كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( وَوَقْتُهُ ) أَيْ ذَبْحِ الْهَدْيِ ( وَقْتُ ) ذَبْحِ ( الْأُضْحِيَّةِ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِي الْكِتَابِ الْآتِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي تَعَيُّنِ هَذَا الْوَقْتِ لِهَدْيِ الْمُعْتَمِرِ أَيْضًا ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ ؛ لِأَنَّا لَا نَشُكُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ } إنَّمَا قَصَدَ ذَبْحَهُ عَقِبَ تَحَلُّلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ بِمَكَّةَ حَيًّا وَيَرْجِعُ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَبْحِهِ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا عَيَّنَهُ لَهُ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ يَوْمًا آخَرَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَعْيِينِ الْيَوْمِ قُرْبَةٌ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ ( فَإِنْ تَأَخَّرَ ) ذَبْحُهُ عَنْ وَقْتِهَا ( وَهُوَ وَاجِبٌ قَضَاهُ ) وُجُوبًا لِإِخْرَاجِهِ لَهُ عَنْ وَقْتِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ فَإِنْ ذَبَحَهُ ( فَشَاةُ لَحْمٍ ) كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ
قَوْلُهُ وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَبْحِهِ ) أَيْ الْمَنْذُورِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَطْلَقَ ) وَقُلْنَا : يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا ( قَوْلُهُ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( كِتَابُ الضَّحَايَا ) .
جَمْعُ ضَحِيَّةٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا ، وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى ، وَهِيَ : مَا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ } أَيْ صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ النُّسُكَ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ { ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا } وَالْأَمْلَحُ قِيلَ : الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ وَقِيلَ : الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ وَقِيلَ : الَّذِي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ ( وَهِيَ ) أَيْ التَّضْحِيَةُ ( سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ) عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ( وَلَوْ بِمِنًى ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ وَاجِبًا ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِمَنْ تُسَنُّ لَهُ ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ حُرٍّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهِيَ مِنْهُ تَبَرُّعٌ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ ( وَيُحَافَظُ عَلَيْهَا الْقَادِرُ ) أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا تُسَنُّ لَهُ كَمَا مَرَّ ( وَتَجِبُ بِالنَّذْرِ ) كَسَائِرِ الْقُرَبِ وَكَذَا بِقَوْلِهِ جُعِلَتْ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي ( فَإِنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى )
شَاةً ( لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا ) أُضْحِيَّةً وَفَاءً عَمَّا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ هَذَا إنْ قَصَدَ الشُّكْرَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ فَنَذْرُ لَجَاجٍ وَسَيَأْتِي ( فَإِنْ عَيَّنَهَا ) فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَعَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً ( فَفِي لُزُومِ جَعْلِهَا ) أُضْحِيَّةً ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَهُوَ أَقْيَسُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّعْيِينِ وَقَدْ أَوْجَبَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ فَيَلْغُو كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا وَالثَّانِي نَعَمْ تَغْلِيبًا لِلنَّذْرِ ( وَلَا تَصِيرُ ) الْبَدَنَةُ أَوْ الشَّاةُ فِي هَذِهِ وَفِيمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ ( أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ، وَلَا بِالنِّيَّةِ ) ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ لَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِنِيَّةِ الْوَقْفِ أَوْ الْعِتْقِ .
( كِتَابُ الضَّحَايَا ) ( قَوْلُهُ { ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ } إلَخْ ) وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ { أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي } ( قَوْلُهُ ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ) بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ الْأَفْضَلُ مَا كَانَ أَعَمَّ نَفْعًا وَأَعْوَدَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ تَكُونُ التَّضْحِيَةُ أَفْضَلَ فِي وَقْتٍ مِنْ الصَّدَقَةِ وَبِالْعَكْسِ وَأَقُولُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ مَثَلًا وَوَجَدَ مُحْتَاجِينَ إلَى الصَّدَقَةِ لِعُرْيٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ غُرْمٍ قَدْ حُبِسُوا عَلَيْهِ مَثَلًا أَنَّ الْبِدَارَ إلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِلتَّضْحِيَةِ بِهِ وَإِنَّمَا يَنْقَدِحُ تَفْضِيلُهَا لَوْ كَانَ فِي وَقْتِهَا ، وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ أَعْظَمُ نَفْعًا مِنْهَا ( قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ) لِقَوْلِهِ : وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ وَقَوْلُهُ : لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ { ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَحَّى ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ } ؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يَتَعَيَّنُ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّصَدُّقِ فَمُحَالٌ أَنْ يَجِبَ الذَّبْحُ ( قَوْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا ) ؛ وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسَافِرَ فَكَذَا الْمُقِيمَ كَالْعَقِيقَةِ ( قَوْلُهُ قَادِرٍ عَلَيْهَا ) بِأَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ، وَلَوْ حَاجًّا بِمِنًى وَمَعَهُ هَدْيٌ ( قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا لَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ قَالَ شَيْخُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ لَمْ يَشْغَلْ ذِمَّتَهُ بِشَيْءٍ لِوُرُودِ النَّذْرِ عَلَى مُعَيَّنٍ قَبْلَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى حَيْثُ
اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِهَا بِسَبَبِ النَّذْرِ فَلَزِمَ الْجُعْلُ عَمَّا لَزِمَ ذِمَّتَهُ
( فَصْلٌ ، وَلَهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ ( شُرُوطٌ ) عَبَّرَ عَنْهَا الرَّافِعِيُّ كَالْغَزَالِيِّ بِالْأَرْكَانِ ( الْأَوَّلُ كَوْنُهَا مِنْ النَّعَمِ ) ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ تَعَالَى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا ؛ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانِ فَتَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ النَّعَمِ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مِنْ النَّعَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ هُنَا ، وَفِي الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَصْلِ أَعْلَى الْأَبَوَيْنِ سِنًّا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ بُلُوغُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ إلْحَاقًا لَهُ بِأَعْلَى السِّنَّيْنِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَدَّمْت نَظِيرَهُ فِي الزَّكَاةِ ( وَلَا ) يُجْزِئُ ( أَقَلُّ مِنْ جَذَعِ الضَّأْنِ وَثَنْيِ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَذَعُ ذُو سَنَةٍ ) تَامَّةٍ نَعَمْ إنْ أَجْذَعَ قَبْلَهَا أَيْ أَسْقَطَ سِنَّهُ أَجْزَأَ كَمَا لَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يُجْذِعَ وَلِعُمُومِ خَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ { ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ } فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَسْبَقُهُمَا وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ( وَالْمَعْزُ وَالْبَقَرُ ) أَيْ الثَّنْيُ مِنْهُمَا ( ذُو سَنَتَيْنِ ) تَامَّتَيْنِ ( وَالْإِبِلُ ) أَيْ الثَّنْيُ مِنْهَا ( ذُو خَمْسِ سِنِينَ تَامَّةً ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا إنْ تَعَسَّرَ عَلَيْكُمْ فَاذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ فَمَا فَوْقَهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الثَّنَايَا تَتَهَيَّأُ لِلْحَمْلِ وَالنَّزَوَانِ فَانْتِهَاؤُهَا إلَى هَذَا الْحَدِّ كَبُلُوغِ الْآدَمِيِّ وَحَالُهَا قَبْلَهُ كَحَالِ الْآدَمِيِّ قَبْلَ بُلُوغِهِ ا هـ .
، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ تَتَهَيَّأُ لِذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ وَقَضِيَّةُ الْخَبَرِ أَنَّ جَذَعَةَ الضَّأْنِ لَا تُجْزِئُ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْمُسِنَّةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَحَمَلُوا الْخَبَرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَتَقْدِيرُهُ : يُسْتَحَبُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ ضَأْنٍ .
( قَوْلُهُ ، وَهِيَ الْإِبِلُ ) وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ ( قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ هُنَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَعْلَى الْأَبَوَيْنِ سِنًّا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ اعْتِبَارِ أَعْلَى السِّنِينَ مُطْلَقًا قَالَ الْأُشْمُونِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا تَرَدَّدَ شَبَهُهُ بَيْنَ أَصْلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ أَمَّا الَّذِي تَمَحَّضَ شَبَهُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ فِي السِّنِّ فَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَاقَةٍ ، وَجَاءَ عَلَى شَكْلِهَا فَالِاعْتِبَارُ بِهَا أَوْ عَلَى شَكْلِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالِاعْتِبَارُ بِالْأَكْبَرِ سِنًّا ، وَكَذَا إنْ تَرَدَّدَ شَبَهُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ ، فَإِنْ تَرَجَّحَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالِاعْتِبَارُ بِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَلْزَمُ الْأُشْمُونِيُّ أَنْ يَقُولَ بِإِجْزَائِهِ عَنْ سَبْعَةٍ إذَا شَابَهَ الْبَقَرَ فَقَطْ ، وَأَنْ يَقُولَ بِذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ تُخَالِفُ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ مَا قَالُوهُ مِنْ اعْتِبَارِ أَعْلَى السِّنَّيْنِ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ إلَخْ ) لَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ أُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ وَذَكَرٍ مِنْ الْمَعْزِ لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَالْمَعْزُ وَالْبَقَرُ ذُو سَنَتَيْنِ ) فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الضَّأْنِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ فِيهِ مِنْ طِيبِ اللَّحْمِ مَا يَجْبُرُ فَوَاتَ السِّنِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
( فَصْلٌ ) فِي صِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ ( وَلَا تُجْزِئُ مَا بِهَا مَرَضٌ ) بَيِّنٌ بِحَيْثُ ( يُوجِبُ الْهُزَالَ أَوْ عَرَجٌ بَيِّنٌ ) بِحَيْثُ تَسْبِقُهَا الْمَاشِيَةُ إلَى الْكَلَأِ الطَّيِّبِ وَتَتَخَلَّفُ عَنْ الْقَطِيعِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ { أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ : الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي } مَأْخُوذَةٌ مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ ، وَهُوَ الْمُخُّ أَيْ لَا مُخَّ لَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَ مِنْ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ ( وَلَوْ حَدَثَ ) بِهَا الْعَرَجُ ( تَحْتَ السِّكِّينِ ) فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهَا عَرْجَاءُ عِنْدَ الذَّبْحِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُ شَاةٍ فَبَادَرَ إلَى التَّضْحِيَةِ بِهَا ( وَلَا ) يُجْزِئُ ( مَا بِهَا جَرَبٌ ، وَإِنْ قَلَّ ) أَوْ رُجِيَ زَوَالُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ وَيُنْقِصُ الْقِيمَةَ ( أَوْ ) بِهَا ( عَمًى أَوْ عَوَرٌ ) ، وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ ( وَلَوْ بَقِيَتْ الْحَدَقَةُ ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ كَمَالُ النَّظَرِ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَتُجْزِئُ الْعَمْشَاءُ ) ، وَهِيَ ضَعِيفَةُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا ( وَالْمَكْوِيَّةُ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ ( وَكَذَا الْعَشْوَاءُ ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا تُبْصِرُ لَيْلًا ؛ لِأَنَّهَا تُبْصِرُ وَقْتَ الرَّعْيِ ( وَمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ ) إذْ لَا نَقْصَ فِيهَا وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِالشَّرْقَاءِ ، وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَوْ عَلَى مَا أُبِينَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْمَشْرِقِ ( إلَّا إنْ أُبِينَ جُزْءٌ مِنْهَا ، وَلَوْ يَسِيرًا أَوْ فُقِدَتْ الْأُذُنُ ) مِنْهَا ( خَلْقًا ) لِفَوَاتِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ ( وَلَا ) تُجْزِئُ ( هَزِيلَةٌ ذَهَبَ مُخُّهَا ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهَا بَعْضُ هُزَالٍ ، وَلَمْ يَذْهَبْ مُخُّهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ( وَ ) لَا ( مَجْنُونَةٌ ) ، وَهِيَ
الَّتِي ( قَلَّ رَعْيُهَا ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْهُزَالَ .
( قَوْلُهُ ، وَلَا يُجْزِئُ مَا بِهَا مَرَضٌ إلَخْ ) وَشَرْطُهَا سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ لَحْمًا ، قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا تُجْزِئَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ لِنَقْصِ لَحْمِهَا بَلْ جَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ لِنُقْصَانِهَا ، وَهُزَالِهَا بِالْوِلَادَةِ غ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّ نَقْصَ غَيْرِ اللَّحْمِ لَا يُؤَثِّرُ ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ مَقْطُوعَةَ الْأَلْيَةِ أَوْ الْأُذُنِ مُؤَثِّرٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ فَلَوْ قَالَ مَا يُنْقِصُ مَأْكُولَهَا لَكَانَ أَوْلَى ( قَوْلُهُ أَوْ فَقَدَتْ الْأُذُنَ خَلْقًا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ شَلَلُ الْأُذُنِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إذَا اسْتَحْشَفَتْ بِالْكُلِّيَّةِ مُنِعَتْ قَطْعًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا بَعْضُ حَيَاةٍ فَيُحْتَمَلُ .
ا هـ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ هَلْ تُؤْكَلُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُؤْكَلُ امْتَنَعَ ، وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ ، وَلَا مَجْنُونَةٌ ) ، وَلَا تُجْزِئُ الْهَيْمَاءُ ، وَهِيَ الَّتِي لَا تُرْوَى بِقَلِيلِ الْمَاءِ ، وَلَا بِكَثِيرِهِ وَالْهُيَامُ بِضَمِّ الْهَاءِ دَاءٌ يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ
( وَيُجْزِئُ الْفَحْلُ وَالْأُنْثَى ، وَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُهُ ) أَيْ الْفَحْلِ ( وَوِلَادَتُهَا ) أَيْ الْأُنْثَى ، فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تُجْزِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُهْزِلُهَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ وَفِي بُيُوعِ الرَّوْضَةِ وَصَدَاقِهَا مَا يُوَافِقُهُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُجْزِئُ ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِهَا مِنْ نَقْصِ اللَّحْمِ يَنْجَبِرُ بِالْجَنِينِ فَهُوَ كَالْخَصِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ لَا يَبْلُغُ حَدَّ الْأَكْلِ كَالْمُضْغَةِ وَبِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّحْمِ لَا تَجْبُرُ عَيْبًا بِدَلِيلِ الْعَرْجَاءِ السَّمِينَةِ ( وَلَوْ فَقَدَتْ الضَّرْعَ وَالْأَلْيَةَ أَوْ الذَّنَبَ خَلْقًا أَجْزَأَتْ ) أَمَّا فِي الْأَوَّلَيْنِ فَكَمَا يُجْزِئُ ذَكَرُ الْمَعْزِ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ ( لَا ) إنْ كَانَ الْفَقْدُ لِذَلِكَ ( بِقَطْعٍ ، وَلَوْ لِبَعْضٍ ) مِنْهُ ( أَوْ ) بِقَطْعِ ( بَعْضِ لِسَانِهَا ) لِحُدُوثِ مَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ اللَّحْمِ ( وَلَا يَضُرُّ قَطْعُ فِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ ) كَفَخِذٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعُضْوِ لِنُقْصَانِ اللَّحْمِ وَكَوْنِ الْعُضْوِ لَازِمًا لِلْجِنْسِ .
( وَيُجْزِئُ خَصِيٌّ وَمَوْجُوءٌ ) أَيْ مَرْضُوضُ عُرُوقِ الْبَيْضَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ اللَّحْمَ طِيبًا وَكَثْرَةً وَبِهِ يَنْجَبِرُ مَا فَاتَ مِنْ الْبَيْضَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَا يُؤْكَلَانِ عَادَةً بِخِلَافِ الْأُذُنِ ( ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْقَرْنِ وَ ) لَا ( كَسْرٌ ) لَهُ ( لَمْ يَعِبْ اللَّحْمَ ) ، وَإِنْ دَمِيَ بِالْكَسْرِ ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَبِيرُ غَرَضٍ فَإِنْ عِيبَ اللَّحْمُ ضَرَّ كَالْجَرَبِ وَغَيْرِهِ ( وَغَيْرِهَا ) ، وَهِيَ ذَاتُ الْقَرْنِ ( أَوْلَى )
لِلِاتِّبَاعِ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ { خَيْرُ التَّضْحِيَةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ ؛ وَلِأَنَّهَا أَحْسَنُ مَنْظَرًا بَلْ يُكْرَهُ غَيْرُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ ( وَلَا يَمْنَعُ ) مِنْ الْإِجْزَاءِ ( ذَهَابُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِلَافِ وَنَقْصِ اللَّحْمِ ( فَلَوْ ذَهَبَ الْكُلُّ مُنِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّر فِي ذَلِكَ وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَعْضِ إذَا أَثَّرَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُجْزِئُ مَكْسُورُ سِنٍّ أَوْ سِنَّيْنِ ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ
قَوْلُهُ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ ) وَنَقَلَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ وَالْحَمْلَ يُهْزِلُهَا وَيَقِلُّ بِسَبَبِهِ لَحْمُهَا ( قَوْلُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَنِينَ إلَخْ ) وَأَيْضًا فَلَحْمُ الْحَامِلِ رَدِيءٌ ع ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَعْضِ إذَا أَثَّرَ يَكُونُ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) فِي صِفَةِ الْكَمَالِ ( اسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ ) فِي الْأُضْحِيَّةِ بِنَوْعٍ ( أَفْضَلُ مِنْ ) اسْتِكْثَارِ ( الْعَدَدِ ) مِنْهُ ( بِخِلَافِ الْعِتْقِ ) ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ دِينَارٌ وَوَجَدَ بِهِ شَاةً سَمِينَةً وَشَاتَيْنِ دُونَهَا فَالشَّاةُ أَفْضَلُ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ وَأَرَادَ عِتْقَ مَا يَشْتَرِيهِ بِهَا فَعَبْدَانِ خَسِيسَانِ أَفْضَلُ مِنْ عَبْدٍ نَفِيسٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ ، وَلَحْمُ السَّمِينِ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ مِنْ الرِّقِّ وَتَخْلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى مِنْ تَخْلِيصِ وَاحِدٍ ( وَاللَّحْمُ ) أَيْ كَثْرَتُهُ ( خَيْرٌ مِنْ ) كَثْرَةِ ( الشَّحْمِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمًا رَدِيئًا وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاسْتَحَبُّوا تَسْمِينَهَا فَالسَّمِينَةُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْهَدْيِ ( وَأَفْضَلُهَا الْبَدَنَةُ ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ ، ثُمَّ الضَّأْنُ ، ثُمَّ الْمَعْزُ ) ، ثُمَّ شِرْكٌ مِنْ بَدَنَةٍ ، ثُمَّ مِنْ بَقَرَةٍ اعْتِبَارًا بِكَثْرَةِ اللَّحْمِ غَالِبًا وَلِانْفِرَادِهِ بِإِرَاقَةِ دَمٍ فِيمَا قَبْلَ الشِّرْكِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ تَقْدِيمُ الْبَدَنَةِ ، ثُمَّ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ الْكَبْشِ ( وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ ) بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَالدَّمَ الْمُرَاقَ لِذَبْحِهَا أَكْثَرُ ، وَالْقُرْبَةُ تَزِيدُ بِحَسَبِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُؤَدِّي التَّعَارُضُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَى التَّسَاوِي ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ( وَالْبَيْضَاءُ أَفْضَلُ ، ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ) ، وَهِيَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( ثُمَّ الْعَفْرَاءُ ) ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ، ثُمَّ الْبَلْقَاءُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ .
( ثُمَّ السَّوْدَاءُ ) قِيلَ : لِلتَّعَبُّدِ وَقِيلَ : لِحُسْنِ الْمَنْظَرِ وَقِيلَ لِطِيبِ اللَّحْمِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ خَبَرَ { لَدَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ } وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ قَبْلَ الْأَبْلَقِ الْأَحْمَرَ ( وَالذَّكَرُ أَفْضَلُ ) مِنْ الْأُنْثَى ؛ لِأَنَّ
لَحْمَهُ أَطْيَبُ مِنْ لَحْمِهَا ( فَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُهُ فَضَلَتْهُ ) الْأُنْثَى ( الَّتِي لَمْ تَلِدْ ) ؛ لِأَنَّهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ لَحْمًا ، وَعَلَيْهَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَالْأُنْثَى أَحَبُّ إلَيَّ ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا قُوِّمَتْ لِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ وَالْأُنْثَى أَكْثَرُ قِيمَةً ، وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ شَيْئًا مِنْ الْحَمْلَيْنِ نَعَمْ صَحَّحَ الْجُوَيْنِيُّ فِي فُرُوقِهِ الْأَوَّلَ وَنَسَبَ فِي الذَّخَائِرِ الثَّانِي لِلْأَصْحَابِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَمْلَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ هُنَا إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ .
صِفَةِ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ ، ثُمَّ شِرْكٌ مِنْ بَدَنَةٍ وَشَاةٍ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ بِقَدْرِهَا فِي بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ فِيهِ بِوَجْهَيْنِ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ طَوِيلَةٍ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا شَارَكَ بِسُبُعِهَا بَدَلًا عَنْ الشَّاةِ لَا مُطْلَقًا ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ إذَا شَارَكَ فِي سُبُعٍ مَثَلًا وَسَكَتُوا عَمَّا إذَا شَارَكَ وَاحِدٌ خَمْسَةً فِي بَعِيرٍ ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ تَفْضِيلَ الشَّاةِ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي تَفَقُّهًا ( قَوْلُهُ ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ ) لَوْ تَعَارَضَ أَسْوَدُ سَمِينٌ وَأَبْيَضُ هَزِيلٌ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْأَسْوَدِ ا هـ .
قَالَ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ إلَّا أَنْ تَكُونَ السَّوْدَاءُ أَسْمَنَ فَهِيَ أَفْضَلُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ مِنْ لَحْمِهَا ) الْقِيَاسُ تَفْضِيلُ الذَّكَرِ عَلَى الْخُنْثَى وَتَفْضِيلُ الْخُنْثَى عَلَى الْأُنْثَى لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ
( فَصْلٌ الشَّاةُ ) تُجْزِئُ ( عَنْ وَاحِدٍ فَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ أَوْ عَنْهُ وَأَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ ) وَعَلَيْهِمَا حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ } ، وَهِيَ فِي الْأَوْلَى سُنَّةُ كِفَايَةٍ تَتَأَدَّى بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَالِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِذَلِكَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّوَابَ فِيمَا ذُكِرَ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ كَمَا فِي الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ .
( قَوْلُهُ تَتَأَدَّى بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ نَفَقَتُهُ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْجَارِ غ وَقَوْلُهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الثَّوَابَ فِيمَا ذُكِرَ لِلْمُضَحِّي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ) كَمَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ فِي التَّحَلُّلِ لِلْإِحْصَارِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ { نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا قَالَ { : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا أَنْ نُشْرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلَّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ } ( وَلَهُمْ الْقِسْمَةُ ) أَيْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قِسْمَتَهُ كَسَائِرِ الْمُتَشَابِهَاتِ إفْرَازٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ هُنَا وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ .
( وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي شَاتَيْنِ ) لِلتَّضْحِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَالْهَدْيِ ( لَمْ يَجُزْ ) اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِهِ وَلِتَمَكُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الِانْفِرَادِ بِوَاحِدَةٍ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ إعْتَاقِ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ عَنْ الْكَفَّارَةِ : بِأَنَّ التَّشْقِيصَ عَيْبٌ وَمُطْلَقُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ يُنْقِصُ اللَّحْمَ لَا مُطْلَقُ الْعَيْبِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِاخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ ثَمَّ تَخْلِيصُ رَقَبَةٍ مِنْ الرِّقِّ وَقَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ ، وَهُنَا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ بِمَا فَعَلَ ( وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ ) مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ بَدَلَ شَاةٍ وَاجِبَةٍ ( فَالزَّائِدُ عَلَى السُّبْعِ تَطَوُّعٌ ) وَ ( يَصْرِفُهُ ) أَيْ الزَّائِدَ ( إلَى أَنْوَاعِ ) مَصْرِفِ أُضْحِيَّةِ ( التَّطَوُّعِ ) مِنْ إهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ ( إنْ شَاءَ ) ، وَإِنْ شَاءَ فَعَلَ فِيهِ مَا يَفْعَلُ فِي سَائِرِ الضَّحَايَا الْمُتَطَوَّعِ بِهَا مِنْ أَكْلٍ وَإِهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ وَقَوْلُهُ وَيَصْرِفُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي .
( الشَّرْطُ الثَّانِي الْوَقْتُ ) أَيْ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ ( وَهُوَ مِنْ حِينِ يَمْضِي قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَانِ مِنْ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَلَوْ ) كَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ ( مَنْذُورَةً ) ، فَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَقَعْ أُضْحِيَّةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ : أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّي ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ } وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ { فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ } قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ لَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالزَّمَانِ أَشْبَهُ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ؛ وَلِأَنَّهُ أَضْبَطُ لِلنَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي ( وَيَقْضِي ) الْمَنْذُورَةَ وُجُوبًا إذَا فَاتَ الْوَقْتُ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ لَزِمَهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَمِثْلُهَا مَا لَوْ قَالَ : جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( دُونَ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا ) فَلَا تُقْضَى ( فَإِنْ ذَبَحَ الْمُتَطَوَّعُ بِهَا ) بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ ( فَهِيَ صَدَقَةٌ ) إنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَيُثَابُ ثَوَابَ الصَّدَقَةِ لَا الْأُضْحِيَّةِ ، وَإِنْ ضَحَّى بِهَا فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقَعَتْ عَنْهَا لَا عَنْ الْأُولَى ( وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْأُضْحِيَّةِ وَفِيهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخَطَأَ فِي الْمَذْبَحِ ؛ وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَحْضُرُونَ فِيهِ حُضُورَهُمْ بِالنَّهَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَا مَعْنًى لِكَرَاهَةِ الذَّبْحِ إذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَتُهُ أَوْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ نَهْيًا أَوْ احْتَاجَ هُوَ وَأَهْلُهُ إلَى الْأَكْلِ مِنْهَا أَوْ نَزَلَ بِهِ أَضْيَافٌ أَوْ حَضَرَ مَسَاكِينُ الْقَرْيَةِ ، وَهُمْ
مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَكْلِ مِنْهَا .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي شَاتَيْنِ ) قَالَ شَيْخُنَا مِثْلُ الشَّاتَيْنِ الشِّيَاهُ ( قَوْلُهُ مِنْ طُلُوعِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَخْ ) وَيَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَإِنْ ضَحَّى بِعَدَدٍ ( قَوْلُهُ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَلَطًا حُسِبَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ ، وَإِنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ وَذَبَحُوا يَوْمَ التَّاسِعِ ، ثُمَّ بَانَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ التَّضْحِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ ، وَالتَّطَوُّعُ تَبَعٌ لِلْحَجِّ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَأَعَادَهُ كَانَ حَسَنًا ا هـ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَمْ أَرَ الدَّارِمِيَّ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْهَدْيَ وَالشَّيْخُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا إثْرَ كَلَامِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ ، وَسَبَقَ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا وَنَحَرُوا فَوَافَقَ مَا قَبْلَهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى هُنَا صُورَتَانِ : النِّسْيَانُ وَالْغَلَطُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَا أَحْسِبُ الْأَصْحَابَ يَسْمَحُونَ بِالتَّقْدِيمِ عَمْدًا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ أَصْلًا ( قَوْلُهُ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ { فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ } ) ؛ وَلِأَنَّ ثَالِثَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ فِي الرَّمْيِ وَتَحْرِيمِ الصَّوْمِ فَكَذَلِكَ الذَّبْحُ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ لَزِمَهُ ) فَيَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتٍ يَلْقَاهُ بَعْدَ النَّذْرِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بِاللَّفْظِ أُضْحِيَّةً فَتَعَيَّنَ لِذَبْحِهَا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ وَخَالَفَ هَذَا الْمَنْذُورَ وَالْكَفَّارَاتِ حَيْثُ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّهَا فِيمَا أُرْسِلَ فِي الذِّمَّةِ ، وَهَاهُنَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَيْنِ
، وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّأْجِيلِ ، وَلِهَذَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ بِنَفْسِ النَّذْرِ عَلَى الْأَصَحِّ ر ( قَوْلُهُ فَإِنْ ذَبَحَ الْمُتَطَوَّعَ بِهَا إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قِيلَ : لِمَ خَرَّجْتُمْ قَضَاءَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قُلْنَا الرَّوَاتِبُ إذَا فَاتَتْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا أَدَاءً فَلَوْ لَمْ نَقْضِهَا لَتَحَقَّقَ فَوَاتُهَا وَالْأُضْحِيَّةُ إنْ فَاتَتْ فِي سَنَةٍ أَمْكَنَ تَدَارُكُهَا فِي أُخْرَى إذْ الْوَقْتُ قَابِلٌ لِأَضَاحِيَّ فَلَا يَنْقَدِحُ مَعْنَى الْقَضَاءِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ الذَّبْحِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الشَّرْطُ الثَّالِثُ الذَّابِحُ ) ، وَهُوَ مَنْ تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ وَالْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي ) بِنَفْسِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ؛ وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ فَتُسَنُّ مُبَاشَرَتُهَا ( أَوْ يُوَكِّلَ ) فِي ذَلِكَ ( مُسْلِمًا فَقِيهًا ) بِبَابِ الضَّحَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ أَيْ فِي ثَوَابِهِ وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجَعَلَهَا فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا } ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِم أَهْل لِقُرْبَةٍ وَالْفَقِيهَ أُعْرَفُ بِوَاجِبَاتِ الذَّبْحِ وَسُنَنِهِ وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ ، فَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ كَانَ أَوْلَى نَعَمْ الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَنْ يُوَكِّلَا رَجُلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ التَّوْكِيلِ لِكُلِّ مَنْ ضَعُفَ عَنْ الذَّبْحِ مِنْ الرِّجَالِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِلْأَعْمَى وَكُلِّ مَنْ تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ ( وَ ) أَنْ ( يَحْضُرَ ) الذَّبْحَ إذَا وَكَّلَ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِك } ( وَيُجْزِئُ كِتَابِيٌّ ) أَيْ تَوْكِيلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلذَّبْحِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَانَ الْمُسْلِم فِي قُرَبِهِ بِالْكَافِرِ كَمَا يَعْتَانُ بِهِ فِي قِسْمَةِ الزَّكَاةِ ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ إذْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ ( وَيُكْرَهُ صَبِيٌّ وَأَعْمَى ) أَيْ تَوْكِيلُهُمَا ( وَالْحَائِضُ ) أَيْ تَوْكِيلُهَا ( أَوْلَى مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ تَوْكِيلِهِمَا ، وَلَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُهَا
؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ ، ثُمَّ قَالَ : لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَكَالْحَائِضِ النُّفَسَاءُ وَذِكْرُ الْأَعْمَى مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحَائِضَ أَوْلَى مِنْهُ مِنْ زِيَادَتِهِ .
