْفٌ ) مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ نَقْلُهَا ( بَلْ يَجِبُ إلَى حِرْزٍ ) لِمِثْلِهَا ( وَيَتَعَيَّنُ مِثْلُهُ ) أَيْ حِرْزٌ مِثْلُ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ ( إنْ وَجَدَ ) وَإِلَّا فَلَا يَتَعَيَّنُ .
فَلَوْ تَرَكَ النَّقْلَ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالنَّهْيِ نَوْعًا مِنْ الِاحْتِيَاطِ ( إلَّا أَنْ قَالَ ) لَهُ لَا تَنْقُلْهَا ( وَإِنْ وَقَعَ خَوْفٌ ) فَلَا يَنْقُلُهَا وَإِنْ وَقَعَ خَوْفٌ وَلَا يَضْمَنُ بِتَرْكِ نَقْلِهَا حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالِي فَأَتْلَفَهُ ( لَكِنْ لَوْ نَقَلَ ) حِينَئِذٍ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ قَصَدَ الصِّيَانَةَ ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا مَحَلَّ لَهُ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ) وُقُوعِ ( الْخَوْفِ أَثْبَتَ ) أَيْ أَقَامَ ( بِهِ الْوَدِيعُ ) بَيِّنَةً ( إنْ لَمْ يَعْرِفْ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ عَرَفَ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِهِ ( وَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) إنْ أُحْرِزَتْ فِيهِ ( إلَّا
لِضَرُورَةٍ ) .
قَوْلُهُ وَإِنْ سُرِقَتْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا سُرِقَ مَا فِيهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ع وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَهُمَا الْغَصْبَ مِنْهُ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ اعْتِمَادُ إلْحَاقِهِ بِالْمَوْتِ وَكَلَامُ الْأَنْوَارِ فِيمَا إذَا كَانَ سَبَبَ الْغَصْبِ النَّقْلُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ كَأَصْلِهِ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى ) عَبَّرَ بِلَكِنْ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالنَّقْلِ لِلْمُخَالَفَةِ
( فَرْعُ ) لَوْ ( عَيَّنَ الْمَالِكُ لَهَا ظَرْفًا مِنْ ظُرُوفِهِ فَنَقَلَهَا ) الْوَدِيعُ مِنْهُ ( إلَى غَيْرِهِ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَظْرُوفَ وَدِيعَتَانِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حِفْظُ أَحَدِهِمَا فِي حِرْزٍ وَالْأُخْرَى فِي آخَرَ ( إلَّا إنْ كَانَ ) الثَّانِي ( دُونَ الْمُعَيَّنِ ) فَيَضْمَنُ ( وَإِنْ كَانَتْ الظُّرُوفُ لِلْوَدِيعِ فَكَالْبُيُوتِ ) فِيمَا ذَكَر فِيهَا ( وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ دُخُولِ أَحَدٍ عَلَيْهَا أَوْ الِاسْتِعَانَةِ ) عَلَى حِفْظِهَا ( بِحَارِسٍ أَوْ ) عَنْ ( الْإِخْبَارِ بِهَا فَخَالَفَهُ ) فِيهِ ( ضَمِنَ إنْ أَخَذَهَا الدَّاخِلُ ) عَلَيْهَا ( وَالْحَارِسُ ) لَهَا ( أَوْ ) تَلِفَتْ ( بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ ) بِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا وَإِنَّ أَخَذَهَا غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ أَوْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ فَلَا ضَمَانَ .
وَقَوْلُ الْعَبَّادِيِّ : وَلَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هَلْ عِنْدَكَ لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ فَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ كَتْمَهَا مِنْ حِفْظِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لِسَبَبٍ آخَرَ .
( وَإِنْ أَمَرَهُ ) وَقَدْ أَوْدَعَهُ خَاتَمًا ( بِوَضْعِ الْخَاتَمِ فِي خِنْصَرِهِ فَجَعَلَهَا فِي بِنَصْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ أُحْرِزَ لِكَوْنِهِ أَغْلَظَ ( إلَّا إنْ جَعَلَهَا فِي أَعْلَاهُ ) أَوْ فِي وَسَطِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ( أَوْ انْكَسَرَتْ لِغِلَظِهَا ) أَيْ الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُ ( لِأَنَّ أَسْفَلَ الْخِنْصَرِ أَحْفَظُ مِنْ أَعَلَى الْبِنْصِرِ ) وَوَسَطِهِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِلْمُخَالَفَةِ فِي الْأَخِيرَة ، وَالتَّعْلِيلُ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ ، وَإِنْ قَالَ اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي إلَى أَصْلِ الْبِنْصِرِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ أَحْرَزُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ : لَوْ قَالَ احْفَظْهُ فِي بِنْصَرِكَ فَحَفِظَهُ فِي خِنْصَرِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ لَبِسَهُ فِي الْبِنْصِرِ كَانَ فِي الْخِنْصَرِ وَاسِعًا انْتَهَى وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنْ مَا قَالَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ : احْفَظْ هَذَا فِي يَمِينِكَ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ ضَمِنَ وَبِالْعَكْسِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَحْرَزُ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ أَكْثَرُ غَالِبًا نَقَلَهُ الْعِجْلِيّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ قَالَ : وَقَضَيْتُهُ مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَعْسَرَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَا سَوَاءً .
( وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ ) فِي إيدَاعِ الْخَاتَمِ ( بِشَيْءٍ فَوَضَعَهَا فِي الْخِنْصَرِ لَا غَيْرِهَا ضَمِنَ ) وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ فَصَّهَا إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ ( لِأَنَّهُ لَبِسَهَا ) أَيْ اسْتَعْمَلَهَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا ( إلَّا إنْ قَصَدَ ) بِلُبْسِهَا فِيهَا ( الْحِفْظَ ) فَلَا يَضْمَنُ وَقَضِيَّتُهُ تَصْدِيقُهُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلْحِفْظِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي وُقُوعِ الْخَوْفِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ
الْقَصْدَ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهُ بِخِلَافِ وُقُوعِ الْخَوْفِ وَالْبِنْصِرِ مُؤَنَّثٌ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَالْخَاتَمُ مُذَكَّرٌ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ مُؤَنَّثًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَلَقَةٌ ( وَغَيْرُ الْخِنْصَرِ لِلْمَرْأَةِ ) فِي حِفْظِهَا لِلْخَاتَمِ ( كَالْخِنْصَرِ ) لِأَنَّهَا قَدْ تَتَخَتَّمُ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْخُنْثَى يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالرَّجُلِ إذَا لَبِسَ الْخَاتَمَ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَيَحْتَمِلُ مُرَاعَاةَ الْأَغْلَظِ هُنَا وَهُوَ الْتِحَاقُهُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا غَلَّظْنَا فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالرَّجُلِ .
( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَا قَالَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ وَقَضِيَّةُ مَا قَالَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِهَا إلَخْ ) يَجِبُ تَقَيُّدُهُ بِمَنْ لَا يَقْصِدُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ وَبِمَنْ لَمْ يَعْتَدِ اللُّبْسَ فِي غَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَامَّةِ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ تَصْدِيقِهِ فِي دَعْوَاهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْخُنْثَى يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالرَّجُلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( السَّبَبُ السَّابِعُ التَّضْيِيعُ ) لَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا وَبِالتَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ ( فَيَضْمَنُهَا بِهِ ) أَيْ بِالتَّضْيِيعِ ( وَلَوْ نَاسِيًا ) لَهَا وَذَلِكَ ( كَإِتْلَافِهِ ) لَهَا ( أَوْ انْتِفَاعُهُ بِهَا ) أَوْ وَضْعُهُ لَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا وَلَوْ ( خَطَأً أَوْ غَلَطًا ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الْخَطَأِ وَنَحْوِهِ ( وَإِنْ أُخِذَتْ ) مِنْهُ ( قَهْرًا لَمْ يَضْمَنْ ) إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ ( وَإِنْ أُعْلِمَ بِهَا هُوَ لَا غَيْرُهُ مِنْ مَصَادِرِ الْمَالِكِ ) وَعُيِّنَ لَهُ مَوْضِعُهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ( ضَمِنَ ) لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ الْحِفْظِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَهُ بِهَا غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا .
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أَعْلَمَهُ بِهَا كَرْهًا لَكِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِينَئِذٍ كَالْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ لَا يَضْمَنُهُ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّلَالَةِ مُضَيَّعٌ لَهَا .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ لِلْيَدِ وَالْتِزَامُ الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ .
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمَاوَرْدِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا أَصْلًا .
قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ : لَوْ أُكْرِهَ حَتَّى دَلَّ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَكْرَهَ حَتَّى سَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ .
( وَلَوْ أُكْرِهَ ) عَلَى تَسْلِيمِهَا لَهُ ( فَسَلَّمَهَا ضَمِنَ ) لِتَسْلِيمِهِ ( وَالْقَرَارُ ) لِلضَّمَانِ ( عَلَى الْمُكْرِهِ ) لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهَا عُدْوَانًا فَإِذَا ضَمِنَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَ رَجَعَ عَلَى الْمُكْرِهِ ( وَيَجِبُ ) عَلَى الْوَدِيعِ ( إنْكَارُهَا عَنْ الظَّالِمِ وَالِامْتِنَاعُ ) مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا ( جَهْدَهُ ) فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ ضَمِنَ ( وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ ) عَلَى ذَلِكَ
لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّي إذَا أَمْكَنَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَكَانَ يَعْرِفُهَا لِئَلَّا يَحْلِفَ كَاذِبًا .
