كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
ضَرَّتِهَا مَكَانَهَا ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُعِيرَ لَا يَسْمَحُ بِهَا لِضَرَّتِهَا ، وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ : وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَصَحُّهُمَا نَعَمْ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الرُّكْنُ الثَّانِي : الْمُسْتَعِيرُ وَشَرْطُهُ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ وَالتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ ) فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْهُمْ ، وَقَوْلُهُ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ مُغَنٍّ عَمَّا بَعْدَهُ ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَقَضِيَّتُهُ صِحَّةُ اسْتِعَارَةِ السَّفِيهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَكِنْ كَيْفَ تَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ مَعَ أَنَّهَا مُضَمَّنَةً لَا جَرَمَ ، جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا .
انْتَهَى .
وَقَضِيَّتُهُ صِحَّتُهَا مِنْهُ ، وَمِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِعَقْدِ وَلِيِّهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُضَمَّنَةً كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ .
( قَوْلُهُ : فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَسَفِيهٍ وَلَا ضَمَانَ بِالتَّلَفِ وَلَا بِإِتْلَافِهِمْ وَكَوْنِهِ مُعَيَّنًا فَلَوْ أَعَارَ مِنْ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ بَطَلَتْ وَلَوْ أَعَارَ لَهُ الْأَخِيرُ وَالْحُكْمُ لِمَنْ خُصِّصَ بِهِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَا ضَمِنَا ضَمَانَ الْغَصْبِ فَلَوْ أَجَازَهُمَا جَمِيعًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَعِيرٌ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الصَّحِيحَ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ : وَالْوَصِيَّةُ الرَّاجِحُ عَدَمُ صِحَّةِ قَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ ( قَوْلُهُ : جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ صِحَّتُهَا مِنْهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ : الْمُعَارُ وَشَرْطُهُ وُجُودُ الِانْتِفَاعِ الْمُبَاحِ ) فَلَا يُعَارُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَحِمَارٍ زَمِنٍ وَلَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَجَارِيَةٍ لِلتَّمَتُّعِ وَآلَاتِ الْمَلَاهِي ( مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ ) كَعَبْدٍ وَدَارٍ وَثَوْبٍ ( فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ ) وَنَحْوُهُ ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَانْتَفَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعَارَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ أَحْجَارًا أَوْ أَخْشَابًا لِيَبْنِيَ بِهَا الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوَارِيِّ جَوَازُ اسْتِرْدَادِهَا وَالشَّيْءُ إذَا صَارَ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهُ .
( وَلَا ) يُعَارُ ( النَّقْدَانِ ) إذْ مَنْفَعَةُ التَّزَيُّنِ بِهِمَا وَالضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّمَا تُقْصَدُ ، وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ ( إلَّا لِلتَّزَيُّنِ ) أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ بِأَنْ صَرَّحَ بِإِعَارَتِهِمَا لِذَلِكَ أَوْ نَوَاهَا فِيمَا يَظْهَرُ فَتَصِحُّ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا ، وَإِنْ ضَعُفَتْ ، وَيَنْبَغِي عَوْدُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْمَطْعُومِ أَيْضًا ( وَحَيْثُ لَمْ نُصَحِّحْهَا ) أَيْ الْعَارِيَّةَ فَجَرَتْ ( ضُمِنَتْ ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ الصَّحِيحَةَ مَضْمُونَةٌ وَلِلْفَاسِدِ حُكْمُ الصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ ( وَقَبْضُ مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنٍ ) مِنْهُ ( لِغَيْرِ انْتِفَاعٍ - أَمَانَةٌ ) فِي يَدِهِ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ تَعْلِيلٍ لِشَيْءٍ ، وَعِبَارَتُهُ ، وَقِيلَ لَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا فَاسِدَةٍ ، وَمَنْ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ كَانَ أَمَانَةً ( وَتَحْرُمُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِأَجْنَبِيٍّ ) أَيْ لِخِدْمَتِهِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَيُفَارِقُ هَذَا جَوَازَ إجَارَتِهَا وَالْوَصِيَّةِ بِمَنْفَعَتِهَا لَهُ عَلَى مَا دَلَّ
عَلَيْهِ عُمُومُ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرَانِ ، وَيُؤَجِّرَانِ لِمَنْ يَخْلُو بِهَا إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِانْتِفَاعُ بِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ لَهُ فَقَطْ ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ الْمَحْرَمُ ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ وَالْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ ، وَمَالِكُهَا كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ ، وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ فِيهِ ، وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ فِي صُورَةِ الْأَمَةِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَنَفَى الْجَوَازَ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْغَزَالِيِّ الصِّحَّةَ وَبِهَا جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَعَلَّلَهَا بِأَنَّ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَجَعَلَ فَائِدَةَ الصِّحَّةِ عَدَمَ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ .
وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُهَا فِي الْفَاسِدَةِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ ، وَعَدَمِهِ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَبَّهَ عَلَى هَذَا ( لَا ) إعَارَةَ ( صَغِيرَةٍ وَشَوْهَاءَ ) بِالْمَدِّ أَيْ قَبِيحَةٍ ( يُؤْمَنُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ( عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا تَحْرُمُ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْمَنْعَ فِيهِمَا ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرَةِ لِجَوَازِ الْخَلْوَةِ بِهَا دُونَ الْكَبِيرَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَيَلْتَحِقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ لَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ .
( قَوْلُهُ : وَشَرْطُهُ وُجُودُ الِانْتِفَاعِ الْمُبَاحِ ) أَيْ الْجَائِزِ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِعَارَةِ الدِّرْعِ وَالْفَحْلِ وَالْفَرَسِ وَقِسْنَا عَلَيْهِ الْبَاقِيَ ( قَوْلُهُ : كَجَارِيَةٍ لِلتَّمَتُّعِ ) فَإِنْ وَطِئَ عَالِمًا فَزَانٍ أَوْ جَاهِلًا فَشُبْهَةٌ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِوَطْءِ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِذْنِ إذْ لَا فَرْقَ وَقَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالضَّرْبُ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَالضَّرْبُ عَلَى طَبْعِهِمَا جَوَازُ اسْتِعَارَةِ الْخَطِّ وَالثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ لِيَكْتُبَ وَيُخَاطَ عَلَى صُورَتِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : أَوْ نَوَاهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ ( قَوْلُهُ : فَتَصِحُّ لِاِتِّخَاذِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مَقْصِدًا ) وَإِنْ ضَعُفَتْ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ شَاعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَيْ لَفْظَةُ الْإِعَارَةِ فِي قَرْضِهِمَا فِي بُقْعَةٍ كَمَا شَاعَتْ فِي الْحِجَازِ كَانَ قَرْضًا .
ا هـ .
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إنْ جَرَى ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي مَعْنَى الْقَرْضِ كَانَ قَرْضًا ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي عَوْدُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْمَطْعُومِ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَتَحْرُمُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِأَجْنَبِيٍّ ) وَلَوْ شَيْخًا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ خَصِيًّا وَكَتَبَ أَيْضًا إذَا مَرِضَ رَجُلٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا امْرَأَةً فَإِنَّهَا تَخْدُمُهُ لِلضَّرُورَةِ فَلَوْ اسْتَعَارَهَا ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ صَحَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَطْفَالٌ بِبَلَدٍ آخَرَ أَوْ بِمَحَلَّةٍ أُخْرَى فَاسْتَعَارَ أَمَةً لِخِدْمَتِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي إعَارَتِهَا لِخِدْمَةِ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ ( قَوْلُهُ : وَفِي مَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ ) وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كَافِرَةً وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ
فِيهِ وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ) قَدْ قَدَّمْت فِي الرَّهْنِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الْحَقُّ الْمَنْعُ فِي الْعَجُوزِ وَالشَّوْهَاءِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْتَحِقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ اسْتَعَارَ أَوْ اسْتَأْجَرَ وَالِدًا ) لَهُ ، وَإِنْ عَلَا ( لِلْخِدْمَةِ أَوْ ) اسْتَعَارَ أَوْ اسْتَأْجَرَ ( كَافِرٌ مُسْلِمًا جَازَ ) إذْ لَا مَانِعَ ( وَكُرِهَ ) صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِاسْتِعَارَةِ وَالِدِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ تَوْفِيرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ وَكَمَا يُكْرَهُ لِلْكَافِرِ اسْتِعَارَةُ الْمُسْلِمِ وَاسْتِئْجَارُهُ تُكْرَهُ إعَارَتُهُ ، وَإِجَارَتُهُ لَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ جَوَازُ اسْتِئْجَارِهِ وَذَكَرَهُ هُنَا مَعَ كَرَاهَتِهِ ، وَجَوَازُ اسْتِعَارَتِهِ وَكَرَاهَتُهَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَأَمَّا إجَارَةُ وَإِعَارَةُ الْوَالِدِ نَفْسَهُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَتَا مَكْرُوهَتَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ قَالَ الْفَارِقِيُّ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخِدْمَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ تَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ إعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ يَجِبُ احْتِرَامُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ .
( قَوْلُهُ : أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا ) جَازَ هَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ لِغَيْرِ الْخِدْمَةِ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ الِافْتِتَانَ فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِلْخِدْمَةِ فَالْوَجْهُ التَّحْرِيمُ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَآخَرُونَ وَكَذَا لَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ الِافْتِتَانَ سَوَاءٌ أَكَانَ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا لَا سِيَّمَا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ ( قَوْلُهُ : بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ ) أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ الْبِرِّ ( قَوْلُهُ : كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : لَوْ اسْتَعَارَ الْحَلَالُ مِنْ الْمُحْرِمِ صَيْدًا ) لَمْ يُرْسِلْهُ فِي إحْرَامِهِ ( فَتَلِفَ ) فِي يَدِهِ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ ( وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ ) لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ إذْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ ( فَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْحَلَالِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ( ضَمِنَ الْجَزَاءَ ) لِلَّهِ تَعَالَى ( وَالْقِيمَةَ ) لِلْحَلَالِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ فَإِنْ وَرِثَهُ فِي إحْرَامِهِ صَحَّتْ إعَارَتُهُ ، وَعَلَى الْحَلَالِ الْقِيمَةُ إنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ ضَمِنَ الْجَزَاءَ وَالْقِيمَةَ ) قَدْ أَلْغَزَ بِذَلِكَ ابْنُ الْوَرْدِيُّ فِي قَوْلِهِ عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعًا .
( فَرْعٌ : تَجُوزُ إعَارَةُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَكَلْبٍ لِلصَّيْدِ ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ( وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً ) أَوْ دَفَعَهَا لَهُ ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَمَلَّكَهُ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ ) مِنْهَا ( لَمْ يَصِحَّ ) شَيْءٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَالتَّمْلِيكِ ( وَلَمْ يَضْمَنْ ) آخِذُهَا ( الدَّرَّ وَالنَّسْلَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ ( وَيَضْمَنُ الشَّاةَ ) بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ ( فَلَوْ أَبَاحَهُمَا ) لَهُ ( أَوْ اسْتَعَارَ ) مِنْهُ ( الشَّاةَ لِأَخْذِ ذَلِكَ ) أَوْ الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ( جَازَ ) وَكَانَ إبَاحَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالثَّمَرِ ، وَإِعَارَةً لِلشَّاةِ وَالشَّجَرَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ .
انْتَهَى .
فَالشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِهْلَاكُ الْمُعَارِ لَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ ( فَإِنْ شَرَطَ عَلَفَهَا ) فِيمَا إذَا مَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا أَوْ أَبَاحَهُمَا لَهُ ( فَذَلِكَ ) أَيْ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ ( بَيْعٌ ، وَإِجَارَةٌ فَاسِدَانِ فَيَضْمَنُ الرِّيعَ ) مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ( دُونَ الشَّاةِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ ( كَمَنْ أَعْطَى سَقَّاءً شَيْئًا لِيَشْرَبَ ) فَأَعْطَاهُ كُوزًا ( فَانْكَسَرَ الْكُوزُ فِي يَدِهِ ) فَإِنَّهُ ( يَضْمَنُ الْمَاءَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْرَبُهُ لَمْ يَضْمَنْ الزَّائِدَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي ( لَا الْكُوزَ ) أَيْ لَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ ( فَإِنْ سَقَاهُ مَجَّانًا ) فَانْكَسَرَ الْكُوزُ ( فَعَكْسُهُ ) أَيْ فَيَضْمَنُ الْكُوزَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَارِيَّةٍ فَاسِدَةٍ لَا الْمَاءَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ .
( قَوْلُهُ : أَوْ الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا ) أَوْ بِئْرًا لِلِاسْتِقَاءِ مِنْهَا أَوْ جَارِيَةً لِلْإِرْضَاعِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ أَعِرْنِي دَابَّةً فَقَالَ خُذْ إحْدَى دَوَابِّي صَحَّتْ ) أَيْ الْعَارِيَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ وَخَالَفَ الْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا .
( الرُّكْنُ الرَّابِعُ الصِّيغَةُ ، وَيَكْفِي لَفْظٌ مِنْ جَانِبٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ ) فِي الِانْتِفَاعِ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَبَحْتُك مَنْفَعَةَ هَذَا مَعَ فِعْلٍ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَإِنْ تَرَاخَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ ( فَلَوْ قَالَ أَعِرْنِي فَأَعْطَاهُ أَوْ ) قَالَ لَهُ ( أَعَرْتُك فَأَخَذَ صَحَّتْ ) أَيْ الْعَارِيَّةُ كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ الضَّمَانُ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فَاحْتِيجَ إلَى لَفْظٍ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَأَيْضًا فَالْوَدِيعَةُ مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ وَغَرَضُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ وَالْعَارِيَّةُ بِالْعَكْسِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِيمَا كَانَ عَارِيَّةً ضِمْنًا كَظَرْفِ الْهَدِيَّةِ الْآتِي وَظَرْفِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ( فَلَوْ رَآهُ عَارِيًّا فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا أَوْ فَرَشَ لَهُ مُصَلَّى أَوْ وِسَادَةً ) أَوْ نَحْوَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ ( فَهُوَ إبَاحَةٌ ) لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ إبَاحَةٍ عَارِيَّةٌ ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ مَبْسُوطٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَالْعَارِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ .
وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ لَهُ ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ ، وَمُسَاوِيًا لِلْإِبَاحَةِ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى لَفْظٍ فَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى ( وَإِنْ أَكَلَ هَدِيَّةً مِنْ ظَرْفِهَا ضَمِنَهُ )
بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا ، وَإِلَّا فَبِحُكْمِ الْغَصْبِ ( لَا إنْ كَانَ لَهَا عِوَضٌ ، وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ ) فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ بِحُكْمِ الْغَصْبِ ، وَهَذَا قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِظَرْفِ الْمَبِيعِ إذَا تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ عَارِيَّةً ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ هُنَا بِالْأَكْلِ مِنْ ظَرْفِ الْهَدِيَّةِ قُدِّرَ أَنَّ عِوَضَهَا مُقَابِلٌ لَهَا مَعَ مَنْفَعَةِ ظَرْفِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ عَارِيَّةً فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا ضَمِنَهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَأَمَانَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ بِلَا عِوَضٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْهِبَةِ ، وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَرَجَّحَ أَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ لِمَنْفَعَةِ الظَّرْفِ لَا إعَارَةٌ لَهُ كَمَا أَنَّ هِبَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ لَيْسَتْ إعَارَةً لِلدَّارِ عَلَى الْأَرْجَحِ ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ هُنَاكَ وَهَبَ الْمَنَافِعَ بِخِلَافِهِ هُنَا .
قَوْلُهُ : وَيَكْفِي لَفْظٌ إلَخْ ) وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ ( قَوْلُهُ : فَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ ) لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى إنَّمَا حَكَى الْأَصْلُ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي رَأْيًا مَرْجُوحًا مُقَابِلًا لِمَا صَحَّحَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَالنُّسْخَةُ الْأُولَى هِيَ الْجَارِيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ .
( تَنْبِيهٌ ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبَاحَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْبَحْرِ لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَبَحْت لَك فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَيُشْبِهُ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ إذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا .
ا هـ .
بَلْ هُوَ الْأَصَحُّ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( قَالَ أَعَرْتُك حِمَارِي لِتُعِيرَنِي كَذَا أَوْ ) دَابَّتِي ( لِتَعْلِفَهَا ) أَوْ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهَا ( أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِجَارَةٌ ) لَا إعَارَةٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى ( فَاسِدَةٌ ) لِلتَّعْلِيقِ فِي الْأُولَى وَلِجَهْلِ الْعَلَفِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُدَّةِ فِي الثَّالِثَةِ فَيَجِبُ فِي الثَّلَاثِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِعَدَمِ الْقَبْضِ مُدَّةَ الْإِمْسَاكِ ، وَلَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ ( فَإِنْ قَدَّرَ مَعَ ) ذِكْرِ ( الدَّرَاهِمِ ) فِي الثَّالِثَةِ ( مُدَّةً ) مَعْلُومَةً كَأَنْ قَالَ أَعَرْتُك دَارِي شَهْرًا مِنْ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ( فَعَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ أَوْ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَجْهَانِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ الثَّانِي اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى كَمَا صَحَّحَهُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ .
( قَوْلُهُ : وَلِجَهْلِ الْعَلَفِ فِي الثَّانِيَةِ ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُعَارِ عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطُهُ مُفْسِدًا وَبِهِ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْقَرْضِ إنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ الْمُقْرَضِ عَلَى الْمُقْرِضِ إنْ قُلْنَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالتَّصَرُّفِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قُبَيْلَ الصَّوْمِ عَنْ الْمَذْهَبِ فَقَالَ عِنْدَنَا لَا نَفَقَةَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ الْمَعْنَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَعْطَاهُ حَانُوتًا وَدَرَاهِمَ أَوْ أَرْضًا وَبَذْرًا ، وَقَالَ اتَّجَرَ ) بِالدَّرَاهِمِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَانُوتِ ( أَوْ ازْرَعْهُ ) أَيْ الْبَذْرَ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْأَرْضِ ( لِنَفْسِك فَالْأَرْضُ ) فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ الْحَانُوتُ ) فِي الْأُولَى ( عَارِيَّةٌ ، وَهَلْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الْبَذْرُ قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ ، وَجْهَانِ ) قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ مَلَكَهُ الْآمِرُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ بِبَدَلِ مَا دَفَعَهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَزَادَ فِي الْأَنْوَارِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْقَصْدِ .
( قَوْلُهُ : وَهَلْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الْبَذْرُ قَرْضٌ أَوْ هِبَةٌ وَجْهَانِ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَالْأَصَحُّ هُنَا الثَّانِي ( قَوْلُهُ : ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ ) نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ .
الْأَوَّلُ الضَّمَانُ لَهَا ( وَلَوْ لِلْأَجْزَاءِ ) مِنْهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ } ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ فَيُضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهِ كَالْمَأْخُوذِ بِجِهَةِ السَّوْمِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْغَاصِبِ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ .
وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ أَمَانَةً لَمَّا اسْتَقَرَّ كَالْمُودَعِ مِنْ الْغَاصِبِ ( فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ ) فِي يَدِهِ ( بِآفَةٍ ) سَمَاوِيَّةٍ ( أَوْ أَتْلَفَهَا ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ ( أَوْ قَرَحَ ) أَيْ جَرَحَ ( ظَهْرَهَا ) بِالِاسْتِعْمَالِ ( تَعَدِّيًا ) بِأَنْ حَصَلَ بِاسْتِعْمَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ ( فَإِنْ تَلِفَتْ ) هِيَ أَوْ أَجْزَاؤُهَا ( بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ ) فِيهِ ( كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ الْمُعْتَادِ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( لَمْ يَضْمَنْ الْأَجْزَاءَ وَالْعَيْنَ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْعَارِيَّةِ مَا يَمْنَعُ ضَمَانَهَا كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي أَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ وَتَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ ( وَتُضْمَنُ الْعَارِيَّةُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ) بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بِقِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ وَلَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا لَأَدَّى إلَى تَضْمِينِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لُزُومُ قِيمَةِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً كَخَشَبٍ وَحَجَرٍ ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَاقْتَضَاهُ بِنَاءُ الرُّويَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا ضَمَانَ الْمِثْلِيِّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُتَقَوِّمِ حَيْثُ قَالُوا إنْ اعْتَبَرْنَا أَقْصَى الْقِيَمِ أَوْجَبْنَا الْمِثْلَ أَوْ قِيمَةَ يَوْمِ التَّلَفِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالْقِيمَةُ ، وَخَالَفَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فَضَمَّنَ الْمِثْلِيَّ بِالْمِثْلِ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ
وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى الْقِيمَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مُتَقَوِّمَةٌ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ غَيْرُ قَوِيمٍ ( وَكَذَا ) يُضْمَنُ ( الْمَقْبُوضُ بِالسَّوْمِ ) بِقِيمَةِ يَوْمِ تَلَفِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ( وَاشْتِرَاطُ كَوْنِهَا أَمَانَةً لَغْوٌ ) فَلَوْ أَعَارَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً لَغَا الشَّرْطُ ، وَكَانَتْ مَضْمُونَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِصِحَّتِهَا وَلَا لِفَسَادِهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا إذَا أَقْرَضَهُ صِحَاحًا بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهَا مُكَسَّرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ ، وَإِلَيْهِ يُومِئُ تَعْبِيرُهُمْ بِأَنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهَا ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ ) قَوْلُهُ : الْأَوَّلُ الضَّمَانُ ) قَالَ الْأَصْحَابُ كُلُّ مَنْ أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْغَاصِبِ إلَخْ ) وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا فَوَجَبَ ضَمَانُهَا كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَلِفَتْ فِي اسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ إلَخْ ) قَالَ الْغَزِّيِّ سُقُوطُ الدَّابَّةِ فِي بِئْرٍ حَالَ السَّيْرِ تَلَفٌ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ هَكَذَا رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ عُثُورَ الدَّابَّةِ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ مِثْلُهُ ( قَوْلُهُ : كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ إلَخْ ) أَيْ وَانْكِسَارِ السَّيْفِ الْمُسْتَعَارِ لِلْقِتَالِ فِيهِ ( قَوْلُهُ : وَتُضْمَنُ الْعَارِيَّةُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ رَدُّ الْعَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ بِالْفَوَاتِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّلَفِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ الْمَضْمُونَاتُ فِي الشَّرِيعَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يُرَدُّ فِيهِ الْمِثْلُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الْقَرْضُ وَقِسْمٌ تُرَدُّ فِيهِ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهُوَ الْعَارِيَّةُ وَقِسْمٌ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَامِ وَالْمُشْتَرِي فَاسِدًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ .
ا هـ .
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ مَسَائِلُ مِنْهَا جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِعَارَتُهُ جَائِزَةٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْ لِابْتِنَاءِ يَدِهِ عَلَى يَدِ مَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَمِنْهَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَمِنْهَا لَوْ اسْتَعَارَ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ وَمِنْهَا إعَارَةُ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْهَا اسْتِعَارَةُ الْفَقِيهِ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
( فَرْعٌ ) لَوْ اسْتَعَارَ
عَبْدًا مُرْتَدًّا فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ فَكَذَا إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لُزُومُ قِيمَةِ الْعَيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً إلَخْ ) ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ أَفْتَيْت قَالَ شَيْخُنَا ؛ لِأَنَّ رَدَّ عَيْنِ مِثْلِهَا مَعَ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْهَا بِالْإِذْنِ مُتَعَذِّرٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمِثْلِيِّ الْمَفْقُودِ فَرَجَعَ إلَى الْقِيمَةِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يَضْمَنُ الْمَضْمُونَ بِالسَّوْمِ بِقِيمَةِ يَوْمِ تَلَفِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ) قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لَا يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ بِلَا خِلَافٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِهِ أَفْتَيْت ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ضَمَانِ الْمُعَارِ جَارٍ فِي ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ بِالسَّوْمِ وَالصَّحِيحُ كَالصَّحِيحِ ، وَإِنْ جَرَى الْبُلْقِينِيُّ عَلَى أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الصِّحَّةِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ لَيْسَ لَنَا شَرْطٌ فَاسِدٌ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَيَصِحُّ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى ، قَالَ شَيْخُنَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْجَحَ هُنَا فَسَادُهَا أَيْضًا .
( فَرْعٌ ) لَوْ أَعَارَ عَيْنًا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا عِنْدَ تَلَفِهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَسَدَ الشَّرْطُ دُونَ الْعَارِيَّةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ ( وَلَوْ وَلَدَتْ ) فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ( فَالْوَلَدُ أَمَانَةٌ وَلَوْ سَاقَهَا الْمُسْتَعِيرُ فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ يَنْظُرُ فَالْوَلَدُ أَمَانَةٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بَلْ لِتَعَذُّرِ حِفْظِهِ بِدُونِ أُمِّهِ وَذَلِكَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهِ فَلَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ ، وَقَوْلُهُ يُنْظَرُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ كَانَ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْمُتَوَلِّي فَسَدَ الشَّرْطُ دُونَ الْعَارِيَّةِ ) أَيْ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ فَسَادُهَا أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ سَاقَهَا الْمُسْتَعِيرُ فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِالْأُمِّ بِدُونِهِ فَيَضْمَنُهُ أَيْضًا وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مَا أَطْلَقَهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ التَّابِعِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ الْمَالِكُ بِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ تَبِعَ أُمَّهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَالْحَادِثِ ، وَأَوْلَى بِوُجُوبِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي إخْرَاجِهِ عَنْ حَوْزَةِ الْمَالِكِ وَيَدِهِ .
ا هـ .
قَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهِ فَلَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الرَّدِّ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْزَمَهُ مُؤْنَتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ عَلَى الْمَالِكِ فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِوُجُوبِ التَّخْلِيَةِ ، وَإِعْلَامِ الْمَالِكِ عَلَى الْفَوْرِ .
( فَرْعٌ مُؤْنَةُ الرَّدِّ ) لِلْعَارِيَّةِ إنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ ( عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) لِخَبَرِ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ ، وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ؛ وَلِأَنَّ الْإِعَارَةَ بِرٌّ ، وَمَكْرُمَةٌ فَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْهَا ، وَخَرَجَ بِمُؤْنَةِ الرَّدِّ مُؤْنَةُ الْعَارِيَّةِ فَتَلْزَمُ الْمَالِكَ لَا الْمُسْتَعِيرَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَاقْتَضَاهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعَرْتُك دَابَّتِي لِتَعْلِفَهَا كَانَ إجَارَةً فَاسِدَةً ( وَإِنَّمَا يَبْرَأُ ) مِنْ ضَمَانِهَا ( بِالرَّدِّ ) لَهَا ( إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ) فِيهِ أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ أَوْ حَجْرِهِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِلْإِصْطَبْلِ أَوْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لِلْبَيْتِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ الْمَالِكُ أَوْ يُخْبِرَهُ بِهِ ثِقَةٌ ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي هُنَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْغَصْبِ وَأَقَرَّهُ ، وَكَذَا ( لَا ) يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى ( وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ ) ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ أَوْ وَكِيلَهُ ( بَلْ يَضْمَنَانِ ) بِالرَّدِّ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ ( فَإِنْ أَرْسَلَاهَا الْمَرْعَى وَتَلِفَتْ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِمَا ) لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِمَا حَتَّى لَوْ غَرِمَا لَمْ يَرْجِعَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ، وَلَوْ غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ رَجَعَ عَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) هَذَا مِنْ إفْرَادِ قَاعِدَةِ كُلُّ مَا كَانَ مَضْمُونُ الْعَيْنِ كَانَ مَضْمُونَ الرَّدِّ قَوْلُهُ : جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ) لَوْ اسْتَعَارَ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَطَلَبَهُ لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الْغَصْبِ ) ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ .
( وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ ) أَوْ نَحْوِهِ كَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ ، وَهُوَ أَمِينٌ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ انْتِفَاعَ الْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ إجَارَةً فَاسِدَةً ؛ لِأَنَّ مُعِيرَهُ ضَامِنٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِعْلُ مَا لَيْسَ لَهُ قَالَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يُقَالُ حُكْمُ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهَا ( وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ ) لِلرَّدِّ ( إنْ رَدَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْعَوَارِيِّ ( وَتَجِبُ ) الْمُؤْنَةُ ( عَلَى الْمَالِكِ إنْ رُدَّ إلَيْهِ ) كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ .
ثُمَّ ( قَوْلُهُ : أَوْ نَحْوِهِ كَمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ ) أَيْ وَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةً لِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ فَإِذَا أَعَارَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ جَعَلَهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَأَنْظَارِهَا إذَا أَعَارَ مُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ شَخْصًا فَتَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ الْإِعَارَةُ إلَّا مِمَّنْ يَجُوزُ إيدَاعُ تِلْكَ الْعَيْنِ عِنْدَهُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ( قَوْلُهُ : كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَتَجِبُ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ رَدَّ إلَيْهِ ) كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا حَيْثُ تَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ مِنْ عِنْدِهِ كَهِيَ مِنْ عِنْدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا لَوْ أَجَّرَهُ شَيْئًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ ، وَهُوَ جَارُ الْمُؤَجِّرِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ فَأَجَّرَهُ لِآخَرَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي هَذَا وَالِاعْتِبَارُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الزَّائِدِ عَنْهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِبَغْدَادَ
( فَرْعٌ : عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) لِلْعَيْنِ ( مِنْ الْغَاصِبِ ) إنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ ( قَرَارُ ضَمَانِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ ، وَكَذَا قَرَارُ ) بَدَلِ ( مَنَافِعَ اسْتَوْفَاهَا ) لِمُبَاشَرَتِهِ إتْلَافَهَا ( وَلَا يَضْمَنُ زِيَادَةً ) كَانَتْ ( فِي يَدِ الْمُعِيرِ ) لَهُ ( وَلَا فِي يَدِهِ إنْ تَلِفَتْ بِنَفْسِهَا ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ التَّالِفَةَ فِي يَدِهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَضْمَنُهَا لَكِنَّ قَرَارَ ضَمَانِهَا عَلَى الْمُعِيرِ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَإِنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ مِنْ غَاصِبٍ ضَمِنَ وَرَجَعَ ) بِمَا غَرِمَهُ ( عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْغَاصِبِ ) .
