كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ طِينِ الشَّوَارِعِ النَّجَسِ ) لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عَنْهُ وَلَوْ اخْتَلَطَ بِنَجَاسَةِ كَلْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعٍ يَكْثُرُ فِيهِ الْكِلَابُ ؛ لِأَنَّ الشَّوَارِعَ مَعْدِنُ النَّجَاسَاتِ ( ، وَالْقَلِيلُ مَا لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى سَقْطَةٍ ) أَيْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ ( أَوْ كَبْوَةٍ ) عَلَى وَجْهِهِ ( أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ ) وَهُوَ مَا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَبِمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَخَرَجَ بِالنَّجَسِ غَيْرُهُ فَطَاهِرٌ ، وَإِنْ ظُنَّ نَجَاسَتُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ كَانَتْ نَجَاسَةُ الشَّارِعِ كَلْبِيَّةً فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
( وَلَا يُجْزِئُ ) فِي الطَّهَارَةِ ( دَلْكُ خُفٍّ ) ، أَوْ نَعْلٍ ( تَنَجَّسَ بِأَرْضٍ ) أَوْ نَحْوِهَا كَالثَّوْبِ وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد { إذَا أَصَابَ خُفَّ أَحَدِكُمْ أَذًى فَلْيَدْلُكْهُ فِي الْأَرْضِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَقْذَرِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْضٍ مُتَعَلِّقٌ بِدَلْكِ خُفٍّ .
( وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهَا ) مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَبَقٍّ وَقَمْلٍ ( وَ ) قَلِيلِ ( وَنِيمُ الذُّبَابِ ) أَيْ رَوْثِهِ ( وَ ) قَلِيلِ ( بَوْلِ الْخُفَّاشِ ) ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَوْثَهُ وَبَوْلَ الذُّبَابِ كَذَلِكَ .
( وَ ) قَلِيلِ ( دَمِ بَثَرَاتِ الْمَرْءِ ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ ( وَإِنْ عَصَرَهَا وَ ) دَمِ ( دَمَامِلِهِ وَقَيْحِهَا وَصَدِيدَهَا ) وَهُمَا دَمَانِ مُسْتَحِيلَانِ إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِمَا ذُكِرَ .
( وَكَذَا لَوْ كَثُرَتْ وَلَوْ بِعَرَقِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَأُلْحِقَ نَادِرُهَا بِغَالِبِهَا كَالتَّرَخُّصِ فِي السَّفَرِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلِلْحَرَجِ فِي تَمْيِيزِ الْكَثِيرِ ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( فِي مَلْبُوسِهِ ) أَيْ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ فَلَوْ حَمَلَ ثَوْبَ بَرَاغِيثَ فِي كُمِّهِ ، أَوْ فَرَشَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ ، أَوْ لَبِسَهُ وَكَانَتْ الْإِصَابَةُ بِفِعْلِهِ قَصْدًا كَأَنْ قَتَلَهَا فِي ثَوْبِهِ ، أَوْ بَدَنِهِ لَمْ يُعْفَ إلَّا عَنْ الْقَلِيلِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ فَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَثِيرِ الْعَصْرُ قَصْدًا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ، وَالْمَجْمُوعِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، ثُمَّ مَحَلُّ الْعَفْوِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ وَقَعَ الثَّوْبُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ .
قَالَ الْمُتَوَلِّي حُكِمَ بِتَنَجُّسِهِ قَالَ وَالْعَفْوُ جَارٍ وَلَوْ كَانَ الْبَدَنُ رَطْبًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَافًّا فَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ وَبَدَنُهُ رَطْبٌ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلْوِيثِ بَدَنِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا وَبِالْأَوَّلِ أَفْتَيْت فِيمَا إذَا كَانَتْ الرُّطُوبَةُ بِمَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالْعَرَقِ ( وَ ) عَنْ ( دَمِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ ) مِنْ نَفْسِهِ قَلَّ ، أَوْ كَثُرَ ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْكَثِيرِ فِيهِمَا وَفِي
الدَّمَامِيلِ ، وَالْجُرُوحِ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْمِنْهَاجِ ، لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ ، وَالْمَجْمُوعِ فَصَحَّحَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى طُهْرِ التَّيَمُّمِ لِمَا مَرَّ فِيهِ ( وَ ) عَنْ ( قَلِيلِ دَمِ ) الْأَجْنَبِيِّ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ ) وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا ( وَ ) عَنْ قَلِيلِ ( قَيْحِهِ ) ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ مِنْ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ ( لَا ) عَنْ ( الْكَثِيرِ ) مِنْهُ ( فِي الْعُرْفِ ) أَمَّا دَمُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِ حُكْمِهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ وَأَقَرَّهُ ، فَإِنْ زَادَ الدَّمُ الْكَائِنُ بِجُرْحِهِ ( عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَخَشِيَ مِنْ غَسْلِ الزَّائِدِ ) وَفِي نُسْخَةٍ عَنْهَا وَخَشِيَ مِنْ غَسْلِهَا ( صَلَّى ) فَرْضَهُ لِلضَّرُورَةِ ( وَأَعَادَ ) وُجُوبًا ( وَالْقَلِيلُ ) فِيمَا ذُكِرَ ( مَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ) بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَالرُّجُوعُ فِيهِمَا إلَى الْعُرْفِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فِي الْعُرْفِ ، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ فِي الْكَثِيرِ ، وَهَذَا فِي الْقَلِيلِ وَذَكَرُوا لِذَلِكَ تَقْرِيبًا فِي طِينِ الشَّارِعِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ( وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، وَالْبِلَادِ ) وَنَحْوِهَا فَقَدْ يَكْثُرُ دَمُ الْبَرَاغِيثِ مَثَلًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَمَكَانٍ دُونَ مَكَان فَيَجْتَهِدُ الْمُصَلِّي فِيهِ ( وَلِلْمَشْكُوكِ فِي كَثْرَتِهِ حُكْمُ الْقَلِيلِ ) فَيُعْفَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ النَّجَاسَةِ الْعَفْوُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَّا الْكَثْرَةَ .
( قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَوْثَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُمَا دَمَانِ مُسْتَحِيلَانِ إلَخْ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الصَّدِيدُ مَاءٌ رَقِيقٌ مُخْتَلِطٌ بِدَمٍ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ دَمٌ مُخْتَلِطٌ بِقَيْحٍ د ( قَوْلُهُ فِي مَلْبُوسِهِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ لَوْ نَامَ فِي ثِيَابِهِ وَكَثُرَ فِيهَا دَمُ الْبَرَاغِيثِ الْتَحَقَ بِمَا يَقْتُلُ فِي ثِيَابِهِ مُتَعَمِّدًا ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي نَوْمِهِ فِي ثِيَابِهِ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ التَّعَرِّي عِنْدَ النَّوْمِ ( قَوْلُهُ : قَالَ : وَالْعَفْوُ وَلَوْ كَانَ الْبَدَنُ رَطْبًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْأَوْرَاقِ الَّتِي تُعْمَلُ وَتُبْسَطُ ، وَهِيَ رَطْبَةٌ عَلَى الْحِيطَانِ الْمَعْمُولَةِ بِرَمَادٍ نَجَسٍ فَقَالَ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ قَلَّ ، أَوْ كَثُرَ ) مَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ مِنْ دَمِ الْفَصْدِ ، وَالْحِجَامَةِ وَالدَّمَامِيلِ ، وَالْقُرُوحِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَ الْقَلِيلُ مُتَفَرِّقًا وَلَوْ جُمِعَ لَكَثُرَ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ ) وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيَّ د وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَدْرَكَهُ وَقَالَ إنَّهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( قَوْلُهُ : وَأَقَرَّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ مَعَ جُدَرِيٍّ وَلَوْ يَبِسَتْ عَلَى مِدَّتِهِ ( جِلْدَتُهُ ) بِكَسْرِ الْمِيم مَا يَجْتَمِعُ فِي الْجُرْحِ مِنْ الْقَيْحِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : مَعَ جُدَرِيٍّ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ ( قَوْلُهُ : وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ) قَالَهُ الْقَاضِي د .
( وَإِذَا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ ) مِنْ الصَّلَاةِ ( بِنَجَاسَةٍ ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي بَدَنِهِ ، أَوْ ثَوْبِهِ ، أَوْ مَكَانِهِ ( أَوْ خَرْقٍ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ ) بَعْدَهَا ( فِي ثَوْبِهِ ) السَّاتِرِ لِعَوْرَتِهِ ( أَعَادَ صَلَاتَهُ ) وُجُوبًا .
( قَوْلُهُ : أَوْ خَرْقٌ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَأَمْكَنَهُ سَتْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَكَمَا لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا عِنْدَ فَقَدْ السُّتْرَةِ بَلْ أَوْلَى د وَقَوْلُهُ يَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَمَاءُ الْقُرُوحِ طَاهِرٌ ) كَالْعَرَقِ ( إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ) وَإِلَّا فَنَجَسٌ ( كَالنَّفَّاطَاتِ ) فَإِنَّ مَاءَهَا طَاهِرٌ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ .
( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ) مُقْتَضَى إطْلَاقِهِ التَّغَيُّرَ كَالْمَجْمُوعِ إنَّ تَغَيُّرَ اللَّوْنِ كَتَغَيُّرِ الرِّيحِ هُوَ الْقِيَاسُ إلَّا أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِتَغَيُّرِ الرِّيحِ كَمَا فِي الْعَزِيزِ ، وَالرَّوْضَةِ ا ب .
( وَيُعْفَى عَنْ دَمِ اسْتِحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ ) ، أَوْ نَحْوِهِ أَيْ يُعْفَى عَمَّا يُسْتَصْحَبُ مِنْهُ بَعْدَ الِاحْتِيَاطِ ( وَ ) عَنْ ( سِلَاحٍ دَمِيَ بِحَرْبٍ ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهَا وَسَيَأْتِي فِيهِ كَلَامٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ .
الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ ) عَنْ الْعُيُونِ ، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي الثِّيَابَ فِيهَا وَلِخَبَرِ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ أَيْ بَالِغَةٍ إلَّا بِخِمَارٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغَةِ كَالْبَالِغَةِ ، لَكِنَّهُ قُيِّدَ بِهَا جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ ( وَيَجِبُ ) سَتْرُهَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ( وَلَوْ ) كَانَ ( فِي خَلْوَةٍ ) لِخَبَرِ { لَا تَمْشُوا عُرَاةً } رَوَاهُ مُسْلِمٌ { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَرْهَدٍ غَطِّ فَخِذَك فَإِنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ وَلِيَسْتَتِرَ عَنْ الْجِنِّ ، وَالْمَلَكِ ( لَا ) سَتْرُهَا ( عَنْ نَفْسِهِ ) فَلَا يَجِبُ ( وَيُكْرَهُ نَظَرُهُ سَوْأَتَيْهِ ) أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ بِلَا حَاجَةٍ وَسُمِّيَا سَوْأَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ انْكِشَافَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبَهُمَا وَحُكْمُهُمَا الْمَذْكُورُ مَعَ مَا قَبْلَهُ مُكَرَّرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ ثَمَّ ( وَيُبَاحُ كَشْفُهَا لِغَسْلِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا يُحْوِجُ إلَى الْكَشْفِ كَالِاسْتِحْدَادِ ( خَالِيًا ) عَنْ النَّاسِ وَمَسْأَلَةُ الْغُسْلِ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِهِ .
( قَوْلُهُ : الْخَامِسُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ ) أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالسَّتْرِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ( قَوْلُهُ : عَنْ الْعُيُونِ ) الْمُرَادُ بِالْعُيُونِ عُيُونُ الْإِنْسِ ، وَالْجِنِّ ، وَالْمَلَائِكَةِ ( قَوْلُهُ { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ) فِي الْأَوَّلِ إطْلَاقُ اسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ وَفِي الثَّانِي إطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ الذَّاتِيِّ بَيْنَ الْحَالِّ ، وَالْمَحَلِّ وَهَذَا لِأَنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ وَهِيَ عَرْضٌ مُحَالٌ فَأُرِيدَ مَحَلُّهَا وَهُوَ الثَّوْبُ مَجَازًا ( قَوْلُهُ : وَحَسَّنَهُ ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ د ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ ) ، فَإِنْ قِيلَ السِّتْرُ لَا يَحْجُبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ يَرَى الْمَسْتُورَ كَمَا يَرَى الْمَكْشُوفَ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَرَى الْمَكْشُوفَ تَارِكًا لِلْأَدَبِ ، وَالْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا د ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ نَظَرُ سَوْأَتِهِ ) فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ الْغَرِيبَةِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا رَأَى فَرْجَ نَفْسِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ ثَمَّ حَرَامًا ر وَقَوْلُهُ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُبَاحُ كَشْفُهَا لِغُسْلٍ وَنَحْوِهِ خَالِيًا ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ وَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْحَاجَةِ قَالَ وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْغُبَارِ عِنْدَ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ ، وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ نَقَلَهَا ابْنُ الْعِمَادِ
( وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ ، وَالْأَمَةِ ) وَلَوْ مُبَعَّضَةً ( وَكَذَا الْحُرَّةُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ ) وَفِي الْخَلْوَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ( مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ) لِخَبَرِ { عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ } رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ فِيهِ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ تَجْبُرُهُ وَقِيسَ بِالرَّجُلِ الْبَقِيَّةُ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد { إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ ، أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ } ( لَا هُمَا ) أَيْ السُّرَّةُ ، وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ ، لَكِنْ يَجِبُ سَتْرُ بَعْضِهِمَا لِيَحْصُلَ سَتْرُهَا .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَنْظُرُ ) أَيْ الْأَمَةُ
( وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ ) وَلَوْ خَارِجَهَا ( جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ ، وَالْكَفَّيْنِ ) ظَهْرًا وَبَطْنًا إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونَا عَوْرَةً ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا وَإِنَّمَا حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَمِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّةِ وَرُكْبَةِ مَنْ فِيهَا رِقٌّ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النِّكَاحِ وَتَقْيِيدُ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَسَوَاءٌ فِي عَوْرَةِ مَنْ ذُكِرَ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ نَعَمْ يَجُوزُ النَّظَرُ لِعَوْرَةِ غَيْرِ الْبَالِغِ إذَا لَمْ يُشْتَهَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ هُنَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، ثُمَّ إنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَسَيَأْتِي ثَمَّ حُكْمُ الْإِصْغَاءِ لَهُ ( وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى ) أَيْ الْخُنْثَى الرَّقِيقُ كَالْأَمَةِ ، وَالْحُرُّ كَالْحُرَّةِ ( فَلَوْ اسْتَتَرَ كَالرَّجُلِ ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ ( وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْأَفْقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ فِي السَّتْرِ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ صِحَّتَهَا وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَكَثِيرٍ الْقَطْعَ بِهِ لِلشَّكِّ فِي عَوْرَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ ، وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ إلَخْ ) وَعَوْرَتُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَظَرِ الْكَافِرِ غَيْرُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ ) ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا عَوْرَةً لَمَا وَجَبَ كَشْفُهُمَا فِي الْإِحْرَامِ ( قَوْلُهُ : عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ) هُوَ الرَّاجِحُ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتَهِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ .
( فَرْعٌ لَا يَكْفِي سُتْرَةٌ تَحْكِي اللَّوْنَ ) أَيْ لَوْنَ الْبَشَرَةِ أَيْ تَصِفُهُ بِمَعْنَى يَصِفُهُ النَّاظِرُ مِنْ وَرَائِهَا كَمُهَلْهَلٍ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ ( وَلَا يَضُرُّ ) هَا بَعْدَ سَتْرِهَا اللَّوْنَ ( أَنْ تَحْكِيَ الْحَجْمَ ) لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ .
( وَلَوْ طَيَّنَ نَفْسَهُ ) أَيْ عَوْرَتَهُ ( أَوْ اسْتَتَرَ بِمَاءٍ كَدِرٍ جَازَ وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَتُفْرَضُ الصَّلَاةُ فِي الْمَاءِ فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ ، وَالسُّجُودُ وَفِي صَلَاةِ الْعَاجِزِ عَنْهُمَا لِعِلَّةٍ ، أَوْ نَحْوِهَا وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَيَسْجُدَ عَلَى الشَّطِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَخَرَجَ بِالْكَدِرِ الصَّافِي فَلَا يَكْفِي إلَّا إذَا تَرَاكَمَ بِالْخَضِرَةِ بِحَيْثُ مَنَعَتْ الرُّؤْيَةَ ( وَيَلْزَمُهُ التَّطْيِينُ لَوْ عَدِمَهُ ) أَيْ الثَّوْبَ أَيْ وَنَحْوَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَكَالطِّينِ الْمَاءُ الْكَدِرُ وَنَحْوُهُ وَيَكْفِي السَّتْرُ بِلِحَافٍ الْتَحَفَ بِهِ امْرَأَتَانِ ، وَبِإِزَارٍ ائْتَزَرَ بِهِ رَجُلَانِ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ .
( قَوْلُهُ : أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ لَزِمَهُ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الْمَاءِ ، فَإِنْ شَقَّ تَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِهِ فِي الْمَاءِ ، وَالصَّلَاةِ خَارِجَ الْمَاءِ عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ ( قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُ التَّطْيِينُ ) وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ .
( وَلَا يَجِبُ ) عَلَيْهِ ( السِّتْرُ ) ( إلَّا مِنْ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ السِّتْرُ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِهِ مِنْ أَسْفَلَ فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ أَسْفَلَ بِأَنْ صَلَّى بِمَكَانٍ عَالٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ( فَلْيُزِرَّ قَمِيصَهُ ) أَيْ جَيْبَهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ ، أَوْ يَسْتُرْ مَوْضِعَهُ بِشَيْءٍ ، أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ ( إنْ اتَّسَعَ ) جَيْبُ الْقَمِيصِ ( وَلَوْ سَتَرَهُ ) أَيْ جَيْبَهُ ( بِلِحْيَتِهِ ) ، أَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهِ ( أَوْ ) سَتَرَ ( خَرْقًا ) فِي قَمِيصِهِ ( بِكَفِّهِ كَفَى ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ .
قَوْلُهُ : لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ ) حَتَّى لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ .
( وَلَوْ كَانَتْ ) عَوْرَتُهُ ( لَا تَنْكَشِفُ إلَّا عِنْدَ الرُّكُوعِ ) ، أَوْ نَحْوِهِ ( صَحَّ إحْرَامُهُ ، ثُمَّ يَسْتُرُهُ ) أَيْ مَا انْكَشَفَ مِنْهُ إنْ قَدَرَ وَفَائِدَتُهُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ ، أَوْ غَيْرِهِ وَصِحَّةُ صَلَاتِهِ لَوْ أَلْقَى ثَوْبًا عَلَى عَاتِقِهِ قَبْلَ ذَلِكَ .
( وَلَوْ وَقَفَ ) فِي حَبٍّ مَثَلًا ( فِي حَبٍّ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَابِيَةٍ ( أَوْ حُفْرَةٍ ضَيِّقَيْ الرَّأْسِ بِحَيْثُ يَسْتُرَانِ ) الْوَاقِفَ فِيهِمَا ( جَازَ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ وَهُوَ كَثَوْبٍ وَاسِعِ الذَّيْلِ ( لَا ) إنْ وَقَفَ ( فِي زُجَاجٍ يَحْكِي ) اللَّوْنَ فَلَا يَكْفِي لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَا تَكْفِي الظُّلْمَةُ وَإِنْ سَتَرَتْ اللَّوْنَ .
وَشَرْطُ السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ لُبْسًا وَنَحْوَهُ فَلَا يَكْفِي الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ وَنَحْوُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِمَا يَسْتُرُ اللَّوْنَ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَصْبَاغِ الَّتِي لَا جِرْمَ لَهَا مِنْ حُمْرَةٍ وَصُفْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ الْجَزْمُ بِخِلَافِهِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُ أُولَئِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّاتِرِ جِرْمٌ قُلْت لَكِنْ يُوَافِقُ إطْلَاقُهُمْ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْضِبَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا بِالْحِنَّاءِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ ) أَيْ وَغَيْرِهِمَا الْجَزْمُ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُ أُولَئِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّاتِرِ جِرْمٌ ) ، أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي السَّاتِرِ وَهَذَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا بَلْ مُغَيِّرًا قَالُوا فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فِي سَتْرِ الرَّأْسِ بِطِينٍ وَحِنَّاءٍ ثَخِينٍ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَضُرُّ وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( عَدِمَ السُّتْرَةَ ) فَلَمْ يَجِدْهَا بِمِلْكٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبِيحُ الِانْتِفَاعَ ( ، أَوْ وَجَدَهَا نَجِسَةً وَلَا مَاءَ ) يَغْسِلُهَا بِهِ أَوْ وَجَدَ الْمَاءَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَغْسِلُهَا وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ غَسْلِهَا أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ وَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَهَا وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ( أَوْ حُبِسَ عَلَى نَجَاسَةٍ وَاحْتَاجَ فَرْشَ ) أَيْ إلَى فَرْشِ ( السُّتْرَةِ عَلَيْهَا صَلَّى عُرْيَانًا وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ وَلَا إعَادَةَ ) عَلَيْهِ لِلْعُذْرِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ .
( قَوْلُهُ : لِلْعُذْرِ ) ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ رُبَّمَا اتَّصَلَ وَدَامَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ ظَهْرَ كَفِّهِ عَلَى قُبُلِهِ ، وَالْآخَرَ عَلَى دُبُرِهِ .
( ، وَالْعُرَاةُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ ، أَوْ ) فِي ضَوْءٍ ، لَكِنْ ( إمَامُهُمْ مُكْتَسٍ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ ) لِإِدْرَاكِ فَضِيلَتِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ شُرِعَ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِحْبَابِ صَادِرٌ مِمَّنْ يَرَى الْجَمَاعَةَ سُنَّةً أَمَّا مَنْ يَرَاهَا فَرْضًا فَقِيَاسُهُ تَوَجُّهُ الْفَرْضِ عَلَيْهِمْ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانُوا بُصَرَاءَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ( فَهِيَ ) أَيْ الْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِمْ ( وَانْفِرَادُهُمْ سَوَاءٌ ) ؛ لِأَنَّ فِي الْجَمَاعَةِ إدْرَاكَ فَضِيلَتِهَا وَفَوَاتَ فَضِيلَةِ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ وَفِي الِانْفِرَادِ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ وَفَوَاتَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَاسْتَوَيَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : أَمَّا مَنْ يَرَاهَا فَرْضًا إلَخْ ) عُذْرُ الْعُرْيِ أَسْقَطَ عَنْهُمْ الْفَرْضَ .
( وَلِمُكْتَسٍ اقْتِدَاءٌ بِعَارٍ ) كَمَا يَقْتَدِي الْمُتَوَضِّئُ بِالْمُتَيَمِّمِ ، وَالْقَائِمُ بِالْمُضْطَجِعِ ( وَيَقِفُ إمَامُهُمْ ) الْعَارِي ( وَسْطَهُمْ ) بِسُكُونِ السِّينِ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ ( كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ ) فَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ثَمَّ مَا ذُكِرَ ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي مَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ صَفًّا وَإِلَّا وَقَفُوا صُفُوفًا مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ وَمَا نَقَلَهُ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ .
( قَوْلُهُ : بِسُكُونِ السِّينِ ) تَقُولُ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ بِالتَّسْكِينِ وَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ بِالْفَتْحِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ صَلَحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالتَّسْكِينِ ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَهُوَ بِالْفَتْحِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ ، وَقَدْ أَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ .
( وَالنِّسَاءُ ) إذَا اجْتَمَعْنَ مَعَ الرِّجَالِ ، وَالْجَمِيعُ عُرَاةٌ لَا يُصَلِّينَ مَعَهُمْ لَا فِي صَفٍّ وَلَا صَفَّيْنِ بَلْ ( يَتَنَحَّيْنَ ) وَيَجْلِسْنَ خَلْفَهُمْ ( وَيَسْتَدْبِرْنَ ) الْقِبْلَةَ ( حَتَّى يُصَلِّيَ الرِّجَالُ ، وَكَذَا عَكْسُهُ ) أَيْ يَجْلِسُ خَلْفَهُنَّ الرِّجَالُ مَسْتَدْبِرِينَ حَتَّى يُصَلِّينَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَا تُبْطِلُ مُخَالَفَتُهُ الصَّلَاةَ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَكَانٍ آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُهُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( وَجَدَ بَعْضَ سُتْرَةٍ لَزِمَهُ ) التَّسَتُّرُ بِهِ ، فَإِنْ كَفَى سَوْأَتَيْهِ وَلَوْ مَعَ زِيَادَةٍ لَزِمَهُ ( الْبُدَاءَةُ بِالسَّوْأَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِمَا ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَهُمَا كَالتَّابِعِ ، وَإِنْ كَفَى أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ الْبُدَاءَةُ بِسَتْرِ ( الْقُبُلِ ) ذَكَرًا ، أَوْ غَيْرَهُ ( ثُمَّ الدُّبُرِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ بِالْقُبُلِ الْقِبْلَةَ فَسَتْرُهُ أَهَمُّ تَعْظِيمًا لَهَا ؛ وَلِأَنَّ الدُّبُرَ مَسْتُورٌ غَالِبًا بِالْأَلْيَتَيْنِ بِخِلَافِ الْقُبُلِ ( وَالْخُنْثَى ) الْمُشْكِلُ ( يَبْدَأُ ) وُجُوبًا ( بِمَا شَاءَ مِنْ قُبُلَيْهِ ) إذَا وَجَدَ كَافِيَ أَحَدِهِمَا ( ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ ذَكَرَهُ عِنْدَ النِّسَاءِ ) وَلَوْ امْرَأَةً ( وَفَرْجَهُ عِنْدَ الرِّجَالِ ) وَلَوْ رَجُلًا وَأَيَّهُمَا شَاءَ عِنْدَ الْخُنْثَى قِيَاسًا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ .
( قَوْلُهُ : لَوْ وَجَدَ بَعْضَ سُتْرَةٍ لَزِمَهُ الْبَعْضُ ) الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَجِبُ قَطْعًا كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ الثَّانِي : مَا يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ مَاءٍ ، أَوْ تُرَابٍ إذَا قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ وَهُوَ التُّرَابُ .
الثَّالِثُ : مَا لَا يَجِبُ قَطْعًا كَمَا إذَا وَجَدَ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ بَعْضَ الرَّقَبَةِ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُحْدِثُ الْفَاقِدُ لِلْمَاءِ مِلْحًا أَوْ بَرَدًا وَتَعَذَّرَتْ إذَابَتُهُ فَلَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ هُنَا فِي الرَّأْسِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ضَابِطًا لِبَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَقَالَ كُلُّ أَصْلٍ ذِي بَدَلٍ ، فَالْقُدْرَةُ عَلَى بَعْضِ الْأَصْلِ لَا حُكْمَ لَهَا وَسَبِيلُ الْقَادِرِ عَلَى الْبَعْضِ كَسَبِيلِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكُلِّ إلَّا فِي الْقَادِرِ عَلَى بَعْضِ الْمَاءِ ، أَوْ الْقَادِرِ عَلَى إطْعَامِ بَعْضِ الْمَسَاكِينِ إذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الطَّعَامِ ، وَإِنْ كَانَ لَا بَدَلَ لَهُ كَالْفِطْرَةِ لَزِمَهُ الْمَيْسُورُ مِنْهَا وَكَسَتْرِ الْعَوْرَةِ إذَا وَجَدَ بَعْضَ السَّاتِرِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إذَا انْتَقَضَتْ الطَّهَارَةُ بِانْتِقَاضِ بَعْضِ الْمَحَلِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَيَرُدُّ عَلَى الْحَصْرِ الْقَادِرُ عَلَى بَعْضِ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ لَهَا بَدَلٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْأَحْسَنُ فِي الضَّبْطِ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ مَقْصُودًا مِنْ الْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ لَا يَجِبُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا وَلَا بَدَلَ لَهُ وَجَبَ ، أَوْ لَهُ بَدَلٌ فَإِنْ صَدَقَ اسْمُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى بَعْضِهِ وَجَبَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ ، وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي وَلَا يُخَافُ فَوْتُهُ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( صَلَّتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ) وَتَرَكَتْ السُّنَّةَ وَهِيَ أَنْ تَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهَا كَالْحُرَّةِ ( فَعَتَقَتْ ) فِي صَلَاتِهَا ( وَوَجَدَتْ خِمَارًا ) بَعِيدًا بِحَيْثُ ( إنْ مَضَتْ إلَيْهِ احْتَاجَتْ أَفْعَالًا ) أَيْ إلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ كَثَلَاثِ خُطُوَاتٍ ، وَقَدْ مَضَتْ إلَيْهِ ( أَوْ انْتَظَرَتْ مَنْ يُلْقِيه ) عَلَيْهَا ( وَمَضَتْ مُدَّةٌ ) فِي التَّكَشُّفِ يُحْتَاجُ فِي تَنَاوُلِ ذَلِكَ فِيهَا إلَى أَفْعَالٍ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهَا ) لِكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ فِي الْأُولَى وَطُولِ الْمُدَّةِ فِي الثَّانِيَةِ ( ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ ) أَيْ الْخِمَارَ ( بَنَتْ ) عَلَى صَلَاتِهَا لِعَجْزِهَا عَنْ السَّتْرِ ( وَكَذَا إنْ وَجَدَتْهُ قَرِيبًا ) مِنْهَا ( فَتَنَاوَلَتْهُ وَلَمْ تَسْتَدْبِرْ ) قِبْلَتَهَا ( وَسَتَرَتْ ) بِهِ رَأْسَهَا ( فَوْرًا ) كَرَدِّ مَا كَشَفَتْهُ الرِّيحُ فَوْرًا ، وَتَنَاوُلُ غَيْرِهَا فِيمَا ذُكِرَ كَتَنَاوُلِهَا ( كَعَارٍ وَجَدَ سُتْرَةً ) فِي صَلَاتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَمَةِ فِيمَا ذُكِرَ ( وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِالسُّتْرَةِ ) الَّتِي يُمْكِنُهَا السَّتْرُ بِهَا ( أَوْ بِالْعِتْقِ ) حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهَا التَّسَتُّرُ فِيهَا لَوْ عَلِمَتْ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهَا كَمَنْ صَلَّى جَاهِلًا بِالنَّجَسِ .