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْمُضَحِّي بِنَفْسِهِ ) وَأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ بِمَشْهَدِ أَهْلِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ التَّوْكِيلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَالصَّبِيُّ ) الْمُسْلِمُ أَيْ تَوْكِيلُهُ ( أَوْلَى مِنْ ) تَوْكِيلِ ( الْكِتَابِيِّ ) وَمِثْلُهُ الْأَعْمَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ .
( وَلَا بُدَّ ) فِي التَّضْحِيَةِ ( مِنْ النِّيَّةِ ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ( وَلَوْ قَبْلَ الذَّبْحِ ) عِنْدَ تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ ( وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ) بِأَنْ قَالَ جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً ( أَوْ ) عَيَّنَهَا ( عَنْ نَذْرٍ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ تُجْزَ عَنْ نِيَّةِ الذَّبْحِ ) لِلْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَكْفِي تَعْيِينُهَا ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهَا ( وَلَوْ نَوَى دُونَ وَكِيلِهِ ، وَلَوْ عِنْدَ الدَّفْعِ ) أَيْ دَفْعِ الْأُضْحِيَّةِ ( إلَيْهِ ) أَوْ تَعْيِينِهِ لَهَا ( كَفَى ) فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ الْوَكِيلِ بَلْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُضَحٍّ لَمْ يَضُرَّ ( وَيَجُوزُ تَفْوِيضُهَا إلَى الْوَكِيلِ الْمُسْلِمِ ) الْمُمَيِّزِ كَمَا يُفَوِّضُ إلَيْهِ الذَّبْحَ ، وَكَمَا فِي الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمْ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { ، وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَفْوِيضُهَا إلَى الْوَكِيلِ الْمُسْلِمِ إلَخْ ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ ذَبَحَ الْمُوَكِّلُ أَوْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ مُسْلِمًا آخَرَ أَوْ ذِمِّيًّا
( ، وَلَا أُضْحِيَّةَ لِرَقِيقٍ ) ، وَلَوْ مُدَبَّرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ( فَإِنْ أَذِنَ لَهُ ) سَيِّدُهُ وَضَحَّى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَاتَبٍ ( وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ ) أَيْ عَنْهُ أَوْ مُكَاتَبًا ( وَ ) قَعَتْ ( عَنْ الْمُكَاتَبِ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ تَبَرُّعٌ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ سَيِّدُهُ وَيُوَجَّهُ وُقُوعُهَا عَنْ السَّيِّدِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ بِالْإِذْنِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَدَهُ كَيَدِهِ ( وَلِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ أَنْ يُضَحِّيَ بِمَا يَمْلِكُهُ ) بِحُرِّيَّتِهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ( ، وَلَا يُضَحِّي أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مَيِّتًا ) فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَقَعَتْ عَنْهُ ، وَصُورَةُ الْإِذْنِ فِي الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا { أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ : إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا } فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَقَعُ عَنْهُ ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إذَا ضَحَّى عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( نَعَمْ تَقَعُ عَنْ الْمُضَحِّي ) أُضْحِيَّةٌ ( مُعَيَّنَةٌ بِالنَّذْرِ ) مِنْهُ فَمُعَيَّنَةٌ مَرْفُوعٌ بِالْفَاعِلِيَّةِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِالْحَالِيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَصُورَةُ الْإِذْنِ فِي الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا ) هَذَا فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ أُضْحِيَّةٌ مَنْذُورَةٌ وَمَاتَ ، وَلَمْ يُوصِ بِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ نَعَمْ تَقَعُ عَنْ الْمُضَحِّي مُعَيَّنَةً ) يُسْتَثْنَى أَيْضًا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الَّذِي أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْأَصْحَابِ ، وَلَا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُخْرَجُ عَنْهُ الْفِطْرَةُ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ الْمَحْجُورِ مِنْ مَالِهِ
( الشَّرْطُ الرَّابِعُ الذَّبْحُ ، وَلَا يَحِلُّ حَيَوَانٌ ) مَأْكُولٌ ( مَقْدُورٌ عَلَيْهِ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ ) إنْسِيًّا كَانَ أَوْ وَحْشِيًّا أُضْحِيَّةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا ( إلَّا بِالتَّذْفِيفِ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ) حَالَةَ كَوْنِ الْقَطْعِ ( مَحْضًا ) أَيْ خَالِصًا ( وَالْحَيَاةِ مُسْتَقِرَّةٌ لَا بِعَظْمٍ وَظُفُرٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا ، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ قَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ } وَأُلْحِقَ بِهِمَا بَاقِي الْعِظَامُ وَسَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ كَأَصْلِهِ جَمِيعُ تَأْكِيدٍ ( وَلَا يُقْطَعُ ) الرَّأْسُ ( بِإِلْصَاقِ السِّكِّينِ بِاللَّحْيَيْنِ ) فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهَا ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ صَدْرُ كَلَامِهِ الْآتِي عَلَى الْأَثَرِ ، وَلَوْ جَعَلَهُ مِثَالًا لَهُ كَانَ أَوْلَى ( فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا أَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ ) أَوْ غَيْرِهِ ( بِبُنْدُقَةٍ ) أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ بَقِيَ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ شَيْءٌ ( يَسِيرٌ ) فَمَاتَ الْحَيَوَانُ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ رَفْعِ السِّكِّينِ مَا بَقِيَ بَعْدَ انْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ( فَمَيْتَةٌ وَيَعْصَى بِالذَّبْحِ وَمِنْ الْقَفَا وَ ) مِنْ ( الصَّفْحَةِ ) أَيْ الصَّفْحَةِ الْعُنُقِ ( وَ ) مِنْ ( إدْخَالِ السِّكِّينِ فِي الْأُذُنِ ) لِزِيَادَةِ الْإِيلَامِ ( فَإِنْ وَصَلَ الْمَذْبَحَ ) فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ ) هـ ( حَلَّ ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ جِلْدَتَهُمَا ) أَيْ الْحُلْقُومِ الْمَرِيءِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ الْحَيَوَانِ ، ثُمَّ ذَبَحَهُ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَذْبَحَ أَوْ وَصَلَهُ ، وَالْحَيَاةُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ فَقَطَعَهُ لَمْ يَحِلَّ ( وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ
اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي قَطْعِهِمَا ) جَمِيعِهِمَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِأَنْ انْتَهَى بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمَا نَالَهُ بِسَبَبِ قَطْعِ الْقَفَا وَالصَّفْحَةِ وَإِدْخَالِ السِّكِّينِ فِي الْأُذُنِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ مَنْ ( تَأَنَّى فِي الذَّبْحِ فَلَمْ يُتِمَّهُ حَتَّى ذَهَبَ اسْتِقْرَارُهَا ) أَيْ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي التَّأَنِّي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ ، وَلَوْ لَمْ نُحَلِّلْهُ أَدَّى إلَى حَرَجٍ .
( قَوْلُهُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا قَطَعَ الْبَعْضَ وَانْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ، ثُمَّ قَطَعَ بَعْدُ فَلَا يَحِلُّ نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَطَعَ ذَلِكَ فِي مَرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ فَلَوْ قَالَا : فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ أَصْوَبَ وَكَتَبَ أَيْضًا الْكَلَامَ فِي الذَّكَاةِ اسْتِقْلَالًا فَلَا يَرِدُ الْجَنِينُ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الصَّيْدُ الَّذِي قَتَلَهُ سَهْمٌ أَوْ جَارِحَةٌ ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ يَنِدُّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَيْثُ أَمْكَنَ فَإِنَّ ذَلِكَ ذَكَاةٌ لَهُمَا قَالَ ، وَكَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ وَيَحْرُمُ ذَبْحُ رَمَكَةٍ حَامِلٍ بِبَغْلٍ ( قَوْلُهُ وَالْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ ) الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَالْمُسْتَمِرَّةُ وَعَيْشُ الْمَذْبُوحِ : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ تَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا ، فَأَمَّا الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الْبَاقِيَةُ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ إمَّا بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ وَمَعَهَا الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ دُونَ الِاضْطِرَارِيَّةِ كَالشَّاةِ إذَا أَخْرَجَ الذِّئْبُ حِشْوَتَهَا وَأَبَانَهَا ، وَأَمَّا حَيَاةُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ فَهِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا إبْصَارٌ ، وَلَا نُطْقٌ ، وَلَا حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ .
( وَإِنْ ذَبَحَهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ ( وَأَخْرَجَ آخِرَ حِشْوَتِهَا ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ أَمْعَاءَهَا أَوْ نَخَسَ خَاصِرَتَهَا ( مَعًا لَمْ يَحِلَّ ) ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ قَالَ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَا قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مِمَّا يُذَفِّفُ لَوْ انْفَرَدَ ، أَوْ كَأَنْ يُعِينَ عَلَى التَّذْفِيفِ ر وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشَارِكُ غَيْرَ مُذَفِّفٍ لَوْ انْفَرَدَ وَتَوَقَّفَ الرَّافِعِيُّ وَمَالَ إلَى الْحِلِّ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ جَرَحَا آدَمِيًّا وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْآخَرِ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا لَكِنْ فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِصْمَةُ الدَّمِ وَالتَّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ التَّحْرِيمُ ، وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَتَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذَبْحَيْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَمَحَّضَ الْقَطْعِ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَسْمُومٍ بِسُمٍّ مُوحٍ حَرُمَ ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
( وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ ) خُرُوجًا وَدُخُولًا ( وَالْمَرِيءُ ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ ( مَجْرَى الطَّعَامِ ) وَالشَّرَابِ ( وَالْوَدَجَانِ ) بِفَتْحِ الدَّالِ ( عِرْقَانِ بَعْدَهُمَا ) أَيْ بَعْدَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَيْ وَرَاءَهُمَا فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ ( يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُمَا ) مَعَ مَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَرْوَحُ لِلذَّبِيحَةِ ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُمَا مَا يَنْقَطِعَانِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ قَطْعُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُسَلَّانِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَبْقَى وَمَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ ( فَإِنْ جُرِحَ الْحَيَوَانُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ سَيْفٌ ) أَوْ
نَحْوُهُ وَفِي نُسْخَةٍ سَقْفٌ ( وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، وَلَوْ ) عُرِفَتْ ( بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ ) أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ ( فَذَبَحَهُ حَلَّ ) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ هَلَاكَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ( فَلَا ) يَحِلُّ لِوُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ مِمَّا ذُكِرَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ وَمَا صِدْت بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ } وَقَوْلُهُ ، وَلَوْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ بِجَرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ ، ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ ، وَالْمُرَادُ بِهِ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ حَالَةَ الذَّبْحِ ، فَلَوْ أَخَّرَهُ مَعَ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ كَأَصْلِهِ كَانَ حَسَنًا .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تَتَيَقَّنُ وَتَارَةً تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ فَمِنْهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَانْفِجَارُ الدَّمِ وَتَدَفُّقُهُ ( وَلَوْ شَكَكْنَا فِي اسْتِقْرَارِهَا حَرُمَ ) لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ( فَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ ) مِمَّا ذُكِرَ ( بَلْ مَرِضَ ) ، وَلَوْ بِأَكْلِهِ نَبَاتًا مُضِرًّا ( أَوْجَاعَ فَذَبَحَهُ ) وَقَدْ صَارَ ( آخِرَ رَمَقٍ حَلَّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ قَتْلًا وَمَسْأَلَةُ الْجُوعِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
قَوْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ ، وَلَوْ بِشِدَّةٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ مَمْنُوعٌ ، وَكَذَا مَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَرَكَةَ الشَّدِيدَةَ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ بِأَكْلِهِ نَبَاتًا مُضِرًّا ) لَوْ انْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ فَذَكَرَ الْقَاضِي مَرَّةً فِيهَا وَجْهَيْنِ ، وَجَزَمَ مَرَّةً بِالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ كَذَا نَقَلَاهُ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ ، وَلَوْ أَكَلَتْ بَهِيمَةٌ نَبَاتًا مُضِرًّا وَصَارَتْ إلَى أَدْنَى الرَّمَقِ فَذُبِحَتْ حَرُمَتْ ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ قُرْحَةٌ أَوْ أَكَلَهُ فِيهَا وَصَيَّرَهَا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَذُبِحَتْ قَالَ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ هُنَا لَا يُخَالِفُهُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ قَوْلِهِ ، وَلَوْ بِأَكْلِ نَبَاتٍ حَلَّ إذْ كَلَامُهُ مَفْرُوضٌ فِي بَهِيمَةٍ وَصَلَتْ لِذَلِكَ بِمَرَضٍ ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ أَكْلَ النَّبَاتِ فَالْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمَرَضُ ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ وَصَلَتْ لِأَدْنَى الرَّمَقِ بِأَكْلِ النَّبَاتِ الْمُضِرِّ فَلَا تَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ
( فَصْلٌ ) فِي سُنَنِ الذَّبْحِ ( يُسَنُّ تَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ السِّكِّينِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } وَأَفْهَمَ سَنُّ تَحْدِيدِهَا أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ حَلَّ وَمَحِلُّهُ أَنْ لَا يَكُونَ كَلَالُهَا غَيْرَ قَاطِعٍ إلَّا بِشِدَّةِ اعْتِمَادِ وَقُوَّةِ الذَّابِحِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّهُ يُذَفِّفُ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مَحْضًا وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ( وَ ) يُسَنُّ ( الذَّبْحُ بِقُوَّةٍ ) بِأَنْ يُمِرَّ السِّكِّينَ بِتَحَامُلٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا لِيَكُونَ أَوْحَى وَأَسْهَلَ ( وَكَذَا ) يُسَنُّ ( الِاسْتِقْبَالُ ) أَيْ اسْتِقْبَالُ الذَّابِحِ الْقِبْلَةَ ( وَ ) الِاسْتِقْبَالُ ( بِمَذْبَحِهَا ) إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ ، وَلَا يُوَجِّهُ وَجْهَهَا إلَيْهَا لِيَتَمَكَّنَ هُوَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ ( وَالِاسْتِقْبَالُ ) الْمَذْكُورُ فِي الْأُضْحِيَّةِ ( وَالْهَدْيِ آكَدُ ) مِنْهُ فِي غَيْرِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْعِبَادَاتِ مُسْتَحَبٌّ وَفِي بَعْضِهَا وَاجِبٌ ، وَكَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ فِي ذَلِكَ الْعَقِيقَةُ ، وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوهَا هُنَا لِقَوْلِهِمْ فِي بَابِهَا : إنَّهَا كَالْأُضْحِيَّةِ .
( وَ ) تُسَنُّ ( التَّسْمِيَةُ ) بِأَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ ( وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَ ) عِنْدَ ( إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ ) إلَى صَيْدٍ ( وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ ) بِالسَّهْمِ ( وَالْعَضِّ ) مِنْ الْجَارِحَةِ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُسَنُّ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَسُنَّ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ ، وَخِلَافًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ التَّسْمِيَةُ لِآيَةِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } إلَى قَوْلِهِ { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ { إنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا ؟ أَنَأْكُلُ مِنْهَا أَمْ لَا ؟ فَقَالَ : اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ ، وَأَمَّا قَوْله { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ : وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إذَا الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ بِحَمْلِ النَّهْيِ فِي الْآيَةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ .
وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ { فَمَا صِدْت بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، ثُمَّ كُلْ } فَأَجَابُوا عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ مِنْ زِيَادَتِهِ ، لَكِنْ مَا بَعْدَ لَوْ لَا يَصْلُحُ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا ، فَلَوْ قَالَ ، وَكَذَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ كَانَ أَوْلَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ فِي التَّسْمِيَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ
لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصَ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ لَوْ قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَانَ حَسَنًا ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ ( وَتَرْكُهُمَا ) أَيْ التَّسْمِيَةُ وَالصَّلَاةُ عِنْدَمَا ذَكَرَ ( تَعَمُّدًا مَكْرُوهٌ ) لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِمَا ، وَذِكْرُ كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ .
قَوْلُهُ وَإِرْسَالُ السَّهْمِ ) وَعِنْدَ نَصْبِ الْفَخِّ أَوْ الشَّبَكَةِ وَعِنْدَ صَيْدِ السَّمَكِ أَوْ الْجَرَادِ ( قَوْلُهُ لِآيَةِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } إلَخْ ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } ( قَوْلُهُ لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إلَخْ ) وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ ( قَوْلُهُ بَلْ لَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ كَانَ حَسَنًا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَكْمَلَ أَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ ) وَالصَّائِدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ( بِاسْمِ مُحَمَّدٍ ، وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ ) ، وَلَا بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالْجَرِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لِلتَّشْرِيكِ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ ) بِاسْمِ مُحَمَّدٍ ( فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَرَّمَ ) ذَلِكَ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى الْجَوَازَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( كَقَوْلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِرَفْعِ مُحَمَّدٍ ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ ، وَلَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ إيهَامِهِ التَّشْرِيكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّحْوِيِّ ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ ذَلِكَ ( وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ لِلْمَسِيحِ ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ( وَلَا ) ذَبِيحَةُ ( مُسْلِمٍ لِمُحَمَّدٍ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوْ لِلْكَعْبَةِ ) أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سِوَى اللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ إنْ ذَبَحَ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كَمَا لَوْ سَجَدَ لَهُ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَ أَعَمَّ وَأَخْصَرَ وَأَقْرَبَ إلَى كَلَامِ الْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ لِلتَّشْرِيكِ ) إذْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تُجْعَلَ الذَّبَائِحُ بِاسْمِهِ وَأَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاسْمِهِ وَأَنْ يَكُونَ السُّجُودُ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَخْلُوقٌ
( فَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رُسُلُ اللَّهِ جَازَ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ : أَهْدَيْت لِلْحَرَمِ أَوْ لِلْكَعْبَةِ ( وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ ) إذَا ذُبِحَتْ ( تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ ) أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ لِقَائِهِ لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ أَوْ لِيُرْضِيَ غَضْبَانًا جَازَ كَالذَّبْحِ لِلْوِلَادَةِ ) أَيْ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الْغَضْبَانِ فِي صُورَتِهِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ لِلصَّنَمِ ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فَلَا بَأْسَ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ( فَإِنْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ حَرُمَ إلَّا إنْ قَصَدَ ) بِمَا ذَبَحَهُ ( التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ لِيَكْفِيَهُ شَرَّهُمْ ) فَلَا يَحْرُمُ
( وَيُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ وَ ) سَائِرِ ( مَا طَالَ عُنُقُهُ ) كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ ( النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَهِيَ الثُّغْرَةُ أَسْفَلَ الْعُنُقِ ( بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ ) لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْإِبِلِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ رُوحِهَا لِطُولِ عُنُقِهَا وَقَوْلُهُ وَمَا طَالَ عُنُقُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا ( وَ ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ ( الْبَعِيرُ قَائِمًا عَلَى ثَلَاثٍ ) مِنْ قَوَائِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ ( مَعْقُولًا ) فِي الرُّكْبَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَنْ تَكُونَ الْمَعْقُولَةُ الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ قَائِمًا ( فَبَارِكَا وَ ) أَنْ ( يُذْبَحَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ) وَنَحْوُهُمَا كَالْخَيْلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ بِأَنْ يُقْطَعَ حَلْقُهَا أَعْلَى الْعُنُقِ وَأَنْ تَكُونَ ( مُضْجَعَةً ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشَّاةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيسَ بِهَا الْبَقِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ ( عَلَى ) جَنْبِهَا ( الْأَيْسَرِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ ( مَشْدُودَةَ الْقَوَائِمِ ) لِئَلَّا تَضْطَرِبَ حَالَةَ الذَّبْحِ فَيَزِلَّ الذَّابِحُ ( لَا الرِّجْلَ الْيُمْنَى ) فَلَا تُشَدُّ بَلْ تُتْرَكُ لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا .
( فَإِنْ نَحَرَهَا أَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ ) وَنَحْوَهَا ( حَلَّ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ { نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَخَبَرِ { مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ } ( وَلَمْ يُكْرَهْ ) ذَلِكَ إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَطْعِهِمَا ) أَيْ حُلْقُومِهَا وَمَرِيئِهَا مَعَ
وَدَجَيْهَا وَفِي نُسْخَةٍ قَطْعُهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ ( وَأَنْ لَا يَبِينَ رَأْسَهَا وَ ) أَنْ ( لَا يَسْلَخَهَا وَ ) أَنْ ( لَا يَنْقُلَهَا ) إلَى مَكَان ( وَ ) أَنْ ( لَا يُمْسِكَهَا ) بَعْدَ الذَّبْحِ ( عَنْ الِاضْطِرَابِ حَتَّى تَبْرُدَ ) فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ حَتَّى تُفَارِقَ الرُّوحُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ كُرِهَ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْسِرُ فَقَارَهَا ، وَلَا يَقْطَعُ عُضْوًا مِنْهَا ، وَلَا يُحَرِّكُهَا .
( قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ ) سَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ
( وَ ) أَنْ ( تُسَاقَ ) إلَى الْمَذْبَحِ ( وَ ) أَنْ ( تُضْجَعَ بِرِفْقٍ ) وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ( بَعْدَ أَنْ تُسْقَى وَ ) أَنْ ( لَا تُحَدَّ الشَّفْرَةُ وَ ) أَنْ ( لَا يُذْبَحَ غَيْرُهَا قُبَالَتَهَا ) فِيهَا ( وَ ) أَنْ ( يُكَبِّرَ ) اللَّهَ تَعَالَى ( قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ ( ثَلَاثًا ) فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ( ثُمَّ يَقُولُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيَّامِ التَّكْبِيرِ وَرَوَى مُسْلِمٌ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ } ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا ( وَ ) أَنْ ( يَقُولَ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( اللَّهُمَّ ) هَذَا ( مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي ) أَيْ اللَّهُمَّ هَذَا عَطِيَّةٌ مِنْك وَتَقَرُّبٌ مِنِّي إلَيْك وَتَقَدَّمَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عِنْدَ تَضْحِيَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ } وَفِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُوسَى كَلِيمِك وَعِيسَى رُوحِك وَمُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكْرَهْ ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ التَّشْرِيكَ فِي أَصْلِ التَّقَبُّلِ وَذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( قَالَ جَعَلْت هَذِهِ ) الْبَدَنَةَ أَوْ الشَّاةَ ( أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا ) أَوْ هَذِهِ ضَحِيَّةٌ أَوْ هَدْيٌ ( أَوْ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا أَوْ أُهْدِيَهَا أَوْ ) عَلَيَّ أَنْ ( أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ الدَّرَاهِمِ تَعَيَّنَ ) ذَلِكَ ( وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا ، وَإِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ تَعَيَّنَ عِتْقُهُ لَكِنْ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ ) عَنْهُ ( إلَّا بِعِتْقِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِيمَا ذُكِرَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَسَاكِينِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْهَدْيِ ، وَلِهَذَا لَوْ أُتْلِفَ وَجَبَ تَحْصِيلُ بَدَلِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَقَدْ تَلِفَ وَمُسْتَحِقُّو مَا ذُكِرَ بَاقُونَ ( وَإِذَا نَوَى ) جَعْلَ هَذِهِ الْأُضْحِيَّةَ مَثَلًا ( بِغَيْرِ لَفْظٍ لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَّةً ، وَإِنْ ذَبَحَهَا ) هَذَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَظَاهِرٌ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَنُطْقِ النَّاطِقِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً أَوْ عَبْدًا عَمَّا الْتَزَمَ ) فِي ذِمَّتِهِ ( مِنْ أُضْحِيَّةٍ وَعِتْقٍ تَعَيَّنَا ) كَمَا لَوْ عَيَّنَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً ( لَا دَرَاهِمَ عَيَّنَهَا عَمَّا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ بِهِ ) بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْهَا وَمِمَّا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعِتْقِ كَالدَّرَاهِمِ فِي حُكْمِهَا .
( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ إلَخْ ) أَشَارَ تَصْحِيحِهِ
( وَمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ فَدَخَلَ ) عَلَيْهِ ( عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ } وَفِي رِوَايَةٍ { فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ } وَيُكْرَهُ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْ تَحْرِيمِهِ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهَا هُوَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ } وَالْمَعْنَى فِيهِ شُمُولُ الْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ الشَّعْرَ أَوْ ذَكَرَ مَعَهُ الظُّفُرَ كَأَصْلِهِ كَانَ أَوْلَى وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يُزَالُ بِالْخِتَانِ وَالْفَصْدِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ : وَقِيَاسُ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ لِمَنْ عَزَمَ عَلَى إعْتَاقٍ مُسْتَحَبٍّ أَوْ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ فِدَاءٌ عَنْ الْبَدَنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } وَفِي مَعْنَى مُرِيدِ التَّضْحِيَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ إلَى الْبَيْتِ بَلْ أَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ حَتَّى يُضَحِّيَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ بِأَعْدَادٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ بَقَاءُ النَّهْيِ إلَى آخِرِهَا انْتَهَى .
.
( قَوْلُهُ كُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ) مَا يُزَالُ مِنْ الْأَجْزَاءِ قَدْ يَجِبُ كَخِتَانِ الْبَالِغِ وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَالْجَانِي بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِهِ وَقَدْ يُسْتَحَبُّ كَخِتَانِ الصَّبِيِّ ، وَالتَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِهِ مُمْتَنِعَةٌ ، وَقَدْ يُبَاحُ كَقَلْعِ السِّنِّ الْوَجِعَةِ وَكَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ ( قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ شُمُولُ الْمَغْفِرَةِ إلَخْ ) وَقِيلَ : لِلتَّشْبِيهِ بِالْمُحْرِمِ ( قَوْلُهُ وَأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ إلَخْ ) لَوْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مَنْ يُرِيدُ الْأُضْحِيَّةَ فَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ مُرَاعَاةً لِجَانِبِ النَّهْيِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ قُرْبَتَانِ إحْدَاهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَدَنِ رُجِّحَتْ ، وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ الْأُضْحِيَّةَ وَدَخَلَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَخْذُهُ شَعْرَهُ وَظُفُرَهُ ، وَهَلْ يُكْرَهُ تَخْلِيلُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِي الْمُحْرِم خَوْفَ الِانْتِتَافِ فِيهِ نَظَرٌ وَمَنْ عَلَّلَ بِالتَّشْبِيهِ بِالْمُحْرِمِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْرَهُهُ وَقَالَ شَيْخُنَا مَتَى عَارَضَ ذَلِكَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لَمْ يُزِلْ شَعْرَهُ وَنَحْوَهُ لِأَجْلِهِ إذْ هُوَ خَاصٌّ يَقْضِي عَلَى ذَلِكَ الْعَامِّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إلَخْ ) وَالتَّكْفِيرُ بِالْإِعْتَاقِ إمَّا لِجَبْرِ مَا وَقَعَ أَوْ حَذَرِهِ مِنْ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } فَغَيْرُ مُعَارِضٍ ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ لَا يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ بَقَاءُ النَّهْيِ إلَى آخِرِهَا ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ يَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ هَلْ يَكْفِي فِيهِ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى فِيهِ أَمْ يَجِبُ إلَّا عَلَى احْتِيَاطًا وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ
الْعِرَاقِيِّ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ شَرَعَ فِي الذَّبْحِ وَكَمَّلَهُ ، وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ السَّلْخِ وَتَفْرِيقِ الْأَعْضَاءِ وَتَرَدَّدَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ النَّاذِرُ التَّضْحِيَةَ بِمُعَيَّنٍ إلَى انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَرَجَّحَ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا قَضَاءً وَقَوْلُهُ وَرَجَّحَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْهَدْيِ ( أَنْوَاعٌ ) خَمْسَةٌ ( الْأَوَّلُ الْإِتْلَافُ ) أَيْ حُكْمُهُ وَحُكْمُ التَّلَفِ ( فَالْمَنْذُورَةُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ) أَيْ النَّاذِرِ فَلَا يَضْمَنُهَا ( مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهَا ) بِأَنْ تَلِفَتْ أَوْ ضَلَّتْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهَا وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالنَّذْرِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِبَيْعٍ ، وَلَا هِبَةٍ ، وَلَا إبْدَالٍ بِمِثْلِهَا ، وَلَا بِخَيْرٍ مِنْهَا ، وَلَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ، وَهِبَتُهُ وَإِبْدَالُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا وَعَدَمِ زَوَالِهِ ثَمَّ ( فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ ذَبْحِهَا ( وَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا ) لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِهَا وَسَيَأْتِي مَا يَضْمَنُهَا بِهِ ( وَتَجُوزُ إعَارَتُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ كَمَا يَجُوزُ الِارْتِفَاقُ بِهَا لِلْحَاجَةِ بِرِفْقٍ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ ، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْ ، وَلَوْ فِيمَا تَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا سَيَتَّضِحُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ مُعِيرِهِ يَدُ أَمَانَةٍ فَكَذَا هُوَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَمِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ دَخَلَ وَقْتُهُ ، وَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهَا وَتَلِفَتْ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ أَيْ كَمَا يَضْمَنُ مُعِيرُهُ لِذَلِكَ ( لَا إجَارَتُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ .
( فَإِنْ ) أَجَّرَهَا وَسَلَّمَهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ ، ثُمَّ ( تَلِفَتْ ) عِنْدَهُ بِرُكُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ ( ضَمِنَهَا الْمُؤَجِّرُ ) بِقِيمَتِهَا ( وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْحَالَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا
الْأُجْرَةَ وَالْقِيمَةَ ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( وَتُصْرَفُ ) الْأُجْرَةُ ( مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ ) كَالْقِيمَةِ فَيُفْعَلُ بِهَا مَا يُفْعَلُ بِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ( وَإِنْ بَاعَهَا ) أَيْ الْمَنْذُورَةَ ( اسْتَرَدَّهَا ) إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَرَدَّ ثَمَنَهَا ( وَإِنْ تَلِفَتْ ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ( اسْتَرَدَّ أَكْثَرَ قِيَمِهَا مِنْ ) وَقْتِ ( الْقَبْضِ إلَى ) وَقْتِ ( التَّلَفِ ) كَالْغَاصِبِ ( وَالْبَائِعِ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ ) وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا ( وَيَشْتَرِي ) الْبَائِعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ( مِثْلَهَا ) أَيْ مِثْلَ التَّالِفَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا ( فَإِنْ نَقَصَتْ ) أَيْ الْقِيمَةُ عَنْ تَحْصِيلِ الْمِثْلِ لِغَلَاءٍ حَدَثَ ( وَفَّى ) الْقِيمَةَ ( مِنْ مَالِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ ) أَيْ الْمِثْلَ ( أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ، وَإِلَّا ) بِأَنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ أُضْحِيَّةٌ ( فَيَجْعَلُهُ إيَّاهَا ) أَيْ أُضْحِيَّةً ( وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَهَا بِالْقِيمَةِ ) كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ فَيَأْخُذُهَا مِنْهُ الْمُضَحِّي ( وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا ) جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا وَيُضَحِّي بِهِ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَجِدْ بِهَا مِثْلَهَا اشْتَرَى ( دُونَهَا بِخِلَافِ ) الْعَبْدِ ( الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ ) إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ النَّاذِرُ ( يَأْخُذُ قِيمَتَهُ لِنَفْسِهِ ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا يُعْتِقُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَمُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ هُوَ الْعَبْدُ وَقَدْ هَلَكَ وَمُسْتَحِقُّو الْأُضْحِيَّةِ بَاقُونَ ( فَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الْمُتْلَفَةُ ( ثَنِيَّةً مِنْ الضَّأْنِ ) مَثَلًا ( فَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ عَنْ ثَمَنِهَا أَخَذَ عَنْهَا جَذَعَةً ) مِنْ الضَّأْنِ رِعَايَةً لِلنَّوْعِ .
( ثُمَّ ) إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عَنْ ثَمَنِ الْجَذَعَةِ ( اشْتَرَى ) بِهَا ( ثَنِيَّةَ مَعْزٍ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلتَّضْحِيَةِ ( ثُمَّ ) إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عَنْ ثَنِيَّةِ الْمَعْزِ اشْتَرَى ( دُونَ سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ ) أَيْ دُونَ
الْجَذَعَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إرَاقَةَ دَمٍ كَامِلٍ ( ثُمَّ ) إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عَنْ دُونِ الْجَذَعَةِ ( اشْتَرَى ) بِهَا ( سَهْمًا ) مِنْ ضَحِيَّةٍ صَالِحَةٍ لِلشِّرْكَةِ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ لَا شَاةٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ شِرْكَةً فِي إرَاقَةِ دَمٍ ( ثُمَّ ) إنْ نَقَصَتْ عَنْ شِرَاءِ سَهْمٍ مِنْ ذَلِكَ اشْتَرَى ( لَحْمًا ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ التَّضْحِيَةِ وَالْمُرَادُ لَحْمُ النَّعَمِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَحْمُ جِنْسِ الْمَنْذُورَةِ ( ثُمَّ ) إنْ لَمْ يَجِدْ لَحْمًا ( يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ ) لِلضَّرُورَةِ ( وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمُضَحِّي لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا ) يَوْمَ الْإِتْلَافِ ( وَ ) مِنْ قِيمَةِ ( مِثْلِهَا ) يَوْمَ النَّحْرِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الذَّبْحَ وَتَفْرِقَةَ اللَّحْمِ وَقَدْ فَوَّتَهُمَا .
وَبِهَذَا فَارَقَ إتْلَافُ الْأَجْنَبِيِّ ( فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلِ الْمُتْلَفَةِ لِرُخْصٍ حَدَثَ ( اشْتَرَى كَرِيمَةً أَوْ ) مِثْلَ الْمُتْلَفَةِ وَ ( أَخَذَ بِالزَّائِدِ أُخْرَى ) إنْ وَفَّى بِهَا ( وَإِنْ لَمْ يَفِ ) بِهَا ( تَرَتَّبَ الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ) ، وَلَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِمَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى السُّوءِ بَلْ الْأَفْضَلُ شِرَاءُ كَرِيمَةٍ ( وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ ) وَالْأَصْحَابُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ ( أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالزَّائِدِ ) الَّذِي لَا يَفِي بِأُخْرَى ( وَ ) أَنْ ( لَا يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا ) أَيْ لَا يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا وَيَأْكُلُهُ ( وَفِي مَعْنَاهُ الْبَدَلُ ) الَّذِي يَذْبَحُهُ أَيْ بَدَلُ الزَّائِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ كَالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَدْ أَتَى بِبَدَلِ الْوَاجِبِ كَامِلًا .
( وَقَوْلُهُ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهَا ) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَتْلَفَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْهَا ( قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ) وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ إلَخْ ) وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمُضَحِّي لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِثْلِهَا ( قَوْلُهُ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ ) فَعَلَى هَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا غَاصِبٌ أَوْ مُشْتَرٍ مِنْ النَّاذِرِ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ ، وَقَوْلُهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا : هُوَ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ وَعَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا لَحْمًا أَمَّا عِنْدَ وُجُوبِ الْمِثْلِ فَالْأَوْجَهُ تَعَيُّنُ جِنْسِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ ( قَوْلُهُ ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ ) الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ جَوَازُ كُلٍّ مِنْ التَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ وَالتَّصَدُّقِ بِالدَّرَاهِمِ
( فَإِنْ ذَبَحَ الْمَنْذُورَةَ ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ الْمَجْعُولَةَ ( الْمُعَيَّنَةَ ) مِنْ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ ( قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ ( وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ أَيْضًا ) بِأَنْ يَذْبَحَ فِي وَقْتِهَا بَدَلًا عَنْهَا ( وَإِنْ بَاعَهَا فَذَبَحَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْوَقْتِ أَخَذَ مِنْهُ ) الْبَائِعُ ( اللَّحْمَ ) إنْ كَانَ بَاقِيًا ( وَتَصَدَّقَ بِهِ وَ ) أَخَذَ مِنْهُ ( الْأَرْشَ وَضَمَّ إلَيْهِ الْبَائِعُ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَدَلَ ، وَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَكَذَا لَوْ ( ذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْأَرْشُ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ مَجِيءَ خِلَافٍ فِي أَنَّ اللَّحْمَ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الضَّحَايَا أَيَّامَ يَعُودُ مِلْكًا انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ( فَإِنْ قُلْنَا يَعُودُ اللَّحْمُ مِلْكًا اشْتَرَى ) النَّاذِرُ ( بِهِ وَبِالْأَرْشِ ) الَّذِي يَعُودُ مِلْكًا ( أُضْحِيَّةً ) وَذَبَحَهَا فِي الْوَقْتِ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَعُودُ مِلْكًا فَرَّقَهُ وَاشْتَرَى بِالْأَرْشِ أُضْحِيَّةً إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ ( أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَمَضْمُونَةٌ عَلَى النَّاذِرِ ) إنْ تَلِفَتْ بِمَعْنَى أَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ بِالْمَعْنَى الْآتِي ( فَإِنْ أُتْلِفَتْ ) بِأَنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ ( فَالْغُرْمُ ) بِمَعْنَى الْمَغْرُومِ مِلْكٌ ( لَهُ ) أَيْ لِلنَّاذِرِ ( وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ ( فَإِذَا ذَبَحَهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ ( أَوْ الْهَدْيَ ) الْمُعَيَّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً أَوْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ( فُضُولِيٌّ فِي الْوَقْتِ وَأَخَذَ مِنْهُ ) الْمَالِكُ ( اللَّحْمَ وَفَرَّقَهُ ) عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ ( وَقَعَ الْمَوْقِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ ؛ وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَ كَإِزَالَةِ الْخَبَثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّعْيِينَ يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِي التَّعْيِينِ بِالنَّذْرِ وَمَا مَرَّ فِي التَّعْيِينِ بِالْجَعَلِ ، وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِالْفُضُولِيِّ أَنَّهُ ذَبَحَهَا عَنْ الْمَالِكِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا أَوْ نَحْوَهُ ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ الْفُضُولِيُّ ( الْأَرْشَ ) أَيْ أَرْشَ الذَّبْحِ ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ ؛ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا ( وَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الْمُعَيَّنَةُ ( مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ ( كَالْمَمْلُوكَةِ ) حَتَّى لَوْ شَدَّ قَوَائِمَهَا لِيَذْبَحَهَا فَذَبَحَهَا فُضُولِيٌّ لَزِمَهُ الْأَرْشُ ( وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْأَصْلِ ) فَيَشْتَرِي بِهِ أَوْ بِقَدْرِهِ الْمَالِكُ مِثْلَ الْأَصْلِ إنْ أَمْكَنَ ، وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ ( فَإِنْ فَرَّقَهُ الْأَجْنَبِيُّ ) الْأَنْسَبُ الْفُضُولِيُّ ( وَفَاتَ ) بِأَنْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ ( فَكَإِتْلَافِهِ ) الْمُعَيَّنَةَ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا عِنْدَ ذَبْحِهَا ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَصْرِفِ إلَى الْمَالِكِ وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ مَعَ الذَّبْحِ فَيَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا بَدَلَ الْأَصْلِ .
قَوْلُهُ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الضَّحَايَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ ) لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَسَيَذْكُرُ مَوَاضِعَ كَوْنِهَا مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَمَا مَرَّ فِي التَّعْيِينِ بِالْجُعْلِ ) ، وَهُوَ مُنْحَطٌّ عَنْ النَّذْرِ وَأَيْضًا فَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ إذَا تَعَاطَى فَعَلَ الْقُرْبَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ الْمَنْدُوبَةِ ، وَهَاهُنَا قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بِذَبْحِ الْأَجْنَبِيِّ تَعَاطِي الْقُرْبَةِ وَقَوْلُهُمَا ؛ لِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ يَعْنِي مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَكُونُ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الشِّيَاهِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ النَّذْرِ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْفُقَرَاءِ ، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَهَا الْمُتَقَرِّبُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ النِّيَّةُ لِكَوْنِهِ تَعَاطَى فِعْلَ الْقُرْبَةِ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ إذَا أَدَّاهَا ، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ إذَا ذَبَحَهَا فَلَا نِيَّةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَرِّبٍ وَتَقَعُ الْمَوْقِعَ لِكَوْنِهَا مِلْكَ الْفُقَرَاءِ فَسُنَّ ، وَلَوْ ذَبَحَهَا الْمَالِكُ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فَلَمْ يَنْوِ عَصَى وَوَقَعَتْ الْمَوْقِعَ
( النَّوْعُ الثَّانِي التَّعَيُّبُ ) أَيْ حُكْمُهُ ( فَإِنْ حَدَثَ فِي ) الْمُعَيَّنَةِ ( الْمَنْذُورَةِ ) ، وَلَوْ حُكْمًا ( مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ عَيْبٌ ) يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّضْحِيَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرٍ مِنْ النَّاذِرِ وَكَانَ ( قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ أَجْزَأَتْهُ ) إنْ ذَبَحَهَا فِي وَقْتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ الْعَيْبِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَوْ تَلِفَتْ ( فَإِنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ ) ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَا الْتَزَمَهُ بِتَقْصِيرِهِ ( وَ ) تَصَدَّقَ ( بِالْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَتِهَا ( دَرَاهِمَ أَيْضًا ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا أُضْحِيَّةً أُخْرَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( إذْ مِثْلُهَا ) أَيْ الْمَعِيبَةِ ( لَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً ) وَالتَّصْرِيحُ بِحُكْمِ الْهَدْيِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ تَعَيَّبَتْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ ذَبْحِهَا ( لَمْ يُجْزِهِ ) لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ ذَبْحِهَا ، وَلَأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ مَا لَمْ تُذْبَحْ ( وَيَذْبَحُهَا ) وُجُوبًا ( وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا ) كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَرَّ ( وَيَذْبَحُ بَدَلَهَا ) سَلِيمَةً وُجُوبًا ( لِتَقْصِيرِهِ ) وَلِاسْتِقْرَارِ وُجُوبِ السَّلِيمَةِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ أَتْلَفَهَا أَوْ عَيَّبَهَا هُوَ ) أَيْ النَّاذِرُ ( مَلَكَهَا ) لِخُرُوجِهَا عَنْ كَوْنِهَا ضَحِيَّةً بِفِعْلِهِ ( وَذَبَحَ بَدَلَهَا ) وُجُوبًا لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ أُخِذَ مِنْ إطْلَاقِ أَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ مِلْكُهَا لَا يَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً لِمَا مَرَّ أَنَّهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْمُعَيَّنَةِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ سَطْرٍ مَعَ أَنَّهُ لَا مَعْنًى لَهُ فِي إتْلَافِهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ تَصَرُّفِهِ .
( قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا ) مَا مَرَّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ تَعْيِينِهِ .
( وَلَوْ ذَبَحَ الْمَنْذُورَةَ ) ، وَلَوْ حُكْمًا ( فِي وَقْتِهَا ، وَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهَا فَفَسَدَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَتَصَدَّقَ بِهَا دَرَاهِمَ ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ أُخْرَى لِحُصُولِ إرَاقَةِ الدَّمِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ اللَّحْمَ غَاصِبٌ وَتَلِفَ عِنْدَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ هُنَا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِإِخْرَاجِ قِيمَةِ اللَّحْمِ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مُتَقَوِّمٌ وَالْأَصَحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى الْمُصَحَّحِ مِنْ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاءُ اللَّحْمِ أَوْ شِرَاءُ بَدَلِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي آخِرِ بَابِ الدِّمَاءِ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ قَدْ فَرَضَهُ ثَمَّ فِي الْمُخْرَجِ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ( أَمَّا الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ ) قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ ( وَلَوْ فِي ) حَالَةِ ( الذَّبْحِ بَطَلَ التَّعْيِينُ لَهَا ، وَلَهُ بَيْعُهَا ) وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّصَدُّقَ بِهَا ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا عَيَّنَهَا لِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَأَدَّى بِهَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ( وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ ( وَلَوْ عَيَّنَ أَفْضَلَ مِمَّا الْتَزَمَ ) كَبَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ عَنْ شَاةٍ ( فَتَعَيَّبَ وَاشْتَرَى مِثْلَ مَا الْتَزَمَ جَازَ ) فَلَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَلِ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً فَهَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ .
( وَلَوْ قَالَ : جَعَلْت هَذِهِ ضَحِيَّةً ، وَهِيَ عَوْرَاءُ ) أَوْ نَحْوُهَا ( أَوْ فَصِيلٌ ) ، وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْهَا ( أَوْ سَخْلَةٌ لَا ظَبْيَةٌ وَنَحْوُهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا يَوْمَ النَّحْرِ ) أَيْ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ لِوُجُودِ الْجِنْسِ فِيهَا بِخِلَافِ الظَّبْيَةِ وَنَحْوِهَا ( وَكَذَا لَوْ الْتَزَمَ ) بِالنَّذْرِ ( عَوْرَاءَ ) أَوْ نَحْوَهَا ، وَلَوْ ( فِي الذِّمَّةِ ) يَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ ( وَيُثَابُ عَلَيْهَا ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ
الْمَشْرُوعِ ) مِنْ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ ذَبْحَهَا ابْتِدَاءً تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ إعْتَاقِ عَبْدٍ أَعْمَى عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا ( وَلَوْ زَالَ النَّقْصُ ) عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ الْمَشْرُوعِ ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا ، وَهِيَ نَاقِصَةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ الْكَمَالُ بَعْدَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ أَعْمَى عَنْ كَفَّارَتِهِ فَعَادَ بَصَرُهُ ( فَلَوْ ذَبَحَهَا ) أَيْ الْمَعِيبَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ( تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ لَحْمِهَا ) فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا ( وَ ) تَصَدَّقَ ( بِقِيمَتِهَا دَرَاهِمَ ) ، وَلَا يَشْتَرِي بِهَا أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَيْ بِغَيْرِ الْتِزَامِ لَهُ لِئَلَّا يُشْكِلَ بِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ ، وَكَذَا لَوْ الْتَزَمَ عَوْرَاءَ فِي الذِّمَّةِ ( وَإِنْ عَيَّنَ عَمَّا الْتَزَمَ ) فِي الذِّمَّةِ ( مَعِيبًا لَمْ يَتَعَيَّنْ ) ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَبْحِهِ ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ سَلِيمٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَعِيبٍ ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ بَلْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشَاءُ ( نَعَمْ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَهَا ) يَعْنِي الْمَعِيبَةَ الْمُعَيَّنَةَ ( عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ) كَقَوْلِهِ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ عَمَّا فِي ذِمَّتِي ( لَزِمَهُ ذَبْحُهَا يَوْمَ النَّحْرِ ) وَصَرْفُهَا مَصْرِفَ الضَّحِيَّةِ ( وَلَمْ تُجْزِهِ ) عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ( وَإِنْ زَالَ النَّقْصُ ) عَنْهَا لِمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ هُنَا إلَخْ ) قَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ مُتَقَوِّمًا فَصَارَ مِثْلِيًّا ، ثُمَّ تَلِفَ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمُتَقَوِّمِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ اسْتَوَيَا لَزِمَهُ الْمِثْلُ فَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ هُنَا هَكَذَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَأُحْمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَالَةِ لُزُومِ الْقِيمَةِ وَفِي الْوَسِيطِ وَجْهٌ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ قِيمَةُ الشَّاةِ حَيَّةً وَنَسَبَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَأَنَّهُمْ جَزَمُوا بِهِ ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَهُ وَقَالَ النَّاشِرِيُّ قَالَ وَالِدِي قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ جُمْلَةِ لَحْمِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا تَنْضَبِطُ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَبَيْنَ مَنْ أَتْلَفَ رِطْلًا مِنْ لَحْمِ الظَّهْرِ خَاصَّةً فَيَجِبُ مِثْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي جِلْدِ الْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي جِلْدٍ قُطِعَ مُتَنَاسِبًا إذَا ضُبِطَ بِالْوَصْفِ انْتَهَى .
قَالَ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا إنَّمَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ هُنَا ، وَلَمْ يَضْمَنْ الْمِثْلَ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ هُنَا فِيهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَنْ غَيْرِهِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ مَنْذُورًا فَلَمَّا فَاتَ تَحْصِيلُ الصِّفَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَعَلْنَا الْمِثْلَ حِينَئِذٍ كَالْمَفْقُودِ وَحَيْثُ فُقِدَ رَجَعَ الْأَمْرُ إلَى الْمُقِيمَةِ كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا يَوْمَ النَّحْرِ ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ امْتِنَاعِ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوَقْتِ عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا ، جَازَ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْجَبَهَا هُنَا بِاسْمِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِهَا عَلَى إرَادَةِ حُكْمِهَا ، وَهُوَ تَعَيُّنُ الْوَقْتِ وَالْمَصْرِفِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ .
( النَّوْعُ الثَّالِثُ ضَلَالُ الْمَنْذُورَةِ ) أَيْ حُكْمُهُ ( فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ ضَلَّتْ ) بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ بِأَنْ ضَلَّتْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهَا ( فَلَوْ وَجَدَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ ذَبَحَهَا قَضَاءً ) وَصَرَفَهَا مَصْرِفَ الضَّحِيَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى قَابِلٍ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ فَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ فِي الْحَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَكَذَا الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ ) ابْتِدَاءً ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ ( وَعَلَيْهِ طَلَبُهَا ) أَيْ الضَّالَّةِ ( لَا ) إنْ كَانَ طَلَبُهَا ( بِمُؤْنَةٍ ) فَلَا يَجِبُ ( وَإِنْ قَصَّرَ ) حَتَّى ضَلَّتْ ( طَلَبَهَا ) وُجُوبًا ، وَلَوْ ( بِمُؤْنَةٍ وَذَبَحَ بَدَلَهَا ) وُجُوبًا ( قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهَا إلَّا بَعْدَهُ ، ثُمَّ ) إذَا وَجَدَهَا ( يَذْبَحُهَا ) وُجُوبًا ( أَيْضًا ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَمِنْ التَّقْصِيرِ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ إلَى خُرُوجِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ ( لَا ) إلَى خُرُوجِ ( بَعْضِهَا ) فَلَيْسَ بِتَقْصِيرٍ كَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوَسَّعِ لَا يَأْثَمُ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَهَذَا ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرَهُ كَالرَّافِعِيِّ فِيهَا قَبْلُ وَفِي نَظَائِرِهَا كَأَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَكْلِهِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ : مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ انْتَهَى .
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ إثْمِ مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ( وَإِنْ عَيَّنَ شَاةً ) أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا ( عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ ، ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرَهَا ) مَعَ وُجُودِهَا ( فَفِي إجْزَائِهَا تَرَدُّدٌ ) أَيْ خِلَافٌ إنْ قُلْنَا تُجْزِئُ عَادَتْ الْأُولَى مِلْكًا ( فَلَوْ ضَلَّتْ الْمُعَيَّنَةُ ) عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ( فَذَبَحَ غَيْرَهَا
أَجْزَأَتْهُ فَإِنْ وَجَدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا بَلْ يَتَمَلَّكُهَا ) كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( فَلَوْ وَجَدَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ ) لِغَيْرِهَا ( لَمْ يَذْبَحْ الثَّانِيَةَ ) أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا بَلْ يَذْبَحُ الْأُولَى فَقَطْ ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ الَّذِي تَعَيَّنَ أَوَّلًا .
( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَذَا ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهَا ) قِيلَ : يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي هَلَاكِهَا وَمَا هُنَا فِي ضَلَالِهَا فَلَا مُخْتَلِفَةٌ ( قَوْلُهُ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَفِي إجْزَائِهَا تَرَدُّدٌ ) الْأَصَحُّ إجْزَاؤُهَا
( فَرْعٌ لَوْ عَيَّنَ ) مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ( عَنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدًا تَعَيَّنَ ) وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَمَا لَوْ عَيَّنَ يَوْمًا عَنْ صَوْمٍ عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ لَا حَقَّ لَهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ لِلْعِتْقِ ( فَإِنْ تَعَيَّبَ ) الْعَبْدُ ( أَوْ مَاتَ وَجَبَ غَيْرُهُ ) أَيْ إعْتَاقُ سَلِيمٍ ( وَلَوْ أَعْتَقَ غَيْرَهُ ) أَيْ الْمُعَيَّنَ ( مَعَ سَلَامَتِهِ ) وَتَمَكُّنِهِ مِنْ إعْتَاقِهِ ( أَجُزْأَهُ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ عَلَى وَجْهٍ فِي مَسْأَلَةِ التَّرَدُّدِ السَّابِقَةِ بِأَنَّ النَّاذِرَ ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَزِمًا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فَإِذَا قَبِلَ النَّقْلَ أَيْ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى عَيْنٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ عَلَى بُعْدٍ ، وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ شَرْعًا لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ قُلْت وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْمُعَيَّنَ ثَمَّ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَبْدَلَ بِهِ قَوْلَ أَصْلِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إعْتَاقِهِ .
( النَّوْعُ الرَّابِعُ الْأَكْلُ ) مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ أَيْ حُكْمُهُ ( فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ دَمٍ وَجَبَ بِالْحَجِّ ) وَنَحْوِهِ كَدَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَجُبْرَانٍ ( وَلَا مِنْ أُضْحِيَّةٍ ، وَهَدْيٍ وَجَبَا بِنَذْرٍ مُجَازَاةً ) كَأَنْ عَلَّقَ الْتِزَامَهُمَا بِشِفَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ ( فَلَوْ وَجَبَا بِمُطْلَقِ النَّذْرِ ) أَيْ بِالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ ، وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ لَمْ يُعَلِّقْ الْتِزَامَهَا بِشَيْءٍ كَقَوْلِهِ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ أَوْ بِشَاةٍ أَوْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ أَوْ شَاةً أَوْ جَعَلْت هَذِهِ أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا ( أَكَلَ ) جَوَازًا ( مِنْ الْمُعَيَّنِ ) ابْتِدَاءً ( كَالتَّطَوُّعِ ) تَبِعَ فِي هَذَا مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ وَقَضِيَّةُ مَا قَدَّمَاهُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ وَاجِبٌ كَدَمِ الطِّيبِ وَنَحْوِهِ ( دُونَ ) الْمُعَيَّنِ ، وَلَوْ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ عَنْ ( الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ ) فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ وَاجِبٍ كَدَمِ الطِّيبِ وَنَحْوِهِ ( ، وَلَوْ أَكَلَ مِمَّا صَنَعَ ) مِنْهُ ( غَرِمَ قِيمَةَ اللَّحْمِ ) الْمَأْكُولِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مُتَقَوِّمٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ شِرَاءُ اللَّحْمِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ( فَإِنْ أَكَلَ مَا ذَبَحَ عَنْ ) دَمِ ( التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ جَمِيعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ ) آخَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكَلَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لِأَجْلِهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سُرِقَ اللَّحْمُ خُيِّرَ بَيْنَ ذَبْحِ دَمٍ وَإِخْرَاجِ لَحْمٍ ، وَلَوْ قَالَ : فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ كَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ إيهَامِ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِدَمِ النُّسُكِ .
قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِنْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ وَاجِبٍ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنْكَرَهُ الشَّاشِيُّ وَقَالَ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ بَلْ قَدْ يُقَالُ الْمُعَيَّنَةُ فِي الْحَالِ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ كَالْعِتْقِ فَهِيَ بِالْمَنْعِ أَجْدَرُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ مَنْعُ الْأَكْلِ مِنْ الْوَاجِبَةِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ زَكَاتِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ شَيْئًا .
( فَصْلٌ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ ، وَهَدْيِهِ مُسْتَحَبٌّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } فَجَعَلَهَا لَنَا وَمَا هُوَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِهِ وَأَكْلِهِ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَيِّتٍ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي الْمَيِّتِ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ عَنْهُ .
( قَوْلُهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ التَّطَوُّعِ ، وَهَدْيِهِ مُسْتَحَبٌّ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يَرْتَدَّ فَإِنْ ارْتَدَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ الَّتِي تَطَوَّعَ بِهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ شَيْئًا ، وَهَذَا لَا تَوَقُّفَ فِيهِ ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ضِيَافَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ : وَلَا يُطْعِمْ مِنْهَا أَحَدًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُضَحِّي إذَا ارْتَدَّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى .
.
( وَيَحْرُمُ الْإِتْلَافُ وَالْبَيْعُ ) لِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ ، وَهَدْيِهِ ( وَإِعْطَاءُ الْجَزَّارِ أُجْرَةً مِنْهُ ) بَلْ هُوَ عَلَى الْمُضَحِّي وَالْمُهْدِي كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ فَأُقَسِّمَ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا } ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ قُرْبَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ إلَّا مَا رَخَّصَ لَهُ فِيهِ ، وَهُوَ الْأَكْلُ وَخَرَجَ بِأَجْرِهِ إعْطَاؤُهُ مِنْهُ لِفَقْرِهِ وَإِطْعَامُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا فَجَائِزَانِ ( وَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ) يَعْنِي مِنْ لُحُومِ مَا ذُكِرَ ، وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ جَمِيعِهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ ( يُمَلِّكَهُ الْفُقَرَاءَ ) الْمُسْلِمِينَ ( نِيئًا ) لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِمَا شَاءُوا مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا وَدُعَاءُ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ لَا فِي أَكْلِهِ ، وَلَا تَمْلِيكِهِمْ لَهُ مَطْبُوخًا ، وَلَا تَمْلِيكِهِمْ غَيْرَ اللَّحْمِ مِنْ جِلْدٍ وَكَرِشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَنَحْوِهَا وَشُبِّهَ الْمَطْبُوخُ هُنَا بِالْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ ( وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ وَلِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِطْعَامِ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ .
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُمَلِّكُهُمْ ذَلِكَ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بَلْ بِالْأَكْلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَيَجُوزُ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ ) وَإِطْعَامُهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْفُقَرَاءِ وَتَمْلِيكُهُمْ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا
يَجِبُ تَمْلِيكُهُ نِيأً وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ ( وَلَا تُغْنِي الْهَدِيَّةُ ، وَلَا الْجِلْدُ ) وَنَحْوُهُ ( عَنْ الصَّدَقَةِ ) فِي الْأَوَّلِ ( وَ ) عَنْ ( اللَّحْمِ ) فِي الثَّانِي ( وَيُجْزِئُ ) فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ ( مِسْكِينٌ وَاحِدٌ ) بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ( فَلَوْ أَكَلَهَا ) أَيْ لُحُومَ مَا ذُكِرَ ( غَرِمَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ ( وَيَأْخُذُ بِهِ ) أَيْ بِثَمَنِهِ ( شِقْصًا ) مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ( إنْ أَمْكَنَ ) ذَلِكَ ( وَإِلَّا فَلَحْمًا ) يَأْخُذُهُ بِهِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ وَعِبَارَةِ الْأَصْلِ ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ أَمْ يَكْفِي صَرْفُهُ إلَى اللَّحْمِ وَتَفْرِقَتِهِ وَجْهَانِ .
ا هـ .
وَصُحِّحَ مِنْهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي ، وَإِلَّا وَفَّقَ بِمَا اسْتَحْسَنَهُ كَالرَّافِعِيِّ ، ثُمَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَلَهُ تَأْخِيرُهُ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الذَّبْحِ وَتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ ( عَنْ الْوَقْتِ ) ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ وَاللَّحْمَ لَيْسَا بِأُضْحِيَّةٍ ، وَلَا هَدْيٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْوَقْتُ ( لَا الْأَكْلُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوَاجِبِ .
( فَرْعٌ ) ( وَالْأَحْسَنُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَأُضْحِيَّتِهِ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ ( إلَّا لُقْمَةً أَوْ لُقَمًا يَأْكُلُهَا ) تَبَرُّكًا ( فَإِنَّهُ ) أَيْ أَكْلَهَا ( سُنَّةٌ ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ ( وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَكَلَ وَأَهْدَى وَتَصَدَّقَ أَنْ لَا يَزِيدَ أَكْلُهُ عَلَى الثُّلُثِ ) بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثُّلُثِ فَأَقَلَّ ( وَ ) أَنْ ( لَا تَنْقُصَ صَدَقَتُهُ عَنْهُ ) بِأَنْ يَتَصَدَّقَ
بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ وَيُهْدِيَ الْبَاقِي ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثَيْنِ وَنَقَلَ آخَرُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيُهْدِي إلَى الْأَغْنِيَاءِ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ قَالَ : وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ اخْتِلَافًا فِي الْحَقِيقَةِ لَكِنْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثَيْنِ ذَكَرَ الْأَفْضَلَ أَوْ تَوَسَّعَ فَعَدَّ الْهَدِيَّةَ صَدَقَةً وَدَلِيلُ جَعْلِ الْأُضْحِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْقِيَاسُ عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الْوَارِدِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ } أَيْ السَّائِلَ { وَالْمُعْتَرَّ } أَيْ الْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا بِفَتْحِ عَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّاعِرُ الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنَعْ وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ قَنِعْ فَاقْنَعْ وَلَا تَقْنِعْ فَمَا شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ ( وَهِيَ ) أَيْ الصَّدَقَةُ ( أَفْضَلُ مِنْ الْهَدِيَّةِ ) وَالتَّصَدُّقُ بِالثُّلُثَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ أَفْضَلُ إلَّا لُقْمَةً أَوْ لُقَمًا كَمَا مَرَّ .
وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ هَذَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ، وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ لَا يَكْفِي الْقَدْرُ التَّافِهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ ، وَلَا الْقَدِيدُ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ يَمْلِكُهُ الْفُقَرَاءُ نِيئًا وَيُجْزِئُ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ قَدْ يُقَالُ مَا مَعْنَى هَذَا الْوُجُوبِ أَيَعْصِي إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَمْ الْوُجُوبُ لِتَأَدِّي السُّنَّةِ فَقَطْ ؟ وَفِي ذَلِكَ احْتِمَالَانِ جَرَى الْقَاضِي رَضِيُّ الدِّينِ النَّاشِرِيُّ عَلَى الثَّانِي وَظَاهِرُ وَضْعِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يُسْتَثْنَى ضَحِيَّةُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ اشْتِرَاكُ النَّاسِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُجْزِئُ مِسْكِينٌ وَاحِدٌ ) قَالَ الطَّبَرِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ قَالَ ، وَهُوَ قِيَاسٌ جَيِّدٌ وَالنَّصُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ : وَلَا يُطْعِمُ مِنْهُ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْهَدِيَّةَ وَالصَّدَقَةَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ لَمْ يَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا كَلَامًا .
وَمُقْتَضِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ يَعْنِي الْفُقَرَاءِ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبَةِ انْتَهَى .
، وَهَذَا وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَمُولِيُّ أَيْضًا وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ غ وَقَوْلُهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْجَدِيدِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يُسْتَثْنَى مِنْ أَكْلِ الثُّلُثِ أَوْ
النِّصْفِ تَضْحِيَةُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ، وَلَا يُكْرَهُ الِادِّخَار ) مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالتَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلْيَكُنْ ) أَيْ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ أَنْ يَكُونَ ( مِنْ ثُلُثِ الْأَكْلِ ) لَا مِنْ ثُلُثَيْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ ( وَقَدْ كَانَ ) الِادِّخَارُ ( مُحَرَّمًا ) فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( ثُمَّ أُبِيحَ ) بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَاجَعُوهُ فِيهِ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالدَّافَّةُ جَمَاعَةٌ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ قَدْ أَقْحَمَتْهُمْ أَيْ أَهْلَكَتْهُمْ السَّنَةُ فِي الْبَادِيَةِ وَقِيلَ الدَّافَّةُ النَّازِلَةُ .
( النَّوْعُ الْخَامِسُ الِانْتِفَاعُ ) بِالْمُتَعَيَّنِ مِنْ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ ( فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا ) مُطْلَقًا ( وَبِجِلْدِهَا ) إنْ حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا ( كَدَلْوٍ وَنَحْوِهِ ) كَخُفٍّ وَنَعْلٍ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ ، وَلَفْظَةِ وَنَحْوِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا ( وَ ) لَهُ ( إعَارَتُهُ ) أَيْ جِلْدِهَا ؛ لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ كَمَا يَجُوزُ ارْتِفَاقُهُ بِهِ ( لَا إجَارَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ ( وَ ) لَا ( بَيْعُهُ ) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ مَنْ يَبِيعُ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ ( وَلَا إعْطَاؤُهُ الْجَزَّارَ أُجْرَةً ) هَذِهِ وَاللَّتَانِ قَبْلَهَا عُلِمَتَا مِمَّا مَرَّ فِي أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ ( وَالْقَرْنُ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ الْجِلْدِ فِيمَا ذُكِرَ ( وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ عَلَيْهَا إنْ تُرِكَ إلَى الذَّبْحِ أَضَرَّ بِهَا ) لِلضَّرُورَةِ ، وَإِلَّا فَلَا يَجُزَّهُ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ فِي دَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَانْتِفَاعِ الْمَسَاكِينِ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ ( وَ ) لَهُ ( الِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ ) مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَكَالصُّوفِ فِيمَا ذُكِرَ الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ ( وَلِلْوَلَدِ ) ، وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ التَّعْيِينِ ( حُكْمُ الْأُمِّ ) ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ ذَبْحِهَا ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى ثَبَتَتْ فِي الْأُمِّ ثَبَتَتْ فِي الْوَلَدِ كَالْإِيلَادِ ( فَإِنْ كَانَتْ مَنْذُورَةً ، وَلَوْ مُعَيَّنَةً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَمْلِكْهُ ) ، وَإِنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ النَّذْرِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ أَكْلِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ مُتَطَوَّعًا بِهَا فَهُوَ مِلْكُهُ كَالْأُمِّ وَيَأْكُلُ مِنْهُ أَوْ يَأْكُلُهُ عَلَى مَا يَأْتِي لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَمْ يَقُولُوا هُنَا إنَّ الْحَامِلَ وَقَعَتْ أُضْحِيَّةً غَايَتُهُ أَنَّهَا إذَا عُيِّنَتْ بِنَذْرٍ تَعَيَّنَتْ ، وَلَا تَقَعُ أُضْحِيَّةً كَمَا لَوْ تَعَيَّنَتْ بِهِ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ آخَرَ ( فَإِنْ كَانَ ) الْوَلَدُ ( وَلَدُ هَدْيٍ وَأَعْيَا ) عَنْ الْمَشْيِ ( فَلْيَحْمِلْهُ عَلَى الْأُمِّ أَوْ
غَيْرِهَا ) لِيَبْلُغَ الْحَرَمَ وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ( وَلَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ ) مَعَ وَلَدِهَا أَوْ دُونَهُ لِوُجُودِهِ بِبَطْنِهَا مَيِّتًا ( فِي الْوَقْتِ وَتَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْأُمِّ وَأَكَلَ الْوَلَدَ كُلَّهُ جَازَ ) كَاللَّبَنِ وَتَرْجِيحُ جَوَازِ أَكْلِ الْوَلَدِ فِيمَا إذَا ذَبَحَهُ مَعَ أُمِّهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَ الْأَصْلُ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَتَرْجِيحُ أَنَّهُ كَضَحِيَّةٍ أُجْرِيَ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَلَدَ الْوَاجِبَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي وَلَدِ الْوَاجِبَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ ابْتِدَاءً عَلَى مَا جَرَيَا عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ مِنْ إطْلَاقِ جَوَازِ أَكْلِهِ أَمَّا وَلَدُ الْوَاجِبَةِ الْمُعَيَّنَةِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ أَوْ ابْتِدَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ فَالْمُتَّجَهُ فِيهِ مَنْعُ أَكْلِهِ كَأُمِّهِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَارِزِيُّ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ .
( وَلَهُ ) فِي الْوَاجِبَةِ ( شُرْبُ لَبَنِهَا ) وَسَقْيُهُ غَيْرَهُ بِلَا عِوَضٍ ( لَوْ فَضَلَ عَنْ ) رِيِّ ( وَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَقْلُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ وَلَدِهَا فَحَلَبَهُ فَنَقَصَ الْوَلَدُ بِسَبَبِهِ ( ضَمِنَ نَقْصَ الْوَلَدِ ، وَلَهُ رُكُوبُهَا ) وَإِرْكَابُهَا ( وَتَحْمِيلُهَا ) لِلْحَاجَةِ ( بِرِفْقٍ وَيَضْمَنُهَا ) ( إنْ تَلِفَ ) بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الْأَصْلِ إنْ نَقَصَتْ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ جَوَازَ مَا ذُكِرَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ ( وَلَا يَجُوزُ رَدُّهَا ) عَلَى الْبَائِعِ ( بِالْعَيْبِ ) لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا ( بَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ )
مِنْ الْبَائِعِ كَمَا يَأْخُذُهُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ أَوْ وَقَفَهُ ( لِنَفْسِهِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى التَّعْيِينِ ؛ وَلِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي اللَّحْمِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ .
( قَوْلُهُ إنْ حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا ) ، وَهِيَ الْأُضْحِيَّةُ ، وَالْهَدْيُ الْمُتَطَوَّعُ بِهِمَا أَمَّا جِلْدُ الْوَاجِبِ مِنْهُمَا فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَاللَّحْمِ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُقَنَّعِ وَجِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِهَا سَوَاءٌ ، قَالَ شَيْخُنَا شَمِلَ ذَلِكَ الْهِبَةَ بِلَا ثَوَابٍ ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الصَّدَقَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ : إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ هِبَةُ صُوفِهَا ، وَلَبَنِهَا وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَجُعِلَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ وَمَا لَا فَلَا كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ ذَبْحِهَا إلَخْ ) لَيْسَ فِيهِ تَضْحِيَةٌ بِحَامِلٍ فَإِنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ) فَرَضَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافَ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَقَالَ إنَّ الْمُخْتَارَ مَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ ، ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِهِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَالْوَاجِبَةُ إنْ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ مِنْهَا جَاءَ الْخِلَافُ أَيْضًا ، وَإِلَّا لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْوَلَدِ وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَارِزِيُّ ) قَالَ الْبَارِزِيُّ كَغَيْرِهِ فَأَمَّا وَلَدُ الْوَاجِبَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَنًّا عِنْدَ الْوُجُوبِ أَوْ حَادِثًا بَعْدَهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأُمِّ ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ حَتَّى يَجِبَ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ كَالْأُمِّ يَذْبَحُهُ مَعَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ فِي الْأَصْلِ أَوْ عُيِّنَتْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَكِنْ يَجُوزُ أَكْلُ كُلِّهِ كَأَكْلِ جَنِينِهَا بِخِلَافِ الْأُمِّ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ) مُطْلَقًا وَيَجِبُ تَنْزِيلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَشَرْحَيْ الرَّافِعِيِّ عَلَيْهِ .
ا هـ .
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ وَلَدِ الْوَاجِبَةِ بِسَبَبِ جُبْرَانٍ ، وَالْوَاجِبَةُ فِي النُّسُكِ الْمُتَعَلِّقِ
بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَمَّا وَلَدُهُمَا فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ قَطْعًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ مَنْعُ أَكْلِ وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يُسَمَّى أُضْحِيَّةً لِنَقْصِ سِنِّهِ ، وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَبْحُهُ تَبَعًا كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ الْجَنِينِ إذَا وُجِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً ، وَإِنْ لَمْ يُذَكَّ وَأَيْضًا فَكَمَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَكْلُ الْوَلَدِ ، وَلَا يَكُونُ وَقْفًا كَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ أَكْلُهُ ، وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ فَسُنَّ ، وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً قَالَ شَيْخُنَا وَقَدْ تَشَكَّلَ .
( مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ ، وَلَوْ أَكَلَ بَعْضَهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ وَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهَا ( فَلَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ ) بِالْكُلِّ كَمَنْ نَوَى صَوْمَ تَطَوُّعٍ ضَحْوَةً ( وَ ) ثَوَابُ ( التَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ ، وَلَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ مِنْهَا جَازَ ) كَالْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ وَخَصَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا إذَا صَرَفَهُ إلَيْهِ غَيْرُ سَيِّدِهِ ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَفَ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ ( وَيَعْصَى بِتَأْخِيرِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ ) لِذَبْحِهَا ( وَيَقْضِي ) كَمَا لَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ الْوَقْتِ ( وَيُسْتَحَبُّ الذَّبْحُ فِي بَيْتِهِ بِمَشْهَدِ أَهْلِهِ ) لِيَفْرَحُوا بِالذَّبْحِ وَيَتَمَتَّعُوا بِاللَّحْمِ ( وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرَاتِ { ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِائَةَ بَدَنَةٍ أَهْدَاهَا } ، وَهَذَا أَنْكَرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى نَقْلِ الرَّافِعِيِّ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ مَنْ ضَحَّى بِعَدَدٍ فَرَّقَهُ عَلَى أَيَّامِ الذَّبْحِ وَمَا أَنْكَرَ بِهِ عَلَيْهِ قَالَ جَمَاعَةٌ لَا يُرَدُّ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْإِمَامِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَنَقْلُهَا عَنْ بَلَدٍ ) أَيْ بَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ إلَى آخَرَ ( كَنَقْلِ الزَّكَاةِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ مَنْعِ نَقْلِهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فَقَدْ صَحَّحُوا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ جَوَازَ نَقْلِ الْمَنْذُورَةِ ، وَالْأُضْحِيَّةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ يَمْتَدُّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ الْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا شُعُورَ لِلْفُقَرَاءِ بِهَا حَتَّى تَمْتَدَّ أَطْمَاعُهُمْ إلَيْهَا ( وَتُسْتَحَبُّ ) التَّضْحِيَةُ ( لِلْحَاجِّ كَغَيْرِهِ ، وَإِنْ أَهْدَى ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ } كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَ )
يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يُضَحِّيَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِبَدَنَةٍ فِي الْمُصَلَّى وَ ) أَنْ يَنْحَرَهَا ( بِنَفْسِهِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) بَدَنَةٌ ( فَشَاةٌ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ ضَحَّى عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِ فَحَيْثُ شَاءَ ) يُضَحِّي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ وَالْأُضْحِيَّةُ تَبَرُّعٌ .
( بَابُ الْعَقِيقَةِ ) مِنْ عَقَّ يَعِقُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا ، وَهِيَ لُغَةً : الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ حِينَ وِلَادَتِهِ وَشَرْعًا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ ؛ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ ؛ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ يُحْلَقُ إذْ ذَاكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَخْبَارٌ كَخَبَرِ { الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى } وَكَخَبَرِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ : حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الثَّانِي حَسَنٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ إظْهَارُ الْبِشْرِ وَالنِّعْمَةِ وَنَشْرِ النَّسَبِ ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ } ؛ وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ، وَلَا نَذْرٍ فَلَمْ تَجِبْ كَالْأُضْحِيَّةِ وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ قِيلَ : لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يُعَقَّ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ : مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى أَحْمَدَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ .
( بَابُ الْعَقِيقَةِ )
وَالْأَخْبَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْهَا : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ } فَقَالَ الرَّاوِي كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً .
( وَيُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا يَوْمَ سَابِعِ الْوِلَادَةِ ) فَيَدْخُلُ يَوْمُهَا فِي الْحِسَابِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ { ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رَأْسِهِمَا الْأَذَى } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( فَإِنْ وُلِدَ لَيْلًا لَمْ يُحْسَبْ ) يَوْمًا بَلْ يُحْسَبْ مِنْ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ( وَإِنَّمَا يَجُوزُ ) ذَبْحُهَا ( بَعْدَ الْوِلَادَةِ ) لَا قَبْلَهَا لِتَلَاعُبِهِ بِالْعِبَادَةِ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ شَاةُ لَحْمٍ لِعَدَمِ دُخُولِ سَبَبِهَا وَذِكْرُ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَلَا تُحْسَبُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ ( وَلَا تَفُوتُ عَلَى الْوَلِيِّ ) الْمُوسِرِ بِهَا ( حَتَّى يَبْلُغَ ) الْوَلَدُ ( فَإِنْ بَلَغَ فَحَسَنٌ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ ) تُدَارُ كَالْمَسَافَاتِ وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَاطِلٌ .
قَوْلُهُ سَابِعِ الْوِلَادَةِ ) يُقَالُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَتَأَلُّمِ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ فَفِي الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يُكْثَرَ مِنْ دُعَاءِ الْكُرَبِ ، وَهُوَ مَشْهُورٌ ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَنَتْ وِلَادَتُهَا أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ يَأْتِيَاهَا فَيَقْرَآ عَلَيْهَا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَأَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَيُعَوِّذَاهَا بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ } ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَاطِلٌ ) وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَحْمَدُ
( فَصْلٌ وَإِنَّمَا تُسَنُّ ) الْعَقِيقَةُ ( لِمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ ) لِلْوَلَدِ ( لَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ) الْأَوْلَى الْوَلَدُ فَلَا يَعُقُّ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ تَبَرُّعٌ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ عَقَّ مِنْ مَالِهِ ضَمِنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا { عَقُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ } فَمُتَأَوَّلٌ قَالَهُ فِي الْأَصْلِ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ أَوْ أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عِنْدَ ذَلِكَ مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُهُمْ اسْتِحْبَابُ الْعَقِيقَةِ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعُقَّ عَنْ وَلَدِهَا مِنْ زِنًا وَفِيهِ بُعْدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَارِ وَأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ أَوْ مَاتَ قَبْلَ عَقِّهِ اُسْتُحِبَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ( فَإِنْ ) كَانَ الْوَلِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ فِي السَّبْعَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا حَتَّى لَوْ ( أَيْسَرَ الْوَلِيُّ بَعْدَ ) السَّابِعِ مَعَ بَقِيَّةِ ( مُدَّةِ النِّفَاسِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا ) بِخِلَافِ مَاذَا أَيْسَرَ قَبْلَ تَمَامِ السَّابِعِ ( وَفِيمَا ) إذَا أَيْسَرَ ( بَعْدَ السَّابِعِ ) فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ ( تَرَدُّدٌ ) لِلْأَصْحَابِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْوِلَادَةِ .
إنَّهُ مُنْكَرٌ ( قَوْلُهُ ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِلْوَلَدِ حَقِيقَةً ) لِإِعْسَارِ الْوَلَدِ أَوْ بِتَقْدِيرِ إعْسَارِهِ فِيمَا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ - الْأَبُ الْكَافِرُ فَيَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ وَقَالَ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ : وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا وَقَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ الْوَلَدَ بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا نَسِيبًا إلَى أَصْلِهِ قَالَ : فَلَوْ كَانَ رَقِيقًا وَضَعَتْهُ جَارِيَةُ الْإِنْسَانِ أَوْ زَوْجَتُهُ الرَّقِيقَةُ لَمْ تَتَعَلَّقْ سُنِّيَّةُ الْعَقِيقَةِ بِوَالِدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَلَا بِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ حُرًّا إلَّا أَنَّهُ يُنْسَبُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ لَمْ يُسَنُّ الْعَقُّ عَنْهُ نَعَمْ يُسَنُّ لِلْأُمِّ إذَا لَزِمَتْهَا نَفَقَتُهُ ، وَقَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ السَّابِعِ تَرَدُّدٌ ) الْأَصَحُّ مِنْهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا الِاخْتِيَارُ لِلْمُوسِرِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ مُدَّةَ النِّفَاسِ ، وَإِلَّا فَمُدَّةَ الرَّضَاعِ ، وَإِلَّا فَسِنَّ التَّمْيِيزِ .
( فَصْلٌ ، وَهِيَ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي ) اسْتِحْبَابِهَا كَمَا مَرَّ وَفِي ( سَائِرِ الْأَحْكَامِ ) مِنْ جِنْسِهَا وَسِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا ، وَالْأَفْضَلِ مِنْهَا وَالْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِهْدَاءِ وَالْإِدْخَارِ وَقَدْرِ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَامْتِنَاعِ بَيْعِهَا وَتَعْيِينِهَا إذَا عُيِّنَتْ ( وَ ) اعْتِبَارِ ( النِّيَّةِ ) وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ النِّيَّةِ أَشْمَلَهَا مَا قَبْلَهَا ( لَكِنْ يُسْتَحَبُّ طَبْخُهَا ) كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ ( بِحُلْوٍ ) تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْوَلَدِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا نِيئًا كَالْأُضْحِيَّةِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَهَا بِدُونِ النَّذْرِ ( وَلَا يُكْرَهُ الْحَامِضُ ) أَيْ طَبْخُهَا بِهِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ ( وَالْحَمْلُ ) أَيْ حَمْلُهَا مَطْبُوخَةً مَعَ مَرَقِهَا ( لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ ) مِنْ نِدَائِهِمْ إلَيْهَا ( وَلَا بَأْسَ بِنِدَاءِ قَوْمٍ ) إلَيْهَا ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْسِرَ عَظْمَهَا مَا أَمْكَنَ ) تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْوَلَدِ ( فَإِنْ كَسَّرَ لَمْ يُكْرَهْ ) إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَلَوْ عَقَّ عَنْهُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِعَظْمِ السُّبْعِ أَوْ بِعِظَامِ جَمِيعِ الْبَدَنَةِ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَقِيقَةً هُوَ السُّبْعُ ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ تَأَتَّى قِسْمَتُهَا بِغَيْرِ كَسْرٍ فَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِلْعَقِيقَةِ فِيهِ حِصَّةٌ .
( قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِهَا وَسِنِّهَا ) رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ عَنْ الْحَسَنِ { عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَعُقُّ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ } وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ أَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا جَمَاعَةٌ جَازَ سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْإِهْدَاءِ ) هَذَا إذَا أُهْدِيَ مِنْهَا لِلْغَنِيِّ شَيْءٌ مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ضِيَافَةٌ عَامَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ ش ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) كَالْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا نِيئًا بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ مَطْبُوخًا قَوْلُهُ فَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ ) قَالَتْ عَائِشَةُ { أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَيُجْزِئُ ) عَنْ الْعَقِّ عَنْ الْغُلَامِ شَاةٌ ( وَاحِدَةٌ ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا } وَكَالشَّاةِ سُبُعُ بَدَنَةٍ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَصْلُ السُّنَّةِ ( وَ ) عَنْ ( الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ ) لِمَا مَرَّ ؛ وَلِأَنَّ السُّرُورَ بِهَا أَقَلُّ مِنْهُ بِالْغُلَامِ ، وَكَالْجَارِيَةِ الْخُنْثَى عَلَى الْمُتَّجَهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُقَّ ( عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ السَّابِعِ وَالتَّمَكُّنِ ) مِنْ الذَّبْحِ وَكَمَوْتِهِ بَعْدَ السَّابِعِ مَوْتُهُ قَبْلَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ .
( قَوْلُهُ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ ) إنَّمَا كَانَتْ الْأُنْثَى فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الذَّكَرِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا اسْتِبْقَاءُ النَّفْسِ ، فَأَشْبَهَتْ الدِّيَةَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ ( قَوْلُهُ سُبْعُ بَدَنَةٍ ) أَيْ أَوْ بَقَرَةٍ ( قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَبْنٍ : الْخُنْثَى كَالذَّكَرِ فِي الشَّاتَيْنِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ .
ا هـ .
وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَصَدْرُ النَّهَارِ ) عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ( أَوْلَى ) بِالْعَقِّ فِيهِ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ لَكَ وَإِلَيْكَ عَقِيقَةُ فُلَانٍ ) لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
( وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الصَّبِيِّ بِدَمِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَلَيْهِ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى } بَلْ قَالَ الْحَسَنِ وَقَتَادَةُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُغْسَلُ لِهَذَا الْخَبَرِ ( ، وَلَا بَأْسَ بِالزَّعْفَرَانِ ) أَيْ بِلَطْخِهِ بِهِ وَبِالْخَلُوقِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَقِيلَ : بِاسْتِحْبَابِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ بُرَيْدَةَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً ، وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الصَّبِيِّ بِدَمِهَا ) مَا ذُكِرَ لَا يَسْتَقِيمُ تَفْرِيعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَسَقْيِ الْخَمْرِ وَإِدْخَالِهِ فَرْجَهُ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ فَكَمَا يَجُوزُ سَقْيُهَا الْمَاءَ النَّجَسَ وَإِلْبَاسُهَا الْجِلْدَ النَّجَسَ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ سَقْيُهُ الْخَمْرَ وَإِيلَاجُ فَرْجِهِ فِي الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ لِئَلَّا يَعْتَادَ ذَلِكَ ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَمَسَّ الدَّمَ بِيَدِهِ
( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَهُ يَوْمَ السَّابِعِ ) لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ ) وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ أَوْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَاسْتَدَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْعَقَّ وَأَخْبَارَ يَوْمِ السَّابِعِ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ ( حَتَّى السَّقْطُ ) فَتُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَأَسْمَاءِ ، وَهِنْدَ ، وَهُنَيْدَةَ وَخَارِجَةَ وَطَلْحَةَ ( وَأَنْ يَحْسُنَ اسْمُهُ وَأَفْضَلُهَا ) أَيْ الْأَسْمَاءِ ( عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى ابْنَ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدَ اللَّهِ وَقَالَ لِرَجُلٍ سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ خَبَرَ { إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ } وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ { أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ } زَادَ أَبُو دَاوُد { وَأَصْدَقُهُمَا حَارِثٌ ، وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهُمَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ } ( وَتُكْرَهُ ) الْأَسْمَاءُ ( الْقَبِيحَةُ وَمَا يَتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ ) عَادَةً ( كَنَجِيحٍ وَبَرَكَةَ ) وَكَحَرْبٍ وَمُرَّةَ وَكُلَيْبٍ وَعَاصِيَةَ وَشَيْطَانٍ وَشِهَابٍ وَظَالِمٍ وَحِمَارٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ كَخَبَرِ { لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ أَفْلَحَ ، وَلَا نَجِيحًا ، وَلَا يَسَارًا ، وَلَا رَبَاحًا فَإِنَّك إذَا قُلْت أَثَمَّ هُوَ ؟ قَالُوا : لَا } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَقَدْ مَنَعَهُ الْعُلَمَاءُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَشَاهَانْ شَاهٍ ( فَلْتُغَيَّرْ ) أَيْ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَمَا يَتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ
نَدْبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ } وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةٌ } .
( قَوْلُهُ وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ ، وَهُوَ جَمْعٌ لَطِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ حَتَّى السَّقْطَ ) أَيْ إذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ قَوْلُهُ ( أَشَدُّ كَرَاهَةً ) ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ ، وَلَا تُعْرَفُ السِّتُّ إلَّا فِي الْعَدَدِ وَمُرَادُ الْعَوَامّ بِذَلِكَ سَيِّدَةٌ ( قَوْلُهُ وَقَدْ مَنَعَهُ الْعُلَمَاءُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ إلَخْ ) أَيْ تَحْرُمُ التَّسْمِيَةُ بِهِ .
( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ ) لِمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ( أَنْ يَحْلِقَ لَهُ يَوْمَ السَّابِعِ ) لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ ( بَعْدَ الذَّبْحِ ) كَمَا فِي الْحَاجِّ ( وَ ) أَنْ ( يَتَصَدَّقَ بِوَزْنِ الشَّعْرِ ذَهَبًا ، وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَذَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَعَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ( فَفِيهِ ) { ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ وَبِالذَّكَرِ الْأُنْثَى ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنْ الْفِضَّةِ ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ الْمُتَيَسِّرَةُ إذْ ذَاكَ فَتَعْبِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ ( وَأَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ فِي الْيُسْرَى ) ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحُسَيْنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِخَبَرِ ابْنِ السُّنِّيِّ { مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ } أَيْ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ وَلِيَكُونَ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ وَفِي مُسْنَدِ أَبِي رَزِينٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ } وَالْمُرَادُ أُذُنُهُ الْيُمْنَى ( وَ ) أَنْ ( يَقُولَ ) فِي أُذُنِهِ ( { إنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ أَوْ التَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ
إرَادَةِ التَّسْمِيَةِ ( وَأَنْ يُحَنَّكَ ) الْوَلَدُ ( بِتَمْرٍ يُمْضَغُ ) وَيُدَلَّكَ بِهِ حَنَكُهُ وَيُفْتَحَ فَمُهُ حَتَّى يَدْخُلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ ( فَبِحُلْوٍ ) يُحَنِّكُهُ { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِابْنِ أَبِي طَلْحَةَ حِين وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ ، ثُمَّ مَجَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ ( وَ ) أَنْ ( يُهَنَّأَ بِهِ الْوَالِدُ ) بِأَنْ يُقَالَ لَهُ : بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْت بِرَّهُ وَأَنْ يَرُدَّ هُوَ عَلَى الْمُهَنِّئِ فَيَقُولُ : بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ رَزَقَك اللَّهُ مِثْلَهُ أَوْ أَجْزَلَ اللَّهُ ثَوَابَك وَنَحْوَ ذَلِكَ ( وَ ) أَنْ ( تُعْطَى الْقَابِلَةُ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ ) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُعْطَاهُ نِيئًا .
( قَوْلُهُ وَأَنْ يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ إلَخْ ) وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِيهِمَا قَوْلُهُ فَبِحُلْوٍ يُحَنِّكُهُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ التَّحْنِيكَ مُخْتَصٌّ بِالصِّبْيَانِ فَلَمْ يَجِئْ فِي السُّنَّةِ تَحْنِيكُ الْإِنَاثِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ يُفْهِمُ تَخْصِيصَ التَّحْنِيكِ بِالصِّبْيَانِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ خَصَّصَهُ بِهِمْ .
ا هـ .
إنَّمَا كَانُوا يَحْمِلُونَ الصِّبْيَانَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاعْتِنَائِهِمْ بِهِمْ دُونَ الْإِنَاثِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَنِّكُونَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الذُّكُورِ غ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْأَذْرَعِيِّ وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَا يُكْرَهُ الْفَرَعُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ( وَهُوَ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدٍ لِلْبَهِيمَةِ ، وَلَا الْعَتِيرَةُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ( وَهِيَ تَخْصِيصُ أَوَّلِ عَشْرٍ مِنْ رَجَبٍ بِالذَّبْحِ ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { لَا فَرَعَ ، وَلَا عَتِيرَةَ } وَتَفْسِيرُ الْمُصَنِّفِ لَهُمَا بِمَا قَالَهُ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ ، وَإِلَّا فَفِي الْأَصْلِ الْفَرَعُ أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ ، وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا ، وَالْعَتِيرَةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا ، ثُمَّ قَالَ : وَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الذَّبْحِ لِآلِهَتِهِمْ أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْوُجُوبِ أَوْ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ فِي ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَصَدَقَةٌ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا .
( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ ) مِنْ النَّاسِ ( أَنْ يَدْهُنَ غِبًّا ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي سُنَنِهِ الصِّحَاحِ وَقَدْ { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِادِّهَانِ إلَّا غِبًّا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( وَ ) أَنْ ( يَكْتَحِلَ وِتْرًا لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةٌ ) كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ خَبَرَ { مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ } ( وَ ) أَنْ ( يُقَلِّمَ الظُّفْرَ وَيَنْتِفَ الْإِبْطَ ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ ( وَيَحْلِقَ الْعَانَةَ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ : الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ } ؛ وَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْلِيمِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِسْبَحَةِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى ؛ لِأَنَّهَا الْأَشْرَفُ إذْ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ فِي التَّشَهُّدِ ، ثُمَّ بِالْوُسْطَى لِكَوْنِهَا عَلَى يَمِينِ الْمِسْبَحَةِ إذَا تُرِكَتْ الْيَدُ عَلَى جِبِلَّتِهَا مَبْسُوطَةَ الْكَفِّ عَلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ، ثُمَّ بِالْخِنْصَرِ ، ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى ، ثُمَّ بِبِنْصِرِهَا ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ السَّبَّابَةِ ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ ، ثُمَّ إبْهَامِ الْيُمْنَى ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ فِي حُكْمِ حَلْقَةٍ فَيَقْضِي تَرْتِيبُ الدُّورِ الذَّهَابَ عَلَى مَا ذُكِرَ ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ بِمَا بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى كَمَا فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا فِي الْوُضُوءِ نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْغَزَالِيِّ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا فِي تَأْخِيرِ إبْهَامِ الْيُمْنَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّمَهَا بَعْدَ خِنْصَرِ الْيُمْنَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْيُسْرَى .
( وَيَجُوزُ الْعَكْسُ ) أَيْ حَلْقُ الْإِبْطِ وَنَتْفُ الْعَانَةِ وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ ، وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ الْفَرْجِ وَقِيلَ : حَوْلَ الدُّبُرِ وَالْأَوْلَى حَلْقُهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي
تَهْذِيبِهِ وَالسُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ حَلْقُهَا ، وَفِي الْمَرْأَةِ نَتْفُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى مِثْلُهَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ نَتْفُ الْأَنْفِ وَعَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَصُّهُ وَيُكْرَهُ نَتْفُهُ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ ( وَ ) أَنْ ( يَقُصَّ الشَّارِبَ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ ( عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى يُبَيِّنَ حَدَّ الشَّفَةِ ) بَيَانًا ظَاهِرًا ( وَيُكْرَهُ الْإِحْفَاءُ ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ ، وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ ، ثُمَّ قَالَ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِحَفِّ الشَّوَارِبِ مَحْمُولٌ عَلَى حَفِّهَا مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ .
ا هـ .
وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْمَرِيِّ اسْتِحْبَابَهُ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ إنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْحَلْقُ ، وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصًّا وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانَا يَحْفَيَانِ شَوَارِبَهُمَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَزَعَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قَيْدٌ فِي الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ ( وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ ( عَنْهَا ) أَيْ الْحَاجَةِ ( وَ ) تَأْخِيرُهَا ( إلَى بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ ) كَرَاهَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّ أَنَسًا قَالَ وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ { وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بَدَلَ لَيْلَةً } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلَا يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ
يُؤَخِّرُونَهَا إلَى الْأَرْبَعِينَ .
( قَوْلُهُ نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْغَزَالِيِّ ، ثُمَّ قَالَ إلَخْ ) قَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
( وَ ) أَنْ ( يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ ) جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ ، وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا وَذَلِكَ لِخَبَرِ { عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ : الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَالِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ وَالْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ } ( وَ ) أَنْ يَغْسِلَ ( مَعَاطِفَ الْآذَانِ وَصِمَاخَهَا ) فَيُزِيلَ مَا فِيهِ مِنْ الْوَسَخِ بِالْمَسْحِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُزِيلُهُ بِالْغَسْلِ ( وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ ) فَيَغْسِلُ دَاخِلَهُ تَنْظِيفًا لَهُ كَالْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُ ( تَيَامُنًا فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْمَذْكُورَاتِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا .
( وَأَنْ يُخَضِّبَ الشَّيْبَ ) أَيْ الشَّعْرَ الشَّائِبَ ( بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ ) لِمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ نَعَمْ إنْ فَعَلَهُ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَمُتَّبِعِي السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ صَحِيحَةٍ كُرِهَ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَهُوَ ) أَيْ خِضَابُ الشَّيْبِ ( بِالسَّوَادِ حَرَامٌ ) لِمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ وَالثَّغَامَةَ } بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ لَهُ ثَمَرٌ أَبْيَضُ وَعَبَّرَ مَعَ هَذَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الْغَزَالِيِّ بِالْكَرَاهَةِ ، وَكَذَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ قَالَ : وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ( إلَّا لِلْمُجَاهِدِ ) فِي الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ بِإِظْهَارِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ .
قَوْلُهُ ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ) قَالَ شَيْخُنَا ذِكْرُ الْوَالِدِ فِي شَرْحِهِ لِلزَّيْدِ جَوَازُهُ لِلْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا
( وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ ) وَنَحْوِهِ ( لِلرَّجُلِ حَرَامٌ ) لِخَبَرِ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ } ( إلَّا لِعُذْرٍ ) فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فِي بَابَيْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ احْتِيَاطًا
( وَيُسْتَحَبُّ فَرْقُ الشَّعْرِ ) أَيْ شَعْرِ الرَّأْسِ ( وَتَرْجِيلُهُ ) أَيْ تَمْشِيطُهُ بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُلَيِّنُهُ وَيُرْسِلُ ثَائِرَهُ وَيَمُدُّ مُنْقَبِضَهُ ( وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ } .
( وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ زِيُّ الْيَهُودِ ، وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا وَقِيلَ : حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ ، وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ ، وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْهُنَهُ وَيُرَجِّلَهُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَاحْتُجَّ لِذَلِكَ فِيهِ { بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَقَالَ لِيَحْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ لِيَدَعْهُ كُلَّهُ } قَالَ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ .
( وَ ) يُكْرَهُ ( نَتْفُهَا ) أَيْ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ ( وَنَتْفُ الشَّيْبِ ) لِمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( وَاسْتِعْجَالُهُ ) أَيْ الشَّيْبِ ( بِالْكِبْرِيتِ ) أَوْ غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ وَإِظْهَارًا لِعُلُوِّ السِّنِّ لِأَجْلٍ الرِّيَاسَةِ ( وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَ ) جَانِبَيْ ( شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَتَشْعِيثُهَا ) إظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ ( وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ ) لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ ( وَالنَّظَرُ فِي سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إعْجَابًا ) وَافْتِخَارًا ( وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِذَارَيْنِ مِنْ الصُّدْغِ وَالنَّقْصُ مِنْهَا ) لِئَلَّا يُغَيِّرَ شَعْرَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ فَقِيلَ : لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهَا وَيَقُصَّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَلِخَبَرِ : أَعْفُوا اللِّحَى قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى تَقْصِيصِهَا وَتَدْوِيرِهَا مِنْ الْجَوَانِبِ فَإِنَّ الطُّولَ الْمُفْرِطَ قَدْ يُشَوَّهُ الْخِلْقَةَ ( ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ ) ، وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا يَرُدُّ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ { قُصُّوا سَبَالَاتِكُمْ ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ } .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ نَتْفُهَا ) أَيْ اللِّحْيَةِ إلَخْ وَمِثْلُهُ حَلْقُهَا فَقَوْلُ الْحَلِيمِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ لِحْيَتَهُ ، وَلَا حَاجِبَيْهِ ضَعِيفٌ
( وَيُسْتَحَبُّ لِوَلَدِهِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ ) رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ فَقَالَ لِلْغُلَامِ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : أَبِي قَالَ : فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ ، وَلَا تَسْتَسْبِبْ لَهُ ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ } وَمَعْنَى لَا تَسْتَسْبِبْ لَهُ لَا تَفْعَلْ فِعْلًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لَأَنْ يَسُبَّك بِهِ زَجْرًا لَكَ وَتَأْدِيبًا وَيُقَاسُ بِالْأَبِ غَيْرُهُ .
( وَأَنْ يُكَنِّيَ أَهْلَ الْفَضْلِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَدٌ ) رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى قَالَ فَاكْتَنِي بِابْنِك عَبْدِ اللَّهِ } قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ وَسَوَاءٌ أَكُنِّيَ الرَّجُلُ بِأَبِي فُلَانٍ أَمْ بِأَبِي فُلَانَةَ وَالْمَرْأَةُ بِأُمِّ فُلَانٍ أَمْ بِأُمِّ فُلَانَةَ وَتَجُوزُ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ الْآدَمِيِّينَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْمَكَارِمِ وَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبِي الْمَحَاسِنِ ( لَا بِأَبِي الْقَاسِمِ ) فَلَا يُسْتَحَبُّ التَّكَنِّي بِهِ بَلْ يَحْرُمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { تَسَمَّوْا بِاسْمِي ، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي } وَسَيَأْتِي فِيهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَزِيدُ الْكَلَامِ ( ، وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَلَا فَاسِقٌ ، وَلَا مُبْتَدِعٌ ؛ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ ( إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ ) مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ ( أَوْ تَعْرِيفٍ ) كَمَا قِيلَ بِهِ فِي : قَوْله تَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَقِيلَ : ذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ حَيْثُ جُعِلَ عَبْدًا لِلصَّنَمِ وَقِيلَ : لَمَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ كَانَتْ الْكُنْيَةُ أَقْوَى بِحَالِهِ ( ، وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ } ( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يُكَنِّيَ الرَّجُلُ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ ( بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ ) فَقَدْ { كُنِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي الْقَاسِمِ بِابْنِهِ الْقَاسِم وَكَانَ أَكْبَرَ بَنِيهِ } قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَمَالِيهِ وَكَنَّاهُ جِبْرِيلُ أَبَا إبْرَاهِيمَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ لَمَّا وَفَدَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ لِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ فَقَالَ إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي حَكَمْت بَيْنَهُمْ فَيَرْضَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَك مِنْ الْوَلَدِ ؟ قَالَ : لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قُلْت شُرَيْحٌ قَالَ فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ } ( وَالْأَدَبُ ) لِلْإِنْسَانِ ( أَنْ لَا يُكَنِّيَ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا إنْ كَانَتْ ) أَيْ الْكُنْيَةُ ( أَشْهَرَ مِنْ الِاسْمِ ) أَوْ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ : فَاطِمَةُ وَقِيلَ : هِنْدُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ } وَخَبَرُهُمَا أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ { قَالَ جَعَلْت أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْت أَبُو ذَرٍّ } .
( وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُهُ بِمَا يَكْرَهُ ، وَإِنْ كَانَ ) مَا لُقِّبَ بِهِ ( فِيهِ ) كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْمَى قَالَ تَعَالَى { ، وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أَيْ لَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ وَمِنْ ذَلِكَ تَرْخِيمُ الِاسْمِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ ( وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ ) اللَّقَبَ الْمَذْكُورَ ( بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ ) لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِهِ .
( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُفَّ الصِّبْيَانَ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ ، وَأَنْ يُخَمِّرَ ) أَيْ يُغَطِّيَ ( الْآنِيَةَ ، وَلَوْ بِشَيْءٍ كَعُودٍ يُعْرَضُ عَلَيْهَا وَ ) أَنْ ( يُوكِيَ الْقِرَبَ وَ ) أَنْ ( يُغْلِقَ الْبَابَ ) وَأَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ ( مُسَمِّيًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الثَّلَاثَةِ وَأَنْ يُطْفِئَ الْمِصْبَاحَ عِنْدَ النَّوْمِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ } وَفِي رِوَايَةٍ { لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ } وَفِي رِوَايَةٍ { لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ } وَجُنْحُ اللَّيْلِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ظَلَامُهُ وَتَعْرُضُوا بِضَمِّ الرَّاءِ وَقِيلَ : بِكَسْرِهَا أَيْ تَجْعَلُوهُ عَرْضًا وَ فَوَاشِيَكُمْ جَمْعُ فَاشِيَةٍ ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ الْمَالِ كَالْبَهَائِمِ ، وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ ظُلْمَتُهَا .
( كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } وقَوْله تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } ( إنَّمَا يَحِلُّ الْحَيَوَانُ ) الْبَرِّيُّ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ ( بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ ) ، وَهُوَ أَعْلَى الْعُنُقِ ( أَوْ اللَّبَّةُ ) ( وَفِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ) ، وَلَوْ مُتَرَدِّيًا فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي ( يُجْزِئُ الْعَقْرُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ ( وَهُوَ الْجَرْحُ الْمُزْهِقُ ) لِلرُّوحِ ( الْمَقْصُودُ ) كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ .
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ) أَفْرَدَ الصَّيْدَ ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَجَمَعَ الذَّبَائِحَ ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ بِالسَّهْمِ وَبِالْجَوَارِحِ ( قَوْلُهُ إنَّمَا يَحِلُّ الْحَيَوَانُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ : يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ صُوَرٌ : إحْدَاهَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَمْ تَكُنْ فِي حَلْقِهِ ، وَلَبَّتِهِ ثَانِيهَا إذَا خَرَجَ رَأْسُ الْجَنِينِ فَذُبِحَتْ الْأُمُّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ ثَالِثُهَا - الصَّيْدُ بِثِقَلِ الْجَارِحَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ رَابِعُهَا - السَّمَكُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ فِي الْحُلْقُومِ أَوْ اللَّبَّةِ ) الْمَعْنَى فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّوَصُّلَ بِهِ إلَى إخْرَاجِ الرُّوحِ مِنْ الْبَهِيمَةِ أَسْرَعُ وَأَخَفُّ
( وَلَهُ ) أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الذَّبْحِ وَالْعَقْرِ ( أَرْكَانٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ الذَّابِحُ أَوْ الصَّائِدُ وَشَرْطُهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ يُنَاكَحُ أَهْلُ مِلَّتِهِ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَحِلُّ لَنَا مُنَاكَحَتُهُمْ قَالَ تَعَالَى { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَسَوَاءٌ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَمْ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ ، وَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا .
قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ) الْأَحْسَنُ ضَبْطُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ نُنَاكِحُ نَحْنُ أَهْلَ مِلَّتِهِ وَدَخَلَ فِي الضَّابِطِ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ ( قَوْلُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا ) فَلَوْ أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَكَانَ مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ لَمْ يَحِلَّ ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَصَيْدُهَا ، وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا ) إذْ لَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْمُنَاكَحَةِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِصَيْدِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَتَحْرُمُ ذَبَائِحُ سَائِرِ الْكُفَّارِ ) كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ( وَصَيْدُهُمْ ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ ( غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ ) فَلَا يَحْرُمَانِ بِذَبْحِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَيِّتَتَهُمَا حَلَالٌ فَلَا عِبْرَةَ بِالْفِعْلِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْجَرَادِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ التَّصْرِيحُ بِالْجَرَادِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) ، وَهُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ
( وَيَحْرُمُ مَا ) أَيْ الْحَيَوَانُ ( شَارَكَ أَحَدُهُمْ ) أَيْ أَحَدُ سَائِرِ الْكُفَّارِ ( فِيهِ مُسْلِمًا بِذَبْحٍ ) كَأَنْ أَمَرَّا السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ ( أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبِهِ ) الْأَوْلَى أَوْ كَلْبٍ ( أَوْ شَارَكَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ مُعَلَّمٌ عَدَا بِنَفْسِهِ كَلْبًا أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ فِي الْإِمْسَاكِ وَالْعَقْرِ ) أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْآخَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَأَفْهَمَهُ بِالْأَوْلَى قَوْلُهُ ( أَوْ أَمْسَكَ وَاحِدٌ ) مِنْ الْكَلْبَيْنِ صَيْدًا ( ثُمَّ عَقَرَ ) هـ ( آخَرُ وَشَكَّ فِيهِ ) أَيْ فِي عَاقِرِهِ مِمَّا ذُكِرَ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ بَدَلَ الْوَاوِ الْمُعَبَّرِ بِهَا فِي الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِلَّ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ الْعَقْرُ الْإِمْسَاكَ أَوْ قَارَنَهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَعَلَى الْكَافِرِ ) الَّذِي لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ إذَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ ( الضَّمَانُ إنْ شَارَكَهُ وَقَدْ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ ) فَلَوْ أَثْخَنَهُ مُسْلِمٌ بِجِرَاحَتِهِ فَقَدْ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ وَمِلْكَهُ فَإِذَا جَرَحَهُ مَجُوسِيٌّ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ حَرُمَ وَعَلَى الْمَجُوسِيِّ قِيمَتُهُ مُثْخَنًا ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً .
( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مَا شَارَكَ أَحَدُهُمْ فِيهِ مُسْلِمًا بِذَبْحٍ ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ : شَارَكَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ مَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْكَافِرِ الضَّمَانُ ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ أَمَرَّ السِّكِّينَ عَلَى عُنُقِ شَاةِ الْغَيْرِ وَذَكَّاهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّحْمَ حَرَامٌ ، وَهَلْ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى الْمَجُوسِيِّ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَعَلَى الْمُسْلِمِ نِصْفُ أَرْشِ النُّقْصَانِ بَيْنَ كَوْنِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً ؟ احْتِمَالَانِ وَأَرْجَحُهُمَا ثَانِيهِمَا
( فَإِنْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ أَمْسَكَ لَهُ صَيْدًا فَذَبَحَهُ أَوْ شَارَكَهُ ) فِي قَتْلِهِ ( بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ ، وَهُوَ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ ) شَارَكَهُ ( فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى كَلْبِهِ ) أَيْ الْمُسْلِمِ بِأَنْ رَدَّهُ إلَيْهِ ( لَمْ يَحْرُمْ ) إذْ الْمَقْصُودُ الْفِعْلُ وَقَدْ حَصَلَ مِمَّنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ ، وَلَا غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْقَوَدُ ، وَجَرْحُ الْمَجُوسِيِّ الصَّيْدَ ، وَهُوَ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بِجَرْحِ الْمُسْلِمِ يُشْبِهُ مَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً ، ثُمَّ قَدَّهَا مَجُوسِيٌّ .
( قَوْلُهُ أَوْ شَارَكَهُ فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى كَلْبِهِ إلَخْ ) أَوْ أَكْرَهَ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ
( فَائِدَةٌ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ ، وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمْيِيزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ بِبَقَاءِ دَمِهَا .
( فَرْعٌ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَصَيْدُهُ ) لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ عِبَادَتِهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَذِكْرُ حِلِّ صَيْدِ الْمُمَيِّزِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَكَذَا ) تَحِلُّ ( ذَبِيحَةُ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ ) كَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ وَسَكْرَانَ ( وَالْأَعْمَى ) ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا فِي الْجُمْلَةِ وَكَمَنْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ يَظُنُّهُ شَاةً يَظُنُّهُ غَيْرَهُ بِخِلَافِ ذَبِيحَةِ النَّائِمِ ( وَإِنْ كُرِهَتْ ) ذَبِيحَةُ الثَّلَاثَةِ أَيْ ذَبْحَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُخْطِئُونَ الْمَذْبَحَ وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْأَعْمَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ ( لَا صَيْدُهُمْ ) بِرَمْيٍ أَوْ كَلْبٍ فَلَا يَحِلُّ إذْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ وَذِكْرُ تَحْرِيمِ صَيْدِ السَّكْرَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَجْنُونِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَتَحْرِيمِ صَيْدِهِمَا هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَذْهَبُ حِلُّهُ وَقِيلَ : لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ وَنَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَيْثُ حَلَّلْنَا ذَبْحَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ( قَوْلُهُ لَا صَيْدُهُمْ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَيْدُهُ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَذْهَبُ حِلُّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ ، وَلَوْ لَمْ يُفْهِمْ الْإِشَارَةَ ) كَالْمَجْنُونِ .
( فَرْعٌ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ ، ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ ، ثُمَّ الْكِتَابِيُّ ، ثُمَّ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ انْتَهَى .
وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فِي مَعْنَى الْأَخِيرَيْنِ
( الرُّكْنُ الثَّانِي الذَّبِيحُ ) بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ ( وَمَذْبُوحُ مَا لَا يُؤْكَلُ ) مِنْ حِمَارٍ وَنَحْوِهِ ( كَمَيْتَتِهِ ) فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ
( وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَلَالٌ ) ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرُ الْأَوَّلِ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَكَلْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ } وَلِخَبَرِ { أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ } وَلِخَبَرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } ؛ وَلِأَنَّ ذَبْحَهُمَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ سَوَاءٌ أَمَاتَا بِسَبَبٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا
( قَوْلُهُ وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ ) قَدْ يُفْهَمُ أَنَّ غَيْرَ السَّمَكِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ تَحْرُمُ مَيْتَتُهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ حِلُّهَا وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ شَمَلَتْهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ : مَا حَلَّ مَيْتَتُهُ كَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ لَا حَاجَةَ لِذَبْحِهِ وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ اسْمَ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ
( وَذَبْحُ كِبَارِ السَّمَكِ ) الَّذِي يَطُولُ بَقَاؤُهُ ( مُسْتَحَبٌّ ) إرَاحَةً لَهُ ( وَ ) ذَبْحُ ( صِغَارِهِ مَكْرُوهٌ ) ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ .
( وَلَوْ أَكَلَ مَشْوِيَّ صِغَارِهِ بِرَوْثِهِ أَوْ ابْتَلَعَهُ حَيًّا ) أَوْ ابْتَلَعَ فِلْقَةً قَطَعَهَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ ( حَلَّ ) إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ قَتْلِهِ ، وَهُوَ جَائِزٌ وَعُفِيَ عَنْ رَوْثِهِ لِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ وَإِخْرَاجِهِ ( وَكُرِهَ ) ذَلِكَ ( كَقَلْيِهِ حَيًّا ) فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِالْكَرَاهَةِ فِي هَذِهِ وَفِي أَكْلِ الْمَشْوِيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَلْيِ وَإِنَّمَا حَلَّ شَيُّهُ وَقَلْيُهُ ؛ لِأَنَّ عَيْشَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَاءِ عَيْشُ الْمَذْبُوحِ فَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا يَحِلُّ طَرْحُ الشَّاةِ فِي النَّارِ وَسَلْخُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا وَقَبْلَ مَوْتِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَالْجَرَادُ كَالسَّمَكِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ .
( قَوْلُهُ ، وَلَوْ أَكَلَ مَشْوِيَّ صِغَارِهِ بِرَوْثِهِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِصِغَارِهِ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ رَوْثِ كِبَارِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِثْله الْقَلْيُ حَيًّا فَيُطْرَقُ بَيْنَ كِبَارِهِ وَصِغَارِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا يَحِلُّ طَرْحُ الشَّاةِ فِي النَّارِ إلَخْ ) وَطَرْحُهَا فِي الْقِدْرِ لِإِزَالَةِ صُوفِهَا عِنْدَ إرَادَةِ السَّمْطِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ يَسْرُعُ خُرُوجُهَا فَلَمْ يُوجَدْ تَمَامُ التَّعْذِيبِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أُقِيمَ بَعْضُ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى إنْسَانٍ ، ثُمَّ جَاءَ شَخْصٌ فَأَخْرَجَ حِشْوَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْبَاقِي لِكَوْنِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَوْتَى ، وَلِهَذَا تُقْسَمُ تَرِكَتُهُ فِي عَيْنِهِ ، وَهُوَ حَيٌّ ( قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) قَالَ شَيْخُنَا الَّذِي فِيهَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَلْعِ وَالْقَطْعِ لَا الْقَلْيِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ جَوَازِهِ حَيًّا .
( وَلَوْ وَجَدَ سَمَكَةً ) أَوْ جَرَادَةً ( مُتَغَيِّرَةً فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ حَرُمَتْ ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالرَّوْثِ وَالْقَيْءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَإِنَّهَا تَحِلُّ كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَاعْتُبِرَ الْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا تَغَيُّرُهَا بِاللَّوْنِ وَتَقَطُّعُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ التَّقَطُّعِ ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ تَغَيُّرَهَا بِاللَّوْنِ ) وَتَقَطُّعَهَا جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ
( وَقَدْ بَيَّنَّا ذَبْحَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ( وَأَمَّا غَيْرُهُ كَصَيْدٍ وَ ) حَيَوَانٍ ( إنْسِيٍّ نَدَّ ) أَيْ نَفَرَ شَارِدًا ( وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لُحُوقُهُ ) ، وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَذْبَحٌ فَيَحِلُّ بِالرَّمْيِ إلَيْهِ بِسَهْمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَرُمْحٍ وَسَيْفٍ ( وَإِرْسَالِ جَارِحَةٍ ) عَلَيْهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرٍ نَدَّ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ : إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ أَيْ نَفَرَاتٍ أَوْ إنَّ مِنْهَا نَوَافِرَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا } { وَقَوْلُهُ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ لَمَّا قَالَهُ لَهُ : إنِّي أَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَبِغَيْرِهِ : مَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ فَدَلَّا عَلَى حِلِّ الصَّيْدِ بِذَلِكَ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ ؛ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لَمَا حَلَّ كَثِيرٌ مِنْ الصَّيُودِ لِنُدْرَةِ إصَابَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا إذَا تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ ، وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكُهُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَوَحِّشًا وَقَوْلُهُ ، وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ .
( قَوْلُهُ ، وَأَمَّا غَيْرُهُ كَصَيْدٍ إلَخْ ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَجْزُ عَنْهُ مَوْجُودًا حَالَ الْإِصَابَةِ حَتَّى لَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ ، ثُمَّ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَمْ يَحِلَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ( قَوْلُهُ ، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لُحُوقُهُ ) أَيْ لَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ وَنَحْوِهِ ، وَلَوْ بِعُسْرٍ
( وَمَا تَعَذَّرَ ذَبْحُهُ كَوُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ يَحِلُّ بِجَرْحٍ وَرَمْيٍ يُفْضِي إلَى الزَّهُوقِ ، وَلَوْ لَمْ يَذْفِفْ ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ كَالنَّادِّ ( لَا بِكَلْبٍ ) وَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَعَقْرُ الْكَلْبِ بِخِلَافِهِ .
( قَوْلُهُ كَوُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ يَحِلُّ بِجُرْحٍ إلَخْ ) لَوْ تَرَدَّى بِغَيْرِ فَوْقِ بَعِيرٍ فَغَرَزَ رُمْحًا فِي الْأَوَّلِ وَنَفَذَ إلَى الثَّانِي قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ : إنْ كَانَ عَالِمًا بِالثَّانِي حَلَّ ، وَكَذَا إنْ كَانَ جَاهِلًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ وَإِذَا صَالَ عَلَيْهِ بَعِيرٌ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَجَرَحَهُ فَقَتَلَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ : فَالظَّاهِرُ الْحِلُّ إنْ أَصَابَ الْمَذْبَحَ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَالنَّادِّ دَخَلَ بِرَمْيِهِ ، وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَ عَالِمًا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ فَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( أَرْسَلَ سَهْمًا ) أَوْ نَحْوَهُ ( أَوْ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَأَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ ) بِأَنْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ أَوْ أَجَافَهُ أَوْ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ ( اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ ) إرَاحَةً لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ أَوْ جَرَتْ ( أَوْ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَمْ يَذْبَحْهُ ) حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَ ( لِتَقْصِيرٍ ) مِنْهُ ( حَرُمَ ) كَمَا لَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ مِنْ شَاهِقٍ لَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ ( وَإِلَّا فَلَا ) يَحْرُمُ لِلْعُذْرِ ( وَمِنْ التَّقْصِيرِ عَدَمُ السِّكِّينِ وَتَحْدِيدِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا وَتَحْدِيدُهَا ( وَنَشْبِهَا بِالْغِمْدِ ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عُلُوقِهَا فِيهِ بِحَيْثُ يَعْسُرُ إخْرَاجُهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ غِمْدًا يُوَافِقُهُ حَتَّى لَوْ اسْتَصْحَبَهُ فَنَشِبَتْ فِيهِ لِعَارِضٍ حَلَّ ( وَكَذَا لَوْ غُصِبَتْ مِنْهُ السِّكِّينُ ) ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَلِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى حَيَوَانٍ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، وَلَمْ يَذْبَحْهُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا عُذْرًا لَكَانَ عُذْرًا فِي الْحَيَوَانَاتِ الْأَهْلِيَّةِ ( وَ ) مِنْ التَّقْصِيرِ ( الذَّبْحُ بِظَهْرِهَا ) أَيْ السِّكِّينِ ( غَلَطًا إلَّا إنْ مَنَعَهُ ) مِنْ وُصُولِهِ إلَى الذَّبِيحَةِ ( سَبُعٌ ) حَتَّى مَاتَتْ ( أَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ أَوْ بِتَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ أَوْ بِتَحْرِيفِهَا ، وَهِيَ مُنْكَبَّةٌ ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهَا ( أَوْ يَتَنَاوَلُ السِّكِّينَ ) أَوْ امْتَنَعَتْ بِمَا فِيهَا مِنْ قُوَّةٍ وَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا كَمَا أَفْهَمَهُ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( وَضَاقَ ) أَيْ أَوْ ضَاقَ ( الزَّمَانُ ) عَنْ ذَبْحِهَا فَتَحِلُّ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ( وَكَذَا تَحِلُّ لَوْ مَشَى ) إلَيْهَا بَعْدَ إصَابَةِ السَّهْمِ أَوْ الْكَلْبِ ( عَلَى هِينَتِهِ ، وَلَمْ يَأْتِهَا عَدْوًا ) فَالْمَشْيُ عَلَى هِينَتِهِ كَافٍ كَمَا يَكْفِي فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ ، وَإِنْ عَرَفَ التَّحَرُّمَ بِهَا
بِأَمَارَاتِهِ ( وَإِنْ شَكَّ ) بَعْدَ مَوْتِهَا ( هَلْ قَصَّرَ ) فِي ذَبْحِهَا ( أَمْ لَا حَلَّتْ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ وَالْأَوْلَى تَذْكِيرُ ضَمَائِرَ بِتَوْجِيهِهَا وَمَا بَعْدَهُ إلَى هُنَا كَمَا فِي الْأَصْلِ لِعَوْدِهَا إلَى الصَّيْدِ .
( قَوْلُهُ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا وَيَكُونُ فِي صُورَةِ قَطْعِ حُلْقُومِهِ وَمَرِيئِهِ بِقَطْعِ الْوَدَجَيْنِ
( فَرْعٌ ، وَإِنْ أَبَانَ عُضْوَهُ ) أَيْ الصَّيْدِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ ( بِجَرْحٍ مُذَفِّفٍ ) أَيْ مُسْرِعٍ لِقَتْلِهِ وَمَاتَ فِي الْحَالِ ( حَلَّ ) الْعُضْوُ كَبَاقِي الْبَدَنِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَدَّهُ قِطْعَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَرْحٍ مُذَفِّفٍ ( فَإِنْ أَتْبَعَهُ بِمُذَفِّفٍ ) أَوْ بِغَيْرِهِ ( أَوْ تَمَكَّنَ ) مِنْ ذَبْحِهِ ( فَذَبَحَهُ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ ) مِنْهُ ( فَمَاتَ حَرُمَ الْعُضْوُ ) ؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَنْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ، ثُمَّ ذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ ، وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ حِلِّهِ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَرْحُ مُذَفِّفًا ؛ وَلِأَنَّ الْجَرْحَ كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَتَبِعَهَا الْعُضْوُ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِظَاهِرِ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ بَاقِي الْبَدَنِ فَيَحِلُّ نَعَمْ إنْ أَثْبَتَهُ بِالْجَرْحِ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِثْبَاتِ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ الْآلَةُ ) أَيْ آلَةُ الذَّبْحِ وَالِاصْطِيَادِ ( وَهِيَ كُلُّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ ) بِحَدِّهِ ( مِنْ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَقَصَبٍ وَزُجَاجٍ وَحَجَرٍ وَنَحْوِهَا ) كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ؛ لِأَنَّهَا أَوْحَى لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ ( فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهَا وَعَقِيرَتُهَا ) بِمَعْنَى مَذْبُوحَتِهَا وَمَعْقُورَتِهَا ( إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَالْعَظْمَ ) مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي حِلُّ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ أَوْ نَحْوُهُ بِظُفْرِهِ أَوْ نَابِهِ فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ : تَعَبُّدٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَنْجُسُ بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ
قَوْلُهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ ) ، وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ
( وَلَوْ ) الْأَوْلَى فَلَوْ ( جَعَلَ نَصْلِ السَّهْمِ عَظْمًا ) فَقَتَلَ بِهِ صَيْدًا ( حَرُمَ )
( وَمَا مَاتَ بِثِقَلِ مَا أَصَابَهُ ) مِنْ مُحَدَّدٍ وَغَيْرِهِ ( حَرُمَ كَالْبُنْدُقَةِ وَصَدْمَةِ الْحَجَرِ ) كَجَوَانِب بِئْرٍ وَقَعَ فِيهَا ( وَعُرْضِ السَّهْمِ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ جَانِبِهِ ( وَإِنْ أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَبَانَ الرَّأْسَ أَوْ ) مَاتَ ( بِانْخِنَاقٍ بِحَبْلٍ ) مَنْصُوبٍ لَهُ لِانْتِفَاءِ جَرْحِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ } أَيْ الْمَقْتُولَةُ بِالْعَصَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ { سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ إذَا أَصَبْت بِحَدِّهِ فَكُلْ ، وَإِذَا أَصَبْت بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ } وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ
( وَكَذَا يَحْرُمُ أَنْ يَذْبَحَهُ بِحَدِيدَةٍ لَا تَقْطَعُ فَقَطَعَ بِقُوَّتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْآلَةِ
( وَإِنْ خَسَقَ فِيهِ ) أَيْ الصَّيْدِ ( عَصَا مُحَدَّدَةً تَمُورُ مَوْرَ السِّلَاحِ أَوْ لَا تَمُورُ إلَّا بِكُرْهٍ ، وَهِيَ خَفِيفَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ السَّهْمِ حَلَّ أَوْ ثَقِيلَةٌ فَلَا ) تَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَتَلَ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ مَوْقُوذًا يُقَالُ مَارَ الشَّيْءُ أَيْ تَحَرَّكَ وَجَاءَ وَذَهَبَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ
( نَعَمْ إذَا مَاتَ بِثِقَلِ الْكَلْبِ ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَارِحِ ( حَلَّ ) لِآيَةٍ { قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ } أَيْ صَيْدُهُ وَلِخَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ السَّابِقِ ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِحَةَ تُعَلَّمُ تَرْكَ الْأَكْلِ فَتَتَأَدَّبُ بِهِ ، وَقَدْ تُفْضِي بِهَا الْمَهَارَةُ فِيمَا تَعَلَّمَتْ إلَى تَرْكِ الْجَرْحِ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُكَلَّفَ أَنْ تَجْرَحَ ، وَلَا تَأْكُلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ السَّهْمُ بِعَرْضِهِ فَإِنَّهُ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ ( لَا ) إنْ مَاتَ ( بِطُولِ الْهَرَبِ ) أَوْ فَزَعًا ( مِنْهُ ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ بِثِقَلِ الْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ ) كَصَدْمَتِهِ أَوْ ضَغْطَتِهِ أَوْ عَضِّهِ أَوْ قُوَّةِ إمْسَاكِهِ
( وَإِنْ مَاتَ بِمُحَرَّمٍ وَمُبِيحٍ كَحَدِّ سَهْمٍ وَصَدْمَةِ عَرْضِهِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ فَصَدَمَهُ غُصْنُهَا أَوْ ) عَلَى ( مَاءٍ أَوْ ) عَلَى طَرَفِ ( جَبَلٍ فَسَقَطَ مِنْهُ ) وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ( حَرُمَ ) تَغْلِيبًا لِلْمُحَرَّمِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا رَمَيْت سَهْمَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ وَجَدْته فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك } وَيُقَاسَ بِالْمَاءِ غَيْرُهُ
( قَوْلُهُ كَحَدِّ سَهْمٍ وَصَدْمَةِ عُرْضِهِ ) أَوْ سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ قَدْ يُفْهَمُ جَوَازُ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَبِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الِاصْطِيَادِ وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : لَا يَحِلُّ الرَّمْيُ بِالْجُلَاهِقِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْحَيَوَانِ لِلْهَلَاكِ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَازُ رَمْيِ الطُّيُورِ الْكِبَارِ الَّتِي لَا يَقْتُلُهَا الْبُنْدُقُ غَالِبًا كَالْإِوَزِّ وَالْكُرْكِيِّ دُونَ الصِّغَارِ كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُمَا لَا مَحَالَةَ أَوْ غَالِبًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ أَيْ وَيَحْرُمُ قَتْلُ الْحَيَوَانِ عَبَثًا وَقَوْلُهُ قَدْ يُفْهَمُ جَوَازُ الرَّمْيِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَخْ ( قَوْلُهُ أَوْ جَبَلٍ فَسَقَطَ مِنْهُ ) أَوْ وَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ أَوْ شَيْءٍ مُحَدَّدٍ مِنْ قَصَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى أَرْضٍ ، ثُمَّ وَثَبَ مِنْهَا وَثْبَةً طَوِيلَةً بِحَيْثُ مَدّ فِي الْهَوَاءِ ، ثُمَّ سَقَطَ
( وَإِنْ وَقَعَ ) الْمَجْرُوحُ بِالسَّهْمِ ( عَلَى الْأَرْضِ أَوْ فِي بِئْرٍ بِلَا مَاءٍ ، وَلَمْ تَصْدِمْهُ الْجُدْرَانُ أَوْ تَدَحْرَجَ مِنْ جَبَلٍ جَنْبًا لِجَنْبٍ ) أَيْ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ ( فَمَاتَ حَلَّ ) ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَنْ الذَّبْحِ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ لَمَّا أَصَابَهُ السَّهْمُ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ وَمَاتَ ؛ وَلِأَنَّ التَّدَحْرُجَ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ بِخِلَافِ السُّقُوطِ ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ أَوْ فِي بِئْرٍ ، وَلَوْ بِأَرْضِ بِئْرٍ كَانَ أَوْلَى ( لَا إنْ كَسَرَ ) السَّهْمُ ( جَنَاحَهُ ) بِلَا جَرْحٍ ( أَوْ جَرَحَهُ جَرْحًا لَا يُؤَثِّرُ فَمَاتَ أَوْ ) لَمْ يَمُتْ لَكِنَّهُ ( وَقَعَ بِالْأَرْضِ فَمَاتَ ) فَلَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ جَرْحٌ مُؤَثِّرٌ يُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الطَّائِرِ وَنَحْوِهِ ) كَالْأَرْنَبِ وَالثَّعْلَبِ دُونَ مَا عَظُمَتْ جُثَّتُهُ كَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِهِ فَإِنَّ التَّدَحْرُجَ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ لِثِقَلِ أَبْدَانِهَا
( فَرْعٌ وَإِنْ رَمَى طَيْرَ الْمَاءِ ) وَهُوَ ( فِيهِ فَأَصَابَهُ ) وَمَاتَ ( حَلَّ ) وَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ ( أَوْ ) رَمَاهُ ، وَهُوَ ( فِي هَوَائِهِ ) أَيْ الْمَاءِ فَأَصَابَهُ وَوَقَعَ فِيهِ وَمَاتَ ( فَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِي سَفِينَةٍ فِي الْمَاءِ حَلَّ أَوْ فِي الْبَرِّ حَرُمَ ) إنْ لَمْ يَنْتَهِ بِالْجَرْحِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى تَحْرِيمَ مَا رَمَاهُ فِيهِ ، وَهُوَ خَارِجُهُ ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْأَصْلُ بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ طَيْرَ الْبَرِّ لَيْسَ كَطَيْرِ الْمَاءِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ جَعَلَهُ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَغْمِسْهُ السَّهْمُ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ فِي هَوَائِهِ أَمَّا لَوْ غَمَسَهُ فِيهِ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَوْ انْغَمَسَ بِالْوُقُوعِ فِيهِ لِثِقَلِ جُثَّتِهِ فَمَاتَ فَهُوَ غَرِيقٌ لَا يَحِلُّ قَطْعًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ، وَأَمَّا السَّاقِطُ فِي النَّارِ فَحَرَامٌ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ رَمَى طَيْرَ الْمَاءِ فِيهِ حَلَّ ) سَوَاءٌ أَكَانَ الرَّامِي فِي الْبَحْرِ أَمْ الْبَرِّ ( قَوْلُهُ أَوْ فِي هَوَائِهِ إلَخْ ) حَكَى الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ فِيمَا لَوْ كَانَ الطَّيْرُ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ سَوَاءٌ أَكَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ أَمْ الْبَحْرِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { ، وَإِنْ وَجَدْته قَدْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ } عَلَى غَيْرِ طَيْرِ الْمَاءِ أَوْ عَلَى طَيْرِهِ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي هَوَائِهِ ( قَوْلُهُ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى إلَخْ ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ إلَخْ ) الْإِضَافَةُ فِي كَلَامِهِمَا بِمَعْنَى فِي فَيُوَافِقُ كَلَامُهُمَا كَلَامَ الْبَغَوِيّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَالْمَاءُ فِي حَقِّ طَيْرٍ وَاقِفٍ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ كَالْأَرْضِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ لَوْ عَلَّمَ كَلْبًا يَجْرَحُ بِقِلَادَةٍ مُحَدَّدَةٍ فِي حَلْقِهِ فَجَرَحَ بِهَا ) صَيْدًا وَمَاتَ ( حَلَّ ) كَمَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا ؛ وَلِأَنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَنَابِ الْكَلْبِ وَذِكْرُ التَّعْلِيمِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِمَا .
( وَأَمَّا الْجَوَارِحُ ) أَيْ الِاصْطِيَادُ بِهَا ( فَيَجُوزُ بِالسِّبَاعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَبِالطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِ ) كَالشَّاهِينِ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( وَيُشْتَرَطُ ) لِحِلِّ مَا قَتَلَهُ الْجَارِحُ ( كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا فَفِي ) تَعْلِيمِ ( الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ ) مِنْ سَائِرِ السِّبَاعِ ( أَنْ يَمْتَثِلَ ) أَيْ يَهِيجَ ( إنْ أُمِرَ ) أَيْ أُغْرِيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مُكَلِّبِينَ } مِنْ التَّكْلِيبِ ، وَهُوَ الْإِغْرَاءُ ( وَ ) أَنْ ( يَتْرُكَ ) ذَلِكَ بِأَنْ يَقِفَ ( إنْ زُجِرَ ) فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَ شِدَّةِ عَدْوِهِ ( وَ ) أَنْ ( يُمْسِكَ ) الصَّيْدَ أَيْ يَحْبِسَهُ لِصَاحِبِهِ ، وَلَا يُخْلِيَهُ ( وَ ) أَنْ ( لَا يَأْكُلَ ) مِنْهُ وَاشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَنْطَلِقَ بِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ لِلْحِلِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ لَا لِلتَّعْلِيمِ ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( فِي ) تَعْلِيمِ ( الطَّيْرِ الطَّلَبُ ) لِلصَّيْدِ ( بِالْإِغْرَاءِ ) بِأَنْ يَهِيجَ بِهِ ( وَكَذَا عَدَمُ الْأَكْلِ ) مِنْهُ كَمَا فِي جَارِحَةِ السِّبَاعِ ، وَكَلَامُهُ هُنَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ انْزِجَارُهُ بِالزَّجْرِ ، وَلَا إمْسَاكُهُ الصَّيْدَ لِصَاحِبِهِ ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الثَّانِيَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأُولَى وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي انْزِجَارِهِ بَعْدَ طَيَرَانِهِ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي الْبَسِيطِ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ الْإِمَامِ بِلَفْظِ قِيلَ : وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيّ وَنَصْرٍ الْمَقْدِسِيَّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْضًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيمِ الْجَارِحَةِ ( أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ ) مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ( حَتَّى يَظُنَّ تَعَلُّمَهَا )
وَالرُّجُوعُ فِي عَدَدِهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا ) ، وَلَوْ بِتَعْلِيمِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَكَذَا عَدَمُ الْأَكْلِ مِنْهُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَإِنَّمَا يُمْنَعُ إذَا أَكَلَ عَقِبَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ مَعَ حُصُولِ الْقَتْلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهُ وَقَتَلَهُ أَوْ أَكَلَهُ ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ فِي التَّعْلِيمِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي تَحْرِيمِ مَا أَكَلَ مِنْهُ لَوْ جَرَى ذَلِكَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ هُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فس وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ هُنَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَأَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ إلَخْ ) وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَجْهَيْنِ فِي كُلِّ مَا بَانَ بِهِ كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا وَشَبَهُهُمَا بِالْوَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي يُخْتَبَرُ بِهِ الصَّبِيُّ .
ا هـ .
وَالْأَصَحُّ عَدَمُ حِلِّهِ لِحُصُولِهِ قَبْلَ ظَنِّ تَعَلُّمِهَا ، وَهُوَ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ
( وَإِذَا أَكَلَ الْمُعَلَّمُ ، وَلَوْ طَيْرًا مِنْ صَيْدٍ عَقِيبَ قَتْلِهِ إيَّاهُ ) أَوْ قَبْلَ قَتْلِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى مِنْ كَلَامِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( حَرُمَ ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { إذَا أَرْسَلْت كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْت فَأَمْسَكَ ، وَقَتَلَ فَكُلْ ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ } ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ شَرْطٌ لِلتَّعْلِيمِ ابْتِدَاءً فَكَذَا دَوَامًا ( وَحْدَهُ ) لَا مَا صَادَهُ قَبْلُ فَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ صِفَةِ الصَّائِدِ كَأَنْ ارْتَدَّ لَا يُحَرِّمُ مَا صَادَهُ قَبْلُ فَكَذَا تَغَيُّرُ صِفَةِ الْجَارِحِ أَمَّا مَا أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ قَتْلِهِ بِزَمَانٍ فَيَحِلُّ ( وَاسْتُؤْنِفَ ) بَعْدَ أَكْلِهِ عَقِبَ الْقَتْلِ ( تَعْلِيمُهُ ) لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ ( وَلَا يَضُرُّ لَعْقُ الدَّمِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مَنُوطٌ فِي الْخَبَرِ بِالْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ مَقْصُودِ الصَّائِدِ فَكَانَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ ( وَالْحِشْوَةُ كَاللَّحْمِ ) فِيمَا مَرَّ وَمِثْلُهَا الْجِلْدُ وَالْأُذُنُ وَالْعَظْمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ فِي تَنَاوُلَهُ الشَّعْرَ بِالْحِلِّ إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ ( وَعَدَمُ انْزِجَارِهِ ) بِالزَّجْرِ ( عَنْ الصَّيْدِ ) وَعَدَمُ اسْتِرْسَالِهِ بِالْإِرْسَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَمَنْعُهُ الصَّائِدَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ ( كَالْأَكْلِ ) مِنْهُ فِيمَا مَرَّ .
( فَصْلٌ وَيَجِبُ غَسْلُ مَعَضِّ الْكَلْبِ ) سَبْعًا مَعَ التَّعْفِيرِ ( كَغَيْرِهِ ) مِمَّا يُنَجِّسُهُ الْكَلْبُ فَإِذَا غُسِلَ حَلَّ أَكْلُهُ
( الرُّكْنُ الرَّابِعُ نَفْسُ الذَّبْحِ وَقَدْ سَبَقَ ) بَيَانُهُ ( فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقْرِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ ) هُنَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَصْدِ وَمِثْلُهُ الذَّبْحُ ( فَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ قَصْدِ الْعَيْنِ بِالْفِعْلِ ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ أَوْ ) مِنْ قَصْدِ ( الْجِنْسِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِصَابَةِ ) كَمَا سَيَأْتِي تَصْوِيرُهُمَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْقَصْدِ فِي الذَّبْحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ ) أَصْلًا ( بِأَنْ سَقَطَتْ السِّكِّينُ مِنْ يَدِهِ عَلَى مَذْبَحِ شَاةٍ ) فَانْجَرَحَتْ بِهِ وَمَاتَتْ أَوْ نَصَبَهَا فَانْعَقَرَتْ بِهَا وَمَاتَتْ ( أَوْ تَحَكَّكَتْ بِهَا ) ، وَهِيَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا ( حَرُمَتْ ، وَإِنْ شَارَكَهَا فِي الْحَرَكَةِ ) لِعَدَمِ الْقَصْدِ فِي غَيْرِ الْمُشَارَكَةِ وَلِحُصُولِ الْمَوْتِ بِحَرَكَةِ الذَّابِحِ وَالشَّاةِ فِي الْمُشَارَكَةِ فِي إدْخَالِ هَذِهِ فِي عَدَمِ الْقَصْدِ نَظَرٌ وَخَالَفَ ذَلِكَ وُجُوبَ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الذَّكَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ .
( فَإِنْ رَمَى مَا ظَنَّهُ حَجَرًا ) أَوْ خِنْزِيرًا ( فَكَانَ صَيْدًا فَأَصَابَهُ ) وَمَاتَ ( أَوْ ) رَمَى ( صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ ) ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَمَاتَ ( حَلَّ ) ، وَلَا يَضُرُّ خَطَأُ الظَّنِّ فِي الْأُولَى ، وَلَا خَطَأُ الْإِصَابَةِ فِي الثَّانِيَةِ ، كَمَا مَرَّ لِوُجُودِ قَصْدِ الصَّيْدِ فِيهِمَا .
( وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ ) ، وَلَوْ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِرْسَالِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ كَمَا فِي السَّهْمِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَعْسُرُ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُولِ ؛ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ حَلَّ قَطْعًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حِلُّهُ ، وَإِنْ ظَهَرَ لِلْكَلْبِ بَعْدَ إرْسَالِهِ لَكِنْ قَطَعَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا اسْتَدْبَرَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ وَقَصَدَ آخَرَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ ، وَهُوَ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْفَارِقِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَمْسَكَهُ ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ آخَرُ فَأَمْسَكَهُ حَلَّ سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ مَوْجُودًا أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى صَيْدٍ وَقَدْ وُجِدَ
قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حِلُّهُ ، وَإِنْ ظَهَرَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ قَصَدَ ) بِرَمْيِهِ أَوْ إرْسَالِهِ ( غَيْرَ الصَّيْدِ كَمَنْ رَمَى ) سَهْمًا ( أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ ) الْأَوْلَى كَلْبًا ( عَلَى حَجَرٍ أَوْ عَبَثًا ) كَأَنْ رَمَى فِي فَضَاءٍ لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا حَيْثُ لَا صَيْدَ فِي ابْتِدَاءِ إرْسَالِهِ ( فَأَصَابَ صَيْدًا ) وَمَاتَ ( حَرُمَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا
( وَكَذَا لَوْ قَصَدَهُ وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ ) صَيْدًا ( غَيْرَهُ حَرُمَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا فَلَا يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ ( لَا عَكْسَهُ ) بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَاتَ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُبَاحًا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَأَسْقَطَ فِي نُسْخَةٍ حَرُمَ لَا عَكْسَهُ اكْتِفَاءً عَنْ حَرُمَ بِكَذَا أَوْ عَنْ لَا عَكْسَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ صَيْدًا إلَى آخِرِهِ وَعَلَيْهِ يُقَالُ ، ثُمَّ بَدَّلَ قَوْلَ رَمَى مَا ظَنَّهُ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ .
( وَكَذَا يَحْرُمُ لَوْ قَصَدَهُ تَوَقُّعًا ) أَيْ مُتَوَقَّعًا لَهُ ( كَمَنْ رَمَى ) فِي ظُلْمَةٍ ( لَعَلَّهُ يُصَادِفُ صَيْدًا فَصَادَفَهُ ) وَمَاتَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدًا صَحِيحًا وَقَدْ بَعُدَ مِثْلُهُ عَبَثًا وَسَفَهًا
( فَرْعٌ ) لَوْ ( رَمَى شَاةً فَأَصَابَ مَذْبَحَهَا ، وَلَوْ اتِّفَاقًا ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَقَطَعَهُ ( حَلَّتْ ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الرَّمْيَ إلَيْهَا
( وَكَذَا لَوْ أَحَسَّ بِهِ ) أَيْ بِالصَّيْدِ ( فِي ظُلْمَةٍ ) أَوْ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( فَرَمَاهُ ) فَأَصَابَهُ وَمَاتَ ( حَلَّ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ نَوْعَ عِلْمٍ ، وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ بِرَمْيِ الْأَعْمَى إذْ الْبَصِيرُ يَصِحُّ رَمْيُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى .
( فَرْعٌ ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ ) الْجَارِحُ ( الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا ) إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْإِمْسَاكُ إلَّا إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ ( وَلَا يَحِلُّ ) لِمَفْهُومِ خَبَرِ إذَا أَرْسَلْت كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَكُلْ ( وَلَوْ زَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءٍ حَدَثَ ) بَعْدَ اسْتِرْسَالِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ
( وَلَوْ أَرْسَلَهُ فَازْدَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مَجُوسِيٍّ حَلَّ ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِرْسَالِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِغْرَاءِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ لَكِنْ لَمَّا نَقَلَ الْأَصْلُ كَلَامَهُمْ ، قَالَ كَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ ، وَقَطَعَ فِي التَّهْذِيبِ بِالتَّحْرِيمِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُشَارَكَةٌ لَهُ وَكِلَاهُمَا يُحَرِّمُهُ ( أَوْ عَكْسِهِ ) بِأَنْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَازْدَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مُسْلِمٍ ( حَرُمَ ) لِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُسْلِمٌ فَزَجَرَهُ فُضُولِيٌّ فَانْزَجَرَ ، ثُمَّ أَغْرَاهُ ) فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا ( فَالصَّيْدُ لِلْفُضُولِيِّ ) وَفِي نُسْخَةٍ لِلْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُرْسِلُ ( فَلَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ ) الْفُضُولِيُّ ( بَلْ أَغْرَاهُ ) أَوْ زَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَزَادَ عَدْوُهُ ) وَأَخَذَ صَيْدًا ( فَهُوَ لِلْمَالِكِ ) لِمَا مَرَّ وَالْأَوْلَى لِصَاحِبِ الْجَارِحِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَلْبِ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ
( وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُ الصَّيْدِ مِنْ فَمِ ) جَارِحٍ ( مُعَلَّمٍ اسْتَرْسَلَ ) بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ كَمَا لَوْ أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ مِنْ شَجَرَةِ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَا ) مِنْ فَمِ ( غَيْرِ مُعَلَّمٍ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ ) ؛ لِأَنَّ مَا صَادَهُ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ تَنْزِيلًا لِإِرْسَالِهِ مَنْزِلَةَ نَصْبِ شَبَكَةٍ تَعَقَّلَ بِهَا الصَّيْدُ ، وَجَوَازُ أَخْذِ الصَّيْدِ مِنْ فَمِ الْمُعَلَّمِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِلْكِهِ بِأَخْذِهِ مَنْ فَمِهِ وَ الَّذِي فِي الْأَصْلِ عَكْسُ ذَلِكَ ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ .
( فَرْعٌ ، وَإِنْ قَصُرَ سَهْمُهُ ) عَنْ إصَابَةِ الصَّيْدِ ( فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَأَصَابَ حَلَّ ) إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هُبُوبِهَا بِخِلَافِ حَمْلِهَا الْكَلَامَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَأَشَارَ كَغَيْرِهِ بِإِعَانَتِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَارَتْ الْإِصَابَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الرِّيحِ خَاصَّةً لَمْ يَحِلَّ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ
( وَكَذَا ) يَحِلُّ ( لَوْ أَصَابَ ) السَّهْمُ ( الْأَرْضَ أَوْ جِدَارًا ) أَوْ حَجَرًا ( فَازْدَلَفَ ) فِي الْجَمِيعِ أَوْ نَفَذَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( أَوْ انْقَطَعَ الْوَتَرُ ) عِنْدَ نَزْعِ الْقَوْسِ ( فَصَدَمَ الْفَوْقَ فَارْتَمَى ) السَّهْمُ ( وَأَصَابَ الصَّيْدَ ) فِي الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ فِعْلِ الرَّامِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ إذْ لَا اخْتِيَارَ لِلسَّهْمِ .
( فَرْعٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَصَّلَ ( وَلَوْ غَابَ ) عَنْهُ ( الصَّيْدُ وَالْكَلْبُ ) قَبْلَ جَرْحِهِ ( فَوَجَدَهُ مَجْرُوحًا مَيِّتًا ) ( حَرُمَ ، وَإِنْ تَضَمَّخَ الْكَلْبُ ) بِدَمِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَثِّرْ تَضَمُّخُهُ بِدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا جَرَحَهُ وَأَصَابَتْهُ جَارِحَةٌ أُخْرَى .
( وَإِنْ جَرَحَهُ كَلْبُهُ وَغَابَا ) عَنْهُ ( وَهُوَ مَجْرُوحٌ ) ، ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا ( حَلَّ إنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ أَثَرًا آخَرَ أَوْ وَجَدَهُ وَكَانَ ) الْجَرْحُ ( الْأَوَّلُ مُذَفِّفًا ) حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْجَرْحِ الْخَالِي عَنْ الْمُعَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَهُ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ خَبَرُ { إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ } وَخَبَرُ { ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْ ، وَإِنْ رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِلِّ هُوَ مَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا وَفِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ وَثَبَتَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ دُونَ التَّحْرِيمِ ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمَهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ بِطُرُقٍ حَسَنَةٍ فِي حَدِيثِ { عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا فَقَالَ : إذَا وَجَدْت فِيهِ أَثَرَ سَهْمِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرُ سَبُعٍ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْ } فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَات وَدَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْ ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَيْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ .
( قَوْلُهُ ، وَإِنْ جَرَحَهُ كَلْبُهُ وَغَابَا ) أَوْ غَابَ الصَّيْدُ وَحْدَهُ قَوْلُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا ) وَعَلَّقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَقْوَى وَأَقْرَبُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ( قَوْلُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ إلَخْ ) وَاخْتَارَهُ فِي تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ إلَخْ ) لِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ : مِنْهَا إذَا مَشَّطَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَسَقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ اُنْتُتِفَ بِالْمِشْطِ أَمْ كَانَ مُنْتَتَفًا فَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ ، وَلَمْ يُحِيلُوهُ عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَمِنْهَا إذَا بَالَتْ ظَبْيَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّ الْمَذْهَبَ نَجَاسَتُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ ، وَهُوَ يُشْكِلُ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِ الْمَنْعِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَعَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِهَذَا الْبَوْلِ وَالْأَصْلَ فِي اللَّحْمِ التَّحْرِيمُ فَكَمَا أَزَلْنَا طَهَارَةَ الْمَاءِ بِالْبَوْلِ كَذَلِكَ نُزِيلُ تَحْرِيمَ اللَّحْمِ بِهَذَا الْجُرْحِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهِ ، لَكِنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ أَنَّ اللَّحْمَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ التَّحْرِيمَ ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِيَقِينِ الذَّكَاةِ وَالْيَقِينُ هُنَا قَدْ عَارَضَهُ احْتِمَالٌ مُتَأَخِّرٌ وَأَسْبَابُ الْمَوْتِ تَكْثُرُ بِخِلَافِ أَسْبَابِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِمَا فِي الْمِنْهَاجِ .
( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ مَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ ( يَمْلِكُ ) الشَّخْصُ ( الصَّيْدَ بِمُجَرَّدِ ضَبْطِهِ بِيَدِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ) تَمَلُّكَهُ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ ( وَبِأَنْ يَرْمِيَهُ فَيُبْطِلُ عَدْوَهُ وَطَيَرَانَهُ جَمِيعًا ) إنْ كَانَ مِمَّا يَمْتَنِعُ بِهِمَا ، وَإِلَّا فَبِإِبْطَالِ مَا لَهُ مِنْهُمَا وَيَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ إبْطَالُ شِدَّةِ عَدْوِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ لِحَاقُهُ ( لَا إنْ طَرَدَهُ فَوَقَفَ إعْيَاءً أَوْ جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَطَشًا لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا عَجْزًا ) أَيْ لَا عَطَشًا لِعَجْزِهِ ( عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ ) فَلَا يَمْلِكُهُ بِوُقُوفِهِ لِلْأَوَّلَيْنِ ( حَتَّى يَأْخُذَهُ ) ؛ لِأَنَّ وُقُوفَهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا اسْتِرَاحَةٌ ، وَهِيَ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي الثَّانِي لِعَدَمِ الْمَاءِ بِخِلَافِ وُقُوفِهِ لِلْأَخِيرِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْجِرَاحَةُ ( وَبِأَنْ يَقَعَ فِي شَبَكَةٍ وَقَدْ نَصَبَهَا ) لَهُ ، نَعَمْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ طَرَدَهُ إلَيْهَا ) لِتَقَدُّمِ حَقِّ نَاصِبِهَا وَخَرَجَ بِنَصْبِهَا مَا لَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ وَسَيَأْتِي .
( وَيَعُودُ ) الصَّيْدُ الْوَاقِعُ فِيهَا ( مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ ) مِنْهَا فَيَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ بَعْدُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُثَبِّتْهُ بِشَبَكَتِهِ ، وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَانْفَلَتَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ : هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ مُطْلَقًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَيَعُودُ مُبَاحًا إلَى آخِرِهِ ، وَهَلْ يَعُودُ مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ فَعَلَيْهَا لَا زِيَادَةَ ( فَإِنْ ذَهَبَ بِالشَّبَكَةِ وَكَانَ عَلَى امْتِنَاعِهِ ) بِأَنْ يَعْدُوَ وَيَمْتَنِعَ مَعَهَا ( فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ ، وَإِلَّا ) بِإِنْ كَانَ ثِقَلُهَا يُبْطِلُ
امْتِنَاعَهُ بِحَيْثُ يَتَيَسَّرُ أَخْذُهُ ( فَهُوَ لِصَاحِبِهَا وَبِأَنْ يُرْسِلَ كَلْبًا ، وَكَذَا ) بِأَنْ يُرْسِلَ ( سَبُعًا ) آخَرَ ( لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ فَيُمْسِكُهُ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ ، وَهَذَا الْقَيْدُ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَلْبِ أَيْضًا وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ تَقْيِيدِهِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْكَلْبَ مُخْتَصٌّ بِهِ فَإِذَا أَرْسَلَهُ غَيْرُ الْمُخْتَصِّ بِهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ أَوْ كَالْغَاصِبِ لَهُ فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ( وَلَوْ انْفَلَتَ عَلَى ) بِمَعْنَى مِنْ ( الْكَلْبِ ) ، وَلَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ ( لَمْ يَمْلِكْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ ، وَلَا أَزَالَ امْتِنَاعَهُ ( وَبِأَنْ يُلْجِئَهُ إلَى مَضِيقٍ لَا يَنْفَلِتُ مِنْهُ كَالْبَيْتِ ) ، وَلَوْ مَغْصُوبًا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي قَبْضَتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِتَعَبٍ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ بُرْجَهُ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابًا ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعَبٍ ( وَحَسْبُك ) أَيْ كَافِيك فِي ضَبْطِ سَبَبِ مِلْكِ الصَّيْدِ ( أَنَّ إبْطَالَ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( حَدٌّ جَامِعٌ ) لَهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ .
( قَوْلُهُ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِمُجَرَّدِ ضَبْطِهِ بِيَدِهِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ تَمَلَّكَهُ ) لَوْ كَانَ آخِذُهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَمَرَهُ غَيْرُهُ بِالْأَخْذِ ( قَوْلُهُ فَيُبْطِلُ عَدْوَهُ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ شِدَّةُ عَدْوِهِ ( قَوْلُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَمْتَنِعُ بِهِمَا ) كَالنَّعَامَةِ وَالدُّرَّاجِ وَالْقَطَا وَالْحَجَلِ ( قَوْلُهُ : وَبِأَنْ يَقَعَ فِي شَبَكَةٍ إلَخْ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا بِمِلْكٍ أَمْ إجَارَةٍ أَمْ إعَارَةٍ أَمْ غَصْبٍ ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الشَّرَكَ وَالْفَخَّ وَنَحْوَهُمَا فِي مَعْنَى الشَّبَكَةِ ( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ ) الْإِضَافَةُ فِيهَا لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ أَرْضًا بِيَدِهِ ، وَلَوْ بِغَصْبٍ ( أَوْ حَفَرَ فِيهَا ) حُفْرَةٌ ( لَا لِلِاصْطِيَادِ فَتَوَحَّلَ أَوْ وَقَعَ فِيهَا ) أَيْ فَتَوَحَّلَ فِي الْأَرْضِ أَوْ وَقَعَ فِي الْحُفْرَةِ ( صَيْدٌ أَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ ) ، وَإِنْ بَاضَ وَفَرَّخَ ( لَمْ يَمْلِكْهُ ، وَلَا ) يَمْلِكُ ( بَيْضَهُ ) ، وَلَا فَرْخَهُ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَالْقَصْدُ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( لَكِنْ يَصِيرُ ) بِذَلِكَ ( أَحَقَّ بِهِ ) مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ دُخُولُ مِلْكِهِ وَأَخْذُهُ فَإِنْ فَعَلَ مَلَكَهُ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا وَأَحْيَاهُ غَيْرُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ ( وَإِنْ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ بِذَلِكَ ) أَيْ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ السَّقْيِ وَالْحَفْرِ وَتَعْشِيشِ الصَّيْدِ بِأَنْ قَصَدَ بِتَخْلِيَةِ الْأَرْضِ الْمَحُوطَةِ تَعْشِيشَهُ ( مَلَكَهُ كَدَارٍ بَنَاهَا لِتَعْشِيشِ الطَّيْرِ ) فَعَشَّشَ فِيهَا وَفَرَّخَ وَبَاضَ ( فَيَمْلِكُ بَيْضَهُ وَفَرْخَهُ ) كَمَا يَمْلِكُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَبِضْ ، وَلَمْ يُفَرِّخْ وَمَسْأَلَةُ تَعْشِيشِ الصَّيْدِ فِي الْأَرْضِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّقْيِ بِقَصْدِ التَّوَحُّلِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عَنْ الْإِمَامِ خِلَافَهُ وَضَعَّفَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَمَعَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى سَقْيٍ اُعْتِيدَ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى خِلَافِهِ ( وَإِنْ أَغْلَقَ ) عَلَيْهِ ( الْبَابَ ) أَيْ بَابَ الْبَيْتِ مَثَلًا ( لِئَلَّا يَخْرُجَ مَلَكَهُ لَا إنْ أَغْلَقَهُ ) عَلَيْهِ ( مَنْ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْبَيْتِ ) بِمِلْكٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ
قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ بِذَلِكَ إلَخْ ) فِي الْوَسَائِلِ لِأَبِي الْخَيْرِ بْنِ جَمَاعَةَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَدَخَلَ فِيهَا سَمَكٌ فَهَلْ هُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِيَدِهِ وَمِلْكِهِ مَنْفَعَتُهَا أَوْ لِلْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا وَجْهَانِ .
ا هـ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فس قَالَ شَيْخُنَا وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُسْتَأْجِرُ الِاصْطِيَادَ ، وَكَانَ مُعْتَادًا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ مَلَكَ مَا فِيهَا ( قَوْلُهُ كَمَا يَمْلِكُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ مِلْكِهِ لِلْأُمِّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذْ كَلَامُهُ فِيمَا إذَا قَصَدَهُ بِهِ وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِسُهُولَةٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَجَمَعَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ ) وَقَعَتْ مِنْ يَدِهِ ( وَلَمْ يَنْصِبْهَا لَهُ فَلَا ) يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ فِي صَيْدِ غَيْرِ الْحَرَمِ وَالْمُحَرَّمِ .
( فَرْعٌ .
وَإِنْ أَلْجَأَ سَمَكَةً إلَى دُخُولِ بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ ) لَا يَدَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهَا ( أَوْ دَخَلَتْ ) إلَيْهَا بِنَفْسِهَا ( فَسَدَّ مَنَافِذَهَا مَلَكَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ضَبْطِهَا كَمَا لَوْ أَلْجَأَ صَيْدًا إلَى مَضِيقٍ ( لَا ) بِرْكَةٍ ( كَبِيرَةٍ ) فَلَا يَمْلِكُ السَّمَكَةَ بِذَلِكَ فِيهَا ( لَكِنَّهُ أَحَقُّ بِهَا ) مِنْ غَيْرِهِ كَالتَّحَجُّرِ وَالصَّغِيرَةُ مَا يَسْهُلُ أَخْذُ السَّمَكَةِ مِنْهَا وَالْكَبِيرَةُ مَا يَعْسُرُ أَخْذُهَا مِنْهَا وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ بِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ لَا كَبِيرَةٍ بِرْكَتِهِ الصَّغِيرَةِ لَا الْكَبِيرَةِ .
( فَصْلٌ لَوْ أَرْسَلَ ) مَنْ لَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ ( صَيْدًا مَمْلُوكًا لَمْ يَجُزْ ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ، وَلَا سَائِبَةٍ } ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِطُ بِالْمُبَاحِ فَيُصَادُ ( وَلَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ) ، وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إزَالَتَهُ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا إذَا خِيفَ عَلَى وَلَدِهِ بِحَبْسِ مَا صَادَهُ مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِرْسَالِ صِيَانَةً لِرُوحِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْغَزَالَةِ الَّتِي أَطْلَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهَا لَمَّا اسْتَجَارَتْ بِهِ وَحَدِيثُ الْحُمَّرَةِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّ فَرْخَيْهَا إلَيْهَا لَمَّا أُخِذَا وَ جَاءَتْ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ فِي صَيْدِ الْوَلَدِ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْكُولًا ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ ( فَلَوْ قَالَ ) مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ ( أَبَحْتُهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ ) أَوْ أَبَحْتُهُ فَقَطْ فِيمَا يَظْهَرُ ( حَلَّ ) لِمَنْ أَخَذَهُ ( أَكْلُهُ ) بِلَا ضَمَانٍ وَكَذَا إطْعَامُ غَيْرِهِ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ ( لَا بَيْعُهُ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَيْ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِرْسَالِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَبَحْته فَقَطْ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا : وَيَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْثُ حَلَّ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ لِأَكْلِهِ كَانَ فِعْلُ الْمُرْسِلِ جَائِزًا إذْ الْإِبَاحَةُ جَائِزَةٌ ، وَهَذَا مِنْهَا ( قَوْلُهُ ، وَكَذَا إطْعَامُ غَيْرِهِ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ ) مَا بَحَثَهُ مَرْدُودٌ إذْ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ تَسْلِيطٌ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ ، وَلَا تَمْلِيكَ فِيهَا ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِبَاحَةِ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ الْمُبَاحِ قَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ قَالَ أَنْت فِي حِلٍّ مِمَّا تَأْخُذُ مِنْ مَالِي أَوْ تُعْطِي أَوْ تُعْطَى أَوْ تَأْكُلُ فَأَكَلَ فَهُوَ حَلَالٌ ، وَإِنْ أَخَذَ أَوْ أَعْطَى لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ إبَاحَةٌ وَالْإِبَاحَةُ تَصِحُّ مَجْهُولَةً ، وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مَجْهُولَةً وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ : أَبَحْت لَك مَا تَأْكُلُهُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَتَجُوزُ مُسَامَحَتُهُ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ إذَا قَالَ أَبَحْت لَك مَا فِي بَيْتِي أَوْ اسْتِعْمَالَ مَا فِي دَارِي مِنْ الْمَتَاعِ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَوْ مَا فِي كَرْمِي مِنْ الْعِنَبِ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ وَيَبِيعَهُ أَوْ يُطْعِمَهُ غَيْرَهُ ( قَوْلُهُ لَا بَيْعُهُ ) كَالضَّيْفِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ، وَلَا يَبِيعُهُ .
( وَأَمَّا كِسَرُ الْخُبْزِ وَالسَّنَابِلِ ) وَنَحْوِهَا ( الَّتِي يَطْرَحُهَا مَالِكُهَا مُعْرِضًا عَنْهَا فَالْأَرْجَحُ فِيهَا أَنَّ آخِذَهَا يَمْلِكُهَا ) وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَحْوَالِ السَّلَفِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمَالَ الرَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا كَالصَّيْدِ فِيمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا لِلِاكْتِفَاءِ فِي الْإِبَاحَةِ بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَتَقْيِيدُ السَّنَابِل بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهَا الزَّكَاةُ أَمْ لَا نَظَرًا لِأَحْوَالِ السَّلَفِ
( وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَمَنْ دَبَغَهُ مَلَكَهُ ) وَيَزُولُ اخْتِصَاصُ الْمُعْرِضِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاخْتِصَاصِ يَضْعُفُ بِالْإِعْرَاضِ .
( وَمَنْ وَجَدَ أَثَرَ الْيَدِ ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَثَرَ الْمِلْكِ ( عَلَى صَيْدٍ كَالْوَسْمِ وَالْخِضَابِ وَقَصِّ الْجَنَاحِ لَمْ يَمْلِكْهُ ) بَلْ هُوَ ضَالَّةٌ أَوْ لُقَطَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَفْلَتَ ، وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَادَهُ مُحْرِمٌ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ بَعِيدٌ
( فَرْعٌ الدُّرَّةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي السَّمَكَةِ ) غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ ( مِلْكٌ لِلصَّيَّادِ ) إنْ لَمْ يَبِعْ السَّمَكَةَ ( أَوْ لِلْمُشْتَرِي ) إنْ بَاعَهَا تَبَعًا لَهَا فِيهِمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَيْ فِي الثَّانِيَةِ مِلْكٌ لِلصَّيَّادِ أَيْضًا كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا وَمَا بَحَثَهُ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ( وَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلِلْبَائِعِ ) فِي صُورَتِهِ ( إنْ ادَّعَاهَا ، وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ أَوْ كَانَ ، وَلَمْ يَدَّعِهَا الْبَائِعُ ( فَلُقَطَةٌ ) وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا لُقَطَةٌ إذَا بَاعَ ، وَلَمْ يَدَّعِهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا ذُكِرَ بِمَا إذَا صَادَ مِنْ بَحْرِ الْجَوَاهِرِ ، وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُهَا بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً .
( قَوْلُهُ الدُّرَّةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي السَّمَكَةِ إلَخْ ) إذَا وَجَدَ قِطْعَةَ عَنْبَرٍ فِي مَعِدَتِهَا كَانَتْ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَرِّ كَانَتْ لُقَطَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَتَكُونُ لِوَاجِدِهَا ، وَلَوْ اصْطَادَ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا قِطْعَةَ عَنْبَرٍ كَانَتْ لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَحْرِ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْدِنِ الْعَنْبَرِ كَانَتْ لُقَطَةً كَالطَّيْرِ الْمَقْصُوصِ ، وَلَوْ وَجَدَ لُؤْلُؤًا خَارِجًا مِنْ الصَّدَفِ كَانَ لُقَطَةً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْبَحْرِ إلَّا فِي صَدَفِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ كُنْت أَقُولُ قَبْلَ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَثْقُوبًا كَانَ لِوَاجِدِهِ ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا ( وَقَوْلُهُ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ ) قَدْ عَلَّلَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الدُّرَّةَ إنَّمَا مُلِكَتْ بِصَيْدِ السَّمَكَةِ ؛ لِأَنَّهَا طَعَامُهُ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ صَحَّ مَا قَالَهُ فِي الْمُشْتَرِي وَانْقَطَعَ إلْحَاقُهَا بِالْكَنْزِ ، وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكَةً فَوَجَدَ فِي جَوْفِهَا سَمَكَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُ بُرْجَيْهِمَا وَجَبَ التَّرَادُّ ) بِأَنْ يَرُدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا حَمَامَ الْآخَرِ إنْ تَمَيَّزَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ كَالضَّالَّةِ وَالْمُرَادُ بِرَدِّهِ إعْلَامُ مَالِكِهِ بِهِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَخْذِهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا رَدُّهُ حَقِيقَةً فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ ( فَإِنْ تَنَاسَلُوا ) الْأَوْلَى تَنَاسَلَا أَوْ تَنَاسَلَتْ ( فَالْفَرْخُ ) وَالْبَيْضُ ( لِمَالِك الْأُنْثَى ) لَا لِمَالِك الذَّكَرِ ( وَإِنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْمُخَالِطِ ) لِحَمَامِهِ ( مَمْلُوكًا ) لِغَيْرِهِ أَوْ مُبَاحًا ( فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُبَاحٌ ( وَإِنْ تَحَقَّقَهُ ) أَيْ الْمُخَالِطَ ( مَمْلُوكًا ) لِغَيْرِهِ ( وَلَمْ يَتَمَيَّزْ ) عَنْ مَمْلُوكِهِ ( أَوْ اخْتَلَطَتْ حِنْطَتَاهُمَا ) مَثَلًا ( لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمِلْكُ فِيهِ ( إلَّا مِنْ صَاحِبِهِ ) فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى التَّسَامُحِ بِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ ، وَلِهَذَا صَحَّحُوا الْقِرَاصَ وَالْجِعَالَةَ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْجَهَالَةِ وَكَالْبَيْعِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ( فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ ) فِيمَا يُعَدُّ ( أَوْ الْكَيْلُ ) فِيمَا يُكَالُ ( مَعْرُوفًا ) لَهُمَا كَمِائَتَيْنِ وَمِائَةٍ ( وَالْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةٌ فَبَاعَاهُ مِنْ ثَالِثٍ صَحَّ ) لِصِحَّةِ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ ( وَلَوْ جَهِلَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( الْعَدَدَ أَوْ الْكَيْلَ ) فَبَاعَاهُ الثَّالِثَ لَمْ يَصِحَّ ، وَإِنْ اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَكَذَا إنْ عُلِمَ ذَلِكَ ، وَلَمْ تَسْتَوِ الْقِيمَةُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلَيْهِمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( فَالْحِيلَةُ ) فِي صِحَّةِ بَيْعِهِمَا لِثَالِثٍ ( أَنْ يَبِيعَ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( نَصِيبَهُ بِكَذَا ) فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا ( أَوْ يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي الْبَيْعِ ) لِنَصِيبِهِ فَيَبِيعُ الْجَمِيعَ ( بِثَمَنٍ وَيَقْتَسِمَاهُ
أَوْ يَصْطَلِحَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُخْتَلَطِ ( عَلَى شَيْءٍ ) بِأَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْهُ شَيْئًا ، ثُمَّ يَبِيعَاهُ لِثَالِثٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ ( وَاحْتُمِلَتْ الْجَهَالَةُ ) فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ( لِلضَّرُورَةِ ) ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الثَّالِثَةَ طَرِيقٌ لِلْبَيْعِ مِنْ ثَالِثٍ مَعَ الْجَهْلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ طَرِيقٌ لِلْبَيْعِ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قَالَ فِي الْوَسِيطِ لَوْ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَاحْتَمَلَ الْجَهْلَ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ ، وَعِبَارَةُ الْوَسِيطِ إنَّمَا هِيَ صَحَّ الصُّلْحُ ، وَهِيَ أَوْلَى ( وَكَذَا لَوْ اقْتَسَمَاهُ بِالتَّرَاضِي ) صَحَّ مَعَ الْجَهْلِ لِلضَّرُورَةِ ( كَتَرَاضِي أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ مَاتَ عَنْهُنَّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ ) أَيْ كَمَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُنَّ لِلْمِيرَاثِ بِالتَّرَاضِي مَعَ جَهْلِهِنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِلضَّرُورَةِ سَوَاءٌ اقْتَسَمْنَهُ بِالتَّسَاوِي أَمْ بِالتَّفَاوُتِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا بَعْدَ طَلَبِ مَالِكِهِ بِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَيَّرَ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ إعْلَامِ مَالِكِهِ بِهِ ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ حَيْثُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْحَمَامَ حَيَوَانٌ لَهُ اخْتِيَارٌ بِخِلَافِ الثَّوْبِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا بَاعَ أَوْ وَهَبَ شَيْئًا مُعَيَّنًا لِشَخْصٍ ، ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ مَلَكَهُ ، وَلِهَذَا وَجَّهُوا إبْطَالَهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ فِيمَا بَاعَهُ فَأَمَّا إذَا بَاعَ شَيْئًا مُعَيَّنًا بِالْجُزْءِ كَنِصْفِ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ بَاعَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ ، وَالثَّمَنُ فِيهِمَا مَعْلُومٌ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ فِيمَا بَاعَهُ وَحَلَّ الْمُشْتَرِي هُنَا مَحَلَّ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ بَاعَا مِنْ ثَالِثٍ مَعَ جَهْلِ الْإِعْدَادِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ الْجَهْلُ فِي الْمَبِيعِ لِلضَّرُورَةِ قُلْت الْفَرْقُ : بَيْنَهُمَا أَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي مَعْلُومَةٌ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ بِذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَهْلِ بِهِ مَفْسَدَةٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِ الْجَهْلِ بِهِ اغْتِفَارُ الْجَهْلِ بِجُمْلَةِ مَا اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي ع ( قَوْلُهُ فَبَاعَاهُ لِثَالِثٍ لَمْ يَصِحَّ ) قَالَ شَيْخُنَا فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ صَحَّ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ الْوَجْهَانِ بِمَا إذَا جَهِلَا الْعَدَدَ وَالْقِيمَةَ أَمَّا إذَا عَلِمَاهُمَا فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ لِصَيْرُورَتِهَا شَائِعَةً جَوَاهِرَ
( فَرْعٌ ، وَإِنْ اخْتَلَطَ حَمَامٌ مَمْلُوكٌ ) مَحْصُورٌ أَوْ غَيْرُ مَحْصُورٍ ( بِحَمَامِ بَلَدٍ مُبَاحٍ ) أَيْ بِحَمَامٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ ( أَوْ انْصَبَّ مَاؤُهُ فِي نَهْرٍ لَمْ يَحْرُمْ ) عَلَى أَحَدٍ ( الِاصْطِيَادُ وَالِاسْتِقَاءُ ) مِنْ ذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ ، وَإِنْ لَمْ يُزَلْ مِلْكُ الْمَالِكِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَا لَا يَنْحَصِرُ لَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَاطِهِ بِمَا يَنْحَصِرُ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ مُحَرَّمَةٌ بِنِسَاءٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ مِنْهُنَّ ( ، وَلَوْ كَانَ الْمُبَاحُ مَحْصُورًا حَرُمَ ) ذَلِكَ كَمَا يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ فِي نَظِيرِهِ ( ثُمَّ الْحَصْرُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ) أَيْ فِي ضَبْطِهِ ( إلَّا التَّقْرِيبُ وَحَصْرُ الْمُجْتَمِعِ أَسْهَلُ ) مِنْ غَيْرِهِ ( فَمَا يَعْسُرُ حَصْرُهُ ) أَيْ عَدُّهُ ( عَلَى النَّاظِرِ ) بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ ( كَالْأَلْفِ فِي صَعِيدٍ ) وَاحِدٍ ( غَيْرِ مَحْصُورٍ وَالْعَشَرَةِ وَالْعِشْرُونَ ) وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَسْهُلُ حَصْرُهُ عَلَى النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ ( مَحْصُورٌ وَمَا بَيْنَهُمَا يَتَفَاوَتُ ) فِي إلْحَاقِهِ بِإِحْدَاهُمَا ( بِتَفَاوُتِ الْأَحْوَالِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالتَّفْرِيقِ فَيُسْتَفْتَى فِيهِ الْقَلْبُ ) هَذَا مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَعَ قُصُورِهِ عَنْ الْمُرَادِ ، وَالِاجْتِمَاعُ وَالتَّفْرِيقُ دَاخِلَانِ فِي الْأَحْوَالِ ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَبَيْنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُتَشَابِهَةٌ تَلْحَقُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالظَّنِّ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اُسْتُفْتِيَ فِيهِ الْقَلْبُ .