( فَرْعٌ : لَوْ أَرْكَبَ ) مَالِكُ دَابَّةٍ ( دَابَّتَهُ وَكِيلَهُ ) فِي حَاجَتِهِ ( أَوْ حَافِظَ مَتَاعِهِ ) الَّذِي ( عَلَيْهَا أَوْ الرَّائِضَ ) لِيُرَوِّضَهَا أَيْ يُعَلِّمَهَا السَّيْرَ ( وَتَلِفَتْ ) فِي يَدِهِ ( بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا لِغَرَضِ الْمَالِكِ ( أَوْ ) أَرْكَبَهَا ( مُنْقَطِعًا ) فِي الطَّرِيقِ تَقَرُّبًا ( لِلَّهِ تَعَالَى ) فَتَلِفَتْ ( ضَمِنَ ) سَوَاءٌ الْتَمَسَ الرَّاكِبُ أَمْ ابْتَدَأَهُ الْمُرْكِبُ كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَالتَّصْرِيحُ بِلِلَّهِ تَعَالَى مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ أَرْدَفَهُ ) أَيْ أَرْكَبهُ مَعَهُ عَلَيْهَا فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ ( فَنِصْفُ الضَّمَانِ ) عَلَى الرَّدِيفِ ( وَإِنْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ ، وَقَالَ ) لَهُ ( سَيِّرْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ ) بِغَيْرِ الْوَضْعِ ( ضَمِنَهَا ) كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ ( وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ ) فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ ( ضَمِنَ مِنْهَا قِسْطَ مَتَاعِهِ ) أَيْ بِقِسْطِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْهَا بِقِسْطِهِ مِمَّا ( عَلَيْهَا ) حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَتَاعِهِ ضَمِنَ نِصْفَهَا ( وَإِنْ سَيَّرَهَا ) مَالِكُهَا ( بِغَيْرِ أَمْرِهِ ) أَيْ الْوَاضِعِ فَتَلِفَتْ ( لَمْ يَضْمَنْ الْوَاضِعُ ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا ( بَلْ يَضْمَنُ الْمَالِكُ مَتَاعَهُ إذْ لَهُ طَرْحُهُ عَنْهَا ، وَإِنْ حَمَلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَتَاعَك ) فَإِنْ كَانَ ( بِسُؤَالِك فَهُوَ مُعِيرٌ ) لَك كُلَّ الدَّابَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ مَتَاعِك ( أَوْ بِسُؤَالِهِ فَهُوَ وَدِيعٌ ) أَوْ مُسْتَوْدَعٌ مَتَاعَك ، وَلَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ فِي ضَمَانِك .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ جَعَلَ ذَلِكَ مَعَ سُؤَالِك عَارِيَّةً ، وَمَعَ سُؤَالِهِ وَدِيعَةً مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ بِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ وَلَمْ نَجِدْ مَا يُمَيِّزُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ فِي الِانْتِفَاعِ فِي تِلْكَ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ فَجُعِلَتْ عَارِيَّةً ، وَفِي هَذِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَحُمِلَ عَلَى الْوَدِيعَةِ .
انْتَهَى .
وَتُفَارِقُ
هَذِهِ مَسْأَلَةَ مَا لَوْ أَرْكَبَهَا مُنْقَطِعًا بِأَنَّ الدَّابَّةَ ثَمَّ تَحْتَ يَدِ الرَّاكِبِ بِخِلَافِهَا هُنَا .
( قَوْلُهُ : أَوْ الرَّائِضَ وَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ ) هَذَا إذَا رَكِبَهَا فِي الرِّيَاضَةِ فَإِنْ رَكِبَهَا فِي غَيْرِهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ : وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ غُلَامَهُ لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً فَاسْتَعْمَلَهُ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ فِي غَيْرِهَا ضَمِنَهُ ( قَوْلُهُ : كَسَائِرِ الْعَوَارِيّ ) كَأَنْ اسْتَعَارَ ثَوْرَيْنِ وَاسْتَعَانَ بِمَالِكِهِمَا يَحْرُثُ عَلَيْهِمَا وَكَأَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ وَمَالِكُهَا يَسُوقُهَا أَوْ يَقُودُهَا .
( فَرْعٌ ) قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَعْطِ فَرَسَك لِفُلَانٍ لِيَجِيءَ مَعِي فِي شُغْلِي فَهُوَ مُسْتَعِيرٌ ، وَإِنْ قَالَ لِيَجِيءَ مَعِي فِي شُغْلِهِ فَالرَّاكِبُ مُسْتَعِيرٌ إنْ كَانَ الْقَائِلُ صَادِقًا وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ كَالْوَكِيلِ فِي السَّوْمِ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَالْمُسْتَعِيرُ الْمُلْتَمِسُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا ضَمِنَا وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُضْفِ الشُّغْلَ لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ الشُّغْلُ لَهُ فَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ لِلرَّاكِبِ وَبِإِذْنِهِ فَالرَّاكِبُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَا ، وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاكِبِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُقَالَ الْغَرَضُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : وَإِنْ جَاوَزَ الْمُسْتَعِيرُ الْمَكَانَ ) بِالدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَيْهِ ( ضَمِنَ أُجْرَةَ ذَهَابِ الْمُجَاوَزَةِ ) أَيْ مُجَاوَزَتِهَا عَنْهُ ( وَإِيَابِهَا ) إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ ( ثُمَّ هَلْ لَهُ الْإِيَابُ بِهَا ) مِنْهُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ لَا ( ، وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُجَاوَزَةِ وَثَانِيهِمَا نَعَمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي قَالَ كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ عَنْ وَكَالَتِهِ بِتَعَدِّيهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ قَالَ وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا أُذِنَ لَهُ فِي الْإِيَابِ أَيْضًا إذْ لَوْ أَطْلَقَ كَانَ فِي رُكُوبِهِ فِي الرُّجُوعِ ، وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي ، وَقَرَّبَهُمَا مِنْ خِلَافِ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْعُ كَمَا فِي الْمُعَاطَاةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ فِيهَا خِلَافَهُ لَكِنَّ مَجِيءَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ هُنَا بَعِيدٌ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا .
وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الْإِيَابَ بِهَا غَيْرَ رَاكِبٍ لَهَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( فَإِنْ قُلْنَا لَا ) إيَابَ لَهُ بِهَا ( سَلَّمَهَا إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي اسْتَعَارَ إلَيْهِ ) فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ .
قَوْلُهُ : وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ وَجَاوَزَهُ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَلَزِمَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ، وَأَرْشُ النَّقْصِ إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ( قَوْلُهُ : إذْ لَوْ أَطْلَقَ كَانَ فِي رُكُوبِهِ فِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ إلَخْ ) فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي أَوَاخِرِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّ لَهُ الرُّكُوبَ فِي الرُّجُوعِ ، وَأَقَرَّاهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَى مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لِلْمُسْتَعِيرِ فَالْإِذْنُ مُتَنَاوِلٌ لِرُكُوبِهَا فِي الْعَوْدِ بِالْعُرْفِ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا رَدَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ ( فَرْعٌ ) لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا بِلَا تَقْدِيرِ زَمَانٍ وَلَا مَسَافَةٍ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ إلَى الرُّجُوعِ وَيُتْرَكُ بِاللَّيْلِ وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ سَمَّاهُ فَلَهُ الرُّكُوبُ ذَهَابًا ، وَإِيَابًا .
( فَرْعٌ : وَإِنْ أَوْدَعَهُ ) ثَوْبًا ( ثُمَّ أَذِنَ ) لَهُ ( فِي اللُّبْسِ فَلَبِسَ صَارَ عَارِيَّةً ) فَإِنْ لَمْ يَلْبَسْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ وَدِيعَةً ( وَإِنْ اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ ) مَثَلًا ( فَهِيَ أَمَانَةٌ ) عِنْدَهُ كَمَا لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي دَارِهِ ( فَإِنْ أَتْلَفَهَا وَلَوْ جَاهِلًا ) بِهَا ( ضَمِنَهَا بِالْإِتْلَافِ ) وَبِالتَّلَفِ بِتَقْصِيرِهِ .
( الْحُكْمُ الثَّانِي التَّسْلِيطُ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ التَّسَلُّطُ لِلْمُسْتَعِيرِ ( عَلَى الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ ) فِيهِ ( فَإِنْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزَرْعِ ) شَيْءٍ ( مُعَيَّنٍ زَرَعَهُ ، وَمِثْلُهُ فَمَا دُونَ ) هـ فِي الضَّرَرِ فَلَوْ قَالَ ازْرَعْ الْبُرَّ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْأَرْضِ دُونَ ضَرَرِ الْبُرِّ لَا الذَّرَّةِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا فَوْقَ ضَرَرِهِ ( إلَّا أَنْ يَنْهَاهُ ) عَنْ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ فَلَا يَزْرَعُ غَيْرَهُ اتِّبَاعًا لِنَهْيِهِ ( فَإِنْ خَالَفَ ) فَزَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ ( قَلَعَ ) الْمُعِيرُ جَوَازًا ( مَجَّانًا ) فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَكَذَا هُنَا أَوْ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ هُنَا بِمَا بَيْنَ زِرَاعَةِ الْبُرِّ وَزِرَاعَةِ الذَّرَّةِ ، وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ اسْتَوْفَى مَا كَانَ يَمْلِكُهُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الرَّدَّ بِزِيَادَةٍ ، وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ بِعُدُولِهِ عَنْ الْجِنْسِ كَالرَّادِّ لِمَا أُبِيحَ لَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِإِزَائِهِ عَنْهُ شَيْءٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْكِفَايَةِ وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَكَالْغَاصِبِ .
انْتَهَى .
وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ شَيْئًا تَرَكَهُ فِي الْمَطْلَبِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهِ .
( أَوْ ) اسْتَعَارَهَا ( لِمُطْلَقِ الزِّرَاعَةِ ) بِأَنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَزْرُوعَ ( زَرَعَ مَا شَاءَ ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ ، وَمِثْلُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى لَوْ أَعَارَهَا لِيَزْرَعَ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مُطْلَقٌ وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَزْرَعَ مَا
شَاءَ مِمَّا اُعْتِيدَ زَرْعُهُ هُنَاكَ وَلَوْ نَادِرًا حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ ( وَلَمْ يَغْرِسْ وَلَمْ يَبْنِ ) مَنْ اسْتَعَارَ لِلزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ لَيْسَا مِنْ نَوْعِهِ وَضَرَرُهُمَا أَكْثَرُ ( أَوْ ) اسْتَعَارَ ( لِلْغِرَاسِ أَوْ لِلْبِنَاءِ زَرَعَ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّرْعُ مِنْ نَوْعِهِمَا ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَخَفُّ فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ امْتَنَعَ .
( أَوْ ) اسْتَعَارَ ( لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْآخَرِ ) لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الضَّرَرِ إذْ ضَرَرُ الْبِنَاءِ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ وَضَرَرُ الْغِرَاسِ بِبَاطِنِهَا أَكْثَرُ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهِ ( وَلَا يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ فِي نَحْوِ بِسَاطٍ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْفَرْشِ ) مِنْ كُلِّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالتَّعَيُّنِ ( وَإِنْ تَعَدَّدَتْ ) جِهَةُ الِانْتِفَاعِ ( كَالْأَرْضِ ) تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَكَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ ( وَجَبَ ) كَالْإِجَارَةِ ( التَّصْرِيحُ بِالْجِهَةِ أَوْ بِالتَّعْمِيمِ كَقَوْلِهِ انْتَفِعْ ) بِهِ ( كَيْفَ شِئْت ) أَوْ افْعَلْ بِهِ مَا بَدَا لَك فَالْإِعَارَةُ فِي التَّعْمِيمِ صَحِيحَةٌ ، وَقِيلَ بَاطِلَةٌ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ .
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِعَارَةَ الْمُطْلَقَةَ لِمَا لَهُ مَنَافِعُ بَاطِلَةٌ ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ صِحَّتَهَا قَالَ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْإِجَارَةِ ( وَيَنْتَفِعُ ) فِي صُورَةِ التَّعْمِيمِ ( بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُعَارِ ، وَقِيلَ يَنْتَفِعُ بِهِ كَيْفَ شَاءَ ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فِيمَا فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِ الصِّحَّةِ فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ .
( قَوْلُهُ : زَرَعَهُ وَمِثْلَهُ إلَخْ ) فَإِنْ قِيلَ هَلَّا مُنِعَ مِنْ إبْدَالِ زَرْعٍ بِزَرْعٍ مِثْلِهِ كَمَا مُنِعَ مِنْ أَنْ يُعِيرَ مَا اسْتَعَارَهُ فِي الْأَصَحِّ ، وَإِنْ كَانَ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ كَانْتِفَاعِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ وَاضِعِي الْأَيْدِي وَلَا كَذَلِكَ فِي الزَّرْعِ الْمُتَسَاوِي .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ أَرْجَحُ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِمُطْلَقِ الزِّرَاعَةِ زَرَعَ مَا شَاءَ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَصِحُّ وَلَا يَزْرَعُ إلَّا أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُطْلَقَاتِ إنَّمَا تَنْزِلُ عَلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَصَحَّ ، وَهُنَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى أَقَلِّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ، وَالْعُقُودُ تُصَانُ عَنْ ذَلِكَ وَحَيْثُ أَعَارَ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِلْغِرَاسِ أَوْ لِلْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَوْ قَلَعَ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً أُخْرَى صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا قَدْ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : أَوْ لِلْغِرَاسِ أَوْ لِلْبِنَاءِ زَرَعَ ) كَانَ الْغَرَضُ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْعُرْفُ جَارٍ بِهِ فِي مِثْلِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِأَحَدِهَا أَوْ لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَدَّاهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا
يَتَعَدَّاهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إذْ ضَرَرُ الْبِنَاءِ بِظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ مُحْكَمًا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى حَفْرِ أَسَاسٍ أَمَّا الْبِنَاءُ الْخَفِيفُ بِالْخَشَبِ وَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ الْغِرَاسِ ، وَتَفْرِيغُ الْأَرْضِ مِنْهُ أَقْرَبُ مُدَّةً فَأَشْبَهَ الزَّرْعَ وَقَوْلُهُ : فَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ ) وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ وَقَدْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ الصِّحَّةَ فَالْعَارِيَّةُ أَوْلَى ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الْحُكْمُ الثَّالِثُ : الْجَوَازُ ) لِلْعَارِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الْإِلْزَامُ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ ( الرُّجُوعُ ) فِيهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ ( لَا فِي مَقْبَرَةٍ قَبْلَ الِانْدِرَاسِ ) لِلْمَيِّتِ الْمُحْتَرَمِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ مُوَارَاتِهِ بِالتُّرَابِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهِ أَمَّا بَعْدَ انْدِرَاسِهِ أَوْ قَبْلَهُ ، وَقَبْلَ مُوَارَاتِهِ وَلَوْ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ ، وَصُورَةُ ذَلِكَ بَعْدَ الِانْدِرَاسِ إذَا أَذِنَ الْمُعِيرُ فِي تَكْرَارِ الدَّفْنِ ، وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ وَذِكْرُ مَنْعِ رُجُوعِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَنْعِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ قَبْلَ الِانْدِرَاسِ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ أَيْضًا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ غَيْرُ قَاضٍ بِهِ وَالْمَيِّتُ لَا مَالَ لَهُ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُعِيرِ ( سَقْيُ شَجَرِهَا ) أَيْ الْمَقْبَرَةِ ( إنْ أَمِنَ ظُهُورَ ) شَيْءٍ مِنْ ( الْمَيِّتِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمَنْهُ وَلَوْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ مِنْ قَبْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَجِبُ إعَادَتُهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حَقًّا لَهُ مُؤَبَّدًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ دَفْنَهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى حَفْرِ غَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَيْهِ تَأْخِيرٌ لِلْوَاجِبِ نَعَمْ إنْ كَانَ السَّيْلُ حَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُعِيرِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ ( مُؤْنَةُ حَفْرِ مَا رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ فِيهِ .
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْمُعِيرَ لَوْ بَادَرَ إلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَكْرِيبِ الْمُسْتَعِيرِ لَهَا لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةُ التَّكْرِيبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ
بَيْنَهُمَا قُلْت : وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ أَيْضًا قَالَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْحَفْرِ بِخِلَافِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِدُونِ التَّكْرِيبِ ( وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الطَّمُّ ) لِمَا حَفَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَفَرَ بِالْإِذْنِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِيَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا صَحَّتْ الْإِعَارَةُ فَإِذَا نَبَعَ الْمَاءُ جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَخْذُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ قَصَدَ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِقَاءِ ، وَإِنْ أَرَادَ طَمَّهَا ، وَيَغْرَمُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ جَازَ أَوْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا بِالْبَدَلِ فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا عَيْنٌ كَآجُرٍّ وَخَشَبٍ جَازَ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَإِلَّا فَإِنْ قُلْنَا الْقُصَارَةُ وَنَحْوُهَا كَالْأَعْيَانِ فَكَذَلِكَ ، وَإِلَّا فَلَا أَوْ أَرَادَ التَّقْرِيرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِطْرَاقٍ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ فِي مِلْكِهِ ، وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِطْرَاقِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ أَوْ أَرَادَ أَخْذَ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْتَفِيدُ مِنْ الْمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الطَّمِّ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ الْمَالَ فِي مُقَابَلَةِ تَرْكِ الضَّرَرِ وَالْإِجَارَةُ مَوْضُوعَةٌ لِجَلْبِ النَّفْعِ .
وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ بِئْرَ حُشٍّ أَوْ يَجْتَمِعُ فِيهَا مَاءُ الْمَزَارِيبِ فَإِنْ أَرَادَ الطَّمَّ أَوْ التَّمَلُّكَ فَالْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ التَّقْرِيرُ بِعِوَضٍ فَكَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ بِمَالٍ .
( قَوْلُهُ : الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْجَوَازُ ) فَائِدَةُ الْجَوَازِ يُطْلَقُ فِي أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا رَفْعُ الْحَرَجِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا الثَّانِي عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ الثَّالِثُ عَلَى مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ فِي الْعُقُودِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا إرْفَاقٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الْإِلْزَامُ ) وَلِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنَافِعِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، وَالتَّبَرُّعُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْقَبْضِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ ؛ وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ إبَاحَةَ مَنْفَعَةٍ لَا تَلْزَمُ كَإِبَاحَةِ الطَّعَامِ ، وَإِنْ كَانَتْ هِبَةً فَالتَّبَرُّعُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ ( قَوْلُهُ : لَا فِي مَقْبَرَةٍ قَبْلَ الِانْدِرَاسِ ) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً وَمَا لَوْ رَضِيَ وَلِيُّهُ بِنَقْلِهِ ( قَوْلُهُ : بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ ) فَلَا رُجُوعَ فِي عَارِيَّةٍ لِدَفْنِ نَبِيٍّ أَوْ شَهِيدٍ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ) .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ يُوَافِقُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ .
ا هـ .
لِأَنَّهُ بِوَضْعِهِ فِيهِ اسْتَحَقَّ الْبُقْعَةَ فَلَا يَجُوزُ إزْعَاجُهُ مِنْهَا ، وَإِنْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ مِنْهَا ( قَوْلُهُ : فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ حَفْرِ مَا رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا أَطْلَقُوهُ مِنْ لُزُومِ مُؤْنَةِ الْحَفْرِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا حَفَرَهَا الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِوَلِيِّ الْمَيِّتِ أَمَّا لَوْ حَفَرَهَا الْمَيِّتُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ عَلَى الْمُعِيرِ بِالْأُجْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَكُنْ حَالَةَ الْحَفْرِ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَمَعْنَى
قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا اسْتِحْقَاقٌ وَقَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا أَطْلَقُوهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ فِيهِ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ لَهُ بِذَلِكَ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ مَقْصُودُ الْعَارِيَّةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُحْتَرَمٌ ، وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ جَارٍ مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي الْحُكْمِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الدَّفْنَ إلَخْ ) الدَّفْنُ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْوَلِيِّ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى خِبْرَتِهِ فَيَغْرَمُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي قَالَ شَيْخُنَا مُقْتَضَى الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ لِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ مِنْ لَازِمِهِ الْحَفْرُ أَوْ زَرْعِ شَيْءٍ مِنْ لَازِمِهِ الْحَرْثُ وَرَجَعَ بَعْدَهُ قَبْلَ الْفِعْلِ أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ أُجْرَةَ الْحَفْرِ وَنَحْوِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ قُلْنَا الْقِصَارَةُ وَنَحْوُهَا كَالْأَعْيَانِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَالرُّجُوعُ ) مِنْ الْمُعِيرِ ( فِي حَائِطٍ ) أَعَارَهُ ( لِوَضْعِ الْجُذُوعِ ) عَلَيْهِ ( تَقَدَّمَ ) جَوَازُهُ مَعَ بَيَانِ فَائِدَتِهِ ( فِي الصُّلْحِ وَلَا ) يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ ( فِي ثَوْبٍ كَفَّنَ فِيهِ ) الْمُعِيرُ ( أَجْنَبِيًّا ) قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ ( أَوْ أَحْرَمَ فِيهِ عَارٍ بِمَكْتُوبَةٍ ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الْحُرْمَةِ فَتَلْزَمُ الْإِعَارَةُ مِنْ جِهَتِهِمَا فِي هَاتَيْنِ ، وَفِيمَا لَوْ أَعَارَهُ سَفِينَةً فَطَرَحَ فِيهَا مَالًا ، وَهِيَ فِي اللُّجِّيَّةِ ، وَفِيمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ كَمَا مَرَّ أَوْ أَعَارَ آلَةً لِسَقْيِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى هَلَاكُهُ ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ فِيمَا لَوْ قَالَ أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِزَيْدٍ شَهْرًا أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعِيرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ أَنْ لَا يَرْجِعَ ( وَتَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ فِي إسْكَانِ مُعْتَدَّةٍ ) ، وَفِيمَا لَوْ اسْتَعَارَ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ لِوُضُوءٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ ، وَقَوْلُهُ وَلَا فِي ثَوْبٍ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ مَعَ مَا زِدْته الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا بَعْضَ ذَلِكَ فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ فَقَطْ وَتَبِعْتهمْ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ، وَمَا ذَكَرْته هُنَا أَنْسَبُ .
قَوْلُهُ : قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ ) ؛ لِأَنَّ نَزْعَ الْأَكْفَانِ بَعْدَ لَفِّهَا عَلَى الْمَيِّتِ فِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ ؛ وَلِأَنَّ تَغْيِيبَهُ فِي الْكَفَنِ كَدَفْنِهِ فِي الْقَبْرِ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَحْرَمَ فِيهِ عَارٍ ) أَوْ فَرَشَهُ عَلَى نَجَاسَةٍ وَقَوْلُهُ بِمَكْتُوبَةٍ أَيْ إنْ اسْتَعَارَهُ لِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَيَنْزِعُهُ وَيَبْنِي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَزَمَنُ الصَّلَاةِ يَسِيرٌ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ كَحَبَّةِ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبَةِ ( قَوْلُهُ : وَفِيمَا لَوْ أَعَارَهُ سَفِينَةً فَطَرَحَ فِيهَا مَالًا ، وَهِيَ فِي اللُّجِّيَّةِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِزَرْعٍ لَا يُقْصَلُ فَرَجَعَ قَبْلَ انْتِهَائِهِ أَوْ أَعَارَهُ جِذْعًا لِيُمْسِكَ بِهِ جِدَارًا مَائِلًا لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ خَوْفَ سُقُوطِهِ فَإِنْ رَجَعَ فَفِي طَلَبِ الْأُجْرَةِ مَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ رِعَايَةِ وَضْعِ الْجُذُوعِ ، قَالَهُ فِي الْبَحْرِ .
وَالضَّابِطُ كُلُّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْعَارِيَّةُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا ( قَوْلُهُ : أَوْ أَعَارَهُ آلَةً لِسَقْيِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ إلَخْ ) لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً أَوْ سِلَاحًا وَنَحْوَهُمَا لِلْغَزْوِ وَالْتَقَى الزَّحْفَانِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ اسْتَعَارَ سِلَاحًا أَوْ نَحْوَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَمَّا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الصِّيَالِ أَوْ اسْتَعَارَ مَا يَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُهْلِكَيْنِ أَوْ مَا يَنْجُو بِهِ مِنْ الْغَرَقِ أَوْ يُطْفِئُ بِهِ الْحَرِيقَ وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ ( قَوْلُهُ : أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعِيرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً إلَخْ ) أَوْ أَعَارَهُ لِلرَّهْنِ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ .
( وَتَنْفَسِخُ ) الْعَارِيَّةُ ( بِمَوْتِ وَاحِدٍ ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ ( وَجُنُونٍ ، وَإِغْمَاءٍ وَحَجْرِ سَفَهٍ ) مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَبِحَجْرٍ فَلَيْسَ عَلَى الْمُعِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ ( وَ ) إذَا انْفَسَخَتْ أَوْ انْتَهَتْ ، وَجَبَ ( عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) إنْ كَانَ حَيًّا ( أَوْ الْوَرَثَةِ ) إنْ كَانَ مَيِّتًا ( رَدُّهَا فَوْرًا ) ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ الْمُعِيرُ كَمَا لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ لَكِنَّ الرَّدَّ فِي تِلْكَ بِالتَّخْلِيَةِ فَإِنْ أَخَّرَهُ الْوَرَثَةُ فَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ فِي تَرِكَةِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَا أُجْرَةَ ، وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِمْ مَعَ الْأُجْرَةِ .
وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَيْهِمْ ، وَفِي الْأُولَى عَلَى التَّرِكَةِ وَذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ هُنَا وَالْفَوْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَفِي مَعْنَى مَوْتِهِ جُنُونُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ بِسَفَهِهِ .
( قَوْلُهُ : وَبِحَجْرٍ فَلَيْسَ عَلَى الْمُعِيرِ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : إذَا أَعَارَ ) غَيْرَهُ أَرْضًا ( لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً فَلَهُ فِعْلُهُمَا مَا لَمْ يَرْجِعْ ) أَيْ الْمُعِيرُ ( لَكِنْ ) لَا يَفْعَلُهُمَا إلَّا ( مَرَّةً وَاحِدَةً ) وَغَيْرُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي مَعْنَاهُمَا ( فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ قَلَعَ مَجَّانًا وَكُلِّفَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ ) كَالْغَاصِبِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ ، وَكَمَالِكِ مَا نَبَتَ بِحَمْلِ السَّيْلِ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ ( وَمَا بَنَى وَغَرَسَ قَبْلَ الرُّجُوعِ ) مِنْ الْمُعِيرِ ( إنْ لَمْ يُنْقِصْهُ الْقَلْعُ قُلِعَ ، وَإِنْ نَقَصَهُ فَلَا يُقْلَعُ مَجَّانًا ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ أَيْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الْقَلْعُ مَجَّانًا ( وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ مَجَّانًا وَ ) لَا ( التَّسْوِيَةُ ) لِلْأَرْضِ ( إلَّا بِاشْتِرَاطٍ ) لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُهُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا ( أَوْ بِاخْتِيَارِ الْقَلْعِ ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَتَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ دُونَ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ انْسِحَاقَ الثَّوْبِ .
انْتَهَى .
وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِإِمْكَانِ عَوْدِ الْأَرْضِ لِمَا كَانَتْ بِخِلَافِ الثَّوْبِ ، وَفِي تَأْثِيرِ فَرْقِهِ نَظَرٌ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ الِاشْتِرَاطِ وَاخْتِيَارِ الْقَلْعِ ( خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ الْقَلْعِ بِضَمَانِ ) أَيْ مَعَ ضَمَانِ ( الْأَرْشِ ) ، وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا ، وَمَقْلُوعًا ( وَالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ ) حِينَ التَّمَلُّكِ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَكْرُمَةٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا مَنْعُ الْمُعِيرِ وَلَا تَضْيِيعَ مَالِ الْمُسْتَعِيرِ فَأَثْبَتَنَا الرُّجُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ، وَإِنَّمَا خَيَّرْنَا الْمُعِيرَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْسِنُ ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ لِمَا فِيهَا وَلَا بُدَّ فِي اعْتِبَارِ
قِيمَتِهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ مُسْتَحَقَّ الْأَخْذِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ قَائِمًا بِهَذَا التَّقْدِيرِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ قَائِمًا بِدُونِهِ ذَكَرَهُ الْعِمْرَانِيُّ .
( وَإِنْ طَلَبَ ) الْمُعِيرُ ( الْأُجْرَةَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَعِيرَ ) إجَابَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ فَإِنْ أَبَى كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعِيرِ التَّبْقِيَةُ بِالْأُجْرَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَاَلَّذِي فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ، وَخَيَّرَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ بَيْنَ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَالْقَلْعِ بِالْأَرْشِ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخَانِ بَلْ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَيْ كَالشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ ، وَقَوْلُهُمَا فِي الْإِجَارَةِ إنَّهَا كَالْعَارِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا كَهِيَ فِي اخْتِيَارِ الْخَصْلَتَيْنِ فَقَطْ عَلَى مَا صَحَّحَاهُ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا قَدْ يُفَرِّقَانِ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ غَيْرَهَا مَلَكَ فِيهِ الْبَانِي وَالْغَارِسُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ فَسَاغَ إلْزَامُهُمَا بِهَا بِخِلَافِهِمَا فِي الْعَارِيَّةِ ثُمَّ مَحِلُّ التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ يُوقَفْ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ ، وَإِلَّا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُمَا بِالْأُجْرَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَلْعِهِمَا بِالْأَرْشِ ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْكِتَابِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ بِالْأَرْشِ ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تُوقَفْ الْأَرْضُ ، وَإِلَّا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثِ لَكِنْ لَا يَقْلَعُ بِالْأَرْشِ إلَّا إذَا كَانَ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ مِنْ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَلَا يَتَمَلَّكُ
بِالْقِيمَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي شَرْطِ الْوَقْفِ جَوَازُ تَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْ رِيعِهِ ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْغِرَاسِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ، وَإِلَّا فَلَا يَتَّجِهُ التَّخْيِيرُ إلَّا بَعْدَ الْجِذَاذِ كَمَا فِي الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّمَلُّكِ مِنْ عَقْدٍ وَلَا يَلْحَقُ بِالشَّفِيعِ ( وَبِالتَّمَانُعِ ) بِأَنْ امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ بَذْلِ الْأُجْرَةِ ، وَقَدْ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ ( يُعْرَضُ عَنْهُمَا ) إلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ ( وَلِلْمُعِيرِ ) حِينَئِذٍ ( الدُّخُولُ ) لِلْأَرْضِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ( وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ ) وَالْغِرَاسِ ؛ لِأَنَّهُ جَالِسٌ فِي مِلْكِهِ ( لَا لِلْمُسْتَعِيرِ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ دُخُولُهَا لِتَفَرُّجٍ أَوْ لَا لِغَرَضٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ .
( فَلَوْ دَخَلَ لِسَقْيٍ ) لِلْغِرَاسِ ( أَوْ إصْلَاحٍ ) لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ ( جَازَ ) صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الضَّيَاعِ ، وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى جَوَازُ دُخُولِهِ لِأَخْذِ الثِّمَارِ ، وَفُهِمَ مِمَّا قَالَهُ فِي الْمُعِيرِ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ مِنْ جَوَازِ هَذَا فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ - هُنَا فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُودَعُ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ الْوَدِيعَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ ، وَفِيمَا فَرَّقَ بِهِ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ ( وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الدُّخُولِ إنْ
تَعَطَّلَتْ الْمَنْفَعَةُ بِدُخُولِهِ ) عَلَى الْمُعِيرِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الدُّخُولِ إلَّا بِهَا ( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( بَيْعُ مَا لَهُ مِنْ الْآخَرِ بَلْ ) لَهُ بَيْعُهُ ( لِثَالِثٍ أَيْضًا ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي بَيْعِ الْمُسْتَعِيرِ تَمَكُّنُ الْمُعِيرِ مِنْ تَمَلُّكِهِ مَا لَهُ كَتَمَكُّنِ الشَّفِيعِ مِنْ تَمَلُّكِ الشِّقْصِ ( وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ ) الْحَالَ ( وَلَهُ حُكْمُ مَنْ بَاعَ مِنْهُ ) مِنْ مُعِيرٍ ، وَمُسْتَعِيرٍ فِيمَا مَرَّ لَهُمَا ( وَمَتَى بَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ ) وَاحِدٍ ( جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَوُزِّعَ ) الثَّمَنُ ( عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغَرْسِ ) بِمَعْنَى الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ ( وَ ) عَلَى ( قِيمَةِ مَا فِيهَا وَحْدَهُ ) فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ وَحِصَّةُ مَا فِيهَا لِلْمُسْتَعِيرِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُوَزَّعُ كَمَا فِي الرَّهْنِ كَذَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ مُقَدِّمًا كَلَامَ الْمُتَوَلِّي فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ( وَمَا بَنَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِلَا إذْنٍ قُلِعَ مَجَّانًا ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : إذَا اسْتَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ ) لَوْ عَبَّرَ بِالْغَرْسِ بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ لَكَانَ أَحْسَنَ ، وَأَخْصَرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ وَوَقَعَ فِيهِ هُنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ فِي الْمُطْلَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُقَيَّدَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي وَكَانَ الْإِطْلَاقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَرَّةِ إلَّا إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ بِتَأْقِيتِ الزَّمَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَهَا مَرَّةً بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُوَكِّلُ لَا بِطَرِيقِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِلَا خِلَافٍ تَنْزِيلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى الْمَرَّةِ وَلَوْ وَقَّتَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ تِلْكَ الْعَيْنَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ كَانَ كَالْمُطْلَقَةِ بِاقْتِضَاءِ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُؤَقَّتِ فِي التَّوْكِيلِ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي التَّوْقِيتِ فِي التَّوْكِيلِ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ قَدْ زَالَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْفَرْعُ زِيَادَةً عَلَى الْأَصْلِ ، وَالِانْعِزَالُ لَا عَوْدَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا هَذَا الْمَعْنَى فَدَلَّتْ قَرِينَةُ التَّوْقِيتِ عَلَى إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إلَى انْتِهَاءِ الْوَقْتِ .
( قَوْلُهُ : وَمَا بَنَى وَغَرَسَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ يَنْقُصْهُ الْقَلْعُ قَلَعَ ) فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الْقَلْعِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَلْزَمُ الْقَلْعُ مَجَّانًا وَالتَّسْوِيَةُ إلَّا بِاشْتِرَاطٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمَا مَجَّانًا يُوهِمُ بَلْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْقَلْعَ وَلَمْ يَقُلْ مَجَّانًا وَنَحْوَهَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ
وَلَمْ أَرَهَا إلَّا فِي النِّهَايَةِ وَفُرُوعِهَا ، وَعِبَارَةُ الْأَصْحَابِ إنْ شُرِطَ الْقَلْعُ قَلَعَ ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُصَرِّحَ بِقَوْلِهِ مَجَّانًا أَوْ لَا وَمِمَّنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ ، وَأَصْحَابُ الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ فِي الْإِعَارَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِمُدَّةٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا احْتَرَزَا بِهِ عَمَّا لَوْ شَرَطَ الْقَلْعَ وَغَرَامَةَ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ( قَوْلُهُ : عَمَلًا بِالشَّرْطِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ } قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِالتَّصْوِيرِ فِي الْحُفَرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْقَلْعِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَارِيَّةِ ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ فِي الْحُفَرِ إذَا كَانَتْ عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ الْقَلْعِ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ طَمُّ الزَّائِدِ قَطْعًا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ شَرَطَ تَمَلُّكَهُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الرُّجُوعِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لَزِمَهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ الْقَلْعِ بِضَمَانِ الْأَرْشِ وَالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَمْزٌ إلَى تَرَدُّدٍ فِي أَنَّ مُؤْنَةَ الْقَلْعِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ عَلَى صَاحِبِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْبَعْضَ وَيُبْقِيَ الْبَعْضَ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَهُ بِالْأَرْشِ وَيُبْقِيَ الْبَعْضَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِكَثْرَةِ الضَّرَرِ
عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّخْيِيرُ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهُ كَالْكَفَّارَةِ .
ا هـ .
وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ الثَّانِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ شَرَطَ تَمَلُّكَهُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَفِي الْإِيضَاحِ لِلصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : بَلْ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَالشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ فِي رُجُوعِ الْأَبِ فِي هِبَتِهِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ كَالْعَارِيَّةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُمَا بِالْأُجْرَةِ ) قَالَ فِي التَّوْشِيحِ أَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمُتَبَقِّيَةِ بِأُجْرَةٍ وَالْقَلْعِ مَعَ إعْطَاءِ الْأَرْشِ ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْوَالِدُ وَغَيْرُهُمَا .
ا هـ .
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
.
( قَوْلُهُ : وَالزَّرْكَشِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا يَتَّجِهُ التَّخْيِيرُ إلَّا بَعْدَ الْجِذَاذِ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ التَّخْيِيرُ فَإِنْ اخْتَارَ التَّمَلُّكَ مَلَكَ الثَّمَرَةَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ ، وَإِبْقَاءَهَا إلَى الْجِذَاذِ إنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً قَالَ شَيْخُنَا كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّمَلُّكِ مِنْ عَقْدٍ ) فَإِنَّهُ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى اخْتِيَارِ الْمُعِيرِ فِي الْخِصَالِ الثَّلَاثِ قَالَ مِنْهُ الِاخْتِيَارُ ، وَمِنْ الْمُسْتَعِيرِ الرِّضَا ، وَإِسْعَافُهُ لِمَا طَلَبَ فَإِنْ لَمْ يُسْعِفْهُ كَلَّفْنَاهُ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ ، وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ ( قَوْلُهُ : إلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ ) اخْتِيَارُهُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ لَهُ التَّبْقِيَةَ فَإِذَا اخْتَارَهَا لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ مُوَافَقَتُهُ (
قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ جَالِسٌ فِي مِلْكِهِ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ مَسْطَبَةً امْتَنَعَ الْجُلُوسُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ إلَخْ ) ، وَهُوَ فَرْقٌ دَقِيقٌ وَكَتَبَ أَيْضًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ هُنَا بِأَنَّ الْمُعِيرَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ فَلِهَذَا مُنِعَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ : وَالْأَوْلَى حَمْلُ مَا هُنَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ الْمُصَنِّفِ ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ ( قَوْلُهُ : وَمَا بَنَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِلَا إذْنٍ قُلِعَ مَجَّانًا ) ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ .
( فَرْعٌ : لَيْسَ لِشَرِيكٍ رَجَعَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الْبِنَاءِ ) أَوْ الْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ ( إلَّا الْأُجْرَةُ ) أَيْ إلَّا التَّبْقِيَةُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْقَلْعُ بِأَرْشِ النَّقْصِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَلْعَ بِنَاءِ الْمَالِكِ وَغِرَاسِهِ مِنْ مِلْكِهِ وَلَا أَنْ يَتَمَلَّكَ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ لَلَبَّانِي وَالْغَارِسِ فِي الْأَرْضِ مِثْلَ حَقِّهِ ( فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ ( أَعْرَضَ عَنْهُمَا ) إلَى أَنْ يَرْضَى ( وَإِنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ غَرَسَ ) الْمُسْتَعِيرُ ( وَبَنَى ) جَوَازًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ( إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ ) الْمُدَّةُ ( أَوْ يَرْجِعَ الْمُعِيرُ ، وَمَتَى انْقَضَتْ ) أَيْ الْمُدَّةُ ( أَوْ رَجَعَ فَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ ) فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ لِشَرِيكٍ ) أَيْ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَوْ فِي رَقَبَتِهَا ( قَوْلُهُ : وَمَتَى انْقَضَتْ إلَخْ ) أَمَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ وَلَمْ يَشْرِطْ نَقْضَهُ فَلَا يُنْقَضْ مَجَّانًا وَبَيَانُ الْمُدَّةِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقَلْعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْعِ إحْدَاثِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ أَوْ لِطَلَبِ الْأُجْرَةِ ، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَلِأَنَّ وَضْعَ الْعَوَارِيّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّأْقِيتِ وَعْدٌ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ .
( فَصْلٌ : وَلَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ بَقَّاهُ ) وُجُوبًا ( بِأُجْرَةٍ إلَى الْحَصَادِ ) أَمَّا تَبْقِيَتُهُ ؛ فَلِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ، وَأَمَّا أَنَّهَا بِالْأُجْرَةِ ؛ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْمَنْفَعَةَ إلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَعَارَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَقْلَ مَتَاعِهِ إلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ هَذَا ( إنْ لَمْ يُعْتَدْ قَطْعُهُ ) قَبْلَ إدْرَاكِهِ أَوْ اُعْتِيدَ كَالْبَاقِلَاءِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَوْ إنَّ قَطْعُهُ عَادَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ اُعْتِيدَ قَطْعُهُ وَبَلَغَ ذَلِكَ تَحْكِيمًا لِلْعَادَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْقُصْ بِالْقَطْعِ أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ قَطْعُهُ ( وَكَذَا ) تَلْزَمُهُ تَبْقِيَتُهُ بِالْأُجْرَةِ إلَى الْحَصَادِ ( إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ) وَلَمْ يُقَصِّرْ الْمُسْتَعِيرُ بِتَأْخِيرِ الزَّرْعِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ سَوَاءٌ أَسْنَدَ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ لِعُرُوضِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ أَمْ لِقِلَّةِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا أَمْ لَا كَأَكْلِ الْجَرَادِ رُءُوسَ الزَّرْعِ فَيَنْبُتُ ثَانِيًا ( لَا إنْ قَصَّرَ بِالتَّأْخِيرِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْقَطْعُ مَجَّانًا وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ ، وَكَذَا إنْ قَصَّرَ بِالزَّرْعِ ، وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ بِالتَّأْخِيرِ كَأَنْ عَلَا الْأَرْضَ سَيْلٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعَ الزَّرْعِ ثُمَّ زَرَعَ بَعْدَ نُضُوبِهِ ، وَهُوَ لَا يُدْرَكُ فِي الْمُدَّةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَ الزَّرْعَ الْمُعَيَّنَ بِغَيْرِهِ كَانَ كَالتَّقْصِيرِ بِالتَّأْخِيرِ ، وَيَأْتِي هُنَا أَيْضًا مِثْلُهُ .
( وَإِنْ أَعَارَهُ ) أَرْضًا ( لِفَسِيلٍ ) أَيْ لِغَرْسِهِ ، وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا ( يُعْتَادُ نَقْلُهُ فَكَالزَّرْعِ ، وَإِلَّا فَكَالْبِنَاءِ ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَيُحْتَمَلُ
إلْحَاقُ عُرُوقِهِ بِالْغِرَاسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ أَصْلُهُ فَيَكُونُ كَالْفَسِيلِ الَّذِي يُنْقَلُ .
( قَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْقُصْ بِالْقَطْعِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ قَطْعُهُ ) كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغِرَاسِ إذْ لَا مَحْذُورَ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يُشِيرُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْقَلْعُ مَجَّانًا ) حَيْثُ يُمْكِنُ الْقَلْعُ مَجَّانًا فَلَهُ الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ وَالتَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ تَرَاضِيًا لَا إجْبَارًا بِخِلَافِ الْقَلْعِ ( قَوْلُهُ : وَيَأْتِي هُنَا أَيْضًا مِثْلُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِفَسِيلَةٍ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ عُرُوقِهِ بِالْغِرَاسِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ ) أَوْ نَحْوُهُ كَهَوَاءٍ ( حَبَّاتٍ أَوْ نَوًى ) لِغَيْرِهِ إلَى أَرْضِهِ ( وَكَذَا ) لَوْ حَمَلَ إلَيْهَا ( مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَحَبَّةٍ ) أَوْ نَوَاةٍ ( لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا الْمَالِكُ ) لَهَا ( لَزِمَهُ رَدُّهَا لِلْمَالِكِ ) إنْ حَضَرَ ( وَإِنْ غَابَ فَالْقَاضِي ) يَرُدُّهَا ، وَعَدَلَ إلَى هَذَا عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ لَزِمَهُ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا إنْ عَرَفَهُ ، وَإِلَّا فَيَدْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَدْفَعُهَا إلَى الْقَاضِي عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ ، وَإِنْ عَرَفَهُ ، وَعِنْدَ حُضُورِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( وَإِنْ نَبَتَ ) الْأَوْلَى نَبَتَتْ ( فِي أَرْضِهِ لَمْ يَمْلِكْهَا ، وَعَلَى مَالِكِهَا الْقَلْعُ ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ فِي هَوَاءِ دَارِهِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( التَّسْوِيَةُ ) لِلْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ ، وَجَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْقَلْعِ ، وَإِنْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَعْرَضَ عَنْهَا مَالِكُهَا ، وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِك الْأَرْضِ .
( قَوْلُهُ : لَزِمَهُ رَدُّهَا لِلْمَالِكِ إنْ حَضَرَ ) ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ تَحَوَّلَتْ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى ، وَمَعْنَى لُزُومِ رَدِّهَا التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ( قَوْلُهُ : وَعَلَى مَالِكِهَا الْقَلْعُ ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ إلَخْ ) كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَ عَدَمِ شُعُورِ الْمَالِكِ نَظَرٌ ح ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ ) هُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَوْ بَاشَرَ الْقَلْعَ أَوْ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ ح ( قَوْلُهُ : وَجَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ إلَخْ ) وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ ) بَيْنَ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ لَوْ ( قَالَ الْمَالِكُ ) لِدَابَّةٍ مَثَلًا ( آجَرْتُك ) هَا ( وَقَالَ الْمُتَصَرِّفُ ) فِيهَا ( أَعَرْتنِي ) هَا ( صُدِّقَ ) الْمُتَصَرِّفُ بِيَمِينِهِ ( إنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ) وَلَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا حَتَّى نَجْعَلَهُ مُدَّعِيًا لِسُقُوطِ بَدَلِهِ ( وَيَحْلِفُ مَا آجَرْتنِي ) لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ ، وَيَرُدُّ الْعَيْنَ إلَى مَالِكِهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَالِكُ يَمِينَ الرَّدِّ وَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ ( وَمَتَى مَضَتْ مُدَّةٌ ) لَهَا أُجْرَةٌ ( صُدِّقَ الْمَالِكُ ) بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ ، وَقَالَ كُنْت أَبَحْته لِي ، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْذَنُ فِي الِانْتِفَاعِ غَالِبًا بِمُقَابِلٍ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ ، وَمَا لَوْ قَالَ الْغَسَّالُ أَوْ الْخَيَّاطُ فَعَلْت بِالْأُجْرَةِ ، وَمَالِكُ الثَّوْبِ مَجَّانًا حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ مَالِكُ الثَّوْبِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى عِوَضًا عَلَى الْغَيْرِ ، وَالْمُتَصَرِّفُ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ مَالِ غَيْرِهِ ، وَطَلَبَ إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يُصَدَّقْ .
( وَيَحْلِفُ ) الْمَالِكُ ( مَا أَعَرْتُك بَلْ آجَرْتُك ) لِيَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْيِ الْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ الْإِذْنِ حَتَّى يَتَوَصَّلَ إلَى إثْبَاتِ الْمَالِ بِنَفْيِ الْإِذْنِ وَنِسْبَتِهِ إلَى الْغَصْبِ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِأَصْلِ الْإِذْنِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ .
( وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ ) لَا الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِجَارَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ كَانَ الْوَاجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَبِالْأَوْلَى إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ ( فَلَوْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( لَمْ يَحْلِفْ الْمُتَصَرِّفُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي إلَّا الْإِعَارَةَ ، وَهِيَ لَا تَلْزَمُ فَإِنْ تَلِفَتْ فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرٍ لَهَا ) ، وَهُوَ ( يَدَّعِي الْأُجْرَةَ ) إنْ
كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ ( فَيُعْطَى قَدْرَهَا ) أَيْ الْأُجْرَةِ ( مِنْهَا ) أَيْ الْقِيمَةِ ( بِلَا يَمِينٍ ، وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ ) فِيمَا لَوْ زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ ( وَمَتَى قَالَ ) لَهُ الْمَالِكُ ( غَصَبْتنِي ) فَقَالَ بَلْ أَعَرْتنِي ( وَهُنَاكَ مُدَّةٌ ) لَهَا أُجْرَةٌ وَلَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ ( صُدِّقَ ) الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَلِلْمَالِكِ الْأُجْرَةُ ، وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ إذْ لَمْ تَفُتْ الْعَيْنُ وَلَا الْمَنْفَعَةُ ( فَلَوْ تَلِفَتْ ) تَلَفًا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ ( فَلَهُ أَخْذُ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِلَا يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ مُقِرٌّ لَهُ بِهَا ( وَلَا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ ) فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ( وَ ) لَا ( الزَّائِدَ ) عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ مِمَّا اقْتَضَاهُ الْغَصْبُ ( إلَّا بِيَمِينٍ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ غَصَبْتنِي ، وَقَالَ الرَّاكِبُ آجَرْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً ( وَلَهُ ) فِيمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ( أَخْذُ الْمُسَمَّى ) أَيْ قَدْرِهِ ( بِلَا يَمِينٍ ) ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ ( وَيَحْلِفُ لِبَاقِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ ) أَيْ لِلزَّائِدِ عَلَى الْمُسَمَّى بَلْ وَلِقِيمَةِ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ بِلَا يَمِينٍ ، وَأَخْذَ مَا يُنْكِرُهُ بِالْيَمِينِ ( وَإِنْ قَالَ الرَّاكِبُ آجَرْتنِي ، وَقَالَ الْمَالِكُ أَعَرْتُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ) لِمَا مَرَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفَ الْآخَرُ ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ( وَاسْتَوْفَى الْمُدَّةَ ، وَإِنْ حَلَفَ ) الْمَالِكُ ( وَهُنَاكَ مُدَّةٌ ) لَهَا أُجْرَةٌ ( فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ ) الرَّاكِبُ ( بِأُجْرَةٍ ) ، وَهُوَ ( يُنْكِرُهَا ) ، وَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) فِي ذَلِكَ (
بَعْدَ التَّلَفِ ) لِلْعَيْنِ ( وَ ) بَعْدَ ( مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَكْثَرَ ) مِنْ الْقِيمَةِ ( أَخَذَ مِنْهَا قَدْرَ الْقِيمَةِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ ) لَهَا ( أَوْ أَقَلَّ ) مِنْهَا ( أَخَذَهَا ) أَيْ الْأُجْرَةَ أَيْ قَدْرَهَا ( بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ نَقَصَتْ ) أَيْ الْأُجْرَةُ عَنْ الْقِيمَةِ ( حَلَفَ لِلْبَاقِي ) .
وَلَوْ قَالَ بَدَلَ فَاتَ إلَى آخِرِهِ وَحَلَفَ فِي الْأَخِيرَةِ لِلْبَاقِي كَانَ أَوْضَحَ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ التَّلَفِ ، وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ حَلَفَ الْمَالِكُ ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ أَتْلَفَهَا ، وَيَدَّعِي مُسْقِطًا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .
فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ ) ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَالِكُ آجَرْتُكَهَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا .
ا هـ .
مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الْمَالِكِ مِنْ تَعْيِينِ الْأُجْرَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ إنْ أَوْجَبْنَا الْمُسَمَّى وَجَبَ ذِكْرُهُ ، وَإِلَّا كَفَاهُ ذِكْرُ الْأُجْرَةِ ( قَوْلُهُ : وَمَتَى مَضَتْ مُدَّةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ ) الْمُرَادُ تَصْدِيقُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ لَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْآخَرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ أَثْنَائِهَا ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْذَنُ فِي الِانْتِفَاعِ إلَخْ ) وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا كَالْأَعْيَانِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْنِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْتُكهَا وَقَالَ بَلْ ، وَهَبْتنِيهَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ فَكَذَا هُنَا ( قَوْلُهُ : فَلَوْ نَكَلَ لَمْ يَحْلِفْ الْمُتَصَرِّفُ إلَخْ ) هَكَذَا فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ لَا يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْعَارِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شَيْئًا ، وَأَمَّا عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ فَلَا مَحِيصَ عَنْهُ ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ، وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ رَمَزَ إلَى أَنَّهُمَا أَيْ الرَّاكِبَ وَالزَّارِعَ يَحْلِفَانِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْغُرْمِ .
( وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ غَصَبْتنِي فَقَالَ ) ذُو الْيَدِ ( بَلْ أَوْدَعْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ) ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَجَزَمَ الْهَرَوِيُّ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ ذُو الْيَدِ قَالَ : وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَخَذْت مِنْهُ أَلْفًا ، وَفَسَّرَهَا الْوَدِيعَةِ ، وَقَالَ الْمُقَرِّ لَهُ بَلْ غَصَبْتهَا صُدِّقَ الْمُقِرُّ قَالَ : وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ لَا يُوجَدَ اسْتِعْمَالٌ يُخَالِفُ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ فَإِنْ وُجِدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَلِفِ ، وَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ عِنْدَ التَّلَفِ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ لِمَا بَعْدَ التَّعَدِّي قَالَ فَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةَ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الْوَدِيعَةِ حَتَّى يَنْتَفِيَ عَنْهُ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ بِالْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُضَمَّنِ ، وَالْأَمَانَةُ هُنَا مَقْصُودَةٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، وَقَدْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَتَلِفَتْ فَادَّعَى الدَّافِعُ الْقَرْضَ وَالْآخَرُ الْوَدِيعَةَ بِأَنَّ الْمُصَدَّقَ الْقَابِضُ ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ .
انْتَهَى .
وَقَدْ يُجَابُ عَمَّا قَالَهُ مِنْ مُوَافَقَةِ مَا فِي الْإِقْرَارِ لِكَلَامِ الْهَرَوِيِّ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا لَمْ يُعْرَفْ ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ ذِي الْيَدِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ الْيَقِينُ غَالِبًا ، وَمَا بَحَثَهُ فِي الثَّانِيَةِ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي الْأُولَى ، وَإِلَّا فَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ ، وَإِنْ مَضَتْ فَالْمَالِكُ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ ، وَإِنْ
تَلِفَتْ فَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكِرِهَا ، وَإِلَّا فَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيهَا إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ، وَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكِرِهَا ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ أَقْصَى الْقِيَمِ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِلَا يَمِينٍ ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا ، وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَالْأُجْرَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ غَصَبَتْنِي ) أَيْ أَوْ بِعْتُك بِكَذَا ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ وَيُوَافِقُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ وُجِدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحَلِفِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا إلَخْ ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ أَيْضًا الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِائْتِمَانِ النَّافِي لِلضَّمَانِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ أَيْضًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ ) إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ .
( فَرْعٌ : ) لَوْ ( رَكِبَ ) الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ ( جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ ) وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجَهْلِ ، وَعَدَمِهِ ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ تَسْلِيطِهِ وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ قَالَ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ وَالْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ ، وَإِذْنٌ وَلَا يُشْكِلُ الْجَوَابُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِعَفْوِ الْمُسْتَحِقِّ ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَوَكُّلِهِ فِي الْقَوَدِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ إذْ الْعَفْوُ مَطْلُوبٌ فَضَمِنَ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّوَكُّلِ فِيهِ ( وَبِمَوْتِهِ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ ( يَلْزَمُ الْوَارِثَ ) لَهُ ( الرَّدُّ ) لِلْعَارِيَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمُعِيرُ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ ، وَقَدْ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ ، وَالْمُعِيرُ لَمْ يَرْضَ بِيَدِ الْوَارِثِ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِزِيَادَةٍ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ لَوْ رَكِبَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ فِيمَا لَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَاسْتَعْمَلَهَا الْمُسْتَعِيرُ جَاهِلًا .
ا هـ .
وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ : وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَعَارَ ثُمَّ جُنَّ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ فِي مُدَّةِ جُنُونِ الْمُعِيرِ غَيْرَ عَالِمٍ بِجُنُونِهِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِبَاحَةِ ( قَوْلُهُ : وَبِمَوْتِهِ يَلْزَمُ الْوَارِثَ الرَّدُّ لِلْعَارِيَّةِ ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ وَجُنُونُهُ كَمَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ، وَهَلَكَتْ وَجَبَ الضَّمَانُ فِي التَّرِكَةِ ، وَإِنْ قَدَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالرَّدِّ هُنَا وُجُوبُ مُبَاشَرَتِهِ وَتَحَمُّلُ مُؤْنَتِهِ كَمَا فِي الْمُسْتَعِيرِ ( فَرْعٌ ) لَوْ أَوْدَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ فَكَإِيدَاعِ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةَ .
( كِتَابُ الْغَصْبِ ) .
الْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ ، وَقَوْلِهِ { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ { إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ } ، وَخَبَرُ { مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعَ أَرَضِينَ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ ( هُوَ ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا ، وَقِيلَ أَخْذُهُ ظُلْمًا جَهَارًا وَشَرْعًا ( الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ) وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ ، وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ ، وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِظَنِّهِ مَالَهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ وَأُورِدَ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ غَصْبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِالِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَقُّ أَنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يُرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْرِيفِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الْمِنْهَاجِ لَكِنْ اخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ذُهُولٌ ، وَصَوَابُهُ عُدْوَانًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ مُوَافَقَةِ الرَّافِعِيِّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الِانْتِقَادَ عَلَى مَنْ عَبَّرَ بِالْمَالِ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُذْهَلْ بَلْ قَصَدَ ذَلِكَ لِيُدْخِلَ
الصُّورَةَ الَّتِي قَالَهَا الْإِمَامُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وَافَقَ الرَّافِعِيَّ عَلَى الْفَرْقِ ، وَإِنَّمَا نَقَلَ كَلَامَهُ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ اخْتَارَ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِمْ عُدْوَانًا عَلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْغَصْبِ عِنْدَهُ وَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الْإِثْمِ فِي نَحْوِ صُورَةِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِثْمَ كَمَا لَا يَسْتَلْزِمُهُ ارْتِكَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ .
( كِتَابُ الْغَصْبِ ) .
( قَوْلُهُ : وَخَبَرُ { مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ } إلَخْ ) أَيْ يُكَلَّفُ حَمْلَهُ وَقِيلَ يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ قَيَّدَهُ الْعَبَّادِيُّ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِغَصْبِهِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبْعَ مِثْقَالٍ كَمَا يُقْطَعُ بِهِ فِي السَّرِقَةِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ عَنْ الْهَرَوِيِّ ، وَأَقَرَّهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ بُلُوغُهُ نِصَابًا فَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْحَبَّةِ وَسَرِقَتَهَا كَبِيرَةٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ .
( قَوْلُهُ : هُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَأْخُوذُ بِسَرِقَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ اخْتِلَاسٍ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُسَمَّى غَصْبًا ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِأَسْمَاءِ كَمَا يُسَمَّى بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ صَرْفًا ، وَإِنْ شَمِلَهُ اسْمُ الْبَيْعِ ( قَوْلُهُ : الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ إلَخْ ) إدْخَالُ أَلْ عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ ، وَإِنْ كَثُرَ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنْ أَرَادَ بِالْحَقِّ مَا وَجَبَ لَهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ بِهِ الْوَكِيلُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْعَيْنِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْحَقَّ الْجَائِزَ مُسَاوٍ لِلتَّعْبِيرِ بِالْعُدْوَانِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ فِيهِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ الْحَقَّ الْمُسَوِّغَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا اعْتِرَاضَ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ) اعْتَذَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَالِ بِأَنَّهُ سَيَتَكَلَّمُ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْغَصْبِ أَمْرَانِ الرَّدُّ وَالضَّمَانُ ، وَهُمَا إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الْمَالِ بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ وَاجِبَهُ الرَّدُّ خَاصَّةً وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ هُوَ حَقِيقَةً ضَمَانًا وَعِصْيَانًا .
الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ
الْغَيْرِ بِعُدْوَانٍ وَحُكْمًا ضَمَانًا فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ بِلَا عُدْوَانٍ كَالْقَبْضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاسْتِعْمَالُ الْأَمَانَةِ غَلَطًا ، وَعِصْيَانًا فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا كَالسِّرْجِينِ وَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا .
( تَنْبِيهٌ ) فِي الْكَافِي لَوْ رَأَى مَالَ غَيْرِهِ يَغْرَقُ أَوْ يَحْتَرِقُ فَأَخَذَهُ حِسْبَةً لِيَرُدَّهُ فَتَلِفَ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ أَوْ اسْتَنْقَذَ شَاةً مِنْ الذِّئْبِ لِيَرُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ أَوْ وَقَعَتْ بَقَرَةٌ فِي الْوَحْلِ فَجَرَّهَا لِمَالِكِهَا فَمَاتَتْ لَا بِسَبَبِ الْجَرِّ فَفِي الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَجْهًا وَاحِدًا وَقَوْلُهُ : قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَفِيهِ بَابَانِ .