قَالَ : وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ رَقِيقًا وَالظَّالِمُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ الْفُجُورَ بِهِ : قَالَ وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلِفُ كَاذِبًا ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ مُحَرَّمًا لَعَيْنِهِ ( وَيُكَفِّرُ ) عَنْ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا ( وَإِنْ حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ ) أَوْ الْعِتْقِ ( مُكْرَهًا ) عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ فَحَلَفَ ( حَنِثَ ) لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَسَلَّمَهَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ فَدَى زَوْجَتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ بِهَا ( وَإِنْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا ) فَضَاعَتْ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( ضَمِنَ ) لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ الْحِفْظِ ( لَا ) إنْ أَعْلَمَهُمْ ( بِأَنَّهَا عِنْدَهُ ) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَكَانِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا ) وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ لَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا ) لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَبْطِ الدَّابَّةِ فِي الدَّارِ فَرَبَطَهَا الْوَدِيعُ فِي حَرِيمِهَا بِمَرْآهُ وَمَسْمَعِهِ فَفِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ ضَمَانِهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ ( قَوْلُهُ وَعَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ ) قَالَ فِي الذَّخَائِرِ إذَا دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ إذَا أَخَذَهَا السَّارِقُ فَإِنْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ السَّرِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ كَنِيَّةِ الْخِيَانَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ .
ا هـ .
: وَأَصَحُّهُمَا عَدَمُ ضَمَانِهَا ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أُكْرِهَ فَسَلَّمَهَا ضَمِنَ ) لِتَسْلِيمِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ الظَّالِمُ مِنْ تَسَلُّمِهَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْمُودَعُ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ ) قَالَ شَيْخُنَا جَوَازًا كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّيَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ وَيُتَّجَهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ مُحَرَّمَا لَعَيْنِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ الْمَذْكُورُ هُنَا وَإِلَّا فَكُلُّ كَذِبٍ مُحَرَّمٍ مَعَ التَّعَمُّدِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا ) فَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَسَكَ الْمَكَسَةَ تَاجِرٌ وَقَالُوا لَهُ بِعْتَ بِضَاعَةً بِلَا مَكْسٍ أَوْ حَدَثَ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَجَلٍ الْمَكْسِ فَأَنْكَرَ فَقَالُوا لَهُ : احْلِفْ بِالطَّلَاقِ أَنَّكَ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَحَلَفَ بِهِ خَوْفًا مِنْهُمْ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ إكْرَاهٌ عَلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا حَنِثَ إلَخْ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ
قَالَ الْمَكَّاسُونَ لِلتَّاجِرِ بِعْتَ بِضَاعَةً بِلَا مَكْسٍ أَوْ حَدَثَ عَنْ الطَّرِيقِ لِأَجْلِ الْمَكْسِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ .
قَالَ شَيْخُنَا : أَيْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إكْرَاهٌ عَلَى نَفْسِ الْحَلِفِ بِعَيْنِهِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بَلْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَانْتَفَى شَرْطُ الْإِكْرَاهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا إلَخْ ) ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ كَلَامًا يَتَعَيَّنُ ذِكْرُهُ أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ أَوْدَعَهُ وَقَالَ لَا تُخْبِرْ بِهَا فَخَالَفَ فَسَرَقَهَا مَنْ أَخْبَرَهُ أَوْ مَنْ أَخْبَر مَنْ أَخْبَرَهُ ضَمِنَ وَلَوْ تَلْفِتْ بِسَبَبٍ آخَر لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ لَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هَلْ عِنْدَكَ لِفُلَانِ وَدِيعَةٌ فَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ كَتَمَهَا مِنْ حِفْظِهَا .