( فَإِنْ قَالَ ) شَخْصٌ ( لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْت حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ بِلَا خِمَارٍ عَاجِزَةً ) عَنْ سَتْرِ رَأْسِهَا ( عَتَقَتْ ) وَصَحَّتْ صَلَاتُهَا ( أَوْ قَادِرَةً ) عَلَيْهِ ( صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَمْ تَعْتِقْ لِلدَّوْرِ ) إذْ لَوْ عَتَقَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لَا تَعْتِقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَوْ عَبَّرَ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِالسُّتْرَةِ بَدَلَ الْخِمَارِ كَانَ أَوْلَى وَالْخِمَارُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ الرَّأْسَ ، وَالْعُنُقَ وَيُقَالُ لَهُ الْمِقْنَعَةُ .
( فَرْعٌ لَيْسَ لِلْعَارِي غَصْبُ الثَّوْبِ ) مِنْ مُسْتَحِقِّهِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ فِي الْمَخْمَصَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ نَعَمْ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَفْعِ حَرٍّ ، أَوْ بَرْدٍ ، أَوْ نَحْوِهِمَا جَازَ ذَلِكَ كَالْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ ( وَيَجِبُ ) عَلَيْهِ ( قَبُولُ عَارِيَّةٍ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ غَيْرُهُ ( وَ ) قَبُولُ ( هِبَةِ الطِّينِ ) وَنَحْوِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا ) قَبُولُ هِبَةِ ( الثَّوْبِ ) فَلَا يَجِبُ لِثِقَلِ الْمِنَّةِ ( وَاقْتِرَاضُهُ كَاقْتِرَاضِ ثَمَنِ الْمَاءِ ) فَلَا يَجِبُ ( وَاسْتِئْجَارُهُ وَاشْتِرَاؤُهُ كَشِرَاءِ الْمَاءِ ) فَيَجِبَانِ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ وَثَمَنُهُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ فَلَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مِمَّا ذُكِرَ وَصَلَّى عَارِيًّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى السَّتْرِ .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ قَبُولُ عَارِيَّتِهِ ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَنَحْوِهِ ) أَيْ كَالْمَاءِ الْكَدِرِ ، وَالْأَخْضَرِ ( قَوْلُهُ : لَا قَبُولُ هِبَةِ الثَّوْبِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْعَارِيَ لَوْ خَشِيَ الْهَلَاكَ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَزِمَهُ قَبُولُ الْهِبَةِ قَطْعًا وَهُوَ كَمَا قَالَ .
( وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الثَّوْبِ ، أَوْ الْمَاءِ ) أَيْ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا ( قُدِّمَ الثَّوْبُ ) وُجُوبًا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ لِلصَّلَاةِ وَلِلصَّوْنِ عَنْ الْعُيُونِ وَلِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ بِخِلَافِ مَاءِ الطَّهَارَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ ، وَالثَّوْبِ قُدِّمَ الثَّوْبُ ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَوَجَدَ تُرَابًا أَمْ لَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَقْدِيمِ الثَّوْبِ أَنَّهُ يَبْقَى زَمَانًا لَا أَنَّ لِلْمَاءِ بَدَلًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الثَّوْبِ بَيْنَ الْكَافِي لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُعَلِّقِينَ عَلَى الْحَاوِي بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَافِيًا ، أَوْ غَيْرَ كَافٍ ، أَوْ الثَّوْبُ وَحْدَهُ كَافٍ .
( وَإِنْ أَوْصَى بِهِ ) أَيْ بِالثَّوْبِ أَيْ بِصَرْفِهِ ( لِلْأَوْلَى ) بِهِ ( قُدِّمَتْ الْمَرْأَةُ ) وُجُوبًا ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَعْظَمُ ( ثُمَّ الْخُنْثَى ) لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ ( ثُمَّ الرَّجُلُ ) وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِلْأَوْلَى بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَفَى الثَّوْبُ لِلْمُؤَخَّرِ دُونَ الْمُقَدَّمِ قُدِّمَ الْمُؤَخَّرُ وَكَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ التَّوْكِيلُ وَالْوَقْفُ أَمَّا لَوْ كَانَ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا لَكِنْ يُصَلِّي فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إنْ أَعَارَهُ لِوَاحِدٍ ، أَوْ لِجَمَاعَةٍ وَرَتَّبَهُمْ فَذَاكَ ، وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْهُمْ صَلُّوا فِيهِ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ .
( قَوْلُهُ : قُدِّمَتْ الْمَرْأَةُ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً قَالَ جَدِّي يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْأَمَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْبَالِغَ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الرَّجُلِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْهُ قَالَهُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِهِ لِلْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالْوَافِي وَهَلْ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ ، أَوْ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى لِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ أُعْطِيَ لِلْمَيِّتِ وَيَأْتِي التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي التَّيَمُّمِ ( قَوْلُهُ : التَّوْكِيلُ ، وَالْوَقْفُ ) وَنَحْوُهُمَا ش .
( وَإِذَا صَلَّى ) الشَّخْصُ ( فِي ثَوْبِ الْجِمَاعِ ) الشَّامِلِ لِثَوْبِ الْفَاعِلِ ، وَالْمَفْعُولِ ( وَالْحَائِضِ ، وَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ ) أَيْ نَحْوِ مَنْ ذُكِرَ كَالنُّفَسَاءِ ، وَالْمَجْنُونِ ( جَازَ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ .
( وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا حَرِيرًا ) فَقَطْ ( صَلَّى فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ ( بَلْ يَلْزَمُ السَّتْرُ بِهِ ) وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ ، فَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْعَوْرَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَيُتَّجَهُ لُزُومُ قَطْعِهِ إذَا لَمْ يَنْقُصْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الثَّوْبِ وَرُدَّ بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَهِيَ حَرَامٌ وَيُمْنَعُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُفْعَلُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ ( كَالْمُتَنَجِّسِ ) إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ ) وَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَرِيرِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ السَّاتِرِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لَا الْعِبَادَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَيُتَّجَهُ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاتِّجَاهِ لَا وَجْهَ لَهُ بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ حَرَامٌ انْتَهَى .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : وَرُدَّ بِالْمَنْعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيُسْتَحَبُّ ) لِلرَّجُلِ ( أَنْ يَلْبَسَ لِلصَّلَاةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ ) وَيَتَطَيْلَسَ ( وَيَرْتَدِيَ وَيَتَّزِرَ ، أَوْ يَتَسَرْوَلَ ) ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ التَّمَثُّلَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَيَتَجَمَّلُ بِذَلِكَ وَالْأَخِيرَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ اقْتَصَرَ ) عَلَى ثَوْبَيْنِ ( فَقَمِيصٌ مَعَ رِدَاءٍ ) ، أَوْ إزَارٍ ( أَوْ سَرَاوِيلَ ) أَوْلَى مِنْ رِدَاءٍ مَعَ إزَارٍ أَوْ سَرَاوِيلَ وَمِنْ إزَارٍ مَعَ سَرَاوِيلَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ، وَالثَّوْبَانِ أَهَمُّ الزِّينَةِ وَلِخَبَرِ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يَزَّيَّنَ لَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ( ثُمَّ ) إنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ ، فَالْأَوْلَى ( قَمِيصٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْبَدَنِ ، ثُمَّ رِدَاءٌ ( ثُمَّ إزَارٌ ، ثُمَّ سَرَاوِيلُ ) وَإِنَّمَا كَانَ الْإِزَارُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَافَى عَنْهُ وَلَا يُبَيِّنُ مِنْهُ حَجْمَ أَعْضَائِهِ بِخِلَافِ السَّرَاوِيلِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ عَكْسَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ النَّصِّ ؛ لِأَنَّ السَّرَاوِيلَ أَجْمَعُ فِي السَّتْرِ ( وَيَلْتَحِفُ بِإِزَارِهِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ : ثُمَّ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ يَلْتَحِفُ بِهِ ( إنْ اتَّسَعَ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ ) كَمَا يَفْعَلُهُ الْقَصَّارُ فِي الْمَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ ضَاقَ ( اتَّزَرَ بِهِ وَجَعَلَ شَيْئًا مِنْهُ ) عَلَى ( عَاتِقِهِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا صَلَّيْت وَعَلَيْك ثَوْبٌ وَاحِدٌ ، فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا ، فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ } وَلَفْظُ مُسْلِمٍ { ، فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوَيْك } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ { لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ
عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ } قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يَجْعَلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ جَعَلَ حَبْلًا حَتَّى لَا يَخْلُوَ مِنْ شَيْءٍ وَيُكْرَهُ تَرْكُ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَعَمَّمُ ) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ } .
( وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ ) فِي الصَّلَاةِ ( قَمِيصٌ سَابِغٌ ) لِجَمِيعِ بَدَنِهَا ( وَخِمَارٌ وَجِلْبَابٌ كَثِيفٌ ) فَوْقَ ثِيَابِهَا لِيَتَجَافَى عَنْهَا وَلَا يُبَيِّنَ حَجْمَ أَعْضَائِهَا ، وَالْجِلْبَابُ الْمِلْحَفَةُ ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ( وَ ) يَجِبُ ( عَلَيْهِ ) إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً ( عَمَلُ سُتْرَةٍ ) يَسْتَتِرُ بِهَا ( حَتَّى مِنْ حَشِيشٍ ) وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً وَوَجَدَ حَشِيشًا يُمْكِنُهُ عَمَلُ سُتْرَةٍ مِنْهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ .
( وَإِتْلَافُ الثَّوْبِ وَبَيْعُهُ ) الْمَزِيدُ عَلَى الْأَصْلِ ( فِي الْوَقْتِ كَالْمَاءِ ) إذَا أَتْلَفَهُ ، أَوْ بَاعَهُ فِيهِ فَيَعْصِي بِذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا فِي الْأُولَى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي الثَّانِيَةِ مَا قَدَرَ عَلَى الثَّوْبِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَكَالْبَيْعِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا ( وَلَا يُبَاعُ لَهُ ) أَيْ لِلسِّتْرِ ( مَسْكَنٌ ) وَلَا خَادِمٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْكَفَّارَاتِ وَأَقَرَّهُ وَغَلِطَ مَنْ خَالَفَهُ وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الرَّوْضَةِ .
( وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ) الرَّجُلُ ( مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُتَنَقِّبَةً ، أَوْ مُغَطِّيًا ) الْمُصَلِّي ( فَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيسَ بِالرَّجُلِ غَيْرُهُ ( فَإِنْ تَثَاءَبَ ) الْمُصَلِّي ( سُنَّ ) لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ وَفِي نُسْخَةٍ سَدَّ أَيْ فَاهُ ( بِيَدِهِ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِك بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ } وَهَذِهِ أَعَادَهَا فِي السِّيَرِ ( وَيُكْرَه ) أَنْ يُصَلِّيَ ( فِي ثَوْبٍ فِيهِ تَصْوِيرٌ ) أَيْ صُورَةٌ وَأَنْ يُصَلِّيَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الشَّرْطِ السَّابِعِ ( وَ ) أَنْ يُصَلِّيَ ( بِالِاضْطِبَاعِ ) بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ ) بِأَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ، ثُمَّ يَرْفَعُ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ( وَ ) اشْتِمَالُ ( الْيَهُودِ ) بِأَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ بِدُونِ رَفْعِ طَرَفَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إذَا أَتَاهُ مَا يَتَوَفَّاهُ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ يَدِهِ بِسُرْعَةٍ وَإِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ رُبَّمَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَثَاءَبَ سُنَّ لَهُ أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ بِيَدِهِ ) قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْيُسْرَى ؛ لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ التَّجَشُّؤُ ، وَهَلْ يُلْحَقُ الْأَبْخَرُ فِي الْجَمَاعَةِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُؤْذِيَ بِرِيحِ فَمِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا .
الشَّرْطُ ( السَّادِسُ تَرْكُ الْكَلَامِ ) أَيْ كَلَامِ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهُمْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ } { ، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْت يَرْحَمُك اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْت وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ } ( فَإِنْ نَطَقَ ) فِيهَا ( بِحَرْفَيْنِ ) فَأَكْثَرَ وَلَوْ بِغَيْرِ إفْهَامٍ ( أَوْ حَرْفٍ يُفْهَمُ ) نَحْوَ قِ مِنْ الْوِقَايَةِ وَعِ مِنْ الْوَعْيِ ( أَوْ ) حَرْفٍ ( مَمْدُودٍ ) ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ نَحْوَ ( آ ) وَالْمَدُّ أَلِفٌ ، أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ ، فَالْمَمْدُودُ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ ( وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ ) كَقَوْلِهِ لِإِمَامِهِ قُمْ أَوْ اُقْعُدْ ( بَطَلَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ ، وَالْكَلَامُ يَقَعُ عَلَى الْمُفْهِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ اصْطِلَاحٌ لِلنُّحَاةِ ، وَالْحَرْفُ الْمُفْهِمُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصُودِ الْكَلَامِ ، وَإِنْ أَخْطَأَ بِحَذْفِ هَاءِ السَّكْتِ ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُفْهِمِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَقَلُّ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ حَرْفَانِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ نَطَقَ فِيهَا بِحَرْفَيْنِ إلَخْ ) لَوْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ فِي صَلَاتِهِ بِكَلَامٍ مُبْطِلٍ لَهَا ثُمَّ نَطَقَ مِنْهُ بِحَرْفٍ وَلَوْ غَيْرَ مُفْهِمٍ بَطَلَتْ وَسُئِلَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْ مُصَلٍّ قَالَ بَعْدَ قِرَاءَةِ إمَامِهِ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ خِطَابُ آدَمِيٍّ .
( وَلَوْ تَنَحْنَحَ مَغْلُوبًا ) عَلَيْهِ ( أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَا ) عَنْ ( الْجَهْرِ فَمَعْذُورٌ ) فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْذَرْ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْجَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّنَحْنُحِ لَهُ ، وَالْمُرَادُ بِالْقِرَاءَةِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ وَفِي مَعْنَاهَا بَدَلُهَا وَكُلُّ وَاجِبٍ قَوْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وَفِي مَعْنَى الْجَهْرِ سَائِرُ السُّنَنِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ ، وَالْقُنُوتِ لَكِنْ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ التَّنَحْنُحِ لِلْجَهْرِ بِأَذْكَارِ الِانْتِقَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى إسْمَاعِ الْمَأْمُومِينَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَنَحْنَحَ بِلَا عُذْرٍ ( فَإِنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ ) فَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ ( لَمْ يُفَارِقْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَحَرُّزُهُ عَنْ الْمُبْطِلِ ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِبَادَةِ ، وَقَدْ تَدُلُّ قَرِينَةُ الْإِمَامِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا ، لَكِنْ هَلْ يُفَارِقُهُ فِي الْحَالِ ، أَوْ حَتَّى يَرْكَعَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَحَنَ سَاهِيًا ، وَقَدْ يَتَذَكَّرُ فَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ إذْ لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ فِي الْحَالِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ ) قَالَ فِي رِسَالَةِ النُّورِ وَلَوْ نَزَلَتْ نُخَامَةٌ مِنْ دِمَاغِهِ إلَى ظَاهِرِ الْفَمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَابْتَلَعَهَا بَطَلَتْ ، فَلَوْ تَشَعَّبَتْ فِي حَلْقِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ وَظُهُورِ حَرْفَيْنِ وَمَتَى تَرَكَهَا نَزَلَتْ إلَى بَاطِنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَنَحْنَحَ وَيُخْرِجَهَا وَإِنْ ظَهَرَ حَرْفَانِ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ ) ضَعِيفٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ لَحَنَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : أَوْ حَتَّى يَرْكَعَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَتَبْطُلُ بِبُكَاءٍ وَأَنِينٍ وَتَأَوُّهٍ وَإِنْ كَانَ لِلْآخِرَةِ وَبِضَحِكٍ وَسُعَالٍ وَنَفْخٍ إنْ بَانَ مَعَ كُلٍّ ) مِنْهَا ( حَرْفَانِ ) وَإِلَّا فَلَا .
( قَوْلُهُ : وَنَفَخَ ) لَا فَرْقَ فِي النَّفْخِ بَيْنَ الْفَمِ ، وَالْأَنْفِ ح د .
( فَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا ) أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ ( أَوْ جَاهِلًا ) تَحْرِيمَهُ فِيهَا ( أَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ ) إلَيْهِ ( أَوْ غَلَبَهُ الضَّحِكُ ، وَالسُّعَالُ ) ، وَالْعُطَاسُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَنَحْوِهَا مِمَّا مَرَّ ( وَكَانَ ) كُلٌّ مِنْهَا ( كَثِيرًا ) فِي الْعُرْفِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ نَظْمَهَا ( أَوْ يَسِيرًا فِي الْعُرْفِ لَمْ تَبْطُلْ ) لِلْعُذْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَتَى خَشَبَةً بِالْمَسْجِدِ وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ } وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَهُمْ تَكَلَّمُوا مُجَوِّزِينَ النَّسْخَ ثُمَّ بَنَى هُوَ وَهُمْ عَلَيْهَا وَفِي مَعْنَى الْمَذْكُورَاتِ التَّنَحْنُحُ لِلْغَلَبَةِ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ آنِفًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ وَفِي السُّعَالِ ، وَالْعُطَاسِ لِلْغَلَبَةِ الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَثُرَتْ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا .
( قَوْلُهُ : أَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعَ قَصْدِهِ الْكَلَامَ مَعْذُورٌ فَهَذَا أَوْلَى لِعَدَمِ قَصْدِهِ ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا إلَخْ ) ، أَوْ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ ، أَوْ أَنَّ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَ عَلَى حُكْمِ الْغَلَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِجَابَةُ ( قَوْلُهُ : وَفِي مَعْنَى الْمَذْكُورَاتِ التَّنَحْنُحُ لِلْغَلَبَةِ إلَخْ ) أَمَّا التَّنَحْنُحُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ فَلَا يُبْطِلُ ، وَإِنْ كَثُرَ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى مَا إذَا صَارَ غَالِبًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مُضِيُّ قَدْرِ صَلَاةٍ تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا .
( وَلَوْ جَهِلَ بُطْلَانَهَا بِالتَّنَحْنُحِ ) مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ ( فَمَعْذُورٌ ) لِخَفَاءِ حُكْمِهِ عَلَى الْعَوَامّ ( ، وَكَذَا تَحْرِيمُ الْكَلَامِ ) أَيْ جَهْلُهُ بِهِ وَهُوَ يَسِيرٌ يُعْذَرُ بِهِ ( إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ ) بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَنَظَائِرِهِ وَلِخَبَرِ مُعَاوِيَةَ السَّابِقِ وَلَوْ جَمَعَ مَسْأَلَةَ الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْكَافِي وَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَنِسْيَانِ النَّجَاسَةِ عَلَى ثَوْبِهِ صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَجَهِلَ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لَمْ يُعْذَرْ ) كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ إيجَابِهِ الْحَدَّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إذْ حَقُّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الْكَفُّ وَلَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ مَا أَتَى بِهِ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ السَّابِقُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَيْ يَسِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ .
( قَوْلُهُ : صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَإِجَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مِمَّنْ دَعَاهُ فِي عَصْرِهِ فِي الصَّلَاةِ ( وَإِنْذَارُ الْهَالِكِ ) أَيْ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ كَأَعْمَى أَشْرَفَ عَلَى وُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ ( فِي الصَّلَاةِ وَاجِبَانِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } وَلِإِنْقَاذِ الرُّوحِ ( لَكِنْ تَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِالْإِنْذَارِ ) خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ دُونَ الْإِجَابَةِ لِشَرَفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا أُمِرَ الْمُصَلِّي بِأَنْ يَقُولَ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَيَمْتَنِعَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ إجَابَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقْتَ نُزُولِهِ بِإِجَابَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْطُلُ بِإِجَابَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا .
( قَوْلُهُ : وَإِجَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تَجِبُ إجَابَتُهُمْ وَقَوْلُهُ قَالَ النَّاشِرِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : مِمَّنْ دَعَاهُ فِي عَصْرِهِ فِي الصَّلَاةِ ) الْمُتَّجَهُ أَنَّ إجَابَتَهُ بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَالْقَوْلِ ج وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ شَيْخُنَا ، لَكِنْ لَا يَعُودُ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ أَفْعَالٌ مُتَوَالِيَةٌ ( قَوْلُهُ : خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ ) وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ج ( قَوْلُهُ وَإِنْذَارُ الْهَالِكِ وَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالْكَلَامِ ) وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ شَارِحُ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَوْلِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَيُتِمَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْأَوَّلِ إلَّا حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ قُلْت وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّجَهٌ بِدَلِيلِ اغْتِفَارِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ وَلَوْ أَمْكَنَ حُصُولُهُ بِهِمَا ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِبْطَالِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا ، فَالْمُتَّجَهُ تَعَيُّنُ الْفِعْلِ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ وَلِهَذَا نَفَّذْنَا إحْبَالَ السَّفِيهِ دُونَ إعْتَاقِهِ وَيُحْتَمَلُ التَّخْيِيرُ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ ج سَوَّى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي الْإِنْذَارِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ ) ضَعِيفٌ .
( وَ ) تَبْطُلُ ( بِكَلَامِ الْمُكْرَهِ كَمَا ) تَبْطُلُ ( لَوْ أُكْرِهَ ) عَلَى ( أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ ) لِنُدْرَةِ ذَلِكَ .
( فَرْعٌ يُسَبِّحُ الرَّجُلُ وَتُصَفِّقُ الْمَرْأَةُ ) بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ شَاءَتْ غَيْرَ مَا يَأْتِي ( وَ ) لَكِنْ ( الْأَوْلَى ) لَهَا أَنْ تُصَفِّقَ ( بِبَطْنِ كَفٍّ عَلَى ظَهْرِ ) الْكَفِّ ( الْآخَرِ ) هَذَا أَوْلَى وَأَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ ، وَالتَّصْفِيقُ أَنْ تَضْرِبَ بَطْنَ كَفِّهَا الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى وَذَكَّرَ الْكَفَّ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ تَأْنِيثُهَا وَإِنَّمَا يُسَبِّحُ الرَّجُلُ وَتُصَفِّقُ الْمَرْأَةُ ( إنْ نَابَهُمَا شَيْءٌ ) فِي صَلَاتِهِمَا كَتَنْبِيهِ إمَامِهِمَا وَإِذْنِهِمَا لِدَاخِلٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ } فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فَلَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ ، لَكِنْ خَالَفَا السُّنَّةَ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجْهَرُ إذَا خَلَتْ عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا تُسَبِّحُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا أُمِرَتْ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى التَّصْفِيقِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا قُلْنَا وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّنْبِيهَ بِمَا ذُكِرَ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ ، أَوْ وَاجِبٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٌ لِمُبَاحٍ كَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ وَوَاجِبٌ لِوَاجِبٍ كَإِنْذَارِهِ أَعْمَى وَيُعْتَبَرُ فِي التَّسْبِيحِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الذِّكْرَ وَحْدَهُ ، أَوْ مَعَ التَّنْبِيهِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الْقِرَاءَةِ .
( قَوْلُهُ : وَتَصْفِيقُ الْمَرْأَةِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَوْ تَكَرَّرَ تَصْفِيقُ الْمَرْأَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ خَفِيفٌ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ فِي سُبْحَةٍ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ إبَاحَةُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ ، وَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُ حَدَّ الْإِعْلَامِ عَادَةً بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِمُخَالَفَتِهِ فِيهِ لِلسُّنَّةِ قَوْلُهُ : ، فَالْأَوْجَهُ إلَخْ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا قُلْنَا ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَمُبَاحٌ لِمُبَاحٍ ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِالْمُبَاحِ جَائِزُ الْفِعْلِ فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا بِدَلِيلِ ذِكْرِهِمْ الْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ ، وَالْمُبَاحَ وَسُكُوتِهِمْ عَنْ الْمَكْرُوهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ بِهِ وَإِلَّا ، فَالصَّلَاةُ لَيْسَ فِيهَا مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ .
( ، وَالتَّصْفِيقَةُ ، وَالْخُطْوَةُ بِقَصْدِ اللَّعِبِ ) مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فِيهِمَا ( مُبْطِلَانِ ) لِلصَّلَاةِ لِمُنَافَاتِهِمَا لَهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِمَا بِغَيْرِ قَصْدِ اللَّعِبِ ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْبِيرُهُ أَوَّلًا بِالْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصْفِيقَةِ وَذِكْرُ حُكْمِ الْخُطْوَةِ مَعَ تَرْكِ تَقْيِيدِ التَّصْفِيقَةِ بِبَطْنِ كَفٍّ عَلَى بَطْنِ أُخْرَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ شَرْطُ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقَلِيلِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ مُنَافَاتَهَا ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ مُنَافَاتَهَا كَمَا لَوْ خَطَا خُطْوَةً ، أَوْ اسْتَنَدَ إلَى جِدَارٍ ، أَوْ الْتَفَتَ بِوَجْهِهِ قَاصِدًا بِهِ مُنَافَاتَهَا .
( قَوْلُهُ : فَقَالَ شَرْطُ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ رَأَيْت فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ الشَّامِلِ ، وَالْبَيَانِ ، وَالذَّخَائِرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَحَمَلُوا عَلَى الْعَدُوِّ مُوَاجِهِينَ لِلْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ ، وَإِنْ حَمَلُوا عَلَيْهِ قَدْرَ خُطْوَةٍ قَالُوا وَإِنَّمَا أَبْطَلَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا عَمَلًا كَثِيرًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَعَمِلُوا شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ نَوَوْا الْقِتَالَ فِي الْحَالِ وَعَمِلُوا مِنْهُ شَيْئًا ، وَإِنْ قَلَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ نَوَوْا أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا أَظَلَّهُمْ قَاتَلُوهُ لَمْ تَبْطُلْ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْحَالِ لَمْ يُغَيِّرُوا نِيَّةَ الصَّلَاةِ .