( وَلَوْ اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أَوْ دُهْنٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمِهِ أَوْ دُهْنِهِ ) أَوْ نَحْوُهُمَا ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ ( فَمَيَّزَ قَدْرَ الْحَرَامِ ) وَصَرَفَهُ إلَى مَا يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهِ ( وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي ) بِمَا أَرَادَ ( جَازَ ) لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( لِلضَّرُورَةِ كَحَمَامَةٍ ) لِغَيْرِهِ ( اخْتَلَطَتْ بِحَمَامِهِ ) فَإِنَّهُ ( يَأْكُلُهُ بِالِاجْتِهَادِ ) فِيهِ ( إلَّا وَاحِدَةً ) كَمَا اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ غَيْرِهِ بِثَمَرِهِ ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً مِنْهُ حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ وَالْمَسْأَلَةُ زَادَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ كَمَا مَرَّ وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ( وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ ) وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَجْتَنِبَ طَيْرَ الْبُرُوجِ وَبِنَاءَهَا .
قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) فِي بَيَانِ حُكْمِ ( الِازْدِحَامِ بِالْجَرْحِ عَلَى الصَّيْدِ ، وَلَهُ أَحْوَالٌ أَرْبَعَةٌ .
الْأَوَّلُ - أَنْ يَتَعَاقَبَ جُرْحَاهُمَا عَلَيْهِ فَإِنْ أَزْمَنَهُ الثَّانِي ) أَوْ ذَفَّفَهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( دُونَ الْأَوَّلِ فَالْمِلْكُ ) فِيهِ ( لِلثَّانِي ) ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي امْتِنَاعِهِ ( وَلَا أَرْشَ ) لَهُ ( عَلَى الْأَوَّلِ ) بِجُرْحِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُ ، وَإِنْ ذَفَّفَهُ الْأَوَّلُ فَالْمِلْكُ لَهُ لِمَا مَرَّ ، وَلَهُ عَلَى الثَّانِي أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ أَزْمَنَهُ الْأَوَّلُ فَالْمِلْكُ لَهُ ، ثُمَّ إنْ ذَبَحَهُ الثَّانِي ) الْأَنْسَبُ ذَفَّفَهُ بِذَبْحِهِ ( حَلَّ ) لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِقَصْدِ ذَابِحٍ ( وَلَزِمَهُ الْأَرْشُ لِلْأَوَّلِ ) لِإِفْسَادِهِ مَالَهُ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ ، وَلَزِمَهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَلِّمًا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُذْبَحْ لَهَلَكَ فَمَا عِنْدِي أَنَّهُ يَنْقُصُ بِالذَّبْحِ شَيْءٌ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ نَقْصُهُ ، وَعَلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي ضَمَانِ النَّقْصِ أَنَّهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا .
وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَإِنْ ذَفَّفَ ) الثَّانِي ( لَا بِالذَّبْحِ ) حَرُمَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ ( وَلَزِمَهُ ) لِلْأَوَّلِ ( قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا ) لِإِفْسَادِهِ مَالَهُ ( وَإِنْ لَمْ يُذَفَّفْ وَمَاتَ ) بِالْجُرْحَيْنِ ( قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ صَحِيحًا عَشَرَةً وَمَجْرُوحًا تِسْعَةً فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَاسْتَدْرَكَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَقَالَ يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ مَذْبُوحًا فَإِنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إفْسَادًا فَهُوَ يُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ
الزَّهُوقِ فَفَوَاتُ الدِّرْهَمِ بِفِعْلَيْهِمَا ) فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ وَلِلنَّظَرِ فِي هَذَا مَجَالٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُفْسِدُ يَقْطَعُ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ .
ا هـ .
( وَإِنْ تَمَكَّنَ ) الْأَوَّلُ ( مِنْ ذَبْحِهِ وَذَبَحَهُ ) بَعْدَ جَرْحِ الثَّانِي ( لَزِمَ الثَّانِيَ الْأَرْشُ إنْ حَصَلَ ) بِجُرْحِهِ ( نَقْصٌ ، وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ ) ( بَلْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الثَّانِيَ يَضْمَنُ ) زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ امْتَنَعَ مِنْ تَدَارُكِ مَا تَعَرَّضَ لِلْفَسَادِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي مَعَ إمْكَانِ التَّدَارُكِ ، وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلٌ شَاتَه فَلَمْ يَذْبَحْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الذَّبْحِ ( وَ ) الْأَصَحُّ ( أَنَّهُ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( لَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ ) أَيْ جَمِيعَ قِيمَتِهِ زَمِنًا ( لِأَنَّ تَفْرِيطَ الْأَوَّلِ صَيَّرَ فِعْلَهُ إفْسَادًا ) ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْجَرْحُ الثَّانِي فَتَرَكَ الذَّبْحَ كَانَ الصَّيْدُ مَيْتَةً وَالثَّانِي يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ ذُفِّفَ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَ عَبْدَهُ أَوْ شَاتَه وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِعْلَيْنِ ثَمَّ إفْسَادٌ وَالتَّحْرِيمُ حَصَلَ بِهِمَا ، وَهُنَا الْأَوَّلُ إصْلَاحٌ وَعَلَى الْأَصَحِّ ( فَيَصِيرُ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ ) مَثَلًا ( وَجَرَحَهُ آخَرُ فَنَقُولُ مَثَلًا قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الصَّيْدِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَنَقَصَ بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ دِينَارًا ، وَبِالثَّانِي دِينَارًا ) أَيْضًا .
وَفِي نُسْخَةٍ دِينَارٌ بِالرَّفْعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ( ثُمَّ مَاتَ ) بِالْجُرْحَيْنِ ( فَتُجْمَعُ الْقِيمَتَانِ قَبْلَ الْجُرْحَيْنِ ) أَيْ قِيمَةُ قَبْلَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَقِيمَتُهُ قَبْلَ الْجُرْحِ الثَّانِي ( وَالْمَجْمُوعُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَاهُ ، وَهُوَ عَشَرَةٌ
فَحِصَّةُ الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ ضَامِنًا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشْرَةٍ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ فَتُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَتُقَسَّمُ الْعَشَرَةُ عَلَى تِسْعَةٍ وَنِصْفُ خَمْسَةٍ مِنْهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَأَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ عَلَى الثَّانِي يَعْنِي حِصَّةَ خَمْسَةٍ مِنْهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَحِصَّةَ أَرْبَعَةٍ وَنِصْفٍ مِنْهَا عَلَى الثَّانِي ( وَإِنْ كَانَ الْجُنَاةُ ثَلَاثَةً وَأَرْشُ كُلِّ جِنَايَةٍ دِينَارٌ جُمِعَتْ الْقِيَمُ ) ، وَهِيَ عَشَرَةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ ( فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَيُقَسِّمُ الْعَشَرَةَ عَلَيْهَا ) فَيَخُصُّ الْأَوَّلَ ثُلُثٌ وَثُلُثُ تُسْعٍ وَالثَّانِيَ ثُلُثٌ وَالثَّالِثَ تُسْعَانِ وَثُلُثَا تُسْعٍ .
( قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَقَعَ الْجُرْحَانِ مَعًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُذَفَّفٌ ) أَوْ مُزْمِنٌ لَوْ انْفَرَدَ ( أَوْ أَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ فَالصَّيْدُ لَهُمَا ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ سَوَاءٌ أَتَفَاوَتَ الْجُرْحَانِ صِغَرًا أَوْ كِبَرًا أَمْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَا فِي الْمَذْبَحِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اخْتَلَفَا ( ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُذَفِّفٍ ، وَلَا مُزْمِنٍ ) وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ أَوْ مُزْمِنٌ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ ( وَلَا ) شَيْءَ ( عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَحَهُ حِينَ كَانَ مُبَاحًا ، وَالْمِلْكُ لِلْآخَرِ لِانْفِرَادِهِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ ( وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ ) أَيْ التَّذْفِيفِ أَوْ الْإِزْمَانِ ( مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لَهُمَا ) لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَحِلَّ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( مِنْ صَاحِبِهِ ) تَوَرُّعًا عَنْ مَظِنَّةِ الشُّبْهَةِ ( وَلَوْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلَوْ ( عَلِمْنَا تَأْثِيرَ أَحَدِهِمَا ) تَذْفِيفًا أَوْ إزْمَانًا ( وَشَكَكْنَا فِي ) تَأْثِيرِ ( الْآخَرِ وَقَّفْنَا النِّصْفَ ) بَيْنَهُمَا ( فَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَالُ أَوْ اصْطَلَحَا ) عَلَى شَيْءٍ فَوَاضِحٌ ( وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ وَسُلِّمَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِمَنْ أَثَّرَ جُرْحُهُ فَيَخْلُصُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّيْدِ لِلْآخَرِ رُبُعُهُ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْأَصْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا وَقْفَ بَلْ يُقَسَّمُ الْجَمِيعُ بَيْنَهُمَا فَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْ صَاحِبِهِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ .
قَوْلُهُ فَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يَتَرَتَّبَا ) أَيْ الْجُرْحَانِ ( وَأَحَدُهُمَا مُزْمِنٌ وَالْآخَرُ مُذَفِّفٌ وَصَادَفَ الْمَذْبَحَ ) فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ ( فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا ( فَالصَّيْدُ حَلَالٌ ) وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْجُرْحَيْنِ مُهْلِكٌ لَوْ انْفَرَدَ فَإِذَا جُهِلَ السَّابِقُ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ ( فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُزْمِنُ ) لَهُ ( أَوَّلًا ) وَأَنَّهُ لَهُ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا اقْتَسَمَاهُ ) ، وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( أَوْ ) حَلَفَ ( أَحَدُهُمَا ) فَقَطْ ( فَهُوَ لَهُ وَ ) لَهُ ( عَلَى الْآخَرِ ) أَيْ النَّاكِلِ ( الْأَرْشُ ) أَيْ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ أَمَّا إذَا عُرِفَ السَّابِقُ فَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا مَرَّ ( وَإِنْ صَادَفَ ) الْمُذَفِّفُ ( غَيْرَ الْمَذْبَحِ ) وَجُهِلَ السَّابِقُ ( حَرُمَ ) الصَّيْدُ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْإِزْمَانِ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ إلَّا بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ ( وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( الْإِزْمَانَ وَالسَّبْقَ ) أَيْ أَنَّهُ الْمُزْمِنُ لَهُ أَوَّلًا وَأَنَّ الْآخَرَ أَفْسَدَهُ فَالصَّيْدُ حَرَامٌ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ ( فَإِنْ حَلَفَا فَذَاكَ ) وَاضِحٌ أَيْ يَقْتَسِمَانِهِ اخْتِصَاصًا ، وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ .
( وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا ) وَحَلَفَ الْآخَرُ ( لَزِمَهُ ) لَهُ ( قِيمَتُهُ مُزْمِنًا ، وَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا ( وَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِ جُرْحِهِ ) أَيْ السَّابِقِ ( مُزْمِنًا ) أَوْ لَا بِأَنْ قَالَ أَزْمَنْتُهُ أَنَا ، ثُمَّ أَفْسَدْتُهُ أَنْتَ بِقَتْلِكَ فَعَلَيْكَ الْقِيمَةُ وَقَالَ الثَّانِي : لَمْ تُزْمِنْهُ بَلْ كَانَ عَلَى امْتِنَاعِهِ إلَى أَنْ رَمَيْتَهُ فَأَزْمَنْتَهُ أَوْ ذَفَّفْتَهُ ( فَإِنْ عُيِّنَ ) جُرْحُ السَّابِقِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ ( وَعُلِمَ كَوْنُهُ مُزْمِنًا صُدِّقَ ) السَّابِقُ ( بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ ( فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ أَكْلُهُ )
، وَهُوَ مِلْكُهُ ( ، وَلَا شَيْءَ ) لَهُ ( عَلَى الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا حِينَ جَرَحَهُ ( وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ ) أَيْ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ( وَحَرُمَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُهُ مَيْتَةً ، وَهَلْ لِلثَّانِي أَكْلُهُ ) فِيهِ ( وَجْهَانِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ لَا ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ الْقِيمَةَ حُكْمٌ بِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَقِيلَ : نَعَمْ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ فِي خُصُومَةِ الْآدَمِيِّ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ فِي الثَّانِي وَقَالَ غَيْرُهُ ( وَإِنْ سَبَقَتْ الْمُذَفِّفَةُ ) أَيْ تَقَدَّمَتْ ( عَلَى الْمُزْمِنَةِ حَلَّ ) الصَّيْدُ ( وَكَذَا لَوْ شُكَّ فِي سَبْقِهَا ) حَلَّ ؛ لِأَنَّهَا إنْ سَبَقَتْ فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَيًّا إلَى تَذْفِيفِهِ فَيَكُونُ تَذْفِيفُهُ ذَبْحًا لَهُ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَذْبَحِ ، وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَصْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَجَعَلَهُ الْأَوَّلُ مُمْتَنِعًا بِجُرْحِهِ أَمْ لَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّف ( وَ ) لَوْ ( ادَّعَى كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( الْمُذَفِّفَةَ ) أَيْ أَنَّهُ الْمُذَفِّفُ فِي الْأُولَى وَأَنَّهُ الْمُذَفِّفُ وَالسَّابِقُ فِي الثَّانِيَةِ ( وَحَلَفَ اقْتَسَمَاهُ ) بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ التَّذْفِيفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلَا مَزِيَّةَ ( أَوْ ) حَلَفَ ( أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّهُ مَعَ الْأَرْشِ إنْ نَقَصَ ) وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ وَقِيلَ : نَعَمْ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ
( الْحَالُ الرَّابِعُ - أَنْ يَتَرَتَّبَا وَيَقَعَ الْإِزْمَانُ بِمَجْمُوعِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلثَّانِي ) لِحُصُولِ الْإِزْمَانِ عَقِبَ جُرْحِهِ عِنْدَ كَوْنِهِ مُبَاحًا فَبَطَلَ أَثَرُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَصَارَ إعَانَةً لِلثَّانِي ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَضَيَّقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ الطَّرِيقَ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْكَلْبُ كَانَ الصَّيْدُ لِلْمُرْسِلِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ ( فَإِنْ عَادَ الْأَوَّلُ فَذَبَحَهُ حَلَّ وَضَمِنَ لِلثَّانِي أَرْشَ النَّقْصِ ) الْحَاصِلَ بِذَبْحِهِ ( وَإِنْ صَيَّرَهُ مَيْتَةً ) كَأَنْ جَرَحَهُ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَمَاتَ بِالْجِرَاحَاتِ الثَّلَاثِ ( ضَمِنَ قِيمَتَهُ نَاقِصًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ ) الْأُولَيَيْنِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الثَّانِي مِنْ ذَبْحِهِ ( فَلَوْ تَمَكَّنَ الثَّانِي مِنْ ذَبْحِهِ فَلَمْ يَذْبَحْهُ ضَمِنَ ) لَهُ ( الْأَوَّلُ أَيْضًا ) كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الثَّانِيَ يَضْمَنُ ( وَهُوَ ) أَيْ الضَّمَانُ ( بِالتَّوْزِيعِ كَمَا سَبَقَ ) ثَمَّ ( وَالتَّرْتِيبُ وَالْمَعِيَّةُ ) فِي الْجُرْحَيْنِ يُعْتَبَرَانِ ( بِالْإِصَابَةِ لَا بِابْتِدَاءِ الرَّمْيِ ) .
( فَرْعٌ ) مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ كِلَابَهُمْ عَلَى صَيْدٍ فَأَدْرَكُوهُ قَتِيلًا وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّ كَلْبَهُ الْقَاتِلُ فَالصَّيْدُ حَلَالٌ ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْكِلَابُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ أَوْ مَعَ أَحَدِهَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ أَوْ فِي مَكَان ، وَالْكِلَابُ فِي نَاحِيَةٍ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا قُرْعَةَ بَلْ يُوقَفُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنْ خِيفَ فَسَادُهُ بِيعَ ، وَوُقِفَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَصْطَلِحُوا
قَوْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا قُرْعَةَ بَلْ يُوقَفُ بَيْنَهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي
( فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ ) لَوْ ( وَقَعَ بَعِيرَانِ فِي بِئْرٍ ) أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ ( فَطُعِنَ الْأَعْلَى فَنَفَذَتْ ) أَيْ الطَّعْنَةُ ( إلَى الْأَسْفَلِ ) فَمَاتَ ( وَشَكَكْنَا هَلْ مَاتَ مِنْهَا ) فَيَحِلُّ ( أَوْ بِثِقَلِ الْجَمَلِ ) الْأَعْلَى فَيَحْرُمُ وَعَلِمْنَا أَنَّ الطَّعْنَةَ أَصَابَتْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ( حَلَّ ) كَالصَّيْدِ يُصِيبُهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ ، ثُمَّ يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ ( أَوْ ) شَكَكْنَا ( هَلْ صَادَفَتْهُ ) الطَّعْنَةُ ( حَيًّا ) أَوْ مَيِّتًا ( فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ عَنْ فَتَاوَى التَّهْذِيبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْغَائِبَ الْمُنْقَطِعَ خَبَرُهُ هَلْ يُجْزِئُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ ؟ ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ حِلِّهِ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الْبَغَوِيّ وَالْمَرُّوذِيِّ وَالْقَاضِي تَصْحِيحَ الْحِلِّ كَمَا لَوْ ظَنَّهُ خَشَبَةً وَفِي التَّنْظِيرِ نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ حِلِّهِ ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ
( وَإِنْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ ، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ أَوْ عَكْسَهُ ) بِأَنْ رَمَى مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ ( فَالْعِبْرَةُ ) فِي كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ ( بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ ) فَلَا يَحِلُّ فِي الْأُولَى إلَّا بِإِصَابَتِهِ فِي الْمَذْبَحِ وَيَحِلُّ فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِيهَا إذَا لَمْ يُصِبْهُ فِي الْمَذْبَحِ غَيْرُ مُرَادٍ .
( وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَيْنِ فَحُكْمُهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حُكْمُهُمَا ) أَيْ حُكْمُ إرْسَالِهِمَا ( مِنْ رَجُلَيْنِ ) فَإِنْ أَصَابَا مَعًا حَلَّ أَوْ مُرَتَّبًا وَأَزْمَنَهُ الْأَوَّلُ ، وَلَمْ يُصَادِفْ الثَّانِي الْمَذْبَحَ حَرُمَ ، وَإِنْ صَادَفَهُ أَوْ لَمْ يُزْمِنْهُ الْأَوَّلُ حَلَّ
( أَوْ ) أَرْسَلَ ( كَلْبَيْنِ فَإِنْ أَزْمَنَهُ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي حَرُمَ وَإِنْ صَادَفَ الْمَذْبَحَ ) وَقَوْلُهُ ( حَلَّ ) سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةٍ وَإِثْبَاتُهُ وَهْمٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ عَكْسَهُ حَرُمَ وَقَدْ يُصَحَّحُ بِأَنْ يَعْطِفَ قَوْلَهُ " كَلْبَيْنِ " عَلَى " هُمَا " أَيْ وَحُكْمُ إرْسَالِ كَلْبَيْنِ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ فَإِنْ أَزْمَنَهُ إلَى آخِرِهِ بَيَانًا لِحُكْمِ إرْسَالِ السَّهْمَيْنِ خَاصَّةً أَوْ عَجُزُهُ بَيَانًا لِذَلِكَ خَاصَّةً وَصَدْرُهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ حُكْمِ إرْسَالِ الْكَلْبَيْنِ
( قَوْلُهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةٍ ) هُوَ مَا فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ
( أَوْ ) أَرْسَلَ ( كَلْبًا وَسَهْمًا فَأَزْمَنَهُ الْكَلْبُ وَذَبَحَهُ ) الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَصْلِ وَلِحُكْمِ الْعَكْسِ الْآتِي ، ثُمَّ ذَبَحَهُ ( السَّهْمُ حَلَّ أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ أَزْمَنَهُ السَّهْمُ ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْكَلْبُ ( حَرُمَ )
( وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ فَادَّعَى رَجُلٌ اصْطِيَادَهُ فَقَالَ ) ذُو الْيَدِ ( لَا أَعْلَمُ ) بِذَلِكَ ( لَمْ يُقْبَلْ ) قَوْلُهُ ( جَوَابًا ) لِلدَّعْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَابِقْهَا ( بَلْ إمَّا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ سَلَّمَهُ ) الْفَصِيحُ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ يُسَلِّمَهُ ( لِمُدَّعِيهِ ) فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِهِ قُبِلَ وَكَانَ جَوَابًا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى ، وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ بَيِّنَةً أَنَّهُ اصْطَادَ هَذَا الصَّيْدَ فَفِيهِ قَوْلَا تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ بَيْنَ تَقَدُّمِ التَّارِيخِ وَعَدَمِهِ وَكَوْنِ الصَّيْدِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَعَدَمِهِ .
( وَإِنْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَبَحَ ) هَذِهِ ( الشَّاةَ حَلَّ أَكْلُهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ .
( وَإِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ ( كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ وَجُهِلَ ذَابِحُ الشَّاةِ ) أَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ ( لَمْ يَحِلَّ ) أَكْلُهَا لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ كَمَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجُوسِيٌّ فَيَحِلُّ وَجَمْعُ الْمَجُوسِ وَالْمُسْلِمِينَ مِثَالٌ ، وَكَذَا ذِكْرُهُمْ فَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ كَهُمْ .
( كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ ) أَيْ بَيَانُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَقَوْلُهُ { يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ ؛ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ فَكَيْفَ يَقُولُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ ، ( وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي الْمَطْعُومِ حَالَ الِاخْتِيَارِ ) مِمَّا يَتَأَتَّى أَكْلُهُ مِنْ جَمَادٍ وَحَيَوَانٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُ أَنْوَاعِهِ ( وَ ) لَكِنَّ ( الْأَصْلَ ) فِي الْجَمِيعِ ( الْحِلُّ ) ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مَخْلُوقَةٌ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَاحْتُجَّ لَهُ بِآيَةِ { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } ( إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ ) بِنَصٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي فَيَحْرُمُ ( كَالْخَمْرِ ) لِآيَةِ { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } ( وَالنَّبِيذِ ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَقِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الْإِسْكَارِ ( وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } ( وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ) ، وَإِنْ تَوَحَّشَتْ لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ .
( كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ ) وَجْهُ ذِكْرِ هَذَا الْبَابِ فِي رُبُعِ الْعِبَادَاتِ أَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصْلُ الْحِلُّ ) لَوْ نَتَجَتْ شَاةٌ سَخْلَةً رَأْسُهَا يُشْبِهُ رَأْسَ الشَّاةِ وَذَنَبُهَا يُشْبِهُ ذَنَبَ الْكَلْبِ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا تَحِلُّ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ فَحْلَهَا كَلْبٌ ( قَوْلُهُ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ ) الضَّابِطُ : كُلُّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِي أَكْلِهِ ، وَلَيْسَ مُسْتَقْذَرًا ، وَلَا جُزْءًا مِنْ آدَمِيٍّ ، وَلَا حَيَوَانًا حَيًّا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ يَحِلُّ أَكْلُهُ
( وَتَحِلُّ ) الْحُمُرُ ( الْوَحْشِيَّةِ ) وَإِنْ اسْتَأْنَسَتْ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَفَارَقَتْ الْأَهْلِيَّةَ بِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ فَانْصَرَفَ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَى لَحْمِهَا خَاصَّةً بِخِلَافِ الْأَهْلِيَّةِ ( وَالْخَيْلُ ) بِأَنْوَاعِهَا مِنْ عَتِيقٍ ، وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ وَبِرْذَوْنٍ ، وَهُوَ الَّذِي أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ ، وَهَجِينٍ ، وَهُوَ الَّذِي أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ وَمُقْرَفٍ ، وَهُوَ عَكْسُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ } ، وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْخَيْلِ فَقَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ : مُنْكَرٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَنْسُوخٌ ، وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى رُكُوبِهَا وَالتَّزَيُّنِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } فَذَكَرَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ ( وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْخَيْلِ تَبَعًا لَهُمَا ( وَالْحَامِلُ مِنْ الْخَيْلِ بِبَغْلٍ ) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لَهَا ( وَيَعْصِي بِذَبْحِهَا ) مَا دَامَتْ حَامِلًا بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ تَعَدِّيًا ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْحَامِلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهَا الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ .
( وَيَحْرُمُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ سَوَاءٌ أَكَانَ غَيْرُ الْمَأْكُولِ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى ( كَالْبَغْلِ ) لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( وَالسِّمْعِ ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ
قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّ الزَّرَافَةَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ عَدَّهَا مِنْ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ كَجٍّ بِأَنَّهَا مِنْ الْمَأْكُولِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ شَاذٌّ وَأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ وَجَزَمَ فِي التَّنْبِيهِ بِتَحْرِيمِهَا وَبِهِ أَفْتَيْت قَالَ الْأَذْرَعِيُّ رَأَيْت فِي الْحَوَاشِي لِبَعْضِ طَلَبَةِ الْيَمَانِيِّينَ عَلَى التَّنْبِيهِ قَالَ شَيْخِي أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَحْرِيمِ الزَّرَافَةِ نَظَرٌ قَالَ : وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَشَاهِيرِ بِتَحْرِيمٍ ، وَلَا تَحْلِيلٍ قُلْت وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْيَمَنِ أَنَّ الزَّرَافَةَ جِنْسَانِ جِنْسٌ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ فَيَحِلُّ وَجِنْسٌ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِهِ بِلَفْظِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا الْحِلُّ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَ ) يَحْرُمُ ( مَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ ) مِنْ السِّبَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } ، وَهَذَا مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ ، وَلَا تَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ( كَالْكَلْبِ وَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا ( وَالدُّبِّ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ ( وَالْفَهْدِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِهَا ( وَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَالْبَبْرِ ) بِمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ ، وَهُوَ حَيَوَانٌ مِنْ السِّبَاعِ يُعَادِي الْأَسَدَ وَيُقَالُ لَهُ الْفُرَانِقُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ ( وَسَائِرِ ) أَيْ بَاقِي ( السِّبَاعِ ) كَالْوَشَقِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( مَا يَتَقَوَّى بِمِخْلَبِهِ مِنْ الطَّيْرِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ( كَالْبَازِي ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَيُقَالُ لَهُ الْبَازُ بِحَذْفِهَا ( وَالشَّاهِينِ وَالنَّسْرِ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ بِتَثْلِيثِهَا ( وَالصَّقْرِ وَالْعُقَابِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ ) .
فَرْعٌ ( يَحِلُّ الضَّبُعُ ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا ؛ لِأَنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْهُ أَصَيْدٌ يُؤْكَلُ ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ : سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ وَلِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ ، وَلَا يَعِيشُ بِهِ ( وَالثَّعْلَبُ ) بِالْمُثَلَّثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَيُسَمَّى أَبَا الْحَصِينِ ( وَالْأَرْنَبُ ) ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ بِوَرِكِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَهُوَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْعَنَاقَ قَصِيرَةُ الْيَدَيْنِ طَوِيلَةُ الرِّجْلَيْنِ ( وَالضَّبُّ ) ؛ لِأَنَّهُ أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَتِهِ وَقَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ أَحَرَامٌ هُوَ لَا ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْهُ إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ ( وَالْيَرْبُوعُ ) ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ تُشْبِهُ الْفَأْرَ لَكِنَّهُ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ أَبْيَضُ الْبَطْنِ أَغْبَرُ الظَّهْرِ بِطَرَفِ ذَنَبِهِ شَعَرَاتٌ وَوَقَعَ لِلدَّمِيرِيِّ فِي شَرْحِهِ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ هُنَا وَابْنُ عُرْسٍ ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ ( وَكَذَا الْوَبْرُ ) بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا ( وَالدُّلْدُلُ ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ بَيْنَ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ دَابَّةٌ قَدْرَ السَّخْلَةِ ذَاتُ شَوْكٍ طِوَالٍ تُشْبِهُ السِّهَامَ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عَظِيمُ الْقَنَافِذِ ( وَالسَّمُّورُ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ ( وَالسِّنْجَابُ ) ، وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ ثَعَالِبِ التُّرْكِ ( وَالْفَنَكُ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ ( وَالْقَاقِمِ ) بِضَمِّ الْقَافِ الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا دُوَيْبَّةٌ يُتَّخَذُ جِلْدُهَا فَرْوًا (