ا هـ .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ ( قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ) أَيْ فِي الْجُحُودِ ( قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( السَّبَبُ الثَّامِنُ الْجُحُودُ ) لَهَا ( وَجُحُودُهَا ) عَنْ مَالِكِهَا ( بَعْدَ الطَّلَبِ ) مِنْهُ لَهَا ( لَا قَبْلَهُ خِيَانَةٌ ) فَيَضْمَنُهَا بِخِلَافِ جُحُودِهَا قَبْلَهُ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ إخْفَاءَهَا أَبْلَغُ فِي حِفْظِهَا ( فَلَوْ قَالَ ) لَهُ مَالِكُهَا ( بِلَا طَلَبٍ لَهَا : لِي عِنْدَكِ وَدِيعَةٌ فَأَنْكَرَ ) أَوْ سَكَتَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهَا لِنَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِي الْجُحُودِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَانْ يُرِيدَ بِهِ زِيَادَةَ الْحِفْظِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ طَلَبِهَا كَمَا تَقَرَّرَ نَعَمْ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ غَرَضًا صَحِيحًا كَأَنْ أَمَرَ الظَّالِمُ مَالِكَهَا بِطَلَبِهَا مِنْ الْوَدِيعِ فَطَلَبَهَا مِنْهُ وَهُوَ يُحِبُّ جُحُودَهَا فَجَحَدَهَا حِفْظًا لَهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ .
فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْجُحُودِ الْمُضْمَنِ كُنْتُ غَلِطْت أَوْ نَسِيتُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ .
( السَّبَبُ الثَّامِن الْجُحُودِ ) .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَالَ فِي جُحُودِهِ إلَخْ ) وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ جُحُودِهِ وَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْكَ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ مُقْتَضَاهُ الِاكْتِفَاءُ مِنْ الْمُودَعِ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بَلْ التَّخْلِيَةُ وَقَدْ نَبَّهَ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ، ثُمَّ يُقَالُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ فَأَمَّا أَنْ يُقَدَّرَ خِلَافٌ أَوْ يُؤَوَّلُ مَا أَطْلَقُوهُ فَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ التَّأْوِيلَ
( فَرْعٌ ) .
( وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْجَاحِدِ ) لِلْوَدِيعَةِ بِإِيدَاعِهَا عِنْدَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهَا ( وَادَّعَى التَّلَفَ أَوْ الرَّدَّ لَهَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْجُحُودِ نَظَرْتَ فِي صِيغَةِ جُحُودِهِ ( فَإِنْ قَالَ فِي جُحُودِهِ لَا شَيْءَ ) أَوْ لَا وَدِيعَةَ ( لَك عِنْدِي صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ إذْ لَا تَنَاقَضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ نَعَمْ إنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ الْجُحُودِ بِأَنَّهَا كَانَتْ بَاقِيَةً يَوْمَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَالَ ( لَمْ تَرُدَّ عَنِّي لَمْ يُصَدَّقْ فِي الرَّدِّ ) لِتَنَاقُضِ كَلَامَيْهِ وَظُهُورِ خِيَانَتِهِ ( لَكِنْ لَوْ سَأَلَ التَّحْلِيفَ ) لِلْمَالِكِ ( أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى التَّلَفِ أَوْ الرَّدِّ قُبِلَ مِنْهُ ) لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ نَسِيَ ثُمَّ تَذَكَّرَ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِشَيْءٍ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَقَدْ حَكَيْنَا فِي الْمُرَابَحَةِ فِيمَا إذَا قَالَ : اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ ، ثُمَّ قَالَ : بَلْ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا فِي الْغَلَطِ وَأَنْ لَا يَذْكُرَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِهِ هُنَا وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ ثَمَّ مُعَارِضٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّأْوِيلِ لِيَجْتَمِعَ الْكَلَامَانِ ، وَإِنْكَارُ الْوَدِيعَةِ غَيْرُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ تَلَفِهَا فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرٍ مُحْتَمَلٍ ، الْوَدِيعَةُ أَصْلُهَا ثَابِتٌ بِتَوَافُقِهِمَا وَقَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى تَلَفِ الْعَيْنِ قَبْلَ الْجُحُودِ فَتَسْمَعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ انْتَهَى ، وَالْأُولَى أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مَبْنَى الْوَدِيعَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْقَصْدِ بِالدَّعْوَى فِيهَا بِمَا ذُكِرَ دَفْعُ الضَّمَانِ فَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ فِيهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَافْتَقَرَ سَمَاعُهَا فِيهِ إلَى تَأْوِيلٍ ( وَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ بَعْدَهُ ) أَيْ الْجُحُودِ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَضَمِنَ ) الْبَدَلَ
لِخِيَانَتِهِ بِالْجُحُودِ ( كَالْغَاصِبِ ) سَوَاءٌ أَقَالَ فِي جُحُودِهِ لَا شَيْءَ لَك عِنْدِي أَمْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي وَإِنْ ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
قَوْلُهُ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَبْضِ ) يُخْرِجُ بِذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا : لَوْ انْعَزَلَ الْوَلِيِّ الْمُودِعُ بِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَبَ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْهُ لَهَا ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْزَامُ الْمَالِكِ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَهَا وَكِيلُ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْمُودَعُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الرُّويَانِيُّ : لَوْ أَوْدَعَ لِصٌّ مَشْهُورٌ بِاللُّصُوصِيَّةِ مَالًا عِنْدَ رَجُلٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُودَعِ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَطَالَبَهُ الْمُودِعُ بِرَدِّهِ فَهَلْ يَرُدُّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُتَوَقَّفُ وَيُطْلَبُ صَاحِبُهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ رَدَّهُ .