( فَإِنْ عَدَلَ عَنْ الْكَلَامِ ) أَيْ التَّسْبِيحِ ( إلَى الْقُرْآنِ ) الْأَوْلَى فَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ ( فَنَبَّهَ بِهِ ، أَوْ أَذِنَ ) بِهِ لِدَاخِلٍ ، أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اسْتَأْذَنُوا فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ { اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ } وَقَصَدَ بِهِ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ ، أَوْ مَعَ التَّنْبِيهِ ( لَمْ تَبْطُلْ ) صَلَاتُهُ سَوَاءٌ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهِ أَمْ أَنْشَأَهَا حِينَئِذٍ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَأَذِنَ لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا قَبْلَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ التَّنْبِيهِ ( الْعُدُولَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْقُرْآنِ بِأَنْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ وَحْدَهُ ، أَوْ أَطْلَقَ ( بَطَلَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ وَمَسْأَلَةُ الْإِطْلَاقِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهَا جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ ( وَإِنْ غَيَّرَ نَظْمَهُ ) بِأَنْ أَتَى بِكَلِمَاتٍ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ نَظْمِهِ كَيَا إبْرَاهِيمُ سَلَامٌ كُنْ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ نَعَمْ إنْ فَرَّقَهَا ، أَوْ قَصَدَ بِهَا الْقُرْآنَ لَمْ تَبْطُلْ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ بَطَلَتْ إنْ تَعَمَّدَ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، ثُمَّ قَالَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ إنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا مُعْتَقِدًا كَفَرَ وَلَوْ قَالَ قَالَ اللَّهُ ، أَوْ النَّبِيُّ كَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فَقَالَهَا بَطَلَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلَاوَةً ، أَوْ دُعَاءً ، لَكِنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ نَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ أَيْ كَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ
الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ بَطَلَتْ الْأُولَى وَعَبَّرَ فِيمَا بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ أَوْ غَيَّرَ نَظْمَهُ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ فَرَّقَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْقُرْآنَ لَمْ تَبْطُلْ ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَةَ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ بَطَلَتْ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عَلَى انْفِرَادِهَا ش ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ نَقَلَ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ إلَخْ ) الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التِّلَاوَةَ وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَطَلَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلَاوَةً وَلَا دُعَاءً فَقَوْلُهُ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى إطْلَاقِهِ لِاقْتِضَائِهِ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ إذَا قَصَدَ بِهِ الدُّعَاءَ ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ التَّحْقِيقِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ السَّلَامُ ، فَإِنْ قَصَدَ اسْمَ اللَّهِ ، أَوْ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ أَحَدًا مِنْ هَذَيْنِ ، لَكِنَّهُ قَالَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ الْعَافِي أَوْ الْعَافِيَةُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الدُّعَاءَ عَلَى مَعْنَى اسْمِ اللَّهِ يَا عَافِي ، أَوْ لَمْ يُرِدْ الْعَافِيَةَ مِنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ النِّعْمَةُ إنْ أَرَادَ سُؤَالَهَا ، أَوْ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ كَلَامًا عَمْدًا فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ اللَّهُ إنْ قَصَدَ قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ
( وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ بِالْقُرْآنِ أَوْ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ ) ، أَوْ التَّسْمِيعِ ( بِالْإِعْلَامِ ) أَيْ مَعَ قَصْدِهِ الْإِعْلَامَ بِذَلِكَ ( لَمْ تَبْطُلْ ) صَلَاتُهُ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِهِ وَهُوَ يُوهِمُ عَدَمَ الْبُطْلَانِ مَعَ قَصْدِ الْإِعْلَامِ فَقَطْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ .
( وَلَا تَبْطُلُ بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ ) ، وَإِنْ لَمْ يُنْدَبَا ( وَكَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَهَذَا قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، لَكِنَّهُ أَعْنِي النَّوَوِيَّ جَزَمَ فِي مَجْمُوعِهِ ثَمَّ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ ثَمَّ ( إلَّا مَا عَلَّقَ ) مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ أَرَدْت أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ كَذَا فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا ، لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي النَّذْرِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَأَضَافَ إلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ .
وَقَوْلُهُ : وَكَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ إلَّا مَا عَلَّقَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قُرْبَةٍ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قُرْبَةٍ ( أَوْ ) إلَّا مَا ( تَضَمَّنَ ) مِنْ ذَلِكَ ( خِطَابَ مَخْلُوقٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَغَيْرِهِمْ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَرَبِّك ، أَوْ لِعَاطِسٍ رَحِمَك اللَّهُ أَوْ لِعَبْدِهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَك فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا دُعَاءٌ فِيهِ خِطَابٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ يَا أَرْضَ رَبِّي وَرَبِّك اللَّهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك وَشَرِّ مَا فِيك وَشَرِّ مَا دَبَّ عَلَيْك وَكَقَوْلِهِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ آمَنْت بِاَلَّذِي خَلَقَك رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ ثَانِيَتُهَا إذَا أَحَسَّ بِالشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِقَوْلِهِ أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ } .
ثَالِثَتُهَا : لَوْ خَاطَبَ الْمَيِّتَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ رَحِمَك اللَّهُ عَافَاك اللَّهُ غَفَرَ اللَّهُ لَك ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خِطَابًا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْت طَالِقٌ
فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتًا لَمْ تَطْلُقْ أَمَّا خِطَابُ الْخَالِقِ كَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَخِطَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالسَّلَامِ عَلَيْك فِي التَّشَهُّدِ فَلَا يُبْطِلَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَضِيَّتُهُ : أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ بِذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك ، أَوْ الصَّلَاةُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْ نَحْوَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْجَحُ بُطْلَانَهَا مِنْ الْعَالِمِ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي إلْحَاقِهِ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ انْتَهَى وَفِي قَوْلِهِ وَيُشْبِهُ إلَى آخِرِهِ وَقْفَةٌ ( وَيَرُدُّ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ ) بِيَدِهِ ، أَوْ رَأْسِهِ نَدْبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِاللَّفْظِ إنْ كَانَ فِيهِ خِطَابٌ ( فَلَوْ قَالَ ) لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ( وَعَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ لِعَاطِسٍ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَمْ تَبْطُلْ ) لِانْتِفَاءِ الْخِطَابِ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ ) وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَقِيَاسُهُ التَّعَدِّي إلَى الْإِعْتَاقِ ، وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَسَائِرِ الْقُرَبِ الْمُنَجَّزَةِ .
فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مُنَاجَاةَ فِيهِ حَتَّى يُقَاسَ بِالنَّذْرِ ش وَقَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلِ : أَنَّهُ أَطْلَقَ النَّذْرَ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِطَابٌ لِآدَمِيٍّ ، فَإِنْ كَانَ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَك فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْبُطْلَانُ .
الثَّانِي : نُوزِعَ فِي إلْحَاقِهِ الْإِعْتَاقَ بِالنَّذْرِ ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ وَالْعِتْقَ إزَالَةٌ فَأَشْبَهَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ قَطْعًا ، فَكَذَا الْعِتْقُ وَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إزَالَةٌ فِي الْحَالِ فَأَشْبَهَتْ عَقْدَ الْهِبَةِ .
الثَّالِثِ : أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَكْفِي فِيهَا الْفِعْلُ فَاللَّفْظُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ وَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ ارْتِكَابِ الرِّيَاءِ ، وَالسُّمْعَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ إلَّا مَا تَضَمَّنَ خِطَابَ مَخْلُوقٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِخِطَابِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءِ ج د ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ لَا تَبْطُلُ بِسُكُوتٍ وَلَوْ طَالَ بِلَا عُذْرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِهَيْئَتِهَا ( وَلَا ) تَبْطُلُ ( بِإِشَارَةٍ ) وَلَوْ بِغَيْرِ رَدِّ السَّلَامِ ( فَإِنْ بَاعَ بِهَا الْأَخْرَسُ فِي الصَّلَاةِ صَحَّ ) كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ ، وَالصَّلَاةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهِ إذْ لَا نُطْقَ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا تَبْطُلُ بِإِشَارَةٍ ) إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَالْعِبَارَةِ إلَّا فِي صَلَاتِهِ فَلَا تَبْطُلُ بِهَا وَإِلَّا فِي شَهَادَتِهِ فَلَا تَصِحُّ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَإِلَّا عُدِمَ الْحِنْثُ بِهَا عِنْدَ الْحَلْفِ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ .
( الشَّرْطُ السَّابِعُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي ( فَتَبْطُلُ ) الصَّلَاةُ ( بِتَعَمُّدِ زِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ ) لِغَيْرِ الْمُتَابَعَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ فِيهِ لِتَلَاعُبِهِ بِهَا ، لَكِنْ لَوْ جَلَسَ مِنْ اعْتِدَالِهِ قَدْرَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ، ثُمَّ سَجَدَ أَوْ جَلَسَ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ قَبْلَ قِيَامِهِ لَمْ يَضُرَّ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ مَعْهُودَةٌ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِيهَا إلَّا رُكْنًا فَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي تَغْيِيرِ نَظْمِهَا أَشَدَّ نَعَمْ لَوْ انْتَهَى مِنْ قِيَامِهِ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لِقَتْلِ حَيَّةٍ ، أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَضُرَّ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ ( لَا ) بِزِيَادَةِ رُكْنٍ ( قَوْلِيٍّ ) كَالْفَاتِحَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ نَظْمَ الصَّلَاةِ ( وَلَا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهَا نَاسِيًا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يُعِدْهَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
( قَوْلُهُ : فَتَبْطُلُ بِتَعَمُّدِ زِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ ) يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ صُلْبِ صَلَاتِهِ فَسَجَدَ مَعَهُ ، ثُمَّ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَأَحْدَثَ وَانْصَرَفَ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ كَجٍّ عَلَى الْمَسْبُوقِ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ لَزِمَهُ السَّجْدَتَانِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ ؛ لِأَنَّهُ بِحَدَثِ الْإِمَامِ انْفَرَدَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ فَكَانَتْ مُبْطِلَةً .
ا هـ .
فَهُوَ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ فِيهِ ) إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ د ( قَوْلُهُ : لَكِنْ لَوْ جَلَسَ مِنْ اعْتِدَالِهِ إلَخْ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَكَجُلُوسِهِ بَعْدَ الْهُوِيِّ مِنْ الِاعْتِدَالِ جُلُوسُ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ جُلُوسِهِ جِلْسَةً خَفِيفَةً فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُ بِخِلَافِ الطَّوِيلَةِ ( قَوْلُهُ : نَاسِيًا ) وَسَكَتَ عَنْ الْجَاهِلِ وَلَا شَكَّ فِي عُذْرِ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ قو د .
( وَالْكَثِيرُ مِنْ غَيْرِ أَفْعَالِهَا ) كَالْمَشْيِ وَالضَّرْبِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ ( لَا الْقَلِيلُ مُبْطِلٌ ) لَهَا ( وَلَوْ سَهْوًا ) لِمُنَافَاتِهِ لَهَا بِخِلَافِ الْقَلِيلِ وَلَوْ عَمْدًا وَفَارَقَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ حَيْثُ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي الْإِبْطَالِ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَذَّرُ ، أَوْ يَتَعَسَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَعُفِيَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ ( وَالرُّجُوعُ ) فِي الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ ( إلَى الْعُرْفِ ، فَالْإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلَامِ ، وَاللُّبْسُ الْخَفِيفُ ) كَلُبْسِ خَاتَمٍ ، أَوْ نَعْلٍ ( وَقَتْلُ قَمْلَةٍ وَدَمُهَا عَفْوٌ ، وَالْخُطْوَتَانِ ، وَالضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ ) فَلَا يُبْطِلُ شَيْءٌ مِنْهَا الصَّلَاةَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَدَّ السَّلَامَ فِيهَا بِالْإِشَارَةِ } كَمَا مَرَّ { وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِيهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ { وَأَخَذَ بِأُذُنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِيهَا فَأَدَارَهُ مِنْ يَسَارِهِ إلَى يَمِينِهِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ { وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ ، وَالْعَقْرَبِ فِيهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَلِيلٌ خَبَرُ الْإِشَارَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَدَمُهَا عَفْوٌ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي مَحَلِّ الْحَالِ ، وَالْمُرَادُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَخَرَجَ بِدَمِهَا جِلْدُهَا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ ، وَالْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا وَبِضَمِّهَا مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا ( وَتَبْطُلُ بِثَلَاثٍ ) مُتَوَالِيَةٍ ( وَبِوَاحِدَةٍ مَعَ نِيَّتِهِنَّ ) بِأَنْ نَوَى فِعْلَ الثَّلَاثِ ، ثُمَّ أَتَى بِوَاحِدَةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهَا الْعِمْرَانِيُّ ( وَلَوْ فَرَّقَ الْفِعْلَ ) بِأَنْ أَتَى بِالثَّلَاثِ مُتَفَرِّقَةً ( بِحَيْثُ تُعَدُّ الثَّانِيَةُ مُنْقَطِعَةً عَنْ الْأُولَى ) ، أَوْ الثَّالِثَةُ مُنْقَطِعَةً عَنْ الثَّانِيَةِ ( لَمْ يَضُرَّ ) ؛
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حَمَلَ أُمَامَةَ وَوَضَعَهَا فِي الصَّلَاةِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بِجَعْلِ الْخُطْوَةِ الْمُغْتَفَرَةِ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ قَالَ وَلَا أُنْكِرُ الْبُطْلَانَ بِتَوَالِي خُطْوَتَيْنِ وَاسِعَتَيْنِ جِدًّا فَإِنَّهُمَا قَدْ تُوَازِيَانِ الثَّلَاثَ عُرْفًا .
( قَوْلُهُ : وَالْكَثِيرُ مِنْ غَيْرِ أَفْعَالِهَا ) لَوْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلٍ هَلْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ أَمْ لَا قَالَ الْإِمَامُ فَيَنْقَدِحُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وَثَالِثُهَا يَتْبَعُ ظَنَّهُ ، فَإِنْ اسْتَوَى الظَّنَّانِ اسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ ح ( قَوْلُهُ : يُبْطِلُ وَلَوْ سَهْوًا ) وَصَحِيحُ الْمُتَوَلِّي عَدَمُ الْبُطْلَانِ حَالَةَ السَّهْوِ مَعَ تَصْحِيحِ الْبُطْلَانِ بِالْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِمَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ اشْتِمَالِهِ عَلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ لِدُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ وَخُرُوجِ سِرْعَانِ النَّاسِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ ، وَالنَّاسُ مَعَهُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا اُحْتُمِلَ قَلِيلُ الْفِعْلِ عَمْدًا لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ اُحْتُمِلَ كَثِيرُهُ سَهْوًا وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ وَأَتْبَاعُهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ قَالُوا وَفِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ تَكَلُّفٌ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا فَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اعْتَقَدَ فَرَاغَ الصَّلَاةِ ، وَكَذَلِكَ اعْتَقَدَ مَنْ مَعَهُ ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَعَمِلَ أَعْمَالًا كَثِيرَةً عَمْدًا ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ يَبْنِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الصَّوْمِ ع مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَرْدُودٌ بِتَسْوِيَتِهِمْ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالُوا ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَيْ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ كَوْنَهُ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا عَزَاهُ لِلرَّافِعِيِّ فِي الصَّوْمِ وَهْمٌ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ اغْتِفَارُ الْكَلَامِ الْعَمْدِ أَيْ الْيَسِيرِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ ثَانِيًا وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَجَامَعَ فَهَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ نَاسِيًا وَتَكَلَّمَ عَامِدًا لَا تَبْطُلُ
صَلَاتُهُ .
ا هـ .
وَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَنْ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّهَا غَيْرُ كَثِيرَةٍ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ ( قَوْلُهُ : وَالْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ إلَخْ ) هَلْ الْخَطْوَةُ عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا خَطْوَةً أُخْرَى ، أَوْ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْخَطْوَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ ، أَمَّا نَقْلُ كُلٍّ مِنْ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ إلَى جِهَةِ التَّقَدُّمِ عَلَى الْأُخْرَى أَوْ جِهَةِ التَّأَخُّرِ عَنْهَا فَخُطْوَتَانِ بِلَا شَكٍّ ا ب وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ ) وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ وَلَا أُنْكِرُ الْبُطْلَانَ إلَخْ ) ضَعِيفٌ
( وَلَوْ فَحُشَتْ الْفِعْلَةُ كَوَثْبَةٍ بَطَلَتْ ) إلْحَاقًا لَهَا بِالْكَثِيرِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ إذْ التَّقْيِيدُ بِالْفَاحِشَةِ يُفْهِمُ أَنَّ لَنَا وَثْبَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( أَوْ خَفَّتْ الْفِعْلَاتُ كَعَدِّ سُبْحَةٍ ) وَآيَاتٍ ( وَعَقْدٍ وَحَلٍّ وَحَكِّهِ ) بَدَنَهُ لِجَرَبٍ ، أَوْ نَحْوِهِ ( بِأَصَابِعَ ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ ( لَمْ يَضُرَّ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالصَّلَاةِ ( وَ ) ، لَكِنْ ( الْأَوْلَى تَرْكُهُ ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفِعْلَاتِ الْخَفِيفَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ ، لَكِنْ جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِكَرَاهَتِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ أَمَّا تَحْرِيكُ الْيَدِ بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَمُبْطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ جَرَبٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى عَدَمِ الْحَكِّ فَلَا تَبْطُلُ قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ وَرَفْعُ الْيَدِ عَنْ الصَّدْرِ وَوَضْعُهَا فِي مَحَلِّ الْحَكِّ مَرَّةً وَاحِدَةً .
( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ مِنْ حَكِّ جَسَدِهِ مِرَارًا مُتَوَالِيَةً مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، فَإِنْ كَانَ لِجَرَبٍ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ ا هـ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْحَكَّ ثَلَاثًا مُبْطِلٌ د ( تَنْبِيهٌ ) لَا تَبْطُلُ بِتَحْرِيكِ جُفُونِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَلَا بِإِخْرَاجِ لِسَانِهِ مِنْ فَمِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ
( وَلَوْ فَضَّ كِتَابًا ) أَيْ فَتَحَهُ ( وَفَهِمَ مَا فِيهِ ، أَوْ قَرَأَ فِي مُصْحَفٍ وَ ) لَوْ ( قَلَبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا لَمْ تَبْطُلْ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ ، أَوْ غَيْرُ مُتَوَالٍ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ ( وَالْقَلِيلُ ) مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يُبْطِلُ كَثِيرُهُ إذَا تَعَمَّدَهُ بِلَا حَاجَةٍ ( مَكْرُوهٌ لَا فِي ) فِعْلٍ ( مَنْدُوبٍ كَقَتْلِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ ) وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا مَرَّ .
( وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ ) بِوَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَاجَةٍ لِخَبَرِ عَائِشَةَ { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا } الْحَدِيثَ ( وَنَظَرُ السَّمَاءِ ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ ، أَوْ لَتُخَطَّفَنَّ أَبْصَارُهُمْ } ( وَ ) نَظَرُ ( مَا يُلْهِي ) عَنْ الصَّلَاةِ كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يَسْتَقْبِلَانِ الْمُصَلِّي لِخَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَلْهَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( ، وَالتَّثَاؤُبُ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا ( وَالنَّفْخُ ) ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ ( وَمَسْحُ الْحَصَى ) وَنَحْوُهُ حَيْثُ يَسْجُدُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ { لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي ، فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً تَسْوِيَةً لِلْحَصَى } ؛ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ ، وَالْخُشُوعَ ( ، وَالِاخْتِصَارُ ) بِأَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ ( وَتَفْقِيعُ الْأَصَابِعِ وَتَشْبِيكُهَا ) لِأَنَّ ذَلِكَ عَبَثٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ فِيهَا وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ
مِنْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَلِيلُ مَكْرُوهٌ إلَى هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ إلَّا كَرَاهَةَ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فَمَذْكُورَةٌ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا ثَمَّ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا الْتَفَتَ وَلَمْ يُحَوِّلْ قَدَمَيْهِ ، فَإِنْ قَصَدَ مُنَافَاةَ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ الزَّمَانُ وَيَمْنَعْهُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْأَرْكَانِ قُلْت ، وَالْأَشْبَهُ إذَا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا عَامِدًا ذَاكِرًا مُتَوَالِيًا الْبُطْلَانُ لِمَا سَبَقَ فِي تَحْرِيكِ الْكَفِّ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ ، أَوْ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ قو ( قَوْلُهُ : لِخَبَرِ عَائِشَةَ إلَخْ ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ ) كَجِدَارٍ وَعَمُودٍ لِخَبَرِ { اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَخَبَرِ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا ، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِخَبَرِ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ( وَ ) أَنْ ( يُمِيلَهَا ) أَيْ السُّتْرَةَ ( عَنْ وَجْهِهِ ) يَمْنَةً ، أَوْ يَسْرَةً لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ مَنْ ضُعِّفَ ( وَلَا يُبْعِدُهَا ) مِنْ قَدَمَيْهِ ( عَنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ) لِخَبَرِ بِلَالٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ } ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَدْرُ مَكَانِ السُّجُودِ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) سُتْرَةً مِنْ جِدَارٍ ، أَوْ نَحْوِهِ ( فَعَصًا ) مَثَلًا ( يَغْرِزُهَا ، أَوْ مَتَاعٌ ) يَجْمَعُهُ وَلْيَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( قَدْرَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ) ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي بِمَا مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ } ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ شَاخِصًا ( افْتَرَشَ مُصَلَّى ) كَسَجَّادَةٍ بِفَتْحِ السِّينِ ( أَوْ خَطَّ خَطًّا ) وَكَلَامُهُ كَالْأَصْلِ وَالْمِنْهَاجِ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَهُمَا وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسَلَّمٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ سُتْرَةٍ بَسَطَ مُصَلًّى ، فَإِنْ عَجَزَ خَطَّ خَطًّا مِنْ قَدَمَيْهِ ( نَحْوَ الْقِبْلَةِ طُولًا ) لَا عَرْضًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِقْلِيدِ ؛ لِأَنَّ
الْمُصَلَّى لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَإِنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى الْخَطِّ فَكَيْفَ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ قَالَ وَسَكَتُوا عَنْ قَدْرِهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا كَالشَّاخِصِ .
ا هـ .
وَيُجَابُ عَنْ اسْتِبْعَادِهِ بِأَنَّ الْمَقِيسَ قَدْ يَكُونُ أَوْلَى نَظَرًا لِلْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْخَطِّ مَعَ الْإِيتَاءِ فِي الْكِتَابَةِ وَإِذَا اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ ( فَيَحْرُمُ الْمُرُورُ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ اسْتِتَارِهِ ( وَلَوْ لِضَرُورَةٍ ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَارُّ سَبِيلًا غَيْرَهُ عَلَى مَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ { لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا مِنْ الْإِثْمِ ، فَالْبُخَارِيُّ وَإِلَّا خَرِيفًا ، فَالْبَزَّارُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالِاسْتِتَارِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ الْمُصَلِّي بِصَلَاتِهِ فِي الْمَكَانِ .
فَإِنْ قَصَّرَ كَأَنْ وَقَفَ بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَلَا حُرْمَةَ بَلْ وَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ ( وَلِلْمُصَلِّي حِينَئِذٍ ) الْأَوْلَى وَلِلْمُصَلِّي ( وَغَيْرِهِ ) حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ حُرْمَةِ الْمُرُورِ ( الدَّفْعُ ) لِلْمَارِّ ( بَلْ يُنْدَبُ ، وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَيْ مَعَهُ شَيْطَانٌ ، أَوْ هُوَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ } وَقَضِيَّتُهُ : وُجُوبُ الدَّفْعِ .
وَقَدْ بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا ، وَلَيْسَ كَدَفْعِ الصَّائِلِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ احْتَجَّ بِخَبَرِ { كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَظْلُومَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الظَّالِمَ } انْتَهَى ، وَالْمَنْقُولُ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَكَانَ الصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِهِ شِدَّةَ مُنَافَاتِهِ لِمَقْصُودِ
الصَّلَاةِ مِنْ الْخُشُوعِ ، وَالتَّدَبُّرِ وَذِكْرُ النَّدْبِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَغَيْرِهِ ، وَالْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ ، وَالثَّانِي بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَقَدْ قَالَ وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُلْحَقَ بِالْمُصَلِّي غَيْرُهُ فِي الدَّفْعِ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَفُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ ، أَوْ تَبَاعَدَ عَنْهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، أَوْ كَانَتْ دُونَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ وَلَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ لِتَقْصِيرِهِ نَعَمْ الْمُرُورُ حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ، أَوْ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ ، وَالتَّحْقِيقِ وَلَك أَنْ تَحْمِلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ فَلَا تَنَافِيَ وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ إنَّهُ حَرَامٌ فِي حَرِيمِ الْمُصَلَّى وَهُوَ قَدْرُ إمْكَانِ سُجُودِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ جَوَازُ الدَّفْعِ ( بِالتَّدْرِيجِ ) كَدَفْعِ الصَّائِلِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يَزِيدُ فِي الدَّفْعِ عَلَى مَرَّتَيْنِ إلَّا مُتَفَرِّقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ( نَعَمْ لِدَاخِلٍ وَجَدَ فُرْجَةً قِبَلَهُ ) أَيْ أَمَامَهُ ( تَخَطَّى صَفَّيْنِ ) لِيُصَلِّيَ فِيهَا ( لِتَقْصِيرِهِمْ ) بِتَرْكِهَا وَالْمُصَنِّفُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُنَا هُوَ مَسْأَلَةُ التَّخَطِّي فَعَبَّرَ بِهِ وَقَيَّدَهُ بِصَفَّيْنِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتِلْكَ ذَكَرَهَا تَبَعًا لَهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَمَا هُنَا مَسْأَلَةُ خَرْقِ الصُّفُوفِ ، وَالْمُرُورِ أَمَامَهَا الْمُنَاسِبُ لَهَا التَّعْبِيرُ بِنَعَمْ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَخْرِقَهَا ، وَإِنْ كَثُرَتْ وَيَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهَا وَيَقِفَ فِي الْفُرْجَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْإِمَامِ ، أَوْ بَيْنَ صَفَّيْنِ مَا يَسَعُ صَفًّا آخَرَ فَلِلدَّاخِلِينَ أَنْ يُصَفُّوا فِيهِ وَلَوْ كَانَ الدَّاخِلُ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقِفَ بِيَمِينِ الْإِمَامِ وَحْدَهُ لَمْ يَخْرِقْ الصَّفَّ ، وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ
وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ وَكَسْرِهَا الْخَلَلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ ( وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ) أَيْ الْمُصَلِّي ( بِمُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ) كَامْرَأَةٍ وَكَلْبٍ وَحِمَارٍ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ ، وَالْكَلْبُ ، وَالْحِمَارُ } ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ قَطْعُ الْخُشُوعِ لِلشُّغْلِ بِهَا .
قَوْلُهُ : فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ ) شَمِلَ مَا لَوْ تَسَتَّرَ بِامْرَأَةٍ ، أَوْ بَهِيمَةٍ قَالَ فِي الْخَادِمِ ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِهِمَا ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِآدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ مَنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَيَتَغَافَلَ عَنْ صَلَاتِهِ ، لَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إلَى رَاحِلَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَظَاهِرٌ إذْ رُبَّمَا شَغَلَتْ ذِهْنَهُ وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الشَّافِعِيَّ وَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلَمْ يَجْعَلْهُمَا مُتَعَارِضَيْنِ وَقَالَ تُحْمَلُ الْمَرْأَةُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مُسْتَيْقِظَةً ، وَالدَّابَّةُ عَلَى غَيْرِ الْبَعِيرِ الْمَعْقُولِ فِي غَيْرِ الْمَعَاطِنِ وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِأَنَّهُ رَآهُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ أَعْطَانِ الْإِبِلِ ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ ذِكْرَ النَّهْيِ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاطِنِ مَمْنُوعٌ ؛ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَخْتَصُّ بِهَا بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ فِيهَا نَعَمْ هِيَ أَشَدُّ كَرَاهَةً .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَصًا ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ وَضَعَ سُتْرَةً فَأَزَالَتْهَا الرِّيحُ ، أَوْ غَيْرُهَا فَمَنْ عَلِمَ فَمُرُورُهُ كَهُوَ مَعَ وُجُودِ السُّتْرَةِ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ فَوَضَعَهَا شَخْصٌ آخَرُ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ ، فَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ نَظَرًا لِوُجُودِهَا لَا لِتَقْصِيرِ الْمُصَلِّي قش ع ( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى
تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ فَلَوْ عَدَلَ عَنْ رُتْبَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا إلَى مَا دُونَهَا لَمْ يَكْفِ ع .
وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا تَرْتِيبٌ فِي الْأَحَقِّيَّةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى إلَى الْخَطِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ حَرُمَ الْمُرُورُ وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ فِي أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْمِسْكِ ، وَالطِّيبِ ، وَالطِّينِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ تَرْتِيبُ أَوْلَوِيَّةٍ لَا تَرْتِيبُ أَحَقِّيَّةٍ ( قَوْلُهُ : طُولًا ) وَقِيلَ يُجْعَلُ مِثْلَ الْهِلَالِ وَقِيلَ يَمُدُّ يَمِينًا وَشِمَالًا قَالَ الْفَتَى : وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِجَمِيعِ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُخْتَصَرَاتِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ وَهُوَ امْتِنَاعُ مَنْ يَنْظُرُهُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي حَاصِلٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ، وَإِنْ مَدَّهُ طُولًا أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ ) ، وَهُوَ حَسَنٌ غ ( قَوْلُهُ : وَلِلْمُصَلِّي حِينَئِذٍ الدَّفْعُ ) يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَثُرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ع قَالَ الْأَصْحَابُ وَيَدْفَعُهُ بِيَدِهِ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي مَكَانِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْمَشْيِ أَشَدُّ مِنْ الْمُرُورِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ وُجُوبِ الدَّفْعِ إلَخْ ) جَوَابُهُ أَنَّ الْمُرُورَ مُخْتَلَفٌ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا يُنْكَرُ إلَّا الْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْإِنْكَارُ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى فَوَاتِ مَصْلَحَةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ أَدَّى إلَى فَوَاتِ مَصْلَحَةٍ ، أَوْ الْوُقُوعِ فِي مَفْسَدَةٍ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي مَوْضِعِهِ وَهَاهُنَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالدَّفْعِ لَفَاتَتْ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الْعَبَثِ فِيهَا وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَسْهَلِ ، فَالْأَسْهَلِ ، وَالْأَسْهَلُ هُوَ الْكَلَامُ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَلَمَّا انْتَفَى سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ بِالْفِعْلِ ، وَإِنَّ
النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَحَقُّقِ ارْتِكَابِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ لِلْإِثْمِ وَهَاهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ جَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا ، أَوْ أَعْمَى ، وَإِنَّ إزَالَةَ الْمُنْكَرِ إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ لَا يَزُولُ إلَّا بِالنَّهْيِ ، وَالْمُنْكَرُ هُنَا يَزُولُ بِانْقِضَاءِ مُرُورِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ وُجُوبِهِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَحَقُّقِ ارْتِكَابِ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ لِلْإِثْمِ وَهَاهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ جَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا ، أَوْ أَعْمَى قش ( قَوْلُهُ قَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ : إنَّهُ حَرَامٌ إلَخْ ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ ش ( قَوْلُهُ : كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ تَقْيِيدًا وَكَوْنُهُ وَجْهًا قَالَ شَيْخُنَا وَالثَّانِي أَوْجَهُ ( قَوْلُهُ : لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا ) مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ تَقْصِيرٌ بِأَنْ جَاءَ وَاحِدٌ بَعْدَ تَكْمِلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَجَذَبَ وَاحِدًا لِيَصْطَفَّ مَعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُمَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ ع ( قَوْلُهُ : وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
الشَّرْطُ ( الثَّامِنُ الْإِمْسَاكُ ) عَنْ الْمُفْطِرِ ، وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُشْعِرٌ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الصَّلَاةِ ( فَتَبْطُلُ بِإِدْخَالِ مُفْطِرٍ ) جَوْفَهُ ( وَلَوْ بِلَا مَضْغٍ كَسُكَّرَةٍ تَذُوبُ وَابْتِلَاعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَا إنْ جَرَى ) مَا بَيْنَهُمَا فَابْتَلَعَهُ ( بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ( وَلَوْ أَكَلَ كَثِيرًا ) عُرْفًا ( نَاسِيًا ) أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ ( أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ ) وَقَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ ذَاتُ أَفْعَالٍ مَنْظُومَةٍ ، وَالْفِعْلُ الْكَثِيرُ يَقْطَعُ نَظْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ كَفٌّ ؛ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَلَبِّسٌ بِهَيْئَةٍ يَبْعُدُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ أَمَّا الْقَلِيلُ فَلَا يُبْطِلُهَا ( وَالْمَضْغُ وَحْدَهُ ) فِي الصَّلَاةِ ( فِعْلٌ يُبْطِلُهَا كَثِيرُهُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ شَيْءٌ الْجَوْفَ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَضْغُ وَحْدَهُ فِعْلٌ يُبْطِلُهَا كَثِيرُهُ ) يَنْبَغِي أَنْ يُبْطِلَ عَمْدُهُ ، وَإِنْ قَلَّ ؛ لِأَنَّهُ لَعِبٌ ، وَاللَّعِبُ يُبْطِلُ قَلِيلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ .
( فَصْلٌ ) فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ .
( يُعَزَّرُ كَافِرٌ دَخَلَ مَسْجِدًا ) بِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ ( لَا مُصَلًّى ) غَيْرَ مَسْجِدٍ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ بِذَلِكَ إنْ دَخَلَهُ ( بِغَيْرِ إذْنِ مُسْلِمٍ ) إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَهُ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُلَوِّثَهُ وَيَسْتَهِينَ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مَا بُنِيَ لَهُ فَصَارَ مُخْتَصًّا بِالْمُسْلِمِينَ .
أَمَّا إذَا دَخَلَهُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ ثَقِيفٍ فَأَنْزَلَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا كَمَا أَفَادَهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي فُرُوقِهِ بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي الْكَافِرِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ عَدَمَ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَسَيَجِيءُ ) فِي الْجِزْيَةِ ( الْكَلَامُ ) عَلَى دُخُولِهِ ( فِي الْحَرَمِ ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ الشَّامِلِ لِمَسَاجِدِهَا ( ، فَإِنْ قَعَدَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ ( قَاضٍ لِلْحُكْمِ فَلِلذِّمِّيِّ ) وَنَحْوِهِ ( دُخُولُهُ لِلْمُحَاكَمَةِ ) بِغَيْرِ إذْنٍ وَيَنْزِلُ قُعُودُهُ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ لَهُ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ قُعُودُ الْمُفْتَى فِيهِ لِلِاسْتِفْتَاءِ كَذَلِكَ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْكَافِرُ ( جُنُبًا ) فَإِنَّ لَهُ بِمَا ذُكِرَ أَنْ يَدْخُلَهُ وَيَمْكُثَ فِيهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَدْخُلُونَ مَسْجِدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَمْكُثُونَ فِيهِ } وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِمْ الْجُنُبَ وَيُخَالِفُ الْمُسْلِمَ لِاعْتِقَادِهِ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ ( وَيُسْتَحَبُّ الْإِذْنُ لَهُ فِيهِ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ ) وَنَحْوِهِ كَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ رَجَاءَ إسْلَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ بِأَنْ كَانَ حَالُهُ يُشْعِرُ بِالِاسْتِهْزَاءِ ، أَوْ الْعِنَادِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ ، أَوْ عِلْمٍ
وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الدُّخُولِ لِذَلِكَ بِلَا إذْنٍ ( لَا أَكْلٍ وَنَوْمٍ ) فِيهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِذْنُ لَهُ فِي دُخُولِهِ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا بَلْ يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الْإِذْنِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْذَنَ لَهُ بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ قَالَ وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ الْفَارِقِيُّ مَا إذَا دَخَلَ لِتَعَلُّمِ الْحِسَابِ وَاللُّغَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ( وَيُمْنَعُ الصِّبْيَانُ ) غَيْرُ الْمُمَيِّزِينَ ، وَالْبَهَائِمُ ( وَالْمَجَانِينُ ، وَالسَّكْرَانُ دُخُولَهُ ) لِخَوْفِ تَلْوِيثِهِ ، وَكَذَا الْحَائِضُ وَنَحْوُهَا عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ ، وَالْمَنْعُ كَمَا يَكُونُ عَنْ الْمُحَرَّمِ يَكُونُ عَنْ الْمَكْرُوهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ وَاجِبًا وَفِي الثَّانِي مَنْدُوبًا ، وَالْمَذْكُورُونَ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لِلْمَسْجِدِ حَرُمَ تَمْكِينُهُمْ مِنْ دُخُولِهِ وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ وَذِكْرُ السَّكْرَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَصْلٌ ) فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ : يُعَزَّرُ كَافِرٌ إلَخْ ) إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ فَيُعْذَرُ ( قَوْلُهُ : أَمَّا إذَا دَخَلَهُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ إلَخْ ) أَيْ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ ، أَوْ الْحَدِيثِ ، أَوْ الْعِلْمِ قَالَ الرُّويَانِيُّ ، وَكَذَا لِحَاجَتِهِ إلَى مُسْلِمٍ أَوْ حَاجَةِ مُسْلِمٍ إلَيْهِ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ لَا لِأَكْلٍ وَلَا نَوْمٍ ( قَوْلُهُ : رَجَاءَ إسْلَامِهِ ) أَيْ لَا لِتَعَلُّمِ حِسَابٍ وَلُغَةٍ وَنَحْوِهِمَا ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَالْكَافِرَةُ الْحَائِضُ تُمْنَعُ حَيْثُ تُمْنَعُ الْمُسْلِمَةُ .
ا هـ .
هُوَ الْمَعْرُوفُ وَفِي أَوَائِلِ الْحَيْضِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي اللِّعَانِ خِلَافُهُ .
ا هـ .
لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ عِنْدَ عَدَمِ حَاجَتِهَا إلَى مُكْثِهَا فِيهِ وَمَحَلَّ تَمْكِينِهَا مِنْهُ عِنْدَ حَاجَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ إلَيْهِ كَلِعَانِهَا فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَيُمْنَعُ الصِّبْيَانُ إلَخْ ) أَفْتَى وَالِدُ النَّاشِرِيِّ بِأَنَّ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ أَمْرٌ حَسَنٌ ، وَالصِّبْيَانُ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْآنَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ دُخُولِ الصِّبْيَانِ الْمَسْجِدَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُخْتَصٌّ بِمَنْ لَا يُمَيِّزُ لَا طَاعَةَ فِيهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَأَجْرُ التَّعْلِيمِ قَدْ يَزِيدُ عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِكَرَاهَةِ الدُّخُولِ ، وَالْحَاجَةُ قَدْ تَدْفَعُ الْكَرَاهَةَ كَالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ لِلْحَاجَةِ .
( وَيُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ وَاِتِّخَاذُ الشُّرَافَاتِ لَهُ ) لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ وَلِئَلَّا يَشْغَلَ قَلْبَ الْمُصَلِّي بَلْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَيْعِ مَا وُقِفَ عَلَى عِمَارَتِهِ فَحَرَامٌ ( وَ ) يُكْرَهُ ( دُخُولُهُ ) بِلَا ضَرُورَةٍ ( لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ ( وَنَحْوَهُ ) مِمَّا لَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ وَبَقِيَ رِيحُهُ لِخَبَرِ { مَنْ أَكَلَ ثُومًا ، أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { مَنْ أَكَلَ الثُّومَ ، وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا تَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ } ( وَ ) يُكْرَهُ ( حَفْرُ بِئْرٍ وَغَرْسُ شَجَرٍ فِيهِ ) بَلْ إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ حَرُمَ ( فَيُزِيلُهُ الْإِمَامُ ) لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ هَذَا ، وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي غَرْسِ الشَّجَرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ ، وَالتَّضْيِيقِ وَجَلْبِ النَّجَاسَاتِ مِنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ ، وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ قَطْعُ الْعِرَاقِيِّينَ بِمَنْعِ الزَّرْعِ ، وَالْغَرْسِ فِيهِ وَقَالَ فِي الْحَفْرِ فِيهِ الْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ وَلَعَلَّ مَنْ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ أَرَادَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِغَرْسِ الشَّجَرَةِ ( وَكَذَا ) يُكْرَهُ ( عَمَلُ صِنَاعَةٍ فِيهِ ) إنْ كَثُرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الِاعْتِكَافِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ خَسِيسَةً تُزْرِي بِالْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ حَانُوتًا يَقْصِدُ فِيهِ بِالْعَمَلِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ حَفْرُ بِئْرٍ ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا حُفِرَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَمَّا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ الْخَاصَّةِ فَيَحْرُمُ قَطْعًا وَفِي إطْلَاقِهِ حَفْرَ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ نَظَرٌ ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزِّيِّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنْ يَكُونَ الْحَفْرُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ إمَّا لَسَعَةِ الْمَسْجِدِ ، أَوْ نَحْوِهَا وَأَنْ لَا يُشَوِّشَ الدَّاخِلُونَ إلَى الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ الِاسْتِقَاءِ عَلَى الْمُصَلِّي وَنَحْوِهِ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ لِلْمَسْجِدِ ضَرَرٌ قش ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ تَضْعِيفُهُ وَظُهُورُهُ مِنْ حَيْثُ الْإِزْرَاءُ أَمَّا مِنْ حَيْثُ اتِّخَاذُهُ حَانُوتًا فَهُوَ رَأْيٌ لِلْغَزَالِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ شَرْطُ إبَاحَتِهِ الْقِلَّةُ فَإِنْ كَثُرَ صَارَ صَغِيرَةً وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ ، وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَتِنَا الْكَرَاهَةُ فَقَطْ .
( وَبُصَاقٌ فِيهِ خَطِيئَةٌ ) أَيْ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالتَّحْقِيقِ ( كَفَّارَتُهَا دَفْنُهُ ) وَلَوْ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا } ( وَالْأَوْلَى مَسْحُهُ بِيَدٍ وَنَحْوِهَا ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ يُذْهِبُهُ ، وَالدَّفْنَ يُبْقِيه ، وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ فِيهِ بَصَقَ فِي جَانِبِ ثَوْبِهِ الْأَيْسَرِ أَوْ خَارِجَهُ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ فِي ثَوْبِهِ ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ ، أَوْ بِجَنْبِهِ وَأَوْلَاهُ فِي ثَوْبِهِ وَيَدْلُكُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ وَيُكْرَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمَامِهِ وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا ، أَوْ نَحْوَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ بِدَفْنِهِ ، أَوْ رَفْعِهِ ، أَوْ إخْرَاجِهِ وَأَنْ يُطَيِّبَ مَحَلَّهُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ .
( قَوْلُهُ : وَبُصَاقٌ فِيهِ خَطِيئَةٌ ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ خَارِجَهُ ( قَوْلُهُ : ، وَالْأَوْلَى مَسْحُهُ بِيَدٍ وَنَحْوِهَا ) وَيَجِبُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْنُهُ لِتَرْخِيمِ أَرْضِهِ ، أَوْ نَحْوِهِ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ عَنْ يَمِينِهِ ) يُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ الْبُصَاقِ عَنْ يَمِينِهِ مَا إذَا كَانَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ بُصَاقَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ د ( تَنْبِيهٌ ) وَلَوْ بَصَقَ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ مِنْ تُرَابِهِ فَهُوَ خَطِيئَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقُمَامَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ بَلْ لَوْ افْتَصَدَ عَلَى تِلْكَ الْقُمَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْتَنِعَ إذَا كَانَتْ كَثِيفَةً بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَسْجِدِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَصْدِ أَنَّهُ تَبْقَى إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةً وَلَا يُسَامَحُ بِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْقُمَامَاتِ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ إزَالَةً لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَجَّ مَاءٍ الْمَضْمَضَةِ مُخْتَلِطًا بِبُصَاقٍ لَا يَظْهَرُ أَنَّهُ خَطِيئَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَيْسَ فِيهِ تَنْقِيصٌ لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ ، وَقَدْ يُضْطَرُّ إلَى هَذَا الْمَجِّ لِكَوْنِهِ صَائِمًا وَلَا يُمْكِنُهُ ابْتِلَاعُهُ وَلَا يَجِدُ إنَاءً يَمُجُّهُ فِيهِ فَلَا مُضَايَقَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ .
( وَلَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِهِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ ) أَيْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً لَهُ وَحِفْظًا لِمَا فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَا إذَا خِيفَ امْتِهَانُهُ وَضَيَاعُ مَا فِيهِ وَلَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى فَتْحِهِ وَإِلَّا ، فَالسُّنَّةُ عَدَمُ إغْلَاقِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ مُسَبَّلٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ غَلْقُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْ الشُّرْبِ ( وَلَا ) بَأْسَ ( بِالنَّوْمِ ، وَالْوُضُوءِ ، وَالْأَكْلِ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا ( النَّاسُ ) وَتَقْيِيدُ مَسْأَلَةِ النَّوْمِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهِيَ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهُ قَدَّمَهَا فِي بَابِ الْغُسْلِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَلَا يُخَالِفُ حُكْمُ الْوُضُوءِ فِيهِ عَدَمَ جَوَازِ نَضْحِهِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِكَافِ ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ بِالْمُسْتَعْمَلِ ؛ وَلِأَنَّ تَلْوِيثَهُ يَحْصُلُ فِي الْوُضُوءِ ضِمْنًا بِخِلَافِهِ فِي النَّضْحِ ، وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ مَقْصُودًا وَلَا يَجُوزُ قَصْدُ الْمَسْجِدِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُسْتَقْذَرَةِ فَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَاءَهُ مُسْتَعْمَلٌ مَمْنُوعٌ .
( قَوْلُهُ : ، وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَيُقَدِّمُ ) رِجْلَهُ ( الْيُمْنَى دُخُولًا وَالْيُسْرَى خُرُوجًا ) لِلِاتِّبَاعِ ؛ وَلِأَنَّ فِي الدُّخُولِ شَرَفًا وَفِي الْخُرُوجِ خِسَّةً ( وَيَأْتِي ) فِيهِمَا ( بِالدَّعَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ ) ، وَهِيَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك ، ثُمَّ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ ، وَكَذَا يَقُولُ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ أَبْوَابَ فَضْلِك قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك } ( وَلِحَائِطِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ مِنْ خَارِجِهِ ( مِثْلُ حُرْمَتِهِ ) فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بُصَاقٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتُكْرَهُ الْخُصُومَةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ وَنَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِي السَّائِلُ فِيهِ شَيْئًا وَلَا بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِيهِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ ، أَوْ لِلْإِسْلَامِ ، أَوْ كَانَ حِكْمَةً أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِهَا
( الْبَابُ السَّادِسُ فِي السَّجَدَاتِ ) الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ .
( وَهِيَ ثَلَاثٌ الْأُولَى سُجُودُ السَّهْوِ ) قَدَّمَهُ عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ وَقَدَّمَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ عَلَى سُجُودِ الشُّكْرِ لِكَوْنِهِ يُفْعَلُ فِيهَا وَخَارِجَهَا وَسُجُودُ الشُّكْرِ لَا يُفْعَلُ إلَّا خَارِجَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ لَيْسَ وَاجِبًا كَمُبْدَلِهِ ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بَلْ ( سُنَّةٌ ) فِي الْفَرْضِ ، وَالنَّفَلِ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُلْقِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ ، وَالسَّجْدَتَانِ نَافِلَةً لَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِلصَّلَاةِ ، وَالسَّجْدَتَانِ يُرْغِمَانِ أَنْفَ الشَّيْطَانِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَثَبَتَ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ سُنَّةٌ ( يَقْتَضِيهِ شَيْئَانِ الْأَوَّلُ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ ) مِنْ الْأَبْعَاضِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَ أَحَدَهَا ( وَلَوْ عَمْدًا جَبَرَهُ بِالسُّجُودِ ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ ثَمَّ ( وَلَا يَسْجُدُ لِبَاقِي السُّنَنِ ) أَيْ لِتَرْكِهِ كَتَرْكِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ ، وَالسُّجُودِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا نُقِلَ إذْ الْقُنُوتُ مَثَلًا ذِكْرٌ مَقْصُودٌ إذْ شُرِعَ لَهُ مَحَلٌّ خَاصٌّ بِخِلَافِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا كَالْمُقَدِّمَةِ لِبَعْضِ الْأَرْكَانِ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ، أَوْ التَّابِعِ كَالسُّورَةِ ، فَإِنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ مِنْهَا ظَانًّا جَوَازَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا لِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ( أَمَّا الْأَرْكَانُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهَا ) ، وَقَدْ يُشْرَعُ مَعَ تَدَارُكِهَا السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ
رُكْنٍ ، وَقَدْ لَا يُشْرَعُ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ زِيَادَةٌ كَمَا لَوْ تَرَكَ السَّلَامَ ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ ( الثَّانِي فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ) فِيهَا وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا ( فَكُلُّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ إنْ لَمْ يُبْطِلْهَا ) سَهْوُهُ ( فَيَسْجُدُ السَّاهِي بِزِيَادَةِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ وَكَلَامٍ قَلِيلٍ وَنَحْوِهِ ) كَأَكْلٍ قَلِيلٍ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يُبْطِلُ سَهْوُهُ أَيْضًا كَكَلَامٍ كَثِيرٍ وَحَدَثٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَبِخِلَافِ سَهْوِ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ كَالِالْتِفَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ ( إلَّا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ وَرَخَّصَ فِيهِ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَسْجُدْ وَلَا أَمَرَ بِهِ ، وَكَمَا لَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ لَا يُسْجَدُ لِعَمْدِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ ، وَالْمَجْمُوعِ ( فَرْعٌ الِاعْتِدَالُ رُكْنٌ قَصِيرٌ ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ وَإِلَّا لَشُرِعَ فِيهِمَا ذِكْرٌ وَاجِبٌ لِيَتَمَيَّزَا بِهِ عَنْ الْعَادَةِ كَالْقِيَامِ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا ، لَكِنَّهُمَا قَالَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ : وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَمَالَ الْإِمَامُ إلَى الْجَزْمِ بِهِ وَصَحَّحَهُ ، ثَمَّ فِي التَّحْقِيقِ ، وَالْمَجْمُوعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَيْثُ قِيلَ إنَّهُ مَقْصُودٌ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ وَوُجُودِ صُورَتِهِ وَحَيْثُ قِيلَ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُطَوَّلُ ( وَتَطْوِيلُهُمَا عَمْدًا ) بِسُكُوتٍ أَوْ ذِكْرٍ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِمَا ( يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ) كَمَا لَوْ قَصَّرَ الطَّوِيلَ فَلَمْ يُتِمَّ الْوَاجِبَ قَالَ الْإِمَامُ ؛ وَلِأَنَّ تَطْوِيلَهُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ ( لَا
تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ بِقُنُوتٍ فِي مَوْضِعِهِ وَتَسْبِيحٍ ) أَيْ وَلَا بِتَسْبِيحٍ ( فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ ) الْآتِي بَيَانُهَا فِي الْبَابِ الْآتِي فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِوُرُودِهِ ( وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ ) مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ ( جَوَازَ تَطْوِيلِ كُلِّ اعْتِدَالٍ بِذِكْرٍ غَيْرِ رُكْنٍ ) بِخِلَافِ تَطْوِيلِهِ بِرُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ ، وَالتَّشَهُّدِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَكَانَ يَنْبَغِي طَرْدُ اخْتِيَارِهِ فِي الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ إطَالَتِهِ بِالذِّكْرِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ عَلَى أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ هُنَا صَحَّ أَنَّهُ رُكْنٌ طَوِيلٌ وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَوَافَقَ فِي التَّحْقِيقِ ، وَالْمَجْمُوعِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ قَصِيرٌ وَمِقْدَارُ التَّطْوِيلِ كَمَا نَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنْ يُلْحَقَ الِاعْتِدَالُ بِالْقِيَامِ ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ ، وَالْمُرَادُ قِرَاءَةُ الْوَاجِبِ فَقَطْ لَا قِرَاءَتُهُ مَعَ الْمَنْدُوبِ ، ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ جَوَازِ تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ ( وَيَسْجُدُ السَّاهِي بِتَطْوِيلِهِمَا ) أَيْ الِاعْتِدَالِ ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ أَمْ لَا ؟ فَهِيَ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ ( وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا ) كَفَاتِحَةٍ وَتَشَهُّدٍ ، أَوْ بَعْضِهِمَا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ ( سَجَدَ لِلسَّهْوِ ) وَلِلْعَمْدِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ مُؤَكَّدًا كَتَأْكِيدِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا مِمَّا قُلْنَا آنِفًا وَيُضَمُّ إلَيْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ
لَمْ يُحْسَبْ بَلْ يُعِيدُهُ فِي اعْتِدَالِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِأُخْرَى ثَلَاثًا ، أَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً سَجَدَ بِالْأَخِيرَةِ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَمَا لَوْ قَرَأَ سُورَةً غَيْرَ الْفَاتِحَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُهُ السُّجُودُ لِلتَّسْبِيحِ فِي الْقِيَامِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدَانَ نَعَم لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَسْجُدْ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّهَا فِي الْجُمْلَةِ وَمَا اسْتَثْنَاهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ قُعُودًا قَصِيرًا بِأَنْ هَوَى لِلسُّجُودِ فَقَعَدَ قَبْلَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ الْآتِي فِي فَرْعِ لَوْ تَشَهَّدَ ( وَلَمْ تَبْطُلْ ) صَلَاتُهُ بِنَقْلِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ بِخِلَافِ نَقْلِ الْفِعْلِيِّ ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْفِعْلِيِّ يُغَيِّرُ هَيْئَتَهَا بِخِلَافِ نَقْلِ الْقَوْلِيِّ ( إلَّا بِنَقْلِ السَّلَامِ عَامِدًا ) فَتَبْطُلُ ، وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي مَحَلِّهَا وَذَكَرَ مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا .
( الْبَابُ السَّادِسُ فِي السَّجَدَاتِ ) .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ سُنَّةٌ ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ ( قَوْلُهُ : لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْمَسْنُونِ دُونَ الْمَفْرُوضِ ، وَالْبَدَلُ إمَّا كَمُبْدَلِهِ ، أَوْ أَخَفَّ ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ } ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَيُعَضِّدُهُ جُبْرَانُ الْحَجِّ قِيلَ : صَرَفَنَا عَنْ ظَاهِرِ الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخَبَرِ وَإِنَّمَا وَجَبَ جُبْرَانُ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ وَاجِبٍ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ ( قَوْلُهُ : إلَّا لِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ ) مِثْلُهُ النَّاسِي ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِفُ مَشْرُوعِيَّةَ سُجُودِ السَّهْوِ وَلَا يَعْرِفُ مُقْتَضِيَهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ بِالشَّكِّ إلَخْ ) فَإِنَّ سَبَبَ سُجُودِهِ تَرَدُّدُهُ فِي أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمَفْعُولَةَ زَائِدَةٌ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَبِذَلِكَ عُلِمَ جَوَابُ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ بِقَوْلِهِ أَهْمَلَا سَبَبًا ثَالِثًا وَهُوَ إيقَاعُ بَعْضِ الْفُرُوضِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِهِ ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا ( قَوْلُهُ : فَكَانَ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ ) كَأَنْ زَادَ الْقَاصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ سَهْوًا وَكَتَبَ أَيْضًا وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَظُنُّ أَنَّهُ الثَّانِي فَقَالَ نَاسِيًا السَّلَامُ فَقَبْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ تَنَبَّهَ فَقَامَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَنَوَى بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ ، لَكِنَّ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ خِطَابٌ ، وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَظْهَرُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِذَلِكَ حَالَ
السَّهْوِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ ذَلِكَ ش ( قَوْلُهُ : وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حَيْثُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أُرِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ بِأَنْ لَا يَأْتِيَ فِيهِ بِصَارِفٍ يَصْرِفُهُ عَمَّا أَتَى بِهِ لَهُ قَوْلُهُ : كَفَاتِحَةٍ وَتَشَهُّدٍ ، أَوْ بَعْضِهِمَا إلَخْ ) لَوْ قَنَتَ فِي وِتْرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ سَجَدَ ( فَرْعٌ ) لَوْ قَنَتَ فِي غَيْرِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ يَبْطُلْ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقِيَاسُهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ إلَخْ ) ، وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ نَاسِيًا أَوْ شَكَّ فِيهِ فَأَعَادَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ .
( فَصْلٌ ) تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ وَاجِبٌ فَلَوْ ( تَرَكَ رُكْنًا ) عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، أَوْ ( سَاهِيًا ) وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُومٍ ( عَادَ إلَيْهِ إنْ تَذَكَّرَ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَتْرُوكِ فَتَتِمَّ بِهِ الرَّكْعَةُ الْمُخْتَلَّةُ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ) لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مَعَ إيهَامِهِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ مَا يَأْتِي فَكَانَ الْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْأَصْلِ لَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ ، أَوْ بَعْدَهُ تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ هَذَا إنْ عَلِمَ عَيْنَهُ وَمَكَانَهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَسْوَإِ وَبَنَى وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا إذَا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْجَهْلِ فَقَالَ ( وَإِنْ جَهِلَ عَيْنَهُ وَأَمْكَنَ ) بِأَنْ جَوَّزَ ( أَنَّهُ النِّيَّةُ ، أَوْ التَّكْبِيرُ ) لِلْإِحْرَامِ ( أَعَادَ ) أَيْ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ لِشَكِّهِ فِي انْعِقَادِهَا ( وَإِنْ كَانَ هُوَ ) أَيْ الْمَتْرُوكُ سَهْوًا ( السَّلَامَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ سَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِالسَّلَامِ ، وَكَذَا إنْ طَالَ الْفَصْلُ فِيمَا يَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ سُكُوتٌ طَوِيلٌ وَتَعَمُّدُ طُولِ السُّكُوتِ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ أَمَّا لَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى ، ثُمَّ شَكَّ فِي الْأُولَى أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهَا لَمْ يُحْسَبْ سَلَامُهُ عَنْ فَرْضِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى اعْتِقَادِ النَّفْلِ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ وَجْهُهُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا ( أَوْ لَمْ يُمْكِنْ ) بِأَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ( أَنَّهُ النِّيَّةُ ) ، أَوْ تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ ( وَجَهِلَ ) مَكَانَهُ ( أَخَذَ بِالْأَسْوَإِ وَبَنَى ) عَلَى مَا فَعَلَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَقَوْلُهُ وَجَهِلَ إنْ أَرَادَ
بِهِ جَهِلَ عَيْنَهُ فَتَكْرَارٌ أَوْ جَهِلَ مَكَانَهُ كَمَا قُلْنَا فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَعَ جَهْلِ عَيْنِهِ أَيْضًا ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَ الْقِيَامِ ) مِنْ رَكْعَةٍ ( أَنَّهُ تَرَكَ ) مِنْهَا ( السَّجْدَةَ مَعَ الْجُلُوسِ ) ، أَوْ شَكَّ فِيهِمَا ( لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ مُطْمَئِنًّا ، ثُمَّ يَسْجُدَ ) تَدَارُكًا لِمَا فَاتَهُ وَلَا يُجْزِئُ قِيَامُهُ عَنْ الْجُلُوسِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ ( فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَى بِهِ ) أَيْ بِالْجُلُوسِ ( وَلَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ سَجَدَ مِنْ قِيَامٍ وَإِجْزَاءُ ) الْجُلُوسِ ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الِاسْتِرَاحَةَ ( كَتَشَهُّدٍ أَخِيرٍ ظَنَّهُ الْأَوَّلَ ) وَكَغَسْلِ اللُّمْعَةِ الْمَتْرُوكَةِ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ ، أَوْ الثَّالِثَةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَضِيَّةَ نِيَّتِهِ السَّابِقَةِ أَنْ لَا تَكُونَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ إلَّا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ .
( قَوْلُهُ : عَادَ إلَيْهِ ) لَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فِي السُّجُودِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مِنْهُ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا عَلَى الْأَصَحِّ ع ( قَوْلُهُ لَا يَخْفَى ) مَا فِي كَلَامِهِ هُوَ شُمُولُ قَوْلِهِ أَوْ سَاهِيًا عَادَ إلَيْهِ إنْ تَذَكَّرَ لِمَا إذَا تَذَكَّرَ مَا بَعْدَ فِعْلِهِ مِثْلَهُ ( قَوْلُهُ : بِغَيْرِ مَا يَأْتِي ) هُوَ قَوْلُهُ ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ أَنَّهُ النِّيَّةُ وَجَهِلَ أَخَذَ بِالْأَسْوَإِ وَبَنَى ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ طَالَ الْفَصْلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَذَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِ نَظَرٌ ) يُعْلَمُ وَجْهُهُ مِمَّا يَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي وَاضِحٌ وَهُوَ عَدَمُ شُمُولِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ لِلتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فَإِنَّ لِتَأَدِّي الْفَرْضِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ ضَابِطًا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ قَدْ سَبَقَتْ نِيَّةٌ تَشْمَلُ الْفَرْضَ ، وَالنَّفَلَ مَعًا ثُمَّ يَأْتِي بِفَرْضٍ مِنْ تِلْكَ الْعِبَادَةِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَيُصَادِفُ بَقَاءَ الْفَرْضِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ مُرَادًا ) حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ ) لَوْ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَجَلَسَ بِقَصْدِ الْقِيَامِ ، ثُمَّ تَذَكَّر ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ هَذَا الْجُلُوسَ يُجْزِئُهُ .
( وَلَا تَقُومُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَنَحْوِهَا ) كَسَجْدَةِ سَهْوٍ أَوْ سَجْدَةِ شُكْرٍ فَعَلَهَا نَاسِيًا ( مَقَامَ السُّجُودِ ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا بِخِلَافِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِيمَا مَرَّ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا ) ؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ ، أَوْ السَّهْوِ وَنَحْوَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ سُجُودِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رَاتِبًا فِيهَا فَلَمْ يَنُبْ عَمَّا هُوَ رَاتِبٌ فِيهَا بِخِلَافِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ؛ وَلِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِي مَوْضِعِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْمَتْرُوكِ فَوَقَعَتْ عَنْهُ .
( وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ) تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى ( فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ جُلُوسٌ ) وَلَوْ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ ( تَمَّتْ بِهَا ) أَيْ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ ( رَكْعَتُهُ ) الْأُولَى ( وَلَغَا مَا بَيْنَهُمَا ) لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ جُلُوسٌ ( فَتَمَامُهَا ) أَيْ رَكْعَتِهِ الْأُولَى ( بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ، وَكَذَا ) الْحُكْمُ ( فِي ) تَرْكِ ( سَجْدَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَذَكَّرَ مَكَانَهُمَا أَوْ مَكَانَهَا ) ، ( فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ جُلُوسٌ ) فِيمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ السَّابِقَةُ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَبِالثَّانِيَةِ ( فَإِنْ جَهِلَهُ ) أَيْ مَكَانَ الْمَتْرُوكِ ( أَوْ شَكَّ فِيهِ لَزِمَهُ لِتَرْكِ سَجْدَةِ رَكْعَةٍ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ( وَلِسَجْدَتَيْنِ ) أَيْ لِتَرْكِهِمَا ( وَ ) لِتَرْكِ ( ثَلَاثٍ ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ( رَكْعَتَانِ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّجْدَتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأُولَى وَوَاحِدَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ وَأَنْ تَكُونَ الثَّلَاثُ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَانِ مِنْ الثَّالِثَةِ ( وَلِتَرْكِ أَرْبَعٍ ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ( سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ ) لِاحْتِمَالِ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لَمْ يَتَّصِلَا بِهَا كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ ، فَالْحَاصِلُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً إذْ الْأُولَى تَتِمُّ بِالثَّالِثَةِ ، وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً فَيُتِمُّهَا وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَتَا بِهَا كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ إلَّا رَكْعَتَانِ ( وَلِخَمْسٍ ) أَيْ لِتَرْكِهَا ( وَ ) لِتَرْكِ ( سِتٍّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ ) إذْ الْحَاصِلُ لَهُ فِي تَرْكِ السِّتِّ رَكْعَةٌ وَأَمَّا فِي تَرْكِ الْخَمْسِ فَلِاحْتِمَالِ تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ
الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ ( وَلِسَبْعٍ ) أَيْ لِتَرْكِهَا ( سَجْدَةٌ وَثَلَاثٌ ) مِنْ الرَّكَعَاتِ إذْ الْحَاصِلُ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً ( وَلِثَمَانٍ ) أَيْ لِتَرْكِهَا ( سَجْدَتَانِ وَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ ) وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ ذَلِكَ بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ، وَالتَّذَكُّرُ بَعْدَ السَّلَامِ كَقَبْلِهِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ كَمَا سَيَأْتِي ( قُلْت ذَكَرَ بَعْضُهُمْ ) كَالْأُصْفُونِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ ( اعْتِرَاضًا عَلَى الْجُمْهُورِ فَقَالَ يَلْزَمُ بِتَرْكِ ثَلَاثٍ ) مِنْ السَّجَدَاتِ ( سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ ؛ لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الثَّانِيَةِ ( جَبْرُ الْجُلُوسِ ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ( لَا ) جَبْرُ ( السُّجُودِ ) إذْ لَا جُلُوسَ مَحْسُوبٌ فِي الْأُولَى ( فَتَكْمُلُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّالِثَةِ وَتَفْسُدُ الثَّانِيَةُ وَتُجْعَلُ السَّجْدَةُ الثَّالِثَةُ ) مَتْرُوكَةً ( مِنْ الرَّابِعَةِ فَيَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ سَجَدَ ) نَاسِيًا ، أَوْ جَاهِلًا ( عَلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ كَوْرِ عِمَامَتِهِ ، أَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ ) أَوْ الْتَصَقَتْ وَرَقَةٌ بِجَبْهَتِهِ وَعَلَّلَ لُزُومَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى ) فِي الْأُولَى ( بِجُلُوسٍ غَيْرِ مَحْسُوبٍ وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا ) الِاعْتِرَاضِ ( وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَخَمْسٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ) يُحْتَمَلُ ( أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَحْصُلُ مِنْهَا رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً وَ ) أَنَّهُ تَرَكَ ( ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا تَتِمُّ الرَّكْعَةُ إلَّا بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهَا ) أَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا سِوَاهَا ( وَ ) يَلْزَمُهُ ( فِي ) تَرْكِ ( السِّتِّ ، وَالسَّبْعِ ثَلَاثٌ وَسَجْدَةٌ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ) يُحْتَمَلُ ( أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الْأُولَى ،
وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ ) وَأُجِيبَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ خِلَافُ فَرْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ فَرَضُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْجَلَسَاتِ أَيْ الْمَحْسُوبَاتِ وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ أَنَّ لَهُ رَجَزًا فِي الْفِقْهِ وَفِيهِ اعْتِمَادُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ، وَأَنَّ وَالِدَهُ وَقَفَ عَلَيْهِ فَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ مِنْ رَأْسِ الْقَلَمِ لَكِنَّهُ مَعْ حُسْنِهِ لَا يَرِدُ إذْ الْكَلَامُ فِي الَّذِي لَا يُفْقَدُ إلَّا السُّجُودَ فَإِذَا مَا انْضَمَّ لَهْ تَرْكُ الْجُلُوسِ فَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ وَإِنَّمَا السَّجْدَةُ لِلْجُلُوسِ وَذَاكَ مِثْلُ الْوَاضِحِ الْمَحْسُوسِ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْخَمْسَ سَجَدَاتٍ ، وَالسَّبْعَ فِيمَا فَرَّعَهُ عَلَى الِاعْتِرَاضِ غَيْرُ حَسَنٍ ؛ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِمَا لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا .
( قَوْلُهُ : وَلِسَبْعٍ سَجْدَةٌ وَثَلَاثٌ مِنْ الرَّكَعَاتِ ) ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَجُلُوسَيْنِ ؛ لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ تَكُونَ السَّجَدَاتُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، وَالْجِلْسَتَانِ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ ، أَوْ عَكْسُهُ ( قَوْلُهُ : وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ إلَخْ ) قَالَ فِي التَّوْشِيحِ ، وَقَدْ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي الِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارِمِيِّ فَقَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ إلَّا سَجْدَةً ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ كَمَا مَضَى وَهُوَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ لَيْسَ الْجُلُوسُ مَقْصُودًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَجْدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ فِي شَيْءٍ مِنْ الرَّكَعَاتِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالرَّكْعَتَيْنِ ، وَإِنْ تَرَكَ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ إنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الَّذِي يَكْتَفِي بِالْقِيَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَهَذَا عَيْنُ مَا اسْتَدْرَكَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَظَهَرَ صِحَّةُ الِاسْتِدْرَاكِ وَأَنَّهُ مَنْقُولٌ انْتَهَى قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ الدَّارِمِيِّ غَيْرُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الدَّارِمِيِّ فِيمَا إذَا تَرَكَ بَعْضَ السَّجَدَاتِ ، وَالْجُلُوسَ بَيْنَ بَعْضِ السَّجَدَاتِ أَيْضًا وَهَذَا التَّصْوِيرُ قَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ بِقَوْلِهِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ تَصْوِيرُهُمْ تَرْكَ الْجِلْسَاتِ مَعَ بَعْضِ السَّجَدَاتِ وَكَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْجُلُوسِ فِي الْبَعْضِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَامَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ ) الْأَوَّلِ ( نَاسِيًا فَلَهُ الْعَوْدُ ) إلَيْهِ .
عِبَارَةُ الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَالْأَصْحَابِ تَقْتَضِي طَلَبَ الْعَوْدِ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ يَرْجِعُ إلَيْهِ ( مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ ( فَإِنْ عَادَ ) إلَيْهِ ( وَهُوَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ ) مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ ( سَجَدَ لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ ) أَيْ النُّهُوضَ مَعَ الْعَوْدِ ( عَامِدًا ) عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) ، فَالسُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مَعَ الْعَوْدِ لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مَرْدُودٌ .
وَشُمُولُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَامِدًا لِلْعَوْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ ، أَوْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ ، فَلَا يَسْجُدُ ؛ لِقِلَّةِ مَا فَعَلَهُ حِينَئِذٍ ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَطْلَقَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى ( وَإِنْ انْتَصَبَ ) قَائِمًا ( لَمْ يَعُدْ ) لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ ( فَإِنْ عَادَ عَالِمًا ) بِالتَّحْرِيمِ ( عَامِدًا بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِزِيَادَتِهِ رُكْنًا عَمْدًا ( لَا ) إنْ عَادَ ( جَاهِلًا ) فَلَا تَبْطُلُ ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ تَعَلُّمِهِ ( وَ ) لَا إنْ عَادَ ( نَاسِيًا ) فَلَا تَبْطُلُ ( لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إنْ ذَكَرَ ) أَيْ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَيَسْجُدَ فِيهِمَا لِلسَّهْوِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
قَوْلُهُ : مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ ، وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ
( وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ وَتَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ لِلتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ وَفَارَقَ مَا لَوْ قَامَ هُوَ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ اشْتَغَلَ بِفَرْضٍ وَفِي هَذِهِ بِسُنَّةٍ ، فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِيَقْنُتَ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى قُلْت فِي تِلْكَ لَمْ يُحْدِثْ فِي تَخَلُّفِهِ وُقُوفًا ، وَهُنَا أَحْدَثَ فِيهِ جُلُوسًا نَعَمْ إنْ جَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لَهُ التَّخَلُّفَ لِيَتَشَهَّدَ إذَا لَحِقَهُ فِي قِيَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُحْدِثْ جُلُوسًا ، فَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ إمَامُهُ ( وَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ ) لِيَتَشَهَّدَ فَلَا تَبْطُلُ ( وَذَلِكَ ) أَيْ التَّخَلُّفُ لِلتَّشَهُّدِ ( عُذْرٌ ) فِي عَدَمِ بُطْلَانِهَا وَفِي الْمُفَارَقَةِ ( فَإِنْ انْتَصَبَا مَعًا ، أَوْ انْتَصَبَ الْإِمَامُ ) وَحْدَهُ ( ثُمَّ عَادَ ) فِيهِمَا ( لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ ) بِأَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الْأُولَى قَائِمًا وَيَقُومَ فِي الثَّانِيَةِ لِوُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ فِيهَا بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَإِمَامُهُ إمَّا مُخْطِئٌ بِالْعَوْدِ فَلَا يُوَافِقُهُ فِي الْخَطَإِ ، أَوْ عَامِدٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ ( وَلَهُ ) فِيهِمَا ( مُفَارَقَتُهُ وَلَوْ انْتَظَرَهُ قَائِمًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ عَادَ نَاسِيًا جَازَ ) ، لَكِنَّ الْمُفَارَقَةَ أَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ وَلَوْ قَالَ وَانْتِظَارُهُ بَدَلَ وَلَوْ انْتَظَرَهُ وَحَذَفَ جَازَ كَفَى ، لَكِنْ تَفُوتُهُ هَذِهِ الْإِشَارَةُ ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ مَعَ الْحُكْمِ الَّذِي عَقَبَهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَإِنْ عَادَ مَعَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) أَوْ نَاسِيًا ، أَوْ جَاهِلًا فَلَا ( وَلَوْ انْتَصَبَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْعَوْدُ ) لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ ( وَإِنْ ) الْأَوْلَى : فَإِنْ ( لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) لِمُخَالَفَةِ الْوَاجِبِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قَامَ إمَامُهُ لَمْ
يَعُدْ وَلَمْ تُحْسَبْ قِرَاءَتُهُ كَمَسْبُوقٍ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ سَلَامَ إمَامِهِ فَقَامَ وَأَتَى بِمَا فَاتَهُ ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَا يُحْسَبُ لَهُ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ ( أَوْ ) انْتَصَبَ وَحْدَهُ ( عَامِدًا ، فَالْعَوْدُ حَرَامٌ ) كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ ( مُبْطِلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا عَمْدًا كَذَا ( قَالَهُ الْإِمَامُ وَخُولِفَ ) بِكَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّهُمْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ اسْتَحَبُّوا الْعَوْدَ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْمَقِيسِ وَرَجَّحَهُ فِيهِ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ ، وَهُوَ الْقِيَامُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي ، فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ ، وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا ( وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ نَاسِيًا تَخَيَّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ ، وَالِانْتِظَارِ ) وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِيمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا بِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ثَمَّ ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ فَرْقِ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقِ ثَمَّ عَكْسُ مَا هُنَا .
مَعَ أَنَّ فَرْقَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ ( وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ( فَقَرَأَ ) أَيْ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ ( لِلثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ ) إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ( وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ ، وَهُوَ ذَاكِرٌ ) أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ ( عَادَ ) جَوَازًا إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ .
( قَوْلُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ) ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لِلتَّشَهُّدِ تَخَلُّفٌ عَنْ وَاجِبَيْنِ أَحَدُهُمَا فَرْضُ الْقِيَامِ ، وَالْآخَرُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَأَيْضًا الْمُبَادَرَةُ إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ لَيْسَتْ مُخَالَفَتُهَا فَاحِشَةً كَفُحْشِ التَّخَلُّفِ ( قَوْلُهُ قُلْت فِي تِلْكَ لَمْ يَحْدُثْ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا انْتَهَضَ عَنْ السُّجُودِ قَائِمًا ، وَالْمَأْمُومُ رَفَعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فَكَأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَأَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَلِهَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْقُنُوتِ ؛ وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ انْضَمَّ إلَيْهِ الْقُعُودُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَيْئَةِ الْإِمَامِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَدُّ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ رُكْنٌ كَانَ مَعَهُ فِيهِ فَلَمْ يَبْطُلْ إذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ جَلَسَ إمَامُهُ ) لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهِ ( قَوْلُهُ : ، فَالْأَوْجَهُ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي فُرُوقِهِ لَا نُسَلِّمُ اسْتِحْبَابَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِمَنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ انْتَهَى .
وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فِيهِ قِرَاءَةٌ وَجُلُوسٌ ، وَالْجُلُوسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا قِرَاءَةَ فِيهِ قَالَ شَيْخُنَا فَمَا بَحَثَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ ( قَوْلُهُ : لِمُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يُتْرَكُ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا لَوْ اعْتَدَلَ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى الرُّكُوعِ مَعَهُ ( قَوْلُهُ : فَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْمَقِيسِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكَ الْقُعُودِ مَعَ الْإِمَامِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا الْفَرْقُ لَا يَقْوَى فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْقِيَامِ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ الْفَاحِشَةُ أَيْضًا
حَاصِلَةً ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِطُولِ الِانْتِظَارِ فِي الْقِيَامِ عَنْ التَّشَهُّدِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ بِالسُّجُودِ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ وَجَبَ الْعَوْدُ قَوْلُهُ : عَادَ جَوَازًا إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ حِينَئِذٍ لَمْ تُعَيِّنْ جُلُوسَهُ لِلْبَدَلِيَّةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَوْ تَعَمَّدَ الشُّرُوعَ فِي الْقِرَاءَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَتَشَهَّدَ فَلَا وَجْهَ إلَّا الْمَنْعُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَعُودُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقُعُودَ بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ كَمَا لَوْ قَامَ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ ، وَالثَّانِي يَعُودُ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَى دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ يَجُوزُ وَهَاهُنَا فِعْلُ الْقَعُودِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَبْدَلَ الذِّكْرَ فَلَا بَأْسَ بِالرُّجُوعِ ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا مِنْ إنْسَانٍ وَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْهُ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا هَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ مَعْنًى ، وَالثَّانِي : يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِي الصُّورَةِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَعُودُ ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مَعْنًى ، وَالثَّانِي يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا انْتِقَالَ صُورَةً انْتَهَى .
فَلَوْ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ .
( وَإِنْ نَسِيَ الْقُنُوتَ فَعَادَ ) إلَيْهِ ( قَبْلَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ ) عَلَى مُصَلَّاهُ ( جَازَ ) أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ، لَكِنْ إنْ وَضَعَ شَيْئًا مِنْ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ وَضْعِهَا كَانَ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَاسْتَحْسَنَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَسَأَلَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْوَضْعِ هُوَ الْوَضْعُ الْمُقَارِنُ لِلسُّجُودِ خَاصَّةً ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( وَسَجَدَ ) لِلسَّهْوِ ( إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِينَ ) لِزِيَادَتِهِ رُكُوعًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَسْجُدُ ، وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَكَتَرْكِهِ التَّشَهُّدَ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ قَبْلَ ذِكْرِ صُورَةِ النِّسْيَانِ ، وَتَرْكُ الْقُنُوتِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّشَهُّدِ .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَوْجَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ نَاسِيًا ، أَوْ عَامِدًا وَهَوَى كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ إنْ تَذَكَّرَ هُنَا قَبْلَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ وَعَادَ سَجَدَ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ انْتَهَى وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ نَاسِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ ، أَوْ عَامِدًا نُدِبَ .
( فَرْعٌ لَوْ تَشَهَّدَ ) سَهْوًا ( بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ) ، أَوْ ثَالِثَةٍ لِرُبَاعِيَّةٍ ( أَوْ قَعَدَ سَهْوًا بَعْدَ اعْتِدَالٍ ) مِنْ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا ( فَتَشَهَّدَ ) ، وَالْمُرَادُ فِيهَا وَفِيمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ أَتَى بِالتَّشَهُّدِ أَوْ بَعْضِهِ ( أَوْ جَلَسَ ) لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ بَعْدَ اعْتِدَالٍ سَهْوًا بِلَا تَشَهُّدٍ ( فَوْقَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ تَدَارَكَ ) مَا عَلَيْهِ ( وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) أَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِزِيَادَةِ قُعُودٍ طَوِيلٍ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلِذَلِكَ ، أَوْ لِنَقْلِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ فَإِنْ كَانَتْ الْجِلْسَةُ فِي الْأَخِيرَةِ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا سُجُودَ ؛ لِأَنَّ عَمْدَهَا مَطْلُوبٌ ، أَوْ مُغْتَفَرٌ ( كَمُطِيلِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ) بِأَنْ أَلْحَقَهُ بِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ ( وَمَنْ مَكَثَ فِي السُّجُودِ يَتَذَكَّرُ هَلْ رَكَعَ ) أَوْ لَا ( وَأَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، أَوْ هَلْ سَجَدَ ) السَّجْدَةَ ( الْأُولَى فَلَا ) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ أَطَالَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ السُّجُودِ فِي هَذِهِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ ، وَالْمَسْأَلَتَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ ذَكَرَهُمَا الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ قَعَدَ فِي هَذِهِ مِنْ سَجْدَتِهِ وَتَذَكَّرَهَا أَنَّهَا الثَّانِيَةُ وَكَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَشَهَّدَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ إنْ كَانَ قُعُودُهُ عَلَى الشَّكِّ فَوْقَ الْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَامَ إلَى خَامِسَةٍ ) فِي رُبَاعِيَّةٍ ( نَاسِيًا ، ثُمَّ تَذَكَّرَ ) قَبْلَ السَّلَامِ ( عَادَ ) إلَى الْجُلُوسِ ( فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ ) فِي الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ ( أَجْزَأَهُ وَلَوْ ظَنَّهُ ) التَّشَهُّدَ ( الْأَوَّلَ ) كَمَا مَرَّ ( ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَتَى بِهِ ) أَيْ بِالتَّشَهُّدِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ ( وَلَوْ سَجَدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ ) فِي سُجُودِهِ ( أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ ، ثُمَّ يَرْكَعَ ) وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ غَيْرَهُ ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ، وَالْمَجْمُوعِ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ مَرْدُودٌ .
( فَصْلٌ فِي قَاعِدَةٍ مُكَرَّرَةٍ ) فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ ( مَا كَانَ الْأَصْلُ وُجُودَهُ ، أَوْ عَدَمَهُ ، وَشَكَكْنَا فِي تَغْيِيرِهِ رَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ وَاطَّرَحْنَا الشَّكَّ ) كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْإِحْدَاثِ .
عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَطَرَحْنَا الشَّكَّ يُقَالُ طَرَحْت الشَّيْءَ أَيْ رَمَيْته وَاطَّرَحْته أَيْ أَبْعَدْته وَكُلٌّ صَحِيحٌ هُنَا ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَقْرَبَ ( فَإِنْ صَلَّى وَشَكَّ هَلْ تَرَكَ مَأْمُورًا ) بِهِ ( مُعَيَّنًا ) يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ ( كَالْقُنُوتِ سَجَدَ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ، أَوْ شَكَّ فِي فِعْلِ مَنْهِيٍّ ) عَنْهُ ( كَالْكَلَامِ ) نَاسِيًا ( لَمْ يَسْجُدْ ) كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( وَإِنْ تَيَقَّنَ سَهْوًا وَنَسِيَ عَيْنَهُ ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَشَكَّ هَلْ هُوَ تَرْكُ مَأْمُورٍ ، أَوْ ارْتِكَابُ مَنْهِيٍّ ( أَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لَهُ ) ، أَوْ لَا ( سَجَدَ ) لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضِي ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ هَلْ سَجَدَ ) لَهُ ( سَجْدَتَيْنِ ) ، أَوْ وَاحِدَةً ( زَادَ ) وَفِي نُسْخَةٍ سَجَدَ ( وَاحِدَةً ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا ( أَوْ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا ، أَوْ أَرْبَعًا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ ) وَسَجَدَ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ ( وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ ، وَإِنْ كَثُرُوا ) وَرَاقَبُوهُ لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ { وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ } ؛ وَلِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ فِيهِ كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَأَمَّا مُرَاجَعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّحَابَةِ ، ثُمَّ عَوْدُهُ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ ( وَلَا يَنْفَعُهُ ) فِي ذَلِكَ ( ظَنٌّ وَلَا اجْتِهَادٌ ) لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ ( ثُمَّ إنْ فَعَلَ ) مَعَ شَكِّهِ ( مَا
يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ سَجَدَ ) لِلسَّهْوِ ( وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ ) ، وَإِنْ فَعَلَ مَعَهُ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا فَلَا يَسْجُدُ ( مِثَالُهُ شَكَّ هَلْ هَذِهِ ) الرَّكْعَةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا ( ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى مَا بَعْدَهَا ) أَنَّهَا ثَالِثَةٌ ، أَوْ رَابِعَةٌ ( لَمْ يَسْجُدْ ) ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ التَّرَدُّدِ لَا بُدَّ مِنْهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ قَبْلَ الْقِيَامِ سَوَاءٌ أَتَذَكَّرَ بَعْدَهُ أَمْ لَا ( سَجَدَ جَبْرًا لِتَرَدُّدِهِ فِي زِيَادَتِهَا ) يَعْنِي الَّتِي قَامَ إلَيْهَا أَيْ ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْهَا مَعَ التَّرَدُّدِ مُحْتَمِلٌ لِلزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا اقْتَضَى التَّرَدُّدُ فِي زِيَادَتِهَا السُّجُودَ ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَظَاهِرٌ وَإِلَّا ، فَالتَّرَدُّدُ يُضْعِفُ النِّيَّةَ وَيُحْوِجُ إلَى الْجَبْرِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِمَامُ بِمَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ قَضَى الْفَائِتَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنَّا نَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ بِلَا سُجُودٍ ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ ثَمَّ لَمْ يَقَعْ فِي بَاطِلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَبِأَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّرَدُّدِ الطَّارِئِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِلسَّابِقِ عَلَيْهَا وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِقَبْلَ الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَسْجُدْ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ وَمَا قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ مَرْدُودٌ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَى مَا ذَكَرَ لَا تَقْتَضِي السُّجُودَ ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُبْطِلُ وَإِنَّمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ مَعَ عَوْدِهِ كَمَا مَرَّ .
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّى وَشَكَّ هَلْ تَرَكَ مَأْمُورًا بِهِ مُعَيَّنًا إلَخْ ) عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِبَعْضِ مُعَيَّنٍ لِمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنَّ الْمُجْمَلَ هُنَا كَالْمُفَصَّلِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ إتْيَانِهِ بِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ ) بِأَنْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ مَأْمُورًا يَقْتَضِي السُّجُودَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ ، أَوْ الْقُنُوتَ مَثَلًا قَوْلُهُ : فَمَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ قَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ وَهُوَ مُرَادُهُمْ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا قَوْلُهُ ، وَالْقِيَاسُ إلَخْ ) مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَامَ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا فَفَارَقَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ صَرِيحٌ ، أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ فِي الْقِيَامِ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ .
( وَلَوْ شَكَّ ) الْمَسْبُوقُ ( هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ ) ، أَوْ لَا ( قَامَ ) بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ( وَأَتَى بِرَكْعَةٍ ) بَدَلَ الرَّكْعَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا ( وَسَجَدَ لِتَرَدُّدِهِ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَلَوْ تَذَكَّرَ ) بَعْدَ الْقِيَامِ لَهَا ( أَنَّهُ أَدْرَكَهُ ) أَيْ الرُّكُوعَ ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ تَرَدُّدِهِ فِيمَا ذَكَرَ مُحْتَمِلٌ لِلزِّيَادَةِ وَمِثْلُهُ لَوْ شَكَّ مَأْمُومٌ فِي تَرْكِ فَرْضٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ .
( فَرْعٌ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَنْ تَمَامٍ ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ الشَّكَّ بَعْدَهُ لَعَسُرَ الْأَمْرُ لِكَثْرَةِ عُرُوضِهِ نَعَمْ إنْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ ، أَوْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ ، أَوْ النَّفَلَ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ وَلَوْ شَكَّ أَنَّ مَا أَدَّاهُ ظُهْرٌ ، أَوْ عَصْرٌ ، وَقَدْ فَاتَتَاهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا جَمِيعًا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّرْطَ كَالرُّكْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّكُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِالنِّسْبَةِ لِلطُّهْرِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ عَنْ جَمْعٍ ، لَكِنَّهُ جَزَمَ قَبْلَ حِكَايَتِهِ لَهُ وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ بِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فَارِقًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ وَبِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الِانْعِقَادِ ، وَالْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي الِانْعِقَادِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ هَلْ طَافَ مُتَطَهِّرًا أَوْ لَا لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالسَّلَامِ الَّذِي لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَهُ سَلَامٌ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ ، ثُمَّ عَادَ وَشَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَخَرَجَ بِالشَّكِّ الْعِلْمُ ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا بَنَى ) عَلَى مَا فَعَلَهُ ( إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ) وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً ( وَإِنْ تَكَلَّمَ ) قَلِيلًا ( وَاسْتَدْبَرَ ) الْقِبْلَةَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ .
وَتُفَارِقُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَطْءَ النَّجَاسَةِ بِاحْتِمَالِهَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ ( وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ ) وَقِصَرِهِ ( إلَى الْعُرْفِ ) وَقِيلَ : يُعْتَبَرُ الْقِصَرُ بِالْقَدْرِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ ، وَالطُّولُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْخَبَرِ { أَنَّهُ قَامَ وَمَضَى إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَرَاجَعَ ذَا الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الصَّحَابَةَ فَأَجَابُوهُ } .
( قَوْلُهُ : لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ السَّلَامِ لِشَكِّهِ فِي تَرْكِ رُكْنٍ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ كَتَيَقُّنِ تَرْكِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّرْطَ كَالرُّكْنِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّكُّ الطَّارِئُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ( قَوْلُهُ : وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ ( قَوْلُهُ : بِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فَارِقًا إلَخْ ) قَالَ : وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِمَعْنَى مَا قُلْته فَقَالُوا إذَا جَدَّدَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ صَلَّى ، ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَرَكَ الْمَسْحَ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّهُ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ انْتَهَى وَمَا فَرَّقَ بِهِ مُنْقَدِحٌ ش ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ إلَخْ ) وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي شَكٍّ اسْتَنَدَ إلَى تَيَقُّنِ تَرْكٍ فَأَثَّرَ فِي الصَّلَاةِ لِتَأْثِيرِهِ فِي الْمُطَهِّرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلِهَذَا بَقِيَ طُهْرُهُ فَكَلَامُهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ يُؤَثِّرُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ تَطَهَّرَ قَبْلَ شَكِّهِ وَحَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ ، وَقَدْ نَقَلَ هُوَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَازَ دُخُولِ الصَّلَاةِ بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَطَهَّرَ قَبْلَ شَكِّهِ وَإِلَّا فَلَا ش وَقَوْلُهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ شَكَّ الْمُقْتَدِي بَعْدَ السَّلَامِ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَقُبِلَ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ ا ب .
( فَصْلٌ لَا يَتَعَدَّدُ السُّجُودُ ) لِلسَّهْوِ ( لِتَعَدُّدِ السَّهْوِ ) لِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ { فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ وَاسْتَدْبَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى سَجْدَتَيْنِ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ لِذَلِكَ لَأَمَرَ بِهِ عِنْدَ السَّهْوِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَأَمَّا خَبَرُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ فَضَعِيفٌ ( لَكِنَّهُ ) قَدْ يَتَعَدَّدُ صُورَةً كَمَا ( لَوْ سَجَدَ فِي ) صَلَاةٍ ( مَقْصُورَةٍ ، أَوْ جُمُعَةٍ ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا ) لِوُجُودِ مُسَوِّغِ الْإِتْمَامِ ( أَعَادَ ) السُّجُودَ ( آخِرَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ ( وَلَوْ سَهَا ) كَأَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا ( فِي سُجُودِهِ لِلسَّهْوِ ) وَلَوْ فِي جُلُوسِهِ فِي أَثْنَائِهِ ( أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَسْجُدْ ) إذْ لَا يُؤْمَنُ وُقُوعُ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ فَيَتَسَلْسَلُ ( وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ ، أَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ مَثَلًا فَسَجَدَ جَاهِلًا ) بِأَنْ تَرْكَ ذَلِكَ لَا سُجُودَ لَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، أَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا ، أَوْ لَا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ جَاهِلًا ( سَجَدَ ) لِلْخَلَلِ الْحَاصِلِ بِزِيَادَةِ السُّجُودِ ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ ذَكَرَهَا بَدَلَ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ فِيهَا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِتَرْكِ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَنَحْوِهَا جَاهِلًا ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيّ أَوَّلَ الْبَابِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّوْضَةِ مُقَيَّدَةٌ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ سَهَا إمَامٌ فَاسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا جَرَى عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَسَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَآخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ ( وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ ) مَثَلًا ( فَسَجَدَ ) لَهُ ( فَبَانَ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ ) الْأَوَّلُ ، أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ ( أَجْزَأَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَبْرَ الْخَلَلِ ، وَهُوَ يَجْبُرُ كُلَّ خَلَلٍ .
( قَوْلُهُ : لِتَعَدُّدِ السَّهْوِ ) السَّجْدَتَانِ لِلْكُلِّ إلَّا إنْ نَوَاهُمَا الْمُعَيِّنُ فَلَهُ ( قَوْلُهُ : فَبَانَ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ ) بِأَنْ صَلَّى وَتَرَكَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ مَوْصُولًا عَلَى قَصْدِ إتْيَانِهِ بِتَشَهُّدَيْنِ فَنَسِيَ أَوَّلَهُمَا
( فَرْعٌ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ سَهْوَ الْمَأْمُومِ حَالَ قُدْوَتِهِ ) وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ حَالَ سَهْوِهِ بِعُذْرٍ كَزِحَامٍ كَمَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقُنُوتَ ، وَالْجَهْرَ ، وَالسُّورَةَ وَغَيْرَهَا ؛ وَلِأَنَّ مُعَاوِيَةَ شَمَّتَ الْعَاطِسَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَسْجُدْ وَلَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّجُودِ وَلِخَبَرِ { الْإِمَامُ ضَامِنٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَيَتَحَمَّلُ عَمَّنْ سَهَا خَلْفَهُ ( لَا عَمَّنْ سَهَا مُنْفَرِدًا ، ثُمَّ تَابَعَهُ ) لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَالَ سَهْوِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ عَنْهُ كَمَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ الْوَاقِعِ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُهِدَ تَعَدِّي الْخَلَلِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ دُونَ عَكْسِهِ ( فَإِنْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ رُكْنًا نَاسِيًا ) غَيْرَ النِّيَّةِ ، وَالتَّكْبِيرِ ، وَالسَّلَامِ ( أَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يَسْجُدُ ) ؛ لِأَنَّهُ سَهَا حَالَ الْقُدْوَةِ ، وَقَدْ لَا تَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ بِأَنْ تَرَكَ مِنْ الْأَخِيرَةِ سُجُودًا وَتَعْبِيرُ الْأَصْلِ بِتَرْكِ الرُّكُوعِ ، أَوْ الْفَاتِحَةِ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمَّ ( وَيَسْجُدُ مَسْبُوقٌ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ سَهْوًا ) ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ ( فَإِنْ ظَنَّهُ ) الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ مَثَلًا ( سَلَّمَ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ تُحْسَبْ ) لِفِعْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ( فَإِذَا سَلَّمَ ) إمَامُهُ ( أَعَادَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ ) لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ ( وَلَوْ عَلِمَ فِي الْقِيَامِ ) أَنَّهُ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ ( وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَلَوْ جَوَّزْنَا مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ ) ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ فَإِذَا جَلَسَ وَوَجَدَهُ لَمْ يُسَلِّمْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَهُ ( فَلَوْ أَتَمَّهَا جَاهِلًا ) بِالْحَالِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ( لَمْ
تُحْسَبْ فَيُعِيدَهَا ) لِمَا قُلْنَاهُ ( وَيَسْجُدُ ) لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ .
( قَوْلُهُ : يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ سَهْوَ الْمَأْمُومِ حَالَ قُدْوَتِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِمَامُ ضَامِنٌ } قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُرِيدُ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ سَهْوَ الْمَأْمُومِ كَمَا يَتَحَمَّلُ الْجَهْرَ ، وَالسُّورَةَ ، وَالْفَاتِحَةَ ، وَالْقُنُوتَ ، وَالتَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَغَيْرَهَا ) أَيْ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَدُعَاءَ الْقُنُوتِ ، وَالْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَسْبُوقِ ، وَالْقِيَامَ عَنْهُ ، وَالتَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ عَنْ الَّذِي أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ عَلَى الْقَدِيمِ فَهَذِهِ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ مَعَهُ لَا يَسْجُدُ ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ حَالَ قُدْوَتِهِ لَا بَعْدَ انْقِطَاعِهَا وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِابْنِ الْأُسْتَاذِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَسْجُدُ لِانْقِطَاعِ قُدْوَتِهِ بِشُرُوعِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ إذْ الْقُدْوَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْقَطِعُ حَقِيقَتُهَا إلَّا بِتَمَامِ السَّلَامِ ، لَكِنَّهَا ضَعُفَتْ بِالشُّرُوعِ .
( فَصْلٌ سَهْوُ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمُحْدِثِ يَلْحَقُ الْمَأْمُومَ ، وَإِنْ أَحْدَثَ ) الْإِمَامُ ( بَعْدَ ذَلِكَ ) لِتَطَرُّقِ الْخَلَلِ لِصَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْهُ السَّهْوَ ( فَيَسْجُدُ لَهُ ، وَإِنْ فَارَقَهُ ) أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا فَلَا يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ هُوَ عَنْهُ إذْ لَا قُدْوَةَ حَقِيقَةً حَالَ السَّهْوِ وَكَوْنُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ لَا يَقْتَضِي لُحُوقَ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ تَابِعٌ لِمَطْلُوبِيَّتِهِ مِنْ الْإِمَامِ ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ لِبُطْلَانِهَا لَا يُطْلَبُ مِنْهُ جَبْرُهَا فَكَذَا صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ ( وَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ الْمَسْبُوقُ ) لِلسَّهْوِ ( أَعَادَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ كَمَا مَرَّ ( وَيَلْحَقُهُ ) سَهْوُ إمَامِهِ ( وَلَوْ كَانَ ) السَّهْوُ ( قَبْلَ اقْتِدَائِهِ ) بِهِ لِدُخُولِهِ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ ( وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ ) بَعْدَ انْفِرَادِهِ ( فَاقْتَدَى بِهِ ) مَسْبُوقٌ ( آخَرُ وَبِالْآخَرِ آخَرُ ) ، وَهَكَذَا ( لَحِقَ الْجَمِيعَ سَهْوُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَيَسْجُدُ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( مَعَ إمَامِهِ وَفِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِي السُّجُودِ ) لِخَبَرِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } ( وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَهْوَهُ ) فَإِنَّهُ يُوَافِقُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَهَا ( فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لَا إنْ تَيَقَّنَ غَلَطَهُ فِي سُجُودِهِ كَمَنْ عَلِمَهُ سَجَدَ لِنُهُوضٍ قَلِيلٍ ) مَثَلًا فَلَا يُوَافِقُهُ إذَا سَجَدَ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَتِهِ كَمَا لَوْ فَعَلَ إمَامُهُ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَرَهُ هُوَ كَفِعْلِ الْجَهْرِ فِي مَحَلِّ السِّرِّ ، أَوْ عَكْسُهُ لَا يَلْحَقُهُ ذَلِكَ نَعَمْ يَلْحَقُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا سَهْوُ إمَامِهِ بِسُجُودِهِ لِذَلِكَ فَيَسْجُدُ لَهُ ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : سَهْوُ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمُحْدِثِ إلَخْ ) صَلَّى خَلْفَ إمَامِهِ الْمَغْرِبَ فَسَهَا إمَامُهُ فَصَلَّاهَا أَرْبَعًا وَتَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ نُظِرَ إنْ سَهَا الْآخَرُ مَعَهُ ، أَوْ تَبِعَهُ جَاهِلًا بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا أَنْ يَأْتِيَا بِسَجْدَةٍ وَرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ وَعَلَيْهِمَا سُجُودُ السَّهْوِ ، وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ مِنْ الْأُولَى سَجْدَةً وَمِنْ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ وَتَتِمُّ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ وَنَجْعَلُ مِنْ الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً فَتَكْمُلُ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ فَيَصِيرُ مَعَهُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ لِبُطْلَانِهَا إلَخْ ) وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُحْدِثًا مُقِيمًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ كَانَتْ جَمَاعَةً بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَوَجَبَ الْإِتْمَامُ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ جَمَاعَةٌ يَعْنُونَ بِهِ حُصُولَ ثَوَابِهَا لِلْمَأْمُومِ بِقَصْدِهِ الْجَمَاعَةَ وَلَا حِيلَةَ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى حَدَثِ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى الْمَأْمُومِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِي السُّجُودِ ) لَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِ الْمَأْمُومِ ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَقَلِّهِ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ ، وَالسَّلَامِ وَتَرَكَ بَاقِيَ التَّشَهُّدِ أَوْ قَبْلَ أَقَلِّهِ تَابَعَهُ فِي الْأَوْجَهِ ثُمَّ أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ وَهَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ قَوْلَانِ عَبَّرَ عَنْهُمَا وَلَدُهُ فِي الشَّرْحِ بِاحْتِمَالَيْنِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي أُولَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَسْجُدْهَا الْمَأْمُومُ بَلْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ ، ثُمَّ يَسْجُدْ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى سَجَدَ الْأُولَى وَرَفَعَ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ كَفِعْلِ الْجَهْرِ فِي مَحَلِّ الْإِسْرَارِ إلَخْ ) وَأَحْسَنُ مِنْهُ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِلتِّلَاوَةِ فَاقْتَدَى بِهِ مُسْتَمِعٌ وَسَجَدَ مَعَهُ فَسَهَا
الْإِمَامُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ ع قَالَ الْغَزِّيِّ وَعِبَارَتُهُمْ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِي هَذَا السُّجُودِ ؛ لِأَنَّهُ غَلَطٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَأَمَّا كَوْنُهُ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهَذَا وَاضِحٌ .
( وَإِنْ قَامَ ) الْإِمَامُ ( إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ ) حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ ( وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا ) وَيُفَارِقُ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ لَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ سَهْوَهُ بِأَنَّ قِيَامَهُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يُعْهَدْ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِينَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ ، وَالنُّقْصَانِ وَلِهَذَا قَالُوا أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ .
( قَوْلُهُ : لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ إلَخْ ) ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إمَامَهُ غَالِطٌ فِيمَا أَتَى بِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا بَلْ يُفَارِقُهُ ، أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ انْتِظَارُهُ إذَا تَرَكَ فَرْضًا ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الِانْتِظَارِ هُنَا بِكَوْنِهِ لَا يُفْضِي إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ سَجْدَةً ثَالِثَةً ، فَإِنْ سَجَدَهَا بَعْدَ مُضِيِّ مِقْدَارِ التَّشَهُّدِ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا وَيُحْمَلُ فِعْلُهُ عَلَى السَّهْوِ لَا عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ وَلَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ .
( فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ ، أَوْ سَجَدَ ) لَهُ ( وَاحِدَةً سَجَدَ الْمَأْمُومُ ) مُطْلَقًا ( أَوْ تَمَّمَ ) السُّجُودَ إنْ كَانَ مُوَافِقًا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ نَسِيَ بِخِلَافِ تَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَأْتِي الْمَأْمُومُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ خِلَالَ الصَّلَاةِ فَلَوْ انْفَرَدَ بِهِمَا لَخَالَفَ الْإِمَامَ ( فَلَوْ تَخَلَّفَ ) بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ ( لِيَسْجُدَ ) لِلسَّهْوِ ( فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَمْ يُتَابِعْهُ ) سَوَاءٌ سَجَدَ قَبْلَ عَوْدِ إمَامِهِ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْقُدْرَةَ بِسُجُودِهِ فِي الْأُولَى وَبِاسْتِمْرَارِهِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فِي الثَّانِيَةِ ( بَلْ يَسْجُدُ ) فِيهَا ( مُنْفَرِدًا ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ ، فَالْقِيَاسُ لُزُومُ الْعَوْدِ لِلْمُتَابَعَةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قِيَامَهُ لِذَلِكَ وَاجِبٌ وَتَخَلُّفُهُ لِيَسْجُدَ مُخَيَّرٌ فِيهِ ، وَقَدْ اخْتَارَهُ فَانْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ وَذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ ( فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاسِيًا فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَزِمَتْهُ مُوَافَقَتُهُ ) فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي السَّلَامِ نَاسِيًا ( فَإِنْ تَخَلَّفَ ) عَنْهُ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَنْ سَلَّمَ نَاسِيًا ، ثُمَّ عَادَ إلَى السُّجُودِ عَادَ إلَى الصَّلَاةِ ( وَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا ) فَعَادَ الْإِمَامُ ( لَمْ يُوَافِقْهُ ) لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ لِسَلَامِهِ عَمْدًا وَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُهُ ( وَإِنْ قَامَ ) الْإِمَامُ ( لِخَامِسَةٍ ) نَاسِيًا ( فَفَارَقَهُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَا قَبْلَهُ سَجَدَ ) لِلسَّهْوِ كَالْإِمَامِ ( وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ حَنَفِيًّا فَسَلَّمَ ) قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ ( سَجَدَ الْمَأْمُومُ ) قَبْلَ سَلَامِهِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَتِهِ ( وَلَا يَنْتَظِرُهُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ .
( قَوْلُهُ : فَلَوْ تَخَلَّفَ لِيَسْجُدَ إلَخْ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ لِيَسْجُدَ مَا لَوْ تَخَلَّفَ لِإِتْمَامِ التَّشَهُّدِ ، أَوْ لِلسَّهْوِ عَنْ سَلَامِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوَافَقَتُهُ فِي سُجُودِهِ وَلَوْ رَفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ رَفَعَ وَأَتَى بِالثَّانِيَةِ ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ فِيهَا ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يُحْسَبْ لَهُ جُلُوسُهُ وَلَا سَجْدَتُهُ الثَّانِيَةُ وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ ( قَوْلُهُ : لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ بِسُجُودِهِ فِي الْأُولَى ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَلَّمَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَا تَبْطُلُ ؛ لِأَنَّ سَلَامَهُ عَامِدًا يَتَضَمَّنُ قَطْعَ الْقُدْوَةِ فَقَامَ مَقَامَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَاكَ يَقْطَعُ الْقُدْوَةَ الْمُتَوَهَّمَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَلَّمَ قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَلَامُهُ عَامِدًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَاهِيًا فَبَقَاءُ الْقُدْوَةِ وَهْمِيٌّ لَا قَطْعِيٌّ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَأْمُومِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا قَامَ لِإِتْمَامِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ سَلَامُهُ مُتَضَمِّنًا لِقَطْعِ الْقُدْوَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ ( قَوْلُهُ : فَالْقِيَاسُ لُزُومُ الْعَوْدِ لِلْمُتَابَعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا فَسَهَا فِي رَكْعَةٍ ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ( ثُمَّ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ يَقْصُرُ فَسَهَا إمَامُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ ، ثُمَّ أَتَى ) هُوَ ( بِالرَّابِعَةِ بَعْدَ سَلَامِهِ فَسَهَا فِيهَا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ ) كَمَا عُلِمَ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِقِ ( وَهُمَا لِلْجَمِيعِ ، أَوْ لِمَا نَوَاهُ ) مِنْهُ وَيَكُونُ تَارِكًا لِسُجُودِ الْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا فَسَهَا فِي رَكْعَةٍ ، ثُمَّ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ إلَخْ ) يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ بِسَبَبِ السَّهْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً وَذَلِكَ فِيمَنْ اقْتَدَى فِي رُبَاعِيَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ اقْتَدَى بِالْأَوَّلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ، ثُمَّ بِكُلٍّ مِنْ الْبَاقِينَ فِي رَكْعَتِهِ الْأَخِيرَةِ ، ثُمَّ صَلَّى الرَّابِعَةَ وَحْدَهُ وَسَهَا كُلُّ إمَامٍ مِنْهُمْ فَيَسْجُدُ مَعَهُ لِسَهْوِهِ ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ فَهَذِهِ عَشْرُ سَجَدَاتٍ ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَيَسْجُدَ فَهَذِهِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَجْدَةً .
( فَصْلٌ ، وَهُوَ ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ ( سَجْدَتَانِ مَحَلُّهُمَا قُبَيْلَ السَّلَامِ ) بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا أَفَادَهُ تَصْغِيرُهُ قَبْلُ ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ ؛ { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ، وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، ثُمَّ سَلَّمَ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَفِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْهَا وَأَجَابُوا عَنْ سُجُودِهِ بَعْدَهُ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِبَيَانِ حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَمْ نَقْصٍ أَمْ بِهِمَا وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ سَجْدَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَاحِدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَهُوَ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ ، لَكِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ الْآتِي فِيمَا إذَا هَوَى لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ ، وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ سَجْدَةً ابْتِدَاءً وَكَلَامُ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا بَعْدَ فِعْلِهَا بِقَرِينَةِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَكَيْفِيَّتُهَا كَسَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ ( يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا بَيْنَهُمَا ) كَمَا مَرَّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ ( وَيَأْتِي بِذِكْرِ السُّجُودِ ) لِلصَّلَاةِ ( فِيهِمَا ) وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا سُبْحَانَ مَنْ لَا يَنَامُ وَلَا يَسْهُو قَالَ الشَّيْخَانِ ، وَهُوَ لَائِقٌ بِالْحَالِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّمَا يُتِمُّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَائِقًا ، اللَّائِقُ
الِاسْتِغْفَارُ ( ثُمَّ ) أَيْ بَعْدَ السُّجُودِ ( يَتَوَرَّكُ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ ) بَعْدَ السُّجُودِ ( فَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ السُّجُودِ ( عَامِدًا ) أَيْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ ( فَقَدْ فَوَّتَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِالسَّلَامِ ( أَوْ نَاسِيًا ) لِذَلِكَ وَأَرَادَ السُّجُودَ ( سَجَدَ ) ، وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ ( إذَا لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ ) عُرْفًا بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقَّنَ التَّرْكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ } ( وَيَكُونُ بِسُجُودِهِ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ بِلَا إحْرَامٍ ) كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ رُكْنًا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالْمُتَّجَهُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِالْهُوِيِّ بَلْ بِإِرَادَةِ السُّجُودِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٌ ( فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ وَسَائِرُ مُفْسِدَاتِهَا كَالْحَدَثِ ( وَلَوْ خَرَجَ فِيهِ وَقْتُ الْجُمُعَةِ فَاتَتْ ) وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا ( وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ فِيهِ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ ) ، لَكِنْ يَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَيْهِ إنْ عَلِمَ ضِيقَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِإِخْرَاجِهِ بَعْضَهَا عَنْ وَقْتِهَا كَذَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِعَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاةِ لِاسْتِحَالَةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا ، ثُمَّ الْعُودِ إلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فِيهِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لَا تَتَقَيَّدُ بِهِ أَحْكَامُهَا بَلْ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ ( فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ ، أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَبْلَ السُّجُودِ ) فِيهِمَا ( فَاتَ ) السُّجُودُ فَلَا يَأْتِي بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى وَفِعْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِدُونِ سَبَبِهَا فِي الثَّانِيَةِ ( وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ ) وَصَلَاتُهُ الْمَقْصُورَةُ ، وَقَوْلُهُ : فَإِنْ
خَرَجَ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ وَظَاهِرٌ أَنَّ السُّجُودَ يَفُوتُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ عَقِبَ السَّلَامِ ، أَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ ، أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ ، أَوْ شُفِيَ دَائِمُ الْحَدَثِ وَنَحْوِهَا ، أَمَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ ، أَوْ لَمْ يَطُلْ ، لَكِنْ لَمْ يُرِدْ السُّجُودَ فَلَا سُجُودَ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ وَتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِطُولِ الْفَصْلِ فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ فَصَارَ كَالْمُسَلِّمِ عَمْدًا فِي أَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّلَامِ ، وَكَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ، وَالْإِقَامَةِ فِيمَا ذُكِرَ وُصُولُ سَفِينَتِهِ دَارَ إقَامَتِهِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَهُوَ سَجْدَتَانِ مَحَلُّهُمَا قُبَيْلَ السَّلَامِ ) يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ السَّجْدَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ سُجُودِ الصَّلَاةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ سَهَا فِي سُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لَوْ سَهَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَا يَكْمُلُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَمِثَالُ الَّذِي يُزَادُ عَلَيْهِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةُ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ إلَخْ ) ؛ وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ وَقَعَ سَبَبُهُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ فِيهَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَأْتِي بِذِكْرِ السُّجُودِ فِيهِمَا ) وَبِالذِّكْرِ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ : أَوْ نَاسِيًا لِذَلِكَ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ جَاهِلًا أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ ( قَوْلُهُ : إذَا لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ ) ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ ؛ لِأَنَّهُ جُبْرَانٌ لِلصَّلَاةِ وَمَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ ( قَوْلُهُ : وَيَكُونُ بِسُجُودِهِ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ ) ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ يُخْرِجُ سَلَامَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُحَلِّلًا ( قَوْلُهُ : كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٍ ) لَفْظُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَإِنْ عَنَّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ .
ا هـ .
فَلَوْ شَكَّ بَعْدَ سَلَامِهِ سَاهِيًا فِي تَرْكِ رُكْنٍ وَاسْتَمَرَّ شَكُّهُ إلَى أَنْ عَادَ إلَى السُّجُودِ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ وَعَلَيْهِ يُقَالُ شَخْصٌ خُوطِبَ بِسُنَّةٍ مَتَى فَعَلَهَا لَزِمَهُ فَرِيضَةٌ ( قَوْلُهُ لِاسْتِحَالَةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا ، ثُمَّ الْعَوْدِ إلَيْهَا ) بِلَا نِيَّةٍ وَلَا تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ( قَوْلُهُ : وَنَحْوُهَا ) كَأَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ سَلَامِهِ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّطَهُّرُ فِي الْحَالِ بِأَنْ كَانَ وَاقِعًا فِي مَاءٍ .
( وَمَنْ نَسِيَ مِنْ صَلَاةٍ رُكْنًا وَفَرَغَ مِنْهَا ) بِأَنْ سَلَّمَ مِنْهَا ( ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَهَا بِأُخْرَى لَمْ تَنْعَقِدْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْأُولَى ( فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ ) بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقَّنَ التَّرْكَ ( بَنَى عَلَى الْأُولَى ) وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ يَسِيرٌ ، أَوْ بَعْدَ طُولِهِ اسْتَأْنَفَهَا لِبُطْلَانِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ مَعَ السَّلَامِ مِنْهَا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَقِبَهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِأُخْرَى بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ ( لَا إنْ تَخَلَّلَ حَدَثٌ ) هُنَا وَفِيمَا مَرَّ فَلَا يَبْنِي هُنَا وَلَا يَعُودُ إلَى السُّجُودِ ، ثُمَّ ، وَإِنْ تَوَضَّأَ عَنْ قُرْبٍ .
( قَوْلُهُ : بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقُّنِ التَّرْكِ ) كَذَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا عَلَى مَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّلَامِ ، وَالتَّحَرُّمِ بِالثَّانِيَةِ ، فَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ الْأُولَى لِخُرُوجِهِ مِنْهَا وَانْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ ، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّلَامِ ، وَالتَّحَرُّمِ بِالثَّانِيَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّمَ بِصَلَاةٍ فِي أَثْنَاءِ أُخْرَى لَا يَصِحُّ .