الْأَوَّلُ فِي الضَّمَانِ ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الضَّمَانِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ سَبَبُهُ أَيْ فِي مُوجِبِ دُخُولِ الْمَالِ فِي ضَمَانِهِ ( وَلَا يَنْحَصِرُ ) مُوجِبُهُ ( فِي الْغَصْبِ بَلْ الْإِتْلَافُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَالِاسْتِيَامُ وَغَيْرُهَا مَضْمُونَةٌ ) الْأَوْلَى وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَصْلِهِ مُضَمَّنَةٌ وَالْإِتْلَافُ هُوَ التَّفْوِيتُ بِمُبَاشَرَةٍ ، وَهِيَ مَا يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ كَالْقَتْلِ أَوْ سَبَبٍ ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ بِهِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ شَرْطٍ ، وَهُوَ مَا لَا يُحَصِّلُهُمَا لَكِنْ يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ بِهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهَا فِي الْجِنَايَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ أَرَادَ بِالسَّبَبِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( وَإِنْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ غَيْرَ مُنْتَصِبٍ فَسَالَ ) مَا فِيهِ بِفَتْحِهِ وَتَلِفَ ( أَوْ مُنْتَصِبٍ فَسَقَطَ بِفِعْلِهِ ) كَأَنْ حَرَّكَ الْوِكَاءَ ، وَجَذَبَهُ ( أَوْ بِتَقَاطُرِ مَا فِيهِ وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ ) أَيْ بِمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ ( وَلَوْ ) كَانَ التَّقَاطُرُ ( بِإِذَابَةِ شَمْسٍ ) أَوْ حَرَارَةِ رِيحٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ فَسَالَ مَا فِيهِ وَتَلِفَ ( ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ ، وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا كَمَا لَوْ حَرَقَ ثَوْبَهُ أَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ ، وَأَمْكَنَهُ الدَّفْعُ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ ( لَا إنْ أَسْقَطَتْهُ ) بَعْدَ فَتْحِهِ لَهُ ( رِيحٌ عَارِضَةٌ ) أَوْ نَحْوُهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ ( أَوْ جُهِلَ الْحَالُ ) فَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ فَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْعَارِضِ وَلِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ فِي الثَّانِيَةِ ، وَقِيلَ يَضْمَنُ فِيهَا وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا ، وَفَارَقَ حُكْمُ
الْأُولَى حُكْمَ إذَابَةِ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ ، وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ .
( فَلَوْ أَذَابَهُ آخَرُ ) غَيْرُ الْفَاتِحِ ( بِنَارٍ ) قَرَّبَهَا إلَيْهِ ( أَوْ نَكَّسَهُ ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ قَلَبَ الزِّقَّ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا فِيهِ ( يَتَقَاطَرُ فَالضَّمَانُ مِنْ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إذَابَتِهِ أَوْ تَنْكِيسِهِ أَيْ ضَمَانُ التَّلَفِ بِهِمَا ( عَلَيْهِ ) دُونَ الْفَاتِحِ كَالْحَازِّ مَعَ الْجَارِحِ ( وَكَذَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ ) كَالْمُبَاشَرَةِ ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي فَتْحِ الزِّقِّ ، وَمَثَّلَ لَهُ هُنَا أَيْضًا بِأَمْثِلَةٍ فَقَالَ ( كَمَا لَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ ) بِالشَّمْسِ ( أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ أَوْ حَمَامَتَهُ فَهَلَكَ الْفَرْخُ ) فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ السَّخْلَةُ ) فِي الْأُولَى لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ ، وَيُفَارِقُ عَدَمَ الضَّمَانِ فِيمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ مَاشِيَتِهِ حَتَّى تَلِفَتْ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيِّنِ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ ( أَوْ قَرَّبَ النَّارَ إلَى جَامِدٍ ) فِي زِقٍّ مَفْتُوحٍ ( فَذَابَ ، وَخَرَجَ ) وَتَلِفَ .
قَوْلُهُ : وَهِيَ مَا يُحَصِّلُ الْهَلَاكَ ) كَأَنْ أَتْلَفَ مَنْ يَضْمَنُهُ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ( قَوْلُهُ : فَسَقَطَ بِفِعْلِهِ ) قَالَ الْإِمَامُ لَوْ اتَّصَلَ بِفَتْحِهِ سُقُوطُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا أَنَّ سُقُوطَهُ بِسَبَبِ الْفَتْحِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الضَّمَانَ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ سَبَبَ سُقُوطِهِ الْفَتْحُ ( قَوْلُهُ : لَا إنْ أَسْقَطَتْهُ رِيحٌ عَاصِفَةٌ ) شَمِلَ غَيْرَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ ) وَوَجَّهَهُ الْفَارِقِيُّ بِأَنَّ فِعْلَهُ شَرْطٌ وَالرِّيحُ عِلَّةٌ فَهُوَ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْجَارِحِ قَالَ وَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا رَجُلًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الرِّيحَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) لَوْ دَخَلَ دُكَّانَ حَدَّادٍ ، وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ ، وَأَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ فَهَدَرٌ ، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْحَدَّادِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ( قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْفَارِقِيُّ فَقَالَ ، وَهَكَذَا لَوْ فَتَحَ فِي وَقْتِ هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ( فُرُوعٌ ) لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَصُّ بِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ فِي مَوَاتٍ وَطَارَ الشِّرَارُ إلَى بَيْتِ غَيْرِهِ أَوْ كَدَّسَهُ أَوْ زَرَعَهُ ، وَأَحْرَقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ فِي قَدْرِ النَّارِ وَلَمْ يُوقِدْ فِي رِيحٍ عَاصِفَةٍ ، وَإِنْ جَاوَرَ أَوْ أَوْقَدَ فِي عَاصِفَةٍ ضَمِنَ وَلَوْ عَصَفَتْ بَغْتَةً فَلَا ضَمَانَ ثُمَّ إنْ تَحَقَّقْنَا الْمُجَاوَزَةَ أَثْبَتْنَا الضَّمَانَ ، وَإِنْ تَحَقَّقْنَا الِاقْتِصَادَ نَفَيْنَا الضَّمَانَ ، وَإِنْ شَكَكْنَا فَلَا ضَمَانَ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْمُجَاوَزَةُ فَفِيهِ تَرَدَّدَ اجْتِمَاعُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ .
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَضْمَنُ إيقَادَ النَّارِ الْقَلِيلَةِ فِي يَوْمِ الرِّيحِ فِي الْعَرَائِشِ
وَبُيُوتِ الْقَصَبِ كَإِيقَادِ النَّارِ الْعَظِيمَةِ الْمُجَاوِزَةِ لِلْحَدِّ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَرَّبَ النَّارَ إلَى جَامِدٍ فَذَابَ ) وَخَرَجَ وَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ دُونَ الْفَاتِحِ وَفَارَقَ مَا لَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ فَأَخَذَ مَا فِيهِ فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَنَكَّسَهُ حَيْثُ ضَمِنَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ بِأَنَّ صُورَةَ التَّنْكِيسِ اجْتَمَعَ فِيهَا مُبَاشَرَتَانِ ، وَهُنَا سَبَبَانِ فَأُحِيلَ الضَّمَانُ عَلَى أَقْوَاهُمَا .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَ أَوْ بِحَادِثِ رِيحٍ ) أَوْ غَيْرِهِ ( فَلَا ) يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ ) فِي الضَّمَانِ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ كَالزِّقِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ وَالثَّانِي يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ أَحَدُ الْمُتْلِفَاتِ .
قَوْلُهُ : وَالثَّانِي يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ أَحَدُ الْمُتْلِفَاتِ ) هُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ حَلَّ رِبَاطِ السَّفِينَةِ وَلَا رِيحَ فِي اللُّجَّةِ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي إحَالَةِ الْغَرَقِ عَلَى الْفِعْلِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَطَارَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الزِّقِّ فَلَيْسَ فَتْحُهُ سَبَبًا ظَاهِرًا لِسُقُوطِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ ) الْأَوْلَى طَيَّرَ ( فَطَارَ فِي الْحَالِ ) ، وَإِنْ لَمْ يُهَيِّجْهُ ( ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ ( فَلَا ) يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ ( وَإِنْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ ) ، وَقَتَلَتْهُ ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْقَفَصَ أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا فِيمَا يَظْهَرُ ( أَوْ طَارَ فَصَدَمَهُ جِدَارٌ ) فَمَاتَ ( أَوْ كَسَرَ ) فِي خُرُوجِهِ ( قَارُورَةً أَوْ الْقَفَصَ ضَمِنَ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ فِعْلِهِ ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُولَى فِي مَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً ، وَإِلَّا فَهُوَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ فَلَا يَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا أَخَذَتْهُ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِمَارِ لَكِنَّ قِيَاسَ مَا يَأْتِي عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ ، وَمَسْأَلَةُ صَدْمِ الطَّائِرِ جِدَارًا مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ فَطَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا بِإِرْسَالِ طَائِرٍ فِي يَدِهِ فَأَرْسَلَهُ فَهُوَ كَفَتْحِهِ الْقَفَصَ عَنْهُ فَيُنْظَرُ هَلْ يَطِيرُ عَقِبَ الْإِرْسَالِ أَوْ لَا .
( وَحَلُّ رِبَاطِ الْبَهِيمَةِ وَالْعَبْدِ الْمَجْنُونِ ) ، وَفَتْحُ بَابِ مَكَانِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ ( كَفَتْحِ الْقَفَصِ ) فِيمَا ذُكِرَ ، وَفِي مَعْنَى الْمَجْنُونِ الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ ( لَا ) الْعَبْدُ ( الْعَاقِلُ ، وَلَوْ ) كَانَ ( آبِقًا ) ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذُكِرَ مُحَالٌ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ إلَخْ ) إطْلَاقُهُ الْفَتْحَ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ مَفْتُوحًا فَسَدَّهُ ثُمَّ جَاءَ وَفَتَحَهُ وَخَرَجَ الطَّائِرُ عَقِبَهُ وَبِهِ أَجَابَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ( قَوْلُهُ : فَطَارَ فِي الْحَالِ ) لَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي أَقْصَى الْقَفَصِ فَأَخَذَ يَمْشِي قَلِيلًا قَلِيلًا ثُمَّ طَارَ فَحُكْمُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ حُكْمُ مَا لَوْ طَارَ عَقِبَ الْفَتْحِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ نَحْوَهُ أَيْضًا وَقَالَ أَيْضًا الْقَاضِي لَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزِعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ ضَمِنَهُ .
( قَوْلُهُ : يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ ) إذْ مِنْ طَبْعِهِ النُّفُورُ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ ) إذْ لَهُ اخْتِيَارٌ بِدَلِيلِ تَوَقِّيهِ الْمَكَارِهِ وَطَلَبِهِ الْمَرْعَى وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْفَاتِحِ سَبَبٌ غَيْرُ مُلْجِئٍ ؛ لِأَنَّ الطَّائِرَ قَدْ يَأْلَفُ الْقَفَصَ فَلَا يَخْرُجُ عَقِبَ الْفَتْحِ ، وَمِنْ الطَّائِرِ مُبَاشَرَةٌ فَقُدِّمَتْ ( قَوْلُهُ : أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ مَحَلَّ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً ) أَيْ حِينَ الْفَتْحِ ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهَا ( قَوْلُهُ : هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ كَفَتْحِهِ الْقَفَصَ عَنْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ أَفْتَاهُ الْمُفْتِي بِإِتْلَافٍ فَأَتْلَفَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ضَمِنَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُفْتِي وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ ضَيْعَةً تُصْرَفُ إلَيْهِمْ غَلَّتُهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ مُسْتَحِقُّهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا عَلَى وَاضِعِ يَدِهِ عَلَيْهَا ، وَرَجَعَ هُوَ بِمَا دَفَعَهُ مِنْهَا عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ .
وَلَوْ بَعَثَ عَبْدَهُ فِي شُغْلٍ فَضَرَبَهُ ظَالِمٌ فَأَبَقَ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِاسْتِيلَاءٍ وَلَوْ هَرَبَ مِنْ الظَّالِمِ وَلَمْ يَهْتَدِ إلَى دَارِ سَيِّدِهِ ضَمِنَ
وَلَوْ دَعَا عَبْدًا لِتَنْقِيَةِ السَّطْحِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَسَقَطَ مِنْ السُّلَّمِ ، وَهَلَكَ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأُجْرَةٍ وَلَوْ سَقَطَ عَلَى مَتَاعٍ لِصَاحِبِ الدَّارِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ وَلَوْ كَانَ السُّلَّمُ مُخْتَلًّا بِحَيْثُ لَا يُطِيقُ الْعَبْدَ ، وَالْعَبْدُ جَاهِلٌ وَجَبَ ضَمَانُ الْعَبْدِ لَا الْمَتَاعِ وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ دَنٍّ لِلْآخَرِ بِإِذْنِهِ وَرَفَعَ الْحِنْطَةَ وَتَرَكَ رَأْسَهُ مَفْتُوحًا فَدَخَلَ حِمَارُ صَاحِبِ الْبَيْتِ ، وَأَكَلَهَا ، وَهَلَكَ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ الدَّابَّةَ وَلَا الْحِنْطَةَ ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْحِمَارَ فِيهَا ضَمِنَهَا وَلَوْ آجَرَ دَارًا إلَّا بَيْتًا مُعَيَّنًا فَأَدْخَلَ دَابَّتَهُ فِيهِ وَتَرَكَ بَابَهُ مَفْتُوحًا فَخَرَجَتْ ، وَأَتْلَفَتْ مَالًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ خَرَجَ الْمُسْتَأْجِرُ وَتَرَكَ الْمَتَاعَ بِلَا حَافِظٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْبَابَ مَفْتُوحٌ فَهُوَ مُضَيِّعٌ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَهُ الْمُؤَجِّرُ ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ جُحْرِ فَارَّةٍ أَوْ شَقٍّ ، وَأَفْسَدَ زَرْعَ غَيْرِهِ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ دَارِهِ فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ فِي قَدْرِ الْمَاءِ ، وَإِنْ جَاوَزَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْجُحْرِ أَوْ الشَّقِّ وَلَمْ يَحْفَظْ وَلَمْ يُتَعَهَّدْ أَوْ كَانَتْ أَرْضُهُ عَالِيَةً ، وَأَرْضُ جَارِهِ مُسْتَقِلَّةً وَلَمْ يَسُدَّ النَّهْرَ ضَمِنَ وَالنَّائِمُ مُقَصِّرٌ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ الِاحْتِيَاطُ ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا ، وَعُلُوِّهَا وَسُفْلِهَا .
وَلَوْ سَاقَ بَهِيمَةً فِي بَيْتِ آخَرَ بِلَا إذْنِهِ ، وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ضَمِنَ وَلَوْ سَاقَ ثَوْرًا فِي مَسْرَحِ آخَرَ فَسَاقَهُ السَّارِحُ مَعَ الْبَقَرِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَلَوْ لَمْ يَسُقْهُ وَلَكِنْ انْسَاقَ مَعَ الْبَقَرِ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ فَتَرَكَهُ الْبَقَّارُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ خَرَجَ الْحَمَامُ مِنْ الْبُرْجِ وَالْتَقَطَ حَبَّ الْغَيْرِ أَوْ النَّحْلَ مِنْ الْكِوَارَةِ ، وَأَهْلَكَتْ بَهِيمَةً فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ انْفَلَتَتْ الْخُيُولُ فَتَفَرَّقَتْ حَتَّى تَعَسَّرَ جَمْعُهَا فَلَا
ضَمَانَ لِمَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَلَوْ رَأَى بَقَرَةً وَاقِفَةً فَسَاقَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ عَرَفَ مَالِكَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَوْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ دَارَ إنْسَانٍ وَخَرَجَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ وَتَرَكَهَا حَتَّى ذَهَبَتْ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ سَتَرَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا ضَمِنَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَخْرَجَهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ الْحَاكِمِ ضَمِنَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لَوْ أَنَّ عَبْدًا هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ دَارَ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا ، وَأَقَامَ لَيْلًا وَخَرَجَ بِلَا إذْنِهِ وَهَرَبَ ، وَعَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ سَيِّدَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ ضَمِنَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِمَا أَوْرَدَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ وُجُوهٍ .
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى حَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ بَلْ لَا يُسَاوِيهِ وَقَدْ مَضَى .
الثَّانِي : أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ إذَا وَقَعَ فِي دَارِ غَيْرِهِ حَيْثُ حُكِمَ بِوُجُوبِ الْحِفْظِ وَالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ وَفِي الطُّيُورِ وَالْبَقَرِ فَلَا .
الثَّالِثُ : جَوَازُ الْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ كَيْفَ وَلَمْ يَخْرُجْ .
الرَّابِعُ : قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّك غَصَبْت امْرَأَتِي لَمْ تُسْمَعْ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ عَبْدِي هَرَبَ مِنِّي وَدَخَلَ دَارَك .
الْخَامِسُ : عَدَمُ وُجُوبِ إخْبَارِ الْمَالِكِ ، وَإِعْلَامِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى : وَلَوْ أَوْدَعَ عَبْدًا عِنْدَ إنْسَانٍ فَأَبَقَ ، وَلَمْ يُخْبِرْ الْمُودَعُ مَالِكَهُ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا بِهِ كَمَا لَوْ مَرِضَ وَلَمْ يُخْبِرْ السَّيِّدَ لِيُدَاوِيَهُ حَتَّى مَاتَ وَفِي الْمُذَهَّبِ وَالْحَاوِي وَتَذْكَارِ الْمُنْتَهَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ طَيْرٌ فِي دَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُهُ وَلَا إعْلَامُ مَالِكِهِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ .
قَالُوا : وَلَوْ دَخَلَ فِي بُرْجَهُ ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَنَوَى إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ ضَمِنَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَا
وَيُقَاسُ بِهِ إغْلَاقُ الْبَابِ عَلَى الدَّوَابِّ وَفِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا لَوْ فُرِضَ إخْرَاجُ صَاحِبِ الدَّارِ إيَّاهُ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ إخْرَاجِ الْبَهِيمَةِ وَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ ، وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ أَغْلَبُ لِجَوَازِ إخْرَاجِ الدَّاخِلِ دَارَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ حَيْثُ جُوِّزَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ وَلَوْ أَبَقَ عَبْدٌ وَظَفِرَ بِهِ صِدِّيقٌ لِمَالِكِهِ فَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَهَرَبَ مِنْ عِنْدِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ وَبِلَا تَقْصِيرٍ فِي الْحِفْظِ فَلَا ضَمَانَ .
( وَلَوْ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ شَعِيرٍ ) فِي جِرَابٍ ( فَأَكَلَهُ فِي الْحَالِ حِمَارٌ بِجَنْبِهِ ضَمِنَ ) كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ ثُمَّ قَالَ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ، وَعَدَمُ الضَّمَانِ مَنْسُوبٌ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ كَالْمَاوَرْدِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ فَأَكَلَتْ عَلَفًا ، وَكَسَرَتْ إنَاءً لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِأَكْلٍ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهَا الْمُتْلِفَةُ قَالَ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ نَصٌّ فِي الْأُمِّ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ السُّبْكِيُّ لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي تِلْكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي التَّالِفِ بَلْ فِي الْمُتْلِفِ عَكْسُ مَسْأَلَتِنَا .
( فَلَوْ خَرَجَتْ الْبَهِيمَةُ ) عَقِبَ فَتْحِ الْبَابِ وَلَوْ ( لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا ) أَوْ غَيْرَهُ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ) الْفَاتِحُ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُ بَهِيمَةِ الْغَيْرِ عَنْ ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ لَيْلًا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَقَالَ إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ .
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ قَالَ الْقَفَّالُ : إنْ كَانَ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ كَدَابَّةِ نَفْسِهِ ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَضْمَنُ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ بِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضِ بَدَلُ لَمْ يَضْمَنْهُ ضَمِنَهُ ، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْقَفَّالِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلِمَنْ خَالَفَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ تَضْمِينُهُ لِتَرْكِ الْحِفْظِ بَلْ لِلتَّسْلِيطِ عَلَى الْإِتْلَافِ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِخْرَاجِهَا بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فِي دَابَّةِ نَفْسِهِ .
قَالَ وَسُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْمَرْعَى ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا فَجَاءَتْ إلَى الْجُرْنِ
فَرَدَّهَا الْحَارِسُ فَرَفَصَتْهُ فَكَسَرَتْ أَسْنَانَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَعَهَا وَذَلِكَ بِالنَّهَارِ فَأَفْتَيْت بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا وَلَا عَلَى الَّذِي رَكِبَهَا بِخِلَافِ مَا صَوَّبْته هُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعَدِّيَ تَمَّ بِالْإِخْرَاجِ بِخِلَافِ مَنْ وَجَدَهَا خَارِجَةً ، وَفِيمَا قَالَهُ وَقْفَةٌ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي تِلْكَ ) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ الْبَهِيمَةِ فَأَكَلَتْ عَلَفًا ( قَوْلُهُ : وَتَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ لَيْلًا مِنْ زِيَادَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَأَفْتَيْت أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَإِنْ رَمَى طَائِرًا ) وَلَوْ فِي هَوَاءِ دَارِهِ فَقَتَلَهُ ( ضَمِنَهُ ) إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ ( لَا إنْ نَفَّرَهُ عَنْ جِدَارِهِ ) فَلَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ جِدَارِهِ ( وَإِنْ فَتَحَ الْحِرْزَ ، وَأَخَذَ غَيْرُهُ ) مَا فِيهِ ( أَوْ حَبَسَ رَجُلًا ) وَلَوْ ظُلْمًا ( عَنْ مَاشِيَتِهِ فَهَلَكَتْ ) جُوعًا أَوْ عَطَشًا بِسَبَبِ حَبْسِهِ ، وَإِنْ قَصَدَ مَنْعَهُ عَنْهَا ( أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا ) أَيْ الْعَيْنَ ( اللُّصُوصَ فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ إذْ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ وَتَسَبُّبُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْأُولَى قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُبَاشَرَةِ نَعَمْ لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ ، وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ أَوْ مِمَّنْ يَرَى طَاعَةَ آمِرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْآخِذِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْجِنَايَاتِ وَلَوْ بَنَى دَارًا فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ .
( وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ سَوْقِ الْمَاءِ إلَى زَرْعِهِ فَتَلِفَ ) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَبْسِ غَيْرِهِ عَنْ مَاشِيَتِهِ ( وَلَوْ غَصَبَ بَقَرَةً أَوْ هَادِيًا ) لِلْقَطِيعِ ، وَهُوَ الْمَاشِي أَمَامَهُ ( فَتَبِعَهُ الْعِجْلُ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ الْقَطِيعُ ) فِي الثَّانِيَةِ ( لَمْ يَضْمَنْ التَّابِعَ ) مَا لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي فِي الرَّافِعِيِّ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ ، وَأَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي السَّرِقَةِ وَحَكَى فِيهَا ، وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَالرَّاجِحُ الضَّمَانُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِيَدِهِ دَابَّةٌ ، وَخَلْفَهَا وَلَدُهَا فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ كَمَا يَضْمَنُ مَا تُتْلِفُهُ أُمُّهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيمَا إذَا غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ أَنَّهُ يَضْمَنُ ، وَجْهًا وَاحِدًا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا .
انْتَهَى .
وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لَا شَاهِدَ فِيهِ
لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْوَلَدِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ بِقَرِينَةٍ مَا نَظَرَ بِهِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ حَبَسَ رَجُلًا وَلَوْ ظُلْمًا إلَخْ ) مَنْ سَعَى بِغَيْرِهِ إلَى ظَالِمٍ فَصَادَرَهُ فَفِي لُزُومِهِ بَاطِنًا تَرَدُّدٌ ، الرَّاجِحُ عَدَمُ لُزُومِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ عَبْدًا فَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ مَعَهُ حَتَّى تَلِفَ فَفِي تَضْمِينِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا تَضْمِينُهُ لِتَعَدِّيهِ .
وَلَوْ أَخَذَ عَبْدَ إنْسَانٍ ظَنَّهُ عَبْدَ نَفْسِهِ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ فَتَرَاكَهُ ، وَأَبَقَ وَجَبَ الضَّمَانُ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَتَاعًا لِيَحْمِلَهُ إلَى بَيْتِهِ فَأَبَقَ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِإِذْنِهِ فَأَبَقَ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ .
وَلَوْ بَعَثَ الزَّوْجُ عَبْدَ زَوْجَتِهِ فِي شُغْلٍ بِلَا إذْنِهَا أَوْ بِالْعَكْسِ فَأَبَقَ ضَمِنَ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ اسْتَامَ عَبْدٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثَوْبًا وَتَلِفَ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَهُ السَّيِّدُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ كَانَ يَشْتَرِي مَتَاعًا مِنْ آخَرَ وَيَبِيعُ وَيُؤَدِّي الثَّمَنَ إلَيْهِ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَبَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ .
وَلَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ الْمُؤْذِيَةَ فِي الطَّرِيقِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ضَمِنَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤْذِيَةً وَاتَّفَقَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَلَوْ أُدْخِلَتْ الدَّابَّةُ حَائِطًا مُشْتَرَكًا فَعَضَّتْ دَابَّةً لِلشَّرِيكِ فَإِنْ أَدْخَلَ دُونَ إذْنِ الشَّرِيكِ ضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ بِالْعَضِّ وَلَوْ أَلْقَى أَحَدُهُمَا فِيهِ حَشِيشًا مُضِرًّا فَأَكَلَتْ دَابَّةُ الْآخَرِ ، وَهَلَكَتْ ضَمِنَ وَلَوْ دَفَعَ غُلَامَهُ إلَى آخَرَ لِيُعَلِّمَهُ الْحِرْفَةَ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلٍ مِنْ مَصَالِحِ الْحِرْفَةِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَابَّةً لِيُرَوِّضَهَا فَرَكِبَهَا لِغَيْرِ الرِّيَاضَةِ وَلَوْ أَدْخَلَهُ الصِّرْعَ فَسَقَطَ عَلَى مَالِ آخَرَ وَتَلِفَ ضَمِنَ .
وَلَوْ وَقَعَتْ بَهِيمَةٌ فِي الْوَحْلِ فَجَاءَ رَجُلٌ ، وَأَخْرَجَهَا حِسْبَةً فَمَاتَتْ مِنْ جَرِّهِ ضَمِنَهَا
فَإِنْ شَكَّ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ الْجَرِّ أَوْ مِنْ الْوَحْلِ فَلَا ضَمَانَ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيمَا إذَا غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ إلَخْ ) أَشَارَ شَيْخُنَا إلَى تَضْعِيفِهِ ( قَوْلُهُ : لِجَوَازِ حَمْلِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ : لَوْ نَقَلَ صَبِيًّا حُرًّا إلَى مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ لَمْ يَضْمَنْ ) هـ ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَرَكَةِ إحَالَةً لِلْهَلَاكِ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَيَوَانِ ، وَمُبَاشَرَتِهِ ؛ وَلِأَنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِإِهْلَاكٍ وَلَمْ يُلْجِئْ السَّبُعَ إلَيْهِ بَلْ غَالِبُ حَالِهِ الْفِرَارُ مِنْ النَّاسِ نَعَمْ إنْ أَلْقَاهُ فِي زُبْيَتِهِ ، وَهُوَ فِيهَا فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى قَتْلِهِ ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْبَالِغِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّبِيَّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ أَمَّا الرَّقِيقُ فَمَضْمُونٌ بِالْيَدِ وَالْمَسْبَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ اسْمٌ لِلْأَرْضِ الْكَثِيرَةِ السِّبَاعِ ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ ، وَكَسْرُ الْبَاءِ أَيْ ذَاتُ سِبَاعٍ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ .
( فَصْلٌ : يَضْمَنُ ) ذُو الْيَدِ الْعَادِيَةِ ( الْأَصْلَ وَزَوَائِدَهُ الْمُنْفَصِلَةَ ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ ( وَالْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَتَعَلُّمُ الصَّنْعَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عُدْوَانًا عَلَى الْأَصْلِ ) مُبَاشَرَةً ، وَعَلَى الزَّوَائِدِ تَسَبُّبًا إذْ إثْبَاتُهَا عَلَى الْأَصْلِ سَبَبٌ لِإِثْبَاتِهَا عَلَى زَوَائِدِهِ نَعَمْ لَوْ اصْطَادَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ صَيْدًا فَفِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إلَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ ثُمَّ إثْبَاتُ الْيَدِ يَكُونُ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ مُبْتَدِئًا بِالْمَنْقُولِ فَقَالَ ( بِنَقْلِ الْمَنْقُولِ ) فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا بِدُونِ نَقْلِهِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكَذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِرَاشٍ وَلَمْ يَنْقُلْ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ غَاصِبًا ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِحُصُولِ غَايَةِ الِاسْتِيلَاءِ بِصِفَةِ الِاعْتِدَاءِ نَعَمْ إنْ حَضَرَهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يُزْعِجْهُ لَكِنَّهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِنِصْفِهِ فَقَطْ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَكَرُكُوبِ الدَّابَّةِ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ ثُمَّ ثَنَّى الْمُصَنِّفُ بِالْعَقَارِ فِي صُوَرٍ فِيهَا أَشْيَاءُ لَيْسَتْ قُيُودًا كَمَا سَأُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا فَقَالَ ( أَوْ أَضَافَ إلَى مِلْكِهِ مِلْكًا لِغَيْرِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ ) كَأَنْ اقْتَطَعَ أَرْضًا مُلَاصِقَةً لِأَرْضِهِ وَبَنَى عَلَيْهَا حَائِطًا ، وَأَضَافَهَا إلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا لَهَا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ ، وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ أَزْعَجَ الْمَالِكَ ) أَيْ أَخْرَجَهُ ( عَنْ دَارِهِ وَدَخَلَهَا بِعِيَالِهِ ) أَوْ بِدُونِهِمْ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي ( عَلَى هَيْئَةِ السَّاكِنِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُغْنِي عَنْ قَصْدِهِ ( أَوْ أَزْعَجَهُ ) عَنْهَا ( وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا ) إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَبْضِهَا دُخُولُهَا
وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا ( أَوْ دَخَلَ ) هَا ( بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ ) مَالِكُهَا ( فِيهَا ) فَهُوَ غَاصِبٌ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا وَالْمَالِكُ قَوِيًّا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ ، وَأَثَرُ قُوَّةِ الْمَالِكِ إنَّمَا هُوَ فِي سُهُولَةِ النَّزْعِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَبَ قَلَنْسُوَةَ مِلْكٍ فَإِنَّهُ غَاصِبٌ ، وَإِنْ سَهُلَ عَلَى الْمَالِكِ نَزْعُهَا ( فَإِنْ مَنَعَهُ شَيْئًا مِنْهَا ) كَأَنْ سَكَنَ بَيْتًا مِنْهَا ، وَمَنَعَهُ مِنْهُ دُونَ بَاقِيهَا ( فَغَاصِبٌ لَهُ ) دُونَ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ ( أَوْ شَارَكَهُ فِي الِاسْتِيلَاءِ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِهَا ) لِاجْتِمَاعِ يَدِهِمَا وَاسْتِيلَائِهِمَا ( لَا إنْ دَخَلَ ) هَا لَا بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ بَلْ ( لِيَنْظُرَ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ ) أَوْ لِيَتَّخِذَ مِثْلَهَا أَوْ لِنَحْوِهِمَا فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لَهَا وَلَا يَضْمَنُهَا .