( الْحُكْم الثَّالِثُ ) رَدَّهَا عِنْدَ بَقَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا ( الرَّدُّ لَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلُ لِلْقَبْضِ وَاجِبٌ بَعْدَ الطَّلَبِ ) مِنْهُ لَهَا لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَالْمُرَادُ بِهِ التَّخْلِيَةُ ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الرَّدِّ وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا أَهْلًا لِلْقَبْضِ كَأَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ كَانَ نَائِمًا فَوَضَعَهَا فِي يَدِهِ فَلَا يَكْفِي فِي الرَّدِّ بَلْ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ ( فَإِنْ أَخَّرَهُ ) بَعْدَ الطَّلَبِ ( ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ ( لَا ) إنْ أَخَّرَهُ ( بِعُذْرٍ كَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْخُرُوجِ ) مِمَّا هُوَ فِيهِ ( وَهُوَ فِي ظَلَامٍ ) الْوَدِيعَةُ بِخِزَانَتِهِ لَا يَتَأَتَّى فَتْحُهَا إذْ ذَاكَ ( أَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا يَطُولُ زَمَنُهُ غَالِبًا كَصَلَاةٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَطَهَارَةٍ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ هَرَبَهُ فَلَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَلَهُ أَنْ يُنْشِئَ مَا يَتَأَتَّى إنْشَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ كَالتَّطْهِيرِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ بَعِيدَةً عَنْ مَجْلِسِهِ .
( قَوْلُهُ كَأَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ ) أَيْ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ ر قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ سَكْرَانَ مَأْثُومًا بِهِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بَرِئَ ( قَوْلُهُ لَا بِعُذْرٍ كَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْخُرُوجِ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا أَخَّرَ لِإِتْمَامِ غَرَضِ نَفْسِهِ .
مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَخُوفٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْمُؤَجِّرُ الْتِزَامَ خَطَرِ الضَّمَانِ فَالْتَزَمَ لَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعَيْنُ إنْ غُصِبَتْ مَثَلًا وَقَدْ عَلَّلُوا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِمَا يَقْتَضِيهِ ( قَوْلُهُ : وَنَحْوُهُ بِمَا لَا يَطُولُ زَمَنُهُ غَالِبًا إلَخْ ) لَوْ كَانَ الْعُذْرُ مِمَّا يَطُولُ زَمَنُهُ كَاعْتِكَافِ شَهْرٍ نَذَرَهُ مَثَلًا وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ أَوْ إحْرَامٌ يَطُولُ زَمَنُهُ فَالْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ نُسُكِهِ مُضِرٌّ بِالْمَالِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ وَكِيلٍ مُتَبَرِّعٍ أَمِينٍ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرَ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ أَنْ يَرْفَعَ الْمُودِعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لَيَبْعَثَ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ مَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَإِلَّا بَعَثَ مَعَهُ مَنْ يُسَلِّمُهُ مَالَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْد ثُبُوتِ الْإِيدَاعِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ أَحَدٌ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ جِهَةٍ مَنْ يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا ع ، وَلَوْ طَالَبَ الْمُودَعُ الْمَالِكَ بِأَخْذِ وَدِيعَتِهِ لَزِمَهُ أَخْذُهَا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ لَا يَجِبُ فَكَذَا اسْتِدَامَةُ حِفْظِهَا وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حَالَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْقَبُولُ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ الِامْتِنَاعُ .
( فَرْعٌ إذَا أَوْدَعَاهُ مُشْتَرَكًا ) بَيْنَهُمَا ( لَمْ يُعْطِ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ ) وَإِنْ طَلَبَهَا ( إلَّا بِالْحَاكِمِ ) بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَقْسِمَهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْهُ إنْ انْقَسَمَ وَذَلِكَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِيدَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِرْدَادِ ( وَإِنْ قَالَ ) لَهُ مَالِكُهَا ( أَعْطِ ) الْوَدِيعَةَ ( وَكِيلِي ) فُلَانًا وَتَمَكَّنَ مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ ( ضَمِنَ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ ) الْوَكِيلُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ عَزَلَهُ فَيَصِيرُ مَا بِيَدِهِ كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَى طَلَبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَضْمَنُ ( وَكَذَا ) يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الرَّدِّ مَعَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ ( مَنْ ) وَجَدَ ضَالَّةً وَقَدْ ( عَرَّفَ مَالِكَ الضَّالَّةِ وَ ) مِنْ وَجَدَ ( مَا طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ ) إلَى دَارِهٍ ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ تَنْتَهِي بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ وَلَا يَسْتَمِرُّ إلَى الطَّلَبِ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ لِحُصُولِ الْمَالِ بِيَدِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَبِحُصُولِهِ فِي الْحِرْزِ الْفُلَانِيِّ إنْ عِلْمَهُ .