ا هـ .
لَمْ يَتَوَارَدْ كَلَامُ الْمُهِمَّاتِ وَكَلَامُ الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْأَوَّلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأُولَى ، وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى انْعِقَادِ الثَّانِيَةِ .
( وَلَوْ تَشَهَّدَ ) فِي رُبَاعِيَّةٍ ، أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ ( شَاكًّا فِي كَوْنِهِ ) التَّشَهُّدَ ( الْأَوَّلَ ، أَوْ الثَّانِيَ فَتَبَيَّنَ بَعْدَ الْقِيَامِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ سَجَدَ لِتَرَدُّدِهِ فِي زِيَادَةِ هَذَا الْقِيَامِ ) وَإِنْ تَبَيَّنَ ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ فَلَا سُجُودَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِهِ سَجَدَ لِإِيقَاعِهِ إيَّاهُ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلسُّجُودِ التَّرَدُّدُ فِيمَا يَفْعَلُهُ زَائِدًا بِاحْتِمَالٍ ، وَهُوَ هُنَا جَازِمٌ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِزَائِدٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي أَنَّهُ وَاجِبٌ ، أَوْ سُنَّةٌ ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ التَّشَهُّدِ لَتَرَدُّدِهِ بِمُجَرَّدِ الْقُعُودِ فِي وُجُوبِهِ .
( وَلَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا نَاسِيًا ، أَوْ أَحْرَمَ بِمَقْصُورَةٍ فَأَتَمَّهَا نَاسِيًا وَنَسِيَ مِنْ ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي ( كُلِّ رَكْعَةٍ ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( سَجْدَةً حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَتِمُّ بِالثَّانِيَةِ ، وَالثَّالِثَةَ بِالرَّابِعَةِ ( فَيَسْجُدُ ) الْأُولَى وَيَسْجُدُ ( لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ ) فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ ( قُلْت ) إنَّمَا ( تَحْصُلُ الرَّكْعَتَانِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ ) السَّجْدَةَ ( الْأُولَى مِنْ ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى وَلَا الثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَلَا الْأُولَى مِنْ الثَّالِثَةِ وَلَا الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّابِعَةِ ) ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ رَكْعَةٌ وَسَجْدَةٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي تَرْكِ السَّجَدَاتِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ جَوَابُهُ وَلَوْ رُبُعَ الْمَغْرِبِ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً حُسِبَ لَهُ رَكْعَتَانِ .
( وَلَوْ أَرَادَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ ) ، وَالْوِتْرِ ( لِنَازِلَةٍ فَنَسِيَهُ لَمْ يَسْجُدْ ) ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا مِنْهَا وَلِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِخِلَافِ قُنُوتِ الصُّبْحِ ، وَالْوِتْرِ .
( وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ ، فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ ) أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ ( تَمَّتْ بِهَا الْأُولَى ، أَوْ ) عَلِمَ ( قَبْلَهُ بَنَى عَلَى الْأُولَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى نَاسِيًا بِمَا لَوْ أَتَى بِهِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي .
( فَرْعٌ ) لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ، ثُمَّ ظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْعِمْرَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعِشَاءِ قَضَاءً ، ثُمَّ ظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنَّهُ فِي الصُّبْحِ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَفِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ فِي الْعِشَاءِ لَمْ يَضُرَّهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ السَّبْتَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَصَوْمُهُ ا هـ .
وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قَضَاءً .
( الثَّانِيَةُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ ، وَهِيَ سُنَّةٌ ) مُؤَكَّدَةٌ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْحَاكِمُ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ ؛ { لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ أُمِرْنَا بِالسُّجُودِ يَعْنِي لِلتِّلَاوَةِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَهِيَ ( فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْهَا سَجْدَتَا الْحَجِّ ) وَاثْنَتَا عَشْرَةَ فِي الْأَعْرَافِ ، وَالرَّعْدِ ، وَالنَّحْلِ ، وَالْإِسْرَاءِ وَمَرْيَمَ ، وَالْفُرْقَانِ ، وَالنَّمْلِ ، وَالَمْ تَنْزِيلُ ، وَحُمَّ السَّجْدَةِ ، وَالنَّجْمِ ، وَالِانْشِقَاقِ ، وَالْعَلَقِ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ { أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَالسَّجْدَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْهُ سَجْدَةُ ص وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا وَأَمَّا خَبَرُ { لَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ لِلْمَدِينَةِ } فَضَعِيفٌ وَنَافٍ وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ وَمُثْبَتٌ وَأَيْضًا التَّرْكُ إنَّمَا يُنَافِي فِي الْوُجُوبِ دُونَ النَّدْبِ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } وَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك } } وَكَانَ إسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِسَجْدَتَيْ الْحَجِّ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ ( لَا سَجْدَةِ ص ) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ ( فَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ ) لِمَا زَادَهُ عَلَى الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ ( لِتَوْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى دَاوُد )
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْ لِقَبُولِهَا ، وَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ ذَلِكَ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَرَأَ ص فَلَمَّا مَرَّ بِالسُّجُودِ نَشَزْنَا لِلسُّجُودِ أَيْ تَهَيَّأْنَا لَهُ فَلَمَّا رَآنَا قَالَ إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ ص بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ كُتِبَتْ حَرْفًا وَاحِدًا وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا كَذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ اسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ ( فَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ تَمَامِ الْآيَةِ ) وَلَوْ بِحَرْفٍ ( لَمْ يَصِحَّ ) ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ إنَّمَا يَدْخُلُ بِتَمَامِهَا ( وَتَمَامُهَا فِي حم ) السَّجْدَةِ ( يَسْأَمُونَ ) لِتَمَامِ الْكَلَامِ عِنْدَهُ وَفِي النَّحْلِ يُؤْمَرُونَ وَفِي النَّمْلِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَفِي الِانْشِقَاقِ لَا يَسْجُدُونَ وَمَوَاضِعُ بَقِيَّةِ السَّجَدَاتِ بَيِّنَةٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لِاقْتِصَارِ أَصْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا وَنَفْيِهِ عَنْ غَيْرِهَا ، لَكِنْ ذَكَرَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ فِيمَا بَيَّنْته أَيْضًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا قَوْلُهُ ( وَتُسْتَحَبُّ ) يَعْنِي سَجْدَةَ ص ( فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ وَتَحْرُمُ فِيهَا ( فَلَوْ سَجَدَ لَهَا ) أَيْ لِسَجْدَةِ ص ( عَامِدًا عَالِمًا ) بِالتَّحْرِيمِ ( فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ ) ، أَوْ جَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا فَلَا ، لَكِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَسَجْدَةِ الشُّكْرِ ( وَإِنْ سَجَدَهَا إمَامُهُ بِاعْتِقَادٍ ) مِنْهُ لَهَا كَحَنَفِيٍّ ( فَلَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ وَيَنْتَظِرُهُ هُنَا ( قَائِمًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ) إذَا انْتَظَرَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ أَيْ لَا سُجُودَ
عَلَيْهِ فِي فِعْلٍ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ فَلَا يَسْجُدُ لِانْتِظَارِهِ ، وَإِنْ سَجَدَ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ .
قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( الثَّانِيَةُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ ) ( قَوْلُهُ : هِيَ سُنَّةٌ ) رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَتَا أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَعَصَيْت فَلِيَ النَّارُ } ( قَوْلُهُ : وَلِقَوْلِ عُمَرَ أُمِرْنَا بِالسُّجُودِ إلَخْ ) وَهَذَا مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ الْعَظِيمِ مَعَ سُكُوتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَلِيلُ إجْمَاعِهِمْ ( قَوْلُهُ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَخْ ) ، وَعَنْ { عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } عَشْرَ مَرَّاتٍ } رَوَاهُ الْبَزَّارُ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ ) شَمِلَ اسْتِحْبَابُ السُّجُودِ لَهَا قَارِئَهَا وَمُسْتَمِعَهَا وَسَامِعَهَا وَكَتَبَ أَيْضًا فَيَنْوِي بِهَا سُجُودَ الشُّكْرِ ( قَوْلُهُ : وَتَجُوزُ قِرَاءَةُ ص بِالْإِسْكَانِ إلَخْ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنْ قَرَأَ ص بِالْإِسْكَانِ فَمَعْنَاهُ الْقَسَمُ ، وَالْمَعْنَى صَدَقَ مُحَمَّدٌ ، وَالْقُرْآنُ .
أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ أَنَّ مُحَمَّدًا صَدَقَ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًا أَيْ مَنْقُولًا مِنْهُ وَمَعْنَاهُ صَادَ مُحَمَّدٌ قُلُوبَ النَّاسِ حَتَّى دَخَلُوا فِي الدِّينِ ، وَالْقُرْآنُ مَجْرُورٌ عَلَى الْقَسَمِ أَيْضًا وَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ فِعْلِ الْأَمْرِ أَيْ صَادِ بِعَمَلِك الْقُرْآنَ وَحُذِفَتْ الْيَاءُ لِلْأَمْرِ ، وَالْمُصَادَاةُ الْمُقَابَلَةُ الْمَعْنَى اعْرِضْ عَمَلَك عَلَى الْقُرْآنِ فَائْتَمِرْ بِأَوَامِرِهِ وَانْزَجِرْ بِزَوَاجِرِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ } .
( فَرْعٌ يُسَنُّ لِلْقَارِئِ ، وَالْمُسْتَمِعِ ) أَيْ قَاصِدِ السَّمَاعِ ( وَالسَّامِعِ ) أَيْ غَيْرِ قَاصِدِهِ ( هَذِهِ السَّجْدَةُ ) أَيْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ ( وَلَوْ لِقِرَاءَةِ مُحْدِثٍ وَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ ) وَامْرَأَةٍ ( وَمُصَلٍّ وَتَارِكٍ لَهَا ، لَكِنَّهَا ) مِنْ الْمُسْتَمِعِ ، وَالسَّامِعِ ( عِنْدَ سُجُودِ الْقَارِئِ آكَدُ ) مِنْهَا عِنْدَ عَدَمِ سُجُودِهِ لِمَا قِيلَ إنَّ سُجُودَهُمَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى سُجُودِهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ أَيْ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَهُمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا سَاهٍ وَنَائِمٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِمَا التِّلَاوَةَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي السُّجُودُ لِقِرَاءَةِ مَلَكٍ ، أَوْ جِنِّيٍّ لَا لِقِرَاءَةِ دُرَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ قَالَ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَلَوْ قَرَأَ ، أَوْ سَمِعَ أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ آيَةَ سَجْدَةٍ ، فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَسْجُدُ ، لَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ فَوَاتِ التَّحِيَّةِ ، أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
( وَهِيَ لِلْمُسْتَمِعِ آكَدُ مِنْ السَّامِعِ ) أَيْ مِنْهَا لِلسَّامِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّجْدَةُ لِمَنْ جَلَسَ لَهَا وَعُثْمَانُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ قَرَأَهَا الْمُصَلِّي فَرَكَعَ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّاكِعِ جَازَ ( أَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ ) بِأَنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ مَسْنُونٌ فَلَهُ أَنْ لَا يُتِمَّهُ كَمَا لَهُ أَنْ لَا يَشْرَعَ فِيهِ وَكَمَالُهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي الْمُسْتَقِلُّ ) لِكَوْنِهِ إمَامًا ، أَوْ مُنْفَرِدًا ( لِقِرَاءَةِ غَيْرِ نَفْسِهِ ) الْأَوْلَى لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ ( أَوْ ) سَجَدَ ( الْمَأْمُومُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ ) مِنْ نَفْسِهِ ، أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ لِقِرَاءَتِهِ دُونَهُ ، أَوْ تَخَلَّفَ عَنْ سُجُودٍ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) عِنْدَ
التَّعَمُّدِ ، وَالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ ( وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ نُدِبَ لِلْمَأْمُومِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ ) مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا يُنْدَبُ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ ، وَهُوَ فِيهَا إجَابَتُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءَ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْقَضَاءُ طَرِيقَةُ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مَا يُخَالِفُهُ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ، وَكَذَا الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَسْأَلَتِنَا عَدَمُ الْقَضَاءِ ا هـ .
( وَلَا يَتَأَكَّدُ ) قَضَاؤُهُ ( فَإِنْ نَسِيَ ) أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ ، وَهَوَى أَوْ لَمْ يَهْوِ ( أَوْ هَوَى مَعَهُ فَضَعُفَ ) مَثَلًا ( فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ رَجَعَ مَعَهُ ) فِي إطْلَاقِ الرُّجُوعِ مَعَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَهْوِ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ تَجَوُّزٌ .
قَوْلُهُ وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ ) أَيْ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَكَتَبَ أَيْضًا الْجُنُبُ الْعَادِمُ لِلْمَاءِ ، وَالتُّرَابِ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ بَدَلَ الْفَاتِحَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا سَبْعَ آيَاتٍ فِيهِنَّ سَجْدَةٌ لَا يَسْجُدُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ جِنِّيٌّ ) كَمَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ ( قَوْلُهُ : ، لَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ فَوَاتِ التَّحِيَّةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ السُّجُودِ س ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَرَأَهَا الْمُصَلِّي فَرَكَعَ إلَخْ ) لَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَوَقَعَ لَهُ أَنْ لَا يَسْجُدَ وَيَرْكَعَ فَلَمَّا هَوَى عَنَّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا جَازَ ( قَوْلُهُ : أَوْ الْمَأْمُومُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ ) شَمِلَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُ إمَامِهِ عَقِبَ قِرَاءَتِهِ لَهَا قَالَ شَيْخُنَا بِأَنْ كَانَ أَحْدَثَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَخَلَّفَ عَنْ سُجُودٍ مَعَهُ إلَخْ ) مَنْ سَجَدَ إمَامُهُ فِي السِّرِّيَّةِ مِنْ قِيَامٍ سَجَدَ مَعَهُ فَلَعَلَّهُ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ ، فَإِنْ سَجَدَ ثَانِيَةً لَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ يَقُومُ ( قَوْلُهُ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَسْأَلَتِنَا عَدَمُ الْقَضَاءِ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الَّذِي يَتَرَجَّحُ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ خُوطِبَ هُوَ وَالْإِمَامُ بِالسَّجْدَةِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَأَشْبَهَ سُجُودَ السَّهْوِ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ وَكَمَا يُخَاطَبُ سَامِعُ الْمُؤَذِّنِ وَهُوَ فِي بَيْتِ الْخَلَاءِ بِالْإِجَابَةِ إذَا
خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ تَقْصِيرٌ مِنْ جِهَتِهِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْغَيْرِ فَلَمْ يُخَاطَبْ الْمَأْمُومُ وَلَا الْإِمَامُ بِهَا حَالَةَ الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُسْتَحَبَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : رَجَعَ مَعَهُ ) ؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ يُفْعَلُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ زَالَتْ بِرَفْعِ رَأْسِهِ
( وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ وَإِصْغَاءٌ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ .
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِأَحَدِهِمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِلْمُنْفَرِدِ ، وَالْإِمَامِ الْإِصْغَاءُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ حَتَّى فِي السِّرِّيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي الْإِمَامِ .
الْمَفْهُومُ مِنْهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْأَوْلَى ( فَرْعٌ لَوْ سَجَدَ لِآيَةٍ ، ثُمَّ أَعَادَهَا ) وَلَوْ مِرَارًا ( فَوْرًا سَجَدَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ ) لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ حُكْمِ الْأَوَّلِ ( فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ كَفَاهُ لَهُمَا ) أَوْ لَهَا سَجْدَةٌ ( وَاحِدَةٌ ) وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِكَفَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ : أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ، وَهِيَ ) أَيْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَلِكَوْنِهَا صَلَاةً أَوْ فِي مَعْنَاهَا ( تَفْتَقِرُ إلَى شَرَائِطِ الصَّلَاةِ ) كَطَهَارَةٍ وَسِتْرٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَتَرْكِ كَلَامٍ وَإِلَى دُخُولِ وَقْتِهَا مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ سَمَاعِ آيَةِ السَّجْدَةِ جَمِيعِهَا ( وَلَوْ سَجَدَ غَيْرُ الْمُصَلِّي وَجَبَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ نَاوِيًا ) السُّجُودَ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ( وَنُدِبَ رَفْعُ يَدَيْهِ ) مَعَ التَّكْبِيرِ ( كَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ ) فَيَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ( وَلَا يُحْدِثُ ) مَنْ قَرَأَ قَاعِدًا ( قِيَامًا ) لِيَسْجُدَ مِنْهُ أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ ، وَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ ( يَهْوِي مُكَبِّرًا بِلَا رَفْعٍ ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ ( وَيَأْتِي ) نَدْبًا ( بِالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ فِيهِ ) أَيْ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ فِيهِ { سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد } رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُمَا وَيُنْدَبُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ مَا يَقُولُهُ فِي سُجُودِ صَلَاتِهِ جَازَ وَلَوْ أَبْدَلَ جَازَ بِكَفَى كَانَ أَحْسَنَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ التَّسْبِيحِ وَفِي الْإِحْيَاءِ يَدْعُو فِي سُجُودِهِ بِمَا يَلِيقُ بِالْآيَةِ فَيَقُولُ فِي سَجْدَةِ الْإِسْرَاءِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الْبَاكِينَ إلَيْك ، وَالْخَاشِعِينَ لَك وَفِي سَجْدَةِ الم السَّجْدَةِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ السَّاجِدِينَ لِوَجْهِك الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِك وَأَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ أَمْرِك وَعَلَى أَوْلِيَائِك ( ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا ) وَيَجْلِسُ
( وَيُشْتَرَطُ ) لَهُ ( السَّلَامُ ) ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْرَامِ فَافْتَقَرَ إلَى التَّحَلُّلِ كَالصَّلَاةِ ( لَا التَّشَهُّدِ ) فَلَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَامِ وَلَا قِيَامَ فِيهِ وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ لَا يُسَنُّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ ( فَإِنْ كَانَ ) السُّجُودُ ( فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ لِلْهُوِيِّ وَلِلرَّفْعِ ) مِنْ السَّجْدَةِ نَدْبًا كَمَا فِي سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ لِلْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ ( وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ ) فِي الْهُوِيِّ إلَيْهَا وَلَا فِي الرَّفْعِ مِنْهَا كَمَا فِي سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ ( وَلَا يَجْلِسُ ) أَيْ وَلَا يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ ( لِلِاسْتِرَاحَةِ ) بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ تَرِدْ ( وَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ ) مِنْهَا ( ثُمَّ يَرْكَعَ ) فَلَوْ قَامَ رَاكِعًا لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّ الْهُوِيَّ مِنْ الْقِيَامِ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ ) قَبْلَ رُكُوعِهِ ( فِي قِيَامِهِ ) مِنْ سُجُودِهِ ( شَيْئًا ) مِنْ الْقُرْآنِ .
( قَوْلُهُ ، أَوْ فِي مَعْنَاهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ سَمَاعُ آيَةِ السَّجْدَةِ ) جَمِيعِهَا قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ سَمَاعَ الْآيَةِ بِكَمَالِهَا شَرْطٌ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى لَا يَكْفِيَ سَمَاعُ كَلِمَةِ السَّجْدَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) ، وَالْمَجْمُوعِ ج قَوْلُهُ : ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَيَجْلِسُ ) قَالَ شَيْخُنَا لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْجُلُوسُ قَبْلَ السَّلَامِ وَاجِبٌ ، أَوْ مَنْدُوبٌ ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إذْ لَمْ يُعْهَدْ لَنَا سَلَامٌ مُحَلِّلٌ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ إلَّا فِي الْجِنَازَةِ وَفِي حَقِّ الْعَاجِزِ ( قَوْلُهُ : لَا لِلْإِحْرَامِ ؛ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ اتِّفَاقًا .
ا هـ .
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَشْمَلُهَا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالنِّيَّةِ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ التَّحَرُّمُ .
( فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ عَقِيبَ ) قِرَاءَةِ ، أَوْ سَمَاعِ ( الْآيَةِ ) وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْآيَةِ كَانَ أَنْسَبَ بِقَوْلِهِ ( مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ) عُرْفًا ( فَإِنْ طَالَ ) وَلَوْ بِعُذْرٍ ( لَمْ يَقْضِ ) ؛ لِأَنَّهُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَاعْتِبَارُ السَّمَاعِ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِالْقَارِئِ فِي صَلَاةٍ وَإِلَّا فَلْيُتَابِعْهُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْقَارِئُ أَوْ السَّامِعُ ( مُحْدِثًا فَتَطَهَّرَ عَلَى قُرْبٍ سَجَدَ ) وَإِلَّا فَلَا ( وَإِنْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَجَدَ ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ ( لَا ) إنْ قَرَأَهَا ( فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ) وَاعْتِدَالٍ وَجُلُوسٍ ( وَلَا إنْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ ) لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ ( وَلَا يَقْتَدِي ) السَّامِعُ بِالْقَارِئِ ( فِي سُجُودِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ) وَلَا يَرْتَبِطُ بِهِ فَلَهُ الرَّفْعُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ مَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ جَوَازُهُ ( وَلَا تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ ) لِآيَةِ سَجْدَةٍ ، أَوْ أَكْثَرَ ( لِقَصْدِ السُّجُودِ بَلْ تُكْرَهُ ) الْقِرَاءَةُ ( لِقَصْدِهِ فِي الصَّلَاةِ وَ ) فِي ( الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ ) كَمَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ ، فَالْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالسُّجُودِ لِذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَتِهِ لِذَلِكَ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ ، وَعَنْ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ ، وَهَلْ يَسْجُدُ لَهَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَالْأَقْرَبُ لَا لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا كَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِقَصْدِ السُّجُودِ مَا لَوْ قَصَدَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَبِالْكَرَاهَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِقْهٌ حَسَنٌ ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ
الرَّوْضَةِ أَنَّهُ عَلَى السُّجُودِ ؛ لِأَنَّ لِوَسِيلَةِ الشَّيْءِ حُكْمَهُ .
( قَوْلُهُ : لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ جَوَازُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجُوزُ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْقَارِئُ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْمُسْتَمِعُ خَارِجَهَا فَسَجَدَ فِيهَا الْقَارِئُ فِي سُجُودِهِ لَا يُتَابِعُهُ الْمُسْتَمِعُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَدٍ بِهِ وَلَوْ كَانَ قَدْ عَقَدَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَهُوَ لَمْ يَعْقِدْهُ إلَّا بِسَجْدَةٍ فَلَا يَتْبَعْهُ فِي غَيْرِهَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ نُهِيَ عَنْ زِيَادَةِ سُجُودٍ فِيهَا إلَّا لِسَبَبٍ كَمَا أَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا إلَّا لِسَبَبٍ ، فَالْقِرَاءَةُ بِقَصْدِ السُّجُودِ كَتَعَاطِي السَّبَبِ بِاخْتِيَارِهِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِيَفْعَلَ الصَّلَاةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ فِي أُولَى صُبْحِ الْجُمُعَةِ فَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الم تَنْزِيلُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ السُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ النِّيَّةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ لِيَسْجُدَ فِيهَا مَرْدُودٌ مِمَّا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ إذْ لَيْسَ الْقَصْدُ فِي قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السُّجُودَ فِيهَا فَقَطْ بَلْ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَقْرَبُ لَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَإِنْ سَلَّمَ الْمُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ) سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ ( أَوْ قَرَأَ بَعْدَ آيَتِهَا آيَاتٍ وَلَمْ يَطُلْ فَصْلٌ سَجَدَ ) ، وَإِنْ طَالَ فَلَا ( وَلَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِقِرَاءَةِ أَجْنَبِيٍّ ) سَمِعَهَا مِنْهُ فِي صَلَاتِهِ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ غَيْرِ إمَامِهِ لَا تَقْتَضِي سُجُودَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْإِصْغَاءُ لَهَا ( وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا لِلْخَطِيبِ ) إذَا قَرَأَ آيَتَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ مَكَانَهُ لِكُلْفَةِ النُّزُولِ ، وَالصُّعُودِ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ خَشِيَ طُولَ الْفَصْلِ وَإِلَّا نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ كَمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ ( وَ ) يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ ( تَأْخِيرُهَا فِي ) الصَّلَاةِ ( السِّرِّيَّةِ إلَى الْفَرَاغِ ) مِنْهَا لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَمَحَلُّهُ إذَا قَصُرَ الْفَصْلُ ( وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةٍ فِي ) صَلَاةِ ( جِنَازَةٍ ) لَا فِيهَا وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهَا .
( قَوْلُهُ : لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْجَهْرِيَّةَ كَذَلِكَ إذَا بَعُدَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ عَنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَلَا يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ ، أَوْ أَخْفَى جَهْرَهُ ، أَوْ وُجِدَ حَائِلٌ أَوْ صَمَمٌ ، أَوْ نَحْوُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى .
( الثَّالِثَةُ سَجْدَةُ الشُّكْرِ وَتُسْتَحَبُّ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَةٍ ) كَحُدُوثِ وَلَدٍ أَوْ جَاهٍ ، أَوْ مَالٍ ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ ، أَوْ نَصْرٍ عَلَى عَدُوٍّ ( أَوْ ) عِنْدَ ( انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ ) كَنَجَاةٍ مِنْ غَرَقٍ ، أَوْ حَرِيقٍ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ { سَأَلْت رَبِّي وَشَفَعْت لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي ، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي ، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَجَدَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ } ( لَا لِاسْتِمْرَارِهِمَا ) أَيْ النِّعْمَةِ وَانْدِفَاعِ النِّقْمَةِ وَفِي نُسْخَةٍ لَا لِاسْتِمْرَارِهَا أَيْ النِّعْمَةِ ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الْأَصْلِ كَالْعَافِيَةِ ، وَالْإِسْلَامِ ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِغْرَاقِ الْعُمُرِ فِي السُّجُودِ وَقَيَّدَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ النِّعْمَةَ ، وَالنِّقْمَةَ بِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ لِيُخْرِجَ الْبَاطِنَتَيْنِ كَالْمَعْرِفَةِ وَسَتْرِ الْمَسَاوِئِ وَقَيَّدَهُمَا الْأَصْلُ ، وَالْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ أَيْ يُدْرَى وَحَذَفَهُ الْمُخْتَصَرُ لِقَوْلِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِيهِ ، أَوْ لَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَتُسْتَحَبُّ لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ ) مِنْ زَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ ( أَوْ ) لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى ( بِمَعْصِيَةٍ ) مُجَاهِرٍ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدِّينِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا ، وَلَوْ حَضَرَ الْمُبْتَلَى ، أَوْ الْعَاصِي فِي ظُلْمَةٍ ، أَوْ عِنْدَ أَعْمَى ، أَوْ سَمِعَ صَوْتَهُمَا سَامِعٌ وَلَمْ يَحْضُرَا ،
فَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا ( وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي ) بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْبِيرًا لَهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ لَا لِلْمُبْتَلَى ؛ لِئَلَّا يَتَأَذَّى ، نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَظْهَرَهَا لَهُ قَالَهُ الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَوْبَتَهُ وَإِلَّا فَلْيُسِرَّهَا ، وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا لِحُصُولِ نِعْمَةٍ ، أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمَجْمُوعِ ، فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِهَا لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً ، أَوْ ضَرَرًا أَخْفَاهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَعِنْدِي : أَنَّهُ لَا يُظْهِرُهَا لِتَجَدُّدِ ثَرْوَةٍ بِحَضْرَةِ فَقِيرٍ ؛ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَهُوَ حَسَنٌ ( وَفِي قَضَائِهَا وَجْهَانِ ) كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ كَذَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قَالَ وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ .
وَذِكْرُهُ هَذَا فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ عَجِيبٌ ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي مَحَلِّهَا وَتَبِعَهُ هُوَ أَيْضًا ثَمَّ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ قَضَائِهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ( وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا ) أَيْ مَعَ سَجْدَةِ الشُّكْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ ( الصَّدَقَةُ ، وَالصَّلَاةُ لِلشُّكْرِ ) وَزَادَ لَفْظَةَ أَيْضًا لِيُفِيدَ مَا نَقَلْته عَنْ الْمَجْمُوعِ ، لَكِنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ تِلْمِيذَ الْبَغَوِيّ الذَّاكِرَ لِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ خِلَافَهُ ، فَقَالَ : لَوْ أَقَامَ التَّصَدُّقَ ، أَوْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَقَامَ السُّجُودِ كَانَ حَسَنًا .
( الثَّالِثَةُ سَجْدَةُ الشُّكْرِ ) قَوْلُهُ : أَوْ نَصْرٍ عَلَى عَدُوٍّ ) أَوْ حُدُوثِ مَطَرٍ عِنْدَ الْقَحْطِ ( قَوْلُهُ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَجَدَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ } إلَخْ ) وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ فَتْحِ الْيَمَامَةِ وَقَتْلِ مُسَيْلِمَةَ وَسَجَدَ عُمَرُ عِنْدَ فَتْحِ الْيَرْمُوكِ وَسَجَدَ عَلِيٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذِي الثَّدْيَيْنِ قَتِيلًا بِالنَّهْرَوَانِ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَهُمَا الْأَصْلُ ، وَالْمُحَرَّرُ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ قَبْضِ رَيْعِ الْأَمْلَاكِ وَجِذَاذِ الثِّمَارِ وَحَصْدِ الزُّرُوعِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا نِعَمٌ ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ يَحْتَسِبُ الْعَبْدُ ، وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْأَرْبَاحِ بِالْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا .
( قَوْلُهُ : وَلِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ ، أَوْ بِمَعْصِيَةٍ ) لَوْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ ، أَوْ الْعِصْيَانِ فَهَلْ يَسْجُدُ ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يَقْتَضِي السُّجُودَ ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَهُ ع وَهُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ : ، فَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي ) قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ بِالْمُتَظَاهِرِ بِفِسْقِهِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَقْيِيدِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِالْمُجَاهِرِ : وَقْفَةٌ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَهَا مَنْ اطَّلَعَ عَلَى حَالِ الْمُسْتَتِرِ الْمُصِرِّ فَهُوَ إلَى الِانْزِجَارِ أَقْرَبُ مِنْ الْمُجَاهِرِ .
وَقَوْلُهُ قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَظْهَرَهَا لَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِهَا لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً إلَخْ ) هَلْ يُظْهِرُهَا
لِلْفَاسِقِ الْمُتَجَاهِرِ الْمُبْتَلَى فِي بَدَنِهِ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ ؟ يَحْتَمِلُ الْإِظْهَارَ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالزَّجْرِ ، وَالْإِخْفَاءَ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَنَّهُ عَلَى الِابْتِلَاءِ فَيَنْكَسِرَ قَلْبُهُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُظْهِرَ وَيُبَيِّنَ لَهُ السَّبَبَ وَهُوَ الْفِسْقُ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا ع الِاحْتِمَالَانِ الْأَوَّلَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَوْ رَأَى فَاسِقًا مُجَاهِرًا مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ فَهَلْ يُظْهِرُهَا أَوْ يُخْفِيهَا فِيهِ احْتِمَالٌ ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ .
وَقَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُظْهِرَ وَيُبَيِّنَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ حَسَنٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ قَضَائِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَا نَقَلْته عَنْ الْمَجْمُوعِ ) عِبَارَتُهُ يَعْنِي مَعَ فِعْلِ سُجُودِ الشُّكْرِ .
( وَهِيَ ) أَيْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ ( كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ) الْمَفْعُولَةِ ( خَارِجَ الصَّلَاةِ ) شَرْطًا وَكَيْفِيَّةً وَلَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا ( فَإِنْ سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ ) عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ( وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِيَسْجُدَ بِهَا لِلشُّكْرِ لَمْ يَجُزْ ) وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِسُجُودِهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ ( فَرْعٌ لَوْ سَجَدَ لَهُ ) أَيْ لِلشُّكْرِ ( وَلِلتِّلَاوَةِ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي سَفَرٍ ) وَلَوْ قَصِيرًا ( جَازَ ) بِخِلَافِ الْمَاشِي فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْمُتَنَفِّلِ فِيهِمَا ( وَلَوْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ ) تَعَالَى ( بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَرُمَ ) وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةٍ كَمَا يَحْرُمُ بِرُكُوعٍ مُفْرَدٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حُرْمَةُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ ، أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى وقَوْله تَعَالَى { خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } مَنْسُوخٌ ، أَوْ مُؤَوَّلٌ .
( قَوْلُهُ : عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) ، فَإِنْ نَسِيَ ، أَوْ جَهِلَ لَمْ تَبْطُلْ .
( الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ) هُوَ ، وَالنَّفَلُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَالْمَنْدُوبُ ، وَالْمُسْتَحَبُّ ، وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ ، وَالْحَسَنُ بِمَعْنًى ، وَهُوَ مَا رَجَّحَ الشَّرْعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ وَجَازَ تَرْكُهُ وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : غَيْرُ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ : تَطَوُّعٌ ، وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً ، وَسُنَّةٌ ، وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُسْتَحَبٌّ ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا ، أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ ؛ لِعُمُومِهَا لِلثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْمِ ( أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ ( الصَّلَاةُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا } وَقِيلَ الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ } وَقِيلَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ ، فَالصَّلَاةُ ، أَوْ بِالْمَدِينَةِ ، فَالصَّوْمُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَالْخِلَافُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ ( وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ ) وَلَا يَرِدُ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ وَحِفْظُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ ، وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِمَا صَرَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّطَوُّعُ ( قِسْمَانِ قِسْمٌ تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ أَفْضَلُ ) مِمَّا لَا تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ لِتَأَكُّدِهِ بِسَنِّهَا لَهُ وَلَهُ مَرَاتِبُ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ ( وَأَفْضَلُهُ الْعِيدَانِ ) لِشَبَهِهِمَا الْفَرْضَ فِي الْجَمَاعَةِ وَتَعَيُّنِ الْوَقْتِ وَلِلْخِلَافِ فِي
أَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ أَفْضَلُ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرَهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى ؛ لِأَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَفِيهِ نُسُكَانِ الْحَجُّ ، وَالْأُضْحِيَّةُ .
وَقِيلَ : إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ( ثُمَّ الْكُسُوفُ ) لِلشَّمْسِ ( ثُمَّ الْخُسُوفُ ) لِلْقَمَرِ لِخَوْفِ فَوْتِهِمَا بِالِانْجِلَاءِ كَالْمُؤَقَّتِ بِالزَّمَانِ وَلِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمَا قَالَ تَعَالَى { لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ } الْآيَةَ ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ لَهُمَا بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ تَرَكَهُ أَحْيَانًا وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ عَلَى الْخُسُوفِ فَلِتَقَدُّمِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ فِي الْقُرْآنِ ، وَالْأَخْبَارِ ؛ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَخَصَّ الْكُسُوفَ بِالشَّمْسِ ، وَالْخُسُوفَ بِالْقَمَرِ بِنَاءً عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَعَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ الْأَجْوَدُ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى ( ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ ) لِتَأَكُّدِ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا ( ثُمَّ التَّرَاوِيحُ وَغَيْرُ الضُّحَى مِنْ الرَّوَاتِبِ ) ، وَهِيَ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ ( أَفْضَلُ مِنْ التَّرَاوِيحِ ) ، وَإِنْ سُنَّ لَهَا الْجَمَاعَةُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى الرَّوَاتِبِ دُونَ التَّرَاوِيحِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ الْإِمَامَ ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ .
وَجُمْهُورُ
الْأَصْحَابِ أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْ الرَّوَاتِبِ مَا عَدَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَالْوِتْرِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَلَفْظُ غَيْرُ الضُّحَى مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الضُّحَى مِنْ الرَّوَاتِبِ فَلَوْ قَالَ كَأَصْلِهِ ، وَالرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ مِنْ التَّرَاوِيحِ كَانَ أَوْلَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ الضُّحَى ( وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً ) بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا } ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى أَيْضًا هُوَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا أَيْ يَسْتَرِيحُونَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ ، وَالسِّيرَافِيُّ : كَوْنُهَا عِشْرِينَ أَنَّ الرَّوَاتِبَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً ؛ لِيُسَاوُوهُمْ .
قَالَ الشَّيْخَانِ : وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَدْفِنِهِ وَهَذَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ وَمَنْ اقْتَدَى بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَامَ
بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا بِمَا صَنَعُوا الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ مَكَّةَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الْفَضْلِ لَا الْمُنَافَسَةِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ قَالَ : وَالِاقْتِصَارُ عَلَى عِشْرِينَ مَعَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِمَا يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَفْضَلُ لِفَضْلِ طُولِ الْقِيَامِ عَلَى كَثْرَةِ الرُّكُوعِ ، وَالسُّجُودِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ أَمْيَلُ وَغَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ أَحْوَجُ إلَى الِازْدِيَادِ فِي الْفَضْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فَزَادَ عَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ ، أَوْ قِيَامِ رَمَضَانَ هَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الْوِتْرِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِثْلُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَاعَةٍ الصِّحَّةُ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ ( يَنْوِي بِإِحْرَامٍ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ التَّرَاوِيحَ ، أَوْ قِيَامَ رَمَضَانَ ) لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا وَأَفَادَ كَلَامُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ( فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ يَصِحَّ ) لِشَبَهِهَا بِالْفَرْضِ فِي طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَ ( بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ ) ، وَالْعَصْرِ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ ( ثُمَّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا ) أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ فِعْلِهَا فُرَادَى لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ فِي الْخَبَرِ ( وَ ) فِعْلُهَا ( بِالْقُرْآنِ ) فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ( أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَثَلًا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ ( وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ بِالْأَنْعَامِ فِي رَكْعَةٍ مِنْهَا ) لِاعْتِقَادِ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ إنَّهُ بِدْعَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَفَاسِدَ وَصَوَّرَهَا فِي التِّبْيَانِ
بِأَنْ يَقْرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ ، وَهَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَخْذًا مِنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ .
( الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ) .
قَوْلُهُ : أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ ) خَرَجَ بِعِبَادَاتِ الْبَدَنِ عِبَادَاتُ الْقَلْبِ كَالْإِيمَانِ ، وَالْمَعْرِفَةِ ، وَالتَّفَكُّرِ ، وَالتَّوَكُّلِ ، وَالصَّبْرِ ، وَالرِّضَا ، وَالْخَوْفِ ، وَالرَّجَاءِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ ، وَالتَّوْبَةِ ، وَالتَّطْهِيرِ مِنْ الرَّذَائِلِ .
وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا ، وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ ( قَوْلُهُ : لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ } إلَخْ ) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَقِيمُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّهَا تِلْوُ الْإِيمَانِ وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ وَعَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ ، وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى إيمَانًا فَقَالَ { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ } أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؛ وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ مِنْ الْقُرَبِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ، وَالْقِرَاءَةِ ، وَالتَّسْبِيحِ ، وَاللُّبْثِ ، وَالِاسْتِقْبَالِ ، وَالطَّهَارَةِ ، وَالسِّتَارَةِ وَتَرْكِ الْأَكْلِ ، وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِالرُّكُوعِ ، وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا .
( قَوْلُهُ : فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا ) ؛ لِأَنَّهَا تِلْوُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْقُرَبِ ، وَأَشْبَهُ بِهِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى نُطْقٍ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٍ بِالْأَرْكَانِ وَاعْتِقَادٍ بِالْجَنَانِ ( قَوْلُهُ : إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَقَرَّبْ إلَى أَحَدٍ بِالْجُوعِ ، وَالْعَطَشِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَحَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ ؛ وَلِأَنَّ خُلُوَّ الْجَوْفِ مِنْ الطَّعَامِ ، وَالشَّرَابِ يَرْجِعُ إلَى الصَّمَدِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ ، وَالصَّمَدِيَّةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِاخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِخْلَاصِ لِخَفَائِهِ
دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ ظَاهِرَةٌ يُطَّلَعُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ الرِّيَاءُ فِيهَا أَغْلَبَ فَحَسُنَتْ الْإِضَافَةُ لِلشَّرَفِ الَّذِي حَصَلَ لِلصَّوْمِ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ ، فَالصَّلَاةُ إلَخْ ) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَفْضَلُهَا الطَّوَافُ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَقَالَ الْقَاضِي الْحَجُّ أَفْضَلُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ الْجِهَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلِيهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْجَائِعِ ، وَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِلْعَطْشَانِ ، فَإِنْ اجْتَمَعَا نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَتَصَدُّقُ الْغَنِيِّ الشَّدِيدِ الْبُخْلِ بِدِرْهَمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ حُبِّ الدُّنْيَا .
وَالصَّوْمُ لِمَنْ اسْتَحْوَذَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ) وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ } وَبِهِ أَفْتَى وَالِدُ النَّاشِرِيِّ وَبِهِ أَفْتَيْت ( قَوْلُهُ : ثُمَّ التَّرَاوِيحُ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ لَا تَطَوُّعَ غَيْرَ مَا ذُكِرَ تُسَنُّ لَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى تَكُونَ التَّرَاوِيحُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ الْإِمَامَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ إلَخْ ) اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ مَعَ قَوْلِهِ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ { هُنَّ خَمْسٌ
وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } إذْ كَيْفَ يَخَافُ الزِّيَادَةَ مَعَ هَذَا الْخَبَرِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ ، أَوْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَكُونَ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ ، أَوْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ س ( قَوْلُهُ : وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : هَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الْوِتْرِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِثْلُهُ ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ إذَا أَحْرَمَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ) سُنَّةِ الظُّهْرِ ، أَوْ الْعَصْرِ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ كَالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ ، أَوْ لَا ؟ فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ فَإِذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْهَا ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ : الَّذِي تَبَيَّنَ لِي وَيُفْهَمُ مِنْ نُصُوصِهِمْ نَصًّا وَتَعْلِيلًا أَنَّ ذَلِكَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ وَقَوْلُهُ : فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ ، وَهُوَ الرَّوَاتِبُ ) التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ ( وَغَيْرِهَا ) كَالضُّحَى ( وَأَفْضَلُهَا الْوِتْرُ ) لِخَبَرِ { أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ { الْوِتْرِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ ، أَوْ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ ، أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلِوُجُوبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا قَوْله تَعَالَى { وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَوَاتِ وُسْطَى { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ } ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْضِيلِ مُقَابَلَةُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ دَلِيلُهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ فَمَعَ اخْتِلَافِهِ أَوْلَى .
ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ( ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ { لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } ( وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ) لِمَا ذُكِرَ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ، وَهُوَ قَوِيٌّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ } وَفِي رِوَايَةٍ { الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ } ، وَالْأَوَّلُ حَمَلَ هَذَا عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ ( ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ ) الْآتِي بَيَانُهَا لِتَأَكُّدِهَا بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ( ثُمَّ الضُّحَى ) ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَانٍ ( ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، وَالْإِحْرَامِ ،
وَالتَّحِيَّةِ ) لِاسْتِنَادِهَا إلَى أَسْبَابٍ فَفُضِّلَتْ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَلَا تَرْتِيبَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ كَمَا أَفْهَمَهُ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَالْمُتَّجَهُ تَقْدِيمُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِمَا عِنْدَنَا ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا وَقَعَ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَقَعَ سَبَبُهُمَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ وَخَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ وَبَعْدَ الرَّوَاتِبِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ ، وَالضُّحَى ، وَالتَّرَاوِيحُ ، وَالتَّحِيَّةُ وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ وَسَائِرُ مَا لَهَا سَبَبٌ ، ثُمَّ غَيْرُهَا .
( قَوْلُهُ : وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ ) لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهِ فُرَادَى ( قَوْلُهُ : وَلِخَبَرِ { الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } ) وَلِخَبَرِ { مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ( قَوْلُهُ : وَلِوُجُوبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ حَتَّى صَاحِبَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } ) قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ عِنْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ نَوْمِهِمْ يَبْتَدِرُونَ إلَى مَعَاشِهِمْ وَكَسْبِهِمْ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَضْلًا عَمَّا عَسَاهُ يَحْصُلُ لَكُمْ مِنْهَا فَلَا تَتْرُكُوهُمَا وَتَشْتَغِلُوا بِهِ ؛ وَلِأَنَّ عَدَدَهُمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَأَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ ، بَلْ قِيلَ : إنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْوِتْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَدَّمَانِ عَلَى مَتْبُوعِهِمَا ، وَالْوِتْرُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ أَوْلَى .
قَوْلُهُ : فَإِنْ قِيلَ نَعَمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ هُنَا وَجَزَمَ فِي كِتَابَتِهِ فِي بَابِ الْكُسُوفَيْنِ بِالْمَنْعِ وَأَنَّ جَوَازَ التَّغْيِيرِ بِالنِّيَّةِ خَاصٌّ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَلْيُرَاجَعْ .
ا هـ .
كَاتِبُهُ .
قَوْلُهُ : وَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ أَوْلَى قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الرَّاتِبَةَ الْقَبْلِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَعْدِيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اشْتَهَرَ عَنْ تَقْرِيرِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فَلْيُحَرَّرْ .
ا هـ .
كَاتِبُهُ وَلِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لِلصُّبْحِ ، وَالْوِتْرَ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ .
وَالصُّبْحُ آكَدُ مِنْ الْعِشَاءِ .
( وَرَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ ) الْمُؤَكَّدَةِ ( عَشْرٌ ) ، وَالْحِكْمَةُ فِيهَا تَكْمِيلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ فَضْلًا مِنْ اللَّه وَنِعْمَةً ، وَهِيَ ( رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَ ) رَكْعَتَانِ قَبْلَ ( الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَ ) رَكْعَتَانِ بَعْدَ ( الْمَغْرِبِ وَ ) رَكْعَتَانِ بَعْدَ ( الْعِشَاءِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ ( وَتُسَنُّ زِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِمَا سَيَأْتِي ( وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ) لِخَبَرِ { مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ ( وَ ) تُسَنُّ ( أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ ) لِلِاتِّبَاعِ وَلِخَبَرِ { رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا } رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا ( وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } ، وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ ، وَالْإِقَامَةُ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ } أَيْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَيُسَنُّ تَخْفِيفُهُمَا كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ ، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتُسَنُّ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِخَبَرِ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ ( وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ ) فِي الرَّوَاتِبِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مِنْ الْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الظُّهْرِ وَلِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ } وَخَبَرِ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } وَخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا } وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِتَوْقِيفٍ ( وَلَا تُقَدَّمُ الرَّوَاتِبُ اللَّاحِقَةُ ) لِلْفَرَائِضِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا إنَّمَا
يَدْخُلُ بِفِعْلِهَا ( وَتُؤَخَّرُ ) عَنْهَا ( السَّابِقَةُ ) عَلَيْهَا ( جَوَازًا لَا اخْتِيَارًا ) لِامْتِدَادِ وَقْتِهَا بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْفَرَائِضِ ، وَقَدْ يَخْتَارُ تَأْخِيرَهَا كَمَنْ حَضَرَ ، وَالصَّلَاةُ تُقَامُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ .
( قَوْلُهُ : رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ ) لَهُ فِي نِيَّتِهِمَا عَشْرُ كَيْفِيَّاتٍ : سُنَّةَ الصُّبْحِ ، سُنَّةَ الْفَجْرِ ، سُنَّةَ الْبَرْدِ ، سُنَّةَ الْوُسْطَى ، سُنَّةَ الْغَدَاةِ ، وَلَهُ أَنْ يَحْذِفَ لَفْظَ السُّنَّةِ وَيُضِيفَهُ ؛ فَيَقُولَ : رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ ، رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، رَكْعَتَيْ الْبَرْدِ ، رَكْعَتَيْ الْوُسْطَى ، رَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ ( قَوْلُهُ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ } إلَخْ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهُمَا إذَا أُذِّنَ لِلْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ لِكَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا .
نَعَمْ إنْ أَدَّى الِاشْتِغَالُ بِهِمَا إلَى عَدَمِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ ، فَالْقِيَاسُ تَأْخِيرُهُمَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ ( قَوْلُهُ : وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ ) وَيَنْوِي بِمَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَمَا بَعْدَهَا سُنَّةَ الْجُمُعَةِ ، وَعَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَنْوِي بِاَلَّتِي قَبْلَهَا سُنَّةَ الظُّهْرِ وَبِاَلَّتِي بَعْدَهَا سُنَّةَ الْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ مِنْ اسْتِكْمَالِ شُرُوطِهَا ( قَوْلُهُ : وَخَبَرُ { بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ } ) وَخَبَرُ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { مَا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَانِ } ( قَوْلُهُ : وَلَا تُقَدَّمُ الرَّوَاتِبُ اللَّاحِقَةُ مِنْ فَائِتَةِ الْعِشَاءِ ) هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ قَبْلَ قَضَائِهَا ؟ حَكَى الْقَمُولِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَهُمَا غَرِيبَانِ د هَلْ يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي الْفَرَائِضِ ، وَالسُّنَنِ الَّتِي تُؤَخَّرُ عَنْهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ ، أَوْ لَا ؟ قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ : الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ .
ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ حَكَى الْقَمُولِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ قَالَ شَيْخُنَا : أَصَحُّهُمَا لَا .
( فَصْلٌ يَحْصُلُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَبِالْأَوْتَارِ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ فَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ ، ثُمَّ سَبْعٌ ، ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ ، وَهِيَ أَكْثَرُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ عَائِشَةَ { مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً } ( وَلَا تَصِحُّ زِيَادَةٌ ) عَلَيْهَا كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ صَحَّ إلَّا الْإِحْرَامَ السَّادِسَ فَلَا يَصِحُّ وِتْرًا ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمَنْعَ وَتَعَمَّدَ ، فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا كَإِحْرَامِهِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ غَالِطًا وَقِيلَ أَكْثَرُ الْوِتْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِيهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ مُبَاعِدٌ لِلْأَخْبَارِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنَا أَقْطَعُ بِحِلِّ الْإِيتَارِ بِذَلِكَ وَصِحَّتِهِ ، لَكِنِّي أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ فَأَقَلَّ ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلَوْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ فَأَكْثَرَ وَتَشَهَّدَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ ، أَوْ ) فِي ( الْأَخِيرَةِ جَازَ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( لَا ) إنْ تَشَهَّدَ ( فِي غَيْرِهِمَا ) فَقَطْ أَوْ مَعَهُمَا ، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ بِخِلَافِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَصْرَ لِرَكَعَاتِهِ وَتَشَهُّدَاتِهِ ( وَالْفَصْلُ ) وَلَوْ ( بِوَاحِدَةٍ ) أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إخْبَارًا وَعَمَلًا ( ثُمَّ الْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ أَفْضَلُ ) مِنْهُ بِتَشَهُّدَيْنِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَوَرَدَ { لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَلَا تُشَبِّهُوا الْوِتْرَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ( وَثَلَاثٌ
مَوْصُولَةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَةٍ ) لِزِيَادَةِ الْعِبَادَةِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنَّ الْإِيتَارَ بِرَكْعَةٍ مَكْرُوهٌ .
( قَوْلُهُ وَبِالْأَوْتَارِ إلَى إحْدَى عَشْرَةَ ) شَمِلَ مَا لَوْ أَتَى بِبَعْضِ الْوِتْرِ ، ثُمَّ تَنَفَّلَ ، ثُمَّ أَتَى بِبَاقِيهِ ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ أَتَى بِبَعْضِ الْوِتْرِ ، ثُمَّ تَنَفَّلَ ، ثُمَّ أَكْمَلَهُ أَجْزَأَهُ ( قَوْلُهُ ، فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْفَصْلُ وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ أَفْضَلُ ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا بِالسَّلَامِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ } قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا أَوْتَرَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ فَمَا دُونَهَا ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ا هـ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَصْلَ أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ وَأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْفَصْلِ بِأَكْثَرَ مِنْهُمَا وَحَكَى فِي الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْوَصْلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَانِ لِصَلَاةٍ وَرَكْعَةٌ لِلْوِتْرِ ، فَالْأَفْضَلُ الْفَصْلُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ غَرِيبٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي النِّيَّةِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ لَا تَتَأَدَّى إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ حُجَّةٌ لَهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا نَوَى بِاثْنَتَيْنِ مُقَدِّمَةَ الْوِتْرِ وَبِالثَّالِثَةِ الْوِتْرَ وَوَقْتُ الْوِتْرِ ، وَالتَّرَاوِيحِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ ) بِأَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَأَوْتَرَ بَعْدَهُمَا بِرَكْعَةٍ ، أَوْ وَصْلٍ مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَخْبَارًا وَعَمَلًا ) وَلِخَبَرِ ابْنِ
حِبَّانَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ ، وَالْوِتْرِ بِالتَّسْلِيمِ } ( قَوْلُهُ : وَثَلَاثَةٌ مَوْصُولَةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَةٍ ) وَكَثِيرُ عَدَدِهِ مَوْصُولًا أَفْضَلُ مِنْ قَلِيلِهِ مَفْصُولًا
( فَرْعٌ وَوَقْتُ الْوِتْرِ ، وَالتَّرَاوِيحِ مِنْ بَعْدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ ) وَإِنْ جَمَعَهَا تَقْدِيمًا ( إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي ) لِنَقْلِ الْخَلْفِ عَنْ السَّلَفِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ { إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ، وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ } قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَوَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ إلَى نِصْفِهِ ، أَوْ ثُلُثِهِ ، وَالْأَقْرَبُ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ إلَى بُعَيْدِ ذَلِكَ لِيُجَامِعَ وَقْتَ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ التَّهَجُّدَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَفْضَلُ فَكَيْفَ يَكُونُ تَأْخِيرُهُ مُسْتَحَبًّا وَوَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى مَا ذُكِرَ ، وَحَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُ التَّهَجُّدَ وَأَمَّا وَقْتُ التَّرَاوِيحِ الْمُخْتَارُ ، فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا ( وَإِنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَأَوْتَرَ فَبَانَ بُطْلَانُ عِشَائِهِ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ ) تَبَعًا لِلْعِشَاءِ ( وَكَانَ نَافِلَةً ) كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ غَالِطًا ( وَلَوْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا نَفْلٌ ) مِنْ سُنَّةِ الْعِشَاءِ وَغَيْرِهَا ( صَحَّ ) وَيَكْفِي كَوْنُهُ فِي نَفْسِهِ وِتْرًا ، أَوْ مُوتِرًا لِمَا قَبْلَهُ فَرْضًا ، أَوْ نَفْلًا ( وَالْمُسْتَحَبُّ ) جَعْلُهُ ( آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ نَامَ قَبْلَهُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا } هَذَا ( إنْ اعْتَادَ الْقِيَامَ ) أَيْ التَّهَجُّدَ ، وَهُوَ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْهُجُودِ أَيْ النَّوْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ( وَإِلَّا فَبُعَيْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ ) يَجْعَلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِتَيَقُّظِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَإِلَّا فَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ
آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ آخِرَ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ } ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُهُ أَيْضًا { بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ } وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ } فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَثِقْ بِتَيَقُّظِهِ آخِرَ اللَّيْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَلَوْ أَوْتَرَ ثُمَّ قَامَ ) أَيْ تَهَجَّدَ ( لَمْ يُعِدْهُ ) لِخَبَرِ { لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَالْوِتْرُ نَفْسُهُ تَهَجُّدٌ ) إنْ فَعَلَهُ بَعْدَ النَّوْمِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَهُ كَانَ وِتْرًا لَا تَهَجُّدًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ مِنْ تَغَايُرِهِمَا ( وَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ) كَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ ( إلَّا تَبَعًا لِلتَّرَاوِيحِ ) أَيْ لِاسْتِحْبَابِهَا فِيهَا فَتُسْتَحَبُّ فِيهِ حِينَئِذٍ ، وَإِنْ صُلِّيَتْ التَّرَاوِيحُ فُرَادَى ، أَوْ لَمْ تُصَلَّ ، فَإِنْ أَرَادَ تَهَجُّدًا بَعْدَهَا أَخَّرَ الْوِتْرَ كَمَا مَرَّ ، فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ صَلَّى نَافِلَةً مُطْلَقَةً وَأَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ( وَلَوْ قَنَتَ فِيهِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ، أَوْ تَرَكَهُ فِيهِ ) أَيْ فِي النِّصْفِ الْمَذْكُورِ ( كُرِهَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) كَقُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ فِي الْأُولَى إذَا لَمْ يَطُلْ بِهِ الِاعْتِدَالُ ، أَوْ كَانَ سَهْوًا وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَقُنُوتُهُ ) أَيْ الْوِتْرِ ( كَالصُّبْحِ ) أَيْ كَقُنُوتِهِ لَفْظًا وَمَحَلًّا وَجَهْرًا وَإِسْرَارًا وَ غَيْرَهَا وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ زِيَادَةٍ ( وَيُتْبِعُهُ ) اسْتِحْبَابًا ( بِقُنُوتِ عُمَرَ ) ، وَهُوَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنَسْتَهْدِيك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