( وَلَوْ تَلِفَتْ ، وَهُوَ فِيهَا ) بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ الْمَنْقُولَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ مَالِكِهِ لِذَلِكَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَلَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهَا إلَى قَرِينَةٍ ، وَعَلَى الْعَقَارِ حُكْمِيَّةً فَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيقِهَا مِنْ قَرِينَةِ قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ، وَأَقَرَّهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي رَفْعِ الْمَنْقُولِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَا يَضْمَنُ ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ مَا يُوَافِقُهُ لَكِنْ لَوْ خَطَا بِهِ خُطُوَاتٍ فَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي يَضْمَنُ ، وَفِي فَتَاوِيهِ لَا يَضْمَنُ ( وَشَرْطُ غَصْبِ الضَّعِيفِ الدَّارَ دُخُولُهُ ) لَهَا ( فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ ) فَإِنْ دَخَلَهَا فِي حَضْرَتِهِ وَلَوْ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا وَلَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْقِيقِهِ فَلَا يَكُونُ فِي صُورَةِ الْمُشَارَكَةِ السَّابِقَةِ غَاصِبًا لِلنِّصْفِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي مَفَازَةٍ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ اُعْتُبِرَ
قَصْدُهُ حَتَّى لَا يَتَرَخَّصَ فَلِمَ خَالَفَ مَا هُنَا ؟ .
قُلْنَا رِعَايَةً لِلْأَصْلِ فِيهِمَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّرَخُّصِ ، وَعَدَمُ الضَّمَانِ ؛ وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ فِي الْمَفَازَةِ ثَمَّ مُمْكِنَةٌ فِي زَمَانٍ يَسِيرٍ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَاءِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ كَالسُّبْكِيِّ ، وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْمَالِكُ ضَعِيفًا وَالدَّاخِلُ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ قَوِيًّا كَانَ غَاصِبًا لِلْجَمِيعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ فَلَا مَعْنَى لِإِلْغَائِهَا بِمُجَرَّدِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ .
انْتَهَى .
وَقَدْ يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ فِي الدَّاخِلِ الضَّعِيفِ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ .
قَوْلُهُ : فَفِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى دَابَّةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُسَيِّرْهَا ) وَفِي الْبَيْعِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا إلَّا بِالنَّقْلِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْبَائِعُ فِي الرُّكُوبِ فَيَكْفِي مِنْ غَيْرِ تَسْيِيرٍ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَنْقُلْ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَاصِبًا ) كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَنْقُولَاتِ مِنْ النَّقْلِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ إلَّا فِي الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِمَا يَتِمُّ بِالرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِيهِ جُعِلَتْ الْيَدُ لَهُ .
ا هـ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ نَقْلِ الْمَنْقُولِ فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ مَحَلُّهُ فِي مَنْقُولٍ لَيْسَ بِيَدِهِ أَمَّا مَنْقُولٌ هُوَ بِيَدِهِ كَوَدِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَنَفْسُ إنْكَارِهِ غَصْبٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَفِي الْمُهِمَّاتِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْقَاضِيَ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ يَزْجُرُهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ ، وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ .
ا هـ .
وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْجَالِسُ أَقْوَى مِنْ الْمَالِكِ ( قَوْلُهُ : وَكَرُكُوبِ الدَّابَّةِ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا فِيهَا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْمَالِكِ مِثَالٌ ، وَأَنَّ حُضُورَ مَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ مُكْتَرٍ وَحَافِظٍ ، وَمُسْتَعِيرٍ كَحُضُورِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ بِهَا وَلَمْ يُزْعِجْهُمْ لِعَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا كُلِّهَا ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ غَاصِبٌ لَهَا ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الدَّارَ ، وَمَا فِيهَا ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ
الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَفِي الْبَحْرِ لَوْ غَصَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ وَلَمْ يَنْقُلُهُ هَلْ يَصِيرُ غَاصِبًا لَهُ وَجْهَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَارًا ، وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْ نَقْلِ أَمْتِعَتِهِ كَانَ غَاصِبًا لِلدَّارِ وَالْأَمْتِعَةِ .
قَالَ الْقَمُولِيُّ : وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَتَوَقَّفُ غَصْبُهُ عَلَى نَقْلِهِ إذَا كَانَ تَابِعًا وَقَوْلُهُ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الظَّرْفِ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمَظْرُوفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ أَوْ مَنَعَ الْمَالِكَ مِنْ أَخْذِهِ كَانَ غَاصِبًا ، وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ : فَغَاصِبٌ لِنِصْفِهَا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ الْفَرْضُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ بِمُفْرَدِهِ فِي الدَّارِ مَعَ الْغَاصِبِ لَا غَيْرُ أَمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَالِكِ ، وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ مَعَهُمَا فِي الدَّارِ ؟ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِ الدَّارِ مَعْرُوفَةً بِمِلْكِ صَاحِبِهَا أَمْ لَا ؟ .
لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا .
ا هـ .
قَالَ الكوهكيلوني : إذَا سَاكَنَ الدَّاخِلُ السَّاكِنَ بِالْحَقِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الدَّاخِلِ أَهْلٌ مُسَاوُونَ لِأَهْلِ السَّاكِنِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ دَخَلَ غَاصِبٌ ، وَمَعَ السَّاكِنِ مِنْ أَهْلِهِ عَشَرَةٌ لَزِمَهُ النِّصْفُ وَلَوْ كَانَ السَّاكِنُ بِالْحَقِّ اثْنَيْنِ كَانَ ضَامِنًا لِلثُّلُثِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْلُهُ : أَمْ لَا فَرْقَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : أَمْ لَا ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ الْمَنْقُولَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ مَالِكِهِ لِذَلِكَ ) لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَفِي فَتَاوِيهِ لَا يَضْمَنُ ) فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ ( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا إلَخْ ) قَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ (
قَوْلُهُ : لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ فِي الدَّاخِلِ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ .
( تَنْبِيهٌ ) يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ لَا يَجِبُ الرَّدُّ كَأَنْ يَغْصِبَ خَيْطًا فَيَخِيطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهُ وَلَا يَنْزِعُهُ أَوْ يَغْصِبَ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَا يَرُدُّهُ أَوْ يَغْصِبَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَيُولِدَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا وَقِيمَتُهَا وَقَدْ تَجِبُ مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ فِي يَدِهِ بِحُرٍّ ثُمَّ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا تَجِبُ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ .
( فَرْعٌ ) لَوْ غَصَبَ شَيْئًا فَجَاءَ عَبْدُ الْمَالِكِ فَأَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ وَلَا يَرْجِعُ بِبَدَلِهِ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ أَتْلَفَهُ حَرْبِيٌّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ .
( فَصْلٌ : يَدُ مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ( ضَامِنَةٌ ) ، وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ ، وَكَانَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَأْتِي ، وَيُسْتَثْنَى الْحَاكِمُ وَنَائِبُهُ ؛ لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنْ الْمَالِكِ ، وَمَنْ انْتَزَعَهُ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا أَوْ رَقِيقًا لِلْمَالِكِ ، وَكَذَا الزَّوْجُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَإِنْ عَلِمَ ) مِنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ ( فَغَاصِبَةٌ ) يَدُهُ لِوُجُودِ حَدِّ الْغَصْبِ فِيمَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ ( فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ ) عَلَى الْغَاصِبِ ( وَلَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَ ) مِنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ ( قَبْلَ وُقُوعِ يَدِهِ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ فِي يَدِهِ ( فَإِنْ تَلِفَتْ مَعَ الثَّانِي الْجَاهِلِ ، وَكَانَتْ يَدُهُ فِي الْأَصْلِ ضَامِنَةً كَالْمُشْتَرِي وَالْمُقْتَرِضِ وَالْمُتَّهِبِ ) وَالْمُسْتَعِيرِ ( فَقَرَارُ ضَمَانِ يَدِهِ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ عَلَى التَّمَلُّكِ ، وَفِي غَيْرِهَا عَلَى الضَّمَانِ بَلْ ، وَعَلَى التَّمَلُّكِ فِي بَعْضِهِ فَلَمْ يَغُرَّهُ الْغَاصِبُ ، وَعَدَّهُ الْمُتَّهِبُ مِمَّنْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَجَّحُ أَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا ( أَوْ ) كَانَتْ ( غَيْرَ ضَامِنَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ ( لَكِنَّهُ طَرِيقٌ ) فِي الضَّمَانِ ( إلَّا الزَّوْجَ ) فَلَيْسَ طَرِيقًا فِيهِ فَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي حِيَالِ الزَّوْجِ لَيْسَ كَحُلُولِ الْمَالِ فِي الْيَدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا
تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ، وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَعِيرِ ) الَّذِي يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْغَاصِبِ وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ هُوَ قِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ أَمَّا الزَّائِدُ بِسَبَبِ أَقْصَى الْقِيَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَكَذَا الْمُسْتَامُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ .
قَالَ الْغَزِّيِّ : وَإِذَا غَرَّمَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُسْتَعِيرَ مِنْهُ أَوْ الْمُسْتَامَ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى التَّلَفِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ .
ا هـ .
وَالْأَرْجَحُ فِي الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ مَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ يَدَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَانَتْ غَيْرَ ضَامِنَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ ) لَوْ ضَاعَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالْتَقَطَهُ إنْسَانٌ جَاهِلٌ بِمَالِكِهِ فَإِنْ أَخَذَهُ لِلْحِفْظِ أَوْ مُطْلَقًا فَيَدُهُ يَدَ أَمَانَةٍ وَكَذَا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ وَلَمْ يَتَمَلَّكْهُ فَإِنْ تَمَلَّكَهُ فَهِيَ يَدُ ضَمَانٍ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي لَوْ رَأَى مَالَ غَيْرِهِ يَغْرَقُ أَوْ يُحْرَقُ فَأَخَذَهُ حِسْبَةً لِيَرُدَّهُ فَتَلِفَ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ أَوْ وَقَعَتْ بَقَرَةٌ فِي الْوَحْلِ فَجَاءَ رَجُلٌ ، وَأَخْرَجَهَا ، وَمَاتَتْ لَا بِسَبَبِ الْجَرِّ أَوْ اسْتَنْقَذَ شَاةً مِنْ الذِّئْبِ لِيَرُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ وَتَلِفَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْغَزِّيِّ لَوْ كَانَتْ فَرَسٌ فِي يَدِ شَرِيكٍ فَبَاعَ نَصِيبَهُ لِآخَرَ وَسَلَّمَهَا لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَتَلِفَتْ فَيُتَّجَهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْحَالَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهَا كُلَّهَا لِلْمَالِكِ الْبَائِعِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ .
وَقَوْلُهُ : فَيَتَّجِهُ أَنْ يُفَرَّقَ إلَخْ ضَعِيفٌ وَكَتَبَ أَيْضًا وَفِي فَتَاوَى
الْبَغَوِيّ لَوْ بَاعَ شَرِيكٌ نَصِيبَهُ فِي الْفَرَسِ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا .
ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَرَارَ عَلَى مَنْ وَقَالَ فِيمَا إذَا عَامَلَ عَامِلُ الْقِرَاضِ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ الثَّانِي أَنَّ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي إنْ عَلِمَ فَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ فَعَلَى الْأَوَّلِ .
ا هـ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ يَدَ الْمُقَارِضِ يَدُ أَمَانَةٍ وَيَدَ الشَّرِيكِ مِثْلُهُ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَكَلَامُ الْكِتَابِ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا .
( فَرْعٌ ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ اسْتَعَارَ حُلِيًّا وَجَعَلَهُ فِي عُنُقِ ابْنِهِ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا بِنَزْعِهِ وَوَضْعِهِ فِي بَيْتِ الْمَأْمُورِ فَسُرِقَ فَإِنْ عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ ظَنَّ مِلْكَ الْآمِرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَوْدَعَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ آخَرَ فَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( أَضَافَهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ غَيْرَهُ ( طَعَامًا مَغْصُوبًا ) فَأَكَلَهُ ( فَقَرَارُ الضَّمَانِ ) عَلَى الضَّيْفِ إنْ عَلِمَ ( أَنَّهُ مَغْصُوبٌ ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ ، وَإِلَيْهِ عَادَتْ مَنْفَعَتُهُ فَإِنْ ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَيْهِ ( وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ هُوَ مِلْكِي ) فَالْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ( لَكِنْ بِهَذِهِ ) الْمَقَالَةِ ( إنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّ ظَالِمَهُ غَيْرُهُ ) فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ ( وَإِذَا قَدَّمَهُ لِعَبْدٍ ) وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ ( فَالْأَكْلُ جِنَايَةٌ ) مِنْهُ ( يُبَاعُ فِيهَا ) لِتَعَلُّقِ مُوجِبِهَا بِرَقَبَتِهِ فَلَوْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ ( لَا ) إنْ قَدَّمَهُ ( لِبَهِيمَةٍ ) فَأَكَلَتْهُ وَضَمِنَ الْغَاصِبُ ( فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ ) ، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ ( ، وَمُطِيعُ الْغَاصِبِ فِي ذَبْحِ الشَّاةِ ) الْمَغْصُوبَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُ اذْبَحْهَا فَذَبَحَهَا ( لَا فِي قَتْلِهَا جَاهِلًا ) بِالْغَصْبِ ( يَرْجِعُ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَبَحَ لَهُ لَا لِنَفْسِهِ ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَا اسْتَعَانَ بِهِ الْغَاصِبُ كَطَحْنِ الْحِنْطَةِ ، وَخَبْزِ الْعَجِينِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِخِلَافِ الذَّبْحِ ، وَخَرَجَ بِالْجَاهِلِ الْعَالِمُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بَلْ الْغَاصِبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ .
( قَوْلُهُ : أَضَافَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا إلَخْ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَكْلِهِ .
( فَرْعٌ : يَبْرَأُ ) الْغَاصِبُ ( مِنْ الْمَغْصُوبِ بِإِطْعَامِهِ الْمَالِكَ أَوْ إعَارَتِهِ إيَّاهُ ) أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَاضِهِ لَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( جَاهِلًا ) بِأَنَّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ أَخْذَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ ( وَتَمْكِينِهِ ) أَيْ ، وَيَبْرَأُ بِتَمْكِينِهِ مِنْهُ ( بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَالِمًا ) بِأَنَّهُ لَهُ لَا جَاهِلًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَابِضًا لَهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا بِإِيدَاعِهِ وَرَهْنِهِ ، وَإِجَارَتِهِ وَتَزْوِيجِهِ ) مِنْهُ وَالْقِرَاضِ مَعَهُ فِيهِ ( جَاهِلًا ) بِأَنَّهُ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ فِيهَا غَيْرُ تَامٍّ ، وَكَمَا لَا يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا ، وَكَلَامُهُ فِي التَّزْوِيجِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ( مَا لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا ) فَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا أَيْ وَتَسَلَّمَهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ ( وَلَا ) يَبْرَأُ ( إنْ صَالَ ) الْمَغْصُوبُ عَلَى مَالِكِهِ ( فَقَتَلَهُ الْمَالِكُ دَفْعًا ) لِصِيَالِهِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِذَلِكَ كَإِتْلَافِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ وَالْبَاغِي كَذَلِكَ إذَا قَتَلَهُ سَيِّدُهُ الْإِمَامُ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ ( وَلَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنْك فَأَعْتَقَهُ وَلَوْ جَاهِلًا ) بِأَنَّهُ لَهُ ( عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْدَفِعُ بِالْجَهْلِ ( وَبَرِئَ ) لِانْصِرَافِهِ إلَى جِهَةٍ صَرَفَهُ الْمَالِكُ إلَيْهَا بِنَفْسِهِ ، وَعَادَتْ مَصْلَحَتُهَا إلَيْهِ ( وَكَذَا ) يُعْتَقُ ، وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ ( لَوْ قَالَ ) لِلْمَالِكِ أَعْتِقْهُ ( عَنِّي ) فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ وَلَوْ جَاهِلًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ لَا عَنْ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْأَوْجَهُ مَعْنًى أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَاصِبِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا ضِمْنِيًّا إنْ ذُكِرَ عِوَضٌ ،
وَإِلَّا فَهِبَةٌ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ( وَكَذَا ) يُعْتَقُ ، وَيَبْرَأُ ( إنْ أَمَرَهُ الْمَالِكُ ) بِعِتْقِهِ بِأَنْ قَالَ أَعْتِقْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنْك أَوْ عَنِّي ، وَمَسْأَلَةُ أَعْتِقْهُ عَنْك فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْإِعْتَاقِ الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ .
قَوْلُهُ : يَبْرَأُ مِنْ الْمَغْصُوبِ بِإِطْعَامِ الْمَالِكِ إلَخْ ) مَحَلُّهُ إذَا قَدَّمَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَلَوْ غَصَبَ سَمْنًا ، وَعَسَلًا وَدَقِيقًا وَصَنَعَهُ حَلْوَى وَقَرَّبَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ لَمْ يَبْرَأْ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالتَّالِفِ وَانْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ وَلَا تَسْقُطُ الْقِيمَةُ عِنْدَنَا بِبَدَلِ غَيْرِهَا إلَّا بِرِضَا مُسْتَحِقِّهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ قَالَهُ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُسْكِتِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَبْرَأْ قَطْعًا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لَا بِإِيدَاعِهِ وَرَهْنِهِ إلَخْ ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى يَدِ مَالِكِهِ بِجِهَةِ ضَمَانٍ بَرِئَ أَوْ بِجِهَةِ أَمَانَةٍ لَمْ يَبْرَأْ .
( قَوْلُهُ : وَإِجَارَتِهِ ) فِي الْإِجَارَةِ يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْمَنَافِعِ ( قَوْلُهُ : أَيْ وَتَسَلُّمُهَا ) تَسْلِيمُهَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَادِهِ فَيَبْرَأُ بِهِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إذَا قَتَلَهُ سَيِّدُهُ الْإِمَامُ ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَالرِّدَّةُ حَدَثَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ( قَوْلُهُ : وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ ) وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ( قَوْلُهُ : عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ وَلِهَذَا حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ مَعْنًى أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَاصِبِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْإِعْتَاقِ الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْمَضْمُونِ الْمَضْمُونُ مَالٌ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الْحُرُّ ) أَمَّا الْحُرُّ ( فَيَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ وَسَيَأْتِي ) بَيَانُهُ ( فِي الدِّيَاتِ ، وَ ) أَمَّا ( الْمَالُ ) فَهُوَ ( أَعْيَانٌ ، وَمَنَافِعُ فَالْأَعْيَانُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَبِالدُّخُولِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ جُزْءَ الرَّقِيقِ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ ) وَاجِبُهُ ( مِنْ الْحُرِّ ) كَذَهَابِ الْبَكَارَةِ وَالْهُزَالِ ، وَجُرْحِ الْبَدَنِ ( بِنَقْصِ الْقِيمَةِ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا يَتَقَدَّرُ كَالْيَدِ ، وَكَانَ النَّاقِصُ أَكْثَرَ مِنْ مُقَدَّرِهِ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا يُوجِبُ جَمِيعُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَاوِيهِ بِإِدْخَالِ خَلَلٍ فِي الْعُضْوِ عَلَى نَفْسِ الْعُضْوِ لَكِنَّ الْحَاكِمَ يُوجِبُ فِيهِ حُكُومَةً بِاجْتِهَادِهِ ، قَالَ : وَهَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ ، وَمَا اسْتَثْنَاهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ أَمَّا فِيهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْصِ مُطْلَقًا وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ .
( وَ ) يَضْمَنُ جُزْأَهُ ( الْمُقَدَّرَ ) وَاجِبُهُ مِنْ الْحُرِّ ( كَيَدِ الْعَبْدِ ) وَلَوْ مُكَاتَبًا ، وَمُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ ( بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ جَنَى عَلَيْهِ ) لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ فَلَوْ كَانَ النَّاقِصُ بِقَطْعِهَا ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَالْمُبَعَّضُ يُعْتَبَرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَفِي قَطْعِ يَدِهِ مَعَ رُبْعِ الدِّيَةِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رُبْعِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ الْأَرْشِ .
( قَوْلُهُ : بِنَقْصِ الْقِيمَةِ ) فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَإِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي ) أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى ضَمَانِ الْمُقَدَّرِ بِمُقَدَّرِهِ خَاصَّةً فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى ضَمَانِهِ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّرِ ، وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ هُنَا مَا نَقَصَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ زِيَادَةُ أَرْشِ بَعْضِ الْعُضْوِ عَلَى جَمِيعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى جَمِيعِهِ لَزَادَ أَرْشُهَا عَلَى هَذَا ع .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى ضَمَانِهِ بِالْأَكْثَرِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا مِنْهُ زَائِدَةً وَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ ، وَيُقَوَّمُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ ( وَإِنْ تَلِفَتْ ) يَدُهُ ( بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَبِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ) يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوَدٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَدْرُ النُّقْصَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُقَدَّرِ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْإِتْلَافِ ، وَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ مَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عَلَى يَدِ آخَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ قَوَدًا قَالَهُ الْإِمَامُ ( وَإِنْ أَتْلَفَهَا غَيْرُ غَاصِبٍ ) لَهُ ( ضَمِنَهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ) ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا تُضْمَنُ يَدُ الْحُرِّ بِنِصْفِ دِيَتِهِ ( وَالْمَنَافِعُ ) الْمُتَقَوِّمَةُ تُضْمَنُ ( بِالتَّفْوِيتِ ) كَأَنْ سَكَنَ الدَّارَ وَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ ( وَكَذَا بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ ) كَأَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَتُضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ ( إلَّا مَنْفَعَةَ الْحُرِّ وَالْبُضْعِ ) فَلَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ ( وَسَيَأْتِيَانِ فَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا ) تُؤَجَّرُ ( ضَمِنَ مَنْفَعَتَهَا ) إذَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُدَّةً لَهَا أُجْرَةٌ ( وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا كَمَا يَضْمَنُ عَيْنَهَا ) الْأَوْلَى تَضَمَّنَهَا ( وَإِنْ لَمْ يُتْلِفْهَا ) وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا التَّنْظِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( حَتَّى ) لَوْ غَصَبَ ( الْمِسْكَ وَالْكِتَابَ ) ضَمِنَ مَنْفَعَتَهُمَا ( وَتَجِبُ ) الْأَوْلَى فَتَجِبُ ( أُجْرَتُهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( وَإِنْ لَمْ يَشُمَّهُ ) أَيْ الْمِسْكَ ( وَلَمْ يُطَالِعْهُ ) أَيْ الْكِتَابَ ( وَيَجِبُ أَعْلَى أُجْرَةِ صَنَائِعِ الْمَغْصُوبِ ) إذَا كَانَ لَهُ صَنَائِعُ فَلَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْجَمِيعِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي ، وَقْتٍ وَاحِدٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ مَعَهُ بِصَنْعَةٍ أُخْرَى فَإِنْ أَمْكَنَ كَالْخِيَاطَةِ مَعَ الْحِرَاسَةِ ضَمِنَ الْأُخْرَى أَيْضًا قَالَ وَسَيَأْتِي فِي صَيْدِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ مَا يُؤَيِّدُهُ ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحُرِّ أَمَّا الْحُرُّ فَلَا يَضْمَنُ فِيهِ إلَّا أُجْرَةَ مِثْلِ مَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي .
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ( وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا تَنْقُصُ بِتَرْكِ الزِّرَاعَةِ لَنَبَتَ الْحَشِيشُ ) فِيهَا إذَا لَمْ تُزْرَعْ كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ ( فَلَمْ يَزْرَعْ ) هَا ( فَعَلَيْهِ قَلْعُهُ ) أَيْ الْحَشِيشِ وَرَدُّهُ ( مَعَ الْأُجْرَةِ ، وَأَرْشِ النَّقْصِ ) التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْقَلْعِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ ذَكَرَ مَعَهُ الرَّدَّ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَصْلُهُ كَانَ أَوْلَى أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ لَا تُؤَجَّرُ كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ ، وَمَقْبَرَةٍ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهَا إلَّا بِالتَّفْوِيتِ ( وَأَمَّا الْحُرُّ وَالْبُضْعُ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُمَا إلَّا بِالتَّفْوِيتِ ) كَأَنْ اسْتَخْدَمَ وَوَطِئَ فَلَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ ( لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْيَدِ ) شَرْعًا فَالْيَدُ فِي مَنْفَعَةِ الْحُرِّ لَهُ ، وَفِي بُضْعِ الْحُرَّةِ لَهَا بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْمَغْصُوبَةِ وَدَعْوَى كُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ نِكَاحَهَا عَلَيْهَا لَا عَلَى الْآخَرِ ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ؛ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ ارْتِفَاقٍ لِلْحَاجَةِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ نَقْلَهَا أَصْلًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ مِلْكٍ تَامٍّ ، وَمَحَلُّ ضَمَانِ تَفْوِيتِ مَا ذُكِرَ حَيْثُ لَا رِدَّةَ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَوْتِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَ أَمَةً مُرْتَدَّةً عَلَى الْوَطْءِ أَوْ مُرْتَدًّا عَلَى عَمَلٍ ، وَمَاتَا عَلَى الرِّدَّةِ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا أُجْرَةَ لَهُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ أَوْ وَقْفِهِ ( نَعَمْ لَوْ اسْتَأْجَرَ ) شَخْصٌ ( الْحُرَّ فَلَهُ تَأْجِيرُهُ ) يَعْنِي إجَارَتَهُ ( وَيَسْتَحِقُّ )
عَلَيْهِ الْحُرُّ ( الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ ) لَهُ ( وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ ) بِنَاءً لِذَلِكَ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ كَوْنِ مَنْفَعَةِ الْحُرِّ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مَنْعُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ .
قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَبِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ) أَفْهَمَ قَوْلُهُ : فِيمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَنْقُصْ كَمَا لَوْ سَقَطَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَطْعًا ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَحَاوَلَ الرَّافِعِيُّ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِيهِ فِي ( قَوْلِهِ فَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا تُؤَجَّرُ ) وَلَوْ رَقِيقًا وَجَبَ قَتْلُهُ ( قَوْلُهُ : حَتَّى الْمِسْكَ ) أَيْ أَوْ الْعَنْبَرَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُقْصَدُ شَمُّهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ إنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ضَمِنَ كَمَالَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ جُرْمَ الْمِسْكِ دُونَ الرَّائِحَةِ لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَإِنْ انْتَقَصَتْ الرَّائِحَةُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَدْرًا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ ) ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَوَاتِ أَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَعْضِهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ أَمْ يَجِبُ أَعْلَاهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَسِيَاقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْحُرُّ وَالْبُضْعُ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُمَا إلَّا بِالتَّفْوِيتِ ) مِثْلُهُمَا الْمَسْجِدُ وَالرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَالشَّوَارِعُ ، وَعَرَفَةُ وَالْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى دَفْنِ الْمَوْتَى وَنَحْوُهَا وَلَوْ تَعَلَّقَ بِبَدَنِ الْحُرِّ حَقٌّ لِلْغَيْرِ كَمَا لَوْ آجَرَهُ عَبْدَهُ سَنَةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ أَوْصَى بِمَنَافِعِهِ أَبَدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ فَحَبَسَهُ حَابِسٌ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ فَفَاتَتْ مَنَافِعُهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ هُنَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْيَدِ شَرْعًا ) أَيْ إنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ النَّقْلَ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ كَمَا تَقْبَلُهُ الْأَمْوَالُ ( قَوْلُهُ : لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا أُجْرَةَ لَهُ بِنَاءً إلَخْ ) وَكَذَا سَائِرُ أَكْسَابِهِمَا حَالَ
رِدَّتِهِمَا .
( فَرْعٌ : عَلَى نَاقِلِ الْحُرِّ ) صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ( قَهْرًا ) مِنْ مَكَانِهِ إلَى مَكَان آخَرَ ( مُؤْنَةُ رَدِّهِ ) إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِتَعَدِّيهِ هَذَا ( إنْ كَانَ لَهُ ) أَيْ لِلْحُرِّ ( غَرَضٌ فِي الرُّجُوعِ ) إلَى مَكَانِهِ ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نُقِلَ ذَلِكَ الْأَصْلُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ ، وَقَالَ فِي آخَرَ لَا تَجِبُ لَكِنْ إذَا كَانَ النَّقْلُ إلَى بَرِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْعُمْرَانِ يَعْنِي الْمَأْمَنَ حِسْبَةً مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ جُمْلَةُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ سَوَاءٌ وَذَكَرَ الْإِمَامُ مِثْلَهُ ( وَلَوْ غَصَبَ جَارِحَةً أَوْ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا ) فَاصْطَادَ بِهَا صَيْدًا ( فَالصَّيْدُ لَهُ ) لَا لِصَاحِبِهَا ؛ لِأَنَّهَا آلَاتٌ لِلصَّائِدِ ( وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا ( لَا فِي الْكَلْبِ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ ( بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ ) مَعَ مُؤْنَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ ( وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَاصْطَادَ لَهُ ) صَيْدًا ( فَالصَّيْدُ لِسَيِّدِهِ ) لِاسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ بِهِ وَلَوْ أَمَرَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ بِذَلِكَ فَفَعَلَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الصَّيْدَ لِمَالِكِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ( وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أُجْرَتَهُ ) فِي زَمَنِ صَيْدِهِ أَيْضًا قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ مَالِكِهِ رُبَّمَا اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَا اشْتَغَلَ بِهِ فَلَا تَدْخُلُ الْأُجْرَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ وَبِمَا قَالَهُ يَنْدَفِعُ إشْكَالُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ أَعْلَى مَنَافِعِ الْعَبْدِ الِاصْطِيَادَ ، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى الْإِشْكَالَ قَوِيًّا زَادَ لَفْظَةَ لَهُ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اصْطَادَ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ أُجْرَتَهُ بَلْ تَدْخُلُ فِيمَا ذَكَرَ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ ، وَجَوَابُ الْإِشْكَالِ مَا قُلْنَا .
( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : فَلَا تَدْخُلُ الْأُجْرَةُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى مَالِكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَمْنَعُ الْأُجْرَةَ بِتَعَدِّيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا ، وَعَلَّمَهُ صَنْعَةً فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ مَعَ الْأُجْرَةِ لِمُدَّةِ التَّعْلِيمِ وَالْغَصْبِ وَكَمَا لَوْ غَصَبَ حَبًّا ، وَأَرْضًا وَزَرَعَهُ فِيهَا كَانَ الزَّرْعُ لِمَالِكِهَا وَتَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ ( قَوْلُهُ : وَكَانَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى الْإِشْكَالَ قَوِيًّا زَادَ لَفْظَةَ لَهُ إلَخْ ) زَادَهَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ إنْ اصْطَادَ لِلْغَاصِبِ يَكُونُ الصَّيْدُ لَهُ وَلِيُفِيدَ مَا عَدَاهُ بِالْأَوْلَى .
( فَرْعٌ : يَجِبُ أَرْشُ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ ) الْحَاصِلِ بِغَيْرِ كَسَادِ السُّوقِ ( وَأُجْرَتُهُ وَضَمَانُ جِنَايَتِهِ وَزَوَائِدِهِ ، وَإِنْ أَبِقَ وَسَلِمَتْ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ ) حَالَةَ إبَاقِهِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْغَصْبِ ( وَتَكُونُ ) الْأُجْرَةُ ( بَعْدَ ) حُدُوثِ ( النَّقْصِ أُجْرَةَ نَاقِصٍ ) بِخِلَافِهَا قَبْلَ حُدُوثِهِ فَإِنَّهَا أُجْرَةُ تَامٍّ ( سَوَاءٌ ) فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ مَعَ الْأُجْرَةِ ( حَدَثَ النَّقْصُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُوجِبِ لِلْأُجْرَةِ ) كَأَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَأَبْلَاهُ ( أَمْ لَا ) كَأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَسُقُوطِ عُضْوِ الْعَبْدِ بِمَرَضٍ لَا يُقَالُ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ النُّقْصَانُ نَشَأَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ ، وَقَدْ قُوبِلَ الِاسْتِعْمَالُ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ لَهُ ضَمَانٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ لِلِاسْتِعْمَالِ بَلْ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالٌ فَلِمَ يَلْزَمُ ضَمَانَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ .
( قَوْلُهُ : وَأُجْرَتُهُ ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَتَهُ ؛ لِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَبِالْبَدَلِ فِي الْفَاسِدِ ضُمِنَ بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ غَيْرُ الْغَاصِبِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ غَيْرُهُ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ .
( فَصْلٌ : لَا يَضْمَنُ ) أَحَدٌ ( خَمْرًا ) وَلَوْ مُحْتَرَمَةً ( وَخِنْزِيرًا ) لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ( وَ ) لَكِنْ ( يَجِبُ رَدُّ ) الْخَمْرِ ( الْمُحْتَرَمَةِ ، وَخَمْرِ ذِمِّيٍّ غَيْرِ مُتَظَاهِرٍ بِهَا ) شُرْبًا أَوْ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُمَا مَعَ مُؤْنَةِ رَدِّهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْجِزْيَةِ لِاحْتِرَامِهِمَا بِخِلَافِ مَا عَدَاهُمَا لَا تُرَدُّ بَلْ تُرَاقُ كَمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ ، وَيَجُوزُ كَسْرُ إنَائِهَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إرَاقَتِهَا إلَّا بِهِ أَوْ كَانَ إنَاؤُهَا ضَيِّقَ الرَّأْسِ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهَا أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ ، وَمَنَعُوهُ أَوْ كَانَ يَضِيعُ زَمَانُهُ ، وَيَتَعَطَّلُ شُغْلُهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ فِي حُكْمِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَالٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمُقَلِّدَ لِمَنْ يَرَى إرَاقَتَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَشِيشَةُ مُسْكِرَةٌ فَعَلَيْهِ يَتَّجِهُ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ .
( فَصْلٌ : لَا يَضْمَنُ خَمْرًا وَخِنْزِيرًا ) ( قَوْلُهُ : كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ) وَلِأَنَّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ لَوْ ضُمِنَتْ أَدَّى إلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِسَبَبِ كُفْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ رَدُّ الْمُحْتَرَمَةِ ) قَالَ الشَّيْخَانِ هُنَا ، وَهِيَ مَا اُتُّخِذَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَلِّ أَوْ بِقَصْدِ شُرْبِ عَصِيرِهَا أَوْ طَبِيخِهِ دِبْسًا أَوْ عُصِرَ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ ، وَمَا لَوْ اُنْتُهِبَتْ أَوْ اُشْتُرِيَتْ أَوْ حَدَثَتْ مِنْ إرْثِ مَنْ جُهِلَ قَصْدُهُ أَوْ مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ عَصَرَهَا مَنْ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ فِي الْعَصِيرِ كَصَبِيٍّ ، وَمَجْنُونٍ أَوْ عَصَرَهَا لِلْخَمْرِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عَصَرَهَا لِلْخَمْرِ كَافِرٌ ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَالِاتِّحَادُ يَكُونُ فِي الِابْتِدَاءِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطْرَأَ بَعْدَهُ قَصْدٌ يُفْسِدُهُ فَلَوْ طَرَأَ قَصْدُ الْخَمْرِيَّةِ زَالَ الِاحْتِرَامُ أَوْ قَصْدُ الْخَلِيَّةِ حَصَلَ الِاحْتِرَامُ وَقَوْلُهُمْ عَلَى الْغَاصِبِ إرَاقَةُ الْخَمْرِ مَحِلُّهُ إذَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهَا ، وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ لَهُ إرَاقَتُهَا ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّ وُجُوبَ إرَاقَتِهَا ظَاهِرٌ مُتَّجِهٌ ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَمَّا انْقَلَبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ ، وَانْتَقَلَ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ الْعَصِيرِ الَّذِي قَدْ صَارَ خَمْرًا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْغَاصِبِ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : غَيْرَ مُتَظَاهِرٍ بِهَا ) إذَا انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ مَثَلًا لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِمْ إذَا تَظَاهَرُوا بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْمَعَازِفِ ، وَإِظْهَارِ اسْتِعْمَالِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا مَنْ لَيْسَ فِي دُورِهِمْ قَالَهُ الْإِمَامُ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الصَّلِيبِ ( قَوْلُهُ : أَوْ غَيْرَهُمَا ) أَيْ كَنَقْلِهَا ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : قَالَ وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ إلَخْ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا أَنَّهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَشِيشَةُ مُسْكِرَةٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَعَلَيْهِ يَتَّجِهُ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ ) قَالَ شَيْخُنَا كَأَنَّهَا لِكَوْنِهَا مُسْكِرَةً ، وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِإِتْلَافِ الْمُسْكِرِ انْتَفَى الضَّمَانُ فَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُهَا ظَاهِرَةً يَصِحُّ بَيْعُهَا ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَصْلٌ ( يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ الْقَادِرَ كَسْرُ الْأَصْنَامِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالصَّلِيبِ ( وَآلَاتِ الْمَلَاهِي ) كَالْبَرْبَطِ وَالطُّنْبُورِ إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ إذْ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَلَا حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَقُومَ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ } فَلَا يَلْزَمُ بِكَسْرِهَا شَيْءٌ إذَا كَسَرَهَا ( كَسْرًا تَصِيرُ بِهِ إعَادَتُهَا ) فِي إنَالَةِ الصَّانِعِ التَّعِبِ ( كَإِحْدَاثِهَا ) بِأَنْ تَفَصَّلَ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ فَلَا يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْتَارِ ؛ لِأَنَّهَا مُجَاوِرَةٌ لَهَا مُنْفَصِلَةٌ ( فَلَوْ رَضَّهَا أَوْ أَحْرَقَهَا ضَمِنَ مَا سِوَى ) الْكَسْرِ ( الْمَشْرُوعِ ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ رَضَاضَهَا مُتَمَوَّلٌ وَلِزِيَادَتِهِ عَلَى مَا يَزُولُ بِهِ الِاسْمُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْسِرَهَا الْكَسْرَ الْفَاحِشَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الْآحَادِ أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إنَاءِ الْخَمْرِ بَلْ أَوْلَى ( وَيُعَذَّرُ فِي ) كَسْرِ ( الزَّائِدِ ) عَلَى الْكَسْرِ - الْمَشْرُوعِ ( إنْ دُوفِعَ ) عَنْ كَسْرِهِ ؛ لِأَنَّ دَافِعَهُ مُقَصِّرٌ وَلَوْ أَتْلَفَ جِلْدًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ مُذَكًّى وَالْغَاصِبُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَاقَ مَاءَ عِنَبٍ وَاخْتَلَفَا فِي تَخَمُّرِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَالِيَّتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالثَّانِيَةِ مَا لَوْ قَالَ الْكَاسِرُ هُنَا لَمْ يُمْكِنْ الْكَسْرُ إلَّا بِالرَّضِّ أَوْ الْإِحْرَاقِ ، وَخَالَفَهُ الْمَالِكُ فَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ قُلْت وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْأُولَى ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ الْإِمَامُ لَوْ أَبْرَزَ خَمْرًا وَزَعَمَ أَنَّهَا خَمْرُ
خَلٍّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ طَوَائِفُ وَلَوْ اطَّلَعْنَا عَلَى خَمْرٍ ، وَمَعَهَا مُخَايِلُ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهَا .
( وَلِلصَّبِيِّ ) الْمُمَيِّزِ ( وَغَيْرِ الْكَامِلِ ) مِنْ امْرَأَةٍ ، وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ ، وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ هَذَا وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ ( كَسْرُهَا ، وَيُثَابُ الصَّبِيُّ ) ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ عَلَى كَسْرِهَا ( كَالْبَالِغِ ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ إزَالَةِ سَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبِ .
( قَوْلُهُ : كَالْبَرْبَطِ ) آلَةٌ تُشْبِهُ الْعُودَ مِنْهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ فِي الْآحَادِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُعَذَّرُ فِي الزَّائِدِ إنْ دُوفِعَ عَنْ كَسْرِهِ ) كَمَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِحْرَاقِ إنْ تَعَيَّنَ لِلْإِتْلَافِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ إلَخْ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ ، وَمِنْ شَرْطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ مُسْلِمًا .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي قَدْرِ ) الْبَدَلِ ( الْوَاجِبِ فَالْمِثْلِيُّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ ) لِآيَةِ { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّالِفِ ؛ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ كَالنَّصِّ ؛ لِأَنَّهُ مَحْسُوسٌ وَالْقِيمَةُ كَالِاجْتِهَادِ وَلَا يُصَارُ لِلِاجْتِهَادِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ ( وَالْمِثْلِيُّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ ، وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ ) فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مَا يُعَدُّ كَالْحَيَوَانِ أَوْ يُذَرَّعُ كَالثِّيَابِ وَبِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ الْغَالِيَةُ وَالْمَعْجُونُ وَنَحْوُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِهِ بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ الرَّدِيءَ نَوْعًا أَمَّا الرَّدِيءُ عَيْبًا فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِ الْقَمْحَ الْمُخْتَلِطَ بِالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْمِثْلُ فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا ، وَيُجَابُ بِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ مِثْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا كَمَا فِي إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ الْمُتَقَوِّمِ فِي الْقَرْضِ ( فَالتُّرَابُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالتِّبْرُ وَالْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ وَالْكَافُورُ وَالثَّلْجُ وَالْجَمْدُ وَالْقُطْنُ ) وَلَوْ بِحَبِّهِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ ( وَالْعِنَبُ وَالرُّطَبُ وَالْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ وَالدَّقِيقُ وَاللَّحْمُ الطَّرِيُّ ) وَنَحْوُهَا كَالنُّخَالَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ ( كُلُّهَا مِثْلِيَّةٌ ) لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهَا ، وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ مِثْلِيَّانِ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ ( لَا الْخُبْزُ ) وَكُلُّ مَا دَخَلَتْهُ النَّارُ لِطَبْخٍ أَوْ قَلْيٍ أَوْ شَيٍّ فَلَيْسَ مِثْلِيًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ ( ثُمَّ الْمَاءُ وَالْحُبُوبُ ) الْجَافَّةُ ( وَالْخُلُولُ ) الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ ( وَالْأَدْهَانُ ) وَالْأَلْبَانُ ( وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ )
الْخَالِصَةُ وَنَحْوُهَا ( مِثْلِيَّةٌ ، وَكَذَا ) الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ( الْمَغْشُوشَةُ وَالْمُكَسَّرَةُ وَالسَّبِيكَةُ ) وَلَوْ عَطَفَ الْمَاءَ وَالْمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ بِالْوَاوِ ، وَقَدَّمَهَا عَلَى قَوْلِهِ كُلُّهَا مِثْلِيَّةٌ كَانَ أَوْلَى ، وَأَخْصَرَ وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْمَاءُ الْبَارِدُ إذْ الْحَارُّ مُتَقَوِّمٌ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُطْرَقُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ إذَا حَمِيَتْ بِالنَّارِ .
( قَوْلُهُ : فَالْمِثْلِيُّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ ، وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ ) وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ إذَا قُلْنَا لَا يُطَالَبُ بِالْمِثْلِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ إنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمَكَانِ الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ فَجَازَ انْتِظَارُهُ وَرَدُّ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَقَنَعْنَا بِصُورَةِ الْمِثْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَثَلًا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْقِيمَةِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمِثْلَيْنِ وَلِلزَّمَانِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي تَفَاوُتِهَا ( فَرْعٌ ) لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِيمَةِ مَعَ إمْكَانِ الْمِثْلِ فَوَجْهَانِ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ الْجَوَازَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ ( قَوْلُهُ : وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ ) وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ ، وَهَذَا عَجِيبٌ ( قَوْلُهُ : مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْمِثْلُ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَدْ يُمْنَعُ رَدُّ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاخْتِلَاطِ انْتَقَلَ مِنْ الْمِثْلِيِّ إلَى الْمُتَقَوِّمِ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ .
ا هـ .
وَاعْتَمَدَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي فَتَاوِيهِ كَوْنَهُ مُتَقَوِّمًا ، وَمِثْلُهُ الْأَرُزُّ الْمُخْتَلِطُ بِالدِّنِيبَةِ أَوْ الْقِيشَةِ الْكَبِيرَةِ ( قَوْلُهُ : وَيُجَابُ بِأَنَّ إيجَابَ إلَخْ ) وَبِأَنَّ امْتِنَاعَ السَّلَمِ فِي جُمْلَتِهِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ بِحَالِهِمَا وَرَدُّ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّلَمُ فِيهِمَا جَائِزٌ ( قَوْلُهُ : وَالْقُطْنُ وَلَوْ بِحَبِّهِ ) كَنَوَى التَّمْرِ مَعَهُ ( قَوْلُهُ : الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ ) وَكَذَا الَّتِي فِيهَا مَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِمَا كَذَا قِيلَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ ، قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْمَاءُ الْبَارِدُ ) عَذْبًا أَوْ مَالِحًا ( قَوْلُهُ : قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ إلَخْ ) وَعَلَى هَذَا
فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِمْ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الرِّبَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فس فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْحَارَّ مِثْلِيٌّ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ لَوْ غَصَبَ مَاءً حَارًّا فَبَرَدَ فِي يَدِهِ رَدَّهُ ، وَأَرْشَ النُّقْصَانِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( غَصَبَ مِثْلِيًّا فَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ بِلَا غَصْبٍ وَالْمِثْلُ مَوْجُودٌ فَلَمْ يَغْرَمُ حَتَّى عَدَمَ الْمِثْلَ ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَوْ ، وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ ( فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ الْإِتْلَافِ ( لَزِمَهُ أَقْصَى الْقِيَمِ ) لِلْمَغْصُوبِ أَوْ الْمُتْلَفِ ، وَقِيلَ لِلْمِثْلِ ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ( مِنْ ) وَقْتِ ( الْغَصْبِ ) فِي الْأَوَّلِ ( أَوْ ) وَقْتِ ( الْإِتْلَافِ ) فِي الثَّانِي ( إلَى ) ، وَقْتِ ( الْإِعْوَازِ ) لِلْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي لُزُومِ تَسْلِيمِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُتَقَوِّمِ ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعَدَمِ كَمَا لَا نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ تَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ .
( فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ أَنَا أَصْبِرُ ) عَنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ ( إلَى وُجُودِ الْمِثْلِ أُجِيبَ ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ( وَلَوْ تَلِفَ ) الْمِثْلِيُّ ( أَوْ أَتْلَفَهُ وَالْمِثْلُ مَفْقُودٌ ، وَهُوَ غَاصِبٌ ) فِيهِمَا ( فَأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ ) يَلْزَمُ ( أَوْ ) ، وَهُوَ ( غَيْرُ غَاصِبٍ ) فِي الثَّانِيَةِ ( فَقِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ ) تَلْزَمُ ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الْإِتْلَافِ فِي الْغَصْبِ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَلَوْ غَرِمَ ) الْغَاصِبُ أَوْ الْمُتْلِفُ الْقِيمَةَ لِفَقْدِ الْمِثْلِ هُنَا ، وَفِيمَا مَرَّ ( ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَمْ يَرْجِعْ الْغَارِمُ إلَى دَفْعِهِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ وَلَا الْمَالِكُ إلَى أَخْذِهِ مَعَ رَدِّ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ انْفَصَلَ بِالْبَدَلِ كَالْيَسَارِ بَعْدَ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ .
( فَصْلٌ : غَصَبَ مِثْلِيًّا فَتَلِفَ ) ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لِلْمِثْلِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْحِيحُهُمْ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى الْإِعْوَازِ وَقَاسَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَلَى مَا لَوْ أَتْلَفَ صَيْدًا لَهُ مِثْلٌ ، وَعُدِمَ تَجِبُ قِيمَةُ الْمِثْلِ ثُمَّ يَصْرِفُهَا لِلطَّعَامِ وَفِي اعْتِبَارِ قِيمَةِ الْأَصْلِ إشْكَالٌ فَإِنَّ الذِّمَّةَ بَرِئَتْ مِنْهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْمِثْلِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ الْأَقْصَى إلَى انْقِطَاعِ الْمِثْلِ ، وَعَلَى الثَّانِي الْأَقْصَى مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ ر .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( غَصَبَ مِثْلِيًّا ) مِنْ بَلَدٍ ( وَنَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ طُولِبَ بِالرَّدِّ ) إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ لِيَرُدَّهُ كَمَا أَخَذَهُ ( وَبِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ إنْ كَانَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا يُطَالَبُ إلَّا بِالرَّدِّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهَذَا قَدْ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَخَفْ هَرَبَ الْغَاصِبِ أَوْ تَوَارِيهِ ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ ( وَحِينَ يَرُدُّهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( يَسْتَرِدُّهَا ) أَيْ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْحَيْلُولَةِ ، وَقَدْ زَالَتْ ( فَإِنْ تَلِفَ ) فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ ( طَالَبَهُ بِمِثْلِهِ ) حَيْثُ ظَفِرَ بِهِ ( فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا ، وَكَذَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ مِنْ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا بِهِ فِي طَرِيقِهِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ شُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ ( فَإِنْ فُقِدَ ) الْمِثْلُ ( أَوْ وُجِدَ بِزِيَادَةٍ ) عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ ( غَرِمَ ) لِلْمَالِكِ ( قِيمَتَهُ فِي أَكْثَرِهِمَا ) أَيْ الْبَلَدَيْنِ ( قِيمَةً ) بَلْ فِي أَكْثَرِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ فِيهِ ( وَإِنْ ظَفِرَ بِهِ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَنْقُلْهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( إلَيْهِ ، وَهُوَ مِمَّا لَا مُؤْنَةَ فِي نَقْلِهِ كَالدَّرَاهِمِ ) الْيَسِيرَةِ وَالطَّرِيقُ آمِنٌ ( طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ ( وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْغَاصِبَ ( تَحْصِيلُهُ ) لِوُجُودِ الضَّرَرِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ ، وَإِلَّا فَلَا كَانَ أَوْضَحَ ، وَأَخْصَرَ ، وَأَنْسَبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ .
( وَلَا ) يَلْزَمُ ( الْمَالِكَ قَبُولُهُ ) أَيْ الْمِثْلَ عِنْدَ الْمُؤْنَةِ أَوْ الْخَوْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ ( بَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَةُ بَلَدِ التَّلَفِ ) ؛
لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمَالِكِ الرُّجُوعُ إلَى الْمِثْلِ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ كَالْفَقْدِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمِثْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكْلِيفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ قَالَ السُّبْكِيُّ كَالْبَغَوِيِّ وَلَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مُؤْنَةَ لَمْ يَجُزْ ( ثُمَّ ) إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْقِيمَةَ ( لَوْ اجْتَمَعَا فِي بَلَدِ التَّلَفِ لَمْ يَرْجِعَا إلَى الْمِثْلِ ) لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَخَذَهَا لِفَقْدِ الْمِثْلِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ إلَيْهِ مَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ وَظَفِرَ بِهِ الْمَالِكُ فِي بَلَدٍ ثَالِثٍ وَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِيهِ لَكِنْ فِيمَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ .
أَمَّا مَا لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ فَيَلْزَمُ فِيهِ قِيمَةُ أَكْثَرِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ قِيمَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِقِيمَةِ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ نَقَلَهُ إلَيْهِ فَيُطَالِبُهُ مَالِكُهُ بِمِثْلِهِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ مِنْ الْبِقَاعِ الَّتِي ، وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ وُجِدَ الْمِثْلُ فَحَدَثَ ) فِيهِ ( غَلَاءٌ أَوْ رُخْصٌ لَمْ يُؤَثِّرْ ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَالِكِ لَهُ فَلَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فِي وَقْتِ الرُّخْصِ فَلَهُ طَلَبُ الْمِثْلِ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ ، وَأَتَى بِهِ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ .
( نَعَمْ إنْ خَرَجَ ) الْمِثْلُ ( عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمْدًا فِي الصَّيْفِ أَوْ مَاءً فِي مَفَازَةٍ ) وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ ( فَاجْتَمَعَا ) أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ أَوْ الْمُتْلِفُ ( فِي الشِّتَاءِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ ) فِي الثَّانِيَةِ ( لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ فِي الصَّيْفِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ ) فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فَلَا تَرَادَّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ هُنَا .
قَوْلُهُ : وَبِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا ، وَهُوَ مِلْكُ قَرْضٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ ، وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ ) وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ ( قَوْلُهُ : وَحِينَ يَرُدُّهُ يَسْتَرِدُّهَا ) قَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ يَجِبُ رَدُّ الْقِيمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ الْآبِقَ قَبْلَ عَوْدِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةً فَمَاتَ الْمَالِكُ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ السُّبْكِيُّ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ عَنْ قِيمَةِ الْحَيْلُولَةِ جَارِيَةً ، وَعَوَّضَهَا الْغَاصِبُ لَهُ جَازَ ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْقِيمَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِنَظَرٍ وَلَا قُبْلَةٍ ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَنْقُولًا هَلْ يَكُونُ مِلْكًا تَامًّا مُسَلَّطًا عَلَى الْوَطْءِ ، وَقَالَ النَّاشِرِيُّ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْقَرْضِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا هُنَا عِوَضًا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهَا كَقَرْضِهَا وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ .
فَإِنْ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْمَغْصُوبِ مَعْلُومًا إنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ الْقِيمَةَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَحَكَى فِي اسْتِقْرَارِهِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَجْهَيْنِ وَقَضِيَّةُ الِاسْتِقْرَارُ حِلُّ الْوَطْءِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ يَمْلِكُهَا ( 7 ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى حُكْمِ رَدِّ الْعَيْنِ أَيْ مِنْ زَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ ( قَوْلُهُ : طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ
الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِثْلَ قِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ أَوْ أَقَلَّ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَجَزَمَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الزَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ ؛ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمِثْلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ ، وَإِتْلَافُ مَالٍ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ إلَى أَنْ قَالَ فَقَدْ تَظَافَرَتْ النُّقُولُ وَسَاعَدَهُ الْمَعْنَى لِفَقْدِ الضَّرَرِ ، وَحَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ سَهْلٌ بِلَا مَانِعٍ ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ صَرِيحٌ فِيهِ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ خَرَجَ الْمِثْلُ عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمْدًا إلَخْ ) فَإِنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَوْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْمِثْلُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ كُلُّ مِثْلِيٍّ تَلِفَ بِمَوْضِعٍ لَهُ قِيمَةٌ خَطِيرَةٌ وَغَرِمَ بِمَوْضِعٍ قِيمَتُهُ فِيهِ حَقِيرَةٌ فَكَالْمَالِ ا هـ .
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَقِيمَةٍ حَقِيرَةٍ نَعَمْ لَفْظُ الْكَافِي إذَا وَجَبَ الْمِثْلُ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَقَوِّمًا بِتَبَدُّلِ ( 7 ) هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ زَمَانٍ أَوْ مَكَان فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِاعْتِبَارِ مَكَانِ الْإِتْلَافِ يَعْنِي أَوْ زَمَانِهِ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ : وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْبَلَدِ وَالشِّتَاءِ قِيمَةٌ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ كَانَتْ وَلَوْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْمِثْلُ ، وَهُوَ مُشْكِلٌ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا إشْكَالَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمِثْلُ ، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَصِرْ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَالِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ إلَى زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَنَقْصِهَا كَمَا لَا نَظَرَ إلَى تَفَاوُتِ الْأَسْعَارِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ سَقَى أَرْضَهُ بِمَاءٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ فَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّ عَلَيْهِ
الْقِيمَةَ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مُحَصَّلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ قَنَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ يُقَالُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ إذَا غَصَبَ مَاءً فِي الصَّيْفِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى السَّقْيِ وَاجْتَمَعَا فِي الشِّتَاءِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ السَّقْيِ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ .
وَفِي الْكَافِي لَوْ غَصَبَ جَمْدًا فَذَابَ رَدَّ الْمَاءَ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ أَوْ مَاءً مُسَخَّنًا فَبَرَدَ فَسَخَّنَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَنْجَبِرْ مَا ذَهَبَ مِنْ الْحَرَارَةِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ غَصَبَ دَارًا فَانْهَدَمَتْ فَبَنَاهَا بِتِلْكَ الْآلَةِ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ ضَمِنَ الْهَدْمَ .
( فَصْلٌ : لَوْ غَصَبَ حُلِيًّا ) مِنْ ذَهَبٍ ( وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ، وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَتَلِفَ ضَمِنَ التِّبْرَ بِمِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كَمَا مَرَّ ( وَالصَّنْعَةَ ) بِقِيمَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ ( مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ ) ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ وَلَا رِبًا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعُقُودِ ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْبَغَوِيّ وَنُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ، وَصَحَّحَهُ لَكِنَّهُ قَالَ إنَّ قَوْلَ الْبَغَوِيّ أَحْسَنُ مِنْهُ تَرْتِيبًا ، وَمِنْ هُنَا جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ ، وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى ( فَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ مُحَرَّمَةً كَالْإِنَاءِ ضَمِنَهُ بِوَزْنِهِ ) أَيْ بِمِثْلِهِ وَزِنًا ( كَالسَّبِيكَةِ ) وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ كَالتِّبْرِ .
( فَصْلٌ : لَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا ، وَ ) كَذَا ( عَكْسُهُ ) بِأَنْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا ( أَوْ ) صَارَ الْمِثْلِيُّ ( مِثْلِيًّا آخَرَ كَجَعْلِهِ الشَّاةَ لَحْمًا ) مِثَالٌ لِلثَّانِي ( وَالدَّقِيقَ خُبْزًا ) مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ ( وَالسِّمْسِمَ شَيْرَجًا ) مِثَالٌ لِلثَّالِثِ ( ثُمَّ تَلِفَ ) عِنْدَهُ ( أَخَذَ ) الْمَالِكُ ( الْمِثْلَ ) فِي الثَّلَاثَةِ مُخَيَّرًا فِي الثَّالِثِ مِنْهَا بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَغْبَطَ ) أَيْ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْخَذُ هُوَ فِي الثَّالِثِ ، وَقِيمَتُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ أَمَّا إذَا صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا كَحُلِيٍّ صِيغَ مِنْ إنَاءٍ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ .
( قَوْلُهُ : كَحُلِيٍّ صِيغَ مِنْ إنَاءٍ غَيْرِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي لَمْ يُصَبَّ فِي قَالِبٍ وَلَيْسَ مِنْ الْأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ فَهُوَ مُتَقَوِّمٌ ، وَالصَّنْعَةُ فِي الْحُلِيِّ مُتَقَوِّمَةٌ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( جَنَى عَلَى غَيْرِ مِثْلِيٍّ ضَمِنَهُ الْمُتْلِفُ غَيْرُ الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ مَعْدُومٌ وَضَمَانُ الزَّائِدِ قَبْلَهُ فِي الْمَغْصُوبِ إنَّمَا كَانَ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ وَلَمْ تُوجَدْ هُنَا ، وَأَمَّا { رَدُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنَاءَ بَدَلَ الْإِنَاءِ الَّذِي كَسَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا } فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْإِنَاءَيْنِ كَانَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ بِهَذَا الْإِصْلَاحَ وَالْمَعُونَةَ لَا حَقِيقَةَ التَّضْمِينِ هَذَا ( إنْ لَمْ يَنْقُصْ بِالْجِنَايَةِ ، وَإِلَّا ) كَأَنْ جَنَى عَلَى حَيَوَانٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ مَاتَ ، وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ ( فَيَوْمَ ) أَيْ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ ( الْجِنَايَةِ ) ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَفِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى ( وَيَضْمَنُ بَعْضَهُ بِمَا نَقَصَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ قِيمَتِهِ كَأَنْ قَطَعَ يَدَ حَيَوَانٍ فَيَلْزَمُهُ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالْقَطْعِ ، وَهَذَا قَدَّمَهُ الْأَصْلُ فِي أَوَائِلِ الطَّرَفِ الثَّانِي ( وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيَضْمَنُ التَّالِفَ ) غَيْرَ الْمِثْلِيِّ ( بِأَكْثَرِ قِيَمِهِ مِنْ ) حِينِ ( الْغَصْبِ إلَى ) حِينِ ( التَّلَفِ ) لِتَوَجُّهِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حَالَ الزِّيَادَةِ فَيَضْمَنُ بَدَلَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ التَّلَفِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِالنَّقْصِ بِالْكَسَادِ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ ( مِنْ نَقْدِ بَلَدِ التَّلَفِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحِلُّ وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهُ ، وَإِلَّا فَيَتَّجِهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ نَقْدِ الْبَلَدِ أَيْ الَّذِي تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ مَا يُقَارِبُهُ عَمَلًا بِمَحِلِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ الْحَقِيقِيِّ ( فَلَوْ غَصَبَهُ ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ فَصَارَتْ بِالْغَلَاءِ مِائَتَيْنِ ثُمَّ ) صَارَتْ بِالرُّخْصِ ( مِائَةً ثُمَّ ) صَارَتْ بِالْغَلَاءِ ( مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَلِفَ ثُمَّ صَارَتْ ) بِالْغَلَاءِ ( ثَلَثَمِائَةٍ لَزِمَهُ مِائَتَانِ ) ؛
لِأَنَّهُمَا أَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ غَصْبِهِ إلَى تَلَفِهِ ( وَلَا أَثَرَ لِلتَّكَرُّرِ ) أَيْ تَكَرُّرِ غُلُوِّ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ كُلَّ زِيَادَةٍ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ ( وَلَا لِلزِّيَادَةِ ) فِي السِّعْرِ ( بَعْدَ التَّلَفِ ) لِلْمَغْصُوبِ إذْ لَا وُجُودَ لَهُ وَلَوْ قَدَّمَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَلَى الْمِثَالِ السَّابِقِ كَانَ أَنْسَبَ ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِالْأَكْثَرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى التَّكَرُّرِ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَيَضْمَنُ ) أَيْ الْمَنْفَعَةَ ( كُلَّ ) أَيْ فِي كُلِّ ( مُدَّةٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا ) فِيهَا .
( قَوْلُهُ : بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ) هَلْ الْقِيمَةُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْمُتَقَوِّمِ أَوْ هِيَ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ رَغَبَاتُ الرَّاغِبِينَ فِي ابْتِيَاعِهِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَالْأَظْهَرُ الثَّانِي ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيَضْمَنُ التَّالِفَ بِأَكْثَرِ قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ ) لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ التَّالِفُ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ أَوْ كَانَ الْغَاصِبُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلضَّمَانِ فَلَا ضَمَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِمَّنْ يَجِبُ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ فَعَلَى مُتْلِفِهِ الْقِيمَةُ إلَّا فِي الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ قَالَ الْقَفَّالُ وَكَذَا الْقَاتِلُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَزَادَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَيْهِ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَالزَّانِيَ الْمُحْصَنَ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا الصَّائِلُ فِي حَالِ صِيَالِهِ .
( قَوْلُهُ : مِنْ نَقْدِ بَلَدِ التَّلَفِ ) إلَّا إذَا كَانَ لَا يَصْلُحُ كَالْمَفَازَةِ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَيَتَّجِهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَبَقَ الْمَغْصُوبُ أَوْ سُرِقَ الْمِثْلِيُّ ) بَلْ أَوْ الْمُتَقَوِّمُ أَوْ غَيَّبَهُ الْغَاصِبُ أَوْ ضَاعَ ( فَلِلْمَالِكِ - - تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ ) فِي الْحَالِ ( لِلْحَيْلُولَةِ ) ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا ( أَقْصَى مَا كَانَتْ مِنْ الْغَصْبِ إلَى الْمُطَالَبَةِ ) ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُطَالِبَ بِالزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ ( وَيَمْلِكُهَا ) الْمَالِكُ كَمَا يَمْلِكُهَا عِنْدَ التَّلَفِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ كَمَا لَا يَمْلِكُ نِصْفَ الْعَبْدِ إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَغَرِمَ وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكَ قَرْضٍ ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا عَلَى حُكْمِ رَدِّهَا أَوْ رَدِّ بَدَلِهَا عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ ( وَ ) لِهَذَا ( لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا فَلَوْ ظَفِرَ الْغَاصِبُ بِالْآبِقِ أَوْ الْمَسْرُوقِ فَلَمْ يَحْبِسْهُ لِلْقِيمَةِ ) أَيْ لِاسْتِرْدَادِهَا كَمَا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ ( بَلْ يَرُدُّهُ ) لِمَالِكِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ ، وَيَسْتَرِدُّ قِيمَتَهُ كَمَا أَنَّ الْمَالِكَ يَرُدُّهَا ، وَيَسْتَرِدُّهُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِ التَّرَادِّ هُنَا ، وَفِيمَا مَرَّ مِنْ نَظِيرِهِ فِي فَرْعِ غَصْبِ مِثْلِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعٍ لِيَصِيرَ الْمَغْصُوبُ لِلْغَاصِبِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ رَدِّهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَجَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا حَاجَةَ إلَى عَقْدٍ قُلْت ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ فَكَفَى فِيمَا ذُكِرَ ذَلِكَ بِخِلَافِهَا بَعْدَ رَدِّهِ كَمَا سَيَأْتِي ( فَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ بَاقِيَةً ) بِيَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ ( رَدَّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ ) .
وَتُتَصَوَّرُ زِيَادَتُهَا
بِأَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا حَيَوَانًا فَيُنْتِجَ أَوْ شَجَرًا فَيُثْمِرَ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ أَوْ بِأَنْ يَكُونَا بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُ أَهْلُهُ بِالْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ ( وَلَمْ يَجُزْ إبْدَالُهَا ) بِغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً ( وَجَبَ ) إبْدَالُهَا بِمِثْلِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ عَنْهَا مُتَقَوِّمًا ، وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ ( فَإِنْ أَفْلَسَ الْمَالِكُ ) ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ( فَالْغَاصِبُ أَحَقُّ ) مِنْ غَيْرِهِ ( بِالْقِيمَةِ ) الَّتِي دَفَعَهَا لَهُ ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْفَلَسِ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارٍ ، وَهُنَا بِمُجَرَّدِ عَوْدِ الْمَغْصُوبِ يَنْتَقِضُ الْمِلْكُ فِي الْقِيمَةِ فِيمَا يَظْهَرُ قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ بَاقِيَةً قَدَّمَ الْغَاصِبُ بِبَدَلِهَا مِنْ ثَمَنِ الْمَغْصُوبِ نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ النَّصِّ .
( قَوْلُهُ : فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ ) إنَّمَا لَمْ يَغْرَمْ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرَادِّ فَقَدْ يُرْفَعُ السِّعْرُ وَيَنْخَفِضُ فَيَلْزَمُ الضَّرَرُ ( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَلْ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمَالِكَ لِيُحْضِرَ الْآبِقَ الْمَعْرُوفَ مَكَانَهُ بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ إنَّهُ إذَا عَرَفَ مَوْضِعَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ يُمْكِنُ رَدُّهُ فِي زَمَانٍ يَسِيرٍ وَقَالَ الْغَاصِبُ أَرُدُّهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَذْلِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَ ( قَوْلُهُ : وَتُتَصَوَّرُ زِيَادَتُهَا إلَخْ ) صُورَةُ زِيَادَةِ النَّقْدِ الْمُتَّصِلَةِ أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً فَيَضْرِبُهَا صِحَاحًا فَهَذِهِ قَدْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا تَزِيدُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِنْ نَقْدٍ نَاقِصِ الْقِيمَةِ كَالدَّرَاهِمِ الْمَسْعُودِيَّةِ فَضَرَبَهَا عَلَى سِكَّةٍ تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ السِّكَّةِ الْأُولَى وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَصُورَتُهَا إذَا ضَرَبَ الْقِيمَةَ الْمَأْخُوذَةَ حُلِيًّا وَاسْتُعْمِلَ بِالْإِجَارَةِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ فَإِنَّ الْمَالِكَ يَفُوزُ بِالْأُجْرَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا إنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ فِي الْغَصْبِ كَاسْتِحْقَاقِ بَدَلِ الْمُتْلَفِ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ بَدَلِ الْمُتْلَفِ قَالَ فِي الْخَادِمِ ، وَمَا عَزَاهُ لِلْأَصْحَابِ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ .
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي الِاخْتِلَافِ وَلَوْ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ لَوْ ( اخْتَلَفَا فِي تَلَفِ الْمَغْصُوبِ أَوْ ) فِي ( كَوْنِهِ كَاتِبًا أَوْ مُحْتَرِفًا أَوْ فِي مَالِكِ ثِيَابِ الْعَبْدِ ) أَهُوَ مَالِكُهُ أَوْ غَاصِبُهُ ( أَوْ فِي تَخَلُّلِ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ قَبْلَ تَلَفِهَا ) بِأَنْ قَالَ صَاحِبُهَا تَلِفَتْ بَعْدَ تَخَلُّلِهَا ، وَقَالَ الْغَاصِبُ بَلْ قَبْلَهُ ( صُدِّقَ الْغَاصِبُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى قَدْ يَكُونُ صَادِقًا ، وَيَعْجِزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَلَوْ لَمْ يُصَدَّقْ لَأَدَّى إلَى تَخْلِيدِ حَبْسِهِ ، وَيَدُهُ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَثِيَابُهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا عَدَاهُمَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَعَدَمُ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ ، وَإِذَا حَلَفَ الْغَاصِبُ فِي الْأُولَى فَلِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ الْبَدَلَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى تَقْيِيدِ الْخَمْرِ بِالْمُحْتَرَمَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَمْرَيْنِ ، وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ مَا لَوْ غَصَبَ حُرًّا صَغِيرًا مَثَلًا وَاخْتَلَفَ هُوَ وَالْوَلِيُّ فِي ثِيَابِهِ فَإِنَّ الْمُصَدَّقَ وَلِيُّهُ فَيُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ لِيَحْلِفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَدَ غَاصِبِهِ لَا تَثْبُتُ عَلَى ثِيَابِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ( وَكَذَا ) يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ ( لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ ) الْمُسْتَحَقَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ .
وَعَلَى مَالِكِهِ الْبَيِّنَةُ ( وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ ) بِقِيمَتِهِ ( إلَّا إنْ قُدِّرَتْ الْقِيمَةُ وَلَا تُقْبَلُ ) بَيِّنَتُهُ ( عَلَى الْوَصْفِ ) أَيْ وَصْفِ الْمَغْصُوبِ لِيُقَوِّمَهُ الْمُقَوِّمُونَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْقِيَمِ لِتَفَاوُتِهِمْ فِي الْمَلَاحَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصْفِ ( لَكِنْ ) يَسْتَفِيدُ الْمَالِكُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَصْفِ أَنَّهُ ( إنْ قَدَّرَهَا ) أَيْ الْقِيمَةَ ( الْغَاصِبُ بِحَقِيرٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَصْفِ لَمْ
يُسْمَعْ ) تَقْدِيرُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِصِفَاتٍ فِيمَا غَصَبَهُ تَقْتَضِي النَّفَاسَةَ ثُمَّ قَدَّرَهُ بِحَقِيرٍ لَا يَلِيقُ بِهَا لَمْ يُسْمَعْ تَقْدِيرُهُ بَلْ يُؤْمَرُ بِالزِّيَادَةِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةً لِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِ الْوَصْفِ بِالشَّهَادَةِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَبْدًا بِصِفَةِ كَذَا فَمَاتَ اسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْقَبُولِ ثَمَّ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ تَقْدِيرُ الْغَاصِبِ بِحَقِيرٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الصِّفَةِ كَمَا تَقَرَّرَ ، وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الشُّهُودُ قِيمَتَهَا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ ( فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ لَا أَعْرِفُهَا ) أَيْ الْقِيمَةَ أَيْ قَدْرَهَا ( لَكِنَّهَا دُونَ مَا ادَّعَى ) بِهِ الْمَالِكُ عَلَيَّ ( لَمْ يُسْمَعْ ) قَوْلُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرًا فَإِذَا بَيَّنَهُ حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَالِكُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَاسْتَحَقَّهُ ( أَوْ قَالَ شُهُودُ الْمَالِكِ هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا قَدَّرَ ) الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ ( سُمِعَتْ ) شَهَادَتُهُمْ .
وَفَائِدَةُ سَمَاعِهَا مِنْهُمْ مَعَ عَدَمِ تَقْدِيرِهِمْ لَهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكُلِّفَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( الزِّيَادَةَ ) عَلَى مَا قَدَّرَهُ ( إلَى حَدٍّ لَا يَقْطَعُونَ ) أَيْ الشُّهُودُ ( بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَوْ ، وَصَفَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( الْغَاصِبُ بِعَيْبٍ خِلْقِيٍّ كَالْكَمَهِ ) ، وَعَدَمِ الْيَدِ خِلْقَةً ، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ( صُدِّقَ ) الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ ، وَعَدَمُ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَالْمَالِكُ يُمْكِنُهُ الْإِثْبَاتُ بِالْبَيِّنَةِ ( لَا إنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ وَاخْتَلَفَا فِي ) عَيْبٍ ( حَادِثٍ كَالْعَمَى ) كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ كَانَ أَعْمَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ سَارِقًا ، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ ( صُدِّقَ الْمَالِكُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ
وَتَصْرِيحُهُ بِالتَّقْيِيدِ بِتَلَفِ الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ أَعْمَى ) مَثَلًا ( وَقَالَ هَكَذَا غَصَبْته ) ، وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَك ( صُدِّقَ الْغَاصِبُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ .
وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ بَلْ لَوْ تَلِفَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ ، وَمِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْآتِيَةِ ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي التَّلَفِ قَدْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَضَعُفَ جَانِبُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الرَّدِّ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى قَدْ يَكُونُ صَادِقًا إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا فَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا ظَاهِرًا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِالسَّبَبِ كَالْمُودَعِ وَقَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا فَإِنْ ذَكَرَهُ فَكَالْمُودَعِ ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ يَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ ( قَوْلُهُ : وَيَدُهُ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَثِيَابُهُ ) هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ إنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِالْعِمَامَةِ مَنْ قَالَ عِنْدِي عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ بَلْ صُورَةُ هَذَا أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَرَدَّهُ لِمَالِكِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْعِمَامَةَ لَهُ وَقَالَ مَالِكُهُ : هُوَ وَهِيَ لِي فَمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهَا وَيُحْمَلُ الْمَذْكُورُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ اسْتَثْنَى الثِّيَابَ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْإِقْرَارِ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَسْتَثْنِ الثِّيَابَ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ كَذَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى عُجَيْلٌ وَلَا مُخَالَفَةَ إذَنْ ( قَوْلُهُ : فَلِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ الْبَدَلَ عَلَى الْأَصَحِّ ) قَالَ الْفَارِقِيُّ وَلِلْغَاصِبِ إجْبَارُ الْمَالِكِ عَلَى أَخْذِ الْبَدَلِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى تَقْيِيدِ الْخَمْرِ بِالْمُحْتَرَمَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوهَا بِالْمُحْتَرَمَةِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَتْ مَغْصُوبَةً عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْيَدِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مَغْصُوبَةً بِاعْتِبَارِ مُدَّعِيهَا فَيُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْيِيدِ تَصْدِيقُ الْغَاصِبِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِصِفَاتٍ فِيمَا غَصَبَهُ تَقْتَضِي النَّفَاسَةَ )
كَقَوْلِهِ مُورِدُ الْخَدَّيْنِ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ ، وَهَذَا عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَبْدًا بِصِفَةِ كَذَا ثُمَّ تَلِفَ الْعَبْدُ فَشَهَادَتُهُمَا بِالصِّفَةِ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ التَّقْوِيمِ عَيْنًا بَلْ لِلرَّدِّ أَوْ قِيمَةِ الْحَيْلُولَةِ .
وَمَسْأَلَتُنَا فِيمَا إذَا تَلِفَ ثُمَّ شَهِدَا لِتَقْوِيمِ الْقِيمَةِ ، وَإِنَّمَا غَرَّمَهُ هُنَاكَ الْقِيمَةَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِثُبُوتِ تِلْكَ الصِّفَةِ ابْتِدَاءً وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ هُنَا فَقَالَ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا كَانَتْ تُرْكِيَّةً بِنْتَ عَشْرِ سِنِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهَا لَمْ يُقَوَّمْ بِالصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَتَيْنِ قَدْ تَتَّفِقَانِ فِي الصِّفَاتِ الَّتِي تَذْكُرُهَا الشُّهُودُ وَتَخْتَلِفَانِ فِي الْقِيمَةِ لِكَوْنِ إحْدَاهُمَا أَخَفَّ رُوحًا ، وَأَكْمَلَ عَقْلًا ، وَأَحْلَى لِسَانًا ، وَأَبَشَّ .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا قَضَى لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَهِدَا بِهِ مَعْلُومٌ فِي الْجُمْلَةِ وَيَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَإِنْ ذَكَرَا قِيمَتَهَا لَزِمْته فَإِنْ مَاتَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ قِيمَتِهَا فَإِنَّهُ غَارِمٌ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا لَا يُحْتَمَلُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ قِيمَتُهَا دِرْهَمٌ فَلَا يُقْبَلُ وَيَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قَالَ شُهُودُ الْمَالِكِ إلَخْ ) لَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً بِقِيمَتِهِ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ تُسْمَعْ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْغَاصِبِ .
( وَإِنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ دَارٍ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِجَارِيَةٍ ) أَيْ بِغَصْبِهَا ( فَقَالَ ) الْمَالِكُ ( لَا بَلْ بِالْمَدِينَةِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ ) غَصَبْت ( عَبْدًا ) فِي الثَّانِيَةِ ( حَلَفَ الْغَاصِبُ ) أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْ دَارَ الْمَدِينَةِ وَلَا الْعَبْدَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَصْبِهِ لَهُمَا ( وَسَقَطَتْ دَارُ الْمَدِينَةِ أَوْ الْعَبْدُ ) أَيْ سَقَطَ ( بِيَمِينِهِ ) حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَدَارُ الْكُوفَةِ أَوْ الْجَارِيَةُ ) أَيْ وَسَقَطَ حَقُّهُ أَيْضًا مِنْ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ ( بِرَدِّ الْإِقْرَارِ ) أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فَيَثْبُتُ ( وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ ) لِلْغَاصِبِ ، وَقَدْ غَصَبَ مِنْهُ طَعَامًا ( طَعَامِي ) الَّذِي غَصَبْته ( جَدِيدٌ ، وَقَالَ الْغَاصِبُ بَلْ عَتِيقٌ صُدِّقَ الْغَاصِبُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَصْبِ الْجَدِيدِ ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمَالِكِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي حَادِثٍ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ ثَمَّ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَعْيِينِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا بِقَرِينَةِ مَسْأَلَةِ دَارِ الْكُوفَةِ ( فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَالِكُ ) ، وَأَخَذَ الْجَدِيدَ ( وَلَهُ أَخْذُ الْعَتِيقِ ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ ) .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ دَارٍ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِجَارِيَةٍ إلَخْ ) لَوْ أَحْضَرَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ ثَوْبًا وَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي غَصَبْته مِنْك وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ غَيْرَهُ ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدِي جَعْلُ الْمَغْصُوبِ كَالتَّالِفِ ، وَإِلْزَامُ الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا قَالَ الْمَالِكُ غَصَبْت مِنِّي ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْغَاصِبُ هُوَ هَذَا الثَّوْبُ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَإِلْزَامُ الْغَاصِبِ بِخَمْسَةٍ لِلْمَالِكِ قَالَ شَيْخُنَا يُحَرَّرُ كَلَامُهُ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ هَذَا وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِثَوْبٍ ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَيَبْقَى فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ وَيَرُدُّ كَلَامُهُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ وَقَدْ غَصَبَ مِنْهُ طَعَامًا إلَخْ مَعَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْغَصْبِ كَاتَبَهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ طَعَامِي جَدِيدٌ وَقَالَ الْغَاصِبُ بَلْ عَتِيقٌ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ ) نَفْيِ ( الْعِلْمِ ) أَيْ عِلْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ ( مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي ) الْمَرْدُودَةِ ( لَمْ يَرْجِعْ ) بِالثَّمَنِ ( عَلَى الْبَائِعِ ) لِتَقْصِيرِهِ بِاعْتِرَافِهِ مَعَ شِرَائِهِ أَوْ بِنُكُولِهِ ، وَخَرَجَ بِالْمُشْتَرِي الْبَائِعُ فَلَا يُقْبَلُ اعْتِرَافُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَيَبْقَى الْبَيْعُ بِحَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِرَافُهُ - بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَيُجْعَلُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ ثُمَّ لَوْ عَادَ الْمَبِيعُ إلَى الْبَائِعِ بِإِرْثٍ أَوْ بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ لِلْمُدَّعِي كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ هُنَا أَيْضًا ( فَإِنْ اسْتَحَقَّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقِهِمَا ) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لِلْمُدَّعِي ( رَجَعَ ) الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبِبَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ ( وَإِنْ صَدَّقَاهُ ) عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ ، وَكَانَ عَبْدًا ( وَقَدْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ ، وَإِنْ وَافَقَهُمَا الْعَبْدُ ) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ؛ لِأَنَّ فِي عِتْقِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا سُمِعَتْ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ مُوَافَقَةِ الْمُكَاتَبِ ) مِنْ الْمُشْتَرِي ( لَهُمَا ) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْكِتَابَةَ ( تَقْبَلُ الْفَسْخَ ) بِخِلَافِ الْعِتْقِ ، وَيُفَارِقُ حُكْمُهُ بُطْلَانَ حُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ إذَا أَقَرَّ بِرِقِّهِ لِإِنْسَانٍ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْجَعْلِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيَّةِ لَا سِيَّمَا حُرِّيَّةَ الدَّارِ ( وَلِلْمُدَّعِي ) فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ ( مُطَالَبَتُهُمَا ) أَيْ مُطَالَبَةُ مَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمَا فَيُطَالِبُ الْبَائِعَ إنْ صَدَّقَهُ وَحْدَهُ وَالْمُشْتَرِيَ كَذَلِكَ ، وَيُطَالِبُهُمَا مَعًا إنْ صَدَّقَاهُ ( بِالْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ( وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لِلرِّقِّ ( لَكِنْ لَا يُطَالَبُ
) بِفَتْحِ اللَّامِ ( بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ ) الَّتِي كَانَتْ ( فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ ، وَقَدْ اكْتَسَبَ ) شَيْئًا ( فَهُوَ لِلْمُدَّعِي ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ آدَمِيٍّ ) ، وَقَدْ تَوَافَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ( لَكِنْ لَا يُطَالِبُهُ ) أَيْ الْعَتِيقُ أَيْ وَاضِعُ يَدِهِ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ ( بِكَسْبٍ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ ( فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ حَيًّا ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ رَدَدْته حَيًّا ، وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ مَاتَ عِنْدَك ( وَتَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ ) لَهُمَا فِي ذَلِكَ ( سَقَطَتَا ، وَصُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ ) فَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءَ الْغَصْبِ ( وَإِنْ قَالَ ) إنْسَانٌ ( غَصَبْنَا ) مِنْ زَيْدٍ ( أَلْفًا ثُمَّ قَالَ كُنَّا عَشَرَةً ) ، وَخَالَفَهُ زَيْدٌ ( صُدِّقَ ) الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ .
( قَوْلُهُ : وَخَرَجَ بِالْمُشْتَرِي الْبَائِعُ فَلَا يُقْبَلُ اعْتِرَافُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَخْ ) لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَصْبِ فَإِنْ كَانَ حِينَ الْبَيْعِ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ لَمْ تُسْمَعْ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا لَفْظُ الْبَيْعِ سُمِعَتْ قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مُوَافَقَةِ الْمُكَاتَبِ لَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ أَمَّا إذَا لَمْ يُوَافِقْ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الرَّهْنِ لَوْ رَهَنَ ، وَأَقْبَضَ ثُمَّ قَالَ كُنْت غَصَبْته وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُرْتَهِنُ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ وَقَدْ اكْتَسَبَ شَيْئًا إلَخْ ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ نَسِيبٌ يَرِثُهُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ غَصَبْنَا أَلْفًا ثُمَّ قَالَ كُنَّا عَشَرَةً صُدِّقَ ) فِي رَوْضَةِ شُرَيْحٍ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى نَفْسِهِ ، وَإِلَى رَجُلَيْنِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَلَا تَنْفَعُهُ الْإِشَارَةُ ، وَأَظْهَرُهُمَا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لَكُمْ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ وَلِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ وَكَانَا غَائِبَيْنِ فَقَالَ الْمُخَاطَبُ كُلُّ الْأَلْفِ لِي قَالَ جَدِّي : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِيَمِينِهِ فِيمَا أَرَادَ ، وَعِنْدِي أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْمُخَاطَبِ فَقَدْ يُخَاطَبُ الْوَاحِدُ بِخِطَابِ الْجَمَاعَةِ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الطَّوَارِئِ عَلَى الْمَغْصُوبِ ) ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ .
الْأَوَّلُ فِي النَّقْصِ ) لِلْقِيمَةِ أَوْ الْجُزْءِ أَوْ الصِّفَةِ ( وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَ الْقِيمَة بِالرُّخْصِ ) كَأَنْ غَصَبَ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً وَرَدَّهُ بِحَالِهِ ، وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا ( إلَّا عِنْدَ التَّلَفِ أَوْ ذَهَابِ جُزْءٍ ، وَصِفَةٍ ) فَيَضْمَنُ نَقْصَ الْقِيمَةِ بِأَقْصَى الْقِيَمِ ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَذَا مِمَّا قَبْلَهُ نَوْعُ قَلَاقَةٍ ( فَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا قِيمَتُهُ ) مِنْ الدَّنَانِيرِ ( عَشَرَةٌ فَعَادَتْ بِالرُّخْصِ دِينَارًا ثُمَّ تَلِفَ لَزِمَهُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ ) كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ ) بَعْدَ الرُّخْصِ ( بَلْ عَادَتْ ) قِيمَتُهُ ( بِاللُّبْسِ ) لِلثَّوْبِ ( أَوْ نِسْيَانِ الصَّنْعَةِ ) لِلْعَبْدِ ( إلَى نِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ مَعَ رَدِّ ) هـ ( خَمْسَةٌ ) لِنِصْفِهِ التَّالِفِ بِاللُّبْسِ أَوْ النِّسْيَانِ ؛ لِأَنَّهَا أَقْصَى قِيمَةٍ وَالنَّقْصُ الْبَاقِي ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ سَبَبُهُ الرُّخْصُ ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، وَيَجِبُ مَعَ الْخَمْسَةِ أُجْرَةُ اللُّبْسِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ .
( وَإِنْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ ) الَّتِي هِيَ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَوْ الْعَبْدِ ( بِالرُّخْصِ إلَى خَمْسَةٍ وَ ) بَعْدَهُ ( بِاللُّبْسِ أَوْ النِّسْيَانِ إلَى دِينَارَيْنِ وَرَدَّهُ لَزِمَهُ سِتَّةٌ ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ ) مِنْهُ بِذَلِكَ ( ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ ) فَيَغْرَمُهَا بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ أَقْصَى الْقِيَمِ ، وَهِيَ السِّتَّةُ ( فَلَوْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ بِاللُّبْسِ ) أَوْ النِّسْيَانِ ( إلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ بِالْغَلَاءِ إلَى عِشْرِينَ لَزِمَهُ ) مَعَ رَدِّهِ ( خَمْسَةٌ ) فَقَطْ ، وَهِيَ الْفَائِتَةُ بِاللُّبْسِ أَوْ النِّسْيَانِ ( لِامْتِنَاعِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ ) الْحَاصِلَةِ ( بَعْدَ التَّلَفِ ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ ( هَلْ حَدَثَ الْغَلَاءُ قَبْلَ التَّلَفِ ) بِاللُّبْسِ أَوْ النِّسْيَانِ ( أَوْ بَعْدَهُ ) بِأَنْ
قَالَ الْمَالِكُ حَدَثَ قَبْلَهُ ، وَقَالَ الْغَاصِبُ بَلْ بَعْدَهُ ( صُدِّقَ الْغَاصِبُ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ كَمَا لَوْ تَلِفَ كُلُّهُ وَاخْتَلَفَا فِي أَنَّ الْقِيمَةَ زَادَتْ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الطَّوَارِئِ عَلَى الْمَغْصُوبِ ) ( قَوْلُهُ : وَلَا يُضْمَنُ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِالرُّخْصِ ) احْتَرَزَ بِالنُّقْصَانِ عَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ قِيمَةٌ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَغَصْبِ الْمَاءِ فِي الْمَفَازَةِ وَالْجَمْدِ وَالْفَحْمِ إذَا رَدَّهُمَا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ .
( فَصْلٌ : وَإِنْ نَقَصَتْ الصِّفَةُ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ ( كَمَنْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ طَحَنَ حِنْطَةً ) أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ ( رَدَّهَا ) لِخَبَرِ { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } ( مَعَ الْأَرْشِ ) وَلَوْ كَانَ قَدَّرَ الْقِيمَةَ كَقَطْعِ يَدَيْ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَرْكُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَهُ وَتَغْرِيمُ بَدَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ ( فَإِنْ فَعَلَ ) بِالْمَغْصُوبِ ( مَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ كَحِنْطَةٍ بَلَّهَا فَتَعَفَّنَتْ أَوْ جَعَلَهَا هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ ) لِإِشْرَافِهِ عَلَى التَّلَفِ وَلَوْ تُرِكَ بِحَالِهِ لَفَسَدَ فَكَأَنَّهُ تَالِفٌ ( فَيَغْرَمُ الْبَدَلَ ) مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْفَلَسِ حَيْثُ جُعِلَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُفْلِسِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَالتَّالِفِ بِأَنَّا لَوْ لَمْ نُثْبِتْ لَهُ الشَّرِكَةَ لَمَا حَصَلَ لَهُ تَمَامُ حَقِّهِ بَلْ احْتَاجَ إلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَهُنَا يَحْصُلُ لِلْمَالِكِ تَمَامُ - الْبَدَلِ ( وَهَلْ يَمْلِكُهَا ) أَيْ الْحِنْطَةَ ( الْغَاصِبُ ) إتْمَامًا لِلتَّشْبِيهِ بِالتَّالِفِ أَوْ تَبْقَى لِلْمَالِكِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الظُّلْمُ حَقَّهُ ( وَجْهَانِ ) رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى النَّصِّ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَعْلِهَا كَالتَّالِفِ وَبَيْنَ أَخْذِهَا مَعَ أَرْشِ عَيْبٍ سَارٍ أَيْ شَأْنُهُ السِّرَايَةُ ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَرْشِ عَيْبٍ وَاقِفٍ ( وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَرَضُ الْعَبْدِ ) الْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ سَارِيًا عَسُرَ الْعِلَاجُ كَالسُّلِّ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ بِخِلَافِ عَفَنِ الْحِنْطَةِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى الْفَسَادِ قَطْعًا .