( وَإِنْ أَخَّرَهُ ) أَيْ الْإِعْطَاءَ ( عَنْ وَكِيلٍ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهِ ) بِالْقَبْضِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ ( أَوْ ) أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ ( لِيُعْطِيَ وَكِيلًا آخَرَ ) لِلْمَالِكِ ( وَقَدْ قَالَ لَهُ أَعْطِهَا أَحَدَ وُكَلَائِي ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ ( فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَلَا تُؤَخِّرَ فَأَخَّرَ عَصَى أَيْضًا ) وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْصَى بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ وَفِيهِ فِي الْأَصْلِ وَجْهَانِ وَعَدَمُ الْعِصْيَانِ ظَاهِرٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ ( فَإِنْ قَالَ لَهُ أَعْطِ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْصِ بِالتَّأْخِيرِ ) لِيُعْطِيَ آخَرَ ( وَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الْمَنْعُ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَيْهِ إلَخْ ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَمْرِ مَضْمُونَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْوَكِيلُ حَتَّى تَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ لَكِنْ لَوْ طَلَبَهَا الْمَالِكُ نَفْسُهُ وَجَبَ تَمْكِينُهُ دُون مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَلَوْ فُصِلَ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ فَيَجِبُ التَّمْكِينُ فَقَطْ أَمْ لَا فَيَجِبُ إعْلَامُهُ وَبَيْنَ أَنْ يُجِيبَ الْمُودِعُ سُؤَالَ الْمُودَعِ وَيَقُولَ نَعَمْ أَوْ لَا يُجِيبَ وَيَسْكُتَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ قَالَ احْفَظْ مَتَاعِي فَقَامَ وَتَرَكَهُ ( قَوْلُهُ وَقَضَيْتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْصَى بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ ) هُوَ الرَّاجِحُ قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَشْبَهَهُمَا الْمَنْعُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَعِبَارَتُهُ فِي غُنْيَتِهِ أَرْجَحُهُمَا .
( فَرْعٌ ) .
لَوْ ( أَمَرَهُ ) الْمَالِكُ ( بِإِعْطَاءِ الْوَدِيعَةِ وَكِيلَهُ أَوْ ) أَمَرَ مَنْ دَفَعَ هُوَ إلَيْهِ مَالَهُ ( بِإِيدَاعِ مَالِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ ) عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَدِيعِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَقْبُولٌ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ فَلَا يَقْتَضِي الْإِشْهَادَ وَلِأَنَّ الْوَدَائِعَ حَقُّهَا الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ .
( وَجْهَانِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : أَصَحُّهُمَا الثَّانِي : وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ ( فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ ) فَتَرَكَهُ ( فَالضَّمَانُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ) فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ( فِي التَّوْكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ) فَيَضْمَنُ إنْ دَفَعَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ دُونَ مَا إذَا دَفَعَ بِحَضْرَتِهِ .
( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّهْذِيبِ ) وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّفْعِ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ وَغِيبَتِهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَصَحَّهُمَا الثَّانِي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ .
( فَصْلٌ يُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ ) وَإِنْ وَقَعَ نِزَاعُهُ مَعَ وَارِثِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ وَلِأَنَّ التَّلَفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالِاخْتِيَارِ فَقَدْ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَمِنْ ثَمَّ قَبْلَ قَوْلِ غَيْرِ الْأَمِينِ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ ( وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ ) لِلتَّلَفِ ( فَإِنْ بَيَّنَهُ وَكَانَ ظَاهِرًا كَمَوْتِ الْحَيَوَانِ وَالنَّهْبِ ) وَالْحَرِيقِ وَالْغَارَةِ ( لَا الْغَصْبِ ) وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوهِمَا ( وَعَلِمَ ) بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الِاسْتِفَاضَةِ ( وَعَمَّ وَلَمْ يَحْتَمِلْ سَلَامَتَهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ ( صُدِّقَ بِلَا يَمِينِ ) ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَفِيَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ سَلَامَتَهَا قَيْدٌ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ وَعَمَّ خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ عَمَّ ظَاهِرًا لَا يَقِينًا فَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا ( أَوْ لَمْ يَعُمَّ أَوْ جَهِلَ عُمُومَهُ ) فَاحْتَمَلَ سَلَامَتهَا ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) فِي التَّلَفِ بِهِ لِاحْتِمَالِهِ .