( وَلَوْ نَجَّسَ ) الْغَاصِبُ ( زَيْتَهُ ) أَيْ زَيْتَ الْمَالِكِ ( غَرِمَ ) لَهُ ( بَدَلَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ كَالتَّالِفِ ( وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِزَيْتِهِ ) ، وَيُفَارِقُ الْحِنْطَةَ فِيمَا مَرَّ
بِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالتَّنَجُّسِ فَصَارَ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا فَلَا مَحْذُورَ فِي إعَادَتِهَا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ لَا تَخْرُجُ بِالْعَفَنِ وَنَحْوِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ فَفِي إعَادَتِهَا لِلْمَالِكِ مَحْذُورٌ ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُبْدَلِ وَالْبَدَلِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا لَوْ خَلَطَ الزَّيْتَ أَوْ نَحْوَهُ بِجِنْسِهِ ( وَلَوْ تَعَفَّنَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ ) عِنْدَ الْغَاصِبِ لِطُولِ الْمُدَّةِ ( أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ ) وَلَمْ يُجْعَلْ كَالتَّالِفِ نَظِيرَ مَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ التَّعَفُّنَ هُنَا حَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ بِخِلَافِهِ ثُمَّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَارَ الْمَغْصُوبُ هَرِيسَةً بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ .
( قَوْلُهُ : كَحِنْطَةٍ بَلَّهَا إلَخْ ) وَكَأَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الزَّيْتِ وَتَعَذَّرَ تَخْلِيصُهُ أَوْ وَضَعَ الْحِنْطَةَ فِي مَكَان نَدِيٍّ فَعَفِنَتْ عَفَنًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ قَالَ فِي الْخَادِمِ تَمْثِيلُهُ يُفْهِمُ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمِثْلِيِّ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَطْعُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ فِي الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ جِرَاحَةً لَا يُعْلَمُ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَلِّطُ الْمَالِكَ عَلَى طَلَبِ الْقِيمَةِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : إتْمَامًا لِلتَّشْبِيهِ بِالتَّالِفِ ) ؛ لِأَنَّهُ غُرْمٌ لِلْمَالِكِ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْحِنْطَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَبْقَى لِلْمَالِكِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الظُّلْمُ حَقَّهُ ) وَكَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِجِلْدِهَا ( قَوْلُهُ : رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ ) وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَا بَاقِيَةٌ وَفِي الشَّاةِ غَيْرُ بَاقِيَةٍ ( قَوْلُهُ : وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ ) وَقَالَ لَا وَجْهَ لِمُقَابِلِهِ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ تَعَفَّنَ الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمَالِكُ تَعَفَّنَ بِنَفْسِهِ لِيَأْخُذَهَا ، وَأَرْشَهَا وَقَالَ الْغَاصِبُ عَفَّنْتهَا لِيَمْلِكَهَا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ كا .
( فَصْلٌ ) فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَبَدَأَ بِبَيَانِ جِنَايَتِهِ فَقَالَ ( وَإِنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ ) بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ أَوْ لِلْقِصَاصِ ، وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ ( فَدَاهُ الْغَاصِبُ ) وُجُوبًا ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ( بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ ، وَقِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ الْقِيمَةَ فَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ أَوْ الْمَالَ الْمُتَعَلِّقَ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ ( وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْفِدَاءِ غَرِمَ لِلْمَالِكِ أَكْثَرَ الْقِيَمِ ) مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَسَائِرِ الْمَغْصُوبَاتِ ( وَغَرِمَ ) أَيْضًا ( لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ ( وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ التَّعَلُّقُ مِمَّا غَرِمَ ) الْغَاصِبُ ( لِلْمَالِكِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالرَّقَبَةِ يَوْمَئِذٍ فَتَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا كَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ كَانَتْ قِيمَتُهُ رَهْنًا ( ثُمَّ ) إذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الْقِيمَةِ يَكُونُ ( لِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ ) عَلَى الْغَاصِبِ ( بِمَا أَخَذَ ) أَيْ أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ( مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ بَلْ أُخِذَ مِنْهُ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَهَذَا ( كَمَا يَرْجِعُ ) الْمَالِكُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ لِلْجِنَايَةِ ( حِينَ يَرُدُّهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( إذَا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ حِينَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ مِنْ الْغَاصِبِ الْأَرْشَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْهُ لَا يُجَابُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ ، وَعَلَّلَهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يُبَرِّئُ الْغَاصِبَ ثُمَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ كُلَّ الْقِيمَةِ
بِأَنْ كَانَ الْأَرْشُ مِثْلَهَا ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضَهَا بِأَنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَلْفًا وَالْأَرْشُ خَمْسَمِائَةٍ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَلَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ قَدْ سُلِّمَ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَرَجَعَ بِانْخِفَاضِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ جَنَى ، وَمَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ .
( وَلَوْ كَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ أَكْثَرَ ) مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ ( وَزَادَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ فَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( إلَّا ذَلِكَ ) أَيْ قَدْرَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ تَخَلَّلَ الْغَصْبُ وَالرَّدُّ ) لِلْعَبْدِ ( بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْبَيْعِ ) فِيهَا ( فَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ ، وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : فَدَاهُ الْغَاصِبُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ وَقِيمَتِهِ ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَيْضًا أَرْشُ مَا نَقَصَ بِعَيْبِ الْجِنَايَةِ ( فَرْعٌ ) لَوْ حُمَّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ كَذَلِكَ وَدَامَ حَتَّى مَاتَ فِي يَدِ الْمَالِكِ يَلْزَمُهُ كَمَالُ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ الْمُسْتَامُ أَوْ الْمُسْتَعِيرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ الْعَيْنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ ( قَوْلُهُ : كَمَا يَرْجِعُ حِينَ يَرُدُّهُ إذَا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الصَّوَابُ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْبَابِ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ بِجُمْلَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ دُونَ أَقْصَى الْقِيَمِ فَاَلَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ أَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا يَقْتَصِرُ رُجُوعُهُ عَلَى مَا بِيعَ بِهِ فَإِنْ قُلْت إذَا رَدَّهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْقِيمَةِ فَاللَّازِمُ مَا بِيعَ بِهِ لَا أَقْصَى الْقِيَمِ قُلْت لَا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي تَفْرِيعِ ابْنِ الْحَدَّادِ مِنْ رُجُوعِ الْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَالثَّانِي إنْ رَدَّهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَخْرُجُ الْغَاصِبُ عَنْ عُهْدَةِ الْقِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْعَبْدَ مَحْمُومًا مَثَلًا وَدَامَتْ الْحُمَّى حَتَّى مَاتَ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ كَمَالُ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَتْ صُورَةُ الرَّدِّ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي فَصَّلْته لَا بُدَّ مِنْهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا وَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ وَقُلْنَا إنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْعَوَارِيِّ فَكَانَ الثَّمَنُ مِثْلَ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَإِنْ زَادَ الثَّمَنُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ إذْ هُوَ شَأْنُ الْعَوَارِيّ ، وَقَالَ الْقَاضِي يَغْرَمُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى بِهِ دَيْنَهُ ، وَهُوَ بَدَلُ سِلْعَةِ الْمُعِيرِ ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْأَقْصَى فِي الْغَصْبِ
لِمَكَانِ التَّغْلِيظِ ، وَمَا صَوَّبَهُ مَرْدُودٌ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( جَنَى الْمَغْصُوبُ جِنَايَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَالْأُولَى ) مِنْهُمَا ( فِي يَدِ الْمَالِكِ ) وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ ( بِيعَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا وَاقْتَسَمَاهُ ) أَيْ ثَمَنَهُ نِصْفَيْنِ إنْ تَسَاوَى الْأَرْشَانِ ( ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ) ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ وُجِدَتْ وَالْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ ( وَ ) حِينَئِذٍ ( لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَخْذُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِهَا ) الْأَوْلَى أَخَذُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ بِجِنَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْغَصْبُ ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّهِ فَلَا يَأْخُذُ مِمَّا وَجَبَ بِهِ شَيْئًا كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ جَنَى عَلَى آخَرَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ سِرَايَةً فَإِنَّ أَرْشَ الْيَدِ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ثَانِيًا شَيْئًا لِوُجُوبِهِ بِالْقَطْعِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ قَالَ فِيهَا كَأَصْلِهَا : وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَتَيْنِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلِلْمَالِكِ طَلَبُ الْقِيمَةِ مِنْهُ وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا أَخْذُهَا فَإِذَا أَخَذَاهَا فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهَا عَلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهَا بِجِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِذَا رَجَعَ بِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَخْذُهُ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ .
وَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِجِنَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ ( وَلَوْ جَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا ثُمَّ فِي يَدِ الْمَالِكِ ، وَهُمَا ) أَيْ الْجِنَايَتَانِ ( مُسْتَغْرِقَتَانِ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَغْرِقَةٌ قِيمَتَهُ ( بِيعَ )
لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا ( وَقُسِّمَ ) ثَمَنُهُ ( بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ ( وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ ) عَلَى الْغَاصِبِ ( بِالنِّصْفِ ) أَيْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْجِنَايَةِ الْمَضْمُونَةِ عَلَيْهِ ( وَلِلْأَوَّلِ التَّعَلُّقُ بِهِ ) كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ( ثُمَّ ) إذَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِكِ ( يَرْجِعُ ) بِهِ الْمَالِكُ ( عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى ) ، وَيَسْلَمُ لَهُ الْمَأْخُوذُ ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَالثَّانِيَ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ إلَّا بِالنِّصْفِ ، وَقَدْ أَخَذَهُ ( وَإِنْ غَصَبَهُ ثَانِيًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، وَقَتَلَهُ أَوْ مَاتَ مَعَهُ ) فِي عِبَارَتِهِ قَلْبٌ فَكَانَ الْأَوْلَى لِيُوَافِقَ أَصْلَهُ أَنْ يَقُولَ وَمَاتَ عِنْدَهُ أَوْ قَتَلَهُ أَيْ بِلَا غَصْبٍ ( أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ ، وَقُسِّمَتْ ) بَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا ( ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ بِالنِّصْفِ ) ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ ( فَيَأْخُذُهُ ) مِنْهُ ( الْأَوَّلُ ثُمَّ يَرْجِعُ ) بِهِ عَلَيْهِ الْمَالِكُ ( مَرَّةً أُخْرَى ، وَيُسَلِّمُ لَهُ ) الْمَأْخُوذَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ ( ، وَقَدْ غَرِمَ ) الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ ( قَيِّمَتَيْنِ ) إحْدَاهُمَا بِالْجِنَايَةِ وَالْأُخْرَى بِالتَّلَفِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْته .
( فَصْلٌ : وَإِنْ ارْتَدَّ أَوْ قَتَلَ الْمَغْصُوبُ إنْسَانًا فَقُتِلَ ) وَلَوْ فِي يَدِ الْمَالِكِ بِرِدَّتِهِ أَوْ قَتْلِهِ ( لَزِمَ الْغَاصِبَ أَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ الْغَصْبِ إلَى الْقَتْلِ ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَوَاتِ حَصَلَ فِي يَدِهِ ( وَإِنْ قَطَعَ ) عُضْوَ غَيْرِهِ ( أَوْ سَرَقَ فَقُطِعَ ) بِقَطْعِهِ أَوْ سَرِقَتِهِ ( فِي يَدِ الْغَاصِبِ ) أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( غَرِمَ نَقْصَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ الرِّدَّةُ ) ، وَقَعَتْ ( فِي يَدِ الْمَالِكِ وَالْعُقُوبَةُ ) لِمَنْ ، وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ ( فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَمْ يَضْمَنْ ) كَمَنْ اشْتَرَى مُرْتَدًّا أَوْ سَارِقًا فَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَالْجِنَايَةُ تَشْمَلُ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ وَالسَّرِقَةَ فَتَعْبِيرُهُ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالسَّرِقَةِ .
( وَيَضْمَنُ ) الْغَاصِبُ ( فِي عَكْسِهِ ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ الرِّدَّةُ فِي يَدِهِ وَالْعُقُوبَةُ فِي يَدِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَوَاتِ حَصَلَ فِي يَدِهِ ، وَهَذَا يَشْمَلُ بَعْضَ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ .
قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَامٌّ قَابِلٌ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمِلْكِ التَّامِّ ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَقَالَ ( وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ ) عَمْدًا ( وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ ) مِنْهُ ( بَرِئَ الْغَاصِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَ حَقِّهِ وَلَا نَظَرَ مَعَ الْقِصَاصِ إلَى تَفَاوُتِ الْقِيمَةِ كَمَا لَا نَظَرَ فِي الْأَحْرَارِ إلَى تَفَاوُتِ الدِّيَةِ ( وَإِنْ قَتَلَهُ حُرٌّ طَالَبَهُمَا ) أَيْ الْمَالِكَ الْغَاصِبَ وَالْجَانِيَ أَيْ أَيَّهُمَا شَاءَ ( وَ ) لَكِنَّ ( قَرَارَ ضَمَانِ قِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ ) أَيْ الْقَتْلِ ( عَلَى الْجَانِي ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهُ ( وَالزَّائِدُ ) عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَتْلِ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) بِحُكْمِ الْيَدِ ( وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَمْدًا وَآلَ الْأَمْرُ إلَى مَالٍ ( تَعَلَّقَ ) الْمَالُ ( بِرَقَبَتِهِ ) أَيْ الْجَانِي ( وَبِالْغَاصِبِ ) فَيَتَخَيَّرُ مَالِكُهُ بَيْنَهُمَا ( وَ ) لَكِنَّ ( الْقَرَارَ فِي رَقَبَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ ( وَالزَّائِدُ ) عَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَتْلِ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) بِحُكْمِ الْيَدِ فَلَوْ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً الْقِيمَةَ رَجَعَ بِهَا عَلَى سَيِّدِ الْجَانِي إلَّا مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ إلَّا الْغَاصِبُ ( وَكَذَا فِي الْجِرَاحَةِ ) يُطَالِبُهُمَا ، وَ ( الْقَرَارُ ) لِبَدَلِهَا الْمُقَدَّرِ وَغَيْرِهِ ( عَلَى الْجَانِي ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا لَكِنَّهُ فِي الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ( وَفِي النَّقْصِ ) لِلْقِيمَةِ يَكُونُ النَّقْصُ ( الزَّائِدُ عَلَى ) الْجِرَاحَةِ ( الْمُقَدَّرَةِ ) أَيْ عَلَى أَرْشِهَا الْمُقَدَّرِ ( عَلَى الْغَاصِبِ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ ) مِنْ الْمَغْصُوبِ كَيَدِهِ ( بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّ الزَّائِدَ ) بِتَقْدِيرِ الْجِنَايَةِ ( عَنْ ) بِمَعْنَى عَلَى ( نُقْصَانِ الْقِيمَةِ يَسْقُطُ عَلَى الْغَاصِبِ ) يَعْنِي لَا يُطَالَبُ بِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الطَّرَفِ الثَّانِي .
( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ) أَيْ الْجِرَاحَةُ ( مُقَدَّرَةً ) أَيْ أَرْشُهَا مُقَدَّرًا ( فَالْمُعْتَبَرُ ) فِي النَّقْصِ ( نَقْصُ الْقِيمَةِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ نَقْصٌ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَفِي
الْمُطَالَبَةِ بِأَرْشِ الْمُقَدَّرَةِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ الْقَوْلَانِ فِي ) الْجِنَايَةِ عَلَى ( الْحُرِّ ) وَسَيَأْتِي فِيهَا أَنَّ الْمُرَجَّحَ الْمَنْعُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ نَقْصٍ بِسَرَيَانٍ إلَى نَفْسٍ أَوْ شَرِكَةِ جَارِحٍ ( وَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا فَكَالْآفَةِ ) أَيْ فَهَلْ هُوَ كَذَهَابِهَا بِالْآفَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَلَفٌ لَا بَدَلَ لَهُ ( أَوْ الْجِنَايَةُ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ - يُشْبِهُهَا مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ بِالِاخْتِيَارِ ( ، وَجْهَانِ ) وَالْمُرَادُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ النَّقْصِ أَوْ الْأَكْثَرُ مِنْهُ ، وَمِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ ، وَإِنْ قَطَعَ أَوْ سَرَقَ فَقُطِعَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ غَرِمَ نَقْصَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ ، وَهُوَ الصَّوَابُ .
قَوْلُهُ : وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الصَّوَابُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَكَتَبَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُقَدَّرِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَطْعٍ مُضَمَّنٍ وَالْأَصْلُ فِي الْعَبْدِ ضَمَانُ النَّقْصِ خَرَجَ الْقَطْعُ الْمُضَمَّنُ بِالدَّلِيلِ الَّذِي اقْتَضَى التَّقْدِيرَ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِمَا خَرَجَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بَلْ هُوَ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ .
( فَرْعٌ : وَإِنْ قَتَلَ ) الْعَبْدُ ( الْمَغْصُوبُ إنْسَانًا ثُمَّ قَتَلَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عَبْدٌ لِآخَرَ ) أَيْ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( فَاقْتَصَّ ) مِنْهُ ( السَّيِّدُ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ( سَقَطَ ) بِهِ ( الضَّمَانُ عَنْ الْغَاصِبِ وَبَطَلَ حَقُّ وَرَثَةِ ) الْإِنْسَانِ ( الْمَقْتُولِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِيَ إذَا هَلَكَ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِوَضٌ يَضِيعُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ حَذَفَ بَطَلَ كَانَ أَخْصَرَ ، وَأَوْفَقَ بِعِبَارَةِ الْأَصْلِ حَيْثُ عَبَّرَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالسُّقُوطِ ( نَعَمْ إنْ حَدَثَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ ( عَيْبٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ) مِنْهُ ( غَرِمَهُ ) أَيْ أَرْشَ الْعَيْبِ ( الْغَاصِبُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَرَثَةُ ) أَيْ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ ( أَوْ ) حَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ ( قَبْلَهَا فَازَ بِهِ ) أَيْ بِأَرْشِهِ ( الْمَالِكُ ) ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُقَابِلَ لِلْأَرْشِ كَانَ مَفْقُودًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ ( وَإِنْ عَفَا ) الْمَالِكُ عَنْ الْقِصَاصِ ( عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ) بِالْجِنَايَةِ ( مَالًا تَعَلَّقَ بِهِ الْوَرَثَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجَانِي عَلَى مُوَرِّثِهِمْ .
( وَ ) إذَا أَخَذُوهُ ( رَجَعَ بِهِ ) الْمَالِكُ ( عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا ) ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ ( وَيَسْلَمُ لَهُ ) كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ( وَإِنْ قَتَلَ ) الْمَغْصُوبُ ( غَاصِبَهُ فَقَتَلَهُ وَرَثَتُهُ ) وَلَوْ بَعْدَ رَدِّهِ لِلْمَالِكِ ( أَوْ أَخَذُوا الدِّيَةَ مِنْ رَقَبَتِهِ غَرِمُوا قِيمَتَهُ ) لِسَيِّدِهِ ( مِنْ التَّرِكَةِ ، وَإِنْ عَفَوْا عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْغَاصِبِ فِي الْمَالِ ، وَإِنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ ، وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ اقْتَصَّ وَرَثَتُهُ مِنْهُ رَجَعُوا بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَإِنْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ دَفْعًا ) عَنْهُ ( فَالضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْقَاتِلِ وَلَوْ صَالَ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ كَتَلَفِهِ بِآفَةٍ فَيَضْمَنُهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَتَلَ سَيِّدَهُ ، وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ اقْتَصَّ وَرَثَتُهُ إلَخْ ) أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ مَالِكُهُ قِصَاصًا بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى غَصْبِهِ فَإِنَّ غَاصِبَهُ يَبْرَأُ بِهِ كَمَا مَرَّ .
( فَصْلٌ : وَإِنْ نَقَلَ تُرَابُ أَرْضِ غَيْرِهِ ) بِغَيْرِ إذْنِهِ بِكَشْطِ وَجْهِهَا أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ فِيهَا ( أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ ) إلَى مَحَلِّهِ ( كَمَا كَانَ ) قَبْلَ نَقْلِهِ مِنْ انْبِسَاطٍ وَارْتِفَاعٍ وَلَوْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ هَذَا إنْ بَقِيَ ( وَإِنْ تَلِفَ فَمِثْلُهُ ) أَيْ فَيَجْبُرُهُ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ كَمَا كَانَ هُوَ ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ مِثْلِيٌّ كَمَا مَرَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ مِثْلِهِ غَرِمَ الْأَرْشَ ( فَإِنْ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ ، وَإِنْ ( لَمْ يُطَالِبْ ) هـ الْمَالِكُ بِرَدِّهِ ( فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ ) بِغَيْرِ إذْنٍ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ( إلَّا أَنْ يَضِيقَ مِلْكُهُ أَوْ مِلْكُ غَيْرِهِ أَوْ ) كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ ( شَارِعًا ، وَخَشِيَ التَّعَثُّرَ بِهِ ) أَيْ خَشِيَ مِنْهُ ضَمَانًا ( فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِرَدِّهِ ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ نَقْلُهُ مِنْهَا إلَى مَوَاتٍ أَوْ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا إلَى الْآخَرِ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِرَدِّهِ كَمَا شَمِلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَوْ اسْتَقَلَّ بِرَدِّهِ فَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى نَقْلِهِ ثَانِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَكَذَا ) يَسْتَقِلُّ بِهِ ( إنْ زَالَ بِهِ نَقْصُ الْأَرْضِ إلَّا إنْ أَبْرَأَهُ ) الْمَالِكُ ( عَنْ الْأَرْشِ ) فَلَا يَسْتَقِلُّ بِرَدِّهِ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الرُّويَانِيُّ وَحَيْثُ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي رَدِّهِ فَرَدَّهُ فَمَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ بَسْطِهِ لَمْ يَبْسُطْهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَبْسُوطًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( فَلَوْ كَانَ الْمَحْفُورُ بِئْرًا فَلِلْغَاصِبِ طَمُّهَا ) بِتُرَابِهَا إنْ بَقِيَ وَبِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّرَدِّي فِيهَا ( فَإِنْ طَالَبَ ) هـ ( الْمَالِكُ بِهِ لَزِمَهُ ، وَإِنْ رَضِيَ ) الْمَالِكُ ( بِاسْتِدَامَتِهَا فَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ ) عَلَى
الْغَاصِبِ ( إلَّا خَوْفَ ضَمَانِ مَنْ يَقَعُ فِيهَا انْدَفَعَ عَنْهُ الضَّمَانُ بِرِضَاهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَمُّهَا ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً وَتَعَدِّيًا ( فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ الطَّمِّ ) وَلَمْ يَقُلْ رَضِيت بِبَقَائِهَا ( فَهَلْ يَكُونُ كَالرِّضَا ) بِاسْتِدَامَتِهَا لِتَضَمُّنِ مَنْعِهِ لَهُ مِنْ الطَّمِّ ذَلِكَ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ ضَمَانُ التَّرَدِّي أَوْ لَا لِعَدَمِ تَصْرِيحِهِ بِالرِّضَا ( ، وَجْهَانِ ) أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ غَيْرُ خَوْفِ ضَمَانِ مَنْ يَقَعُ فِيهَا فَلَهُ طَمُّهَا ( وَإِنْ طَوَى الْغَاصِبُ الْبِئْرَ ) بِآلَتِهِ ( فَلَهُ أَخْذُ آلَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ ( وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ أَخْذَهَا ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ ( وَلَوْ تَرَكَهَا لَهُ ) هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا ( ، وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( أُجْرَةُ الْأَرْضِ لِمُدَّةِ الْحَفْرِ وَالرَّدِّ ) ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَقْصٌ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا بِسَبَبٍ مُتَعَدٍّ فِيهِ ( وَ ) عَلَيْهِ مَعَهَا ( أَرْشُ نَقْصٍ إنْ بَقِيَ ) لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا ( وَحَيْثُ قُلْنَا لَهُ الرَّدُّ ) لِلتُّرَابِ ( مِنْ الشَّارِعِ ، وَمِلْكِهِ ) بَلْ ، وَمِلْكُ غَيْرِهِ ( فَوَجَدَ فِي طَرِيقِهِ ) أَوْ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ تَزِدْ مَشَقَّتُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ تَرَدُّدٍ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ ( مَوَاتًا ) أَوْ نَحْوَهُ ( وَاقْتَصَرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى رَدِّهِ إلَى الْمَوَاتِ أَوْ نَحْوِهِ ( إلَّا إنْ طَلَبَ الْمَالِكُ الرَّدَّ ) لَهُ إلَى مَحَلِّهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ كَمَا كَانَ ) كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إعَادَتِهَا كَمَا كَانَتْ إلَّا بِزِيَادَةِ تُرَابٍ آخَرَ لَزِمَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ لَكِنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ قَطْعًا وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْقُمَامَاتِ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِي الدُّورِ فَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ عِنْدَ التَّلَفِ ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَقَرَةٌ ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وُجُوبُ رَدِّهَا ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ إلَخْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَلِفَ فَمِثْلُهُ ) لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَفْرُوشَةً بِالسَّمَادِ وَتَلِفَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ تَعَيَّنَ أَنْ يَضْمَنَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَلَا يُكَلَّفُ رَدَّ مِثْلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُهُ تَعَيَّنَ أَنْ يَضْمَنَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِرَدِّهِ ) ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ ضَمَانِهِ أَوْ رَضِيت بِمَا فَعَلْته بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَفْرَهُ فِي أَرْضِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ ، وَنَقْلَهُ التُّرَابَ إلَى الشَّارِعِ أَوْ نَحْوِهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ .
( قَوْلُهُ : كَأَنْ نَقَلَهُ مِنْهَا إلَى مَوَاتٍ ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ ( قَوْلُهُ : وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَطْلَبِ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ ( قَوْلُهُ : فَلِلْغَاصِبِ طَمُّهَا بِتُرَابِهَا ) حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هُنَا وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ : لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَمَانِ التَّرَدِّي فِيهَا ) انْدَفَعَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ التُّرَابَ إذَا تَلِفَ وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ مِثْلُهُ وَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يُمْلَكُ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الرَّدُّ بِدُونِ
الْإِذْنِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ رَضِيَ بِاسْتِدَامَتِهَا ) أَيْ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ فِيهَا ( قَوْلُهُ : فَهَلْ يَكُونُ كَالرِّضَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ إلَخْ ) وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَزِدْ مَشَقَّتُهُ ) بِأَنْ تَكُونَ مَسَافَتُهُ كَمَسَافَةِ أَرْضِ الْمَالِكِ أَوْ أَقَلَّ وَقَوْلُهُ : عَلَى الْأَوْجَهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ : إذَا خَصَى الْغَاصِبُ الْعَبْدَ ) الْمَغْصُوبَ بِأَنْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ دُونَ ذَكَرِهِ ( لَزِمَهُ قِيمَتُهُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِرَاحَ الْعَبْدِ تَتَقَدَّرُ ، وَهُوَ الْجَدِيدُ فَلَوْ قَطَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ لَزِمَهُ قِيمَتَاهُ ( إلَّا ) أَيْ لَكِنْ ( إنْ حَصَلَ ذَلِكَ بِآفَةٍ ) سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ ( لَكِنْ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ ) بِذَلِكَ ( ضَمِنَ النَّقْصَ ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَغْلَى الْغَاصِبُ دُهْنًا ) غَصَبَهُ ( فَنَقَصَ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ رَدَّهُ وَغَرِمَ مِثْلَ الذَّاهِبِ ) ؛ لِأَنَّ لِلدُّهْنِ بَدَلًا مُقَدَّرًا ، وَهُوَ الْمِثْلُ فَأَوْجَبْنَاهُ ، وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ بِالْإِغْلَاءِ حَتَّى جَبَرَتْ النَّقْصَ كَخِصَاءِ الْعَبْدِ ( أَوْ عَكْسِهِ ) أَيْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ دُونَ عَيْنِهِ ( غَرِمَ ) مَعَ رَدِّهِ ( الْأَرْشَ ) لِلنَّقْصِ كَغَيْرِهِ ( أَوْ ) نَقَصَا ( مَعًا غَرِمَ ) مَعَ رَدِّ الْبَاقِي ( مِثْلَ الذَّاهِبِ وَنَقْصِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ ) مِنْ قِيمَةِ الذَّاهِبِ كَمَا لَوْ كَانَ صَاعًا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَرَجَعَ بِالْإِغْلَاءِ إلَى نِصْفِ صَاعٍ يُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ فَلَا أَرْشَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ .
( وَإِنْ كَانَ ) الْمَغْصُوبُ ( عَصِيرًا ) فَأَغْلَاهُ ( فَنَقَصَ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) مِثْلُ الذَّاهِبِ ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا وَالذَّاهِبُ مِنْ الدُّهْنِ دُهْنٌ مُتَقَوِّمٌ ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْفَلَسِ حَيْثُ يَضْمَنُ مِثْلَ الذَّاهِبِ لِلْبَائِعِ كَالزَّيْتِ بِأَنَّ مَا زَادَ بِالْإِغْلَاءِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ حِصَّةٌ فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ ، وَالزَّائِدُ بِالْإِغْلَاءِ هُنَا لِلْمَالِكِ فَانْجَبَرَ بِهِ الذَّاهِبُ .
( وَكَذَا الرُّطَبُ يَصِيرُ تَمْرًا ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْعَصِيرُ يَصِيرُ خَلًّا إذَا نَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَا يُضْمَنُ مِثْلُ الذَّاهِبِ ، وَأَجْرَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي اللَّبَنِ إذَا صَارَ جُبْنًا وَنَقَصَ