وَقَوْلُهُ : أَوْ لَمْ يَعُمَّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ السَّبَبَ أَثَبْتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ حَلَفَ عَلَى التَّلَفِ بِهِ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَالِكَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ وَاسْتُحِقَّ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَكَذَا يُصَدَّقُ ) بِيَمِينِهِ ( فِي دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ ) وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْإِيدَاعِ أَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ مَعَ وَارِثِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَلِفِ نَابَ عَنْهُ وَارِثُهُ وَانْقَطَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِحَلِفِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( لَا عَلَى وَارِثِهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ ( فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ فَعَلَى الْوَدِيعِ الرَّدُّ إلَى وَرَثَتِهِ ) إنْ لَمْ يَعْلَمُوا الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَبَعْدَ طَلَبِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهَا وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهَا
ضَمِنَهَا ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَجِدْهُمْ رَدَّهَا ( إلَى الْحَاكِمِ ) .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ رَدُّهَا عَلَى الْوَرَثَةِ الرُّشَدَاءِ بَلْ يُرَاجِعُ الْحَاكِمُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ رَهْنًا عِنْدَ عَدْلٍ ( وَإِنْ مَاتَ الْوَدِيعُ فَعَلَى وَارِثِهِ رَدُّهَا ) إلَى مَالِكِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ ( فَلَوْ أَخَّرَا ) أَيْ الْوَدِيعُ وَوَارِثُهُ ( بَعْدَ التَّمَكُّنِ ) مِنْهُ ( ضَمِنَا وَلَوْ ادَّعَى التَّلَفَ ) لَهَا ( قَبْلَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ رَدِّهَا ( صُدِّقَا ) بِيَمِينِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُمَا ( وَإِنْ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ رَدَّهَا ) إلَى مَالِكِهَا ( لَمْ يُصَدَّقْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ ( أَوْ ) ادَّعَى ( رَدَّ مُوَرِّثِهِ ) لَهَا ( أَوْ تَلَفَهَا عِنْدَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُصُولِهَا فِي يَدِهِ ( وَلَا يُصَدِّقُ مُلْتَقَطٌ ) لِشَيْءٍ ( وَ ) لَا ( مَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ عَلَيْهِ ثَوْبًا فِي الرَّدِّ ) إلَى الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّدِّ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ كَمَوْتِ الْحَيَوَانِ ) أَيْ بِقَرْيَةٍ أَوْ رُفْقَةِ سَفَرِهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى مَوْتَهُ بِبَرِّيَّةٍ حَالَ انْفِرَادِهِ فَكَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ ع كَذَا يُقَالُ فِي الْغَصْبِ إنْ ادَّعَى وُقُوعَهُ فِي جَمْعٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَلَا ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَوْ اُشْتُهِرَ وُقُوعُ مَوْتٍ وَفَنَاءٍ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ كَالْحَرِيقِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعُمُومِ تَمَكُّنُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي .
وَكَتَبَ أَيْضًا سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ شَخْصٍ أَوْدَعَ شَخْصًا نَحْلًا فَادَّعَى الْمُودَعُ مَوْتَهُ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُصَدِّقُهُ بِيَمِينِهِ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي اشْتِرَاطِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي دَعْوَى الْمُودَعِ مَوْتَ الْحَيَوَانِ فَذَلِكَ فِي حَيَوَانٍ تَمَكَّنَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَالنَّحْلُ لَا تَمْكُنُ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ كُلَّمَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُ نَعَمْ إذَا ادَّعَى مَوْتَهُ بِسَبَبِ تَمَكُّنِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَحَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ احْتَاجَ إلَيْهَا .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } فَأَمَرَ بِالْأَدَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَرْشَدَ إلَيْهِ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا الْحُكْمُ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ أَمِينِ مِنْ وَكِيلٍ وَشَرِيكٍ وَعَامِلِ قِرَاضٍ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ ، وَكَتَبَ أَيْضًا : إنَّمَا يَقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ إذَا كَانَ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الْقَبْضِ وَوِلَايَتِهِ حَالَةَ الرَّدِّ فَيَخْرُجُ عَنْ هَذَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ع وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ
الْوَدِيعَةَ مِنْ الْحِرْزِ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يَدَّعِي فِعْلَ الْمَالِكِ وَفِي الْأَوَّلِ يَدَّعِي فِعْلَ نَفْسِهِ ( قَوْلُهُ : وَانْقَطَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِحَلِفِهِ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ حَلِفِهِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَ مُورِثِهِ فِي دَعْوَاهُ أَوْ ظَنَّهَا ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَ الْوَدِيعُ إلَخْ ) جُنُونُ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُودَعِ كَمَوْتِهِ .
( وَإِنْ أَوْدَعَ الْوَدِيعُ ) الْوَدِيعَةَ ( أَمِينًا عِنْدَ سَفَرِهِ فَادَّعَى ) الْأَمِينُ ( رَدَّهَا إلَيْهِ لَا إلَى الْمَالِكِ صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ بِخِلَافِ الْمَالِكِ ، قَالَ فِي الْأَصْلِ : كَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَفِيهِ ذَهَابٌ إلَى أَنَّ لِلْوَدِيعِ إذَا عَادَ مِنْ السَّفَرِ أَنْ يَسْتَرِدّهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ .
ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مَا يُخَالِفُهُ تَرَكْتُهُ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي نِهَايَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ فِيمَا لَوْ أَوْدَعَهُ شَيْئًا وَوَكَّلَهُ فِي إجَارَتِهِ فَأَجَّرَهُ وَانْقَطَعَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَعُودُ وَدِيعَةً نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْخُوَارِزْمِيَّ ثُمَّ قَالَ : وَفِيهِ نَظَرٌ ( فَإِنْ أَوْدَعَهُ ) أَيْ الْأَمِينُ إيَّاهَا ( بِتَعْيِينِ الْمَالِكِ ) لَهُ ( فَبِالْعَكْسِ ) فَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى مَنْ أَوْدَعَهُ ( وَإِنْ ادَّعَى ) الْوَدِيعُ ( أَنَّهُ أَوْدَعَهَا زَيْدًا بِتَعْيِينِ ) أَيْ بِإِذْنِ ( الْمَالِكِ ) لَهُ ( فَصَدَّقَهُ زَيْدٌ ) فِي الدَّفْعِ ( وَأَنْكَرَ الْمَالِكَ ) الْإِذْنَ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ ( وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا بِالْقِيمَةِ ) لَهَا لِلْفَيْصُولَةِ ( إنْ فَاتَتَ أَوْ الرَّدِّ ) لَهَا ( إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَوْ الْقِيمَةِ ) لَهَا ( لِلْحَيْلُولَةِ ) ثُمَّ ( إنْ غَابَتْ ) فَإِذَا حَضَرَتْ وَقَدْ غُرِمَ الْوَدِيعُ قِيمَتَهَا أَخَذَ الْوَدِيعَةَ وَرَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ وَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْقِيمَةَ ( وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ) بِمَا غَرِمَهُ ( لَزَعْمِهِ أَنَّ الظَّالِمَ ) لَهُ هُوَ ( الْمَالِكُ ) أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ زَيْدٌ فَيَصْدُقُ بِيَمِينِهِ وَيَخْتَصُّ الْغُرْمُ بِالْوَدِيعِ وَذَكَرَ مُطَالَبَةَ الْمَالِكِ الْأَمِينِ بِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَلَوْ اعْتَرَفَ ) الْمَالِكُ ( بِالْإِذْنِ ) فِي الْإِيدَاعِ مِنْ زَيْدٍ ( وَأَنْكَرَ الدَّفْعَ ) لَهُ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ ) أَيْ
بِالدَّفْعِ ( زَيْدٌ ) ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَدَّعِي الرَّدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ وَكَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ زَيْدٍ عَلَى الْمَالِكِ فِي الرَّدِّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِي التَّلَفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِمَا ) أَيْ بِالْإِذْنِ وَالدَّفْعِ ( وَأَنْكَرَ الْإِشْهَادَ ) بِالْإِيدَاعِ وَزَيْدٌ يُنْكِرُ الدَّفْعَ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى الْوَدِيعِ بِنَاءً عَلَى عَدِمَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ بِالْإِيدَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُهُ هَذَا الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَوْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى دَفْعِهَا إلَى الْأَمِينِ وَادَّعَى الْأَمِينُ رَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ تَلَفَهَا فِي يَدِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَإِنْ قَالَ ) الْمَالِكُ ( لَهُ أَوْدِعْهَا أَمِينًا مَا ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ ( فَفَعَلَ وَادَّعَى الْأَمِينُ التَّلَفَ ) لَهَا ( صُدِّقَ ) بِيَمِينِهِ ( لَا ) إنْ ادَّعَى ( الرَّدَّ ) لَهَا ( عَلَى الْمَالِكِ ) فَلَا يُصَدَّقُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ .